Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 171

2

‫هواجس إيكولوجيّة قديمة‬

‫علي إبراهيم دريوسي‬

‫ألمانيا – الغابة السوداء –‪2020‬‬

‫مختارات بيئية‬
‫الكتاب‪ :‬هواجس إيكولوجيّة قديمة‬
‫التصنيف‪ :‬مختارات بيئية‬
‫المؤلف‪ :‬علي إبراهبم دريوسي‬
‫التنسيق الداخلي وتصميم الغالف‪ :‬علي إبراهبم دريوسي‬
‫صدر الكتاب عن دار أمازون كيندل للنشر اإللكتروني‬
‫صورة الغالف‪ :‬للفنَّانة العراقية روناك عزيز‬

‫جميع حقوق الطبع محفوظة‪.‬‬


‫ال يجوز‪ ،‬دون الحصول على إذن خطي من ال ُم َؤ ِّلّف‪ ،‬استخدام أي من المواد‬
‫التي يتضمنها هذا الكتاب‪ ،‬أو استنساخها أو نقلها‪ ،‬كليا ً أو جزئياً‪ ،‬في أي شكل‬
‫وبأي وسيلة‪ ،‬سواء بطريقة إلكترونية أو آلية‪ ،‬بما في ذلك االستنساخ‬
‫الفوتوغرافي‪ ،‬أو التسجيل أو استخدام أي نظام من نظم تخزين المعلومات‬
‫واسترجاعها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫عن المؤلف‬

‫علي إبراهيم دريوسي‪ ،‬بروفيسور دكتور مهندس وكاتب قصصي‪ ،‬مقيم في‬
‫ألمانيا‪ ،‬من مواليد سوريا‪/‬الالذقية‪/‬بسنادا‪ ،‬حائز على شهادات عليا في مجال‬
‫تصميم وحسابات اآلالت الميكانيكية من جامعات ألمانيا‪ ،‬أستاذ وباحث في جامعة‬
‫أوفنبورغ األلمانية للعلوم التقنية‪ ،‬لديه اهتمامات في الشأن السياسي‪-‬االجتماعي‪،‬‬
‫في الحقل اإليكولوجي‪-‬السياسي وفي مجال قراءة األدب وكتابته‪.‬‬

‫صدر للمؤلف‬
‫‪ .1‬اعتقال الفصول األربعة‪ .‬قصص قصيرة‪ .‬الطبعة الثانية ‪.2020‬‬
‫منصة أمازون كيندل للنشر اإللكتروني‪.‬‬
‫الرفش إلى العرش‪ .‬قصص ونصوص‪ .‬الطبعة الثانية ‪.2020‬‬ ‫‪ .2‬من ّ‬
‫منصة أمازون كيندل للنشر اإللكتروني‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتقال الفصول األربعة‪ .‬قصص باأللمانية‪ .‬الطبعة األولى ‪.2019‬‬
‫دار فيشر للنشر في ألمانيا‪.‬‬
‫‪ .4‬حجر الجلخ‪ .‬قصص‪ .‬الطبعة الثانية ‪ .2020‬منصة أمازون كيندل‬
‫للنشر اإللكتروني‪.‬‬
‫‪ .5‬وال ُمسنَّنات تتعاشق‪ .‬رواية قصصية‪ .‬الطبعة األولى ‪.2020‬‬
‫منصة أمازون كيندل للنشر اإللكتروني‪.‬‬
‫‪ .6‬واِنهارت الكعكة‪ .‬رواية قصيرة‪ .‬الطبعة الثانية ‪ .2020‬منصة‬
‫أمازون كيندل للنشر اإللكتروني‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫إهداء‬

‫إلى‬
‫أحبائي أبراهام وإيليا والقادم‬
‫وإلى‬
‫رفيقي علي‬
‫لهم دائما ً وأبداً‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫كلمة الغالف‬

‫أصبحت التنمية المستدامة (اإليكولوجيا العميقة) مع مرور الزمن‬


‫مشروعا ً فكريا ً باستراتيجية حضارية وقيمة إبداعية غاية في األهمية‪.‬‬
‫التنمية المستدامة هي جملة العمليات التطويرية ذات الصفة‬
‫االستمرارية والتي تتناسب مع احتياجات ورغبات أجيال اليوم دون‬
‫تعريض رغبات واحتياجات أجيال المستقبل للخطر‪ .‬إن مفهوم‬
‫اإليكولوجيا العميقة على الصعيد الفردي ـ وحيث أن اإلنسان هو‬
‫محورها ـ مرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بمفهوم الجودة الحياتية العالية وحق‬
‫التمتع بها (الحق في اقتناء منتجات رفيقة بالبيئة وبالصحة مثالً)‪.‬‬
‫تسطيع نسبة عالية جدا ً من األطفال والشباب والشابات والكهول‬
‫ودون صعوبات أن تتذكر أسماء العبي كرة القدم في بلدانهم والبلدان‬
‫العالمية ونتائج الدوري بالطبع‪ ،‬وكذلك هم قادرون دون جهد فكري‬
‫على الخوض بأحاديث سياسية عامة وأخرى اجتماعية يومية خاصة‬
‫فيما يتعلق باألمور الغيبية‪ .‬وألنهم اليودون تقديم أي جهد ذهني‬
‫يتناسون بأن التح ّدي األكبر الذي يجابههم وبلدانهم هو بالدرجة األولى‬
‫تح ّدي إيكولوجي وتكنولوجي وبأن اليقظة العلمية والنضال اليومي‬
‫من أجل حرية التعليم والتعلم وحرية البحث العلمي هي من أهم ركائز‬
‫النضال السياسي لهذا العصر‪.‬‬
‫***‬

‫‪5‬‬
‫إشارة‬

‫يتضمن هذا الكتاب مجموعة مقاالت معرفية عامة‪ ،‬غير أكاديمية‪،‬‬


‫ممتعة‪ ،‬سهلة الفهم وصالحة للقراءة من قبل كافة الشرائح بمستوياتها‬
‫المعرفية والعلمية والعمريّة المتباينة‪ُ .‬كتبت هذه النصوص ‪/‬بهدف‬
‫االستجمام‪ /‬في الفترة الزمنية بين ‪ 2004‬و‪ 2006‬باستثناء نص‬
‫"وباء التاح الذهبي"‪ ،‬وقد نُشرت متفرقة في الصحافة اإللكترونية‬
‫والقت رواجا ً جيداً‪ ،‬وتم االستشهاد بها في العديد من الكتب األكاديمية‬
‫والمعرفية العامة وأطروحات الدراسات الجامعية العليا‪.‬‬
‫***‬

‫‪6‬‬
‫محتوى الكتاب‬

‫السياسة البيئية ومهامها‬


‫الحركات البيئية والديمقراطية‬
‫الخضر األلماني وتحالف التسعين‬
‫مدخل إلى حقوق الجيل الثالث‬
‫األهمية البيئية للطاقة الهوائية‬
‫معالجة المخلفات العضوية‬
‫الجامعات واإليكوتكنوإيديولوجيا‬
‫حول التعليم العالي في ألمانيا‬
‫عالمية التأهيل الهندسي في العولمة‬
‫الكوسموس التكنونانوي والتلوث البيئي‬
‫اإلنفورماتيك والمجتمع‬
‫الفضالت الكومبيوترية‬
‫المدرسة وفن النفايات‬
‫حماية البيئة في المشافي‬
‫االستثمار األخضر للنقود‬
‫حول تأسيس مصرف للتسليف البيئي‬
‫نحو حزب ينطلق من القضية البيئية‬

‫‪7‬‬
‫حقوق اإلنسان األساسية في ألمانيا‬
‫وباء التاج الذهبي‬
‫قصيدة ِإ ْنزي ْغتن (حشرات)‬
‫التربية التصميميةالمو ّجهةبيئيا‬

‫‪8‬‬
‫السياسة البيئية ومهامها‬

‫إن تأمين األسس الطبيعية للحياة اإلنسانية ـ من خالل حماية‬


‫مسؤولة للبيئة متمثلة بالوقاية االحتياطية ضد األخطار البيئية على‬
‫ضوء وجهات النظر اإليكولوجية واإليكونومية واالجتماعية ـ يُعتبر‬
‫اليوم وعلى المستويين الوطني والعالمي إجرا ًء أساسيا ً لضمان مستقبل‬
‫آمن من المشاكل البيئية‪.‬‬
‫تمثل السياسة البيئية جزءا ً من السياسة العامة والضرورية لمستقبل‬
‫إنسان أفضل‪ ،‬ال تنحصر مهمتها فقط في معالجة األضرار البيئية‬
‫المتواجدة أصالً وإنما تتعداها للمطالبة بتجنب المشاكل البيئية وتقليل‬
‫األخطار الناجمة عنها قدر اإلمكان‪ ،‬كما تسعى إلى إيجاد وتطوير‬
‫اإلجراءات الضرورية والفعّالة لحماية صحة اإلنسان وحياته وقيمته‬
‫من كافة أشكال التلوث‪.‬‬
‫إن الدور الذي ينبغي على السياسة البيئية أن تلعبه مرتبط وبشكل‬
‫وثيق بالثقافة البيئية‪ .‬ففي الوقت الذي تطمح فيه السياسة البيئية لحل‬
‫المشاكل البيئية باستخدام اجراءات تقنية وإدارية تسعى الثقافة البيئية‬
‫على التوازي وباهتمام متزايد إلحداث تغييرات في طرق التفكير‬
‫والسلوك البيئي عند اإلنسان‪ .‬حيث أن جسر العبور إلى مجتمع يمتلك‬

‫‪9‬‬
‫صفات االستمرارية يتم تأسيسه بتوجيه المجتمع والنهوض به بحيث‬
‫يتصرف كل شخص وكأنه صاحب قرار ناضج ‪.‬‬
‫تهدف الثقافة البيئية إلى تطوير الوعي البيئي وخلق المعرفة البيئية‬
‫األساسية بغية بلورة سلوك بيئي إيجابي مستديم‪ ،‬والذي هو بمثابة‬
‫الشرط األساسي كي يستطيع كل شخص أن يؤدي دوره بشكل فعّال‬
‫في حماية البيئة وبالتالي المساهمة في الحفاظ على الصحة العامة ‪.‬‬
‫وهنا تكمن أهمية الثقافة البيئية والسعي الدؤوب لتطويرها‪ ،‬بغية‬
‫نشرها وإنضاجها لتتحول بذلك إلى مجال خاص مهم وقائم بذاته قادر‬
‫على أن يأخذ دوره في المناهج التدريسية في كافة المراحل المدرسية‬
‫والجامعية بغية تنشئة أجيال بعقول جديدة تعي مفهوم الثقافة البيئية‬
‫وتعمل على تطبيقها‪.‬‬
‫إن الثقافة البيئية كمرادف غير مباشر للتعلم اإليكولوجي والتربية‬
‫البيئية هي عملية تطوير لوجهات النظر والمواقف القيميّة وجملة‬
‫المعارف والكفاءات والقدرات والتوجهات السلوكية وجملة النتائج‬
‫الصادرة عن عملية التطوير هذه من أجل حفظ وحماية البيئة‪.‬‬
‫الثقافة البيئية تتحقق في كل المراحل وتجهيزات جوهر العملية‬
‫الثقافية وفي مجال متابعة التعلم الحر وأيضا ً في كافة المنظمات‬
‫والجمعيات التي تسعى لحماية البيئة والطبيعة‪ .‬ذلك من خالل عمليات‬
‫تعلم وتعليم ممنهجة ومنظمة ومبرمجة زمنيا ً بهدف بناء جيل ذي‬
‫كفاءة عالية واستعداد للتعامل بخبرة وبكامل المسؤولية مع قضايا‬
‫البيئة‪ .‬من خالل هذه التحديدات تكتسب الثقافة البيئية مفهوما ً مختلفا ً‬
‫‪10‬‬
‫يميزها عن الشكل اإلخباري لإلهتمام بقضايا البيئة والذي يضع‬
‫باالعتبار األول الطريقة العفوية المشروطة بحالة ما‪.‬‬
‫وبنا ًء عليه فإن السياسة البيئية بارتباطها الوثيق مع الثقافة البيئية‬
‫لها أهداف جوهرية أساسية وأخرى ثانوية ‪.‬‬
‫يمكن حصراألهداف الجوهرية بالنقاط الرئيسية التالية‬
‫إن حماية وحفظ صحة وحياة االنسان هي التزام‬ ‫•‬
‫وواجب أخالقي من المفروض أن يؤخذ بعين االعتبار عند‬
‫القيام بأي عمل من قبل المجتمع والدولة‪.‬‬
‫إن الحماية والتطوير المستديم للنظام الطبيعي‬ ‫•‬
‫والنباتي والحيواني وكافة األنظمة االيكولوجية في تنوعها‬
‫وجمالها وماهيتها ما هو إال مساهمة رئيسية من أجل استقرار‬
‫المنظر الطبيعي العام وكذلك لحماية التنوع الحيوي الشامل‪.‬‬
‫حماية المصادر الطبيعية كالتربة والماء والهواء‬ ‫•‬
‫والمناخ والتي تعتير كجزء رئيسي من النظام البيئي وفي الوقت‬
‫نفسه كأساس للتواجد والمعيشة لإلنسان والحيوان والنبات‬
‫ولمتطلبات االستثمار المتنوعة للمجتمع االنساني‪.‬‬
‫حماية وحفظ الموارد المعنوية والتراث الحضاري‬ ‫•‬
‫كقيّم حضارية وثقافية واقتصادية للفرد والمجتمع‪.‬‬
‫استبدال المصادر األحفورية بالمصادر الطاقية‬ ‫•‬
‫البديلة‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫العمل على حفظ وترسيخ وتوسيع فضاءات حرة‬ ‫•‬
‫وذلك لخدمة األجيال المستقبلية وأيضا ً بهدف الحفاظ على‬
‫التنوع البيئي الحيوي واألماكن الطبيعية‪.‬‬
‫أما األهداف الثانوية للسياسة البيئية تنحصر بحل المشاكل التالية‬
‫• اإلدارة المتكاملة للمخلفات والمواد الخطرة والمواد‬
‫الكيميائية‪.‬‬
‫حماية الصرف الصحي‪.‬‬ ‫•‬
‫نظافة الهواء‪.‬‬ ‫•‬
‫تجنب الضجيج‪.‬‬ ‫•‬
‫مكافحة التصحر وإنقاذ المنظر الطبيعي العام من‬ ‫•‬
‫الهالك الناتج عن التلوث البيئي‪.‬‬
‫إن حماية البيئة الموجهة حسب األهداف األساسية والثانوية‬
‫المذكورة أعاله‪ ،‬هو عمل احتياطي وقائي مو ّجه تقع مسؤوليته‬
‫بالدرجة األولى على عاتق الدولة وذلك بالتعاون الفعّال مع كافة‬
‫الجمعيات المدنية بهدف معالجة النقاط الرئيسية التالية‪:‬‬
‫إزالة أو معالجة األضرار البيئية القائمة‪.‬‬ ‫•‬
‫تجنب أو التقليل من األخطار البيئية الراهنة‪.‬‬ ‫•‬
‫الوقاية االحتياطية من المشاكل البيئية المستقبلية‬ ‫•‬
‫والتي قد يكون من الممكن تداركها‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫إن إحدى أهم التزامات الدولة وأكثرها خصوصية تكمن في تحديد‬
‫الشروط الضرورية لحماية البيئة وتجنب المشاكل البيئية والتي يمكن‬
‫تلخيصها بمايلي‪:‬‬
‫إصدار القوانين واألوامر اإلدارية المتعلقة بكافة‬ ‫•‬
‫مجاالت حماية البيئة عل أن تتضمن هذه القوانين الشروط‬
‫الكافية لتحقيق األهداف المرجوة من السياسة البيئية‪ .‬هذا‬
‫باإلضافة إلى إمكانية فرض ضرائب ورسوم بيئية بحسب المبدأ‬
‫(من يستهلك البيئة ومواردها أكثر يدفع أكثر)‪ ،‬هذا ويمكن‬
‫استخدام الضرائب المقررة لدعم مشاريع حماية المناخ أو‬
‫كاستثمارات في مجال الطاقات البديلة ‪ .‬كذلك ينبغي منح‬
‫إعانات مالية وإيجاد وتطوير مواد استعمال ذات مواصفات‬
‫رفيقة بالبيئة‪ ،‬وتطوير عمليات إنتاجية فقيرة العوادم والعمل‬
‫على تطوير مشاريع واساليب إعادة االستثمار الفعّال عن‬
‫طريق إيجاد تقنيات مناسبة للتخلص من النفايات بكافة اشكالها‬
‫بطرق بيئية سليمة‪ .‬ومن الطبيعي ضمن هذا اإلطار أن تسعى‬
‫قو انين حماية البيئة لتحقيق االستعمال األمثل للمصادر‬
‫الطبيعية بما فيها الماء والتربة وذلك عن طريق إيجاد طرق‬
‫ووسائل رفيقة بالغابات واألراضي والطبيعة بشكل عام‪.‬‬
‫العمل على اإلرتقاء بمستوى الوعي البيئي بين‬ ‫•‬
‫السكان ومتابعة تطوره من خالل برامج ثقافية وإعالمية وكذلك‬
‫تقديم االستشارات والنصائح البيئية بغية الوصول إلى الهدف‬

‫‪13‬‬
‫األكبر وهو خلق نهضة وطنية ذات عزيمة وتصميم على حماية‬
‫البيئة والوقاية من التلوث والوقوف في وجه المحاوالت الرامية‬
‫لنقل الصناعات الملوثة إلى بلدان العالم الثالث بحجة تشجيع‬
‫االستثمار‪.‬‬
‫خلق حالة من اإلنسجام والتعاون المشترك وتبادل‬ ‫•‬
‫الخبرات بين البلد المعني والبلدان المجاورة باإلضافة إلى تأمين‬
‫وتفعيل جسور التعاون التقني مع بعض البلدان والجامعات‬
‫األوروبية بهدف تطوير مشروع مشترك ضمن إطار تفعيل‬
‫السياسة البيئية وابراز دورها الرئيسي في درء المخاطر البيئية‬
‫واتخاذ التدابير المناسبة للحد من ظهور مشاكل بيئية مستقبلية ‪.‬‬
‫تقتضي الضرورة تنفيذ دراسات تقييم األثر البيئي‬ ‫•‬
‫للمشاريع االستثمارية ومراقبة تطبيقها باإلضافة إلى االعتماد‬
‫على ما يسمى باختبار حساسية البيئة ومدى إمكانية التعايش‬
‫معها‪ ،‬ووضع هذا االختبار موضع التنفيذ على أن يمتد ليشمل‬
‫كافة مجاالت التخطيط لمشاريع االستثمار بكافة أشكالها بما‬
‫فيها الصناعية واإلنتاجية آخذين بعين االعتبار أنواع المنتجات‬
‫وطرق اإلنتاج وكذلك طرق التخلص من النفايات الصادرة عن‬
‫العملية اإلنتاجية‪.‬‬
‫تشجيع ترجمة العلوم البيئية في المجال القانوني‬ ‫•‬
‫البيئي والهندسي واالقتصادي والتربوي البيئي إلى اللغة‬
‫العربية وزيادة فرص التخصص العالي في المجال البيئي من‬
‫‪14‬‬
‫أجل خلق كيانات علمية بيئية قادرة على نشرالثقافة البيئية‬
‫التقنية الحديثة وفرض تواجدها عالميا ً باعتمادها أسلوب ضمان‬
‫الجودة الشاملة ‪.‬‬
‫إن السياسة البيئية الناجحة هي تلك السياسة التي تم ّهد الطريق أمام‬
‫نشوء وعي بيئي وثقافة بيئية‪ ،‬وهي التي تربط النظام اإليكولوجي‬
‫بالنظام التعليمي وكالهما بالنظام االقتصادي ونظام السوق وتحترم‬
‫وتشجع المسؤولية الذاتية لكل من نظام السوق واالستثمار‪ ،‬وتعمل‬
‫على إزالة كافة اشكال البيروقراطية أمام التراخيص الهادفة لتخطيط‬
‫مشاريع رفيقة بالبيئة واإلنسان وتمكين المستثمرين والباحثين من‬
‫الوصول إلى دراسة وفحص كل النواظم واللوائح والمعايير التقنية‬
‫المتواجدة وإعطاء الضوء األخضر أمام إدخال نورمات جديدة وكذلك‬
‫التقرب من الشركات الصناعية عن طريق تقديم عروض للمشاركة‬
‫بنظام جماعي مهتم بإدارة البيئة واختباراتها‪ ،‬وإشراك المواطنين عن‬
‫طريق وسائل اإلعالم مثالً إلبداء الرأي حول البعد البيئي للمشاريع‬
‫معزمة اإلنشاء وكذلك إشراكهم في االتفاقات الصناعية المزعم‬
‫عقدها‪ .‬وبهذا الشكل يمكن الشروع بمحاولة لالتحاد والتعاون بعيدا ً‬
‫عن أي تعارض بين النظام االيكولوجي والنظام االقتصادي‪.‬‬
‫***‬

‫‪15‬‬
‫الحركات البيئية والديمقراطية‬

‫إننا نريد النهوض‪ ،‬ذاك الذي يوقظ الشجاعة والقوة للبناء‬


‫الديمقراطي للمجتمع‪ .‬النهوض الديمقراطي يحتاج بالطبع إلى‬
‫األشخاص الذين لديهم القدرة للتعبير عن قناعاتهم السياسية وعن ثقتهم‬
‫بمخططات حياة مستقبلية واعدة‪ .‬الطموح من أجل الديمقراطية هو‬
‫طموح من أجل العدالة التي ال تكمن فقط بالمشاركة بالملكية بل بالقول‬
‫وبشكل مستقل عن المنشأ االجتماعي والجنس والهوية الجنسية ولون‬
‫البشرة والدين أو عالمات أخرى‪.‬‬
‫إننا نسعى إلعطاء إجابة حول التحديات االجتماعية والسياسية‬
‫الجديدة للديمقراطية ودولة الحق الليبرالية بجملة معانيها من حقوق‬
‫الحرية والمواطنة‪.‬‬
‫إننا نشجع التعددية الديمقراطية والديمقراطية متعددة الثقافات‬
‫ونعمل على تعزيز مشاركة المواطنين والمواطنات وإصالح‬
‫المؤسسات الديمقراطية المتواجدة وإيجاد طرق للمشاركة في إبداء‬
‫الرأي في مسائل اقتصادية واجتماعية وإنعاش مفهوم االتحاد‬
‫الفيدرالي الديمقراطي بين شرائح المجتمع بتعدداتها القومية والدينية‬
‫والفكرية ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫في هذا الخصوص توجهنا أفكار المشاركة العادلة بعمليات اتخاذ‬
‫القرار والمبادرة الذاتية لألشخاص وكذلك االستدامة كمقياس‬
‫للقرارات الديمقراطية‪.‬‬
‫الديمقراطية هي األساس للحياة المشتركة ‪.‬‬
‫لكل شريحة اجتماعية الحق في تشكيل وخلق شكل لحياتها‬
‫المشتركة‪.‬‬
‫الديمقراطية الحقة ال يمكن بناؤها والحفاظ عليها ومتابعة تطويرها‬
‫إال إذا وقف الوطنيون لحمايتها ومساندتها ‪.‬‬
‫مع بدايات القرن الواحد والعشرين بدأت مالمح فكر جديد بالظهور‬
‫من أجل تحقيق الديمقراطية ودولة الحق‪ .‬قوام هذا الفكر هو جملة‬
‫من التحديات تتمثل بـ ‪:‬‬
‫تحدي العولمة‪ :‬تعيش الديمقراطية اليوم تحت ضغط العولمة والتي‬
‫ساهمت ومن خالل فتحها لألسواق والتجارة واالقتصاد بتقليل درجة‬
‫التدخل السياسي للبرلمانات والحكومات الوطنية‪ .‬بقاء الديمقراطية‬
‫أصبح اليوم مرتبطا ً بتمتعها بدرجة عالية من المرونة بهدف التطور‬
‫الذاتي ضمن ظروف العولمة والثورة التقنية ‪.‬‬
‫تحدي الفساد‪ :‬يجب على البناء الديمقراطي العمل الحثيث من أجل‬
‫مكافحة الفساد والرشوة وغسيل األموال وتجارة الجنس وتجارة‬
‫األسلحة والمخدرات والجرائم المنظمة‪ .‬تعتبر جملة الجرائم هذه على‬

‫‪17‬‬
‫أنها من أشد أعداء الديمقراطية‪ .‬إهمال مكافحتها يقوض ويجوف الفكر‬
‫الديمقراطي من محتواه ‪.‬‬
‫تحدي المعلوماتية‪ :‬إلى جانب العولمة يتم النظر إلى تقنيات‬
‫المعلوماتية الحديثة على أنها بمثابة التحدي الجديد للبناء الديمقراطي‪.‬‬
‫التقنيات المعلوماتية قادرة على أن تلعب دورا ً أساسيا ً في المساهمة‬
‫في البناء الديمقراطي شريطة أن تتوفر للجميع‪ .‬المشاركة الديمقراطية‬
‫ممكنة إذا كانت وسائط اإلعالم والمعلومات ومواقع االتصاالت في‬
‫متناول اليد‪ .‬ولهذا نعمل من أجل حرية وعدالة االتصاالت‪ .‬البناء‬
‫الالمركزي لهيكلية االتصاالت في شبكة اإلنترنيت يقود حتما ً إلى‬
‫خلق أشكال جديدة من التحرر بالمشاركة في صنع القرارات‪.‬‬
‫التصويت اإللكتروني هو أداة ممكنة لديمقراطية المستقبل وهذا ال‬
‫يعني بتاتا ً استبدال الديمقراطية بديمقراطية جديدة‪ .‬إال أن الهدف هو‬
‫مشاركة وطنية أكثر قوة وشمولية في عمليات بناء الرأي الحكومي‬
‫وحق التقرير السياسي ‪.‬‬
‫تحدي اإلرهاب العالمي‪ :‬إن المجتمعات اإلنسانية (وخاصة تلك‬
‫المتطورة تقنيا ً والمستندة إلى مبدأ األكثرية في الحكم) تجد نفسها اليوم‬
‫مهددة بالعمليات اإلرهابية والتي ينفذها األصوليون‪ .‬وألن حرية‬
‫اإلنسان وحقوق المواطنة هي قضايا مركزية‪ ،‬تسعى هذه البلدان إلى‬
‫تقوية وإيجاد نماذج جديدة لتحقيق األمن الداخلي لمواطنيها‪ .‬إال أن‬
‫هذا األمن الداخلي ال يعني أبدا ً السعي إلى هدم أركان الحريات‬
‫األساسية‪ ،‬ألن من يحاول تحقيق األمن الداخلي على حساب الحرية‬

‫‪18‬‬
‫سوف يخسر في النهاية كلتيهما‪ .‬وألن التقنيات العظيمة المتواجدة في‬
‫المجتمعات الحديثة أصبحت بصورة خاصة مهددة باإلرهاب‪ ،‬فإنه‬
‫ينبغي المطالبة الواعية من أجل هدم المفاعالت النووية ومنشآتها‪،‬‬
‫وكذلك المطالبة بتحقيق مبدأ الالمركزية في سوق تأمين الطاقة‬
‫الحرارية والكهربائية والغازية‪.‬‬
‫إن الطموح لبلوغ هذين الهدفين يعتبر بحق مساهمة عظيمة من‬
‫أجل تعزيز األمن الوطني‪ .‬كما أن الطموح من أجل إيجاد حلول‬
‫لألزمات السياسية العالمية والعمل من أجل تقليل الفجوة بمعانيها‬
‫المتعدة بين البلدان الفقيرة والغنية هو أيضا ً مساهمة من أجل بناء‬
‫الديمقراطية واألمن الداخلي ‪.‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أن الفقر واألزمات االجتماعية السياسية‬
‫اإلقليمية ليست سببا ً أو تبريرا ً لممارسة اإلرهاب‪ .‬وعليه فإن بناء‬
‫الديمقراطية يتطلب أيضا ً البحث الجاد إليجاد أجوبة تحليلية شافية‬
‫لمعالجة هذا الشذوذ ‪.‬‬
‫إن مجابهة اإلرهاب ليست مجابهة ضد هذه الثقافات والحضارات‪،‬‬
‫بل هي مجابهة كافة الثقافات والحضارات ضد محاوالت التدمير التافه‬
‫لحياة وحرية اإلنسان ‪.‬‬
‫إن أحد أهم األهداف األساسية للحركات البيئية وألحزاب الخضر‬
‫في البلدان المتقدمة هو تمهيد الطريق أمام بلدان العالم بغية الوصول‬
‫إلى حقوق اإلنسان‪ ،‬إلى دولة الحق‪ ،‬وإلى الديمقراطية ومبدأ حكم‬
‫األكثرية ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫يستند الفهم اإليكولوجي لموضوعة الديمقراطية على تحقيق مجتمع‬
‫األكثرية والذي يوفر مكانا ً لكافة أشكال وأساليب الحياة المتباينة ‪ .‬بدالً‬
‫من الهيمنة والطاعة والتماثل يسعى البيئيون من أجل حرية تقرير‬
‫المصير ومن أجل الحرية الحضارية متعددة الثقافات حيث أن التداخل‬
‫الحضاري الثقافي في المجتمعات هو فرصة حقيقية لمواطني هذه‬
‫المجتمعات من أجل تعلم الديمقراطية ‪.‬‬
‫وألن العالم الذي نعيشه اليوم يزداد صغرا ً أصبحت إمكانية التبادل‬
‫الفكري اإلنساني بين حضارات وثقافات متباينة أكثر سهولة‪ .‬فلقد‬
‫بدأت الحواجز والموانع السياسية والجغرافية تفقد تدريجيا ً أهميتها‬
‫العفنة ‪.‬‬
‫اإليمان والقناعة باختالف البشر واختالف أنماط حيواتهم يقودان‬
‫حتما ً إلى المطالبة بالمساواة للجميع في كافة الحقوق‪.‬‬
‫إن التغلب على التمييز بكافة وجوهه السلبية واحترام التميز كوجه‬
‫إيجابي هو من مهمة المجتمع والسياسة القانونية النظيفة التي يجب أن‬
‫تسود في المجتمع‪.‬‬
‫يريد الخضر قانونيا ً وإنسانيا ً حماية أشكال الحياة التي تم بناؤها‬
‫في المسار الطبيعي لتطور المجتمع وإكسابها شكالً طبيعياً‪ ،‬وهذا هو‬
‫شرط جوهري من أجل االنفالت الحر للشخصية اإلنسانية ‪.‬‬
‫يتبنى الخضر قضية عدم السماح باإلساءة أو عزل أو االتهام‬
‫السلبي ألي إنسان بسبب هويته الجنسية ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫لقد دافع ويدافع الخضر عن حقوق المثليين في بلدانهم وبلدان العالم‬
‫األخرى‪ ،‬وقد حصدوا حتى اآلن الكثير من النجاح‪ .‬يجب على القانون‬
‫أن يحمي ويحترم كافة حقوق المثليين ومن يعيش في كنفهم (أطفال)‬
‫من كافة أشكال االضطهاد والتمييز والمالحقة والعزل االجتماعي‬
‫والتعامل الالإنساني ‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك يريد الخضر بشكل خاص تأمين الحماية القانونية‬
‫ألفراد المجتمع المشوهين جسديا ً أو نفسيا ً بسبب الوالدة أو الحوادث‬
‫أو األمراض أو الحروب‪ ،‬وذلك من أجل إعدادهم نفسيا ً وتمكينهم‬
‫فكريا ً للمشاركة الفعالة في بناء المجتمع ‪.‬‬
‫إن الشرط الجوهري لتحقيق المساواة لهؤالء الناس هو التحرر من‬
‫جملة الموانع في كافة صورها ومجاالتها وبشكل خاص في الرؤوس ‪.‬‬
‫الخضر هم أحزاب ديمقراطية ال ديكتاتورية تحارب فكريا ً كل‬
‫شكل من أشكال العنف والقوة ‪.‬‬
‫يريد الخضر المشاركة في بناء الدولة التي يجب أن تكون قوية‬
‫بما يكفي والتي تشجع على المبادرة والنشاط الذاتي الحضاري‬
‫واالقتصادي واالجتماعي‪ ،‬الدولة التي تحترم وتحمي حق االعتقاد‬
‫الديني إال أنها ترفض مراعاة هذا االعتقاد فيما يتعلق بالدوائر‬
‫الحكومية واستالم الحقائب والوظائف ‪.‬‬
‫الخضر يدعمون عملية فصل الدين عن الدولة ألنهم يرتؤون في‬
‫هذا الفصل بأنه الشرط األساسي من أجل أن تستطيع التجمعات الدينية‬

‫‪21‬‬
‫والتي تمثل قوى هامة في المجتمع المدني من ممارسة دور إيجابي‬
‫في البناء الوطني الديمقراطي‪.‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة بأن الخضر لديهم تجربة جيدة في مجال‬
‫التعاون مع الجمعيات الدينية وقد أثمرت هذه التجربة عن إيجابيات‬
‫متعددة‪ .‬الخضر يشجعون الحوار بين الديانات‪ ،‬وهدفهم بذلك هو إلغاء‬
‫كل شكل من أشكال التمييز على أساس ديني‪.‬‬
‫يشجع الخضر الهجرة إلى بلدانهم دون فرض لقيود جغرافية أو‬
‫دينية أو عرقية أو سياسية‪ ،‬ويحمي حقوق الالجئين‪ ،‬ويدفعهم إلى‬
‫االندماج في المجتمع وفي الحياة السياسية ‪.‬‬
‫حرية إبداء الرأي وحرية التظاهر يمثالن الشرط الجوهري لبناء‬
‫اإلدارة الديمقراطية ـ أما الحقوق الشخصية العامة فإنها األساس‬
‫لالختيار الحر لشكل الحياة المرغوب ‪.‬‬
‫تكتسب الحقوق األساسية للمواطن والمواطنة أهميتها فقط إذا‬
‫تواجدت األساليب الكافية لممارستها‪ ،‬ولهذا يتوجب في الدرجة األولى‬
‫تأمين الحماية للناطقين بالقانون ولسلطة القضاء‪ ،‬وال يجوز بتاتا ً‬
‫تسخير القضاء لخدمة مآرب الحكومة السياسية ‪.‬‬
‫محاربة جرائم العنف في المجتمع واألسرة‪ ،‬محاربة العنف ضد‬
‫األطفال ومحاوالت تسخيرهم ألغراض ال إنسانية واالعتداء الجنسي‬
‫عليهم‪ ،‬كذلك محاربة وفضح الفساد االقتصادي وعمليات التخريب‬
‫البيئي‪ .‬هذه المواقف برمتها تمثل هدفا ً أساسيا ً من أهداف الحركات‬

‫‪22‬‬
‫واألحزاب اإلنسانية‪ ،‬مما يستهدف وضع برنامج سياسي اجتماعي‬
‫حيوي لتحقيق األمن االجتماعي واألمان الشخصي‪ ،‬ال معنى للجودة‬
‫الحياتية دون اإلحساس بهما‪.‬‬
‫على عاتق رجال الشرطة والقانون واإلعالم تقع مسؤولية كشف‬
‫مالبسات جرائم العنف وتوضيح أسبابها والتحري عن الفاعلين‬
‫وتقديمهم إلى القضاء‪.‬‬
‫للخضر مساهماتهم وبرامجهم الهادفة لمكافحة المخدرات‬
‫والمشروبات الكحولية والتبغ ومحاربة بيعها واإلتجار بها في األسواق‬
‫السوداء‪ ،‬وأيضا ً من أجل حماية ومعالجة المستهلكين لهذه البضائع‪،‬‬
‫وتأمين المساعدة الطبية والنفسية لهم‪ .‬وفي حاالت خاصة السماح‬
‫بتناول هذه المواد ضمن الحدود المسموح بها طبيا ً واجتماعيا ً ‪.‬‬
‫يقف الخضر بحزم ضد أي تدخل لرجال وأجهزة األمن في‬
‫الشؤون الشخصية للمواطنين ـ ويطالب بحصر أعمالهم فقط فيما‬
‫يتعلق بحماية المجتمع وحماية أمن الدولة الخارجي‪.‬‬
‫تمثل الوسائط السمعية والمرئية والمقروءة ركيزة أساسية من‬
‫ركائز الديمقراطية الحيوية لذلك تحتاج هذه الوسائط إلى حماية خاصة‬
‫للحؤول دون تحولها إلى مؤسسات موجهة بال حدود فصل واضحة‬
‫ما بين السياسي واإلعالمي والصحفي ‪.‬‬
‫يدافع الخضر عن التنوع اإلعالمي وعن ضرورة التخصص‬
‫اإلعالمي وتشجيعه منذ المراحل المبكرة لنمو الطفل لبلورة وعي ذا‬

‫‪23‬‬
‫صفة نقدية لوسائط اإلعالم التجارية الهادفة إلى االنسجام السريع مع‬
‫متطلبات السوق بغية إشباعه لتحقيق الربح ‪.‬‬
‫يريد الخضر بناء وسائط إعالمية ممولة حكوميا ً وذات استقاللية‬
‫قانونية لتكون قوة موازنة للوسائط المحلية والعالمية والتجارية‪ ،‬أو‬
‫تلك الممولة ألغراض خاصة‪.‬‬
‫كما يدافع الخضر عن ضرورة المراقبة القانونية واالجتماعية‬
‫وحماية كافة العروض السمعية والبصرية والمقروءة والتي تتوجه‬
‫لمخاطبة الطفل‪.‬‬
‫مع التطور التقني الهائل‪ ،‬وخاصة في مجال المعلوماتية وفي مجال‬
‫الهندسات الحيوية والنانوية والبيولوجية ‪ ...‬تم طرح تهديد جديد‬
‫لحقوق اإلنسان والمواطنة‪.‬‬
‫تقود السرعة المتزايدة بشكل مستمر لموضوعة تبادل المعطيات‬
‫والبيانات إلى خلق صعوبات حقيقية في مجال متابعتها‪ ،‬ولهذا تزداد‬
‫أهمية وضع خطط برنامجية فعالة تقنيا ً ومناسبة قانونيا ً لحماية البيانات‬
‫الشخصية االجتماعية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬وبهذا تتحمل الحكومة‬
‫مسؤولية اتخاذ اجراءات خاصة لمراقبة وضبط هذه المعطيات عن‬
‫طريق ضبط وتشذيب أسواق المعلوماتية‪ ،‬وتشجيع المبادرة الذاتية‬
‫للمستهلكين والمستهلكات من أجل حماية معطياتهم الخاصة‪.‬‬
‫يطالب الخضر بتشجيع البحوث العلمية الهندسية‪ ،‬وكذلك البحوث‬
‫الطبية الموجه مستقبليا ً والهادفة إلى وضع حلول تعود بالنفع للمواطن‬

‫‪24‬‬
‫والمجتمع (مثالً معالجة األمراض المستعصية)‪ .‬إال أنهم يقيدون هذه‬
‫البحوث قانونيا ً وإنسانيا ً (مثالً ال يجوز إجراء بحوث طبية على‬
‫شخص ما أو جثة ما إال عن طريق موافقة المعني باألمر وبعد تقديم‬
‫االستشارة له) ‪.‬‬
‫للخضر برامجهم الخاصة من أجل تشجيع مشاركة المواطن وكافة‬
‫المنظمات الالحكومية والتي تمثل أداة ال يمكن االستغناء عنها بغية‬
‫بناء وتشكيل المجتمع الديمقراطي‪.‬‬
‫يريد الخضر باإلضافة إلى الديمقراطية البرلمانية تشجيع‬
‫الديمقراطية المباشرة‪ ،‬ووضع أدوات ممارستها وتحقيقها في متناول‬
‫الجميع وتطوير هذه األدوات بصورة مستمرة‪.‬‬
‫***‬

‫‪25‬‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫التسعي‬ ‫األلمان وتحالف‬
‫ي‬ ‫الخض‬

‫شهد العالم في في السنوات العشرين الماضية ـ ونتيجةً لتفاقم‬


‫الكوارث البيئية عالميا ً وضرورة إيجاد الحلول المناسبة ـ ظهورا ً‬
‫وتطورا ً ملحوظا ً ألحزاب الخضر (البيئة)‪.‬‬
‫لقد أصبح ألحزاب الخضرفي بلدان أوروبا الغربية (ألمانيا‪،‬‬
‫النمسا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬البرتغال‪ ،‬بلغاريا‪ ،‬السويد‪ )...‬وفي وقت قصير نسبيا ً‬
‫ممثليها في المجالس البرلمانية وكذلك في البرلمان األوروبي (حزب‬
‫الخضر األوروبي يضم ‪ 32‬حزبا ً للخضر من ‪ 29‬بلدا ً أوروبيا ً والذي‬
‫تأسس في ‪ 22‬شباط ‪/‬فبراير‪ /‬عام ‪ 2004‬في مدينة روما اإليطالية)‪،‬‬
‫حتى أن بعضها أصبح مشاركا ً فعليا ً في حكومات االئتالف كما هو‬
‫الحال في ألمانيا وفرنسا‪ .‬إال أن ظهور أحزاب الخضر لم يكن فقط‬
‫حصرا ً على البلدان األوروبية الغربية بل انتشرت في بلدان أخرى‬
‫كثيرة (البرازيل‪ ،‬تركيا‪ )...‬وكذلك بدأت أيضا ً في البلدان العريبة‬
‫بالظهور (حزب البيئة اللبناني‪ ،‬حزب الخضر العراقي‪ ،‬حزب الخضر‬
‫المصري) إال أنها مازالت في طور البداية والتعلم‪.‬‬
‫ال بد من اإلشارة إلى أنه من الخطأ الفادح وضع جميع أحزاب‬
‫الخضر في سلة واحدة‪ ،‬حيث أنه لكل منها صفاته الخاصة وذلك‬

‫‪26‬‬
‫حسب ظروف نشأته ومدى تطور المجتمع المدني في البلد المعني‬
‫وخواص البلد السياسية واالقتصادية والحضارية‪ .‬كما ينبغي التنويه‬
‫بأن أحزاب الخضر ال تقتصر فقط على البرامج الموجهة لحماية البيئة‬
‫ـ وإن كانت قد بدأت منها ـ بل تمتد لتشمل أيضا ً الصعد السياسية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية والثقافية‪.‬‬
‫تتخذ أحزاب الخضر من الفلسفة اإليكولوجية ومن نظرية التنمية‬
‫المستدامة منهجا ً لتطوير وتجديد الفكر والنظام االقتصادي والسياسي‬
‫واالجتماعي‪.‬‬
‫لمحة مقتضبة عن حزب الخضر األلماني وتحالف التسعين‪:‬‬
‫يُعتبر حزب الخضر األلماني وتحالف التسعين حزبا ً جديدا ً نسبيا ً‬
‫تم تأسيسه بشكل رسمي عام ‪ 1993‬في ألمانيا االتحادية وذلك عن‬
‫طريق اندماج حزب الخضر األلماني الشرقي وخضر ألمانيا الغربية‬
‫وأقليات نخبوية ال حكومية ذات اتجاهات ومشارب سياسية واجتماعية‬
‫متباينة وكذلك تلك التجمعات المناهضة حتى لالستثمار المدني للطاقة‬
‫النووية وجماعات اليساريين الشباب الجدد الذين تطوروا بمفاهيمهم‬
‫الماركسلينينية وخصوصا ً بعد الحركات الطالبية لعام ‪ 1968‬وأيضا ً‬
‫الحركات االجتماعية التي طالبت بضرورات االعتراف بحرية‬
‫اإلنسان في تحديد وجوده وحقه في تقرير مصيره وحقوقه في ميوله‬
‫الجنسية‪.‬‬
‫النقاط األساسية لبرامج ورؤى تلك األقليات ـ والتي لم تجد في‬
‫أحزاب ذاك الوقت البديل السياسي المعبّر عن طموحاتها وأحالمها‬
‫‪27‬‬
‫السياسية واالجتماعية واإلنسانية ـ كانت ومازالت بعد توحدها تدور‬
‫حول السياسة البيئية وحماية البيئة من أجل المدنية اإلنسانية‪ ،‬حول‬
‫بيئة المدن وحماية الطبيعة ومصادرها األولية‪ ،‬حول السالم‪ ،‬حول‬
‫حقوق المواطنين‪ ،‬حول شؤون المرأة ومساواتها مع حليفها المذكر‪.‬‬
‫مجمل هذه الحركات ناضلت ضد الشكل الشيوعي الدكتاتوري‬
‫البيروقراطي الذي ساد لعقود طويلة في ألمانيا الشرقية‪ .‬بأفكارهم‬
‫وبرامجهم الداعية للعدالة والسالم والديمقراطية ساهموا في انتصار‬
‫الثورة السلمية التي تم بموجبها انهيار الشكل الدكتاتوري الشرقي‬
‫ألجهزة الحكومة األلمانية الشرقية ورجاالت مخابراتها‪.‬‬
‫ي عام‬
‫نشأ حزب الخضر األلماني الغربي في مدينة كارل سرو ّ‬
‫سعة والتي استهدفت‬ ‫‪ 1980‬ومع بدايات ذاك العام بدأ حملته المو ّ‬
‫اإلشكالية البيئية وإشكالية الديمقراطية المباشرة وقضايا تحرر النساء‬
‫وكذلك موضوعة السالم وتأمين حياة اجتماعية آمنة‪.‬‬
‫أما نشأة حزب الخضر األلماني الشرقي فقد جاءت متأخرة بعض‬
‫الشيء وذلك في عام ‪ 1989‬وقد تمثّل الجوهر النضالي لهذا الحزب‬
‫بالنضال من أجل سياسة بيئية ديمقراطية تحررية ملتزمة باإلنسان‬
‫والسالم‪.‬‬
‫في عام ‪ 1990‬وكنتيجة للتقارب الفكري االستراتيجي على‬
‫صعيدي النظرية والممارسة وكنتيجة للضرورة الموضوعية بغية بناء‬
‫حزب موحد للخضر في كافة األراضي األلمانية تم االتفاق على توحيد‬
‫الحزبين تحت يافطة حزب موحد متجانس‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫مع العلم أن تحالفا ً آخر كان قد ظهر للحياة السياسية قبل التحالف‬
‫المذكور وذلك في مقاطعة ساكسونيا في ألمانيا الشرقية بين حزب‬
‫الخضر الشرقي وحركات الدفاع عن حقوق المواطنين ولجان إحياء‬
‫المجتمع المدني وقد أُطلق على ذاك التحالف اسم الخضر وتحالف‬
‫التسعين‪.‬‬
‫استطاع هذا التحالف وبسرعة هائلة إحراز مواقع متقدمة في‬
‫المجتمع األلماني وتمثيله في المستوى الحكومي والبرلماني وكذلك‬
‫على المستوى البرلماني األوروبي‪.‬‬
‫برنامجه السياسي يتجسد في النضال من أجل بناء مجتمع‬
‫إيكولوجي قائم على التضامن كما يتمثل في الدفاع عن حقوق اإلنسان‬
‫والنظام اإليكولوجي وعن دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع ورفض‬
‫العنف النووي وأسلحة التدمير ‪ .‬يناضل الحزب أيضا ً من أجل محاربة‬
‫الفقر والبطالة وتحقيق العدالة االجتماعية والدفاع عن خيارات السالم‬
‫ورفض العنف النفسي والمادي ضد اإلنسان والحيوان والنبات‬
‫والمصادر الطبيعية وكذلك من أجل حماية الطفل وحقوق األجنبي‬
‫على األراضي األلمانية‪.‬‬
‫***‬

‫‪29‬‬
‫مدخل إىل حقوق الجيل الثالث‬

‫يتم تصنيف حقوق اإلنسان بشكل عام في أربعة مجموعات‪:‬‬


‫‪ -1‬الحقوق الشخصية‪ :‬هذه المجموعة تمثل نواة حقوق اإلنسان‬
‫والتي يجب أن تصون كرامته وتسعى لحمايته من التحرشات‬
‫واإلعتداءات والمظالم (مثالً حق اإلنسان في الحياة)‪.‬‬
‫‪ -2‬الحقوق المدنية والسياسية‪ :‬التي يجب أن تصون وتضمن‬
‫لكل إنسان وبدون إعاقات المشاركة الفعالة في الحياة السياسية‬
‫في المجتمع الذي يعيش فيه دون خوف من عقوبات غير‬
‫مبررة (مثالً الحق في حرية الرأي)‪.‬‬
‫‪ -3‬الحقوق االجتماعية واالقتصادية‪ :‬التي تمكن اإلنسان من‬
‫تشكيل حياته بشكل حر وذا قيمة‪ .‬لكل إنسان الحق بأن تتوفر‬
‫له األشياء األساسية التي تضمن استمراريته بالحياة باإلضافة‬
‫الى ذلك تحتوي هذه المجموعة الحقوقية على حق اإلنسان في‬
‫التعلم وحقه في الملكية‪.‬‬
‫‪ -4‬حقوق الجيل الثالث‪ :‬جملة الحقوق هذه تشمل بشكل أساسي‬
‫حق اإلنسان في التطور بغية تقليل الفجوة بين األغنياء‬
‫والفقراء ضمن البلد الواحد وكذلك بين البلدان الصناعية‬
‫‪30‬‬
‫والبلدان التي تسعى إلى التطور‪ .‬حقوق اإلنسان في العيش‬
‫ضمن بيئة نظيفة تنطوي تحت هذه المجموعة والتي بدأت‬
‫تكتسب أهميتها فقط منذ وقت قصير‪.‬‬
‫تؤدي التأثيرات البيئية الضارة (مثالً المواد الكيميائية عالية‬
‫التراكيز‪ ،‬التصحر‪ ،‬التلوث المائي‪ ،‬فقر التربة الزراعية‪ ...‬الخ)‬
‫وبدون شك إلى الوفاة أو على أقل تقدير إلى تقصير مدة الحياة وتقليل‬
‫الجودة الحياتية (مثالً أمراض متنوعة كنتاج للمواد السامة‬
‫واإلشعاعات واالنبعاثات الغازية‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫وهكذا فإن الحياة اإلجبارية مع نتائج الكوارث البيئية بالمعنى‬
‫المعنوي والمادي هي إذالل لكرامة اإلنسان‪.‬‬
‫إن حقوق اإلنسان العامة يجب أن يتم تطويرها لتشمل الحقوق‬
‫البيئية وبالتالي حق اإلنسان ببيئة نظيفة‪.‬‬
‫إال أن هذه العملية التطويرية هي عملية شائكة وغاية في الصعوبة‬
‫لما تتطلبه من عمليات متوازية أخرى مثل دراسة وتطوير القوانين‬
‫البيئية وكذلك النورمات الوطنية والنواظم العالمية وقبل كل شيء فهم‬
‫المسألة البيئية جيدا ً وتحديد أبعادها وإسقاطاتها إلى اإلنسان والمجتمع‪.‬‬
‫إن اإلجتهاد القانوني من أجل تطوير الحق الجديد (حق االنسان‬
‫بالبيئة النظيفة) يمكن أن ينطلق من تطوير حق اإلنسان بالصحة‬
‫والملكية ألن هذا الحق مرتبط ارتباطا ً قويا ً مع التلوث البيئي والناتج‬
‫بالدرجة األولى عن غياب النواظم القانونية العلمية لحماية البيئة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫نشأة تاريخية موجزة لحق البشرية بالبيئة النظيفة‪:‬‬
‫لم تسقط حقوق اإلنسان من السماء وإنما نشأت في سياق عملية‬
‫تطور تاريخي‪ ،‬لذلك ومن أجل فهم قضية تطور حق اإلنسان بالبيئة‬
‫النظيفة (والذي نعتبره بأنه ما زال حقا ً جديداً) سوف نلقي الضوء‬
‫بشكل موجز على النشأة التاريخية لهذا الحق األساسي النوعي‪.‬‬
‫ال تحوي التوضيحات األولية لحقوق اإلنسان على أية إشارة‬
‫مباشرة إلى وجود حق اإلنسان بالبيئة النظيفة‪ ،‬إال أن ميثاق األمم‬
‫المتحدة لعام ‪ 1945‬وكذلك اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لعام‬
‫‪ 1948‬يعترفان بالحق في التواجد والحياة الصحية الهانئة وبهذا يمكن‬
‫النظر إلى هذه اإلشارة على أنها البداية األولية (رغم أنها شديدة‬
‫الغموض وغير مقصودة) لتطور حق اإلنسان بالبيئة النظيفة عن‬
‫طريق درء العواقب السلبية الناتجة عن تخريب النظام البيئي‪.‬‬
‫منذ عام ‪ 1968‬بدأت المواثيق واإلعالنات العالمية بإظهار‬
‫االرتباط ما بين حماية البيئة وحقوق اإلنسان‪ .‬في ذلك العام أقرت‬
‫األمم المتحدة في اجتماعها التوصية التي تعترف بها بوجود العالقة‬
‫ما بين البيئة والحقوق األساسية اإلنسانية األخرى‪.‬‬
‫في توجيه استوكهلم لعام ‪ 1972‬تم اإلقرار بأن البيئة هي شرط‬
‫جوهري من أجل تأمين حياة هانئة ومن أجل ممارسة الحقوق المهمة‬
‫األخرى بما فيها حق اإلنسان في الحياة‪ .‬رغم أن هذه التوصية ال‬
‫تعني مباشرة الحق بالبيئة النظيفة‪ ،‬إال أنها توضح بأنه من أجل التمتع‬
‫بالحقوق اإلنسانية األخرى هناك ثمة ضرورة لتوفر الحد األدنى من‬
‫‪32‬‬
‫البيئة السليمة‪ .‬وبهذا كان لتوصية استوكهولم صداها الواسع حيث تم‬
‫اإلشارة إليها واالستشهاد بها الحقا ً في االجتماعات العامة لألمم‬
‫المتحدة‪.‬‬
‫يعتبر الميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان عام ‪ 1981‬بمثابة التوجيه‬
‫األول المباشر عالميا ً والذي وثّق حق اإلنسان بالبيئة النظيفة‪ .‬كان هذا‬
‫الميثاق ذو أهمية فائقة وقد تم قبوله من قبل أغلبية البلدان اإلفريقية‬
‫وكان ذلك أيضا ً بمثابة إشارة هامة لبلدان العالم األخرى‪.‬‬
‫جاء في القسم األول لهذا الميثاق‪:‬‬
‫‪All people shall have the right to a general‬‬
‫‪satisfactory environment favorable to their‬‬
‫‪development.‬‬
‫لقد س ّجل مؤتمر ريو دي جانيرو عام ‪ 1992‬بحق بدء مرحلة‬
‫جديدة في تطور الوعي البيئي عموماً‪ .‬حضر هذا المؤتمر ‪ 178‬ممثالً‬
‫عن بلدانهم فقط من أجل نقاش موضوعة البيئة والتطور ومشاكلهما‬
‫(مثالً تأثيرات االقتصاد والعولمة على البيئة)‪.‬‬
‫أحد أهم نتائج هذا المؤتمر تمثلت باألجندة ‪ 21‬المتعلقة بشكل‬
‫أساسي بالتنمية المستدامة‪ .‬كما تم أيضا توثيق حق أجيال المستقبل‬
‫بالبيئة الصحية السليمة‪:‬‬
‫‪Environmental protection shall constitute an‬‬
‫‪integral part of the development process and‬‬
‫‪con not be considered in isolation from it.‬‬
‫‪33‬‬
‫تعرض له هذا المؤتمر من بعض االنتقادات التي‬ ‫على الرغم مما ّ‬
‫صدرت عن دوائر حركات حماية البيئة عالمياً‪ ،‬إال أنه يمثل حقا ً نقطة‬
‫انعطاف ال يمكن تجاهلها حيث بدأ الوعي البيئي لدى المواطنين‬
‫وكذلك لدى الدوائر السياسية بالتصاعد التدريجي‪.‬‬
‫إال أن وثائق هذا المؤتمر لم يتم تصنيفها في القانون ولم تؤخذ‬
‫بعين االعتبار بصفتها وثائق ونتائج ملزمة التنفيذ بموجب القانون‪.‬‬
‫منذ عام ‪ 1970‬بدأت معظم بلدان العالم بإدخال القضايا البيئية‬
‫بشكل ما إلى دساتيرها (مثالَ البرازيل‪ ،‬األرجنتين‪ ،‬بولونيا‪ ،‬جنوب‬
‫افريقي‪ ،‬وأيضا ً بعض بلدان الواليات المتحدة األمريكية)‪.‬‬
‫على سبيل المثال جاء في القسم السادس من المادة ‪ 225‬من‬
‫الدستور البرازيلي ما يلي‪:‬‬
‫‪Everybody has a right to an ecologically‬‬
‫‪balanced environment, an asset for common‬‬
‫‪use by the people, and essential to the‬‬
‫‪wholesome quality of life. This imposes upon‬‬
‫‪public Authorities and the community the‬‬
‫‪obligation to defend and preserreit for present‬‬
‫‪and future generations.‬‬
‫من األهمية أيضا ً بمكان عرض بعض التحديدات الحقوقية‬
‫المتواجدة في الدستور األوكرائيني لعام ‪ 1990‬حيث يتطرق إلى‪:‬‬
‫حق اإلنسان بالتغذية النظيفة إيكولوجيا ً والحق بالحصول على مواد‬
‫االستهالك غير الضارة إيكولوجيا ً والحق بتمتعه بمكان عمل وظروف‬
‫‪34‬‬
‫عمل غير خطيرة بالمعنى اإليكولوجي وحق اإلنسان أيضا ً بالعيش‬
‫في بيئة نظيفة وكذلك حقه بالحصول على المعلومات الموثقة والمتعلقة‬
‫بجودة مواد االستهالك واألطعمة اليومية وأيضا ً المعلومات الموثقة‬
‫حول شروط العمل والحالة الراهنة للبيئة‪.‬‬
‫أما في ألمانيا فإن الدولة توضح في قانونها األساسي مسؤوليتها‬
‫والتزامها األخالقي والقانوني واإلنساني في ضرورة تأمين قواعد‬
‫وأسس الحياة الطبيعية والبيئة النظيفة ألجيال اليوم واألجيال القادمة‪.‬‬
‫صياغة مادة دستورية لضمان حق اإلنسان ببيئة نظيفة‪:‬‬
‫أكثر من ستة مليارات نسمة يقطنون الكرة األرضية ويعتاشون‬
‫على المصادر التي تقدمها لهم الطبيعة‪ .‬استغالل المصادر الطبيعية‬
‫يساهم بشكل مباشر بتخريب النظام اإليكولوجي (المحيط الطبيعي)‬
‫وتغيير وظائفه األصلية وإخراجه عن طور التوازن‪.‬‬
‫إن االعتداءات على النظام البيئي تقود بشكل مباشر إلى تجريح‬
‫منظومة حقوق اإلنسان األخرى‪ ،‬حيث أن حقوق اإلنسان والبيئة في‬
‫حالة ارتباط جدلي ضيق‪ .‬وعليه فإن صياغة مادة تضمن حماية البيئة‬
‫وبالتالي حماية اإلنسان واإلنسانية هو موضوعة جديرة بالنقاش‬
‫والصياغة‪.‬‬
‫إن ضرورة صياغة مادة دستورية تضمن الحق بالبيئة النظيفة تنبع‬
‫من النقاط الرئيسية التالية‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫• حق كل األشخاص في الحياة بشكل حر من كافة أشكال‬
‫التلوث ومن كل أنواع المخاطر البيئية التي تهدد الحياة‬
‫والصحة والنظام البيئي‪.‬‬
‫• حق األشخاص في البقاء في نظام إيكولوجي سليم بتنوعه‬
‫الحيوي‪.‬‬
‫• لإلنسان الحق بالمالحقة القانونية لكل من يتسبب بأضرار‬
‫بيئية تمس به أو بالنظام البيئي المحيط‪.‬‬
‫• من واجب كل حكومة (وطنية) وعبر مؤسساتها أن تكون‬
‫ملتزمة بإعطاء معلومات حول الكوارث البيئية مهما بلغت‬
‫درجة حساسيتها‪.‬‬
‫• يتوجب على الدولة إصدار قوانين خاصة بكل شكل من‬
‫أشكال التهديد البيئي على أن يتم إدراج هذه القوانين في‬
‫الدستور الوطني‪.‬‬
‫• ينبغي على القوانين التي تصدرها الدولة أن تكون على‬
‫درجة عالية من المرونة ألن المخاطر البيئية ليست مستقرة‬
‫وثابتة بل تتصف بالتغير المستمر يومياَ‪ ،‬وهذا التغير يجب‬
‫متابعته عن طريق تطوير حلول بمضامين مرنة أيضاَ‪.‬‬
‫• يتوجب على القوانين ان تراعي ليس فقط األذى البيئي الذي‬
‫يهدد المجتمع بأكمله بل ذاك أيضا ً الذي يهدد حياة الفرد‬
‫الواحد‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫• من واجب الدولة إعالم المواطنين حول خططها البيئية قبل‬
‫وضعها موضع التنفيذ وإصدار تقارير سنوية حول سيرورة‬
‫الخطة البيئية‪.‬‬
‫• من حق كل مواطن أن يشارك المؤسسات (السلطات)‬
‫الحاكمة بإصدار القرارات بما يتعلق بالمخاطر البيئية التي‬
‫تهدد حياته‪.‬‬
‫• نتيجةً لوجود العديد من الحقوق البيئية وتنوع مصادرها‬
‫ينبغي التفكير جديا ً بضرورة إصدار مشروع دستور بيئي‬
‫خاص وشامل لكافة أشكال تجريح الحق البيئي‪ ،‬وإسوة ً‬
‫بمفهوم التنمية المستدامة نطرح اليوم فكرة القانون البيئي‬
‫الذي يحمل في طياته صفات الديمومة شريطة أن يعاد النظر‬
‫بمضامينه وفق خطة زمنية يقترحها المتخصصون‪.‬‬
‫أخيرا ً يجب القول بأن الحكومة التي هي افتراضيا ً نتاج إلرادة‬
‫الشعب سوف لن تتخذ إجراءات من هذا القبيل والتي قد تتسبب‬
‫بإحراجها وإظهار أزماتها إذا لم يتحرك المتضررون للتعبير عن‬
‫مصابهم ولو بشكل مسيرة صامتة‪.‬‬
‫***‬

‫‪37‬‬
‫األهمية البيئية للطاقة الهوائية‬

‫يتم الحديث عن التنمية المستدامة في مجال الطاقة إذا ما تم ضمان‬


‫وضع كافة المصادر الطاقية الممكنة تحت التصرف ومراقبتها بشكل‬
‫دائم وفي الوقت نفسه التقليل قدر اإلمكان من اآلثار السلبية الناجمة‬
‫عن استثمارها ونقلها واستعمالها بهدف إرضاء رغبات واحتياجات‬
‫أجيال اليوم دون اإلضرار برغبات واحتياجات أجيال المستقبل‪.‬‬
‫تعتبر الرياح أحد أهم مصادر الحصول على الطاقات البديلة‬
‫الرفيقة بالبيئة‪.‬‬
‫استخدم اإلنسان الرياح بدءا ً من العصور القديمة لممارسة التجارة‬
‫عبر البحار العالمية باستعمال السفن الشراعية وذلك قبل اكتشاف اآللة‬
‫البخارية‪ ،‬كما استخدم اإلنسان طواحين الهواء لطحن الحبوب‬
‫ولتشغيل المضخات المائية بغية السقاية وتجفيف األراضي وتصريف‬
‫المياه‪.‬‬
‫مع بدايات القرن التاسع عشر كان في الشمال من ألمانيا ما يزيد‬
‫عن ‪ 30000‬طاحونة هوائية قائمة‪ .‬هذه الطواحين الهوائية لم تعد‬
‫تشاهد اليوم منذ أن أصبحت الكهرباء تحت التصرف في كل مكان‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫المحاوالت األولى إلحياء هذه التقنية الرفيقة بالبيئة والحامية‬
‫للمصادر الطبيعية قام بها بعض الجنود األلمان الذين عملوا في سالح‬
‫المهندسين وذلك في بدايات عام ‪.1950‬‬
‫أما الوالدة الحقيقية إلعادة استخدام طاقة الهواء من جديد فقد‬
‫ظهرت مع ظهور أزمات النفط مطلع السبعينيات من القرن العشرين‬
‫والذي ترافق مع تقدم وازدياد الوعي البيئي في العالم وفي ألمانيا على‬
‫وجه الخصوص‪.‬‬
‫تعتمد منشآت الطاقة الهوائية الحديثة مبدأ الرفع بدالً من مبدأ‬
‫المقاومة‪ .‬هذا يعني بأنه ال يتم وضع مقاومة في طريق الريح وإنما‬
‫تقوم الريح عند جريانها بالقرب من أجنحة المنشأة (العنفة) الهوائية‬
‫بتوليد قوة رفع مشابهة لما هو الحال عند الطائرات‪ .‬تساهم هذه القوة‬
‫في وضع جناح العنفة في حالة حركة دورانية‪.‬‬
‫العنفات التي تعمل حسب مبدأ المقاومة تستطيع أن تسحب من‬
‫الريح وبشكل أعظمي ليس أكثر من ‪ %15‬من الطاقة بينما تستطيع‬
‫تلك العاملة حسب مبدأ قوة الرفع أن تسحب ما ال يقل عن ‪ %60‬من‬
‫الطاقة‪ .‬المردود األعظمي الذي تستطيع بلوغه المنشآت الحديثة لهذا‬
‫اليوم وفي الظروف المثالية ال يتجاوز ‪ %50‬أما المردود الوسطي‬
‫فهو يقع عند حدود ‪.%45‬‬
‫هناك تصاميم مختلفة للعنفة الهوائية منها ما هو بمحور أفقي ومنها‬
‫ما هو بمحور شاقولي كما تباينت التصاميم بحسب عدد الشفرات أي‬
‫األجنحة المستخدمة وبحسب الشكل الهندسي للبرج الحامل لألجنحة‬
‫‪39‬‬
‫باألضافة إلى نوعية المولد المستخدم وإلى وجود أو عدم وجود علبة‬
‫سرعة مسننية‪.‬‬
‫التصميم الذي أثبت وجوده بالمعنى التقني هو ذاك الذي تم فيه‬
‫تثبيت القسم الدوار بشكل أفقي والحامل لثالثة أجنحة‪ .‬يتم تصنيع‬
‫األجنحة أغلب األحيان من مواد لدائنية‪ ،‬هذا ويبلغ طول الجناح في‬
‫بعض المنشآت أكثر من ‪ 50‬متراً‪.‬‬
‫الدوار من ‪ 10‬إلى ثالثين دورة في الدقيقة ويحصد‬ ‫يدور القسم ّ‬
‫الرياح ضمن فضاء مساحته ‪ 5000‬مترا ً مربعاً‪ .‬من أجل التحكم بعدد‬
‫الدوار وزيادتها إلى ‪ 1500‬دورة بالدقيقة يتم استخدام‬
‫دورات القسم ّ‬
‫علبة سرعة مسننية‪ .‬لعلبة السرعة هذه مساوئها المتمثلة بالضجيج‬
‫الناتج عن الحركة وكذلك بالضياعات في الطاقة‪.‬‬
‫يبلغ طول البرج الحامل لألجنحة حوالي‪ 90‬مترا ً وبهذا يكون‬
‫الطول اإلجمالي للمنشأة مع األجنحة أكثر من ‪ 130‬متراً‪ .‬كلما كان‬
‫ارتفاع المنشأة أعلى كان ذلك أفضل وذلك للتغلب على الدوامات‬
‫الهوائية الناجمة عن تضاريس األرض كما إن السرعات المتوسطة‬
‫للرياح تزداد بازدياد االرتفاع‪ .‬يحتوي البرج في داخله على ساللم من‬
‫أجل الصعود إلجراء عمليات الصيانة الدورية‪.‬‬
‫عندما تهب الرياح ضعيفة فإن الطاقة المحتواة فيها ال تكفي للتغلب‬
‫على عزوم االحتكاك والعطالة للعنفة ولذا تبقى العنفة في حالة توقف‪.‬‬
‫تبدأ العنفة بالعمل عندما يكون معدل سرعة الريح بحدود ‪ 3‬مترا ً في‬
‫الثانية وبهذا تزداد االستطاعة مع األس الثالث لسرعة الريح‪ ،‬هذا‬
‫‪40‬‬
‫يعني بأن مضاعفة سرعة الريح يقود إلى مضاعفة استطاعة العنفة‬
‫ثمان مرات‪ .‬ومع ازدياد سرعة الريح يبلغ المولد استطاعته اإلسمية‬
‫األعظمية وبالتالي يتم بلوغ معدل الطاقة المراد أعظمياً‪ .‬ومع استمرار‬
‫ازدياد سرعة الريح يتوجب استخدام تقنيات خاصة من أجل تنظيم‬
‫االستطاعة الزائدة‪.‬‬
‫تركز التطور التقني للعنفات الهوائية في السنوات األخيرة على‬
‫تصميم منشآت ذات حجم كبير وذلك الستثمار الطاقة الهوائية بالشكل‬
‫األمثل‪ .‬بلغت استطاعة المنشأة في عام ‪ 1987‬حوالي ‪ 50‬كيلو واط‬
‫وفي عام ‪ 2001‬حوالي ‪ 1300‬كيلو واط وفي عام ‪ 2005‬تبلغ‬
‫االستطاعة أكثر من ‪ 4000‬كيلو واط أي أصبحت أكبر بعشرات‬
‫المرات وهذا ما يطابق تأمين احتياجات حوالي ‪ 1800‬منزالً من‬
‫الكهرباء سنوياً‪ .‬ما زال التطوير جاريا ً حتى اآلن لدرجة أنه من‬
‫الصعب التنبؤ باالستطاعة التي سيتم بلوغها في المستقبل‪.‬‬
‫تبلغ تكاليف المنشأة والتي تتراوح استطاعتها بين ‪ 500‬و‪1500‬‬
‫كيلو واط حوالي ‪ 800‬حتى ‪ 900‬يورو لكل كيلو واط ساعي‪ .‬تضاف‬
‫إلى هذه التكاليف أيضا ً التكاليف الثانوية الخاصة بالتأسيس والتخطيط‬
‫وإيصال الكهرباء إلى الشبكة العامة وكذلك تكاليف أرض البناء‪ .‬تبلغ‬
‫قيمة التكاليف التانوية هذه حوالي ‪ %30‬من قيمة التكاليف الصافية‬
‫للمنشأة‪ .‬وعليه تبلغ التكاليف اإلجمالية من أجل محطة هوائية‬
‫باستطاعة ‪ 600‬كيلو واط حوالي ‪ 500000‬يورو ومن أجل منشأة‬
‫باستطاعة ‪ 1500‬كيلو واط تصل التكاليف حتى ‪ 1800000‬يورو‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مع العلم أن التكاليف هذه كانت أعلى في عقد الثمانينات بنسبة ‪%35‬‬
‫عما هي في عام‪.‬‬
‫وألن أمكنة بناء المزارع الهوائية على اليابسة قد أصبح نوعا ً ما‬
‫محدوداً‪ ،‬بدأ التخطيط والتنفيذ لبنائها في البحار وعلى السواحل وحيث‬
‫أن سرعة الرياح أعلى منها على اليابسة‪ .‬تقوم مزارع حصاد الريح‬
‫في البحار بتوليد تيار كهربائي أكبر بنسبة ‪ %40‬مما تستطيع توليده‬
‫المزارع الهوائية على اليابسة‪.‬‬
‫تقول التقديرات بأنه من الممكن في ألمانيا على المدى الطويل بلوغ‬
‫استطاعة إجمالية تصل إلى حوالي ‪ 25000‬ميغا واط وذلك فقط عن‬
‫طريق المزارع البحرية وهذا ما يطابق تغطية ‪ %15‬من استهالك‬
‫التيار الكهربائي في ألمانيا‪.‬‬
‫مع ازدياد استثمار طاقة الريح بدأت جمعيات حماية الطبيعة‬
‫والحيوان بالتساؤل عن مدى حساسية البيئة الستثمار الطاقة الهوائية‪.‬‬
‫استثمار الريح قد يسبب اإلزعاج البيئي الناجم عن توليد الضجيج‬
‫وتشويش النظام الحيواني وخاصة الطيور باإلضافة إلى تشويه‬
‫المنظر الطبيعي العام‪ .‬في هذا الخصوص يتوجب إحصاء السلبيات‬
‫واإليجابيات الناجمة عن هذا االستثمار واعتماد النتائج الراجحة‬
‫ومحاولة تجنب األضرار الناشئة عن بناء مزارع حصاد الريح‪.‬‬
‫لقد تم تخفيض الضجيج الناشئ بشكل كبير بفعل التطور الهائل في‬
‫مجال الهندسة الميكانيكية (علم الموائع وعلم التصميم وعلم‬
‫االهتزازات)‪ .‬يبلغ معدل الضجيج اليوم حوالي ‪ 100‬ديتسيبيل وذلك‬
‫‪42‬‬
‫بالقرب من برج المنشأة وحوالي ‪ 50‬ديتسيبيل على بعد ‪ 50‬مترا ً من‬
‫البرج وهذا ما يتناسب مع الضجيج الناجم عن جهاز راديو في غرفة‬
‫ما‪ .‬وعلى بعد حوالي ‪ 500‬مترا ً‪ ،‬وهو البعد األدنى الذي يجب‬
‫مراعاته أثناء بناء المنشآت بالقرب من مناطق السكن‪ ،‬يتناقص معدل‬
‫الضجيج إلى الدرجة التي بالكاد يتم سماعه عندها‪.‬‬
‫المالحظة والمتابعة الممتدة لسنوات عديدة التي جرت على تضرر‬
‫الطيور أثبتت بما ال مجال للشك فيه بأن الطيور تنحرف أثناء طيرانها‬
‫نهارا ً عن المنشآت وفقط في حاالت نادرة تسببت المنشآت في قتل‬
‫بعض الطيور‪ .‬في الليالي الحالكة وفي الضباب تصطدم الطيور أحيانا ً‬
‫ليس فقط بالمنشآت الهوائية وإنما بكافة العوائق التي تعترضها‪.‬‬
‫تمتلك الطيور القدرة عند طيرانها على تجنب المنشآت الهوائية‬
‫الدوار‬
‫تتعرف على تغير جريان الهواء الناشئ عن القسم ّ‬
‫ّ‬ ‫وذلك ألنها‬
‫الدوارة‪.‬‬
‫واألجنحة ّ‬
‫وبما يتعلق بفكرة تخريب المنظر الطبيعي العام فإن اآلراء‬
‫متناقضة حول ذلك‪ ،‬فالبعض يرى بأن مزارع الريح قد أدت إلى تغيير‬
‫سلبي في الطبيعة والبعض يرى وعلى العكس من ذلك بأنها قد ساهمت‬
‫إيجابيا ً بإضفاء لمسة جمالية للطبيعة‪.‬‬
‫يتم تصميم األبراج بطريقة تكون فيها مقبولة بصريا ً وبتأثيرات‬
‫سلبية أقل على المنظر الطبيعي العام‪ ،‬يتم طالء القسم السفلي للبرج‬
‫والمسمى قدم البرج بلون مشابه للون الطبيعة المحيطة بالمنشأة ويتم‬

‫‪43‬‬
‫طالء القسم العلوي بألوان غير قابلة لالنعكاس (رمادي ضوئي)‬
‫حفاظا ً على الناظرين‪.‬‬
‫كما أن الضجيج الناشئ عن استخدام ثالثة من األجنحة هو أقل‬
‫منه في حالة استخدام عدد أقل وذلك ألن الحموالت الميكانيكية تكون‬
‫أقل ما يمكن‪ ،‬إضافة لذلك فإن دوران ثالثة أجنحة يعطي اإلنسان‬
‫شعورا ً بالراحة أفضل منه في حالة دوران جناحين أو أقل‪.‬‬
‫وألن شروط البيئة البحرية معقدة نوعا ً ما فإن اختيار أمكنة البناء‬
‫يتم بدقة عالية وعناية فائقة بالتعاون مع وزارة البيئة ومع مراعاة‬
‫وجهات نظر حماة البيئة البحرية بما يتعلق بأمكنة الصيد وطرق عبور‬
‫السفن وأماكن تواجد الكنوز البحرية النباتية والحيوانية وكذلك األهمية‬
‫العسكرية للمكان المراد استثماره باإلضافة إلى مراقبة ودراسة‬
‫االنعكاسات السلبية للمنشآت التي تم بناؤها سابقاً‪.‬‬
‫في اليابسة يتم أيضا ً مراعاة الشكل الجمالي لتوضع المنشآت وذلك‬
‫باعتماد أشكال هندسية محددة وملفتة للنظر كما يتم مراعاة أمكنة‬
‫تواجد وطرق طيران أسراب الطيور وتجنب البناء في المناطق‬
‫المحمية طبيعيا ً وفي كل الحاالت يتوجب قبل البناء الحصول على‬
‫ترخيص بذلك ومراقبة اختيار مكان البناء المر ّخص له‪.‬‬
‫ما زالت األزمة قائمة بين المعارضين للبناء والراغبين بذلك إال‬
‫أن هذه األزمة لن تطول ألن المعارضون سيقتنعون في نهاية المطاف‬
‫بغلبة اإليجابيات البيئية للبناء على سلبياته التي يمكن إهمالها نوعا ً ما‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫فعن طريق بناء منشأة واحدة باستطاعة ‪ 1500‬ميغا واط وخالل‬
‫مدة حياتها البالغة كحد أدنى ‪ 20‬عاما ً يمكن أن نتجنب ما مقداره‬
‫‪ 64000‬طنا ً من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون‪.‬‬
‫في الوقت الذي تستخدم فيه طاقة الهواء في الكثير من أقاليم العالم‬
‫من أجل التشغيل الميكانيكي للمضخات يتم استخدامها في ألمانيا فقط‬
‫من أجل توليد التيار الكهربائي‪ .‬ألمانيا هي البلد األول في العالم الذي‬
‫يستثمر طاقة الرياح بمعدل عا ٍل ولديه من المنشآت في اليابسة وفي‬
‫السواحل ما يفوق عن ‪ 15000‬عنفة هوائية (إحصائية عام ‪)2004‬‬
‫باستطاعة إجمالية تفوق عن ‪ 11000‬ميغا واط‪ .‬هذا العدد ساهم في‬
‫حماية البيئة بشكل مباشر وذلك عن طريق منع تسرب حوالي أكثر‬
‫من ‪ 12‬مليون طنا ً من غاز ثاني أكسيد الكربون‪.‬‬
‫ننوه بأن الحديث عن التنمية المستدامة بالمعنى الطاقي ال‬
‫بقي أن ّ‬
‫يعني وال في أي حال من األحوال بأن الهدف قد تم تحقيقه أو أنه في‬
‫طوره األخير‪ ،‬ما تزال حتى هذا اليوم أكثر البلدان تقدما ً بعيدة عن‬
‫هذا المفهوم‪ ،‬لكنها تسعى جاهدة ً إلى تمهيد الطريق لتحقيقه‪.‬‬
‫***‬

‫‪45‬‬
‫معالجة المخلفات العضوية‬

‫الطاقة الحيوية‬
‫إن إحدى تجليات تقدم البلدان اليوم وقدرة مؤسساتها على‬
‫االستمرار كنشاط مؤسساتي سياسي وإداري واقتصادي وتعليمي في‬
‫ظل تحديات النمط الجديد لعولمة العمليات االقتصادية تقاس بنظام‬
‫طاقاتها المتجددة وبقدرتها على اكتشاف نظم إدارية ولوائح قانونية‬
‫وأساليب بيئية تقنية حديثة وإعادة تطوير المتواجدة منها مفتتةً بذلك‬
‫البنى البيئية األدنى منها لتلحقها بها‪.‬‬
‫إن مشكلة التلوث البيئي تتصدر رأس القائمة مقارنة بالمشاكل التي‬
‫تشغل العالم اليوم‪ .‬وبالرغم من أن إشكالية المحافظة على البيئة باتت‬
‫مسألة شبه محلولة في البلدان الصناعية المتطورة في الوقت الحاضر‪،‬‬
‫إال أنها مازالت تؤرق وتهدّد حياة اإلنسان في البلدان النامية‪ .‬لقد‬
‫أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من ‪ 1,3‬مليار من‬
‫سكان المدن في تلك البلدان على امتداد العالم يتنفسون هوا ًء ملوثا ً‬
‫بمحتوى من المواد الضارة يتجاوز أربعة أضعاف الحدود المسموح‬
‫بها عالمياً‪ .‬كما ورد في تقرير البنك العالمي أن حوالي ‪ 3‬مليون إنسان‬
‫يموت سنويا كنتيجة اساسية لتلوث الهواء ويعاني الكثيرون بشكل‬

‫‪46‬‬
‫متزايد من أمراض السرطان واحتشاء العضلة القلبية وصعوبات في‬
‫التنفس وبصورة خاصة األطفال‪ .‬إن األسباب الرئيسية وراء ذلك‬
‫تكمن في ارتفاع معدل الكثافة السكانية وما يرافقها من تزايد في‬
‫استخدام وسائل التدفئة والطهو التقليدية وتزايد عوادم وسائل‬
‫المواصالت القديمة والمخلفات الصناعية والمنزلية‪.‬‬
‫نظرا ً للعواقب الكبيرة التي يمكن أن تنجم عن هذا التلوث البيئي‬
‫تتجه األنظار حاليا ً إلى كيفية إيجاد حلول مناسبة للحفاظ على سالمة‬
‫البيئة واإلنسان‪.‬‬
‫إن المحافظة على هواء نقي أو السعي لتنقية الهواء الملوث كجزء‬
‫ال يتجزأ من التلوث اإلجمالي للبيئة هو بحد ذاته مهمة وطنية تفرض‬
‫ذاتها بقوة‪ ،‬وذلك من أجل بناء مدن ذات قدرة على االستمرار في‬
‫المستقبل‪ .‬خاصة أن عدد سكان المدن في تزايد مستمر‪ .‬حيث أكد‬
‫تقرير األمم المتحدة أنه سوف يعيش أكثر من نصف سكان العالم في‬
‫المدن عام ‪.2050‬‬
‫هذه األسباب مجتمعة تقتضي إحداث تغييرات جذرية وفعّالة بشأن‬
‫معالجة تلوث البيئة وعلى رأسها مشكلة تلوث الهواء‪.‬‬
‫إن استبدال المصادر األحفورية بالمصادر الطاقية المتجددة هو‬
‫مشروع إيكولوجي وتاريخي واقتصادي هام‪ .‬والشرط األساسي‬
‫ّ‬
‫المتطور هو إتقان أساليب بيئية‬ ‫لإلرتقاء إلى هذا المشروع الحضاري‬
‫تكنولوجية غير معقدة بغية الوصول إلى قاعدة المصادر الطاقية‬
‫البديلة‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫وألن عصرنا الحالي هو عصر المعارف والمعلومات التي تتقادم‬
‫وتتطور باستمرار وتحتاج إلى تجديد ومتابعة دائمة‪ ،‬فإنه ينبغي على‬
‫جميع العاملين في الميادين العلمية واالقتصادية والثقافية والسياسية‬
‫والمنزلية المزيد من االهتمام بشوؤن البيئة ومشاكلها وطرق معالجتها‬
‫والحؤول دون استفحالها‪.‬‬
‫إن إمكانية توليد التيار الكهربائي والطاقة الحرارية ومواد‬
‫االحتراق (وذلك الستخدامها كمصدر طاقة للمواصالت العامة مثالً)‬
‫عن طريق استثمار المواد العضوية ذات المصدر النباتي والحيواني‬
‫يعتبر أحد أكثر اشكال االستثمارات وعمليات تحول الطاقة اقتصادية‬
‫وجاذبية‪ ،‬ومن أهم المحاوالت والمساهمات في مجال معالجة المشاكل‬
‫البيئية والمحافظة على حماية المناخ والموارد الطبيعية‪.‬‬
‫تزداد أهمية الطاقة الحيوية كأحد أشكال الطاقات المتجددة‬
‫باستمرار‪ ،‬فعلى سبيل المثال تسعى ألمانيا االتحادية كأحد أهم وأكبر‬
‫البلدان الصناعية في العالم‪ ،‬وذلك بالتعاون الفعّال بين أصحاب القرار‬
‫السياسي ووزارة البيئة وأصحاب القرار االقتصادي والمجتمع المدني‬
‫من أجل تغطية احتياجاتها من الطاقة عن طريق إنتاج الطاقة المتجددة‬
‫( طاقة الريح‪ ،‬الطاقة الشمسية‪ ،‬الطاقة الجيوحرارية‪ ... ،‬الخ) بما فيها‬
‫الطاقة الحيوية‪.‬‬
‫تسعى المؤسسات األلمانية إلى تحقيق زيادة ومضاعفة استخدام‬
‫الطاقة المتجددة مع نهاية عام ‪ 2010‬بالمقارنة مع ما كان عليه الحال‬
‫في عام ‪ 2000‬حيث أن مقدار إنتاج التيار األخضر من المقرر له‬
‫‪48‬‬
‫أن يتضاعف من ‪ %6.25‬عام ‪ 2000‬الى ‪ %12.5‬عام ‪،2010‬‬
‫كذلك سيتم العمل على مضاعفة مقدار الطاقة األولية من ‪ %2.1‬عام‬
‫‪ 2000‬الى ‪ %2.4‬عام ‪.2010‬‬
‫ضمن هذا التوجه السياسي البيئي ال ترى ألمانيا االتحادية محادا ً‬
‫عن استثمار طاقة المواد العضوية من أصل حيواني ونباتي‪ .‬حيث أنه‬
‫من المخطط له مع بداية العام ‪ 2030‬أن يكون قد تم تغطية ربع‬
‫احتياجات الطاقة في المانيا عن طريق انتاج الطاقات المتجددة على‬
‫أن يتم تغطية ‪ %10‬على األقل من احتياجات الكهرباء والحرارة‬
‫ومواد االحتراق للسيارات وذلك فقط عن طريق استثمار طاقة المواد‬
‫العضوية‪ ،‬وبذلك سيكون للمادة الحيوية الحصة األكبر في تغذية‬
‫المصادر الرئيسية للطاقة‪.‬‬
‫هذا وباإلضافة للفوائد البيئية فإن الكثير من الدراسات االقتصادية‬
‫تتنبأ بتأمين ‪ 200000‬فرصة عمل كحد أدنى في العقود الثالثة‬
‫القادمة في ألمانيا وذلك فقط في قطاع استخراج الطاقة الحيوية‪.‬‬
‫فيما يلي سوف نعرض مثال واقعي يتم تطبيقه في البلدان المتطورة‬
‫للتخفيف من حدة االنبعاث الغازي الضار الى الغالف الجوي المحيط‬
‫باألرض‪ ،‬وذلك عن طريق جمع المخلفات العضوية ومعالجتها بطرق‬
‫علمية واستغاللها في إنتاج التيار الكهربائي األخضر والحرارة‬
‫الخضراء والسماد األخضر‪.‬‬
‫**‬

‫‪49‬‬
‫تكنولوجيا إنتاج الغاز الحيوي‬
‫عند التحدث عن المواد العضوية يقصد من ذلك التحدث عن‬
‫حوامل الطاقة من مصادر حيوانية ونباتية‪ .‬في قانون الطاقات البديلة‬
‫والصادر عن ألمانيا تاريخ ‪ ،27/10/2001‬تم وضع لوائح قانونية‬
‫منظمة لطاقة المادة العضوية والعتبارات متعلقة بسياسة البيئة‬ ‫َّ‬
‫والطاقة والمناخ فقد تم استبعاد بعض المواد العضوية رغم قابليتها‬
‫لالستعمال كحوامل طاقية‪.‬‬
‫• إن المخلفات والمواد العضوية التي يحظر استخدامها‬
‫وفق هذا القانون هي‪ :‬مواد االحتراق االحفورية‪،‬‬
‫القمامة المختلطة‪ ،‬الورق والكارتون‪ ،‬الحمأة الناتجة‬
‫عن المصارف والمصافي‪ ،‬المواد القماشية‪ ،‬األعضاء‬
‫الحيوانية‪ ،‬الغاز المنبعث عن مكبات القمامة وكذلك عن‬
‫محطات الصرف الص ِّ ّحي‪.‬‬
‫• أما المخلفات والمواد العضوية التي يسمح باستخدامها‬
‫فهي‪ :‬النباتات وبقاياها وبقايا الحصاد‪ ،‬الفضالت‬
‫والمنتجات الثانوية من أصل حيواني ونباتي والناتجة‬
‫ي ِّ والزراعي وكذلك اقتصاد الثروة‬
‫عن االقتصاد الغاب ّ‬
‫السمكية‪ ،‬المخلفات العضوية الناتجة عن المطابخ‬
‫والمطاعم وشركات تصنيع المواد الغذائية‪ ،‬الزيوت‬
‫النباتية‪ ،‬الكحول المستخرج من المادة العضوية‪ ،‬بقايا‬

‫‪50‬‬
‫الخشب الصناعي والنشارة الخشبية وأيضا ً األخشاب‬
‫المزروعة لفترات قصيرة ومدروسة ألجل هذا الهدف‪.‬‬
‫طرق الحصول على الطاقة الحيوية من المادة العضوية‪:‬‬
‫إن االستثمار الطاقي لكتلة المادة العضوية يتم بشكل مباشر عن‬
‫طريق عمليات الحرق في محطات حرق خاصة أو بشكل غير مباشر‬
‫عن طريق تحويل المادة العضوية إلى غازات‪ ،‬وبناء عليه يمكن‬
‫التمييز بين الطرق المختلفة التالية‪:‬‬
‫توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية بالشكل‬
‫الصلب‪ :‬مثالً عن طريق حرق األخشاب‪ .‬يوجد في ألمانيا حوالي ‪80‬‬
‫محطة حرق باستطاعة إجمالية قدرها ‪ 1,7‬تيرا واط ساعي في السنة‪.‬‬
‫هذا وأن التحويل الغازي لمواد االحتراق الصلبة (مثل الخشب) ال‬
‫تزال في طور البحث والدراسة‪.‬‬
‫توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية بالشكل‬
‫السائل‪ :‬يتم الحصول على التيار الكهربائي عن طريق عصر ومعالجة‬
‫النباتات الزيتية وفق خطوات تقنية مدروسة وهذا ما يعرف بإنتاج‬
‫مواد االحتراق الحيوية‪ .‬يوجد في ألمانيا ‪ 130‬محطة من هذا النوع‬
‫باستطاعة إجمالية تتراوح بين ‪ 9‬إلى ‪ 11‬ميغا واط كهربائي‪.‬‬
‫إن تكاليف توليد التيار الكهربائي بهذا اإلسلوب ما زالت مرتفعة‬
‫جدا ً ولذك فإن حوامل الطاقة هذه يمكن استخدامها كمواد احتراق‬
‫للمواصالت بالدرجة األولى‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية بالشكل‬
‫الغازي‪ :‬إن طريقة تحويل الكتلة العضوية إلى حوامل طاقية بالشكل‬
‫الغازي تُعتبر التقنية األساسية لالستثمار المستقبلي للطاقة الحيوية‪.‬‬
‫يتم الحصول على التيار الكهربائي عن طريق تخمير بقايا المواد‬
‫العضوية (أطعمة‪ ،‬روث‪ ،‬مياه الصرف الصحي‪ ،‬مياه المعالجة‬
‫الصناعية‪...‬الخ)‪.‬‬
‫مبدأ تحرير طاقة الغاز الحيوي‪:‬‬
‫تعتمد تقنية إنتاج الغاز الحيوي على تفكك وتحلل المواد العضوية‬
‫إلى مكوناتها العضوية وذلك بواسطة بكتيريا الميتان الخاصة وهذا ما‬
‫يعرف بعملية التخمير‪ .‬هذه العملية يجب أن تتم في ظروف الهوائية‬
‫وعند درجات حرارة مالئمة للعمليات الحيوية التي تقوم بها البكتيريا‬
‫المتواجدة في مفاعل الغاز الحيوي (حوض التخمير)‪ .‬بشكل عام هناك‬
‫ثالث مجاالت حرارية والتي يتم عندها توليد الغاز الحيوي وهي‪:‬‬
‫• التخمير على البارد وذلك ضمن مجال حراري بين ‪ 15‬إلى‬
‫‪ 20‬درجة مئوية‪ ،‬وفيه تكون مدة بقاء المادة العضوية في‬
‫المخ ِّ ّمر طويلة نسبيا ً وكمية الناتج الغازي لكل متر مكعب‬
‫من حجم المخ ِّ ّمر قليلة‪.‬‬
‫• التخمير على الساخن وذلك ضمن مجال حراري بين ‪25‬‬
‫إلى ‪ 40‬درجة مئوية‪ ،‬وفيه تكون مدة بقاء المادة العضوية‬
‫في المخ ِّ ّمر متوسطة وكمية الناتج الغازي لكل متر مكعب‬
‫من حجم المخ ِّ ّمر متوسطة‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫• التخمير الحار في مجال حراري بين ‪ 40‬إلى ‪ 65‬درجة‬
‫مئوية‪ ،‬وفيه تبقى المادة العضوية في المخ ِّ ّمر لوقت قصير‬
‫وكمية الناتج الغازي لكل متر مكعب من حجم المخ ِّ ّمر‬
‫كبيرة‪.‬‬
‫إن عملية التحلل الالهوائي والتي تحدث عادة ً بشكل طبيعي في‬
‫أعماق البحيرات والتجمعات المائية وأعماق التربة وفي مكبات‬
‫النفايات تتم في المخ ِّ ّمر بمراحل متعددة‪ .‬المرحلة األخيرة في سلسلة‬
‫التفكك العضوي هي غازات الميتان والتي تنتج بنسبة ‪ %55‬إلى‬
‫‪ %65‬وغاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة ‪ %35‬إلى ‪ %45‬مع نسب‬
‫ضئيلة جدا ً من الهيدروجين واألوكسجين والنتروجين ونترات‬
‫األمونيوم وكذلك من كبريتيد الهيدروجين (‪.)H2S‬‬
‫يستخدم اليوم شكلين من أشكال منشآت توليد الغاز الحيوي‪:‬‬
‫• المنشآت التي تستعمل فقط المنتجات الزراعية وبقايا اإلنتاج‬
‫الزراعي‪.‬‬
‫• المنشآت التي تستخدم المنتجات الزراعبة باإلضافة إلى‬
‫الفضالت العضوية من المنازل والمطاعم‪ .‬هذا وينبغي‬
‫التمييز بين المنشآت الريفية والمنشآت في المدن الكبيرة‬
‫والصغيرة‪.‬‬
‫إن منشآت الغاز الحيوي المتواجدة في القطاع الزراعي تستخدم‬
‫روث وفضالت حظائر األبقار والعجول‪ ،‬الخنازير والمداجن كمادة‬

‫‪53‬‬
‫أساسية‪ .‬كذلك هناك حوالي ‪ %93‬من المنشآت تعتمد على دمج المواد‬
‫العضوية وتخميرها‪ ،‬ومن الجدير ذكره هنا أن كالً من بقايا الحصاد‬
‫والفضالت النباتية‪ ،‬الخبز اليابس‪ ،‬بقايا األطعمة‪ ،‬المخلفات العضوية‪،‬‬
‫الحشائش وبقايا األعالف‪ ،‬بقايا معامل األغذية‪ ،‬بقايا الخضار‬
‫والفواكه‪ ،‬بقايا مصانع األلبان واألجبان وفضالت مصانع معالجة‬
‫السكر والشوندر السكري تعتبر جميعها مواد قابلة للدمج‪.‬‬
‫إن االتجاه السائد اليوم في بناء واستثمار منشآت توليد الغاز‬
‫الحيوي يهدف إلى خلط ليس أكثر من مادتين مختلفتين وبكميات ثابتة‬
‫ومدروسة وبتدفق منتظم إلى حوض التخمير‪ .‬هذا اإلجراء يقود إلى‬
‫عمليات تخمير أكثر استقرارا ً وإلى نواتج طاق ِّيّة أعلى مردودا ً وأكثر‬
‫أن هذا الشكل للتخمير يتطلب مراقبة وإدارة جيدة كما‬ ‫تجانساً‪ ،‬إال َّ‬
‫يحتاج اهتمام كبير بالشروط الحدّية للتخمير‪.‬‬
‫مثال تقريبي‪:‬‬
‫محتوى الطاقة في المتر المكعب الواحد من الغاز الحيوي هو ‪6,5‬‬
‫كيلو واط ساعي وهذا ما يعادل ‪ 0,6‬لتر من الوقود‪ .‬إن إنتاج البقرة‬
‫الواحدة من الروث يعادل حوالي ‪ 12‬كيلو غرام في اليوم ولقد تبين‬
‫أن ‪ 100‬بقرة تعطي في السنة الواحدة ‪ 62050‬متر مكعب من الغاز‬
‫الحيوي أي بمعدل ‪ 620,5‬متر مكعب لكل بقرة في السنة ومعدل‪1,7‬‬
‫متر مكعب في اليوم‪ .‬محتوى الطاقة اإلجمالي الناتج عن ‪ 100‬بقرة‬
‫سنويا ً هو ‪ 403325‬كيلو واط ساعي من الكهرباء وهذا ما‬
‫يعادل ‪ 40000‬لتر من الوقود الحراري سنوياً‪ .‬أي أنه يمكن القول‬
‫‪54‬‬
‫بأن ناتج البقرة الواحدة من الطاقة يصل إلى حوالي ‪ 10‬كيلو واط في‬
‫اليوم‪ .‬هذا يعني أن مزرعة مؤلفة من سبع بقرات قادرة على إمداد‬
‫منشأة صغيرة وذلك إلنتاج ‪ 10‬متر مكعب من الغاز الحيوي يوميا ً‬
‫وهذا ما يعادل ‪ 65‬كيلو واط ساعي يوميا ً والتي تكفي وتزيد عن‬
‫احتياجات أي منزل مجهز بشكل جيد بكافة اللوازم الكهربائية وحيث‬
‫إن استهالك المنزل (األلماني مثالً) سنويا ً من الكهرباء يعادل وسطيا ً‬
‫حوالي ‪ 3500‬كيلو واط ساعي‪.‬‬
‫ولقد بينت إحدى الدراسات أنه يمكن انتاج حوالي ‪ 500‬متر‬
‫مكعب من الغاز الحيوي وذلك بمعالجة ‪ 1000‬كيلو غرام من‬
‫الفضالت العضوية الناتجة عن المخرجات اليومية لمدجنة مؤلفة من‬
‫‪ 12000‬دجاجة‪.‬‬
‫تصل تكلفة توليد الكيلو واط الساعي الواحد أثناء توليد الحرارة‬
‫حوالي ‪ 0,05‬يورو كما وتبلغ تكاليف توليد التيار الكهربائي حوالي‬
‫‪ 0,1‬يورو لكل كيلو واط ساعي‪.‬‬
‫منشآت توليد الغاز الحيوي‬
‫يعود استثمار وتأسيس منشآت توليد الغاز الحيوي في ألمانيا‬
‫وبشكل خاص في القطاع الزراعي إلى ما يقارب ‪ 60‬سنة مضت‪،‬‬
‫ويرجع الفضل في بناء النموذج األول من هذه المنشأت إلى جامعة‬
‫دارمشتات عام ‪ ،1947‬كذلك ت ّم بناء منشأة ثانية عام ‪ 1948‬في‬
‫مدينة أودنفالد‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ازداد عدد هذه المنشآت في ألمانيا بشكل ملحوظ وذلك في الفترة‬
‫الواقعة بين نهاية عام ‪ 199‬وحتى صيف عام ‪ 2003‬وذلك من ‪850‬‬
‫منشأة عام ‪ 1999‬حتى ‪ 1700‬منشأة في صيف ‪ 2003‬وبنسبة‬
‫مئوية بلغت ‪ ،%200‬ويتوقع أن يكون العدد اإلجمالي حوالي ‪2100‬‬
‫منشأة مع نهاية عام ‪ .2004‬تم تسجيل ازدياد واضح في االستطاعة‬
‫اإلجمالية الوسطى من ‪ 45‬ميغا واط كهربائي عام ‪ 1999‬إلى ‪175‬‬
‫ميغا واط كهربائي عام ‪ .2003‬إن هذه المنشآت تتواجد بكثافة في‬
‫إقليم (بايرن) بنسبة ‪ %45,6‬وبنسبة أقل ‪ %17,2‬في إقليم ( بادن‬
‫فورتيم بيرغ) بينما تنخفض النسبة إلى ‪ %14.9‬في إقليم (نيدر‬
‫ساكسين)‪ .‬ولقد عرفت منشآت معالجة المخلفات العضوية في عدد من‬
‫دول العالم المختلفة‪ ،‬حيث يوجد اليوم حوالي ‪ 20‬مليون منشأة صغيرة‬
‫لتوليد الغاز الحيوي في الصين‪ ،‬وحوالي ‪ 200‬ألف في الهند بينما ال‬
‫تزيد عن ‪ 10‬آالف في البرازيل‪.‬‬
‫يمكن تلخيص المكونات االساسية للمنشأة بما يلي‪:‬‬
‫• حوض التخمير (مفاعل الغاز الحيوي) ويمثل النواة‬
‫األساسية في المنشأة ويتم تشغيله أغلب األحيان تحت‬
‫درجات حرارة ثابتة حيث تقوم البكتريا بعملية تجزيء‬
‫المادة العضوية والتي قد تبقى في المخمر لمدة تتراوح بين‬
‫‪ 35 –10‬يوم ويتم تغذية جهاز التخمير بشكل مستمر أو‬
‫متقطع وغير منتظم‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫• يمكن بناء هيكل حوض التخمير بشكل افقي أو عمودي‬
‫والمواد المستخدمة قد تكون من البيتون كما هو شائع في‬
‫المانيا أو من الصفائح الفوالذية بشكل قابل للف كما في‬
‫الدنمارك وأحيانا ً من اللدائن‪ .‬إن عملية التخمير يمكن أن‬
‫تكون رطبة أو جافة‪ ،‬إال أن معظم المنشآت في القطاع‬
‫الزراعي تعمل على مبدأ التخمير الرطب‪.‬‬
‫• مستودع تخزين المواد العفنة والتي ال تستثمر مباشرة‪.‬‬
‫• حوض االدخال ‪ :‬يفضل أن يكون على اتصال مباشر ما‬
‫بين المخمر والمزرعة مثال أو الحظيرة أو حوض تجميع‬
‫القمامة‪.‬‬
‫• أجهزة تفتيت (طحن) المواد العضوية وفرزها وتنقيتها من‬
‫العناصر غير المرغوبة‪.‬‬
‫• مضخات من أجل تغذية وتفريغ جهاز التخمير‪.‬‬
‫• أنابيب نقل الغاز‪ ،‬عدادات‪ ،‬مكثفات‪ ،‬خزانات وأجهزة وقاية‬
‫وحماية وأمان‪.‬‬
‫• تجهيزات الستخالص المواد الكبريتية مثل كبريتيد‬
‫الهيدروجين (‪.)H2S‬‬
‫• حوض لتخزين الغاز التاتج‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫• محطة لتوليد التيار الكهربائي والحراري الناتجين عن الغاز‬
‫الحيوي‪.‬‬
‫• محرك احتراق داخلي لتشغيل المحطة‪.‬‬
‫أحجام المنشآت‪:‬‬
‫هناك أحجام مختلفة للمنشآت يمكن تقسيمها كمايلي‪:‬‬
‫• منشآت صغيرة جدا ً باستطاعة أقل من ‪ 50‬كيلو واط‪.‬‬
‫• منشآت متوسطة باستطاعة بين ‪ 50‬و ‪ 150‬كيلو واط‪.‬‬
‫• منشآت كبيرة باستطاعة من ‪ 150‬إلى ‪ 500‬كيلو واط‪.‬‬
‫• منشآت كبيرة جدا ً باستطاعة أكبر من ‪ 500‬كيلو واط‪.‬‬
‫ولقد لوحظ أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي األكثر انتشارا ً‬
‫في القطاع الزراعي حيث تنخفض تكاليف إنشائها مقارنة بالمردود‬
‫االقتصادي‪ .‬إن اقتصادية وتكاليف استثمار توليد الغاز الحيوي (مقاسةً‬
‫باالستطاعة الكهربائية أو بحجم المخ ِّ ّمر) تتعلق بعوامل متعددة منها‪:‬‬
‫• جودة ونوعية المادة المراد تخميرها‪.‬‬
‫• المجال الحراري المراد التخمير ضمنه‪.‬‬
‫• درجة جفافية المادة العضوية‪.‬‬
‫• مقدار الناتج الغازي (االستطاعة الكهربائية والحرارية) من‬
‫المادة العضوية‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫مع ازدياد االستطاعة المراد بلوغها تنخفض التكاليف وتصبح‬
‫المنشأة أكثر اقتصادية‪.‬‬
‫ما يزيد من تكاليف المنشأة هو محاولة أتمتة عملها باضافة‬
‫تجهيزات أخرى‪ ،‬وكما هو معروف أن أجهزة التحكم والقيادة والقياس‬
‫وجملة التجهيزات اإللكترونية األخرى ذات أسعار عالية‪.‬‬
‫الفوائد البيئية واالقتصادية الناتجة عن توليد الغاز الحيوي‪:‬‬
‫• استعمال الحرارة الناتجة ألغراض التدفئة في المنازل وفي‬
‫الزراعات المحمية وبعض عمليات التجفيف الصناعي‬
‫والزراعي مثل تجفيف الحبوب ومعالجة الفضالت أو‬
‫هدرجة بعض بقايا األطعمة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فإن جزء‬
‫من الحرارة يتم استخدامه لعملية التخمير الالهوائي وذلك‬
‫للمحافظة على درجة حرارة التخمير المطلوبة‪.‬‬
‫• توليد التيار الكهربائي وربطه بالشبكة الكهربائية العامة‪،‬‬
‫وبذلك يمكن توليد الكهرباء بالدرجة األولى في المناطق‬
‫النائية والمزارع البعيدة‪.‬‬
‫• السماد الناتج عن عملية التخمير الالهوائي يُعتبر سماد ذو‬
‫مواصفات ممتازة وقيمة غذائية عالية للتربة‪ .‬كما يتميز‬
‫بتركيب متجانس يسهل استهالكه من قبل النباتات وبخلوه‬
‫بنسبة ‪ %80‬من الروائح وعدم جاذبيته للحشرات والذباب‪.‬‬
‫نتيجة لعمليات التخمير الالهوائية يتم استهالك الكربون‬

‫‪59‬‬
‫واألكسجين والهيدروجين من المخلفات العضوية الطازجة‬
‫وتبقى العناصر الغذائية المهمة للنبات مثل البوتاس‬
‫والفوسفور والنتروجين كما يتم القضاء أيضا ً على الديدان‬
‫الضارة وبذور الحشائش والنباتات المتواجدة عادة في‬
‫السماد غير المعالج‪.‬‬
‫• إن كمية السماد العضوي الناتجة عن عملية التخمير‬
‫الالهوائي تعادل نسبة ‪ %90‬من كمية الفضالت العضوية‬
‫المقدَّمة إلى حوض التخمير‪ .‬تلعب نوعية السماد دورا ً هاما ً‬
‫في تحسين بنية التربة وينعكس ذلك إيجابا ً على مردودية‬
‫اإلنتاج الزراعي والوضع الصحي العام لبرامج تربية‬
‫المواشي‪.‬‬
‫• يمكن استخدام الغاز الحيوي الناتج كالغاز الطبيعي في‬
‫تشغيل المواصالت العامة مثالً كما هو الحال في المدن‬
‫النمساوية وهذا ما يساهم بقسط كبير في حماية البيئة وذلك‬
‫عن طريق منع تسرب غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى‬
‫الغالف الجوي وبالتالي التقليل من تضخم ظاهرة البيت‬
‫الزجاجي‪ .‬إال أنه تجدر اإلشارة إلى أن غياب محطات تعبئة‬
‫الوقود الغازي تقلل من أهمية استخدام الغاز الحيوي كمواد‬
‫لالحتراق‪.‬‬
‫• إن تقنية إنتاج الغاز الحيوي تتناسب مع الخبرات الفنية‬
‫والتقنية ومع الموارد المحلية المتواجدة في البلدان النامية‬
‫‪60‬‬
‫ويمكن استخدامها بتكاليف منخفضة ووسائل تكنولوجية‬
‫بسيطة‪.‬‬
‫• إن بناء وحدات توليد الغاز الحيوي يمكن تكييفها بحسب‬
‫احتياجات أي مجتمع (مدينة‪ ،‬بلدة‪ ،‬قرية) وبغض النظر عن‬
‫درجة تطوره مما يساهم في إدخال الالمركزية إلى سياسة‬
‫إدارة المخلفات وعدم وجوب نقلها إلى المطامر والمحارق‪،‬‬
‫وحيث أن تكلفة التخلص من أطنان القمامة المتزايدة يوما ً‬
‫بعد يوم عالية جدا ً ناهيك عن أن المطامر والمكبات‬
‫المتواجدة لم تعد قادرة على سد الحاجة كما أن إقامة مطامر‬
‫جديدة ليس هو الحل الصحيح باإلضافة إلى االضرار البيئية‬
‫الناجمة عن انطالق الغازات السامة (غاز الميتان) بشكل‬
‫عشوائي إلى الغالف الجوي لتمارس دورها التخريبي في‬
‫المناخ‪.‬‬
‫• إن التخلص اآلمن من المخلفات الزراعية والمنزلية‬
‫باستخدام منشآت الغاز الحيوي يساهم بشكل كبير في حماية‬
‫المياه الجوفية من التلوث كما يساهم في تحقيق المساندة‬
‫الذاتية للمزارع البيئية التي تسير في طريق التوجه نحو‬
‫الزراعات البيئية والحيوية‪.‬‬
‫• إن إنتاج واستخدام الطاقة الخضراء يساهم بشكل كبير في‬
‫حماية البيئة وخاصة الغالف الغازي من التلوث بالغازات‬
‫الضارة التي تصدر عن تخمر المواد العضوية بشكل‬
‫‪61‬‬
‫عشوائي‪ ،‬باالضافة لمساهمته الفعالة في تقوية االقتصاد‬
‫الزراعي وتأمين فرص عمل مما سيكون له كبير األثر في‬
‫تخفيض الكثافة السكانية في المدن عن طريق توفير فرص‬
‫عمل في األرياف‪ ،‬باالضافة إلى تحسن في الوضع الصحي‬
‫العام وخلق حالة من الفهم البيئي في البنية التحتية‪.‬‬
‫آفاق تطور تكنولوجيا إنتاج الغاز الحيوي والمشاكل الراهنة‪:‬‬
‫هناك الكثير من األبحاث الجارية لتطوير مردودية منشآت الغاز‬
‫الحيوي وإليجاد طرق أكثر اقتصادية لتسريع استخراج الغاز الحيوي‬
‫عن طريق تسريع العمليات البيولوجية والتحكم بها وتأمين مردودية‬
‫عالية أثناء تفكيك المادة العضوية وتطوير تجهيزات تقنية للتحكم‬
‫بعملية تلقيم جهاز التخمير‪.‬‬
‫هناك بحوث لتطوير أساليب أكثر فاعلية لتنقية وتنظيف الغاز‬
‫العضوي بغية الوصول إلى جودة تعادل جودة الغاز الطبيعي وبهذا‬
‫يمكن حقنه إلى شبكة الغاز العامة ونقله في نهاية المطاف إلى محطات‬
‫توليد الطاقة الكهربائية‪.‬‬
‫هناك دراسات قائمة أيضا ً بهدف نزع محتوى الغاز العضوي من‬
‫مركب كبريتيد الهيدروجين (‪ )H2S‬والذي يتواجد بمقدار ‪ 100‬ملغ‬
‫في المتر المكعب الواحد من الغاز العضوي‪ ،‬وبالرغم من أن هذه‬
‫النسبة ضئيلة إال أنها تتسبب في إحداث أضرار في المنشآة وخاصة‬
‫في المحركات والتمديدات المستخدمة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫إن إشكالية تقنية تغذية شبكة الغاز الطبيعي بالغاز الحيوي ما تزال‬
‫تحتاج إلى المزيد من الدراسات واألبحاث إليجاد الحلول التقنية‬
‫العملية وبأسعار مناسبة وكذلك إليجاد الحلول واللوائح القانونية التي‬
‫تضبط هذه العملية‪.‬‬
‫ما زال هناك نقص في الدراسات المتعلقة باستعمال الغاز الحيوي‬
‫كوقود للمواصالت وفي المخططات الهادفة إلى االستثمار األمثل‬
‫للطاقة الحرارية الناجمة عن تفاعالت المادة العضوية‪ ،‬حيث أن‬
‫الحرارة تصل إلى حوالي ‪ 90‬درجة مئوية‪.‬‬
‫وكنقطة انطالق من أجل تطبيق واستخدام تقنية إنتاج الطاقة‬
‫الناجمة عن تخمير المخلفات العضوية في الريف العربي ال بد من‬
‫إجراء بعض الدرلسات األولية والحصول على المعلومات التالية‪:‬‬
‫كمية المخلفات العضوية اليومية‪ ،‬أماكن تواجدها‪ ،‬صالحيتها‬
‫للمعالجة واالستثمار‪ ،‬إمكانية جمع ونقل وفصل المخلفات الموجودة‪،‬‬
‫اللوائح القانونية التي تضبط المخلفات‪ ،‬إمكانية تسويق الطاقة الناتجة‪،‬‬
‫طرق تخطيط المنشآت‪ ،‬إمكانية الدعم المادي لتأسيس هذه المنشآت‪.‬‬
‫إن دمج مبادرات القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني في‬
‫تخطيط إدارة المخلفات على مستوى المدن واألرياف هو البداية‬
‫الصحيحة لحل مشكالت المخلفات التي تتزايد حجومها مهددة بوقوع‬
‫كوارث بشرية وبيئية‪ .‬كما إن المبادرة لتشجيع إنشاء جمعيات أهلية‬
‫محلية إلدارة وفرز المخلفات المنزلية هو عمل ذو قيمة بيئية‪ ،‬حيث‬
‫من المفترض أن تعمل هذه الجمعيات على االرتقاء بثقافة المواطن‬
‫‪63‬‬
‫البيئية وحث المواطنين ومساعدتهم وتشجيعهم على المحافظة على‬
‫نظافة بيئتهم وفصل المخلفات المنزلية اليومية ألجل معالجتها‬
‫واستثمارها أو لهدف إعادة تصنيعها من جديد‪.‬‬
‫***‬

‫‪64‬‬
‫الجامعات واإليكوتكنوإيديولوجيا‬

‫إن اقتصار المعارف العلمية على مجموعة من الناس يساهم في‬


‫إضعاف الروح الفلسفية للشعب ويقود إلى إفقاره الروحاني‪ ،‬فالعلم‬
‫ليس إال تهذيب وترتيب لطريقة تفكيرنا بالحياة‪( ،‬أينشتاين)‪.‬‬
‫أصبحت التنمية المستدامة أو اإليكولوجيا العميقة مع مرور الزمن‬
‫مشروعا ً فكريا ً باستراتيجية حضارية وقيمة إبداعية غاية في األهمية‪.‬‬
‫التنمية المستدامة هي جملة العمليات التطويرية ذات الصفة‬
‫االستمرارية والتي تتناسب مع احتياجات ورغبات أجيال اليوم دون‬
‫تعريض رغبات واحتياجات أجيال المستقبل للخطر‪.‬‬
‫للتنمية قابلة االستدامة فلسفتها وأخالقها وإنسانها اإليكوتكنولوجي‪.‬‬
‫تهتم فلسفتها في البحث عن إجابات شافية لتساؤالت مصيرية مثل‪:‬‬
‫‪ -‬كيف نريد أن نعيش في المستقبل؟‬
‫‪ -‬هل بإمكاننا إعطاء أطفال المستقبل بيئة صحية ونظيفة‬
‫صالحة للحياة فيها؟‬
‫‪ -‬كيف يمكن تأمين ماء الشرب النظيف واألراضي القابلة‬
‫لإلثمار؟‬
‫‪65‬‬
‫‪ -‬في أي اتجاه ينبغي على بلداننا أن تسير؟‬
‫‪ -‬وكيف يمكن السير بها للخروج من المتاهة؟ متاهة عصر‬
‫العولمة والتي تتطلب التالؤم السريع واإليجابي مع‬
‫المتغيرات العالمية السريعة‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يمكن محاكاة تحديات العالم المعولم في المجال‬
‫االقتصادي والمجتمعي؟‬
‫إن مفهوم اإليكولوجيا العميقة على الصعيد الفردي‪/‬الشخصي ـ‬
‫وحيث أن اإلنسان هو محورها ـ مرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بمفهوم الجودة‬
‫الحياتية العالية وحق التمتع بها (والتي ليست إال حق كل إنسان بالتعلم‬
‫اإليجابي والعمل المنسجم مع إمكانياته المعرفية والعلمية وحقه في‬
‫الحياة ضمن بيئة نظيفة وحقه في اقتناء منتجات رفيقة بالبيئة‬
‫وبالصحة وحقه في الحصول على مسكن بشروط صحية وحقه‬
‫بالكسب الشهري الجيد وحقه بدخول المجتمع والمشاركة في صنع‬
‫القرار السياسي وكذلك حقه في العيش في مدن آمنة ذات نشاطات‬
‫ثقافية فكرية متنوعة)‪ ،‬وفقط باجتماع هذه العوامل يمكن الحديث عندئذ‬
‫عن مفهوم الجودة الحياتية العالية‪ .‬ولذا ينبغي على الراغبين في تحقيق‬
‫هذا الهدف الحوار والنقاش المكثف بما يتعلق بفكرة التنمية المستدامة‬
‫فالحوار وحده يكسب الفكرة وأهدافها رواجا ً وقبوالً ضمن األوساط‬
‫األقل اهتماماً‪.‬‬
‫إن نسبة عالية جدا ً من األطفال والشباب والشابات والكهول تسطيع‬
‫ودون صعوبات أن تتذكر أسماء العبي كرة القدم في بلدانهم والبلدان‬
‫‪66‬‬
‫العالمية ونتائج الدوري بالطبع‪ ،‬وكذلك هم قادرون دون جهد فكري‬
‫على الخوض بأحاديث سياسية عامة وأخرى اجتماعية يومية خاصة‬
‫فيما يتعلق باألمور الغيبية‪ .‬وألنهم اليودون تقديم أي جهد ذهني‬
‫يتناسون بأن التحدّي األكبر الذي يجابههم وبلدانهم هو بالدرجة األولى‬
‫تحدّي إيكولوجي وتكنولوجي وبأن اليقظة العلمية والنضال اليومي‬
‫من أجل حرية التعليم والتعلم وحرية البحث العلمي هي من أهم ركائز‬
‫النضال السياسي لهذا العصر‪.‬‬
‫إن الحديث اليوم عن ثقافة جديدة هي الثقافة العلمية وعن مجتمع‬
‫جديد هو المجتمع العلمي التقني واإليكولوجي اإلنساني يتطلب‬
‫مراجعة نقدية شاملة لوجهات نظرنا من العلم وهذا يعني عدم تجنبه‬
‫أو معاداة إنجازاته بل التأكيد وبقوة على اإلمكانيات الفائقة في التقدم‬
‫العلمي والتقني وأهميتها لمعالجة الكثير من مشاكل العالم والمجتمع‬
‫على كافة الصعد وأهمها اليوم هي المآسي البيئية ونقصان العناية‬
‫الطبية وازدهار الفقر وانحطاط كرامة العيش‪.‬‬
‫ال يمكن حل هذه المشاكل بدون متابعة التطور العلمي والتقدم‬
‫التكنولوجي‪.‬‬
‫هذا ال يعني وال في حال من الحاالت بأن هذه بمثابة دعوة موجهة‬
‫لبناء إنسان تكنولوجي ومجتمع تكنولوجي بل من أجل بناء مجتمع‬
‫إيكوتكنولوجي يحمل في أحشائه سمات سيرورته‪.‬‬
‫إن النضال من أجل إنتاج نظرية جديدة بغية تشخيص الواقع‬
‫‪/‬العربي‪ /‬بأزماته الالمتناهية ومحاولة وضع مقدمات للخروج من‬
‫‪67‬‬
‫متاهاته هو بال شك مهمة مركزية تتطلب العمل والنضال على ثالثة‬
‫مستويات وهي المستوى اإليديولوجي والمستوى التكنولوجي‬
‫والمستوى اإليكولوجي‪ ،‬فال حركة ‪/‬ثورية‪ /‬في هذه المرحلة التاريخية‬
‫الجديدة بدون إيديولوجيا ذات محتوى إيكوتكنولوجي‪.‬‬
‫إن الشرط الجوهري للمضي قدما ً في طريق تحديث المجتمع في‬
‫اتجاه االستدامة هو تطوير وتجديد النظام التعليمي في كافة االتجاهات‬
‫األكاديمية مع المحافظة على ماهو إيجابي‪ ،‬فعلى عاتق الجامعات‬
‫وكوادرها العلمية تقع مسوؤلية وضع نموذج التنمية المستدامة موضع‬
‫التنفيذ على المستوى المحلي واإلقليمي‪.‬‬
‫إن من أحد أهم واجبات وسائط اإلعالم بما فيها الصحافة‬
‫اإلنترنيتية هو تقديم تقارير إخبارية عن إنجازات العلم والعلماء‪ ،‬عن‬
‫فلسفة العلم وعن المعارف المكتسبة وكيفية توسيطها لخدمة المجتمع‬
‫جسور بين العلم والمجتمع وتهيئة األجيال على‬
‫ٍ‬ ‫وذلك بهدف بناء‬
‫االفتنان بالعلم ومتابعة أخباره إسوة ً باإلنجازات الرياضية على األقل‬
‫ـ والتي ال يمكن إنكار دورها الحضاري في المجتمع‪.‬‬
‫كنتيجة لنهاية أعمال مؤتمر قمة العالم للتنمية المستدامة في‬
‫جوهانسبورغ في عام ‪ 2002‬تم التأكيد على األهمية والمسؤولية‬
‫العالمية لموضوعة التنمية قابلة االستدامة والشاملة لكافة المستويات‬
‫بما فيها حماية البيئة والتي تمثل العمود الفقري للتنمية عميقة األثر‬
‫كما تم التأكيد على ضرورة التحضير لعقد مؤتمر عالمي خاص فيما‬
‫يتعلق بموضوعة التعليم ألجل التنمية المستدامة‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫إن مؤتمر جوهانسبورغ كان سببا ً لمراجعة شاملة لمساهمات قطاع‬
‫التعليم العالي في مجال التنمية المستدامة والتي بدأت مع بدايات عام‬
‫‪ 1992‬من خالل المؤتمر العالمي للبيئة والتطوير والذي تم عقده في‬
‫ريوديجانيرو‪.‬‬
‫وعليه فالجامعات بكوادرها األكاديمية مطالبة اليوم أن تساهم‬
‫بتطوير استراتيجية متكاملة من أجل التعليم المرتبط بمفهوم التنمية‬
‫المستدامة اقتصاديا ً واجتماعيا ً وبيئيا ً وسياسيا ً وفلسفيا ً وعلى التوازي‬
‫العمل بهدف تغيير األساليب السلوكية الحياتية لإلنسان وتقوية روح‬
‫المبادرة وتحمل المسؤولية الشخصية لفكرة التطوير عميق األثر‪.‬‬
‫لقد أصبحت التنمية المستدامة موضوعا ً فائق األهمية بالنسبة‬
‫لألشخاص والمنظمات والمؤسسات‪ ،‬فالمستهلك ينتبه اليوم إلى‬
‫منتجات الشركات ومدى جودتها وإذا ما تم صنعها بعمليات إنتاجية‬
‫رفيقة للبيئة والستهالك المصادر الطبيعية أم ال‪ ،‬وكذلك يفكر‬
‫المستثمر الصغير مليا ً اليوم قبل محاولته الستثمار أمواله‪ ،‬فهو يتساءل‬
‫حول نوعية االستثمار ومدى أهميته البيئية‪.‬‬
‫ونتيجة للعولمة االقتصادية وما نجم عنها من قوانين والتي تضبط‬
‫عمليات األنتاج‪ ،‬بدأت مسؤولية الشركات لمنتجاتها تأخذ باالزدياد‬
‫تدريجياً‪ ،‬إن إيمان المؤسسات اإلنتاجية بالتنمية المسستدامة قوامه‬
‫اإليمان باألمان المستدام ألعمالهم ومنتجاتهم‪ ،‬وعليه فهم يحاولون‬
‫جاهدين التوفير باستثمار الموارد الطبيعية واستهالك الطاقة والماء‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫والشيء ذاته ينطبق على الجامعات بصفتها مراكز علم وتعليم‬
‫وأبحاث وتقديم خدمات‪ ،‬لذا يتوجب على الجامعات إبداع أنظمتها‬
‫وضوابطها وقوانينها الخاصة واتخاذ اإلجراءات األولية واعتماد‬
‫الطرق المنهجية والخطط النموذجية التي تقودها في نهاية المطاف‬
‫إلى تحقيق التنمية المستدامة وتمكنها من مساعدة المجتمع من أجل‬
‫تطبيق مبدأ االستدامة في كافة المجاالت الحياتية بهدف القضاء على‬
‫الفقر ومكافحة البطالة وحماية المصادر الطبيعية وتأمين حياة أفضل‬
‫ألجيال اليوم والمستقبل‪.‬‬
‫يجب علينا في جامعاتنا أن نلحق بالمقاييس المعترف بها عالميا ً‬
‫بغية تحقيق بعض الخطوات السريعة في مجال التعليم حول وألجل‬
‫التنمية عميقة األثر‪.‬‬
‫تنحصر مهمة التعليم حول التنمية المستدامة بتقديم وتوسيط جملة‬
‫المعارف والمبادئ واألساسيات اإليكوتكنولوجية وتدريس فلسفة‬
‫التنمية بمعانيها األخالقية والتربوية‪.‬‬
‫أما التعليم ألجل التنمية المستدامة فهو يعني الدور الفعّال للتعليم‬
‫والتدريب أتناء تطبيق أفكار التنمية المستدامة من أجل حل المشاكل‬
‫العالمية المتمثلة بكوارث التغير المناخي والتأثيرات البيئية للمواد‬
‫الكيميائية والمواد الخطرة وكذلك مشاكل ضياع التنوع البيولوجي‬
‫الحيوي ومشاكل التصحر وتخريب الغطاء النباتي والغابي ومشاكل‬
‫تلوث مياه الشرب وقلتها ومشاكل البيئة البحرية وكذلك مآسي الفقر‬
‫والبطالة‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫بقي أن نقول بأن المجال البيئي يمثل فقط إحدى المركبات الهامة‬
‫لمخطط التعليم ألجل التطوير المستديم وليس حجر الزاوية وينبغي‬
‫صصات‬ ‫أال يتم فهم هذا النوع من التوجه بأنه فقط دعوة إلى زيادة التخ ّ‬
‫البيئية في الكليات العلمية وكليات العلوم اإلنسانية وخلق ما يسمى‬
‫بالجامعة البيئوية بل تمتد هذه االستراتيجية لتشمل كافة اآلفاق‪.‬‬
‫هذا وفي الوقت الذي تسود بلدان العالم المتقدمة أفكار التعليم‬
‫ألغراض التنمية المستدامة علينا البدء في جامعاتنا بالتعليم حولها على‬
‫األقل‪.‬‬
‫ولكي تستطيع الجامعات تبني المسؤولية القيادية المجتمعية‬
‫التعليمية وتقديم مساهمتها في بناء وإنتاج نظرية دياليكتيكية‬
‫إيكوتكنولوجيَة قادرة على محاكاة متطلبات المرحلة العالمية الجديدة‪،‬‬
‫يتوجب على كوادرها العاملة في حرمها وتلك التي تم تخريجها للعمل‬
‫في المؤسسات المجتمعية أن تعمل بشكل منظم وهادف من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى حرية التفكير العلمي واستقاللية التعليم الجامعي‬
‫وإبعاده عن الشهوات السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيل جمعيات وطنية إلحياء التعليم العالي والتراث العلمي‬
‫التقني وإغناء اللغة العلمية العربية وخاصة في المجال‬
‫التكنولوجي وتشجيع الترجمة العلمية وإغناء المكتبة العربية‬
‫بكافة العلوم ونشر نتاج البحث العلمي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ -‬االشتراك الفعَال بالنشاطات والمؤتمرات العلمية والبيئية‬
‫العربية والعالمية وعقد مؤتمرات دورية محلياً‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم ندوات دورية ودورات تأهيلية وأكاديمية بغاية رفع‬
‫الحس األخالقي البيئي وتحريض المسؤولية ألجل حماية‬
‫البيئة وتوسيط الوسائل المساعدة لفهم ماهية القضية‬
‫اإليكولوجية وارتباطها الجدلي واللغوي باالقتصاد‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم محاضرات دورية تهتم باألخالق والفلسفة البيئية‬
‫وكذلك باألدب البيئي بما فيه القصة والشعر‪.‬‬
‫‪ -‬تطوير برامج تأهيل بيئي للشركات واإلعالم والسلطات‬
‫اإلدارية والمنظمات غير الحكومية‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام الفعلي بالباحث والبحث العلمي داخليا ً وتقديم الدعم‬
‫المادي لبناء واقتناء تجهيزات تقنية تتناسب والمبادرة‬
‫لإلتيان بأبحاث ذات تأثير ارتجاعي على المجتمع واإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬دفع وسائط اإلعالم في اتجاه تحويل العلم وأبحاثه ونتائجه‬
‫لتصبح جزءا ً ال يتجزأ من ثقافة المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬تدعيم المجالت العلمية المتواجدة رغم ندرتها والمساعدة‬
‫على تنوعها كما ً وكيفاً‪.‬‬
‫‪ -‬إعادة بناء محتوى المناهج الجامعية وإنشاء بنوك معطيات‬
‫علمية واالهتمام بتدريس تاريخ العلم وفلسفته وترقية‬
‫البرامج االمتحانية واإلدارية وتقليص عدد الفصول‬
‫‪72‬‬
‫الدراسية وتكثيفها وإغنائها بالمشوقات العلمية بهدف التناغم‬
‫مع البرامج التعليمية العالمية وتتويج الدراسة النظرية‬
‫بالتدريب العملي لمدة ثالثة أشهر بالحد األدنى وخاصة في‬
‫الدراسات التقنية ومن ثم كتابة وتقديم مشروع نظري أو‬
‫عملي بمحتوى علمي ق َيم كشرط ضروري إلنهاء الدراسة‬
‫بنجاح‪.‬‬
‫‪ -‬الدعم السياسي واالقتصادي والقانوني من أجل تطبيق نتائج‬
‫البحث العلمي إذا ثبتت جدواها وألجل رفع سوية القبول‬
‫االجتماعي العام ألهداف التنمية المستدامة وألجل أمثلة‬
‫وتحسين التأثير المتبادل والشراكة بين الجامعات‬
‫والقطاعات المجتمعية األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬بناء جامعات إضافية وتعميق وتنويع االختصاصات في‬
‫الكليات واألقسام وتطوير مواد علمية جديدة اختيارية قوامها‬
‫فكر التنمية المستديمة وخلق حالة من التوأمة مع بعض‬
‫الجامعات األوروبية ذائعة الصيت‪.‬‬
‫***‬

‫‪73‬‬
‫ر‬
‫العاىل يف ألمانيا‬
‫ي‬ ‫حول التعليم‬

‫يرج ُع تأسيس العديد من الجامعات والمعاهد العالية في ألمانيا إلى‬


‫ض ُح جليّا ً عراقةَ وأصالة العلم والتعليم العالي‬
‫مئات السنين‪ ،‬م ّما يُو ّ‬
‫ي فيها‪.‬‬
‫ومن ث ّم البحث العلم ّ‬
‫ي منذ حوالى مئتي عام‬ ‫طرح شعار وحدة العلم والبحث العلم ّ‬ ‫وقد ُ‬
‫ومازال موضع التنفيذ ليؤ ّكد أن الجامعات األلمانيّة ليست مراكز للتعلّم‬
‫وتتوزع الجامعات والمعاهد‬ ‫ّ‬ ‫ي‪ ،‬هذا‬‫فقط‪ ،‬بل مراكز للبحث العلم ّ‬
‫وبارتباط وثيق وتشجيع مباشر من الحكومة والشركات الصناعيّة‪،‬‬
‫على امتداد األراضي األلمانيّة وفق التالي‪:‬‬
‫ي‪ ،‬باإلضافة إلى ‪/50/‬‬ ‫‪ /350/‬جامعة ومعهد عا ٍل ّ‬
‫قطاع حكوم ّ‬
‫خاص ت ّم االعتراف بها من الحكومة‬
‫ّ‬ ‫جامعة ومعهد عا ٍل ّ‬
‫قطاع‬
‫األلمانيّة‪ ،‬وهذا يعني بشكل تقريبي أن هناك جامعة لكل ‪/200000/‬‬
‫مواطن‪.‬‬
‫وفيما يلي إحصائيّة عدد الدارسين في ك ٍّل من الجامعات والمعاهد‬
‫والخاص‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بشكلَيها الحكوم ّ‬
‫ي‬
‫العدد اإلجمالي للطلبة المسجلين يبلغ ‪ /1908911/‬طالب وطالبة‬
‫منهم ‪ /32816/‬في المعاهد العليا ّ‬
‫للفن والموسيقا‪ /487246/،‬في‬
‫‪74‬‬
‫المعاهد العالية االختصاصيّة‪ ،‬والباقي ‪ /1388849/‬في الجامعات‬
‫باختصاصاتها المتعدّدة‪ ،‬من هذا العدد اإلجمالي هناك فقط ‪/34538/‬‬
‫صة وحوالى‪ /24388/‬من‬ ‫طالب وطالبة في الجامعات والمعاهد الخا ّ‬
‫الطالّب يدرسون في المعاهد الكنائسيّة والمعترف بها حكوميّاً‪ .‬ومن‬
‫أن عدد الطلبة في الجامعات يفوق بكثير‬ ‫خالل هذه اإلحصائيّة يتّضح ّ‬
‫عددهم في المعاهد االختصاصيّة العالية‪ ،‬وعدد الطلبة في الجامعات‬
‫صة والمعاهد الالهوتيّة قلي ٌل ج ّدا ً مقارنة مع العدد اإلجمالي‬
‫الخا ّ‬
‫للطالّب‪ .‬ويمكن للراغبين الحصول على المزيد حول هذه‬
‫بالرجوع إلى الموقع التالي ‪:‬‬ ‫اإلحصائيّات ّ‬
‫‪www.higher-education-compass.de‬‬
‫ي واالختصاص والدراسة في‬ ‫وتتشابه اليوم إمكانيات البحث العلم ّ‬
‫صةً بعد سقوط جدار برلين وتوحيد‬ ‫ك ّل الجامعات األلمانيّة ـ وخا ّ‬
‫األلمانيتين ـ باختالف مواقعها الجغرافيّة والزمنيّة واألرقام أدناه‬
‫بغض‬
‫ّ‬ ‫التوزع المتجانس للدارسين في الجامعات األلمانيّة‬ ‫ّ‬ ‫توضّح‬
‫النظر عن مساحة المدينة أو عدد س ّكانها‪.‬‬
‫الجامعة التقنيّة في آخن (‪ ،)32000‬الجامعة التقنيّة في برلين‬
‫(‪ ،)31000‬جامعة بوخوم (‪ ،)37000‬جامعة بون (‪،)38000‬‬
‫جامعة دريسدن التقنيّة (‪ ،)3000‬جامعة دورتموند (‪،)26000‬‬
‫الجامعة التقنيّة في ميونيخ (‪ ،)21000‬جامعة ميونيخ (‪،)46500‬‬
‫جامعة شتوتغارت(‪ ،)19000‬جامعة هامبورغ (‪ ،)41000‬الجامعة‬
‫المشتركة دريسبورغ ــ إيسن (‪ ،)37000‬جامعة دوسلدورف‬
‫‪75‬‬
‫(‪ ،)25000‬جامعة اليبزيغ (‪ ،)28000‬جامعة هايديل بيرغ‬
‫(‪ ،)24000‬جامعة هانوفر (‪ ،)25000‬جامعة فرانكفورت أم ماين‬
‫(‪.)43000‬‬
‫وعن التكاليف والمصاريف ‪/‬تقديرات تعود لعام ‪:/2006‬‬
‫صة‬ ‫فإن الدراسة في المعاهد والجامعات التقنيّة والمعاهد الخا ّ‬ ‫ّ‬
‫تتطلّب أقساطا ً سنويّةً مرتفعة ج ّدا ً تتراوح بين ‪ 12000‬إلى ‪16000‬‬
‫يورو أ ّما في الجامعات والمعاهد الحكوميّة فال يوجد بشك ٍل عام رسو ٌم‬
‫دراسيّة وإنّما هناك ما يُس ّمى بالرسم الفصلي والذي ال يتجاوز ‪150‬‬
‫يورو منها حوالى ‪ 80‬يورو يحصل من خاللها الطالب على بطاقة‬
‫المواصالت تم ّكنه من استخدام المواصالت ضمن المدينة التي يدرس‬
‫فيها‪ ،‬أ ّما القسم المتبقّي من رسوم الفصل فيت ّم استخدامه ألغراض‬
‫أخرى مثل دعم المقصف الطالّبي ودعم إدارة وحدات السكن‬
‫الطالّبي‪ .‬ومنذ حوالى سنتين ارتفعت بعض األصوات السياسيّة‬
‫تطالب برفع قيمة رسوم الفصل الدراسي م ّما أدّى إلى زيادتها فعالً‪،‬‬
‫وقد جرى تحصيل الرسوم الجديدة في بعض الجامعات اعتبارا ً من‬
‫العام الدراسي‪ ،2005/2004‬بحيث يبلغ الرسم الفصلي الجديد‬
‫حوالي ‪ 500‬يورو‪.‬‬
‫إن أبواب الدراسة الجامعيّة في ألمانيا مفتوحةٌ على مصراعيها‬ ‫ّ‬
‫لك ّل الراغبين ومن شتّى أنحاء العالم‪ ،‬وفيما يلي الوثائق وغير المعقّدة‬
‫المطلوبة من الطالب ليتم ّكن من دخول األراضي األلمانيّة ومن ث َ َّم‬
‫الدراسة في جامعاتها‪:‬‬
‫‪76‬‬
‫• قبول دراسة في إحدى الجامعات أو قبول لالختصاص بعد‬
‫الدراسة الجامعيّة‪.‬‬
‫• وثيقة إنهاء المرحلة األولى من تعلّم اللغة األلمانيّة‪.‬‬
‫• جواز سفر نظامي مع فيزا نظاميّة ألغراض الدراسة‪.‬‬
‫• أ ّما الحصول على الفيزا الطالّبيّة فإنّه يتطلّب تأمين الكفالة‬
‫الماليّة وهناك وسيلتان لذلك‪:‬‬
‫• أن يقوم شخص منتج في ألمانيا بكفالة الطالب القادم ‪.‬‬
‫• أن يقوم الطالب بتحويل مبلغ من المال قدره ‪ 6600‬يورو‬
‫وذلك إلى أحد البنوك األلمانيّة‪.‬‬
‫ويُصار إلى استرداد المبلغ ثانيةً لدى الدخول إلى ألمانيا ولكن على‬
‫دفعات شهريّة‪ ،‬بحيث ال تتجاوز الدفعة الواحدة ‪/ 550/‬يورو شهريّاً‪،‬‬
‫أن الطالب لديه من المال‬ ‫وبذلك تكون السلطات األلمانيّة قد ضمنت ّ‬
‫ما يكفيه مدّة سنة كاملة كح ٍ ّد أدنى‪ ،‬وليتم ّكن بعد ذلك االعتماد على‬
‫ذاته في تأمين مصاريفه الحياتيّة وبالتالي الدراسيّة‪ .‬واستكماالً‪ ،‬عليه‬
‫تقديم ما يلي‪:‬‬
‫• وثيقة تأمين ص ّحي‪.‬‬
‫• إيصال تسديد رسوم الفصل الدراسي‪.‬‬
‫ويمكن تفصيل جزئيّات مصاريف الطالب في ألمانيا والتي يمكن‬
‫أالّ تتجاوز مبلغ ‪ 400‬يورو شهريّا ً ّ‬
‫موزعة وفق التالي‪:‬‬
‫‪77‬‬
‫مصاريف طعام وشراب (‪ 125‬يورو)‪ ،‬تأمين ص ّحي (‪45‬‬
‫يورو)‪ ،‬أ‪ -‬السكن في غرفة لشخصين ـ سكن جامعي (‪ 120‬يورو)‪،‬‬
‫ب‪ -‬السكن في غرفة لشخص واحد (‪ 185‬يورو)‪ ،‬نثريّات (‪50‬‬
‫يورو)‪ ،‬رسوم الفصل الدراسي وبطاقة المواصالت (‪ 20‬يورو)‪.‬‬
‫ّ‬
‫يحق للطالب العمل في ألمانيا لمدّة‬ ‫كما وتجدر اإلشارة إلى أنّه‬
‫ثالثة أشهر سنويّاً‪ .‬وفرص العمل متوفّرة والدليل األوضح هو‬
‫عشرات آالف الطالّب األجانب الذين يعملون في ألمانيا وبالتالي‬
‫يمكنهم متابعة الحياة فيها‪ ،‬وإذا ما تحلّى الطالب بالصبر والج ّديّة‬
‫حصل على فرصة العمل تلك‪ ،‬وبدخ ٍل إجمالي يتراوح بين ‪ 3000‬و‬
‫المتفوق فيمكنه الحصول على عمل داخل‬ ‫ّ‬ ‫‪ 4000‬يورو‪ .‬وأ ّما الطالب‬
‫متفرقة ضمن المكتبة أو في القسم الذي يدرس‬ ‫الجامعة ‪ /‬أعمال طالبيّة ّ‬
‫فيه والعمل كمساعد باحث أو ما شابه ذلك‪ /‬بمعدّل ‪ 10‬إلى ‪ 16‬ساعة‬
‫ي ٍ قدره وسطيّا ً ‪-400‬‬
‫عمل أسبوعيّا ً وعلى مدار السنة‪ ،‬وبدخ ٍل شهر ّ‬
‫‪ 700‬يورو‪.‬‬
‫ت أكاديميّةً تُعرف باسم ‪/‬الديبلوم‬ ‫تمنح الجامعات األلمانيّة شهادا ٍ‬
‫وبتفوق مع الشهادات الممنوحة باسم ‪ /‬ماستر‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫ارن‬‫األلماني ‪ /‬والتي تُقَ َ‬
‫كما في الواليات المتّحدة األميركيّة مثالً‪ ،‬كما ت َمنح هذه الجامعات‬
‫ت عاليةً بدرجة الدكتوراه ودرجة األُستاذيّة وبموجبها يت ّم تأهيل‬ ‫شهادا ٍ‬
‫حامليها للتدريس في الجامعة ‪.‬‬
‫ي ٍ جدي ٍد ‪ /‬وذلك‬
‫مسار دراس ّ‬
‫ٍ‬ ‫في السنوات الخمس األخيرة ت ّم إحداث‬
‫في بعض االختصاصات التي مازالت نوعا ً ما قليلةً‪ /‬بغية اختصار‬
‫‪78‬‬
‫سنوات الدراسة‪ ،‬فتصبح ثالث أو أربع سنوات يُحدّدها االختصاص‬
‫المتخرج شهادة البكالوريوس والتي تُخ َّوله إن رغب بمتابعة‬
‫ّ‬ ‫ويُمنَح‬
‫الدراسة الحقا ً مدّة سنتين والحصول على شهادة ماجيستير أو ما يُس ّمى‬
‫األول هو منحه شهادة‬ ‫ماستر‪ ،‬ويُعت َبر هذا االتّجاه جديدا ً بمعيارين‪ّ :‬‬
‫جديدة في ألمانيا والثاني‪ :‬هو محتواه االختصاصي ‪.‬‬
‫ومع هذا مازالت هناك أصوات علميّة كثيرة تطالب بالح ّد من هذا‬
‫ي وعدم توسيعه في الجامعات األلمانية‪ ،‬والح ّجة في‬ ‫النموذج الدراس ّ‬
‫ى وأكثر أكاديميةً من شهادة‬
‫ذلك أنّه مازال الديبلوم األلماني أرفع مستو ً‬
‫الماستر‪.‬‬
‫وقد كان نشوء هذه البرامج التعليميّة حاجةً اقتصاديّةً تس ُّد النقص‬
‫بالخبرات العلميّة والتي تحتاج إليها الشركات الصناعيّة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى كان له هدفه السياسي والمتمثّل بمزيد من االنسجام العلم ّ‬
‫ي مع‬
‫بلدان االتّحاد األوروبي ‪.‬‬
‫ي لهذه البرامج يستم ّد حداثته من‬ ‫إن المحتوى االختصاصي العلم ّ‬
‫كونه نتاج تهجين ـ إن ص ّح التعبير ـ مجموع ٍة من االختصاصات‬
‫بآن معا ً كما هو الحال‬
‫ق ٍ‬ ‫اختصاص شام ٍل ودقي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بهدف الوصول إلى‬
‫مثالً باالختصاص المس ّمى ميكاترونيكا والذي هو نتاج دمج ثالثة‬
‫اختصاصات هي الهندسة الميكانيكيّة والكهربائيّة والمعلوماتيّة‪ ،‬أيضا ً‬
‫كمثال اختصاص تحليل المعطيات والناتج عن دمج اختصاصا ٍ‬
‫ت ثالثة‬
‫وهي الرياضيات‪ ،‬علوم اإلحصاء‪ ،‬علوم الحاسوب‪ .‬أو مثالً‬
‫اختصاص البيونيك وهو نتاج لكل من العلوم البيولوجية والهندسية‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫من عمليّات الدمج هذه تستمد ألمانيا وجامعاتها استمراريتها‬
‫وقدرتها على المنافسة‪ ،‬وتبقى بذلك المراكز العلمية األكثر جذبا ً وعليه‬
‫فلدى الدارس خيارات عدّة باختصاصات مختلفة‪ ،‬حتّى في أعمق‬
‫األمور النظرية وأكثرها دقّة‪ ،‬ناهيك عن خيار انتقاء الدراسة بمعناها‬
‫الجغرافي‪ ،‬فحيث يطيب له يكون!‬
‫يجد الطالب في ك ّل جامعة تقريبا كليّات الطبّ والعلوم األساسيّة‬
‫والهندسية والقانونيّة والزراعيّة والفنيّة اإلنسانيّة‪ ،‬لك ّل جامعة‬
‫ي تتميّز به عن غيرها وهذا التو ّجه يمثّل‬ ‫اختصاص علم ّ‬
‫ي في الجامعة وبه تنطبع كافّة‬ ‫المحوراألساس في البحث العلم ّ‬
‫االتجاهات األكاديميّة األخرى المتواجدة في الجامعة متكاملةً مع‬
‫بعضها البعض‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫ي‪ ،‬تصبح‬ ‫إذا ما تميّزت جامعة تاريخيّا باختصاصها وتو ّجهها البيئ ّ‬
‫مادّة البيئة القاسم المشترك بين معظم كليّات الجامعة رغم التباين‬
‫ي‬
‫الظاهري لتو ّجهاتها العلمية‪ ،‬وهنا ينبغي شرح ذلك بالمثال اإليضاح ّ‬
‫التالي‪:‬‬
‫تتميّز كليّة الهندسة الميكانيكيّة في جامعة ما في ألمانيا‪ ،‬وعلى‬
‫سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬تاريخيّا ً وعلى امتداد عقود من الزمن ببحوثها‬
‫العلميّة في مجال تصميم معدّات وأجهزة قياس بيئيّة وتطوير وسائل‬
‫ي وعلى‬ ‫إنتاج بيئيّة وأدوات رفيقة للبيئة‪ ،‬نتيجة هذا التميّز العلم ّ‬
‫ي وعلى‬‫التوازي يُفتتح قسم للدراسة في كليّة االقتصاد باسم اقتصاد بيئ ّ‬
‫األرجح قد يهت ّم هذا القسم بدراسة نظريات اقتصاد بيئيّة مثالً‪ ،‬وعلى‬
‫‪80‬‬
‫التوالي سيكون هناك في الجامعة نفسها وفي كليّة العلوم السياسيّة قسم‬
‫السياسة البيئيّة‪ ،‬وفي كليّة التربية سيكون قسم التربية البيئيّة وبدورها‬
‫كليّة الزراعة سوف تدعم هذا المحور االختصاصي بقسم الزراعة‬
‫ي‪ ،‬والهندسة‬ ‫البيئيّة‪ ،‬والهندسة الغذائيّة عبر قسم هندسة الغذاء البيئ ّ‬
‫ي أو البيئة والتراث الحضاري‪،‬‬ ‫التلوث البيئ ّ‬
‫ّ‬ ‫المدنيّة من خالل قسم‬
‫وكليّة الطبّ من خالل قسم الص ّحة والبيئة‪ ،‬والهندسة الكهربائيّة من‬
‫خالل قسم البيئة والطاقات المتجدّدة‪ ،‬وكليّة الحقوق عن طريق قسم‬
‫ي‪ ،‬كليّة العلوم الطبيعيّة من خالل البيئة النهريّة أو البحريّة‬‫القانون البيئ ّ‬
‫أو من خالل اهتمامها بالطبيعة والحيوان والنبات‪ ،‬وهكذا تتناغم‬
‫وتتكامل كافّة الكليّات ببحوثها وتو ّجهاتها محقّقة بذلك شعار العلم‬
‫ي والتنمية المستدامة والذي هو الضمانة األولى‬ ‫والبحث العلم ّ‬
‫لمواصلة االرتقاء بمستوى الجامعات عن طريق ضمان الجودة‬
‫الشاملة للعملية العلميّة والتعليميّة وتهيئتها للمنافسة في ساحة التعليم‬
‫ي‪ ،‬وتمكينها من تصدير منتجات ثورتها العلميّة‪ .‬هذا‬ ‫والبحث العلم ّ‬
‫ويجب التمييز في ألمانيا بين المراكز التعليميّة التالية‪:‬‬
‫• الجامعات ـ الجامعات التقنيّة ـ الجامعات المشتركة‪.‬‬
‫• المعاهد العليا االختصاصيّة ـ التقنيّة ـ العا ّمة‪.‬‬
‫• المعاهد العليا ّ‬
‫للفن والموسيقا وصناعة الفيلم‪.‬‬
‫• المعاهد العليا للتربية‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫في البدايات كانت الجامعات التقنيّة والمعاهد العالية التقنيّة تقتصر‬
‫التطور‬
‫ّ‬ ‫على تدريس االختصاصات والموا ّد التقنيّة‪ ،‬ول ّما واكب ِّ‬
‫ت‬
‫والتقدّم شملت كافّة االختصاصات مع حفاظها على كونها تقنيّة‪،‬‬
‫ويمكن أن نجد عروضا ً دراسيّةً لدراسة العلوم األدبيّة في هذه‬
‫الجامعات التقنيّة شريطة أن تعمل هذه الكليّات بالتناغم والتوافق التقني‬
‫السائد أي أنّه ينبغي على الكليّات التي أعلنت انضمامها أن تعلن أيضا ً‬
‫احترامها االختصاصي التاريخي السائد وتعلن استعدادها للمشاركة‬
‫والتقاطع واالنسجام مع التو ّجه التقني‪.‬‬
‫عرفت باسم‬ ‫للتطور نشأت جامعات جديدة نسبيّا ً ُ‬‫ّ‬ ‫وكنتيجة حتميّة‬
‫الجامعات المشتركة كما هي مثال جامعة ‪/‬دويسبورغ‪ -‬إيسن‪ /‬وهذا‬
‫ي جاء ليؤدّي أهدافا ً مختلفة‪ ،‬منها تغطيّة النقص في الكادر‬‫التو ّجه العلم ّ‬
‫ي والذي سيؤ ّهل الجامعة للمنافسة‪ ،‬ولوقوع كال الجامعتين على‬ ‫العلم ّ‬
‫خط سفر واحد يفصل بينهما مدّة ال تتجاوز ‪ 15‬دقيقة‪ ،‬كما كان لهذا‬ ‫ّ‬
‫االتّحاد أسبابه االقتصاديّة أيضاً‪.‬‬
‫أ ّما الدراسة في المعاهد االختصاصيّة العالية فال زالت حتّى اليوم‬
‫غير واضحة المعالم لدى الطلبة األجانب والذين يعلمون فقط عن‬
‫أن هذا االتجاه الدراسي والذي هو‬ ‫الجامعات والجامعات التقنيّة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ث نسبيّاً‪،‬‬
‫عمر حدي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تجربة وخصوصيّة ألمانيّة في التعليم العالي ذو‬
‫هذه الخصوصيّة كانت ثمرة النقاشات العلميّة والسياسيّة التي جرت‬
‫آواخر الستينيات‪ ،‬فكان إنشاؤها خطوة ً وضرورة ً ال ب َّد منها ليتم ّكن‬
‫االقتصاد األلماني من المنافسة في السوق العالميّة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ي ـ ومايزال ـ عن حاجته للرفد‬ ‫وكان قد أعلن االقتصاد المعمل ّ‬
‫المستمر بالمتخرجين والمهيّئين علميّا وعمليّا ً والقادرين على ح ّل‬
‫ِّ ّ‬
‫معارف أكاديميّةٍ‪ .‬بموجب‬
‫َ‬ ‫المشاكل المصنعيّة بنجاحٍ وسرع ٍة بنا ًء على‬
‫قانون التعليم العالي في ألمانيا عام ‪ 1976‬ت ّم ترقية هذه المعاهد‬
‫االختصاصيّة العالية إلى مستوى الجامعات من الناحية اإلداريّة كما‬
‫ي والتعليم‪.‬‬
‫ضمن استقالليّة هذه المعاهد‪ ،‬ومنحها حريّة البحث العلم ّ‬
‫يوجد اليوم حوالى ‪ 150‬معهد عال لالختصاص باإلضافة إلى‬
‫خاص باعتراف حكومي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حوالى ‪ 30‬معهد‬
‫حوالى أكثر من ‪ 485000‬طالب وطالبة بينهم أكثر من ‪30000‬‬
‫من الطالب األجانب يدرسون في هذه المعاهد االختصاصيّة دراسا ٍ‬
‫ت‬
‫مختلفةً تبدأ بالعلوم الهندسيّة وال تنتهي بالعلوم السياحيّة والفندقيّة‪.‬‬
‫الشهادة األكاديميّة التي يحصل عليها الطالب بعد دراسة ناجحة مدّة‬
‫سبعة أو ثمانية فصول دراسيّة هي شهادة الديبلوم األلماني من الدرجة‬
‫الثانية ‪.‬‬
‫أكثر من ربع الطالّب المبتدئين في الدراسة العليا يختارون الدراسة‬
‫في المعاهد االختصاصيّة العالية حتّى أنّنا نجد أكثر من الثلث من‬
‫خريجي هذه المعاهد العالية‪ ،‬وفي‬‫حملة الشهادات في ألمانيا هم من ّ‬
‫بعض االختصاصات كما هو الحال في المهن الهندسيّة ّ‬
‫فإن أكثر من‬
‫المتخرجين كانوا أنهوا دراستهم في هذه المعاهد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نصف عدد‬
‫إن ما يعطي المعاهد االختصاصيّة العليا جاذبيتها هو ضمان‬ ‫ّ‬
‫الوصول السريع نسبيّا ً بخبرات عمليّة عالية المستوى إلى مواقع العمل‬
‫‪83‬‬
‫سساته‪ ،‬باإلضافة إلى تعميق الخبرات‬ ‫في االقتصاد الصناعي بشتّى مؤ ّ‬
‫العمليّة أثناء الدراسة هناك أيضا إيجابيّات أخرى للدراسة كالتعلّم في‬
‫مجموعات صغيرة نسبيّاً‪ ،‬كما أن النظام االمتحاني هو نظا ٌم مراف ٌق‬
‫للدراسة‪ ،‬والمواد التدريسيّة بح ّد ذاتها مهيّأة ٌ بالضروريات األساسيّة‬
‫ي‪ ،‬ولكن هذا ال يعني في حال من األحوال التخلّي‬ ‫لممارسة العمل المهن ّ‬
‫صل إليه علميّا ً على صعي َدي‬ ‫عن الدقّة العلميّة ومتابعة آخر ما ت ّم التو ّ‬
‫النظريّة والتطبيق‪ ،‬هذه األسباب مجتمعة تساهم بتقليص مدّة الدراسة‬
‫مقارنة مع الدراسة األكاديميّة في الجامعات وفي االختصاص ذاته‪،‬‬
‫بدور‬
‫ٍ‬ ‫بجانب العمليّة التدريسيّة تساهم المعاهد االختصاصيّة العالية‬
‫ي المو ّجه مهنيا ً وتطبيقيّا ًوبما يتناسب‬ ‫كبير في عمليّة البحث العلم ّ‬ ‫ٍ‬
‫واالحتياجات المصنعيّة‪.‬‬
‫التخرج في هذه المعاهد االختصاصيّة هي في أغلب‬ ‫ّ‬ ‫مشاريع‬
‫ي المعهد وخبراء‬ ‫األحيان حصيلة إشراف مشترك بين أكاديمي ّ‬
‫مباشر في تطوير منتجٍ ما‬
‫ٌ‬ ‫الصناعة حيث أن ك ّل مشروع هو إسها ٌم‬
‫أو ح ٍّل جزئ ّ‬
‫ي لمشكلة اقتصاديّة أو صناعيّة أو إداريّة‪.‬‬
‫ي مع جامعات‬ ‫تطرح هذه المعاهد أشكاالً متعدّدة للتعاون العلم ّ‬
‫البلدان األخرى باإلضافة إلى تبادل الخبرات والطالّب‪ ،‬الطالب يملك‬
‫الخيار والفرصة للدراسة م ّدة َ فص ٍل أو إثنين في جامعة دولة أخرى‬
‫مثالً فرنسا‪ ،‬وبالتالي يحصل على ما يس ّمى شهادة الديبلوم المضاعف‬
‫أن هذه المعاهد هي‬ ‫أو وثيقة إضافيّة معت َرف بها في كال البلدين‪ ،‬رغم ّ‬
‫العمود الحامل لهيكليّة التعليم العالي في ألـمانيا إالّ ّ‬
‫أن المت ّخرجين ال‬

‫‪84‬‬
‫الحق في الوصول مباشرة إلى دراسة الدكتوراه وعليهم بغية‬ ‫ّ‬ ‫يملكون‬
‫ذلك أن يدرسوا ثانية في الجامعة األلمانيّة ولمدّة أقلّها أربعة فصول‬
‫معارف نظريّ ٍة تؤ ّهلهم للبدء بالبحث‬
‫َ‬ ‫دراسيّة يستكملون ما ينقصهم من‬
‫ي‪.‬‬
‫العلم ّ‬
‫أخيرا ً آمل أن تُسهم هذه الشروحات المختصرة حول بعض قضايا‬
‫التعليم العالي في ألـمانيا في السعي لنعيد النظر وبإمعان بمستقبلنا‬
‫ي‬
‫ي‪ .‬ولنتو ّجه نحو جامعاتنا ومعاهدنا إلنقاذها من الضعف العلم ّ‬ ‫العلم ّ‬
‫ي والتعليم‬
‫واإلداري الذي يعتريها والتركيز على أهميّة البحث العلم ّ‬
‫ي والفهم الصحيح‬ ‫العالي لنتم ّكن بواسطتهما من االرتقاء العلم ّ‬
‫والتعامل المنطقي مع الثورة العلميّة العالميّة ومنجزاتها ولنتم ّكن من‬
‫فهم الفلسفة السياسيّة االقتصاديّة االجتماعيّة التربويّة الكامنة وراءها‪.‬‬
‫كما آمل أنّي استطعت ـ بما تقدّم حول التعليم العالي في ألـمانياـ‬
‫المحاور الها ّمة في عمليّة العلم والتعلّم والتي‬
‫ِّ‬ ‫توضي َح وإن جزئيّا ً بعض‬
‫يمكن تلخيصها وفق التالي‪:‬‬
‫التطور اإلداري الهائل للعمليّة العلميّة في ألـمانيا من‬
‫ّ‬ ‫• إبراز‬
‫ي االقتصادي السياسي‪.‬‬ ‫خالل التناغم العلم ّ‬
‫• إبراز أوجه التنسيق الداخلي ضمن الجامعة الواحدة‪.‬‬
‫• إبراز أهميّة عالقة الجامعة والمعهد العالي كمركز للعلم‬
‫ي بالمجتمع‪ ،‬وهو يعني بشك ٍل ما ربط الجامعة‬
‫والبحث العلم ّ‬
‫بالمجتمع‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫صة واإلقالل من أهميّة التعليم‬ ‫• انخفاض عدد الجامعات الخا ّ‬
‫الخاص والذي ال يمكن مقارنته بالتعليم العا ّم والمدعوم‬‫ّ‬
‫مباشرة ً من المؤ ّ‬
‫سسات الحكوميّة ‪.‬‬
‫• إعطاء فكرة أولية حول تكاليف الدراسة واالختصاص‬
‫وكذلك تكاليف العيش في ألـمانيا ‪.‬‬
‫• إعطاء معلومات وتوضيح قضايا إداريّة للطالّب القادمين‬
‫للدراسة في الجامعات األلمانيّة ّمما قد يخفّف عنهم وطأة‬
‫االرتباك والقلق المتزامن مع الدخول في تجربة جديدة‬
‫ومختلفة بمعايير عدّة‪.‬‬
‫***‬

‫‪86‬‬
‫ر‬
‫الهندس يف العولمة‬
‫ي‬ ‫عالمية التأهيل‬

‫أدت عولمة العمليات االقتصادية بما ال مجال للشك فيه إلى ظهور‬
‫مواطن الضعف في الكثير من المؤسسات ومن أبرز الميادين التي‬
‫تتأثر مباشرة بالعولمة – باعتبارها اليوم حقيقة وحتمية اقتصادية‬
‫وتكنولوجية يجب عدم إنكارها أو تجاهلها – هو ميدان التعليم العالي‬
‫ومن ضمنه موضوعة التأهيل الهندسي في الجامعات والمعاهد‬
‫االختصاصية العليا وذلك نظرا ً الرتباط العولمة بشكل وثيق مع‬
‫التطور التقني الذي هو أحد بواعث وركائز العولمة‪.‬‬
‫فبعد عولمة العمليات االقتصادية وتحول المجتمع الصناعي إلى‬
‫مجتمع تقديم وبيع للخدمات والمعارف واألفكار تجري اليوم عولمة‬
‫العمليات العلمية‪ ،‬عولمة النظام العلمي‪ ،‬عولمة سوق التعليم‪ ،‬وتزداد‬
‫بالتالي االنعكاسات السلبية واإليجابية على النظام التعليمي الجامعي‬
‫وما قبل الجامعي‪.‬‬
‫يتم التحدث في هذه المرحلة عن سوق التعليم العالي‪ ،‬عن زبائن‬
‫التعليم العالي وعن منتجات التعليم العالي وعن قوانين العرض‬
‫للبرامج العلمية والطلب عليها‪ .‬فالطالب (الزبون) يبحث اليوم عن‬
‫منتج (برنامج علمي مميز) ضمن السوق العلمي العالمي‪ .‬في عصر‬

‫‪87‬‬
‫العولمة تزداد أهمية التسلح العلمي وتحصين المؤسسة التعليمية‬
‫واعتماد المنهج العلمي كأسلوب لإلدارة والتخطيط وعليه يزداد‬
‫احترام البلدان المتقدمة وتلك الراغبة بحجز موقع متقدم لها على‬
‫خارطة العالم للعلم والعلماء وللتكنولوجيا واالتصاالت ويزداد بالتالي‬
‫حجم اإلنفاق لدعم البحث العلمي ومراكزه واحتياجاته ومن أجل تجديد‬
‫هيكلة المؤسسات العلمية ‪.‬‬
‫إن المستوى الحياتي وجودته في ألمانيا والنجاح الهائل الذي تحققه‬
‫الصناعة األلمانية يعود في القسم األكبر منه إلى المستوى العالي‬
‫للمهندسين وإلى الهندسات الحدثية وانتشارها الواسع واستخدام‬
‫نتاجاتها من قبل الجميع‪ .‬إن قدرة االقتصاد األلماني على البقاء مستقبالً‬
‫في حلبة التنافس العالمي والمحافظة على موقعه يمكن ضمانها فقط‬
‫إذا مااستطاعت ألمانيا بمراكز بحثها وجامعاتها وصناعاتها أن تحافظ‬
‫على موقعها المتميز علميا ً وعلى األخص في مجال التأهيل الهندسي‬
‫العام والبيئي على وجه الخصوص باعتباره المحرك الجوهري‬
‫للتطور االقتصادي في ألمانيا ‪.‬‬
‫لقد حقق التأهيل الهندسي صيتا ً جيدا ً وموقعا ً متقدما ً على مستوى‬
‫العالم بالمقارنة مع جامعات وبرامج أخرى‪ ،‬بشكل خاص في الدوائر‬
‫والمؤتمرات االختصاصية يتم تكريم المستوي االختصاصي العالي‬
‫والجودة العالية للتعليم الهندسي في ألمانيا ولطبيعة العالقة المتبادلة‬
‫بين الصناعة والجامعة‪ .‬وألن متطلبات الصناعة واألسواق تتغير مع‬
‫عصر العولمة بدأت المهام الملقاة على عاتق مهندسي المستقبل بالتغير‬

‫‪88‬‬
‫أيضا وعلى التوازي من ذلك بدأت أيضا ً شروط تأهيل المهندس‬
‫بالتغير‪ .‬الصناعة وأسواق العمل تضع قيمة كبيرة اليوم على مدى‬
‫وجود قوى عمل أخصائية هندسية وقيادية بتوجهات عالمية وإشباع‬
‫ثقافي متنوع وعلى مدى إتقان المهندس للمعارف االجتماعية‬
‫وللمهارات المنهجية وليس فقط إتقانه للمعارف االختصاصية الهندسية‬
‫عن طريق التأهيل الجامعي الكالسيكي والتي لم تعد كافية اليوم ـ رغم‬
‫أهميتها ـ لتلبية وتغطية متطلبات سوق العمل العالمي والحاجة إلدارة‬
‫خطوط العمل الحديثة في المجال الصناعي‪ .‬إلى جانب إتقان القواعد‬
‫األساسية العلمية والتحقق التجريبي في المجال التطبيقي وإدراك‬
‫العالقة بين الحلول والبيئة االفتراضية متعددة الوسائط يجب على‬
‫المهندس التحلي ببعض إن لم يكن كل الصفات التالية‪:‬‬
‫• أن يمتلك اإلرادة للتأقلم واالنسجام واالتصال والتواصل مع‬
‫اآلخرين وكذلك القدرة على العمل الجماعي واحترام العمل‬
‫ضمن فريق واالستعدادية للعمل المشترك مع الشركاء في‬
‫المحيط العالمي خارج الحدود الثقافية والحضارية‬
‫والسياسية التي يعيش بها وإدراك الفوارق الحضارية‬
‫الثقافية بين أقاليم العالم ‪.‬‬
‫• إتقان استخدام تكنولوجيا االتصاالت والمعلومات الحديثة‬
‫واالستخدام الماهر للشبكات المعلوماتية الممتدة عبر أنحاء‬
‫العالم كوسائل ذكية مساندة لعمل المهندس اليومي‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫• القدرة على التركيب والتحليل والقدرة على اإلدارة الذاتية‬
‫والزمنية والتخطيط لمدى طويل‪.‬‬
‫• معارف لغوية باإلضافة إلى القدرة على التكلم والكتابة‬
‫باللغة األم‪.‬‬
‫• قدرة على البحث العلمي وحل المشاكل العلمية وتطبيق‬
‫المعارف المكتسبة في المجال العملي‪.‬‬
‫• كفاءات قيادية وقدرات اتخاذ القرارات الصائبة وتنفيذ‬
‫المشاريع بنجاح وإيصالها إلى بر األمان ودراسة ومراقبة‬
‫وضبط النتائج بشكل دقيق‪.‬‬
‫• االستعداد للمبادرة والتحلي بروح رجال األعمال ‪.‬‬
‫• الوعي بأهمية الجودة الشاملة‪.‬‬
‫• الروح اإلبداعية واالستعدادية للتعلم من جديد وإرادة دائمة‬
‫بالنجاح‪.‬‬
‫في زمن العولمة "عولمة األسواق" في زمن التطور السريع‬
‫لتكنولوجيا االتصاالت والمعلومات يصبح الشعار ( ‪think global‬‬
‫‪ )and act local‬جزءا مهما ً من الفلسفة الحياتية للمهندس‪ .‬يتغير‬
‫المكان الجغرافي التقليدي لعمل المهندس والذي كان في الماضي أشبه‬
‫بمخبر الخبير المغلق ليصبح اليوم قادرا ً وعبر استثمار إمكانيات‬
‫المولتي ميديا من االتصال مع شركائه منجزا ً أعماله بشكل خالب من‬
‫أمكنة تواجده وضمن فرق عمل موزعة في أنحاء العالم‪ .‬وهكذا فإن‬
‫المهندس يقف في الواقع العملي أمام جملة من التحديات الحضارية‬

‫‪90‬‬
‫والثقافية والتي ال يمكن تغطيتها إال من خالل إعادة هيكلية التأهيل‬
‫الهندسي التقليدي الشيء الذي يجب أال يتم في مكاتب مغلقة بل‬
‫بإشراك الطلبة والمدرسين وخبراء الصناعة‪.‬‬
‫هذه التحديات جعلت الجامعة األلمانية تبدأ التفكير جديا ً بإعادة‬
‫جزئية لهيكلة التعليم العالي وبصورة خاصة التأهيل الهندسي بهدف‬
‫أن تصبح الجامعة األلمانية أكثر جاذبية للطالب األجنبي والقادم من‬
‫البلدان المتميزة بديناميكيتها االقتصادية‪ .‬وذلك بغية الدراسة‬
‫والتخصص ثم العودة إلى بالده ليتمكن من العمل في الشركات‬
‫األلمانية خارج ألمانيا‪ .‬من األسباب الرئيسة التي جعلت الجامعة‬
‫األلمانية في الماضي غير مرغوبة من قبل الطلبة األجانب الذين‬
‫استطاعوا خالل دراستهم إتقان اللغة اإلنكليزية ليختاروا عوضا ً عنها‬
‫جامعات بحسب الطراز اإلنغلوساكسوني هو قلة البرامج التعليمية‬
‫باللغة اإلنكليزية وألن األلقاب العلمية الممنوحة من قبل الجامعات‬
‫األلمانية غير مفهومة بالشكل الصحيح في الكثير من أنحاء العالم نظرا ً‬
‫لخصوصية التجربة العلمية والتعليمية في ألمانيا‪.‬‬
‫وألن الشركات الصناعية تحتاج أكثر من ما مضى إلى مهندسين‬
‫متقنين للغات األجنبية وعلى رأسها اللغة اإلنكليزية لذا فإن الجامعات‬
‫تمهد الطريق أمام طلبتها وذلك بتقديم عروض ومحاضرات بل برامج‬
‫تعليمية جديدة ناطقة باللغة اإلنكليزية بشكل كامل‪ .‬وهذه البرامج‬
‫تتضمن قضاء فصل أو فصلين دراسيين في جامعات وبلدان أجنبية‬
‫أخرى وبهذا يتمكن الطالب بدون إضاعة لوقت الدراسة النظامية من‬

‫‪91‬‬
‫اكتساب الخبرة في التعامل االجتماعي والثقافي مع دوائر حضارية‬
‫أخرى وممارسة تجربة العمل الجماعي المشترك مع طلبة ومدرسين‬
‫بمنظومة ثقافية وفكرية مختلفة عن منظومته وفي الوقت نفسه تعميق‬
‫معرفته باللغة األجنبية‪ ،‬وبهذا وذاك يكون الطالب أكثر استعدادا ً‬
‫وتجهيزا ً للعمل الحقا ً في بالد أخرى غير بالده األم ‪.‬‬
‫في بعض الجامعات األلمانية والتي استلمت الدور القيادي في‬
‫طريق االنتقال إلى مجتمع العولمة مع المحافظة على جودة العلم‬
‫والتعليم والتعاون العلمي ضمن كليات الجامعة الواحدة وفيما بين‬
‫الجامعات على امتداد األرض األلمانية أصبحت هذه التوجهات حقيقة‬
‫ملموسة وفي بعضها اآلخر ما زالت في طور التردد رغم وعيها‬
‫ألهمية هذه التوجهات‪ .‬المحللون المهتمون في إعادة بناء أنظمة التعليم‬
‫ما زالوا متفائلين ألنهم يثقون بالقدرات والكفاءات التجديدية للجامعات‬
‫األلمانية وفي قوة وأهمية سوق التعليم المتنامية‪.‬‬
‫استطاعت الجامعات األلمانية إيجاد الحل الصحيح لألزمة‬
‫الكالسيكية القائمة في أنظمة التعليم الهندسي على مستوى العالم‬
‫والمتمثلة بالصراع بين التوجه النظري الصرف للدراسة الهندسية كما‬
‫هو الحال في الجامعات الفرنسية والتوجه التطبيقي كما هو سائد في‬
‫الجامعات اإلنغلوساكسونية ومدى أولوية إحداهما على اآلخر‪.‬‬
‫تمحورت االستراتيجية التي تبنتها الجامعات في ألمانيا والتي القت‬
‫التأييد والدعم المادي من قبل الجانب الصناعي حول التشاركية‬

‫‪92‬‬
‫التوافقية المحققة للتوازن بين األسس النظرية واألسس ذات التوجه‬
‫التطبيقي‪.‬‬
‫تم اليوم في الجامعات األلمانية بقرار من وزارة التعليم العالي وبعد‬
‫مشاورات واجتماعات موسعة مع الرابطة األلمانية لهندسة بناء‬
‫اآلالت والمنشآت اآللية وكذلك مع الرابطة األلمانية للهندسة‬
‫الكهربائية وصناعة األلكترونيات اعتماد أكثر من ‪ 400‬برنامج‬
‫تعليمي جامعي جديد موجه عالميا ً وخاصة في مجاالت هندسية‬
‫واقتصادية وقانونية‪ ،‬وبمساهمة من جميع المشاركين تم تطوير‬
‫المتدرج‬
‫ّ‬ ‫وبلورة مقترحات لضمان الجودة المتكاملة للتأهيل الهندسي‬
‫والتي تضمن إدخال البرامج والهياكل التعليمية الجديدة إلى الجامعات‬
‫بسرعة وبتكاليف مناسبة وتعتمد هذه البرامج نظام االمتحان المرافق‬
‫للدراسة ونظام تنويط االستطاعات الدراسية ويتم في هذه البرامج‬
‫كدرجة علمية منح شهادات البكالوريوس والماجستير ودرجة‬
‫الدكتوراه‬
‫) ‪BSc ( Bachelor of Science‬‬
‫) ‪MSc (Master of Science‬‬
‫‪PhD‬‬
‫للدراسة العلمية المعمقة نظريا ً والمؤهلة لمتابعة البحث العلمي‬
‫وكذلك شهادات‬
‫)‪BEng (Bachelor of Engineering‬‬

‫‪93‬‬
‫)‪MEng (Masterof Engineering‬‬
‫للدراسة العملياتية المعمقة تطبيقيا ً والمؤهلة للعمل مباشرة ً في‬
‫القطاع االقتصادي الصناعي‪ .‬تبلغ مدة الدراسة النظامية لبرنامج‬
‫البكالوريوس سبعة فصول (ستة فصول للدراسة النظرية والمرتبطة‬
‫بمشاريع جزئية والفصل السابع واألخير من أجل التقدم بمشروع‬
‫التخرج والذي يجب أن يكون بمستوى علمي جيد) ولبرنامج‬
‫الماجستير أربعة فصول (ثالثة منها للدراسة النظرية والفصل الرابع‬
‫واألخير من أجل التقدم بمشروع التخرج ضمن المعهد المراد‬
‫التخصص فيه أو في إحدى الشركات الهندسية وإشراف علمي من‬
‫المعهد الجامعي) وخالل دراسة الماجستير هذه يستطيع الطالب‬
‫الراغب بإنجاز أحد الفصول الدراسية في جامعة أخرى في بلد آخر‪.‬‬
‫شهادة الماجستير التي يتم منحها بعد الدراسة الناجحة تعادل شهادة‬
‫الدبلوم األلماني والذي تستغرق دراسته النظامية عشرة فصول‪ .‬بقي‬
‫أن ننوه بأن المواد العلمية التي يقدمها برنامج الماجستير هي مجموعة‬
‫مواد مترابطة فيما بينها بشكل وثيق جدا ً من ناحية المحتوى العلمي‬
‫لتشكل في النهاية االختصاص المطلوب‪ .‬يستطيع الطالب على سبيل‬
‫المثال ضمن اختصاص هندسة التصميم دراسة المجموعة التالية‪:‬‬
‫(االقتصاد الصناعي‪ ،‬الرياضيات العالية‪ ،‬فلسفة التصميم‬
‫واإلنتاج‪ ،‬التصميم بواسطة الحاسب‪ ،‬تخطيط اإلنتاج باستخدام‬
‫الحاسب‪ ،‬مواد التصميم المعدنية والالمعدنية‪ ،‬التصنيع بواسطة‬
‫الحاسب‪ ،‬نمذجة ومحاكاة العمليات اإلنتاجية‪ ،‬ضمان الجودة الشاملة‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫استراتيجيات تطوير المنتج‪ ،‬التصميم واإلنتاج بمراعاة التكاليف‪،‬‬
‫التصميم والتصنيع بمراعاة الشروط البيئية)‪.‬‬
‫تعول الجامعات كثيرا ً على التعلم ضمن مجموعات مؤلفة من‬
‫ثمانية طالب وذلك لحل مشاريع صناعية جزئية تتطور بدءا ً من‬
‫الفصل األول لتعطي نتائجها في نهاية الفصل الرابع متجسدة ً بمشروع‬
‫صناعي متكامل‪ .‬يتناقص عدد طالب المجموعة ليصبح بدءا ً من‬
‫الفصل الخامس مؤلفا ً من أربعة طالب والذين يبدوؤن بمعالجة مشاكل‬
‫هندسية تقنية أكثر تفرعا ً وعمقا ً وتطوير استراتيجيات لحلها وهذا ما‬
‫يسمى بالدراسة الهندسية الموجهة حسب المشاريع‪.‬‬
‫في الفصول الدراسية األربعة األولى في عملية تأهيل المهندس‬
‫يتلقى الطالب وبشكل مكثف أساسيات العلوم الفيزيائية والرياضياتية‬
‫والكيميائية وبجانب ذلك عموميات األسس الهندسية التقنية‪ .‬في‬
‫الفصلين الخامس والسادس يبدأ الطالب بتجميع مهارات هندسية‬
‫كمرحلة فاصلة واصلة بين الفصول األربعة األولى والفصول األربعة‬
‫اآلخيرة حيث تبدأ عملية تحضير واستيعاب العلوم الهندسية‬
‫االختصاصية الموجهة تطبيقيا ً والمتمثلة بالمشاريع التطبيقية وزيارة‬
‫الوحدات المصنعية واستخدام البرمجيات العالية واختيار المواد‬
‫الهندسية التي يجد فيها الطالب رغبته وتوجهه وأحالمه الهندسية‬
‫المستقبلية وحيث أنه هناك فضاء واسع جدا ً لإلنتقاء‪ .‬فعلى سبيل المثال‬
‫وفي الجامعة األلمانية التقنية في درسدن وفي كلية الهندسة الميكانيكية‬
‫بالتحديد يجد الطالب اإلختصاصات التالية‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫(هندسة األتمتة‪ ،‬هندسة القياس‪ ،‬هندسة اقتصاد المصانع‪ ،‬األمن‬
‫الصناعي‪ ،‬هندسة السيارات‪ ،‬هندسة اآلالت وعناصرها‪ ،‬هندسة‬
‫عناصر وأنظمة التحريك‪ ،‬هندسة التصميم باستخدام الحاسب وتطوير‬
‫المنتج‪ ،‬الهندسة الهيدروليكية‪ ،‬هندسة آالت البناء‪ ،‬هندسة الرفع‬
‫والنقل‪ ،‬هندسة اآلالت الزراعية‪ ،‬هندسة آالت التعبئة والتغليف‪،‬‬
‫هندسة اللدائن والتصاميم الخفيفة‪ ،‬هندسة الميكانيك التطبيقي‪ ،‬الهندسة‬
‫البيئية‪ ،‬هندسة التشكيل وآالته‪ ،‬هندسة التشغيل وآالته‪ ،‬هندسة معالجة‬
‫السطوح‪ ،‬هندسة الربط‪ ،‬هندسة القطارات‪ ،‬هندسة الطائرات‬
‫والمركبات الفضائية‪ ،‬هندسة محركات االحتراق‪ ،‬هندسة الورق‬
‫وآالته‪ ،‬هندسة األخشاب وآالته‪ ،‬هندسة المواد الغذائية‪ ،‬هندسة‬
‫األساليب الحيوية‪ ،‬هندسة النسيج ولملبوسات الجاهزة‪ ،‬هندسة التدفئة‬
‫والتكييف والصرف الصحي‪ ،‬هندسة المعالجات الحرارية والكيميائية‬
‫والميكانيكية‪ ،‬هندسة المواد المعدنية والسيراميكية والزجاجية)‪.‬‬
‫يواجه الطالب من بلدان العالم الثالث عموما ً مشكلة مضاعفة عند‬
‫دخوله ألمانيا للدراسة االختصاصية‪ .‬األولى تكمن عند دخوله الجامعة‬
‫األلمانية وبيده شهادته الممنوحة له باسم بكالوريوس حيث يتم‬
‫االعتراف على هذه الشهادة التي حصل عليها من جامعات بلده بنسبة‬
‫ال تتجاوز ‪ %45‬وهكذا يجد الطالب نفسه في البداية مرغما ً على‬
‫دراسة خمسة أو ستة فصول دراسية واجتيازها بنجاح كي يمتلك الحق‬
‫بمتابعة الدراسة التخصصية‪ ،‬مع العلم بأن المدة النظامية للدراسة‬
‫الهندسية في الجامعة األلمانية ال تتجاوز إحدى عشر فصالً والتي‬
‫بموجبها يتم تأهيل الطالب المتخرج لمتابعة دراسة الدكتوراه وهي‬
‫‪96‬‬
‫المدة عينها التي يمضيها الطالب في جامعته ليحصل في النهاية على‬
‫شهادة البكالوريوس ومن بعد ذلك يتوجب على المتخرج في حالة‬
‫توافر الرغبة واالجتهاد دراسة أخرى مدتها فصلين ليحصل بموجبهما‬
‫على شهادة دبلوم ومن ثم خمسة فصول دراسية أخرى كحد أدنى‬
‫ليحصل بعد ذلك على شهادة الماجستير ليتمكن بواسطتها من التسجيل‬
‫كطالب دكتوراه‪ ،‬أي أن الطالب الدارس للهندسة من بلدان العالم الثالث‬
‫يحتاج كحد أدنى إلى حوالي ثمانية عشر فصالً دراسيا ً ليتمكن من‬
‫التسجيل في الجامعة األلمانية كطالب دكتوراه في الوقت الذي يحتاج‬
‫فيه الطالب األلماني إلى عشرة فصول دراسية فقط للدخول إلى عالم‬
‫البحث العلمي بهدف تتويج مرحلة بحثه والتي تستمر بالحد األدنى‬
‫مدة ثالت سنوات باللقب العلمي دكتور مهندس‪ ،‬أما المشكلة الثانية‬
‫التي تعترض الطالب القادم من بلدان العالم الثالث فتتمثل بالصعوبات‬
‫التي تواجهه في وطنه أثناء تعديل الشهادة التي يكون قد حصل عليها‬
‫في الجامعة األلمانية والتي تتفوق بمستواها العلمي واإلداري‬
‫والتنظيمي على الجامعة في وطنه بمرة واحدة على األقل‪.‬‬
‫إن من بعض األولويات الضرورية التي يجب مراعاتها في‬
‫السياسة الجامعية من أجل قدرتها على االستمرار في وجه التحديات‬
‫العولمية هي‪:‬‬
‫• التحريك التفعيلي في سوق العلم العالمي من خالل هدم كل‬
‫العوائق للتبادل الحر للخدمات العلمية وذلك ببناء طرق‬
‫االتصال الحركي بشقيها الواقعي واالفتراضي والمتمثل‬

‫‪97‬‬
‫ببناء وتقوية االتصاالت وجسور المعلومات الحديثة وتهيئة‬
‫المواطن لقبول التحديات العولمية واستثمار إمكانياتها‬
‫اإليجابية‪.‬‬
‫• إدخال هياكل تنظيمية وقيادية ومناهج تعليمية موجهة حسب‬
‫احتياجات سوق التعليم‪.‬‬
‫• معاملة الطلبة كزبائن شريطة أن يتلقون خدمات جامعية‬
‫ذات جودة علمية عالية تتناسب مع ما يدفعه الطلبة الزبائن‪.‬‬
‫• في الطريق إلى تحقيق عالمية البرامج الدراسية ينبغي تبني‬
‫االستراتيجية التي تطرح شعار االحتفاظ بما أثبت جدارته‬
‫خالل المسيرة التعليمية وإضافة ما هو جديد وإيجابي‬
‫وبشكل تدريجي‪.‬‬
‫• إنقاص درجة التعقيد التنظيمية‪.‬‬
‫• اإلبقاء على أهداف الجودة الشاملة‪.‬‬
‫• تقوية روح العمل الجماعي ضمن فروع الجامعة الواحدة‪.‬‬
‫• يجب على الجامعات تقديم عروضها (منتجاتها) العلمية‬
‫بشكل موجه عالميا ً وبحسب الطلب العالمي‪.‬‬
‫• بناء استراتيجيات وأدوات تسويقية متماسكة بغية الدعاية‬
‫الواسعة للبرامج العلمية المطروحة في سوق العلم والتعليم‬
‫وبالتالي اكتساب الطلبة المناسبين لبرامج الجامعات‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫• أنظمة التعليم الهندسية الوطنية ينبغي أن تنسجم مع أنظمة‬
‫التعليم والمعايير العالمية وأن تتوافق معها ضمن تأثير‬
‫متبادل‪.‬‬
‫• إضافةً إلى ذلك يجب االهتمام بمناقشة قضية التطبيقات‬
‫الحاسوبية واستخدام المخابر وتقديم المشاريع الموجهة‬
‫صناعياً‪.‬‬
‫• يجب أن تكون لغة التعليم لغة مشتركة بين لغة أجنبية‬
‫(اإلنكليزية أو األلمانية مثالً) واللغة األم (كمخطط ثنائي‬
‫اللغة) على أن يتم تقديم كافة المصطلحات العلمية بكال‬
‫اللغتين‪.‬‬
‫***‬

‫‪99‬‬
‫البيئ‬
‫ي‬ ‫الكوسموس التكنونانوي والتلوث‬

‫مدخل إلى الكوسموس التكنونانوي‬


‫قبل نحو ‪ 2500‬عام صاغ الفيلسوف اليوناني ديموكريتس نظرية‬
‫الذرة من خالل وصفه بأن كل مادة تتألف من وحدات صغيرة جدا ً‬
‫فيما بينها أمكنة خالية‪ ،‬وبأن تنوع الطبيعة ينشأ عن طريق تجمع ذرات‬
‫مختلفة وبهذا كانت نظريته هي األكثر أهمية حول ما تم قوله بشأن‬
‫الطبيعة‪.‬‬
‫يشهد العالم في بداية ألفيته الثالثة ثورة صناعية من نوع جديد هي‬
‫الثورة النانوية والتي كما يصفها بعض الخبراء بأنها الثورة الصناعية‬
‫اآلخيرة في تاريخ البشرية‪ .‬يعتمد قوام التكنولوجيا النانوية على‬
‫التشبيك والتنسيق بين العلوم البيولوجية والفيزيائية والكيميائية‬
‫والميكانيكية واإللكترونية وعلم المواد وتقنية المعلومات وذلك من‬
‫أجل دراسة الهياكل البنائية للمادة الحية والالحية‪ ،‬وكما حدث في‬
‫القرن العشرين من تبدل في حياة الشعوب كنتيجة لثورة المعلومات‬
‫واالتصاالت بدأت عالئم تبدل جذري جديد بالظهور بفعل التطور‬
‫الهائل في مجال التكنولوجيا النانوية والبيولوجية والنانوبيولوجية‬
‫والميكروية والبصرية‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫تهتم النانوتكنولوجيا بنمنمة اآلالت واألدوات والمواد إلى الدرجة‬
‫النانوية وتطوير أساليب اإلنتاج والتحليل النانوي‪.‬‬
‫تعبر كلمة نانو في الفيزياء عن وحدة قياس والتي تعادل‬
‫(‪ )0،0000000001‬من المتر‪ ،‬وعلى هذا الطول يمكن ترتيب‬
‫حوالي ثمانية ذرات بجانب بعضها البعض‪ ،‬وهكذا فإن النانومتر‬
‫أصغر من قطر شعرة من شعر اإلنسان بحوالي ‪ 70000‬مرة‪ ،‬بكلمة‬
‫أخرى يمكن مقارنة حجم الجسيم النانوي بحجم كرة القدم بالنسبة لحجم‬
‫الكرة األرضية‪.‬‬
‫تعود كلمة نانو في أصلها إلى اللغة اليونانية وتعني عالم األقزام‬
‫الخرافي المتناهي في الصغر‪ ،‬وعليه فإن عالم التكنولوجيا النانوية هو‬
‫أشبه بعالم المخلوقات الخرافية غير قابلة للمالحظة بالعين المجردة‪،‬‬
‫حيث تسري فيه قوانين ميكانيك وفيزياء الكوانتوم‪.‬‬
‫تم إدخال مصطلح التكنولوجيا النانوية ألول مرة عام ‪ 1974‬وذلك‬
‫من قبل الباحث الياباني نوريو تانيغوشي عندما حاول بهذا المصطلح‬
‫التعبير عن الوسائل وطرق التصنيع المحتاجة في عمليات تشغيل‬
‫عناصر ميكانيكية وكهربائية بدقة ميكروية عالية‪.‬‬
‫أما البوابة إلى عالم الذرات فقد تم فتحها عام ‪ 1982‬عن طريق‬
‫الباحثين السويسريين جيرد بينيغ وهاينريش رورير‪ ،‬حيث قاما‬
‫بتطوير الميكروسكوب األكثر دقة من أجل مراقبة الذرات وإمكانية‬
‫التأثير بها وإزاحتها‪ ،‬بعد إنجازهما المشترك هذا بأربع سنوات حصال‬
‫على جائزة نوبل عام ‪.1986‬‬
‫‪101‬‬
‫في عام ‪ 1991‬اكتشف الباحث الياباني سوميو ليجيما األنابيب‬
‫النانوية المؤلفة فقط من شبكة من الذرات الكربونية وبالقياس تم‬
‫الحصول على مقاومة شد أعلى من مقاومة شد الفوالذ بعشر مرات‬
‫وأكثر قساوة واستقرارا ً من الماس بمرتين على األقل‪.‬‬
‫إن الطلب على المنتجات النانوية آخذ باالزدياد والنمو‪ ،‬ففي عام‬
‫‪ 2001‬بلغ معدل اإلنفاق العالمي على المجال النانوي حوالي ‪54‬‬
‫مليار يورو‪ ،‬هذا وتشير التوقعات بأن هذا المبلغ سوف يتضاعف‬
‫أربعة مرات حتى عام ‪.2010‬‬
‫في عام ‪ 2004‬وصل معدل اإلنفاق في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية إلى حوالي ‪ 1070‬مليون يورو وفي اليابان حوالي ‪810‬‬
‫مليون يورو وحوالي ‪ 1150‬مليون يورو في أوروبا و‪ 250‬مليون‬
‫يورو في ألمانيا‪.‬‬
‫هذا ويوجد في ألمانيا اليوم حوالي ‪ 500‬شركة ومركز بحث‬
‫(تقديرات من عام ‪ )2005‬والتي تهتم بتطوير ودراسة وتطبيق وإنتاج‬
‫وتسويق هياكل غاية في الدقة وتقديم الخدمات النانوية ويبلغ عدد‬
‫العاملين في القطاع النانوي حواي ‪ 25000‬عامل وعاملة‪.‬‬
‫تطبيقات التكنولوجيا النانوية‬
‫بعد أن تم التعريف بماهية التكنولوجيا النانوية سنحاول في هذا‬
‫القسم إتمام ما بدأناه وذلك من خالل استعراض بعض الحقول التي يتم‬
‫فيها دراسة إمكانيات تطبيقها‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫لقد نجح الباحثون في مركز البحث العلمي (فراونهوفر) في مدينة‬
‫فورتسبورغ األلمانية باكتشاف وسيلة نانوية لدائنية لمعالجة السطوح‬
‫شديدة القذارة والتي ال يمكن تنظيفها بالوسائل المتاحة وهذا ما يفتح‬
‫آفاقا ً جديدة في تقنيات تنظيف الح ّمامات ودورات المياه العامة‬
‫والخاصة وبهذا يكون قد أصاب الهدف من تنبأ بأن كل أشكال العمل‬
‫في المجتمع العلمي المتقدم بما فيها تنظيف دورات المياه ستكون ذات‬
‫قيمة وسيتم اإلقبال على ممارستها بمرح حقيقي ودون تذمر وذلك ألن‬
‫التطورالعلمي الهائل سيوفر إمكانيات تقنية عالية لممارسة األعمال‬
‫الروتينية‪ .‬وعلى التوازي نجح اليابانيون بإنتاج مسحوق نانوي عبارة‬
‫عن ذرات ذهبية دقيقة للغاية وذلك ألجل تنظيف دورات المياه دون‬
‫تقديم جهد إضافي‪.‬‬
‫هناك العديد من البحوث الممولة مباشرة ً من الحكومات كما في‬
‫أمريكا الشمالية على سبيل المثال والتي تهدف إلى وضع مخططات‬
‫لمعالجة المياه اآلسنة والنفايات السائلة الناتجة عن المصانع وذلك عن‬
‫طريق ضخ أو قذف الجزيئات النانوية عبر التربة لتصل بذلك إلى‬
‫أماكن تواجد النفايات بغية هدمها وتحويلها إلى مواد غير ضارة عبر‬
‫تفاعالت كيميائية خاصة‪ ،‬ولهذه الطريقة في معالجة النفايات مزاياها‪.‬‬
‫وعلى التوازي من ذلك هناك دراسات بشأن معالجة مياه الشرب‬
‫والهواء الملوث وذلك بقذف الجزيئات إلى الماء والهواء من أجل‬
‫القضاء على البكتريا الضارة المتواجدة فيهما‪ .‬ومن أجل استرجاع‬
‫هذه الجزيئات المقذوفة يتم دراسة وتطوير أساليب مغناطيسية وطرق‬

‫‪103‬‬
‫تصفية خاصة وفي حاالت أخرى هناك دراسات حول تصنيع هذه‬
‫الجزيئات بطرق خاصة لتصبح بعد استخدامها عبارة عن مواد قابلة‬
‫للتحلل بطرق بيولوجية سليمة وبهذا يمكن النظر إليها وكأنها مثل بقية‬
‫المواد التي يسمح لها بالتواجد في نظامنا البيئي دون مضاعفات‪.‬‬
‫في معهد تطوير المواد الجديدة في مدينة ساربروكن األلمانية تم‬
‫اكتشاف وسيلة نانوية جديدة بغية حفظ المخطوطات القديمة وحمايتها‬
‫من التلف وتأثير العوامل الخارجية‪.‬‬
‫وفي معاهد أخرى تم تطوير مراهم وقائية جديدة باالعتماد على‬
‫الجزيئات النانوية وذلك الستخدامها للجسد والوجه واليدين التي‬
‫تضمن حماية البشرة على النحو األفضل من تأثيرات المحيط‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫وفي المجال الغذائي يتم تطوير مساحيق غذائية نانوية إلضافتها‬
‫إلى المادة الغذائية األساسية بغية تحسين خواصها ومذاقها ولونها‪.‬‬
‫في عالم المادة النانوية سيكون للمواد المنتجة خواصها الجديدة مثل‬
‫خواص التجدد الذاتي وخواص الترابط الجزيئي بين مواد نانوية‬
‫متباينة‪.‬‬
‫قد تسلك مادة الكيراميك سلوك المادة الزجاجية لتصبح شفافة وقد‬
‫يصبح الزجاج لدنا ً مثل مادة الصقة‪ ،‬وسيصبح للمعادن القدرة على‬
‫فقدان واستعادة خواصها المغناطيسية بشكل ذاتي ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫وفي عالم الميكانيك الهندسي حقق الباحثون نتائج مذهلة في مجال‬
‫السيطرة على عمليات االهتراء والصدأ والتآكل الميكانيكي والكيميائي‬
‫وكذلك في مجال التغلب على ضياعات االحتكاك الميكانيكي وبالتالي‬
‫االستغناء عن مواد التزييت والتشحيم‪ ،‬وهذا ما يساعد على إطالة عمر‬
‫العنصر اآللي وزيادة مردودية الميكانيزمات العاملة ‪.‬‬
‫في شركات صناعة السيارات وبالتعاون مع الجامعات تتم دراسة‬
‫استخدام طرق ومواد نانوية جديدة في مجاالت الطالء والتغليف‬
‫والعزل والذي له تأثيراته اإليجابية في حماية الركاب من اإلشعاعات‬
‫وكذلك المساهمة في تخفيف وزن العربات وزيادة صالدتها وبالتالي‬
‫تخفيض مصروفها من الوقود‪.‬‬
‫هناك العديد من األبحاث في مجال تطوير وتصنيع عجالت‬
‫السيارات والتي ستكون لها خاصية التالؤم األتوماتيكي مع ظررف‬
‫الطقس وطبيعة األرض والعوامل الخارجية األخرى‪.‬‬
‫بواسطة الليزر النانوي والحساسات النانوية يتم دراسة تشغيل‬
‫المواد المعدنية والتحكم في البنية البلورية للمادة المراد تشغيلها‬
‫وبأماكن توضع الذرات بهدف تغيير الطبقات السطحية للمواد ‪.‬‬
‫بمساعدة التكنولوجيا النانوية يتم دراسة التقنيات النانوية الهادفة‬
‫إلى ترشيد استهالك الطاقة من خالل استخدامها في األجهزة‬
‫اإللكترونية بغية تعديلها لتصبح أكثر توفيرا ً للطاقة‪ ،‬كذلك هناك أبحاث‬
‫من أجل تحسين خاليا مواد االحتراق وخاليا تخزين الطاقة الشمسية‬
‫والبطاريات وهذا ما ينعكس بشكل إيجابي على مردود الطاقات البديلة‬
‫‪105‬‬
‫واكتشاف إمكانيات طاقية بديلة جديدة والتي ستكون في المستقبل‬
‫القريب البديل الحقيقي للطاقة األحفورية‪.‬‬
‫الكثير من المشاكل الرياضياتية المستعصية التي لم يمكن حلها‬
‫حتى اليوم ستجد الحل المناسب مع التطور النانوي نظرا ً للتطور‬
‫السريع في مجال األجهزة الحاسوبية ذات المعالجات النانوية ووسائط‬
‫التخزين الفائقة والوسائط المساعدة على إيجاد وتطوير الحلول‪.‬‬
‫لقد كان الباحثون األلمان في مدينة هامبورغ األوائل الذين‬
‫استطاعوا تخزين المعلومات في ذرات قليلة وقراءتها‪ ،‬وإذا ما استمر‬
‫النجاح في هذا االتجاه فإنه سيصبح قريبا ً من الممكن تخزين كل ما تم‬
‫إنتاجه من األدب العالمي على رقاقة بحجم الطابع البريدي‪.‬‬
‫لقد فتحت التكنولوجيا النانوية آفاقا ً جديدة في المجال الطبي‬
‫والجراحي‪ ،‬هناك دراسات عديدة من أجل تطوير روبوتات نانوية‬
‫والتي يمكن إرسالها إلى الجسد للتعرف على الخاليا المريضة‬
‫وترميمها وكذلك للتعرف على محرضات األمراض ومعالجة‬
‫األمراض المستعصية واألورام الخبيثة‪.‬‬
‫وفي عالم األدوية سيكون للروبوت النانوي مساهمته عن طريق‬
‫إيصال الحقنة الدوائية إلى المكان المراد معالجته تماما ً وبالتركيز‬
‫الدوائي المطلوب دون ضياعات ‪.‬‬
‫أما في المجال العسكري فإن الدعم المالي لألبحاث النانوية أصبح‬
‫أمرا ً بديهياً‪ ،‬مع بداية ‪ 2000‬تم في الواليات المتحدة األمريكية وبمبلغ‬

‫‪106‬‬
‫تم تقديره بأكثر من ‪ 50‬مليون دوالر أمريكي تأسيس معهد البحوث‬
‫التكنونانوية العسكرية‬
‫)‪(ISN) (Institute for soldier Nanotechnologies‬‬
‫سوف يرتدي جندي المستقبل بذة عسكرية ذكية مصنوعة من مواد‬
‫تكنونانوية ومجهزة كومبيوتريا ً والتي ستقيه من الحرارة والبرودة‬
‫واإلشعاع وموجات الضغط وفي الوقت نفسه خفيفة الوزن ومريحة‬
‫في التنقل‪.‬‬
‫وهناك تجارب ودراسات حول إمكانية تالؤم الجنود مع المحيط‬
‫الذي يتعاملون معه مثل إمكانيات القفز عبر جدران عالية وإمكانية‬
‫المعالجة الذاتية للجروح‪.‬‬
‫إن األمثلة التي تم طرحها فيما سبق ال تشكل سوى غيض من‬
‫فيض تطبيقات التكنولوجيا النانوية والتي بدأت برسم مالمح المستقبل‬
‫القادم‪.‬‬
‫وكما هو الحال في كافة التقنيات الجديدة يجب االهتمام بمتابعة‬
‫التطور التكنونانوي وتأثيراته الخطرة الممكنة والتي مازالت مجهولة‬
‫على البيئة وصحة اإلنسان‪ .‬وفي هذا السياق بدأت تظهر منذ سنوات‬
‫قليلة محاوالت لتأسيس معاهد جديدة بمحاور بحث رئيسية مثل هندسة‬
‫دراسة األخطار في مجال المواد النانوية وعلم التحليل النانوي والذي‬
‫يهتم بدراسة هياكل وشبكات ذات مقاييس ذرية وقياس الخواص‬
‫الميكانيكية والتركيب الكيميائي للجزيئات النانوية‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫التكنولوجيا النانوية ومخاطر التلوث البيئي‬
‫بعد أن تم التعريف بماهية التكنولوجيا النانوية وتطبيقاتها سنحاول‬
‫في هذا القسم إنهاء ما بدأناه وذلك من خالل استعراض بعضا ً من‬
‫مخاطر التلوث النانوي‪.‬‬
‫أكثر من ‪ %90‬من سكان البلدان المتقدمة ال يعرفون إال القليل‬
‫جدا ً حول التكنولوجيا النانوية وتطبيقاتها ومخاطرها‪ ،‬فما هو الحال‬
‫عليه في البلدان النامية؟‬
‫تمتلك التكنولوجيا النانوية اإلمكانية ألن تثور بحياتنا إال أنها في‬
‫الوقت نفسه قد تمثل التهديد األعظم لحياة اإلنسان والحيوان والنبات‬
‫لدرجة أنها تعتبر التهديد األكثر خطرا ً من التهديد الذي مارسته أسلحة‬
‫التدمير الشامل في القرن العشرين‪.‬‬
‫يصنف الخبراء بأن التكنولوجيا النانوية تنطوي تحت فئة المخاطر‬
‫(الثورية) للقرن الحادي والعشرين والتي ستجر ورائها مجموعة‬
‫متالحقة من األضرار والمخاوف‪.‬‬
‫لقد طالبت منظمة البيئة الكندية في عام ‪ 2003‬بالتوقف عن دعم‬
‫البحث العلمي في المجال النانوي ذلك لمدة عامين قد كانت حجتها‬
‫في ذلك هو أن واضعي القوانين وطنيا ً وعالميا ً لم يعد باستطاعتهم‬
‫متابعة سرعة تطورات هذه التكنولوجيا الغامضة‪.‬‬
‫تخبئ هذه التقنية في طياتها الخوف والخطر والترقب وهكذا فإن‬
‫مجرد الكتابة حول توضيح الجوانب السلبية واإليجابية للتكنولوجيا‬
‫‪108‬‬
‫النانوية هو في حد ذاته إنجاز غير سيء وذلك بهدف إعالم الشرائح‬
‫األقل اهتماما ً بماهية هذه التقنية‪ ،‬فكلما كان مستوى اإلدراك والوعي‬
‫أعلى كلما كان تقييم اإليجابيات واألخطار أكثر عقالنيةً‪ ،‬وال سيما‬
‫بأنه في السنوات العشرة القادمة سيتم طرح عدد كبير من المنتجات‬
‫النانوية إلى السوق العالمية‪ ،‬والتي ستكون مواد جديدة ً في نوعها‬
‫وكميتها ومجهولةً في انعكاساتها البيئية ومعظمها غير قابل للهدم‬
‫بيولوجياً‪.‬‬
‫ولذا ال بد من البدء مبكرا ً بدراسة مدى خطورة هذه المنتجات على‬
‫البيئة وصحة اإلنسان‪.‬‬
‫حتى اآلن ال توجد دراسات وإجابات مطروحة حول األضرار‬
‫والمخاطر البيئية لهذه الجسيمات النانوية ولذا ال يمكن القول فيما إذا‬
‫كانت تمثل خطرا ً بيئيا ً حقيقياً‪.‬‬
‫يتم التكلم عن المخاطر البيئية للجزيئات النانوية فقط إذا تم إثبات‬
‫بأن بعض صفات هذه الجزيئات مضرة وخطيرة على النظام البيئي‬
‫وغير ذلك فإن الجزيء النانوي ال يحمل الضرر ‪.‬‬
‫والسؤال األساسي هو‪ :‬هل باإلمكان ضبط الصناعات والتطورات‬
‫النانوية؟ وما الذي يمكن حدوثه إذا تم وقوع هذه التقنيات في األيدي‬
‫الخاطئة؟ كيف سيكون تأثير الجزيئات ذات الخصائص النانوية‬
‫الجديدة على اإلنسان وصحته وخاصة عند استخدامها كحقن لمعالجة‬
‫الخاليا المريضة؟‬

‫‪109‬‬
‫إن الجانب اإليجابي للتطبيق التكنونانوي في المجال اإليكولوجي‬
‫اليعني بالضرورة غياب اإلضرار والتثقيل السلبي البيئي‪ ،‬وفي هذا‬
‫السياق سنستعرض بعضا ً من مالمح الخطورة النانوية‪:‬‬
‫في المجتمع النانوي سيكون اإلنسان على تماس مباشر مع‬
‫الجسيمات النانوية والتي ستدخل األجساد عن طريق تناولها بشكل‬
‫مباشر أو ابتالعها أو تنفسها بطريقة غير مباشرة‪.‬‬
‫وبحسب أسلوب اإلنتاج المستخدم يمكن للجزيئات النانوية‬
‫الوصول إلى التربة والماء والهواء‪ ،‬بهذا ستشكل في السنوات القادمة‬
‫نوعا ً جديدا ً من النفايات التي يجب التخلص منها أو إعادة تدويرها‪.‬‬
‫التأثير البيئي للذرات النانوية على النبات والحيوان‪:‬‬
‫إذا ما تم امتصاص الجزيئات النانوية عبر جذور النباتات‬
‫واألشجار أو عبر الهواء فإنها ستصل حتما ً إلى اإلنسان والحيوان عن‬
‫طريق الغذاء‪ .‬وهنا تكمن الخطورة وخاصةً إذا احتوت هذه الجزيئات‬
‫خالل مراحل تصنيعها على مواد ضارة أو إذا ما نقلت معها المواد‬
‫الخطرة الناتجة عن عمليات تنظيف محددة قد قامت بها النانويات ‪.‬‬
‫التأثير البيئي للذرات النانوية على المناخ‪:‬‬
‫إن احتمالية التأثير السلبي للمنتجات النانوية على الدورة المناخية‬
‫هي حتما ً مسألة تدعو للتأمل والتفكير الجدي‪ ،‬فقد تساهم النانويات في‬
‫رفع درجة حرارة الغالف الجوي أو خفضها بشكل ما‪ .‬وهكذا فإن‬
‫التأثير النانوي على المناخ ما يزال غير قابل للتقدير نظرا ً لغياب‬
‫‪110‬‬
‫الدراسات البيئية في هذا المدار‪ ،‬إال أنه يمكن التنبؤ األولي بأن هذه‬
‫النانويات في العقود الثالثة القادمة ستكون ذات تأثير أقل بكثير من‬
‫تأثير االنبعاث الغازي‪.‬‬
‫التأثير البيئي للذرات النانوية على دورة حياة الماء‪:‬‬
‫بفعل التأثير الحراري يتبخر الماء وتتشكل الغيوم وبعدها تهطل‬
‫األمطار‪ ،‬ضمن هذه الدورة سيكون باستطاعة الجزيئات النانوية أن‬
‫تتوزع في وقت قصير جدا ً ممهدة ً بذلك الطريق لنشر ونقل المواد‬
‫الضارة‪ .‬إلى أي مدى وبأي كمية يمكن للنانويات أن تؤثر على جودة‬
‫وسلوك الماء ما زال موضوعا ً قائما ً للجدل‪ ،‬مع العلم أن تغيرات‬
‫صغيرة كافية إلحداث اضطراب في النظام اإليكولوجي ‪.‬‬
‫التأثير البيئي للذرات النانوية على الهواء‪:‬‬
‫إن تأثير الغبار النانوي على الهواء وجودته وبالتالي على صحة‬
‫اإلنسان عبر استنشاقه للهواء الملوث بالذرات النانوية هو ألخطر‬
‫بكثير من تأثير الغبار الدقيق وأدخنة المواصالت والمعامل‪ ،‬وذلك‬
‫ألن الغبار النانوي سيبقى متخثرا ً في الهواء ولمدة أطول دون قابلية‬
‫سريعة للترسب مما يساهم في دخوله إلى الرئات بصورة أسرع‪ .‬وفي‬
‫الوقت الذي يمكن تخليص الهواء من الغبار العادي والدقيق وتقليله‬
‫إلى الحدود الدنيا المسموح بها وفق المواصفات العالمية‪ ،‬يصعب حتى‬
‫اليوم تقدير إمكانيات تخليص الهواء من الغبار والذرات النانوية‬
‫وكذلك تقدير حجم الصعوبات المرافقة لذلك بما فيها الحاجة ألجهزة‬
‫القياس المناسبة والمطورة على أرضية التكنولوجيا النانوية‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫التأثير البيئي للذرات النانوية على التربة‪:‬‬
‫هناك مخاوف كبيرة بشأن مدى قدرة الذرات النانوية الدقيقة على‬
‫حمل المواد الضارة وتوزيعها في التربة ومن ثم انتقالها إلى الكائنات‬
‫األخرى وتشكيل ارتباطات وتفاعالت سامة‪ ،‬حيث أن غرام واحد من‬
‫الغبار النانوي كاف لتلويث مساحة ال تقل عن ‪ 1000‬متر مربع‪ .‬وإذا‬
‫ما كانت القدرة الحركية للجزيئات النانوية كبيرة فإن هناك احتمالية‬
‫عالية النتقال المواد الضارة وبكميات كبيرة وسرعات عالية إلى‬
‫طبقات مختلفة من التربة وخاصةً إذا كانت التربة رطبة وسرعة‬
‫جريان الماء فيها كبيرة نسبياً‪.‬‬
‫الخالصة‪:‬‬
‫نتيجةً للمخاوف والمخاطر الغامضة والتي ال يمكن تقديرها بالشكل‬
‫المناسب نظرا ً لغياب الدراسات العلمية بهذا الشأن‪ ،‬فإنه لم يتم حتى‬
‫اآلن وضع مخططات للمعالجة البيئية لألضرار التي ستنجم عن هذه‬
‫التقنيات الغامضة في مدى تطورها‪.‬‬
‫والسؤال الذي سيؤرق مضاجعنا في المستقبل القريب إذا ما تم‬
‫إثبات حدوث المخاطر النانوية والتأثيرات السلبية للتكنولوجيا النانوية‬
‫على الهواء والماء والتربة والنبات والحيوان واإلنسان هو‪:‬‬
‫ما هي المشاكل النفسية واالجتماعية والصحية التي ستعاني منها‬
‫البشرية؟ كيف سيمكن إعادة التصنيع والتدوير للمواد النانوية؟ كيف‬
‫سيستطيع اإلنسان وبأية وسائل إزالة الذرات النانوية العالقة في‬

‫‪112‬‬
‫طعامنا وشرابنا وهوائنا وتربتنا ؟ وأسئلة أخرى كثيرة ما زالت عالقة‬
‫تنتظر اللحظة‪ ،‬لحظة البدء بتقديم اقتراحات وسياسات للتحليل وإيجاد‬
‫الحلول‪.‬‬
‫إن تخليص الهواء والماء والتربة من الجزيئات النانوية يتطلب‬
‫تكاتف جهود علمية وخبرات في المجال االجتماعي والصحي‬
‫والنفسي وكذلك تقديم دراسات دورية ومنظمة حول التطور‬
‫التكنونانوي وآفاقه‪ .‬وأول المؤسسات التي ينبغي عليها ‪/‬بدءا ً من‬
‫اللحظة‪ /‬المشاركة بتقديم الدراسات هي مراكز البحث العلمي‬
‫وشركات التأمين الصحي ووزارات الصحة ومشافيها ومخابرها‪.‬‬
‫وفي هذا السياق ولحسن الحظ بدأت تظهر منذ سنوات قليلة‬
‫محاوالت لتأسيس معاهد جديدة بمحاور بحث علمية رئيسية مثل علوم‬
‫هندسة دراسة األخطار في مجال المواد النانوية وعلم التحليل النانوي‬
‫والذي يهتم بدراسة هياكل وشبكات ذات مقاييس ذرية وقياس الخواص‬
‫الميكانيكية والتركيب الكيميائي للجزيئات النانوية‪.‬‬
‫كما بدأت تظهر بعض الكتابات في ميدان أدب الخيال العلمي والتي‬
‫تحاول تصوير عظمة هذه الثورة الصناعية الجديدة ومدى بشاعة ما‬
‫قد ينتج عنها من مخاطر ورعب اجتماعي بيئي‪.‬‬
‫آخيرا ً يجب أن نلفت االنتباه إلى أنه في حال حدوث التلوث النانوي‬
‫سوف لن يكون ممكنا ً استعمال األقنعة الواقية كما هو الحال في بعض‬
‫التلوثات السامة وذلك ألن الحجوم النانوية الدقيقة سوف تجد طريقها‬
‫إلى أجسادنا عبر القناع الواقي مما يستدعي ابتكار وسائل وطرق‬
‫‪113‬‬
‫جديدة للوقاية من التلوث النانوي‪ ،‬وفي الوقت نفسه يجب التذكير بأنه‬
‫في حالة تطوير القناع الواقي لدرجة يصعب فيها على النانويات‬
‫التسرب عبرها‪ ،‬فإن المشكلة التي ستواجه مستخدم القناع الواقي‬
‫المطور هي الموت خنقا ً لعدم استطاعته حينها على أداء الشهيق‬
‫والزفير‪.‬‬
‫ولحسن الحظ أيضا ً بدأت إحدى الشركات العالمية في بحوثها من‬
‫أجل تصميم وإنتاج أقنعة حماية التنفس باالعتماد على استخدام المواد‬
‫والتكنولوجيا النانوية وذلك بهدف بناء وحدة تصفية نانوية‪ ،‬والتي‬
‫يعترض إنتاجها حتى اليوم صعوبات غاية في التعقيد‪.‬‬
‫***‬

‫‪114‬‬
‫اإلنفورماتيك والمجتمع‬

‫اإلنفورماتيك هو ذاك االفتتان الذي افتتح عالم المعلومات والمعرفة‬


‫ى‬
‫المر ّمزة ووضعها في خدمتنا‪ .‬اإلنفورماتيك يهئ لنا مداخل ورؤ ً‬
‫جديدة ونماذج تفكير وخدمات ومساعدات مؤتمتة‪ .‬اإلنفورماتيك يقود‬
‫ويشبك كافة العمليات ويوفر إمكانية االتصاالت متعددة الوسائط في‬
‫كل مكان وكل وقت وبسرعة هائلة‪.‬‬
‫اإلنفورماتيك يحدد اليوم وبشكل متزايد الهيكلية األساسية‬
‫للمؤسسات‪ ،‬يبلور قطاع التعليم ويبني أيضا ً عالما ً جديدا ً للتسلية‬
‫والرفاهية‪ .‬إنه العلم القادر على حل المعضالت الصعبة وبناء أساليب‬
‫تقييم لمعالجة المشاكل والنظم االجتماعية‪/‬التقنية‪.‬‬
‫من هنا تأتي جاذبية وسحر اإلنفورماتيك‪.‬‬
‫مع بناء وبرمجة اآلالت الحسابية استطاع اإلنفورماتيك أن يتغلغل‬
‫وبخطى سريعة في ميادين اإلنتاج واإلدارة والتنظيم‪ .‬مع تطوره‬
‫أصبح الكومبيوتر ليس مجرد آلة عمل بل في الوقت نفسه وسيط‪،‬‬
‫حامل معرفة‪ ،‬مدير‪ ،‬مقدم ألدوات التسلية‪ ،‬أداة تحكم‪ ،‬وكذلك أيضا ً‬
‫كشكل جديد من أعضاء الحس والمالحظة لمعظم العلوم‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫إننا كبشر ال نستطيع أن نراقب يوميا ً تغيرات حياتنا عن طريق‬
‫أنظمة اإلنفورماتيك من خالل الكومبيوتر‪ ،‬اإلنترنيت‪ ،‬االرتباطات‬
‫الشبكية للكومبيوترات المحمولة‪ ،‬الهواتف النقالة‪ ،‬ومن خالل مئات‬
‫األنظمة المنطوية في األشياء التي نستعملها يومياً‪ .‬هذه التطورات‬
‫تمهد من أجل خلق آفاق جديدة في المجاالت المهنية والخاصة وكذلك‬
‫في الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫مع استعمال اإلنفورماتيك واتساع قاعدة تطبيقاته سوف ندخل‬
‫عالما ً جديداً‪ ،‬إنه عالم الح ّ‬
‫ساسات الذي تم فيه التقاط المعلومات بصورة‬
‫مستمرة ومعالجتها‪ .‬في المرحلة القادمة سوف يتم التخلي حتما ً عن‬
‫عملية إدخال البيانات وإخراجها والعناية بها‪ .‬فقط عن طريق الكالم‬
‫والسلوك سوف نستطيع التواصل والتعامل وبلوغ الهدف المرجو‪.‬‬
‫في قلب هذا التبدل الهائل يطرح اإلنفورماتيك نفسه كنواة ومحرك‬
‫للتطورات والتجديدات واإلبداعات القادمة‪ .‬في يومنا هذا تعود ‪%90‬‬
‫من اإلبداعات والتجديدات في عالم السيارات‪ ،‬وحوالي ‪ %60‬في‬
‫عالم تطوير بناء الطائرات إلى التطور الهائل في هذا العلم (علم تقنية‬
‫البرمجيات واالتصاالت)‪ .‬لقد أصبحت البرمجيات وبنوك المعطيات‬
‫سلعة اقتصادية جديدة يجري تداولها من قبل الكثير من الشركات‪.‬‬
‫إن تاريخ ميالد اإلنفورماتيك غير محدد تماماً‪ .‬بعضهم يرجعه إلى‬
‫عام ‪ 1941‬عندما تم عرض مؤتمتات حاسوبية من قبل الباحث‬
‫كونراد سوزي‪ .‬والبعض يرجعه إلى عام ‪ 1947‬حيث تم تشكيل‬
‫جمعية اإلنفورماتيك األولى في الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬بعضهم‬
‫‪116‬‬
‫يرى بأن ميالده يعود لعام ‪ 1960‬مع تأسيس رابطة اإلنفورماتيك‬
‫العالمية‪.‬‬
‫في أوروبا تم إدراج مصطلح "إنفورماتيك" مع بدايات ‪1960‬‬
‫وفي عام ‪ 1969‬تم في مدينة بون تأسيس الجمعية األلمانية‬
‫لإلنفورماتيك‪.‬‬
‫رغم هذه التوقعات حول ميالد اإلنفورماتيك‪ ،‬إال أنها غير دقيقة‬
‫حيث أن جذوره تعود إلى زمن أبعد من هذا بكثير عندما تم اختراع‬
‫الخط كتمثيل رمزي للتعبير عن المعلومات‪ ،‬وأيضا ً عندما تم إبداع‬
‫األلغوريتمات وأدوات الحساب‪.‬‬
‫درجة التجريد العالية‪ ،‬التشبيك الداخلي القوي‪ ،‬التمثيل الرقمي‪،‬‬
‫االمتزاج ما بين التحليل والتركيب‪ ،‬االمتزاج ما بين التصميم‬
‫والتكامل‪ ،‬كلها تطبع طريقة التفكير والعمل في حقل اإلنفورماتيك‪.‬‬
‫وهكذا فإن علم اإلنفورماتيك يدور حول تمثيل وتخزين ونقل‬
‫ومعالجة المعلومات من أجل دارسة العمليات والمبادئ وبنى األنظمة‬
‫المعلوماتية‪.‬‬
‫إن جوهر اإلنفورماتيك هو المعلومة التي تستند إلى الحقائق‬
‫والمعرفة واالستطاعة والتبادل والتحكم والتأثير‪ .‬هذه المعلومة التي‬
‫يمكن توليدها وتمثيلها وتخزينها ومعالجتها وتطبيقها‪ .‬إنها مركبة‬
‫معقدة ومشبكة بمعلومات أخرى‪ .‬من أجل استثمار المعلومة يجب‬

‫‪117‬‬
‫تخطيط وتصميم وتطوير وإنتاج أدوات برمجة خاصة ولغات وأنظمة‬
‫بغية نمذجة ومحاكاة معطيات وإجراءات محددة وفق أسلوب مناسب‪.‬‬
‫المنهجية اإلنفورماتيكية تتغلغل إلى كل العلوم وتقود بالتالي إلى‬
‫أساليب تمثيل ونماذج جديدة‪ .‬اإلنفورماتيك يمثل من جهة العلوم‬
‫األساسية‪ ،‬ومن جهة ثانية العلوم الهندسية‪ .‬إضافة إلى ذلك فإنه في‬
‫جانب من جوانبه ممثالً للعلوم التجريبية‪.‬‬
‫تحت مظلة اإلنفورماتيك نجد اليوم تقنيات وعلوم فرعية متعددة‬
‫منها‪:‬‬
‫المودلة (النمذجة) والمحاكاة‪ ،‬أنظمة التشغيل وبرمجيات التشبيك‪،‬‬
‫الشبكات الحاسوبية وشبكات االتصاالت‪ ،‬أنظمة المعلومات وبنوك‬
‫المعطيات‪ ،‬الهندسة البرمجية وتقنيات النظام‪ ،‬الذكاء الصنعي‪،‬‬
‫األنظمة المبنية على المعرفة‪ ،‬أنظمة معالجة الصوت والصورة‪،‬‬
‫الروبوتات‪ ،‬واجهة اإلنسان واآللة‪ ،‬معالجة البيانات الرسومية‪،‬‬
‫التصيير والعوالم االفتراضية‪ ،‬اآلمان والموثوقية وأساليب األداء‬
‫واالختبار والتقييم‪ ،‬تخطيط وتطوير المعدات الصلبة‪.‬‬
‫من خالل إمكانات التطبيقات المتعددة لإلنفورماتيك تطورت في‬
‫اآلونة األخيرة مجاالت دراسية علمية جديدة منها مثالً‪ :‬إنفورماتيك‬
‫التصميم‪ ،‬اإلنفورماتيك البيولوجي‪ ،‬اإلنفورماتيك الجغرافي الهندسي‪،‬‬
‫إنفورماتيك اإلعالم‪ ،‬اإلنفورماتيك الطبي‪ ،‬إنفورماتيك االقتصاد‪،‬‬
‫اإلنفورماتيك القانوني‪ ،‬اإلنفورماتيك اإلداري وكذلك اإلنفورماتيك‬
‫البيئي‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫هذه المجاالت المعرفية الجديدة ليست إال تعبيرا ً رائعا ً عن التطور‬
‫والنمو المشترك والتزاوج اإليجابي للعلوم األساسية‪.‬‬
‫ونتيجة لهذا التطور ظهرت منتجات جديدة تسمى اليوم بالمنتجات‬
‫المعلوماتية أو اإلنفورماتيكية والتي يتم صنعها لمرة واحدة ثم تتكاثر‬
‫بعمليات النسخ ويتم عرضها وتسويقها ببساطة وبسرعة هائلة‪ .‬وألن‬
‫هذه المنتجات تنطوي تحت يافطة المنتجات اإلبداعية الروحانية فإنها‬
‫تختلف كثيرا ً عن المنتجات المادية األخرى‪ ،‬حيث أنها تدخل مباشرة‬
‫إلى الحياة اليومية لكل إنسان‪.‬‬
‫ولهذا فإن اإلنفورماتيك يتحمل اليوم مسؤولية خاصة بما يتعلق‬
‫باإلنسان وحساسيته الحضارية‪ .‬وعليه فإن موضوعة تطبيق األنظمة‬
‫اإلنفورماتيكية وانعكاساتها االجتماعية واألخالقية على اإلنسان‬
‫والمجتمع هي موضوعة ذات أهمية ويجب أخذها بعين البحث العلمي‬
‫والمتابعة‪.‬‬
‫بواسطة أنظمة اإلنفورماتيك الحديثة استطاع اإلنسان اليوم أن‬
‫يجري تجاربا ً في قمة التعقيد في مخابر افتراضية مبنية على المودلة‬
‫والمحاكاة‪ .‬فيما لو أجريت هذه التجارب على أرض الواقع لترافقت‬
‫بصعوبات هائلة وتكاليف غير محددة‪ .‬بكلمة أخرى استطاع اإلنسان‬
‫أن يحاكي الواقع افتراضيا ً مع مراعاة جملة الظروف والعوامل‬
‫الفيزيائية الحقيقية‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال تمكن اإلنسان من محاكاة عمليات الهبوط على‬
‫كواكب غريبة ومجهولة‪ ،‬استطاع تشخيص وتحضير وإجراء عمليات‬
‫‪119‬‬
‫طبية في المخلوقات الحية‪ ،‬كما استطاع محاكاة التطور السكاني مع‬
‫مراعاة جملة من الشروط المتغيرة‪ ،‬كما تمكن أيضا ً من محاكاة‬
‫الكوارث المختلفة والتي هي ذات منشأ تقني أوطبيعي مثل الزالزل‬
‫وحوادث االنفجار الناتجة مثالً عن منابع النفظ أو ناقالته‪ .‬إن نتائج‬
‫جملة المحاكاة هذه تسري اليوم على أنها موثوقة وقابلة للتداول‪.‬‬
‫عن طريق تطبيق أنظمة اإلنفورماتيك في مختلف االختصاصات‬
‫العلمية تمكنت بعض الدول المتقدمة من خلق مئات األلوف من فرص‬
‫العمل الجديدة‪ .‬وهكذا فإن اإلنفورماتيك هو بمثابة الطاقة الكامنة‬
‫بالمعنى االقتصادي بآفاق مستقبلية واعدة‪.‬‬
‫بواسطته تغيرت أساليب ووسائل العمل واإلنتاج‪ .‬فقد طرأت على‬
‫سبيل المثال تغيرات غير قابلة للتصور في قطاعات إنتاجية من مثل‪:‬‬
‫دور النشر‪ ،‬معامل الطباعة‪ ،‬إنتاج األفالم‪ ،‬عالم التلفزيونات‪ ،‬عالم‬
‫االتصاالت‪ ،‬وكذلك أيضا ً في قطاع إنتاج السلعة المادية وتقديم‬
‫الخدمات‪.‬‬
‫وهكذا استطاع اإلنفورماتيك إعطاء دفعات وتحريك كثير من‬
‫القطاعات االقتصادية واالجتماعية والثقافية والسياسية‪ ،‬وفي طياته ما‬
‫زالت تقبع الكثير من المفاجآت والقدرات الكافية لتطوير أنظمته‪.‬‬
‫***‬

‫‪120‬‬
‫الفضالت الكومبيوترية‬

‫تجاوز عدد الكومبيوترات الشخصية المنتجة حتى أبريل للعام‬


‫‪ 2002‬حدود المليار‪.‬‬
‫بحسب تقديرات الرابطة المركزية األلمانية للصناعة الكهربائية‬
‫واإللكترونية ينشأ في ألمانيا حوالي ‪ 1.5‬مليون طنا ً من الفضالت‬
‫اإللكترونية‪ .‬من هذه الكمية هناك حوالي ‪ 120000‬طنا ً من فضالت‬
‫تقنيات المعلوماتية (أجهزة فاكس‪ ،‬طابعات‪ ،‬ناسخات‪ ،‬هواتف‪،‬‬
‫شاشات كومبيوترية‪ ،‬كومبيوترات‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫إن التخلص من الفضالت الكومبيوترية ما زال حتى يومنا هذا من‬
‫المشاكل الكبرى التي تواجه النظام البيئي الذي نعيش ضمنه‪ .‬إن‬
‫الطرق المستخدمة للتخلص من األجهزة القديمة (مثل طريقة الحرق‬
‫أو الطمر) غير مجدية حيث تبقى المواد الرصاصية متواجدة‪ .‬إن‬
‫حوالي ‪ %40‬حتى ‪ %50‬من مادة الرصاص المتواجدة في المطامر‬
‫هي نتاج األجهزة اإللكترونية‪.‬‬
‫يتم في الزمن الحاضر وبتواتر سريع استبدال األجهزة‬
‫اإللكترونية وأجهزة الكمبيوتر الشخصي المستعملة بأجهزة جديدة ذات‬
‫استطاعات أكبر وموديالت أكثر تالؤما ً مع إيقاع التطور االجتماعي‬
‫‪121‬‬
‫واالقتصادي‪ .‬يتطلب إنتاج األجهزة الجديدة موادا ً أولية والتي تحتاج‬
‫بدورها إلى تكاليف عالية بغية الحصول عليها ومعالجتها‬
‫يتطلب بناء وإنتاج الكمبيوتر الشخصي مع شاشته وسطيا ً حوالي‬
‫‪ 240‬كغ من الوقود األحفوري وحوالي ‪ 22‬كغ من المواد الكيميائية‬
‫وحوالي ‪ 1500‬ليترا ً من الماء‪.‬‬
‫يحتاج اإلنسان من أجل تصنيع وحدة (شريحة) تخزين معطيات‬
‫بوزن حوالي غرامين إلى حوالي ‪ 1.3‬كغ من الوقود‪ .‬هذا يعني أن‬
‫إنتاج الكمبيوتر الواحد يحتاج من الوقود ما يعادل عشرة أضعاف‬
‫وزنه‪ ،‬وهذا هو استهالك عال بالمقارنة مع إنتاج أجهزة أو آليات‬
‫أخرى مثل السيارات أو البرادات والتي تستهلك عملية إنتاجها من‬
‫الوقود ما يعادل تقريبا ً وزنها اإلجمالي وهكذا فإن عملية إنتاج‬
‫الكمبيوترات هي عملية ذات احتياجات طاقية كبيرة‪ .‬فعلى سبيل المثال‬
‫بلغ االستهالك الطاقي الالزم لتشغيل الكمبيوترات في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية في عام ‪ 1999‬ما مقداره ‪ %1‬من إجمالي استهالك‬
‫التيار الكهربائي‪.‬‬
‫في مجال صناعة الحواسيب ما زال استخدام مادة الرصاص‬
‫ومواد أخرى غير نظيفة حتى هذا اليوم قائماً‪ .‬تتم عمليات الوصل‬
‫اللحامي لشرائح التخزين الميكروية وللعناصر اإللكترونية األخرى‬
‫بواسطة عمليات اللحام الحاوية على نسبة عالية من مادة الرصاص‪.‬‬
‫كما يتم استخدام مادة الكروم وهي مركب سام بحسب درجة األكسدة‬
‫ومحرضة للسرطان ومخربة للمورثات‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك يدخل في عملية التصنيع مواد أخرى مثل‬
‫النحاس والتوتياء والنيكل والذهب واألمونيوم والسيليسيوم‬
‫واإلسترنشيوم والزرنيخ واألنتيمون والمنغنيز والجرمانيوم‬
‫والبزموت‪ .‬وأيضا ً حوالي أكثر من ‪ 40‬مادة لدائنية منها على سبيل‬
‫المثال‪ :‬راتنجات اإليبوكسيد والفينول والبولي آميد والبوليستر‪.‬‬
‫باإلضافة إلى العديد من الغازات واألحماض منها ‪ :‬غاز النتروجين‬
‫(اآلزوت) وغاز الهيدروجين وغاز الهيدروجين الفوسفوري‬
‫وهيدروجين السيليسيوم وحمض الهيدروليك وحمض الفلور‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫بشكل عام يتألف جهاز الكمبيوتر من حوالي ‪ 1000‬مادة مختلفة‪.‬‬
‫تحتوي شريحة الذاكرة لوحدها على أكثر من ‪ 350‬من المواد التي‬
‫لبعضها تأثيرات سامة‪.‬‬
‫بحسب إحدى دراسات الحكومة األمريكية أصبح حوالي ‪%6,4‬‬
‫من العاملين في قطاع إنتاج وحدات الذاكرة مرضى نتيجة لتعاطيهم‬
‫اليومي مع المواد الكيميائية السامة والمستخدمة ألغراض اإلنتاج‪ .‬كما‬
‫لوحظ زيادة نسبة اإلجهاضات عند الحوامل من العامالت في هذا‬
‫المجال بالمقارنة مع الحوامل في قطاعات إنتاجية أخرى‪.‬‬
‫نظريا ً يستطيع اإلنسان تجنب‪ ،‬بل حل معظم المشاكل البيئية‬
‫الناتجة عن الصناعة الكومبيوترية وإعادة تصنيع واستعمال حوالي‬
‫‪ %97‬من مكونات المواد المستخدمة في صناعة الكومبيوتر‪ .‬بشكل‬
‫عام ومختصر يستطيع اإلنسان أن يعتمد على التحديدات العامة التالية‬
‫والقائلة بأنه‪ :‬حوالي ‪ %83‬من مكونات الكومبيوتر قابلة إلعادة‬

‫‪123‬‬
‫التصنيع‪ ،‬وحوالي ‪ %7‬قابلة إلعادة االستخدام‪ ،‬وحوالي ‪ %10‬من‬
‫المكونات قابلة للطمر والتخزين النهائي‪ .‬إن عملية إعادة استثمار‬
‫الشاشات الكومبيوترية تطرح نفسها على أنها عملية غاية في التعقيد‬
‫والصعوبة نظرا ً لطريقة تصميمها ولطبيعة المواد المختلفة والداخلة‬
‫في تصنيعها ‪.‬‬
‫إن إعادة التصنيع هي عملية إنتاجية ذات قيمة كبرى فعن طريقها‬
‫يستطيع اإلنسان أن يتجنب ضرورة اإلنتاج الجديد للمواد المختلفة‪،‬‬
‫وكذلك يتم تقليل استهالك الطاقة والمصادر الطبيعية إلى حدها األدنى‪.‬‬
‫إال أنه ال توجد حتى هذا اليوم اإلمكانيات العملية والتقنية وكذلك‬
‫القدرات التمويلية من أجل القيام بهذه المهمة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك هناك‬
‫ثمة مشاكل إيكولوجية قد تنشأ عن هذه المصانع في حال وجودها‬
‫(انطالق كميات هائلة من المواد الضارة إلى الغالف الجوي)‪.‬‬
‫تفتقر معظم الدول األوروبية إلى الوسائل والمخططات الناجعة‬
‫الهادفة إلى المعالجات األولية للفضالت اإللكترونية قبل التخلص منها‬
‫أو قبل تثقيل بلدان العالم الثالث بها‪.‬‬
‫ينبغي معالجة البقايا اإللكترونية والفضالت الكومبيوترية في‬
‫مراكز خاصة من أجل تفكيكها إلى مكوناتها وفصل أجزاءها عن‬
‫بعضها البعض ليصار إلى إعادة استخدام بعضها‪ ،‬أما المكونات‬
‫الحاوية على مواد ضارة فيجب التخلص منها بشكل مدروس بيئيا ً‬
‫بغية عدم إلحاق الضرر بالنظام البيئي‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫لقد بدأت بعض الشركات في تنفيذ برامجها بغية الوصول إلى‬
‫عمليات اإلنتاج اإللكترونية الرفيقة بالبيئة‪.‬‬
‫لقد أصبحت إمكانية االستغناء عن أساليب اللحام بالرصاص في‬
‫متناول اليد‪ ،‬وكذلك أصبح باإلمكان إنتاج الحاسب الرفيق باالستهالك‬
‫الطاقي‪.‬‬
‫في هذا السياق يمكن اإلشارة إلى أنه أصبح في ألمانيا ممكنا ً اقتناء‬
‫الحواسيب الحاملة للرمز البيئي األلماني (المالك األزرق)‪.‬‬
‫ومنذ مطلع آذار لعام ‪ 2006‬يلتزم كل منتج لألجهزة الكهربائية‬
‫واإللكترونية بعدم عرض أيا ً من منتجاته في السوق والتي تتضمن‬
‫في تركيبها موادا ً ضارة للنظام البيئي‪.‬‬
‫كما يلتزم المنتجون لألجهزة الكومبيوترية واإللكترونية بالترحيل‬
‫والتخلص البيئي السليم من األجهزة المستعملة والتي يتم جمعها من‬
‫قبل المواطنين في أمكان خاصة محددة سلفا ً ‪.‬‬
‫من أجل التغلب على جبال النفايات اإللكترونية ‪/‬التي تزداد‬
‫حجومها من عام إلى آخر‪ /‬يطرح نفسه علم التصميم الهندسي بمراعاة‬
‫فن إعادة التصنيع على أنه أحد أهم الحلول الممكنة‪.‬‬
‫وهنا نطرح بشكل مقتضب بعضا ً من الخطوات المنهجية التي يتم‬
‫ويجب اتباعها عند تصميم وتصنيع الكومبيوتر‪:‬‬
‫• التفكير بطريقة منهجية من أجل مالئمة المعالجات‬
‫الكومبيوترية وأجيال المعالجات الجديدة التي يتم تطويرها‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫• إيجاد المنهجية التصميمية الصحيحة بغية توفير إمكانية‬
‫توسيع وحدات الذاكرة والتخزين ‪.‬‬
‫• توسيع القدرات الوظائفية عن طريق زيادة عدد وحدات‬
‫الدخل (المنافذ)‪.‬‬
‫• استخدام تقنيات الربط والوصل الميكانيكية بدالً من عمليات‬
‫الوصل اللحامي أو الوصالت بالضغط أو الوصالت‬
‫الالصقة ألنها غير قابلة للفك وإعادة االستخدام دون أضرار‬
‫تؤدي إلى تشويه العناصر المرتبطة‪.‬‬
‫• رفع مدة دورة حياة الكومبيوتر عن طريق استخدام تصاميم‬
‫قابلة للصيانة واإلصالح‪ ،‬إن مضاعفة العمر الحياتي لجهاز‬
‫كومبيوتري يعني تقليل درجة التثقيل البيئي خالل عمليات‬
‫اإلنتاج والترحيل إلى النصف‪.‬‬
‫• تقليص وتقليل عدد وتنوع المواد الداخلة في تصنيع‬
‫الكومبيوتر وبشكل خاص أنواع المواد اللدائنية‪.‬‬
‫• االستغناء التام عن المواد المحرضة للسرطانات‪.‬‬
‫• تزويد الكومبيوتر بتجهيزات توفير االستهالك الطاقي‪.‬‬
‫• تزويد المستثمر بقواعد االستعمال األمثل‪.‬‬
‫***‬

‫‪126‬‬
‫المدرسة وفن النفايات‬

‫مع دخول المفاهيم اإليكولوجية ونظرية التنمية المستدامة إلى‬


‫المجتمع وكافة أوجه النشاط اإلنساني دخلت مفاهيم إيكولوجية جديدة‬
‫أيضا ً إلى موضوعة اإلنتاج والمنتج وعملية تطويرهما‪.‬‬
‫سع لوزراء البيئة‬
‫في عام ‪ 1999‬وللمرة األولى في اجتماع مو ّ‬
‫األوروبيين في مدينة فايمر األلمانية تم اقتراح ومتابعة وتأسيس دعائم‬
‫التطوير المستديم للمنتج بمراعاة الشروط البيئية في ضوء ما يسمى‬
‫تطوير السياسة المتكاملة للمنتج‪ ،‬في سياسة اإلنتاج المتكاملة يتم تجنب‬
‫نقل المشاكل البيئية من مرحلة دورة حياتية للمنتج إلى أخرى‪.‬‬
‫في الماضي اعتمد تصميم السلعة على الشكل الجمالي الفائدة‬
‫المرجوة منها عند االستعمال‪ ،‬أما اليوم فهناك متطلبات جديدة تفرض‬
‫نفسها بقوة عند تطوير وتشكيل منتج ما‪.‬‬
‫أثناء التخطيط إلنتاج سلعة ما يأخذ المصمم بعين االعتبارمفهوم‬
‫نظرية التطوير المستديم للمنتج وتصميم سلعة ما بمراعاة شروط‬
‫حماية البيئة‪ ،‬بحسب هذا المفهوم يجب على المصمم التوفير قدر‬
‫اإلمكان باستهالك الطاقة والمصادر الطبيعية والمواد الخام ومحاولة‬
‫اعتماد المواد التي تم تدويرها كما يتوجب عليه تجنب أو التقليل قدر‬
‫‪127‬‬
‫اإلمكان من التأثيرات واالنعكاسات واالنبعاثات السلبية على البيئة‬
‫والتي ترافق قصة نشوء المنتج انطالقا ً من التخطيط مرورا ً بمرحلة‬
‫التصميم والتصنيع ومن ثم مرحلة التغليف والتخزين والتسويق‬
‫والدعاية لتنتهي دورة حياة المنتج باالستهالك ومحاوالت إعادة‬
‫التدوير والتصنيع‪.‬‬
‫صمم إلى إطالة عمر المنتج وذلك عن‬
‫باإلضافة إلى ذلك يسعى الم ّ‬
‫طريق التصميم ضد االهتراء والتآكل وتأمين اإلمكانيات الضرورية‬
‫لصيانة المنتج وتجنب إنتاج السلع المتعلقة بالموضة الدارجة‪.‬‬
‫التصميم البيئي للسلع يطرح استراتيجية جديدة لزيادة حجم وطاقة‬
‫السوق االقتصادية من خالل مؤسسات جديدة موجهة بازدياد الطلب‬
‫واللهفة على المنتجات الصديقة للبيئة‪ .‬فعلى سبيل المثال عند تصميم‬
‫كرسي مكتب يجب أن تكون جميع أجزاءه قابلة للصيانة وللتبديل في‬
‫حالة العطب أو التلوث كما يتوجب على ال ُمنتِّج تأمين خدمات الصيانة‬
‫وبهذه المواصفات تتوفر للسلعة (الكرسي) مدة حياة أطول‪.‬‬
‫إن عملية التصميم والتشكيل اإليكولوجي لمنتج ما يمكن تعلمه‬
‫وتعليمه حتى في المدارس اإلبتدائية‪ .‬فهو ليس إال الربط ما بين الفن‬
‫والبيئة‪ .‬كوظيفة فصلية يمكن تقديم االقتراح التالي إلى معلمات‬
‫ومعلمي المدارس اإلبتدائية‪:‬‬
‫تخطيط وتشكيل قطعة أثاث منزلية بمراعاة وجهات النظر البيئية‬
‫باالعتماد على النفايات المتواجدة في شوارعنا ومنازلنا (أو مثالً‬
‫استثمار مخلفات صناعة األحذية وكذلك األحذية المرمية لتشكيل‬
‫‪128‬‬
‫لوحات فنية جميلة وتبيان الكم الهائل للمخلفات الناشئة عن هذه‬
‫الصناعة)‪.‬‬
‫الهدف من ذلك هو تعليم الطفل على التخلص من حضارة رمي‬
‫األشياء والبدء بمحاولة إقناعه بأن كل شكل من أشكال المخلفات‬
‫المتواجدة يمكن إعادة استعماله وخلق أشكال جديرة باالهتمام وبالتالي‬
‫خلق تفكير إداري إيكولوجي جديد‪ ،‬وكذلك خلق مسافة قريبة بين‬
‫الطفل وقصة نشوء المنتج والعوامل التي يجب مراعاتها أثناء التصميم‬
‫واإلنتاج واالستهالك (مصروف طاقة أقل‪ ،‬استهالك أقل للمواد‬
‫األولية‪ ،‬حياة أطول للسلعة‪.)...‬‬
‫في نهاية السنة الدراسية يصبح من الممكن استقبال العطلة الصيفية‬
‫أو االنتصافية وذلك بافتتاح معرض فني بيئي ألعمال التالميذ‪.‬‬
‫يجب على المعرض تأدية الهدف وإيصال الفكرة القائلة بأن‬
‫التشكيل الفني والبيئة ليسا متضادين وإنما يسيران مع بعضهما البعض‬
‫جنبا ً إلى جنب وبأن األطفال قادرون على التفكير البيئي اإلبداعي‬
‫وعلى خلق كائنات فنية بوسائل بسيطة وقبل كل شيء بالشكل الرفيق‬
‫بالبيئة‪ ،‬باإلضافة للدور التربوي البيئي للمعرض والمتمثل بالتأثير‬
‫اإليجابي على قرارات االستهالك عند الطفل وشجيعه على االقتراب‬
‫من الفهم الصحيح لمعنى اإلنتاج ولمنتجات الراحمة لبيئتنا‪.‬‬
‫***‬

‫‪129‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫المشاف‬
‫ي‬ ‫ف‬‫حماية البيئة ي‬

‫تنتشر في سوريا المستشفيات بجميع محافظاتها ويصل عددها‬


‫(بحسب إحصائية من عام ‪ )1998‬إلى ‪ 353‬مشفى بعدد أسرة‬
‫إجمالي وقدره ‪ 18737‬سريراً‪ .‬يبلغ عدد المشافي الحكومية ‪65‬‬
‫مشفى بعدد أسرة ‪ 13737‬وعدد المشافي الخاصة ‪ 285‬مشفى بعدد‬
‫أسرة ‪ .4411‬هذا يعني بأن هناك حوالي ‪ 13‬سرير طبي لكل‬
‫‪ 10000‬مواطن أي سرير لكل ‪ 775‬مواطن‪.‬وحتى هذا اليوم ال‬
‫يوجد في سوريا ذلك االختصاص المسمى بعلم المشافي وال يوجد في‬
‫القانون السوري تعليمات حكومية حول تنظيم المشفى كورشة عمل‪.‬‬
‫ولتقييم قضية حماية البيئة في المشافي السورية يجب التمييز بين‬
‫المشافي بنوعيها الخاص والعام‪ .‬ألن المشافي الخاصة تسعى بالدرجة‬
‫األولى لتحقيق الكسب والسمعة الجيدة بغية التنافس في السوق الطبي‬
‫لذا يجب عليها أن تعمل وفق المعايير العالمية االقتصادية واالجتماعية‬
‫قدر اإلمكان‪ ،‬أما المشافي الحكومية فهي تعمل بالدرجة األولى من‬
‫أجل تغطية االحتياجات الصحية للسكان وأما معيارا الربح والخسارة‬
‫فال يدخالن ضمن حسابات هذه المشافي‪ ،‬حيث أن معظم الخدمات‬
‫الصحية يتم تقديمها للمواطن بدون أجر وفي الوقت ذاته ال يوجد هناك‬
‫شركات تأمين صحي لدفع تكاليف العالج للمشافي‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫وحسب بعض الدراسات التقديرية فإن كل سرير ينتج حوالي ‪5,5‬‬
‫كغ من النفايات المختلطة في اليوم وعشرين بالمئة منها هو خليط من‬
‫نفايات ملوثة وآالت حادة وبالتالي يمكن االستنتاج بأن إجمالي نفايات‬
‫المستشفيات في سورية هي بشكل تقريبي عشرين ألف كغ في اليوم‪.‬‬
‫إن معظم هذه المشافي سواء الخاصة منها أو العامة ال تقوم بفرز‬
‫نفاياتها وتتلخص إمكانية التخلص منها إما بالحرق في الهواء الطلق‬
‫أو الطمر في مكبات عشوائية مع العلم أن بعض المشافي وهي قليلة‬
‫تمتلك محارق خاصة بها ولكنها في الغالب ال تعمل بدرجات الحرارة‬
‫المطلوبة مما يؤدي إلى انتشار ملوثات الهواء في المناطق المحيطة‬
‫بها مثل الديوكسين والزئبق‪.‬‬
‫وبنا ًء على المعلومات المتوافرة حتى اآلن (والكالم هنا في عام‬
‫‪ )2005‬عن وضع المشافي في سورية (وهذه النتائج تنطبق على‬
‫المراكز الصحية األخرى مثل العيادات الخاصة والمخابر) يتبين لدينا‪:‬‬
‫• عدم وجود تقدير حقيقي لكمية النفايات الخطرة وغير‬
‫الخطرة‪.‬‬
‫• يتم جمع النفايات المعاشية مع الخطرة في الحاويات نفسها‪.‬‬
‫• نقص كبير في حاويات النفايات الطبية النموذجية وتعقيمها‪.‬‬
‫• ال تتم أية معالجة حقيقية للنفايات‪.‬‬
‫• يتم صرف النفايات السائلة والطبية في شبكة الصرف‬
‫الصحي العامة ودون معالجة‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫• عدم وجود أي تدريب أو إجراءات للصحة والسالمة المهنية‬
‫للعاملين وال يوجد دليل إجراءات مكتوبة وموثقة‪.‬‬
‫• عدم وجود أي بند تمويل مالي ضمن ميزانية المشفى إلدارة‬
‫النفايات الطبية‪.‬‬
‫وبالتالي يتبين لنا ضرورة دراسة واقع النفايات المتولدة في‬
‫المشافي بكافة أشكالها ووضع الخطط لمعالجتها والتخلص منها بأكثر‬
‫الطرق مالئمة للبيئة المحيطة‪.‬‬
‫تجدر االشارة إلى أنه وفي عام ‪ 2004‬تم إصدار قانون للنظافة‬
‫في سورية تم فيه تعريف المواطنين والمؤسسات الرسمية بالنفايات‬
‫وأنواعها وقد تم تصنيف النفايات الطبية إلى‪ :‬النفايات الطبية غير‬
‫الخطرة والنفايات الطبية الخطرة‪ :‬النفايات الخامجة‪ ،‬النفايات‬
‫الباثيولوجية‪ ،‬النفايات الدوائية‪ ،‬النفايات المشعة‪ ،‬النفايات الكيميائية‪.‬‬
‫وقد تم في هذا القانون إلزام الجهات المسؤولة عن توليد هذا النوع‬
‫من النفايات بالتخلص منها‪ ،‬ومن بعض هذه البنود‪ :‬يلتزم مالكو‬
‫المشافي الطبية ومديروها في القطاع العام والخاص بما يلي‪:‬‬
‫• فصل النفايات الطبية عن بعضها من نقطة المنشأ‪.‬‬
‫• توصيف النفايات تبعا ً لخطورتها وطبيعتها‪.‬‬
‫• معالجة النفايات السائلة قبل طرحها إلى شبكة الصرف‬
‫العامة‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫مع العلم أنه لم يتم العمل بهذا القانون حتى اآلن بالشكل الصحيح‬
‫وهذا يعود إلى أسباب كثيرة ومنها‪:‬‬
‫• عدم إدراك الجهات المسؤولة والشعبية بالمخاطر الصحية‬
‫والبيئية للمخلفات الطبية‪.‬‬
‫• عدم وجود آلية تبين مخاطر هذه النفايات بالشكل الصحيح‪.‬‬
‫• ضعف الميزانية المخصصة للتخلص من النفايات‪ ،‬فعادة‬
‫تأتي األولوية لدى المسؤولين للعناية بالمرفق قبل وأثناء‬
‫العناية بالمريض وما ينتج بعد ذلك فال أحد يهتم له‪.‬‬
‫• صعوبة الحصول على المعلومات الكافية حول النفايات‬
‫الطبية‪.‬‬
‫• عدم وجود طرق آمنة ورخيصة للتخلص من النفايات‬
‫الطبية‪.‬‬
‫وبالتالي فإن دواعي االهتمام بهذا الموضوع ينبع من‪:‬‬
‫• عدم وجود خطة عمل إلدارة النفايات الطبية وخاصة‬
‫الخطرة‪.‬‬
‫• خطورة النفايات الطبية تستوجب وجود حلول لها‪.‬‬
‫• تعرض العاملين لألضرار أثناء تعاملهم مع المخلفات‬
‫الطبية‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫• الثلوث البيئي الناتج من التخلص غير السليم من المخلفات‬
‫الطبية‪.‬‬
‫***‬

‫‪134‬‬
‫ر‬
‫األخض للنقود‬ ‫االستثمار‬

‫إن االستثمار األخضر للتقود في المجال اإليكولوجي هو مساهمة‬


‫كبيرة في احترام البيئة والسعي إلى عدم تثقيلها‪ .‬ويكون االستثمار‬
‫المالي إيكولوجيا ً إذا ارتبط ارتباطا ً وثيقا ً بمفهومي النزاهة‬
‫اإليكولوجية والفعالية اإليكولوجية‪.‬‬
‫النزاهة اإليكولوجية‪:‬‬
‫وتعني إلى أي درجة يكون المشروع االستثماري الذي يتم تمويله‬
‫رفيقا ً بالبيئة‪ ،‬وهنا ينبغي عدم الخلط بين النزاهة الميتافيزيقية والنزاهة‬
‫المادية اإليكولوجية‪ ،‬فاألولى ال تقود وال بشكل من األشكال إلى بيئة‬
‫نظيفة وهي أشبه ما تكون بقطعة قماش نظيفة ضمن منزل ال يحمل‬
‫أدنى معالم النظافة وهكذا فإن تواجد هذه القطعة القماشية النظيفة ليس‬
‫مؤشرا ً على نظافة المنزل‪ ،‬أما النزاهة بمعناها اإليكولوجي فهي‬
‫الحالة التي يتم فيها ممارسة األخالق البيئية والتي تقود حتما ً لالرتقاء‬
‫باإلنسان والبيئة المحيطة‪.‬‬
‫ال يستطيع اإلنسان بشكل عام شراء السريرة النقية‪ ،‬لكن في حالة‬
‫االستثمار المالي في المجال اإليكولوجي يكون هذا الكالم ليس دقيقا ً‬
‫ألن من أهم المحاسن لالستثمار األخضر هو بكل تأكيد الوصول إلى‬
‫‪135‬‬
‫السريرة النقية وراحة الضمير‪ ،‬ألن ما نموله بغية االستثمار يتناسب‬
‫مع مبادئنا الشخصية ومفاهيمنا ومواقفنا الراقية‪.‬‬
‫إن النزاهة في استثمار النقود هي المعيار المركزي للعديد من‬
‫الناس وهذا ما يمكن تحقيقه عن طريق التخطيط لتأسيس المصارف‬
‫البيئية‪.‬‬
‫في هذا الشكل الجديد للمصارف يستطيع المستثمرون الصغار‬
‫والكبار وبشكل بسيط للغاية ضبط ومراقبة عملية االستثمار المالي‬
‫ومعرفة المجاالت التي تتم فيها عملية االستثمار حقاً‪.‬‬
‫بفعل االستثمار االقتصادي األخضر يصبح لإلنسان الحق باكتساب‬
‫هوية جديدة هي هوية احترام الذات والتعريف عن نفسه من خالل‬
‫التزامانه البيئية‪.‬‬
‫على العكس تماما ً من االستثمارات الالإيكولوجية وذلك في‬
‫مؤسسات ال تراعي الحدود الدنيا لالحترام البيئي واإلنساني والتي‬
‫تقوم يوميا ً بإنتاج أطنان من المخلفات الضارة‪ ،‬في هذه المؤسسات‬
‫يتحول االستثمار إلى شكل من أشكال الشجع والنهم‪ ،‬هنا يفقد اإلنسان‬
‫هويته كإنسان بمثل إيكولوجية عليا وأخالق بيئية حضارية‪.‬‬
‫الفعالية اإليكولوجية‪:‬‬
‫بشكل متزايد‪ ،‬ومع انتشار الوعي البيئي االجتماعي والسياسي‪،‬‬
‫يزداد عدد الراغبين باستثمار أموالهم في مجاالت حماية البيئة‪ ،‬لم‬
‫يعد يكفيهم اليوم معرفة إذا ما كان شكل االستثمار واالدخار الذي‬
‫‪136‬‬
‫يقومون به نظيفا ً بل يطمحون إلى ما هو أبعد من ذلك أال وهو معرفة‬
‫الدرجة التي يساهم فيها استثمارهم في تحسين شروط البيئة وإنسانها‪.‬‬
‫يتم قياس الفعالية االستثمارية في المجال اإليكولوجي وذلك بحجم‬
‫الفوائد التي يعود بها االستثمار اإليكولوجي على حماية البيئة‪ ،‬إال أن‬
‫هذا القياس لألسف ال يعتبر كافيا ً ألنه من الصعوبة بمكان معرفة‬
‫وتقدير ومفاضلة مشروع بيئي ما بالمقارنة مع آخر‪ ،‬واإلجابة الدقيقة‬
‫لن تأتي إال عبر تقديم العديد من االقتراحات والمشاريع وطرحها‬
‫للنقاش والمفاضلة بروح مسؤولة وناقدة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ما تقدم يجب البدء بالمشاركة في بناء وتنفيذ‬
‫اإلحصائيات الضرورية لمعرفة ما هي المعايير األساسية لالستثمار‬
‫األخضر فعالً وما هو الدور الذي تلعبه الفعالية اإليكولوجية بالمقارنة‬
‫مع المعيار القائل بالنزاهة األيكولوجية‪.‬‬
‫في العقد األخير من القرن العشرين بدأت البنوك البيئية عالميا ً في‬
‫الظهور من أجل سد الثغرة في السوق المصرفي والتي ظهرت مع‬
‫بدايات االهتمام المكثف بالشأن البيئي‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال ثمة مصرف بيئي في ألمانيا‪ ،‬حيث قام السيد‬
‫هورست بوب بتطوير فكرته في عام ‪ 1994‬وبعد التحضيرات‬
‫المكثفة والنقاشات اإليجابية تم إعالن التأسيس في عام ‪ 1995‬ومع‬
‫بدايات عام ‪ 1996‬كان قد وصل عدد المشاركين في التأسيس إلى‬
‫‪ 14‬مستثمرا ً رئيسيا ً و‪ 723‬مشاركا ً تمويليا ً برأس مال بلغ حوالي ‪6‬‬
‫مليون يورو و ‪ 3302‬مساهم خاص برأسمال وقدره آنذاك حوالي‬
‫‪137‬‬
‫‪ 20‬مليون يورو‪ .‬مع بدايات عام ‪ 2005‬كان هذا المصرف يدير‬
‫رأسمال بلغ ‪ 600‬مليون يورو وكان لديه من الخبرات االقتصادية‬
‫حوالي ‪ 120‬خبير‪.‬‬
‫لقد أصبح المصرف البيئي األلماني من أهم وأرقى المصارف‬
‫األلمانية والفوائد التي يقوم بتقديمها إلى المشاركين والمستثمرين‬
‫الصغار تتجاوز السقف المقدم من قبل البنوك األخرى‪ ،‬ففي الوقت‬
‫(عام ‪ )2005‬الذي تقدم فيه المصارف األلمانية األخرى فوائد تقع‬
‫بين ‪ 1.5‬حتى ‪ 1.75‬بالمئة سنويا ً يقوم المصرف البيئي األلماني‬
‫بتوزيع فوائده بمقدار ‪ 1.75‬وحتى ‪ 2,75‬بالمئة سنوياً‪.‬‬
‫***‬

‫‪138‬‬
‫البيئ‬
‫ي‬ ‫حول تأسيس مضف للتسليف‬

‫خطأ حين يقال بأن ورود المصرف البيئي سوف تخنق أزهار‬
‫المصرف الزراعي أو التجاري أو الصناعي‪ ،‬فلكل منه ظروف‬
‫تطوره وحيثيات نشوءه واستراتيجيته السياسية واالقتصادية‪ ،‬ولكل‬
‫منها أيضا ً مموليه ومستثمريه ومدخريه وطالبي قروضه ومساعداته‪.‬‬
‫إن الدعوة لتأسيس مصرف بيئي مركزي ووضع مقدراته من أجل‬
‫تحقيق بيئة حياتية خضراء تحصد ثمارها أجيال اليوم والمستقبل هو‬
‫مشروع عملياتي إيكولوجي اقتصادي حضاري وضرورة سياسية‬
‫ذات مضامين وأبعاد نفسية واجتماعية وتربوية تستحق إمعان التفكير‬
‫والبدء بالتخطيط من أجل بناء الكادر‪ ،‬إنها أحد أشكال البدايات‬
‫المتواضعة والتي تقود إلى طرح حوار إيكولوجي من نوع جديد‪.‬‬
‫وحيث أن انتشار وسائط االتصاالت الحديثة هو شرط كاف والزم‬
‫للتخلي عن ضرورة إنشاء فروع ودوائر بنكنوتية في مدن متعددة مما‬
‫له مساهمته الكبرى في توفير الكثير من تكاليف التأسيس وتهيئة‬
‫الكادر االختصاصي وقبل كل شيء ذلك التوفير إذا ما علمنا بأن‬
‫خبراء وموظفوا البنوك البيئية الصادقين في عملهم لن يحتاجوا إلى‬

‫‪139‬‬
‫سيارات فارهة‪ ،‬إيمانهم بالعمل الذي يؤدونه سوف يدفعهم إلى استخدام‬
‫الباص أو الدراجة للوصول إلى مكان العمل‪.‬‬
‫للمصارف البيئية مصداقيتها وحسن نواياها فهي واعدة باألمان‬
‫والريعية الجيدة‪ .‬إنها أحد أكثر الوسائل الناجعة لالرتقاء بالوعي البيئي‬
‫وتشجيع ضرورات االستثمار في الميدان البيئي‪.‬‬
‫إن التأسيس لمصرف بيئي مركزي دورا ً هاما ً في اجتذاب‬
‫واستقطاب رؤوس األموال المكدسة في البالد األجنبية وإعادة توظيفها‬
‫في أنشطة محلية يستفيد منها المواطن والمستثمر‪ ،‬هذا وإن المصرف‬
‫البيئي هو حل أكثر من منطقي أيضا ً للراغبين في استثمار النقود بال‬
‫فوائد‪.‬‬
‫قد تبدو فكرة إنشاء مصرف تسليف بيئي للبعض غريبة نوعا ً ما‬
‫وصعبة التحقيق على أرض الواقع‪ ،‬كما قد يتبادر إلى ذهن القارئ‬
‫والمهتم البيئي بأنه هناك الكثير من األفكار والتساؤالت واألزمات‬
‫التي لها األولوية بالنقاش وتقديم الحلول‪ ،‬إال أن المسألة في الحقيقة‬
‫ليست كذلك‪.‬‬
‫فمع بداية األلفية الثالثة بدأت الشروط الموضوعية والذاتية عالميا ً‬
‫بالتبلور من أجل وضع ودراسة خطط جديدة للربط الفعال بين‬
‫االقتصاد واإليكولوجيا‪ ،‬فقد ولّى زمن التغني البيئوي بشكله‬
‫الرومانسي اإلخباري‪ ،‬وجاء الوقت المناسب لتأسيس شكل حديث‬
‫للمصارف‪ ،‬مصارف التسليف البيئي‪ ،‬التي تكمن مهمتها األساسية‬
‫في تقديم النصائح واالستشارات العلموية االقتصادية والبرامج‬
‫‪140‬‬
‫التشجيعية الصحية لكافة األفراد والجمعيات والمؤسسات وكل‬
‫الراغبين في مجاالت االستثمار البيئي‪ ،‬وحيث أن حماية البيئة وإرساء‬
‫أوليات نظرية ديمومة التنمية ال تقتصر على الحكومات فقط بل تمتد‬
‫لتشمل مشاركة كل كائن حي قادر على التفكير والنطق‪.‬‬
‫المصرف البيئي له مهمة الجمع بين االحتراف اإلداري البنكنوتي‬
‫الناجح والقدرة على تحمل المسؤولية اإليكولوجية واالجتماعية‪،‬‬
‫باإلضافة لذلك ينبغي على كوادر المصرف البيئي أن تضع مقدراتها‬
‫العلمية من أجل بناء بيئة صحية وسليمة‪ ،‬من أجل الماء النظيف‬
‫والهواء النقي وحماية المناخ واحترام وحفظ مصادر وأسس الحياة‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫يجب أن يكون نشاط المصرف البيئي ذا طابع استثماري يكمن في‬
‫توظيف األموال واستثمارها بشكل نظيف يعود بالمنفعة العامة للشعب‬
‫والبلد وتقديم القروض للمشاريع البيئية الزراعية والصناعية‬
‫والعمرانية ومشاريع توفير الطاقة وتطوير الطاقات المتجددة‬
‫ومشاريع اإلنتاج الرفيق للبيئة ومشاريع تجنب النفايات‪ ،‬وكذلك تقديم‬
‫القروض المعفاة من الفوائد بغية تشجيع ودعم األبحاث البيئية‪ ،‬وتقديم‬
‫مكافآت وخدمات نقدية لحث المبدعين على المثابرة وحماية براءات‬
‫االختراع في المضمار اإلبكولوجي‪ ،‬وتقديم قروض لإلعالم البيئي‬
‫وأخرى طالبية ضمن عقود نظامية تضمن استرجاع المبالغ المدفوعة‬
‫بفوائد معقولة وذلك للراغبين في الدراسة والتخصص في المجال‬
‫البيئي‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫إن طريق التفكير اإليكولوجي ـ مع ازدياد عالم اليوم تشابكا ً وتعقيدا ً‬
‫ـ يعني التفكير الالمركزي والالخطي‪ ،‬وبالنسبة للجيل الشاب الصاعد‬
‫فإن هذا التوجه الفكري هو أحد االتجاهات الواعدة نحو تحقيق الذات‬
‫والمشاركة في صنع القرار‪.‬‬
‫إن التوجه اإليكوإيديولوجي هو أحد أشكال التوجهات للوصول إلى‬
‫مجتمع الرفاهية النظيفة‪ ،‬والسياسة الخضراء هي سياسة ذات مستقبل‬
‫واعد‪ ،‬فاإليكولوجيون يشاركون اليوم في حكم وقيادة وإدارة البلدان‬
‫المتقدمة‪.‬‬
‫إن المضي قدما ً في هذا االتجاه هو حالة إيجابية ال مفر منها وال‬
‫رجوع عنها شئنا أم أبينا‪.‬‬
‫فالمستقبل القادم أخضر‪.‬‬
‫***‬

‫‪142‬‬
‫نحو حزب ينطلق من القضية البيئية‬

‫إن أحد أهم الشروط الجوهرية لنشوء وتأسيس حزب البيئة هو‬
‫تواجد مجتمع مدني متطور بكامل مؤسساته‪ ،‬مع العلم بأن عملية تبلور‬
‫المجتمع المدني في كل بلد متعلقة بارتباط متين بالتقاليد التاريخية‬
‫والخلقية الثقافية وكذلك بعملية التطور الصناعي للبلد‪.‬‬
‫إن المقارنة البسيطة للمجتمع المدني العربي مع نظيره األوروبي‬
‫هي في كل الحاالت قضية تخبئ في طياتها الكثير من المغالطة‬
‫والتقديرات الخاطئة‪ ،‬وعليه فإن شروط تأسيس حزب للبيئة في بلد‬
‫عربي تختلف في الجوهر عن شروط مثيله في أوروبا‪.‬‬
‫إن تأسيس حزب البيئة في بلد عربي (رغم عدم تبلور ظروف‬
‫نشوءه الموضوعية) هو في حد ذاته كبير األهمية ألنه يساهم في‬
‫تسريع وتفعيل التطور الديمقراطي المدني‪ ،‬كلما تم اإلسراع في تهيئة‬
‫النشوء كلما كان أفضل‪.‬‬
‫سد برنامجه السياسي في النضال من أجل بناء مجتمع‬
‫ينبغي أن يتج َّ‬
‫إيكولوجي قائم على التضامن كما يتمثل في الدفاع عن حقوق اإلنسان‬
‫وعن النظام اإليكولوجي وعن دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع‬
‫ورفض العنف والحروب وأسلحة التدمير‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫ما يعيشه الشارع العربي يمثل حالة إيجابية واعدة باإلثمار فهناك‬
‫جمعيات لحماية البيئة‪ ،‬نشرات إلكترونية حول البيئة‪ ،‬جمعيات‬
‫ومنظمات ولجان للدفاع عن حقوق اإلنسان‪ ،‬عن حرية الصحافة‪ ،‬عن‬
‫الديمقراطية‪ ،‬عن حقوق المرأة‪ ،‬عن حقوق المستهلك وكذلك أصوات‬
‫مناهضة للمفرزات السلبية لعصر العولمة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك هناك أحزاب ومنتديات وتجمعات ذات طابع‬
‫قومي وماركسي وديني وليبرالي وديمقراطي‪ .‬على الرغم من تعدد‬
‫منابت هذه القوى واختالف مناهجها ومشاربها فإن القاسم المشترك‬
‫لها ـ كما يُفترض ـ هو السعي لترسيخ وجود اإلنسان بما له من حقوق‬
‫وبما يترتب عليه من واجبات‪.‬‬
‫على الضفة األخرى يتكاثر عدد الوطنيين الالمنتمين والذين‬
‫يتجنبون المشاركة الفعالة في تقرير مصائرهم ومصائر أبناء شعبهم‬
‫وحجتهم في ذلك هو عدم إيمانهم بمقدرات وتوجهات القوى المتواجدة‬
‫على الساحة السياسية والتي وبحسب اعتقادهم غير قادرة‬
‫بإيديولوجياتها ومناهجها الفكرية الالمتجددة أن تمثل البديل الوطني‪.‬‬
‫ضمن هذه األجواء‪ ،‬من رحمها‪ ،‬يمكن بناء حالة وطنية جديدة‬
‫يتعايش فيها الجميع بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية‪.‬‬
‫إن ضخ الفكر اإليكولوجي القائم على فلسفة التنمية المستدامة إلى‬
‫عروق القوى والتجمعات والمنظمات الوطنية بغية تحريك الدماء‬
‫الوطنية ذات التوجهات الفكرية المتباينة والتي سبق أن تجمدت أو‬

‫‪144‬‬
‫أنها في طريقها للتجمد هو بمثابة اإلنجاز التاريخي األهم لهذه القوى‬
‫مجتمعة‪ ،‬هو بمثابة إبداع جديد لحزب من طراز وطني جديد‪.‬‬
‫في هذا الصدد هناك الكثير من اإلشكاليات التي تطرح نفسها‬
‫للنقاش والحل من مثل‪:‬‬
‫كيف يتم بناء حزب البيئة الذي يتخذ من الفلسفة اإليكولوجية ومن‬
‫نظرية التنمية المستدامة منهجا ً لتطوير وتجديد الفكر والنظام‬
‫االقتصادي والسياسي واالجتماعي‪ .‬مع العلم أن ممتلكي المعرفة‬
‫اإليكولوجية وضروريات الجدل السياسي اإليكولوجي‪ ،‬االجتماعي‬
‫اإليكولوجي واالقتصادي اإليكولوجي‪ ،‬مازالوا قلةً قليلة‪ ،‬حيث أن هذا‬
‫التوجه يحتاج إلى التخصص‪.‬‬
‫كيف سيستطيع حزب للبيئة مواجهة التخلف اإلجتماعي والمدني؟‬
‫كيف سيكون برنامجه بما يتعلق بمستوى المعيشة االقتصادية‬
‫ومحاربة الفقر وانتشار البطالة وتحقيق العدالة االجتماعية وكذلك‬
‫محاربة وفضح الفساد االقتصادي وعمليات التخريب البيئي وما هي‬
‫ى إيكولوجية؟‬
‫تصوراته فيما يختص بتأمين فرص للعمل ضمن رؤ ً‬
‫كيف سيكون برنامجه بما يتعلق بالدفاع عن خيارات السالم‬
‫ورفض العنف النفسي والمادي ضد اإلنسان والحيوان والنبات‬
‫والمصادر الطبيعية ومحاربة جرائم العنف في المجتمع واألسرة‬
‫وكذلك من أجل حماية الطفل ومحاربة العنف ضد األطفال ومحاوالت‬

‫‪145‬‬
‫تسخيرهم ألغراض ال إنسانية ومحاوالت االعتداء الجنسي عليهم‪،‬‬
‫وأيضا ً بما يتعلق بالدفاع عن حقوق األجنبي على األراضي الوطنية‪.‬‬
‫هل سيساهم الوعي المناهض للعلموية والعلمانية في تعقيد وزيادة‬
‫صعوبة نشوء حزب البيئة؟‬
‫كيف يمكن لحزب بيئة أن يساهم في بناء وتعميق وديمومة‬
‫الديمقراطية وتشجيع التعددية الديمقراطية والديمقراطية متعددة‬
‫الثقافات؟‬
‫كيف يمكن لحزب بيئة أن يتبنى قضية إحياء العلم والتعليم والبحث‬
‫العلمي وتقنيات المعلوماتية الحديثة واإلرتقاء بمستواههم؟‬
‫كيف يمكن لحزب بيئة أن يتبنى قضية إحياء القطاع الصحي‬
‫واإلرتقاء بمستواه؟‬
‫كيف يمكن لحزب بيئة أن يساهم في تأمين الحماية للناطقين‬
‫بالقانون ولسلطة القضاء واإلرتقاء بمستواه؟‬
‫كيف يمكن لحزب بيئة أن يساهم في عملية فصل الدين عن الدولة؟‬
‫ألن ذلك هو الشرط األساسي من أجل أن تتمكن التجمعات الدينية‪،‬‬
‫والتي تمثل قوى هامة في المجتمع المدني‪ ،‬من ممارسة دور إيجابي‬
‫في البناء الوطني الديمقراطي‪.‬‬
‫كيف يمكن العمل المشترك من أجل سياسة بيئية ديمقراطية‬
‫تحررية ملتزمة باإلنسان والسالم لحفظ البيئة وحمايتها؟‬

‫‪146‬‬
‫هل تصلح النقاط التالية (ديمقراطية – تحديث – عدالة – استدامة)‬
‫ألن تكون محورا ً للبناء والحديث؟‬
‫***‬

‫‪147‬‬
‫ر‬
‫حقوق اإلنسان األساسية يف ألمانيا‬

‫يعيش في ألمانيا االتحادية حوالي ‪ 85‬مليون إنسان‪ .‬تصل نسبة‬


‫التواجد األجنبي في ألمانيا إلى حوالي ‪ 9‬في المئة من إجمالي عدد‬
‫السكان‪ .‬تبلغ مساحة ألمانيا حوالي ‪ 357000‬كيلو متر مربع‪ .‬في‬
‫الوقت الذي يعيش فيه معظم األجانب في المدن الرئيسية الكبرى‪،‬‬
‫تعيش الغالبية األلمانية في القرى والضواحي والمدن الصغرى‪ .‬يعتبر‬
‫معدل المواليد في ألمانيا من أدنى معدالت المواليد في العالم (حوالي‬
‫‪ 1.3‬طفل لكل امرأة)‪.‬‬
‫للغة األلمانية صالت جيرة في الدرجة األولى مع اللغة الهولندية‬
‫والدنماركية والسويدية‪ .‬تم توحيد ألمانيا في الثالث من تشرين األول‬
‫‪ 1990‬إثر ثورة سلمية ديمقراطية بتاريخ ‪ 1989/11/09‬والتي‬
‫سقط بإثرها جدار برلين‪ .‬تتكون ألمانيا اليوم من ‪ 16‬بلدا اتحاديا ً‪ .‬كل‬
‫منها ليده حكومة خاصة به وعاصمة خاصة به‪ .‬على سبيل المثال‪:‬‬
‫• دولة بافاريا الحرة وعاصمتها ميونخ‪.‬‬
‫• دولة برلين وعاصمتها برلين‪.‬‬
‫• دولة ساكسونيا السفلى وعاصمتها هانوفر‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫• دولة ساكسونيا الحرة وعاصمتها درسدن‪.‬‬
‫• دولة شمال الراين ويستفاليا وعاصمتها دوسلدورف‪.‬‬
‫يتمتع كل بلد من البلدان الست عشرة بسلطات مستقلة‪ ،‬فلكل بلد‬
‫منها دستوره الخاص الذي (يجب) أن يتطابق مع األسس الجمهورية‬
‫والديمقراطية واالجتماعية لدولة القانون‪ .‬حيث يعد مبدأ الدولة‬
‫االتحادية أحد األسس الدستورية التي ال يجب المساس بها‪.‬‬
‫صدر القانون األساسي لجمهورية ألمانيا االتحادية بتاريخ‬
‫‪ 1949/5/23‬بقرار من المجلس البرلماني برئاسة كونراد أديناور‬
‫بغرض وضع نظام جديد حر وديمقراطي للدولة وذلك لفترة انتقالية‬
‫ولذا اكنفي آنذاك بتسميته بالقانون األساسي‪ .‬تمت الموافقة على القانون‬
‫األساسي آنذاك من قبل أكثر من ثلثي ممثلي الشعب في كافة واليات‬
‫ذاك الوقت (عشر واليات)‪.‬‬
‫منذ عام ‪ 1949‬وحتى ‪ 2008‬حكم ألمانيا ‪ 13‬رئيسا اتحاديا و‪8‬‬
‫مستشارا اتحاديا‪ .‬تعتبر المحكمة الدستورية العليا الرقيب ـ الضمير‬
‫الذي يضمن االلتزام بالقانون األساسي‪.‬‬
‫بعد تحقيق الوحدة األلمانية ‪ 1990‬أعيدت صياغة المبادئ العامة‬
‫للقانون األساسي والمادة الختامية منه (المادة ‪ )146‬حيث يشير‬
‫القانون األساسي في هذه المادة إلى أن‪:‬‬
‫وحدة وحرية ألمانيا قد اكتملت‪ .‬يسري مفعول القانون األساسي‬
‫على كامل الشعب األلماني‪ .‬يفقد هذا القانون مفعوله في اليوم الذي يتم‬
‫‪149‬‬
‫فيه اإلعالن عن دستور والذي يتم القرار به من قبل الشعب األلماني‬
‫بكامل الحرية‪.‬‬
‫يحتوي القانون األساسي ‪ 146‬مادة‪.‬‬
‫تحتل الحقوق األساسية مكان الصدارة في هذا القانون‪:‬‬
‫فيما يلي سأقوم بعرض الحقوق األساسية لإلنسان في ألمانيا‬
‫االتحادية كما هي متواجدة في القانون األساسي محاوال بذلك االلتزام‬
‫قدر اإلمكان بموضوع الترجمة إلى اللغة العربية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الحقوق األساسية‪:‬‬
‫مادة ‪( :1‬كرامة اإلنسان‪ ،‬التزام الدولة بالحقوق األساسية)‬
‫‪ .1‬إن كرامة اإلنسان مصانة وغير قابلة للمس‪ .‬حماية واحترام‬
‫كرامة اإلنسان هما واجب إلزامي على كافة سلطات الدولة‪.‬‬
‫‪ .2‬يؤمن الشعب األلماني بحقوق اإلنسان غير القابلة لالنتهاك‬
‫واالتجار بها كأساس لكل تجمع إنساني‪ ،‬كأساس للسلم والعدالة في‬
‫العالم‪.‬‬
‫‪ .3‬تعتبر السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ملتزمة بالحقوق‬
‫األساسية الالحقة باعتبارها قانونا تشريعيا ساري المفعول مباشر‪.‬‬
‫مادة ‪( :2‬حرية السلوك العام‪ ،‬الحرية الشخصية‪ ،‬حق الحياة)‬
‫‪ .1‬لكل فرد الحق باإلطالق الحر لشخصيته طالما أنه اليخدج بذلك‬
‫حقوق اآلخرين أو ينتهك النظام الدستوري أو قانون التقاليد‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫‪ .2‬لكل فرد الحق في الحياة والسالمة الجسدية‪ .‬حرية الشخص‬
‫غير قابلة لالنتهاك‪ .‬يسمح التدخل في هذه الحقوق فقط بموجب قانون‪.‬‬
‫مادة ‪( :3‬المساواة أمام القانون‪ ،‬التكافؤ بين الرجال والنساء‪ ،‬منع‬
‫التمييز)‬
‫‪ .1‬جميع الناس متساوون أمام القانون‪.‬‬
‫‪ .2‬الرجال والنساء متكافئون‪ .‬تشجع الدولة التنفيذ الفعلي للتكافؤ‬
‫بين النساء والرجال ساعية بذلك إلزالة العقبات السلبية الناشئة‪.‬‬
‫‪ .3‬ال يُسمح بظلم (إساءة) أو تفضيل (تمييز) أي شخص كان بسبب‬
‫جنسه أو نسبه أو عرقه (ساللته) أو لغته أو موطنه أو منشئه أو عقيدته‬
‫أو رؤاه السياسية أو الدينية‪ .‬ال يسمح بإلحاق الغبن بأي شخص كان‬
‫بسبب إعاقة فيه‪.‬‬
‫مادة ‪( :4‬حرية االعتقاد والضمير واإليمان)‬
‫‪ .1‬ال يجوز المساس بحرية اإليمان وحرية الضمير وحرية اعتناق‬
‫العقائد العالمية والدينية‪ .2 .‬يتم ضمان ممارسة الشعائر الدينية‪.‬‬
‫‪ .3‬ال يسمح بإرغام أي شخص على أداء الخدمة العسكرية‬
‫المسلحة إذا كان ذلك يتعارض وقناعاته الوجدانية‪ .‬يتم تنظيم التفاصيل‬
‫من خالل قانون اتحادي‪.‬‬
‫مادة ‪( :5‬حرية الرأي والمعلومات والصحافة‪ ،‬الفن والعلم)‬

‫‪151‬‬
‫‪ .1‬لكل الحق في التعبير الحر عن رأيه وترويجه شفهيا أو كتابة‬
‫أو تصويرا ً‪ ،‬أيضا الحق في االستعالم من خالل كافة المصادر المتاحة‬
‫دون إعاقة‪ .‬يتم ضمان حرية الصحافة وحرية إعداد التقارير وتقديمها‬
‫عبر الفلم واإلذاعة‪ .‬الرقابة لن تحدث‪.‬‬
‫‪ .2‬تجد هذه الحقوق محدداتها ضمن لوائح وأحكام القوانين العامة‬
‫وكذلك التحديدات القانون لحماية الجيل الشاب وأيضا في الحق المدني‬
‫(حق الشرف الشخصي)‪.‬‬
‫‪ .3‬ضمان حرية الفن والعلم والبحث العلمي والتعليم‪ .‬ال تنفي حرية‬
‫التعليم من الوفاء للدستور‪.‬‬
‫مادة ‪( :6‬الزواج والعائلة‪ ،‬األطفال الالشرعيين)‬
‫‪ .1‬تتمتع الحياة الزوجية والعائلية بحماية خاصة من قبل الدولة‪.‬‬
‫‪ .2‬تعتبر العناية باألطفال وتربيتهم الحق الطبيعي لألهل وقبل كل‬
‫شيء هو واجبهم الطوعي‪ .‬تقوم المؤسسات والجمعيات الحكومية‬
‫بالسهر على رعاية تفعيل هذا الحق‪.‬‬
‫‪ .3‬يسمح بفصل األطفال عن العائلة ضد إرادة ولي األمر بموجب‬
‫قانون وذلك في حالة فشل ولي األمر أو إذا كان األطفال مهددين‬
‫بالضياع واالنحالل ألسباب أخرى‪.‬‬
‫‪ .4‬تهيي التشريعات القانونية لألطفال الالشرعيين الشروط‬
‫والفرص نفسها لغيرهم من األطفال الشرعيين فيما يتعلق بتطورهم‬
‫الروحي (النفسي) والبدني ومكانتهم في المجتمع‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫‪ .5‬لكل أم الحق في الحماية واالهتمام والعناية من قبل المجتمع‪.‬‬
‫مادة ‪( :7‬النظام المدرسي)‬
‫‪ .1‬يخضع نظام التعليم المدرسي بأكمله تحت إشراف الدولة‪.‬‬
‫‪ .2‬يملك أولياء األمر الحق في اتخاذ القرار بشأن اشتراك طفلهم‬
‫في دروس الدين‪.‬‬
‫‪ .3‬يعتبر درس الدين مادة تعليم نظامية في كافة المدارس الحكومية‬
‫ماعدا في المدارس العقائدية‪ .‬يتم إعطاء المقرر الديني باالتفاق مع‬
‫القواعد األساسية للتجمعات الدينية ودون المساس بحق األشراف‬
‫الحكومية‪ .‬اليجوز إلزام أيا من المعلمين لتعليم المادة الدينية إذا كان‬
‫ذلك يتعارض وقناعاتهم وإرادتهم‪.‬‬
‫‪ .4‬يكفل القانون االساسي الحق في مدارس خاصة‪ .‬يتطلب إنشاء‬
‫المدارس الخاصة كبديل للمدارس العامة إلى تصريح وموافقة الدولة‬
‫ويخضع ذلك إلى القوانين السائدة في الوالية‪ .‬يتم إعطاء الترخيص‬
‫إذا كانت المدارس الخاصة مكافئة تماما للمدارس الحكومية فيما يتعلق‬
‫باألهداف التعليمة والتجهيزات وبدرجة التأهيل العلمي لطاقم المعلمين‬
‫وعلى أال يتم العمل على تمييز التالميذ باالرتباط مع المستوى المادي‬
‫لألهل‪ .‬يتم منع إعطاء الترخيص إذا كان الوضع الحقوقي‬
‫واالقتصادي لطاقم المعلمين غير مضمون ومؤهال بالشكل الكافي‪.‬‬
‫‪ .5‬يتم الترخيص لمدرسة ابتذائية خاصة فقط إذا كانت إذارة‬
‫المدرسة تقر باهتمام تربوي خاص أو إذا تم تقديم طلب من قبل أولياء‬
‫‪153‬‬
‫األمر من أجل تأسيس المدرسة االبتدائية كمدرسة لجالية معينة أو‬
‫كمدرسة برؤى اقتصادية أو برؤى عالمية شريطة عدم وجود مدرسة‬
‫ابتدائية حكومية من هذا النوع في الدائرة السكنية‪.‬‬
‫‪ .6‬تبقى المدارس اإلعدادية محفوظة‪.‬‬
‫مادة ‪( :8‬حرية التجمع)‬
‫‪ .1‬لكل األلمان الحق في حرية التجمهر بشكل سلمي وغير مسلح‬
‫وذلك دون الحاجة للحصول على سماحية بذلك ودون الحاجة لإلبالغ‬
‫المسبق عند السلطات‪.‬‬
‫‪ .2‬يمكن تحديد (حصر) االحتشاد في العراء تحت سماء حرة من‬
‫خالل قانون أو ألسباب قانونية‪.‬‬
‫مادة ‪ ( :9‬بناء وتشكيل الجمعيات واالتحادات واالئتالفات)‬
‫‪ .1‬لكل األلمان الحق في تشكيل الجمعيات والمنظات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ .2‬يمنع تكوين االتحادات واالئتالفات التي تتعارض برامجها‬
‫أهدافها ونشاطاتها مع قانون العقوبات الجزائية أو تلك الموجهة ضد‬
‫النظام الدستوري وضد أفكار تفاهم الشعوب‪.‬‬
‫‪ .3‬يبقى الحق مضمونا لكل شخص ولكل الفئات المهنية في تكوين‬
‫االتحادات واالئتالفات من أجل صون وتحسين شروط العمل‬
‫والشروط االقتصادية‪ .‬تعتبر كل المحاوالت إلنكار وإعاقة وحصر‬
‫هذا الحق باطلة‪ .‬اإلجراءات المبنية على هذه المحاوالت مخالفة‬
‫للقانون‪ .‬اليجوز توجيه اإلجراءات الواردة والمحددة بالمواد ‪ 12‬أ و‬
‫‪154‬‬
‫‪ 35‬و ‪ 87‬أ و‪ 91‬ضد النضال العمالي الهادف إلى تحسين ظروف‬
‫العمل والظرف االقتصادي‪.‬‬
‫مادة ‪( :10‬سرية الرسائل‪ ،‬البريد واالتصاالت الهاتفية)‬
‫‪ .1‬يمنع انتهاك حرمة سرية الرسائل والبريد وسرية االتصاالت‪.‬‬
‫‪ .2‬يسمح بوضع قيود على هذه السرية فقط بموجب قانون إذا كان‬
‫هذا الحصر من شأنه خدمة وحماية النظام األساسي الديمقراطي الحر‬
‫أو كينونته وضمان أمن االتحاد األلماني أو أحد بلدانه‪ .‬القانون يقر‬
‫بعدم إخبار المعني باألمر أان يجري االستقصاء والمراقبة من خالل‬
‫هيئات وأجهزة مساعدة يتم تعيينها من قبل ممثلي الشعب‪.‬‬
‫مادة ‪( :11‬حرية التنقل)‬
‫‪ .1‬يتمتع كل األلمان بحرية التنقل في جميع أراضي ألمانيا‪.‬‬
‫‪ .2‬يسمح بقصر هذا الحق فقط بموجب قانون او سبب قانوني‬
‫وفقط في الحاالت التالية‪:‬‬
‫ـ في حال عدم توفر المقومات الحياتية الكافية وامكانية نشوء اعباء‬
‫ثقيلة خاصة للعامية‪.‬‬
‫ـ في الحاالت التي يكون فيها من الضروري إبعاد أخطار مهددة‬
‫للكيان أو للنظام االساسي الديمقراطي الحر لالتحاد األلماني أو أحد‬
‫بلدانه‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ـ في الحاالت الضرورية لمقاومة اخطار وبائية أو كوارث وفواجع‬
‫طبيعية أو لمكافحة احداث مصائبية خاصة‪.‬‬
‫ـ في الحاالت الضرورية لحماية الجيل الشاب من االنحالل‬
‫والضياع أو لوقايته االحتياطية من أحداث جنائية يعاقب عليها القانون‪.‬‬
‫مادة ‪( :12‬حرية المهنة‪ ،‬منع العمل القسري)‬
‫‪ .1‬كل األلمان لهم الحق في االختيار الحر للمهنة ومكان العمل‬
‫وأماكن التأهيل المهني‪ .‬يمكنهم تنظيم ممارسة المهنة من خالل قانون‬
‫او لسبب قانوني‪.‬‬
‫‪ .2‬ال يسمح بإجبار أي شخص للقيام بعمل ما محددا ماعدا في‬
‫إطار الواجب العام المألوف والساري المفعول للجميع بغية تقديم‬
‫الخدمات‪.‬‬
‫‪ .3‬يسمح بالعمل اإلجباري والعمل بالسخرة فقط في حالة حرمان‬
‫الشخص من حريته وفق قرار محكمي قضائي‪.‬‬
‫***‬

‫‪156‬‬
‫الذهئ‬
‫ي‬ ‫وباء التاج‬

‫ثمة وباء في العالم‬


‫ثمة خوف في القرن الحادي والعشرين‬
‫كما لو أن هللا العزيز قد مات‬
‫والجو االجتماعي الخانق‬
‫ّ‬
‫والتربُّص بالخفافيش‬
‫َ‬
‫يجثمان على الصدور‬
‫كبالط القبور‪.‬‬
‫من الحقائق المعروفة هو عدم قدرة اإلنتاج الزراعي والغذائي‬
‫عالميا ً على مواكبة الزيادة في عدد السكان‪ .‬ومن هنا ُولدت وتطورت‬
‫نظريات كثيرة في علم السكان وعلم االقتصاد تشرح هذه الفجوة‬
‫وتطرح الحلول إلغالقها‪.‬‬
‫ها هو على سبيل المثال الباحث السكاني واالقتصادي اإلنجليزي‬
‫توماس روبرت مالتوس يعتبر أن عدد السكان يزداد وفق متتالية‬
‫اإلنتاج الزراعي والغذائي وفق متتالية حسابية‪،‬‬
‫هندسية بينما يزداد ِّ‬
‫وهذا ما سيؤدي حتما ً إلى نقص إمكانيات الغذاء والسكن‪ .‬يقول‬
‫‪157‬‬
‫مالتوس في أحد مقاالته‪( :‬الرجل الذي ليس له من يعيله والذي ال‬
‫يستطيع أن يجد له عمالً في المجتمع سوف يجد أن ليس له نصيبا ً من‬
‫الغذاء على أرضه فهو عضو زائد في وليمة الطبيعة حيث ال صحن‬
‫له بين الصحون فإن الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن‪).‬‬
‫وهكذا فإن مالتوس يطرح ضرورة تدخل عوامل خارجية من‬
‫شأنها إعادة التوازن بين نمو السكان ونمو المواد الغذائية‪ ،‬مثل‬
‫الحروب والمجاعات واألوبئة واألمراض‪.‬‬
‫وها هي نظرية المليار الذهبي ‪ -‬كمثال آخر ‪ -‬تقر بأن موارد‬
‫األرض غير قادرة على تلبية احتياجات سوى مليار إنسان‪.‬‬
‫على أرضية مثل هذه النظريات حدثت كوارث إنسانية عديدة أدت‬
‫إلى مقتل عشرات الماليين من الناس الفقراء ‪.‬‬
‫وها هو وباء كورونا ‪ -‬الذي ما زال في بداياته ‪ -‬شكل من أشكال‬
‫الهجوم النووي الحديث‪.‬‬
‫سيتوحش هذا الوباء وسيصيب أكثر من ‪ %65‬من السكان‬
‫وستطول موجته ولن تنتهي مخاطره قبل بدايات عام ‪ 2021‬كما‬
‫يتوقع الخبراء في معهد روبرت كوخ على سبيل المثال‪.‬‬
‫ي‪ .‬غالبا ما يبدأ النمو األسي‬ ‫ينتشر فيروس كورونا وفقا ً لمنحنى أ ُ ّ‬
‫س ّ‬
‫بشكل غير ضار‪ ،‬لذلك يميل الناس إلى التقليل من شأنه‪ .‬لكن عندما‬
‫يبدأ الزخم الديناميكي‪ ،‬حينها ال يمكن إيقافه‪.‬‬
‫مقتطف من لقاء مع الفيلسوفة األلمانية أنيماري بيبر‬
‫‪158‬‬
‫كثير من الناس ال يدركون أن عدوى كورونا لن تنتهي في غضون‬
‫أسابيع قليلة‪ .‬في الوقت الحالي يتم الحفاظ على موجة العدوى عند‬
‫أدنى مستوى ممكن‪ ،‬لكن الوباء سينتهي ‪ -‬ما لم يتم العثور على لقاح‬
‫‪ -‬فقط عندما تصاب به نسبة كبيرة من السكان وهذا سيؤدي إلى مناعة‬
‫واسعة‪ .‬لم يتم إخبار الناس بحقيقة أن الوباء سوف يستغرق شهوراً‪.‬‬
‫ربما سيتم تخفيف القيود االجتماعية مرة أخرى قليالً بمرور الوقت‪.‬‬
‫لكننا بالتأكيد لن نعود إلى طبيعتنا حتى نهاية الصيف‪.‬‬
‫الحروب هي من صنع الناس‪ .‬للعدو وجه‪ .‬يمكنك الدفاع عن نفسك‬
‫بالعنف المسلح ‪.‬الفيروس ليس بشراً‪ ،‬ليس لديه نية وال خطة‪ .‬إنه غير‬
‫مرئي‪ .‬اآلن عندما نقول إننا نحارب الفيروس‪ ،‬سنهزمه‪ ،‬نحن نتحدث‬
‫هنا باستخدام االستعارات الحربية (بالمعنى اللغوي) والتي ال تنطبق‬
‫فعليا ً على الكالم عن الفيروس‪ .‬هذا يبيّن مدى تجريد الوضع‪ .‬ليس‬
‫لدينا حتى لغة كافية لوصف ما نعيشه اآلن‪.‬‬
‫حين تقول أكثر المصادر العالمية مصداقية ‪ -‬مثل معهد روبرت‬
‫كوخ األلماني لألمراض المعدية وغير المعدية ‪ -‬بأن معظم من توفي‬
‫بسبب الوباء الكوروناوي هم من األشخاص المرضى أصالً أو‬
‫العجائز الذين تجاوزا السبعين من العمر أو ممن كان لديهم أمراض‬
‫سابقة‪ ،‬وبأن خطر هذا الوباء على من هم تحت الخمسين ضعيف جداً‪،‬‬
‫حينها سيفكر البعض بأن هناك من اخترع هذا الفيروس بهدف تخليص‬
‫المجتمعات من أعباء العناية بالعجائز وتكاليف رعايتهم الطبية‬

‫‪159‬‬
‫واالجتماعية واإلنسانية وال سيما أن متوسط عمر اإلنسان في ازدياد‪،‬‬
‫وعدد السكان بازدياد والموارد الطبيعية بتناقص ‪.‬‬

‫هذا ما تدعمه أيضا ً رؤى بعض المنظرين الذين ّ‬


‫يروجون للحروب‬
‫بغية إنقاص عدد السكان أو أولئك ممن ّ‬
‫ينظرون منذ عقود لعزل‬
‫العجائز في مستودعات خاصة‪.‬‬
‫هناك من يقول أن تفشي فيروس كورونا سيكون "أسوأ بكثير مما‬
‫يمكن لنا أن نتخيله"‪ ،‬ويدعم ذلك على سبيل المثال أن السوائل "تطيل‬
‫ي حيوية هذا الفيروس‪".‬‬ ‫وتقو ّ‬
‫ثمة تكهنات وشائعات تتحدّث عن براءة اختراع مشبوهة بأن‬
‫الفيروس كورونا الجديد الذي ظهر اآلن قد تم تطويره وعرضه في‬
‫بعض المختبرات من أجل المزيد من المال في عالم صناعة اللقاحات‪.‬‬
‫يرى آخرون داللة أخرى على وجود أصل مختبري محتمل‬
‫للفيروس في حقيقة أن المختبر الوطني الصيني لألمن الحيوي‬
‫واألمراض الفيروسية يقع في ووهان‪ .‬ويُشتبه في أن الفيروس قد‬
‫هرب من هذه المنشأة‪.‬‬
‫وهناك من يتكلم عن مؤامرة غيتس لصناعة اللقاحات‪ ،‬الكالم هنا‬
‫عن رجل األعمال والملياردير بيل غيتس ومؤسسته‪ .‬حقيقة أن أحد‬
‫براءات اختراع فيروس كورونا يمتلكها معهد بيربرايت اإلنجليزي‬
‫وبدعم من مؤسسة بيل وميليندا غيتس‪ ،‬غيتس سيستفيد من تفشي‬
‫فيروس كورونا‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫تحدّث البعض من الناس عن عالقة فيروس كورونا بوجبات‬
‫الطعام الصيني من كالب وقرود وعقارب وبشكل خاص خفافيش ـ‬
‫بصفتها الخزان سيء السمعة للعديد من مسببات األمراض ـ‪ ،‬لكن لم‬
‫يتكلم أحد على اإلطالق عن العالقة المحتملة بين ظهور وباء كورونا‬
‫وتطور التكنولوجيا النانوية وتطبيقاتها‪.‬‬
‫مهم للغاية تحديد مصدر العدوى ومسار االنتقال ألن البحث عن‬
‫مسببات األمراض ال يقل أهمية عن منع وقوع حوادث مماثلة مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ما يعرفه اليوم خبراء علوم الفيروسات واألحياء الدقيقة عن‬
‫كورونا هو التالي‪:‬‬
‫األطفال غير معرضين حقيقة لإلصابة بأعراض فيروس كورونا‪.‬‬
‫لكنهم قد يحملون العدوى‪.‬‬
‫المراهقون أقل تعرضا ً لإلصابة من الكبار‪.‬‬
‫النساء أقل تعرضا ً لإلصابة من الرجال‪.‬‬
‫المرضى والعجائز الذكور خاصة وكذلك الرجال ذوي السوابق‬
‫المرضية هم األكثر تعرضا ً لإلصابة بفيروس كورونا‪.‬‬
‫الكمامة ال تقدّم أية وقاية‪.‬‬
‫جميل أن يسمح لك القدر بأن تعيش طقوس وباء عالمي لم تعشه‬
‫سابقا ً مخاطبا ً نفسك‪ :‬ال سلطة تعلو على سلطة قانون االِّ صطفاء‬
‫الطبيعي‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫أن تُعدى بمرض كورونا في بداياته خير لك ألف مرة من أن‬
‫تُصاب به في األشهر القادمة‪ ،‬حيث لن تجد سريرا ً في مشفى وال من‬
‫يرعاك‪.‬‬
‫التعليم في زمن الوباء‪ ،‬التدريس عبر اإلنترنت في أوقات كورونا‬
‫ال يعني أبدا ً أن يقوم المحاضر بإنتاج األفالم الفيديوية أو التسجيالت‬
‫الصوتية لمحاضراته‪.‬‬
‫ال يُعتبر الفيديو التعليمي دائما ً أفضل طريقة لجعل الحدث أو‬
‫المحاضرة متاحة عبر اإلنترنت‪ ،‬ناهيك عن أن بعض الطالب ‪ -‬في‬
‫كل أنحاء العالم ‪ -‬لديهم نطاق ترددي محدود لإلنترنت في المنزل‪.‬‬
‫أفضل السيناريوهات التعليمية ‪-‬بحسب وجهة نظري المتواضعة‪-‬‬
‫هو إتاحة المواد التعليمية للدراسة الذاتية أي استخدام أدوات غير‬
‫متزامنة (مثالً وضع ملفات ورد أو ب‪.‬د‪.‬ف‪ .‬أو عروض وشرائح‬
‫بوربوينت للتنزيل بدالً من دفق الفيديوهات والتسجيالت‪ ،‬اإليميل‪،‬‬
‫االبتعاد عن برامج الدردشة‪.)... ،‬‬
‫يُنصح باستخدام الهياكل المألوفة والموثوق بها من قبل إدارة‬
‫الجامعة‪ ،‬أي استخدام منصة تعليمية مركزية في حال توفرها وأن‬
‫يجري التواصل مع الطالب عبر قنوات االتصال القياسية مثل البريد‬
‫اإللكتروني ومنتدى الجامعة اإللكتروني ـ المنصة التعليمية‪ .‬يُنصح‬
‫أيضا ً بتأجيل المحاضرات والتجارب المخبرية إلى فترة الصيف‬
‫وإعطاها بشكل مكثف في يومين أو أكثر‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫كما يُنصح بتعديل أنواع االمتحانات ونماذجها مثالً عن طريق‬
‫استبدال االمتحانات الكتابية بما يعادلها من وظائف بيتية وتقارير أو‬
‫تنفيذ امتحانات شفهية عن بعد‪.‬‬
‫وبكل تأكيد هناك الكثير مما قد يُقال في هذا الخصوص وهناك‬
‫أيضا ً بدائل تعليمية أخرى قد تكون أكثر جدوى‪.‬‬
‫***‬

‫‪163‬‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ْ ْ‬
‫قصيدة ِإنزيغي (حشات)‬

‫ناخميتْاغ (بعد الظهر) من صيف عام ‪2075‬‬


‫الوقت ْ‬
‫ْ‬
‫نغريغ (جائع)‬ ‫الشاب الوسيم إيليا ُه‬
‫لم يأكل منذ غيسْتيرن (ليلة البارحة)‪.‬‬
‫يفرمل زاين إليكتروأوتو (سيارته الكهربائية)‬
‫أمام ريسْتورانت مودرن (مطعم حديث)‬
‫يقرأ على واجهته باألحرف الالتينية‪:‬‬
‫ْ‬
‫يلكومين باي ريسْتورانت "إينتوموفاغي"‬ ‫هيرتسليش فِّ‬
‫(أهالً وسهالً في مطعم وجبات الحشرات)‪.‬‬
‫يستقبله روبوتر (رجل آلي) ظريف‪،‬‬
‫يقوده إلى ِّتيش (طاولة) أنيقة‬
‫ويتمنى له فيل شباس (المرح والفرح)‬
‫تأتي إليه روبوترين (إمراة آلية) ضحوكة لعوب‪،‬‬
‫ترحب به وتقدم له دي شبايزيْليستي (قائمة الطعام)‬
‫ّ‬

‫‪164‬‬
‫تقول له‪ :‬نحن مشهورون يا سيدي‬
‫بتقديم وجبات ِّإ ْنزي ْغتن (الحشرات)‬
‫يستفسر إيليا مدهوشاً‪ِّ :‬إ ْنزي ْغتن؟ (حشرات؟)‬
‫نعم يا سيدي ‪ ..‬إِّ ْنزي ْغتن ‪ ..‬هو طعام المستقبل!‬
‫يقرأ إيليا‪:‬‬
‫وجبة خليط من ِّإ ْنزي ْغتن (حشرات) متنوعة‪،‬‬
‫برايز (السعر)‪$25 :‬‬
‫غريللن (جداجد حقيقية)‪ ،‬برايز‪$17,5 :‬‬
‫وجبة ِّ‬
‫وجبة ميهلفورمير (خنافس الدقيق)‪ ،‬برايز‪$18,5 :‬‬
‫هويشركين (جراد)‬
‫كاكيرالكين (صراصير)‬
‫سكوربيوني (عقارب)‬
‫كراببن (قشريات سرطانات)‬
‫أمايزين (نمل)‬
‫شميتيرلنغي (فراشات)‬
‫يتأمل إيليا عيون النادلة المضيئة‪ ،‬يبتسم لها ويهمس‪:‬‬
‫أعطني من فضلك وجبة غرا ْس ِّهوبفر مع زوسي‬

‫‪165‬‬
‫(الجراد األخضر مع الصلصة)‬
‫ت ُ ّخزن السيدة روبوترين رغبته وتأمر بإحضارها على الفور‬
‫ثوان ويصل الطعام‪.‬‬
‫تتمنى له السيدة اآللية غوتن أبيتييت (شهية طيبة)‬
‫تغادره بلمح البصر‬
‫يبتسم إيليا ويرد عليها بلطف فيللين دانك (جزيل الشكر)‬
‫ينظر إلى وجبته ويأكل بشهية‪.‬‬
‫***‬

‫‪166‬‬
‫ّ‬
‫التبية التصميمية الموجهة بيئيا‬

‫مقدمة‬
‫القاسم المشترك بين علم التربية وعلم التصميم الهندسي المو ّجه‬
‫بيئيا ً هو أن كال االختصاصيين يهتمان وينشغالن بموضوع التطوير‪،‬‬
‫بكلمة أخرى اإلنسان‪ .‬التطوير في الهندسة يهتم بإبداع وبناء آالت‬
‫وميكانيزمات ومتابعة العمل عليها بغية أمثلتها باالعتماد على اإلنسان‬
‫بالدرجة األولى بصفته المصمم والمبدع والقادر على معالجة المشاكل‬
‫المستعصية‪ .‬بينما ينشغل التطوير في علم التربية ببناء وتطوير‬
‫اإلنسان بصفته كائن في مجتمع بغية أمثلة سلوكه وطرائق تفكيره‬
‫باالعتماد على نظريات علم النفس وعلم االجتماع‪.‬‬
‫إذا استطعنا تزويج التربية "المؤنثة "مع التصميم "المذكر "على‬
‫أرضية عرس علمي بحت‪ ،‬فسوف تكون النتيجة مولودا ً جديدا ً قوي‬
‫البنية‪ ،‬اسمه التربية التصميمية‪.‬‬
‫الهدف‬
‫ينبغي أن تهتم موضوعة البحث هذه (التربية التصميمية) بدراسة‬
‫العالقة التبادلية والتأثير المتبادل من كال الجانبين والنمو المشترك‬
‫ي التربية والهندسة التصميمية‪ ،‬من هنا يجب االنشغال‬ ‫الختصاص ّ‬
‫‪167‬‬
‫بموضوع التطبيق العملي العلمي لنظريات التربية في طرق‬
‫ومنهجيات التصميم الهندسي وتقييم تأثيراتها على عملية تطوير‬
‫المنتج‪.‬‬
‫التحقق من المراجع‬
‫ال يمكن العثور في المراجع المختصة على دراسات ونتائج حول‬
‫التأثيرات التربوية وانعكاساتها على العملية التصميمية‪ .‬في هذا‬
‫الخصوص يبدو من األهمية بمكان دراسة هذه االنعكاسات المتبادلة‬
‫بطريقة منهجية‪ .‬وعليه ينبغي إنتاج عالقات ضيقة ما بين البحث‬
‫التربوي العلمي وعلم التصميم بهدف تطوير وتحفيز الكوامن لألمثلة‬
‫والنمذجة الموجهة ولتحليل وتقييم عمليات التخطيط والتصميم‪.‬‬
‫اقتراح خطة‬
‫بحسب وجهة نظري المتواضعة يمكننا االهتمام بدراسة النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫بحث ودراسة التأثيرات التربوية التي يمكن أن يكون لها‬
‫انعكاساتها على طريقة عمل المصمم وإبداعه ودراسة آليات انعكاس‬
‫العوامل التربوية على عملية التصميم‪.‬‬
‫كيف يمكن لعلم التربية ونظرياته المهنية أن تؤثر على طريقة‬
‫تصميم المصممين العاملين في بيئات ثقافية وحضارية مختلفة السيما‬
‫أن العولمة قد ساهمت في تقريب المصممين من بعضهم البعض‬

‫‪168‬‬
‫وساهمت في انتشار المعامل والشركات التصنيعية في وحدات‬
‫جغرافية متباينة‪.‬‬
‫الهدف النهائي من فكرة البحث هي خلق األرضية المناسبة علميا ً‬
‫ومعرفيا ً من أجل وضع النقاط األساسية والتي ينبغي أن تساهم في‬
‫تطوير منهجيات ووسائل في علم التصميم‪ ،‬قوامها ومحورها هو‬
‫اإلنسان بصفته الكائن القادر على حل المشاكل التقتية وال سيما أن‬
‫دوره الفعّال قد أ ُهمل في نظريات وطرق التصميم التي تم تطويرها‬
‫خالل الحربين وبصورة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫في هذا السياق توجهنا الفكرة المطروحة في كتاب تقنية التصميم‬
‫للمؤلف هوغو فوغرباور الذي طرح أهمية التربية والفلسفة‬
‫التصميمية كجزئين أساسيين من نظرية تصميم اآلالت‪.‬‬
‫***‬
‫النهاية‬
‫وهللا ولي التوفيق‬
‫ألمانيا – الغابة السوداء – سبتمبر – ‪2020‬‬

‫‪169‬‬
170

You might also like