Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫الحمد هلل نحمده وستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا

فال مضل‬
‫له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد‪ 1‬أن ال إله إالّ هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪،‬‬
‫‪.‬صلى هللا عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬وسلم‪ 1‬تسليما‪ ،‬عما بعد‬
‫اليقين والتوكل(‪)1‬‬

‫معان عظيمة‪ ،‬وصفات جليلة‪ ،‬إذا وصل إليها العبد فإنه يصبح‬
‫ٍ‬ ‫اقتباس‪ :‬اليقين باهلل والتوكل على هللا والثقة باهلل‬
‫ي بالخالق عن الخلق‪ ،‬الذي يفيض اإليمان من نفسه فينير‪ 1‬له دربه ويذلّل له طريقه ويجعله‬
‫َملِك الدنيا الغن َّ‬
‫مطمئنًا في سيره إلى اآلخرة‪ ،‬مس َّددًا في هجرته إلى هللا ورسوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وألن تحقيق اليقين‬
‫مستغن عن الناس فقير إلى هللا‬
‫ٍ‬ ‫‪ ..‬باهلل والتوكل‪ 1‬عليه مفقود لم يشعر الناس بأنهم ملوك‪ ،‬ولم يشعر المسلم بأنه‬

‫‪:‬وبعد‪ :‬يقول هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬في كتابه العزيز‬


‫) َو َمن يَتَ َو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ فَه َ‪ُ1‬و َح ْسبُهُ( ]الطالق‪[3:‬‬
‫‪ -‬آل عمران‪َ (122 :‬و َعلَى هّللا ِ فَ ْليَتَ َو َّك ِل ْال ُمْؤ ِمنُونَ ) ويقول سبحانه‬
‫ويقول ‪-‬عز وجل‪َ ( -‬و َما لَنَا َأالَّ نَت ََو َّك َل َعلَى هّللا ِ َوقَ ْد هَدَانَا ُسبُلَنَا َولَنَصْ بِ َر َّن َعلَى َما آ َذ ْيتُ ُمونَا‪َ 1‬و َعلَى هّللا ِ فَ ْليَتَ َو َّك ِ‪1‬ل‬
‫ْال ُمتَ َو ِّكلُونَ ) إبراهيم‪12:‬‬

‫اخوات في هللا‪ :‬اليقين باهلل والتوكل‪ 1‬على هللا والثقة باهلل معا ٍن عظيمة‪ ،‬وصفات جليلة‪ ،‬إذا وصل إليها العبد فإنه‬
‫ي بالخالق عن الخلق‪ ،‬الذي يفيض اإليمان من نفسه فينير له دربه ويذلّل له طريقه‬
‫يصبح َملِك الدنيا الغن َّ‬
‫ويجعله مطمئنًا‪ 1‬في سيره إلى اآلخرة‪ ،‬مس َّددًا في هجرته إلى هللا ورسوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وألن تحقيق‬
‫مستغن عن الناس فقير إلى‬
‫ٍ‬ ‫اليقين باهلل والتوكل عليه مفقود لم يشعر الناس بأنهم ملوك‪ ،‬ولم يشعر المسلم بأنه‬
‫‪.‬هللا‬
‫والتوكل هو االعتماد على هللا مع إظهار العجز‪ ،‬واالسم منه التّكالن‪ ،‬يقال‪ :‬اتكلت عليه في أمري‪ ،‬قال اإلمام‬
‫أحمد‪" :‬وجملة التوكل تفويض األمر إلى هللا ‪-‬جل ثناؤه‪ -‬والثقة به"‪ ،‬وقال ابن رجب الحنبلي‪" :‬التوكل هو‬
‫‪".‬صدق اعتماد القلب على هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬في استجالب المصالح ودفع‪ 1‬المضار من أمور الدنيا واآلخرة كلها‬
‫وال يعني التوكل عدم األخذ باألسباب الدنيوية‪ ،‬ولكن يعني عدم تعلق القلب بهذه األسباب‪ ،‬بل تعلقه في تحقيق‬
‫‪.‬أي أمر باهلل سبحانه‪ ،‬فال تنافي بين التوكل الذي هو عمل القلب وبين األخذ باألسباب الذي هو عمل الجوارح‬
‫وكما أن ترك التوكل والتفريط فيه أمر مذموم وعيب قادح في اإليمان‪ ،‬فإن المبالغة في التوكل واإلفراط فيه‬
‫الذي يفضي إلى ترك السعي وترك األخذ باألسباب أمر مذموم‪ 1‬أيضًا‪ ،‬وهو إما أن يكون جهالً‪ ،‬وإما أن يكون‬
‫كذبًا وادعا ًء‪ ،‬قال رجل لإلمام أحمد ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬أريد أن أحج إلى مكة على التوكل بغير زاد‪ ،‬فقال اإلمام‬
‫أحمد مستنك ًرا‪ 1‬وليقيم عليه الحجة‪" :‬اخرج في غير قافلة"‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬ال‪ ،‬إال معهم‪ ،‬قال اإلمام أحمد‪" :‬فعلى‬
‫جراب الناس توكلت"‪ .‬أي‪ :‬إنك كاذب في هذا؛ ألنك ستعتمد على الناس في أكلك وشربك‪ 1،‬ولست متوكالً على‬
‫‪.‬هللا كما تدعي‬
‫ض ِعيفًا)‬
‫ق اِإل ن َسانُ َ‬ ‫واإلنسان ‪-‬إخوة اإليمان‪ -‬ال بد له أن يتوكل ألنه خلق ضعيفًا‪ ،‬كما قال هللا سبحانه‪َ ( :‬و ُخلِ َ‬
‫ق هَلُوعًا * ِإ َذا َم َّسهُ ال َّشرُّ َج ُزوعًا * َوِإ َذا َم َّسهُ ْالخَ ْي ُر َمنُوعًا)‬
‫[النساء‪ ،]28:‬وقال سبحانه‪ِ( :‬إ َّن اِإل ن َسانَ ُخلِ َ‬
‫[المعارج‪ ،]21-19:‬فما دام التوكل ضرورة وما دام المرء وال بد متوكالً وال مفر له من التوكل‪ ،‬فقد دلّه هللا‬
‫سبحانه على صفات من يصح أن يتو ّكل عليه ومن ال يخذله إذا تو ّكل عليه‪ ،‬فقال ‪-‬عز من قائل‪َ ( :-‬وتَ َو َّك ْ‪1‬ل َعلَى‬
‫ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫وت َو َسبِّحْ بِ َح ْم ِد ِه َو َكفَى بِ ِه بِ ُذنُو ِ‬
‫ب ِعبَا ِد ِه خَ بِيرًا) [الفرقان‪ ،]58:‬تو ّكل على الحي الذي ال‬
‫‪.‬يموت‪ ،‬هذه هي الصفة األساسية لمن ال يصح التوكل إال عليه‪ ،‬وال يصح الفرار إال إليه‬
‫فإذا أردت ‪-‬يا عبد هللا‪ -‬أن تتوكل فطبّق‪ 1‬هذه القاعدة ثم تو ّكل‪ ،‬إذا قرّرت أن تتوكل على عقلك فتذكر‪َ ( :‬وتَ َو َّكلْ‬
‫وت)‪ ،‬وإذا قررت أن تتوكل على مالك فتذكر‪َ ( :‬وت ََو َّكلْ َعلَى ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫وت)‪ ،‬وإذا‬ ‫َعلَى ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫قررت أن تتوكل على البشر مهما بلغ جاههم ومالهم وسلطانهم فتذكر‪َ ( 1:‬وت ََو َّك ْ‪1‬ل َعلَى ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫وت)‪،‬‬
‫عند ذلك ستترك كل هذه األمور‪ 1‬وكل هذه الوسائط‪ ،‬وتعلم أن التوكل ال يصح إال على هللا‪ ،‬وال تصح الثقة إال‬
‫‪-.‬باهلل‪ ،‬وال يصح اليقين إال باهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‬
‫والتوكل على هللا ‪-‬إخوة اإليمان‪ -‬ثمرة من ثمرات اليقين باهلل‪ ،‬فإن اإلنسان ال يتوكل إال على من أيقن بوجوده‬
‫وبقدرته وعظمته‪ ،‬لهذا كان اليقين من أعظم نعم هللا على العبد‪ ،‬يقول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في الحديث الذي‬
‫‪".‬رواه أحمد والترمذي‪" 1:‬سلوا هللا العفو والعافية‪ ،‬فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية‬
‫فاليقين باهلل من أعظم النعم‪ ،‬وقد جعله رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في هذا الحديث قبل العافية في‬
‫المرتبة‪ ،‬ويقول ابن مسعود‪ 1‬كما عند البخاري‪" 1:‬اليقين اإليمان كله"‪ ،‬ويقول ابن قيم الجوزية‪" :‬واليقين من‬
‫ك نَ ْستَ ِعينُ )‪ ،‬من قال‪ :‬إياك نعبد وإياك نستعين امتحنه هللا باليقين‬
‫‪".‬منازل‪ِ( ‬إيَّاكَ نَ ْعبُ ُد َوِإيَّا َ‬
‫فلنعلم ‪-‬أيها الناس‪ -‬أننا إن ضعف التوكل عندنا فإننا إنما أتينا من ضعف يقيننا‪ ،‬فإذا قوي يقيننا ورسخ في‬
‫قلوبنا قوي‪ 1‬توكلنا على هللا في كل أمور حياتنا‪ ،‬إذا اكتمل اإليمان واليقين في قلوبنا‪ 1‬توكلنا على هللا وفوضنا‬
‫األمر إليه في محاربة األعداء‪ ،‬وفي جلب النفع ودفع‪ 1‬الضر‪ ،‬وفي قضاء الحوائج وفي طلب الرزق‪ 1‬وغير ذلك‬
‫‪.‬من أمور يبتلي هللا سبحانه بها اإلنسان؛ لينظر مقدار توكله على هللا سبحانه‬
‫ال لَهُ ُم النَّاسُ ِإ َّن النَّ َ‬
‫اس قَ ْد‬ ‫ومن أعظم الخلق توكالً على هللا األنبياء ‪-‬عليهم السالم‪ ،-‬يقول سبحانه‪( :‬الَّ ِذينَ قَ َ‬
‫ُوا بِنِ ْع َم ٍة ِّمنَ هّللا ِ َوفَضْ ٍ‪1‬ل لَّ ْم يَ ْم َس ْسهُْ‪1‬م‬
‫وا َح ْسبُنَا هّللا ُ َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل * فَانقَلَب ْ‬
‫اخ َشوْ هُ ْم فَزَا َدهُْ‪1‬م ِإي َمانًا َوقَالُ ْ‬ ‫َج َمع ْ‬
‫ُوا لَ ُك ْم فَ ْ‬
‫ُوا ِرضْ َوانَ هّللا ِ َوهّللا ُ ُذو فَضْ ٍل َع ِظ ٍيم) [آل عمران‪ ،]174 ،173:‬يروي البخاري في صحيحه عن‬
‫سُو ٌء َواتَّبَع ْ‪1‬‬
‫ابن عباس في هذه اآلية قال‪" :‬حسبنا هللا ونعم الوكيل قالها إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬حين ألقي في النار‪ ،‬وقالها‪1‬‬
‫محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬حين قالوا له‪ :‬إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم‪ 1‬فزادهم إيمانًا وقالوا‪ 1‬حسبنا هللا‬
‫‪".‬ونعم الوكيل‬
‫ولنا ‪-‬يا عباد هللا‪ -‬أفضل األسوة وأفضل الدروس في التوكل واليقين باهلل فيما ابتلى هللا به خليله إبراهيم ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ ،-‬فاليقين باهلل سبحانه والثقة به وبأوامره جعلت إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬يضع زوجته وولده الرضيع في‬
‫مكان مقفر مجدب ال ماء فيه وال شجر وال إنس‪ ،‬ثم يذهب بأمر هللا سبحانه ويتركهما‪ 1‬في هذا المكان‪ ،‬ويقين‬
‫المرأة الصالحة باهلل وتوكلها عليه جعلها ترضى‪ 1‬كل الرضا بهذا‪ ،‬وال تعترض وال تتذمر وال تشكو من هذا‬
‫العمل الذي قام به زوجها‪- 1‬عليه السالم‪ ،-‬بل تسلم تسليم المخبتين الطائعين‪ ،‬يروي‪ 1‬البخاري في صحيحه عن‬
‫ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪" :-‬إن إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬جاء بها وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى‬
‫وضعها عند البيت‪ ،‬عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد‪ ،‬وليس بمكة يومئذ‪ 1‬أحد وليس بها ماء‪ ،‬فوضعهما‬
‫هنالك ووضع‪ 1‬عندهما جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء‪ ،‬ثم قفى إبراهيم‪ 1‬منطلقًا‪ ،‬فتبعته أم إسماعيل فقالت‪ :‬يا‬
‫إبراهيم‪ :‬أين تذهب وتتركنا‪ 1‬بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس وال شيء؟! فقالت له ذلك مرارًا‪ ،‬وجعل ال يلتفت‬
‫‪".‬إليها‪ ،‬فقالت له‪ :‬آهلل الذي أمرك بهذا‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬إ ًذا ال يضيعنا‬
‫انظر إلى هذا القول الشافي الواثق‪ ،‬وإلى هذا الظن الحسن والثقة المتناهية باهلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬هي كانت تنتظر‬
‫من إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬ردًا واض ًحا‪ ،‬فما أن قال لها‪ :‬نعم‪ ،‬أي‪ :‬هللا هو الذي أمرني بهذا وأنا أترككم له حتى‬
‫قالت بكامل الثقة‪ :‬إ ًذا ال يضيعنا‪ ،‬ما دمت قد تركتنا في عهدة من يعلم غيب السماوات واألرض و َم ْن كلُّ دابة‬
‫‪.‬في األرض رزقها‪ 1‬عليه و َم ْن هو أرحم بخلقه من الوالدة بولدها‪ ،‬إ ًذا ال يضيعنا‪1‬‬
‫هذه هي قمة اليقين‪ ،‬وهذه هي ذروة التوكل ‪-‬يا عباد هللا‪ ،-‬أما كيف لن يضيعنا؟! أو بأي شيء سينقذنا؟! أو‬
‫ماذا سيرسل‪ 1‬لنا؟! هذا كله ال يهم‪ ،‬المهم أنه مادام األمر من هللا فإنه لن يضيعنا‪ ،‬لو نصل ‪-‬يا عباد هللا‪ -‬إلى‬
‫بعض هذا اليقين أو بعض هذا التوكل إ ًذا النقلبت حياتنا كلها سكينة وطمأنينة‪ ،‬ولرأينا‪ 1‬في أحلك الظروف‪1‬‬
‫وأصعب األوقات نافذة ربانية يشع منها النور‪ ،‬ولكن ضاع اليقين باهلل وبموعود هللا وبنصرة هللا‪ ،‬فغاب التوكل‬
‫وأصبحت حياة اإلنسان جحي ًما‪ ،‬يفكر في الرزق‪ ،‬ويخاف‪ 1‬من الغد‪ ،‬ويضخم األمور‪ ،‬وتركبه الوساوس ألتفه‬
‫األسباب‪ ،‬رغم أنه غير مأمور‪ 1‬بهذا الغم وهذا الهم وهذا التفكير‪ ،‬بل هو مأمور بعبادة هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬والسعي‪1‬‬
‫في مصالحه قدر استطاعته‪ ،‬مجتنبًا ما حرم هللا‪ ،‬ولكنه يترك كل هذا ويشقي نفسه رغم أن النبي ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬يخاطبنا خطابًا بلي ًغا مبينًا واضحًا فيقول‪" :‬لو أنكم تتوكلون‪ 1‬على هللا حق توكله لرزقكم كما يرزق‬
‫‪.‬الطير؛ تغدو‪ 1‬خماصًا وتروح بطانًا"‪ ،‬أي‪ :‬تخرج جائعة خالية البطون‪ ،‬وتعود مآلنة البطون‪ .‬أخرجه الترمذي‬
‫إلى الرحمن ترتفـع األيـادي *** وليس لـغـيره نفـع العباد‬
‫وباب الرزق‪ 1‬باإليمان يطـرق‪ *** 1‬إذا أيقنـت فـأبشر بازدياد‬
‫وثـق بالـرب رزاق‪ 1‬الـبرايا *** كما وثقت به الطير الغوادي‬
‫إذا خرجت من األوكار‪ 1‬جوعى *** تعود بطونهـا مألى بـزاد‬
‫وللتوكل ثمار وفوائد‪ 1‬وبركات يجنيها العبد المتوكل‪ ،‬من ذلك أن يكفيه هللا ك ّل شيء ويكون حسبه سبحانه‪،‬‬
‫يقول تعالى‪َ ( :‬و َمن يَت ََو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ فَهُ َ‪1‬و َح ْسبُهُ) [الطالق‪ .]3:‬ومن ذلك أن ال يكون للشيطان عليه سبيل أو‬
‫ان َعلَى الَّ ِذينَ آ َمنُ ْ‬
‫وا َو َعلَى َربِّ ِه ْم يَتَ َو َّكلُونَ ) [النحل‪ .]99:‬ومن ذلك‬ ‫ط ٌ‬‫ْس لَهُ س ُْل َ‬
‫سلطان‪ ،‬يقول سبحانه‪ِ( :‬إنَّهُ لَي َ‬
‫ُوا بِنِ ْع َم ٍة ِّمنَ هّللا ِ َوفَضْ ٍل لَّ ْم‬
‫وا َح ْسبُنَا هّللا ُ َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل * فَانقَلَب ْ‬
‫الحفظ والنصر‪ 1‬على األعداء‪ ،‬يقول سبحانه‪َ ( :‬وقَالُ ْ‪1‬‬
‫ُوا ِرضْ َوانَ هّللا ِ َوهّللا ُ ُذو فَضْ ٍل َع ِظ ٍيم) [آل عمران‪ ،]174 ،173:‬إلى غير ذلك من آثار‬ ‫يَ ْم َس ْسهُ ْم سُو ٌء َواتَّبَع ْ‬
‫‪.‬وثمار طيبة للتوكل‬
‫فال بد من اليقين باهلل سبحانه والتوكل‪ 1‬عليه حتى ييسر‪ 1‬أمرك يا عبد هللا‪ ،‬وحتى يفتح عليك أبواب فضله‪ ،‬يقول‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم آياتُهُ زَا َد ْتهُ ْم ِإي َمانًَا َو َعلَى َربِّ ِه ْم‬ ‫سبحانه‪ِ( :‬إنَّ َما ْال ُمْؤ ِمنُونَ الَّ ِذينَ ِإ َذا ُذ ِك َر هَّللا ُ َو ِجلَ ْ‬
‫ت قُلُوبُهُْ‪1‬م َوِإ َذا تُلِيَ ْ‬
‫‪.‬يَتَ َو َّكلُونَ ) [األنفال‪]2:‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم‪ ،‬وأجارني وإياكم من خزيه وعذابه األليم‪ .‬أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر‪ 1‬هللا‬
‫‪.‬لي ولكم ولسائر‪ 1‬المسلمين من كل ذنب‪ ،‬إنه هو الغفور الرحيم‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪:‬الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل‪ ،‬من عمل بطاعته هداه‪ ،‬ومن تو ّكل عليه كفاه‪ ،‬ومن أيقن به سدده وجعل الجنة مأواه‪ ،‬والصالة‬
‫‪.‬والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‬
‫عباد هللا‪ :‬التوكل خصلة فيها مرضاة هللا سبحانه‪ ،‬وفيها ذهاب لوساوس‪ 1‬الشيطان اللعين‪ ،‬فبقدر ما يكون‬
‫اإلنسان متوكالً على هللا واثقًا بما عند هللا بقدر ما يكون الشيطان أمامه ضعيفًا خسيسًا فاشالً في وسوسته‪،‬‬
‫وبقدر ما يكون اإلنسان متذبذبًا خوارًا متو ّج ًسا‪ 1‬بقدر ما يقوى الشيطان أمامه ويتعاظم ويع ّكر‪ 1‬عليه صفو حياته‬
‫‪.‬وآخرته‬
‫والتوكل وصية هللا لألنبياء ‪-‬عليهم السالم‪ -‬ووصية األنبياء ألقوامهم‪ 1،‬يقول سبحانه مبينًا ما قاله موسى لقومه‪:‬‬
‫وا ِإن ُكنتُم ُّم ْسلِ ِمينَ ) [يونس‪ ،]84:‬وما قاله نوح‪( :‬يَا قَوْ ِم ِإن َكانَ َكب َُر‬ ‫(يَا قَوْ ِم ِإن ُكنتُ ْم آ َمنتُم بِاهّلل ِ فَ َعلَ ْي ِه تَ َو َّكلُ ْ‬
‫ُوا َأ ْم َر ُك ْ‪1‬م َو ُش َر َكاء ُك ْم ثُ َّم الَ يَ ُك ْن َأ ْم ُر ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم ُغ َّمةً ثُ َّم‬
‫ت فََأجْ ِمع ْ‬
‫ت هّللا ِ فَ َعلَى هّللا ِ تَ َو َّك ْل ُ‬ ‫يري‪ 1‬بِآيَا ِ‬ ‫َعلَ ْي ُكم َّمقَا ِمي َوت َْذ ِك ِ‬
‫ت َعلَى هّللا ِ َربِّي َو َربِّ ُكم‪َّ 1‬ما ِمن دَآبَّ ٍة ِإالَّ ه َُو آ ِخ ٌذ‬ ‫ي َوالَ تُن ِظرُو ِ‪1‬ن) [يونس‪ ،]71:‬وما قاله هود‪ِ( :‬إنِّي تَ َو َّك ْل ُ‬ ‫ا ْقض ْ‬
‫ُوا ِإلَ َّ‬
‫ي ِإالَّ بِاهللِ َعلَ ْي ِه‬ ‫ص َرا ٍط ُّم ْستَقِ ٍيم) [هود‪ ،]56:‬ويقول سبحانه عن شعيب‪َ ( :‬و َما تَوْ فِيقِ َ‪1‬‬ ‫صيَتِهَا ِإ َّن َربِّي َعلَى ِ‬ ‫بِنَا ِ‬
‫ت َوِإلَ ْي ِه ُأنِيبُ ) [هود‪ ،]88:‬وقال سبحانه آمرًا وموجهًا‪ 1‬لرسوله محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪( :-‬فَِإ َذا َع َز ْمتَ‬ ‫تَ َو َّك ْل ُ‬
‫ب ال ِإلَهَ ِإالَّ‬ ‫ق َو ْال َم ْغ ِر ِ‬ ‫فَتَ َو َّكلْ َعلَى هّللا ِ ِإ َّن هّللا َ ي ُِحبُّ ْال ُمتَ َو ِّكلِينَ ) [آل عمران‪ ،]159:‬وقال له أيضًا‪َ ( :‬ربُّ ْال َم ْش ِر ِ‬
‫‪.‬هُ َو فَاتَّ ِخ ْذهُ َو ِكيالً) [المزمل‪]9:‬‬
‫ّ‬
‫وحث عليها قومه‪ ،‬وهذا يدلنا على‬ ‫فما أعظمها من عبادة‪ ،‬وما أعظمها من خصلة‪ ،‬ما من رسول إال تخلّق بها‬
‫عظم هذه العبادة القلبية الجليلة التي غابت عن قلوب المسلمين‪ ،‬فوثقوا في كل شيء ولم يثقوا فيما عند هللا‬
‫‪.‬سبحانه‬
‫فتوكلوا‪ 1‬على هللا ‪-‬أيها الناس‪ ،-‬وأكثروا‪ 1‬من لفظ التوكل على هللا موقنين بهذه الكلمة تنالوا فضلها وبركتها‪،‬‬
‫يقول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪" :-‬إذا خرج الرجل من بيته فقال‪ :‬بسم هللا‪ ،‬توكلت على هللا‪ ،‬ال حول وال قوة إال‬
‫باهلل‪ ،‬فيقال له‪ :‬حسبك‪ ،‬قد هديتَ وكفيت ووقيت‪ ،‬فيتنحى‪ 1‬له الشيطان‪ ،‬فيقول له شيطان آخر‪ :‬كيف لك برجل قد‬
‫‪.‬هدي وكفي ووقي؟‪ ."!1‬أخرجه النسائي عن أنس‬
‫فما أحرانا ‪-‬إخوة اإليمان‪ -‬أن نتحلى بهذه الخصلة العظيمة التي إن تخلّق بها المسلم النت له كل الصعاب‬
‫واستسلم للعزيز‪ 1‬الوهاب‪ ،‬قيل لحاتم األصم ‪-‬كما في سير أعالم النبالء‪ :-‬عال َم بنيت أمرك في التوكل؟! قال‪:‬‬
‫"على‪ ‬خصال أربعة‪ :‬علمت أن رزقي‪ 1‬ال يأكله غيري فاطمأنّت‪ 1‬نفسي‪ ،‬وعلمت أن عملي ال يعمله غيري فأنا‬
‫‪".‬مشغول به‪ ،‬وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره‪ ،‬وعلمت أني ال أخلو من عين هللا فأنا مستحي منه‬
‫اللهم ردنا إليك ردًا جميالً‪ ،‬اللهم ردنا إليك ردًا جميالً‪ ،‬اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا‪ 1‬على دينك‬
‫اليقين (‪)2‬‬

‫منزلة اليقين من اإليمان ‪/2‬من عالمات اليقين ‪/3‬األسباب الموصلة لتحقيق اليقين‬

‫اقتباس‪ ‬‬

‫ك َوهَ ٍّم‬ ‫ب ا ْمتََأَل نُورًا َوِإ ْش َراقًا‪َ ،‬و َز َ‬


‫ال َع ْنهُ ُكلُّ َر ْي ٍ‬
‫ب َو َش ٍّ‬ ‫ين ِإلَى ْالقَ ْل ِ‪1‬‬
‫ص َل ْاليَقِ ُ‬
‫َمتَى َما َو َ‬

‫َو َغ ٍّم‪َ ،‬وا ْمتََأَل َم َحبَّةً هَّلِل ِ‪َ ،‬و َخ ْوفًا ِم ْنهُ‪َ ،‬و ِرضًا بِ ِه‪َ ،‬و ُش ْكرًا لَهُ‪َ ،‬وتَ َوكُّاًل َعلَ ْي ِه‪َ ،‬وِإنَابَةً ِإلَ ْي ِه‪،‬‬

‫ض َل ِم َن ْال َعافِيَ ِة‬


‫ط بَ ْع َد ْاليَقِي ِن َأ ْف َ‬
‫ت َأ َح ٌد قَ ُّ‬ ‫‪َ "...‬وفِي ْال َح ِدي ِ‬
‫ث‪" :‬فَلَ ْم يُْؤ َ‬

‫طبَةُ اُألولَى‬
‫‪:‬ال ُخ ْ‬

‫‪ ‬‬

‫ُور َأ ْنفُ ِسنَا َو َسيَِّئا ِ‬


‫ت‬ ‫ِإ َّن ْال َح ْم َد هَّلِل ِ‪ ،‬نَحْ َم ُدهُ‪َ ،‬ونَ ْستَ ِعينُهُ‪َ ،‬ونَ ْستَ ْغفِ ُرهُ‪َ ،‬ونَعُو ُذ بِاهللِ ِم ْن ُشر ِ‬
‫ي لَهُ‪َ ،‬وَأ ْشهَ ُد ْ‬
‫أن اَل ِإلَهَ ِإاَّل هللاُ‬ ‫َأ ْع َمالِنَا‪َ ،‬م ْن يَ ْه ِد هللاُ فَالَ ُم ِ‬
‫ض َّل لَهُ‪َ ،‬و َم ْن يُضْ لِلْ فَالَ هَا ِد َ‬

‫صلَّى هللاُ‬ ‫ْظي ًما لِ َشْأنِ ِه‪َ ،‬وَأ ْشهَ ُد َّ‬


‫أن ُم َح َّمدًا َع ْب ُدهُ َو َرسُولُهُ‪َ ،‬و َخلِيلُهُ‪َ ,‬‬ ‫يك لَهُ؛ تَع ِ‬
‫َوحْ َدهُ اَل َش ِر َ‬

‫ِّين‪َ ،‬و َسلِّ َم تَ ْسلِي ًما كثيرًا‬


‫ان ِإلَى يَ ْو ِم الد ِ‬ ‫‪َ .‬علَ ْي ِه و َعلَى آلِ ِه َو َ‬
‫صحْ بِ ِه‪َ ،‬و َم ْن تَبِ َعهُ ْم بِِإحْ َس ٍ‬

‫‪ ‬‬

‫‪:‬أ َّما بَ ْع ُد‬

‫‪ ‬‬
‫ت ْال ِع ْل ِم َوَأ ْك َملِهَا َوَأرْ فَ ِعهَا َوَأ ْق َواهَا َوَأ ْثبَتِهَا َد َر َجةَ ْاليَقِي ِن؛‬
‫ِعبَا َد هَّللا ِ‪ِ :‬إ َّن ِم ْن َأ ْعلَى َد َر َجا ِ‬

‫َأِلنَّهُ ْال ِع ْل ُم الَّ ِذي اَل ي َُح َّو ُل َواَل يَ ْنقَلِبُ ‪َ 1،‬واَل يَتَ َغيَّ ُر فِي ْالقَ ْل ِ‬
‫ب‪َ 1،‬م َع ُس ُكو ِن النَّ ْف ِ‬
‫س‪َ ،‬والثِّقَ ِة‪،‬‬

‫وح ِم َن ْال َج َس ِد‪ ,‬يَقُو ُل اب ُْن‬ ‫اح ِه؛ فَ ْاليَقِ ُ‬


‫ين ِم َن اِإْل ي َما ِن بِ َم ْن ِزلَ ِة الرُّ ِ‬ ‫ص ْد ِر َوارْ تِيَ ِ‬ ‫َوا ْن ِش َر ِ‬
‫اح ال َّ‬

‫ان ُكلُّهُ"‪ ,‬وقَا َل اب ُْن تَ ْي ِميَةَ ‪َ -‬ر ِح َمنَا هَّللا ُ َوِإيَّاهُ‪:-‬‬ ‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ‪ْ " :-‬اليَقِ ُ‬
‫ين اِإْل ي َم ُ‬ ‫َم ْسعُو ٍد َ‬
‫‪-‬ر ِ‬

‫صب ِْر َو ْاليَقِ ِ‬


‫ين تُنَا ُل اِإْل َما َمةُ فِي الدِّي ِن"‪,‬‬ ‫ان ُكلُّهُ‪ ،‬فَبِال َّ‬ ‫ان‪َ ،‬و ْاليَقِ ُ‬
‫ين اِإْل ي َم ُ‬ ‫ص ْب ُر نَ ْفسُ اِإْل ي َم ِ‬
‫"ال َّ‬

‫از ِل قَ ْولِ ِه ‪-‬تَ َعالَى‪ِ( :-‬إي َ‬


‫َّاك نَ ْعبُ ُد َوِإيَّا َ‬
‫ك‬ ‫وقَا َل اب ُْن ْالقَي ِِّم َ‬
‫‪-‬ر ِح َمنَا هَّللا ُ َوِإيَّاهُ‪َ " :-‬و ِم ْن َمنَ ِ‬

‫ين)[الفاتحة‪َ  ]5 :‬م ْن ِزلَةُ ْاليَقِي ِن‬


‫‪".‬نَ ْستَ ِع ُ‬

‫‪ ‬‬

‫ال‪َ ( :‬وفِي اَأْلرْ ِ‬


‫ض‬ ‫ُون بِاآْل يَا ِ‬
‫ت فَقَ َ‬ ‫ين بَِأنَّهُ ُم الَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ْنتَفِع َ‬ ‫ِعبَا َد هَّللا ِ‪َ :‬ولَقَ ْد َخصَّ هَّللا ُ َأ ْه َل ْاليَقِ ِ‬

‫ين التَّ َو ُّك ِل َعلَى‬ ‫ين رُو ُح َأ ْع َما ِل ْالقُلُو ِ‬


‫ب‪َ ،‬وهُ َو قَ ِر ُ‬ ‫ين)[الذاريات‪ ,]20 :‬فَ ْاليَقِ ُ‬
‫ات لِ ْل ُموقِنِ َ‬
‫آيَ ٌ‬

‫ق ْال ُمبِي ِن)‬


‫ك َعلَى ْال َح ِّ‬
‫ال ‪-‬تَ َعالَى‪( :-‬فَتَ َو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ ِإنَّ َ‬ ‫هَّللا ِ؛ َأِل َّن التَّ َو ُّك َل ثَ َم َرةُ ْاليَقِ ِ‬
‫ين‪ ,‬قَ َ‬

‫ق هُ َو ْاليَقِ ُ‬
‫ين‬ ‫‪[.‬النمل‪ ،]79 :‬فَ ْال َح ُّ‬

‫‪ ‬‬

‫ب ا ْمتََأَل نُورًا َوِإ ْش َراقًا‪َ ،‬و َز َ‬


‫ال َع ْنهُ ُكلُّ َر ْي ٍ‬
‫ب‬ ‫ين ِإلَى ْالقَ ْل ِ‪1‬‬
‫ص َل ْاليَقِ ُ‬
‫ِعبَا َد هَّللا ِ‪َ :‬متَى َما َو َ‬

‫ك َوهَ ٍّم َو َغ ٍّم‪َ ،‬وا ْمتََأَل َم َحبَّةً هَّلِل ِ‪َ ،‬و َخ ْوفًا ِم ْنهُ‪َ ،‬و ِرضًا بِ ِه‪َ ،‬و ُش ْكرًا لَهُ‪َ ،‬وتَ َوكُّاًل َعلَ ْي ِه‪،‬‬
‫َو َش ٍّ‬

‫ض َل ِم َن ْال َعافِيَ ِة"‪َ ,‬وقَا َل ‪-‬‬


‫ين َأ ْف َ‬
‫ط بَ ْع َد ْاليَقِ ِ‬
‫ت َأ َح ٌد قَ ُّ‬ ‫َوِإنَابَةً ِإلَ ْي ِه‪َ ،‬وفِي ْال َح ِدي ِ‬
‫ث‪" :‬فَلَ ْم يُْؤ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ" :-‬أيُّهَا النَّاسُ ‪ِ :‬إ َذا َسَأ ْلتُ ُم هَّللا َ ‪َ -‬ع َّز َو َجلَّ‪ -‬فَا ْسَألُوهُ َوَأ ْنتُ ْم ُموقِنُ َ‬
‫ون‬ ‫َ‬

‫"(ر َواهُ اِإْل َما ُم َأحْ َم ُد ِب َسنَ ٍد‬ ‫بِاِإْل َجابَ ِة؛ فَِإ َّن هَّللا َ اَل يَ ْستَ ِجيبُ لَ َع ْب ٍد َد َعاهُ َع ْن ظَه ِْر قَ ْل ٍ‬
‫ب َغافِ ٍل َ‬

‫‪.‬ح َس ٍن)‬
‫َ‬

‫‪ ‬‬

‫ات ِم ْن َأهَ ِّمهَا‪ :‬ااِل ْستِ َعانَةُ بِاهَّلل ِ فِي ُكلِّ َحا ٍل‪َ 1،‬والرُّ جُو ُ‬
‫ع ِإلَ ْي ِه فِي ُكلِّ‬ ‫ِعبَا َد هَّللا ِ‪ :‬لِ ْليَقِي ِن َعاَل َم ٌ‬

‫َأ ْم ٍر‪َ ،‬والنَّظَ ُر ِإلَ ْي ِه فِي ُكلِّ َش ْي ٍء‪َ ،‬والتَّنَ ُّزهُ َع ْن َذ ِّم النَّ ِ‬
‫اس ِع ْن َد َم ْن ِع ِه ْم لَهُ‪ ،‬فَقَ ْد َجا َء فِي‬

‫ث ْال َح َس ِن قَ ْولُهُ َ‬
‫‪-‬صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪" :-‬اللَّهُ َّم ا ْق ِس ْم لَنَا ِم ْن َخ ْشيَتِ َ‬
‫ك َما يَحُو ُل بَ ْينَنَا‬ ‫ْال َح ِدي ِ‬

‫ك‪َ ,‬و ِم َن ْاليَقِ ِ‬


‫ين َما تُهَ ِّو ُن بِ ِه َعلَ ْينَا‬ ‫ك َما تُبَلِّ ُغنَا بِ ِه َجنَّتَ َ‬
‫ك‪َ ,‬و ِم ْن طَا َعتِ َ‬
‫اصيِ َ‬
‫َوبَي َْن َم َع ِ‬

‫ارنَا‪َ 1‬وقُ َّوتِنَا َما َأحْ يَ ْيتَنَا"(َأ ْخ َر َجهُ التِّرْ ِم ِذيُّ )‬


‫ص ِ‬‫اعنَا َوَأ ْب َ‬
‫ت ال ُّد ْنيَا‪َ ,‬و َمتِّ ْعنَا بَِأ ْس َم ِ‬
‫صيبَا ِ‬
‫‪ُ .‬م ِ‬

‫‪ ‬‬

‫يرةً؛ فَه َُو لُبُّ الدِّي ِن‪َ ،‬و َم ْقصُو ُدهُ اَأْل ْعظَ ُم‪َ ،‬ويَ ِزي ُد‬ ‫ِعبَا َد هَّللا ِ‪ِ :‬إ َّن لِ ْليَقِ ِ‬
‫ين فِي اِإْل ْساَل ِم َم َكانَةً َكبِ َ‬

‫ص َّح َع ْن َخي ِْر‬ ‫يع َما َجا َء فِي ْالقُرْ ِ‬


‫آن‪َ ،‬و َما َ‬ ‫ْال َع ْب َد ُخضُوعًا َوا ْستِ َكانَةً لِ َم ْواَل هُ‪َ ،‬ويُوقِ ُن بِ َج ِم ِ‬

‫اري فِي ثُبُوتِ ِه‪َ ،‬واَل يَ ُش ُّك فِي ِ‬


‫ص َّحتِ ِه‬ ‫‪.‬اَأْلنَ ِام يَقِينًا َج ِ‬
‫از ًما اَل يُ َم ِ‬

‫‪ ‬‬

‫ب فَا ْستَ ْغفِرُوهُ؛ ِإنَّهُ هُ َو ْال َغفُو ُر ال َّر ِحي ُم‬


‫‪َ.‬أقُو ُل قَ ْولِي هَ َذا‪َ ،‬وَأ ْستَ ْغفِ ُر هللاَ لِي َولَ ُك ْم ِم ْن ُكلِّ َذ ْن ٍ‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪:‬ال ُخ ْ‬
‫طبَةُ الثَّانِيَةُ‬ ‫ْ‬

‫‪ ‬‬

‫ْال َح ْم ُد هَّلِل ِ َعلَى ِإحْ َسانِ ِه‪َ ،‬وال ُّش ْك ُر لَهُ َعلَى ِعظَ ِم نِ َع ِم ِه َوا ْمتِنَانِ ِه‪َ ،‬وَأ ْشهَ ُد َأ ْن اَل ِإلَهَ ِإاَّل هللاُ‪،‬‬

‫ْظي ًما لِ َشْأنِ ِه‪َ ،‬وَأ ْشهَ ُد َأ َّن ُم َح َّمدًا َع ْب ُدهُ َو َرسُولُهُ‪َ ،‬و َخلِيلُهُ‪َ ،‬‬
‫صلَّى هللاُ‬ ‫يك لَهُ؛ تَع ِ‬
‫َوحْ َدهُ اَل َش ِر َ‬

‫ِّين‪َ ،‬و َسلَّ َم تَ ْسلِي ًما َكثِيرًا‪ ،‬أ َّما‬


‫ان ِإلَى يَ ْو ِم الد ِ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َعلَى آلِ ِه َو َ‬
‫صحْ بِ ِه‪َ ،‬و َم ْن تَبِ َعهُ ْم بِِإحْ َس ٍ‬

‫‪:‬بَ ْع ُد‬

‫‪ ‬‬

‫ب ْال ُم ِعينَ ِة ‪-‬بَ ْع َد تَ ْوفِ ِ‬


‫يق‬ ‫ِعبَا َد هَّللا ِ‪ :‬اَل يُ ْم ِك ُن لِ ْل ُمْؤ ِم ِن َأ ْن يَحْ ص َُل َعلَى ْاليَقِي ِن ِإاَّل بِفِ ْع ِل اَأْل ْسبَا ِ‬

‫ين‪َ ،‬و ِم ْن َأهَ ِّمهَا‬


‫‪:‬هَّللا ِ‪َ -‬و ْال ُم َوصِّ لَ ِة لِ ْليَقِ ِ‬

‫ع بِاهَّلل ِ‪َ ،‬وبِ َرسُولِ ِه‪َ ،‬وبِ ْاليَ ْو ِم اآْل ِخ ِر‪َ ،‬وبِ ْال َماَل ِئ َك ِة‪َ ،‬وبِ ْال ُكتُ ِ‬
‫ب‬ ‫َأ َّواًل ‪ :‬اِإْل ي َم ُ‬
‫ان الَّ ِذي اَل يَتَ َز ْع َز ُ‬

‫ضا ِء َو ْالقَ َد ِر‪َ ،‬خي ِْر ِه َو َشرِّ ِه‪ ،‬ح ُْل ِو ِه َو ُم ِّر ِه‬
‫ان بِ ْالقَ َ‬ ‫ْ‬
‫‪.‬ال ُمنَ َّزلَ ِة ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ‪َ ،‬واِإْل ي َم ُ‬

‫‪ ‬‬

‫ب ْال َع ِظ ِيم‪َ ،‬و َما َأ ْو َج َد هَّللا ُ فِي ِه ِم ْن َم ْخلُوقَا ٍ‬


‫ت‬ ‫ثَانِيًا‪ :‬التَّفَ ُّك ُر َوالتَّ َدبُّ ُر َوالتََّأ ُّم ُل فِي هَ َذا ْال َك ْو َك ِ‬

‫از ِم بِ ُربُوبِيَّ ِة َوُألُو ِهيَّ ِة ْال َخالِ ِ‬


‫ق ْال َع ِظ ِيم‬ ‫ين ْال َج ِ‬
‫ب ال َّسلِي َم ِإلَى ْاليَقِ ِ‬
‫َّري َح َو ْالقَ ْل َ‬
‫ص ُل ْال َع ْق َل الص ِ‬
‫تُ َو ِّ‬

‫ال ُمو َسى لِفِرْ َع ْو َن ِحينَ َما َسَألَهُ َع ْن َربِّ ِه‪( :‬قَ َ‬
‫ال فِرْ َع ْو ُن َو َما‬ ‫‪ُ -‬سب َْحانَهُ َوتَ َعالَى‪-‬؛ َولِ َذا قَ َ‬
‫ين)[الشعراء‪:‬‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض َو َما بَ ْينَهُ َما ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُموقِنِ َ‬ ‫َربُّ ْال َعالَ ِم َ‬
‫ين * قَ َ‬
‫ال َربُّ ال َّس َما َوا ِ‬

‫ق هَ ِذ ِه اَأْل ْشيَا ِء الَّ ِذي اَل يُ ْم ِك ُن َأ ْن يَ ُك َ‬


‫ون‬ ‫ال بَعْضُ َأ ْه ِل التَّ ْف ِس ِ‬
‫ير‪" :‬فَآ ِمنُوا بِ َخالِ ِ‬ ‫‪]24 ،23‬؛ قَ َ‬

‫ِإ ْن َسانًا َأ ْو َجانًّا؛ بَلْ َخالِقُهُ َما‪ 1‬هُ َو هَّللا ُ ْال ُم َدبِّ ُر ْال َخالِ ُ‬
‫ق ْال ُم ْقتَ ِد ُر الَّ ِذي اَل َش ِر َ‬
‫يك لَهُ‪ ،‬فَه َُو‬

‫يُرْ ِش ُدهُ ْم ِإلَى ا ْستِ ْخ َد ِام ُعقُولِ ِه ْم الَّتِي َمتَّى ا ْستَ ْخ َد ُموهَا ا ْستِ ْخ َدا ًما َسلِي ًما؛ فَِإنَّهَا َستُ َوصِّ لُهُ ْم‬

‫الط َمْأنِينَةَ فِي قُلُوبِ ِه ْم‪ ,‬بَِأ َّن ْال َخالِ َ‬


‫ق ْال ُم َدب َِّر هُ َو هَّللا ُ اَل‬ ‫ث ُّ‬ ‫يج ِة ْال َح ْت ِميَّ ِة الَّتِي تُ ِ‬
‫ور ُ‬ ‫ِإلَى النَّتِ َ‬

‫ات لِ ْل ُموقِنِ َ‬
‫ين)[الذاريات‪َ ,]20 :‬وقَ َ‬
‫ال‬ ‫ال هَّللا ُ ‪-‬تَ َعالَى‪َ ( :-‬وفِي اَأْلرْ ِ‬
‫ض آيَ ٌ‬ ‫يك لَهُ؛ َولِ َذا قَ َ‬
‫َش ِر َ‬

‫ون ِم َن‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬


‫ض َولِيَ ُك َ‬ ‫هَّللا ُ ‪َ -‬ع َّز َو َجلَّ‪َ ( :-‬و َك َذلِ َ‬
‫ك نُ ِري ِإب َْرا ِهي َم َملَ ُك َ‬
‫وت ال َّس َما َوا ِ‬

‫ال هَّللا ُ ‪ُ -‬سب َْحانَهُ‪َ ( :-‬وفِي َخ ْلقِ ُك ْم َو َما يَب ُّ‬


‫ُث ِم ْن َدابَّ ٍة آيَ ٌ‬
‫ات لِقَ ْو ٍم‬ ‫ْال ُموقِنِ َ‬
‫ين)[األنعام‪َ ,]75 :‬وقَ َ‬

‫ب َأ ْن يَ ْستَ ْيقِظَ ْال َع ْق ُل لِلتَّفَ ُّك ِر َوالتَّ َدب ُِّر؛ لِ َك ْي‬ ‫ون)[الجاثية‪ ,]4 :‬فَ ْالقُرْ ُ‬
‫آن يُنَبِّهُ َعلَى ُوجُو ِ‬ ‫يُوقِنُ َ‬

‫ين َو ْال َحقِيقَ ِة الَّتِي اَل َش َّ‬


‫ك فِيهَا َواَل َري َ‬
‫ْب‬ ‫ص َل ِإلَى ْاليَقِ ِ‬
‫‪".‬يَ ِ‬

‫‪ ‬‬

‫ار ِإاَّل َماَل ِئ َكةً َو َما‬ ‫‪-‬ج َّل َو َعاَل ‪َ ( :-‬و َما َج َع ْلنَا َأصْ َح َ‬
‫اب النَّ ِ‬ ‫ال هَّللا ُ َ‬ ‫ثَالِثًا‪ :‬تَ َدبُّ ُر ْالقُرْ ِ‬
‫آن‪ ,‬قَ َ‬

‫ين ُأوتُوا ْال ِكتَ َ‪1‬‬


‫اب َويَ ْز َدا َد الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا ِإي َمانًا‬ ‫َج َع ْلنَا ِع َّدتَهُ ْم ِإاَّل فِ ْتنَةً لِلَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَرُوا لِيَ ْستَ ْيقِ َن الَّ ِذ َ‬

‫ين فِي قُلُوبِ ِه ْم َم َرضٌ َو ْال َكافِر َ‬


‫ُون‬ ‫ول الَّ ِذ َ‬
‫ون َولِيَقُ َ‬ ‫ين ُأوتُوا ْال ِكتَ َ‬
‫اب َو ْال ُمْؤ ِمنُ َ‬ ‫اب الَّ ِذ َ‬
‫َواَل يَرْ تَ َ‬

‫ُضلُّ هَّللا ُ َم ْن يَ َشا ُء َويَ ْه ِدي َم ْن يَ َشا ُء َو َما يَ ْعلَ ُم ُجنُو َد َربِّ َ‬
‫ك‬ ‫َما َذا َأ َرا َد هَّللا ُ بِهَ َذا َمثَاًل َك َذلِ َ‬
‫كي ِ‬

‫‪ِ.‬إاَّل هُ َو َو َما ِه َي ِإاَّل ِذ ْك َرى لِ ْلبَ َش ِر)[المدثر‪]31 :‬‬


‫‪ ‬‬

‫ضى‪َ ,‬واحْ فَ ْ‬
‫ظ‬ ‫ي َأ ْم ِرنَا‪َ ،‬و َولِ َّ‬
‫ي َع ْه ِد ِه لِ َما تُ ِحبُّ َوتَرْ َ‬ ‫اللَّهُ َّم احْ فَ ْ‬
‫ظنَا بِ ِح ْف ِظ َ‬
‫ك‪َ ،‬و َوفِّ ْق َولِ َّ‬

‫ُر ْال ُم َجا ِه ِد َ‬


‫ين َعلَى ُح ُدو ِد بِاَل ِدنَا‪,‬‬ ‫لِبِاَل ِدنَا اَأْل ْم َن َواَأْل َم َ‬
‫ان‪َ ،‬وال َّساَل َمةَ َواِإْل ْساَل َم‪َ ،‬وا ْنص ِ‬

‫ضلِّ َ‬
‫ين‪,‬‬ ‫ضالِّ َ‬
‫ين َواَل ُم ِ‬ ‫ب َأ ْع َداِئنَا‪َ ,‬واجْ َع ْلنَا هُ َداةً َم ْه ِدي َ‬
‫ِّين َغي َْر َ‬ ‫ب فِي قُلُو ِ‬
‫َوا ْن ُش ِر الرُّ ْع َ‬

‫َونَ ْسَألُهُ ْال َع ْف َو َو ْال َعافِيَةَ فِي ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ َر ِة‪َ ,‬ربَّنَا آتِنَا فِي ال ُّد ْنيَا َح َسنَةً َوفِي اآْل ِخ َر ِة َح َسنَةً‪،‬‬

‫اب النَّ ِ‬
‫ار‬ ‫‪َ .‬وقِنَا َع َذ َ‬

‫‪ ‬‬

‫ين‪َ ،‬و ْال َح ْم ُد هلِل ِ َربِّ‬


‫ون‪َ ،‬و َساَل ٌم َعلَى ْالـ ُمرْ َسلِ َ‬ ‫ان َرب َِّك َربِّ ْال ِع َّز ِة َع َّما يَ ِ‬
‫صفُ َ‬ ‫ُسب َْح َ‬

‫ين‪َ .‬وقُو ُموا ِإلَى َ‬


‫صاَل تِك ْم يَرْ َحـمـْ ُك ُم هللاُ‬ ‫ْ‬
‫‪.‬ال َعالَ ِم َ‬

You might also like