Professional Documents
Culture Documents
3 - يقين - القاء
3 - يقين - القاء
فال مضل
له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد 1أن ال إله إالّ هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
.صلى هللا عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ،وسلم 1تسليما ،عما بعد
اليقين والتوكل()1
معان عظيمة ،وصفات جليلة ،إذا وصل إليها العبد فإنه يصبح
ٍ اقتباس :اليقين باهلل والتوكل على هللا والثقة باهلل
ي بالخالق عن الخلق ،الذي يفيض اإليمان من نفسه فينير 1له دربه ويذلّل له طريقه ويجعله
َملِك الدنيا الغن َّ
مطمئنًا في سيره إلى اآلخرة ،مس َّددًا في هجرته إلى هللا ورسوله -صلى هللا عليه وسلم ،-وألن تحقيق اليقين
مستغن عن الناس فقير إلى هللا
ٍ ..باهلل والتوكل 1عليه مفقود لم يشعر الناس بأنهم ملوك ،ولم يشعر المسلم بأنه
اخوات في هللا :اليقين باهلل والتوكل 1على هللا والثقة باهلل معا ٍن عظيمة ،وصفات جليلة ،إذا وصل إليها العبد فإنه
ي بالخالق عن الخلق ،الذي يفيض اإليمان من نفسه فينير له دربه ويذلّل له طريقه
يصبح َملِك الدنيا الغن َّ
ويجعله مطمئنًا 1في سيره إلى اآلخرة ،مس َّددًا في هجرته إلى هللا ورسوله -صلى هللا عليه وسلم ،-وألن تحقيق
مستغن عن الناس فقير إلى
ٍ اليقين باهلل والتوكل عليه مفقود لم يشعر الناس بأنهم ملوك ،ولم يشعر المسلم بأنه
.هللا
والتوكل هو االعتماد على هللا مع إظهار العجز ،واالسم منه التّكالن ،يقال :اتكلت عليه في أمري ،قال اإلمام
أحمد" :وجملة التوكل تفويض األمر إلى هللا -جل ثناؤه -والثقة به" ،وقال ابن رجب الحنبلي" :التوكل هو
".صدق اعتماد القلب على هللا -عز وجل -في استجالب المصالح ودفع 1المضار من أمور الدنيا واآلخرة كلها
وال يعني التوكل عدم األخذ باألسباب الدنيوية ،ولكن يعني عدم تعلق القلب بهذه األسباب ،بل تعلقه في تحقيق
.أي أمر باهلل سبحانه ،فال تنافي بين التوكل الذي هو عمل القلب وبين األخذ باألسباب الذي هو عمل الجوارح
وكما أن ترك التوكل والتفريط فيه أمر مذموم وعيب قادح في اإليمان ،فإن المبالغة في التوكل واإلفراط فيه
الذي يفضي إلى ترك السعي وترك األخذ باألسباب أمر مذموم 1أيضًا ،وهو إما أن يكون جهالً ،وإما أن يكون
كذبًا وادعا ًء ،قال رجل لإلمام أحمد -رحمه هللا :-أريد أن أحج إلى مكة على التوكل بغير زاد ،فقال اإلمام
أحمد مستنك ًرا 1وليقيم عليه الحجة" :اخرج في غير قافلة" ،فقال الرجل :ال ،إال معهم ،قال اإلمام أحمد" :فعلى
جراب الناس توكلت" .أي :إنك كاذب في هذا؛ ألنك ستعتمد على الناس في أكلك وشربك 1،ولست متوكالً على
.هللا كما تدعي
ض ِعيفًا)
ق اِإل ن َسانُ َ واإلنسان -إخوة اإليمان -ال بد له أن يتوكل ألنه خلق ضعيفًا ،كما قال هللا سبحانهَ ( :و ُخلِ َ
ق هَلُوعًا * ِإ َذا َم َّسهُ ال َّشرُّ َج ُزوعًا * َوِإ َذا َم َّسهُ ْالخَ ْي ُر َمنُوعًا)
[النساء ،]28:وقال سبحانهِ( :إ َّن اِإل ن َسانَ ُخلِ َ
[المعارج ،]21-19:فما دام التوكل ضرورة وما دام المرء وال بد متوكالً وال مفر له من التوكل ،فقد دلّه هللا
سبحانه على صفات من يصح أن يتو ّكل عليه ومن ال يخذله إذا تو ّكل عليه ،فقال -عز من قائلَ ( :-وتَ َو َّك ْ1ل َعلَى
ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ
وت َو َسبِّحْ بِ َح ْم ِد ِه َو َكفَى بِ ِه بِ ُذنُو ِ
ب ِعبَا ِد ِه خَ بِيرًا) [الفرقان ،]58:تو ّكل على الحي الذي ال
.يموت ،هذه هي الصفة األساسية لمن ال يصح التوكل إال عليه ،وال يصح الفرار إال إليه
فإذا أردت -يا عبد هللا -أن تتوكل فطبّق 1هذه القاعدة ثم تو ّكل ،إذا قرّرت أن تتوكل على عقلك فتذكرَ ( :وتَ َو َّكلْ
وت) ،وإذا قررت أن تتوكل على مالك فتذكرَ ( :وت ََو َّكلْ َعلَى ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ
وت) ،وإذا َعلَى ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ
قررت أن تتوكل على البشر مهما بلغ جاههم ومالهم وسلطانهم فتذكرَ ( 1:وت ََو َّك ْ1ل َعلَى ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ
وت)،
عند ذلك ستترك كل هذه األمور 1وكل هذه الوسائط ،وتعلم أن التوكل ال يصح إال على هللا ،وال تصح الثقة إال
-.باهلل ،وال يصح اليقين إال باهلل -سبحانه وتعالى
والتوكل على هللا -إخوة اإليمان -ثمرة من ثمرات اليقين باهلل ،فإن اإلنسان ال يتوكل إال على من أيقن بوجوده
وبقدرته وعظمته ،لهذا كان اليقين من أعظم نعم هللا على العبد ،يقول -صلى هللا عليه وسلم -في الحديث الذي
".رواه أحمد والترمذي" 1:سلوا هللا العفو والعافية ،فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية
فاليقين باهلل من أعظم النعم ،وقد جعله رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -في هذا الحديث قبل العافية في
المرتبة ،ويقول ابن مسعود 1كما عند البخاري" 1:اليقين اإليمان كله" ،ويقول ابن قيم الجوزية" :واليقين من
ك نَ ْستَ ِعينُ ) ،من قال :إياك نعبد وإياك نستعين امتحنه هللا باليقين
".منازلِ( إيَّاكَ نَ ْعبُ ُد َوِإيَّا َ
فلنعلم -أيها الناس -أننا إن ضعف التوكل عندنا فإننا إنما أتينا من ضعف يقيننا ،فإذا قوي يقيننا ورسخ في
قلوبنا قوي 1توكلنا على هللا في كل أمور حياتنا ،إذا اكتمل اإليمان واليقين في قلوبنا 1توكلنا على هللا وفوضنا
األمر إليه في محاربة األعداء ،وفي جلب النفع ودفع 1الضر ،وفي قضاء الحوائج وفي طلب الرزق 1وغير ذلك
.من أمور يبتلي هللا سبحانه بها اإلنسان؛ لينظر مقدار توكله على هللا سبحانه
ال لَهُ ُم النَّاسُ ِإ َّن النَّ َ
اس قَ ْد ومن أعظم الخلق توكالً على هللا األنبياء -عليهم السالم ،-يقول سبحانه( :الَّ ِذينَ قَ َ
ُوا بِنِ ْع َم ٍة ِّمنَ هّللا ِ َوفَضْ ٍ1ل لَّ ْم يَ ْم َس ْسهُْ1م
وا َح ْسبُنَا هّللا ُ َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل * فَانقَلَب ْ
اخ َشوْ هُ ْم فَزَا َدهُْ1م ِإي َمانًا َوقَالُ ْ َج َمع ْ
ُوا لَ ُك ْم فَ ْ
ُوا ِرضْ َوانَ هّللا ِ َوهّللا ُ ُذو فَضْ ٍل َع ِظ ٍيم) [آل عمران ،]174 ،173:يروي البخاري في صحيحه عن
سُو ٌء َواتَّبَع ْ1
ابن عباس في هذه اآلية قال" :حسبنا هللا ونعم الوكيل قالها إبراهيم -عليه السالم -حين ألقي في النار ،وقالها1
محمد -صلى هللا عليه وسلم -حين قالوا له :إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم 1فزادهم إيمانًا وقالوا 1حسبنا هللا
".ونعم الوكيل
ولنا -يا عباد هللا -أفضل األسوة وأفضل الدروس في التوكل واليقين باهلل فيما ابتلى هللا به خليله إبراهيم -عليه
السالم ،-فاليقين باهلل سبحانه والثقة به وبأوامره جعلت إبراهيم -عليه السالم -يضع زوجته وولده الرضيع في
مكان مقفر مجدب ال ماء فيه وال شجر وال إنس ،ثم يذهب بأمر هللا سبحانه ويتركهما 1في هذا المكان ،ويقين
المرأة الصالحة باهلل وتوكلها عليه جعلها ترضى 1كل الرضا بهذا ،وال تعترض وال تتذمر وال تشكو من هذا
العمل الذي قام به زوجها- 1عليه السالم ،-بل تسلم تسليم المخبتين الطائعين ،يروي 1البخاري في صحيحه عن
ابن عباس -رضي هللا عنهما" :-إن إبراهيم -عليه السالم -جاء بها وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى
وضعها عند البيت ،عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ،وليس بمكة يومئذ 1أحد وليس بها ماء ،فوضعهما
هنالك ووضع 1عندهما جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء ،ثم قفى إبراهيم 1منطلقًا ،فتبعته أم إسماعيل فقالت :يا
إبراهيم :أين تذهب وتتركنا 1بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس وال شيء؟! فقالت له ذلك مرارًا ،وجعل ال يلتفت
".إليها ،فقالت له :آهلل الذي أمرك بهذا ،قال :نعم ،قالت :إ ًذا ال يضيعنا
انظر إلى هذا القول الشافي الواثق ،وإلى هذا الظن الحسن والثقة المتناهية باهلل -عز وجل ،-هي كانت تنتظر
من إبراهيم -عليه السالم -ردًا واض ًحا ،فما أن قال لها :نعم ،أي :هللا هو الذي أمرني بهذا وأنا أترككم له حتى
قالت بكامل الثقة :إ ًذا ال يضيعنا ،ما دمت قد تركتنا في عهدة من يعلم غيب السماوات واألرض و َم ْن كلُّ دابة
.في األرض رزقها 1عليه و َم ْن هو أرحم بخلقه من الوالدة بولدها ،إ ًذا ال يضيعنا1
هذه هي قمة اليقين ،وهذه هي ذروة التوكل -يا عباد هللا ،-أما كيف لن يضيعنا؟! أو بأي شيء سينقذنا؟! أو
ماذا سيرسل 1لنا؟! هذا كله ال يهم ،المهم أنه مادام األمر من هللا فإنه لن يضيعنا ،لو نصل -يا عباد هللا -إلى
بعض هذا اليقين أو بعض هذا التوكل إ ًذا النقلبت حياتنا كلها سكينة وطمأنينة ،ولرأينا 1في أحلك الظروف1
وأصعب األوقات نافذة ربانية يشع منها النور ،ولكن ضاع اليقين باهلل وبموعود هللا وبنصرة هللا ،فغاب التوكل
وأصبحت حياة اإلنسان جحي ًما ،يفكر في الرزق ،ويخاف 1من الغد ،ويضخم األمور ،وتركبه الوساوس ألتفه
األسباب ،رغم أنه غير مأمور 1بهذا الغم وهذا الهم وهذا التفكير ،بل هو مأمور بعبادة هللا -عز وجل -والسعي1
في مصالحه قدر استطاعته ،مجتنبًا ما حرم هللا ،ولكنه يترك كل هذا ويشقي نفسه رغم أن النبي -صلى هللا
عليه وسلم -يخاطبنا خطابًا بلي ًغا مبينًا واضحًا فيقول" :لو أنكم تتوكلون 1على هللا حق توكله لرزقكم كما يرزق
.الطير؛ تغدو 1خماصًا وتروح بطانًا" ،أي :تخرج جائعة خالية البطون ،وتعود مآلنة البطون .أخرجه الترمذي
إلى الرحمن ترتفـع األيـادي *** وليس لـغـيره نفـع العباد
وباب الرزق 1باإليمان يطـرق *** 1إذا أيقنـت فـأبشر بازدياد
وثـق بالـرب رزاق 1الـبرايا *** كما وثقت به الطير الغوادي
إذا خرجت من األوكار 1جوعى *** تعود بطونهـا مألى بـزاد
وللتوكل ثمار وفوائد 1وبركات يجنيها العبد المتوكل ،من ذلك أن يكفيه هللا ك ّل شيء ويكون حسبه سبحانه،
يقول تعالىَ ( :و َمن يَت ََو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ فَهُ َ1و َح ْسبُهُ) [الطالق .]3:ومن ذلك أن ال يكون للشيطان عليه سبيل أو
ان َعلَى الَّ ِذينَ آ َمنُ ْ
وا َو َعلَى َربِّ ِه ْم يَتَ َو َّكلُونَ ) [النحل .]99:ومن ذلك ط ٌْس لَهُ س ُْل َ
سلطان ،يقول سبحانهِ( :إنَّهُ لَي َ
ُوا بِنِ ْع َم ٍة ِّمنَ هّللا ِ َوفَضْ ٍل لَّ ْم
وا َح ْسبُنَا هّللا ُ َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل * فَانقَلَب ْ
الحفظ والنصر 1على األعداء ،يقول سبحانهَ ( :وقَالُ ْ1
ُوا ِرضْ َوانَ هّللا ِ َوهّللا ُ ُذو فَضْ ٍل َع ِظ ٍيم) [آل عمران ،]174 ،173:إلى غير ذلك من آثار يَ ْم َس ْسهُ ْم سُو ٌء َواتَّبَع ْ
.وثمار طيبة للتوكل
فال بد من اليقين باهلل سبحانه والتوكل 1عليه حتى ييسر 1أمرك يا عبد هللا ،وحتى يفتح عليك أبواب فضله ،يقول
ت َعلَ ْي ِه ْم آياتُهُ زَا َد ْتهُ ْم ِإي َمانًَا َو َعلَى َربِّ ِه ْم سبحانهِ( :إنَّ َما ْال ُمْؤ ِمنُونَ الَّ ِذينَ ِإ َذا ُذ ِك َر هَّللا ُ َو ِجلَ ْ
ت قُلُوبُهُْ1م َوِإ َذا تُلِيَ ْ
.يَتَ َو َّكلُونَ ) [األنفال]2:
بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ،وأجارني وإياكم من خزيه وعذابه األليم .أقول قولي هذا ،وأستغفر 1هللا
.لي ولكم ولسائر 1المسلمين من كل ذنب ،إنه هو الغفور الرحيم
:الخطبة الثانية
الحمد هلل ،من عمل بطاعته هداه ،ومن تو ّكل عليه كفاه ،ومن أيقن به سدده وجعل الجنة مأواه ،والصالة
.والسالم على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه ومن وااله
عباد هللا :التوكل خصلة فيها مرضاة هللا سبحانه ،وفيها ذهاب لوساوس 1الشيطان اللعين ،فبقدر ما يكون
اإلنسان متوكالً على هللا واثقًا بما عند هللا بقدر ما يكون الشيطان أمامه ضعيفًا خسيسًا فاشالً في وسوسته،
وبقدر ما يكون اإلنسان متذبذبًا خوارًا متو ّج ًسا 1بقدر ما يقوى الشيطان أمامه ويتعاظم ويع ّكر 1عليه صفو حياته
.وآخرته
والتوكل وصية هللا لألنبياء -عليهم السالم -ووصية األنبياء ألقوامهم 1،يقول سبحانه مبينًا ما قاله موسى لقومه:
وا ِإن ُكنتُم ُّم ْسلِ ِمينَ ) [يونس ،]84:وما قاله نوح( :يَا قَوْ ِم ِإن َكانَ َكب َُر (يَا قَوْ ِم ِإن ُكنتُ ْم آ َمنتُم بِاهّلل ِ فَ َعلَ ْي ِه تَ َو َّكلُ ْ
ُوا َأ ْم َر ُك ْ1م َو ُش َر َكاء ُك ْم ثُ َّم الَ يَ ُك ْن َأ ْم ُر ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم ُغ َّمةً ثُ َّم
ت فََأجْ ِمع ْ
ت هّللا ِ فَ َعلَى هّللا ِ تَ َو َّك ْل ُ يري 1بِآيَا ِ َعلَ ْي ُكم َّمقَا ِمي َوت َْذ ِك ِ
ت َعلَى هّللا ِ َربِّي َو َربِّ ُكمَّ 1ما ِمن دَآبَّ ٍة ِإالَّ ه َُو آ ِخ ٌذ ي َوالَ تُن ِظرُو ِ1ن) [يونس ،]71:وما قاله هودِ( :إنِّي تَ َو َّك ْل ُ ا ْقض ْ
ُوا ِإلَ َّ
ي ِإالَّ بِاهللِ َعلَ ْي ِه ص َرا ٍط ُّم ْستَقِ ٍيم) [هود ،]56:ويقول سبحانه عن شعيبَ ( :و َما تَوْ فِيقِ َ1 صيَتِهَا ِإ َّن َربِّي َعلَى ِ بِنَا ِ
ت َوِإلَ ْي ِه ُأنِيبُ ) [هود ،]88:وقال سبحانه آمرًا وموجهًا 1لرسوله محمد -صلى هللا عليه وسلم( :-فَِإ َذا َع َز ْمتَ تَ َو َّك ْل ُ
ب ال ِإلَهَ ِإالَّ ق َو ْال َم ْغ ِر ِ فَتَ َو َّكلْ َعلَى هّللا ِ ِإ َّن هّللا َ ي ُِحبُّ ْال ُمتَ َو ِّكلِينَ ) [آل عمران ،]159:وقال له أيضًاَ ( :ربُّ ْال َم ْش ِر ِ
.هُ َو فَاتَّ ِخ ْذهُ َو ِكيالً) [المزمل]9:
ّ
وحث عليها قومه ،وهذا يدلنا على فما أعظمها من عبادة ،وما أعظمها من خصلة ،ما من رسول إال تخلّق بها
عظم هذه العبادة القلبية الجليلة التي غابت عن قلوب المسلمين ،فوثقوا في كل شيء ولم يثقوا فيما عند هللا
.سبحانه
فتوكلوا 1على هللا -أيها الناس ،-وأكثروا 1من لفظ التوكل على هللا موقنين بهذه الكلمة تنالوا فضلها وبركتها،
يقول -صلى هللا عليه وسلم" :-إذا خرج الرجل من بيته فقال :بسم هللا ،توكلت على هللا ،ال حول وال قوة إال
باهلل ،فيقال له :حسبك ،قد هديتَ وكفيت ووقيت ،فيتنحى 1له الشيطان ،فيقول له شيطان آخر :كيف لك برجل قد
.هدي وكفي ووقي؟ ."!1أخرجه النسائي عن أنس
فما أحرانا -إخوة اإليمان -أن نتحلى بهذه الخصلة العظيمة التي إن تخلّق بها المسلم النت له كل الصعاب
واستسلم للعزيز 1الوهاب ،قيل لحاتم األصم -كما في سير أعالم النبالء :-عال َم بنيت أمرك في التوكل؟! قال:
"على خصال أربعة :علمت أن رزقي 1ال يأكله غيري فاطمأنّت 1نفسي ،وعلمت أن عملي ال يعمله غيري فأنا
".مشغول به ،وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره ،وعلمت أني ال أخلو من عين هللا فأنا مستحي منه
اللهم ردنا إليك ردًا جميالً ،اللهم ردنا إليك ردًا جميالً ،اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا 1على دينك
اليقين ()2
منزلة اليقين من اإليمان /2من عالمات اليقين /3األسباب الموصلة لتحقيق اليقين
اقتباس
َو َغ ٍّمَ ،وا ْمتََأَل َم َحبَّةً هَّلِل َِ ،و َخ ْوفًا ِم ْنهَُ ،و ِرضًا بِ ِهَ ،و ُش ْكرًا لَهَُ ،وتَ َوكُّاًل َعلَ ْي ِهَ ،وِإنَابَةً ِإلَ ْي ِه،
طبَةُ اُألولَى
:ال ُخ ْ
ت ْال ِع ْل ِم َوَأ ْك َملِهَا َوَأرْ فَ ِعهَا َوَأ ْق َواهَا َوَأ ْثبَتِهَا َد َر َجةَ ْاليَقِي ِن؛
ِعبَا َد هَّللا ِِ :إ َّن ِم ْن َأ ْعلَى َد َر َجا ِ
َأِلنَّهُ ْال ِع ْل ُم الَّ ِذي اَل ي َُح َّو ُل َواَل يَ ْنقَلِبُ َ 1،واَل يَتَ َغيَّ ُر فِي ْالقَ ْل ِ
بَ 1،م َع ُس ُكو ِن النَّ ْف ِ
سَ ،والثِّقَ ِة،
ان ُكلُّهُ" ,وقَا َل اب ُْن تَ ْي ِميَةَ َ -ر ِح َمنَا هَّللا ُ َوِإيَّاهُ:- ض َي هَّللا ُ َع ْنهُْ " :-اليَقِ ُ
ين اِإْل ي َم ُ َم ْسعُو ٍد َ
-ر ِ
ق هُ َو ْاليَقِ ُ
ين [.النمل ،]79 :فَ ْال َح ُّ
ك َوهَ ٍّم َو َغ ٍّمَ ،وا ْمتََأَل َم َحبَّةً هَّلِل َِ ،و َخ ْوفًا ِم ْنهَُ ،و ِرضًا بِ ِهَ ،و ُش ْكرًا لَهَُ ،وتَ َوكُّاًل َعلَ ْي ِه،
َو َش ٍّ
"(ر َواهُ اِإْل َما ُم َأحْ َم ُد ِب َسنَ ٍد بِاِإْل َجابَ ِة؛ فَِإ َّن هَّللا َ اَل يَ ْستَ ِجيبُ لَ َع ْب ٍد َد َعاهُ َع ْن ظَه ِْر قَ ْل ٍ
ب َغافِ ٍل َ
.ح َس ٍن)
َ
ات ِم ْن َأهَ ِّمهَا :ااِل ْستِ َعانَةُ بِاهَّلل ِ فِي ُكلِّ َحا ٍلَ 1،والرُّ جُو ُ
ع ِإلَ ْي ِه فِي ُكلِّ ِعبَا َد هَّللا ِ :لِ ْليَقِي ِن َعاَل َم ٌ
َأ ْم ٍرَ ،والنَّظَ ُر ِإلَ ْي ِه فِي ُكلِّ َش ْي ٍءَ ،والتَّنَ ُّزهُ َع ْن َذ ِّم النَّ ِ
اس ِع ْن َد َم ْن ِع ِه ْم لَهُ ،فَقَ ْد َجا َء فِي
ث ْال َح َس ِن قَ ْولُهُ َ
-صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم" :-اللَّهُ َّم ا ْق ِس ْم لَنَا ِم ْن َخ ْشيَتِ َ
ك َما يَحُو ُل بَ ْينَنَا ْال َح ِدي ِ
يرةً؛ فَه َُو لُبُّ الدِّي ِنَ ،و َم ْقصُو ُدهُ اَأْل ْعظَ ُمَ ،ويَ ِزي ُد ِعبَا َد هَّللا ِِ :إ َّن لِ ْليَقِ ِ
ين فِي اِإْل ْساَل ِم َم َكانَةً َكبِ َ
:ال ُخ ْ
طبَةُ الثَّانِيَةُ ْ
ْال َح ْم ُد هَّلِل ِ َعلَى ِإحْ َسانِ ِهَ ،وال ُّش ْك ُر لَهُ َعلَى ِعظَ ِم نِ َع ِم ِه َوا ْمتِنَانِ ِهَ ،وَأ ْشهَ ُد َأ ْن اَل ِإلَهَ ِإاَّل هللاُ،
ْظي ًما لِ َشْأنِ ِهَ ،وَأ ْشهَ ُد َأ َّن ُم َح َّمدًا َع ْب ُدهُ َو َرسُولُهَُ ،و َخلِيلُهَُ ،
صلَّى هللاُ يك لَهُ؛ تَع ِ
َوحْ َدهُ اَل َش ِر َ
:بَ ْع ُد
ع بِاهَّلل َِ ،وبِ َرسُولِ ِهَ ،وبِ ْاليَ ْو ِم اآْل ِخ ِرَ ،وبِ ْال َماَل ِئ َك ِةَ ،وبِ ْال ُكتُ ِ
ب َأ َّواًل :اِإْل ي َم ُ
ان الَّ ِذي اَل يَتَ َز ْع َز ُ
ضا ِء َو ْالقَ َد ِرَ ،خي ِْر ِه َو َشرِّ ِه ،ح ُْل ِو ِه َو ُم ِّر ِه
ان بِ ْالقَ َ ْ
.ال ُمنَ َّزلَ ِة ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا َِ ،واِإْل ي َم ُ
ال ُمو َسى لِفِرْ َع ْو َن ِحينَ َما َسَألَهُ َع ْن َربِّ ِه( :قَ َ
ال فِرْ َع ْو ُن َو َما ُ -سب َْحانَهُ َوتَ َعالَى-؛ َولِ َذا قَ َ
ين)[الشعراء: ت َواَأْلرْ ِ
ض َو َما بَ ْينَهُ َما ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُموقِنِ َ َربُّ ْال َعالَ ِم َ
ين * قَ َ
ال َربُّ ال َّس َما َوا ِ
ِإ ْن َسانًا َأ ْو َجانًّا؛ بَلْ َخالِقُهُ َما 1هُ َو هَّللا ُ ْال ُم َدبِّ ُر ْال َخالِ ُ
ق ْال ُم ْقتَ ِد ُر الَّ ِذي اَل َش ِر َ
يك لَهُ ،فَه َُو
يُرْ ِش ُدهُ ْم ِإلَى ا ْستِ ْخ َد ِام ُعقُولِ ِه ْم الَّتِي َمتَّى ا ْستَ ْخ َد ُموهَا ا ْستِ ْخ َدا ًما َسلِي ًما؛ فَِإنَّهَا َستُ َوصِّ لُهُ ْم
ات لِ ْل ُموقِنِ َ
ين)[الذارياتَ ,]20 :وقَ َ
ال ال هَّللا ُ -تَ َعالَىَ ( :-وفِي اَأْلرْ ِ
ض آيَ ٌ يك لَهُ؛ َولِ َذا قَ َ
َش ِر َ
ب َأ ْن يَ ْستَ ْيقِظَ ْال َع ْق ُل لِلتَّفَ ُّك ِر َوالتَّ َدب ُِّر؛ لِ َك ْي ون)[الجاثية ,]4 :فَ ْالقُرْ ُ
آن يُنَبِّهُ َعلَى ُوجُو ِ يُوقِنُ َ
ار ِإاَّل َماَل ِئ َكةً َو َما -ج َّل َو َعاَل َ ( :-و َما َج َع ْلنَا َأصْ َح َ
اب النَّ ِ ال هَّللا ُ َ ثَالِثًا :تَ َدبُّ ُر ْالقُرْ ِ
آن ,قَ َ
ُضلُّ هَّللا ُ َم ْن يَ َشا ُء َويَ ْه ِدي َم ْن يَ َشا ُء َو َما يَ ْعلَ ُم ُجنُو َد َربِّ َ
ك َما َذا َأ َرا َد هَّللا ُ بِهَ َذا َمثَاًل َك َذلِ َ
كي ِ
ضىَ ,واحْ فَ ْ
ظ ي َأ ْم ِرنَاَ ،و َولِ َّ
ي َع ْه ِد ِه لِ َما تُ ِحبُّ َوتَرْ َ اللَّهُ َّم احْ فَ ْ
ظنَا بِ ِح ْف ِظ َ
كَ ،و َوفِّ ْق َولِ َّ
ضلِّ َ
ين, ضالِّ َ
ين َواَل ُم ِ ب َأ ْع َداِئنَاَ ,واجْ َع ْلنَا هُ َداةً َم ْه ِدي َ
ِّين َغي َْر َ ب فِي قُلُو ِ
َوا ْن ُش ِر الرُّ ْع َ
َونَ ْسَألُهُ ْال َع ْف َو َو ْال َعافِيَةَ فِي ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ َر ِةَ ,ربَّنَا آتِنَا فِي ال ُّد ْنيَا َح َسنَةً َوفِي اآْل ِخ َر ِة َح َسنَةً،
اب النَّ ِ
ار َ .وقِنَا َع َذ َ