Professional Documents
Culture Documents
هواجس إيكولوجية قديمة
هواجس إيكولوجية قديمة
مختارات بيئية
الكتاب :هواجس إيكولوجيّة قديمة
التصنيف :مختارات بيئية
المؤلف :علي إبراهبم دريوسي
التنسيق الداخلي وتصميم الغالف :علي إبراهبم دريوسي
صدر الكتاب عن دار أمازون كيندل للنشر اإللكتروني
صورة الغالف :للفنَّانة العراقية روناك عزيز
2
عن المؤلف
علي إبراهيم دريوسي ،بروفيسور دكتور مهندس وكاتب قصصي ،مقيم في
ألمانيا ،من مواليد سوريا/الالذقية/بسنادا ،حائز على شهادات عليا في مجال
تصميم وحسابات اآلالت الميكانيكية من جامعات ألمانيا ،أستاذ وباحث في جامعة
أوفنبورغ األلمانية للعلوم التقنية ،لديه اهتمامات في الشأن السياسي-االجتماعي،
في الحقل اإليكولوجي-السياسي وفي مجال قراءة األدب وكتابته.
صدر للمؤلف
.1اعتقال الفصول األربعة .قصص قصيرة .الطبعة الثانية .2020
منصة أمازون كيندل للنشر اإللكتروني.
الرفش إلى العرش .قصص ونصوص .الطبعة الثانية .2020 .2من ّ
منصة أمازون كيندل للنشر اإللكتروني.
.3اعتقال الفصول األربعة .قصص باأللمانية .الطبعة األولى .2019
دار فيشر للنشر في ألمانيا.
.4حجر الجلخ .قصص .الطبعة الثانية .2020منصة أمازون كيندل
للنشر اإللكتروني.
.5وال ُمسنَّنات تتعاشق .رواية قصصية .الطبعة األولى .2020
منصة أمازون كيندل للنشر اإللكتروني.
.6واِنهارت الكعكة .رواية قصيرة .الطبعة الثانية .2020منصة
أمازون كيندل للنشر اإللكتروني.
3
إهداء
إلى
أحبائي أبراهام وإيليا والقادم
وإلى
رفيقي علي
لهم دائما ً وأبداً.
4
كلمة الغالف
5
إشارة
6
محتوى الكتاب
7
حقوق اإلنسان األساسية في ألمانيا
وباء التاج الذهبي
قصيدة ِإ ْنزي ْغتن (حشرات)
التربية التصميميةالمو ّجهةبيئيا
8
السياسة البيئية ومهامها
9
صفات االستمرارية يتم تأسيسه بتوجيه المجتمع والنهوض به بحيث
يتصرف كل شخص وكأنه صاحب قرار ناضج .
تهدف الثقافة البيئية إلى تطوير الوعي البيئي وخلق المعرفة البيئية
األساسية بغية بلورة سلوك بيئي إيجابي مستديم ،والذي هو بمثابة
الشرط األساسي كي يستطيع كل شخص أن يؤدي دوره بشكل فعّال
في حماية البيئة وبالتالي المساهمة في الحفاظ على الصحة العامة .
وهنا تكمن أهمية الثقافة البيئية والسعي الدؤوب لتطويرها ،بغية
نشرها وإنضاجها لتتحول بذلك إلى مجال خاص مهم وقائم بذاته قادر
على أن يأخذ دوره في المناهج التدريسية في كافة المراحل المدرسية
والجامعية بغية تنشئة أجيال بعقول جديدة تعي مفهوم الثقافة البيئية
وتعمل على تطبيقها.
إن الثقافة البيئية كمرادف غير مباشر للتعلم اإليكولوجي والتربية
البيئية هي عملية تطوير لوجهات النظر والمواقف القيميّة وجملة
المعارف والكفاءات والقدرات والتوجهات السلوكية وجملة النتائج
الصادرة عن عملية التطوير هذه من أجل حفظ وحماية البيئة.
الثقافة البيئية تتحقق في كل المراحل وتجهيزات جوهر العملية
الثقافية وفي مجال متابعة التعلم الحر وأيضا ً في كافة المنظمات
والجمعيات التي تسعى لحماية البيئة والطبيعة .ذلك من خالل عمليات
تعلم وتعليم ممنهجة ومنظمة ومبرمجة زمنيا ً بهدف بناء جيل ذي
كفاءة عالية واستعداد للتعامل بخبرة وبكامل المسؤولية مع قضايا
البيئة .من خالل هذه التحديدات تكتسب الثقافة البيئية مفهوما ً مختلفا ً
10
يميزها عن الشكل اإلخباري لإلهتمام بقضايا البيئة والذي يضع
باالعتبار األول الطريقة العفوية المشروطة بحالة ما.
وبنا ًء عليه فإن السياسة البيئية بارتباطها الوثيق مع الثقافة البيئية
لها أهداف جوهرية أساسية وأخرى ثانوية .
يمكن حصراألهداف الجوهرية بالنقاط الرئيسية التالية
إن حماية وحفظ صحة وحياة االنسان هي التزام •
وواجب أخالقي من المفروض أن يؤخذ بعين االعتبار عند
القيام بأي عمل من قبل المجتمع والدولة.
إن الحماية والتطوير المستديم للنظام الطبيعي •
والنباتي والحيواني وكافة األنظمة االيكولوجية في تنوعها
وجمالها وماهيتها ما هو إال مساهمة رئيسية من أجل استقرار
المنظر الطبيعي العام وكذلك لحماية التنوع الحيوي الشامل.
حماية المصادر الطبيعية كالتربة والماء والهواء •
والمناخ والتي تعتير كجزء رئيسي من النظام البيئي وفي الوقت
نفسه كأساس للتواجد والمعيشة لإلنسان والحيوان والنبات
ولمتطلبات االستثمار المتنوعة للمجتمع االنساني.
حماية وحفظ الموارد المعنوية والتراث الحضاري •
كقيّم حضارية وثقافية واقتصادية للفرد والمجتمع.
استبدال المصادر األحفورية بالمصادر الطاقية •
البديلة.
11
العمل على حفظ وترسيخ وتوسيع فضاءات حرة •
وذلك لخدمة األجيال المستقبلية وأيضا ً بهدف الحفاظ على
التنوع البيئي الحيوي واألماكن الطبيعية.
أما األهداف الثانوية للسياسة البيئية تنحصر بحل المشاكل التالية
• اإلدارة المتكاملة للمخلفات والمواد الخطرة والمواد
الكيميائية.
حماية الصرف الصحي. •
نظافة الهواء. •
تجنب الضجيج. •
مكافحة التصحر وإنقاذ المنظر الطبيعي العام من •
الهالك الناتج عن التلوث البيئي.
إن حماية البيئة الموجهة حسب األهداف األساسية والثانوية
المذكورة أعاله ،هو عمل احتياطي وقائي مو ّجه تقع مسؤوليته
بالدرجة األولى على عاتق الدولة وذلك بالتعاون الفعّال مع كافة
الجمعيات المدنية بهدف معالجة النقاط الرئيسية التالية:
إزالة أو معالجة األضرار البيئية القائمة. •
تجنب أو التقليل من األخطار البيئية الراهنة. •
الوقاية االحتياطية من المشاكل البيئية المستقبلية •
والتي قد يكون من الممكن تداركها.
12
إن إحدى أهم التزامات الدولة وأكثرها خصوصية تكمن في تحديد
الشروط الضرورية لحماية البيئة وتجنب المشاكل البيئية والتي يمكن
تلخيصها بمايلي:
إصدار القوانين واألوامر اإلدارية المتعلقة بكافة •
مجاالت حماية البيئة عل أن تتضمن هذه القوانين الشروط
الكافية لتحقيق األهداف المرجوة من السياسة البيئية .هذا
باإلضافة إلى إمكانية فرض ضرائب ورسوم بيئية بحسب المبدأ
(من يستهلك البيئة ومواردها أكثر يدفع أكثر) ،هذا ويمكن
استخدام الضرائب المقررة لدعم مشاريع حماية المناخ أو
كاستثمارات في مجال الطاقات البديلة .كذلك ينبغي منح
إعانات مالية وإيجاد وتطوير مواد استعمال ذات مواصفات
رفيقة بالبيئة ،وتطوير عمليات إنتاجية فقيرة العوادم والعمل
على تطوير مشاريع واساليب إعادة االستثمار الفعّال عن
طريق إيجاد تقنيات مناسبة للتخلص من النفايات بكافة اشكالها
بطرق بيئية سليمة .ومن الطبيعي ضمن هذا اإلطار أن تسعى
قو انين حماية البيئة لتحقيق االستعمال األمثل للمصادر
الطبيعية بما فيها الماء والتربة وذلك عن طريق إيجاد طرق
ووسائل رفيقة بالغابات واألراضي والطبيعة بشكل عام.
العمل على اإلرتقاء بمستوى الوعي البيئي بين •
السكان ومتابعة تطوره من خالل برامج ثقافية وإعالمية وكذلك
تقديم االستشارات والنصائح البيئية بغية الوصول إلى الهدف
13
األكبر وهو خلق نهضة وطنية ذات عزيمة وتصميم على حماية
البيئة والوقاية من التلوث والوقوف في وجه المحاوالت الرامية
لنقل الصناعات الملوثة إلى بلدان العالم الثالث بحجة تشجيع
االستثمار.
خلق حالة من اإلنسجام والتعاون المشترك وتبادل •
الخبرات بين البلد المعني والبلدان المجاورة باإلضافة إلى تأمين
وتفعيل جسور التعاون التقني مع بعض البلدان والجامعات
األوروبية بهدف تطوير مشروع مشترك ضمن إطار تفعيل
السياسة البيئية وابراز دورها الرئيسي في درء المخاطر البيئية
واتخاذ التدابير المناسبة للحد من ظهور مشاكل بيئية مستقبلية .
تقتضي الضرورة تنفيذ دراسات تقييم األثر البيئي •
للمشاريع االستثمارية ومراقبة تطبيقها باإلضافة إلى االعتماد
على ما يسمى باختبار حساسية البيئة ومدى إمكانية التعايش
معها ،ووضع هذا االختبار موضع التنفيذ على أن يمتد ليشمل
كافة مجاالت التخطيط لمشاريع االستثمار بكافة أشكالها بما
فيها الصناعية واإلنتاجية آخذين بعين االعتبار أنواع المنتجات
وطرق اإلنتاج وكذلك طرق التخلص من النفايات الصادرة عن
العملية اإلنتاجية.
تشجيع ترجمة العلوم البيئية في المجال القانوني •
البيئي والهندسي واالقتصادي والتربوي البيئي إلى اللغة
العربية وزيادة فرص التخصص العالي في المجال البيئي من
14
أجل خلق كيانات علمية بيئية قادرة على نشرالثقافة البيئية
التقنية الحديثة وفرض تواجدها عالميا ً باعتمادها أسلوب ضمان
الجودة الشاملة .
إن السياسة البيئية الناجحة هي تلك السياسة التي تم ّهد الطريق أمام
نشوء وعي بيئي وثقافة بيئية ،وهي التي تربط النظام اإليكولوجي
بالنظام التعليمي وكالهما بالنظام االقتصادي ونظام السوق وتحترم
وتشجع المسؤولية الذاتية لكل من نظام السوق واالستثمار ،وتعمل
على إزالة كافة اشكال البيروقراطية أمام التراخيص الهادفة لتخطيط
مشاريع رفيقة بالبيئة واإلنسان وتمكين المستثمرين والباحثين من
الوصول إلى دراسة وفحص كل النواظم واللوائح والمعايير التقنية
المتواجدة وإعطاء الضوء األخضر أمام إدخال نورمات جديدة وكذلك
التقرب من الشركات الصناعية عن طريق تقديم عروض للمشاركة
بنظام جماعي مهتم بإدارة البيئة واختباراتها ،وإشراك المواطنين عن
طريق وسائل اإلعالم مثالً إلبداء الرأي حول البعد البيئي للمشاريع
معزمة اإلنشاء وكذلك إشراكهم في االتفاقات الصناعية المزعم
عقدها .وبهذا الشكل يمكن الشروع بمحاولة لالتحاد والتعاون بعيدا ً
عن أي تعارض بين النظام االيكولوجي والنظام االقتصادي.
***
15
الحركات البيئية والديمقراطية
16
في هذا الخصوص توجهنا أفكار المشاركة العادلة بعمليات اتخاذ
القرار والمبادرة الذاتية لألشخاص وكذلك االستدامة كمقياس
للقرارات الديمقراطية.
الديمقراطية هي األساس للحياة المشتركة .
لكل شريحة اجتماعية الحق في تشكيل وخلق شكل لحياتها
المشتركة.
الديمقراطية الحقة ال يمكن بناؤها والحفاظ عليها ومتابعة تطويرها
إال إذا وقف الوطنيون لحمايتها ومساندتها .
مع بدايات القرن الواحد والعشرين بدأت مالمح فكر جديد بالظهور
من أجل تحقيق الديمقراطية ودولة الحق .قوام هذا الفكر هو جملة
من التحديات تتمثل بـ :
تحدي العولمة :تعيش الديمقراطية اليوم تحت ضغط العولمة والتي
ساهمت ومن خالل فتحها لألسواق والتجارة واالقتصاد بتقليل درجة
التدخل السياسي للبرلمانات والحكومات الوطنية .بقاء الديمقراطية
أصبح اليوم مرتبطا ً بتمتعها بدرجة عالية من المرونة بهدف التطور
الذاتي ضمن ظروف العولمة والثورة التقنية .
تحدي الفساد :يجب على البناء الديمقراطي العمل الحثيث من أجل
مكافحة الفساد والرشوة وغسيل األموال وتجارة الجنس وتجارة
األسلحة والمخدرات والجرائم المنظمة .تعتبر جملة الجرائم هذه على
17
أنها من أشد أعداء الديمقراطية .إهمال مكافحتها يقوض ويجوف الفكر
الديمقراطي من محتواه .
تحدي المعلوماتية :إلى جانب العولمة يتم النظر إلى تقنيات
المعلوماتية الحديثة على أنها بمثابة التحدي الجديد للبناء الديمقراطي.
التقنيات المعلوماتية قادرة على أن تلعب دورا ً أساسيا ً في المساهمة
في البناء الديمقراطي شريطة أن تتوفر للجميع .المشاركة الديمقراطية
ممكنة إذا كانت وسائط اإلعالم والمعلومات ومواقع االتصاالت في
متناول اليد .ولهذا نعمل من أجل حرية وعدالة االتصاالت .البناء
الالمركزي لهيكلية االتصاالت في شبكة اإلنترنيت يقود حتما ً إلى
خلق أشكال جديدة من التحرر بالمشاركة في صنع القرارات.
التصويت اإللكتروني هو أداة ممكنة لديمقراطية المستقبل وهذا ال
يعني بتاتا ً استبدال الديمقراطية بديمقراطية جديدة .إال أن الهدف هو
مشاركة وطنية أكثر قوة وشمولية في عمليات بناء الرأي الحكومي
وحق التقرير السياسي .
تحدي اإلرهاب العالمي :إن المجتمعات اإلنسانية (وخاصة تلك
المتطورة تقنيا ً والمستندة إلى مبدأ األكثرية في الحكم) تجد نفسها اليوم
مهددة بالعمليات اإلرهابية والتي ينفذها األصوليون .وألن حرية
اإلنسان وحقوق المواطنة هي قضايا مركزية ،تسعى هذه البلدان إلى
تقوية وإيجاد نماذج جديدة لتحقيق األمن الداخلي لمواطنيها .إال أن
هذا األمن الداخلي ال يعني أبدا ً السعي إلى هدم أركان الحريات
األساسية ،ألن من يحاول تحقيق األمن الداخلي على حساب الحرية
18
سوف يخسر في النهاية كلتيهما .وألن التقنيات العظيمة المتواجدة في
المجتمعات الحديثة أصبحت بصورة خاصة مهددة باإلرهاب ،فإنه
ينبغي المطالبة الواعية من أجل هدم المفاعالت النووية ومنشآتها،
وكذلك المطالبة بتحقيق مبدأ الالمركزية في سوق تأمين الطاقة
الحرارية والكهربائية والغازية.
إن الطموح لبلوغ هذين الهدفين يعتبر بحق مساهمة عظيمة من
أجل تعزيز األمن الوطني .كما أن الطموح من أجل إيجاد حلول
لألزمات السياسية العالمية والعمل من أجل تقليل الفجوة بمعانيها
المتعدة بين البلدان الفقيرة والغنية هو أيضا ً مساهمة من أجل بناء
الديمقراطية واألمن الداخلي .
وهنا تجدر اإلشارة إلى أن الفقر واألزمات االجتماعية السياسية
اإلقليمية ليست سببا ً أو تبريرا ً لممارسة اإلرهاب .وعليه فإن بناء
الديمقراطية يتطلب أيضا ً البحث الجاد إليجاد أجوبة تحليلية شافية
لمعالجة هذا الشذوذ .
إن مجابهة اإلرهاب ليست مجابهة ضد هذه الثقافات والحضارات،
بل هي مجابهة كافة الثقافات والحضارات ضد محاوالت التدمير التافه
لحياة وحرية اإلنسان .
إن أحد أهم األهداف األساسية للحركات البيئية وألحزاب الخضر
في البلدان المتقدمة هو تمهيد الطريق أمام بلدان العالم بغية الوصول
إلى حقوق اإلنسان ،إلى دولة الحق ،وإلى الديمقراطية ومبدأ حكم
األكثرية .
19
يستند الفهم اإليكولوجي لموضوعة الديمقراطية على تحقيق مجتمع
األكثرية والذي يوفر مكانا ً لكافة أشكال وأساليب الحياة المتباينة .بدالً
من الهيمنة والطاعة والتماثل يسعى البيئيون من أجل حرية تقرير
المصير ومن أجل الحرية الحضارية متعددة الثقافات حيث أن التداخل
الحضاري الثقافي في المجتمعات هو فرصة حقيقية لمواطني هذه
المجتمعات من أجل تعلم الديمقراطية .
وألن العالم الذي نعيشه اليوم يزداد صغرا ً أصبحت إمكانية التبادل
الفكري اإلنساني بين حضارات وثقافات متباينة أكثر سهولة .فلقد
بدأت الحواجز والموانع السياسية والجغرافية تفقد تدريجيا ً أهميتها
العفنة .
اإليمان والقناعة باختالف البشر واختالف أنماط حيواتهم يقودان
حتما ً إلى المطالبة بالمساواة للجميع في كافة الحقوق.
إن التغلب على التمييز بكافة وجوهه السلبية واحترام التميز كوجه
إيجابي هو من مهمة المجتمع والسياسة القانونية النظيفة التي يجب أن
تسود في المجتمع.
يريد الخضر قانونيا ً وإنسانيا ً حماية أشكال الحياة التي تم بناؤها
في المسار الطبيعي لتطور المجتمع وإكسابها شكالً طبيعياً ،وهذا هو
شرط جوهري من أجل االنفالت الحر للشخصية اإلنسانية .
يتبنى الخضر قضية عدم السماح باإلساءة أو عزل أو االتهام
السلبي ألي إنسان بسبب هويته الجنسية .
20
لقد دافع ويدافع الخضر عن حقوق المثليين في بلدانهم وبلدان العالم
األخرى ،وقد حصدوا حتى اآلن الكثير من النجاح .يجب على القانون
أن يحمي ويحترم كافة حقوق المثليين ومن يعيش في كنفهم (أطفال)
من كافة أشكال االضطهاد والتمييز والمالحقة والعزل االجتماعي
والتعامل الالإنساني .
إضافة إلى ذلك يريد الخضر بشكل خاص تأمين الحماية القانونية
ألفراد المجتمع المشوهين جسديا ً أو نفسيا ً بسبب الوالدة أو الحوادث
أو األمراض أو الحروب ،وذلك من أجل إعدادهم نفسيا ً وتمكينهم
فكريا ً للمشاركة الفعالة في بناء المجتمع .
إن الشرط الجوهري لتحقيق المساواة لهؤالء الناس هو التحرر من
جملة الموانع في كافة صورها ومجاالتها وبشكل خاص في الرؤوس .
الخضر هم أحزاب ديمقراطية ال ديكتاتورية تحارب فكريا ً كل
شكل من أشكال العنف والقوة .
يريد الخضر المشاركة في بناء الدولة التي يجب أن تكون قوية
بما يكفي والتي تشجع على المبادرة والنشاط الذاتي الحضاري
واالقتصادي واالجتماعي ،الدولة التي تحترم وتحمي حق االعتقاد
الديني إال أنها ترفض مراعاة هذا االعتقاد فيما يتعلق بالدوائر
الحكومية واستالم الحقائب والوظائف .
الخضر يدعمون عملية فصل الدين عن الدولة ألنهم يرتؤون في
هذا الفصل بأنه الشرط األساسي من أجل أن تستطيع التجمعات الدينية
21
والتي تمثل قوى هامة في المجتمع المدني من ممارسة دور إيجابي
في البناء الوطني الديمقراطي.
وهنا تجدر اإلشارة بأن الخضر لديهم تجربة جيدة في مجال
التعاون مع الجمعيات الدينية وقد أثمرت هذه التجربة عن إيجابيات
متعددة .الخضر يشجعون الحوار بين الديانات ،وهدفهم بذلك هو إلغاء
كل شكل من أشكال التمييز على أساس ديني.
يشجع الخضر الهجرة إلى بلدانهم دون فرض لقيود جغرافية أو
دينية أو عرقية أو سياسية ،ويحمي حقوق الالجئين ،ويدفعهم إلى
االندماج في المجتمع وفي الحياة السياسية .
حرية إبداء الرأي وحرية التظاهر يمثالن الشرط الجوهري لبناء
اإلدارة الديمقراطية ـ أما الحقوق الشخصية العامة فإنها األساس
لالختيار الحر لشكل الحياة المرغوب .
تكتسب الحقوق األساسية للمواطن والمواطنة أهميتها فقط إذا
تواجدت األساليب الكافية لممارستها ،ولهذا يتوجب في الدرجة األولى
تأمين الحماية للناطقين بالقانون ولسلطة القضاء ،وال يجوز بتاتا ً
تسخير القضاء لخدمة مآرب الحكومة السياسية .
محاربة جرائم العنف في المجتمع واألسرة ،محاربة العنف ضد
األطفال ومحاوالت تسخيرهم ألغراض ال إنسانية واالعتداء الجنسي
عليهم ،كذلك محاربة وفضح الفساد االقتصادي وعمليات التخريب
البيئي .هذه المواقف برمتها تمثل هدفا ً أساسيا ً من أهداف الحركات
22
واألحزاب اإلنسانية ،مما يستهدف وضع برنامج سياسي اجتماعي
حيوي لتحقيق األمن االجتماعي واألمان الشخصي ،ال معنى للجودة
الحياتية دون اإلحساس بهما.
على عاتق رجال الشرطة والقانون واإلعالم تقع مسؤولية كشف
مالبسات جرائم العنف وتوضيح أسبابها والتحري عن الفاعلين
وتقديمهم إلى القضاء.
للخضر مساهماتهم وبرامجهم الهادفة لمكافحة المخدرات
والمشروبات الكحولية والتبغ ومحاربة بيعها واإلتجار بها في األسواق
السوداء ،وأيضا ً من أجل حماية ومعالجة المستهلكين لهذه البضائع،
وتأمين المساعدة الطبية والنفسية لهم .وفي حاالت خاصة السماح
بتناول هذه المواد ضمن الحدود المسموح بها طبيا ً واجتماعيا ً .
يقف الخضر بحزم ضد أي تدخل لرجال وأجهزة األمن في
الشؤون الشخصية للمواطنين ـ ويطالب بحصر أعمالهم فقط فيما
يتعلق بحماية المجتمع وحماية أمن الدولة الخارجي.
تمثل الوسائط السمعية والمرئية والمقروءة ركيزة أساسية من
ركائز الديمقراطية الحيوية لذلك تحتاج هذه الوسائط إلى حماية خاصة
للحؤول دون تحولها إلى مؤسسات موجهة بال حدود فصل واضحة
ما بين السياسي واإلعالمي والصحفي .
يدافع الخضر عن التنوع اإلعالمي وعن ضرورة التخصص
اإلعالمي وتشجيعه منذ المراحل المبكرة لنمو الطفل لبلورة وعي ذا
23
صفة نقدية لوسائط اإلعالم التجارية الهادفة إلى االنسجام السريع مع
متطلبات السوق بغية إشباعه لتحقيق الربح .
يريد الخضر بناء وسائط إعالمية ممولة حكوميا ً وذات استقاللية
قانونية لتكون قوة موازنة للوسائط المحلية والعالمية والتجارية ،أو
تلك الممولة ألغراض خاصة.
كما يدافع الخضر عن ضرورة المراقبة القانونية واالجتماعية
وحماية كافة العروض السمعية والبصرية والمقروءة والتي تتوجه
لمخاطبة الطفل.
مع التطور التقني الهائل ،وخاصة في مجال المعلوماتية وفي مجال
الهندسات الحيوية والنانوية والبيولوجية ...تم طرح تهديد جديد
لحقوق اإلنسان والمواطنة.
تقود السرعة المتزايدة بشكل مستمر لموضوعة تبادل المعطيات
والبيانات إلى خلق صعوبات حقيقية في مجال متابعتها ،ولهذا تزداد
أهمية وضع خطط برنامجية فعالة تقنيا ً ومناسبة قانونيا ً لحماية البيانات
الشخصية االجتماعية والسياسية واالقتصادية ،وبهذا تتحمل الحكومة
مسؤولية اتخاذ اجراءات خاصة لمراقبة وضبط هذه المعطيات عن
طريق ضبط وتشذيب أسواق المعلوماتية ،وتشجيع المبادرة الذاتية
للمستهلكين والمستهلكات من أجل حماية معطياتهم الخاصة.
يطالب الخضر بتشجيع البحوث العلمية الهندسية ،وكذلك البحوث
الطبية الموجه مستقبليا ً والهادفة إلى وضع حلول تعود بالنفع للمواطن
24
والمجتمع (مثالً معالجة األمراض المستعصية) .إال أنهم يقيدون هذه
البحوث قانونيا ً وإنسانيا ً (مثالً ال يجوز إجراء بحوث طبية على
شخص ما أو جثة ما إال عن طريق موافقة المعني باألمر وبعد تقديم
االستشارة له) .
للخضر برامجهم الخاصة من أجل تشجيع مشاركة المواطن وكافة
المنظمات الالحكومية والتي تمثل أداة ال يمكن االستغناء عنها بغية
بناء وتشكيل المجتمع الديمقراطي.
يريد الخضر باإلضافة إلى الديمقراطية البرلمانية تشجيع
الديمقراطية المباشرة ،ووضع أدوات ممارستها وتحقيقها في متناول
الجميع وتطوير هذه األدوات بصورة مستمرة.
***
25
ر ر ر
التسعي األلمان وتحالف
ي الخض
26
حسب ظروف نشأته ومدى تطور المجتمع المدني في البلد المعني
وخواص البلد السياسية واالقتصادية والحضارية .كما ينبغي التنويه
بأن أحزاب الخضر ال تقتصر فقط على البرامج الموجهة لحماية البيئة
ـ وإن كانت قد بدأت منها ـ بل تمتد لتشمل أيضا ً الصعد السياسية
واالجتماعية واالقتصادية والثقافية.
تتخذ أحزاب الخضر من الفلسفة اإليكولوجية ومن نظرية التنمية
المستدامة منهجا ً لتطوير وتجديد الفكر والنظام االقتصادي والسياسي
واالجتماعي.
لمحة مقتضبة عن حزب الخضر األلماني وتحالف التسعين:
يُعتبر حزب الخضر األلماني وتحالف التسعين حزبا ً جديدا ً نسبيا ً
تم تأسيسه بشكل رسمي عام 1993في ألمانيا االتحادية وذلك عن
طريق اندماج حزب الخضر األلماني الشرقي وخضر ألمانيا الغربية
وأقليات نخبوية ال حكومية ذات اتجاهات ومشارب سياسية واجتماعية
متباينة وكذلك تلك التجمعات المناهضة حتى لالستثمار المدني للطاقة
النووية وجماعات اليساريين الشباب الجدد الذين تطوروا بمفاهيمهم
الماركسلينينية وخصوصا ً بعد الحركات الطالبية لعام 1968وأيضا ً
الحركات االجتماعية التي طالبت بضرورات االعتراف بحرية
اإلنسان في تحديد وجوده وحقه في تقرير مصيره وحقوقه في ميوله
الجنسية.
النقاط األساسية لبرامج ورؤى تلك األقليات ـ والتي لم تجد في
أحزاب ذاك الوقت البديل السياسي المعبّر عن طموحاتها وأحالمها
27
السياسية واالجتماعية واإلنسانية ـ كانت ومازالت بعد توحدها تدور
حول السياسة البيئية وحماية البيئة من أجل المدنية اإلنسانية ،حول
بيئة المدن وحماية الطبيعة ومصادرها األولية ،حول السالم ،حول
حقوق المواطنين ،حول شؤون المرأة ومساواتها مع حليفها المذكر.
مجمل هذه الحركات ناضلت ضد الشكل الشيوعي الدكتاتوري
البيروقراطي الذي ساد لعقود طويلة في ألمانيا الشرقية .بأفكارهم
وبرامجهم الداعية للعدالة والسالم والديمقراطية ساهموا في انتصار
الثورة السلمية التي تم بموجبها انهيار الشكل الدكتاتوري الشرقي
ألجهزة الحكومة األلمانية الشرقية ورجاالت مخابراتها.
ي عام
نشأ حزب الخضر األلماني الغربي في مدينة كارل سرو ّ
سعة والتي استهدفت 1980ومع بدايات ذاك العام بدأ حملته المو ّ
اإلشكالية البيئية وإشكالية الديمقراطية المباشرة وقضايا تحرر النساء
وكذلك موضوعة السالم وتأمين حياة اجتماعية آمنة.
أما نشأة حزب الخضر األلماني الشرقي فقد جاءت متأخرة بعض
الشيء وذلك في عام 1989وقد تمثّل الجوهر النضالي لهذا الحزب
بالنضال من أجل سياسة بيئية ديمقراطية تحررية ملتزمة باإلنسان
والسالم.
في عام 1990وكنتيجة للتقارب الفكري االستراتيجي على
صعيدي النظرية والممارسة وكنتيجة للضرورة الموضوعية بغية بناء
حزب موحد للخضر في كافة األراضي األلمانية تم االتفاق على توحيد
الحزبين تحت يافطة حزب موحد متجانس.
28
مع العلم أن تحالفا ً آخر كان قد ظهر للحياة السياسية قبل التحالف
المذكور وذلك في مقاطعة ساكسونيا في ألمانيا الشرقية بين حزب
الخضر الشرقي وحركات الدفاع عن حقوق المواطنين ولجان إحياء
المجتمع المدني وقد أُطلق على ذاك التحالف اسم الخضر وتحالف
التسعين.
استطاع هذا التحالف وبسرعة هائلة إحراز مواقع متقدمة في
المجتمع األلماني وتمثيله في المستوى الحكومي والبرلماني وكذلك
على المستوى البرلماني األوروبي.
برنامجه السياسي يتجسد في النضال من أجل بناء مجتمع
إيكولوجي قائم على التضامن كما يتمثل في الدفاع عن حقوق اإلنسان
والنظام اإليكولوجي وعن دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع ورفض
العنف النووي وأسلحة التدمير .يناضل الحزب أيضا ً من أجل محاربة
الفقر والبطالة وتحقيق العدالة االجتماعية والدفاع عن خيارات السالم
ورفض العنف النفسي والمادي ضد اإلنسان والحيوان والنبات
والمصادر الطبيعية وكذلك من أجل حماية الطفل وحقوق األجنبي
على األراضي األلمانية.
***
29
مدخل إىل حقوق الجيل الثالث
31
نشأة تاريخية موجزة لحق البشرية بالبيئة النظيفة:
لم تسقط حقوق اإلنسان من السماء وإنما نشأت في سياق عملية
تطور تاريخي ،لذلك ومن أجل فهم قضية تطور حق اإلنسان بالبيئة
النظيفة (والذي نعتبره بأنه ما زال حقا ً جديداً) سوف نلقي الضوء
بشكل موجز على النشأة التاريخية لهذا الحق األساسي النوعي.
ال تحوي التوضيحات األولية لحقوق اإلنسان على أية إشارة
مباشرة إلى وجود حق اإلنسان بالبيئة النظيفة ،إال أن ميثاق األمم
المتحدة لعام 1945وكذلك اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لعام
1948يعترفان بالحق في التواجد والحياة الصحية الهانئة وبهذا يمكن
النظر إلى هذه اإلشارة على أنها البداية األولية (رغم أنها شديدة
الغموض وغير مقصودة) لتطور حق اإلنسان بالبيئة النظيفة عن
طريق درء العواقب السلبية الناتجة عن تخريب النظام البيئي.
منذ عام 1968بدأت المواثيق واإلعالنات العالمية بإظهار
االرتباط ما بين حماية البيئة وحقوق اإلنسان .في ذلك العام أقرت
األمم المتحدة في اجتماعها التوصية التي تعترف بها بوجود العالقة
ما بين البيئة والحقوق األساسية اإلنسانية األخرى.
في توجيه استوكهلم لعام 1972تم اإلقرار بأن البيئة هي شرط
جوهري من أجل تأمين حياة هانئة ومن أجل ممارسة الحقوق المهمة
األخرى بما فيها حق اإلنسان في الحياة .رغم أن هذه التوصية ال
تعني مباشرة الحق بالبيئة النظيفة ،إال أنها توضح بأنه من أجل التمتع
بالحقوق اإلنسانية األخرى هناك ثمة ضرورة لتوفر الحد األدنى من
32
البيئة السليمة .وبهذا كان لتوصية استوكهولم صداها الواسع حيث تم
اإلشارة إليها واالستشهاد بها الحقا ً في االجتماعات العامة لألمم
المتحدة.
يعتبر الميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان عام 1981بمثابة التوجيه
األول المباشر عالميا ً والذي وثّق حق اإلنسان بالبيئة النظيفة .كان هذا
الميثاق ذو أهمية فائقة وقد تم قبوله من قبل أغلبية البلدان اإلفريقية
وكان ذلك أيضا ً بمثابة إشارة هامة لبلدان العالم األخرى.
جاء في القسم األول لهذا الميثاق:
All people shall have the right to a general
satisfactory environment favorable to their
development.
لقد س ّجل مؤتمر ريو دي جانيرو عام 1992بحق بدء مرحلة
جديدة في تطور الوعي البيئي عموماً .حضر هذا المؤتمر 178ممثالً
عن بلدانهم فقط من أجل نقاش موضوعة البيئة والتطور ومشاكلهما
(مثالً تأثيرات االقتصاد والعولمة على البيئة).
أحد أهم نتائج هذا المؤتمر تمثلت باألجندة 21المتعلقة بشكل
أساسي بالتنمية المستدامة .كما تم أيضا توثيق حق أجيال المستقبل
بالبيئة الصحية السليمة:
Environmental protection shall constitute an
integral part of the development process and
con not be considered in isolation from it.
33
تعرض له هذا المؤتمر من بعض االنتقادات التي على الرغم مما ّ
صدرت عن دوائر حركات حماية البيئة عالمياً ،إال أنه يمثل حقا ً نقطة
انعطاف ال يمكن تجاهلها حيث بدأ الوعي البيئي لدى المواطنين
وكذلك لدى الدوائر السياسية بالتصاعد التدريجي.
إال أن وثائق هذا المؤتمر لم يتم تصنيفها في القانون ولم تؤخذ
بعين االعتبار بصفتها وثائق ونتائج ملزمة التنفيذ بموجب القانون.
منذ عام 1970بدأت معظم بلدان العالم بإدخال القضايا البيئية
بشكل ما إلى دساتيرها (مثالَ البرازيل ،األرجنتين ،بولونيا ،جنوب
افريقي ،وأيضا ً بعض بلدان الواليات المتحدة األمريكية).
على سبيل المثال جاء في القسم السادس من المادة 225من
الدستور البرازيلي ما يلي:
Everybody has a right to an ecologically
balanced environment, an asset for common
use by the people, and essential to the
wholesome quality of life. This imposes upon
public Authorities and the community the
obligation to defend and preserreit for present
and future generations.
من األهمية أيضا ً بمكان عرض بعض التحديدات الحقوقية
المتواجدة في الدستور األوكرائيني لعام 1990حيث يتطرق إلى:
حق اإلنسان بالتغذية النظيفة إيكولوجيا ً والحق بالحصول على مواد
االستهالك غير الضارة إيكولوجيا ً والحق بتمتعه بمكان عمل وظروف
34
عمل غير خطيرة بالمعنى اإليكولوجي وحق اإلنسان أيضا ً بالعيش
في بيئة نظيفة وكذلك حقه بالحصول على المعلومات الموثقة والمتعلقة
بجودة مواد االستهالك واألطعمة اليومية وأيضا ً المعلومات الموثقة
حول شروط العمل والحالة الراهنة للبيئة.
أما في ألمانيا فإن الدولة توضح في قانونها األساسي مسؤوليتها
والتزامها األخالقي والقانوني واإلنساني في ضرورة تأمين قواعد
وأسس الحياة الطبيعية والبيئة النظيفة ألجيال اليوم واألجيال القادمة.
صياغة مادة دستورية لضمان حق اإلنسان ببيئة نظيفة:
أكثر من ستة مليارات نسمة يقطنون الكرة األرضية ويعتاشون
على المصادر التي تقدمها لهم الطبيعة .استغالل المصادر الطبيعية
يساهم بشكل مباشر بتخريب النظام اإليكولوجي (المحيط الطبيعي)
وتغيير وظائفه األصلية وإخراجه عن طور التوازن.
إن االعتداءات على النظام البيئي تقود بشكل مباشر إلى تجريح
منظومة حقوق اإلنسان األخرى ،حيث أن حقوق اإلنسان والبيئة في
حالة ارتباط جدلي ضيق .وعليه فإن صياغة مادة تضمن حماية البيئة
وبالتالي حماية اإلنسان واإلنسانية هو موضوعة جديرة بالنقاش
والصياغة.
إن ضرورة صياغة مادة دستورية تضمن الحق بالبيئة النظيفة تنبع
من النقاط الرئيسية التالية:
35
• حق كل األشخاص في الحياة بشكل حر من كافة أشكال
التلوث ومن كل أنواع المخاطر البيئية التي تهدد الحياة
والصحة والنظام البيئي.
• حق األشخاص في البقاء في نظام إيكولوجي سليم بتنوعه
الحيوي.
• لإلنسان الحق بالمالحقة القانونية لكل من يتسبب بأضرار
بيئية تمس به أو بالنظام البيئي المحيط.
• من واجب كل حكومة (وطنية) وعبر مؤسساتها أن تكون
ملتزمة بإعطاء معلومات حول الكوارث البيئية مهما بلغت
درجة حساسيتها.
• يتوجب على الدولة إصدار قوانين خاصة بكل شكل من
أشكال التهديد البيئي على أن يتم إدراج هذه القوانين في
الدستور الوطني.
• ينبغي على القوانين التي تصدرها الدولة أن تكون على
درجة عالية من المرونة ألن المخاطر البيئية ليست مستقرة
وثابتة بل تتصف بالتغير المستمر يومياَ ،وهذا التغير يجب
متابعته عن طريق تطوير حلول بمضامين مرنة أيضاَ.
• يتوجب على القوانين ان تراعي ليس فقط األذى البيئي الذي
يهدد المجتمع بأكمله بل ذاك أيضا ً الذي يهدد حياة الفرد
الواحد.
36
• من واجب الدولة إعالم المواطنين حول خططها البيئية قبل
وضعها موضع التنفيذ وإصدار تقارير سنوية حول سيرورة
الخطة البيئية.
• من حق كل مواطن أن يشارك المؤسسات (السلطات)
الحاكمة بإصدار القرارات بما يتعلق بالمخاطر البيئية التي
تهدد حياته.
• نتيجةً لوجود العديد من الحقوق البيئية وتنوع مصادرها
ينبغي التفكير جديا ً بضرورة إصدار مشروع دستور بيئي
خاص وشامل لكافة أشكال تجريح الحق البيئي ،وإسوة ً
بمفهوم التنمية المستدامة نطرح اليوم فكرة القانون البيئي
الذي يحمل في طياته صفات الديمومة شريطة أن يعاد النظر
بمضامينه وفق خطة زمنية يقترحها المتخصصون.
أخيرا ً يجب القول بأن الحكومة التي هي افتراضيا ً نتاج إلرادة
الشعب سوف لن تتخذ إجراءات من هذا القبيل والتي قد تتسبب
بإحراجها وإظهار أزماتها إذا لم يتحرك المتضررون للتعبير عن
مصابهم ولو بشكل مسيرة صامتة.
***
37
األهمية البيئية للطاقة الهوائية
38
المحاوالت األولى إلحياء هذه التقنية الرفيقة بالبيئة والحامية
للمصادر الطبيعية قام بها بعض الجنود األلمان الذين عملوا في سالح
المهندسين وذلك في بدايات عام .1950
أما الوالدة الحقيقية إلعادة استخدام طاقة الهواء من جديد فقد
ظهرت مع ظهور أزمات النفط مطلع السبعينيات من القرن العشرين
والذي ترافق مع تقدم وازدياد الوعي البيئي في العالم وفي ألمانيا على
وجه الخصوص.
تعتمد منشآت الطاقة الهوائية الحديثة مبدأ الرفع بدالً من مبدأ
المقاومة .هذا يعني بأنه ال يتم وضع مقاومة في طريق الريح وإنما
تقوم الريح عند جريانها بالقرب من أجنحة المنشأة (العنفة) الهوائية
بتوليد قوة رفع مشابهة لما هو الحال عند الطائرات .تساهم هذه القوة
في وضع جناح العنفة في حالة حركة دورانية.
العنفات التي تعمل حسب مبدأ المقاومة تستطيع أن تسحب من
الريح وبشكل أعظمي ليس أكثر من %15من الطاقة بينما تستطيع
تلك العاملة حسب مبدأ قوة الرفع أن تسحب ما ال يقل عن %60من
الطاقة .المردود األعظمي الذي تستطيع بلوغه المنشآت الحديثة لهذا
اليوم وفي الظروف المثالية ال يتجاوز %50أما المردود الوسطي
فهو يقع عند حدود .%45
هناك تصاميم مختلفة للعنفة الهوائية منها ما هو بمحور أفقي ومنها
ما هو بمحور شاقولي كما تباينت التصاميم بحسب عدد الشفرات أي
األجنحة المستخدمة وبحسب الشكل الهندسي للبرج الحامل لألجنحة
39
باألضافة إلى نوعية المولد المستخدم وإلى وجود أو عدم وجود علبة
سرعة مسننية.
التصميم الذي أثبت وجوده بالمعنى التقني هو ذاك الذي تم فيه
تثبيت القسم الدوار بشكل أفقي والحامل لثالثة أجنحة .يتم تصنيع
األجنحة أغلب األحيان من مواد لدائنية ،هذا ويبلغ طول الجناح في
بعض المنشآت أكثر من 50متراً.
الدوار من 10إلى ثالثين دورة في الدقيقة ويحصد يدور القسم ّ
الرياح ضمن فضاء مساحته 5000مترا ً مربعاً .من أجل التحكم بعدد
الدوار وزيادتها إلى 1500دورة بالدقيقة يتم استخدام
دورات القسم ّ
علبة سرعة مسننية .لعلبة السرعة هذه مساوئها المتمثلة بالضجيج
الناتج عن الحركة وكذلك بالضياعات في الطاقة.
يبلغ طول البرج الحامل لألجنحة حوالي 90مترا ً وبهذا يكون
الطول اإلجمالي للمنشأة مع األجنحة أكثر من 130متراً .كلما كان
ارتفاع المنشأة أعلى كان ذلك أفضل وذلك للتغلب على الدوامات
الهوائية الناجمة عن تضاريس األرض كما إن السرعات المتوسطة
للرياح تزداد بازدياد االرتفاع .يحتوي البرج في داخله على ساللم من
أجل الصعود إلجراء عمليات الصيانة الدورية.
عندما تهب الرياح ضعيفة فإن الطاقة المحتواة فيها ال تكفي للتغلب
على عزوم االحتكاك والعطالة للعنفة ولذا تبقى العنفة في حالة توقف.
تبدأ العنفة بالعمل عندما يكون معدل سرعة الريح بحدود 3مترا ً في
الثانية وبهذا تزداد االستطاعة مع األس الثالث لسرعة الريح ،هذا
40
يعني بأن مضاعفة سرعة الريح يقود إلى مضاعفة استطاعة العنفة
ثمان مرات .ومع ازدياد سرعة الريح يبلغ المولد استطاعته اإلسمية
األعظمية وبالتالي يتم بلوغ معدل الطاقة المراد أعظمياً .ومع استمرار
ازدياد سرعة الريح يتوجب استخدام تقنيات خاصة من أجل تنظيم
االستطاعة الزائدة.
تركز التطور التقني للعنفات الهوائية في السنوات األخيرة على
تصميم منشآت ذات حجم كبير وذلك الستثمار الطاقة الهوائية بالشكل
األمثل .بلغت استطاعة المنشأة في عام 1987حوالي 50كيلو واط
وفي عام 2001حوالي 1300كيلو واط وفي عام 2005تبلغ
االستطاعة أكثر من 4000كيلو واط أي أصبحت أكبر بعشرات
المرات وهذا ما يطابق تأمين احتياجات حوالي 1800منزالً من
الكهرباء سنوياً .ما زال التطوير جاريا ً حتى اآلن لدرجة أنه من
الصعب التنبؤ باالستطاعة التي سيتم بلوغها في المستقبل.
تبلغ تكاليف المنشأة والتي تتراوح استطاعتها بين 500و1500
كيلو واط حوالي 800حتى 900يورو لكل كيلو واط ساعي .تضاف
إلى هذه التكاليف أيضا ً التكاليف الثانوية الخاصة بالتأسيس والتخطيط
وإيصال الكهرباء إلى الشبكة العامة وكذلك تكاليف أرض البناء .تبلغ
قيمة التكاليف التانوية هذه حوالي %30من قيمة التكاليف الصافية
للمنشأة .وعليه تبلغ التكاليف اإلجمالية من أجل محطة هوائية
باستطاعة 600كيلو واط حوالي 500000يورو ومن أجل منشأة
باستطاعة 1500كيلو واط تصل التكاليف حتى 1800000يورو.
41
مع العلم أن التكاليف هذه كانت أعلى في عقد الثمانينات بنسبة %35
عما هي في عام.
وألن أمكنة بناء المزارع الهوائية على اليابسة قد أصبح نوعا ً ما
محدوداً ،بدأ التخطيط والتنفيذ لبنائها في البحار وعلى السواحل وحيث
أن سرعة الرياح أعلى منها على اليابسة .تقوم مزارع حصاد الريح
في البحار بتوليد تيار كهربائي أكبر بنسبة %40مما تستطيع توليده
المزارع الهوائية على اليابسة.
تقول التقديرات بأنه من الممكن في ألمانيا على المدى الطويل بلوغ
استطاعة إجمالية تصل إلى حوالي 25000ميغا واط وذلك فقط عن
طريق المزارع البحرية وهذا ما يطابق تغطية %15من استهالك
التيار الكهربائي في ألمانيا.
مع ازدياد استثمار طاقة الريح بدأت جمعيات حماية الطبيعة
والحيوان بالتساؤل عن مدى حساسية البيئة الستثمار الطاقة الهوائية.
استثمار الريح قد يسبب اإلزعاج البيئي الناجم عن توليد الضجيج
وتشويش النظام الحيواني وخاصة الطيور باإلضافة إلى تشويه
المنظر الطبيعي العام .في هذا الخصوص يتوجب إحصاء السلبيات
واإليجابيات الناجمة عن هذا االستثمار واعتماد النتائج الراجحة
ومحاولة تجنب األضرار الناشئة عن بناء مزارع حصاد الريح.
لقد تم تخفيض الضجيج الناشئ بشكل كبير بفعل التطور الهائل في
مجال الهندسة الميكانيكية (علم الموائع وعلم التصميم وعلم
االهتزازات) .يبلغ معدل الضجيج اليوم حوالي 100ديتسيبيل وذلك
42
بالقرب من برج المنشأة وحوالي 50ديتسيبيل على بعد 50مترا ً من
البرج وهذا ما يتناسب مع الضجيج الناجم عن جهاز راديو في غرفة
ما .وعلى بعد حوالي 500مترا ً ،وهو البعد األدنى الذي يجب
مراعاته أثناء بناء المنشآت بالقرب من مناطق السكن ،يتناقص معدل
الضجيج إلى الدرجة التي بالكاد يتم سماعه عندها.
المالحظة والمتابعة الممتدة لسنوات عديدة التي جرت على تضرر
الطيور أثبتت بما ال مجال للشك فيه بأن الطيور تنحرف أثناء طيرانها
نهارا ً عن المنشآت وفقط في حاالت نادرة تسببت المنشآت في قتل
بعض الطيور .في الليالي الحالكة وفي الضباب تصطدم الطيور أحيانا ً
ليس فقط بالمنشآت الهوائية وإنما بكافة العوائق التي تعترضها.
تمتلك الطيور القدرة عند طيرانها على تجنب المنشآت الهوائية
الدوار
تتعرف على تغير جريان الهواء الناشئ عن القسم ّ
ّ وذلك ألنها
الدوارة.
واألجنحة ّ
وبما يتعلق بفكرة تخريب المنظر الطبيعي العام فإن اآلراء
متناقضة حول ذلك ،فالبعض يرى بأن مزارع الريح قد أدت إلى تغيير
سلبي في الطبيعة والبعض يرى وعلى العكس من ذلك بأنها قد ساهمت
إيجابيا ً بإضفاء لمسة جمالية للطبيعة.
يتم تصميم األبراج بطريقة تكون فيها مقبولة بصريا ً وبتأثيرات
سلبية أقل على المنظر الطبيعي العام ،يتم طالء القسم السفلي للبرج
والمسمى قدم البرج بلون مشابه للون الطبيعة المحيطة بالمنشأة ويتم
43
طالء القسم العلوي بألوان غير قابلة لالنعكاس (رمادي ضوئي)
حفاظا ً على الناظرين.
كما أن الضجيج الناشئ عن استخدام ثالثة من األجنحة هو أقل
منه في حالة استخدام عدد أقل وذلك ألن الحموالت الميكانيكية تكون
أقل ما يمكن ،إضافة لذلك فإن دوران ثالثة أجنحة يعطي اإلنسان
شعورا ً بالراحة أفضل منه في حالة دوران جناحين أو أقل.
وألن شروط البيئة البحرية معقدة نوعا ً ما فإن اختيار أمكنة البناء
يتم بدقة عالية وعناية فائقة بالتعاون مع وزارة البيئة ومع مراعاة
وجهات نظر حماة البيئة البحرية بما يتعلق بأمكنة الصيد وطرق عبور
السفن وأماكن تواجد الكنوز البحرية النباتية والحيوانية وكذلك األهمية
العسكرية للمكان المراد استثماره باإلضافة إلى مراقبة ودراسة
االنعكاسات السلبية للمنشآت التي تم بناؤها سابقاً.
في اليابسة يتم أيضا ً مراعاة الشكل الجمالي لتوضع المنشآت وذلك
باعتماد أشكال هندسية محددة وملفتة للنظر كما يتم مراعاة أمكنة
تواجد وطرق طيران أسراب الطيور وتجنب البناء في المناطق
المحمية طبيعيا ً وفي كل الحاالت يتوجب قبل البناء الحصول على
ترخيص بذلك ومراقبة اختيار مكان البناء المر ّخص له.
ما زالت األزمة قائمة بين المعارضين للبناء والراغبين بذلك إال
أن هذه األزمة لن تطول ألن المعارضون سيقتنعون في نهاية المطاف
بغلبة اإليجابيات البيئية للبناء على سلبياته التي يمكن إهمالها نوعا ً ما.
44
فعن طريق بناء منشأة واحدة باستطاعة 1500ميغا واط وخالل
مدة حياتها البالغة كحد أدنى 20عاما ً يمكن أن نتجنب ما مقداره
64000طنا ً من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون.
في الوقت الذي تستخدم فيه طاقة الهواء في الكثير من أقاليم العالم
من أجل التشغيل الميكانيكي للمضخات يتم استخدامها في ألمانيا فقط
من أجل توليد التيار الكهربائي .ألمانيا هي البلد األول في العالم الذي
يستثمر طاقة الرياح بمعدل عا ٍل ولديه من المنشآت في اليابسة وفي
السواحل ما يفوق عن 15000عنفة هوائية (إحصائية عام )2004
باستطاعة إجمالية تفوق عن 11000ميغا واط .هذا العدد ساهم في
حماية البيئة بشكل مباشر وذلك عن طريق منع تسرب حوالي أكثر
من 12مليون طنا ً من غاز ثاني أكسيد الكربون.
ننوه بأن الحديث عن التنمية المستدامة بالمعنى الطاقي ال
بقي أن ّ
يعني وال في أي حال من األحوال بأن الهدف قد تم تحقيقه أو أنه في
طوره األخير ،ما تزال حتى هذا اليوم أكثر البلدان تقدما ً بعيدة عن
هذا المفهوم ،لكنها تسعى جاهدة ً إلى تمهيد الطريق لتحقيقه.
***
45
معالجة المخلفات العضوية
الطاقة الحيوية
إن إحدى تجليات تقدم البلدان اليوم وقدرة مؤسساتها على
االستمرار كنشاط مؤسساتي سياسي وإداري واقتصادي وتعليمي في
ظل تحديات النمط الجديد لعولمة العمليات االقتصادية تقاس بنظام
طاقاتها المتجددة وبقدرتها على اكتشاف نظم إدارية ولوائح قانونية
وأساليب بيئية تقنية حديثة وإعادة تطوير المتواجدة منها مفتتةً بذلك
البنى البيئية األدنى منها لتلحقها بها.
إن مشكلة التلوث البيئي تتصدر رأس القائمة مقارنة بالمشاكل التي
تشغل العالم اليوم .وبالرغم من أن إشكالية المحافظة على البيئة باتت
مسألة شبه محلولة في البلدان الصناعية المتطورة في الوقت الحاضر،
إال أنها مازالت تؤرق وتهدّد حياة اإلنسان في البلدان النامية .لقد
أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 1,3مليار من
سكان المدن في تلك البلدان على امتداد العالم يتنفسون هوا ًء ملوثا ً
بمحتوى من المواد الضارة يتجاوز أربعة أضعاف الحدود المسموح
بها عالمياً .كما ورد في تقرير البنك العالمي أن حوالي 3مليون إنسان
يموت سنويا كنتيجة اساسية لتلوث الهواء ويعاني الكثيرون بشكل
46
متزايد من أمراض السرطان واحتشاء العضلة القلبية وصعوبات في
التنفس وبصورة خاصة األطفال .إن األسباب الرئيسية وراء ذلك
تكمن في ارتفاع معدل الكثافة السكانية وما يرافقها من تزايد في
استخدام وسائل التدفئة والطهو التقليدية وتزايد عوادم وسائل
المواصالت القديمة والمخلفات الصناعية والمنزلية.
نظرا ً للعواقب الكبيرة التي يمكن أن تنجم عن هذا التلوث البيئي
تتجه األنظار حاليا ً إلى كيفية إيجاد حلول مناسبة للحفاظ على سالمة
البيئة واإلنسان.
إن المحافظة على هواء نقي أو السعي لتنقية الهواء الملوث كجزء
ال يتجزأ من التلوث اإلجمالي للبيئة هو بحد ذاته مهمة وطنية تفرض
ذاتها بقوة ،وذلك من أجل بناء مدن ذات قدرة على االستمرار في
المستقبل .خاصة أن عدد سكان المدن في تزايد مستمر .حيث أكد
تقرير األمم المتحدة أنه سوف يعيش أكثر من نصف سكان العالم في
المدن عام .2050
هذه األسباب مجتمعة تقتضي إحداث تغييرات جذرية وفعّالة بشأن
معالجة تلوث البيئة وعلى رأسها مشكلة تلوث الهواء.
إن استبدال المصادر األحفورية بالمصادر الطاقية المتجددة هو
مشروع إيكولوجي وتاريخي واقتصادي هام .والشرط األساسي
ّ
المتطور هو إتقان أساليب بيئية لإلرتقاء إلى هذا المشروع الحضاري
تكنولوجية غير معقدة بغية الوصول إلى قاعدة المصادر الطاقية
البديلة.
47
وألن عصرنا الحالي هو عصر المعارف والمعلومات التي تتقادم
وتتطور باستمرار وتحتاج إلى تجديد ومتابعة دائمة ،فإنه ينبغي على
جميع العاملين في الميادين العلمية واالقتصادية والثقافية والسياسية
والمنزلية المزيد من االهتمام بشوؤن البيئة ومشاكلها وطرق معالجتها
والحؤول دون استفحالها.
إن إمكانية توليد التيار الكهربائي والطاقة الحرارية ومواد
االحتراق (وذلك الستخدامها كمصدر طاقة للمواصالت العامة مثالً)
عن طريق استثمار المواد العضوية ذات المصدر النباتي والحيواني
يعتبر أحد أكثر اشكال االستثمارات وعمليات تحول الطاقة اقتصادية
وجاذبية ،ومن أهم المحاوالت والمساهمات في مجال معالجة المشاكل
البيئية والمحافظة على حماية المناخ والموارد الطبيعية.
تزداد أهمية الطاقة الحيوية كأحد أشكال الطاقات المتجددة
باستمرار ،فعلى سبيل المثال تسعى ألمانيا االتحادية كأحد أهم وأكبر
البلدان الصناعية في العالم ،وذلك بالتعاون الفعّال بين أصحاب القرار
السياسي ووزارة البيئة وأصحاب القرار االقتصادي والمجتمع المدني
من أجل تغطية احتياجاتها من الطاقة عن طريق إنتاج الطاقة المتجددة
( طاقة الريح ،الطاقة الشمسية ،الطاقة الجيوحرارية ... ،الخ) بما فيها
الطاقة الحيوية.
تسعى المؤسسات األلمانية إلى تحقيق زيادة ومضاعفة استخدام
الطاقة المتجددة مع نهاية عام 2010بالمقارنة مع ما كان عليه الحال
في عام 2000حيث أن مقدار إنتاج التيار األخضر من المقرر له
48
أن يتضاعف من %6.25عام 2000الى %12.5عام ،2010
كذلك سيتم العمل على مضاعفة مقدار الطاقة األولية من %2.1عام
2000الى %2.4عام .2010
ضمن هذا التوجه السياسي البيئي ال ترى ألمانيا االتحادية محادا ً
عن استثمار طاقة المواد العضوية من أصل حيواني ونباتي .حيث أنه
من المخطط له مع بداية العام 2030أن يكون قد تم تغطية ربع
احتياجات الطاقة في المانيا عن طريق انتاج الطاقات المتجددة على
أن يتم تغطية %10على األقل من احتياجات الكهرباء والحرارة
ومواد االحتراق للسيارات وذلك فقط عن طريق استثمار طاقة المواد
العضوية ،وبذلك سيكون للمادة الحيوية الحصة األكبر في تغذية
المصادر الرئيسية للطاقة.
هذا وباإلضافة للفوائد البيئية فإن الكثير من الدراسات االقتصادية
تتنبأ بتأمين 200000فرصة عمل كحد أدنى في العقود الثالثة
القادمة في ألمانيا وذلك فقط في قطاع استخراج الطاقة الحيوية.
فيما يلي سوف نعرض مثال واقعي يتم تطبيقه في البلدان المتطورة
للتخفيف من حدة االنبعاث الغازي الضار الى الغالف الجوي المحيط
باألرض ،وذلك عن طريق جمع المخلفات العضوية ومعالجتها بطرق
علمية واستغاللها في إنتاج التيار الكهربائي األخضر والحرارة
الخضراء والسماد األخضر.
**
49
تكنولوجيا إنتاج الغاز الحيوي
عند التحدث عن المواد العضوية يقصد من ذلك التحدث عن
حوامل الطاقة من مصادر حيوانية ونباتية .في قانون الطاقات البديلة
والصادر عن ألمانيا تاريخ ،27/10/2001تم وضع لوائح قانونية
منظمة لطاقة المادة العضوية والعتبارات متعلقة بسياسة البيئة َّ
والطاقة والمناخ فقد تم استبعاد بعض المواد العضوية رغم قابليتها
لالستعمال كحوامل طاقية.
• إن المخلفات والمواد العضوية التي يحظر استخدامها
وفق هذا القانون هي :مواد االحتراق االحفورية،
القمامة المختلطة ،الورق والكارتون ،الحمأة الناتجة
عن المصارف والمصافي ،المواد القماشية ،األعضاء
الحيوانية ،الغاز المنبعث عن مكبات القمامة وكذلك عن
محطات الصرف الص ِّ ّحي.
• أما المخلفات والمواد العضوية التي يسمح باستخدامها
فهي :النباتات وبقاياها وبقايا الحصاد ،الفضالت
والمنتجات الثانوية من أصل حيواني ونباتي والناتجة
ي ِّ والزراعي وكذلك اقتصاد الثروة
عن االقتصاد الغاب ّ
السمكية ،المخلفات العضوية الناتجة عن المطابخ
والمطاعم وشركات تصنيع المواد الغذائية ،الزيوت
النباتية ،الكحول المستخرج من المادة العضوية ،بقايا
50
الخشب الصناعي والنشارة الخشبية وأيضا ً األخشاب
المزروعة لفترات قصيرة ومدروسة ألجل هذا الهدف.
طرق الحصول على الطاقة الحيوية من المادة العضوية:
إن االستثمار الطاقي لكتلة المادة العضوية يتم بشكل مباشر عن
طريق عمليات الحرق في محطات حرق خاصة أو بشكل غير مباشر
عن طريق تحويل المادة العضوية إلى غازات ،وبناء عليه يمكن
التمييز بين الطرق المختلفة التالية:
توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية بالشكل
الصلب :مثالً عن طريق حرق األخشاب .يوجد في ألمانيا حوالي 80
محطة حرق باستطاعة إجمالية قدرها 1,7تيرا واط ساعي في السنة.
هذا وأن التحويل الغازي لمواد االحتراق الصلبة (مثل الخشب) ال
تزال في طور البحث والدراسة.
توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية بالشكل
السائل :يتم الحصول على التيار الكهربائي عن طريق عصر ومعالجة
النباتات الزيتية وفق خطوات تقنية مدروسة وهذا ما يعرف بإنتاج
مواد االحتراق الحيوية .يوجد في ألمانيا 130محطة من هذا النوع
باستطاعة إجمالية تتراوح بين 9إلى 11ميغا واط كهربائي.
إن تكاليف توليد التيار الكهربائي بهذا اإلسلوب ما زالت مرتفعة
جدا ً ولذك فإن حوامل الطاقة هذه يمكن استخدامها كمواد احتراق
للمواصالت بالدرجة األولى.
51
توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية بالشكل
الغازي :إن طريقة تحويل الكتلة العضوية إلى حوامل طاقية بالشكل
الغازي تُعتبر التقنية األساسية لالستثمار المستقبلي للطاقة الحيوية.
يتم الحصول على التيار الكهربائي عن طريق تخمير بقايا المواد
العضوية (أطعمة ،روث ،مياه الصرف الصحي ،مياه المعالجة
الصناعية...الخ).
مبدأ تحرير طاقة الغاز الحيوي:
تعتمد تقنية إنتاج الغاز الحيوي على تفكك وتحلل المواد العضوية
إلى مكوناتها العضوية وذلك بواسطة بكتيريا الميتان الخاصة وهذا ما
يعرف بعملية التخمير .هذه العملية يجب أن تتم في ظروف الهوائية
وعند درجات حرارة مالئمة للعمليات الحيوية التي تقوم بها البكتيريا
المتواجدة في مفاعل الغاز الحيوي (حوض التخمير) .بشكل عام هناك
ثالث مجاالت حرارية والتي يتم عندها توليد الغاز الحيوي وهي:
• التخمير على البارد وذلك ضمن مجال حراري بين 15إلى
20درجة مئوية ،وفيه تكون مدة بقاء المادة العضوية في
المخ ِّ ّمر طويلة نسبيا ً وكمية الناتج الغازي لكل متر مكعب
من حجم المخ ِّ ّمر قليلة.
• التخمير على الساخن وذلك ضمن مجال حراري بين 25
إلى 40درجة مئوية ،وفيه تكون مدة بقاء المادة العضوية
في المخ ِّ ّمر متوسطة وكمية الناتج الغازي لكل متر مكعب
من حجم المخ ِّ ّمر متوسطة.
52
• التخمير الحار في مجال حراري بين 40إلى 65درجة
مئوية ،وفيه تبقى المادة العضوية في المخ ِّ ّمر لوقت قصير
وكمية الناتج الغازي لكل متر مكعب من حجم المخ ِّ ّمر
كبيرة.
إن عملية التحلل الالهوائي والتي تحدث عادة ً بشكل طبيعي في
أعماق البحيرات والتجمعات المائية وأعماق التربة وفي مكبات
النفايات تتم في المخ ِّ ّمر بمراحل متعددة .المرحلة األخيرة في سلسلة
التفكك العضوي هي غازات الميتان والتي تنتج بنسبة %55إلى
%65وغاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة %35إلى %45مع نسب
ضئيلة جدا ً من الهيدروجين واألوكسجين والنتروجين ونترات
األمونيوم وكذلك من كبريتيد الهيدروجين (.)H2S
يستخدم اليوم شكلين من أشكال منشآت توليد الغاز الحيوي:
• المنشآت التي تستعمل فقط المنتجات الزراعية وبقايا اإلنتاج
الزراعي.
• المنشآت التي تستخدم المنتجات الزراعبة باإلضافة إلى
الفضالت العضوية من المنازل والمطاعم .هذا وينبغي
التمييز بين المنشآت الريفية والمنشآت في المدن الكبيرة
والصغيرة.
إن منشآت الغاز الحيوي المتواجدة في القطاع الزراعي تستخدم
روث وفضالت حظائر األبقار والعجول ،الخنازير والمداجن كمادة
53
أساسية .كذلك هناك حوالي %93من المنشآت تعتمد على دمج المواد
العضوية وتخميرها ،ومن الجدير ذكره هنا أن كالً من بقايا الحصاد
والفضالت النباتية ،الخبز اليابس ،بقايا األطعمة ،المخلفات العضوية،
الحشائش وبقايا األعالف ،بقايا معامل األغذية ،بقايا الخضار
والفواكه ،بقايا مصانع األلبان واألجبان وفضالت مصانع معالجة
السكر والشوندر السكري تعتبر جميعها مواد قابلة للدمج.
إن االتجاه السائد اليوم في بناء واستثمار منشآت توليد الغاز
الحيوي يهدف إلى خلط ليس أكثر من مادتين مختلفتين وبكميات ثابتة
ومدروسة وبتدفق منتظم إلى حوض التخمير .هذا اإلجراء يقود إلى
عمليات تخمير أكثر استقرارا ً وإلى نواتج طاق ِّيّة أعلى مردودا ً وأكثر
أن هذا الشكل للتخمير يتطلب مراقبة وإدارة جيدة كما تجانساً ،إال َّ
يحتاج اهتمام كبير بالشروط الحدّية للتخمير.
مثال تقريبي:
محتوى الطاقة في المتر المكعب الواحد من الغاز الحيوي هو 6,5
كيلو واط ساعي وهذا ما يعادل 0,6لتر من الوقود .إن إنتاج البقرة
الواحدة من الروث يعادل حوالي 12كيلو غرام في اليوم ولقد تبين
أن 100بقرة تعطي في السنة الواحدة 62050متر مكعب من الغاز
الحيوي أي بمعدل 620,5متر مكعب لكل بقرة في السنة ومعدل1,7
متر مكعب في اليوم .محتوى الطاقة اإلجمالي الناتج عن 100بقرة
سنويا ً هو 403325كيلو واط ساعي من الكهرباء وهذا ما
يعادل 40000لتر من الوقود الحراري سنوياً .أي أنه يمكن القول
54
بأن ناتج البقرة الواحدة من الطاقة يصل إلى حوالي 10كيلو واط في
اليوم .هذا يعني أن مزرعة مؤلفة من سبع بقرات قادرة على إمداد
منشأة صغيرة وذلك إلنتاج 10متر مكعب من الغاز الحيوي يوميا ً
وهذا ما يعادل 65كيلو واط ساعي يوميا ً والتي تكفي وتزيد عن
احتياجات أي منزل مجهز بشكل جيد بكافة اللوازم الكهربائية وحيث
إن استهالك المنزل (األلماني مثالً) سنويا ً من الكهرباء يعادل وسطيا ً
حوالي 3500كيلو واط ساعي.
ولقد بينت إحدى الدراسات أنه يمكن انتاج حوالي 500متر
مكعب من الغاز الحيوي وذلك بمعالجة 1000كيلو غرام من
الفضالت العضوية الناتجة عن المخرجات اليومية لمدجنة مؤلفة من
12000دجاجة.
تصل تكلفة توليد الكيلو واط الساعي الواحد أثناء توليد الحرارة
حوالي 0,05يورو كما وتبلغ تكاليف توليد التيار الكهربائي حوالي
0,1يورو لكل كيلو واط ساعي.
منشآت توليد الغاز الحيوي
يعود استثمار وتأسيس منشآت توليد الغاز الحيوي في ألمانيا
وبشكل خاص في القطاع الزراعي إلى ما يقارب 60سنة مضت،
ويرجع الفضل في بناء النموذج األول من هذه المنشأت إلى جامعة
دارمشتات عام ،1947كذلك ت ّم بناء منشأة ثانية عام 1948في
مدينة أودنفالد.
55
ازداد عدد هذه المنشآت في ألمانيا بشكل ملحوظ وذلك في الفترة
الواقعة بين نهاية عام 199وحتى صيف عام 2003وذلك من 850
منشأة عام 1999حتى 1700منشأة في صيف 2003وبنسبة
مئوية بلغت ،%200ويتوقع أن يكون العدد اإلجمالي حوالي 2100
منشأة مع نهاية عام .2004تم تسجيل ازدياد واضح في االستطاعة
اإلجمالية الوسطى من 45ميغا واط كهربائي عام 1999إلى 175
ميغا واط كهربائي عام .2003إن هذه المنشآت تتواجد بكثافة في
إقليم (بايرن) بنسبة %45,6وبنسبة أقل %17,2في إقليم ( بادن
فورتيم بيرغ) بينما تنخفض النسبة إلى %14.9في إقليم (نيدر
ساكسين) .ولقد عرفت منشآت معالجة المخلفات العضوية في عدد من
دول العالم المختلفة ،حيث يوجد اليوم حوالي 20مليون منشأة صغيرة
لتوليد الغاز الحيوي في الصين ،وحوالي 200ألف في الهند بينما ال
تزيد عن 10آالف في البرازيل.
يمكن تلخيص المكونات االساسية للمنشأة بما يلي:
• حوض التخمير (مفاعل الغاز الحيوي) ويمثل النواة
األساسية في المنشأة ويتم تشغيله أغلب األحيان تحت
درجات حرارة ثابتة حيث تقوم البكتريا بعملية تجزيء
المادة العضوية والتي قد تبقى في المخمر لمدة تتراوح بين
35 –10يوم ويتم تغذية جهاز التخمير بشكل مستمر أو
متقطع وغير منتظم.
56
• يمكن بناء هيكل حوض التخمير بشكل افقي أو عمودي
والمواد المستخدمة قد تكون من البيتون كما هو شائع في
المانيا أو من الصفائح الفوالذية بشكل قابل للف كما في
الدنمارك وأحيانا ً من اللدائن .إن عملية التخمير يمكن أن
تكون رطبة أو جافة ،إال أن معظم المنشآت في القطاع
الزراعي تعمل على مبدأ التخمير الرطب.
• مستودع تخزين المواد العفنة والتي ال تستثمر مباشرة.
• حوض االدخال :يفضل أن يكون على اتصال مباشر ما
بين المخمر والمزرعة مثال أو الحظيرة أو حوض تجميع
القمامة.
• أجهزة تفتيت (طحن) المواد العضوية وفرزها وتنقيتها من
العناصر غير المرغوبة.
• مضخات من أجل تغذية وتفريغ جهاز التخمير.
• أنابيب نقل الغاز ،عدادات ،مكثفات ،خزانات وأجهزة وقاية
وحماية وأمان.
• تجهيزات الستخالص المواد الكبريتية مثل كبريتيد
الهيدروجين (.)H2S
• حوض لتخزين الغاز التاتج.
57
• محطة لتوليد التيار الكهربائي والحراري الناتجين عن الغاز
الحيوي.
• محرك احتراق داخلي لتشغيل المحطة.
أحجام المنشآت:
هناك أحجام مختلفة للمنشآت يمكن تقسيمها كمايلي:
• منشآت صغيرة جدا ً باستطاعة أقل من 50كيلو واط.
• منشآت متوسطة باستطاعة بين 50و 150كيلو واط.
• منشآت كبيرة باستطاعة من 150إلى 500كيلو واط.
• منشآت كبيرة جدا ً باستطاعة أكبر من 500كيلو واط.
ولقد لوحظ أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي األكثر انتشارا ً
في القطاع الزراعي حيث تنخفض تكاليف إنشائها مقارنة بالمردود
االقتصادي .إن اقتصادية وتكاليف استثمار توليد الغاز الحيوي (مقاسةً
باالستطاعة الكهربائية أو بحجم المخ ِّ ّمر) تتعلق بعوامل متعددة منها:
• جودة ونوعية المادة المراد تخميرها.
• المجال الحراري المراد التخمير ضمنه.
• درجة جفافية المادة العضوية.
• مقدار الناتج الغازي (االستطاعة الكهربائية والحرارية) من
المادة العضوية.
58
مع ازدياد االستطاعة المراد بلوغها تنخفض التكاليف وتصبح
المنشأة أكثر اقتصادية.
ما يزيد من تكاليف المنشأة هو محاولة أتمتة عملها باضافة
تجهيزات أخرى ،وكما هو معروف أن أجهزة التحكم والقيادة والقياس
وجملة التجهيزات اإللكترونية األخرى ذات أسعار عالية.
الفوائد البيئية واالقتصادية الناتجة عن توليد الغاز الحيوي:
• استعمال الحرارة الناتجة ألغراض التدفئة في المنازل وفي
الزراعات المحمية وبعض عمليات التجفيف الصناعي
والزراعي مثل تجفيف الحبوب ومعالجة الفضالت أو
هدرجة بعض بقايا األطعمة .باإلضافة إلى ذلك فإن جزء
من الحرارة يتم استخدامه لعملية التخمير الالهوائي وذلك
للمحافظة على درجة حرارة التخمير المطلوبة.
• توليد التيار الكهربائي وربطه بالشبكة الكهربائية العامة،
وبذلك يمكن توليد الكهرباء بالدرجة األولى في المناطق
النائية والمزارع البعيدة.
• السماد الناتج عن عملية التخمير الالهوائي يُعتبر سماد ذو
مواصفات ممتازة وقيمة غذائية عالية للتربة .كما يتميز
بتركيب متجانس يسهل استهالكه من قبل النباتات وبخلوه
بنسبة %80من الروائح وعدم جاذبيته للحشرات والذباب.
نتيجة لعمليات التخمير الالهوائية يتم استهالك الكربون
59
واألكسجين والهيدروجين من المخلفات العضوية الطازجة
وتبقى العناصر الغذائية المهمة للنبات مثل البوتاس
والفوسفور والنتروجين كما يتم القضاء أيضا ً على الديدان
الضارة وبذور الحشائش والنباتات المتواجدة عادة في
السماد غير المعالج.
• إن كمية السماد العضوي الناتجة عن عملية التخمير
الالهوائي تعادل نسبة %90من كمية الفضالت العضوية
المقدَّمة إلى حوض التخمير .تلعب نوعية السماد دورا ً هاما ً
في تحسين بنية التربة وينعكس ذلك إيجابا ً على مردودية
اإلنتاج الزراعي والوضع الصحي العام لبرامج تربية
المواشي.
• يمكن استخدام الغاز الحيوي الناتج كالغاز الطبيعي في
تشغيل المواصالت العامة مثالً كما هو الحال في المدن
النمساوية وهذا ما يساهم بقسط كبير في حماية البيئة وذلك
عن طريق منع تسرب غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى
الغالف الجوي وبالتالي التقليل من تضخم ظاهرة البيت
الزجاجي .إال أنه تجدر اإلشارة إلى أن غياب محطات تعبئة
الوقود الغازي تقلل من أهمية استخدام الغاز الحيوي كمواد
لالحتراق.
• إن تقنية إنتاج الغاز الحيوي تتناسب مع الخبرات الفنية
والتقنية ومع الموارد المحلية المتواجدة في البلدان النامية
60
ويمكن استخدامها بتكاليف منخفضة ووسائل تكنولوجية
بسيطة.
• إن بناء وحدات توليد الغاز الحيوي يمكن تكييفها بحسب
احتياجات أي مجتمع (مدينة ،بلدة ،قرية) وبغض النظر عن
درجة تطوره مما يساهم في إدخال الالمركزية إلى سياسة
إدارة المخلفات وعدم وجوب نقلها إلى المطامر والمحارق،
وحيث أن تكلفة التخلص من أطنان القمامة المتزايدة يوما ً
بعد يوم عالية جدا ً ناهيك عن أن المطامر والمكبات
المتواجدة لم تعد قادرة على سد الحاجة كما أن إقامة مطامر
جديدة ليس هو الحل الصحيح باإلضافة إلى االضرار البيئية
الناجمة عن انطالق الغازات السامة (غاز الميتان) بشكل
عشوائي إلى الغالف الجوي لتمارس دورها التخريبي في
المناخ.
• إن التخلص اآلمن من المخلفات الزراعية والمنزلية
باستخدام منشآت الغاز الحيوي يساهم بشكل كبير في حماية
المياه الجوفية من التلوث كما يساهم في تحقيق المساندة
الذاتية للمزارع البيئية التي تسير في طريق التوجه نحو
الزراعات البيئية والحيوية.
• إن إنتاج واستخدام الطاقة الخضراء يساهم بشكل كبير في
حماية البيئة وخاصة الغالف الغازي من التلوث بالغازات
الضارة التي تصدر عن تخمر المواد العضوية بشكل
61
عشوائي ،باالضافة لمساهمته الفعالة في تقوية االقتصاد
الزراعي وتأمين فرص عمل مما سيكون له كبير األثر في
تخفيض الكثافة السكانية في المدن عن طريق توفير فرص
عمل في األرياف ،باالضافة إلى تحسن في الوضع الصحي
العام وخلق حالة من الفهم البيئي في البنية التحتية.
آفاق تطور تكنولوجيا إنتاج الغاز الحيوي والمشاكل الراهنة:
هناك الكثير من األبحاث الجارية لتطوير مردودية منشآت الغاز
الحيوي وإليجاد طرق أكثر اقتصادية لتسريع استخراج الغاز الحيوي
عن طريق تسريع العمليات البيولوجية والتحكم بها وتأمين مردودية
عالية أثناء تفكيك المادة العضوية وتطوير تجهيزات تقنية للتحكم
بعملية تلقيم جهاز التخمير.
هناك بحوث لتطوير أساليب أكثر فاعلية لتنقية وتنظيف الغاز
العضوي بغية الوصول إلى جودة تعادل جودة الغاز الطبيعي وبهذا
يمكن حقنه إلى شبكة الغاز العامة ونقله في نهاية المطاف إلى محطات
توليد الطاقة الكهربائية.
هناك دراسات قائمة أيضا ً بهدف نزع محتوى الغاز العضوي من
مركب كبريتيد الهيدروجين ( )H2Sوالذي يتواجد بمقدار 100ملغ
في المتر المكعب الواحد من الغاز العضوي ،وبالرغم من أن هذه
النسبة ضئيلة إال أنها تتسبب في إحداث أضرار في المنشآة وخاصة
في المحركات والتمديدات المستخدمة.
62
إن إشكالية تقنية تغذية شبكة الغاز الطبيعي بالغاز الحيوي ما تزال
تحتاج إلى المزيد من الدراسات واألبحاث إليجاد الحلول التقنية
العملية وبأسعار مناسبة وكذلك إليجاد الحلول واللوائح القانونية التي
تضبط هذه العملية.
ما زال هناك نقص في الدراسات المتعلقة باستعمال الغاز الحيوي
كوقود للمواصالت وفي المخططات الهادفة إلى االستثمار األمثل
للطاقة الحرارية الناجمة عن تفاعالت المادة العضوية ،حيث أن
الحرارة تصل إلى حوالي 90درجة مئوية.
وكنقطة انطالق من أجل تطبيق واستخدام تقنية إنتاج الطاقة
الناجمة عن تخمير المخلفات العضوية في الريف العربي ال بد من
إجراء بعض الدرلسات األولية والحصول على المعلومات التالية:
كمية المخلفات العضوية اليومية ،أماكن تواجدها ،صالحيتها
للمعالجة واالستثمار ،إمكانية جمع ونقل وفصل المخلفات الموجودة،
اللوائح القانونية التي تضبط المخلفات ،إمكانية تسويق الطاقة الناتجة،
طرق تخطيط المنشآت ،إمكانية الدعم المادي لتأسيس هذه المنشآت.
إن دمج مبادرات القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني في
تخطيط إدارة المخلفات على مستوى المدن واألرياف هو البداية
الصحيحة لحل مشكالت المخلفات التي تتزايد حجومها مهددة بوقوع
كوارث بشرية وبيئية .كما إن المبادرة لتشجيع إنشاء جمعيات أهلية
محلية إلدارة وفرز المخلفات المنزلية هو عمل ذو قيمة بيئية ،حيث
من المفترض أن تعمل هذه الجمعيات على االرتقاء بثقافة المواطن
63
البيئية وحث المواطنين ومساعدتهم وتشجيعهم على المحافظة على
نظافة بيئتهم وفصل المخلفات المنزلية اليومية ألجل معالجتها
واستثمارها أو لهدف إعادة تصنيعها من جديد.
***
64
الجامعات واإليكوتكنوإيديولوجيا
69
والشيء ذاته ينطبق على الجامعات بصفتها مراكز علم وتعليم
وأبحاث وتقديم خدمات ،لذا يتوجب على الجامعات إبداع أنظمتها
وضوابطها وقوانينها الخاصة واتخاذ اإلجراءات األولية واعتماد
الطرق المنهجية والخطط النموذجية التي تقودها في نهاية المطاف
إلى تحقيق التنمية المستدامة وتمكنها من مساعدة المجتمع من أجل
تطبيق مبدأ االستدامة في كافة المجاالت الحياتية بهدف القضاء على
الفقر ومكافحة البطالة وحماية المصادر الطبيعية وتأمين حياة أفضل
ألجيال اليوم والمستقبل.
يجب علينا في جامعاتنا أن نلحق بالمقاييس المعترف بها عالميا ً
بغية تحقيق بعض الخطوات السريعة في مجال التعليم حول وألجل
التنمية عميقة األثر.
تنحصر مهمة التعليم حول التنمية المستدامة بتقديم وتوسيط جملة
المعارف والمبادئ واألساسيات اإليكوتكنولوجية وتدريس فلسفة
التنمية بمعانيها األخالقية والتربوية.
أما التعليم ألجل التنمية المستدامة فهو يعني الدور الفعّال للتعليم
والتدريب أتناء تطبيق أفكار التنمية المستدامة من أجل حل المشاكل
العالمية المتمثلة بكوارث التغير المناخي والتأثيرات البيئية للمواد
الكيميائية والمواد الخطرة وكذلك مشاكل ضياع التنوع البيولوجي
الحيوي ومشاكل التصحر وتخريب الغطاء النباتي والغابي ومشاكل
تلوث مياه الشرب وقلتها ومشاكل البيئة البحرية وكذلك مآسي الفقر
والبطالة.
70
بقي أن نقول بأن المجال البيئي يمثل فقط إحدى المركبات الهامة
لمخطط التعليم ألجل التطوير المستديم وليس حجر الزاوية وينبغي
صصات أال يتم فهم هذا النوع من التوجه بأنه فقط دعوة إلى زيادة التخ ّ
البيئية في الكليات العلمية وكليات العلوم اإلنسانية وخلق ما يسمى
بالجامعة البيئوية بل تمتد هذه االستراتيجية لتشمل كافة اآلفاق.
هذا وفي الوقت الذي تسود بلدان العالم المتقدمة أفكار التعليم
ألغراض التنمية المستدامة علينا البدء في جامعاتنا بالتعليم حولها على
األقل.
ولكي تستطيع الجامعات تبني المسؤولية القيادية المجتمعية
التعليمية وتقديم مساهمتها في بناء وإنتاج نظرية دياليكتيكية
إيكوتكنولوجيَة قادرة على محاكاة متطلبات المرحلة العالمية الجديدة،
يتوجب على كوادرها العاملة في حرمها وتلك التي تم تخريجها للعمل
في المؤسسات المجتمعية أن تعمل بشكل منظم وهادف من خالل:
-الدعوة إلى حرية التفكير العلمي واستقاللية التعليم الجامعي
وإبعاده عن الشهوات السياسية.
-تشكيل جمعيات وطنية إلحياء التعليم العالي والتراث العلمي
التقني وإغناء اللغة العلمية العربية وخاصة في المجال
التكنولوجي وتشجيع الترجمة العلمية وإغناء المكتبة العربية
بكافة العلوم ونشر نتاج البحث العلمي.
71
-االشتراك الفعَال بالنشاطات والمؤتمرات العلمية والبيئية
العربية والعالمية وعقد مؤتمرات دورية محلياً.
-تنظيم ندوات دورية ودورات تأهيلية وأكاديمية بغاية رفع
الحس األخالقي البيئي وتحريض المسؤولية ألجل حماية
البيئة وتوسيط الوسائل المساعدة لفهم ماهية القضية
اإليكولوجية وارتباطها الجدلي واللغوي باالقتصاد.
-تنظيم محاضرات دورية تهتم باألخالق والفلسفة البيئية
وكذلك باألدب البيئي بما فيه القصة والشعر.
-تطوير برامج تأهيل بيئي للشركات واإلعالم والسلطات
اإلدارية والمنظمات غير الحكومية.
-االهتمام الفعلي بالباحث والبحث العلمي داخليا ً وتقديم الدعم
المادي لبناء واقتناء تجهيزات تقنية تتناسب والمبادرة
لإلتيان بأبحاث ذات تأثير ارتجاعي على المجتمع واإلنسان.
-دفع وسائط اإلعالم في اتجاه تحويل العلم وأبحاثه ونتائجه
لتصبح جزءا ً ال يتجزأ من ثقافة المجتمع.
-تدعيم المجالت العلمية المتواجدة رغم ندرتها والمساعدة
على تنوعها كما ً وكيفاً.
-إعادة بناء محتوى المناهج الجامعية وإنشاء بنوك معطيات
علمية واالهتمام بتدريس تاريخ العلم وفلسفته وترقية
البرامج االمتحانية واإلدارية وتقليص عدد الفصول
72
الدراسية وتكثيفها وإغنائها بالمشوقات العلمية بهدف التناغم
مع البرامج التعليمية العالمية وتتويج الدراسة النظرية
بالتدريب العملي لمدة ثالثة أشهر بالحد األدنى وخاصة في
الدراسات التقنية ومن ثم كتابة وتقديم مشروع نظري أو
عملي بمحتوى علمي ق َيم كشرط ضروري إلنهاء الدراسة
بنجاح.
-الدعم السياسي واالقتصادي والقانوني من أجل تطبيق نتائج
البحث العلمي إذا ثبتت جدواها وألجل رفع سوية القبول
االجتماعي العام ألهداف التنمية المستدامة وألجل أمثلة
وتحسين التأثير المتبادل والشراكة بين الجامعات
والقطاعات المجتمعية األخرى.
-بناء جامعات إضافية وتعميق وتنويع االختصاصات في
الكليات واألقسام وتطوير مواد علمية جديدة اختيارية قوامها
فكر التنمية المستديمة وخلق حالة من التوأمة مع بعض
الجامعات األوروبية ذائعة الصيت.
***
73
ر
العاىل يف ألمانيا
ي حول التعليم
81
في البدايات كانت الجامعات التقنيّة والمعاهد العالية التقنيّة تقتصر
التطور
ّ على تدريس االختصاصات والموا ّد التقنيّة ،ول ّما واكب ِّ
ت
والتقدّم شملت كافّة االختصاصات مع حفاظها على كونها تقنيّة،
ويمكن أن نجد عروضا ً دراسيّةً لدراسة العلوم األدبيّة في هذه
الجامعات التقنيّة شريطة أن تعمل هذه الكليّات بالتناغم والتوافق التقني
السائد أي أنّه ينبغي على الكليّات التي أعلنت انضمامها أن تعلن أيضا ً
احترامها االختصاصي التاريخي السائد وتعلن استعدادها للمشاركة
والتقاطع واالنسجام مع التو ّجه التقني.
عرفت باسم للتطور نشأت جامعات جديدة نسبيّا ً ُّ وكنتيجة حتميّة
الجامعات المشتركة كما هي مثال جامعة /دويسبورغ -إيسن /وهذا
ي جاء ليؤدّي أهدافا ً مختلفة ،منها تغطيّة النقص في الكادرالتو ّجه العلم ّ
ي والذي سيؤ ّهل الجامعة للمنافسة ،ولوقوع كال الجامعتين على العلم ّ
خط سفر واحد يفصل بينهما مدّة ال تتجاوز 15دقيقة ،كما كان لهذا ّ
االتّحاد أسبابه االقتصاديّة أيضاً.
أ ّما الدراسة في المعاهد االختصاصيّة العالية فال زالت حتّى اليوم
غير واضحة المعالم لدى الطلبة األجانب والذين يعلمون فقط عن
أن هذا االتجاه الدراسي والذي هو الجامعات والجامعات التقنيّة ،ذلك ّ
ث نسبيّاً،
عمر حدي ٍ ٍ تجربة وخصوصيّة ألمانيّة في التعليم العالي ذو
هذه الخصوصيّة كانت ثمرة النقاشات العلميّة والسياسيّة التي جرت
آواخر الستينيات ،فكان إنشاؤها خطوة ً وضرورة ً ال ب َّد منها ليتم ّكن
االقتصاد األلماني من المنافسة في السوق العالميّة.
82
ي ـ ومايزال ـ عن حاجته للرفد وكان قد أعلن االقتصاد المعمل ّ
المستمر بالمتخرجين والمهيّئين علميّا وعمليّا ً والقادرين على ح ّل
ِّ ّ
معارف أكاديميّةٍ .بموجب
َ المشاكل المصنعيّة بنجاحٍ وسرع ٍة بنا ًء على
قانون التعليم العالي في ألمانيا عام 1976ت ّم ترقية هذه المعاهد
االختصاصيّة العالية إلى مستوى الجامعات من الناحية اإلداريّة كما
ي والتعليم.
ضمن استقالليّة هذه المعاهد ،ومنحها حريّة البحث العلم ّ
يوجد اليوم حوالى 150معهد عال لالختصاص باإلضافة إلى
خاص باعتراف حكومي.
ّ حوالى 30معهد
حوالى أكثر من 485000طالب وطالبة بينهم أكثر من 30000
من الطالب األجانب يدرسون في هذه المعاهد االختصاصيّة دراسا ٍ
ت
مختلفةً تبدأ بالعلوم الهندسيّة وال تنتهي بالعلوم السياحيّة والفندقيّة.
الشهادة األكاديميّة التي يحصل عليها الطالب بعد دراسة ناجحة مدّة
سبعة أو ثمانية فصول دراسيّة هي شهادة الديبلوم األلماني من الدرجة
الثانية .
أكثر من ربع الطالّب المبتدئين في الدراسة العليا يختارون الدراسة
في المعاهد االختصاصيّة العالية حتّى أنّنا نجد أكثر من الثلث من
خريجي هذه المعاهد العالية ،وفيحملة الشهادات في ألمانيا هم من ّ
بعض االختصاصات كما هو الحال في المهن الهندسيّة ّ
فإن أكثر من
المتخرجين كانوا أنهوا دراستهم في هذه المعاهد.
ّ نصف عدد
إن ما يعطي المعاهد االختصاصيّة العليا جاذبيتها هو ضمان ّ
الوصول السريع نسبيّا ً بخبرات عمليّة عالية المستوى إلى مواقع العمل
83
سساته ،باإلضافة إلى تعميق الخبرات في االقتصاد الصناعي بشتّى مؤ ّ
العمليّة أثناء الدراسة هناك أيضا إيجابيّات أخرى للدراسة كالتعلّم في
مجموعات صغيرة نسبيّاً ،كما أن النظام االمتحاني هو نظا ٌم مراف ٌق
للدراسة ،والمواد التدريسيّة بح ّد ذاتها مهيّأة ٌ بالضروريات األساسيّة
ي ،ولكن هذا ال يعني في حال من األحوال التخلّي لممارسة العمل المهن ّ
صل إليه علميّا ً على صعي َدي عن الدقّة العلميّة ومتابعة آخر ما ت ّم التو ّ
النظريّة والتطبيق ،هذه األسباب مجتمعة تساهم بتقليص مدّة الدراسة
مقارنة مع الدراسة األكاديميّة في الجامعات وفي االختصاص ذاته،
بدور
ٍ بجانب العمليّة التدريسيّة تساهم المعاهد االختصاصيّة العالية
ي المو ّجه مهنيا ً وتطبيقيّا ًوبما يتناسب كبير في عمليّة البحث العلم ّ ٍ
واالحتياجات المصنعيّة.
التخرج في هذه المعاهد االختصاصيّة هي في أغلب ّ مشاريع
ي المعهد وخبراء األحيان حصيلة إشراف مشترك بين أكاديمي ّ
مباشر في تطوير منتجٍ ما
ٌ الصناعة حيث أن ك ّل مشروع هو إسها ٌم
أو ح ٍّل جزئ ّ
ي لمشكلة اقتصاديّة أو صناعيّة أو إداريّة.
ي مع جامعات تطرح هذه المعاهد أشكاالً متعدّدة للتعاون العلم ّ
البلدان األخرى باإلضافة إلى تبادل الخبرات والطالّب ،الطالب يملك
الخيار والفرصة للدراسة م ّدة َ فص ٍل أو إثنين في جامعة دولة أخرى
مثالً فرنسا ،وبالتالي يحصل على ما يس ّمى شهادة الديبلوم المضاعف
أن هذه المعاهد هي أو وثيقة إضافيّة معت َرف بها في كال البلدين ،رغم ّ
العمود الحامل لهيكليّة التعليم العالي في ألـمانيا إالّ ّ
أن المت ّخرجين ال
84
الحق في الوصول مباشرة إلى دراسة الدكتوراه وعليهم بغية ّ يملكون
ذلك أن يدرسوا ثانية في الجامعة األلمانيّة ولمدّة أقلّها أربعة فصول
معارف نظريّ ٍة تؤ ّهلهم للبدء بالبحث
َ دراسيّة يستكملون ما ينقصهم من
ي.
العلم ّ
أخيرا ً آمل أن تُسهم هذه الشروحات المختصرة حول بعض قضايا
التعليم العالي في ألـمانيا في السعي لنعيد النظر وبإمعان بمستقبلنا
ي
ي .ولنتو ّجه نحو جامعاتنا ومعاهدنا إلنقاذها من الضعف العلم ّ العلم ّ
ي والتعليم
واإلداري الذي يعتريها والتركيز على أهميّة البحث العلم ّ
ي والفهم الصحيح العالي لنتم ّكن بواسطتهما من االرتقاء العلم ّ
والتعامل المنطقي مع الثورة العلميّة العالميّة ومنجزاتها ولنتم ّكن من
فهم الفلسفة السياسيّة االقتصاديّة االجتماعيّة التربويّة الكامنة وراءها.
كما آمل أنّي استطعت ـ بما تقدّم حول التعليم العالي في ألـمانياـ
المحاور الها ّمة في عمليّة العلم والتعلّم والتي
ِّ توضي َح وإن جزئيّا ً بعض
يمكن تلخيصها وفق التالي:
التطور اإلداري الهائل للعمليّة العلميّة في ألـمانيا من
ّ • إبراز
ي االقتصادي السياسي. خالل التناغم العلم ّ
• إبراز أوجه التنسيق الداخلي ضمن الجامعة الواحدة.
• إبراز أهميّة عالقة الجامعة والمعهد العالي كمركز للعلم
ي بالمجتمع ،وهو يعني بشك ٍل ما ربط الجامعة
والبحث العلم ّ
بالمجتمع.
85
صة واإلقالل من أهميّة التعليم • انخفاض عدد الجامعات الخا ّ
الخاص والذي ال يمكن مقارنته بالتعليم العا ّم والمدعومّ
مباشرة ً من المؤ ّ
سسات الحكوميّة .
• إعطاء فكرة أولية حول تكاليف الدراسة واالختصاص
وكذلك تكاليف العيش في ألـمانيا .
• إعطاء معلومات وتوضيح قضايا إداريّة للطالّب القادمين
للدراسة في الجامعات األلمانيّة ّمما قد يخفّف عنهم وطأة
االرتباك والقلق المتزامن مع الدخول في تجربة جديدة
ومختلفة بمعايير عدّة.
***
86
ر
الهندس يف العولمة
ي عالمية التأهيل
أدت عولمة العمليات االقتصادية بما ال مجال للشك فيه إلى ظهور
مواطن الضعف في الكثير من المؤسسات ومن أبرز الميادين التي
تتأثر مباشرة بالعولمة – باعتبارها اليوم حقيقة وحتمية اقتصادية
وتكنولوجية يجب عدم إنكارها أو تجاهلها – هو ميدان التعليم العالي
ومن ضمنه موضوعة التأهيل الهندسي في الجامعات والمعاهد
االختصاصية العليا وذلك نظرا ً الرتباط العولمة بشكل وثيق مع
التطور التقني الذي هو أحد بواعث وركائز العولمة.
فبعد عولمة العمليات االقتصادية وتحول المجتمع الصناعي إلى
مجتمع تقديم وبيع للخدمات والمعارف واألفكار تجري اليوم عولمة
العمليات العلمية ،عولمة النظام العلمي ،عولمة سوق التعليم ،وتزداد
بالتالي االنعكاسات السلبية واإليجابية على النظام التعليمي الجامعي
وما قبل الجامعي.
يتم التحدث في هذه المرحلة عن سوق التعليم العالي ،عن زبائن
التعليم العالي وعن منتجات التعليم العالي وعن قوانين العرض
للبرامج العلمية والطلب عليها .فالطالب (الزبون) يبحث اليوم عن
منتج (برنامج علمي مميز) ضمن السوق العلمي العالمي .في عصر
87
العولمة تزداد أهمية التسلح العلمي وتحصين المؤسسة التعليمية
واعتماد المنهج العلمي كأسلوب لإلدارة والتخطيط وعليه يزداد
احترام البلدان المتقدمة وتلك الراغبة بحجز موقع متقدم لها على
خارطة العالم للعلم والعلماء وللتكنولوجيا واالتصاالت ويزداد بالتالي
حجم اإلنفاق لدعم البحث العلمي ومراكزه واحتياجاته ومن أجل تجديد
هيكلة المؤسسات العلمية .
إن المستوى الحياتي وجودته في ألمانيا والنجاح الهائل الذي تحققه
الصناعة األلمانية يعود في القسم األكبر منه إلى المستوى العالي
للمهندسين وإلى الهندسات الحدثية وانتشارها الواسع واستخدام
نتاجاتها من قبل الجميع .إن قدرة االقتصاد األلماني على البقاء مستقبالً
في حلبة التنافس العالمي والمحافظة على موقعه يمكن ضمانها فقط
إذا مااستطاعت ألمانيا بمراكز بحثها وجامعاتها وصناعاتها أن تحافظ
على موقعها المتميز علميا ً وعلى األخص في مجال التأهيل الهندسي
العام والبيئي على وجه الخصوص باعتباره المحرك الجوهري
للتطور االقتصادي في ألمانيا .
لقد حقق التأهيل الهندسي صيتا ً جيدا ً وموقعا ً متقدما ً على مستوى
العالم بالمقارنة مع جامعات وبرامج أخرى ،بشكل خاص في الدوائر
والمؤتمرات االختصاصية يتم تكريم المستوي االختصاصي العالي
والجودة العالية للتعليم الهندسي في ألمانيا ولطبيعة العالقة المتبادلة
بين الصناعة والجامعة .وألن متطلبات الصناعة واألسواق تتغير مع
عصر العولمة بدأت المهام الملقاة على عاتق مهندسي المستقبل بالتغير
88
أيضا وعلى التوازي من ذلك بدأت أيضا ً شروط تأهيل المهندس
بالتغير .الصناعة وأسواق العمل تضع قيمة كبيرة اليوم على مدى
وجود قوى عمل أخصائية هندسية وقيادية بتوجهات عالمية وإشباع
ثقافي متنوع وعلى مدى إتقان المهندس للمعارف االجتماعية
وللمهارات المنهجية وليس فقط إتقانه للمعارف االختصاصية الهندسية
عن طريق التأهيل الجامعي الكالسيكي والتي لم تعد كافية اليوم ـ رغم
أهميتها ـ لتلبية وتغطية متطلبات سوق العمل العالمي والحاجة إلدارة
خطوط العمل الحديثة في المجال الصناعي .إلى جانب إتقان القواعد
األساسية العلمية والتحقق التجريبي في المجال التطبيقي وإدراك
العالقة بين الحلول والبيئة االفتراضية متعددة الوسائط يجب على
المهندس التحلي ببعض إن لم يكن كل الصفات التالية:
• أن يمتلك اإلرادة للتأقلم واالنسجام واالتصال والتواصل مع
اآلخرين وكذلك القدرة على العمل الجماعي واحترام العمل
ضمن فريق واالستعدادية للعمل المشترك مع الشركاء في
المحيط العالمي خارج الحدود الثقافية والحضارية
والسياسية التي يعيش بها وإدراك الفوارق الحضارية
الثقافية بين أقاليم العالم .
• إتقان استخدام تكنولوجيا االتصاالت والمعلومات الحديثة
واالستخدام الماهر للشبكات المعلوماتية الممتدة عبر أنحاء
العالم كوسائل ذكية مساندة لعمل المهندس اليومي.
89
• القدرة على التركيب والتحليل والقدرة على اإلدارة الذاتية
والزمنية والتخطيط لمدى طويل.
• معارف لغوية باإلضافة إلى القدرة على التكلم والكتابة
باللغة األم.
• قدرة على البحث العلمي وحل المشاكل العلمية وتطبيق
المعارف المكتسبة في المجال العملي.
• كفاءات قيادية وقدرات اتخاذ القرارات الصائبة وتنفيذ
المشاريع بنجاح وإيصالها إلى بر األمان ودراسة ومراقبة
وضبط النتائج بشكل دقيق.
• االستعداد للمبادرة والتحلي بروح رجال األعمال .
• الوعي بأهمية الجودة الشاملة.
• الروح اإلبداعية واالستعدادية للتعلم من جديد وإرادة دائمة
بالنجاح.
في زمن العولمة "عولمة األسواق" في زمن التطور السريع
لتكنولوجيا االتصاالت والمعلومات يصبح الشعار ( think global
)and act localجزءا مهما ً من الفلسفة الحياتية للمهندس .يتغير
المكان الجغرافي التقليدي لعمل المهندس والذي كان في الماضي أشبه
بمخبر الخبير المغلق ليصبح اليوم قادرا ً وعبر استثمار إمكانيات
المولتي ميديا من االتصال مع شركائه منجزا ً أعماله بشكل خالب من
أمكنة تواجده وضمن فرق عمل موزعة في أنحاء العالم .وهكذا فإن
المهندس يقف في الواقع العملي أمام جملة من التحديات الحضارية
90
والثقافية والتي ال يمكن تغطيتها إال من خالل إعادة هيكلية التأهيل
الهندسي التقليدي الشيء الذي يجب أال يتم في مكاتب مغلقة بل
بإشراك الطلبة والمدرسين وخبراء الصناعة.
هذه التحديات جعلت الجامعة األلمانية تبدأ التفكير جديا ً بإعادة
جزئية لهيكلة التعليم العالي وبصورة خاصة التأهيل الهندسي بهدف
أن تصبح الجامعة األلمانية أكثر جاذبية للطالب األجنبي والقادم من
البلدان المتميزة بديناميكيتها االقتصادية .وذلك بغية الدراسة
والتخصص ثم العودة إلى بالده ليتمكن من العمل في الشركات
األلمانية خارج ألمانيا .من األسباب الرئيسة التي جعلت الجامعة
األلمانية في الماضي غير مرغوبة من قبل الطلبة األجانب الذين
استطاعوا خالل دراستهم إتقان اللغة اإلنكليزية ليختاروا عوضا ً عنها
جامعات بحسب الطراز اإلنغلوساكسوني هو قلة البرامج التعليمية
باللغة اإلنكليزية وألن األلقاب العلمية الممنوحة من قبل الجامعات
األلمانية غير مفهومة بالشكل الصحيح في الكثير من أنحاء العالم نظرا ً
لخصوصية التجربة العلمية والتعليمية في ألمانيا.
وألن الشركات الصناعية تحتاج أكثر من ما مضى إلى مهندسين
متقنين للغات األجنبية وعلى رأسها اللغة اإلنكليزية لذا فإن الجامعات
تمهد الطريق أمام طلبتها وذلك بتقديم عروض ومحاضرات بل برامج
تعليمية جديدة ناطقة باللغة اإلنكليزية بشكل كامل .وهذه البرامج
تتضمن قضاء فصل أو فصلين دراسيين في جامعات وبلدان أجنبية
أخرى وبهذا يتمكن الطالب بدون إضاعة لوقت الدراسة النظامية من
91
اكتساب الخبرة في التعامل االجتماعي والثقافي مع دوائر حضارية
أخرى وممارسة تجربة العمل الجماعي المشترك مع طلبة ومدرسين
بمنظومة ثقافية وفكرية مختلفة عن منظومته وفي الوقت نفسه تعميق
معرفته باللغة األجنبية ،وبهذا وذاك يكون الطالب أكثر استعدادا ً
وتجهيزا ً للعمل الحقا ً في بالد أخرى غير بالده األم .
في بعض الجامعات األلمانية والتي استلمت الدور القيادي في
طريق االنتقال إلى مجتمع العولمة مع المحافظة على جودة العلم
والتعليم والتعاون العلمي ضمن كليات الجامعة الواحدة وفيما بين
الجامعات على امتداد األرض األلمانية أصبحت هذه التوجهات حقيقة
ملموسة وفي بعضها اآلخر ما زالت في طور التردد رغم وعيها
ألهمية هذه التوجهات .المحللون المهتمون في إعادة بناء أنظمة التعليم
ما زالوا متفائلين ألنهم يثقون بالقدرات والكفاءات التجديدية للجامعات
األلمانية وفي قوة وأهمية سوق التعليم المتنامية.
استطاعت الجامعات األلمانية إيجاد الحل الصحيح لألزمة
الكالسيكية القائمة في أنظمة التعليم الهندسي على مستوى العالم
والمتمثلة بالصراع بين التوجه النظري الصرف للدراسة الهندسية كما
هو الحال في الجامعات الفرنسية والتوجه التطبيقي كما هو سائد في
الجامعات اإلنغلوساكسونية ومدى أولوية إحداهما على اآلخر.
تمحورت االستراتيجية التي تبنتها الجامعات في ألمانيا والتي القت
التأييد والدعم المادي من قبل الجانب الصناعي حول التشاركية
92
التوافقية المحققة للتوازن بين األسس النظرية واألسس ذات التوجه
التطبيقي.
تم اليوم في الجامعات األلمانية بقرار من وزارة التعليم العالي وبعد
مشاورات واجتماعات موسعة مع الرابطة األلمانية لهندسة بناء
اآلالت والمنشآت اآللية وكذلك مع الرابطة األلمانية للهندسة
الكهربائية وصناعة األلكترونيات اعتماد أكثر من 400برنامج
تعليمي جامعي جديد موجه عالميا ً وخاصة في مجاالت هندسية
واقتصادية وقانونية ،وبمساهمة من جميع المشاركين تم تطوير
المتدرج
ّ وبلورة مقترحات لضمان الجودة المتكاملة للتأهيل الهندسي
والتي تضمن إدخال البرامج والهياكل التعليمية الجديدة إلى الجامعات
بسرعة وبتكاليف مناسبة وتعتمد هذه البرامج نظام االمتحان المرافق
للدراسة ونظام تنويط االستطاعات الدراسية ويتم في هذه البرامج
كدرجة علمية منح شهادات البكالوريوس والماجستير ودرجة
الدكتوراه
) BSc ( Bachelor of Science
) MSc (Master of Science
PhD
للدراسة العلمية المعمقة نظريا ً والمؤهلة لمتابعة البحث العلمي
وكذلك شهادات
)BEng (Bachelor of Engineering
93
)MEng (Masterof Engineering
للدراسة العملياتية المعمقة تطبيقيا ً والمؤهلة للعمل مباشرة ً في
القطاع االقتصادي الصناعي .تبلغ مدة الدراسة النظامية لبرنامج
البكالوريوس سبعة فصول (ستة فصول للدراسة النظرية والمرتبطة
بمشاريع جزئية والفصل السابع واألخير من أجل التقدم بمشروع
التخرج والذي يجب أن يكون بمستوى علمي جيد) ولبرنامج
الماجستير أربعة فصول (ثالثة منها للدراسة النظرية والفصل الرابع
واألخير من أجل التقدم بمشروع التخرج ضمن المعهد المراد
التخصص فيه أو في إحدى الشركات الهندسية وإشراف علمي من
المعهد الجامعي) وخالل دراسة الماجستير هذه يستطيع الطالب
الراغب بإنجاز أحد الفصول الدراسية في جامعة أخرى في بلد آخر.
شهادة الماجستير التي يتم منحها بعد الدراسة الناجحة تعادل شهادة
الدبلوم األلماني والذي تستغرق دراسته النظامية عشرة فصول .بقي
أن ننوه بأن المواد العلمية التي يقدمها برنامج الماجستير هي مجموعة
مواد مترابطة فيما بينها بشكل وثيق جدا ً من ناحية المحتوى العلمي
لتشكل في النهاية االختصاص المطلوب .يستطيع الطالب على سبيل
المثال ضمن اختصاص هندسة التصميم دراسة المجموعة التالية:
(االقتصاد الصناعي ،الرياضيات العالية ،فلسفة التصميم
واإلنتاج ،التصميم بواسطة الحاسب ،تخطيط اإلنتاج باستخدام
الحاسب ،مواد التصميم المعدنية والالمعدنية ،التصنيع بواسطة
الحاسب ،نمذجة ومحاكاة العمليات اإلنتاجية ،ضمان الجودة الشاملة،
94
استراتيجيات تطوير المنتج ،التصميم واإلنتاج بمراعاة التكاليف،
التصميم والتصنيع بمراعاة الشروط البيئية).
تعول الجامعات كثيرا ً على التعلم ضمن مجموعات مؤلفة من
ثمانية طالب وذلك لحل مشاريع صناعية جزئية تتطور بدءا ً من
الفصل األول لتعطي نتائجها في نهاية الفصل الرابع متجسدة ً بمشروع
صناعي متكامل .يتناقص عدد طالب المجموعة ليصبح بدءا ً من
الفصل الخامس مؤلفا ً من أربعة طالب والذين يبدوؤن بمعالجة مشاكل
هندسية تقنية أكثر تفرعا ً وعمقا ً وتطوير استراتيجيات لحلها وهذا ما
يسمى بالدراسة الهندسية الموجهة حسب المشاريع.
في الفصول الدراسية األربعة األولى في عملية تأهيل المهندس
يتلقى الطالب وبشكل مكثف أساسيات العلوم الفيزيائية والرياضياتية
والكيميائية وبجانب ذلك عموميات األسس الهندسية التقنية .في
الفصلين الخامس والسادس يبدأ الطالب بتجميع مهارات هندسية
كمرحلة فاصلة واصلة بين الفصول األربعة األولى والفصول األربعة
اآلخيرة حيث تبدأ عملية تحضير واستيعاب العلوم الهندسية
االختصاصية الموجهة تطبيقيا ً والمتمثلة بالمشاريع التطبيقية وزيارة
الوحدات المصنعية واستخدام البرمجيات العالية واختيار المواد
الهندسية التي يجد فيها الطالب رغبته وتوجهه وأحالمه الهندسية
المستقبلية وحيث أنه هناك فضاء واسع جدا ً لإلنتقاء .فعلى سبيل المثال
وفي الجامعة األلمانية التقنية في درسدن وفي كلية الهندسة الميكانيكية
بالتحديد يجد الطالب اإلختصاصات التالية:
95
(هندسة األتمتة ،هندسة القياس ،هندسة اقتصاد المصانع ،األمن
الصناعي ،هندسة السيارات ،هندسة اآلالت وعناصرها ،هندسة
عناصر وأنظمة التحريك ،هندسة التصميم باستخدام الحاسب وتطوير
المنتج ،الهندسة الهيدروليكية ،هندسة آالت البناء ،هندسة الرفع
والنقل ،هندسة اآلالت الزراعية ،هندسة آالت التعبئة والتغليف،
هندسة اللدائن والتصاميم الخفيفة ،هندسة الميكانيك التطبيقي ،الهندسة
البيئية ،هندسة التشكيل وآالته ،هندسة التشغيل وآالته ،هندسة معالجة
السطوح ،هندسة الربط ،هندسة القطارات ،هندسة الطائرات
والمركبات الفضائية ،هندسة محركات االحتراق ،هندسة الورق
وآالته ،هندسة األخشاب وآالته ،هندسة المواد الغذائية ،هندسة
األساليب الحيوية ،هندسة النسيج ولملبوسات الجاهزة ،هندسة التدفئة
والتكييف والصرف الصحي ،هندسة المعالجات الحرارية والكيميائية
والميكانيكية ،هندسة المواد المعدنية والسيراميكية والزجاجية).
يواجه الطالب من بلدان العالم الثالث عموما ً مشكلة مضاعفة عند
دخوله ألمانيا للدراسة االختصاصية .األولى تكمن عند دخوله الجامعة
األلمانية وبيده شهادته الممنوحة له باسم بكالوريوس حيث يتم
االعتراف على هذه الشهادة التي حصل عليها من جامعات بلده بنسبة
ال تتجاوز %45وهكذا يجد الطالب نفسه في البداية مرغما ً على
دراسة خمسة أو ستة فصول دراسية واجتيازها بنجاح كي يمتلك الحق
بمتابعة الدراسة التخصصية ،مع العلم بأن المدة النظامية للدراسة
الهندسية في الجامعة األلمانية ال تتجاوز إحدى عشر فصالً والتي
بموجبها يتم تأهيل الطالب المتخرج لمتابعة دراسة الدكتوراه وهي
96
المدة عينها التي يمضيها الطالب في جامعته ليحصل في النهاية على
شهادة البكالوريوس ومن بعد ذلك يتوجب على المتخرج في حالة
توافر الرغبة واالجتهاد دراسة أخرى مدتها فصلين ليحصل بموجبهما
على شهادة دبلوم ومن ثم خمسة فصول دراسية أخرى كحد أدنى
ليحصل بعد ذلك على شهادة الماجستير ليتمكن بواسطتها من التسجيل
كطالب دكتوراه ،أي أن الطالب الدارس للهندسة من بلدان العالم الثالث
يحتاج كحد أدنى إلى حوالي ثمانية عشر فصالً دراسيا ً ليتمكن من
التسجيل في الجامعة األلمانية كطالب دكتوراه في الوقت الذي يحتاج
فيه الطالب األلماني إلى عشرة فصول دراسية فقط للدخول إلى عالم
البحث العلمي بهدف تتويج مرحلة بحثه والتي تستمر بالحد األدنى
مدة ثالت سنوات باللقب العلمي دكتور مهندس ،أما المشكلة الثانية
التي تعترض الطالب القادم من بلدان العالم الثالث فتتمثل بالصعوبات
التي تواجهه في وطنه أثناء تعديل الشهادة التي يكون قد حصل عليها
في الجامعة األلمانية والتي تتفوق بمستواها العلمي واإلداري
والتنظيمي على الجامعة في وطنه بمرة واحدة على األقل.
إن من بعض األولويات الضرورية التي يجب مراعاتها في
السياسة الجامعية من أجل قدرتها على االستمرار في وجه التحديات
العولمية هي:
• التحريك التفعيلي في سوق العلم العالمي من خالل هدم كل
العوائق للتبادل الحر للخدمات العلمية وذلك ببناء طرق
االتصال الحركي بشقيها الواقعي واالفتراضي والمتمثل
97
ببناء وتقوية االتصاالت وجسور المعلومات الحديثة وتهيئة
المواطن لقبول التحديات العولمية واستثمار إمكانياتها
اإليجابية.
• إدخال هياكل تنظيمية وقيادية ومناهج تعليمية موجهة حسب
احتياجات سوق التعليم.
• معاملة الطلبة كزبائن شريطة أن يتلقون خدمات جامعية
ذات جودة علمية عالية تتناسب مع ما يدفعه الطلبة الزبائن.
• في الطريق إلى تحقيق عالمية البرامج الدراسية ينبغي تبني
االستراتيجية التي تطرح شعار االحتفاظ بما أثبت جدارته
خالل المسيرة التعليمية وإضافة ما هو جديد وإيجابي
وبشكل تدريجي.
• إنقاص درجة التعقيد التنظيمية.
• اإلبقاء على أهداف الجودة الشاملة.
• تقوية روح العمل الجماعي ضمن فروع الجامعة الواحدة.
• يجب على الجامعات تقديم عروضها (منتجاتها) العلمية
بشكل موجه عالميا ً وبحسب الطلب العالمي.
• بناء استراتيجيات وأدوات تسويقية متماسكة بغية الدعاية
الواسعة للبرامج العلمية المطروحة في سوق العلم والتعليم
وبالتالي اكتساب الطلبة المناسبين لبرامج الجامعات.
98
• أنظمة التعليم الهندسية الوطنية ينبغي أن تنسجم مع أنظمة
التعليم والمعايير العالمية وأن تتوافق معها ضمن تأثير
متبادل.
• إضافةً إلى ذلك يجب االهتمام بمناقشة قضية التطبيقات
الحاسوبية واستخدام المخابر وتقديم المشاريع الموجهة
صناعياً.
• يجب أن تكون لغة التعليم لغة مشتركة بين لغة أجنبية
(اإلنكليزية أو األلمانية مثالً) واللغة األم (كمخطط ثنائي
اللغة) على أن يتم تقديم كافة المصطلحات العلمية بكال
اللغتين.
***
99
البيئ
ي الكوسموس التكنونانوي والتلوث
100
تهتم النانوتكنولوجيا بنمنمة اآلالت واألدوات والمواد إلى الدرجة
النانوية وتطوير أساليب اإلنتاج والتحليل النانوي.
تعبر كلمة نانو في الفيزياء عن وحدة قياس والتي تعادل
( )0،0000000001من المتر ،وعلى هذا الطول يمكن ترتيب
حوالي ثمانية ذرات بجانب بعضها البعض ،وهكذا فإن النانومتر
أصغر من قطر شعرة من شعر اإلنسان بحوالي 70000مرة ،بكلمة
أخرى يمكن مقارنة حجم الجسيم النانوي بحجم كرة القدم بالنسبة لحجم
الكرة األرضية.
تعود كلمة نانو في أصلها إلى اللغة اليونانية وتعني عالم األقزام
الخرافي المتناهي في الصغر ،وعليه فإن عالم التكنولوجيا النانوية هو
أشبه بعالم المخلوقات الخرافية غير قابلة للمالحظة بالعين المجردة،
حيث تسري فيه قوانين ميكانيك وفيزياء الكوانتوم.
تم إدخال مصطلح التكنولوجيا النانوية ألول مرة عام 1974وذلك
من قبل الباحث الياباني نوريو تانيغوشي عندما حاول بهذا المصطلح
التعبير عن الوسائل وطرق التصنيع المحتاجة في عمليات تشغيل
عناصر ميكانيكية وكهربائية بدقة ميكروية عالية.
أما البوابة إلى عالم الذرات فقد تم فتحها عام 1982عن طريق
الباحثين السويسريين جيرد بينيغ وهاينريش رورير ،حيث قاما
بتطوير الميكروسكوب األكثر دقة من أجل مراقبة الذرات وإمكانية
التأثير بها وإزاحتها ،بعد إنجازهما المشترك هذا بأربع سنوات حصال
على جائزة نوبل عام .1986
101
في عام 1991اكتشف الباحث الياباني سوميو ليجيما األنابيب
النانوية المؤلفة فقط من شبكة من الذرات الكربونية وبالقياس تم
الحصول على مقاومة شد أعلى من مقاومة شد الفوالذ بعشر مرات
وأكثر قساوة واستقرارا ً من الماس بمرتين على األقل.
إن الطلب على المنتجات النانوية آخذ باالزدياد والنمو ،ففي عام
2001بلغ معدل اإلنفاق العالمي على المجال النانوي حوالي 54
مليار يورو ،هذا وتشير التوقعات بأن هذا المبلغ سوف يتضاعف
أربعة مرات حتى عام .2010
في عام 2004وصل معدل اإلنفاق في الواليات المتحدة
األمريكية إلى حوالي 1070مليون يورو وفي اليابان حوالي 810
مليون يورو وحوالي 1150مليون يورو في أوروبا و 250مليون
يورو في ألمانيا.
هذا ويوجد في ألمانيا اليوم حوالي 500شركة ومركز بحث
(تقديرات من عام )2005والتي تهتم بتطوير ودراسة وتطبيق وإنتاج
وتسويق هياكل غاية في الدقة وتقديم الخدمات النانوية ويبلغ عدد
العاملين في القطاع النانوي حواي 25000عامل وعاملة.
تطبيقات التكنولوجيا النانوية
بعد أن تم التعريف بماهية التكنولوجيا النانوية سنحاول في هذا
القسم إتمام ما بدأناه وذلك من خالل استعراض بعض الحقول التي يتم
فيها دراسة إمكانيات تطبيقها.
102
لقد نجح الباحثون في مركز البحث العلمي (فراونهوفر) في مدينة
فورتسبورغ األلمانية باكتشاف وسيلة نانوية لدائنية لمعالجة السطوح
شديدة القذارة والتي ال يمكن تنظيفها بالوسائل المتاحة وهذا ما يفتح
آفاقا ً جديدة في تقنيات تنظيف الح ّمامات ودورات المياه العامة
والخاصة وبهذا يكون قد أصاب الهدف من تنبأ بأن كل أشكال العمل
في المجتمع العلمي المتقدم بما فيها تنظيف دورات المياه ستكون ذات
قيمة وسيتم اإلقبال على ممارستها بمرح حقيقي ودون تذمر وذلك ألن
التطورالعلمي الهائل سيوفر إمكانيات تقنية عالية لممارسة األعمال
الروتينية .وعلى التوازي نجح اليابانيون بإنتاج مسحوق نانوي عبارة
عن ذرات ذهبية دقيقة للغاية وذلك ألجل تنظيف دورات المياه دون
تقديم جهد إضافي.
هناك العديد من البحوث الممولة مباشرة ً من الحكومات كما في
أمريكا الشمالية على سبيل المثال والتي تهدف إلى وضع مخططات
لمعالجة المياه اآلسنة والنفايات السائلة الناتجة عن المصانع وذلك عن
طريق ضخ أو قذف الجزيئات النانوية عبر التربة لتصل بذلك إلى
أماكن تواجد النفايات بغية هدمها وتحويلها إلى مواد غير ضارة عبر
تفاعالت كيميائية خاصة ،ولهذه الطريقة في معالجة النفايات مزاياها.
وعلى التوازي من ذلك هناك دراسات بشأن معالجة مياه الشرب
والهواء الملوث وذلك بقذف الجزيئات إلى الماء والهواء من أجل
القضاء على البكتريا الضارة المتواجدة فيهما .ومن أجل استرجاع
هذه الجزيئات المقذوفة يتم دراسة وتطوير أساليب مغناطيسية وطرق
103
تصفية خاصة وفي حاالت أخرى هناك دراسات حول تصنيع هذه
الجزيئات بطرق خاصة لتصبح بعد استخدامها عبارة عن مواد قابلة
للتحلل بطرق بيولوجية سليمة وبهذا يمكن النظر إليها وكأنها مثل بقية
المواد التي يسمح لها بالتواجد في نظامنا البيئي دون مضاعفات.
في معهد تطوير المواد الجديدة في مدينة ساربروكن األلمانية تم
اكتشاف وسيلة نانوية جديدة بغية حفظ المخطوطات القديمة وحمايتها
من التلف وتأثير العوامل الخارجية.
وفي معاهد أخرى تم تطوير مراهم وقائية جديدة باالعتماد على
الجزيئات النانوية وذلك الستخدامها للجسد والوجه واليدين التي
تضمن حماية البشرة على النحو األفضل من تأثيرات المحيط
الخارجي.
وفي المجال الغذائي يتم تطوير مساحيق غذائية نانوية إلضافتها
إلى المادة الغذائية األساسية بغية تحسين خواصها ومذاقها ولونها.
في عالم المادة النانوية سيكون للمواد المنتجة خواصها الجديدة مثل
خواص التجدد الذاتي وخواص الترابط الجزيئي بين مواد نانوية
متباينة.
قد تسلك مادة الكيراميك سلوك المادة الزجاجية لتصبح شفافة وقد
يصبح الزجاج لدنا ً مثل مادة الصقة ،وسيصبح للمعادن القدرة على
فقدان واستعادة خواصها المغناطيسية بشكل ذاتي .
104
وفي عالم الميكانيك الهندسي حقق الباحثون نتائج مذهلة في مجال
السيطرة على عمليات االهتراء والصدأ والتآكل الميكانيكي والكيميائي
وكذلك في مجال التغلب على ضياعات االحتكاك الميكانيكي وبالتالي
االستغناء عن مواد التزييت والتشحيم ،وهذا ما يساعد على إطالة عمر
العنصر اآللي وزيادة مردودية الميكانيزمات العاملة .
في شركات صناعة السيارات وبالتعاون مع الجامعات تتم دراسة
استخدام طرق ومواد نانوية جديدة في مجاالت الطالء والتغليف
والعزل والذي له تأثيراته اإليجابية في حماية الركاب من اإلشعاعات
وكذلك المساهمة في تخفيف وزن العربات وزيادة صالدتها وبالتالي
تخفيض مصروفها من الوقود.
هناك العديد من األبحاث في مجال تطوير وتصنيع عجالت
السيارات والتي ستكون لها خاصية التالؤم األتوماتيكي مع ظررف
الطقس وطبيعة األرض والعوامل الخارجية األخرى.
بواسطة الليزر النانوي والحساسات النانوية يتم دراسة تشغيل
المواد المعدنية والتحكم في البنية البلورية للمادة المراد تشغيلها
وبأماكن توضع الذرات بهدف تغيير الطبقات السطحية للمواد .
بمساعدة التكنولوجيا النانوية يتم دراسة التقنيات النانوية الهادفة
إلى ترشيد استهالك الطاقة من خالل استخدامها في األجهزة
اإللكترونية بغية تعديلها لتصبح أكثر توفيرا ً للطاقة ،كذلك هناك أبحاث
من أجل تحسين خاليا مواد االحتراق وخاليا تخزين الطاقة الشمسية
والبطاريات وهذا ما ينعكس بشكل إيجابي على مردود الطاقات البديلة
105
واكتشاف إمكانيات طاقية بديلة جديدة والتي ستكون في المستقبل
القريب البديل الحقيقي للطاقة األحفورية.
الكثير من المشاكل الرياضياتية المستعصية التي لم يمكن حلها
حتى اليوم ستجد الحل المناسب مع التطور النانوي نظرا ً للتطور
السريع في مجال األجهزة الحاسوبية ذات المعالجات النانوية ووسائط
التخزين الفائقة والوسائط المساعدة على إيجاد وتطوير الحلول.
لقد كان الباحثون األلمان في مدينة هامبورغ األوائل الذين
استطاعوا تخزين المعلومات في ذرات قليلة وقراءتها ،وإذا ما استمر
النجاح في هذا االتجاه فإنه سيصبح قريبا ً من الممكن تخزين كل ما تم
إنتاجه من األدب العالمي على رقاقة بحجم الطابع البريدي.
لقد فتحت التكنولوجيا النانوية آفاقا ً جديدة في المجال الطبي
والجراحي ،هناك دراسات عديدة من أجل تطوير روبوتات نانوية
والتي يمكن إرسالها إلى الجسد للتعرف على الخاليا المريضة
وترميمها وكذلك للتعرف على محرضات األمراض ومعالجة
األمراض المستعصية واألورام الخبيثة.
وفي عالم األدوية سيكون للروبوت النانوي مساهمته عن طريق
إيصال الحقنة الدوائية إلى المكان المراد معالجته تماما ً وبالتركيز
الدوائي المطلوب دون ضياعات .
أما في المجال العسكري فإن الدعم المالي لألبحاث النانوية أصبح
أمرا ً بديهياً ،مع بداية 2000تم في الواليات المتحدة األمريكية وبمبلغ
106
تم تقديره بأكثر من 50مليون دوالر أمريكي تأسيس معهد البحوث
التكنونانوية العسكرية
)(ISN) (Institute for soldier Nanotechnologies
سوف يرتدي جندي المستقبل بذة عسكرية ذكية مصنوعة من مواد
تكنونانوية ومجهزة كومبيوتريا ً والتي ستقيه من الحرارة والبرودة
واإلشعاع وموجات الضغط وفي الوقت نفسه خفيفة الوزن ومريحة
في التنقل.
وهناك تجارب ودراسات حول إمكانية تالؤم الجنود مع المحيط
الذي يتعاملون معه مثل إمكانيات القفز عبر جدران عالية وإمكانية
المعالجة الذاتية للجروح.
إن األمثلة التي تم طرحها فيما سبق ال تشكل سوى غيض من
فيض تطبيقات التكنولوجيا النانوية والتي بدأت برسم مالمح المستقبل
القادم.
وكما هو الحال في كافة التقنيات الجديدة يجب االهتمام بمتابعة
التطور التكنونانوي وتأثيراته الخطرة الممكنة والتي مازالت مجهولة
على البيئة وصحة اإلنسان .وفي هذا السياق بدأت تظهر منذ سنوات
قليلة محاوالت لتأسيس معاهد جديدة بمحاور بحث رئيسية مثل هندسة
دراسة األخطار في مجال المواد النانوية وعلم التحليل النانوي والذي
يهتم بدراسة هياكل وشبكات ذات مقاييس ذرية وقياس الخواص
الميكانيكية والتركيب الكيميائي للجزيئات النانوية.
107
التكنولوجيا النانوية ومخاطر التلوث البيئي
بعد أن تم التعريف بماهية التكنولوجيا النانوية وتطبيقاتها سنحاول
في هذا القسم إنهاء ما بدأناه وذلك من خالل استعراض بعضا ً من
مخاطر التلوث النانوي.
أكثر من %90من سكان البلدان المتقدمة ال يعرفون إال القليل
جدا ً حول التكنولوجيا النانوية وتطبيقاتها ومخاطرها ،فما هو الحال
عليه في البلدان النامية؟
تمتلك التكنولوجيا النانوية اإلمكانية ألن تثور بحياتنا إال أنها في
الوقت نفسه قد تمثل التهديد األعظم لحياة اإلنسان والحيوان والنبات
لدرجة أنها تعتبر التهديد األكثر خطرا ً من التهديد الذي مارسته أسلحة
التدمير الشامل في القرن العشرين.
يصنف الخبراء بأن التكنولوجيا النانوية تنطوي تحت فئة المخاطر
(الثورية) للقرن الحادي والعشرين والتي ستجر ورائها مجموعة
متالحقة من األضرار والمخاوف.
لقد طالبت منظمة البيئة الكندية في عام 2003بالتوقف عن دعم
البحث العلمي في المجال النانوي ذلك لمدة عامين قد كانت حجتها
في ذلك هو أن واضعي القوانين وطنيا ً وعالميا ً لم يعد باستطاعتهم
متابعة سرعة تطورات هذه التكنولوجيا الغامضة.
تخبئ هذه التقنية في طياتها الخوف والخطر والترقب وهكذا فإن
مجرد الكتابة حول توضيح الجوانب السلبية واإليجابية للتكنولوجيا
108
النانوية هو في حد ذاته إنجاز غير سيء وذلك بهدف إعالم الشرائح
األقل اهتماما ً بماهية هذه التقنية ،فكلما كان مستوى اإلدراك والوعي
أعلى كلما كان تقييم اإليجابيات واألخطار أكثر عقالنيةً ،وال سيما
بأنه في السنوات العشرة القادمة سيتم طرح عدد كبير من المنتجات
النانوية إلى السوق العالمية ،والتي ستكون مواد جديدة ً في نوعها
وكميتها ومجهولةً في انعكاساتها البيئية ومعظمها غير قابل للهدم
بيولوجياً.
ولذا ال بد من البدء مبكرا ً بدراسة مدى خطورة هذه المنتجات على
البيئة وصحة اإلنسان.
حتى اآلن ال توجد دراسات وإجابات مطروحة حول األضرار
والمخاطر البيئية لهذه الجسيمات النانوية ولذا ال يمكن القول فيما إذا
كانت تمثل خطرا ً بيئيا ً حقيقياً.
يتم التكلم عن المخاطر البيئية للجزيئات النانوية فقط إذا تم إثبات
بأن بعض صفات هذه الجزيئات مضرة وخطيرة على النظام البيئي
وغير ذلك فإن الجزيء النانوي ال يحمل الضرر .
والسؤال األساسي هو :هل باإلمكان ضبط الصناعات والتطورات
النانوية؟ وما الذي يمكن حدوثه إذا تم وقوع هذه التقنيات في األيدي
الخاطئة؟ كيف سيكون تأثير الجزيئات ذات الخصائص النانوية
الجديدة على اإلنسان وصحته وخاصة عند استخدامها كحقن لمعالجة
الخاليا المريضة؟
109
إن الجانب اإليجابي للتطبيق التكنونانوي في المجال اإليكولوجي
اليعني بالضرورة غياب اإلضرار والتثقيل السلبي البيئي ،وفي هذا
السياق سنستعرض بعضا ً من مالمح الخطورة النانوية:
في المجتمع النانوي سيكون اإلنسان على تماس مباشر مع
الجسيمات النانوية والتي ستدخل األجساد عن طريق تناولها بشكل
مباشر أو ابتالعها أو تنفسها بطريقة غير مباشرة.
وبحسب أسلوب اإلنتاج المستخدم يمكن للجزيئات النانوية
الوصول إلى التربة والماء والهواء ،بهذا ستشكل في السنوات القادمة
نوعا ً جديدا ً من النفايات التي يجب التخلص منها أو إعادة تدويرها.
التأثير البيئي للذرات النانوية على النبات والحيوان:
إذا ما تم امتصاص الجزيئات النانوية عبر جذور النباتات
واألشجار أو عبر الهواء فإنها ستصل حتما ً إلى اإلنسان والحيوان عن
طريق الغذاء .وهنا تكمن الخطورة وخاصةً إذا احتوت هذه الجزيئات
خالل مراحل تصنيعها على مواد ضارة أو إذا ما نقلت معها المواد
الخطرة الناتجة عن عمليات تنظيف محددة قد قامت بها النانويات .
التأثير البيئي للذرات النانوية على المناخ:
إن احتمالية التأثير السلبي للمنتجات النانوية على الدورة المناخية
هي حتما ً مسألة تدعو للتأمل والتفكير الجدي ،فقد تساهم النانويات في
رفع درجة حرارة الغالف الجوي أو خفضها بشكل ما .وهكذا فإن
التأثير النانوي على المناخ ما يزال غير قابل للتقدير نظرا ً لغياب
110
الدراسات البيئية في هذا المدار ،إال أنه يمكن التنبؤ األولي بأن هذه
النانويات في العقود الثالثة القادمة ستكون ذات تأثير أقل بكثير من
تأثير االنبعاث الغازي.
التأثير البيئي للذرات النانوية على دورة حياة الماء:
بفعل التأثير الحراري يتبخر الماء وتتشكل الغيوم وبعدها تهطل
األمطار ،ضمن هذه الدورة سيكون باستطاعة الجزيئات النانوية أن
تتوزع في وقت قصير جدا ً ممهدة ً بذلك الطريق لنشر ونقل المواد
الضارة .إلى أي مدى وبأي كمية يمكن للنانويات أن تؤثر على جودة
وسلوك الماء ما زال موضوعا ً قائما ً للجدل ،مع العلم أن تغيرات
صغيرة كافية إلحداث اضطراب في النظام اإليكولوجي .
التأثير البيئي للذرات النانوية على الهواء:
إن تأثير الغبار النانوي على الهواء وجودته وبالتالي على صحة
اإلنسان عبر استنشاقه للهواء الملوث بالذرات النانوية هو ألخطر
بكثير من تأثير الغبار الدقيق وأدخنة المواصالت والمعامل ،وذلك
ألن الغبار النانوي سيبقى متخثرا ً في الهواء ولمدة أطول دون قابلية
سريعة للترسب مما يساهم في دخوله إلى الرئات بصورة أسرع .وفي
الوقت الذي يمكن تخليص الهواء من الغبار العادي والدقيق وتقليله
إلى الحدود الدنيا المسموح بها وفق المواصفات العالمية ،يصعب حتى
اليوم تقدير إمكانيات تخليص الهواء من الغبار والذرات النانوية
وكذلك تقدير حجم الصعوبات المرافقة لذلك بما فيها الحاجة ألجهزة
القياس المناسبة والمطورة على أرضية التكنولوجيا النانوية.
111
التأثير البيئي للذرات النانوية على التربة:
هناك مخاوف كبيرة بشأن مدى قدرة الذرات النانوية الدقيقة على
حمل المواد الضارة وتوزيعها في التربة ومن ثم انتقالها إلى الكائنات
األخرى وتشكيل ارتباطات وتفاعالت سامة ،حيث أن غرام واحد من
الغبار النانوي كاف لتلويث مساحة ال تقل عن 1000متر مربع .وإذا
ما كانت القدرة الحركية للجزيئات النانوية كبيرة فإن هناك احتمالية
عالية النتقال المواد الضارة وبكميات كبيرة وسرعات عالية إلى
طبقات مختلفة من التربة وخاصةً إذا كانت التربة رطبة وسرعة
جريان الماء فيها كبيرة نسبياً.
الخالصة:
نتيجةً للمخاوف والمخاطر الغامضة والتي ال يمكن تقديرها بالشكل
المناسب نظرا ً لغياب الدراسات العلمية بهذا الشأن ،فإنه لم يتم حتى
اآلن وضع مخططات للمعالجة البيئية لألضرار التي ستنجم عن هذه
التقنيات الغامضة في مدى تطورها.
والسؤال الذي سيؤرق مضاجعنا في المستقبل القريب إذا ما تم
إثبات حدوث المخاطر النانوية والتأثيرات السلبية للتكنولوجيا النانوية
على الهواء والماء والتربة والنبات والحيوان واإلنسان هو:
ما هي المشاكل النفسية واالجتماعية والصحية التي ستعاني منها
البشرية؟ كيف سيمكن إعادة التصنيع والتدوير للمواد النانوية؟ كيف
سيستطيع اإلنسان وبأية وسائل إزالة الذرات النانوية العالقة في
112
طعامنا وشرابنا وهوائنا وتربتنا ؟ وأسئلة أخرى كثيرة ما زالت عالقة
تنتظر اللحظة ،لحظة البدء بتقديم اقتراحات وسياسات للتحليل وإيجاد
الحلول.
إن تخليص الهواء والماء والتربة من الجزيئات النانوية يتطلب
تكاتف جهود علمية وخبرات في المجال االجتماعي والصحي
والنفسي وكذلك تقديم دراسات دورية ومنظمة حول التطور
التكنونانوي وآفاقه .وأول المؤسسات التي ينبغي عليها /بدءا ً من
اللحظة /المشاركة بتقديم الدراسات هي مراكز البحث العلمي
وشركات التأمين الصحي ووزارات الصحة ومشافيها ومخابرها.
وفي هذا السياق ولحسن الحظ بدأت تظهر منذ سنوات قليلة
محاوالت لتأسيس معاهد جديدة بمحاور بحث علمية رئيسية مثل علوم
هندسة دراسة األخطار في مجال المواد النانوية وعلم التحليل النانوي
والذي يهتم بدراسة هياكل وشبكات ذات مقاييس ذرية وقياس الخواص
الميكانيكية والتركيب الكيميائي للجزيئات النانوية.
كما بدأت تظهر بعض الكتابات في ميدان أدب الخيال العلمي والتي
تحاول تصوير عظمة هذه الثورة الصناعية الجديدة ومدى بشاعة ما
قد ينتج عنها من مخاطر ورعب اجتماعي بيئي.
آخيرا ً يجب أن نلفت االنتباه إلى أنه في حال حدوث التلوث النانوي
سوف لن يكون ممكنا ً استعمال األقنعة الواقية كما هو الحال في بعض
التلوثات السامة وذلك ألن الحجوم النانوية الدقيقة سوف تجد طريقها
إلى أجسادنا عبر القناع الواقي مما يستدعي ابتكار وسائل وطرق
113
جديدة للوقاية من التلوث النانوي ،وفي الوقت نفسه يجب التذكير بأنه
في حالة تطوير القناع الواقي لدرجة يصعب فيها على النانويات
التسرب عبرها ،فإن المشكلة التي ستواجه مستخدم القناع الواقي
المطور هي الموت خنقا ً لعدم استطاعته حينها على أداء الشهيق
والزفير.
ولحسن الحظ أيضا ً بدأت إحدى الشركات العالمية في بحوثها من
أجل تصميم وإنتاج أقنعة حماية التنفس باالعتماد على استخدام المواد
والتكنولوجيا النانوية وذلك بهدف بناء وحدة تصفية نانوية ،والتي
يعترض إنتاجها حتى اليوم صعوبات غاية في التعقيد.
***
114
اإلنفورماتيك والمجتمع
115
إننا كبشر ال نستطيع أن نراقب يوميا ً تغيرات حياتنا عن طريق
أنظمة اإلنفورماتيك من خالل الكومبيوتر ،اإلنترنيت ،االرتباطات
الشبكية للكومبيوترات المحمولة ،الهواتف النقالة ،ومن خالل مئات
األنظمة المنطوية في األشياء التي نستعملها يومياً .هذه التطورات
تمهد من أجل خلق آفاق جديدة في المجاالت المهنية والخاصة وكذلك
في الحياة االجتماعية.
مع استعمال اإلنفورماتيك واتساع قاعدة تطبيقاته سوف ندخل
عالما ً جديداً ،إنه عالم الح ّ
ساسات الذي تم فيه التقاط المعلومات بصورة
مستمرة ومعالجتها .في المرحلة القادمة سوف يتم التخلي حتما ً عن
عملية إدخال البيانات وإخراجها والعناية بها .فقط عن طريق الكالم
والسلوك سوف نستطيع التواصل والتعامل وبلوغ الهدف المرجو.
في قلب هذا التبدل الهائل يطرح اإلنفورماتيك نفسه كنواة ومحرك
للتطورات والتجديدات واإلبداعات القادمة .في يومنا هذا تعود %90
من اإلبداعات والتجديدات في عالم السيارات ،وحوالي %60في
عالم تطوير بناء الطائرات إلى التطور الهائل في هذا العلم (علم تقنية
البرمجيات واالتصاالت) .لقد أصبحت البرمجيات وبنوك المعطيات
سلعة اقتصادية جديدة يجري تداولها من قبل الكثير من الشركات.
إن تاريخ ميالد اإلنفورماتيك غير محدد تماماً .بعضهم يرجعه إلى
عام 1941عندما تم عرض مؤتمتات حاسوبية من قبل الباحث
كونراد سوزي .والبعض يرجعه إلى عام 1947حيث تم تشكيل
جمعية اإلنفورماتيك األولى في الواليات المتحدة األمريكية .بعضهم
116
يرى بأن ميالده يعود لعام 1960مع تأسيس رابطة اإلنفورماتيك
العالمية.
في أوروبا تم إدراج مصطلح "إنفورماتيك" مع بدايات 1960
وفي عام 1969تم في مدينة بون تأسيس الجمعية األلمانية
لإلنفورماتيك.
رغم هذه التوقعات حول ميالد اإلنفورماتيك ،إال أنها غير دقيقة
حيث أن جذوره تعود إلى زمن أبعد من هذا بكثير عندما تم اختراع
الخط كتمثيل رمزي للتعبير عن المعلومات ،وأيضا ً عندما تم إبداع
األلغوريتمات وأدوات الحساب.
درجة التجريد العالية ،التشبيك الداخلي القوي ،التمثيل الرقمي،
االمتزاج ما بين التحليل والتركيب ،االمتزاج ما بين التصميم
والتكامل ،كلها تطبع طريقة التفكير والعمل في حقل اإلنفورماتيك.
وهكذا فإن علم اإلنفورماتيك يدور حول تمثيل وتخزين ونقل
ومعالجة المعلومات من أجل دارسة العمليات والمبادئ وبنى األنظمة
المعلوماتية.
إن جوهر اإلنفورماتيك هو المعلومة التي تستند إلى الحقائق
والمعرفة واالستطاعة والتبادل والتحكم والتأثير .هذه المعلومة التي
يمكن توليدها وتمثيلها وتخزينها ومعالجتها وتطبيقها .إنها مركبة
معقدة ومشبكة بمعلومات أخرى .من أجل استثمار المعلومة يجب
117
تخطيط وتصميم وتطوير وإنتاج أدوات برمجة خاصة ولغات وأنظمة
بغية نمذجة ومحاكاة معطيات وإجراءات محددة وفق أسلوب مناسب.
المنهجية اإلنفورماتيكية تتغلغل إلى كل العلوم وتقود بالتالي إلى
أساليب تمثيل ونماذج جديدة .اإلنفورماتيك يمثل من جهة العلوم
األساسية ،ومن جهة ثانية العلوم الهندسية .إضافة إلى ذلك فإنه في
جانب من جوانبه ممثالً للعلوم التجريبية.
تحت مظلة اإلنفورماتيك نجد اليوم تقنيات وعلوم فرعية متعددة
منها:
المودلة (النمذجة) والمحاكاة ،أنظمة التشغيل وبرمجيات التشبيك،
الشبكات الحاسوبية وشبكات االتصاالت ،أنظمة المعلومات وبنوك
المعطيات ،الهندسة البرمجية وتقنيات النظام ،الذكاء الصنعي،
األنظمة المبنية على المعرفة ،أنظمة معالجة الصوت والصورة،
الروبوتات ،واجهة اإلنسان واآللة ،معالجة البيانات الرسومية،
التصيير والعوالم االفتراضية ،اآلمان والموثوقية وأساليب األداء
واالختبار والتقييم ،تخطيط وتطوير المعدات الصلبة.
من خالل إمكانات التطبيقات المتعددة لإلنفورماتيك تطورت في
اآلونة األخيرة مجاالت دراسية علمية جديدة منها مثالً :إنفورماتيك
التصميم ،اإلنفورماتيك البيولوجي ،اإلنفورماتيك الجغرافي الهندسي،
إنفورماتيك اإلعالم ،اإلنفورماتيك الطبي ،إنفورماتيك االقتصاد،
اإلنفورماتيك القانوني ،اإلنفورماتيك اإلداري وكذلك اإلنفورماتيك
البيئي.
118
هذه المجاالت المعرفية الجديدة ليست إال تعبيرا ً رائعا ً عن التطور
والنمو المشترك والتزاوج اإليجابي للعلوم األساسية.
ونتيجة لهذا التطور ظهرت منتجات جديدة تسمى اليوم بالمنتجات
المعلوماتية أو اإلنفورماتيكية والتي يتم صنعها لمرة واحدة ثم تتكاثر
بعمليات النسخ ويتم عرضها وتسويقها ببساطة وبسرعة هائلة .وألن
هذه المنتجات تنطوي تحت يافطة المنتجات اإلبداعية الروحانية فإنها
تختلف كثيرا ً عن المنتجات المادية األخرى ،حيث أنها تدخل مباشرة
إلى الحياة اليومية لكل إنسان.
ولهذا فإن اإلنفورماتيك يتحمل اليوم مسؤولية خاصة بما يتعلق
باإلنسان وحساسيته الحضارية .وعليه فإن موضوعة تطبيق األنظمة
اإلنفورماتيكية وانعكاساتها االجتماعية واألخالقية على اإلنسان
والمجتمع هي موضوعة ذات أهمية ويجب أخذها بعين البحث العلمي
والمتابعة.
بواسطة أنظمة اإلنفورماتيك الحديثة استطاع اإلنسان اليوم أن
يجري تجاربا ً في قمة التعقيد في مخابر افتراضية مبنية على المودلة
والمحاكاة .فيما لو أجريت هذه التجارب على أرض الواقع لترافقت
بصعوبات هائلة وتكاليف غير محددة .بكلمة أخرى استطاع اإلنسان
أن يحاكي الواقع افتراضيا ً مع مراعاة جملة الظروف والعوامل
الفيزيائية الحقيقية.
فعلى سبيل المثال تمكن اإلنسان من محاكاة عمليات الهبوط على
كواكب غريبة ومجهولة ،استطاع تشخيص وتحضير وإجراء عمليات
119
طبية في المخلوقات الحية ،كما استطاع محاكاة التطور السكاني مع
مراعاة جملة من الشروط المتغيرة ،كما تمكن أيضا ً من محاكاة
الكوارث المختلفة والتي هي ذات منشأ تقني أوطبيعي مثل الزالزل
وحوادث االنفجار الناتجة مثالً عن منابع النفظ أو ناقالته .إن نتائج
جملة المحاكاة هذه تسري اليوم على أنها موثوقة وقابلة للتداول.
عن طريق تطبيق أنظمة اإلنفورماتيك في مختلف االختصاصات
العلمية تمكنت بعض الدول المتقدمة من خلق مئات األلوف من فرص
العمل الجديدة .وهكذا فإن اإلنفورماتيك هو بمثابة الطاقة الكامنة
بالمعنى االقتصادي بآفاق مستقبلية واعدة.
بواسطته تغيرت أساليب ووسائل العمل واإلنتاج .فقد طرأت على
سبيل المثال تغيرات غير قابلة للتصور في قطاعات إنتاجية من مثل:
دور النشر ،معامل الطباعة ،إنتاج األفالم ،عالم التلفزيونات ،عالم
االتصاالت ،وكذلك أيضا ً في قطاع إنتاج السلعة المادية وتقديم
الخدمات.
وهكذا استطاع اإلنفورماتيك إعطاء دفعات وتحريك كثير من
القطاعات االقتصادية واالجتماعية والثقافية والسياسية ،وفي طياته ما
زالت تقبع الكثير من المفاجآت والقدرات الكافية لتطوير أنظمته.
***
120
الفضالت الكومبيوترية
123
التصنيع ،وحوالي %7قابلة إلعادة االستخدام ،وحوالي %10من
المكونات قابلة للطمر والتخزين النهائي .إن عملية إعادة استثمار
الشاشات الكومبيوترية تطرح نفسها على أنها عملية غاية في التعقيد
والصعوبة نظرا ً لطريقة تصميمها ولطبيعة المواد المختلفة والداخلة
في تصنيعها .
إن إعادة التصنيع هي عملية إنتاجية ذات قيمة كبرى فعن طريقها
يستطيع اإلنسان أن يتجنب ضرورة اإلنتاج الجديد للمواد المختلفة،
وكذلك يتم تقليل استهالك الطاقة والمصادر الطبيعية إلى حدها األدنى.
إال أنه ال توجد حتى هذا اليوم اإلمكانيات العملية والتقنية وكذلك
القدرات التمويلية من أجل القيام بهذه المهمة .باإلضافة إلى ذلك هناك
ثمة مشاكل إيكولوجية قد تنشأ عن هذه المصانع في حال وجودها
(انطالق كميات هائلة من المواد الضارة إلى الغالف الجوي).
تفتقر معظم الدول األوروبية إلى الوسائل والمخططات الناجعة
الهادفة إلى المعالجات األولية للفضالت اإللكترونية قبل التخلص منها
أو قبل تثقيل بلدان العالم الثالث بها.
ينبغي معالجة البقايا اإللكترونية والفضالت الكومبيوترية في
مراكز خاصة من أجل تفكيكها إلى مكوناتها وفصل أجزاءها عن
بعضها البعض ليصار إلى إعادة استخدام بعضها ،أما المكونات
الحاوية على مواد ضارة فيجب التخلص منها بشكل مدروس بيئيا ً
بغية عدم إلحاق الضرر بالنظام البيئي.
124
لقد بدأت بعض الشركات في تنفيذ برامجها بغية الوصول إلى
عمليات اإلنتاج اإللكترونية الرفيقة بالبيئة.
لقد أصبحت إمكانية االستغناء عن أساليب اللحام بالرصاص في
متناول اليد ،وكذلك أصبح باإلمكان إنتاج الحاسب الرفيق باالستهالك
الطاقي.
في هذا السياق يمكن اإلشارة إلى أنه أصبح في ألمانيا ممكنا ً اقتناء
الحواسيب الحاملة للرمز البيئي األلماني (المالك األزرق).
ومنذ مطلع آذار لعام 2006يلتزم كل منتج لألجهزة الكهربائية
واإللكترونية بعدم عرض أيا ً من منتجاته في السوق والتي تتضمن
في تركيبها موادا ً ضارة للنظام البيئي.
كما يلتزم المنتجون لألجهزة الكومبيوترية واإللكترونية بالترحيل
والتخلص البيئي السليم من األجهزة المستعملة والتي يتم جمعها من
قبل المواطنين في أمكان خاصة محددة سلفا ً .
من أجل التغلب على جبال النفايات اإللكترونية /التي تزداد
حجومها من عام إلى آخر /يطرح نفسه علم التصميم الهندسي بمراعاة
فن إعادة التصنيع على أنه أحد أهم الحلول الممكنة.
وهنا نطرح بشكل مقتضب بعضا ً من الخطوات المنهجية التي يتم
ويجب اتباعها عند تصميم وتصنيع الكومبيوتر:
• التفكير بطريقة منهجية من أجل مالئمة المعالجات
الكومبيوترية وأجيال المعالجات الجديدة التي يتم تطويرها.
125
• إيجاد المنهجية التصميمية الصحيحة بغية توفير إمكانية
توسيع وحدات الذاكرة والتخزين .
• توسيع القدرات الوظائفية عن طريق زيادة عدد وحدات
الدخل (المنافذ).
• استخدام تقنيات الربط والوصل الميكانيكية بدالً من عمليات
الوصل اللحامي أو الوصالت بالضغط أو الوصالت
الالصقة ألنها غير قابلة للفك وإعادة االستخدام دون أضرار
تؤدي إلى تشويه العناصر المرتبطة.
• رفع مدة دورة حياة الكومبيوتر عن طريق استخدام تصاميم
قابلة للصيانة واإلصالح ،إن مضاعفة العمر الحياتي لجهاز
كومبيوتري يعني تقليل درجة التثقيل البيئي خالل عمليات
اإلنتاج والترحيل إلى النصف.
• تقليص وتقليل عدد وتنوع المواد الداخلة في تصنيع
الكومبيوتر وبشكل خاص أنواع المواد اللدائنية.
• االستغناء التام عن المواد المحرضة للسرطانات.
• تزويد الكومبيوتر بتجهيزات توفير االستهالك الطاقي.
• تزويد المستثمر بقواعد االستعمال األمثل.
***
126
المدرسة وفن النفايات
129
ر ر
المشاف
ي فحماية البيئة ي
132
مع العلم أنه لم يتم العمل بهذا القانون حتى اآلن بالشكل الصحيح
وهذا يعود إلى أسباب كثيرة ومنها:
• عدم إدراك الجهات المسؤولة والشعبية بالمخاطر الصحية
والبيئية للمخلفات الطبية.
• عدم وجود آلية تبين مخاطر هذه النفايات بالشكل الصحيح.
• ضعف الميزانية المخصصة للتخلص من النفايات ،فعادة
تأتي األولوية لدى المسؤولين للعناية بالمرفق قبل وأثناء
العناية بالمريض وما ينتج بعد ذلك فال أحد يهتم له.
• صعوبة الحصول على المعلومات الكافية حول النفايات
الطبية.
• عدم وجود طرق آمنة ورخيصة للتخلص من النفايات
الطبية.
وبالتالي فإن دواعي االهتمام بهذا الموضوع ينبع من:
• عدم وجود خطة عمل إلدارة النفايات الطبية وخاصة
الخطرة.
• خطورة النفايات الطبية تستوجب وجود حلول لها.
• تعرض العاملين لألضرار أثناء تعاملهم مع المخلفات
الطبية.
133
• الثلوث البيئي الناتج من التخلص غير السليم من المخلفات
الطبية.
***
134
ر
األخض للنقود االستثمار
138
البيئ
ي حول تأسيس مضف للتسليف
خطأ حين يقال بأن ورود المصرف البيئي سوف تخنق أزهار
المصرف الزراعي أو التجاري أو الصناعي ،فلكل منه ظروف
تطوره وحيثيات نشوءه واستراتيجيته السياسية واالقتصادية ،ولكل
منها أيضا ً مموليه ومستثمريه ومدخريه وطالبي قروضه ومساعداته.
إن الدعوة لتأسيس مصرف بيئي مركزي ووضع مقدراته من أجل
تحقيق بيئة حياتية خضراء تحصد ثمارها أجيال اليوم والمستقبل هو
مشروع عملياتي إيكولوجي اقتصادي حضاري وضرورة سياسية
ذات مضامين وأبعاد نفسية واجتماعية وتربوية تستحق إمعان التفكير
والبدء بالتخطيط من أجل بناء الكادر ،إنها أحد أشكال البدايات
المتواضعة والتي تقود إلى طرح حوار إيكولوجي من نوع جديد.
وحيث أن انتشار وسائط االتصاالت الحديثة هو شرط كاف والزم
للتخلي عن ضرورة إنشاء فروع ودوائر بنكنوتية في مدن متعددة مما
له مساهمته الكبرى في توفير الكثير من تكاليف التأسيس وتهيئة
الكادر االختصاصي وقبل كل شيء ذلك التوفير إذا ما علمنا بأن
خبراء وموظفوا البنوك البيئية الصادقين في عملهم لن يحتاجوا إلى
139
سيارات فارهة ،إيمانهم بالعمل الذي يؤدونه سوف يدفعهم إلى استخدام
الباص أو الدراجة للوصول إلى مكان العمل.
للمصارف البيئية مصداقيتها وحسن نواياها فهي واعدة باألمان
والريعية الجيدة .إنها أحد أكثر الوسائل الناجعة لالرتقاء بالوعي البيئي
وتشجيع ضرورات االستثمار في الميدان البيئي.
إن التأسيس لمصرف بيئي مركزي دورا ً هاما ً في اجتذاب
واستقطاب رؤوس األموال المكدسة في البالد األجنبية وإعادة توظيفها
في أنشطة محلية يستفيد منها المواطن والمستثمر ،هذا وإن المصرف
البيئي هو حل أكثر من منطقي أيضا ً للراغبين في استثمار النقود بال
فوائد.
قد تبدو فكرة إنشاء مصرف تسليف بيئي للبعض غريبة نوعا ً ما
وصعبة التحقيق على أرض الواقع ،كما قد يتبادر إلى ذهن القارئ
والمهتم البيئي بأنه هناك الكثير من األفكار والتساؤالت واألزمات
التي لها األولوية بالنقاش وتقديم الحلول ،إال أن المسألة في الحقيقة
ليست كذلك.
فمع بداية األلفية الثالثة بدأت الشروط الموضوعية والذاتية عالميا ً
بالتبلور من أجل وضع ودراسة خطط جديدة للربط الفعال بين
االقتصاد واإليكولوجيا ،فقد ولّى زمن التغني البيئوي بشكله
الرومانسي اإلخباري ،وجاء الوقت المناسب لتأسيس شكل حديث
للمصارف ،مصارف التسليف البيئي ،التي تكمن مهمتها األساسية
في تقديم النصائح واالستشارات العلموية االقتصادية والبرامج
140
التشجيعية الصحية لكافة األفراد والجمعيات والمؤسسات وكل
الراغبين في مجاالت االستثمار البيئي ،وحيث أن حماية البيئة وإرساء
أوليات نظرية ديمومة التنمية ال تقتصر على الحكومات فقط بل تمتد
لتشمل مشاركة كل كائن حي قادر على التفكير والنطق.
المصرف البيئي له مهمة الجمع بين االحتراف اإلداري البنكنوتي
الناجح والقدرة على تحمل المسؤولية اإليكولوجية واالجتماعية،
باإلضافة لذلك ينبغي على كوادر المصرف البيئي أن تضع مقدراتها
العلمية من أجل بناء بيئة صحية وسليمة ،من أجل الماء النظيف
والهواء النقي وحماية المناخ واحترام وحفظ مصادر وأسس الحياة
الطبيعية.
يجب أن يكون نشاط المصرف البيئي ذا طابع استثماري يكمن في
توظيف األموال واستثمارها بشكل نظيف يعود بالمنفعة العامة للشعب
والبلد وتقديم القروض للمشاريع البيئية الزراعية والصناعية
والعمرانية ومشاريع توفير الطاقة وتطوير الطاقات المتجددة
ومشاريع اإلنتاج الرفيق للبيئة ومشاريع تجنب النفايات ،وكذلك تقديم
القروض المعفاة من الفوائد بغية تشجيع ودعم األبحاث البيئية ،وتقديم
مكافآت وخدمات نقدية لحث المبدعين على المثابرة وحماية براءات
االختراع في المضمار اإلبكولوجي ،وتقديم قروض لإلعالم البيئي
وأخرى طالبية ضمن عقود نظامية تضمن استرجاع المبالغ المدفوعة
بفوائد معقولة وذلك للراغبين في الدراسة والتخصص في المجال
البيئي.
141
إن طريق التفكير اإليكولوجي ـ مع ازدياد عالم اليوم تشابكا ً وتعقيدا ً
ـ يعني التفكير الالمركزي والالخطي ،وبالنسبة للجيل الشاب الصاعد
فإن هذا التوجه الفكري هو أحد االتجاهات الواعدة نحو تحقيق الذات
والمشاركة في صنع القرار.
إن التوجه اإليكوإيديولوجي هو أحد أشكال التوجهات للوصول إلى
مجتمع الرفاهية النظيفة ،والسياسة الخضراء هي سياسة ذات مستقبل
واعد ،فاإليكولوجيون يشاركون اليوم في حكم وقيادة وإدارة البلدان
المتقدمة.
إن المضي قدما ً في هذا االتجاه هو حالة إيجابية ال مفر منها وال
رجوع عنها شئنا أم أبينا.
فالمستقبل القادم أخضر.
***
142
نحو حزب ينطلق من القضية البيئية
إن أحد أهم الشروط الجوهرية لنشوء وتأسيس حزب البيئة هو
تواجد مجتمع مدني متطور بكامل مؤسساته ،مع العلم بأن عملية تبلور
المجتمع المدني في كل بلد متعلقة بارتباط متين بالتقاليد التاريخية
والخلقية الثقافية وكذلك بعملية التطور الصناعي للبلد.
إن المقارنة البسيطة للمجتمع المدني العربي مع نظيره األوروبي
هي في كل الحاالت قضية تخبئ في طياتها الكثير من المغالطة
والتقديرات الخاطئة ،وعليه فإن شروط تأسيس حزب للبيئة في بلد
عربي تختلف في الجوهر عن شروط مثيله في أوروبا.
إن تأسيس حزب البيئة في بلد عربي (رغم عدم تبلور ظروف
نشوءه الموضوعية) هو في حد ذاته كبير األهمية ألنه يساهم في
تسريع وتفعيل التطور الديمقراطي المدني ،كلما تم اإلسراع في تهيئة
النشوء كلما كان أفضل.
سد برنامجه السياسي في النضال من أجل بناء مجتمع
ينبغي أن يتج َّ
إيكولوجي قائم على التضامن كما يتمثل في الدفاع عن حقوق اإلنسان
وعن النظام اإليكولوجي وعن دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع
ورفض العنف والحروب وأسلحة التدمير.
143
ما يعيشه الشارع العربي يمثل حالة إيجابية واعدة باإلثمار فهناك
جمعيات لحماية البيئة ،نشرات إلكترونية حول البيئة ،جمعيات
ومنظمات ولجان للدفاع عن حقوق اإلنسان ،عن حرية الصحافة ،عن
الديمقراطية ،عن حقوق المرأة ،عن حقوق المستهلك وكذلك أصوات
مناهضة للمفرزات السلبية لعصر العولمة.
باإلضافة إلى ذلك هناك أحزاب ومنتديات وتجمعات ذات طابع
قومي وماركسي وديني وليبرالي وديمقراطي .على الرغم من تعدد
منابت هذه القوى واختالف مناهجها ومشاربها فإن القاسم المشترك
لها ـ كما يُفترض ـ هو السعي لترسيخ وجود اإلنسان بما له من حقوق
وبما يترتب عليه من واجبات.
على الضفة األخرى يتكاثر عدد الوطنيين الالمنتمين والذين
يتجنبون المشاركة الفعالة في تقرير مصائرهم ومصائر أبناء شعبهم
وحجتهم في ذلك هو عدم إيمانهم بمقدرات وتوجهات القوى المتواجدة
على الساحة السياسية والتي وبحسب اعتقادهم غير قادرة
بإيديولوجياتها ومناهجها الفكرية الالمتجددة أن تمثل البديل الوطني.
ضمن هذه األجواء ،من رحمها ،يمكن بناء حالة وطنية جديدة
يتعايش فيها الجميع بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية.
إن ضخ الفكر اإليكولوجي القائم على فلسفة التنمية المستدامة إلى
عروق القوى والتجمعات والمنظمات الوطنية بغية تحريك الدماء
الوطنية ذات التوجهات الفكرية المتباينة والتي سبق أن تجمدت أو
144
أنها في طريقها للتجمد هو بمثابة اإلنجاز التاريخي األهم لهذه القوى
مجتمعة ،هو بمثابة إبداع جديد لحزب من طراز وطني جديد.
في هذا الصدد هناك الكثير من اإلشكاليات التي تطرح نفسها
للنقاش والحل من مثل:
كيف يتم بناء حزب البيئة الذي يتخذ من الفلسفة اإليكولوجية ومن
نظرية التنمية المستدامة منهجا ً لتطوير وتجديد الفكر والنظام
االقتصادي والسياسي واالجتماعي .مع العلم أن ممتلكي المعرفة
اإليكولوجية وضروريات الجدل السياسي اإليكولوجي ،االجتماعي
اإليكولوجي واالقتصادي اإليكولوجي ،مازالوا قلةً قليلة ،حيث أن هذا
التوجه يحتاج إلى التخصص.
كيف سيستطيع حزب للبيئة مواجهة التخلف اإلجتماعي والمدني؟
كيف سيكون برنامجه بما يتعلق بمستوى المعيشة االقتصادية
ومحاربة الفقر وانتشار البطالة وتحقيق العدالة االجتماعية وكذلك
محاربة وفضح الفساد االقتصادي وعمليات التخريب البيئي وما هي
ى إيكولوجية؟
تصوراته فيما يختص بتأمين فرص للعمل ضمن رؤ ً
كيف سيكون برنامجه بما يتعلق بالدفاع عن خيارات السالم
ورفض العنف النفسي والمادي ضد اإلنسان والحيوان والنبات
والمصادر الطبيعية ومحاربة جرائم العنف في المجتمع واألسرة
وكذلك من أجل حماية الطفل ومحاربة العنف ضد األطفال ومحاوالت
145
تسخيرهم ألغراض ال إنسانية ومحاوالت االعتداء الجنسي عليهم،
وأيضا ً بما يتعلق بالدفاع عن حقوق األجنبي على األراضي الوطنية.
هل سيساهم الوعي المناهض للعلموية والعلمانية في تعقيد وزيادة
صعوبة نشوء حزب البيئة؟
كيف يمكن لحزب بيئة أن يساهم في بناء وتعميق وديمومة
الديمقراطية وتشجيع التعددية الديمقراطية والديمقراطية متعددة
الثقافات؟
كيف يمكن لحزب بيئة أن يتبنى قضية إحياء العلم والتعليم والبحث
العلمي وتقنيات المعلوماتية الحديثة واإلرتقاء بمستواههم؟
كيف يمكن لحزب بيئة أن يتبنى قضية إحياء القطاع الصحي
واإلرتقاء بمستواه؟
كيف يمكن لحزب بيئة أن يساهم في تأمين الحماية للناطقين
بالقانون ولسلطة القضاء واإلرتقاء بمستواه؟
كيف يمكن لحزب بيئة أن يساهم في عملية فصل الدين عن الدولة؟
ألن ذلك هو الشرط األساسي من أجل أن تتمكن التجمعات الدينية،
والتي تمثل قوى هامة في المجتمع المدني ،من ممارسة دور إيجابي
في البناء الوطني الديمقراطي.
كيف يمكن العمل المشترك من أجل سياسة بيئية ديمقراطية
تحررية ملتزمة باإلنسان والسالم لحفظ البيئة وحمايتها؟
146
هل تصلح النقاط التالية (ديمقراطية – تحديث – عدالة – استدامة)
ألن تكون محورا ً للبناء والحديث؟
***
147
ر
حقوق اإلنسان األساسية يف ألمانيا
148
• دولة ساكسونيا الحرة وعاصمتها درسدن.
• دولة شمال الراين ويستفاليا وعاصمتها دوسلدورف.
يتمتع كل بلد من البلدان الست عشرة بسلطات مستقلة ،فلكل بلد
منها دستوره الخاص الذي (يجب) أن يتطابق مع األسس الجمهورية
والديمقراطية واالجتماعية لدولة القانون .حيث يعد مبدأ الدولة
االتحادية أحد األسس الدستورية التي ال يجب المساس بها.
صدر القانون األساسي لجمهورية ألمانيا االتحادية بتاريخ
1949/5/23بقرار من المجلس البرلماني برئاسة كونراد أديناور
بغرض وضع نظام جديد حر وديمقراطي للدولة وذلك لفترة انتقالية
ولذا اكنفي آنذاك بتسميته بالقانون األساسي .تمت الموافقة على القانون
األساسي آنذاك من قبل أكثر من ثلثي ممثلي الشعب في كافة واليات
ذاك الوقت (عشر واليات).
منذ عام 1949وحتى 2008حكم ألمانيا 13رئيسا اتحاديا و8
مستشارا اتحاديا .تعتبر المحكمة الدستورية العليا الرقيب ـ الضمير
الذي يضمن االلتزام بالقانون األساسي.
بعد تحقيق الوحدة األلمانية 1990أعيدت صياغة المبادئ العامة
للقانون األساسي والمادة الختامية منه (المادة )146حيث يشير
القانون األساسي في هذه المادة إلى أن:
وحدة وحرية ألمانيا قد اكتملت .يسري مفعول القانون األساسي
على كامل الشعب األلماني .يفقد هذا القانون مفعوله في اليوم الذي يتم
149
فيه اإلعالن عن دستور والذي يتم القرار به من قبل الشعب األلماني
بكامل الحرية.
يحتوي القانون األساسي 146مادة.
تحتل الحقوق األساسية مكان الصدارة في هذا القانون:
فيما يلي سأقوم بعرض الحقوق األساسية لإلنسان في ألمانيا
االتحادية كما هي متواجدة في القانون األساسي محاوال بذلك االلتزام
قدر اإلمكان بموضوع الترجمة إلى اللغة العربية:
أوال :الحقوق األساسية:
مادة ( :1كرامة اإلنسان ،التزام الدولة بالحقوق األساسية)
.1إن كرامة اإلنسان مصانة وغير قابلة للمس .حماية واحترام
كرامة اإلنسان هما واجب إلزامي على كافة سلطات الدولة.
.2يؤمن الشعب األلماني بحقوق اإلنسان غير القابلة لالنتهاك
واالتجار بها كأساس لكل تجمع إنساني ،كأساس للسلم والعدالة في
العالم.
.3تعتبر السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ملتزمة بالحقوق
األساسية الالحقة باعتبارها قانونا تشريعيا ساري المفعول مباشر.
مادة ( :2حرية السلوك العام ،الحرية الشخصية ،حق الحياة)
.1لكل فرد الحق باإلطالق الحر لشخصيته طالما أنه اليخدج بذلك
حقوق اآلخرين أو ينتهك النظام الدستوري أو قانون التقاليد.
150
.2لكل فرد الحق في الحياة والسالمة الجسدية .حرية الشخص
غير قابلة لالنتهاك .يسمح التدخل في هذه الحقوق فقط بموجب قانون.
مادة ( :3المساواة أمام القانون ،التكافؤ بين الرجال والنساء ،منع
التمييز)
.1جميع الناس متساوون أمام القانون.
.2الرجال والنساء متكافئون .تشجع الدولة التنفيذ الفعلي للتكافؤ
بين النساء والرجال ساعية بذلك إلزالة العقبات السلبية الناشئة.
.3ال يُسمح بظلم (إساءة) أو تفضيل (تمييز) أي شخص كان بسبب
جنسه أو نسبه أو عرقه (ساللته) أو لغته أو موطنه أو منشئه أو عقيدته
أو رؤاه السياسية أو الدينية .ال يسمح بإلحاق الغبن بأي شخص كان
بسبب إعاقة فيه.
مادة ( :4حرية االعتقاد والضمير واإليمان)
.1ال يجوز المساس بحرية اإليمان وحرية الضمير وحرية اعتناق
العقائد العالمية والدينية .2 .يتم ضمان ممارسة الشعائر الدينية.
.3ال يسمح بإرغام أي شخص على أداء الخدمة العسكرية
المسلحة إذا كان ذلك يتعارض وقناعاته الوجدانية .يتم تنظيم التفاصيل
من خالل قانون اتحادي.
مادة ( :5حرية الرأي والمعلومات والصحافة ،الفن والعلم)
151
.1لكل الحق في التعبير الحر عن رأيه وترويجه شفهيا أو كتابة
أو تصويرا ً ،أيضا الحق في االستعالم من خالل كافة المصادر المتاحة
دون إعاقة .يتم ضمان حرية الصحافة وحرية إعداد التقارير وتقديمها
عبر الفلم واإلذاعة .الرقابة لن تحدث.
.2تجد هذه الحقوق محدداتها ضمن لوائح وأحكام القوانين العامة
وكذلك التحديدات القانون لحماية الجيل الشاب وأيضا في الحق المدني
(حق الشرف الشخصي).
.3ضمان حرية الفن والعلم والبحث العلمي والتعليم .ال تنفي حرية
التعليم من الوفاء للدستور.
مادة ( :6الزواج والعائلة ،األطفال الالشرعيين)
.1تتمتع الحياة الزوجية والعائلية بحماية خاصة من قبل الدولة.
.2تعتبر العناية باألطفال وتربيتهم الحق الطبيعي لألهل وقبل كل
شيء هو واجبهم الطوعي .تقوم المؤسسات والجمعيات الحكومية
بالسهر على رعاية تفعيل هذا الحق.
.3يسمح بفصل األطفال عن العائلة ضد إرادة ولي األمر بموجب
قانون وذلك في حالة فشل ولي األمر أو إذا كان األطفال مهددين
بالضياع واالنحالل ألسباب أخرى.
.4تهيي التشريعات القانونية لألطفال الالشرعيين الشروط
والفرص نفسها لغيرهم من األطفال الشرعيين فيما يتعلق بتطورهم
الروحي (النفسي) والبدني ومكانتهم في المجتمع.
152
.5لكل أم الحق في الحماية واالهتمام والعناية من قبل المجتمع.
مادة ( :7النظام المدرسي)
.1يخضع نظام التعليم المدرسي بأكمله تحت إشراف الدولة.
.2يملك أولياء األمر الحق في اتخاذ القرار بشأن اشتراك طفلهم
في دروس الدين.
.3يعتبر درس الدين مادة تعليم نظامية في كافة المدارس الحكومية
ماعدا في المدارس العقائدية .يتم إعطاء المقرر الديني باالتفاق مع
القواعد األساسية للتجمعات الدينية ودون المساس بحق األشراف
الحكومية .اليجوز إلزام أيا من المعلمين لتعليم المادة الدينية إذا كان
ذلك يتعارض وقناعاتهم وإرادتهم.
.4يكفل القانون االساسي الحق في مدارس خاصة .يتطلب إنشاء
المدارس الخاصة كبديل للمدارس العامة إلى تصريح وموافقة الدولة
ويخضع ذلك إلى القوانين السائدة في الوالية .يتم إعطاء الترخيص
إذا كانت المدارس الخاصة مكافئة تماما للمدارس الحكومية فيما يتعلق
باألهداف التعليمة والتجهيزات وبدرجة التأهيل العلمي لطاقم المعلمين
وعلى أال يتم العمل على تمييز التالميذ باالرتباط مع المستوى المادي
لألهل .يتم منع إعطاء الترخيص إذا كان الوضع الحقوقي
واالقتصادي لطاقم المعلمين غير مضمون ومؤهال بالشكل الكافي.
.5يتم الترخيص لمدرسة ابتذائية خاصة فقط إذا كانت إذارة
المدرسة تقر باهتمام تربوي خاص أو إذا تم تقديم طلب من قبل أولياء
153
األمر من أجل تأسيس المدرسة االبتدائية كمدرسة لجالية معينة أو
كمدرسة برؤى اقتصادية أو برؤى عالمية شريطة عدم وجود مدرسة
ابتدائية حكومية من هذا النوع في الدائرة السكنية.
.6تبقى المدارس اإلعدادية محفوظة.
مادة ( :8حرية التجمع)
.1لكل األلمان الحق في حرية التجمهر بشكل سلمي وغير مسلح
وذلك دون الحاجة للحصول على سماحية بذلك ودون الحاجة لإلبالغ
المسبق عند السلطات.
.2يمكن تحديد (حصر) االحتشاد في العراء تحت سماء حرة من
خالل قانون أو ألسباب قانونية.
مادة ( :9بناء وتشكيل الجمعيات واالتحادات واالئتالفات)
.1لكل األلمان الحق في تشكيل الجمعيات والمنظات االجتماعية.
.2يمنع تكوين االتحادات واالئتالفات التي تتعارض برامجها
أهدافها ونشاطاتها مع قانون العقوبات الجزائية أو تلك الموجهة ضد
النظام الدستوري وضد أفكار تفاهم الشعوب.
.3يبقى الحق مضمونا لكل شخص ولكل الفئات المهنية في تكوين
االتحادات واالئتالفات من أجل صون وتحسين شروط العمل
والشروط االقتصادية .تعتبر كل المحاوالت إلنكار وإعاقة وحصر
هذا الحق باطلة .اإلجراءات المبنية على هذه المحاوالت مخالفة
للقانون .اليجوز توجيه اإلجراءات الواردة والمحددة بالمواد 12أ و
154
35و 87أ و 91ضد النضال العمالي الهادف إلى تحسين ظروف
العمل والظرف االقتصادي.
مادة ( :10سرية الرسائل ،البريد واالتصاالت الهاتفية)
.1يمنع انتهاك حرمة سرية الرسائل والبريد وسرية االتصاالت.
.2يسمح بوضع قيود على هذه السرية فقط بموجب قانون إذا كان
هذا الحصر من شأنه خدمة وحماية النظام األساسي الديمقراطي الحر
أو كينونته وضمان أمن االتحاد األلماني أو أحد بلدانه .القانون يقر
بعدم إخبار المعني باألمر أان يجري االستقصاء والمراقبة من خالل
هيئات وأجهزة مساعدة يتم تعيينها من قبل ممثلي الشعب.
مادة ( :11حرية التنقل)
.1يتمتع كل األلمان بحرية التنقل في جميع أراضي ألمانيا.
.2يسمح بقصر هذا الحق فقط بموجب قانون او سبب قانوني
وفقط في الحاالت التالية:
ـ في حال عدم توفر المقومات الحياتية الكافية وامكانية نشوء اعباء
ثقيلة خاصة للعامية.
ـ في الحاالت التي يكون فيها من الضروري إبعاد أخطار مهددة
للكيان أو للنظام االساسي الديمقراطي الحر لالتحاد األلماني أو أحد
بلدانه.
155
ـ في الحاالت الضرورية لمقاومة اخطار وبائية أو كوارث وفواجع
طبيعية أو لمكافحة احداث مصائبية خاصة.
ـ في الحاالت الضرورية لحماية الجيل الشاب من االنحالل
والضياع أو لوقايته االحتياطية من أحداث جنائية يعاقب عليها القانون.
مادة ( :12حرية المهنة ،منع العمل القسري)
.1كل األلمان لهم الحق في االختيار الحر للمهنة ومكان العمل
وأماكن التأهيل المهني .يمكنهم تنظيم ممارسة المهنة من خالل قانون
او لسبب قانوني.
.2ال يسمح بإجبار أي شخص للقيام بعمل ما محددا ماعدا في
إطار الواجب العام المألوف والساري المفعول للجميع بغية تقديم
الخدمات.
.3يسمح بالعمل اإلجباري والعمل بالسخرة فقط في حالة حرمان
الشخص من حريته وفق قرار محكمي قضائي.
***
156
الذهئ
ي وباء التاج
159
واالجتماعية واإلنسانية وال سيما أن متوسط عمر اإلنسان في ازدياد،
وعدد السكان بازدياد والموارد الطبيعية بتناقص .
160
تحدّث البعض من الناس عن عالقة فيروس كورونا بوجبات
الطعام الصيني من كالب وقرود وعقارب وبشكل خاص خفافيش ـ
بصفتها الخزان سيء السمعة للعديد من مسببات األمراض ـ ،لكن لم
يتكلم أحد على اإلطالق عن العالقة المحتملة بين ظهور وباء كورونا
وتطور التكنولوجيا النانوية وتطبيقاتها.
مهم للغاية تحديد مصدر العدوى ومسار االنتقال ألن البحث عن
مسببات األمراض ال يقل أهمية عن منع وقوع حوادث مماثلة مرة
أخرى.
ما يعرفه اليوم خبراء علوم الفيروسات واألحياء الدقيقة عن
كورونا هو التالي:
األطفال غير معرضين حقيقة لإلصابة بأعراض فيروس كورونا.
لكنهم قد يحملون العدوى.
المراهقون أقل تعرضا ً لإلصابة من الكبار.
النساء أقل تعرضا ً لإلصابة من الرجال.
المرضى والعجائز الذكور خاصة وكذلك الرجال ذوي السوابق
المرضية هم األكثر تعرضا ً لإلصابة بفيروس كورونا.
الكمامة ال تقدّم أية وقاية.
جميل أن يسمح لك القدر بأن تعيش طقوس وباء عالمي لم تعشه
سابقا ً مخاطبا ً نفسك :ال سلطة تعلو على سلطة قانون االِّ صطفاء
الطبيعي.
161
أن تُعدى بمرض كورونا في بداياته خير لك ألف مرة من أن
تُصاب به في األشهر القادمة ،حيث لن تجد سريرا ً في مشفى وال من
يرعاك.
التعليم في زمن الوباء ،التدريس عبر اإلنترنت في أوقات كورونا
ال يعني أبدا ً أن يقوم المحاضر بإنتاج األفالم الفيديوية أو التسجيالت
الصوتية لمحاضراته.
ال يُعتبر الفيديو التعليمي دائما ً أفضل طريقة لجعل الحدث أو
المحاضرة متاحة عبر اإلنترنت ،ناهيك عن أن بعض الطالب -في
كل أنحاء العالم -لديهم نطاق ترددي محدود لإلنترنت في المنزل.
أفضل السيناريوهات التعليمية -بحسب وجهة نظري المتواضعة-
هو إتاحة المواد التعليمية للدراسة الذاتية أي استخدام أدوات غير
متزامنة (مثالً وضع ملفات ورد أو ب.د.ف .أو عروض وشرائح
بوربوينت للتنزيل بدالً من دفق الفيديوهات والتسجيالت ،اإليميل،
االبتعاد عن برامج الدردشة.)... ،
يُنصح باستخدام الهياكل المألوفة والموثوق بها من قبل إدارة
الجامعة ،أي استخدام منصة تعليمية مركزية في حال توفرها وأن
يجري التواصل مع الطالب عبر قنوات االتصال القياسية مثل البريد
اإللكتروني ومنتدى الجامعة اإللكتروني ـ المنصة التعليمية .يُنصح
أيضا ً بتأجيل المحاضرات والتجارب المخبرية إلى فترة الصيف
وإعطاها بشكل مكثف في يومين أو أكثر.
162
كما يُنصح بتعديل أنواع االمتحانات ونماذجها مثالً عن طريق
استبدال االمتحانات الكتابية بما يعادلها من وظائف بيتية وتقارير أو
تنفيذ امتحانات شفهية عن بعد.
وبكل تأكيد هناك الكثير مما قد يُقال في هذا الخصوص وهناك
أيضا ً بدائل تعليمية أخرى قد تكون أكثر جدوى.
***
163
ر ر ْ ْ
قصيدة ِإنزيغي (حشات)
164
تقول له :نحن مشهورون يا سيدي
بتقديم وجبات ِّإ ْنزي ْغتن (الحشرات)
يستفسر إيليا مدهوشاًِّ :إ ْنزي ْغتن؟ (حشرات؟)
نعم يا سيدي ..إِّ ْنزي ْغتن ..هو طعام المستقبل!
يقرأ إيليا:
وجبة خليط من ِّإ ْنزي ْغتن (حشرات) متنوعة،
برايز (السعر)$25 :
غريللن (جداجد حقيقية) ،برايز$17,5 :
وجبة ِّ
وجبة ميهلفورمير (خنافس الدقيق) ،برايز$18,5 :
هويشركين (جراد)
كاكيرالكين (صراصير)
سكوربيوني (عقارب)
كراببن (قشريات سرطانات)
أمايزين (نمل)
شميتيرلنغي (فراشات)
يتأمل إيليا عيون النادلة المضيئة ،يبتسم لها ويهمس:
أعطني من فضلك وجبة غرا ْس ِّهوبفر مع زوسي
165
(الجراد األخضر مع الصلصة)
ت ُ ّخزن السيدة روبوترين رغبته وتأمر بإحضارها على الفور
ثوان ويصل الطعام.
تتمنى له السيدة اآللية غوتن أبيتييت (شهية طيبة)
تغادره بلمح البصر
يبتسم إيليا ويرد عليها بلطف فيللين دانك (جزيل الشكر)
ينظر إلى وجبته ويأكل بشهية.
***
166
ّ
التبية التصميمية الموجهة بيئيا
مقدمة
القاسم المشترك بين علم التربية وعلم التصميم الهندسي المو ّجه
بيئيا ً هو أن كال االختصاصيين يهتمان وينشغالن بموضوع التطوير،
بكلمة أخرى اإلنسان .التطوير في الهندسة يهتم بإبداع وبناء آالت
وميكانيزمات ومتابعة العمل عليها بغية أمثلتها باالعتماد على اإلنسان
بالدرجة األولى بصفته المصمم والمبدع والقادر على معالجة المشاكل
المستعصية .بينما ينشغل التطوير في علم التربية ببناء وتطوير
اإلنسان بصفته كائن في مجتمع بغية أمثلة سلوكه وطرائق تفكيره
باالعتماد على نظريات علم النفس وعلم االجتماع.
إذا استطعنا تزويج التربية "المؤنثة "مع التصميم "المذكر "على
أرضية عرس علمي بحت ،فسوف تكون النتيجة مولودا ً جديدا ً قوي
البنية ،اسمه التربية التصميمية.
الهدف
ينبغي أن تهتم موضوعة البحث هذه (التربية التصميمية) بدراسة
العالقة التبادلية والتأثير المتبادل من كال الجانبين والنمو المشترك
ي التربية والهندسة التصميمية ،من هنا يجب االنشغال الختصاص ّ
167
بموضوع التطبيق العملي العلمي لنظريات التربية في طرق
ومنهجيات التصميم الهندسي وتقييم تأثيراتها على عملية تطوير
المنتج.
التحقق من المراجع
ال يمكن العثور في المراجع المختصة على دراسات ونتائج حول
التأثيرات التربوية وانعكاساتها على العملية التصميمية .في هذا
الخصوص يبدو من األهمية بمكان دراسة هذه االنعكاسات المتبادلة
بطريقة منهجية .وعليه ينبغي إنتاج عالقات ضيقة ما بين البحث
التربوي العلمي وعلم التصميم بهدف تطوير وتحفيز الكوامن لألمثلة
والنمذجة الموجهة ولتحليل وتقييم عمليات التخطيط والتصميم.
اقتراح خطة
بحسب وجهة نظري المتواضعة يمكننا االهتمام بدراسة النقاط
التالية:
بحث ودراسة التأثيرات التربوية التي يمكن أن يكون لها
انعكاساتها على طريقة عمل المصمم وإبداعه ودراسة آليات انعكاس
العوامل التربوية على عملية التصميم.
كيف يمكن لعلم التربية ونظرياته المهنية أن تؤثر على طريقة
تصميم المصممين العاملين في بيئات ثقافية وحضارية مختلفة السيما
أن العولمة قد ساهمت في تقريب المصممين من بعضهم البعض
168
وساهمت في انتشار المعامل والشركات التصنيعية في وحدات
جغرافية متباينة.
الهدف النهائي من فكرة البحث هي خلق األرضية المناسبة علميا ً
ومعرفيا ً من أجل وضع النقاط األساسية والتي ينبغي أن تساهم في
تطوير منهجيات ووسائل في علم التصميم ،قوامها ومحورها هو
اإلنسان بصفته الكائن القادر على حل المشاكل التقتية وال سيما أن
دوره الفعّال قد أ ُهمل في نظريات وطرق التصميم التي تم تطويرها
خالل الحربين وبصورة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
في هذا السياق توجهنا الفكرة المطروحة في كتاب تقنية التصميم
للمؤلف هوغو فوغرباور الذي طرح أهمية التربية والفلسفة
التصميمية كجزئين أساسيين من نظرية تصميم اآلالت.
***
النهاية
وهللا ولي التوفيق
ألمانيا – الغابة السوداء – سبتمبر – 2020
169
170