Professional Documents
Culture Documents
دصارلا ةلجم مولعلا تاساردل ةيعامتجلاا The Observer Journal for Social Studies Sciences (:دلجملا 2) (:ددعلا 01) 2022
دصارلا ةلجم مولعلا تاساردل ةيعامتجلاا The Observer Journal for Social Studies Sciences (:دلجملا 2) (:ددعلا 01) 2022
شميسة خلوي *
Abstract :
Mental health is as important as physical health, since the soul is the
opposite part of the body, they interact with each other and permanently
influence one another to form together a distinct unit. Mental health is
the point of balance in a person and its life. In return, God has blessed
us with a religion that corresponds to the natural instinct and that
addresses all aspects of life, including physical and mental health. we
aim in this research to address the subject of the human soul and the
aspects of the mental health from an Islamic perspective.
Keywords: Human soul; health; Islam; the individual; society.
-1مقدمة:
ومما ال ْريب فيه لكل ذي َّإننا ال نحص ي ما أسبغ هللا علينا من نعم ظاهرة وباطنةَّ ،
النعم العظيمة التي أنعم هللا بها علينا ،والتي لفت عقل لبيب أن نعمة الصحة والعافية من ِّ
ونتأمل َّ َّ
هللا سبحانه وتعالى أنظارنا إليها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ،لنتفكر َّ
ونتدبر ثم
أقل عباد هللا الشاكرين! نعتبر ،وما أكثر نعم هللا علينا وما َّ
َ َّ
وإن من جوامع ك ِّلم نبينا عليه صلوات من ربي وسالم قوله عن ابن عباس رض ي هللا
َّ ُ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ٌ َ َ ٌ َ َّ
الف َراغ» (البخاري م ،2002 ،.صفحة الصحة و اسِّ : عنهماِّ « :نعمت ِّان مغبون ِّف ِّيهما ك ِّثير ِّمن الن ِّ
)88
بالذكر على وقد دل تخصيص رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم هاتين النعمتين ِّ َّ
ْ ْ
قدر إلفنا لنعمة املنعم ،تكون غفلتنا عنها! عظيم فضلهما ،وكم ِّألفنا نعمة الصحة ،وعلى
ُ يقول وهب بن منبه في معنى جميل« :رؤوس النعم ثالثة؛ َّ
اإلسالم التي ال
ِّ فأولها :نعمة ِّ
ُ ُ ُ تتم ُ ُّ
تطيب الحياة إال بها ،والثالثة :نعمة الغنى التي نعمه إال بها ،والثانية :نعمة العافية التي ال
العيش إال به» (ابن القيم ،1994 ،صفحة ،)45فعافية البدن إذن بها نعبد هللا ُ ال ُّ
يتم
ونتقرب إليه ونسعى في األرض لكسب القوت ،وسالمة النفس من العوارض واالضطرابات َّ
تجعلنا ننعم بحياتنا ونسعد بأوقاتنا دون منغصات.
واإلنسان يعيش في دار الدنيا بين منح ومحن ،بين سعادة وفرح ،وامتحانات
ونتذوق مرارة األلم واملرض حينا آخر ،ولعل َمن َّ وابتالءات ،لذلك ننعم بحالوة العافية حينا
َّ
ُسلب تاج نعمة عافية البدن أو النفس وترادفت عليه األسقام يدرك حقا نعمة الصحة
ُ
واملعافاة!
وتأسيسا على ما سبق ،نحاول البحث في ماهية النفس اإلنسانية من الناحية
اإلسالمية ،وفي مظاهرها التي نص عليها القرآن أو أشارت إليها السنة النبوية الشريفة ،فإن
وقعنا على هذا االهتمام ،حينها نتساءل :ما مدلول النفس اإلنسانية وأنواعها في التصور
اإلسالمي؟ وما مظاهر الصحة النفسية من منظور إسالمي؟
إذن ،الهدف الرئيس من بحثنا هو لفت انتباه القارئ إلى وجود اهتمام إسالمي
بالنفس اإلنسانية ،ونتبع املنهج الوصفي لبسط الحديث عن هذا االهتمام مستندين إلى ما
ورد بهذا الخصوص في الكتاب هللا وسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
-2الصحة النفسية (سؤال املصطلح)
إن الصحة هي «الحركة التي تهدف إلى حماية الناس من االضطرابات وحفظ صحتهم
وتقديم كل ما يمكن أن يسهم في هذا السبيل» (كفافي و جابر ،1988 ،صفحة .)1495
وللصحة ثالثة عناصر هي «البدني والنفس ي واالجتماعي ،وهذه العناصر تتكامل مع
بعضها البعض ،فإذا ساء أي عنصر ال تكون الحالة الصحية جيدة» (أيمن املزاهرة،2007 ،
صفحة ، )14مما يدل على ضرورة االهتمام بكل عنصر واالعتناء بسالمته.
فمعلوم إذن ِّاتفاق األطباء على تحديد مفهوم دقيق للصحة البدنية وذلك في حالة
محدد ومتفق عليهعدم وجود أعراض مرضية ،لكن األمر يختلف إذا ما بحثنا عن تعريف َّ
للصحة النفسية ،بحيث تباينت وجهات النظر للمختصين في علم النفس مدركين أن
الصحة النفسية «مفهوم ثقافي نسبي ،فهو غير ثابت وأنه يتأثر بالبيئة االجتماعية والثقافية
التي يعيشها الفرد» (الخالدي ،2002 ،صفحة .)25
لكننا ال نختلف على أن الصحة النفسية هي ميزان التوازن في حياة الفرد ،بحيث ِّ
تعبر
ُ
لو اإلنسان من أعراض األمراض العقلية أو النفسية ،والحاجة إلى بلوغ درجة االرتياح عن خ ِّ
النفس ي.
وحسب منظمة الصحة العاملية فإن الصحة النفسية «ليست مجرد غياب
االضطرابات النفسية ،بل هي حالة من العافية يستطيع فيها كل فرد إدراك إمكاناته الخاصة
والتكيف مع حاالت التوتر العادية والعمل بشكل منتج ومفيد واإلسهام في مجتمعه املحلي»
(املوقع الرسمي للمنظمة العاملية للصحة.)2010 ،
خصصت املنظمة العاملية للصحة ونظرا ألهمية هذا الجانب في حياة اإلنسان فقد َّ
حدد بـ 10 :أكتوبر من كل سنة بغية نشر الوعي العام بقضايا يوما عامليا للصحة النفسيةِّ ،
الصحة النفسية ،وايجاد حلول ملشاكل العصر التي تتقاذف نفسية اإلنسان وتكدرها.
كما انبثقت سنة 1940منظمة دولية للصحة النفسية تحت مسمى االتحاد العاملي
للصحة النفسية ( ،)World Federation for Mental Healthالذي ُيعنى بالقضايا التي
تندرج ضمن اإلطار النفس ي ،مما يدل على ما يشغله هذا الجانب من تكوين اإلنسان من
اهتمام ضمن أولويات العناية بالصحة على وجه عام.
-3مفهوم الصحة البدينة والصحة النفسية في اإلسالم
الدواء واألخذ ِّ املتمثل في تعاطي بسط اإلسالم الحديث عن الطب العالجي لقد َ
ِّ
َ َ َ ْ َ َ َّ
الشفاء ،فعن أسامة بن شريك أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال« :تداووا ِّعباد ِّ
َّللا، بأسباب ِّ
َ َ َ َ َّ َّ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ َ ْ َ ً َّ َ َ َ َ َ ُ َ ً َّ ْ
ف ِّإن َّللا سبحانه لم يضع داء ِّإال وضع معه ِّشفاءِّ ،إال الهرم» (ابن ماجة ،2009 ،صفحة .)4
ولقد جعل هللا أسبابا هي شفاء السقيمَّ ،نبهنا إليها الحبيب املصطفى صلى هللا عليه
القسط (العود الهندي) وسلم ،مثل العسل والحبة السوداء وأعواد السواك (األ اك) و ُ
ر ِّ
الحجامة واستعمال املاء لعالج الحمى وألبان اإلبل الكي و ِّالع ْجوة والتلبينة و ُّ
الصبر و َ
َّ َْ
والكمأة و ِّ
وأبوالها والرقية الشرعية (خلوي.)2014 ،
رغب اإلسالم في حفظ الصحة الجسدية ،عن أبي هريرة ،قال قال رسول َّ
وبالتالي فقد
َّ َ َّ ُّ ُ
هللا صلى هللا عليه وسلم« :املؤمن القو ُّي ٌ
عيف» (مسلم، املؤمن الض ِِّّ َّللا من وأحب إلى ِّ خير
ُ
صفحة ،)2052والقوة هي قوة البدن التي تعين صاحبها على العمل الصالح –ناهيك عن قوة
اإليمان والطاعة وغيرها.-
َّ
وللنفس مكانتها أيضا ضمن الخطاب الرباني والنبوي ،وهي التي «يتكون منها العقل
والتمييز واإلحساس والغرائز وما إلى ذلك من تكوينات غير عضوية» (عاطف الزين ،صفحة
َ ،)127ولنا إشارات وإرشادات وتنبيهات من َّ
النبع الكريم ،ن ْب ِّع القرآن العظيم ،الذي ال َيأتيه
َّ
النبوية َّ
بالسنة حميد ،واالسترشاد يل من حكيم الباطل من بين يديه وال من خلفه ،تنز ٌ
ٍ
قلب النبي صلى هللا عليه وسلم، قلبِّ ،املطهرة التي نزلت على أطهر ٍ
وعليه ،أولى العلماء من املسلمين الصحة النفسية اهتماما في دراساتهم ،ولعل من
أشمل التعاريف التي وقفت عندها تحديدا للصحة النفسية هي« :أن يعيش اإلنسان على
فطرته في قرب من هللا وسالم مع الناس ،ووئام مع النفس ،وسالمة في الجسد ،ونجاح في
الحياة» (عودة و كمال ،1994 ،صفحة .)64
وما نعتقده هو إن «معرفة النفس اإلنسانية ال تستقيم إال بفهم دقيق للتصورُّ
للشخصية السوية اإلسالمي لإلنسان ،والوقوف على وجهة نظر اإلسالم في العوامل املكونة َّ
ِّ
والصحة النفسية ،أو أسباب أمراض النفس ،وما ينجم عنها من سلوك منحرف يخالف
منهج الحياة» (عاطف الزين ،صفحة ،)76لكن ليس علينا أن نعتبر القرآن الكريم يحتوي
توصل إليها اإلنسان أو نؤمن بنظرية علمية رفضها القرآن صراحة على جميع العلوم التي َّ
الكريم.
وعن ثنائية الدين وعلم النفس يمكن القول أن «الدراسة النفسية للعقيدة ال
التدين تضيف إليها شيئا بينما هي تضيف الكثير إلى العلوم النفسية إذ إنها تبحث في أسباب ُّ
ولزومه ،ونالحظ أن اهتمام العقيدة والعلوم النفسية باإلنسان اهتمام متبادل قديم»
(جمال أبو دلو ،2009 ،،صفحة .)139
-4النفس من وجهة نظرإسالمية (أنواعها ،مكوناتها)
2.4أنواع النفس اإلنسانية
ُ
لقد ذكرت أنواع ثالثة للنفس في القرآن الكريم ،على أنها ليست نفوسا منفصلة،
َّ وإنما هي نفس واحدة َّ
تعددت أحوالها واملتمثلة في :النفس َّ
األمارة بالسوء ،والنفس اللوامة،
والنفس املطمئنة.
والنفس «قد تكون تارة َّأمارة ،وتارة لوامة ،وتارة مطمئنة ،بل في اليوم الواحد
والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا ،والحكم للغالب عليها من أحوالها» (ابن القيم،
صفحة )78
فاألمارة بالسوء :هي التي تأمر صاحبها بما تهواه مما كان حراما ،وقد ذكرت في القرآن َّ
يم (:53[ »)53 ور َر ِّح ٌ وء إ َّال َما َر ِّح َم َربي إ َّن َربي َغ ُف ٌ َّ َّ ْ َ َ َ َّ َ ٌ ُّ
ِّ ِّ ِّ الكريم في قوله تعالىِّ « :إن النفس ألمارة ِّبالس ِّ ِّ
يوسف].
َّ
وأما اللوامة :فهي التي تلوم صاحبها بعد ارتكاب املعاص ي والذنوب وعلى التفريط
ْ َ ُْ
والخطأ والزالت ،فتلوم نفسها ،وقد أقسم هللا تعالى بها في قوله تعالى« :ال أق ِّس ُم ِّب َي ْو ِّم ال ِّق َي َام ِّة
س الل َّو َام ِّة ( :2-1[ »)2القيامة]
َّ
ف (َ )1وَال ُأ ْقس ُم ب َّ
الن ْ
ِّ ِّ ِّ
في حين إن النفس املطمئنة هي التي سكنت إلى ربها بطاعة أوامره والخضوع ألحكامه،
َ ُ ً َ َ َ ً َ َ َّ ُ َ َّ ْ ُ ْ ُ ْ َ َّ ُ
اض َية َم ْر ِّض َّية ( )28ف ْادخ ِّلي ِّفي س املطم ِّئنة (ْ )27ار ِّج ِّعي ِّإلى رِّب ِّك ر ِّ يقول تعالى« :يا أيتها النف
ُ
ِّع َب ِّادي (َ )29و ْادخ ِّلي َج َّن ِّتي ( :30-27[ »)30الفجر] ،هذه النفس التي تعتبر مقصدا لكل
مسلم ،ليخرج من الصراع النفس ي الذي يحاصره في هذه الدنيا.
وقد َّزود الخالق نفس اإلنسان باستعدادات متساوية للخير والشر ،وجعل صاحبها
ور َها قادرا على التمييز بين السبيلين ،يقول عز وجلَ « :و َن ْفس َو َما َس َّو َاها (َ )7ف َأ ْل َه َم َها ُف ُج َ
ٍ
اب َم ْن َد َّس َاها ( :10-7[ »)10الشمس] َو َت ْق َو َاها (َ )8ق ْد َأ ْف َل َح َم ْن َز َّك َاها (َ )9و َق ْد َخ َ
ثم إن كثيرا من صفات النفس ذكرها القرآن الكريم ،إذ إن اإلنسان تنتابه كثير من
األعراض النفسية ،كالقلق واالكتئاب واليأس ،حياته مليئة باملخاوف والصراعات الداخلية
واالضطرابات الشخصية ،وصفات أخرى سنذكر منها للتمثيل ال الحصر ،حيث يمكن
الرجوع لتفاسير القرآن الكريم للوقوف على معاني اآليات ،كتفسير ابن كثير وغيره.
فاإلنسان إن أنعم هللا عليه نعمة من صحة وأمن وغيرهما ،وما أكثر نعم هللا ! ثم
ُ ُ ُ َّ َ ُ ُ َ
سلبها هللا منه ،فإنه لشديد اليأس من رحمة هللا«َ :و ُه َو ال ِّذي أ ْح َياك ْم ث َّم ُي ِّم ُيتك ْم ث َّم ُي ْح ِّييك ْم
ور ( :30-27[ »)66الفجر] ان َل َك ُف ٌ
إ َّن ْاإل ْن َس َ
ِّ ِّ
َ ْ َ ُ ُّ ْ َ َ َّ َ
َّللا ال واإلنسان كثير الظلم لنفسه ،كثير الجحود لنعم ربه« :و ِّإن تعدوا ِّنعمت ِّ
ُ ْ ُ َ َّ ْ ْ َ َ َ َ ُ ٌ َ
وم ك َّف ٌار ( :34[ »)34إبراهيم] . اإلنسان لظل تحصوها ِّإن ِّ
ويغتر ويصبح شديد الخصومة والجدال لربه في إنكار البعث وغير ْ
واإلنسان َيقوى ُّ
ان ِّم ْن ((خ َل َق ْاإل ْن َس َ َ
ذلك ،وهللا قد خلقه من ماء مهين ،ونس ي هللا الذي خلقه من العدم،
ِّ
ََ َ ْ ْ َ ُ َََْ َ ْ َ ًَ ُ َْ َ َ ُ َ َ ٌ ُ ٌ
اإلنسان أكثر ش ي ٍء جدال (-27[ »)54 نطف ٍة ف ِّإذا هو خ ِّصيم م ِّبين ( :04[ )))4النحل]« ،وكان ِّ
:30الفجر].
َ ُ َ َّ
واإلنسان جحود ملا ظهر من اآليات الدالة على قدرة هللا ووحدانيته« ،وهو ال ِّذي
ان َل َك ُف ٌ يك ْم إ َّن ْاإل ْن َس َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ ُ ُ ُ ْ ُ َّ ُ ْ ُ
ور ( :66[ »)66الحج] أحياكم ثم ي ِّميتكم ثم يح ِّي ِّ ِّ
وعا (:19[ »)19 ان ُخل َق َه ُل ً يتخبطه الجزع والخوف الشديد «إ َّن ْاإل ْن َس َ واإلنسان َّ
ِّ ِّ ِّ
املعارج]
َْ َ َّ َّ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ
اإلنسان ليطغى ( )6أن واإلنسان طاغ ،يتجاوز حدود هللا إذا أبطره الغنى« ،كال ِّإن ِّ
َ ُ ْ ْ
اس َتغ َنى ( :06[ »)7العلق] رآه
ُ ْ ْ َ ُ
اإلن َسان ِّم ْن َع َج ٍل (»)37 واإلنسان عجول ،يبادر األشياء ويستعجل وقوعها« ،خ ِّلق ِّ
[ :37األنبياء].
ومن عجلته وجهله أنه يدعو أحيانا على نفسه أو ولده أو ماله بالشر ،وذلك عند ً
الغضب ،مثل ما يدعو بالخير ،ومن رحمة هللا به أنه يستجيب له في دعائه بالخير دون الشر،
انان ْاإل ْن َس ُ ألنه يعلم منه عدم القصد إلى إ ادة ذلكَ « ،و َي ْد ُع ْ ْ َ ُ َّ ُ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ
اإلنسان ِّبالش ِّر دعاءه ِّبالخي ِّر وك ِّ ِّ ر
ً
َع ُجوال ( :11[ »)11اإلسراء].
ف َع ْن ُك ْم َو ُخل َق ْاإل ْن َس ُ ُ ُ َّ ُ َ ْ ُ َ َ
ض ِّع ًيفا (»)28 ان َ
ِّ ِّ واإلنسان بطبعه ضعيف« ،ي ِّريد َّللا أن يخ ِّف
[ :28النساء]
َ َ ُ َ ْ َ َ ُ
واإلنسان بخيل بما في يده إال َمن عصم هللا باإليمان« ،ق ْل ل ْو أن ُت ْم ت ْم ِّلكون خ َزا ِّئ َن
ورا ( :100[ »)100اإلسراء] . ان َق ُت ً ان ْاإل ْن َس ُ َ ْح َمة َ بي إ ًذا َ َأل ْم َس ْك ُت ْم َخ ْش َي َة ْ ْ َ َ َ َ
اإلنف ِّاق وك ِّ ِّ ر ِّ رِّ ِّ
ومثلما نجد املسلم –كغيره -يحرص على ايجاد طبيب ُيحسن تشخيص حالته
ً ً
الجسدية إذا مرض ُويجيد اختيار الدواء املناسب لدائه نوعا وكما وتوقيتا ،فإنه يبحث عن
السقم النفس ي ،ويعتبر تحقيق الصحة النفسية غاية علم يتعهده ُّ الدواء النفس ي حين َّ
تعد ركاز الصحة النفسية في اإلسالم، النفس ومراده ،ولن يكون ذلك إال باالتكاء على أركان ُّ
ِّ
وتعد أيضا مالمح شخصية الفرد املسلم.
ولنوضح أكثر هذه النقطة الحساسة في مسار بحثنا عن الصحة النفسية في اإلسالم
فإننا نبدأ من الحديث عن كون اإلنسان عموما يولد على الفطرة التي طبعه هللا عليها ،خال َّ
اسالن َمن أي اكتساب مصداقا لقوله تعالىَ « :ف َأق ْم َو ْج َه َك للدين َحن ًيفا ف ْط َر َت ََّّللا َّالتي َف َط َر َّ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ُ ْ َ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ نَ يل ل َخ ْلق َّ َ َ ََ َ َ
اس ال يعلمو ( :30[ »)30الروم] الدين الق ِّيم ول ِّكن أكثر الن ِّ َّللا ذ ِّلك ِّ عل ْي َها ال ت ْب ِّد َ ِّ ِّ ِّ
َ ْ َ ْ ُ َّ َ َ
ود ِّإال ُيول ُد َعلى
وكما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال« :ما ِّمن مول ٍ
ً َ َ َُْ ُ َ ُ َ َ ْ ََ
َ
الب ِّه َيمة َب ِّه َيمة َج ْم َعا َء ،ه ْل الفط َر ِّة ،فأ َب َو ُاه ُي َه ِّو َدا ِّن ِّه أ ْو ُي َن ِّص َرا ِّن ِّه ،أ ْو ُي َم ِّج َسا ِّن ِّه ،كما تنتجِّ
َ ْ َ ْ َ ُ
ت ِّح ُّسون ِّف َيها ِّمن جدع َاء» (البخاري م ،2002 ،.صفحة .)94
وبطبيعة الحال فإن فطرة اإلنسان وطبيعته هي مجموع غرائز تترجمها مظاهر على
شكل انفعاالت ،هذه الغرائز التي ال تعدو أن تكون ثالث :غريزة حب البقاء وغريزة حفظ
النوع وغريزة التدين (عاطف الزين ،صفحة ،)154إضافة إلى الحاجات العضوية املختلفة
كحاجة اإلنسان إلى األكل والشرب والراحة والنوم وغير ذلك.
تقنن َّ َّ
وتوجه فقد يؤذي بها اإلنسان إذن ،وبالحديث عن املظاهر الغريزية فإن لم
ويعرض نفسه إلى اضطرابات نفسية ،ومن هذا املنطلق كان لإلسالم موقفا من نفسه وغيرهِّ ،
َّ
مكونات النفس اإلنسانية التي يجب أن ُيراعى فيها كل املوضوع ،ولعلنا نذكر في هذا الباب ِّ
فيعمل بما هو مرغوب فيه ويبتعد عما هو مخالف ومنهي عنه من منظور إسالمي، جانبُ ،
والتي بها يتحقق التوازن النفس ي وتتم بها السعادة الحقيقية.
3.4مكونات النفس اإلنسانية وضرورة ضبطها لضمان الصحة النفسية
مكونات (عودة و كمال ،1994 ،صفحة ،)64وهي: تشتمل النفس اإلنسانية على أربع ِّ
الجانب الروحي والجانب النفس ي والجانب االجتماعي والجانب البيولوجي ،وكلها مذكورة في
ديننا ،يطول الحديث عن كل عنصر فيها ،لذلك نذكر من كل جانب مثاال واحدا:
فأما الجانب الروحي فيتمثل في اإليمان باهلل وأداء العبادات ،والقبول بقضاء هللا
وقدره ،واإلحساس الدائم بالقرب من هللا ،واملداومة على ذكر هللا.
فعن ذكر هللا –مثال -يقول عز وجل في آية صريحة تبين أن هللا يهدي الذين تسكن
قلوبهم بتوحيد هللا وذكره فتطمئن ،أال بطاعة هللا وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس:
َّ َ َ ُ َ َ ْ َ ُّ ُ ُ ُ ُ ْ ْ َّ َ َ ْ َّ
َّللا َت ْط َم ِّئ ُّن ْال ُق ُل ُ
وب ( :28[ »)28الرعد] َّللا أال ِّب ِّذك ِّر ِّ
«ال ِّذين آمنوا وتطم ِّئن قلوبهم ِّب ِّذك ِّر ِّ
ْ ُ َ َ َّ
«مث ُل ال ِّذي َيذك ُر وعن أبي موس ى رض ي هللا عنه ،قال :قال النبي صلى هللا عليه وسلم:
َ َ ْ ُ ُ َ َّ ُ َ َ ُ َ َ َّ
الح ِّي َوامل ِّي ِّت» (البخاري ،2002 ،صفحة .)86 َرَّب ُه َوال ِّذي ال يذكر ربه ،مثل
وأما الجانب النفس ي فيتمحور حول الصدق مع النفس ،وسالمة الصدر من الحقد
والحسد والكره ،وقبول الذات ،والقدرة على تحمل اإلحباط والقلق ،واالبتعاد عما يؤذي
النفس على شاكلة الكبرياء ،والغرور واإلسراف والتقتير والكسل والتشاؤم ،إضافة إلى
التمسك باملبادئ املشروعة واالتزان االنفعالي ،وسعة الصدر ،وضبط النفس ،والطموح،
االعتماد على النفس ،والتفاؤل والبعد عن اليأس والقنوط.
فالترغيب في التفاؤل والبعد عن التطير والتشاؤم –مثال -مما َّربى اإلسالم عليه
طيبة على الفرد ،فليس اليأس وال التطير وال التشاؤم من أتباعه ،ملا للتفاؤل من آثار نفسية ِّ
طبع املؤمن ،ألن املؤمن يحسن الظن باهلل عز وجل ويتوكل عليه ،ويؤمن بقضائه وقدره،
ون ( :87[ »)87يوسف] س م ْن َر ْوح ََّّللا إ َّال ْال َق ْو ُم ْال َكاف ُر َ
ِّ ِِّّ ِّ َّللا إ َّن ُه َال َي ْي َأ ُ
ِّ
ْ َ ْو َّ
ح ر ن م
ِّ واس« َوَال َت ْي َأ ُ
ِّ ِّ ِّ
في حين يرتكز الجانب االجتماعي على حب الوالدين وطاعتهما ،وحب الزوجة واألوالد،
ومساعدة املحتاجين ،واألمانة ،والجرأة في قول الحق ،وكذا الصدق مع اآلخرين وحب العمل
وتحمل املسؤولية االجتماعية ،واالبتعاد عما يؤذي الناس كالكذب والغش والسرقة والزنا
والقتل وشهادة ا لزور وأكل مال اليتيم والخيانة والظلم ،والحقد والحسد والغيبة والنميمة.
فالغيبة والنميمة –مثال -من أمراض القلوب التي يؤذي بها اإلنسان نفسه وغيره،
وعدها كثير من العلماء من الكبائر ،وقد شبه والغيبة محرمة بالكتاب والسنة واإلجماعَّ ،
َ ُ َ ُْ َ َ َ ً
هللا تعالى املغتاب بآكل لحم أخيه ميتا حين قال تعالى« :أ ُي ِّح ُّب أ َح ُدك ْم أ ْن َيأك َل ل ْح َم أ ِّخ ِّيه َم ْي ًتا
يم ( :12[ »)12الحجرات]. اب َر ِّح ٌ َّللا َت َّو ٌ
َّللا إ َّن َّ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ َّ ُ َّ َ
فك ِّرهتموه واتقوا ِّ
وأخيرا الجانب البيولوجي الذي يكون بسالمة الجسم من األمراض ومن العيوب
الخلقية ،وتكوين مفهوم موجب للجسم ،والعناية الصحية به ،وعدم تكليفه إال في حدود
طاقته.
فهذا الجانب وإن كان مستقال عن الصحة النفسية إذا ما رجعنا ألركان الصحة ،إال
أنه يتكامل مع ما ذكرناه من جوانب ،ألن النفس اإلنسانية تسكن جسد اإلنسان ،والذي ال
بد من اتسامه بالسالمة والعافية.
فالصفات املرغوب فيها والتي وقفنا عند أمثلة منها ،على سبيل التمثيل ال الحصر،
من شأنها أن تجعل اإلنسان خارج دائرة االضطرابات النفسية ،فإن زل وأخطأ فما عليه إال
النفس التي تعتبر إحدى طرق معالجة األخطاء أن يعيد حساباته من جديد ،وهنا تكون تزكية َّ
يخفف من وطأة املعصية ويعود للطريق القويم وبالتالي يعالج نفسه التي يرتكبها اإلنسان كي ِّ
النفس إلزامها بطاعة هللا تعالى ،ومنعها من معصيته ومن شهواتها بنفسه ،وطريق تزكية َّ
املحرمة ،ويكون ذلك بمحاسبة النفس. َّ
ولنا في السلف الصالح أمثلة كثيرة عن محاسبة النفس وردعها عن مخالفة األوامر
َّ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ
ان ل ُه الربانية لتعيش بسالم ،فقد كان الحسن البصري يقول«ِّ :إن العبد ال يزال ِّبخي ٍر ما ك
َ ٌ ْ َ ْ َ َ َ ُْ َ َ ُ
اس َبة ِّم ْن ِّه َّم ِّت ِّه» (ابن أبي الدنيا ،1986 ،صفحة .)7 اعظ ِّمن نف ِّس ِّه وكان ِّت املح و ِّ
ً َ َ ْ َ َ ُ َّ
الر ُج ُل تق ًّيا َحتى َيكون لنفسه أش َّد ُم َح َ َ ُ ُ َ
اس َبة ِّم َن ِّ ِّ ِّ ِّ وقال ميمون بن مهران« :ال َيكون َّ
َ َّ
يك ِّلش ِّر ِّيك ِّه» (ابن أبي الدنيا ،1986 ،صفحة .)8 الش ِّر ِّ
َ َ َ َ َّ َ َ َ َّللا َع ْب ًدا َق َ
وقال مالك بن دينار«َ :رح َم َّ ُ
ص ِّاح َبة كذا؟ يس ِّة :أل ْس ِّت ال ِّل َن ْف ِّس ِّه الن ِّف ِّ
ً َ َ َ َ َ ُ َّ َ َّ َ ُ َّ َ َ َ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ ََ ْ
َّللا؛ فكان لها قا ِّئدا» (ابن أبي ألس ِّت ص ِّاحبة كذا؟ ثم ذمها ثم خطمها ،ثم ألزمها ِّكتاب ِّ
الدنيا ،1986 ،صفحة ،)9وما أكثر املواقف التي سجلتها لنا سير الصالحين الذي كانت لهم
نفوس َّلوامة تلومهم عن الخطأ والتقصير ،ولنا فيهم أسوة حسنة.
والبن القيم أيضا نظرة ثاقبة إلى النفس اإلنسانية ومعالجتها ،بحيث ال ننهي الحديث
عن الصحة النفسية في اإلسالم دون اإلشارة إلى مكانته بين الذين أبقوا بصمتهم في هذا
املجال ،ولعل الصحة النفسية هي التي يعنيها ابن القيم بمسمى (الحياة الطيبة) والتي وصفها
بأنها «حياة القلب ونعيمه ،وبهجته وسروره باإليمان ومعرفة هللا ،ومحبته ،واإلنابة إليه،
والتوكل عليه ،فإنه ال حياة أطيب من حياة صاحبها ،وال نعيم فوق نعيمه إال نعيم الجنة»
(ابن القيم ،صفحة .)243
الشفاء، ويقف ابن القيم في كتبه واضعا يده على الداء وواصفا للدواء أو ما يعين على ِّ
مثل ذلك قوله عن تخفيف اآلالم بالكلم الطيب« :وتفريح نفس املريض ،وتطييب قلبه،
وإدخال ما يسره عليه ،له تأثير عجيب في شفاء علته وخفتها ،فإن األرواح والقوى تقوى
بذلك ،فتساعد الطبيعة على دفع املؤذي ،وقد شاهد الناس كثيرا من املرض ى تنتعش قواه
بعيادة من يحبونه ،ويعظمونه ،ورؤيتهم لهم ،ولطفهم بهم ،ومكاملتهم إياهم ،وهذا أحد فوائد
عيادة املرض ى التي تتعلق بهم» (ابن القيم ،صفحة .)87
لخص سعادة القلب في قوله« :ففي القلب شعث ،ال يلمه إال وصدق ابن القيم الذي َّ
اإلقبال على هللا ،وفيه وحشة ،ال يزيلها إال األنس به في خلوته ،وفيه حزن ال يذهبه إال
السرور بمعرفته وصدق معاملته ،وفيه قلق ال يسكنه إال االجتماع عليه ،والفرار منه إليه،
وفيه نيران حسرات ال يطفئها إال الرضا بأمره ونهيه وقضائه ،ومعانقة الصبر على ذلك إلى
وقت لقائه ،وفيه طلب شديد ال يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه ،وفيه فاقة ال يسدها
إال محبته ،واإلنابة إليه ،ودوام ذكره ،وصدق اإلخالص له ،ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد
تلك الفاقة منه أبدا» (ابن القيم ،1994 ،صفحة ،)82فطوبى ملن أقبل على هللا َّ
فتقبله!
.5خاتمة:
َّ
لقد اهتم اإلسالم بالنفس اإلنسانية ودلت على ذلك مؤشرات مختلفة ،رصدنا
مجملها فيما يلي:
-هناك اهتمام إسالمي بالنفس اإلنسانية ،بدليل ما ورد بهذا الخصوص في كتاب هللا
وسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وقد أظهرنا بعض ذلك في بحثنا.
-كثير من صفات النفس ذكرها القرآن الكريم ،وإن معرفتها ال تستقيم إال بفهم
ُّ
للتصور اإلسالمي لإلنسان ،وهذا يحتاج منا وقفات مختلفة. دقيق
-من أجل صحة نفسية متزنة ال بد من ضبط مكونات النفس اإلنسانية ،والتي تمثلت
في الجانب الروحي والجانب النفس ي والجانب االجتماعي والجانب البيولوجي وفق إرشادات
إسالمية.
املراجع:
-ابن أبي الدنيا .)1986( .محاسبة النفس كتب العلمية (اإلصدار ط .)1بيروت ،لبنان :دار
الكتب العلمية.
-ابن القيم .)1994( .زاد املعاد في هدي خير العباد (اإلصدار ط ،27املجلد .)2بيروت:
مؤسسة الرسالة.
-ابن القيم( .بال تاريخ) .الطب النبوي (جزء من كتاب زاد املعاد في هدي خير العباد) .بيروت:
دار الهالل.
-ابن ماجة .)2009( .سنن ابن ماجة (اإلصدار ط ،1املجلد .)5دار الرسالة العاملية .تم
االسترداد من ابن ماجة.
-أديب الخالدي .)2002( .املرجع في الصحة النفسية (اإلصدار ط .)2غريان ،ليبيا :الدار
العربية للنشر والتوزيع.
-البخاري .)2002( .صحيح البخاري (املجلد .)8بيروت :دار طوق النجاة.
-أيمن املزاهرة .)2007( .الصحة والسالمة العامة (اإلصدار ط .)2عمان ،األردن :دار
الشروق للنشر والتوزيع.
-بن الحجاج مسلم( .بال تاريخ) .صحيح مسلم (املجلد .)4بيروت ،لبنان :دار إحياء التراث
العربي.
-جمال أبو دلو .)2009( .،الصحة النفسية ،معرفة النفس اإلنسانية في الكتاب والسنة
(اإلصدار ط( .)1دار أسامة للنشر والتوزيع ،املحرر) عمان ،األردن.
-سميح عاطف الزين( .بال تاريخ) .علم النفس ،معرفة النفس اإلنسانية في الكتاب والسنة
(املجلد .)1
َّ َّ
-شميسة خلوي .)2014( .اإلرشادات النبوية في استهالك ال ِّغذاء والعالج بالدواء ،في إطار
مؤتمر الغذاء والدواء في ضوء املستجدات من منظور الفقه اإلسالمي ،كلية
الشريعة والدراسات اإلسالمية وبالتعاون مع كلية العلوم الصحية ،جامعة
الشارقة.
-عالء الدين كفافي ،و جابر عبد الحميد جابر .)1988( .معجم علم النفس والطب النفس ي
(املجلد .)4دار النهضة العربية.
-محمد بن اسماعيل البخاري .)2002( .صحيح البخاري (اإلصدار ،1املجلد .)8بيروت :دار
طوق النجاة.
-محمد محمد ،عودة ،و إبراهيم مرس ي كمال .)1994( .الصحة النفسية في ضوء علم
النفس واإلسالم .الكويت :دار القلم.