Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
المقدّ مة9.................................................................................................................................................
والدّقة العلمية ،واال�ستدالل والنقد حيث تدعو الحاجة� .إ�ضافة �إلى و�ضع الأهداف الخا�صة
بداية كل در�س ،والأ�سئلة والتمارين نهاية كل در�س.
على �أمل وبف�ضل اهلل تعالى� ،أن يكون لهذا الكتاب والجهد �أثره العلمي المتميّز في �ساحتنا
التعليمية والثقافية ب�شكل خا�ص ،والإ�سالمية ب�شكل عام.
والحمد هلل رب العالمين.
الدرس األول
الوحي ال ِّرسالي
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
أقسام الوحي
بعد تتبّع ا�ستعماالت القر�آن الكريم لكلمة الوحي والتي كانت بمعنى الخطاب الخفي ،نجد
�أنها تنق�سم �إلى ق�سمين رئي�سين مه ّمين هما:
الوحي الرِّ�سالي ،والوحي غير الرِّ�سالي و�سوف نتحدّث في هذا الدر�س عن الوحي الرِّ�سالي
و�أ�ساليبه ،تاركين البحث عن الوحي غير الرِّ�سالي للدر�س القادم �إن �شاء اهلل تعالى.
أوال :الوحي ًِّ
الرسالي
- 1المعنى
وهو و�سيلة االت�صال بين الباري ع ّز وج ّل وبين �سفرائه �إلى خلقه.
وعن طريق الوحي الرِّ�سالي يتمّ ت ّلقي المعارف والأحكام وغير ذلك من �ش�ؤون الر�سالة .وهذا
ً
أكثر ا�ستخداما في القر�آن الكريم ،وفي الروايات ال�شريفة ،ولذلك �أ�صبح المعنى المتبادر الق�سم هو ال
والمن�صرف للذهن عند �سماع كلمة الوحي ،ومن هنا �إذا وردت كلمة الوحي و�شككنا من �أيّ معنى و�أيّ
ق�سم هي ،هل من الوحي الرِّ�سالي �أم غيره؟ كان المن�صرف �إلى الذهن هو الوحي الرِّ�سالي.
- 2أغراض الوحي الرسالي
الوحي الرِّ�سالي النازل على ر�سول اهلل Pكان ي�أتي لأغرا�ض عدّة وم�ضامين �ش ّتى،
نذكر منها ال على �سبيل الح�صر الآلي:
هو ن�ص كالم اهلل �سبحانه وتعالى
ّ �أ .لبيان الذكر الحكيم والقر�آن الكريم؛ الذي
المنزل على ر�سوله ،وهو المت�صف بالإعجاز ،والوحي النازل به قد يخت�ص با�سم
الوحي القر�آني.
ب .لت�أويل وتف�سير كالم اهلل تعالى الوارد في القر�آن الكريم.
ج .لبيان الأحاديث القد�سية التي ال تدخل في الوحي القر�آني.
د .لذكر تفا�صيل ال�شريعة و�أحكامها ومعارفها وما يتع ّلق بها.
هـ .لبيان ما يرتبط ب�ش�ؤون الإمامة والتدبير و�ش�ؤون الحكم م ّما يحتاجه الر�سول في
مه ّمته القيادية.
15 لاسِّرلا يحولا :لوألاسردلا
و .لذكر ما يرتبط ب�أخبار العالم والمغيّبات والحوادث ال�سابقة والالحقة ،وهذا �أي� ًضا
يدخل في دائرة علوم الر�سول Pالتي قد تقت�ضيها ر�سالته وقيادته الإ�صالحية
على م�ستوى عمر الدنيا.
- 3أساليب الوحي ِّ
الرسالي
الوحي الرِّ�سالي ب�شكل عام له �أ�ساليب متعدّدة ورد ذكرها في القر�آن الكريم وال�س ّنة النبوية
ال�شريفة المنقولة لنا عن طريق الرواة الثقاة� ،أو الوا�صلة �إلينا عبر �أئمة الهدى R من
�أهل بيت النبوّة ،ومن هذه الأ�ساليب ما يلي:
تو�سط المالك �أ -التكليم المبا�شر دون ّ
هذا الأ�سلوب من الوحي يتمّ حال اليقظة :كما ح�صل للنبي �آدم } :Qﰆﰇ
ﰈﰉﰊﰋﰌ{(((.
وما جرى مع النبي �إبراهيم } :Qﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ{(((. ّ
نبي اهلل مو�سى } :Qﭹﭺﭻﭼ{(((. وفي ق�صة ّ
ب-الإيحاء بوا�سطة ملك
وعا والأغلب وق ً
وعا. دا ،ولعله الأ�سلوب الأكثر �شي ً
وهذا الأ�سلوب له �شواهد عديدة ج ً
نبي اهلل زكريا } :Qﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ق��ال تعالى ف��ي ق�صة ّ
ﭩ{(((.
في الحديث عن النبي الأكرم } :Pﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ّ وقال �سبحانه
ﮑﮒﮓﮔ{(((.
((( العالمة المجل�سي ،بحار الأنوار ،ج� ،11ص ،64تحقيق يحيا العابدي وعبد الرحيم الرباني ،م�ؤ�س�سة الوفاء ،بيروت؛
ط :الثانية .وهو حديث �صحيح في م�صادر �أهل ال�س ّنة.
((( �سورة ال�صافات ،الآيات .105-102
((( �سورة ال�صافات ،الآية .102
((( العالمة المجل�سي ،بحار الأنوار ،ج� ،11ص.64
((( �سورة ال�شورى ،الآية .51
17 لاسِّرلا يحولا :لوألاسردلا
النتيجة �إذن يمكن �إدخال الإلهام والنفث في الروع في الق�سم الثاني الذي هو الإيحاء
بوا�سطة ملك .ف�إن �إيحاء الملك يكون على �أنحاء:
وم�شاهدة ال�صورة.
ُّ يكون ب�سماع ال�صوت
َّ •فتارة
•و�أخرى ب�سماعه من دون م�شاهدة.
دون تو�سط �صوت.
ُّ •وثالثة بالإلقاء في الروع
فالوحي هو الإلهام ومن وراء حجاب هو التكليم المبا�شر ،و�إنما �س ّماه من وراء حجاب؛
لأ ّنه بوا�سطة �صوت دون ر�ؤية الم�صدر ،و�إر�سال الر�سول هو الإيحاء من خالل المالك.
وربما كان تخ�صي�ص النحو الأول با�سم الوحي هنا؛ لأ ّنه �أ�شد خفاءً من الثاني فهو بالن�سبة
�إليه مخت�ص با�سم الوحي.
ّ
بالن�سبة لغير النبي ،وقد يالحظ بالن�سبة لبع�ض
ّ أمر ن�سبي قد يالحظ
ّ فمالحظة الخفاء �
حوا�س النبي دون بع�ض.
ّ
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 18
أسـئلـة الـدرس
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
19 لاسِّرلا يحولا :لوألاسردلا
ّ
حدد أسلوب الوحي المستخدم في اآليات القرآنية التالية:
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
ومن الوا�ضح � ّأن هذه الأغرا�ض لم تكن ر�سالية ،ولم يلزم من نزول المالئكة فيها
نبوّة المخاطب والمنزل عليهم.
ج -الوحي بالأوامر التكوينية :وقد عبّر القر�آن الكريم في بع�ض الموارد عن الأوامر
التكوينية بالوحي �أي� ًضا ،كما في قوله تعالى} :ﭖﭗﭘﭙﭚﭛ{((( وفي
قوله �أي� ًضا } :ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ{(((.
وحي �أي� ًضا
د -الوحي بالأوامر التدبيرية:كما � َّأن �إبالغ الأوامر التدبيرية �إلى المالئكة ٌ
ن�ص القر�آن الكريم ،قال تعالى } :ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ في ّ
ﮑﮒ{(((.
ه��ـ -ال��وح��ي ب ��إي��داع الأم� ��ور ال�ف�ط��ري��ة :وورد �أي���ض� ًا التعبير ب��ه ع��ن �إي� ��داع الأم ��ور
الفطرية والغريزية لدى الحيوانات و�إلهامها ما ينبغي لها ،كما في قوله تعالى:
} ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ{(((.
وال يخت�ص
ّ نتو�صل �إليها من مجموع هذه الآياتّ � :أن الوحي ال يالزم النبوة والنتيجة التي ّ
بالأمور الرِّ�سالية وما يعبّر عنه بوحي الر�سالة ،بل يتعدّى �إلى كثير من الأغرا�ض والموارد
الأخرى .وهذا ما ي�صطلح عليه الوحي غير الر�سالي.
رسول الله Pوالوحي
يتح�صل من مجموع الن�صو�ص الواردة في كيفية نزول الوحي عليه� ،أ ّنه Pكان يوحى
ّ
�إليه بكل �أ�ساليب الوحي المتقدّمة ولمختلف الأغرا�ض.
-1الر�ؤيا في المنام:
ففي بع�ض الن�صو�ص �أنه Pكان يوحى �إليه عن طريق الر�ؤيا في المنام خا�صة في الفترة
الأول��ى من نبوته قبل نزول جبرئيلQ؛ فعن محمد بن علي بن النعمان الأح��ول قال:
والنبي والمحدَّث ،قال« :Qالر�سول الذي ي�أتيه ّ �س�ألت �أبا جعفر Qعن الر�سول
النبي فهو الذي يرى في منامه نحو ال فيراه ويك ّلمه ،فهذا الر�سول ،و�أم��ا ّ جبرئيل ُق ُب ً
ر�ؤيا �إبراهيم Q ونحو ما كان ر�أى ر�سول اهلل Pمن �أ�سباب النبوة قبل الوحي حتى
�أتاه جبرئيل Qمن عند اهلل بالر�سالة ،وكان محمد Pحين جمع له النبوة وجاءته
ال ،وم��ن الأنبياء من جمع له الر�سالة من عند اهلل يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها قب ً
النبوة ويرى في منامه وي�أتيه الروح ويك ّلمه ويحدّثه ،من غير �أن يكون يرى في اليقظة.
و�أما المحدَّث فهو الذي يحدَّث في�سمع ،وال يعاين وال يرى في منامه»(((.
والر�ؤيا لم تنقطع عنه Pبعد نزول جبرئيل Qبالوحي على قلبه ،وبعد �أن نزل عليه الوحي
المبا�شر كما �سي�أتي ،ف�إن القر�آن الكريم ي�شير �إلى ح�صول ذلك فيما بعد � ً
أي�ضا(((.
ق ��ال ت �ع �ال��ى } :ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﯜﯝ{((( .وق��ال تعالى } :ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ
ﮦ{(((.
- 2الإيحاء بوا�سطة الملك:
و�أم� � �ا ال �م��رح �ل��ة ال �ث��ان �ي��ة ف �ك��ان��ت م��رح �ل��ة ن� ��زول ال ��وح ��ي ب��وا� �س �ط��ة ال � ��روح الأم �ي��ن
جبرئيل Qعلى قلب الر�سول .P
قال تعالى } :ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ{(((.
وقال تعالى } :ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ{(((.
وقد وردت بع�ض الروايات ب�أن جبرئيل Qكان ينزل على ر�سول اهلل Pب�صورة
�إن�سان جميل الطلعة ،فيحدّثه ويقر�أ عليه القر�آن الكريم ،وكان ر�سول اهلل Pي�أن�س به،
وقد ر�آه ر�سول اهلل Pعلى �صورته الحقيقية المالئكية مرتين تحدّثت عنهما �سورة النجم:
} ﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮄ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ{(((.
فالم ّرة الأول��ى ر�آه Pفي بدء الوحي } :ﭮﭯﭰ{((( ف�سدّ ما بين الم�شرق
والمغرب.
} ﮍﮎﮏﮐ{ فيما روي �أنه �Pس�أل جبرئيل� Qأن يريه نف�سه مرة �أخرى
على �صورته التي خلقه اهلل عليها ،ف�أراه �صورته ف�سدّ الأفق �أي� ًضا(((.
- 3التكليم المبا�شر:
أخذ النبي �Pأكانت عند
ّ روي �أن الإمام ال�صادق� Qسئل عن الغ�شية التي كانت ت�
هبوط جبرئيل؟
النبي Pلم يدخل عليه حتى ي�ست�أذنه و�إذا دخل فقال« :ال� ،إن جبرئيل كان �إذا �أتى ّ
عليه قعد بين يديه قعدة العبد ،و�إنما ذاك عند مخاطبة اهلل ع ّز وج ّل �إياه بغير ترجمان
ووا�سطة»(((.
ّ كيف يعلم ّ
النبي Pأن ما نزل عليه هو وحي؟
الثابت �أ ّنه Pكان منذ اللحظة الأولى على بيّنة من �أمره ،واهلل �سبحانه ال يختار لر�سالته
وثقلها � ّإال من �صنع على عينه ّ
وهيء لحملها.
وقد كانت الكرامات الكثيرة التي ظهرت له ورويت عنه ت�ش ِّكل �إرها�صات للنبوة ،بحيث �إنه
لما نزل عليه الروح الأمين كان على بيّنة من �أمره ،وعلى ب�صيرة ثابتة ويقين مما جاءه ،و�إلى
هذا ت�شير عدة روايات وردت عن �أئمة �أهل البيت .R
فعن زرارة �أنه �س�أل الإمام ال�صادق« :Qكيف لم يخف ر�سول اهلل Pفيما ي�أتيه
من قبل اهلل �أن يكون مما ينزغ به ال�شيطان؟ فقال�« :إن اهلل �إذا اتخذ عبداً ر�سو ًال �أنزل عليه
ال�سكينة والوقار فكان الذي ي�أتيه من قبل اهلل مثل الذي يراه بعينه»(((.
ويح�سن الإ�شارة هنا �إلى � ّأن بع�ض ما يروى في كيفيّة نزول الوحي عليه Pومن حالة
الهلع التي �أ�صيب بها ،ومن لجوئه �إلى خديجة التي ه ّد�أت من روعه ،واكت�شفت هي نبوّته
قبل �أن يعرف ذلك هو� ،أو عر�ضت �أمره على ورقة بن نوفل �أو غيره من الأحبار �أو الرهبان
ّر النبي � Pشاك ًا في نبوته،
ّ ف�أخبروها ب�أ ّنه نبي ،كل ذلك مما ال يمكن القبول به ،وال يت�صو
وال جاه ًال بالو�ضع الذي هو عليه ،حتى يحتاج �إلى من يطمئنه من �أمثال ه�ؤالء ،هذا بالإ�ضافة
�إلى تهافت تلك الن�صو�ص وت�ضاربها ،و�ضعف �أ�سانيدها.
ومثل هذا الكالم يجري في �أ�سطورة «الغرانيق» و�أمثالها مما ال ن�شك ببطالنه وا�ستحالته،
أنه مما د�س في الأخبار لغر�ض الت�شكيك والطعن والت�شويه� ،ش�أنه �ش�أن الكثير من
ّ ونعتقد �
الإ�سرائيليات(((.
وق�صة الغرانيق �أ ّنهم زعموا �أن ال�شيطان �ألقى على ل�سان ر�سول اهلل � Pضال ًال زاده في
القر�آن ،كقولهم« :تلك الغرانيق العلى و�إن �شفاعتهن لترجى» ،وهو كذب وزور.
أسـئلـة الـدرس
..................... (((
} - 4ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{
..................... (((
} - 10ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ{
ّ
النبــي األكرم Pفي هــذه اآليات اذكــر أســلوب الوحي الذي اســتخدم مــع
القرآنية:
((( .....................
}- 1ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ{
..................... }- 2ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ{
(((
نزول القرآن
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
وعليه ال تالزم بين البعثة ونزول القر�آن ،فالقر�آن نزل عليه في �شهر رم�ضان ،وفيما
بينهما كان نبي ًا دون �أن يكون معه ق��ر�آن .وي�ؤيده ما ورد في بع�ض الن�صو�ص من �أن نزول
القر�آن الكريم كان في ال�سنة الثالثة من البعثة ال�شريفة ،و�أن فترة النزول ا�ستم ّرت مدّة
ع�شرين �سنة ،ع�شر منها في م ّكة وع�شر في المدينة(((.
و�سواء ثبت نزول القر�آن في ال�سنة الأولى للبعثة �أم ثبت كون بدء نزوله في ال�سنة الثالثة،
ف�إن النتيجة عدم التالزم بين تاريخ البعثة ونزول الوحي عليه وبين تاريخ نزول القر�آن.
((( راج��ع :ال�شيخ الكليني ،الكافي ،ج� ،2ص .629وتف�سير العيا�شي ،ج� ،1ص .80وم�ستدرك الحاكم ،ج� ،2ص.610
واالتقان لل�سيوطي ،ج� ،1ص ،146وغيرها.
37 نآرقلا لوزن :ثلاثلا سردلا
أسـئلـة الـدرس
........................................................................................................................................................................................... .
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 38
4 -4النزول الدفعي يعني نزول القر�آن دفعة واحدة كان في �شهر رم�ضان
ل النبي Pب�ألفاظ
ّ 6 -6كلمة } ﮊ { في عدد من ال�سور ي�شهد على عدم تدخّ
القر�آن الكريم
} - 1ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ
..................... ﰇ { ( ((
} - 2ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ
..................... ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ{
(((
..................... } - 3ﭑﭒﭓﭔﭕ{
(((
والمدني
ّ ّ
المك ّي
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
والمدني :عبارة عن كل ما نزل في المرحلة المدنية �أي مرحلة الدولة الإ�سالمية ،فيطلق
على النازل بعد الهجرة ويدخل فيه كل ما نزل بمكة عام الفتح �أو في حجة الوداع� ،أو في غير
مكة والمدينة كالطائف وحُ َنين و� ،...أثناء الغزوات التي خا�ضها الر�سول Pلو ثبت نزول
�شيء من القر�آن �أثناءها.
- 2مكاني ،وهذا اال�صطالح معمو ٌل به عند البع�ض ،وعليه:
فالمكي :يطلق على النازل من القر�آن الكريم في مكة المكرمة مط ً
لقا� ،سواء كان قبل
الهجرة �أو بعدها� ،أي في المرحلة المكية وما نزل في مكة بعد الفتح.
والمدني :كل ما لم ينزل في مكة فهو مدني.
وعليه فيكون ما نزل في مكة عند الفتح وفي حجة الوداع مك ّي ًا ،رغم كونه بعد الهجرة ،بل
في �أواخر حياة الر�سول الأكرم .P
ولعل االختالف الذي نالحظه �أحيان ًا في مكية ال�سورة �أو مدنيتها يرجع �إلى االختالف في
المعيار ،ويتبعه اختالف في اال�صطالح.
ّ كيف ّ
نميز بين المكي والمدني؟
هناك �أمور اع ُتبرت عالمات ت�شير �إلى زمن نزول الآية ،وهل �أنها مكية �أم مدنية ،لكن
الم�شهور بين العلماء �أن هذه العالمات لي�ست قطعية ،وال يعوّل عليها دائم ّا ،فهي لي�ست �سوى
مرجّ حات ت�ساعد على تحديد المكي من المدني ،ومن هذه العالمات:
- 1من عالمات ال�سور المكية:
�أ -كل ما نزل فيه } ﮜﮝ{.
بناءً على �أن طبيعة المرحلة المكية هي الخطاب العام لكل النا�س ،ال للم�ؤمنين.
� ّإال �أن هذا العن�صر �أو هذه ال�سمة ال ت�صلح �أن تكون �ضابطة تمييز بين المكي
آيات ثبت �أنها مدنية ،وهي تخاطب النا�س بالخطاب العام مثل والمدني؛ نظ ً
را لورود � ٍ
قوله تعالى:
45 ّيندملاو ّيّكملا :عبارلا سردلا
}ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ{(((.
}ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ{(((.
ب -ما نزل من القر�آن فيه ذكر الأمم.
وهذه ال�ضابطة �أي� ًضا غير دقيقة ،لوجود ذكر الأمم في �سور مدنية قطع ًا ،ويكفي مث ً
اال
على ذلك �سورة البقرة التي تحدّثت عن ق�صة مو�سى وبني �إ�سرائيل مف�ص ًال ومن الثابت �أنها
مدنية.
ج -ال�سور التي تبد�أ بالحروف المقطعة من عالمات ال�سور المكية ،عدا �سورتي البقرة
و�آل عمران ،وفي �سورة الرعد خالف.
د -كل �سورة فيها �سجدة فهي مكية (طبع ًا المراد الأع��م من ال�سجدات الم�ستحبة
والواجبة).
هـ -كل �سورة فيها لفظ (ك ّال) فهي مكية.
- 2ومن عالمات ال�سور المدنية:
�أ -ما فيه } ﯛﯜﯝ{ ،فقد تكوّن المجتمع الإيماني الذي بد�أت تخاطبه الآيات
ربما ال نجد فيما ن�ص على
ّ بـ } ﯛﯜﯝ{ في المدينة بعد الهجرة .لذلك
أنه مكي خطاب ًا بـ } ﯛﯜﯝ{. ّ �
ب -ما كان من الفرائ�ض وال�سنن وتفا�صيل ال�سنن والحدود والأح�ك��ام .ف�إنما نزل
َّ
و�سن ال�شرائع والقوانين. بالمجتمع المدني حيث الدولة الإ�سالمية
ج -كل �سورة فيها ذكر للمنافقين فهي مدنية �سوى �سورة العنكبوت ،وقيل�ّ :إن �أولها �إلى
أي�ضا وما عداها فهو مكي ،وفي هذه الآيات ذكر الجهاد والمنافقين. �آخر الآية مدني � ً
د -كل �سورة فيها �إذ ٌن بالجهاد �أو ذكر له وبيان �أحكامه فهي مدنية� ،أو خ�صو�ص الآيات
المت�ضمنة لذلك.
لقد ذكر في ن�صو�ص عديدة � ّأن هناك م�صحف ًا خا� ًصا بالإمام �أمير الم�ؤمنين،Q
وكان يمتاز بعدّة �أمور:
منها� :أن��ه ر ّتبه على ترتيب النزول فقدّم المتقدّم ن��زو ًال و� ّأخ��ر المت� ّأخر ن��زو ًال .ولكن
الم�صاحف التي دوّنت بعد ذلك وخا�صة عندما تمّ توحيد ر�سم الم�صاحف زمان عثمان بن
تراع الترتيب بح�سب النزول ،و�إنما اعتمدت ترتيب ًا قريب ًا �إلى حدٍّ مّا مع ما هو عليه عفان لم ِ
الم�صحف المتداول اليوم.
منها� :أنه دوّن فيه الت�أويل والتف�سير كما �أماله ر�سول اهلل ،Pو�أ�سباب نزول الآيات.
منها� :أنه بيّن فيه المحكم والمت�شابه ،والنا�سخ والمن�سوخ ،بالإ�ضافة �إلى ما ذكر من
أهل الحق و�أهل الباطل والمنافقين في المنا�سبات التي نزلت الآيات فيها. ّ �إثبات �أ�سماء �
و�إل� ��ى ه ��ذا ال�م�ع�ن��ى ت�شير ال�ن���ص��و��ص ال� � ��واردة ع��ن �أئ�� ّم ��ة �أه � �ل ال�ب�ي��ت Rفي
�أنه Qجمع القر�آن كما �أنزل� ،أي كما �أنزل ترتيب ًا وت�أوي ًال وتف�سي ًرا.
أين مصحف اإلمام عليQ؟
بقي هذا الم�صحف عند الإمام �أمير الم�ؤمنين ،Qوتوارثه �أئمة �أهل البيت Rمع بقية
ودائع النبوة ،وفي بع�ض الن�صو�ص �أ ّنه محفوظ عند الإمام الحجّ ة المنتظر|(((.
أسـئلـة الـدرس
- 2قي��ل ب ��أن م��ا نزل في��ه } ﮜﮝ{ فه��و مكي ،وما ن��زل فيه } ﯓﯔ
ﯕ{ فهو مدني ،كيف ترد على هذا القول؟
........................................................................................................................................................................................... .
- 3قي��ل ب ��أن م��ا ن��زل من القر�آن فيه ذك��ر الأمم ف�إنما نزل بمكة وم��ا كان من الفرائ�ض
وال�سنن ف�إنما نزل بالمدينة .هل يمكن االعتماد على هذه ال�ضابطة �أم ال؟ ولماذا؟
........................................................................................................................................................................................... .
1 -1المرحلة المكية هي مرحلة الدعوة التي � ّأ�س�ست فيها الدولة الإ�سالمية.
3 -3كل ما نزل من القر�آن فيه ذكر الأمم عالمة على �أنه مكي.
4 -4كل �س��ورة فيها �س��جدة (الأعم من ال�سجدات الم�ستحبة والواجبة) فهي
مكية .
7 -7الم�صحف الذي كتبه الإمام �أمير الم�ؤمنين Qغير موجود عند �أحد.
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
يذهب الكثير من �أتباع مدر�سة الخلفاء �إل��ى �أن جَ ْمع ال�ق��ر�آن الكريم ك��ان بعد وفاة
النبي .P
ّ
بينما يرى �أكثر �أتباع مدر�سة �أهل البيت � Rأن القر�آن الكريم كان قد جمع في حياة
الر�سول ،Pوبرعايته وتوجيهه ،وقبل الخو�ض في �أدلة الفريقين ينبغي الإ�شارة �إلى �أن
أربعة معان مختلفة ،وهذا من �ش�أنه �أن يوقع الباحث في اال�شتباه مما ٍ الجمع قد ي�ستعمل ب�
ي�ستوجب الدقة في هذه الأبحاث.
معنى جمع القرآن الكريم
- 1الجمع في ال�صدر وحفظه.
- 2التدوي��ن� :أي جم��ع ال�س��ور مد ّون��ة في مكان واحد ،فج ْمع القر�آن معناه جمع �س��وره و�آياته
ٍ
�صحف ،لك��ن من دون �أن تك��ون م�ؤلفة ف��ي كتاب واحد مج ّل��دة بغالف �أو كله��ا مدون��ة ف��ي
دفتين كما هو متعارف اليوم.
- 3جمع الن�سخ المد ّونة :من �أيدي النا�س كمقدمة لتوحيد القراءة فيها ،وهو ما �أمر به عثمان
بن عفان في زمان خالفته.
- 4ترتيب ال�صحف وجمعها في كتاب واحد :وهذا المعنى هو ال�صحيح والمختار المق�صود
من البحث كما �سي�أتي.
روايات جمع القرآن
هناك مجموعة من الن�صو�ص التي نقلت في كتب �أهل ال�س ّنة تن�ص على �أن القر�آن قد جمع
على عهد ر�سول اهلل Pوقرىء عليه ،وفيما يلي نماذج منها:
جمعوا القر�آن الكريم على عهد النبي ،P
ّ � - 1أربعة جمعوا القر�آن :في البخاري �أن �أربعة
فعن قتادة قال� :س ��ألت �أن���س بن مالك :من جمع القر�آن على عهد ر�س��ول اهلل P؟ قال:
�أربعة كلهم من الأن�صار� :أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت و�أبو زيد(((.
� - 2س �تّة جمعوا القر�آن :عن ال�ش��عبي قال :جمع القر�آن على عهد ر�س��ول اهلل �Pستةّ � :
أبي،
((( الزرك�شي ،البرهان ،ج� ،1ص� ،304صحيح البخاري ،الباب � ،20سورة ،9من كتاب التف�سير.
55 هفيلأتو نآرقلا عمج
و الدرداء و�س��عد بن عبي��د ،و�أبو زيد ،ومجمع بن جارية قد �أخذه �إال �س��ورتين �أو
وزي��د ،و�أب � َّ
ثالثة ،قال :ولم يجمعه �أحد من الخلفاء �أ�صحاب محمد غير عثمان(((.
أن الج َّم��اع للقر�آن الكريم
- 3ثالث��ة جمع��وا القر�آن :وعن محمد بن �إ�س��حاق في الفهر�س��ت � ُ
�د النبي Pهم :علي بن �أبي طالب Qو�س��عد بن عبيد بن معاوية ،وزيد بن ّ عل��ى عه�
ثابت(((.
- 4جماع��ة جمع��وا الق��ر�آن :وروى الحاك��م ع��ن زي��د بن ثابت قال :كنا عند ر�س��ول اهلل P
ن�ؤلف القر�آن من الرقاع(((.
تن�ص على �أ�سماء �أخ��رى م ّمن جمعوا القر�آن على عهد ر�سول
وهناك رواي��ات �أخ��رى ّ
اهلل ،P وقد �أح�صى بع�ض المح ّققين �أربعة وع�شرين ا�سم ًا من مجموع الروايات ،و�أ�ضاف
عليهم غيرهم م ّمن لم يذكر ب�شكل قاطع.
المقصود من رويات الجمع
- 1هل المق�صود من روايات الجمع في ال�صدر (المعنى الأول)؟
لقد حاول م�ص ِّنفو �أهل ال�س ّنة التوفيق بين هذه الروايات وبين ما ورد عندهم من �أن �أوّل
فف�سروا الجمع في هذه الروايات ب�أ ّنه
من جمع القر�آن الكريم في م�صحف هو الخليفة الأولّ ،
الجمع في ال�صدور وحفظ القر�آن كام ًال (المعنى الأول).
وهذا الأمر لم يرت�ضه مح ّققو ال�شيعة الإماميّة لعدّة �أ�سباب ،منها ما يرجع �إلى ظاهر
في عهد النبي ،Pوهي:
ّ روايات الحفظ
�أ�ّ -إن الجمع بمعنى الحفظ في ال�صدور كام ًال خالف الظاهر ،لذلك ال يذهب �إليه � ّإال
بقرينة ،وهي غير موجودة في هذه الروايات.
ب -ال يعقل �أن يكون عدد من حفظ تمام القر�آن مح�صور ًا في �أربعة �أو �ستة �أو ع�شرة
�أ�شخا�ص؛ وذلك لأن تعليم وتحفيظ القر�آن كان مو�ضع اهتمام الر�سول Pنف�سه،
((( الزرك�شي ،البرهان ،ج� ،1ص.305
((( الزنجاني ،تاريخ القر�آن.46 ،
((( الحاكم الني�سابوري ،الم�ستدرك على ال�صحيحين ،ج� ،2ص.611
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 56
ن القراء في زمانه Pكانوا يعدّون بالمئات بل بالآالف ،فال بد �أن يكون ّ وكما �أ
الجمع هنا بمعنى امتالكه مكتوب ًا مدوّن ًا.
ج -الروايات التي رويت من طرق الفريقين التي ت�ؤ ّكد على وجود الم�صحف في ع�صر
الر�سول .Pبالإ�ضافة �إلى ما قد ي�ستفاد من و�صاياه بالم�صحف و�أحكامه وما ورد
في ا�ستحباب القراءة في الم�صحف نظ ًرا وحفظ ًا ،من اال�ستدالل على وجود ذلك
الم�صحف وكونه متعارف ًا عند ال�صحابة(((.
ومنها ما يرجع �إلى ظاهر روايات الجمع في زمن �أبي بكر ،وهي:
جمع القر�آن بعد النبي Pم�ضطربة ومتهافتة ،بحيث �إنه ال يمكن
ّ �أ� -إن رواي��ات
االعتماد عليها وال الركون �إلى �شيء ثابت فيها.
فمن حيث الزمان ظاهر بع�ضها �أن الجمع لم يتم �إال في زمان عثمان ،بينما تحكي روايات
�أخرى �أن الجمع كان في زمن عمر بن الخطاب ،وتن�ص طائفة �أخرى على �أنه في زمان �أبي
بكر.
ومن جهة المت�صدّي للجمع ،ففي بع�ضها �أنه �أبو بكر ،وفي بع�ضها �أنه عمر وزيد بن ثابت،
بينما في بع�ضها �أنه زيد فح�سب .وفي بع�ض الروايات �أن �أبا بكر قد فوّ�ض �إليه ذلك ،حتى � ّأن
عمر جاءه ب�آية الرجم فلم تقبل منه.
اما في زمان �أبي بكر ،حتى �أنه لم يبق وقد ا�ضطربت الروايات من جهة كون الجمع كان ت ً
منه �شيء �إال دوّن فيه ،بينما �صريح رواية بقاء �شيء منه لم يثبت في الم�صحف �إلى زمان
عثمان.
ب� -إن روايات جمع القر�آن بعد الر�سول Pال يمكن القبول بها؛ لأنها تفر�ض � ّأن القر�آن
الكريم قد جمع بال�شاهد وال�شاهدين ،وهي تفتر�ض �إمكانية �ضياع �أجزاء كثيرة منه،
حيث زعمت �أنهم كانوا يطلبون الآية فال يجدونها � ّإال عند �شخ�ص من ال�صحابة
ا�ست�شهد �أو توفي ،و�أن بع�ض الآيات لم يتو ّفر لها �شاهدان ،وهذا كان له عظيم الأثر
في زرع ال�شبهات في نفو�س الب�سطاء الذين �صدّقوا هذه الروايات ،وغفلوا عما
تقت�ضيه ال�ضرورة وال�شواهد القطعية والدالئل البينة على تواتر القر�آن الكريم،
واهتمام الر�سول Pبن�شره وتعليمه للم�سلمين وتدوينه ب�شكل وا�سع ،وتوفير كل
مقت�ضيات حفظه وبقائه وتواتره في كل الع�صور.
ج -وال�صحيح � ّأن الر�سول Pكان ي�شرف بنف�سه على تدوين القر�آن الكريم ،وت�أليف
�سوره ،وجمع ال�صحف المدوّنة ب�شكل م�ستمر((( .ولم يرحل عن دار الفناء �إال وهو
مطمئن النف�س مرتاح البال تجاه هذه الأمانة العظمى والمعجزة الكبرى ،و�أن
الم�صحف المقروء على ر�سول اهلل Pكان متو ّف ًرا عند عدد من ال�صحابة الكرام،
بالإ�ضافة �إلى القطع والأجزاء المتف ّرقة عند المئات بل الآالف من الم�سلمين ،الذين
فكتب ما تي�سر له وما �سمعه من
ّ لم تتو ّفر لهم فر�صة الح�صول على ن�سخة كاملة،
الر�سول Pمبا�شرة �أو �أقر�أه �إياه بع�ض القراء.
-2هل المق�صود من روايات الجمع التدوين (المعنى الثاني)؟
حاول بع�ض المح ّققين التوفيق بين رواي��ات الجمع ،فزعم �أن رواي��ات الجمع على عهد
ر�سول اهلل � ،Pإ�ضافة �إلى الأدلة الأخرى التي تقت�ضي ذلك ُتحمل على المعنى الثاني من
الجمع وهو التدوين للجميع من �أحد الو�سائل المعروفة ،وجمعها في � ّصرة �أو ربطها بخيط �أو
و�ضعها في �إ�ضبارة مث ًال ،و�أما الجمع في كتاب واحد فهو لم يتم �إال على عدّة �صور :جمع الإمام
علي Q وجمع زيد بن ثابت ،وجمع �أبي بن كعب ،وجمع عبد اهلل بن �سعود وهذا المعنى ال
ً
أمر �شيئا� ،إذ �أن الت�أليف بين ال�صحف وترتيبها ب�شكل كتاب محفوظ فيما بعد في يغيّر في ال
�إ�ضبارة �أو مربوط في خيط هو جمع حقيقي.
أسـئلـة الـدرس
........................................................................................................................................................................................... .
.- 2لماذا ال يمكن االلتزام ب�أن معنى جمع القر�آن هو حفظه في ال�صدور؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
.- 3ما هو المعنى المتع ّين للجمع بح�سب الظاهر من القرائن وال�شواهد والن�صو�ص؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
ب�أي معنى من معاني الجمع قام عثمان بجمع القر�آن الكريم؟ -4
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 60
الحفظ .
4 -4الروايات التي رويت من طرق الفريقين ت�ؤ ّكد على عدم وجود الم�صحف في
ع�صر الر�سول .P
5 -5ال�صحيح �أن الر�س��ول Pكان ي�ش��رف بنف�س��ه على تدوين القر�آن الكريم،
وت�أليف �سوره .
6 -6الجمع في كتاب واحد لم يتم �إال في عهد �أبي بكر.
�7 -7أق � ّر �أمي��ر الم�ؤمني��ن علي Qخط��وة عثمان ب��ن عفان بتوحي��د القراءة
وقطع الخالف فيها .
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
�أما على �صعيد الر�سم القر�آني �أي الإمالء فقد بقي الر�سم العثماني هو الأ�سا�س.
والحقيقة �أن عملية التنقيط وو�ضع الحركات الإعرابية قدّمت خدمة عظيمة وو�ضعت ح ّد ًا
لالختالف في القراءة التي كانت بلغت م�ستوىً خط ًرا ،كما �سي�أتي الإ�شارة �إليه.
ّ
القرآنية القراءات
ال يكاد يخلو كتاب تف�سير من التع ّر�ض لذكر القراءات المتعدّدة للكثير من مفردات
القر�آن ،وهذه القراءات تن�سب �إلى ق ّر ٍاء معيّنين ،وقد �أُح�صي منها ع�شرة م�شهورة� ،أو �سبعة
ف�إن عدد القراءات ال�شا ّذة تزيد عن ذلك بكثير. هي الأ�شهر ،و� ّإال ّ
- 1منشأ القراءات:
هناك اتجاهان في �ش�أن ن�شوء القراءات القر�آنية وم�صدرها:
االتجاه الأول :اجتهاد القرّاء:
ّ�إن الم�صحف ح ّتى الم�صحف العثماني قد كتب مج ّرد ًا عن التنقيط والحركات الإعرابيّة،
وهذا �أدّى �إلى االختالف في قراءته ،نتيجة عدم حفظ المع ّلمين القراءة ال�صحيحة بدقة،
واعتماد الر�سم الذي يحتمل عدّة وجوه لخلوّه من الإعجام والإعراب.
القراء الم�شهورين
فالقراءات على هذا الوجه تكون اجتهادية مح�ضة� ،أو مرويّة عن ّ
منقولة ب�أخبار الآحاد ،مع االعتراف ب� ّأن القر�آن نزل على قراءة واحدة ،،دون �أن يُعلم الزمن
الذي ح�صل فيه االختالف وكيف بد�أ.
وا�ستدل لهذا الإتجاه بعدة �أدلة �أهمها:
.1الروايات:
ما ورد في �أخبارنا عن الإمامين الباقر وال�صادق ،Lفي � ّأن القر�آن نزل على حرف واحد.
منها :ما روي عن الف�ضيل بن ي�سار قال :قلت لأبي عبد اهلل� :Qإن النا�س يقولون �إن
القر�آن نزل على �سبعة �أحرف فقال« :Qكذبوا �أعداء اهلل ،ولكنه نزل على حرف واحد
من عند الواحد»(((.
منها :ما روي عن الإم��ام الباقر�« :Qإن القر�آن واح��د نزل من عند واح��د ولكن
االختالف يجيء من قبل الرواة»(((.
ومنها :ما روي عن �سليمان بن �صرد عن الر�سول �« :Pأت��ان��ي جبرئيل فقال :اق��ر�أ
القر�آن على حرف واحد»(((.
ويدل عليه �أي�ضاًّ � :أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان جمع النا�س على قراءة واحدة كما ّ
يقولون ،فهو اعتراف �ضمني ب� ّأن القر�آن واحد نزل بقراءة واحدة ،و�إال لما كان له �أن يمنع
القراءات الأخرى ويحمل النا�س على قراءة واحدةّ � ،إل �أن يكون اجتهاد ًا منه.
وقد تب ّنى هذا االتجاه �أكثر من واح��د من م�ص ّنفي �أه��ل ال�س ّنة ،و�صرحّ وا ب �� ّأن �سبب
االختالف في القراءات هو خلوّ الم�صاحف الأولى من النقط وال�شكل .فقد نقل ذلك عن ابن
�أبي ها�شم((( ،وابن جرير الطبري((( وغيرهما.
.2تواتر القراءات
بغ�ض النظر عن كتابة الم�صحف ّ�إن القراءات مروية بالأ�سانيد عن ر�سول اهلل ِّ ،P
ال�شريف .وقد ادّعى بع�ض تواتر القراءات ال�سبعة الم�شهورة(((.
فالقراءات على هذا الوجه ُيدّعى �أ ّنها ك ّلها ق��ر�آن ،و� ّأن القر�آن نزل بقراءات متعدّدة
ومتواترة.
االتجاه الثاني :ويعتمد على تف�سير الأحرف ال�سبعة بالقراءات وا�ستدل لهذا االتجاه
بعدة �أدلة منها:
-ما رووه عن النبي (((Pمن �أن القر�آن الكريم نزل على �سبعة �أحرف((( ،فزعموا �أن
ّ
الأحرف ال�سبعة هي القراءات ال�سبعة الم�شهورة.
ح ّتى �أن بع�ضهم يدّعي �أن عثمان بن عفان ف ّرق هذه القراءات على الم�صاحف التي دوّنها،
لكي تحفظها الأمة كما نزلت من عند اهلل تعالى ،وكما �سمعت من ر�سول اهلل ،Pوهذا هو
�سبب اختالف ر�سوم م�صاحف �أهل الأم�صار(((.
واال�ستدالل برواية نزول القر�آن على �سبعة �أحرف غير تام:
�أ .ف�إن هذه الرواية معار�ضة بما روي عن �أئمة �أهل البيت Rوهم �أعلم بما نزل فيه
من �أن القر�آن واحد نزل من عند الواحد ،على حرف واحد و�أن االختالف ي�أتي من
قبل الرواة كما تقدّم.
ب .ال دليل على �أن المراد بالأحرف ال�سبعة القراءات ال�سبعة ،ف�إن بع�ض الروايات
ف�سرت الأحرف ب�أنها �أ�ساليب القر�آن من الأمر والنهي والترغيب والترهيب والجدل ّ
والأمثال والق�ص�ص((( ،ويظهر من رواي��ات �أخ��رى �أن الأح��رف �إ�شارة �إلى معاني
القر�آن وت�أويالته ،فقد روي عن �أبي جعفر� Q أنه قال« :تف�سير القر�آن على
�سبعة �أوجه ،منه ما كان ،ومنه ما لم يكن بعد ،تعرفه الأئمة»(((.
ج� .إن روايات نزول القر�آن على الأحرف ال�سبعة مت�ضاربة ،فبع�ضها يقول �أنها �سبعة،
وبع�ضها يقول �أنها خم�سة ،وبع�ضها يقول �أنها �أربعة وربما ثالثة ،فال يعلم ال�صحيح
منها.
والنتيجة �أن مقولة تف�سير الأح��رف ال�سبعة بالقراءات غير مقبولة وال ي�صح االعتماد
عليها.
- 2اختالف مصاحف األمصار
ُت� ّصرح بع�ض الن�صو�ص �أن عثمان بن عفان لما �أتي بالم�صحف بعد �أن فرغوا منه ،نظر
فيه فقال :قد �أح�سنتم و�أجملتم �أرى فيه �شيئ ًا من لحن �ستقيّمه العرب ب�أل�سنتها(((.
توخاها َك َتب ُة القر�آن �آنذاك لم تكن مانعة من وقوع بع�ض
وهذا يدل على �أن الد ّقة التي ّ
((( ال�سيد جعفر مرت�ضى ،حقائق هامة حول القر�آن الكريم� ،ص.220
((( العالمة المجل�سي ،بحار الأنوار ،ج� 4ص.94
((( الحر العاملي ،و�سائل ال�شيعة ،ج� ،27ص.197
((( ال�سج�ستاني ،كتاب الم�صاحف� ،ص.41
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 70
ّ
اللحن غير المهم في طريقة الر�سم القر�آني ،ولذا اعتمدوا على � ّأن العرب �ستقوّمها ب�أل�سنتهم،
ولو كان ذلك على م�ستوى االختالف الجذري لما كان ي�سكت عليه.
بالإ�ضافة �إلى �أن تلك الم�صاحف كانت خالية عن النقط والحركات الإعرابية -كما
�ال ،ونحن ال ندري مقدار هذا تقدّم -م ّما جعل �إمكانية اختالف قراءتها على م�ستوى ع� ٍ
االختالف المزعوم في الم�صاحف العثمانية ،وما نقل في المقام ال يخلو �أن يكون مج ّرد
دع��اوى غير مدعّ مة ب�أدلة قاطعة ،وهذا مما ال يجوز الوقوف عنده �أم��ام الن�ص المتواتر
والقراءة المتواترة.
- 3سند القراءات
�أما دعوى كون القراءات مرويّة عن الر�سول ،Pفهنا ال بد من التع ّر�ض لأمرين:
الأوّلّ � :أن القر�آن ال يثبت ب�أخبار الآحاد ،و�إنما بالتواتر الموجب لالعتقاد اليقيني؛ ب�أنه هو
كالم اهلل النازل على ر�سوله ،Pوعليه ف�أي قراءة ال بد من �إ�سنادها ب�أ�سانيد متواترة،
وال يكفي مج ّرد الرواية ب�سند واحد �أو �سندين بما ال يخرجها عن الآحاد .وهذا �أمر م�س ّلم
ال يناق�ش فيه �أحد.
الثاني� :إن القراءات المنقولة في كتب التف�سير وغيرها كلها غير متواترة ،وقد كفانا البحث
القراء ال�سبعة
ال�سيد �أبو القا�سم الخوئي { في كتاب «البيان»((( ،وقد �أورد ترجمة ّ
و�أثبت �أن قراءتهم غير متواترة بل بع�ضها لم تثبت ب�سند �صحيح �أ�ص ًال.
القراء وتراجمهم يظهر �أن قراءاتهم ت ّلقوها عن م�شايخهم بطرق ومن ت�ص ّفح حال ّ
القراء �أنف�سهم لم يكن ثقة �أو �أن �شيوخه لم يكونوا ثقات .والمهم هو الآح��اد ،وكثير من ّ
إلى القراء �أنف�سهم ف�إن
ّ عدم �إمكان الركون �إلى �شيء منها .وال يكفي �أن يدّعى تواتر القراءة �
المطلوب التواتر عن الر�سول Pوهو غيرها.
القراء على �صحة قراءته و�إعرا�ضه عن قراءة غيره دليل ثم �إن احتجاج كل واحد من ّ
على �أن القراءات لم تكن متواترة عن الر�سول ،Pولم تكن متعدّدة في الأ�صل ،و�إال لم يكن
هناك حاجة لكل ذلك ،ف�إن التعدّد يكون عندئذ هو الطبيعي.
وهناك اختالفات في زيادة كلمة ونق�صانها ،وا�ستبدال حرف جر ب�آخر و�أمثال ذلك مما
ين�ش�أ من �سهو الحافظ.
وهناك اختالفات نا�شئة من الخلط بين التف�سير والت�أويل ومتن القر�آن فيتوهّ م �أن ما ورد
على الأل�سنة للتف�سير �أنه من �أ�صل القر�آن.
ونحن ال ننفي بع�ض المحاوالت العمدية للتحريف ،خا�صة �إذا عرفنا �أن بع�ض �أهل الكتاب
كان يطلب منه ن�سخ الم�صحف وهو ال ي�ؤتمن من التالعب والزيادة والتحريف .ومن هذا
القبيل ما ورد �أن عبد الرحمن بن �أبي ليلى كتب له ن�صراني من �أهل الحيرة م�صحف ًا ب�سبعين
درهم ًا((( ،ومنذ �سنوات قليلة حاول يهود الع�صر في �إ�سرائيل تحريف القر�آن في الآيات التي
ترتبط بهم وباءت محاولتهم بالف�شل ،كما ف�شلت كل المحاوالت ال�سابقة وبقي القر�آن الكريم
دا عن كل ريب. محفوظ ًا بعي ً
القراءة كما يقرأ الناس
وفي الختام ال بد من الإ�شارة �إلى ما ورد عن �أئمة �أهل البيت Rمن الأمر بالقراءة
«كما يقر�أ النا�س» �أو «كما علمتم» والنهي عن متابعة القراءات ال�شاذة.
روي �أنه قر�أ رجل على الإمام ال�صادق Qحروف ًا من القر�آن لي�س على ما يقر�ؤها
النا�س فقال الإمام �أبو عبد اهلل« Qكف عن هذه القراءة ،اقر�أ كما يقر�أ النا�س.(((»...
وروي عنه� Qأنه قال« :اقر�ؤوا كما ع ّلمتم »(((.
أسـئلـة الـدرس
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
-5ما هي القراءة التي كان عليها �أئمة �أهل البيت Rوالتي هي متداولة اليوم؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
73 تاءارقلاو ،نآرقلا مسر :سداسلا سردلا
�1 -1أ ّول م��ن ت�ص � ّدى لو�ض��ع الح��ركات الإعرابية ه��و الإمام علي ب��ن �أبي طالب
. Q
�2 -2أ ّول من ت� ّصدى لو�ضع عالمات الوقف هو الخليل بن �أحمد الفراهيدي.
5 -5توات �ر الق��راءات :يعن��ي �أ ّنه �ا الق��راءات المروية بالأ�س��انيد عن ر�س��ول اهلل
بغ�ض النظر عن كتابة الم�صحف ال�شريف . ّ ،P
وال ي�صح االعتماد
ّ �6 -6إن مقولة تف�سير الأحرف ال�سبعة بالقراءات غير مقبولة
عليها .
7 -7القر�آن ال يثبت بالتواتر ،و�إنما ب�أخبار الآحاد الموجبة لالعتقاد اليقيني.
8 -8عدم تواتر القراءات ال ي� ّضر بتواتر القر�آن.
�9 -9إن القراءات المنقولة في كتب التف�سير وغيرها كلها غير متواترة.
�10 10إن احتج��اج كل واح��د من الق � ّراء على �صحة قراءت��ه و�إعرا�ضه عن قراءة
غيره دليل على �أن القراءات كانت متواترة عن الر�سول .P
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 74
................................
ُف�سر ظاهرة تعدُّد القراءات في البحوث التف�سيرية العامة على وقد حاول بع�ضهم �أن ي ّ
�أ�سا�س �أن القر�آن الكريم جاء به الوحي �إلى الر�سول الأعظم Pبهذا ال�شكل,.....................................
و�أنه نزل على عدّة حروف ،و�أن القراءات المتعدّدة هي هذه .....................................المتعدّدة.
و�إذا كنا نقبل هذه المعالجة في بع�ض الحاالت ال يمكن �أن نقبلها ب�شكل مطلق وفي جميع
الحاالت ،خ�صو� ًصا في الحاالت التي يكون الختالف القراءة ت�أثير على المعنى ،ويكون المعنى
بدوره مرتبط ًا بحكم �شرعي كما في «يطهرن» بالتخفيف و «يطهّرن» بالت�شديد .وحينئذ نجد
�أنف�سنا �أمام تف�سيرين لهذه الظاهرة ب�شكل عام� ،أو على الأقل في بع�ض الحاالت:
� -أحدهما :هو �إهمال .....................................ب�شكل معيّن في عهد الر�سول من ِقبَل بع�ض
ال�صحابة �أنف�سهم� ،أو ن�سيان الطريقة ال�صحيحة لنطق اللفظ نتيجة عدم التدوين.
-والآخر :تدخل .....................................واال�ستح�سان في القراءة بعد فقدان حلقة الو�صل
التي كانت تربط بين بع�ض ال�صحابة والر�سول».
ال�شهيد ال�سيد محمد باقر الحكيم ،علوم القر�آن� ،ص.290
الدرس السابع
سالمة القرآن
من التحريف
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
والمراد من الذكر في الآية المحكي بهذا القر�آن الملفوظ �أو المكتوب وهو المنزل على
ر�سول اهلل ،Pوالمراد من حفظه �صيانته من التالعب والتغيير وال�ضياع ،وال �شك �أن مثل
وال ي�صح
ّ هذا الحفظ ال ي�صح � ّإال مع بقائه بمتناول �أيدي الب�شر عامة الذين نزل لهدايتهم.
ّ
�إطالق مثل هذا الحفظ على بقائه ب�أيدي جماعة خا�صة مع عدم �إمكان و�صول النا�س �إليه،
ولذا �صح �أن يقال �إن بني �إ�سرائيل ح ّرفوا التوراة والإنجيل مع بقائها مكتومة عند �أفراد
معيّنين.
السنة الشريفة ونفي التحريف
وردت رواي��ات عديدة تقت�ضي �سالمة ال�ق��ر�آن وحفظه من �أي��دي التحريف وق��د قمنا
بتق�سيمها �إلى طائفتين:
الطائفة الأولى :روايات العر�ض على القر�آن
ما ورد من الروايات ت�أمر بعر�ض الأخبار على كتاب اهلل بهدف تمييز الروايات ال�صحيحة
عن المو�ضوعة ،فهو بمثابة الميزان لقيا�س ال�صحيح منها من الفا�سد ،ف�إذا ُفر�ض �أن القر�آن
ي�صح الأمر بالعر�ض عليه وكيف يتمّ جعله مقيا�س ًا لذلك؟! �إذ ًا ال بد �أن
الكريم مح ّرف ًا فكيف ّ
حتى ي�صح العر�ض عليه ،ومن �أمثلة
ّ يكون المقيا�س وهو القر�آن الكريم �سالم ًا من �أيّ تحريف
هذه الطائفة:
ما ورد عن الر�سول� Pأنه قال« :تكثر لكم الأحاديث بعدي ،ف�إذا روي لكم ع ّني حديث
فاعر�ضوه على كتاب اهلل ،فما وافق كتاب اهلل فاقبلوه وما خالف فردّوه»(((.
وعن الإمام ال�صادق Qقال« :كل حديث ال يوافق كتاب اهلل فهو زخرف»(((.
«وقد ا�ستفا�ض عن النبي Pوالأئمة Rحديث عر�ض
ّ قال الفي�ض الكا�شاني :M
الخبر المروي على كتاب اهلل لتعلم �صحته بموافقته له� ،أو ف�ساده بمخالفته ،ف�إذا كان القر�آن
الذي ب�أيدينا مح ّرف ًا فما فائدة العر�ض»(((.
�سيرة النبي الأعظم ،Pج� ،26ص ،71وفي معناه :العالمة المجل�سي ،بحار
ّ ((( ال�سيد جعفر مرت�ضى ،ال�صحيح من
الأنوار ،ج� ،2ص.225
((( ال�شيخ الكليني ،الكافي ،ج� ،1ص.69
((( الفي�ض الكا�شاني ،تف�سير ال�صافي ،ج� ،1ص.46
79 فيرحتلا نم نآرقلا ةمالس :عباسلا سردلا
التم�سك بالثقلين
ُّ الطَّ ائفة الثَّانية :روايات
أمر بالتم�سك بال ّثقلين�« :إ ِّني تارك فيكم
ّ الرواية المتواترة عن النبي مح ّمد Pالتي ت�
بالتم�سك
ّ الثقلين كتاب اهلل وعترتي �أه��ل بيتي»((( وما في معناها من الروايات الآم��رة
إماما ،والتي ت�صفه ب�أنه نور وهداية ونا�صح ،و�أنه ال عوج فيه ،و�أنه ع�صمةبالقر�آن ،واتخاذه � ً
للمتم�سك به ،ونجاة للمتع ّلق به و�أمثال ذلك.
ّ
وهذه الن�صو�ص كلها تقت�ضي �سالمته وحفظه على تلك ال�صفة .ولو كان مح ّرف ًا لما كان
لها �أي معنى حينئذ.
تواتر القرآن الكريم
تقدّم في بحث جمع القر�آن الكريم �أن القر�آن الكريم متواتر حفظ ًا وتدوين ًا ،فعلى �صعيد
التدوين ،تقدّم �أن الر�سول Pا�ستخدم في كتابة الوحي ع�شرات الك ّتاب وانت�شر التدوين
دا ،وعلى �صعيد الح ّفاظ فقد كان عددهم بالمئات بل الألوف ،وقد ا�ستم ّر ب�صورة وا�سعة ج ً
هذا التواتر في كل الأجيال وجميع الع�صور حتى يومنا هذا.
فال يُعتنى بدعاوى التحريف التي ُتخالف القطع وظاهر الكتاب وال�س ّنة النبوية الثابتة.
دعاوى التحريف
ي�ستعمل لفظ التحريف ويراد منه �أحد معنيين:
الأول :التحريف المعنوي :وذلك بحمل الألفاظ على غير معانيها وت�أويلها بما لم تنزل فيه
بال دليل لغوي وال رواية �صحيحة عن الر�سول Pو�أهل بيته الطاهرين .R
وه��ذا النمط من التحريف وقع بال �شك من ِقبَل الكثير من المذاهب و�أه��ل الأه��واء
والمقاالت الفا�سدة الذين حاولوا اال�ستفادة من الكتاب لن�صرة مقاالتهم الباطلة ،ولأجل
ذلك نهى �أمير الم�ؤمنين Qعن مجادلة الخوارج بالكتاب عندما بعث �إليهم ابن عبا�س
فقال له« :ال تخا�صمهم بالقر�آن ف�إن القر�آن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن خا�صمهم
((( هذا الحديث ب�ألفاظ متقاربة رواه نيف وثالثون �صحابي ًا ،وهو متواتر لفظ ًا ،ويعتبر من �أدلة الإمامة .راجع رواته
وم�صادره في خال�صة عبقات الأنوار لل�سيد الميالني الأجزاء الثالثة الأولى.
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 80
أسـئلـة الـدرس
........................................................................................................................................................................................... .
- 2القر�آن الكريم متواتر حفظ ًا وتدوين ًا ،ما هو المق�صود بهذه العبارة؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 82
�ّ 1 -1إن عر�ض الأخبار على كتاب اهلل يهدف �إلى ت�صحيح الآيات القر�آنية.
3 -3دعاوى التحريف تخالف القطع وظاهر الكتاب وال�سنّة النبوية الثابتة.
4 -4التحري��ف اللفظ��ي :ي��راد من��ه تحريف �ألف��اظ الق��ر�آن الكريم بالزي��ادة �أو
النق�صان �أو التبديل .
5 -5التحريف المعنوي :يعني حمل الألفاظ على غير معانيها وت�أويلها.
83 فيرحتلا نم نآرقلا ةمالس :عباسلا سردلا
مناقشة أد ّلة
تحريف القرآن
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
والجواب :عن هذا �أنه تقدّم �أن عدم تواتر القراءات �شيء وتواتر القر�آن �شيء �آخر،
فاختالف القراءات ال ي� ّضر بالمادة الأ�صلية للقر�آن.
أبي بن كعب كان �أقر�أ الأمة ،وما ورد في �أن �آيات م�صحفه �أكثر مما الرابع :ما ورد من �أن � ّ
هو موجود الآن ،وي�ستنتج من ذلك طروء ال ّنق�ص على القر�آن.
والجواب :عن هذا �أن هذه الروايات �أي� ًضا �ضعيفة وعامية و�شاذة ،لذلك ال ي�صح الوقوف
عندها في مقابل التواتر الفعلي للقر�آن .ون�ضيف �إلى ذلك �أن االختالف بعدد الآيات ال يدل
على الزيادة والنق�ص؛ لأنهم ربما اختلفوا على �أماكن الوقف والفوا�صل ف��أدّى ذلك �إلى
االختالف بعدد الآيات وهذا ال ي�ؤثر.
الخام�س� :أن ما فعله عثمان من حمل النا�س على قراءة واحدة و�إحراق باقي الم�صاحف
يجعل القر�آن الكريم في معر�ض الت�شكيك وعدم االطمئنان �إلى �سالمته ،و�إذا �أ�ضيف �إليه
مخالفة ابن م�سعود لعثمان ينتج عنه وجود تحريفات كانت �سبب ًا لمخالفة ابن م�سعود.
الجوابّ � :أن عمل عثمان كان بموافقة �صريحة من �أمير الم�ؤمنين ،Qو�أنها وحّ دت
أن مخالفة ابن م�سعود ال تدل على �شيء مما ذكر ،لأ ّنه رف�ض ت�سليم م�صحفه
ّ القراءات ،و�
يدل على �أن الم�صحف للإحراق ،حيث كان يعت ّز به لأ ّنه كتبه على عهد ر�سول اهلل ،Pفال ّ
الجديد كان مغاي ًرا لم�صحفه ،نعم ربما كان ابن م�سعود قد خالف في الترتيب �أو دوّن بع�ض
التف�سير والت�أويل فيه ،فكان رف�ضه لذلك �أي� ًضا ،وهو لي�س من التحريف كما هو وا�ضح.
ال�ساد�س :الروايات التي ت� ّصرح بوقوع التحريف في القر�آن.
والجواب� :أن هذه الروايات �أكثرها مروي عن ال�سياري (الغالي) وغيره من ال�ضعفاء،
بالإ�ضافة �إلى �أن المق�صود فيها غالب ًا هو التحريف المعنوي ال اللفظي ،وقد روي عن الإمام
الباقر Qب�أنهم «�أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده» وهي �صريحة في التحريف المعنوي.
ال�سابع :وجود �ألف رواي��ة �أغلبها �شيعي تت�ض ّمن اختالف القراءة ع ّما هو في الم�صحف
الحا�ضر ،وهذه الروايات الألف فيها ما يلي:
� -1إن �أكثر من 230رواية منها ترجع �إلى ال�سياري الغالي الملعون على ل�سان الإمام ال�صادق
،Qوال يقبله �أحد من علماء الرجال عندنا.
89 نآرقلا فيرحت ةّلدأ ةشقانم :نماثلا سردلا
� -2أكثر من 600رواية مك ّررة ،ذكرها لتع ّدد الطرق �أو تع ّدد الم�صدر.
-3وبع��د �إ�س��قاط رواي��ات ال�س��ياري والمك � ّررة ف�لا يبق��ى �إال ح��دود 80رواية ه��ي عبارة عن
روايات اختالف القراءات �أكثرها �أخذت من مجمع البيان .والطبر�سي في المجمع يروي
وال�ضحاك
ّ ع��ن بع���ض رواة �أه��ل ال�س �نّة مثل الك�س��ائي وابن م�س��عود والجحدري وال�س��لمي
حجار ومجاهد وعكرمة وعائ�ش��ة وابن الزبي��ر وحمزة وابن يعمر وقت��ادة واب��ن عم��ر وابن ّ
ال�شعبي وغيرهم.
مع � َّأن الكثير من هذه ال��رواي��ات ناظر �إل��ى التف�سير و�ش�أن ن��زول الآي��ات ،وقد اختلط
التف�سير بمتن الآيات فيها ب�سبب عدم ا�ستعمال العالمات المميِّزة للمتن عن التف�سير كما
هو المتعارف اليوم.
أقوال كبار علماء الشيعة
� َّصرح علماء ال�شيعة عبر القرون ب�سالمة القر�آن من التحريف ،ومع ذلك ّ
ف�إن البع�ض ممن
ويتم�سك بما ذكره
ّ ين�سب �إلى ال�شيعة تهمة القول بالتحريف يهمل هذه الت�صريحات عم ً
دا
بع�ض المحدِّ ثين لأغرا�ض خبيثة� ،أو يحمل تلك الت�صريحات على التقية لإتمام بهتانه .وهذه
نماذج ممن � ّصرح ب�سالمة القر�آن من ال�شيعة:
- 1ال�شيخ الطو�سي (ت 164هـ) في التبيان ج� 1ص.3
-2ال�شيخ ال�صدوق (ت 183هـ) في كتاب االعتقادات �ص 92و.93
-3ال�شيخ المفيد (ت 314هـ) في كتابه �أوائل المقاالت �ص 55و .56
-4ال�س��يد المرت�ضى (ت 634هـ) في جواب الم�س��ائل الطرابل�س��يات حكاه عنه الطبر�سي في
مجمع البيان ج� 1ص.51
-5ال�شيخ الطبر�سي (ت 845هـ) في مجمع البيان ج� 1ص.51
-6ال�شيخ الحر العاملي (ت 1104هـ) له ر�سالة في �إثبات عدم التحريف نقل منها رحمة اهلل
الهندي في �إظهار الحق �ص .129
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 90
((( ابن �شعبة الحراثي ،تحف العقول عن �آل الر�سول� ،ص ،458م�ؤ�س�سة الن�شر الإ�سالمي.
91 نآرقلا فيرحت ةّلدأ ةشقانم :نماثلا سردلا
أسـئلـة الـدرس
.1يزعم البع�ض وقوع التحريف في القر�آن كما وقع في التوراة والإنجيل وذلك بمقت�ضى
ما ورد من �أن ما وقع في الأمم ال�س��ابقة يقع في هذه الأمة �أي� ًضا ،كيف تردّ على هذا
الكالم؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
.2ا�ش��تبه المحدّث النوري في مو�ضوع تحريف القر�آن ،فما هو من�ش ��أ ال�شبهة التي وردت
على ذهنه؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
ِّ
أي علماء ال�شيعة عبر القرون في مو�ضوع تحريف القر�آن؟ .3ما هو ر�
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
.5هل كان القول بالتحريف من الم�سائل الم�شهورة عند علماء ال�شيعة؟ اذكر عدد ًا من
العلماء القائلين بعدم التحريف؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 92
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
93 نآرقلا فيرحت ةّلدأ ةشقانم :نماثلا سردلا
............لو كان تغيُّر في �شيء من هذه الأو�صاف بزيادة �أو نقي�صة �أو تغيير في لفظ �أو ترتيب
دا لآثار تلك ال�صفات م�ؤ ّثر فقد �آثار تلك ال�صفة قطع ًا لكنا نجد القر�آن الذي ب�أيدينا واج ً
المعدودة على �أتمّ ما يمكن و�أح�سن ما يكون فلم يقع فيه ..............................................ي�سلبه �شيئ ًا
هو القر�آن المنزل على النبي Pبعينه فلو فر�ض �سقوط ّ من �صفاته فالذي ب�أيدينا منه
ترتيب وجب �أن يكون في �أمر ال ي�ؤ ّثر في �شيء من حرف �أو ٍ �إعراب �أو ٍ
ٍ �شيء منه �أو تغير في
�أو�صافه..............................................وارتفاع االختالف والهداية والنورية والذكرية والهيمنة
على �سائر الكتب ال�سماوية �إلى غير ذلك وذلك ك�آية مك ّررة �ساقطة �أو اختالف في نقطة �أو
�إعراب ونحوها».
ال�سيد محمد ح�سين الطباطبائي{ ،تف�سير الميزان ،ج� ،12ص.107
الدرس التاسع
أسباب ال ُّنزول
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
-2قرائن حالية :كالإ�شارات والحركات وحال المخاطب والواقع الحا�صل والظرف المحيط
بالمتك ّلم �أو المخاطب.
ف�إن المتك ّلم عندما يورد جملة ا�ستفهامية م�صدّرة بهمزة اال�ستفهام مث ًال ،قد يكون ّ
غر�ضه اال�ستفهام الحقيقي ،وقد يكون غر�ضه التقرير ،وقد يكون غر�ضه غير ذلك من الإنكار
والتعجّ ب و�أمثالها .وال يمكن التمييز بين الأغرا�ض المختلفة هذه �إال من خالل القرائن
الحالية غالب ًا والمقالية �أحيان ًا .مثال ذلك قول تعالى } :ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ{(((.
والمنا�سبات التي كانت تنزل فيها الآيات ُت�ش ّكل قرائن حالية تحيط بالن�ص وتلقي �ضوء ًا
على المراد منه ،وهو �أمر يجعل لأ�سباب النزول �أهميّة خا�صة في فهم الآيات .حيث �إن معرفة
الزمان والمكان و�سائر الظروف المحيطة بالن�ص لها �أثر في �إماطة اللثام عن مكنونات
المراد .وهذا �أمر ال يقت�صر في نطاق فهم القر�آن الكريم و�إ ّنما هي قاعدة تجري في كل
تخاطب ،كالحديث النبوي وكالم المع�صومين� Rأي� ًضا ،ومن هنا كان بالإمكان �أن يقال
ّ�إن درا�سة ال�سيرة النبوية وخ�صو�صيات المجتمع المكي والمدني وتفا�صيل الأحداث التي
عا�صرت الن�ص لها مدخلية كبيرة في فهم الن�ص .وال نعني بذلك �أن نكتفي بقراءة التاريخ �أو
ونف�سر القر�آن على �ضوء ذلك ،ف�إن درا�سة ال�سيرة يعني التدقيق فيها والو�صول �إلى
ال�سيرة ّ
الحقائق التاريخية وما هو ال�صحيح من �سيرته .P
ولعل �أ�سباب النزول هي حلقات ومحطات من تلك ال�سيرة والوقائع التاريخية ،ال بد من
معرفتها بدقة بعي ً
دا عن الخلفيات الم�سبقة.
الدس في أسباب النزول ّ
ككل للد�س والت�شويه ،وذلك لأغرا�ض
ّ لقد تع ّر�ضت منا�سبات النزول كما تع ّر�ض التاريخ
ّ
وال �شك � ّأن عديدة ،منها ما كان لأغرا�ض �سيا�سية تهدف �إلى تزييف الواقع ل�صالح الح ّكام،
نزول �آية في �شخ�ص معيّن يعني ال�شيء الكثير في هذا المجال.
ومن تلك الأغرا�ض ما يرتبط بتحريف معاني القر�آن لتتنا�سب مع الأهواء والمذاهب.
وهذا يجعل من درا�سة �أ�سباب النزول مه ّمة �شا ّقة ،تحتاج �إلى تحقيق وتدقيق في �سند
الروايات ،الناقلة لأ�سباب النزول ،وال بدّ من تطابق ما ورد في �أ�سباب النزول مع
العقيدة الثابتة ،ومع �سل�سلة الحوادث وال�سير التاريخي حتّى تبدو من�سجمة تم ً
اما مع
بقية المقاطع.
إسقاطها عن االعتبار
في مقام هذا الد�س الكبير في الروايات ،وال �سيما روايات �أ�سباب النزول ،نحتاج
ّ ونحن
�إلى تطبيق قواعد نقد الن�صو�ص الروائية.
ف�أحيان ًا ُيدّعى نزول �آية في �شخ�ص ،وبعد التدقيق يتبيّن � ّأن نزول الآية ح�صل في زمان
ت� ّأخر عن ذلك ال�شخ�ص.
وقد يروي �سبب النزول من لم يكن موجود ًا حين نزول الآيات ،كما يح�صل مث ً
ال
فيما يروى عن ابن عمر �أو ابن عبا�س في منا�سبات النزول في ال�سور المكية الأولى،
لي�س على نحو الرواية عن الغير والحكاية عنهم ،بل على نحو الح�ضور والم�شاركة
في الحديث.
كما � ّأن �سياق الكثير مما روي في �أ�سباب النزول يظهر منه � ّأن الراوي ال ينقل المنا�سبة
ما ينقل ق�صة تاريخية ثمّ يطبق الآيات عليها ويربطها بها ربط ًا ،وهذا �إن
ّ رواية وم�شافهة ،و�إ ّن
كان يع ّد حكاية لأ�سباب النزول فهو مج ّرد اجتهاد من الراوي.
وعدد كبير من �أ�سباب النزول التي تروى متناق�ضة فيما بينها ،و�أحيان ًا قد تروى عن را ٍو
واحد �أ�سباب نزول في �آية واحدة متناق�ضة �أو ال يمكن الجمع بينها.
ولقد �ساهمت ق�ضية المنع من كتابة الحديث في ع�صر الخليفة الأول في خلط الأوراق
وت�ضييع الحقائق ،وفتحت الباب وا�سع ًا �أمام النقل بالمعنى الذي قد يفقد الحديث الكثير من
وخا�صة �أولئك
يريد الد�س والو�ضع والكذبّ - ،
ّ الدقة والخ�صو�صيات ،ومهّدت الطريق لمن
المتربّ�صون بالإ�سالم الدوائر من �أهل الكتاب ،-ولقد نال �أ�سباب النزول ق�سط ًا واف ًرا من
تلك المد�سو�سات والمو�ضوعات والإ�سرائيليات.
هذه الأمور دعت الكثير من مح ّققينا �إلى التقليل من �أه ّميّة �أ�سباب النزول بل �إ�سقاطها
عن االعتبار.
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 100
وقد بالغ �أهل ال�س ّنة باالهتمام ب�أ�سباب النزول و�أعطوها دور ًا كبي ًرا في التف�سير رغم
ا�ضطراب �أ�سانيدها .بينما �أثرى التراث التف�سيري عند ال�شيعة ما ورد في الم�أثور عن �أهل
بيت الع�صمة والطهارة .R
نماذج مدسوسة في أسباب النزول
-1قول��ه تعال��ى } :ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ {(((.
روى البخاري �أ ّنها نزلت في �أبي طالب عندما ح�ضرته الوفاة(((.
وهو غير �صحيح لكون ال�سورة مدنيّة �إجم ً
اعا.
وهو مبني على مذهبهم من وفاة �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه على الكفر وقد ثبت عندنا �أ ّنه
مات على الإيمان.
وقد روي عندهم رواية �أخرى في �أنها نزلت في ا�ستغفار الر�سول Pلوالدته(((.
-2قوله تعالى } :ﯮﯯﯰﯱ{(((.
رووا في ال�صحيحين((( �أ ّنها نزلت لما �س�أله اليهودي عن الروح ،ويفتر�ض �أن يكون ال�س�ؤال
في المدينة لأ ّنه هناك جاور اليهود وجرى له معهم الكثير من المناظرات ،بينما ال�سورة مكية
بالإجماع ،فال�س�ؤال �إذن ينبغي �أن يكون من قبل الم�شركين في مكة ،وال مانع �أن يكون بتوجيه
من اليهود.
-3قوله تعالى } :ﮦﮧﮨﮩﮪ{(((.
رووا في �سبب نزولها((( � ّأن جماعة من كبار ال�صحابة كانوا قد دعاهم رجل �إلى طعام ف�أكلوا
و�شربوا فلما ثملوا وجاء وقت ال�صالة قدّموا �أحدهم لي� ّصلي بهم فقر�أ�« :أعبد ما تعبدون،
و�أنتم عابدون ما �أعبد» فنزلت الآية .وقد ذكر بع�ضهم � ّأن �صاحب الدعوة هو عبد الرحمن
و�إن من بينهم علي ،Qو�أن الذي تقدّم لل�صالة هو علي �أو عبد الرحمن ،وهو بن عوفّ ،
ال ي�صح حتى مع القول ب�أن الق�صة قبل تحريم الخمر ،لأن علي ًا Qلم يعاقرها �أب ً
دا ،ولأن ّ
مقت�ضى الع�صمة عدم �إمكانية ذلك وعدم �إمكانية خط�أ القراءة عليه خا�صة في مثل هذه
الموا�ضع التي ال يمكن �أن تب ّرر بعدم تحريم الخمر ،بالإ�ضافة �إلى �أن النهي عن الخمر جاء
في �سورة الأعراف وهي مكية .فالق�صة من و�ضع الك ّذابين زمن الأمويين لإر�ضاء �أمرائهم
وقد ف�سر في روايات �أئمة �أهل البيت Rب�أنه �سكر ّ الحاقدين على الإمام عليQ
النوم(((.
أسـئلـة الـدرس
........................................................................................................................................................................................... .
-2ما هي الأ�س��باب التي جعلت المح ّققين ي ّقللون من �أهمية �أ�س��باب النزول وي�سقطونها
عن االعتبار؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
بوجه المف�س��ر
ّ -3لم��اذا ال تعتب��ر م�ش��كلة ع��دم التث ُّب��ت من �أ�س��باب الن��زول �س � ّد ًا منيع ًا
بالن�سبة للمف�سر ال�س ّني؟
ّ ال�شيعي ،بينما هي كذلك
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
هل يخت�ص القر�آن بالمنا�س��بة التي نزل فيها بحيث يكون الخطاب القر�آني في زمان
ّ -4
ّد مخت�ص ًا بذلك الجيل المعا�صر؟
ّ محد
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 106
1 -1القرين��ة المقال ّية تكون من نف���س المعنى ،فيذك��ر المتك ِّلم في كالمه قرين ًة
معنوي ًة ُ
تو�صل �إلى المعنى الذي يريده .
2 -2القرائ��ن الحالية تكون مثل الإ�ش��ارات والحركات وح��ال المخاطب والواقع
الحا�صل والظرف المحيط بالمتك ّلم �أو المخاطب .
3 -3نع��رف �أن التاري��خ تع ّر�ض ككل للد�� ّ�س والت�ش��ويه� ،إال �أن منا�س��بات النزول
يم�سها الت�شويه والد�س .
و�أ�سبابه لم ّ
4 -4التطبي��ق والج��ري ه��و ا�صط�لاح يعن��ي � ّأن الن��ازل م��ن الق��ر�آن ف��ي تل��ك
المنا�سبات ال يخت�ص بذلك المورد �أو تلك المنا�سبة .
ّ
�5 -5إن ا�صطالح (المورد ال يخ�ص�ص الوارد) يعني �أن الآية تقبل االنطباق على
ل مورد يتناوله عمومها و�إن ح�صال في زمان مت�أخّ ر عن زمان نزول الآية . كّ
س
107 لوزُّنلا بابسأ :عساتلا ردلا
النسخ في القرآن
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
هذا ال َّنوع الأخير من الأحكام هو مو�ضوع بحثنا ،ف�إ ّنه عند انتهاء �أمد الحكم يرد من قبل ال�شريعة
ً
والجديد نا�سخا. ً
من�سوخا بيان جديد لحكم جديد يلغي الأوّل وين�سخه ،في�سمّى الأوّل ً
حكما
كما � ّأن دليل الحكم الجديد نا�سخ لدليل القديم؛ لأ ّنه مزيل له �أو لت�أثيره وم�ضمونه.
يقول اهلل تعالى في محكم كتابه } :ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ
ﭜ.((({...
ويقول تعالى } :ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ{((( ،ومن المعلوم � ّأن هاتين الآيتين تثبتان �إمكانية الن�سخ.
ف�إن ارتفاع الحكم �أو الت�شريع الم�ؤ ّقت �صراحة في ل�سان الدليل عند انتهاء �أمده ال يطلق
وعليهّ :
عليه ا�سم الن�سخ .كما � ّأن ارتفاع الحكم الأوّلي عند م�صادفة الحرج واال�ضطرار الذي هو مو�ضوع
أي�ضا ،كما في ارتفاع حرمة �أكل الميتة عند ا�ضطرار الإن�سان لحكم ثانوي ال يطلق عليه ا�سم الن�سخ � ً
له� ،أو ال�صالة من جلو�س �أو بالإيماء عند عدم القدرة على ال�صالة االختيارية ،و�أمثال ذلك.
حكمة النسخ
في القوانين الب�شرية الو�ضعية كثي ًرا ما ت�صدر المرا�سيم والم ّ
قررات فتغيّر الد�ستور
ال�سابق الثابت �أو القانون ،وعادة يكون الداعي �إلى ذلك �أحد �أمور:
- 1اكت�ش��اف عدم �صالحية القانون �أو الد�س��تور ال�س��ابق ووجود ثغرات فيه تحتاج �إلى عالج
جديد.
لقا في الن�سخ ال�شرعي؛ لأ ّنه تعالى من ّزه عن الجهل وعن وفيه�ّ :إن هذا ال يت�صوّر مط ً
العبث ،بل هو ال ي�ضع �شرعة وال حكم ًا �إال ح�سب مقت�ضى الم�صالح التي هو �أعلم بها ،وال
تخفى عليه خافية.
- 2تتغ ّير وجوه الم�صلحة والمف�سدة نتيجة تج ّدد بع�ض الظروف �أو الأو�ضاع التي تجعل القانون
ال�سابق ال يالئم الم�ستج ّدات ،مما يلزم تغيير القانون بما يتنا�سب مع الو�ضع الحالي ،ومع
ذلك ف�إن وا�ضعي القانون ال�سابق لم يكن في علمهم �أن الم�ستج ّدات �ستح�صل لتعالج منذ
البداية في القانون ال�سابق.
((( �سورة البقرة ،الآية .106
((( �سورة النحل ،الآية .101
113 نآرقلا يف خسنلا :رشاعلا سردلا
وفيه�ّ :إن اهلل تعالى عالم بالأ�شياء قبل حدوثها ،فهو ح�سب الفر�ض عالم بالمتغيّرات
والم�ستجدّات ،فكان المفرو�ض �أن ت�ؤخذ بنظر االعتبار عند الت�شريع منذ البدء.
هذان الأمران دفعا بع�ض الم�ش ّككين �إلى �إنكار �إمكانية الن�سخ.
أين مصلحة الحكم؟
ولكنّ الإ�شكال يرتفع �إذا �أدركنا �أين تكمن الم�صلحة المق�صودة ِ
في مالك الحكم:
� - 1أحيان ًا ال تكون قائمة في نف�س الفعل ،بمعنى � ّأن الغاية والحكمة من الأمر والنهي قد تكون
لمج � ّرد االمتح��ان واالختبار ،وهذا النوع من الأحكام ال مانع من و�ضعه ورفعه في �أي وقت
يتر ّت��ب عل��ى الأمر م�صلح��ة االمتحان واالختبار ،بل �أحيان ًا تك��ون م�صلحة االمتحان �أقوى
من المف�س��دة المترتّبة على الفعل� ،أو �أقوى من م�صلحة فعل �آخر يزاحمه فيترك ل�صالح
هذا الحكم.
- 2و�أحيان ًا تكون الم�صلحة في نف���س الفعل والمف�س��دة كذلكّ � ،إال �أنه يمكن �أن تتغ ّير بح�س��ب
اخت�لاف الأزم��ان ،فيكون هناك زم��ان ذا م�صلحة تنتفي في زمان �آخ��ر ،و�إذا كان التغير
وال عند الب�شر فهو معلوم عند اهلل تعالى بال �شك ،ومع ذلك ال يلزم �أن يكون الت�شريع مجه ً
من��ذ البداي��ة مراعي � ًا للتغ ّي��رات� ،إذا كان ف��ي ق�صد الم�ش � ّرع �أن ين�س��خ الحك��م عند تب ُّدل
الم�صلحة وتغ ّير الأحوال.
وهناك �أمور �أخرى قد تكون �أحيان ًا لها مدخلية بتح ُّقق الم�صلحة والمف�سدة ،كالتدرُّج في
الت�شريع الذي له م�صلحة خا�صة تكون �أحيان ًا �أهم من المف�سدة الحا�صلة بترك الواقع.
ومثال األول :القبلة
ي�ق��ول ت�ع�ال��ى} :ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ
ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ
ﮖﮗﮘﮙﮚ{(((.
فقد ورد �أنه Pبعد نزول الآية فر�ض على كل م�سلم �صدقة درهم واحد عند كل م�س�ألة
�إال الإمام عليQ
ّ وقال المف�سرون لم يعمل بهذه الآية
ّ فر� ًضا على الأغنياء دون الفقراء،
رغم �أنه كان من الفقراء.
ثم ن�سخت الآية بعد تح ُّقق االختبار المطلوب بالآية الالحقة.
ومثال الثاني :عدد المقاتلين
ق��ال ت�ع�ال��ى } :ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ{(((.
ثمّ قال } :ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ{(((.
روي عن الإمام ال�صادق« :Qفن�سخ الرجالن الع�شرة»(((.
وم�ث��ال الأح �ك��ام الم�ؤ ّقتة منذ البداية قوله تعالى } :ﭑﭒﭓﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ{(((.
فقد جعل اهلل لهن ال�سبيل في �آية الجلد وفي حكم الرجم وهذا مبني على �أن المراد من
باق والثاني
الفاح�شة الزنا ،و�إال فلو كان المراد الأعم منه ومما يقبح ويفح�ش فالحكم الأول ٍ
مج ّرد تخ�صي�ص له.
و�أمثلة الأحكام التي فر�ضت لأغرا�ض ت�أديبية وفي �سياق المعاقبة كثيرة منها:
قوله تعالى } :ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ{(((.
}ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ{(((.
�إلى هنا تبيّن معنا �إمكانية الن�سخ وعدم منافاته لحكمة الم� ّشرع وعلمه المطلق .وتبيّن
معنا �أي� ًضا �أنه قد تقت�ضي الحكمة �إخفاء التوقيت و�إطالق ل�سان الدليل ،لين�سخ الحكم عندما
يتح ّقق المقت�ضي لذلك.
وقوع النسخ في القرآن
دا ادّعي �أنها من�سوخة ب�آيات �أخرى ،لكن التدقيق فيها يك�شف عن عدم هناك �آيات كثيرة ج ً
دخولها تحت الن�سخ اال�صطالحي� ،إما باعتبار اختالف المو�ضوع �أو باعتبار االن�سجام التام
بينها وعدم التنافي� ،أو لكونها تدخل في باب التخ�صي�ص� ،أو لأن الحكم الأول مقيّد بالزمان
والأمد المحدود من البداية� ،أو لغير ذلك من االعتبارات التي تخرجها من باب الن�سخ.
وقد �أورد ال�سيد �أبو القا�سم الخوئي � 36آية من الآيات التي ادّعي �أنها من�سوخة وبعد
البحث والتدقيق فيها خرج �أغلبها من باب الن�سخ لأحد االعتبارات المتقدّمة(((.
ف�إن ن�سخ الآية لغيرها ينبغي �أن يتو ّفر فيه �أمور:
ومهما يكن ّ
- 1وحدة المو�ضوع في الآيتين.
- 2التنافي في الحكم ليكون �أحدهما رافع ًا للآخر.
- 3عدم كون الآية المن�سوخة مق ّيدة ب�أمد خا�ص� ،أو م�شروطة بظرف مع ّين.
�أما ن�سخ القر�آن بال�س ّنة النبوية ال�شريفة فلو فر�ضنا �إمكان ذلك ،لوجب �أن يكون النا�سخ
(ال�سنة) متوات ًرا قطعي ًا .فالقر�آن ال يُن�سخ بخبر الواحد ،كما اتفق العلماء.
ولكن بما � ّأن ال�س ّنة القطعية النا�سخة للقر�آن غير موجودة فينتفي هذا الفر�ض من �أ�سا�سه.
نسخ التالوة
ما تحدّثنا عنه من الن�سخ كان يتناول ن�سخ الحكم الوارد في �آية قر�آنية مع بقاء الآية
وات�صافها بالقر�آنية ،وهو المق�صود عادة من كالمهم.
ُّعي �أن �آيات من القر�آن ن�سخت تالوتها �أي �أزيلت من القر�آن فهي ال تتلى وربما لكن اد َ
بقي حكمها وربما لم يبق .وهذه الدعوى التزم بها �أهل ال�س ّنة نتيجة روايات عديدة رويت من
طرقهم تتحدّث عن �آيات من القر�آن كانت تتلى ولكنهم ال يجدونها في القر�آن وكان ال بد لهم
�أمام هذه الروايات من التزام �أحد �أمرين:
الأول� :سقوط تلك الروايات عن االعتبار و�إهمالها والحكم عليها بالكذب.
ً
جزء منه ان�سجاما مع مدلول تلك الن�صو�ص. الثاني :االلتزام بطروّ النق�ص على القر�آن وذهاب
وكال الأمرين كان محرج ًا لهم:
فالأول :يقت�ضي التنازل عن اعتبار روايات وردت في كتب حكموا عليها بال�صحة ونالت درجة
كبيرة من القد�سية عندهم حتى عدّوا لقراءتها من الف�ضل واال�ستحباب والبركة ما ي�أتي
بعد القر�آن مبا�شرة.
والثاني :ال يمكن االلتزام به لأ ّنه يخالف ال�ضرورة التاريخية وتواتر القر�آن الكريم و�إجماع
الم�سلمين على �سالمته من التحريف.
ولأجل التخ ّل�ص من هذا الم�أزق ابتكروا مقولة «ن�سخ التالوة» ،ومفادها �أن هذه الآيات كانت
قر� ًآنا ولكن اهلل �سبحانه وتعالى ن�سخها فخرجت بذلك عن �صفة القر�آنية مع بقاء حكمها.
�وردوا ما يدل على ذلك � ّإال تلك
ّ والحقيقة � ّأن هذه الدعوى ال دليل عليها �أ�ص ًال ،ولم ي�
الروايات التي م�ؤدّاها التحريف المرفو�ض.
ولأج��ل ذلك رف�ض �أتباع مدر�سة �أه��ل البيت Rن�سخ التالوة رف� ًضا بات ًا ورف�ضوا
الروايات الدالة على �سقوط �شيء من �آيات القر�آن وعدّوها من روايات التحريف المرفو�ضة
كما تقدّم الإ�شارة �إليه ،هذا بقطع النظر عن رواتها وناقليها.
والعجيب عدم االلتفات �إلى �أن ما يدّعي �أنه كان من القر�آن ون�سخت تالوته يحمل معه
دليل �سقوطه وكذبه نظ ًرا لعدم تو ّفر النظم القر�آني والبالغة القر�آنية في �شيء منه.
117 نآرقلا يف خسنلا :رشاعلا سردلا
أسـئلـة الـدرس
........................................................................................................................................................................................... .
� - 2أال يلزم من الن�سخ ن�سبة الجهل �إلى اهلل تعالى؟ �أو�ضح ذلك من خالل المثال؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 118
.....................................و�أثر م�ؤ ّقت خا�ص تعلن الآية النا�سخة انتهاء ذلك الزمن المحدود وزوال
الأثر .ونظ ًرا �إلى �أن الآيات نزلت في منا�سبات طي ثالث وع�شرين �سنة من ال�سهولة بمكان
ت�صوّر ا�شتمالها على هكذا �أحكام».
ال�سيد محمد ح�سين الطباطبائي{ ،القر�آن في الإ�سالم� ،ص.50
الدرس الحادي عشر
المحكم والمتشابه
في القرآن
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
و�أم��ا المت�شابه :فهو م�أخوذ من ت�شابه الوجوه �أي تماثل بع�ضها مع بع�ض �آخر ،بحيث
يحتمل وجوه ًا متعدّدة من المعاني .ومن ثمّ كان المت�شابه ما فيه �شيء من الخفاء ،فكان
ظاهره ال ينبئ بنف�سه عن المراد ،ما لم يرجع �إلى المحكم من القر�آن الكريم� ،أو القرائن
وال��دالالت ال��واردة في الروايات ال��واردة عن �أهل بيت النبوة Rالكا�شفة عن الداللة
ال�صحيحة �أو المعنى المراد.
�إذن فالمت�شابه بحاجة �إلى الت�أويل والإر�شاد �إلى الوجه المتعيّن من الوجوه المحتملة،
و�إذا �أُرجعت المت�شابهات �إلى المحكمات ارتفعت جميع جوانب الإبهام والت�شابه �أو كثير منها.
وطلب التحريف المعنوي ،الذين والآية ال�شريفة ال�سابقة الذكر تتحدّث عن مر�ضى القلوب ّ
يريدون ا�ستخدام القر�آن الكريم و�سيلة للو�صول �إلى م�آربهم الخبيثة ،فيلج�ؤون �إلى المت�شابهات،
و�أما التم�سّ ك بالمت�شابهات بالطريقة ال�صحيحة وعلى �أ�سا�س �إرجاعها �إلى المحكمات التي
ف�إن ذلك جائز ال ريب فيه.تف�سّ رها� ،أو الرجوع �إلى الرا�سخين في العلم الذين يعلمون ت�أويلهاّ ،
حكمة المتشابه في القرآن
من المعلوم �أن القر�آن كتاب هداية للنا�س ،وهو الكتاب ال�سماوي الخاتم الذي ال كتاب
بعده للنا�س ،فينبغي �أن يكون خالي ًا من التحريف والنق�ص و�أيّ �شيء ي�ؤ ّثر �سلب ًا على الهدف
الذي من �أجله نزل القر�آن ،والمت�شابه قد يوقع الإن�سان في االلتبا�س وال�شبهات ،وذلك لعدم
و�ضوح معنى المت�شابه ،ولتعدّد االحتماالت فيه ،فقد ي�س�أل �سائل �أ ّنه ما الحكمة في وجود
المت�شابه في القر�آن؟
الجواب�ّ :إن القر�آن الكريم ت�صدّى لبيان �أمور كثيرة غير مح�سو�سة ،وال يمكن ت�صويرها
وال التعبير عنها بالطريقة المتعارفة� ،إال �إذا ا�ستعين بالمجازات واال�ستعارات والكنايات،
وتقريب تلك المعاني بت�شبيهها بالمح�سو�سات ،وذلك لأمرين:
� -1ضيق العبارات ،وعجز الألفاظ.
-2عجز الأذهان الب�ش��رية ال�س��اذجة عن �إدراك تلك المعاني �إما لد ّقتها �أو لخفائها عن غير
�أهلها.
123 نآرقلا يف هباشتملاو مكحملا :رشع يداحلا سردلا
وعلى �سبيل المثال :كيف نعبّر ل�شخ�ص لم ي�سافر خارج بلده ولم ي َر البلدان الأخرى عن
بع�ض المناظر الموجودة في البالد الأخرى؟ �أال ن�ضطر لال�ستفادة من الت�شبيه والتمثيل له
ببع�ض الأمور الموجودة في بلده؟ و�إذا �أردنا �أن ن�صف للطبيب بع�ض الآالم التي ن�شعر بها� ،أال
ن�شبه له الألم ب�أمور مح�سو�سة؟ واهلل �سبحانه وتعالى عندما يريد �أن يخبرنا مث ًال عن بع�ض
مل ّذات الجنة �أال ي�شبهها لنا بما تدركه عقولنا من تفاح ورمان و ...ولكن تفاح ال كتفاح الدنيا
ورمان ال كرمان الدنيا وهكذا �سائر النعم في الجنة مما ال عين ر�أت وال �أذن �سمعت وال خطر
دا ،ولكن ي�شبّه لنا على قلب ب�شر ،وكذلك الأمر بالن�سبة للعذاب فهو لي�س كعذاب الدنيا �أب ً
ببع�ض �أنواع العذاب الدنيويّ كي ن�ستطيع فهم المعنى على قدر الم�ستوى الب�شري.
وي�ؤ ّكد هذا المعنى العالمة الطباطبائي حيث ذهب �إلى � ّأن �سبب وقوع الت�شابه في القر�آن
يعود �إلى كون القر�آن الكريم يخ�ضع في �إلقاء معارفه العالية لألفاظ و�أ�ساليب دارجة لم تكن
�سوى لمعان مح�سو�سة �أو قريبة منها ،ومن ثمّ لم تكن تفي بتمام المق�صود� ،إال
ٍ مو�ضوعة
بارتكاب الكنايات والمجازات فوقع الت�شابه فيها وخفي وجه المطلوب �إال على �أولئك الذين
نفذت ب�صيرتهم وكانوا على م�ستوى رفيع من العلم(((.
كيف نتعامل مع المتشابه؟
وق�صور الذهن الب�شري ب�شكل عام عن �إدراك المعنى الدقيق والكامل للقر�آن ال يعني
دا خروج القر�آن الكريم عن كونه كتاب هداية وبيان ونور ،وال ينافي ذلك �أب ً
دا وجوب ذلك �أب ً
التدبّر في �آياته والغو�ص في �أعماقه وا�ستخراج مكنوناتهّ ،
ف�إن الطريق �إلى معرفة المعاني
المق�صودة في الآيات المت�شابهة مفتوح وذلك عن طريقين:
الأول :ردّ المت�شابه �إلى المحكم ،وتف�سيره على �ضوء ما هو مبيّن في الآيات المحكمات ،فهي
التي تحدّد المق�صود وتبيّن المراد.
ال �ث��ان��ي :ال��رج��وع �إل ��ى الرا�سخين ف��ي ال�ع�ل��م :وه��م ال��ر��س��ول الأك� ��رم ،Pو�أه ��ل بيته
المع�صومون R ورثة علمه وباب مدينته وخ ّزان وحيه.
وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر�« :Qإنما يعرف القر�آن من خوطب به»(((.
ً
فالمت�شابه ،لي�س مت�شابها بقول مطلق؛ ل ّأن ت�شابهه مرتفع عند �أهله ،وقد ورد في الأثر عن
الإمام ال�صادق« :Qالمحكم ما يعمل به والمت�شابه ما ا�شتبه على جاهله»(((.
فقوله« :Qعلى جاهله» يدل على �أنه غير مت�شابه عند العالم به وهم الرا�سخون في
العلم.
وفي الرواية عن الإمام الر�ضا« :Qمن ر ّد مت�شابه القر�آن �إلى محكمه هدي �إلى
�صراط م�ستقيم»(((.
ومن هذه الن�صو�ص ن�ستفيد � ّأن الآيات المت�شابهة هي الآيات التي ال ت�ستقل في مدلولها بل
ال بد من ردّها �إلى الآيات المحكمة.
يقول العالمة الطباطبائي{« :وعليه لي�س في ال�ق��ر�آن �آي��ة ال نتم ّكن من معرفة
معناها ،بل الآي��ة �إ ّم��ا محكمة بال وا�سطة كالمحكمات نف�سها� ،أو محكمة مع الوا�سطة
كالمت�شابهات.(((»...
واخت�صا�ص معرفة معاني القر�آن بالرا�سخين في العلم ال يمنع معرفة بع�ض مراتب
المعنى بما يتنا�سب مع م�ستوى �إدراك القارئ المتدبّر في القر�آن ،و�إال فمراتب المعنى عديدة
إدراك مداها �إال لمن خ�ص بالمنزلة العليا من الكمال الب�شري
ّ وكثيرة تختلف عم ًقا وال يمكن �
وهم الرا�سخون في العلم .وهذا ال عالقة له بالإحكام والت�شابه و�إنما هو يجري في كل �آية
من �آيات الكتاب.
فالقر�آن «ي�شهد بع�ضه على بع�ض وينطق بع�ضه ببع�ض» ((( كما روي عن الإمام �أمير
الم�ؤمنين.Q
الراسخون في العلم
ت�شير الآية المتقدّمة في م�ستهل الف�صل �إلى اخت�صا�ص معرفة الت�أويل باهلل والرا�سخين
في العلم .لكن الذين و�ضعوا عالمات الوقف في القر�آن الكريم �أثبتوا عند لفظ الجاللة في
ما ،ليجعلوا ما بعد لفظ الجاللة كال ً
ما قوله تعالى } :ﯔﯕﯖﯗﯘ{((( وقف ًا الز ً
بالل ع ّز وج ّل ،و�إغالق باب الو�صولم�ست�أنف ًا في محاولة لتخ�صي�ص معرفة ت�أويل المت�شابه ّ
ّ
وال ن�شك ب� ّأن الدافع الأ�سا�س �إليه على الب�شر جميع ًا ،جمود ًا على المت�شابه و�س ّد ًا لباب الت�أويل،
لهذا الأمر هو الح�سد لأهل البيت Rالذين ورد �أنهم هم الرا�سخون في العلم.
والحقيقة � ّأن هذا العمل يفتح المجال �أمام الت�سا�ؤل عن فائدة �إدراج الآيات المت�شابهة في
القر�آن الكريم مع كونها ال يعلم ت�أويلها �إال اهلل ،وكيف يمكن �أن يكون الكتاب كل الكتاب كتاب
هداية وبيان ،وكيف يمكن الأمر بتدبر �آياته كل �آياته.
فال�صحيح � ّأن } ﯚﯛﯜ{ معطوفة على «اهلل» ،في الآية ،فهم يعلمون بتعليم
منه بال �شك ت�أويل المت�شابه بل البطون العميقة للقر�آن الكريم((( .ولي�س هناك �أي �إ�شكال
نحوي في جعل جملة } ﯝ ﯞ { م�ست�أنفة ،فاعلها يعود �إلى الرا�سخين �أنف�سهم.
من هم الرا�سخون؟
يقول الإمام الباقر Qكما في الرواية�« :إن ر�سول اهلل� Pأف�ضل الرا�سخين في
العلم ،قد علم جميع ما �أنزل اهلل من التنزيل والت�أويل ،وما كان اهلل لينزل عليه �شيئاً لم
يعلمه ت�أويله»(((.
وروي عن الإم��ام ال�صادق�« :Qإن اهلل ع ّلم نبيه التنزيل وال�ت��أوي��ل فع ّلم ر�سول
اهللP علياً Qوع ّلمنا واهلل»(((.
و�أما الروايات التي ت� ّصرح ب� ّأن �أئ ّمة �أهل البيت Rهم الرا�سخون في العلم فكثيرة
ج ّد ًا وم�ستفي�ضة.
نماذج من اآليات المتشابهات
-1قوله تعالى } :ﮉﮊﮋﮌ{ (((.
وقوله تعالى } :ﮏﮐﮑﮒ{(((.
و�أمثال هذه الآيات التي عبّرت باال�ستواء.
وال ��ش��ك �أن اال� �س �ت��واء ع�ل�ى ال �ع��ر���ش بمعنى ال�ج�ل��و��س ع�ل�ي��ه غ�ي��ر ج��ائ��ز ع�ل�ي��ه ت�ع�ال��ى،
ف�ل�ا ب��د م ��ن ح�م�ل�ه�ا ع �ل �ى م�ع�ن�ى ال���س�ي�ط��رة واال� �س �ت �ي�لاء وال � �ق� ��درة ،وه� �و م�ع�ن��ى ن�ستفيده
م ��ن الآي � ��ة ال �� �ش��ري �ف��ة } :ﭡﭢﭣﭤ{((( ،وم ��ا ورد ف ��ي ك�ل�ام الإم� � ��ام �أم �ي��ر
الم�ؤمنين ...« :Qومن قال :فيم؟ فقد �ضمّنه ،ومن قال :عالم؟ فقد �أخلى منه.(((»...
ولكن الذين عجزوا عن الت�أويل توهّ موا عدم اطالع �أحد غير اهلل عليه ،فقالوا كما روي
عن مالك بن �أن�س �أنه �سئل عن قوله تعالى } :ﮉﮊﮋﮌ{((( كيف ا�ستوى؟
ف�أجاب بعد �أن �أطرق بر�أ�سه :الكيف غير معقول ،واال�ستواء منه غير مجهول ،والإيمان به
واجب ،وال�س�ؤال عنه بدعة ،و�إني لأخاف �أن تكون � ً
ضاال...
ثم �أمر بالرجل ف�أخرج من الم�سجد(((.
أسـئلـة الـدرس
.- 1ما هو المحكم؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
- 2ما هو المت�شابه؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
.- 4ما هي الطرق التي ن�ستخدمها �إذا واجهنا �آيات مت�شابهات في القر�آن الكريم؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
.- 5من هم الرا�سخون في العلم؟ وما هو دورهم في الت�أويل وردّ المت�شابه �إلى المحكم؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 130
2 -2عن��د وج��ود الآي��ات المت�ش��ابهة والمحكم��ة ف�إن��ه ال ب �د م��ن ر ّد المحك��م �إلى
المت�شابه .
بالحجة والبرهان.
ّ �3 -3أهل الزيغ هم مر�ضى القلوب الذين يحتاجون �إلى عالج
4 -4م�ش��كلة �أه��ل الج��دل والمذاه��ب الكالمي��ة �أنهم يتج��اوزون ظاه��ر الألفاظ
القر�آنية �إلى المعاني الباطنية التي ال توافق العقل وال�سنة .
�5 -5إن الرجوع �إلى الرا�سخين في العلم يعني الرجوع �إلى كل من له علم ودراية
بعلوم القر�آن ومعاني �آياته الكريمة .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
.
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
((( �سورة الأعراف الآية � ،54سورة يون�س ،الآية � ،3سورة الرعد ،الآية � ،2سورة الفرقان ،الآية .59
((( �سورة الفتح ،الآية .10
الدرس الثاني عشر
اإلعجاز القرآني
أهداف الدرس
ّ
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
1 .1ي�ت�ع� ّرف �إل ��ى معنى الإع �ج��از ال �ع��ام والإع �ج��از
القر�آني.
2 .2يفهم الهدف من الإعجاز.
3 .3يتع َّرف �إلى مذهب ال�صرفة في الإعجاز.
تمهيد
يعتبر بحث الإعجاز من �أهمّ الأبحاث في علوم القر�آن الكريم ،وهو من الأبحاث التي
تع ّر�ض لها العلماء قديم ًا ،وال ي�ستغني عنها �أي طالب في علوم القر�آن ،وقد ذكر هذا البحث
�أي� ًضا في علم الكالم عند التع ّر�ض للأنبياء ،Rو�أن بع�ض الأنبياء كان لديهم بع�ض
المعجزات بما تتنا�سب مع ع�صرهم ،فا�ضطر علماء الكالم للدخول في بحث المعجزة
من جهة اقتران هذا البحث بالنبوة و�ضرورتها وعالمتها ،و�أما في علوم القر�آن فالتع ّر�ض
�ه النبي
ّ �ه معجزة النبي الأكرم ،Pو�أن�
ّ للإعجاز كان بما يتنا�سب مع القر�آن الكريم و�أن�
الخاتم ،ور�سالته خاتمة الر�ساالت ،فمن الطبيعي جدّا �أن ي�أخذ بحث الإعجاز القر�آني مكانة
خا�صة في هذا العلم.
معنى اإلعجاز
الإعجاز في م�صطلح علوم القر�آن الكريم هو:
�أن ي�أتي المدّعي لمن�صب من المنا�صب الإلهية (كالنبوّة) بما يخرق العادة ،ويعجز عنه
غيره من الب�شر ك�شاهد ودليل على �صدق دعواه.
فعلى النبي الذي يدّعي النبوة �أن ي�أتي ب�أمر يعجز النا�س عن الإتيان بمثله ،ويكون هذا
ّ
الأمر على خالف قوانين الطبيعة ،ويوافق دعواه ويكون بهدف �إقناع النا�س به لهدايتهم �إلى
الطريق الحق.
وعليه فعنا�صر المعجزة هي:
-1عجز الب�شر عن الإتيان بمثل المعجزة.
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 134
ّ
التحدي آيات
قدم��ة } :ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
-1الآي��ة المت ّ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ { (((.
-2قول��ه تعال��ى} :ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ{(((.
-3قول��ه تعال��ى } :ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ{ (((.
-4قول��ه تعال��ى} :ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﯠﯡﯢ { (((.
-5قوله تعال��ى} :ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ{(((.
ً
(طبقا لمرويات ال�س ّنة في هذا المجال هذه الآيات الخم�س ترتيبها بح�سب ت�سل�سل النزول
فلي�س عندنا فيه �شيء يذكر) الثانية ثم الرابعة ثم الأولى ثم الخام�سة ثم الثالثة.
وهذا يعني �أن التحدّي يبد�أ بتمام القر�آن (النازل منه طبع ًا) ،ثم ب�سورة واحدة ،ثم بع�شر
�سور ،ثم بجميعه ثم ب�سورة واحدة( .الإ�سراء ،يون�س ،هود ،الطور ،البقرة).
لكن القر�آن لما كان ا�سم جن�س ينطبق على بع�ضه حقيقة فالتحدّي �إذن تارة بمطلق القر�آن
الذي يقبل االنطباق على �أي �سورة �أو �أي جزء منه ،و�أخرى بع�شر �سور وثالثة ب�سورة واحدة.
ولي�س هنا من تدرّج في التحدّي بناءً على ت�سل�سل النزول المتقدّم ،و�إن تحدّث عنه الكثيرون.
نعم �إذا �أ�سقطنا اعتبار ترتيب النزول و�أخذنا الآيات مجرّدة عن زمان نزولها فهناك مراتب
للتحدّي يمكن �أن تو�صف ب�أنها نحو من �أنحاء التدرّج.
ومهما يكن ف�إن التاريخ لم يحدّثنا عن �أية معار�ضة للقر�آن �أدّت �إلى الت�شوي�ش على عظمة
القر�آن و�إلى �إيجاد �شبهة �أمام �إعجازه وتحدّيه.
نعم هناك ما يُ�س ّمى ت�سامح ًا معار�ضات ،لكنها مثار ال�سخرية ّ
وتدل على �سذاجة �أ�صحابها
نقل منها �شيء عن م�سيلمة الكذاب و�أبي الطيب المتنبي و�أحد الم�سيحيين في ر�سالة ح�سن
ّ
وهي ال ت�ستحق الوقوف عندها و�إطالة الكالم بذكرها وت�ضييع الوقت بنقلها(((. الإيجاز
أبعاد اإلعجاز القرآني
درا�سة �أبعاد الإعجاز القر�آني تحتاج �إلى مالحظة �أمور:
يخت�ص ب�أ ّمة دون �أمة وال جماعة
ّ �ّ -1إن القر�آن جاء ليخاطب الب�شر جميع ًا بل الجن �أي� ًضا ،فال
دون جماعة.
} ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ{(((.
-2من حيث البعد الزماني يخاطب كل الأزمان منذ البعثة وحتى قيام ال�ساعة.
} ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ{(((.
-3ومن حيث البعد المو�ضوعي هو �شامل لكل �شيء.
}ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ{(((.
}ﭲﭳﭴ{(((.
((( راجع ،البيان لل�سيد �أبي القا�سم الخوئي�،ص ،94-93التمهيد لل�شيخ محمد هادي معرفة ،ج� ،4ص.227
((( �سورة الطور ،الآية .34
((( �سورة الأنعام ،الآية .19
((( �سورة الأنعام ،الآية .38
((( �سورة النحل ،الآية .89
139 ينآرقلا زاجعإلا :رشع يناثلا سردلا
النبي المر�سل الذي جاء به لم يتع ّلم عند �أحد ولم يتلقّ معرفة من �أحد من الب�شر بل كان
ّ -4
�أمي ًا ال يقر�أ.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝﭞﭟﭠﭡ{(((.
}ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ{(((.
أحد من فبعد مالحظة الأمور الأربعة نجد �أن القر�آن الكريم جاء به من لم ّ
يتلق العلم من � ٍ
الب�شر ،وعلى هذا الم�ستوى الذي �أعجز �أهل البيان والبالغة ،وبالغته بلحاظ الأمور الثالثة
الأولى �أكبر من �أن تو�صف �أو �أن تقارن ببالغة الب�شر .والإعجاز البالغي ال يقا�س بالنظم
والف�صاحة والمح�سنات البديعية فقط دون مالحظة المعاني التي يراد �صياغة الكالم لبيانها
و�إي�صالها �إلى المخاطب ،ف�إن جمال ال�سبك وح�سن النظم ينبغي �أن ي�ضاف �إليه االن�سجام
التام مع الم�ؤدّى وكونه قادر ًا على �إبالغ المعنى و�إي�صاله.
شروط داللة الكالم
كما �أن لداللة الكالم على المعنى في مقام التفهّم والتفهيم �شروط ًا:
� -1أن يكون اللفظ قادر ًا على تح ّمل المعنى المطلوب :فقد اعتمد القر�آن اللغة العربية بما لها
من خ�صائ�ص ومم ّيزات؛ فهي �أقدر اللغات على تح ُّمل المعاني.
� -2أن يك �ون ال��كالم موائم � ًا ل�ش��خ�ص ّية المتك ّل��م ،مق � ّدر ًا بق��دره ،وموزون � ًا بم��ا تكتنف��ه ه��ذه
ال�شخ�ص ّية من علم وقدرة و�سعة و�إحاطة وغير ذلك من ال�صفات.
� -3أن يك��ون ذلك المعنى من�س��جم ًا �أي� ًضا م��ع نوعية اخت�صا�ص المتك ّلم ومع مراميه و�أهدافه:
فهناك ان�سجام تام بين القر�آن والهدف الذي �أنزل من �أجله.
-4قدرة المخاطبين على ا�ستيعاب المق�صود ولو على امتداد الزمن :فيالحظ فيه �أنه ينا�سب
جميع المخاطبين ،ويعطي كل مخاطب ما ينا�سبه.
وبهذا يتج ّلى الإعجاز البياني فيه ،الذي تم ّكن �أن ي�ؤدّي المعارف المتنوّعة ّ
وال�سامية التي
تنا�سب كل م�ستويات الب�شرية ،والإ�شارات العلمية و�أ�سرار الخليقة و�أ�صول النظام الكوني،
ًّ
أن يكون ذلك مخل ب�إمكانية �إي�صال المطلوب �إلى وفي الوقت نف�سه يخاطب الجميع دون �
�أهله ،فهو يو�صل لعوام النا�س �سهمهم من المعارف ،ويو�صل �إلى ذوي الب�صائر والعقول
ح�صتهم.
العلمية ّ
وهناك جوانب �إعجازية �أخرى تتم ّثل في االختبارات الغيبية والك�شف عن الجوانب الخفية
من ق�ص�ص الأنبياء والأمم ال�سالفة ،والإ�شارات العلمية ،والحديث عن �أ�سرار الكون بما لم
يكن معروف ًا عند علماء الطبيعة والفلك �آن��ذاك وغيرها من الوجوه ،و�أه ّمها هو الإعجاز
البياني الذي قدمنا الحديث عنه وهو لع ّله ي�شمل ك ّل هذه الجوانب لأ ّنها داخلة في مفهوم
البالغة والأهداف القر�آنية.
141 ينآرقلا زاجعإلا :رشع يناثلا سردلا
أسـئلـة الـدرس
........................................................................................................................................................................................... .
-2كي��ف ت��دل المعج��زة على �ص��دق دعوى النب��وة ،ومن �أي��ن يح�صل للنبي ه��ذه القدرة
الخارقة؟
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
........................................................................................................................................................................................... .
نآرقلا مولع ىلإ لخدم 142
1 -1الإعج��از ه��و �أن ي�أت��ي الم ّدع��ي لمن�ص��ب م��ن المنا�ص��ب الإلهية بم��ا يخرق
نوامي�س الطبيعة ،ويعجز عنه غيره كدليل على �صدق دعواه .
2 -2من القواعد الأ�سا�س في حقيقة المعجزة �أنها تلغي قانون العلية.
3 -3ال ي�ؤمن النَّا�س بالنَّبي �إال من خالل المعجزة وبعد م�شاهدتها.
4 -4ينبغي �أن تتوفّر ال�سنخية بين المعجزة والفن الذي يبرع به �أهل الزمان.
5 -5مذه��ب ال�صرف��ة يعن��ي � َّأن الإعج��از هو ا�س��تحالة الإتي��ان بمثله م��ن قبلهم
بح�سب قدراتهم و�إمكان َّياتهم الذَّ ات َّية .
..................... } ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ{ (((
}ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
..................... ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ{ (((