Professional Documents
Culture Documents
من أسباب الغلو في الدين اتباع المتشابه
من أسباب الغلو في الدين اتباع المتشابه
من أسباب الغلو في الدين اتباع المتشابه
هذه اآليات السابقة أدت إلى اختالف أهل العلم في القرآن :هل هو محكم أم متشابه؟ فقال بعضهم :كل القرآن محكم ،وقال
آخرون :كله متشابه ،وذهب فريق ثالث :إلى أن بعض القرآن محكم وبعضه متشابه ،وخالصة القول في ذلك :أن القرآن
يوصف بأنه محكم أو متشابه باعتبارات عدة من أهمها :أنه موصوف باإلحكام أي باإلتقان ،وهذا الوصف العام لكل آيات
القرآن .وأما أنه متشابه أي متشابه في التماثل والتناسب في اإلتقان ،فهو متشابه في اإلعجاز ،وفي حسن األلفاظ ،وأنه يصدق
ضا ونحو ذلك مما ذكر السيوطي في اإلتقان.بعضه بع ً
ثم إن أهل العلم قد اختلفوا على أقوال كثيرة في بيان ك ٍّل من المحكم والمتشابه ومعناهما ،وقد ذكر السيوطي ً
نحوا من ثمانية
من تلك األقوال ،من أبرزها :أن المحكم ما عُرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل ،والمتشابه ما استأثر هللا تعالى بعلمه
كقيام الساعة ،وخروج الدجال ،والحروف المقطعة في أوائل السور .وقيل :المحكم ما وضح معناه ،والمتشابه نقيضه .وقيل:
المحكم الفرائض والوعد والوعيد ،والمتشابه القصص واألمثال .وقيل :المحكم ما استقل بنفسه ،والمتشابه ما ال يستقل بنفسه
إال برده إلى غيره ،وقيل غير ذلك .وهذا االختالف بين العلماء في بيان معنى المحكم والمتشابه إنما هو من قبيل خالف التنوع
.ال خالف التضاد ،أي هو خالف سائغ ،ال يعود على آيات القرآن بالنقض أو النقص
ثم إن العلماء يقسمون متشابه القرآن إلى قسمين ،قسم ليس للناس سبيل لمعرفة معناه ويسمونه المتشابه الحقيقي ،وقسم صار
متشابهًا بالنسبة للناظر في النص ال أن النص نفسه متشابه .ويمثل العلماء للمتشابه الحقيقي بمفاتيح الغيب التي ال يعلمها إلى
ْث َو َيعْ لَ ُم َما فِي اَأْلرْ َح ِام َو َما َت ْد ِري َن ْفسٌ َما َذا َت ْكسِ بُ َغ ًدا َو َما َت ْد ِري َن ْفسٌ ِبَأيِّ
هللا تعالىِ{ :إنَّ هَّللا َ عِ ْن َدهُ عِ ْل ُم السَّا َع ِة َو ُي َن ِّز ُل ْال َغي َ
ُوت ِإنَّ هَّللا َ َعلِي ٌم َخ ِبيرٌ} [لقمان ،]34 :قال الشاطبي في هذا النوع من المتشابه" :فإذا نظر المجتهد في أصول الشريعة ض َتم َُأرْ ٍ
ص اها وجمع أطرافها؛ لم يجد فيها ما يحكم له معناه ،وال ما يدل على مقصوده ومغزاه ،وال شك في أنه قليل ال كثير ".وتق َّ
وأما المتشابه اإلضافي فيرجع إما لتقصير الناظر في النص ،أو إلى زيغانه واتباع هواه ،قال الشاطبي عن هذا النوع" :لم
يصر متشابهًا من حيث وُ ضع في الشريعة من جهة أنه قد حصل بيانه في نفس األمر ،ولكن الناظر قصر في االجتهاد ،أو
زاغ عن طريق البيان اتبا ًعا للهوى" ،وذلك كأخذ النص ً
أخذا أوليًا واالستدالل به قبل النظر فيما قد يعارضه ،أو يقيده ،أو
يخصصه ،أو العكس كأن يكون النص مخصصًا فيعممه ،أو مقي ًدا فيطلقه ،وهذا المسلك -كما قال الشاطبي" :-رميٌّ في َع َماية،
".واتباع للهوى في الدليل ،وذلك أن المطلق المنصوص على تقييده مشتب ٌه إذا لم يقيد ،فإذا قيد؛ صار واضحً ا
والواجب على الناظر في آيات القرآن أن يرد المتشابه إلى المحكم حتى ال يضرب القرآن بعضه ببعض ،وقد ص َّح عن رسول
ضا ،بل يصدق بعضه بعضً ا ،فما عرفتم منه فاعملوا به،
هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال« :إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بع ً
وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» رواه أحمد .وأما اتباع المتشابه واالستدالل به؛ فإنه طريق أهل الزيغ والضالل قديمًا
ُون َما َت َشا َب َه ِم ْن ُه ا ْب ِت َغا َء ْالفِ ْت َن ِة َوا ْب ِت َغا َء َتْأ ِويلِهِ} [آل عمران.]7 : ً
وحديثا ،وقد قال تعالى في ذلكَ { :فَأمَّا الَّذ َ
ِين فِي قُلُ ِ
وب ِه ْم َز ْي ٌغ َف َي َّت ِبع َ
وقد تال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هذه اآلية ثم قال« :فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى هللا
.فاحذروهم» رواه البخاري
كانت الخوارج من أولى الفرق التي اتبعت المتشابه فزاغت عن طريق الهدى وضلت ،وذلك منهم في أمور كثيرة ،من أبرزها
موقفهم من علي رضي هللا عنه عندما رضي بالتحكيم فيما وقع بينه وبين معاوية رضي هللا عنهما ،فأنكر عليه الخوارج ذلك
مستدلين بقوله تعالىِ{ :إ ِن ْال ُح ْك ُم ِإاَّل هَّلِل ِ} [يوسف ]40 :وقد أخذوا اآلية على ظاهرها ،وفهموا منها أال يحكم البشر في شيء؛
{وِإنْ ِخ ْف ُت ْم شِ َق َ
اق َب ْين ِِه َما وقد رد ذلك عليهم علي رضي هللا عنه بحمل هذه اآلية المتشابهة على غيرها من اآليات كقوله تعالىَ :
ان َعلِيمًا َخ ِبيرً ا} [النساء ،]35 :فقال رضي َفاب َْع ُثوا َح َكمًا مِنْ َأهْ لِ ِه َو َح َكمًا مِنْ َأهْ لِ َها ِإنْ ي ُِري َدا ِإصْ اَل حً ا ي َُو ِّف ِق هَّللا ُ َب ْي َن ُه َما ِإنَّ هَّللا َ َك َ
هللا عنه" :فأمة محمد صلى هللا عليه وسلم أعظم د ًم ا وحرمة من امرأة ورجل" .قال ابن حجر في الخوارج" :كان أول كلمة
".خرجوا بها :قولهم ال حكم إال هللا ،وانتزعوها من القرآن ،وحملوها على غير محملها
وكذلك تجد الغالة على مر الدهور والعصور يأخذون المتشابه من كتاب هللا تعالى أو من سنة رسوله صلى هللا عليه وسلم،
ويستدلون بذلك على واقعهم ،دون رد ذلك المتشابه إلى المحكم كما أمر رسول هللا صلى هللا عليهم وسلم ،فيوقعهم ذلك في
الغلو في الدين سواء فيما يحملون أنفسهم عليه ،أو فيما يحكمون به على الناس ،ومن ذلك ما كان من تفسير بعض الغالة
أحاديث المهدي الذي يخرج آخر الزمان ،وتنزيله على شخص بعينه دون دليل ،فانتهكوا الحرمات ،وسفكوا الدم الحرام،
.ووقعوا فيما وقعوا فيه ،وما ذلك إال التباعهم المتشابه من كتاب هللا تعالى وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم
ومن ذلك تنزيل األحاديث التي تذكر نزول عيسى عليه السالم آخر الزمان على فئة بعينها من المسلمين ،والجزم بذلك من
غير دليل ،وهو أمر استأثر هللا تعالى بعلمه ،وال يعلم تلك األحداث التي تكون آخر الزمان إال هللا تعالى ،والمطلوب من المسلم
.في ذلك اإليمانُ بما صح من ذلك عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
وإذا ما تتبع المسلم حال أهل الغلو في أحكامهم على أنفسهم ،أو على غيرهم من الناس؛ يجد أكثر ما يستدلون به المتشاب َه من
.كالم هللا تعالى وكالم رسوله صلى هللا عليه وسلم