Download as rtf, pdf, or txt
Download as rtf, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫اال ْستِْئ ذان هو طلب اإلذن بالدخول لبيت ال يملكه ال ُم ْستَأ ِذن‪ ،‬خوفا ً من االطالع على العورات‪ ،‬أو

وقوع النظر على ما ال يرغبه‬


‫صاحب البيت‪ ،‬قال هللا تعالى‪{ :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال تَ ْد ُخلُوا بُيُوتا ً َغ ْي َر بُيُوتِ ُك ْم َحتَّى تَ ْستَْأنِسُوا َوتُ َسلِّ ُموا َعلَى َأ ْهلِهَا}(النور‪ ،)27:‬قال‬
‫ابن كثير‪" :‬هذه آداب شرعية‪ ،‬أ َّد ب هللا بها عباده المؤمنين"‪ ،‬وقال السعدي‪" :‬يرشد الباري عباده المؤمنين‪ ،‬أن ال يدخلوا بيوتا غير‬
‫بيوتهم بغير استئذان‪ ،‬فإن في ذلك عدة مفاسد‪ :‬منها ما ذكره الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حيث قال‪( :‬إنما ُج ِعل االستئذان ِم ْن‬
‫أجل البصر)‪ ،‬فبسبب اإلخالل به‪ ،‬يقع البصر على العورات التي داخل البيوت‪ ،‬فإن البيت لإلنسان في ستر عورة ما وراءه‪،‬‬
‫‪".‬بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده‬

‫واالستئذان كما فيه صيانة لعِرْ ض الغير وعوراته وخصوصياته‪ ،‬فيه حفظ لمشاعر المستأذِن والمستأ َذن عليه‪ ،‬سواء كان‬
‫المستأذِن قريبا ً للمستأ َذن عليه‪ ،‬أو أجنبيا ً عنه‪ ..‬وهناك الكثير من اآلداب النبوية التي علمها لنا النبي صلى هللا عليه وسلم في‬
‫االستئذان‪ ،‬منها‪ :‬طريقة االستئذان‪ ،‬وعدم وقوف المستأذن مقابل الباب‪ ،‬والسالم قبل االستئذان‪ ،‬واالستئذان ثالث مرات‪،‬‬
‫ورجوع المُسْ َتْأذِن إذا لم يؤ َذن له‪ ،‬وإفصاح المستأ ِذ ن عن اسمه وعدم االستئذان بقوله‪ :‬أنا‪ ،‬واستئذان األطفال واألبناء داخل‬
‫‪..‬البيت‬

‫‪:‬والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف التي علَّم النبيُّ صلى هللا عليه وسلم أصحا َبه مِنْ خاللها آداب االستئذان‪ ،‬ومِنْ ذلك‬

‫‪:‬ـ طريقة االستئذان وقول السالم عليكم ‪1‬‬

‫اش قال‪ :‬حدثنا رجل من بني عامر قال‪( :‬إنه أستأ َذن على النبي صلى هللا عليه وسلم وهو في بيت‪ ،‬فقال‪ :‬أألج‬ ‫عن ِر ْبعِيِّ بن ح َِر ٍ‬
‫ـ يعني‪ :‬أأدخل ـ؟ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬اخرج إلى هذا فعلمه االستئذان‪ ،‬وقل له‪ :‬قل‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬أأدخل‪،‬‬
‫فسمع الرجل ذلك من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬أأدخل؟ فأذن له‪ ،‬فدخل) رواه أبو داود وصححه‬
‫يس (القثاء‬
‫غاب َ‬
‫ض ِ‬‫األلباني‪ .‬وعن كلدة بن الحنبلي‪( :‬أن صفوان بن أمية بعثه ِبلَ َب ٍن َو ِجدا َي ٍة (ولد الظبي‪ ،‬بمنزلة الجدي من الغنم) َو َ‬
‫فدخلت عليه ولم أ َسلِّم ول ْم أستأذن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الصغير) إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والنبي صلى هللا عليه وسلم بأعلى الوادي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪ .‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ارجع فقل‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬أأدخل؟) رواه الترمذي وصححه األلباني‬

‫ُقابل الباب ‪2‬‬


‫‪:‬ـ عدم وقوف المستأذِن م ِ‬
‫ينبغي أالّ يقف المُسْ َتأذِن مقابل الباب إذا كان الباب مفتوحاً‪ ،‬وكذلك إذا كان مغلقا ً خشية أن يُفتح له فيرى من أهل المنزل ما ال‬
‫يحبون أن يراه‪ ،‬وهذا بخالف ما لو كان الباب عن يمينه‪ ،‬أو عن يساره‪ ،‬فإنه إذا فتح الباب ال يرى ما في داخل البيت‪ .‬فعن‬
‫عبد هللا بن بُسر رضي هللا عنه قال‪( :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه‪،‬‬
‫ولكن من ركنه األيمن أو األيسر‪ ،‬ويقول‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬السالم عليكم‪ ،‬وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور) رواه‬
‫(جئت إلى النبي صلى هللا عليه وسلم وهو في بيتٍ‪ ،‬فقمتُ‬ ‫ُ‬ ‫الترمذي وصححه األلباني‪ .‬وعن سعد بن عبادة رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫جئت فاستأذنت‪ ،‬فقال‪ :‬وهل االستئذان إال من أجل النظر؟!) رواه‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فأشار إلَيَّ أن تباعد‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فاستأذنت‪،‬‬ ‫(وقفت) مقابل الباب‬
‫مسلم‬
‫ٍ‬ ‫الطبراني‪ .‬وعن ثوبان مولى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪( :‬ال ي ِح ُّل المرٍئ‬
‫أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن‪ ،‬فإن فعل فقد دخل (أي‪ :‬إذا نظر بعينه فكأنه دخل)) رواه الترمذي وحسنه األلباني‪ .‬وعن‬
‫ه َُزيْل بن ُشرْ َحبيل قال‪( :‬جاء رجل فوقف على باب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يستأذن مُسْ َت ْق ِبل الباب‪ ،‬فقال له النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ :‬هكذا عنك؟ فإنما االستئذان من أجل النظر) رواه أبو داود وصححه األلباني‪ .‬فالمستأذِن ال يقف أمام البيت‪،‬‬
‫ويقف بجانبه‪ ،‬بحيث يراعي حُرْ َمة البيت‪ ،‬فإذا فتح الباب فال يرى شيئا ً في داخل البيت‪ ،‬وفي نفس الوقت ال يذهب المُسْ َتْأذِنُ‬
‫المستأذن عليه‬ ‫َ‬ ‫‪.‬بعيداً عن الباب تماماً‪ ،‬ألنه ربما ال يسمعه أو يراه‬

‫‪:‬ـ السالم قبل االستئذان ‪3‬‬


‫عن ابن بريدة قال‪( :‬استأذن رجل على رجل من أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم وهو قائم على الباب‪ ،‬فقال‪ :‬أأدخل؟ ثالث‬
‫قمت إلى الليل تقول‪ :‬أأدخل؟ ما‬ ‫مرات‪ ،‬وهو ينظر إليه‪ ،‬فلم يأذن له‪ ،‬ثم قال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬أأدخل؟ فقال‪ :‬ادخل‪ ،‬ثم قال‪ :‬لو َ‬
‫ت لك‪ ،‬حتى تبدأ بالسالم) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه‪ .‬وعن ِربْعي بن حِراش رضي هللا عنه قال‪ :‬حدثني رجل من بني‬ ‫أ ِذ ْن ُ‬
‫عامر جاء إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬أألج؟ فقال النبي صلى هللا عليه وسلم للجارية‪ :‬اخرجي فقولي له‪ :‬قل‪ :‬السالم‬
‫عليكم‪ ،‬أأدخل‪ ،‬فإنه لم يحسن االستئذان‪ ،‬قال‪ :‬فسمع ُت ها قبل أن تخرج إلي الجارية‪ ،‬فقلت‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬أأدخل؟ فقال‪ :‬وعليك‪،‬‬
‫ادخل‪ .‬قال‪ :‬فدخلت) رواه أحمد وصححه األلباني‪ .‬قال األلباني‪" :‬وفيه دليل صريح على أن مِنْ أدب االستئذان في الدخول‬
‫البدء بالسالم قبل االستئذان‪ ،‬وفي ذلك أحاديث أخرى بعضها أصرح مِنْ هذا‪ ..‬ويؤيده ما رواه البخاري في أدبه بسند صحيح‬
‫عن عطاء عن أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال‪( :‬ال يُْؤ ذن له حتى يبدأ بالسالم)‪ .‬وقد صح عن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم حديثان في تقديم السالم‪ ،‬قال الشنقيطي‪" :‬وال يخفى أن ما صح فيه حديثان عن النبي صلى هللا عليه وسلم ُم َقدَّم على‬
‫{ح َّتى‬
‫غيره‪ ،‬فال ينبغي العدول عن تقديم السالم على االستئذان‪ ،‬وتقديم االستئناس ـ الذي هو االستئذان ـ على السالم في قوله‪َ :‬‬
‫َتسْ َتْأ ِنسُوا َو ُت َسلِّمُوا}(النور‪ ،)27:‬ال يدل على تقديم االستئذان‪ ،‬ألن العطف بالواو ال يقتضي الترتيب‪ ،‬وإنما يقتضي مطلق‬
‫‪".‬التشريك"‪ .‬وقال ابن كثير‪" :‬وقال العوفي عن ابن عباس‪ :‬االستئناس‪ :‬االستئذان‪ .‬وكذا قال غير واحد‬

‫‪:‬ـ االستئذان ثالث مرات ‪4‬‬

‫االستئذان يكون ثالث مرات‪ ،‬ويقول المُسْ َتْأ ِذن في كل واحدة منها‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬أأدخل؟ فإن لم َ‬
‫يؤذن له عند الثالثة فليرجع‪،‬‬
‫(كنت في مجلس من مجالس األنصار إذ جاء أبو موسى‬ ‫ُ‬ ‫وال يزد على الثالث‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫استأذنت على عمر ثالثا ً فلم يؤذن لي‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فقال‪ :‬ما منعك؟ قلت‪ :‬استأذنت ثالثا فلم‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫رضي هللا عنه كأنه مذعور‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫يؤذن لي فرجعت‪ ،‬وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إذا استأذن أحدكم ثالثا فلم يؤذن له فليرجع) رواه البخاري‪ .‬وعن‬
‫{ح َّتى َتسْ َتْأ ِنسُوا}(النور‪ )27:‬قال‪ :‬هو االستئذان ثالثاً"‪ .‬وقال ابن عبد البر في التمهيد‪" :‬وقال‬
‫قتادة في معنى قوله تعالى‪َ :‬‬
‫بعضهم‪ :‬المرة األولى من االستئذان‪ :‬استئذان‪ ،‬والمرة الثانية‪ :‬مشورة‪ ،‬هل يؤذن في الدخول أ ْم ال؟ والثالثة‪ :‬عالمة الرجوع‪،‬‬
‫وال يزيد على ذلك على ثالث"‪ ،‬وقال القاضي أبو بكر بن العربي‪" :‬وحكمة التعداد في االستئذان أن األولى‪ :‬استعالم‪ ،‬والثانية‪:‬‬
‫‪".‬تأكيد‪ ،‬والثالثة‪ :‬إعذار‬
‫‪:‬ـ رجوع المستأذِن إذا لم َ‬
‫يؤذن له ‪5‬‬

‫اعتذار صاحب البيت عن اإلذن بدخول المستأذِن إما أن يكون اعتذاراً ضمنياً‪ ،‬وإما أن يكون صريحاً‪ ،‬وقد د ّل قول هللا تبارك‬
‫وتعالى‪َ { :‬فِإنْ لَ ْم َت ِج ُدوا فِي َها َأ َح ًدا}(النور‪ )28:‬على حالة االعتذار الضمني‪ ،‬فربما كان صاحب البيت موجوداً في البيت‪ ،‬لكنه‬
‫لم يشأ أن يرد على المستأذِن‪ ،‬أو يفتح له الباب‪ ،‬فيصدق على المستأذِن أنه لم يجد فيها أحداً‪ ،‬وفي حديث أبي سعيد‪( :‬إذا‬
‫استأذن أحدكم ثالثا فلم يؤذن له فليرجع) رواه البخاري‪ .‬أما االعتذار الصريح إذا استأذن شخص ثالثا ً أو أقل وأجيب بقول‬
‫{وِإنْ قِي َل لَ ُك ُم‬
‫صاحب الدار‪ :‬ارجع‪ ،‬فالواجب أن ينصرف وهو على يقين أن هذا أفضل له‪ ،‬ألن هللا سبحانه وتعالى قال‪َ :‬‬
‫ارْ ِجعُوا َفارْ ِجعُوا ه َُو َأ ْز َكى َل ُك ْم}(النور‪ .)28:‬قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬إذا ردّوكم من الباب قبل اإلذن أو بعده { َفارْ ِجعُوا ه َُو َأ ْز َكى‬
‫لَ ُك ْم } أي‪ :‬رجوعكم أزكى لكم وأطهر"‪ ،‬وقال السعدي‪" :‬أي‪ :‬فال تمتنعوا من الرجوع‪ ،‬وال تغضبوا منه‪ ،‬فإن صاحب المنزل‪ ،‬لم‬
‫يمنعكم حقا واجبا لكم‪ ،‬وإنما هو مُتبرِِّ ع‪ ،‬فإن شاء أذ َِن أو منع‪ ،‬فأنتم ال يأخذ أحدكم ال ِكبْر واالشمئزاز من هذه الحال‪{ ،‬ه َُو َأ ْز َكى‬
‫‪".‬لَ ُك ْم} أي‪ :‬أشد لتطهيركم من السيئات‪ ،‬وتنميتكم بالحسنات‬

‫‪:‬ـ استئذان األطفال واألبناء داخل البيت ‪6‬‬

‫الهدي النبوي أوجب االستئذان لمن أراد أن يدخل بيت غيره‪ ،‬وحرَّ م‬ ‫على اآلباء أن ُي َعوِّ دوا أوالدهم على االستئذان‪ ،‬فإذا كان ْ‬
‫عليه أن يطلع على بيت غيره بدون إذن أهله‪ ،‬فقد أوجب كذلك االستئذان في داخل البيت نفسه‪ ،‬كاالستئذان على األم واألخت‪،‬‬
‫لئال تكون هناك عورة منكشفة‪ ،‬فعن عطاء بن يسار أن رجال سأل النبيَّ صلى هللا عليه وسلم فقال‪( :‬أستأذن على أمي؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬إني معها في البيت‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬استأ ِذن عليها‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬إني أخدمها‪ ،‬فقال له‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬استأذن عليها‪ ،‬أتحب أن تراها عُرْ َيا َنة؟! قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فاستأذِن عليها) رواه مالك في الموطأ‪،‬‬
‫وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهما‪ ..‬قال ابن حجر في "فتح الباري"‪" :‬وقد أخرج البخاري في األدب المفرد عن نافع‪" :‬كان‬
‫ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إال بإذن"‪ ،‬ومن طريق علقمة‪" :‬جاء رجل إلى ابن مسعود فقال‪ :‬أستأذن على‬
‫أمي؟! فقال‪ :‬ما على كل أحيانها تريد أن تراها"‪ ،‬ومن طريق مسلم بن نذير ـ بالنون مصغر ـ سأل رجل حذيفة‪" :‬أستأذن على‬
‫َ‬
‫رأيت ما تكره‬ ‫‪".‬أمي؟ قال‪ :‬إن لم تستأذن عليها‬

‫‪:‬فائدة‪ :‬قول (أنا) في االستئذان وغيره‬

‫فدققت الباب‪ ،‬فقال‪ :‬من ذا؟ ُ‬


‫قلت‪ :‬أنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(أتيت النبي صلى هللا عليه وسلم في َديْن كان على أبي‪،‬‬ ‫عن جابر رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬أنا‪ ،‬أنا‪ ،‬كأنه كرهها) رواه البخاري‪ ،‬وإنما كره ذلك ألن هذه الكلمة "أنا" ال يعرف صاحب البيت مِنْ خاللها َم ِن الذي‬
‫يطرق بابه ويستأذن‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬قال المهلب‪ :‬إنما كره قول‪" :‬أنا" ألنه ليس فيه بيان‪ ،‬إال إن كان المستأذِن ممن يعرف‬
‫‪".‬المستأ َذن عليه صوته وال يلتبس بغيره‪ ،‬والغالب االلتباس‬

‫والحكم على كلمة (أنا) ليس على إطالقه‪ ،‬فأحيانا ً يجوز استعمالها‪ ،‬وأحيانا ً ال يجوز استعمالها‪ ،‬فال يجوز استعمالها في أمر‬
‫االستئذان‪ ،‬ألنه ال يحصل بها المقصود من االستئذان‪ ،‬ولذلك استنكرها وكرهها النبي صلى هللا عليه وسلم كما ورد في حديث‬
‫ُ‬
‫صنعت‬ ‫ُ‬
‫عملت‪ ،‬وأنا الذي‬ ‫جابر وقوله‪( :‬أنا‪ ،‬أنا؟!)‪ ..‬وال يجوز أيضا ً أن يستعملها اإلنسان في الزهو‪ ،‬أو الفخر‪ ،‬نحو‪ :‬أنا الذي‬
‫وما شابه ذلك من عبارات‪ ،‬ولذلك يقول ابن القيم في كتابه "زاد المعاد"‪" :‬وليحذر كل الحذر من طغيان ثالث كلمات‪ :‬من‬
‫طغيان‪ :‬أنا‪ ،‬ولي‪ ،‬وعندي‪ ،‬فإن هذه األلفاظ الثالثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون‪ ..‬فـ {أ َنا َخ ْي ٌر ِم ْنهُ}(األعراف‪)12 :‬‬
‫ك مِصْ َر}(الزخرف‪ )51 :‬لفرعون‪ ،‬و{إ َّن َما ُأوتِي ُت ُه َعلَى عِ ْل ٍم عِ ْندِي}(القصص‪ )78 :‬لقارون‬
‫‪".‬إلبليس‪ ،‬و{لي م ُْل ُ‬

‫ويجوز استخدام كلمة (أنا) في الكالم‪ ،‬وال حرج من استعمالها في موضعها المناسب لها‪ ،‬فقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫(أنا) في أحاديث كثيرة‪ ،‬مثل قوله‪( :‬أنا النبي ال كذب‪ ،‬أنا ابن عبد المطلب) رواه البخاري‪ .‬وقوله أيضا ً صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(أنا سيد ولد آدم وال فخر) رواه ابن ماجه وصححه األلباني‪ .‬وعن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪( :‬من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪ :‬من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر‪ :‬أنا ‪ )..‬رواه مسلم‪.‬‬
‫فقول أبي بكر (أنا) ال محذور فيه‪ ،‬أل ّنه كان حاضراً في المجلس ويرونه‪ ،‬بخالف ما لو كان في االستئذان‪ .‬وعن بريدة‪( :‬أن‬
‫فجئت فقال‪َ :‬منْ هذا؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬أنا بريدة) رواه الحاكم‪ .‬وفي البخاري‬ ‫ُ‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫(فقلت‪ :‬أنا أم هانيء)‪ .‬قال ابن القيم‪" :‬وأحسن ما وُ ضِ َعت‪" :‬أنا" في قول العبد‪ :‬أنا العبد المذنب‬ ‫مِنْ حديث أم هانيء‪:‬‬
‫‪".‬المخطيء‪ ،‬المستغفر‪ ،‬المعترف ونحوه‬

‫البيوت َح َر ٌم آ ِم ن ألهلها وأصحابها‪ ،‬ال يدخلها أحد إال بعلمهم وإذنهم‪ ،‬وفي الوقت الذي يريدون‪ ،‬وقد بيّن لنا النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه المسلم مِنْ آداب االستئذان‪ ،‬وفي ثنايا التوجيهات والسنن النبويّة‪ ،‬يظهر لنا حرصه صلى‬
‫‪..‬هللا عليه وسلم على حِفظ األعراض والعورات‪ ،‬ومراعاة مشاعر الناس‪ ،‬واحترام خصوصياتهم‬

You might also like