Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‬ ‫المجلد‪)2( :‬‬

‫‪The Observer Journal for Social‬‬ ‫العدد‪)01( :‬‬


‫‪Studies Sciences‬‬ ‫‪2022‬‬

‫النفس اإلنسانية ومؤشرات الصحة النفسية في اإلسالم‬


‫‪The human soul and mental health indicators in Islam‬‬

‫شميسة خلوي *‬

‫جامعة الجزائر‪soumicha.khaloui@univ-alger2.dz ،2‬‬

‫تاريخ النشر‪:‬‬ ‫تاريخ القبول‪:‬‬ ‫تاريخ االستالم ‪:‬‬


‫‪2022/01/01‬‬ ‫‪2021/12/15‬‬ ‫‪2021/09/19‬‬
‫‪ -‬امللخص‪:‬‬
‫إن االهتمام بالصحة النفسية ال يقل أهمية عن االهتمام بالصحة البدنية‪ ،‬إذ النفس هي‬
‫إن الصحة النفسية هي‬ ‫الجزء املقابل للبدن في تفاعلهما وتبادلهما التأثير املستمر والتأثر‪ ،‬و َّ‬
‫ميزان التوازن في حياة الفرد‪ ،‬باملقابل‪ ،‬قد أنعم هللا علينا بدين موافق للفطرة الطبيعية‪،‬‬
‫جانبا من جوانب الحياة إال وتناوله‪ ،‬بما في ذلك الصحة الجسدية والنفس ي‪،‬‬ ‫دين ما ترك ً‬ ‫ٌ‬
‫وعلى هذا األساس نروم من خالل بحثنا الحديث عن النفس اإلنسانية ومظاهر الصحة‬
‫النفسية من منظور إسالمي‪ ،‬وكيف رسم اإلسالم معالم النفس للفرد وجعل اتزانها باتباع‬
‫التوجيهات الدينية املتعلقة بالتكوين الروحي للمسلم وتنشئته وتكوينه االنفعالي املواقف‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬النفس‪ ،‬الصحة‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬الفرد‪ ،‬املجتمع‪.‬‬

‫‪Abstract :‬‬
‫‪Mental health is as important as physical health, since the soul is the‬‬
‫‪opposite part of the body, they interact with each other and permanently‬‬
‫‪influence one another to form together a distinct unit. Mental health is‬‬
‫‪the point of balance in a person and its life. In return, God has blessed‬‬
‫‪us with a religion that corresponds to the natural instinct and that‬‬
‫‪addresses all aspects of life, including physical and mental health. we‬‬
‫‪aim in this research to address the subject of the human soul and the‬‬
‫‪aspects of the mental health from an Islamic perspective.‬‬
‫‪Keywords: Human soul; health; Islam; the individual; society.‬‬

‫*‪ -‬المؤلف المرسل شميسة خلوي‪ ،‬االيميل‪soumicha.khaloui@univ-alger2.dz :‬‬


‫شميسة خلوي‬

‫‪ -1‬مقدمة‪:‬‬
‫ومما ال ْريب فيه لكل ذي‬ ‫َّإننا ال نحص ي ما أسبغ هللا علينا من نعم ظاهرة وباطنة‪َّ ،‬‬
‫النعم العظيمة التي أنعم هللا بها علينا‪ ،‬والتي لفت‬ ‫عقل لبيب أن نعمة الصحة والعافية من ِّ‬
‫ونتأمل َّ‬ ‫َّ‬
‫هللا سبحانه وتعالى أنظارنا إليها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم‪ ،‬لنتفكر َّ‬
‫ونتدبر ثم‬
‫أقل عباد هللا الشاكرين!‬ ‫نعتبر‪ ،‬وما أكثر نعم هللا علينا وما َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وإن من جوامع ك ِّلم نبينا عليه صلوات من ربي وسالم قوله عن ابن عباس رض ي هللا‬
‫َّ ُ َ َ ُ‬ ‫ْ َ َ َ ْ ُ ٌ َ َ ٌ َ َّ‬
‫الف َراغ» (البخاري م‪ ،2002 ،.‬صفحة‬ ‫الصحة و‬ ‫اس‪ِّ :‬‬ ‫عنهما‪ِّ « :‬نعمت ِّان مغبون ِّف ِّيهما ك ِّثير ِّمن الن ِّ‬
‫‪)88‬‬
‫بالذكر على‬ ‫وقد دل تخصيص رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم هاتين النعمتين ِّ‬ ‫َّ‬
‫ْ ْ‬
‫قدر إلفنا لنعمة املنعم‪ ،‬تكون غفلتنا عنها!‬ ‫عظيم فضلهما‪ ،‬وكم ِّألفنا نعمة الصحة‪ ،‬وعلى‬
‫ُ‬ ‫يقول وهب بن منبه في معنى جميل‪« :‬رؤوس النعم ثالثة؛ َّ‬
‫اإلسالم التي ال‬
‫ِّ‬ ‫فأولها‪ :‬نعمة‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تتم ُ‬ ‫ُّ‬
‫تطيب الحياة إال بها‪ ،‬والثالثة‪ :‬نعمة الغنى التي‬ ‫نعمه إال بها‪ ،‬والثانية‪ :‬نعمة العافية التي ال‬
‫العيش إال به» (ابن القيم‪ ،1994 ،‬صفحة ‪ ،)45‬فعافية البدن إذن بها نعبد هللا‬ ‫ُ‬ ‫ال ُّ‬
‫يتم‬
‫ونتقرب إليه ونسعى في األرض لكسب القوت‪ ،‬وسالمة النفس من العوارض واالضطرابات‬ ‫َّ‬
‫تجعلنا ننعم بحياتنا ونسعد بأوقاتنا دون منغصات‪.‬‬
‫واإلنسان يعيش في دار الدنيا بين منح ومحن‪ ،‬بين سعادة وفرح‪ ،‬وامتحانات‬
‫ونتذوق مرارة األلم واملرض حينا آخر‪ ،‬ولعل َمن‬ ‫َّ‬ ‫وابتالءات‪ ،‬لذلك ننعم بحالوة العافية حينا‬
‫َّ‬
‫ُسلب تاج نعمة عافية البدن أو النفس وترادفت عليه األسقام يدرك حقا نعمة الصحة‬
‫ُ‬
‫واملعافاة!‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬نحاول البحث في ماهية النفس اإلنسانية من الناحية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وفي مظاهرها التي نص عليها القرآن أو أشارت إليها السنة النبوية الشريفة‪ ،‬فإن‬
‫وقعنا على هذا االهتمام‪ ،‬حينها نتساءل‪ :‬ما مدلول النفس اإلنسانية وأنواعها في التصور‬
‫اإلسالمي؟ وما مظاهر الصحة النفسية من منظور إسالمي؟‬
‫إذن‪ ،‬الهدف الرئيس من بحثنا هو لفت انتباه القارئ إلى وجود اهتمام إسالمي‬
‫بالنفس اإلنسانية‪ ،‬ونتبع املنهج الوصفي لبسط الحديث عن هذا االهتمام مستندين إلى ما‬
‫ورد بهذا الخصوص في الكتاب هللا وسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬الصحة النفسية (سؤال املصطلح)‬

‫مجلة الرصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪154‬‬
‫النفس اإلنسانية ومؤشرات الصحة النفسية في اإلسالم‬

‫إن الصحة هي «الحركة التي تهدف إلى حماية الناس من االضطرابات وحفظ صحتهم‬
‫وتقديم كل ما يمكن أن يسهم في هذا السبيل» (كفافي و جابر‪ ،1988 ،‬صفحة ‪.)1495‬‬
‫وللصحة ثالثة عناصر هي «البدني والنفس ي واالجتماعي‪ ،‬وهذه العناصر تتكامل مع‬
‫بعضها البعض‪ ،‬فإذا ساء أي عنصر ال تكون الحالة الصحية جيدة» (أيمن املزاهرة‪،2007 ،‬‬
‫صفحة ‪ ، )14‬مما يدل على ضرورة االهتمام بكل عنصر واالعتناء بسالمته‪.‬‬
‫فمعلوم إذن ِّاتفاق األطباء على تحديد مفهوم دقيق للصحة البدنية وذلك في حالة‬
‫محدد ومتفق عليه‬‫عدم وجود أعراض مرضية‪ ،‬لكن األمر يختلف إذا ما بحثنا عن تعريف َّ‬
‫للصحة النفسية‪ ،‬بحيث تباينت وجهات النظر للمختصين في علم النفس مدركين أن‬
‫الصحة النفسية «مفهوم ثقافي نسبي‪ ،‬فهو غير ثابت وأنه يتأثر بالبيئة االجتماعية والثقافية‬
‫التي يعيشها الفرد» (الخالدي‪ ،2002 ،‬صفحة ‪.)25‬‬
‫لكننا ال نختلف على أن الصحة النفسية هي ميزان التوازن في حياة الفرد‪ ،‬بحيث ِّ‬
‫تعبر‬
‫ُ‬
‫لو اإلنسان من أعراض األمراض العقلية أو النفسية‪ ،‬والحاجة إلى بلوغ درجة االرتياح‬ ‫عن خ ِّ‬
‫النفس ي‪.‬‬
‫وحسب منظمة الصحة العاملية فإن الصحة النفسية «ليست مجرد غياب‬
‫االضطرابات النفسية‪ ،‬بل هي حالة من العافية يستطيع فيها كل فرد إدراك إمكاناته الخاصة‬
‫والتكيف مع حاالت التوتر العادية والعمل بشكل منتج ومفيد واإلسهام في مجتمعه املحلي»‬
‫(املوقع الرسمي للمنظمة العاملية للصحة‪.)2010 ،‬‬
‫خصصت املنظمة العاملية للصحة‬ ‫ونظرا ألهمية هذا الجانب في حياة اإلنسان فقد َّ‬
‫حدد بـ‪ 10 :‬أكتوبر من كل سنة بغية نشر الوعي العام بقضايا‬ ‫يوما عامليا للصحة النفسية‪ِّ ،‬‬
‫الصحة النفسية‪ ،‬وايجاد حلول ملشاكل العصر التي تتقاذف نفسية اإلنسان وتكدرها‪.‬‬
‫كما انبثقت سنة ‪ 1940‬منظمة دولية للصحة النفسية تحت مسمى االتحاد العاملي‬
‫للصحة النفسية (‪ ،)World Federation for Mental Health‬الذي ُيعنى بالقضايا التي‬
‫تندرج ضمن اإلطار النفس ي‪ ،‬مما يدل على ما يشغله هذا الجانب من تكوين اإلنسان من‬
‫اهتمام ضمن أولويات العناية بالصحة على وجه عام‪.‬‬
‫‪ -3‬مفهوم الصحة البدينة والصحة النفسية في اإلسالم‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪155‬‬
‫شميسة خلوي‬

‫الدواء واألخذ‬ ‫ِّ‬ ‫املتمثل في تعاطي‬ ‫بسط اإلسالم الحديث عن الطب العالجي‬ ‫لقد َ‬
‫ِّ‬
‫َ َ َ ْ َ َ َّ‬
‫الشفاء‪ ،‬فعن أسامة بن شريك أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬تداووا ِّعباد ِّ‬
‫َّللا‪،‬‬ ‫بأسباب ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َّ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ َ ْ َ ً َّ َ َ َ َ َ ُ َ ً َّ ْ‬
‫ف ِّإن َّللا سبحانه لم يضع داء ِّإال وضع معه ِّشفاء‪ِّ ،‬إال الهرم» (ابن ماجة‪ ،2009 ،‬صفحة ‪.)4‬‬
‫ولقد جعل هللا أسبابا هي شفاء السقيم‪َّ ،‬نبهنا إليها الحبيب املصطفى صلى هللا عليه‬
‫القسط (العود الهندي)‬ ‫وسلم‪ ،‬مثل العسل والحبة السوداء وأعواد السواك (األ اك) و ُ‬
‫ر‬ ‫ِّ‬
‫الحجامة واستعمال املاء لعالج الحمى وألبان اإلبل‬ ‫الكي و ِّ‬‫الع ْجوة والتلبينة و ُّ‬
‫الصبر و َ‬
‫َّ‬ ‫َْ‬
‫والكمأة و ِّ‬
‫وأبوالها والرقية الشرعية (خلوي‪.)2014 ،‬‬
‫رغب اإلسالم في حفظ الصحة الجسدية‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال قال رسول‬ ‫َّ‬
‫وبالتالي فقد‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬املؤمن القو ُّي ٌ‬
‫عيف» (مسلم‪،‬‬ ‫املؤمن الض ِّ‬‫ِّ‬ ‫َّللا من‬ ‫وأحب إلى ِّ‬ ‫خير‬
‫ُ‬
‫صفحة ‪ ،)2052‬والقوة هي قوة البدن التي تعين صاحبها على العمل الصالح –ناهيك عن قوة‬
‫اإليمان والطاعة وغيرها‪.-‬‬
‫َّ‬
‫وللنفس مكانتها أيضا ضمن الخطاب الرباني والنبوي‪ ،‬وهي التي «يتكون منها العقل‬
‫والتمييز واإلحساس والغرائز وما إلى ذلك من تكوينات غير عضوية» (عاطف الزين‪ ،‬صفحة‬
‫َ‬ ‫‪ ،)127‬ولنا إشارات وإرشادات وتنبيهات من َّ‬
‫النبع الكريم‪ ،‬ن ْب ِّع القرآن العظيم‪ ،‬الذي ال َيأتيه‬
‫َّ‬
‫النبوية‬ ‫َّ‬
‫بالسنة‬ ‫حميد‪ ،‬واالسترشاد‬ ‫يل من حكيم‬ ‫الباطل من بين يديه وال من خلفه‪ ،‬تنز ٌ‬
‫ٍ‬
‫قلب النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫قلب‪ِّ ،‬‬‫املطهرة التي نزلت على أطهر ٍ‬
‫وعليه‪ ،‬أولى العلماء من املسلمين الصحة النفسية اهتماما في دراساتهم‪ ،‬ولعل من‬
‫أشمل التعاريف التي وقفت عندها تحديدا للصحة النفسية هي‪« :‬أن يعيش اإلنسان على‬
‫فطرته في قرب من هللا وسالم مع الناس‪ ،‬ووئام مع النفس‪ ،‬وسالمة في الجسد‪ ،‬ونجاح في‬
‫الحياة» (عودة و كمال‪ ،1994 ،‬صفحة ‪.)64‬‬
‫وما نعتقده هو إن «معرفة النفس اإلنسانية ال تستقيم إال بفهم دقيق للتصورُّ‬
‫للشخصية السوية‬ ‫اإلسالمي لإلنسان‪ ،‬والوقوف على وجهة نظر اإلسالم في العوامل املكونة َّ‬
‫ِّ‬
‫والصحة النفسية‪ ،‬أو أسباب أمراض النفس‪ ،‬وما ينجم عنها من سلوك منحرف يخالف‬
‫منهج الحياة» (عاطف الزين‪ ،‬صفحة ‪ ،)76‬لكن ليس علينا أن نعتبر القرآن الكريم يحتوي‬
‫توصل إليها اإلنسان أو نؤمن بنظرية علمية رفضها القرآن‬ ‫صراحة على جميع العلوم التي َّ‬
‫الكريم‪.‬‬
‫وعن ثنائية الدين وعلم النفس يمكن القول أن «الدراسة النفسية للعقيدة ال‬
‫التدين‬ ‫تضيف إليها شيئا بينما هي تضيف الكثير إلى العلوم النفسية إذ إنها تبحث في أسباب ُّ‬

‫مجلة الرصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪156‬‬
‫النفس اإلنسانية ومؤشرات الصحة النفسية في اإلسالم‬

‫ولزومه‪ ،‬ونالحظ أن اهتمام العقيدة والعلوم النفسية باإلنسان اهتمام متبادل قديم»‬
‫(جمال أبو دلو‪ ،2009 ،،‬صفحة ‪.)139‬‬
‫‪ -4‬النفس من وجهة نظرإسالمية (أنواعها‪ ،‬مكوناتها)‬
‫‪ 2.4‬أنواع النفس اإلنسانية‬
‫ُ‬
‫لقد ذكرت أنواع ثالثة للنفس في القرآن الكريم‪ ،‬على أنها ليست نفوسا منفصلة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وإنما هي نفس واحدة َّ‬
‫تعددت أحوالها واملتمثلة في‪ :‬النفس َّ‬
‫األمارة بالسوء‪ ،‬والنفس اللوامة‪،‬‬
‫والنفس املطمئنة‪.‬‬
‫والنفس «قد تكون تارة َّأمارة‪ ،‬وتارة لوامة‪ ،‬وتارة مطمئنة‪ ،‬بل في اليوم الواحد‬
‫والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا‪ ،‬والحكم للغالب عليها من أحوالها» (ابن القيم‪،‬‬
‫صفحة ‪)78‬‬
‫فاألمارة بالسوء‪ :‬هي التي تأمر صاحبها بما تهواه مما كان حراما‪ ،‬وقد ذكرت في القرآن‬ ‫َّ‬
‫يم (‪:53[ »)53‬‬ ‫ور َر ِّح ٌ‬ ‫وء إ َّال َما َر ِّح َم َربي إ َّن َربي َغ ُف ٌ‬ ‫َّ َّ ْ َ َ َ َّ َ ٌ ُّ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫الكريم في قوله تعالى‪ِّ « :‬إن النفس ألمارة ِّبالس ِّ ِّ‬
‫يوسف]‪.‬‬
‫َّ‬
‫وأما اللوامة‪ :‬فهي التي تلوم صاحبها بعد ارتكاب املعاص ي والذنوب وعلى التفريط‬
‫ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫والخطأ والزالت‪ ،‬فتلوم نفسها‪ ،‬وقد أقسم هللا تعالى بها في قوله تعالى‪« :‬ال أق ِّس ُم ِّب َي ْو ِّم ال ِّق َي َام ِّة‬
‫س الل َّو َام ِّة (‪ :2-1[ »)2‬القيامة]‬
‫َّ‬
‫ف‬ ‫(‪َ )1‬وَال ُأ ْقس ُم ب َّ‬
‫الن ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫في حين إن النفس املطمئنة هي التي سكنت إلى ربها بطاعة أوامره والخضوع ألحكامه‪،‬‬
‫َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ َ َ ً‬ ‫َ َ َّ ُ َ َّ ْ ُ ْ ُ ْ َ َّ ُ‬
‫اض َية َم ْر ِّض َّية (‪ )28‬ف ْادخ ِّلي ِّفي‬ ‫س املطم ِّئنة (‪ْ )27‬ار ِّج ِّعي ِّإلى رِّب ِّك ر ِّ‬ ‫يقول تعالى‪« :‬يا أيتها النف‬
‫ُ‬
‫ِّع َب ِّادي (‪َ )29‬و ْادخ ِّلي َج َّن ِّتي (‪ :30-27[ »)30‬الفجر] ‪ ،‬هذه النفس التي تعتبر مقصدا لكل‬
‫مسلم‪ ،‬ليخرج من الصراع النفس ي الذي يحاصره في هذه الدنيا‪.‬‬
‫وقد َّزود الخالق نفس اإلنسان باستعدادات متساوية للخير والشر‪ ،‬وجعل صاحبها‬
‫ور َها‬ ‫قادرا على التمييز بين السبيلين‪ ،‬يقول عز وجل‪َ « :‬و َن ْفس َو َما َس َّو َاها (‪َ )7‬ف َأ ْل َه َم َها ُف ُج َ‬
‫ٍ‬
‫اب َم ْن َد َّس َاها (‪ :10-7[ »)10‬الشمس]‬ ‫َو َت ْق َو َاها (‪َ )8‬ق ْد َأ ْف َل َح َم ْن َز َّك َاها (‪َ )9‬و َق ْد َخ َ‬
‫ثم إن كثيرا من صفات النفس ذكرها القرآن الكريم‪ ،‬إذ إن اإلنسان تنتابه كثير من‬
‫األعراض النفسية‪ ،‬كالقلق واالكتئاب واليأس‪ ،‬حياته مليئة باملخاوف والصراعات الداخلية‬
‫واالضطرابات الشخصية‪ ،‬وصفات أخرى سنذكر منها للتمثيل ال الحصر‪ ،‬حيث يمكن‬
‫الرجوع لتفاسير القرآن الكريم للوقوف على معاني اآليات‪ ،‬كتفسير ابن كثير وغيره‪.‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪157‬‬
‫شميسة خلوي‬

‫فاإلنسان إن أنعم هللا عليه نعمة من صحة وأمن وغيرهما‪ ،‬وما أكثر نعم هللا ! ثم‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫سلبها هللا منه‪ ،‬فإنه لشديد اليأس من رحمة هللا‪«َ :‬و ُه َو ال ِّذي أ ْح َياك ْم ث َّم ُي ِّم ُيتك ْم ث َّم ُي ْح ِّييك ْم‬
‫ور (‪ :30-27[ »)66‬الفجر]‬ ‫ان َل َك ُف ٌ‬
‫إ َّن ْاإل ْن َس َ‬
‫ِّ ِّ‬
‫َ ْ َ ُ ُّ ْ َ َ َّ َ‬
‫َّللا ال‬ ‫واإلنسان كثير الظلم لنفسه‪ ،‬كثير الجحود لنعم ربه‪« :‬و ِّإن تعدوا ِّنعمت ِّ‬
‫ُ ْ ُ َ َّ ْ ْ َ َ َ َ ُ ٌ َ‬
‫وم ك َّف ٌار (‪ :34[ »)34‬إبراهيم] ‪.‬‬ ‫اإلنسان لظل‬ ‫تحصوها ِّإن ِّ‬
‫ويغتر ويصبح شديد الخصومة والجدال لربه في إنكار البعث وغير‬ ‫ْ‬
‫واإلنسان َيقوى ُّ‬
‫ان ِّم ْن‬ ‫((خ َل َق ْاإل ْن َس َ‬ ‫َ‬
‫ذلك‪ ،‬وهللا قد خلقه من ماء مهين‪ ،‬ونس ي هللا الذي خلقه من العدم‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ََ َ ْ ْ َ ُ َََْ َ ْ َ ًَ‬ ‫ُ َْ َ َ ُ َ َ ٌ ُ ٌ‬
‫اإلنسان أكثر ش ي ٍء جدال (‪-27[ »)54‬‬ ‫نطف ٍة ف ِّإذا هو خ ِّصيم م ِّبين (‪ :04[ )))4‬النحل]‪« ،‬وكان ِّ‬
‫‪ :30‬الفجر]‪.‬‬
‫َ ُ َ َّ‬
‫واإلنسان جحود ملا ظهر من اآليات الدالة على قدرة هللا ووحدانيته‪« ،‬وهو ال ِّذي‬
‫ان َل َك ُف ٌ‬ ‫يك ْم إ َّن ْاإل ْن َس َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ ُ َّ ُ ُ ُ ْ ُ َّ ُ ْ ُ‬
‫ور (‪ :66[ »)66‬الحج]‬ ‫أحياكم ثم ي ِّميتكم ثم يح ِّي ِّ ِّ‬
‫وعا (‪:19[ »)19‬‬ ‫ان ُخل َق َه ُل ً‬ ‫يتخبطه الجزع والخوف الشديد «إ َّن ْاإل ْن َس َ‬ ‫واإلنسان َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫املعارج]‬
‫َْ‬ ‫َ َّ َّ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ‬
‫اإلنسان ليطغى (‪ )6‬أن‬ ‫واإلنسان طاغ‪ ،‬يتجاوز حدود هللا إذا أبطره الغنى‪« ،‬كال ِّإن ِّ‬
‫َ ُ ْ ْ‬
‫اس َتغ َنى (‪ :06[ »)7‬العلق]‬ ‫رآه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلن َسان ِّم ْن َع َج ٍل (‪»)37‬‬ ‫واإلنسان عجول‪ ،‬يبادر األشياء ويستعجل وقوعها‪« ،‬خ ِّلق ِّ‬
‫[‪ :37‬األنبياء]‪.‬‬
‫ومن عجلته وجهله أنه يدعو أحيانا على نفسه أو ولده أو ماله بالشر‪ ،‬وذلك عند‬ ‫ً‬
‫الغضب‪ ،‬مثل ما يدعو بالخير‪ ،‬ومن رحمة هللا به أنه يستجيب له في دعائه بالخير دون الشر‪،‬‬
‫ان‬‫ان ْاإل ْن َس ُ‬ ‫ألنه يعلم منه عدم القصد إلى إ ادة ذلك‪َ « ،‬و َي ْد ُع ْ ْ َ ُ َّ ُ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫اإلنسان ِّبالش ِّر دعاءه ِّبالخي ِّر وك ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫َع ُجوال (‪ :11[ »)11‬اإلسراء]‪.‬‬
‫ف َع ْن ُك ْم َو ُخل َق ْاإل ْن َس ُ‬ ‫ُ ُ َّ ُ َ ْ ُ َ َ‬
‫ض ِّع ًيفا (‪»)28‬‬ ‫ان َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫واإلنسان بطبعه ضعيف‪« ،‬ي ِّريد َّللا أن يخ ِّف‬
‫[‪ :28‬النساء]‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫واإلنسان بخيل بما في يده إال َمن عصم هللا باإليمان‪« ،‬ق ْل ل ْو أن ُت ْم ت ْم ِّلكون خ َزا ِّئ َن‬
‫ورا (‪ :100[ »)100‬اإلسراء] ‪.‬‬ ‫ان َق ُت ً‬ ‫ان ْاإل ْن َس ُ‬ ‫َ ْح َمة َ بي إ ًذا َ َأل ْم َس ْك ُت ْم َخ ْش َي َة ْ ْ َ َ َ َ‬
‫اإلنف ِّاق وك ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر ِّ رِّ ِّ‬
‫ومثلما نجد املسلم –كغيره‪ -‬يحرص على ايجاد طبيب ُيحسن تشخيص حالته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجسدية إذا مرض ُويجيد اختيار الدواء املناسب لدائه نوعا وكما وتوقيتا‪ ،‬فإنه يبحث عن‬
‫السقم النفس ي‪ ،‬ويعتبر تحقيق الصحة النفسية غاية علم‬ ‫يتعهده ُّ‬ ‫الدواء النفس ي حين َّ‬

‫مجلة الرصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪158‬‬
‫النفس اإلنسانية ومؤشرات الصحة النفسية في اإلسالم‬

‫تعد ركاز الصحة النفسية في اإلسالم‪،‬‬ ‫النفس ومراده‪ ،‬ولن يكون ذلك إال باالتكاء على أركان ُّ‬
‫ِّ‬
‫وتعد أيضا مالمح شخصية الفرد املسلم‪.‬‬
‫ولنوضح أكثر هذه النقطة الحساسة في مسار بحثنا عن الصحة النفسية في اإلسالم‬
‫فإننا نبدأ من الحديث عن كون اإلنسان عموما يولد على الفطرة التي طبعه هللا عليها‪ ،‬خال‬ ‫َّ‬
‫اس‬‫الن َ‬‫من أي اكتساب مصداقا لقوله تعالى‪َ « :‬ف َأق ْم َو ْج َه َك للدين َحن ًيفا ف ْط َر َت ََّّللا َّالتي َف َط َر َّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ ْ َ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ نَ‬ ‫يل ل َخ ْلق َّ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫اس ال يعلمو (‪ :30[ »)30‬الروم]‬ ‫الدين الق ِّيم ول ِّكن أكثر الن ِّ‬ ‫َّللا ذ ِّلك ِّ‬ ‫عل ْي َها ال ت ْب ِّد َ ِّ ِّ ِّ‬
‫َ ْ َ ْ ُ َّ َ َ‬
‫ود ِّإال ُيول ُد َعلى‬
‫وكما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬ما ِّمن مول ٍ‬
‫ً‬ ‫َ َ َُْ ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬
‫َ‬
‫الب ِّه َيمة َب ِّه َيمة َج ْم َعا َء‪ ،‬ه ْل‬ ‫الفط َر ِّة‪ ،‬فأ َب َو ُاه ُي َه ِّو َدا ِّن ِّه أ ْو ُي َن ِّص َرا ِّن ِّه‪ ،‬أ ْو ُي َم ِّج َسا ِّن ِّه‪ ،‬كما تنتج‬‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت ِّح ُّسون ِّف َيها ِّمن جدع َاء» (البخاري م‪ ،2002 ،.‬صفحة ‪.)94‬‬
‫وبطبيعة الحال فإن فطرة اإلنسان وطبيعته هي مجموع غرائز تترجمها مظاهر على‬
‫شكل انفعاالت‪ ،‬هذه الغرائز التي ال تعدو أن تكون ثالث‪ :‬غريزة حب البقاء وغريزة حفظ‬
‫النوع وغريزة التدين (عاطف الزين‪ ،‬صفحة ‪ ،)154‬إضافة إلى الحاجات العضوية املختلفة‬
‫كحاجة اإلنسان إلى األكل والشرب والراحة والنوم وغير ذلك‪.‬‬
‫تقنن َّ‬ ‫َّ‬
‫وتوجه فقد يؤذي بها اإلنسان‬ ‫إذن‪ ،‬وبالحديث عن املظاهر الغريزية فإن لم‬
‫ويعرض نفسه إلى اضطرابات نفسية‪ ،‬ومن هذا املنطلق كان لإلسالم موقفا من‬ ‫نفسه وغيره‪ِّ ،‬‬
‫َّ‬
‫مكونات النفس اإلنسانية التي يجب أن ُيراعى فيها كل‬ ‫املوضوع‪ ،‬ولعلنا نذكر في هذا الباب ِّ‬
‫فيعمل بما هو مرغوب فيه ويبتعد عما هو مخالف ومنهي عنه من منظور إسالمي‪،‬‬ ‫جانب‪ُ ،‬‬
‫والتي بها يتحقق التوازن النفس ي وتتم بها السعادة الحقيقية‪.‬‬
‫‪ 3.4‬مكونات النفس اإلنسانية وضرورة ضبطها لضمان الصحة النفسية‬
‫مكونات (عودة و كمال‪ ،1994 ،‬صفحة ‪ ،)64‬وهي‪:‬‬ ‫تشتمل النفس اإلنسانية على أربع ِّ‬
‫الجانب الروحي والجانب النفس ي والجانب االجتماعي والجانب البيولوجي‪ ،‬وكلها مذكورة في‬
‫ديننا‪ ،‬يطول الحديث عن كل عنصر فيها‪ ،‬لذلك نذكر من كل جانب مثاال واحدا‪:‬‬
‫فأما الجانب الروحي فيتمثل في اإليمان باهلل وأداء العبادات‪ ،‬والقبول بقضاء هللا‬
‫وقدره‪ ،‬واإلحساس الدائم بالقرب من هللا‪ ،‬واملداومة على ذكر هللا‪.‬‬
‫فعن ذكر هللا –مثال‪ -‬يقول عز وجل في آية صريحة تبين أن هللا يهدي الذين تسكن‬
‫قلوبهم بتوحيد هللا وذكره فتطمئن‪ ،‬أال بطاعة هللا وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس‪:‬‬
‫َّ َ َ ُ َ َ ْ َ ُّ ُ ُ ُ ُ ْ ْ َّ َ َ ْ َّ‬
‫َّللا َت ْط َم ِّئ ُّن ْال ُق ُل ُ‬
‫وب (‪ :28[ »)28‬الرعد]‬ ‫َّللا أال ِّب ِّذك ِّر ِّ‬
‫«ال ِّذين آمنوا وتطم ِّئن قلوبهم ِّب ِّذك ِّر ِّ‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪159‬‬
‫شميسة خلوي‬

‫ْ ُ‬ ‫َ َ َّ‬
‫«مث ُل ال ِّذي َيذك ُر‬ ‫وعن أبي موس ى رض ي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫َ َ ْ ُ ُ َ َّ ُ َ َ ُ َ َ‬ ‫َّ‬
‫الح ِّي َوامل ِّي ِّت» (البخاري‪ ،2002 ،‬صفحة ‪.)86‬‬ ‫َرَّب ُه َوال ِّذي ال يذكر ربه‪ ،‬مثل‬
‫وأما الجانب النفس ي فيتمحور حول الصدق مع النفس‪ ،‬وسالمة الصدر من الحقد‬
‫والحسد والكره‪ ،‬وقبول الذات‪ ،‬والقدرة على تحمل اإلحباط والقلق‪ ،‬واالبتعاد عما يؤذي‬
‫النفس على شاكلة الكبرياء‪ ،‬والغرور واإلسراف والتقتير والكسل والتشاؤم‪ ،‬إضافة إلى‬
‫التمسك باملبادئ املشروعة واالتزان االنفعالي‪ ،‬وسعة الصدر‪ ،‬وضبط النفس‪ ،‬والطموح‪،‬‬
‫االعتماد على النفس‪ ،‬والتفاؤل والبعد عن اليأس والقنوط‪.‬‬
‫فالترغيب في التفاؤل والبعد عن التطير والتشاؤم –مثال‪ -‬مما َّربى اإلسالم عليه‬
‫طيبة على الفرد‪ ،‬فليس اليأس وال التطير وال التشاؤم من‬ ‫أتباعه‪ ،‬ملا للتفاؤل من آثار نفسية ِّ‬
‫طبع املؤمن‪ ،‬ألن املؤمن يحسن الظن باهلل عز وجل ويتوكل عليه‪ ،‬ويؤمن بقضائه وقدره‪،‬‬
‫ون (‪ :87[ »)87‬يوسف]‬ ‫س م ْن َر ْوح ََّّللا إ َّال ْال َق ْو ُم ْال َكاف ُر َ‬
‫ِّ‬ ‫ِِّّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّللا إ َّن ُه َال َي ْي َأ ُ‬
‫ِّ‬
‫ْ َ ْو َّ‬
‫ح‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِّ‬ ‫وا‬‫س‬‫« َوَال َت ْي َأ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫في حين يرتكز الجانب االجتماعي على حب الوالدين وطاعتهما‪ ،‬وحب الزوجة واألوالد‪،‬‬
‫ومساعدة املحتاجين‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والجرأة في قول الحق‪ ،‬وكذا الصدق مع اآلخرين وحب العمل‬
‫وتحمل املسؤولية االجتماعية‪ ،‬واالبتعاد عما يؤذي الناس كالكذب والغش والسرقة والزنا‬
‫والقتل وشهادة ا لزور وأكل مال اليتيم والخيانة والظلم‪ ،‬والحقد والحسد والغيبة والنميمة‪.‬‬
‫فالغيبة والنميمة –مثال‪ -‬من أمراض القلوب التي يؤذي بها اإلنسان نفسه وغيره‪،‬‬
‫وعدها كثير من العلماء من الكبائر‪ ،‬وقد شبه‬ ‫والغيبة محرمة بالكتاب والسنة واإلجماع‪َّ ،‬‬
‫َ ُ َ ُْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫هللا تعالى املغتاب بآكل لحم أخيه ميتا حين قال تعالى‪« :‬أ ُي ِّح ُّب أ َح ُدك ْم أ ْن َيأك َل ل ْح َم أ ِّخ ِّيه َم ْي ًتا‬
‫يم (‪ :12[ »)12‬الحجرات]‪.‬‬ ‫اب َر ِّح ٌ‬ ‫َّللا َت َّو ٌ‬
‫َّللا إ َّن َّ َ‬ ‫َ َ ْ ُ ُ ُ َ َّ ُ َّ َ‬
‫فك ِّرهتموه واتقوا ِّ‬
‫وأخيرا الجانب البيولوجي الذي يكون بسالمة الجسم من األمراض ومن العيوب‬
‫الخلقية‪ ،‬وتكوين مفهوم موجب للجسم‪ ،‬والعناية الصحية به‪ ،‬وعدم تكليفه إال في حدود‬
‫طاقته‪.‬‬
‫فهذا الجانب وإن كان مستقال عن الصحة النفسية إذا ما رجعنا ألركان الصحة‪ ،‬إال‬
‫أنه يتكامل مع ما ذكرناه من جوانب‪ ،‬ألن النفس اإلنسانية تسكن جسد اإلنسان‪ ،‬والذي ال‬
‫بد من اتسامه بالسالمة والعافية‪.‬‬
‫فالصفات املرغوب فيها والتي وقفنا عند أمثلة منها‪ ،‬على سبيل التمثيل ال الحصر‪،‬‬
‫من شأنها أن تجعل اإلنسان خارج دائرة االضطرابات النفسية‪ ،‬فإن زل وأخطأ فما عليه إال‬
‫النفس التي تعتبر إحدى طرق معالجة األخطاء‬ ‫أن يعيد حساباته من جديد‪ ،‬وهنا تكون تزكية َّ‬

‫مجلة الرصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪160‬‬
‫النفس اإلنسانية ومؤشرات الصحة النفسية في اإلسالم‬

‫يخفف من وطأة املعصية ويعود للطريق القويم وبالتالي يعالج نفسه‬ ‫التي يرتكبها اإلنسان كي ِّ‬
‫النفس إلزامها بطاعة هللا تعالى‪ ،‬ومنعها من معصيته ومن شهواتها‬ ‫بنفسه‪ ،‬وطريق تزكية َّ‬
‫املحرمة‪ ،‬ويكون ذلك بمحاسبة النفس‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ولنا في السلف الصالح أمثلة كثيرة عن محاسبة النفس وردعها عن مخالفة األوامر‬
‫َّ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ان ل ُه‬ ‫الربانية لتعيش بسالم‪ ،‬فقد كان الحسن البصري يقول‪«ِّ :‬إن العبد ال يزال ِّبخي ٍر ما ك‬
‫َ ٌ ْ َ ْ َ َ َ ُْ َ َ ُ‬
‫اس َبة ِّم ْن ِّه َّم ِّت ِّه» (ابن أبي الدنيا‪ ،1986 ،‬صفحة ‪.)7‬‬ ‫اعظ ِّمن نف ِّس ِّه وكان ِّت املح‬ ‫و ِّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الر ُج ُل تق ًّيا َحتى َيكون لنفسه أش َّد ُم َح َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اس َبة ِّم َن‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وقال ميمون بن مهران‪« :‬ال َيكون َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫يك ِّلش ِّر ِّيك ِّه» (ابن أبي الدنيا‪ ،1986 ،‬صفحة ‪.)8‬‬ ‫الش ِّر ِّ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َّللا َع ْب ًدا َق َ‬
‫وقال مالك بن دينار‪«َ :‬رح َم َّ ُ‬
‫ص ِّاح َبة كذا؟‬ ‫يس ِّة‪ :‬أل ْس ِّت‬ ‫ال ِّل َن ْف ِّس ِّه الن ِّف‬ ‫ِّ‬
‫ً‬ ‫َ َ َ َ َ ُ َّ َ َّ َ ُ َّ َ َ َ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ََ ْ‬
‫َّللا؛ فكان لها قا ِّئدا» (ابن أبي‬ ‫ألس ِّت ص ِّاحبة كذا؟ ثم ذمها ثم خطمها‪ ،‬ثم ألزمها ِّكتاب ِّ‬
‫الدنيا‪ ،1986 ،‬صفحة ‪ ،)9‬وما أكثر املواقف التي سجلتها لنا سير الصالحين الذي كانت لهم‬
‫نفوس َّلوامة تلومهم عن الخطأ والتقصير‪ ،‬ولنا فيهم أسوة حسنة‪.‬‬
‫والبن القيم أيضا نظرة ثاقبة إلى النفس اإلنسانية ومعالجتها‪ ،‬بحيث ال ننهي الحديث‬
‫عن الصحة النفسية في اإلسالم دون اإلشارة إلى مكانته بين الذين أبقوا بصمتهم في هذا‬
‫املجال‪ ،‬ولعل الصحة النفسية هي التي يعنيها ابن القيم بمسمى (الحياة الطيبة) والتي وصفها‬
‫بأنها «حياة القلب ونعيمه‪ ،‬وبهجته وسروره باإليمان ومعرفة هللا‪ ،‬ومحبته‪ ،‬واإلنابة إليه‪،‬‬
‫والتوكل عليه‪ ،‬فإنه ال حياة أطيب من حياة صاحبها‪ ،‬وال نعيم فوق نعيمه إال نعيم الجنة»‬
‫(ابن القيم‪ ،‬صفحة ‪.)243‬‬
‫الشفاء‪،‬‬ ‫ويقف ابن القيم في كتبه واضعا يده على الداء وواصفا للدواء أو ما يعين على ِّ‬
‫مثل ذلك قوله عن تخفيف اآلالم بالكلم الطيب‪« :‬وتفريح نفس املريض‪ ،‬وتطييب قلبه‪،‬‬
‫وإدخال ما يسره عليه‪ ،‬له تأثير عجيب في شفاء علته وخفتها‪ ،‬فإن األرواح والقوى تقوى‬
‫بذلك‪ ،‬فتساعد الطبيعة على دفع املؤذي‪ ،‬وقد شاهد الناس كثيرا من املرض ى تنتعش قواه‬
‫بعيادة من يحبونه‪ ،‬ويعظمونه‪ ،‬ورؤيتهم لهم‪ ،‬ولطفهم بهم‪ ،‬ومكاملتهم إياهم‪ ،‬وهذا أحد فوائد‬
‫عيادة املرض ى التي تتعلق بهم» (ابن القيم‪ ،‬صفحة ‪.)87‬‬
‫لخص سعادة القلب في قوله‪« :‬ففي القلب شعث‪ ،‬ال يلمه إال‬ ‫وصدق ابن القيم الذي َّ‬
‫اإلقبال على هللا‪ ،‬وفيه وحشة‪ ،‬ال يزيلها إال األنس به في خلوته‪ ،‬وفيه حزن ال يذهبه إال‬
‫السرور بمعرفته وصدق معاملته‪ ،‬وفيه قلق ال يسكنه إال االجتماع عليه‪ ،‬والفرار منه إليه‪،‬‬
‫وفيه نيران حسرات ال يطفئها إال الرضا بأمره ونهيه وقضائه‪ ،‬ومعانقة الصبر على ذلك إلى‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪161‬‬
‫شميسة خلوي‬

‫وقت لقائه‪ ،‬وفيه طلب شديد ال يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه‪ ،‬وفيه فاقة ال يسدها‬
‫إال محبته‪ ،‬واإلنابة إليه‪ ،‬ودوام ذكره‪ ،‬وصدق اإلخالص له‪ ،‬ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد‬
‫تلك الفاقة منه أبدا» (ابن القيم‪ ،1994 ،‬صفحة ‪ ،)82‬فطوبى ملن أقبل على هللا َّ‬
‫فتقبله!‬

‫‪ .5‬خاتمة‪:‬‬
‫َّ‬
‫لقد اهتم اإلسالم بالنفس اإلنسانية ودلت على ذلك مؤشرات مختلفة‪ ،‬رصدنا‬
‫مجملها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬هناك اهتمام إسالمي بالنفس اإلنسانية‪ ،‬بدليل ما ورد بهذا الخصوص في كتاب هللا‬
‫وسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقد أظهرنا بعض ذلك في بحثنا‪.‬‬
‫‪ -‬كثير من صفات النفس ذكرها القرآن الكريم‪ ،‬وإن معرفتها ال تستقيم إال بفهم‬
‫ُّ‬
‫للتصور اإلسالمي لإلنسان‪ ،‬وهذا يحتاج منا وقفات مختلفة‪.‬‬ ‫دقيق‬
‫‪ -‬من أجل صحة نفسية متزنة ال بد من ضبط مكونات النفس اإلنسانية‪ ،‬والتي تمثلت‬
‫في الجانب الروحي والجانب النفس ي والجانب االجتماعي والجانب البيولوجي وفق إرشادات‬
‫إسالمية‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬
‫‪ -‬ابن أبي الدنيا‪ .)1986( .‬محاسبة النفس كتب العلمية (اإلصدار ط‪ .)1‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ .)1994( .‬زاد املعاد في هدي خير العباد (اإلصدار ط‪ ،27‬املجلد ‪ .)2‬بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪( .‬بال تاريخ)‪ .‬الطب النبوي (جزء من كتاب زاد املعاد في هدي خير العباد)‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫دار الهالل‪.‬‬
‫‪ -‬ابن ماجة‪ .)2009( .‬سنن ابن ماجة (اإلصدار ط‪ ،1‬املجلد ‪ .)5‬دار الرسالة العاملية‪ .‬تم‬
‫االسترداد من ابن ماجة‪.‬‬
‫‪ -‬أديب الخالدي‪ .)2002( .‬املرجع في الصحة النفسية (اإلصدار ط‪ .)2‬غريان‪ ،‬ليبيا‪ :‬الدار‬
‫العربية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -‬البخاري‪ .)2002( .‬صحيح البخاري (املجلد ‪ .)8‬بيروت‪ :‬دار طوق النجاة‪.‬‬

‫مجلة الرصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪162‬‬
‫النفس اإلنسانية ومؤشرات الصحة النفسية في اإلسالم‬

‫‪ -‬أيمن املزاهرة‪ .)2007( .‬الصحة والسالمة العامة (اإلصدار ط‪ .)2‬عمان‪ ،‬األردن‪ :‬دار‬
‫الشروق للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -‬بن الحجاج مسلم‪( .‬بال تاريخ)‪ .‬صحيح مسلم (املجلد ‪ .)4‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪.‬‬
‫‪ -‬جمال أبو دلو‪ .)2009( .،‬الصحة النفسية‪ ،‬معرفة النفس اإلنسانية في الكتاب والسنة‬
‫(اإلصدار ط‪( .)1‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬املحرر) عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬سميح عاطف الزين‪( .‬بال تاريخ)‪ .‬علم النفس‪ ،‬معرفة النفس اإلنسانية في الكتاب والسنة‬
‫(املجلد ‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪ -‬شميسة خلوي‪ .)2014( .‬اإلرشادات النبوية في استهالك ال ِّغذاء والعالج بالدواء‪ ،‬في إطار‬
‫مؤتمر الغذاء والدواء في ضوء املستجدات من منظور الفقه اإلسالمي‪ ،‬كلية‬
‫الشريعة والدراسات اإلسالمية وبالتعاون مع كلية العلوم الصحية‪ ،‬جامعة‬
‫الشارقة‪.‬‬
‫‪ -‬عالء الدين كفافي‪ ،‬و جابر عبد الحميد جابر‪ .)1988( .‬معجم علم النفس والطب النفس ي‬
‫(املجلد ‪ .)4‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬محمد بن اسماعيل البخاري‪ .)2002( .‬صحيح البخاري (اإلصدار ‪ ،1‬املجلد ‪ .)8‬بيروت‪ :‬دار‬
‫طوق النجاة‪.‬‬
‫‪ -‬محمد محمد‪ ،‬عودة‪ ،‬و إبراهيم مرس ي كمال‪ .)1994( .‬الصحة النفسية في ضوء علم‬
‫النفس واإلسالم‪ .‬الكويت‪ :‬دار القلم‪.‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ :‬املجلد ‪2022 )01( 2‬‬


‫‪163‬‬

You might also like