Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 10

‫هل صور اآلفاق التي صورها مرقاب جيمس ويب دليل على الخالق سبحانه؟‬

‫إشكالية القفزات املرعبة في الفراغ خالل عملية التدليل لدى جماهير املسلمين!‬

‫هل تبين لهم (للغرب حين رأوا اآليات في اآلفاق) أنه الحق؟‬

‫مقال صادم‪ ،‬لعله يفتح األعين ويحفز على الفهم والتدبر!‬

‫قبل نحو عشر سنوات قررت امرأة كانت من املتحمسات للدعوة لدين هللا‪ ،‬أن ترتد!‬

‫ولكنها قررت أال تفعل ذلك حتى تناقش كل أئمة املنطقة وشيوخها‪ Z‬في اإلشكاليات التي في ذهنها لعلها‬
‫تجد عندهم "الدليل" على الحق‪ ،‬فتبقى ملتزمة‪،‬‬

‫لكن لألسف؛ لم يستطع أي واحد منهم سبر أغوار إشكالياتها‪ Z،‬وال أن يقدم لها الدليل املقنع القاطع!‬

‫هل لدى أغلب املسلمين هذه املشكلة؟ مشكلة عدم القدرة على التدليل؟‬

‫لذلك هذا املقال موجه لك شخصيا! في أخطر قضية لديك‪ :‬تفسيرك للكون واعتقادك الجازم حوله!‬

‫قال الحق سبحانه وتعالى‪Z:‬‬


‫﴿س ُنريه ْم َآيات َنا في اآْل َفاق َوفي َأ ُنفسه ْم َح َّتى َي َت َب َّي َن َل ُه ْم َأ َّن ُه ْال َح ُّق َأ َو َل ْم َي ْكف ب َر ّب َك َأ َّن ُه َع َلى ُك ّل َش ْيء َشه ٌ‬
‫يد﴾‬ ‫َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ 53‬سورة فصلت‪.‬‬

‫وليس ثمة رؤية لآلفاق أعظم وال أدق في عصرنا الحالي من تلك الصور املذهلة التي صورها‪ Z‬مرقاب‬
‫جيمس ويب‪ ،‬وانتشرت انتشار النار في الهشيم‪ ،‬وباستعراض "انشداه" أكثر املسلمين بعظمتها‪- ،‬وحق‬
‫لهم ذلك ألنه كون عظيم جدا‪ -‬كانت الفكرة األكثر قفزا لألذهان هي‪ :‬هذا دليل على الخالق‪.‬‬

‫كثيرا ما يتصدى املفكرون والعلماء ألسئلة وجودية مفصلية بالجواب‪ ،‬كمثل تقديم الدليل على وجود‬
‫الخالق سبحانه‪ ،‬أو على البرهنة على دالئل النبوة مثال‪ ،‬فيأتي بعض املفكرين والعلماء بإجابات يجد‬
‫الباحث املتمعن صعوبة في وضع اليد على موضع البرهنة فيها‪،‬‬

‫أو يصعب عليه أن يجد بناء محكما للدليل فيها‪،‬‬


‫وغالبا ما يجد كالما يخاطب "عاطفة السائل" ‪-‬يتكئ فيه املتصدي للجواب على أن السائل يميل نحو‬
‫جهة الجواب باإلثبات ال النفي‪ -‬أكثر مما يقيم فيه املجيب الحجة البالغة على "عقل السائل"‪ ،‬شارحا‪ Z‬له‬
‫ُ‬
‫الدليل إلى القطع والجزم!‬ ‫َّ‬
‫الضد‪ ،‬وكيف يوصل‬ ‫ُ‬
‫الدليل‬ ‫الدليل‪ ،‬ووجه الداللة فيه‪ ،‬وكيف ينفي‬
‫ُّ‬
‫ومرد ذلك إلى أن بعض املفكرين والعلماء لم يسبروا أغوار نظرية املعرفة قبل أن يتصدوا لإلجابات‬
‫على تلك األسئلة اللصيقة بالفكر اإلنساني‪ ،‬واألساسية لبناء اعتقاد سليم‪ ،‬أو التخاذ موقف صحيح من‬
‫القضايا الفكرية الهامة في الحياة‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فقد تجد على الساحة الفكرية تخبطا في التصدي لسؤال خطير من أسئلة العصر امللحة‪ :‬هل‬
‫نحيل األبحاث العقلية – املنطقية – الفلسفية الوجودية القديمة إلى "التقاعد"‪ ،‬وكيف سنتعامل مع‬
‫أسئلة العصر وأبحاثه العلمية التي أوردت "تأويالت" جديدة لتفسير الوجود يدعي أصحابها أنها تنفي‬
‫إثبات أنه صنعة صانع؟ كيف سنعالج طرح "األكوان املتعددة"‪ ،‬ومسألة موقف فيزياء الكم من الحتمية‬
‫والسببية‪ ،‬ماذا عن الكون النواسي‪ ... ،‬الخ‪،‬‬

‫معرفية على قواعد أساسية قامت عليها نظرية املعرفة التي اتكأ‬
‫ٍ‬ ‫بظالل‬
‫ٍ‬ ‫ال شك أن هذه التساؤالت تلقي‬
‫عليها املفكرون والفالسفة في البرهنة‪ Z‬واالستدالل‪ ،‬وأضحت الحاجة ملحة للنظر املتفحص املستنير فيها!‬

‫ومن ثم تجد مالال سائدا وحيرة يتسربل بها الباحثون‪ Z‬عن أجوبة "مقنعة قاطعة"‪ Z،‬ومرد ذلك إلى أن‬
‫بعض املتصدين لإلجابات يفهمون الدليل فهما إجماليا‪ ،‬فيشرحون‪ Z‬نصفه‪ ،‬وال يستطيعون الغوص‬
‫ُّ‬
‫فوق ذلك لسد كل الفجوات الفكرية املتعلقة به‪ ،‬أو ُلي َجلوا وجه القطع فيه‪ ،‬أو يتكئون فيه على ربط‬
‫خطأ أو ظني ملقدمات الدليل مع استنتاجاته‪ ،‬أو يفهمون الواقع فهما ظنيا إذ يستند فهمهم له على‬
‫"استقراء ناقص"‪ ،‬لم يدركوا عدم صالحيته للدخول في مبنى الدليل القطعي‪ Z،‬أو لم يتفكروا في طريقة‬
‫رفع الظنية عنه عند حاجة الدليل القاطع إليه!‬

‫أو يظنون أن البحث ليس أكثر من إيراد جملة من اآليات من كتاب هللا تعالى‪ Z‬التي نقلت لنا بعض‬
‫الحقائق التي ّ‬
‫"صدقها"‪ Z‬العلم التجريبي في القرنين األخيرين‪ ،‬ملجرد تقاطع بعض املعاني لبعض األبحاث‬
‫معان ذهنية محتملة لتلك اآليات الكريمات‪ ،‬وكفى بها حجة ودليال! أو أن يأتي باحث بصورة‬
‫العلمية مع ٍ‬
‫للمجرة أو لتجمع عنقود مجرات هائل‪ ،‬أو لصورة انفجار مستعر أعظم ليقول لك‪ :‬هذا التعقيد دليلي!‬

‫وهذا يصب في النظر في الصور التي وردت عن التلسكوب‪،‬‬


‫وللسؤال أعاله شقان‪ ،‬الشق األول‪ :‬كيف نربأ الصدع الفكري عندنا معاشر املسلمين في "فقه‪ Z‬التدليل"‬

‫والشق الثاني‪ :‬هل تبين لعلماء الغرب التجريبيين أنه الحق‪ ،‬وهو الوعد الذي قطعه الحق سبحانه بأنه‬
‫سيريهم آياته في اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق‪،‬‬

‫فما املشكلة التي صرفت عقولهم عن معرفة الحق حين رؤيته ساطعا بهذه الصورة التي ال مثيل لها‪ ،‬مع‬
‫أنهم لفرط ذكائهم وقوة علومهم استطاعوا وضع ذلك املرقاب في ذلك املوقع الفريد من قبة الفلك‬
‫ليرسل هذه الصور بالغة الدقة بالغة الروعة‪،‬‬

‫وقد استفضت في شرح ذلك كله وبيانه في كتابي‪ :‬نظرية املعرفة ومناهج التفكير واالستدالل‪،‬‬
‫وسأختصر طريقة التدليل بالنقاط التالية‪:‬‬

‫حتى تقول بأن هذا النظام الذي تراه في الصور يمثل "تصميما حكيما"‪ Z‬يفتقر بالضرورة إلى مصمم‬
‫حكيم قادر عليك أن تدرس االحتماالت األخرى التي قد يستعملها اآلخرون لنفي أنه تصميم حكيم‬
‫وهي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬نفي الحتمية املادية‪ ،‬أي نفي أن يكون سير املادة والطاقة التي نشأ الكون منها ذاتيا وآليا وحتميا‬
‫نحو التنظيم بهذه الصورة دون الحاجة لتدخل خارجي يوجهه‪Z.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نفي أن يكون هذا التنظيم نتاج القوانين الكونية مثل قانون الجاذبية‪ ،‬ونفي أن تتسبب القوانين‬
‫الكونية بالخلق الذاتي‪ ،‬وبالقدرة على التنظيم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬نفي وجود دوافع ذاتية لالرتباط‪ ،‬أو االنتظام‪ ،‬أو التشكل‪ ،‬أو التفاعل بين املادة والطاقة بصورة‬
‫تفضي لهذا االنتظام‪ ،‬أي أن تدفعه للسير نحو تحقيق هذا االنتظام بما حوته من قوى وخصائص‬
‫تجعله يتصرف بصورة معينة تفضي لهذا االنتظام‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬نفي إمكانية تسيير املادة والطاقة نحو االنتظام بفعل االنتقاء الطبيعي‪ Z،‬أو االنتقاء املتحيز‪ ،‬لوجود‬
‫عوامل محفزة تدفع باتجاه هذا االنتقاء‪ ،‬أو بسبب وجود خواص كامنة في املادة تجعل القوانين تنجذب‬
‫نحو أو تنتقي ما يسير العمليات باتجاه التنظيم‪.‬‬

‫فعملية التدليل يجب أن تمر بهذه الفالتر األربعة حتى تتمكن من أن تسقط هذه الخيارات وتثبت أن‬
‫االنتظام هو تصميم حكيم‪.‬‬
‫وحتى تتمكن من ذلك‪ ،‬فال بد من محددات ال يمكن أن تكون نتاج أي من الخيارات األربعة أعاله‪ ،‬تثبت‬
‫أنه تصميم محكم أو كما يسمونه باإلنجليزية بأنه تصميم ذكي‪.‬‬

‫املحدد األول‪ :‬سبر أغوار النظام إلثبات أنه احتاج حتى ينتج ألفعال محددة تحتاج إلى إرادة وقدرة الزمة‬
‫للتغلب على قوى الطبيعة التي تنزع نحو العشوائية بناء على قانون الديناميكا‪ Z‬الحرارية الثاني‪ ،‬فإن‬
‫وجدناها‪ Z‬فهذه عالمة على أن النظام تصميم ذكي‪.‬‬

‫املحدد الثاني‪ :‬ترتيب األشياء ضد نزعتها الطبيعية نحو العشوائية‪ ،‬وألننا نجد أيضا أنه ال يوجد تنسيق‬
‫فاعل‬
‫أو انتظام بين أجزاء األنظمة املعقدة إال جبرا عنها‪ ،‬ولذلك يحتاج االنتظام السببي إلى إرادة ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫طاقة بمقادير‬
‫ٍ‬ ‫إضافة‬
‫ِ‬ ‫السبب إلى‬ ‫ويحتاج‬ ‫معين‪،‬‬
‫ترتيب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫األجزاء فيما بينها بحسب‬
‫ِ‬ ‫غائي يربط مجموعة‬
‫ٍ‬
‫األجزاء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لربط‬
‫محددة محسوبة ِ‬
‫ً‬
‫متخصصا‪ ،‬أي‬ ‫ً‬
‫تعقيدا‬ ‫املحدد الثالث‪ :‬التعقيد املتخصص‪" specified complexity ‬عندما ُيبدي شيء ما‬
‫ومتخصصا بنفس الوقت‪ ،‬فإننا نستطيع أن نقول أنه قد ُأ نتج من قبل ّ‬
‫مسب ٍب‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫معقد‬ ‫عندما يكون‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫عوضا عن القول بأنه كان نتيجة للعمليات الطبيعية‪ .1‬فالتعقيد املتخصص نظام ال يكتفي‬ ‫ّ‬
‫ذكي‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بالتعقيد العشوائي بل بتخصص التعقيد ألداء أدوار ومهام محددة ‪ 2،‬ومثاله املعلومات املتخصصة في‬
‫جزيء الدي أن إيه املتصفة بالتعقيد والتخصص في الوقت ذاته‪.‬‬

‫املحدد الرابع‪ :‬التعقيد غير القابل لالختزال‪ complexity Irreducible ‬لألنظمة‪:‬‬


‫ّ‬
‫املبني من مجموعة من األركان أو العناصر‪ ،‬بحيث أن كل‬ ‫ومن محددات األنظمة الذكية‪ :‬النظام‬
‫ً‬
‫غرضا َ‬ ‫َ‬
‫وظيفة ركن َ‬
‫آخر‪ ،‬وألجل قيام الجزء بوظيفته أو‬ ‫آخر يؤدي‬ ‫ٍ‬ ‫واحد منها يؤدي غرضا يؤازر‬
‫ارتباطه بغيره‪ ،‬قد يستلزم أن يعدل في صفاته وخصائصه وشكله‪ ،‬أو أن يحتاج لهندسة طريقة‬
‫االرتباط تلك‪ ،‬فيحصل االرتباط في نقاط اتصال معينة ال تصلح تلك األنظمة إال بذلك النوع‬
‫املحدد من االرتباط شكال وموقعا‪ ،‬وخصائص‪ ،‬وفي املجموع كل عناصر هذا النظام تؤدي غرضا‬
‫معينا دقيقا‪ ،‬بحيث لو أزلت أي ركن منها أو أي عضو‪ ،‬يفسد النظام العام‪ ،‬وال يؤدي الغرض الذي‬
‫ألجله وضع! أو تقل كفاءته‪ ،‬وكل ركن أو عضو منه إذا وجد وحده لم يؤد الغرض أو الغاية أو‬
‫الهدف الذي يقوم به في ذلك النظام‪ ،‬فال بد إذن أن تجتمع كل العناصر معا في نفس الوقت وفي‬

‫‪1‬‬
‫>‪Dembski. "Intelligent Design", p. 47 < https://billdembski.com/documents/2003.08.Encyc_of_Relig.htm‬‬
‫‪ 2‬أنظر تفصيالت أكثر للموضوع في باب‪ :‬كيف يدل التصميم الذكي الحكيم على إثبات وجود الخالق؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تصميم ذكي يضع وظيفة وارتباطا لكل واحد منها مع اآلخر بشكل منظم دقيق‪ ،‬هذا هو التصميم‬
‫الذكي الغائي‪( .3‬وهذا ما يطلق عليه مايكل بيهي‪ :‬التعقيد غير القابل لالختزال‪complexity Irreduci ‬‬
‫‪ ble‬لألنظمة)‪.‬‬

‫وهناك محددان آخران تجدهما في كتابي نظرية املعرفة لم أذكرهما لالختصار‪.‬‬

‫فهذا مثال يبين لنا كيفية استثمار الدليل من االنتظام الذي نراه‪ ،‬حتى ندلل فيه على أنه تصميم‬
‫حكيم احتاج ملصمم حكيم‪.‬‬

‫لذلك أهيب بالجميع أن يدرسوا كتابي‪ :‬نظرية املعرفة‪ ،‬للوقوف على دقة البحث املطلوب‪ ،‬ال‬
‫االكتفاء بأجوبة تقنع العاطفة وال تقنع العقل‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وهناك أنواع أخرى من األدلة مثل دليل االحتياج‪ ،‬واملحدودية‪ ،‬والحدوث‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ولكل منها‬
‫مناهج معينة محددة‪ ،‬ناقشناها في الكتاب املذكور‬

‫فاالستدالل إذن‪ :‬مناهج معرفية منتظمة ال مجرد خطاب عاطفي‬

‫‪#‬ثائر _سالمة_أبو_مالك‬

‫‪ 3‬راجع فصل‪ :‬تعقيد الحياة واألنظمة‪ ،‬دليل على التصميم الذكي الحكيم الغائي‪.‬‬
‫هل صور اآلفاق التي صورها مرقاب جيمس ويب دليل على الخالق سبحانه؟ الجزء الثاني من املقال‬

‫هل تبين لهم (للغرب حين رأوا اآليات في اآلفاق) أنه الحق؟‬

‫في املقال السابق‪ ،‬تناولنا إشكالية تعامل بعض املؤمنين بالخالق سبحانه مع األدلة‪،‬‬

‫وفي هذه املقالة سنركز البحث على جواب السؤال الثاني‪:‬‬

‫هل تبين لعلماء الغرب التجريبيين أنه الحق‪ ،‬وهو الوعد الذي قطعه الحق سبحانه بأنه سيريهم آياته في‬
‫اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق‪،‬‬

‫فما املشكلة التي صرفت عقولهم عن معرفة الحق حين رؤيته ساطعا بهذه الصورة التي ال مثيل لها‪ ،‬مع‬
‫أنهم لفرط ذكائهم وقوة علومهم استطاعوا وضع ذلك املرقاب في ذلك املوقع الفريد من قبة الفلك‬
‫ليرسل هذه الصور بالغة الدقة بالغة الروعة‪،‬‬

‫أدعوك لقراءة املقال واالستمتاع بما فيه من املعلومات‪:‬‬

‫قال الحق سبحانه وتعالى‪Z:‬‬


‫﴿س ُنريه ْم َآيات َنا في اآْل َفاق َوفي َأ ُنفسه ْم َح َّتى َي َت َب َّي َن َل ُه ْم َأ َّن ُه ْال َح ُّق َأ َو َل ْم َي ْكف ب َر ّب َك َأ َّن ُه َع َلى ُك ّل َش ْيء َشه ٌ‬
‫يد﴾‬ ‫َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ 53‬سورة فصلت‪.‬‬

‫كانت األسباب التي تمنع الجاحدين في القديم لآليات البينات التي يرونها بأم العين عن اإليمان تتجمع في‬
‫األنواع األربعة التالية‪:‬‬
‫َ‬
‫النفاق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الجحود‪ ،‬وكفر املعان َد ِة‪[ ،‬واالستكبار]‪ ،‬وكفر‬
‫ِ‬ ‫اإلنكار‪ Z،‬وكفر‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫كفر‬

‫لن نتناول في هذا املقال هذه األنواع‪ ،‬بل سننظر لها من زاوية الصندوق املعرفي‪ Z‬الذي وضع الغرب فيه‬
‫"نظرية املعرفة" و "املنهج العلمي الحسي التجريبي" وكيف حال بينهم وبين ربط نتائج أبحاثهم وتجاربهم‬
‫باملنهج العقلي االستداللي‪.‬‬

‫املشكلة األولى‪ :‬اختلط على رواد املنهج العلمي مفهوم الغائية بمفهوم الغاية ونتج عن الخلط بينهما نفي‬
‫الغائية بحجة عدم وجود وسيلة للربط بين الغاية وبين السببية‪ ،‬فمثال ملاذا يستمر هنود الهوبي في أداء‬
‫طقوس االستسقاء رغم أنها في العادة ال تفضي إلى النتائج املرجوة؟ السبب هو توظيف هذه الطقوس‬
‫في تعزيز التماسك االجتماعي عبر خلق مناسبات للمساهمة في أنظمة مشتركة‪ ،‬األمر الالزم لبقاء وحدة‬
‫الجماعة ورفاهة‪ Z‬أعضائها‪،‬‬

‫إذن‪ :‬ال رابط بين الغاية وبين التفسير العلمي‪ ،‬لذلك قالوا‪ :‬الحل أن نستثني الغايات من البحث‬

‫ولكن الغائية ليست هي الغايات‪ ،‬بل الغائية هي العلة الباعثة على التصميم‪ ،‬بمعنى أنك حين تحس‬
‫بالبرد تقوم بإشعال النار للتدفئة‪ ،‬فالتدفئة هي الغاية‪ ،‬وقد يكون إلشعالك النار غايات أخرى‪ ،‬لكن‬
‫العلة الغائية هي البرد وهي الباعث على الفعل‪،‬‬

‫وباملثل حين تصمم البيت فإن العلة الغائية تدفعك الختيارات محددة من بين خيارات كثيرة ممكنة‪،‬‬
‫فالرابط محكم بين التصميم وبين العلة الغائية‪ ،‬لذلك كان الخلط بين الغايات وبين العلة الغائية‬
‫خطيئة فكرية كبيرة أوصلت الستثناء الربط بين املنهج العلمي وبين الغائية التي تفضي للربط بين‬
‫الفعل السببي وبين الفاعل‪.‬‬

‫العال ِم من ربط األسباب باملسببات وبالغائية‪ ،‬وأغلق عليه الصندوق املعرفي عند‬
‫نتج عن ذلك‪ :‬منع ِ‬
‫حدود التجربة‪ ،‬أو عند حدود ما يقع الحس عليه فقط!‬

‫من هنا‪ ،‬بدال من أن يقولوا‪ :‬وظائف الكلية التخلص من البول‪ ،‬قالوا‪ :‬الكلية جهاز‪ Z‬يقوم بالتخلص من‬
‫البول‪.‬‬

‫كلمة وظائف توحي بتصميم‪ ،‬لذلك يحاولون تجنبها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬قصر املعرفة واملوجودات على ما يقع الحس عليه فقط‪ ،‬واستثناء الغيب جملة وتفصيال من‬
‫البحث العلمي‪ ،‬وهذه خطيئة معرفية أسوأ من سابقتها‪،‬‬

‫يقول األستاذ عباس العقاد في كتابه "هللا" ص ‪" :51-49‬وقد كان للحاسة الدينية فضل اإلنقاذ من هذه‬
‫الجهالة الحيوانية‬

‫[يعني جهالة قصر املوجودات على املحسوس فقط‪ ،‬باالدعاء أن كل ما هو منظور أو ملموس أو مسموع‬
‫فهو واقع ال شك فيه‪ ،‬وكل ما خفي على النظر فهو واملعدوم سواء]‪،‬‬

‫ألنها جعلت عالم الخفاء مستقر وجود‪ ،‬ولم تتركه مستقر فناء‪،‬‬

‫فتعلم اإلنسان أن يؤمن بوجود شيء ال يراه وال يلمسه بيديه‪،‬‬


‫وكان هذا فتحا علميا‪،‬‬

‫لم ينحصر في عالم التدين واالعتقاد‪،‬‬

‫ألنه وسع آفاق الوجود وفتح البصيرة للبحث عنه في عالم غير عالم املحسوسات وامللموسات‪،‬‬

‫ولو ظل اإلنسان ينكر كل شيء ال يحسه ملا خسر بذلك الديانات وحدها‪Z،‬‬

‫بل خسر معها العلوم واملعارف وقيم اآلداب واألخالق‪....‬‬

‫ويجيء املاديون في الزمن األخير فيحسبون أنهم جماعة تقدم وإصالح للعقول وتقويم ملبادئ التفكير‪،‬‬

‫والواقع أنهم في إنكارهم كل ما عدا املادة يرجعون القهقرى إلى أعرق عصور في القدم‪،‬‬

‫ليقولوا للناس مرة أخرى إن املوجود هو املحسوس‬

‫وإن املعدوم في األنظار واألسماع معدوم كذلك في ظاهر الوجود وخافيه‪Z،‬‬

‫وكل ما بينهم وهمج البداءة من الفرق في هذا الخطأ‪ ،‬أن حسهم الحديث يلبس النظارة ويضع املسماع‬
‫على أذنيه‪ .".‬انتهى مختصرا‬

‫"قال أينشتاين عن الوضعية "أنا لست وضعيا‪ .4‬تقول الوضعية بأن ما ال يمكن مالحظته غير موجود‪.‬‬
‫هذا املفهوم ال يمكن الدفاع عنه بشكل علمي‪ ،‬حيث أنه من املستحيل إعطاء إثباتات قاطعة ملا يمكن أو‬
‫ال يمكن للناس مالحظته‪ Z.‬يمكن للمرء أن يقول "املوجود هو ما نالحظه فقط"‪ ،‬لكن ذلك خطأ واضح"‬

‫يعترض محاولة إرجاع جميع مفاهيم التصور البشري إلى الحس والتجربة إشكالية ضخمة تتضح عند‬
‫دراسة عدة من مفاهيم الذهن البشري كاملفاهيم‪ Z‬التالية‪ :‬العلة واملعلول‪ ،‬اإلمكان والوجوب‪ ،‬الوحدة‬
‫والكثرة‪ ،‬الوجود والعدم‪ ،‬وما إلى ذلك من مفاهيم وتصورات‪،‬‬

‫فهذه مفاهيم عقلية تقوم على أساس الربط الذهني ال الحسي‪ ،‬وال يستطيع ‪-‬حتى العالم التجريبي‪-‬‬
‫االستغناء عنها‪ ،‬فهو حين يدرس ظاهرة ما في املختبر‪ ،‬سيرى مجموعة من املشاهدات أو الظواهر‬
‫املتعاقبة‪ Z،‬لكن حتى يستدل بأن إحدى هذه الظواهر كان سببا في التأثير في املادة املبحوثة حتى أوصلتها‬
‫للظاهرة الثانية (مثال أن الحرارة تسببت في تحويل املاء من السيولة للبخار) فإن هذا التأثير هو بحث‬
‫عقلي غير حسي‪.‬‬
‫‪ 4‬الوضعيون‪ :‬أصحاب االتجاه الذي يقرأ في عالم الفيزياء صورة عاملنا الحسي‪ ،‬مثل‪ :‬حركة فينا‪ ،‬وسيرد تفصيلها الحقا‪.‬‬
‫واالستغناء عنه يعني االنتحار العلمي‪ ،‬فال يمكن حينها إعطاء أي تفسير ألي تجربة‪.‬‬

‫إهمال ما استقر من املنهج االستقرائي الذي نتج عنه تركز مفاهيم بدهية في العقل‬

‫مثل أن لكل فعل فاعل‪ ،‬أو بطالن الرجحان من غير مرجح‪ ،‬ومفهوم السببية‪،‬‬

‫وهذه املفاهيم التي تتركز في العقل يتم استعمالها لتفسير الظواهر والستنباط أو تفسير نتائج‬
‫التجارب!‬

‫فهي نتاج الطريقة العقلية في التفكير ال الطريقة العلمية!‬

‫وكون هذه األفكار الناتجة عن الطريقة العقلية تستعمل في االستنتاج واالستنباط خالل التجارب‬
‫العلمية‪،‬‬

‫فإن العلماء التجريبيين الحسيين ال يمكن لهم أن يمنعونا من استعمالها في استنباط واستنتاج‬
‫وجود الصانع من إحكام الصنعة‪.‬‬

‫واملنهج الحسي‬ ‫أ‪-‬‬

‫ال يستطيع إثبات السببية العامة‪ ،‬أي أن لكل ظاهرة سببا‪ ،‬وبالتالي‪ Z‬إحالة تفسير الظواهر‬ ‫‪)1‬‬
‫التي في املختبر إلى عالتها وأسبابها‪ ،‬فتقول الحديد يتمدد بالحرارة‪ ،‬فالحرارة سبب في‬
‫حصول هذا التمدد‪ ،‬فهذا يفترض استدالل العلم على السببية أوال‪ ،‬وهو ما يحتاج إلى‬
‫استقراء كامل لكل ظواهر الطبيعة واستنباط العالقة السببية أو التالزم‪ ،‬لنربط األسباب‬
‫بمسبباتها‪ Z‬وفقا لقانون السببية العام‪،‬‬

‫ومن ثم استعماله لتفسير نتيجة التجارب‪ ،‬أي لتخصيص سبب من األسباب لتفسير‬ ‫‪)2‬‬
‫الظاهرة املبحوثة دون غيره من األسباب‪،‬‬

‫وأيضا لنفي إمكانية عدم قدرة هذا السبب في حاالت أخرى أو في املستقبل بأن ينتج عنه‬ ‫‪)3‬‬
‫املسبب‪ ،‬فهذه ثالث مشاكل تواجه الطريقة العلمية في البحث‪.‬‬

‫وهذا كله ليس في مستطاع الطريقة العلمية في التفكير عمله أو إثباته أو البرهنة عليه‪ ،‬وال يمكن أن يتم‬
‫في املختبر! وهذا يعيد العلماء التجريبيين للمربع األول‪ ،‬فيشاهدون‪ Z‬مشاهدتين‪ ،‬وال يمكنهم استنتاج‬
‫الرابط بينهما أي أن إحداهما تسببت في حدوث األخرى!‬
‫يتبع في مقال ثالث إن شاء هللا تعالى‬

You might also like