Untitled

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 149

‫تقسيم احلديث‬

‫إىل صحيح‪ ،‬وحسن‪ ،‬وضعيف‬


‫بني واقع احملدثني ومغالطات املتعصبني‬
‫"رد على أيب غدة‪ ،‬وحممد عوامة"‬

‫تأليف‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ربيع بن هادي عمري املدخلي‬
‫عضو هيئة التدريس باجلامعة اإلسالمية‬
‫باملدينة النبوية سابقا‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من‬
‫يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‬
‫وأشهد أن حممدا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فليس بغريب علي ما يكتبه أبو غدة ولست بغريب عليه فلي معرفة قدمية وجديدة مبا‬
‫يكتبه وما يعلقه على مؤلفات شيوخ ديوبند وغريهم ومبا تنطوي عليه تلك التعليقات من مسوم‬
‫يدسها ومن غلو زائد يف شيوخه ومؤلفاهتم ومبالغات فيها ال تستساغ عقال وال شرعا وال طبعا‪،‬‬
‫وما يقابل ذلك من حط من مكانة أئمة احلديث واملنهج السلفي ومن عقائدهم وفقههم لدين‬
‫اهلل‪.‬‬
‫من أخفها هذا التعليق الذي سأقوم مبناقشته وتعقبه يف الصفحات اآلتية‪:‬‬
‫أما الطعن والغمز واللمز واإلهانة وحماوالت التضليل لبعض األئمة فسأتركه لغريي وال‬
‫أطرقه إال إذا أجلئت إىل ذلك‪.‬‬
‫اللهم إال أن يعلن توبته ويقوم بإصالح ما أفسدته يداه‪.‬‬
‫وإين أقول هـذا إعذارا إىل أولئك الذين ال يؤذيهم الطعون الكثرية ألئمة السلف من قبل‬
‫أيب غدة وزمالئه وشيوخه الذين دأبوا على هذا املنهج البغيض ظلما وعدوانا من سنني طويلة ويف‬
‫مؤلفات كثرية‪.‬‬
‫وكل ذلك ال يؤذي من أشرت إليهم لكنهم جيزعون ويهلعون وميلؤن الدنيا ضجيجا خوفا‬
‫على وحدة األمة اإلسالمية أن تتصدع وعلى صفوفهم أن تتمزق إذا رد بعض هذا الظلم وهذا‬
‫ألسن َِّة ومحلتها ويرمى من يرد هذا العدوان بالشدة‬
‫العدوان على سادات األمة وقادهتا وعلى ُ‬
‫والتحامل على رموز اجلهاد وقادة الفكر من تالميذ الكوثري ومن دار يف فلكهم‪ ،‬فلماذا ال تتعاىل‬
‫هذه الصيحات يف وجه هؤالء الظاملني وملاذا السكوت املطبق على األقالم احلاقدة على خيار‬
‫األمة وفيهم أئمة اهلدى من حمدثني ومفسرين وفقهاء؟ ملاذا مرة أخرى؟‬
‫سوف نشرع يف نصرة احلق ودحض الباطل لعلمنا أن هذه الصيحات فيها نصرة للباطل‬
‫وخذالن لدين اهلل احلق ومحلته الكرام‪ ،‬ولن يرضي ذلك ربنا عز وجل‪.‬‬

‫‪- 1-‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬كنتم خري أمة أخرجت للناس تأمرون باملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون‬
‫باهلل‪.) (‬‬
‫وقال تعاىل يف بين إسرائيل ‪‬لعن الذين كفروا من بين إسرائيل على لسان داود وعيسى بن‬
‫مرمي ذلك مبا عصوا وكانوا يعتدون‪ ،‬كانوا ال يتناهـون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون‪.) (‬‬
‫نقل ظفر أمحد التهانوي‪ ،‬عن ابن تيمية وابن القيم أن اإلمام أمحد يأخذ باحلديث‬
‫الضعيف بشروطه‪ ،‬وأن املراد بالضعيف الذي يأخذ به احلديث احلسن‪ ،‬وأنه ليس أحد من األئمة‬
‫إال وهو يوافق اإلمام أمحد رمحه اهلل يف األخذ هبذا املبدء‪ ،‬وأن أول من قسم احلديث إىل ثالثة‬
‫أقسام‪ :‬صحيح‪ ،‬وحسن‪ ،‬وضعيف إمنا هو اإلمام الرتمذي‪.‬‬
‫وسلم التهانوي هبذا كله رغبة يف تشييد مذهبه‪ ،‬لكن أبا غدة وتلميذه حممد عوامة مل‬
‫يعجبهما هذا الكالم وكيـف يعجبهما أن ال حيتج اإلمام أمحد إال باحلـديث الصحيح واحلسن‬
‫فشمر أبو غدة عن ساعد اجلد ملناقشة كالم ابن تيمية وابن القيم واستنجد بتلميذه حممد عوامة‬
‫إلجناز هذا العمل وملا كان ال ميكنهما املناقشة العلمية على منهج طالب احلق جلآ إىل التهويل‬
‫والتمويه والزيادة والنقص فيما ينقالن من كالم العلماء‪.‬‬
‫ومن العجائب اليت تدل على هوى الرجلني وتعصبهما األعمى أن الشيخ التهانوي قال‬
‫عقب نقل كالم اإلمامني ابن القيم وابن تيمية‪" :‬وباجلملة فاملراد بالضعيف يف كالم أصحابنا "أن‬
‫احلديث الضعيف مقدم على القياس" ما يسميه املتأخرون ضعيفا يف ذاته حسنا لغريه إذا تأيد‬
‫بالشواهد‪ ،‬وحنوها‪ ،‬وإذا سربت األحاديث اليت ذكرها ابن القيم مثاال للضعيف الذي قدمه‬
‫أبوحنيفة على القياس وجدهتا كلها حسانا إما يف ذاهتا أو لغريها كما يتضح لك حقيقة ذلك‬
‫مبطالعة كتابنا هذا إن شاء اهلل تعاىل( )‪.‬‬
‫ومع أن هذا الكالم خمالف للواقع وكان الواجب عليهما مناقشته نصحا هلل ولدينه‪ ،‬لكن‬
‫اهلوى والتعصب املقيت فرضا عليهما السكوت حيث جيب النطق والكالم حيث جيب السكوت‬
‫والتسليم‪.‬‬

‫( ) سورة آل عمران اآلية ‪1‬‬


‫( ) سورة املائدة اآليتان ‪87 ،87‬‬
‫( ) قواعد يف علوم احلديث ص‪17‬‬

‫‪- 2-‬‬
‫فاألحاديث اليت مثل هبا ابن القيم ضعيفة هالكة وقد حكم هو على بعضها بالبطالن‪.‬‬
‫واملتعصبون من األحناف املاتريدية يقدمون الرأي على القرآن وعلى النصوص الصحيحة واملتواترة‬
‫فكيف تصح دعواهم أهنم يقدمون احلديث الضعيف على الرأي والقياس وسيأيت توضيح ذلك‬
‫خالل هذا البحث إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ولقد بذلت جهدي يف حتري احلق واإلنصاف يف مناقشة أيب غدة وتلميذه حممد عوامة‪،‬‬
‫ووضع األمور يف نصاهبا‪ ،‬سواء فيما نقلته عن األئمة من املصادر املعتمدة أو يف شـرح النصوص‬
‫وحتليلها وتوضيحها السيما النصوص اليت رجع إليها أبوغدة واختطف منها لفظ "احلسن الذي‬
‫هو مدار البحث – اختطافا دون إلتفات إىل مقاصد قائليـه ودون مراعاة لسياقات تلك النصوص‬
‫وعصور قائليها واصطالحاهتم وشاركه يف هذا التصرف – أيضا – تلميذه املذكور‪.‬‬
‫ولقد وجدت يف النصوص املشار إليها ويف أقوال العلماء السابقني والالحقني وتصرفاهتم‬
‫ومواقفهم ما يؤيد ما ذكره وذهب إليه اإلمام ابن تيمية تأييدا واضحا‪.‬‬
‫وإين ألرجو أن أكون قد أضفت جديدا وسددت فراغا يف املكتبة اإلسالمية يتطلع طالب‬
‫العلم ألمثاله‪.‬‬
‫واهلل أسال أن يرزقين اإلخالص والصدق يف القول والعمل‪ ،‬إن ريب لسميع الدعاء‪.‬‬

‫كتبه الفقري إىل عفو ربه‬


‫ربيع بن هادي بن عمري املدخلي‬

‫‪- 3-‬‬
‫تعريف الحسن وبيان معناه اللغوي عند المحدثين رحمهم اهلل‬
‫الحسن لغة‪:‬‬
‫قال أبومنصور حممد بن أمحد األزهري ( ‪ ) 81 – 7‬يف مادة ( َح ُس َن ) قال الليث‪:‬‬
‫احلسن نعت ملا حسن‪ ،‬تقول‪ :‬حسن الشيء حسنا‪ ،‬وقال اهلل عز وجل ‪‬وقولوا للناس حسنا‪،‬‬
‫وقريء‪ :‬وقولوا للناس حسنا‪.‬‬
‫قال الفريوز آبادي يف القاموس‪ ،‬يف مادة ( َح ُس َن )‪.‬‬
‫احلسن بالضم‪ :‬اجلمال ج حماسن على غري قياس وحسن ككرم‪ ،‬ونصر‪ ،‬فهو حاسن‪،‬‬
‫وح َّسانون‪.‬‬
‫وحسن‪ ،‬وحسني‪ ،‬كأمري‪ ،‬وغراب‪ ،‬ورمان ج ُح َّسان ُ‬
‫إطالق المحدثين (الحسن) بالمعنى اللغوي‪:‬‬
‫أطلق كثري من احملدثني لفظ (احلسن) واختلفت مقاصدهم يف اطالقه‪.‬‬
‫فتارة يطلقونه ويريدون به الغريب املستنكر ومن ذلك قول اخلطيب البغدادي‪ ،‬وقد نقل‬
‫باسناده إىل إبراهيم النخعي أنه قال‪ :‬كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن خيرج الرجل أحسن حديثه‪ ،‬أو‬
‫أحسن ما عنده‪.‬‬
‫قال أبوبكر‪ :‬عىن إبراهيم باألحسن‪ :‬الغريب ألن الغريب غري املألوف يستحسن أكثر من‬
‫املشهور املعروف‪ ،‬وأصحاب احلديث يعربون عن املناكري هبذه العبارة‪.‬‬
‫وهلذا قال شعبة بن احلجاج مث ساق إسناده إىل أمية بن خالد‪ ،‬قال‪ :‬قيل لشعبة مالك ال‬
‫تروي عن عبدامللك بن أيب سليمان‪ ،‬وهو حسن احلديث؟‪.‬‬
‫فقال‪ :‬من حسنها فررت( )‪.‬‬
‫ويظهر يل من النص األخري أن السائل أراد باحلسن الغريب الصحيح وأن شعبة أراد به‬
‫الغريب املستنكر – واهلل أعلم –‬

‫ذلك أن عبدامللك بن أيب سليمان وإن قال فيه احلافظ صدوق له أوهام‪ ،‬فإن الذهيب قال‬
‫فيه‪ :‬ثقة‪.‬‬
‫وبالتأمل يف ترمجته يظهر رجحان ما قاله الذهيب‪.‬‬

‫( ) اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع ( ‪.) 1 - 11/‬‬


‫واجلرح والتعديل ( ‪ ) 41/‬وإسناده إىل شعبة جيد‪.‬‬

‫‪- 4-‬‬
‫بل له تزكيات عطرة من األئمة انظرها يف هتذيب التهذيب وغريه‪.‬‬
‫فالسائل أطلق احلسن على الغريب الصحيح إطالقا لغويا حسب اعتقاده يف عبدامللك‬
‫وشعبة أطلق احلسن مبعىن الغريب املستنكر حسب ختوفه من أوهام عبدامللك مع أنه مل يهم إال يف‬
‫حديث واحد هو حديث الشفعة‪.‬‬
‫ونقل الرامهرمزي بإسناده إىل عبداهلل بن داود أن سفيان الثوري كان إذا كان احلديث‬
‫حسنا مل يكد حيدث به( )‪.‬‬
‫وبإسناده إىل ثابت البناين أنه قال‪:‬‬
‫"لوال أن تصنعوا يب ما صنع باحلسن حلدثتكم بأحاديث مؤنقة"( ) (أي حسانا معجبة)‬
‫كما يف هتذيب اللغة( )‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪" :‬يزيد بن عطاء مع لينه هو حسن احلديث وعنده غرائب‪ ،‬ومع لينه‬
‫يكتب حديثه"(‪.)4‬‬
‫وقال احلافظ العراقي رمحه اهلل‪.‬‬
‫"قلت‪ :‬قد أطلقوا على احلديث الضعيف بأنه حسـن‪ ،‬وأرادوا حسن اللفظ ال املعىن‬
‫اإلصطالحي‪ ،‬فروى ابن عبدالرب يف كتاب "بيان آداب العلم‪ ،‬حديث معاذ بن جبل مرفوعا"‬
‫تعلموا العلم فإن تعلمه هلل خشية ‪."..‬‬
‫قال ابن عبدالرب‪ :‬وهو حديث حسن جدا‪ ،‬ولكن ليس له إسناد قوي‪ ..‬انتهى كالمه‪.‬‬
‫قال العراقي‪ :‬فأراد باحلسن‪ :‬حسن اللفظ قطعا‪ ،‬فإنه من رواية موسى بن حممد البلقاوي‪،‬‬
‫عن عبدالرحيم بن زيد العمي‪ ،‬والبلقاوي هذا كذاب كذبه أبوزرعة وأبوحامت ونسبه ابن حبان‬
‫والعقيلي إىل وضع احلديث والظاهر أن هذا احلديث مما صنعت يداه‪ ،‬وعبدالرحيم بن زيد العمي‬
‫مرتوك احلديث أيضا"( )‪.‬‬

‫احملدث الفاصل (ص ‪ .) 14- 1‬واحلسن هنا الغريب املستنكر‪.‬‬ ‫( )‬


‫احملدث الفاصل‪ ،‬ص‪14:‬‬ ‫( )‬
‫(‪.) /7‬‬ ‫( )‬
‫الكامل‪.) 8 7/8( :‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫التقييد واإليضاح‪ ،‬ص‪ ،11‬وانظر‪ :‬جامع بيان العلم‪.)1 / ( :‬‬ ‫( )‬

‫‪- 5-‬‬
‫وتارة يطلقونه على الصحيح كما ثبت ذلك عـن اإلمام الشافعي واإلمام أمحد والعجلي‬
‫وأيب حامت ويعقوب بن شيبة والبخاري على أن أبا حامت ويعقوب بـن شيبة والبخاري اختلف‬
‫إطالقهم‪.‬‬
‫فتارة يطلقونه على الصحيح‪ ،‬وتارة على رواية اجملهول والضعيف‪ ،‬وستأيت األدلة على ذلك‬
‫إن شاء اهلل‪.‬‬
‫وقد عقد القاضي احلسن بن عبدالرمحن الرامهرمزي املتوىف سنة ‪ 11‬هـ يف كتابه "احملدث‬
‫الفاصل"( ) بابا خاصا ملا يطلق عليه "الغريب واحلسن"‪ ،‬وساق فيه آثارا تدل على كراهية أهل‬
‫احلديث ملا يسمى بالغريب واحلسن ويظهر أن معنامها واحد عندهم‪.‬‬
‫قال رمحه اهلل‪ :‬باب من كره أن يروي أحسن ما عنده وساق فيه آثارا املشار إليها‪.‬‬
‫وساق اخلطيب البغدادي بابا ملا أشرنا إليه يف "اجلامع"( ) بعنوان‪ :‬إستحباب رواية‬
‫املشاهري والصدوف عن الغرائب واملناكري‪.‬‬
‫وساق آثارا تذم رواية الغرائب وذكر فيه أثر إبراهيم وشعبة السابقني‪.‬‬
‫ويبدوا أهنما – رمحهما اهلل – مل يطلعا على إطالق بعض األئمة "احلسن" على الصحيح‬
‫الغريب‪ ،‬والصحيح مطلقا‪.‬‬
‫وقال ابن الصالح – رمحه اهلل – يف مقدمته يف علوم احلديث( )‪:‬‬
‫"الثامن‪ :‬يف قول الرتمذي وغريه‪" :‬هذا حديث حسن صحيح إشكال‪ ،‬ألن احلسن قاصر‬
‫عن الصحيح كما سبق إيضاحه‪ ..‬على أنه غري مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد‬
‫باحلسن معناه اللغوي وهو ما متيل إليه النفس‪ ،‬وال يأباه القلب‪ ،‬دون املعىن اإلصطالحي‪ ،‬الذي‬
‫حنن بصدده فاعلم ذلك واهلل أعلم"‪.‬‬
‫وهو مبعىن قول اخلطيب‪" :‬ألن الغريب غري املألوف يستحسن أكثر من املشهور املعروف‬
‫وقال احلافظ ابن حجر معلقا على قول شيخه العراقي‪.‬‬
‫وقد وجد التعبري باحلسن يف كالم شيوخ الطبقة اليت قبل الرتمذي كالشافعي‪.‬‬
‫قال احلافظ‪:‬‬

‫( ) ص‪.) 1 - 1 ( :‬‬
‫( ) ( ‪.) 1 - 11/‬‬
‫( ) ص‪.) ( :‬‬

‫‪- 6-‬‬
‫"أقول‪ :‬قد وجد التعبري باحلسن يف كالم من هو أقدم من الشافعي"‪.‬‬
‫قال إبراهيم النخعي‪:‬‬
‫"كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن خيرج الرجل حسان حديثه"‪.‬‬
‫وقيل لشعبة‪ :‬كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟‬
‫قال‪" :‬من حسنها فررت"‪.‬‬
‫ووجد "هذا من أحسن األحاديث إسنادا"‪ .‬يف كالم علي بن املديين وأيب زرعة الرازي‪،‬‬
‫وأيب حامت ويعقوب بن شيبة‪ ،‬ومجاعة‪.‬‬
‫لكن منهم من يريد بإطالق ذلك املعىن االصطالحي ومنهم من ال يريده‪.‬‬
‫فأما ما وجد يف ذلك يف عبارة الشافعي ومن قبله بل ويف عبارة أمحد بن حنبل‪ ،‬فلم يتبني‬
‫يل منهم إرادة املعىن االصطالحي‪ ،‬بل ظاهر عبارهتم خالف ذلك"( )‪.‬‬
‫مث ضرب مثالني فيهما إطالق الشافعي لفظ احلسن على الصحيح ومثاال الطالق أمحد‬
‫احلسن على الصحيح‪.‬‬
‫ومثاال إلطالق أيب حامت احلسن مع احتماله املعىن اللغوي واإلصالحي‪.‬‬
‫وذكر أن علي بن املديين أكثر من وصف األحاديث بالصحة واحلسن يف "مسنده"‬
‫"وعلله" وأن ظاهر عبارته قصد املعىن االصطالحي وذكر مثالني عن البخاري ومحلهمـا على املعىن‬
‫االصطالحي‪.‬‬
‫والشاهد من كالم احلافظ قوله‪:‬‬
‫"فأما ما وجد من ذلك يف عبارة الشافعي ومن قبله بل ويف عبارة أمحد بن حنبل فلم يتبني‬
‫يل منهم إرادة املعىن االصطالحي‪ ،‬بل ظاهر عبارهتم خالف ذلك‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل ‪:-‬‬
‫"واألحاديث اليت تروى يف هذا الباب – وهو السؤال بنفس املخلوقني – هي من‬
‫األحاديث الضعيفة الواهية‪ ،‬بل املوضوعة‪.‬‬
‫وال يوجد يف أئمة اإلسالم من احتج هبا وال أعتمد عليها مثل احلديث الذي يـروى عن‬
‫عبدامللك بن هارون بن عنرتة عن أبيه عن جده أن أبا بكر الصديق أتى النيب ‪ ،‬فقال‪ :‬إين أتعلم‬

‫( ) النكت البن حجر على ابن الصالح‪.)4 4/ ( :‬‬

‫‪- 7-‬‬
‫القرآن‪ ،‬ويتفلت مين‪ ،‬فقال له رسول اهلل ‪" :‬قل‪ :‬اللهم إين أسألك مبحمد نبيك وإبراهيم خليلك‬
‫ومبوسى جنيك وعيسى روحك وكلمتك… احلديث" ذكره رزين العبدري يف جامعه‪ ،‬ونقله ابن‬
‫األثري يف جامع األصول ومل يعزه ال هذا وال هذا إىل كتاب من كتب املسلمني لكن قد رواه من‬
‫صنف يف عمل اليوم والليلة كابن السين وأيب نعيم ويف مثل هذه الكتب أحاديث كثرية موضوعة ال‬
‫جيوز اإلعتماد عليها يف الشريعة باتفاق العلماء … ورواه أبوموسى املديين من حديث زيد بن‬
‫احلباب‪ ،‬عن عبدامللك بن هارون بن عنرتة‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن مع أنه ليس باملتصل…‬

‫قال أبوموسى "وعبدامللك ليس بذاك"‪.‬‬


‫قال شيخ اإلسالم‪ :‬قلت‪ :‬عبدامللك بن هارون بن عنرتة من املعروفـني بالكذب‪ ،‬قاله حيىي‬
‫بن معني‪ ،‬وقال السعدي‪ :‬دجال كذاب‪.‬‬
‫وقال أبوحامت‪ :‬يضع احلديث( )"‪ ..‬وذكر أقوال علماء آخرين‪.‬‬
‫أقول‪ :‬فإطالق أيب موسى املديين احلسن هنا إطالق لغوي القصد منه اإلستنكار‬
‫واالستغراب‪ .‬وال جمال للقول بأنه يقصد به املعىن االصطالحي السيما وقد جــرح عبدامللك ابن‬
‫هارون‪.‬‬
‫تعريف الحسن اصطالحا‪:‬‬
‫أما تعريف احلسن اصطالحا فلم يعرفه القدامى من أئمة احلديث أي من قبل اإلمام‬
‫الرتمذي‪ ،‬ألهنم كانوا لشدة إحتفائهم وإعتنائهم باحلديث وقوة معرفتهم لصحيحه من سقيمه‬
‫وشاذه من منكره ومضطربه وغري ذلك من أنواع علوم احلديث يف غنية عن التعاريف اليت اهتم هبا‬
‫املتأخرون مع الفوارق الكبرية بني املتقدمني واملتأخرين‪.‬‬
‫وقد جرى على منوال املتقدمني من بلغتنا مؤلفاهتم يف علوم احلديث مثل القاضي احلسن‬
‫بن عبدالرمحن الرامهرمزي (‪ ) 11– 11‬يف كتابه "احملدث الفاصل"‪.‬‬
‫واحلاكم أيب عبداهلل النيسابوري ( ‪.)41 -‬‬
‫واحلافظ أيب بكر أمحد بن علي بن ثابت اخلطيب البغدادي ( ‪ )41 - 7‬يف كتابه‪:‬‬
‫"الكفاية"‪.‬‬
‫فلم يعرفوا احلديث احلسن‪.‬‬

‫( ) التوسل والوسيلة (ص‪ ،)77-77 :‬نشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪- 8-‬‬
‫واملشهور أن أول من عرف احلديث احلسن‪.‬‬
‫هو اإلمام الرتمذي – رمحه اهلل – وتعريفه ينطبق على احلسن لغريه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال رمحه اهلل‪" .‬وما ذكرنا يف هذا الكتاب‪ :‬حديث حسن فإمنا أردنا به حسن إسناده‬
‫عندنا‪ ،‬كل حديث يروى‬
‫ال يكون يف إسناده من يتهم بالكذب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال يكون احلديث شاذا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويروى من غري وجه"( )‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومل ينسب هذا التعريف إىل أهل احلديث‪ ،‬ومل يتجاوز به كتابه "اجلامـع" إىل مؤلفات غريه‬
‫من أئمة احلديث‪.‬‬
‫وعرفه اإلمام أبوسليمان محد بن حممد بن إبراهيم اخلطايب (‪ ) 77- 7‬فقال‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫"مث اعلموا أن احلديث عند أهله على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫حديث صحيح‪ ،‬وحديث حسن‪ ،‬وحديث سقيم‪.‬‬
‫فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته‪.‬‬
‫واحلسن ما عرفه خمرجه واشتهر رجاله‪ ،‬وعليه مدار أكثر احلديث وهو الذي يقبله أكثر‬
‫العلماء‪ ،‬ويستعمله عامة الفقهاء"( )‪.‬‬
‫وثارت حول هذا التعريف للحسن اعرتاضات كثرية من علماء احلديث وفنونه‪.‬‬
‫وعرفه احلافظ أبوالفرج‪ /‬عبدالرمحن بن على بن اجلوزي (‪.) 78- 1‬‬ ‫‪-‬‬
‫بأنه‪" :‬احلديث الذي فيه ضعف قريب حمتمل ويصلح للعمل"( )‪.‬‬
‫قال احلافظ أبوعمرو عثمان بن عبدالرمحن املعروف بابن الصالح (‪ )14 - 88‬بعد أن‬ ‫‪-4‬‬
‫ساق هذه التعاريف‪:‬‬
‫"قلت‪ :‬كل هذا مستبهم ال يشفي الغليل وليس فيما ذكره الرتمذي واخلطايب مـا يفصل‬
‫احلسن من الصحيح‪ ،‬وقد أمعنت النظر يف ذلك والبحث جامعـا بني أطراف كالمهم‬
‫مالحظا مواقع استعماهلم فتنقح يل واتضح أن احلديث احلسن قسمان‪:‬‬

‫( ) جامع الرتمذي ( ‪ ،)8 7/‬كتاب العلل الصغري‪.‬‬


‫( ) معامل السنن مع خمتصر املنذري وهتذيب ابن القيم أليب داود‪.) / ( :‬‬
‫( ) املوضوعات ( ‪.) /‬‬

‫‪- 9-‬‬
‫أ – أحدمها‪ :‬احلديث الذي ال خيلو رجال إسناده من مستور مل تتحقق أهليته غري أنه ليس‬
‫مغفال كثري اخلطأ فيما يرويه وال هو متهم بالكذب يف احلـديث‪ ،‬أي مل يظهر منه تعمد‬
‫الكذب يف احلديث وال سبب آخر مفسق‪ ،‬ويكون منت احلديـث مع ذلك قد عرف بأن‬
‫روى مثله أو حنوه من وجه آخر أو أكثر حىت اعتضد مبتابعة من تابع راويه على مثله أو‬
‫مبا له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا‬
‫وكالم الرتمذي على هذا القسم يتنزل‪.‬‬
‫ب – القسم الثاين‪ :‬أن يكون راويه من املشهورين بالصدق واألمانة غري أنه مل يبلغ درجة‬
‫رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم يف احلفظ واإلتقان‪ ،‬وهو مع ذلك يرتفع عن حال من‬
‫يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا‪ ،‬ويعترب يف كل هذا مع سالمة احلديث من أن يكون‬
‫شاذا ومنكرا سالمته من أن يكون معلال‪ ،‬وعلى القسم الثاين يتنزل كالم اخلطايب‪ ،‬فهذا‬
‫الذي ذكرناه جامع ملا تفرق يف كالم من بلغنا كالمه يف ذلك( )‪.‬‬
‫ومل تشف هذه التعريفات كلها القاضي بدر الدين حممد بن إبراهيم بن مجاعة (‪-1 7‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.)8‬‬
‫قال بعد أن ذكرها مع تعريف ابن الصالح‪.‬‬
‫"قلت‪ :‬ويف كل هذه التعريفات نظر‪.‬‬
‫أما األول‪ :‬والثاين‪ :‬فألن الصحيح أو أكثره كذلك أيضا‪ ،‬فيدخل الصحيح يف حد‬
‫احلسن‪ ،‬ويرد على األول الفرد من احلسن فإنه مل يرو من وجه آخر‪.‬‬
‫ويرد على الثاين‪ :‬ضعيف عرف خمرجه واشتهر رجاله بالضعف‪.‬‬
‫وأما الثالث‪ :‬فيتوقف على معرفة الضعف القريب احملتمل وهو أمر جمهول‪ ،‬وأيضا فيه دور‪،‬‬
‫ألنه عرفه بصالحيته للعمل به‪ ،‬وذلك يتوقف على معرفة كونه حسنا‪.‬‬
‫وأما األول من القسمني‪ ،‬فريد عليه الضعيف واملنقطع واملرسل الذي يف رجاله مستور‬
‫وروى مثله أو حنوه من وجه آخر‪.‬‬
‫ويرد على الثاين وهو أقرهبا املتصل الذي اشتهر راويه مبا ذكر فإنه كذلك وليس حبسن يف‬
‫االصطالح‪.‬‬

‫( ) علوم احلديث‪ ،‬ص‪.) 7- 1( :‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫مث عرف احلسن بقوله‪:‬‬
‫خال عن العلل ويف سنده املتصل مستور له به شاهد‬ ‫"قلت‪ :‬ولو قيل‪ :‬احلسن كل حديث ٍ‬
‫أو مشهور قاصر عن درجة اإلتقان لكان أمجع ملا حددوه وقريبا مما حاولوه…( )‪.‬‬
‫وأخصر منه‪ :‬ما اتصل سنده وانتفت علله … يف سنده مستور‪ ،‬وله شاهد‪ ،‬أو مشهور‬
‫غري متقن( )‪.‬‬
‫وقال العالمة احلسني بن عبداهلل الطييب ( ‪ )84‬يف خالصته( ) بعد أن ذكر التعريفات‬ ‫‪-1‬‬
‫السابقة واعرتاضات ابن مجاعة عليها وتعريفه للحسن‪.‬‬
‫"أقول‪ :‬أعلم أن هذا املقام صعب مرتقاه وعقبة كؤودة من استعلى ذروهتا‪ ،‬مث احندر منها‬
‫وقف على أكثر اصطالحات هذا الفن وعثر على جل أنواعه بإذن اهلل تعاىل وال ميكن‬
‫الوقوف على احلق إال بتحرير كالم يفصل بني الصحيح والسقيم واملعوج واملستقيم‪،‬‬
‫فنحن نشرح احلدود على طريق يندفع عنها النظر"‪ ،‬مث شرح احلدود وناقشها بنفس‬
‫طويل‪.‬‬
‫مث جاء بتعريف جديد فقال‪:‬‬
‫"فلو قيل‪ :‬هو مسند من قرب من درجة الثقة أو مرسل ثقة وروى كالمها من غري وجه‬
‫وسلم عن شذوذ وعلة لكان أمجع وأبعد من التعقيد"‪.‬‬
‫وهيهات هيهات من أن يسلم فما مسافة هذا القرب؟ والذي حيتاج إىل أن يأيت من وجه‬
‫آخر هو احلسن لغريه‪ ،‬فكيف يكون أمجع وقد خرج منه احلسن لذاته أهم نوعي احلسن‪.‬‬
‫وألقى أبوالفتح تقي الدين حممد بن علي بن وهب القشريي املعروف بابن دقيق العبد‬ ‫‪-8‬‬
‫( ‪ )81 -1‬نظرة فاحصة على هذه التعريفات الثالثة(‪ )4‬يف كتابه "االقرتاح"( ) فقال‪:‬‬
‫اللفظ الثاين احلسن" ويف حتقيق معناه اضطراب فذكر تعريف اخلطايب‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫"وهذه عبارة ليس فيها كبري تلخيص‪ ،‬وال هي – أيضا – على صناعة احلدود والتعريفات‪.‬‬

‫قال حمقق املنهل حيث النقط ألفاظ امنحت يف أصل الكتاب وزالت متاما‪.‬‬ ‫( )‬
‫املنهل الروي ص‪.) 4- :‬‬ ‫( )‬
‫ص‪.)4 - 7( :‬‬ ‫( )‬
‫أي تعريف الرتمذي واخلطايب وابن اجلوزي‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪.) -8‬‬ ‫( )‬

‫‪- 11 -‬‬
‫فإن الصحيح – أيضا – قد عرف خمرجه وأشتهر رجاله فيدخل الصحيح يف حـد احلسن مث‬
‫مضى يف عرض وجهات نظره وأخذه ورده فناقش تعريف الرتمذي وعرج على تعريف ابن‬
‫اجلوزي فناقشه وذكر تعريف ابن الصالح‪ ،‬مث قال‪ :‬وهذا كالم فيه مباحثات ومناقشات‬
‫على بعض األلفاظ‪ ،‬مث أبدى وجهة نظره مبا ال يتسع له املقام وال يشفي الغليل يف‬
‫الوقت نفسه‪.‬‬
‫وقال أبوالفتح حممد بن حممد بن حممد بن سيد الناس اليعمري (‪ )8 4‬متعقبا تعريفات‬ ‫‪-7‬‬
‫الرتمذي واخلطايب وابن اجلوزي‪.‬‬
‫وأما كالم الرتمذي فقد اعرتض عليه اإلمام أبوعبداهلل بن املواق بأنه مل مييز الصحيح من‬
‫احلسن‪ ،‬فإنه ما من حديث صحيح إال وشرطه‪ :‬أال يكون شاذا وأال يكون يف رجاله‬
‫متهم بالكذب وقد اعرتض غريه بغري هذا االعرتاض‪.‬‬
‫وكذلك قول اخلطايب‪ :‬ما عرف خمرجه … إىل آخره يدخل حتته أيضا‪ :‬قسما الصحيح‬
‫واحلسن‪.‬‬
‫وأما الذي قال فيه ضعف يسري حمتمل‪ ،‬فلم يبني مقدار الضعف ما هـو؟ وال أتى مبا تبلغ‬
‫درجته أن يعرض عليه فيه‪ ،‬وباجلملة فأجود هذه التعاريف للحسن ما قاله الرتمذي وعليه‬
‫من االعرتاض ما رأيت‪ ،‬و هو أبوعذرة هذا املنزع ومل يسبقه أحد إىل هذا املراد باحلسن‪،‬‬
‫ومل يعد من بعده مراده( )‪ ،‬واستمر يف الشرح والبيان ملا أشار إليه – رمحه اهلل‪.‬‬
‫وقال احلافظ مشس الدين حممد بن أمحد الذهيب ( ‪" )847-18‬احلسن"‪ :‬ويف حترير معناه‬
‫اضطراب‪.‬‬
‫وساق تعريفات اخلطايب والرتمذي وابن الصالح وأورد عليها اعرتاضات ومؤاخذات‪ ،‬مث‬
‫قال‪" :‬وقد قلت لك إن احلسن ما قصر سنده قليال عن رتبة الصحيح وسيظهر لك‬
‫بأمثلة‪.‬‬
‫مث ال تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل األحاديث احلسان فيها فأنا على إياس من‬
‫ذلك‪ ،‬فكم من حديث تردد فيه احلفاظ هل هو حسن أو ضعيف أو صحيح؟‪.‬‬

‫( ) النفح الشذي‪.) 87- 17/ ( :‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫بل احلافظ الواحد يتغري اجتهاده يف احلديث الواحد فيوما يصفه بالصحة ويوما يصفه‬
‫باحلسن ولرمبا استضعفه‪.‬‬
‫وهذا حق‪ ،‬فإن احلديث احلسن يستضعفه احلافظ عن أن يرقيه إىل رتبة الصحيح‪ ،‬فبهذا‬
‫االعتبار فيه ضعف ما‪ ،‬إذ احلسن ال ينفك عن ضعف ما‪ ،‬ولو انفك لصح باتفاق( )‪.‬‬
‫وأورد احلافظ ابن حجر مناقشة للعالئي والتربيزي البن دقيق العيد ودافع عنه خالل كالمه‬
‫مث قال‪:‬‬
‫"وقد رأيت لبعض املتأخرين يف احلسن كالما يقتضي أنه‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫"احلديث الذي يف رواته مقال لكن مل يظهر فيه مقتضى الرد فيحكم على حديثه‬
‫بالضعف‪ ،‬وال يسلم من غوائل الطعن فيحكم حلديثه بالصحة"‪.‬‬
‫‪ -7‬وقال ابن دحية "احلديث احلسن هو مادون الصحيح مما فيه ضعف قريب حمتمل‪ ،‬عن راو‬
‫ال ينتهي إىل درجة العدالة وال ينحط إىل درجة الفسق‪ ،‬مث ناقشه احلافظ مث أورد تعريف‬
‫ابن مجاعة السابق وناقشه من وجوه"( )‪.‬‬
‫‪ - 1‬وقال السخاوي ( ‪ )71‬بعد مناقشات لتعريفات احلسن‪:‬‬
‫" ولذلك مع اختالل غريها من تعاريفه قيل‪ :‬أنه ال يطمع يف متييزه‪ ،‬ولكن احلق أن من‬
‫خاض حبار هذا الفن سهل ذلك عليه كما قاله شيخنا‪ ،‬ولذا عرف احلسن لذاته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"هو احلديث املتصل اإلسناد برواة معروفني بالصدق يف ضبطهم قصور عن ضبط رواة‬
‫الصحيح وال يكون معلوال وال شاذا"‪.‬‬
‫وحمصله أنه هو والصحيح سواء إال يف تفاوت الضبط‪ ،‬مث شرح هذا التعريف‪.‬‬
‫‪ -‬مث قال‪" :‬وأما مطلق احلسن فهو الذي اتصل سنده بالصدوق الضابط املتقن غري تامهما‬
‫أو بالضعيف مبا عدا الكذب إذا اعتضد مع خلومها من الشذوذ والعلة"( )‪.‬‬
‫واملتأمل يرى أن هذين التعريفني قد سارا يف مضمار تلك التعاريف املضطربة‪.‬‬
‫فتعريف احلافظ غري جامع إذ اقتصر فيه على تعريف احلسن لذاته‪.‬‬

‫( ) املوقظة ص (‪.) 7- 1‬‬


‫( ) النكت البن حجر على ابن الصالح ( ‪.)417-414/‬‬
‫( ) فتح املغيث ص‪ )18-11( :‬حتقيق األعظمي‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫وتعريف السخاوي غريمانع إذ يدخل فيه أنواع من الضعيف الشديد الضعف الذي ال‬
‫ينجرب‪.‬‬
‫وهو ما قيل فيه ساقط وهالك وذاهب ومرتوك وفيه نظر وسكتوا عنه وال يعترب به وليس‬
‫بالثقة ورد حديثه أو حديثه مردود وضعيف جدا وواه مبرة‪ ،‬وقد طرحوا حديثه وارم به‪،‬‬
‫مطرح‪ ،‬ليس بشيء ال يساوي شيئا‪ ،‬وهو من أعلم الناس هبذا وقد تكلم على هذه‬
‫األلفاظ وشرحها وبني أهنا من النوع الذي ال يعترب به وانظر ذلك يف كتابه فتح املغيث‪،‬‬
‫ص‪. 8 - 8 :‬‬
‫عرضت للقاري هذه النقول والتعريفات للحسن وما دار حوهلا من مناقشات وكيف حار‬
‫العلماء يف تعريفه واضطربت أقواهلم فيه وامتد هـذا قرونا إىل عصر السخاوي بل إىل يومنا هذا ألن‬
‫أبا غدة وتلميذه وزميله حممد عوامه قد ذهبا يف حبثهما اآليت عرضه ومناقشته إىل أن اصطالح‬
‫أئمة احلديث يف احلديث احلسن قد مت وعرف قبل اإلمام الرتمذي وساقا أمثلة كثرية ألئمة قبل‬
‫الرتمذي زعما فيها أن لفظ احلسن الوارد فيها قد أراد به األئمة املعىن اإلصطالحي مبا فيهم اإلمام‬
‫مالك املتقدم جدا على عصر اإلمام الرتمذي ومما قاله الشيخ أبو غدة‪:‬‬
‫"فهذه الشواهد – وغريها كثري – تفيد أن التعبري بوصف (احلسن) انتشر وشاع شيوعا لقي‬
‫القبول وعرف منه املدلول قبل الرتمذي بزمان وهلذا أكثر منه الرتمذي هـذه الكثرة البالغة‪ ،‬يريد‬
‫أبوغدة بقوله‪ :‬وعرف منه املدلول – أي‪ :‬املعىن اإلصطالحي‪.‬‬
‫عرضت لك أقوال العلماء وإطالقاهتم للحسن ومناقشاهتم واضطراهبم يف حتديده ومل‬
‫أستوف كل التعريفات واملناقشات لتدرك أن كل ما جلب به هذان الرجالن باطل يف باطل حيدو‬
‫كل ما صنعاه دوافع مذهلة‪.‬‬
‫وسوف يتضح للقاريء من مناقشتهما فيما يأيت بطالن ما أرجفا به وركبا فيه كل صعب‬
‫وذلول‪.‬‬
‫نقل الشيخ ظفر أمحد العثماين التهانوي يف كتابه "قواعد يف علوم احلديث" ( ) عن اإلمام‬
‫ابن القيم – رمحه اهلل – وعن شيخه شيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل – الكالم اآليت‪:‬‬

‫( ) قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪.) 11-77( :‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫"األصل الرابع‪ :‬األخذ باملرسل( ) واحلديث الضعيف إذا مل يكن يف الباب شيء يدفعه‪،‬‬
‫وهو الذي رجحه على القياس وليس املراد بالضعيف عنده الباطل‪ ،‬وال املنكر‪ ،‬وال ما يف روايته‬
‫متهم بالكذب حبيث ال يسوغ الذهاب إليه فالعمل به‪ ،‬بل احلديث الضعيف عنده قسيم‬
‫الصحيح‪ ،‬وقسم من أقسام احلسن‪ ،‬ومل يكن يقسم احلديث إىل صحيح وحسن وضعيف‪ ،‬بل إىل‬
‫صحيح وضعيف‪ ،‬والضعيف عنده مراتب‪:‬‬
‫فإذا مل جيد يف الباب أثرا يدفعه‪ ،‬وال قول صاحب وال إمجاع على خالفه‪ ،‬كان العمل به‬
‫عنده أوىل من القياس وليس أحد من األئمة إال وهو موافقة على هذا األصل من حيث اجلملة‪،‬‬
‫فإنه ما منهم أحد إال وقد قدم احلديث الضعيف على القياس" أهـ‪.‬‬
‫ونقل عن أصحاب أيب حنيفة أن احلديث الضعيف عندهم أوىل من القياس وضرب لذلك‬
‫أمثلة لعملهم بتقدمي احلديث الضعيف على القياس‪.‬‬
‫مث قال التهانوي‪:‬‬
‫وقال احلافظ ابن تيمية‪ :‬إثبات احلسن اصطالح الرتمذي وغري الرتمذي من أهل احلديث‬
‫ليس عندهم إال صحيح وضعيف‪ ،‬والضعيف عندهم ما احنط عن درجة الصحيح‪ ،‬مث قد يكون‬
‫مرتوكا وهو أن يكون متهما بالكـذب أو كثري الغلط‪ ،‬وقد يكون حسنا بأن ال يتهم بالكذب‪،‬‬
‫وهذا معىن قول أمحد‪:‬‬
‫والعمل بالضعيف أوىل من القياس انتهى من إحياء السنن "نقال عن التحفة املرضية"‪.‬‬
‫مل يعجب أبا غدة وتلميذه حممد عوامة نقل شيخهما التهانوي هلذين النصني عن اإلمامني‬
‫ابن تيمية وابن القيم‪.‬‬
‫واستكثرا على اإلمام أمحد أن يلتزم هبذا املنهج العظيم‪ .‬أن يبتعد عن االحتجاج بالضعيف‬
‫الذي يشمل الباطل واملنكر بل إن الضعيف عنده قسم من أقسام احلسن كما ذكر ذلك ابن القيم‬
‫رمحه اهلل‪.‬‬

‫( ) نقل أبوداود – رمحه اهلل – أن أمحد تابع الشافعي يف ترك االحتجاج باملراسيل – انظر رسالة أيب داود إىل أهل مكة‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪ 4‬يف آخر اجلزء الثامن من خمتصر املنذري وهتذيب السنن البن القيم‪.‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫فدفعتهما عصبيتهما العمياء إىل إثارة عاصفة هوجاء حول كالم ابن تيمية ارتكبا فيها من‬
‫املغالطات والتعسفات لتحقيق غاية رديئة‪ ،‬ما ال خيطر ببال صاحب القلب السليم والعقل‬
‫املستقيم‪.‬‬
‫قال أبوغدة معلقا على ما نقله شيخه التهانوي‪:‬‬
‫‪" -‬حبث أخي تلميذ األمس وزميل اليوم‪ ،‬األستاذ حممد عوامة يف كالم اإلمامني الشيخ ابن‬
‫القيم والشيخ ابن تيمية – رمحهما اهلل تعاىل – املنقول هنا‪ :‬حبثا جيدا‪ ،‬مث علقه على نسخته‬
‫من هذا الكتاب‪ ،‬فأنا أنقله عنه مشكورا سعيه لينظر فيه ويستفاد منه‪ ،‬قال وفقه اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ينبغي أن جيعل احلديث الضعيف يف هذا الباب أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪ -‬الضعيف املنجرب الضعف مبتابعة أو شاهد‪ ،‬وهو ما يقال يف أحد رواته‪ :‬لني‬
‫احلديث أو فيه لني‪.‬‬
‫وهو احلديث امللقب أي باملشبه باحلسن من وجه وبالضعيف من وجه آخر‪ ،‬وهو‬
‫إىل احلسن أقرب‪.‬‬
‫‪ -‬الضعيف املتوسط الضعف‪ ،‬وهـو ما يقـال يف روايه ضعيـف احلـديث أو مردود‬
‫احلديث أو منكر احلديث‪.‬‬
‫‪ -‬الضعيف الشديد الضعف‪ ،‬وهو ما فيه متهم أو مرتوك‪.‬‬
‫‪ -4‬املوضوع‪.‬‬
‫فالشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رمحهما اهلل تعاىل – يدخالن القسم األول حتت‬
‫كالم اإلمام أمحد بناء على أنه يشمله اسم الضعيف من جهة واسم احلسن لغريه من جهة أخرى‪.‬‬
‫والظاهر – واهلل أعلم – إدخال القسم الثاين يف مراد اإلمام أمحد( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬كيف ترضى العصبية القاتلة للشيخ حممد عوامة ولشيخه أيب غدة أن يتسنم اإلمام‬
‫أمحد ومنهجه ومذهبه هذه القمة السامقة أال وهي االحتجاج يف دين اهلل مبا ثبت من صحيح‬
‫السنة وحسنها أي احلسن الذي فيه ضعف بالنسبة إىل الصحيح القوي‪.‬‬
‫كيف يسلمان البن القيم قوله‪" :‬وليس املراد بالضعيف عنده الباطل وال املنكر وال مايف‬
‫روايته متهم بالكذب‪.‬‬

‫( ) التعليق طويل وسأقسمه إىل مقاطع إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫بل احلديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام احلسن"‪.‬‬
‫بل البد أن يهويا مبنهج أمحد ومذهبه إىل احلضيض‪.‬‬
‫والطريق إىل ذلك أن يقال إن مراد أمحد بالضعيف ما يشمل القسم الثاين الذي فيه املردود‬
‫واملنكر‪.‬‬
‫علما بأن املردود يقـع يف مرتبة رديئة جدا تلي مرتبة الكذابني واملتهمني عند العراقي وغريه‬
‫من أهل احلديث‪ ،‬فمن هذه املرتبة الرديئة ما يقول فيه أهل احلديث مردود احلديث‪ ،‬ورد حديثه‬
‫وضعيف جدا واه مبرة‪ ،‬وطرحوا حديثه‪ ،‬وارم به ومطرح احلديث‪ ،‬وليس بشيء‪ ،‬وأحلق السخاوي‬
‫هبذه املرتبة فالن ال يكتب حديثه أي ال احتجاجا وال اعتبارا‪ ،‬وال حتل كتبة حديثه وال حتل الرواية‬
‫عنه( )‪.‬‬
‫وهذه املرتبة ال حيتج هبا وال يعترب هبا وال يستشهد هبا عند أهل احلديث‪.‬‬
‫واملنكر عند أيب غدة يشمل‪:‬‬
‫‪ -‬رواية املتهم بالكذب‪.‬‬
‫‪ -‬وفاحش الغلط‪.‬‬
‫‪ -‬والغافل عن اإلتقان‪.‬‬
‫‪ -4‬والفاسق بغري الكذب على الرسول ‪.) (‬‬
‫هذا هو التحقيق العلمي الذي اكتشفه الباحث حممد عوامة وأيده شيخه أبوغدة‪.‬‬
‫وهبذا التحقيق الرائع يكون منهج أمحد يف التعامل مع دين اهلل أردأ وأسوأ املناهج‬
‫ومذهبه أحط املذاهب‪.‬‬
‫فأين إمامة أمحد يف اإلسالم وأين ورعه وأين علمه إذ ينسب إىل دين اهلل هذه األلوان‬
‫الرديئة من املرويات؟‪.‬‬
‫هبذا األسلوب املاكر هويا باإلمام أمحد إمام أئمة احلديث يف الفقه والعلم والورع وحتري‬
‫احلق واملوت دونه ومبنهجه ومذهبه إىل أحط املستويات‪.‬‬
‫فاعتربوا يا أويل األبصار كيف تفعل العصبية العمياء بأصحاهبا‪.‬‬

‫( ) (انظر ألفية العراقي البيت‪ ) 44- 4 :‬وفتح املغيث شرح ألفية احلديث‪ ) 4 / ( :‬ط‪ .‬السلفية‪.‬‬
‫( ) انظر فهرست قفو األثر‪ ،‬ص‪. :‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫ومما ال ينقضي العجب منه أن هذين الرجلني ممن يتظاهر حبماية املذاهب األربعة والغرية‬
‫عليها والدفاع عنها وعن أئمتها!!!‬
‫إن اإلمام أمحد رمحه اهلل يتورع عن االحتجاج يف احلالل واحلرام بأمثال حممد بن إسحاق‬
‫أحد حبور العلم واحلديث( ) ويرتدد كثريا يف االحتجاج مبثل عمرو بن شعيب مـن أهل العلم‬
‫واحلديث والتقى‪.‬‬
‫كيف باهلل حيتج باألحاديث املردودة واملنكرة‪ ،‬واملنكر على اصطالحكما‪ .‬يشمل‬
‫روايات الفساق واملتهمني بالكذب من أين لكما هذا الظاهر‪.‬‬
‫‪‬قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقني‪.‬‬
‫‪ -‬قال حممد عوامة وتابعه شيخه‪ :‬والذي محل الشيخ ابن تيمية – ومن تابعه – على هذا‬
‫التفسري لكالم اإلمام أمحد رأي آخر له أي البن تيمية بىن عليه هذا التفسري وهو ادعاؤه‬
‫أن احلديث عند املتقدمني ينقسم إىل صحيح وضعيف فقط‪ ،‬وأن احلسن اصطالح‬
‫أحدثه الرتمذي‪ ،‬بل نقل ابن تيمية اإلمجاع على هـذا اإلدعاء كما يف فتح املغيث‬
‫للسخاوي ص ‪ ،‬وهذا غري صحيح‪ ،‬إذ أن إطالق (احلسن) على احلديث وعلى الراوي‬
‫– أيضا – وارد على لسان عدة من العلماء السابقني للرتمذي من طبقة شيوخه وشيوخ‬
‫شيوخه بل ورد هذا اإلطالق على لسان اإلمام أمحد نفسه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف نكته على مقدمة ابن الصالح‪.‬‬
‫"وأما علي بن املديين فقد أكثر من وصف األحاديث بالصحة وباحلسن يف مسنده "ويف‬
‫علله" وظاهر عبارته قصد املعىن االصطالحي‪ ،‬وكأنه اإلمام السابق هلذا االصطالح‪ ،‬وعنه‬
‫أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغري واحد وعن البخاري أخذ الرتمذي"( )‪.‬‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن هذا الرد غري منطقي وغري سليم وذلك أن شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن‬
‫القيم مل ينفيا عن املتقدمني على الرتمذي إطالق لفظ (احلسن) وإمنا نفيا اصطالحهم على تقسيم‬
‫احلديث إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫( ) سيأيت الكالم عن حممد بن إسحاق وعمرو بن شعيب وأمثاهلما يف حينه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪.) 1 - 1 ( :‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫صحيح‪ ،‬وحسن‪ ،‬وضعيف‪.‬‬
‫فالرد املفحم إمنا يكون بإثبات هذا التقسيم عن املتقدمني باألدلة الواضحة واحلجج‬
‫القاطعة‪.‬‬
‫أما أن تذكرا جمرد ورود لفظ احلسن عن املتقدمني من غري أن تعلما مقاصد السلف يف‬
‫إطالقه فهذا أسلوب العاجز بل اجلاهل الذي ال يعـرف كيف يقرع احلجة باحلجة ويقرع السنان‬
‫بالسنان‪.‬‬
‫وقد مضى مناذج من مراد السلف من إطالقهم لفظ احلسن وسيأيت الكثري إن شاء اهلل من‬
‫ذلك مع بيان مقاصدهم مما ال يرتك ألهل اهلوس أدىن شبهة فضال عن احلجج والرباهني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يف قول حممد عوامة يف حق ابن تيمية … وهو ادعاؤه ‪ ..‬بل نقل اإلمجاع على هذا‬
‫اإلدعاء‪ ،‬تطاول وإساءة أدب مع إمام واسع اإلطالع ال يبارى وال جيارى يف اطالعه وفهمه كما‬
‫ال يبارى يف صدقه يف النقل‪.‬‬
‫ففي قولكما هذا تكذيب له وتطاول عليه ال حيتمل من أمثالكما ممن يتخبط ويرسف يف‬
‫أغالل التقليد األعمى‪ ،‬إن ابن تيمية مع سعة اطالعه وصدقه مل حيك اإلمجاع‪.‬‬
‫فكيف تسرتوحان إىل فهم السخاوي حيث نسب إليه اإلمجاع‪.‬‬
‫إن مؤلفات اإلمام ابن تيمية بني أيديكما‪ ،‬فلماذا مل ترجعا إليها لتتأكدا هل نقل اإلمجاع‬
‫أو ال؟ وإنين – لقرائن كثرية – أفهم جيدا أسباب اسرتواحكما فاهلل حسيبكما‪.‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫ثالثا‪ :‬وهي الطامة أن الشيخ حممد عوامة قد نقل هنا من كالم احلافظ ما يوافق هواه‬
‫ويشيد حبثه وترك من كالمه ما يزلزل حبثه وجيعله يرتنح ويضطرب‪ ،‬وهذا تصرف بغيض جدا تأباه‬
‫النفوس األبية اليت حترتم صدق الكلمة وتعرف قدر األمانة العامة فضال عن أمانة العلم والنقل وال‬
‫أستبعد اطالع شيخه أيب غدة على هذا التصرف الكريه واقراره عليه‪.‬‬
‫وأنا أنقل للقاريء الكرمي الكالم الذي كتمه وأسدل عليه الستار حمـمد عوامة ليصل إىل‬
‫هدفه وأقره عليه شيخه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف "النكت على ابن الصالح"‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ع) (يعين شيخه العراقي)‪:‬‬
‫"وقد وجد التعبري باحلسن يف كالم شيوخ الطبقة اليت قبل الرتمذي كالشافعي"‪.‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬أقول‪ :‬قد وجد التعبري باحلسن يف كالم من هو أقدم من الشافعي‪.‬‬
‫قال إبراهيم النخعي‪ :‬كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن خيرج الرجل حسان حديثه‪.‬‬
‫وقيل لشعبة‪ :‬كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟‬
‫قال من حسنها فررت‪.‬‬
‫ووجد‪" :‬هذا من أحسن األحاديث إسنادا يف كالم علي بن املديين وأيب زرعة الرازي وأيب‬
‫حامت ويعقوب بن شيبة‪ ،‬ومجاعة‪.‬‬
‫فأما ما وجد‬‫لكن منهم من يريد بإطالق ذلك املعىن االصطالحي ومنهم من ال يريده‪َّ ،‬‬
‫من ذلك يف عبارة الشافعي ومن قبله بل ويف عبارة أمحد بن حنبل‪ ،‬فلم يتبني يل منهم إرادة املعىن‬
‫االصطالحي‪ ،‬بل ظاهر عبارهتم خالف ذلك‪ ،‬فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنهما ‪ -‬يف استقبال بيت املقدس حال قضاء احلاجة بكونه حسنا خالف االصطالح‪ ،‬بل‬
‫هو صحيح متفق على صحته‪.‬‬
‫وكذا قال الشافعي ‪ -‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬يف حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن‬
‫ابن مسعود ‪ -‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬يف السهو‪.‬‬
‫وأما أمحد‪ ،‬فإنه سئل فيما حكاه اخلالل عن أحاديث نقض الوضوء مبس الذكر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أصح ما فيها حديث أم حبيبة ‪ -‬رضي اهلل تعاىل عنها ‪.-‬‬
‫قال‪ :‬وسئل عن حديث بسرة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ ،-‬فقال‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫قال اخلالل‪ :‬حدثنا أمحد بن أصرم أنه سأل أمحد عن حديث أم حبيبة ‪ -‬رضي اهلل عنها‬
‫‪ -‬يف مس الذكر فقال‪ :‬هو حديث حسن‪ .‬فظاهر هذا أنه مل يقصد املعىن االصطالحي‪ ،‬ألن‬
‫احلسن ال يكون أصح من الصحيح‪.‬‬
‫وأما أبوحامت‪ ،‬فذكر ابنه يف كتابه "اجلرح والتعديل" يف باب من امسه عمرو من حرف العني‬
‫عمرو بن حممد ‪ -‬روى عن سعيد بن جبري وأيب زرعة بن عمرو بن جرير روى عنه إبراهيم بن‬
‫طهمان‪ ،‬سألت أيب عنه فقال‪ :‬هو جمهول واحلديث الذي رواه عن سعيد بن جبري حسن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكالم أيب حامت هذا حمتمل‪ ،‬فإنه يطلق اجملهول على ما هو أعم من املستور وغريه‪،‬‬
‫فيحتمل أن يكون حكم على احلديث باحلسن‪ ،‬ألنه روى من وجه آخر‪ ،‬فيوافق كالم الرتمذي‪.‬‬
‫( )‬
‫وحيتمل أن يكون حكم باحلسن‪ ،‬وأراد املعىن اللغوي أي أن متنه حسن ‪ -‬واهلل أعلم –‬
‫انتهى كالم احلافظ‪.‬‬
‫فإذا ألقينا نظرة على كالم األئمة الذين ذكرهم احلافظ ظهر لنا أن قول النخعي"كانوا إذا‬
‫اجتمعوا كرهوا أن خيرج الرجل حسان حديثه"‪ .‬إخبار عن أهل عصره من شيوخه وأقرانه أهنم‬
‫يقصدونه باحلسن املعىن اللغوي أي أهنم يطلقون احلسن على األحاديث الضعيفة والغريبة‬
‫واملستنكرة اليت ينمقها رواهتا ويزخرفوهنا باأللفاظ الفصيحة واألساليب اخلالبة‪.‬‬
‫وظهر لنا من سؤال السائل لإلمام شعبة وجواب شعبة قصد املعىن اللغوي‪ ،‬وقد رأينا قول‬
‫احلافظ‪" :‬لكن منهم من يريد املعىن االصطالحي ومنهم من ال يريده‪.‬‬
‫فأما ما وجد من ذلك يف عبارة الشافعي ومن قبله بل ويف عبارة أمحد‪ ،‬فلم يتبني يل منهم‬
‫إرادة املعىن االصطالحي‪ ،‬بل ظاهر عبارهتم خالف ذلك"‪.‬‬
‫وهنا نتساءل هل هذا الكالم يدعم حبث أيب غدة وتلميذه أو يزلزله وجيعله متهاوي‬
‫األركان‪.‬‬
‫واجلواب أنه يزلزل حبثهما ويضره إىل حد بعيد‪.‬‬
‫أعتقد أن حممد عوامة فكر وقدر مث فكر وقدر مث عبس وبسر مث إخفاءه قرر‪.‬‬

‫( ) النكت على ابن الصالح ( ‪ )4 1-4 4/‬وانظـر احملـدث الفاصـل ص ( ‪ ) 1‬فقـد أورد كـالم النخعـي‪ ،‬وكـالم شـعبة‬
‫أخرج ــه اب ــن أيب ح ــامت يف مقدم ــة اجل ــرح والتع ــديل ( ‪ ) 41/‬واخلطي ــب يف تارخي ــه (‪ ) 7 / 1‬ويف اجل ــامع ( ‪) 1 /‬‬
‫بإسناد جيد‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫مث مضيا يف طريقهما الباطل خيطفان كلمة (احلسن) من هنا وهناك وحيرفان معانيها‬
‫ويلوياهنا عن مقاصد من أطلقها مومهني القراء والسامعني أن كل من أطلق لفظ (احلسن) من قبل‬
‫الرتمذي إمنا أرادوا به املعىن االصطالحي‪.‬‬
‫وفعال انطلت هذه املغالطات والتمويهات على كثري من طالب العلم بل انطلت على‬
‫محلة الشهادات العليا من دكاترة وغريهم‪ .‬ولكن ‪‬وال حتسنب اهلل غافال عما يعمل الظاملون‪.‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫اإلمام علي بن المديني‬
‫ومراده من إطالق لفظ "الحسن"‬
‫رابعا‪ :‬سوف يأيت ما يتعلق باإلمام أمحد يف موضعه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫وقول احلافظ‪" :‬وأما علي بن املديين‪ ،‬فقد أكثر من وصف األحاديث بالصحة واحلسن يف‬
‫"مسنـده" و"علله"‪ ،‬فظاهر عبارته قصد املعىن االصطالحي‪ ،‬وكأنه اإلمام السابق هلذا االصطالح‪،‬‬
‫وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغري واحد‪ ،‬وعن البخاري أخذ الرتمذي"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬يف كالم احلافظ هذا نظر‪.‬‬
‫وذلك أن علي بن املديين وإن كان إماما كبريا يف احلديث وعلومه وإن كان اليشك يف أن‬
‫اإلمام البخاري ويعقوب وغريمها قد استفادوا من علومه وارتووا من منريها‪.‬‬
‫لكن الذي يظهر يل أن احلافظ ومن يف عصره بل وقبل عصره مل يدركوا من مؤلفات علي‬
‫بن املديين إال القطعة املوجودة إىل اآلن من "علله" و"األخوة واألخوات" و"سؤاالت حممد بن أيب‬
‫شيبة لإلمام علي بن املديين"‪.‬‬
‫ومن األدلة على ذلك‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن املسند قد تلف يف حياة اإلمام علي بن املديين نفسه‪.‬‬
‫قال احلافظ يعقوب بن شيبة – رمحه اهلل – املتوىف سنة سبع وسبعني ومائتني عن بضـع ومثانني‬
‫سنة‪ ،‬وأحد األعالم من تالميذ علي بن املديين – رمحه اهلل – يف سياق قصة لعلي بن املديين يف‬
‫تأرخيه( )‪.‬‬
‫"… فأخربين العباس بن عبدالعظيم‪ ،‬أو هذا الذي من ولد جويرية‪ ،‬قال‪ :‬قال علي‪ :‬كنت‬
‫صنعت املسند على الطرق مستقصى‪ ،‬وكتبته يف قراطيس‪ ،‬وصريته يف قمطر كبرية‪ ،‬وخلفته يف‬
‫املنـزل‪ ،‬وغبت هذه الغيبة( )‪ ،‬فلما قدمت ذهبت يوما ألطالع ما كنت كتبت‪ ،‬قال‪ :‬فحركت‬
‫القمطر‪ ،‬فإذا هي ثقيلة رزينة خبالف ما كانت‪ ،‬ففتحتها‪ ،‬فإذا األرضة قد خالطت الكتب‪،‬‬
‫فصارت طينا‪ ،‬فلم أنشط بعد جلمعه"‪.‬‬

‫( ) املعرفة والتأريخ ( ‪ ،) 8/‬وانظر تاريخ بغداد ( ‪ ،)41 /‬وسري أعالم النبالء ( ‪.)47/‬‬
‫( ) أي إىل اليمن‪.‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫هذه قصة املسند صارت أخبارا تروى من حياة املؤلف وتالميذه إىل يومنا هذا‪ ،‬فكيف‬
‫اطلع عليه احلافظ؟‬
‫الشك أن كالم احلافظ قام على الظن ال على اإلطالع على املسند وسربه ومعرفة منهج‬
‫مؤلفه فيه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وأما العلل فأعتقد أن مصريها مصري املسند وسائر كتب علي بن املديين املفقود‬
‫معظمها من قبل اخلطيب البغدادي‪ ،‬وما أعتقد بقي من العلل من وقت سابق لعهد احلافظ ابن‬
‫حجر إال القطعة الصغرية املوجودة اآلن بأيدي الناس‪.‬‬
‫قال الدكتور عبداملعطي قلعجي حمقق القطعة الباقية من العلل‪" :‬وخمطوطة هذا الكتاب‬
‫‪-‬‬ ‫تقع يف أربع عشرة ورقة حمفوظة ضمن جمموعة يف سراي أمحد الثالث رقم ‪( 4/1 4‬من‬
‫‪، 17‬أ)‪ ،‬وذكر أهنا كتبت سنة ‪8 7‬هـ وعنها صورة مبعهد املخطوطات ‪ ،‬رقم ‪ …84‬وهي‬
‫خبط أيب بكر بن علي بن إمساعيل البهنسي( )‪.‬‬
‫وللتأكد رجعت إىل فهرس معهد املخطوطات اجلزء املذكور فوجدت املعلومات كما ذكر‬
‫وأن وفاة الناسخ املذكور كانت سنة ‪8 7‬هـ إال أنه ذكر أن القطعة تقع يف ورقة ووصف‬
‫الناسخ بأنه شافعي‪.‬‬
‫ومن أجل معرفة ما إذا كان احلافظ قد وقف على العلل البن املديين وقرأها فعال أوال‪:‬‬
‫رجعت إىل كتابه "جتريد أسانيد الكتب املشهورة واألجزاء املنثورة" املسمى بـ (املعجم املفهرس)‬
‫للحافظ ابن حجر والذي هو مظنة ذكر هذا الكتاب وهو مصور بقسم املخطوطات باجلامعة‬
‫اإلسالمية حتت رقم ‪ 8 7‬عن نسخة دار الكتب املصرية راجعت الباب الثالث( ) يف فنون‬
‫احلديث ذكر فيه كتب علوم احلديث مثل "احملدث الفاصل" للرامهرمزي‪.‬‬
‫و"علوم احلديث " للحاكم أيب عبداهلل‪ ،‬و"الكفاية" واجلامع للخطيب البغدادي‪ ،‬وغريها‪..‬‬
‫ومن هذا الباب فصل يف العلل‪.‬‬
‫ذكر فيه جزأ فيه سؤاالت أيب بكر األثرم أمحد بن حنبل وسؤاالت خطاب بن بشر لإلمام‬
‫أمحد‪.‬‬

‫( ) مقدمة العلل ص‪. :‬‬


‫( ) الب ــاب امل ــذكور يق ــع يف املعج ــم م ــن (ل‪- 1‬ل ‪ ،) 4‬وق ــد راجع ــت احتياط ــا فص ــلني م ــن املسلس ــالت والش ــروح م ــن‬
‫) إىل (ص‪.) 77 :‬‬ ‫(ل‪- 4‬ل‪ ) 8‬فلم أعثر على الكتاب املذكور ويقع يف املطبوع من (ص‪:‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫وكتاب "العلل" أليب عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري‪.‬‬
‫وكتاب "العلل" البن أيب حامت‪.‬‬
‫وكتاب "العلل" للخالل‪ ،‬وكتاب "العلل" للدارقطين‪.‬‬
‫و"جزء فيه املسائل" أليب حممد عبداهلل بن مسلم بن قتيبة‪.‬‬
‫ومل أجد ذكرا لكتاب "العلل" البن املديين‪.‬‬
‫أفرتى أن لو كان كتاب "العلل" البن املديين يف حوزته وداخــل ضمن مروياته يهمله وفيه‬
‫شرف كبري له؟‬
‫بل لو كان موجودا لذكره يف طليعة هذا الفصل ألمهيته ومكانتـه اليت يعرفها احلافظ أكثر‬
‫من غريه‪.‬‬
‫بل إن احلافظ أبابكر حممد بن خري األموي االشبيلي ( ‪ 8 - 1‬هـ) مل ير هذا الكتاب‬
‫ومل يدخل يف نطاق مروياته ومسموعاته فلم يذكره يف فهرسته وقد كان معاصرا أليب طاهر السلفي‬
‫( ‪ ) 81-48‬الذي كان يروي هذه القطعة بإسناده والبن خري منه إجازتان باملكاتبة فيما وقفت‬
‫عليه من فهرسته( )‪.‬‬
‫بل روى عن أيب طاهر فهرسته عن غري واحد من أصحابه وأخذها عنه إجازة باملكاتبة‪،‬‬
‫الرحال‪.‬‬
‫فلو كان كتاب العلل أو شيء منه يستحق الرحلة لشد ابن خري إليه ِّ‬
‫وكذلك مل يذكره مشس الدين حممد بن جابر الوادي آشي (‪847‬هـ) يف برناجمه‪.‬‬
‫بل أعتقد أن القطعة املذكورة مل تصل إىل يد احلافظ ابن حجر إذ لو وصلت إليه لذكرها‬
‫– واهلل أعلم – إذ مهم أهل العلم ال تقصر عن مثل هذا السيما احلافـظ ابن حجر – رمحه اهلل ‪.-‬‬
‫ويف ضوء ما سبق أستطيع القول‪:‬‬
‫بأن قول احلافظ ابن حجر – رمحه اهلل ‪.-‬‬
‫"وأما علي بن املديين فقد أكثر من وصف األحاديث بالصحة وباحلسن يف "مسنده" ويف‬
‫"علله" فظاهر عبارته قصد املعىن االصطالحي وكان اإلمام السابق هلذا االصطالح"‪.‬‬
‫هو قول قائم على ظن جمرد دفعه إليه شهرة ابن املديين لدى أهل احلديث باملعرفة الواسعة‬
‫باحلديث وعلله‪.‬‬

‫( ) انظر ص‪ 4 1 ، 87 :‬من الفهرست املذكور‪.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫وإذن فال ينبغي التشبث بكالم احلافظ بعد معرفة واقع هذين الكتابني‪ ،‬وهذه أكرب قاعدة‬
‫لبحث الشيخني أيب غدة وتلميذه حممد عوامة قد هتاوت واحلمد هلل حتت معاول البحث اجلاد‬
‫املنصف الذي يتحرى احلق ويأنف املغالطات والتلبيسات والتعصب األعمى‪.‬‬
‫مث لتنتقل إىل القطعة الباقية من كتاب "العلل" البن املديين لتبديد بقية األوهام واخلياالت‬
‫اليت قد يتعلق هبا الباحثان أبوغدة وحممد عوامة‪.‬‬
‫إعلم أيها القاريء الكرمي أنين مل أجد يف القطعة املذكورة إال حديثا واحدا مما أطلق علي‬
‫بن املديين عليه "لفظ احلسن" وهو‪" :‬قال علي يف حديث عمر‪" :‬أن النيب ‪ ‬قال‪( :‬إين ممسك‬
‫حبجزكم عن النار)"‪.‬‬
‫قال علي‪ :‬هذا حديث حسن اإلسناد‪ ،‬وحفص بن محيد جمهول ال أعلم أحـدا روى عنه‬
‫إال يعقوب القمي‪ .‬ومل جند هذا احلديث عن عمر إال من هذا الطريق وإمنا يرويه أهل احلجاز من‬
‫حديث أيب هريرة"( )‪.‬‬
‫وقد روى هذا احلديث هبذا اإلسناد يعقوب بن شيبة يف (مسنده) من مسند عمر – رضي‬
‫اهلل عنه( )‪.‬‬
‫وقال‪" :‬هو حديث حسن اإلسناد غري أن يف إسناده رجال جمهوال‪ ،‬رواه يعقوب القمي‪،‬‬
‫عن حفص بن محيد عن عكرمة عن ابن عباس‪ ..‬وحفص بن محيد هذا ال نعلـم أحدا روى عنه‬
‫إال يعقوب القمي‪ ،‬وال حنفظ هذا احلديث عن عمر رضي اهلل عنه إال من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقد رواه أهل املدينة عن أيب هريرة‪ ،‬وقد أخرجنا ما حضرنا بأسانيد حسـان متفرقة‪ ،‬عن‬
‫أيب هريرة وابن عباس‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬وأمساء بنت أيب بكر عن النيب ‪.‬‬
‫وقد روى عبداهلل بن أنيس‪ ،‬عن عمر رضي اهلل عنه من آخر هذا احلديث شيئـا نأيت به يف‬
‫موضعه إن شاء اهلل"‪.‬‬
‫فإطالق علي بن املديين ويعقوب بن شيبة للفظ "احلسن"على إسناد فيه جمهول عندمها‬
‫دليل واضح على أهنما ال يريدان املعىن االصطالحي‪ ،‬بل املعىن اللغوي‪.‬‬

‫( ) (ص ‪ ) 1‬الفقرة‪ ، 11 :‬حتقيق حممد مصطفى األعظمي‪ .‬و (ص‪ ،) 8‬حتقيق عبداملعطي قلعجي‪.‬‬
‫( ) ص‪.)7 -7 ( :‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫وهذا ال يدع جماال للتعلق بقول احلافظ ابن حجر – رمحه اهلل – "وظاهر عبارته قصد املعىن‬
‫االصطالحي"‪ ،‬كما سبق أن قررناه من أن احلافظ مل يطلع على "العلل" وال على "املسند" البن‬
‫املديين‪ .‬ولقيام هذا الدليل اآلن من كالم علي يف "العلل" ولو كان كتاب العلل كامال ملا بعد أن‬
‫جند الكثري من النصوص فيها إطالق علي لفظ احلسن إطالقا لغويا إما على الغريب املنكر وإما‬
‫على الصحيح لوجود النوعني بكثرة عند احملدثني القدامى‪.‬‬
‫ومينع من إرادة علي للمعىن االصطالحي أن يف إسناد هذا احلديث علال‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬جهالة حفص بن محيد يف نظره‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنه مع جهالته قد تفرد برواية هذا احلديث عن عمر‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬خمالفته لعـدد من الثقات من حفاظ أهل املدينة الذين رووا هذا احلديث عن أيب‬
‫هريرة وغريه من الصحابة وليس فيهم عمر بن اخلطاب‪.‬‬
‫ولو كان من حديث عمر لكانوا أوىل الناس حبفظه وروايته فكيف يستأثر هذا اجملهول‬
‫حبفظ ماغاب عن حفاظ أهل املدينة من حديث أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب – رضي اهلل عنه‪-‬‬
‫‪.‬‬
‫أضف إىل ما سبق أن من منهج أئمة احلديث اإلعالل باملخالفة فيعلون كثريا من أحاديث‬
‫الثقات مبخالفة من هو أرجح منهم بالكثرة أو باحلفظ أو بغريمها من القرائن واملرجحات وعلي بن‬
‫املديين من أمههم‪.‬‬
‫فكيف ال يعل مبخالفة رجل غريب جمهول لعدد من حفاظ أهل املدينة يروونه عن أيب‬
‫هريرة وغريه من الصحابة ليس فيهم عمر‪.‬‬
‫وهذه أمثلة للقارئ مما أعل فيها علي بن املديين باملخالفة أخذهتا من القطعة الباقية من‬
‫"علله"‪.‬‬
‫"قال علي‪ :‬حديث أيب هريرة‪ ،‬عن النيب ‪( :‬من جعل على القضاء فقد ذبح بغري‬
‫سكني)‪.‬‬
‫أ – فقال‪ :‬رواه ابن أيب ذئب‪ ،‬عن عثمان بن حممد األخنسي وروى عثمان هذا أحاديث‬
‫مناكري‪ ،‬عن سعيد بن املسيب عن أيب هريرة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ورواه عبداهلل بن جعفر خيالف ابن أيب ذئب يف إسناده‪.‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫ج ‪ -‬ورواه عن األخنسي عن املقربي وعبدالرمحن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬واحلديث عندي‬
‫حديث املقربي"( )‪.‬‬
‫وقد وضح الدكتور حممد مصطفى األعظمي االختالف يف طرق هذا احلديث يف حاشيته‬
‫على جزء "العلل" الذي حققه بأن احلديث روي عن ابن املسيب عن أيب هريرة وعن األعرج عن‬
‫أيب هريرة‪ ،‬وعن املقربي عن أيب هريرة فرجح ابن املديين أن احلديث عن املقربي عن أيب هريرة‪.‬‬

‫حتقيق‪ :‬األعظمي‪.‬‬ ‫( ) العلل البن املديين‪ ،‬ص‪ 87 :‬رقم‬

‫‪- 28 -‬‬
‫علل حديث أن النبي صلى اهلل عليه وسلم رأى رجال يدعو رافعا يديه‬
‫ص ‪7‬‬
‫‪ - 7‬وقال علي‪" :‬حديث أيب هريرة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم رأى رجال يدعو رافعا يديه‪،‬‬
‫عن القعقاع عن أيب صاحل عن أيب هريرة‪.‬‬
‫رواه جرير عن األعمش عن أيب صاحل مرسال‪.‬‬
‫ورواه أبو معاوية عن األعمش‪ ،‬عن أيب صاحل‪ ،‬عن أيب سعيد‪.‬‬
‫ورواه وكيع عن األعمش عن النيب ‪ ‬رأى سعدا‪ ..‬واحلديث عندي حديث القعقاع"‪.‬‬
‫فقد رجح رواية القعقاع على رواية األعمش‪.‬‬
‫وقد روى احلديث عنه أبو معاوية ووكيع ومها من مها‪.‬‬
‫ص ‪7‬‬
‫‪ - 1‬قال‪" :‬حديث أيب هريرة (من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم جاره)‪ ،‬فقال‪ :‬رواه مالك‬
‫وابن عجالن عن سعيد املقربي عن أيب شريح اخلزاعي‪.‬‬
‫ورواه عبدالرمحن بن اسحاق فخالفهما‪ ،‬فرواه عن سعيد املقربي عن أيب هريرة‪.‬‬
‫واحلديث عندي حديث مالك وابن عجالن وأخطأ عبدالرمحن بن اسحاق"‪.‬‬
‫فقد رجح علي رواية اثنني على رواية عبدالرمحن مع الفرق بينه وبني حفص بن محيد الذي‬
‫خالف أهل املدينة‪ .‬وعبدالرمحن ابن اسحاق مشهور خمتلف فيه بني أهل احلديث فمنهم من يوثقه‬
‫ومنهم من تكلم فيه‪ ،‬وقال فيه احلافظ‪" :‬صدوق رمي بالقدر"‪.‬‬
‫ص ‪7‬‬
‫‪ -‬قال علي‪ :‬حديث أيب سلمة عن أيب هريرة عن النيب ‪( :‬إن الرحم شجنة‬ ‫رقم‬
‫من الرمحن)‪.‬‬
‫رواه حممد بن عمرو‪ ،‬عن أيب سلمة‪ ،‬عن أيب هريرة‪.‬‬
‫وهو عندي خطأ الشك فيه‪.‬‬
‫ألن الزهري رواه عن أيب سلمة عن أيب رواد الليثي عن عبدالرمحن بن عوف وهو عندي‬
‫الصواب"‪.‬‬
‫مع أن احلديث ثابت من طرق إىل أيب هريرة‪.‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫رواه البخاري( ) قال‪ :‬حدثنا خالد بن خملد حدثنا سليمان حدثنا عبداهلل بن دينار عن‬
‫أيب صاحل عن أيب هريرة مرفوعا‪ ،‬ورواه اإلمام أمحد من طريق حممد بن كعب القرظي عن أيب‬
‫هريرة( ) ومن طريق أيب رافع عن أيب هريرة( )‪.‬‬
‫والشاهد‪ :‬أن علي بن املديين أعل حديث أيب هـريرة باإلختالف وإن كان صحيحا عند‬
‫البخاري وغريه‪.‬‬
‫فكيف ال يعل علي أحاديث اجملهولني إذا خالفوا عددا من الثقات احلفاظ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ص ‪ 7‬حديث‬
‫قال علي‪" :‬حديث أيب هريرة‪ :‬أن النيب ‪ ‬بعث عبداهلل بن حذافة يطوف مبىن‪.‬‬
‫فقال‪ :‬رواه صاحل بن أيب األخضر‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن سعيد بن املسيب‪ ،‬عن أيب هريرة‪.‬‬
‫ورواه معمر‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن مسعود بن احلكم أن النيب ‪ ‬بعث ابن حذافة‪.‬‬
‫واحلديث حديث معمر‪ ..‬وحديث صاحل غلط"‪.‬‬
‫وصاحل قال فيه احلافظ‪ :‬ضعيف يعترب به"‪.‬‬
‫فقد رجح علي رواية معمر وهو واحد يف مقابل صاحل‪.‬‬
‫فكيف ال يرجح رواية مجاعة من أهل املدينة على واحد جمهول يف نظره‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ص‪ 78-71‬رقم‬
‫قال علي‪ :‬حديث أيب هـريرة‪ ،‬كان بني خالد وبني عبدالرمحن بن عوف بعض ما يكون بني‬
‫الناس‪.‬‬
‫فقال‪ :‬رواه زائدة‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن أيب صاحل عن أيب هريرة‪ ،‬ورواه األعمش خيالف عاصما‬
‫يف إسناده‪.‬‬
‫فرواه‪ ،‬عن أيب صاحل عن أيب سعيد‪ ،‬وال حيفظ من حديث سهيل‪ ،‬واألعمش أثبت يف أيب‬
‫صاحل من غريه"‪.‬‬
‫فقد رجح واحدا على واحد بأن األعمش أثبت من غريه يف أيب صاحل‪.‬‬

‫( ) يف األدب – باب من وصل وصله اهلل حديث‪777 :‬‬


‫( ) ( ‪.)4 ،411 ، 7 ، 7/‬‬
‫( ) ( ‪.) 44 /‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫وإذا تذكرت ما سبق من علل يف حديث حفص بن محيد اجملهول عنده‪ ،‬وعرفت منهج‬
‫علي بن املديين يف إعالله األحاديث باملخالفة يف ضوء القواعد املعلومة عند احملدثني وتبني لك‬
‫جليا أن إطالق علي بن املديين لفظ احلسن على إسناد فيه جمهول رافقته علل أخرى‪ ،‬إطالق‬
‫لغوي ال ميرتي يف ذلك من شم رائحة علوم احلديث‪.‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫مراد البخاري من اطالق لفظ الحسن‬
‫لقد تتبعت إطالق البخاري للفظ احلسن يف أكرب مظانه أال وهو "العلل الكبري" لإلمام‬
‫الرتمذي‪ ،‬فوجدته يطلقه تارة على الضعيف وتارة على الصحيح ويف كثري من األحيان يطلقه على‬
‫الفرد الغريب سواء أكان من األفراد الصحاح من روايات الثقات احلفاظ املتقنني كالثوري وابن‬
‫عيينة وأمثاهلما أم من أفراد املتوسطني من الرجال أم من أفراد الضعفاء حىت من شديدي الضعف‪.‬‬
‫وسوف يظهر لك ذلك من خالل مناقشة األمثلة اليت ذكرها حممد عوامة وأبوغدة‪ ،‬ومن‬
‫األمثلة اليت سأقوم باضافتها لتوضيح منهج البخاري يف اطالقه لفظ احلسن ومقصوده من اطالقه‪.‬‬
‫‪-‬قال حممد عوامة ناقال عن احلافظ ابن حجر‪:‬‬
‫"فمن ذلك ما ذكر الرتمذي يف "العلل الكبري" أنه سأل البخاري‪ ،‬عن أحاديث التوقيت‪،‬‬
‫يف املسح على اخلفني‪ ،‬فقال – أي البخاري – "حديث صفوان بن عسال صحيح‪ ،‬وحديث أيب‬
‫بكرة حسن‪.‬‬
‫وحديث صفوان الذي أشار إليه موجود فيه شرائط الصحة وحديث أيب بكرة على شرط‬
‫احلسن لذاته"( )‪.‬‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن الشيخ حممد عوامة قد حذف من كالم احلافظ ابن حجر كالما لو أبقاه الهتز‬
‫حبثه وهو الكالم اآليت‪:‬‬
‫"وحديث أيب بكرة الذي أشار إليه – رواه ابن ماجه من روايـة املهاجـر أيب خملد" عن‬
‫عبدالرمحن بن أيب بكرة‪ ،‬عن أبيه – رضي اهلل عنه – به‪ ،‬واملهاجر‪ ،‬قال وهيب‪ :‬إنه كان غري‬
‫حافظ‪.‬‬
‫وقال ابن معني‪" :‬صاحل"‪.‬‬
‫وقال الساجي‪" :‬صدوق"‪.‬‬
‫وقال أبوحامت‪" :‬لني احلديث‪ ،‬يكتب حديثه"‪.‬‬
‫فهذا على شرط احلسن لذاته‪ ،‬كما تقرر"( ) انتهى كالم احلافظ الذي حذفه حممد عوامة‪.‬‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص ( ‪.) 1‬‬


‫( ) النكت البن حجر على ابن الصالح ( ‪.)4 7-4 8/‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫ولعل القاريء يتساءل ملاذا حذف هذا الكالم؟‬
‫واجلواب‪ :‬حيتمل – واهلل أعلم – أن الباحث حممد عوامة رجع إىل ترمجة املهاجر يف كتب‬
‫الرجال‪ ،‬فوجد أن احلافظ ابن حجر نفسه قال يف مهاجر إنه مقبول‪ .‬وأن اإلمام الذهيب قد حكى‬
‫تليينه يف كتبه الثالثة "امليزان"( )‪ ،‬و"ديوان الضعفاء"( ) و"املغين"( )‪.‬‬
‫وهو يعلم أن احلافظ قد قال يف التقريب أن من قال فيه مقبول أن ذلك عند املتابعة وإال‬
‫فلني احلديث‪.‬‬
‫وهو – أي حممد عوامة – قد صنف يف هذا البحث من يقال فيه لني احلديث يف النوع‬
‫األول من الضعيف‪.‬‬
‫وهو يريد أن يستفيد من كالم البخاري هذا‪ ،‬ومن كالم احلافظ ابن حجر أن البخاري‬
‫أطلق لفظ "احلسن" مريدا به املعىن اإلصطالحي‪.‬‬
‫لكن بالبحث والتأمل حىت يف تقييم احلافظ نفسه للمهاجر ينتج أن البخاري أطلق لفظ‬
‫"احلسن" على حديث أيب بكرة باملعىن اللغوي أي أنه غريب والغريب هنا هو الضعيف‪.‬‬
‫فرأى حممد عوامة أنه ال ميكن اخلروج من هذا املأزق إال حبذف هذا الكالم حول املهاجر‬
‫أيب خملد‪.‬‬
‫وبذلك يستقيم حبثه ويستوي على أشده‪.‬‬
‫وحيتمل أن احلذف مت لقصد اإلختصار وفيه بعد واهلل أعلم حبقيقة احلال وهو الذي ال‬
‫ختفى عليه خافية وهو الرقيب على عباده‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن يف نقل احلافظ ابن حجر – رمحه اهلل – عن الرتمذي والبخاري – رمحهما اهلل –‬
‫نظرا من جهتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن الرتمذي قال يف "العلل الكبري"(‪:)4‬‬
‫"سألت حممدا فقلت‪ :‬أي احلديث عندك أصح يف التوقيت يف املسح على اخلفني؟‪.‬‬
‫قال‪" :‬حديث صفوان بن عسال‪ ،‬وحديث أيب بكرة حسن"‪.‬‬

‫(‪ ) 74/4‬نقل فيه تليني وهيب وأيب حامت واقتصر على ذلك‪.‬‬ ‫( )‬
‫(ص‪ ) 17 :‬اقتصر فيه على تليني وهيب‪.‬‬ ‫( )‬
‫( ‪ )171/‬اقتصر فيه على تليني وهيب‪.‬‬ ‫( )‬
‫( ‪ ) 8 /‬يف املطبوع و (ل‪ ) 1‬من املخطوطة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫ونقل البيهقي( ) هذا اللفظ عن الرتمذي‪.‬‬
‫ونقله الزيلعي( ) عن "علل الرتمذي"‪.‬‬
‫وفرق بني ما قاله الرتمذي ونقله عنه البيهقي والزيلعي وبني ما نقله عنه احلافظ‪ ،‬ويرتجح‬
‫يل املوجود يف العلل ويؤكده النقل السابق عنه ورمبا كان ما نقله احلافظ سبق قلم أو ناشيء عن‬
‫سهو‪.‬‬
‫إن ما نقله احلافظ يفيد أن البخاري قد صحح حديث صفوان بن عسال‪ ،‬واملوجود يف‬
‫العلل واملنقول عن الرتمذي ال يفيد ذلك‪ ،‬وهذا أمر معروف لدى أهل هذا الشأن‪ ،‬والباحثان‬
‫أبوغدة وحممد عوامة يعرفان ذلك جيدا‪.‬‬
‫وقد علق الشيخ أبو غدة على كالم شيخه التهانوي مبا يأيت‪:‬‬
‫‪ - 1‬يف (باب التكبري يف صالة العيدين)‪: 71/ :‬‬
‫وقال النووي يف األذكار يف باب اذكار صالة التسبيح‪ ،‬ص‪" 17‬ال يلزم من قوهلم‪:‬‬
‫(أصح شيء يف هذا الباب كذا) صحة احلديث‪ ،‬فإهنم يقولون‪:‬هذا أصح ما جاء يف الباب وإن‬
‫كان ضعيفا ومرادهم أرجحه وأقله ضعفا"‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إن يف إسناد حديث صفوان بن عسال عاصم بن أيب النجود أحد القراء السبعة‪.‬‬
‫قال الذهيب فيه‪" :‬ثبت يف القراءة وهو يف احلديث دون الثبت صدوق يهم"‪.‬‬
‫قال حيىي القطان‪ :‬ما وجدت رجال امسه عاصم إال وجدته رديء احلفظ‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬ليس حبافظ‪.‬‬
‫وقال الدارقطين‪ :‬يف حفظ عاصم شيء‪.‬‬
‫وقال أبوحامت‪ :‬حمله الصدق‪.‬‬
‫وقال ابن خراش‪ :‬يف حديثه نكرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هو حسن احلديث‪ ،‬وقال أمحد وأبوزرعة‪ :‬ثقة‪ ،‬وقلت‪ :‬خرج له الشيخان لكن‬
‫مقرونا بغريه ال أصال وانفرادا"( )‪.‬‬

‫( ) السنن الكربى ( ‪.) 81/‬‬


‫( ) نصــب الرايــة‪ ) 17/ ( :‬وقــال الرتمــذي عقــب اخ ـراج حــديث صــفوان‪ ،‬وهــذا حــديث حســن صــحيح‪ :‬وقــال حممــد بــن‬
‫إمساعيل‪ " :‬أحسن شيء يف هذا الباب حديث صفوان بـن عسـال املـرادي وهـذا يؤكـد مـا ذكرنـاه مـن أن البخـاري ال يريـد‬
‫بعبارته السابقة أن حيكم له بالصحة‪.‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫وقال احلافظ‪":‬صدوق له أوهام"( )‪.‬‬
‫ومن هذا حاله ال يستقيم تصحيح حديثه‪ ،‬بل يضعف وأحسن أحواله أن حيسن على‬
‫اصطالح املتأخرين‪.‬‬
‫أن حديث صفوان بن‬ ‫وعلى هذا فيكون حديث أيب بكرة دونه‪ ،‬فيكون مراد البخاري‪َّ .‬‬
‫عسال أرجح من حديث أيب بكرة وأقل ضعفا ويكون إطالق احلسن على حديث أيب بكرة إطالقا‬
‫لغويا ال اصطالحيا‪ ،‬ألن املهاجر تفرد به فيكون احلسن مبعىن الغريب الفرد املنكر ألنه تفرد به راو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫‪ -4‬نقل الشيخ‪ /‬حممد عوامة عن احلافظ ابن حجر قوله‪:‬‬
‫ذكر الرتمذي – أيضا – يف "اجلامع" أنه سأله عن حديث شريك بن عبداهلل النخعي عن‬
‫أيب اسحاق‪ ،‬عن عطاء ابن أيب رباح‪ ،‬عن رافع بن خديـج – رضي اهلل تعاىل عنه – قال‪ :‬إن النيب‬
‫‪ ‬قال‪( :‬من زرع يف أرض قوم بغري اذهنم فليس له من الزرع شيء وله نفقته)‪.‬‬
‫وهو من أفراد شريك‪ ،‬عن أيب اسحاق‪.‬‬
‫فقال البخاري‪" :‬هو حديث حسن"‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وتفرد شريك مبثل هذا األصل‪ ،‬عن أيب اسحاق مع كثرة الرواة عن أيب اسحاق مما يوجب‬
‫التوقف عن االحتجاج به‪ ،‬لكنه اعتضد مبا رواه الرتمذي – أيضا – من طريق عقبة بن األصم‪،‬‬
‫عن عطاء‪ ،‬عن رافع – رضي اهلل تعاىل عنه – فوصفه باحلسن هلذا"… انتهى كالم احلافظ‪.‬‬
‫وانظر يف نصب الراية‪ ) 4/ ( :‬ففيه نص آخر يف حتسني البخاري حلديث آخر( )"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ال يظهر قصد املعىن اإلصطالحي من قول البخاري هذا يف حديث رافع‪.‬‬
‫وال يف حديث عثمان يف ختليل اللحية‪ ،‬املشار إليه يف نصب الراية‪.‬‬
‫أما حديث شريك فهو يف جامع الرتمذي(‪.)4‬‬
‫وقد قال الرتمذي عقب روايته‪ :‬هذا حديث حسن غريب ال نعرفه من حديث أيب إسحاق‬
‫إال من هذا الوجه من‪ ..‬حديث شريك بن عبداهلل‪.‬‬

‫امليزان ( ‪.) 8/‬‬ ‫( )‬


‫التقريب‪.‬‬ ‫( )‬
‫حاشية قواعد يف علوم احلديث للتهانوي‪ ،‬ص‪1 :‬‬ ‫( )‬
‫‪ -‬كتاب األحكام ‪ - 7‬باب ما جاء فيمن زرع يف أرض قوم بغري إذهنم حديث‪11 :‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫والعمل على هذا احلديث عند بعض أهل العلم وهو قول أمحد وإسحاق‪.‬‬
‫وسألت حممد بن إمساعيل عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪ :‬هو حديث حسن‪ ،‬وقال‪" :‬ال أعرفه‬
‫من حديث أيب إسحاق إال من رواية شريك"‪.‬‬
‫قال حممد‪ :‬حدثنا معقل بن مالك البصري‪ ،‬حدثنا عقبة بن األصم‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن رافع‬
‫بن خديج‪ ،‬عن النيب ‪ ‬حنوه‪.‬‬
‫وقال يف العلل( ) الكبري للرتمذي‪.‬‬
‫قال – بعد أن روى احلديث من طريق شريك بإسناده ‪:-‬‬
‫"سألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪ :‬هو حديث شريك الذي تفرد به عن أيب‬
‫إسحاق"‪.‬‬
‫قال حممد‪ :‬ونا معقل بن مالك‪ ،‬عن عقبة بن األصم عن عطاء‪ ،‬قال‪ :‬نا رافع بن خديج‬
‫هبذا احلديث ومعقل بن مالك بصري"‪.‬‬
‫وليس فيه ذكر التحسني فاهلل اعلم هل الصواب مايف العلل أو مايف اجلامع إذ يف نسخة‬
‫اختالف‪ .‬خاصة يف أحكام الرتمذي بالصحة واحلسن والغرابة‪ ،‬وهذا معروف لدى أهل احلديث‪،‬‬
‫وقد نبه على ذلك ابن الصالح وغريه‪.‬‬
‫قال ابن الصالح – رمحه اهلل – يف مقدمته( )‪:‬‬
‫"وختتلف النسخ من كتاب الرتمذي يف قوله‪ :‬هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن‬
‫صحيح‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬فينبغي أن تصحح أصلك جبماعة أصول‪ ،‬وتعتمد على ما اتفقت عليه"‪.‬‬
‫والذي ينبغي أن نالحظه ونفهمه بدقة أن الرتمذي قد قال‪" :‬هذا حديث حسن غريب ال‬
‫نعرفه من حديث أيب إسحاق إال من حديث شريك‪.‬‬
‫وأن البخاري كذلك قال ال أعرفه من حديث أيب إسحاق إال من رواية شريك‪.‬‬
‫إذن فمراد البخاري باحلسن هنا هو الغرابة والتفرد ألن شريكا قد تفـرد بـه عـن أيب إسحاق‬
‫وأغرب به‪.‬‬
‫وأن البخاري كذلك قال‪ :‬ال أعرفه من حديث أيب إسحاق إال من رواية شريك‪.‬‬

‫( ) ( ‪ ) 14- 1 /‬واملخطوط لـ ‪.87‬‬


‫( ) (ص‪.) :‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫إذن فمراد البخاري باحلسن هنا هو الغرابة والتفرد‪ ،‬ألن شريكا قد تفرد به عن أيب إسحاق‬
‫وأغرب به‪.‬‬
‫وال يريد بذلك املعىن اإلصطالحي قطعا‪.‬‬
‫وأما حديث عثمان رضي اهلل عنه يف ختليل اللحية املشار إليه يف نصب الراية‪ ،‬فقد قال‬
‫الرتمذي رمحه اهلل يف "جامعه"( ) بعد إخراجه حديث عمار‪" :‬قال حممد بن إمساعيل أصح شيء‬
‫يف هذا الباب‪ ،‬حديث عامر بن شقيق‪ ،‬عن أيب وائل عن عثمان‪.‬‬
‫مث رواه بإسناده من طريق عامر بن شقيق عن أيب وائل عن عثمان مرفوعا مث قال‪" :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫ويف العلل الكبري( ) للرتمذي‪.‬‬
‫قال حممد‪ :‬أصح شيء عندي يف التخليل حديث عثمان قلت‪ :‬إهنم يتكلمون يف هذا‬
‫احلديث‪ ،‬فقال‪" :‬هو حسن"‪.‬‬
‫فالظاهر أنه يريد بلفظ "احلسن" املعىن اللغوي‪.‬‬
‫وقد صححه الرتمذي كما ترى ولعل هذا بناء منه على جواب البخاري‪.‬‬
‫وقد صححه ابن خزمية وابن حبان واحلاكم وغريهم‪ ،‬نقل ذلك احلافظ يف هتذيب‬
‫التهذيب( )‪ .‬بعد أن نقل تصحيح الرتمذي وجواب البخـاري للرتمذي يف العلل‪ ،‬فإن قيل كيف‬
‫يصحح حديثا وفيه كعامر بن شقيق وقد تكلم فيه‪ ،‬قلنا‪ :‬قد عرف ذلك البخاري فلم يلتفت إىل‬
‫الكالم فيه‪ ،‬وقد تكلم بعض األئمة يف رجال من رواة صحيحه ومل يلتفت إىل كالمهم لعدم ثبوت‬
‫اجلرح فيهم عنده‪.‬‬
‫قال أبوغدة‪:‬‬
‫‪" -‬وأزيد على ما تقدم ما جاء يف إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪ ، 1/‬قال الرتمذي يف كتاب‬
‫"العلل"‪.‬‬
‫سألت البخاري‪ ،‬عن حديث (لعن اهلل احمللل واحمللل له)‪ ،‬فقال‪" :‬هو حديث حسن"‪.‬‬

‫( ) أبواب الطهارة ‪-‬باب ما جاء يف ختليل اللحية‪ ،‬حديث ‪، 1‬‬


‫) واملخطوط ل ‪.‬‬ ‫( ) ( ‪، 4/‬‬
‫( ) ( ‪.)17/‬‬

‫‪- 37 -‬‬
‫قلت‪ :‬احلديث يف "العلل الكبري"( )‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪:‬‬
‫"حدثنا حممد بن حيىي‪ ،‬نا معلى بن منصور‪ ،‬عن عبداهلل بن جعفر املخرمي( )‪ ،‬عن عثمان‬
‫بن حممد األخنسي‪ ،‬عن سعيد املقربي‪ ،‬عن أيب هريرة أن النيب ‪ ‬لعن احمللل واحمللل له‪.‬‬
‫فسألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪" :‬هو حديث حسن وعبداهلل بن جعفر املخرمي‬
‫صدوق ثقة‪ ،‬وعثمان بن حممد األخنسي ثقة‪ ،‬وكنت أظن أن عثمان مل يسمع من سعيد املقربي"‪.‬‬
‫إسناد هذا احلديث صحيح يف نظر اإلمام البخاري‪ ،‬فمحمد بن حيىي هو اإلمام الذهلي‪.‬‬
‫ومعلى بن منصور إمام من رجال السنة ثقة سين‪.‬‬
‫وسعيد بن أيب سعيد املقربي من رجال الستة ثقة‪.‬‬
‫وعبداهلل بن جعفر املخرمي( ) قال فيه البخاري‪ :‬صدوق ثقة‪.‬‬
‫وعثمان بن حممد األخنسي(‪ )4‬قال فيه البخاري ثقة‪.‬‬
‫فاحلديث صحيح عند البخاري أطلق عليه لفظ احلسن إطالقا لغويا لعله يف نظره فرد‬
‫غريب‪.‬‬
‫‪ -1‬قال حممد عوامة – وتابعه شيخه أبوغدة – "وهلذا قال ابن الصالح‪" :‬ويوجد – أي التعبري‬
‫باحلسن اإلصطالحي يف متفرقات من كالم بعض مشايخ الرتمذي والطبقة اليت قبله‪ ،‬كأمحد بن‬
‫حنبل والبخاري وغريمها" انتهى‪.‬‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عبارة ابن الصالح – رمحه اهلل – هي‪" :‬كتاب أيب عيسى الرتمذي – رمحه اهلل –‬
‫أصل يف معرفة احلديث احلسن‪ ،‬وهو الذي نوه بامسه وأكثر من ذكره يف جامعه‪ ،‬ويوجد يف‬
‫متفرقات من كالم بعض مشاخيه والطبقة اليت قبله كأمحد بن حنبل والبخاري وغريمها"‪.‬‬

‫( ‪.)4 8/‬‬ ‫( )‬
‫يف "العلل" "املخزومي" والتصويب من كتب الرجال وهو مشهور‪.‬‬ ‫( )‬
‫انظــر هتــذيب التهــذيب ( ‪ ) 8 /‬حيــث قــال‪ :‬وقــال الرتمــذي مــدين ثقــة‪ ،‬وقــال يف "العلــل" عــن حممــد بــن إمساعيــل‪:‬‬ ‫( )‬
‫"صدوق ثقة"‪.‬‬
‫انظر هتذيب التهذيب (‪ ) - /8‬حيث قال‪ :‬ونقل الرتمذي يف كتابه عن البخاري انه وثقه‪ ،‬وهذا القول‪ ،‬الظاهر‬ ‫(‪)4‬‬
‫انه يف "جامع الرتمذي"‪ ،‬وقد رأيت توثيقه له يف "العلل"‪.‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫ولعل يف كالمه هذا ما يؤيد كالم ابن تيمية – رمحه اهلل – يف أن الرتمذي هو السابق إىل‬
‫هذا اإلصطالح‪ ،‬وهذا يؤخذ من قوله‪" :‬كتاب أيب عيسى أصل يف معرفة احلديث احلسن"‪.‬‬
‫وملا كان هناك فرق بني استعمال الرتمذي هلذا اللفظ وبني غريه يدركـه ابن الصالح وغريه‪،‬‬
‫لفت النظر إىل هذا الفرق بقوله‪" :‬ويوجد يف متفرقات من كالم بعض مشاخيه‪") ( ..‬اخل‪.‬‬
‫ولو كان قصده أن املعىن اإلصطالحي موجود يف كالم مشاخيه لقال ابن الصالح‪" :‬وقد‬
‫تلقى الرتمذي هذا من مشاخيه أو حنو هذا‪ ،‬بل الستغىن عن هذا التنبيه والتفريق"‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أدرج حممد عوامة وأقره شيخه – العبـارة اآلتية – أي التعبري باحلسن اإلصطالحي –‬
‫يف كالم ابن الصالح‪ ،‬وعبارة ابن الصالح هي‪" :‬ويوجد يف متفرقات من كالم بعض مشاخيه" اخل‪،‬‬
‫فرتتب على هذا اإلدراج اخلفي أن كثريا من القراء ال يفهم إال أن هذا الكالم كله كالم ابن‬
‫الصالح‪ ،‬وقد أجريت جتارب عديدة على نبهاء من طالب الدراسات العليا وعلى بعض الدكاترة‪،‬‬
‫فلم يفطنوا إىل هذا اإلدراج اخلفي‪ ،‬بل كانوا حني يقرأون هذا الكالم يعتقدون أنه كله كالم ابن‬
‫الصالح‪ ،‬ففي تصرف عوامة ومتابعة شيخه له حتميل كالم ابن الصالح ما ال حيتمـل‪ ،‬وإيهام‬
‫القاريء الفطن فضال عن غريه أن من كان قبل الرتمذي يطلقون لفظ "احلسن" وهم يريدون به‬
‫املعىن اإلصطالحي‪ .‬وهذا أمر مل يفهمه أحد من كالم ابن الصالح ممن شرح كتابه‪ ،‬أو انتقده‪ ،‬أو‬
‫نكت عليه‪ - ،‬وما أكثرهم وما أشد فطنتهم ألن كالمه ال يدل عليه – حىت أتى أبوجبدة هذا‬
‫اإلكتشاف الشيخ حممد عوامة ففهم هذا املعىن الذي ال خيطر على بال أذكياء العلماء ودسه يف‬
‫كالم ابن الصالح بطريقة تدل على براعة نادرة‪.‬‬
‫فهذا أبوالفتح ابن سيد الناس يقول – معلقا على عبارة ابن الصالح – "كتاب الرتمذي‬
‫أصل يف معرفة احلسن وهو الذي نوه بامسه وأكثر من ذكره يف "جامعه"‪ ،‬ويوجد يف متفرقات من‬
‫كالم بعض مشاخيه والطبقة اليت قبلهم ‪..‬اخل" – يقول معلقا‪:‬‬
‫"ولكن مل يذكر اإلمام أبوعمرو‪ :‬هل هو يف مصطلح من تقدم الرتمذي أو ال؟ بـل لعله‬
‫عند قائليه من املتقدمني جيري جمرى الصحيح‪ ،‬ويدخل يف أقسامه‪ ،‬فإهنم مل يرمسوا له رمسا يقف‬
‫عرفوا مرادهم منه بتعريف جيب املصري إليه‪ ،‬ومل يذكر الرتمذي يف التعريف به ما‬
‫الناظر عنده‪ ،‬وال َّ‬
‫ذكر حاكيا عن غريه وال مشريا إىل أنه هو اإلصطالح املفهوم من كالم من تقدمه‪ ،‬بـل ذكر ما‬

‫( ) مقدمة ابن الصالح‪ :‬ص ‪.‬‬

‫‪- 39 -‬‬
‫ذكر من ذلك حاكيا عن مصطلحه مع نفسه يف كتابه "اجلامع( )‪ ..‬اخل‪ .‬تأمل كالم هذا الفحل‬
‫من فحول العلم‪ ،‬فمع توقد ذكائه وفطنته مل يفهم املعىن اإلصطالحي من عبارة ابن الصالح‪،‬‬
‫ويرى أن الرتمذي اصطلح على ذلك لنفسه خاصة‪ ،‬ومل يشر إىل أنه اصطالح من قبله وال حكاه‬
‫عنهم‪.‬‬
‫وقد قلت لك‪ :‬إن أول من فهم هذا الفهم من عبارة ابن الصالح‪ :‬إمنا هو الشيخ حممد‬
‫عوامة وتابعه شيخه ومع أهنما من أسرى ودعاة التقليد واجلمود والتعصب‪ .‬فقد أتيا مبا مل تستطعه‬
‫األوائل‪.‬‬
‫وقد تبني لك مما سبق عن أهل احلديث قبل البخاري مبا فيهم علي بن املديين أهنم‬
‫يكثرون من اطالق احلسن اطالقا لغويا‪ ،‬فحىت البخاري نفسه يكثر من اطالق احلسن اطالقا لغويا‬
‫كما سيأيت إن شاء اهلل‪ ،‬أمثلة كثرية من تصرفات البخاري‪.‬‬
‫‪ -8‬قال الشيخ حممد عوامة‪:‬‬
‫"وما جاء يف فيض القدير للمناوي‪ - 11- 7/ :‬عند حـديث (إن اهلل ليؤيد الدين‬
‫بالرجل الفاجر‪.‬‬
‫قال السيوطي‪ :‬رواه الطرباين‪ ،‬عن عمرو بن النعمان بن مقرن‪ ،‬فتعقبه املناوي بأنـه متفق‬
‫عليه‪ .‬رواه الشيخان يف "صحيحيهما"‪ ،‬مث قال املناوي‪ .‬وممن رواه الرتمذي يف "العلل" عن أنس‬
‫مرفوعا مث ذكر أنه سأل عنه البخاري‪ ،‬فقال‪" :‬حديث حسن" حدثناه حممد بن املثىن"( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬قال الرتمذي يف "العلل الكبري"( )‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا حممد بن بشار‪ ،‬نا حبان بن هالل‪ ،‬نا أبوخزمية عن مالك بن دينار‪ ،‬عـن احلسن‪،‬‬
‫عن أنس بن مالك‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال‪( :‬إن اهلل ليؤيد الدين بالرجل الفاجر)‪.‬‬
‫مث قال‪ :‬سألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪" :‬هو حديث حسن"‪.‬‬
‫وقد حدثنا حممد بن املثىن‪.‬‬
‫قال أبوعيسى‪ :‬واسم أيب خزمية يوسف‪.‬‬
‫ماذا يريد البخاري هنا باطالق احلسن؟‬

‫( ) النفح الشذي‪.) 1 - 7 / ( :‬‬


‫( ) قواعد يف علوم احلديث يف احلاشية‪ ،‬ص‪1 :‬‬
‫( ) ( ‪.)7 1-7 /‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫اجلواب‪ :‬إنه يريد االستغراب واالستنكار‪ .‬ألن يف إسناد هذا احلديث أبا خزمية يوسف بن‬
‫ميمون الصباغ‪ ،‬قال فيه اإلمام البخاري نفسه يف "التاريخ الكبري"( ) ويف "الضعفاء"( )‪" :‬منكر‬
‫احلديث جدا"‪.‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬ونقل ابن القطان أن البخاري قال‪" :‬كل من قلت فيه‪" :‬منكر احلديث‪ ،‬فال‬
‫حتل الرواية عنه"‪.‬‬
‫فإذا كان هذا فيمن قال فيه البخاري‪" :‬منكر احلديث" فكيف حبال أيب خزمية الذي قال‬
‫فيه "منكر احلديث جدا"‪.‬‬
‫فمن يقول‪ :‬إن اطالق البخاري على هذا احلديث لفظ "احلسن" إطالق إصطالحي‪ ،‬فإنه‬
‫ال يدري ما يقول‪ ،‬فإن قيل‪ :‬إن احلديث صحيح متفق عليه فلعل البخاري حسنه‪.‬‬
‫ألن حديث أيب خزمية تقوى مبجيئه من تلك الطرق الصحيحة‪ ،‬قلنا‪ :‬هذا بعيد جدا‪.‬‬
‫فقد قال البخاري‪" :‬إن من قلت فيه منكر احلديث ال حتل الرواية عنه‪ .‬وقد فرق احملدثون‬
‫بني األحاديث الضعيفة اليت تعتضد وتتقوى مبجيئها من طرق وبني األحاديث الشديدة الضعف‬
‫اليت ال تتقوى وال تنجرب حبال( )‪.‬‬
‫وهذا احلديث من طريق أيب خزمية منها يف نظر البخاري‪.‬‬
‫قال العراقي يف ألفيته يف مراتب التجريح‪:‬‬
‫وأسوأ التجريح كذاب يضع‬
‫يكذب وضاع ودجال وضع‬
‫بالكذب‬ ‫متهم‬ ‫وبعدها‬
‫فاجتنب‬ ‫وهالك‬ ‫وساقط‬
‫وذاهب مرتوك أو فيه نظر‬
‫وسكتوا عنه به ال يعترب‬
‫ردا‬ ‫مث‬ ‫بالثقة‬ ‫وليس‬
‫حرا‬ ‫ضعيف‬ ‫كذا‬ ‫حديثه‬

‫( ) (‪.) 74/7‬‬
‫( ) (ص‪.) 1‬‬
‫( ) انظر مقدمة ابن الصالح ص‪- 1 :‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫وقال العراقي أيضا يف ألفيته‪:‬‬
‫شذا‬ ‫وإن يكن لكذب أو‬
‫أو قوي الضعف فلم جيرب ذا‬
‫فجعله العراقي يف املراتب الثالث اليت هي أشد مراتب التجريح واليت ال يعترب هبا فال تقوى‬
‫غريها وال يقويها غريها‪.‬‬
‫أرأيت لو أن كذابا روى حديثا صحيحا كيف حنكم على اإلسناد من طريق الكذاب؟‪،‬‬
‫حنكم عليه بالوضع ونضعه يف كتب املوضوعات‪ ،‬فال عالقة له بالطرق الصحيحة وال عالقـة هلا‬
‫به‪ ،‬وكذا غريه ممن اشتد جرحه ومنها هذا احلديث من طريق أيب خزمية السيما وحنن حنكم عليه‬
‫من خالل موقف البخاري منه بل نأخذ حكمه من البخاري الذي طعنه يف املقاتل‪ ،‬وما أظن أبا‬
‫غدة وحممد عوامة يكابران يف هذا السيما ومها قد قرراه‪.‬‬
‫‪ -7‬قال أبوغدة‪:‬‬
‫"وقال يف "هتذيب التهذيب يف ترمجة شهر بن حوشب ‪8 :4‬‬
‫وقال الرتمذي عن البخاري‪ :‬شهر حسن احلديث وقوى أمره"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن شهرا قد اختلفت كلمة أئمة اجلرح والتعديل فيه‪ ،‬فبعضهم يضعفه كابن عون‪،‬‬
‫وموسى بن هارون‪ ،‬واجلوزجاين‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وبعضهم يوثقه‪ ،‬كاإلمام أمحد وحيىي بن معني ويعقوب‬
‫بن شيبة‪ .‬ويعقوب بن سفيان‪ ،‬فما املانع أن يكون البخاري ممن وثقه‪.‬‬
‫فمثال قال حرب بن إمساعيل عن أمحد فيه‪ :‬ما أحسن حديثه‪ ،‬ووثقه وأظنه قال‪ :‬هو‬
‫كندي وروى عن أمساء أحاديث حسانا‪.‬‬
‫وقال حنبل عن أمحد‪" :‬ال ليس به بأس"‪.‬‬
‫وقال يعقوب بن شيبه‪ :‬ثقة على أن بعضهم قد طعن فيه"‪.‬‬
‫وقال يعقوب بن سفيان‪ :‬وشهر‪ ،‬وإن قال ابن عون نزكوه‪ ،‬فهو ثقة"( )‪.‬‬
‫فما املانع أن يكون قول البخاري يف شهر‪ :‬حسن احلديث‪ .‬وتقويته ألمره‪ ،‬مثل قول أمحد‪:‬‬
‫ما أحسن حديثه‪ ،‬مث وثقه ويكون اطالقه احلسن على حديثه اطالقا لغويا ال اصطالحيا‪،‬‬
‫وسيأيت بيان أحاديث ضعيفة أطلق البخاري عليها لفظ احلسن اطالقا لغويا‪.‬‬

‫( ) انظر هذه األقوال يف هتذيب التهذيب (‪.) 8 /4‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫‪ -‬فمما أطلق عليه البخاري لفظ "احلسن" وهو ضعيف استغرابا واستنكارا حديث‪( :‬من‬
‫أكل من هذه الشجرة اخلبيثة فال يقربن مسجدنا حىت يذهب رحيها منه)‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬حدثنا حممد بن محيد‪ ،‬نا الفرات بن خالد نا خالد بن ميسرة‪ ،‬عن معاوية‬
‫بن قره‪ ،‬عن أبيه عن النيب ‪ .. ‬قال الرتمذي‪ :‬سألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪" :‬هو‬
‫حديث حسن"( )‪.‬‬
‫ففي آسنا هذا احلديث حممد بن محيد الرازي‪ ،‬قال البخاري‪" :‬فيه نظر"( )‪.‬‬
‫وقال علي بن مهران‪" :‬أشهد أنه كذاب"‪.‬‬
‫وقال صاحل جزرة‪" :‬كنا نتهم ابن محيد يف كل شيء حيدثنا ما رأيت أجرأ على اهلل منه‪،‬‬
‫كان يأخذ أحاديث الناس فيقل‬
‫ب بعضه على بعض"‪.‬‬
‫وقال ابن خراش‪ :‬حدثنا ابن محيد‪ ،‬وكان واهلل يكذب‪.‬‬

‫( ) العلل الكبري ( ‪.)811-81 /‬‬


‫( ) التاريخ الكبري ( ‪ )17/‬رقم ‪18 :‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫وقال النسائي‪" :‬ليس بثقة"‪.‬‬
‫وكذبه أبو زرعة( )‪.‬‬
‫فمن كانت هذه حاله عند البخاري وعند غريه كيف يقال‪ :‬إن مراد البخـاري بتحسني‬
‫حديثه املعىن االصطالحي للحسن خصوصا وقول البخاري فيه نظر يرد به‪.‬‬
‫‪ -‬ومن األحاديث اليت أطلق البخاري عليها لفظ احلسن وهي ضعيفة حديث أنس يف (قتل‬
‫عيسى عليه السالم الدجال) مريدا بإطالقه املعىن اللغوي استغرابا له‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد‪ ،‬نا رحيان بن سعيد‪ ،‬عن عباد بن منصور‪ ،‬عن‬
‫أيوب‪ ،‬عن أيب قالبة‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :‬سيدرك رجال من أميت عيسى‬
‫ابن مرمي‪ ،‬ويشهدون قتال الدجال)‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬سألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فلم يعرفه واستحسنه جدا‪.‬‬
‫وقال‪ :‬حدثنا علي عن رحيان بن سعيد‪.‬‬
‫ى عن رحيان عن عباد بن منصور أحاديث هبذا اإلسـناد ال أراها عند علي وقد‬ ‫قال‪ :‬ويُ ْرو َ‬
‫فاتته‪.‬‬
‫قال أبو عيسى‪" :‬ورأيت حممدا يستغرب أحاديث رحيان بن سعيد عن عباد بن منصور‪،‬‬
‫عن أيوب ويرضى به‪.‬‬
‫وكلمة يرضى به من املطبوعة ومل تظهر يل يف املخطوطة ولعل أصلها "وال يرضى به"‬
‫فسقطت ال فإهنا ال تنسجم مع الكالم إال على هذا الوجه‪.‬‬
‫فهذا احلديث ضعيف يف نظر البخاري مستغرب ألدلة منها‪:‬‬
‫إنه مل يعرفه فيستبعد أن يصحح حديثا ال يعرفه وإذا فاالستحسان لغوي بال ريب ومنها –‬
‫أن البخاري يستغرب أحاديث رحيان عن عباد بن منصور‪ ،‬واالستغراب هو رؤيتها غريبة أي‬
‫ضعيفة منكرة‪.‬‬
‫قال ابن رجب رمحه اهلل يف شرح علل الرتمذي( )‪.‬‬

‫( ) انظر هذه األقوال يف امليزان ( ‪.) 1/‬‬


‫( ) ( ‪.)417-411/‬‬
‫( ) العلل الكبري ( ‪.)7 8 – 7 1/‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫"وأما احلديث الغريب" فهو ضد املشهور‪ ،‬وقد كان السلف ميدحون املشهور من احلديث‪،‬‬
‫ويذمون الغريب منه يف اجلملة‪.‬‬
‫ومنه قول ابن املبارك‪" :‬العلم هو الذي جييئك من ههنا ومن ههنا"‪ ،‬يعين املشهور‪ ،‬خرجه‬
‫البيهقي من طريق الرتمذي عن أمحد بن عبدة‪ ،‬عن أيب وهب عنه‪.‬‬
‫وبإسناده – أي البيهقي – عن مالك‪ ،‬قال‪" :‬شر العلم الغريب"‪.‬‬
‫وعن إبراهيم‪ ،‬قال‪" :‬كانوا يكرهون غريب احلديث وغريب الكالم"‪.‬‬
‫وعن أيب يوسف‪" :‬من طلب غرائب احلديث كذب"‪.‬‬
‫ونقل علي بن عثمان النفيلي‪ ،‬عن أمحد قال‪" :‬شر احلديث الغرائب اليت ال يعمل هبا‪ ،‬وال‬
‫يعتمد عليها"‪.‬‬
‫وقال املروذي‪ :‬مسعت أحد يقول‪" :‬تركوا احلديث وأقبلوا على الغرائب ما أقل الفقه فيهم"‪.‬‬
‫ونقل حممد بن سهل بن عسكر عن أمحد قال‪" :‬إذا مسعت أصحاب احلديث يقولون هذا‬
‫احلديث غريب أو فائدة فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث يف حديث أو خطأ من احملدث أو ليس‬
‫له إسناد وإن كان قد ُروي عن شعبة وسفبان‪ ،‬وإذا مسعتهم يقولون‪ :‬ال شيء فاعلم أنه حديث‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫وقال أمحد بن حيىي مسعت أمحد غري مرة يقول‪" :‬ال تكتبوا هذه األحاديث الغرائب‪ ،‬فإهنا‬
‫مناكري وعامتها عن الضعفاء"‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ورحيان بن سعيد قال فيه حيىي بن معني‪" :‬ما أرى به بأسا"‪.‬‬
‫قال النسائي‪" :‬ليس به بأس" ومل يرض به أبو داود‪.‬‬
‫وقال الدارقطين‪" :‬بصري حيتج به"‪.‬‬
‫وقال ابن حبان يف الثقات "يعترب حديثه من غري روايته عن عباد بن منصور"‪.‬‬
‫وقال العجلي‪" :‬رحيان الذي يروي عن عباد منكر احلديث"‪.‬‬
‫وقال الربدجييي‪" :‬فأما حديث رحيان عن عباد‪ ،‬عن أيوب عن أيب قالبة فهي مناكري"‪.‬‬
‫وقال ابن قانع‪" :‬ضعيف"( )‪.‬‬
‫فأحاديث رحيان عن عباد بن منصور خاصة منكرة ومن هنا كان يستغرهبا البخاري‪.‬‬

‫( ) ( ‪.)8 /‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫‪ -‬ومنها – حديث الرباء بن عازب يف راية رسول اهلل ‪.‬‬
‫قال الرتمذي يف "العلل الكبري"( )‪.‬‬
‫حدثنا أمحد بن منيع‪ ،‬نا ابن أيب زائدة‪ ،‬قال‪ :‬حدثين أبويعقوب الثقفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثين‬
‫يونس بن عبيد موىل حممد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬بعثين حممد بن القاسم إىل الرباء بن عازب أسأله عن‬
‫راية رسول اهلل ‪ ،‬فقال‪" :‬كانت سوداء مربعة من منرة"‪.‬‬
‫قال‪ :‬سألت حممدا‪ ،‬عن هذا احلديث فقال‪" :‬هو حديث حسن"‪.‬‬
‫وأبو يعقوب الثقفي امسه‪ :‬إسحاق بن إبراهيم الكويف روى عنه ابن أيب زائدة واحلسن بن‬
‫ثابت‪ ،‬وعبد اهلل بن موسى"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬يف إسناد هذا احلديث عدة علل‪.‬‬
‫األوىل‪ :‬ضعف أيب يعقوب الثقفي بل هو جمهول‪.‬‬
‫ذكره البخاري ومل يتكلم فيه جبرح وال تعديل‪ ،‬والزعم بأن سكوته توثيق زعم باطل‪.‬‬
‫وذكره ابن حبان يف ثقاته وهو كما هو معروف عنه يوثق اجملهولني والضعفاء‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬روى عن الثقات ما ال يتابع عليه‪ ،‬وأحاديثه غري حمفوظة‪.‬‬
‫وقال العقيلي‪ :‬يف حديثه نظر‪ ،‬وروى عن مالك حديثا ال أصل له‪.‬‬
‫وذكره الساجي يف الضعفاء‪.‬‬
‫وقال احلافظ‪ :‬وثقه ابن حبان‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫وقال الذهيب يف الكاشف‪" :‬ضعيف"‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬جهالة يونس بن عبيد‪.‬‬
‫قال الذهيب يف ترمجته يف املغين( )‪" :‬ال يدرى من ذا وثقه ابن حبان"‪.‬‬
‫وقال يف الكاشف( )‪" :‬وثق وله حديث واحد"‪.‬‬
‫وقال احلافظ يف التقريب(‪" :)4‬مقبول"‪.‬‬
‫وقال يف هتذيب التهذيب( )‪" :‬ذكره ابن حبان يف الثقات"‪.‬‬

‫هتذيب التهذيب ( ‪ .) 1 /‬وكالم الدارقطين يف سؤاالت الربقاين ص ‪ 1‬رقم‬ ‫( )‬


‫( ‪.)811/‬‬ ‫( )‬
‫( ‪.) 14/‬‬ ‫( )‬
‫(ص ‪.)1‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫وقال ابن القطان‪" :‬جمهول"‪.‬‬
‫وقال الزبري‪" :‬ال يدرى من هو"‪.‬‬
‫وقال الذهيب يف امليزان( )‪" :‬ال يدرى من هو"‪.‬‬
‫وقد ذكره ابن حبان يف الثقات‪ ،‬مث ذكر الذهيب حديثه يف الراية‪ ،‬وقال‪" :‬حـديث حسن‬
‫ولعله قواه حبديث ابن عباس يف الراية‪.‬‬
‫والعلة الثالثة‪ :‬أن حممد بن القاسم مل يدرك الرباء بن عازب إذ الرباء كان قد تويف سنة‬
‫اثنتني وسبعني‪ ،‬وحممد بن القاسم مل يولد بعد أو هو طفل ال شأن له باجلهاد‪ ،‬ذلك أن من‬
‫الثابت تارخييا أن احلجاج جهز ابن القاسم لقيادة اجليش املبعوث إىل اهلند وعمره سبعة عشر‬
‫سنة‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن كثري‪:‬‬
‫"وفيها – أي سنة ثالث وتسعني – افتتح حممد بن القاسم – وهو ابن عم احلجاج بن‬
‫يوسف – مدينة الدبيل وغريها من بالد اهلند‪ ،‬وكان قد واله احلجاج غزوة اهلند وعمره سبع عشرة‬
‫سنة‪ ،‬فسار يف اجليوش‪ ،‬فلقوا امللك داهر( )‪.‬‬
‫وذكر قتل امللك داهر بعد هزميته‪.‬‬
‫ويف حممد بن القاسم يقول محزة بن بيض احلنفي‪:‬‬
‫إن املرؤة والسماحــة والندى‬
‫حملمد بن القاسم بـن حممــد‬
‫ساس اجليوش لسبع عشرة حجة‬
‫ياقرب ذلك سؤددا مـن مولد‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ساس الرجال لسبع عشرة حجة‬
‫(‪)4‬‬
‫ولداته عن ذاك يف أشــغال‬

‫( ‪.)44 /‬‬ ‫( )‬
‫(‪.)47 /4‬‬ ‫( )‬
‫البداية والنهاية (‪.)78/7‬‬ ‫( )‬
‫فتوح البلدان للبالذري‪ ،‬ص‪4 7 :‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 47 -‬‬
‫وبعيد أن جيهل هذا اإلمام البخاري وهو من أعلم الناس بالتأريخ‪.‬‬
‫وقد رمز الزركلي( ) لسنة والدته بـ ‪ 11‬واستشهد بقول محزة بن بيض‪.‬‬
‫قاد اجليوش لسبع عشــرة حجــة‬
‫……………………………… اخل‬
‫ومل يتنبه إىل ما بني التأريخ الذي ذكره لوالدته وبني قول محزة بن بيـض من تضارب لو‬
‫كانت والدته سنة ستني لكان عمره حني غزوة اهلند ثالث وثالثني سنة ال سبع عشرة سنة‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإطالق البخاري لفظ احلسن على حديث الرباء إمنا هو إطالق لغوي‬
‫اسغرابا واستنكارا على حسب عادته وعادة كثري من احملدثني يف إطالق احلسن على ما يستغربونه‬
‫ويستنكرونه إذ يبعد مع وجود هذه العلل فيه أن يقصد به الصحة‪.‬‬
‫أما املعىن االصطالحي فال وجود له يف تعبريات البخاري‪.‬‬

‫)‪.‬‬ ‫( ) األعالم (‪/8‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫أحاديث أطلق عليها البخاري لفظ الحسن طالقاً‬
‫لغويا وهي صحيحة عنده‬
‫‪ -‬منها – حديث جابر بن عبد اهلل – رضي اهلل عنه ‪ -‬يف التوقيت‪.‬‬
‫قال الرتمذي – رمحه اهلل – يف "العلل الكبري"( ) قال حممد‪ :‬أصح األحاديث عندي يف‬
‫املواقيت حديث جابر بن عبد اهلل‪ ،‬وحديث أيب موسى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وحديث سفيان الثوري‪ ،‬عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه يف املواقيت هو‬
‫حديث حسن ومل نعرفه إال من حديث سفيان‪.‬‬
‫وحديث حممد بن عمرو‪ ،‬عن أيب سلمة عن أيب هريرة يف املواقيت هو "حديث حسن"‪.‬‬
‫وقال الرتمذي يف "اجلامع"( ) بعد أن روى حديث ابن عباس‪ ،‬وحديث جابر يف املواقيت‬
‫"هذا حديث حسن صحيح غريب"‪.‬‬
‫وحديث ابن عباس "حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫وقال حممد‪" :‬أصح شيء يف املواقيت حديث جابر عن النيب ‪."‬‬
‫وحديث جابر أخرجه النسائي يف "سننه"( ) بإسناد صحيح غري إسناد الرتمذي‪.‬‬
‫وحديث ابن بريدة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أخرجه اإلمام مسلم يف "صحيحه"(‪ )4‬من طريقني‪:‬‬
‫إحدامها‪ :‬إىل سفيان الثوري‪.‬‬
‫وثانيتهما‪ :‬إىل شعبـة‪ ،‬وكالمها‪ ،‬عـن علقمة بن مـرثد عـن سليمان بـن بريدة عن أبيه‪،‬عــن‬
‫النيب ‪.‬‬
‫وأخرجه النسائي( ) كذلك‪ ،‬من طريق سفيان به‪.‬‬
‫فهذا حديث صحيح أطلق عليه البخاري لفظ "احلسن"‪.‬‬
‫أليس هذا إطالقا لغويا؟‪ .‬لغرابته عنده‪.‬‬

‫( ‪.) 1 - 1 /‬‬ ‫( )‬
‫( ‪.) 7 - 87/‬‬ ‫( )‬
‫( ‪ -8 ،) /‬أول وقت العصر‪ ،‬حديث‪. 4 :‬‬ ‫( )‬
‫‪.1‬‬ ‫‪ -‬كتاب املساجد‪ - ،‬باب أوقات الصلوات اخلمس‪ ،‬حديث‬ ‫(‪)4‬‬
‫( ‪ - ،) 7/‬أول وقت املغرب‪ ،‬حديث ‪. 7‬‬ ‫( )‬

‫‪- 49 -‬‬
‫وحديث حممد بن عمرو‪ ،‬عن أيب سلمة‪ ،‬عن أيب هريرة – رضي اهلل عنه – أخرجه النسائي‬
‫يف "اجملتىب"( )‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخربنا احلسني بن حريث‪ ،‬قال‪ :‬أنبأنا الفضل بن موسـى عن حمـمد بن عمرو‪ ،‬عن أيب‬
‫سلمة‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :‬هذا جربيل – عليه السالم – جاءكم يعلمكم‬
‫دينكم فصلى الصبح حني طلع الفجر…) احلديث‪.‬‬
‫وأخرجه احلاكم يف "املستدرك"( )‪ ،‬والبيهقي يف "السنن الكربى"( )‪.‬‬
‫من طريق حممد بن عمرو به‪.‬‬
‫وأخرج له احلاكم والبيهقي متابعات وشواهد‪.‬‬
‫وقال احلاكم‪ :‬هو على شرط مسلم‪ ،‬وسكت عن ذلك الذهـيب‪ ،‬فهذا احلديث أطلق عليه‬
‫البخاري لفظ "احلسن" ويف إسناده حممد بن عمرو بن علقمة‪ ..‬فماذا يريد هبذا اإلطالق؟‪.‬‬
‫ال يبعد أن يكون البخاري أراد به الصحيح‪ ،‬ألنه يف السياق نفسه أطلق لفظ "احلسن"‬
‫وأراد به "الصحيح"‪ ،‬واملالحظ أنه مل يعرف حديث بريدة إال من حديث سفيان فأطلق احلسن‬
‫عليه ألنه فرد وهذا كثري يف تصرف البخاري‪.‬‬
‫أما حديث حممد بن عمرو فيؤيد أنه أراد باحلسن الصحة انه أطلق الصحة على حديث‬
‫حممد بن عمرو يف موضع آخر‪.‬‬
‫قال الرتمذي يف "العلل الكبري"(‪:)4‬‬
‫حدثنا حممد بن العالء‪ ،‬نا عبدة‪ ،‬عن حممد بن عمرو‪ ،‬عن أيب سلمة عن أيب هريرة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ‪( :‬لوال أن أشق على املؤمنني ألمرهتم بالسواك عند كل صالة)‪.‬‬
‫وقال حممد بن إسحاق‪ ،‬عن حممد بن إبراهيم‪ ،‬عن أيب سلمة‪ ،‬عن زيد بن خالد اجلهين‪،‬‬
‫قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪( :‬لوال أن أشق على أميت ألمرهتم بالسواك عند كل صالة‬
‫وألخرت صالة العشاء إىل ثلث الليل‪ ..‬احلديث)‪.‬‬

‫‪ ) 1-‬حديث‪. 1 :‬‬ ‫‪47/‬‬ ‫(‬ ‫( )‬


‫)‪.‬‬ ‫‪74/‬‬ ‫(‬ ‫( )‬
‫)‪.‬‬ ‫‪17/‬‬ ‫(‬ ‫( )‬
‫‪.) 11-‬‬ ‫‪1 /‬‬ ‫(‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫فسألت حممدا عن هذا احلديث أيهما أصح؟‪ ،‬فقال‪ :‬حديث زيد بن خالد أصح‪،‬‬
‫وحديث أيب سلمة عن أيب هريرة عندي هو صحيح – أيضا – ألن احلديث معروف من حديث‬
‫أيب هريرة‪ ،‬ويف حديث أي سلمة‪ ،‬عن زيد بن خالد زيادة ما ليس يف حديث أيب هريرة‪ ،‬وكالمها‬
‫عندي صحيح"‪.‬‬
‫فحديث حممد بن عمرو وحديث حممد بن إسحاق كالمها يف اصطالح املتأخرين حسن‪.‬‬
‫وقد أطلق عليهما البخاري الصحة‪.‬‬
‫وحديث أيب هريرة أخرجه البخاري( ) ومسلم( ) وأبو داود( )‪ ،‬كلهم من طريق أيب الزناد‪،‬‬
‫عن العرج‪ ،‬عن أيب هريرة – رضي اهلل عنه – مرفوعا‪.‬‬
‫وعلى كل فقط وثق حممد بن عمرو عدد من األئمة‪ ،‬فال يبعد أن يكون البخاري ممن‬
‫يوثقه‪.‬‬
‫وضعفه آخرون فال يبعد أن يكون البخاري مل يثبت عنده هذا اجلرح‪ .‬فمن هنا صحح‬
‫حديثه يف موضع وأطلق عليه احلسن اللغوي يف موضع آخر‪ ،‬والقول أنه يريد باحلسن احلسن‬
‫االصطالحي يفقد الدليل‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها – حديث عبدالرمحن بن كعب بن مالك يف شهدا‪ ،‬أحد‪.‬‬
‫قال الرتمذي يف "العلل الكبري(‪.)4‬‬
‫وسألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪ :‬عبد الرمحن بن كعب عن جابر بن عبد اهلل يف‬
‫شهداء أحد هو "حديث حسن"‪.‬‬
‫وقد أخرج البخاري هذا احلديث يف "صحيحه"( ) من هذا الطريق فقال رمحه اهلل‪:‬‬
‫وحدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا الليث عن ابن شهاب‪ ،‬عن عبد الرمحن بن كعب بن مالك‬
‫أن جابر بن عبد اهلل – رضي اهلل عنهما – أخربه أن رسول اهلل ‪ - ‬كان جيمع بني الرجلني من‬

‫يف اجلمعة ‪ -7‬باب السواك‪ ،‬حديث‪.778 :‬‬ ‫( )‬


‫‪.‬‬ ‫يف ‪ -‬الطهارة‪ - ،‬باب السواك حديث‪:‬‬ ‫( )‬
‫‪ -‬باب السواك‪ ،‬حديث‪.41 :‬‬ ‫( )‬
‫( ‪.)4 /‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ -14‬املغازي‪ - 1 :‬باب من قتل من املسلمني يوم أحد‪ .‬حديث‪.4187 :‬‬ ‫( )‬

‫‪- 51 -‬‬
‫قتلى أحد يف ثوب واحد‪ ،‬مث يقول (أيهم أكثر أخذا للقرآن)‪ .‬فإذا أشري إىل أحد قدمه يف اللحد‬
‫وقال‪( :‬أنا شهيد على هؤالء يوم القيامة) وأمر بدفنهم يف دمائهم ومل يصل عليهم ومل يغسلوا‪.‬‬
‫فهذا حديث صحيح أطلق عليه البخاري لفظ احلسن إطالقا لغويا‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها – حديث عبد اهلل بن مسعود – رضي اهلل عنه – (بدأ اإلسالم غريبا وسيعود غريبا‬
‫كما بدأ)‪.‬‬
‫قال الرتمذي يف "العلل الكبري"( )‪.‬‬
‫حدثنا أبوكريب‪ ،‬ثنا حفص بن غياث‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن أيب إسحاق عن أيب األحوص‪،‬‬
‫عن عبد اهلل عن النيب ‪ ،‬قال‪ :‬وساق احلديث‪..‬‬
‫مث قال‪ :‬سألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪" :‬ال أعلم أحدا روى هذا احلديث غري‬
‫حفص بن غياث وهو حديث حسن"‪.‬‬
‫وهذا إسناد رجاله رجال الصحيح‪ .‬فهو صحيح غريب يف نظر البخاري أطلق عليه لفظ‬
‫احلسن( ) لغرابته‪.‬‬
‫وقد أخرجه أمحد وابنه عن ابن أيب شيبة‪ ،‬عن حفص بن غياث به‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم يف "صحيحه"( ) من حديث أيب هريرة ومن حديث ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن ذلك حديث يعلى يف القراءة على املنرب‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬حدثنا قتيبة‪ ،‬نا سفيان‪ ،‬عن عمرو بن دينار عن عطاء‪ ،‬عن صفوان بن‬
‫يعلى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬مسعت النيب ‪ ‬يقرأ على املنرب ‪‬ونادوا يا مالك‪ ..‬سألت حممدا عن هذا‬
‫احلديث‪ ،‬فقال‪ :‬هو حديث حسن‪ ،‬وهو حديث ابن عيينة الذي ينفرد به(‪.)4‬‬
‫وهذا احلديث من األحاديث املتفق عليها أخرجه الشيخان يف "صحيحيهما"‪.‬‬
‫قال البخاري( )‪ :‬حدثنا حجاج بن منهال‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة به‪.‬‬

‫( ) ( ‪.)7 4/‬‬
‫( ) يف املسند ( ‪.) 77/‬‬
‫( ) يف كتاب اإلميان‪ ،‬حديث‪.) 41 ، 4 ( :‬‬
‫(‪ )4‬العلل الكبري ( ‪.) 8 /‬‬
‫( ) يف التفسري‪ ،‬يف تفسري سورة الزخرف ‪ -‬باب ‪‬ونادوا يا مالك ‪ ..‬حديث‪.)47 7( :‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫وقال مسلم( )‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬وأبو بكر بن أيب شيبة وإسحاق احلنظلي‪ ،‬مجيعا‪،‬‬
‫عن ابن عيينة‪ ،‬قال قتيبة عن عمرو به‪.‬‬
‫فتجلى لك مرارا أن البخاري ال يريد من إطالق احلسن املعىن االصطالحي إذ هذا‬
‫احلديث يف غاية الصحة وقد أخرجه يف صحيحه كما عرفت‪.‬‬
‫والظاهر أن البخاري أطلق عليه احلسن ألنه من أفراد سفيان‪ ،‬فاحلسن هنا مبعىن الفرد‬
‫الغريب ومن الغرائب ما هو صحيح ومنه غرائب الصحيحني‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها – حديث أنس – رضي اهلل عنه – (صلى النيب ‪ ‬على قرب بعدما دفن)‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪" :‬وسألت حممدا عن حديث أمحد بن حنبل عن غندر‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن‬
‫حبيب بن الشهيد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أنس‪ ،‬أن النيب ‪ ..‬وذكر احلديث‪ ،‬فقال‪" :‬هو حديث‬
‫حسن"( )‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا احلديث صحيح هبذا اإلسناد رجاله أئمة وإطالق البخاري لفظ "احلسن" عليه‬
‫إطالق لغوي‪.‬‬
‫وقد أخرجه اإلمام مسلم يف "صحيحه"( )‪.‬‬
‫قال‪ :‬وحدثين إبراهيم بن حممد بن عرعرة السامي حدثنا غندر حدثنا شعبة‪ ،‬عن حبيب‬
‫بن الشهيد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أنس أن النيب ‪( ‬صلى على قرب …)‪.‬‬
‫وأخرج له شواهد من حديث ابن عباس(‪ ،)4‬وأيب هريرة( ) ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪.-‬‬
‫‪ -1‬ومما أطلق البخاري عليه لفظ "احلسن" وهو عنده صحيح غريب حديث عائشة – رضي‬
‫اهلل عنها – يف "النهي عن التبتل"‪ ،‬قال الرتمذي يف "العلل الكبري"(‪.)1‬‬

‫( ) ‪ -8‬اجلمعة ‪ -‬باب ختفيف الصالة واخلطبة‪ ،‬حديث ( ‪.)78‬‬


‫( ) العلل الكبري ( ‪.)4 /‬‬
‫( ) ‪ -‬اجلنائز‪ - :‬باب الصالة على القرب حديث رقم (‪ )7 4‬يف الباب املذكور وهـو يف البخـاري يف األذان (‪)778‬‬
‫‪. 1،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫وانظر يف البخاري يف اجلنائز رقم‪، 7- 48 :‬‬
‫(‪ - )4‬اجلنائز باب الصالة على القرب حديث ( ‪.)7‬‬
‫( ) حديث رقم (‪ )7 1‬يف الباب املذكور وهو يف البخاري يف ‪ -‬اجلنائز‪ ،‬حديث (‪.) 8‬‬
‫(‪.)4 4 ،4 / ( )1‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫"حدثنا أبوهاشم الرفاعي وزيد بن أخزم‪ ،‬قاال‪ :‬نا معاذ بن هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن‬
‫احلسن‪ ،‬عن مسرة‪ ،‬أن النيب ‪( :‬هنى عن التبتل)‪.‬‬
‫حدثنا إسحاق بن منصور‪ ،‬حدثنا حممد بن عبد اهلل بن املثىن األنصاري‪ ،‬نا األشعث عن‬
‫احلسن عن سعد بن هشام‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬قالت‪( :‬هنى رسول اهلل ‪ ‬عن التبتل)‪.‬‬
‫سألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪ :‬حديث احلسن عن مسرة حمفوظ وحـديث احلسن‬
‫عن سعد بن هشام عن عائشة هو حسن‪.‬‬
‫قال حممد‪" :‬وقد روي عن سعد بن هشام عن عائشة موقوفا"‪.‬‬
‫فحديث عائشة هذا رجاله رجال الصحيح‪ ،‬سوى أشعث وهو ابن عبد امللك احلمراين‪،‬‬
‫روى له البخاري تعليقا‪ ،‬وروى عنه األربعة‪.‬‬
‫قال فيه احلافظ‪" :‬ثقة فقيه"‪.‬‬
‫وقال ابن املديين عن حيىي بن سعيد القطان‪" :‬هو عندي ثقة مأمون"‪.‬‬
‫وقال ابن معني‪" :‬مل أدرك أحدا من أصحابنا أثبت عندي منه"( )‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬كان حيىي بن سعيد وبشر بن املفضل يثبتون األشعث احلمراين‬
‫إذن ‪ ..‬فإطالق البخاري عليه لفظ "احلسن" إطالق لغوي‪ ،‬ألن احلديث عنده من غرائب‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫واحلديث أخرجه النسائي( )‪.‬‬
‫والرتمذي( ) بإسناده إىل مسرة‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫"وروى األشعث بن عبد امللك هذا احلديث عن احلسن‪ ،‬عن سعد بن هشام عـن عائشة‬
‫عن النيب ‪ ‬حنوه‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬كال احلديثني صحيح"‪.‬‬
‫فلعل هذا احلكم من الرتمذي استناد على إجابة البخاري له بأن احلديث عن مسرة‬
‫حمفوظ‪.‬‬
‫وحديث عائشة "حسن"‪.‬‬

‫( ) راجع هذه األقوال يف هتذيب التهذيب ( ‪.) 8/‬‬


‫)‪.‬‬ ‫( ) يف اجملتىب (‪ ،) 7/1‬حديث‪( :‬‬
‫( ) يف اجلامع‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬حديث ( ‪.) 17‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫فيكون كالم الرتمذي مفسرا ملراد البخاري بلفظ احلسن ولعل قائال يقول‪ :‬إن مراد‬
‫البخاري هنا أن حديث عائشة شاذ بدليل أنه قابله بأن حديث مسرة حمفوظ‪ ،‬فنقول‪ :‬هب أنه أراد‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فهل ذلك إال إطالق لغوي على حديث فرد استغرابا له فلم خيرج عن كونه إطالقا لغويا‪.‬‬
‫‪ -8‬ومما أطلق عليه البخاري لفظ "احلسن" ألن إسناده غريب فرد حديث عبد اهلل ابن أيب‬
‫أوىف‪:‬‬
‫(كان رسول اهلل ‪ ‬يكثر الذكر)‪.‬‬
‫قال الرتمذي يف "العلل الكبري"( )‪.‬‬
‫حدثنا أبو عمار احلسني بن حريث‪ ،‬قال‪ :‬نا الفضل بن موسى عن احلسني بن واقـد‪،‬عن‬
‫حيىي بن عقيل‪ ،‬قال‪ :‬مسعت عبد اهلل بن أيب أوىف يقول ‪" ..‬فذكر احلديث"‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬سألت حممدا عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪" :‬هو حديث حسن"‪.‬‬
‫وهو حديث احلسني بن واقد تفرد به‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا احلديث رجاله ثقات غري حيىي بن عقيل‪ ،‬قال فيه كل من الذهيب واحلافظ ابن‬
‫حجر‪" :‬صدوق"‪.‬‬
‫وقال ابن معني‪ :‬ليس به باس"‪.‬‬
‫وذكره ابن حبان يف "الثقات"( )‪ ،‬ومل جيرحه أحد‪.‬‬
‫وذكره البخاري يف "التأريخ الكبري"( ) وسكت عنه‪.‬‬
‫وسكوت البخاري وإن كان ال يعد توثيقا الحتمال أن يكون املسكوت عنه جمهوال أو‬
‫مرتوكا أو ضعيفا وقد يكون ثقة عنده‪ .‬لكن سكوته عن حيىي بن عقيل يغلب على ظين أنه عنده‬
‫ثقة ألين مل أقف على جرح فيه من أحد من األئمة‪.‬‬
‫بل وقفت على توثيقه كما تقدم‪ ،‬فال يبعد أن يكون ثقة عند البخاري‪.‬‬
‫ومما يؤيد ما ذهبت إليه أنه صحح حديثا ذكره الرتمذي يف "العلل" قبل هذا احلديث‬
‫مباشرة‪.‬‬

‫( ) ( ‪ )711/‬والثقات البن حبان ( ‪ ) 7/‬وذكره مطوال‪.‬‬


‫( ) الثقات ( ‪ ،) 7/‬وهتذيب التهذيب ( ‪.) 7/‬‬
‫( ) (‪.) 7 /7‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫فيه خالد بن سلمة‪ ،‬وهو صدوق‪.‬‬
‫وفيه عبد اهلل البهي‪ ،‬وقد ذكره البخاري يف "تأرخيه"( )‪ .‬ساكتا عنه‪.‬‬
‫وذكره ابن حبان يف "الثقات"‪.‬‬
‫وقال ابن سعد‪" :‬كان ثقة معروفا باحلديث"‪.‬‬
‫وقال ابن أيب حامت يف "العلل عن أبيه"‪" :‬ال حيتج بالبهي وهو مضطرب احلديث"( )‪.‬‬
‫فيظهر من تصرف البخاري يف احلديثني ومها قريب من السواء أنه أطلق "احلسن" على ما‬
‫يعتقد أنه صحيح لغرابته وتفرد راويه به‪ ،‬كما عرفنا ذلك عنه يف كثري من األحاديث الصحيحة‬
‫يطلق عليها لفظ احلسن إطالقا لغويا‪ ..‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -7‬ومما أطلق البخاري عليه لفظ "احلسن" وهو صحيح عنده‪ ،‬حديث أنس‪ ،‬وحديث أيب‬
‫هريرة رضي اهلل عنهما يف الصالة على امليت بعدما دفن‪.‬‬
‫قال أبوعيسى‪ :‬سألت حممدا عن حديث أمحد بن حنبل عن غندر عن شعبة عن حبيب‬
‫بن الشهيد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أنس أن النيب ‪( ‬صلى على قرب بعدما دفن)‪ .‬فقال‪" :‬هو حديث‬
‫حسن"‪.‬‬
‫قال حممد‪ :‬نا أمحد بن واقد‪ ،‬نا محاد بن زيد‪ ،‬عن ثابت عن أنس (أن النيب ‪ ‬صلى على‬
‫قرب)‪.‬‬
‫وأما سليمان‪ ،‬وهؤالء فإمنا كان عندهم عن محاد بن زيد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أيب رافع‪ ،‬عن‬
‫أيب هريرة‪ ،‬قال وحديث أيب هريرة‪" :‬هو حديث حسن"( )‪.‬‬
‫فكل من حديث أنس وحديث أيب هريرة صحيح‪.‬‬
‫وحديث أنس أخرجه اإلمام مسلم يف "صحيحه"(‪.)4‬‬

‫( ‪.) 1/‬‬ ‫( )‬
‫هتذيب التهذيب (‪.)71/1‬‬ ‫( )‬
‫العلل الكبري ( ‪.)4 4-4 /‬‬ ‫( )‬
‫يف اجلنائز ‪-‬باب الصالة على القرب‪ ،‬حديث ( ‪.)7‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫وحديث أيب هريرة أخرجه اإلمام البخاري يف "صحيحه"( )‪.‬‬
‫قال رمحه اهلل‪ :‬حدثنا حممد بن الفضل‪ ،‬حدثنا محاد بن زيد عن ثابت عن أيب رافع عن أيب‬
‫هريرة‪ .. ،‬وذكر احلديث‪.‬‬
‫وكذا أخرجه مسلم( ) قال‪ :‬وحدثين أبو الربيع الزهراين وأبوكامل… قاال‪:‬حدثنا محاد (وهو‬
‫ابن زيد) به‪.‬‬
‫فهذان حديثان صحيحان أحدمها اتفق عليه الشيخان‪ ،‬واآلخر أخرجه اإلمام مسلم‪،‬‬
‫وأطلق عليهما البخاري لفظ احلسن إطالقا لغويا‪.‬‬
‫واعتقد أن بعض هذه األمثلة املتنوعة عن اإلمام البخاري يف استعماله لفظ احلسن‬
‫استعماال لغويا كاف لدحض املزاعم القائلة بأن البخاري يطلق احلسن وال يريد به إال املعىن‬
‫االصطالحي‪.‬‬

‫)‪.‬‬ ‫( ) اجلنائز ‪ -11‬باب الصالة على القرب بعدما يدفن‪ ،‬حديث (‪8‬‬
‫( ) ‪ -‬اجلنائز‪ - ،‬باب الصالة على القرب‪ ،‬حديث‪.)7 1( :‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫إطالق اإلمام أحمد الحسن بالمعنى اللغوي‬
‫‪ -7‬قال عوامة‪:‬‬
‫"وأما اإلمام أمحد فقد نازع احلافظ ابن حجر ابن الصالح يف هـذا وقال‪":‬الظاهر أنه مل‬
‫يقصد املعىن االصطالحي"‪.‬‬
‫إال أن هذا النفي من احلافـظ ابن حجر ال يعكر على املراد‪ ،‬ويبقى اإلشكال قائما يف‬
‫تفسري كلمة (الضعيف) الواردة يف كالمه –بـ (احلسن)‪.‬‬
‫وقد عرب اإلمام أمحد باحلسن عما هو حسن اصطالحا (دون الصحيح وفوق الضعيف)‬
‫فقد قال يف ابن إسحاق صاحب املغازي‪" :‬حسن احلديث"‪ ،‬كما يف امليزان للذهيب‪ )417/ :‬ومل‬
‫يرد أنه ثقة صحيح احلديث‪ ،‬بدليل ما قاله فيه‪" :‬هو كثري التدليس جدا‪ ،‬قيل له فإذا قال أخربين‬
‫وحدثين فهو ثقة؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬هو يقول‪( :‬أخربين) وخيالف‪.‬‬
‫وظاهر أن هذا الكالم ال يقوله اإلمام أمحد فيمن يعتربه ثقة صحيح احلديث( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن على هذا الكالم مآخذ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ليس هناك نزاع بني ابن حجر وابن الصالح‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن القضية ليست قضية نزاع بني ابن الصالح وابن حجر‪ ،‬إمنا هي قضية أخطر‬
‫بكثري وكثري من هذا وذاك‪ ،‬إهنا قضية اخليانة يف عرض القضايا العلمية!‬
‫ومن عرض كالم احلافظ ابن حجر يتبني لك فداحة ما عمله حممد عوامة وتابعه عليه‬
‫شيخه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر رمحه اهلل‪:‬‬
‫قوله (ع) (يعين شيخه العراقي)‪:‬‬
‫وقد وجد التعبري باحلسن يف كالم شيوخ الطبقة اليت قبل الرتمذي كالشافعي"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬قد وجد التعبري باحلسن يف كالم من هو أقدم من الشافعي‪.‬‬
‫قال إبراهيم النخعي‪ :‬كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن خيرج الرجل حسان حديثه‪.‬‬
‫وقيل لشعبة‪ :‬كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪. 1 :‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫قال‪ :‬من حسنها فررت‪.‬‬
‫ووجد "هذا من أحسن األحاديث إسنادا" يف كالم علي بن املديين وأيب زرعة الرازي وأيب‬
‫حامت ويعقوب بن شيبة‪ ،‬ومجاعة‪ ،‬لكن منهم من يريد بإطالق ذلك املعىن االصطالحي‪ .‬ومنهم‬
‫من ال يريده‪ ،‬فأما ما وجد من ذلك يف عبارة الشافعي ومن قبله‪ ،‬بل ويف عبارة أمحد بن حنبل‪،‬‬
‫فلم يتبني يل منهم إرادة املعىن االصطالحي‪ ،‬بل ظاهر عبارهتم خالف ذلك"انتهى( )‪.‬‬
‫مث ضرب احلافظ أمثلة الطالق كل من األئمة الشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأيب حامت والبخاري‪.‬‬
‫وبني من أطلق منهم لفظ "احلسن" على الصحيح كأمحد والشافعي‪ ،‬ومن يقصد منهم‬
‫املعىن االصطالحي كالبخاري وعلي بن املديين‪.‬‬
‫ومن حيتمل اطالقه احلسن‪ :‬اإلصطالحي واللغوي كأيب حامت‪.‬‬
‫وستأيت دراسة وافية مفصلة بأمثلتها وأدلتها عن كل واحد من هؤالء األئمة‪.‬‬
‫ما رأيك يف قول الشيخ حممد عوامة؟‬
‫"وأما اإلمام أمحد فقد نازع احلافظ ابن حجر ابن الصالح يف هذا‪ ،‬وقال‪ :‬الظــاهر أنه مل‬
‫يقصد املعىن االصطالحي"‪.‬‬
‫هل رأيت نزاعا بني الرجلني يف اإلمام أمحد؟‪ ..‬وهب أن بينهما نزاعا فعال‪ ،‬فهل هذا النزاع‬
‫خاص بأمحد بن حنبل وحده؟‬
‫أين اإلمام إبراهيم النخعي؟ وأين اإلمام الكبري شعبة بن احلجاج؟ وأين اإلمام العظيم‬
‫الشافعي وبقية األئمة؟‪.‬‬
‫ملاذا أمهلتهم ويف أي مفازة أضعتهم يا عوامة؟‬
‫إن لسان حال كل واحد منهم يقول يف أسى‪:‬‬
‫أضاعوين وأي فىت أضاعوا‬
‫ليوم كريهة وسداد ثغر‬
‫‪‬وال حتسنب اهلل غافال عما يعمل الظاملون‪ ،‬إمنا يؤخرهم ليوم تشخص فيه األبصار‪.‬‬

‫( ) النكت البن حجر على ابن الصالح ( ‪.)4 7-4 4/‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن احلافظ ابن حجر نقل من كالم اإلمام أمحد ما يدل على أنه يطلق لفـظ احلسن‬
‫على الصحيح‪ ،‬فتالعب حممد عوامة‪ ،‬وتابعه شيخه أبو غدة قصدا منهما إىل إخفاء احلق‬
‫واحلقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬قال احلافظ ابن حجر – رمحه اهلل ‪:-‬‬
‫"وأما أمحد فإنه سئل فيما حكاه اخلالل عن أحاديث نقض الوضوء مبس الذكـر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أصح ما فيها حديث أم حبيبة رضي اهلل تعاىل عنها‪.‬‬
‫قال وسئل عن حديث بسرة – رضي اهلل عنها – فقال‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫قال اخلالل‪ :‬حدثنا أمحد بن أصرم أنه سأل أمحد عن حديث أم حبيبة – رضي اهلل عنها‬
‫– يف مس الذكر‪ ،‬فقال‪ :‬هو حديث حسن‪.‬‬
‫فظاهر هذا أنه مل يقصد املعىن االصطالحي‪ ،‬ألن احلسن ال يكون أصح من الصحيح( )‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫يريد أن أمحد حكم أوال بأن أصح أحاديث هذا الباب حديث أم حبيبة وهذا احلكم‬
‫جيعل حديث أم حبيبة أرجح من حديث بسرة وأصح‪ .‬مع حكمه حلديث بسرة بالصحة‪.‬‬
‫مث أطلق احلسن على حديث أم حبيبة الذي هو أصح من حديث بسرة وغريه‪ ،‬فهذا من‬
‫األدلة أن أمحد يطلق احلسن على الصحيح‪ ،‬مما يؤكد أنه إذا أطلق احلسن فإنه ال يريد به املعىن‬
‫اإلصطالحي‪.‬‬
‫وهذه احلقائق الناصعة اليت كشف عنها احلافظ عن أمحد والشافعي ومن قبلهما ال‬
‫تتناسب مع الباحثني احملققني فماذا يصنعان؟‪.‬‬
‫لقد عرف القاريء ماذا صنعا!‬
‫رابعا‪ :‬قول عوامة‪:‬‬
‫إال أن هذا النفي من احلافظ ابن حجر‪ ،‬ال يعكر على املراد ويبقى اإلشكال قائما يف‬
‫تفسري كلمة "الضعيف" الواردة يف كالمه بـ "احلسن"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لقد عجز حممد عوامة وشـيخه أن يثبتا أن تقسيم احلديث إىل صحيح وحسن‬
‫وضعيف كان اصطالحا مستقرا وتقسيما ثابتا قبل الرتمذي‪.‬‬

‫( ) النكتب البن حجر ( ‪.)4 1-4 /‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫وهو أساس الزوبعة اليت أثاراها يف هذا البحث املتهاوي‪ ،‬فلما عجزا عجزا واضـحا جلآ‪ ،‬إىل‬
‫شيء آخر يتشبثان به تشبث الغريق بالقشة – كما يقال – وهو ما يزعمانه من تفسري ابن تيمية‬
‫الضعيف الوارد يف كالم أمحد بـ "احلسن"‪ .‬جلآ إىل هذا بعد كتمان حممد عوامة وإقرار شيخه له‬
‫كالم احلافظ فيما يتعلق باألئمة السابق ذكرهم الذي بني فيه البيان الواضح أن اإلمامني الشافعي‬
‫وأمحد ومن قبلهما ال يريدون من إطالق لفظ "احلسن" املعىن االصطالحي وبعد تقطيع أوصاله‬
‫وطمس معامله مث عرض ما بقي منه يف صورة هزيلة مشوهة‪.‬‬
‫ويؤكد حممد عوامة هذا بقوله‪" :‬ومما ادعاه ابن تيمية يف هذه املسألة أن الضعيف عند‬
‫اإلمام أمحد يقابله ما حيسنه الرتمذي أو يصححه"‪.‬‬
‫وبقوله‪" :‬مث ما هو الداعي إىل تفسري كلمة (ضعيف) باحلسن؟ مع أن ظاهر كالم اإلمام‬
‫أمحد يشري إىل أن مراده بالضعيف الضعيف الذي مل تتحقق فيه شروط القبول‪ ،‬فإنه يريد أن الرأي‬
‫ال يعتد به عنده مادام قد نقل يف املسألة نص‪ ،‬ولو ضعيفا‪ ،‬فإن الضعيف خري من الرأي"‪ .‬ونقل‬
‫عن ابن حزم بإسناده إىل عبد اهلل بن أمحد أنه قال‪ :‬سألت أيب عن الرجل يكون ببلد ال جيد فيه‬
‫إال صاحب حديث ال يعرف صحيحه من سقيمه‪ ،‬وأصحاب رأي فتنـزل به النازلة من يسأل؟‪.‬‬
‫فقال أيب‪ :‬يسأل صاحب احلديث وال يسأل صاحب الرأي‪ ،‬ضعيف احلديث أقوى من‬
‫الرأي"( )‪.‬‬
‫انظر إليه كيف يلح على شيخ اإلسالم ابن تيمية ويالحقه بعد أن خيل له أنه قد كسب‬
‫اجلولة وظفر بالنصر احلاسم يف هذه املعركة‪.‬‬
‫وهو يف هذه املالحقة قد لبس ثياب أهل احلديث يف التمسك بالسنة وحماربة الرأي بل‬
‫لبس ثياب داود وابن حزم إمامي أهل الظاهر يف حماربة الرأي لكن لداود وابن حزم فقه وعلم‬
‫غزير‪ ،‬وخلع لباس املذهبية واملدرسة القائمة على الرأي اليت وجه هلا أمحد بن حنبل وابن حزم هذه‬
‫الضربة القاصمة‪.‬‬
‫ولقد وجه هلا ضربات وضربات قاتلة( ) يعرفها الباحثان – يف اعتقادي – أميا معرفة‪.‬‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث ص‪ ، 11 :‬مث مىت ادعى ابن تيمية أن الضعيف عند أمحد يقابل الصحيح عند الرتمذي‬
‫وأين قاله ابن تيمية؟ اثبته وإال فليعلم الناس من أنت وشيخك الذي أقرك على هذه الفرية‪.‬‬
‫( ) منها قوله‪ :‬ال تكاد ترى رجال ينظر يف الرأي إال ويف قلبه دغل‪.‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫ماذا يريد حممد عوامه وشيخه أبو غدة من اإلحلاح على هذه القضية تقدمي اإلمام أمحد‬
‫احلديث الضعيف على القياس؟‪.‬‬
‫أهنما يريدان توجيه ضربة قاصمة ملنهج اإلمام أمحد ومذهبه وأن مذهبه يقوم – لعله إىل‬
‫حد بعيد – على األحاديث الضعيفة‪.‬‬
‫فما نوع هذه األحاديث الضعيفة أذن؟‪.‬‬
‫واجلواب عند الشيخ حممد عوامة وشيخه أيب غدة‪.‬‬
‫فإن الشيخ عوامة – وتبعه شيخه أبو غدة ‪ ،-‬قسم احلديث إىل أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪ -‬الضعيف املنجرب الضعف مبتابعة أو شاهد وهو ما يقال يف أحد رواته‪ :‬لني احلديث أو فيه‬
‫لني‪ ..‬وهو امللقب باملشبه باحلسن من وجه وبالضعيف من وجه آخر‪ ،‬وهو إىل احلسن‬
‫أقرب‪.‬‬
‫‪ -‬الضعيف املتوسط الضعف‪ ،‬وهو ما يقال يف راويه ضعيف احلديث أو مردود احلديث أو‬
‫منكر احلديث‪.‬‬
‫‪ -‬الضعيف الشديد الضعف‪ ،‬وهو ما فيه متهم أو مرتوك‪.‬‬
‫‪ -4‬املوضوع‪.‬‬
‫مث قال عوامة‪" :‬فالشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رمحهما اهلل تعاىل – يدخالن القسم‬
‫األول حتت كالم اإلمام أمحد بناء على أنه يشمله‪ :‬اسم الضعيف من جهة‪ ،‬واسم احلسن لغريه‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫والظاهر – واهلل أعلم – إدخال القسم الثاين يف مراد اإلمام أمحد"( )‪.‬‬
‫وأنا أسال الشيخني الكرميني من سبقكما إىل جعل املنكر واملردود يف القسم الثاين‬
‫والضعيف املتوسط الضعف"؟‪.‬‬
‫وأرجو اإلجابة املقنعة‪:‬‬
‫أال تعلمان أن املردود وما يف مرتبته من الضعيف الشديد الضعف الذي ال يَنجـرب وال‬
‫يتقوى حبال وال جيوز االعتبار به فضال عن االحتجاج به وبناء األحكام عليه عند علماء اإلسالم‬
‫وعلى رأسهم أمحد‪.‬‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث (ص‪.) 1 - 11 :‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫أال تعرفان ما سجله العراقي يف مراتب التجريح بقوله "بعد املرتبتني األوليني أشد مراتب‬
‫التجريح‪:‬‬
‫"وليس بالثقــة مث ردا‬
‫حديثه كذا ضعيف جدا‬
‫واه مبرة وهم قد طرحوا‬
‫حديثه وارم به مطـرح‬
‫ليس بشيء ال يساوي شيئا"( )‪.‬‬
‫وهنا تنتهي هذه املرتبة الرديئة اليت ال جيوز االستشهاد وال االعتبار هبا حبال‪.‬‬
‫وأشار إىل عدم االعتبار هبا ومبا قبلها بقوله – يف هناية مراتب التجريح ‪:-‬‬
‫تكلموا فيه وكل من ذكر‬
‫من بعد شيئا حبديثه اعترب‬
‫أي وما ذكر قبله من أول املراتب إىل قوله‪" :‬ال يساوي شيئا ال جيوز االعتبار به‪.‬‬
‫قال السخاوي – رمحه اهلل – يف شرح هذه املرتبة‪" :‬مث يليها رابعــة (أي يف ترتيبه هو) وهي‬
‫(ردا حديثه) بالبناء للمفعول يعين بني احملدثني أو ردوا حديثه أو مردود احلديث (وكذا) فالن‬
‫(ضعيف جدا)‪ ،‬و فالن (واه مبرة) أي قوال واحدا ال تردد فيه‪.‬‬
‫(و) وفالن (هم) أي أهل احلديث (قد طرحوا حديثه و) فالن (أرم به) (مطرح) أو‬
‫مطروح احلديث‪ ،‬وفالن ال يكتب حديثه أي ال احتجاجا وال اعتبارا وال حتل كتبة حديثه وال حتل‬
‫الرواية عنه ومنه قول الشافعي‪ :‬الرواية عن حرام بن عثمان حرام وفالن (ليس بشيء) أو ال شيء‬
‫أو فالن ال يساوي فلسا أو ال يساوي شيئا وحنو ذلك"‪.‬‬
‫مث قال‪" :‬واحلكم يف املراتب األربع األول أنه ال حيتج بواحد من أهلها وال يستشهد به وال‬
‫يعترب به‪.‬‬
‫(وكل من ذكر من بعد (ال يساوي شيئا) وهو ما عدا األربع) حبديثه اعترب) أي خيرج‬
‫حديثه لالعتبار إلشعار هذه الصيغ بصالحية املتصف هبا وعدم منافاهتا هلا"( )‪.‬‬

‫( ) فتح املغيث ( ‪ ) 4 /‬ط‪ .‬السلفية‪.‬‬


‫( ) فتح املغيث ( ‪.) 4 /‬‬

‫‪- 63 -‬‬
‫أي إمامة وأي علم وأي ورع تبقى لإلمام أمحد إذا كانت هذه املرتبة دعامة يف بناء‬
‫مذهبه‪.‬‬
‫وأي مذهب إسالمي هذه إحدى دعائمه وأي مزية له على مذاهب الفرق الضالة السيما‬
‫مذهب الرافضة‪.‬‬
‫فإذا قيل إن مذهب اإلمام أمحد قائم على الكتاب والسنة وأن اإلمام أمحد ال حيتج‬
‫باألحاديث الضعيفة وما روي عن اإلمام أمحد أنه يقدم احلديث الضعيف على الرأي فمراده‬
‫باحلديث الضعيف "احلديث احلسن" الداخل يف أنواع احلديث احملتج به‪.‬‬
‫استطاع أن ينربي له أي رافضي أو كوثري ليقول له‪:‬‬
‫فغض الطرف إنك من منري‬
‫فال كعبا بلغت وال كالبا‬
‫إن إمامكم إمنا يريد باحلديث الضعيف األحاديث املنكرة واملردودة والضعيفة جدا‬
‫واملطروحة واملرمي هبا وغريها مما ال جيوز كتابته وال االحتجاج به وال االعتبار به فأي قيمة إلمام‬
‫هذا حاله وأي قيمة هلذا املذهب وهذه املرويات – اهلالكة املتهاوية – من قواعده وأركانه‪.‬‬
‫إنين أكره التعصب املذهيب أشد الكراهة‪ ،‬وأدعو إىل االعتصام بالكتاب والسنة وأكره‬
‫الفرقة وأسباهبا وأكره الظلم ومنه ظلم متعصيب املذاهب لغري مذاهبهم وقد رأيت مـن هذا اللون من‬
‫الظلم العجائب خصوصا يف متعصبة احلنفية‪.‬‬
‫هذا وال يعزب عن البال أن للبحاثة الكبري أيب غدة مذهبا جديدا يف "املنكر" وهو مذهب‬
‫منكر وأي منكر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫)‪.‬‬ ‫يف فهرست قفوا األثر (ص‬
‫احلديث املردود لطعن يف الراوي‪ .‬الطعن يكون بعشرة أشياء‪.‬‬
‫‪ -‬كذب الراوي ويسمى حديثه املوضوع‪.‬‬
‫‪ -‬هتمة الكذب على رسول اهلل ‪.‬‬
‫‪ -‬فحش غلطه‪.‬‬
‫‪ -4‬غفلته عن اإلتقان‪.‬‬
‫‪ -‬فسقه بغري الكذب على رسول اهلل‪.‬‬
‫حديث هؤالء األربعة يسمى املنكر‪.‬‬
‫‪- 64 -‬‬
‫قد يقال‪ :‬إن احلافظ ابن حجر قد قال يف نزهة النظر ص ‪" :4‬فمن فحش غلطه أو‬
‫كثرت غفلته أو ظهر فسقه فحديثه منكر"‪.‬‬
‫فاجلواب نعم قرر ذلك ابن حجر‪ ،‬ولكن املنكر على أيب غدة إضافته رواية املتهم بالكذب‬
‫إىل هذه الثالث اليت ذكرها ابن حجر‪ ،‬وقد أطلق ابن حجر على حديث املتهم وصف املرتوك‪ ،‬مث‬
‫إن أشد من هذا نكارة ادعاؤه مع تلميذه أن املنكر واملردود وما يف مرتبة املردود داخلة يف احلديث‬
‫الذي يسميه أمحد ضعيفا‪.‬‬
‫إن هذا طعن يف منهج اإلمام أمحد الذي كان منوذجا عاليا الحرتام احلق وحبه له فهل‬
‫التمسك باألحاديث املردودة واملنكرة من احلق يف شيء‪.‬‬
‫إن حممد عوامة وشيخه يصران على أن مراد اإلمام أمحد باحلديث الضعيف ما يشمل‬
‫القسمني األولني من تقسيمهما ألنواع الضعيف فاملردود واملطروح إىل آخر هذا املرتبه مما ذكره‬
‫العراقي مما حيتج به أمحد يف نظرمها‪.‬‬
‫وابن تيمية يرى أن مراد اإلمام أمحد بالضعيف ما يشبه احلسن عند الرتمذي( )‪.‬‬
‫وهذا ابن رجب احلنبلي يشارك ابن تيمية يف قوله‪ ،‬قال يف شرح العلل( )‪" :‬وكان اإلمام‬
‫أمحد حيتج بالضعيف الذي مل يرد خالفه‪ ،‬ومراده بالضعيف‪ .‬قريب من مراد الرتمذي باحلسن"‪.‬‬
‫ومعروف أن اإلمام ابن تيمية من أعرف الناس مبذهب اإلمام أمحد ومنهجه بل شهـد له‬
‫كثري من املنصفني ممن عاصروه أنه أعرف باملذاهب من أهلها الذين عاصـروه حيث كانوا‬
‫يستفيدون منه ما ال يعرفونه وال يدركونه من مذاهبهم وأنا أستبعد أن تكون هناك أدىن نسبة بني‬
‫ابن تيمية وأيب غدة وتلميذه يف معرفة مذهب اإلمام أمحد ومنهجه فيما يؤخذ ويرتك من احلديث‪.‬‬
‫وإذا كان هذا هو حال ابن تيمية وحال أيب غدة وتلميذه فما كان جيـوز هلما أن خيوضا‬
‫يف مناقشة ابن تيمية يف شيء ال يعرفانه وال يهتديان إىل طرق النقاش الصحيحة فيه‪ ،‬لقد خاضا‬
‫يف النقاش مع ابن تيمية يف أمر جيهالن كل متطلباته‪.‬‬

‫)‪ .‬هذا ومل يقل ابن تيمية ما يشبه الصحيح‪.‬‬ ‫( ) انظر جمموع الفتاوي (‪ .) / 7‬وانظر أيضا ( ‪/‬‬
‫( ) ( ‪.) 8/‬‬

‫‪- 65 -‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫معرفة مناهج احملدثني خصوصا القدامى منهم يف إطالق كلمة احلسن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهل هم فعال كانوا قد قسموا احلديث إىل صحيح وحسن وضعيف‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫توفر األدلة الواضحة الكافية إلثبات ذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اخلربة الكافية مبذهب أمحد ومعرفة العديد من مسائل هذا املذهب اليت بنيت على‬ ‫‪-4‬‬
‫روايات من قيل فيهم مردود احلديث مطروح احلديث واه مبره‪ ..‬إىل آخر هذه املرتبة اليت‬
‫يصران أهنا مما يشمله مراد أمحد بالضعيف‪.‬‬
‫فمن يستطيع أن يقول‪ :‬إن الرجلني قد ارتقيا إىل هذا املستوى أو حىت حاما حوله‪.‬‬
‫ومن جيد أي أثر يف حبثهما هلذه املتطلبات الضرورية‪ .‬بل من جيد أي أثر لواحد منها‪:‬‬
‫يشمر للج عن ساقــه‬
‫ويغمره املوج يف الساحل‬
‫إنين مع ضعفي وعجزي إذا أردت البحث يف قضية ما أحاول جهد املستطاع أن آخذ‬
‫باألسباب اليت تقودين وتوجهين إىل السداد أو املقاربة يف احلكم عليها‪ ،‬فـإن توفرت يل تلك‬
‫األسباب وإال فررت منها وابتعدت عنها وأعتقد أن هذا هو أسلوب كل عاقل يتسم باإلنصاف‬
‫ويربأ بنفسه عن اخلوض يف املسائل العلمية جبهل أو جهل وتعصب‪.‬‬
‫ولعل القارئ يشاركين يف أن هذين الرجلني قد خاضا يف مناقشة ابن تيمية يف هذا املوضوع‬
‫جبهل مطبق وتعصب أعمى أعاذنا اهلل منهما‪.‬‬
‫ولعل القارئ يتطلع إىل ما يؤيد قول شيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل ‪" :-‬ومن نقل‬
‫عن أمحد أنه كان حيتج باحلديث الضعيف الذي ليس بصحيح وال حسن فقد غلط عليه‪ ..‬وأول‬
‫من عرف أنه قسم احلديث إىل ثالثة أقسام صحيح وحسن وضعيف – هو أبو عيسى الرتمذي‬
‫يف "جامعه" واحلسن عنده‪:‬‬
‫‪ -‬ما تعددت طرقه‪.‬‬
‫‪ -‬ومل يكن يف رواته من يتهم‪.‬‬
‫‪ -‬وليس بشاذ‪.‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫فهذا احلديث وأمثاله يسميه أمحد ضعيفا وحيتج به وهلذا مثل أمحد احلديث الضعيف الذي‬
‫حيتج به حبديث عمرو بن شعيب وإبراهيم اهلجري وحنومها"( )‪.‬‬
‫فعمرو بن شعيب مثال لراوي احلديث احلسن لذاته‪ ،‬وإن مساه ضعيفا وإبراهـيم اهلجري‬
‫مثال لراوي احلديث الضعيف الذي ينجرب ويرتقي إىل احلسن لغريه( ) وقد تقدم موقف أمحد من‬
‫ابن إسحاق( )‪.‬‬
‫يؤيد كالم شيخ اإلسالم رمحه اهلل قول األثرم‪" :‬سئل أمحد عن عمرو بـن شعيب فقال‪ :‬رمبا‬
‫احتججنا حبديثه‪ ،‬ورمبا وجس يف القلب منه‪ .‬انظر اجلرح والتعديل (‪ ،) 7/1‬وامليزان‬
‫( ‪ ،) 1 /‬وقال الذهيب يف امليزان‪ ،‬قال عبد امللك امليموين مسعت أمحد بن حنبل يقول‪ :‬عمرو‬
‫بن شعيب له أشياء مناكري‪ ،‬وإمنا نكتب حديثه لنعترب به فأما أن يكون حجة فال"‪.‬‬
‫وعلى هذه الرواية هتبط رواية عمرو بن شعيب عن درجة احلسن لذاته‪.‬‬
‫ونقل ابن املنذر عن أمحد أنه كان حيتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬إذا مل يكن‬
‫يف الباب غريه(‪.)4‬‬
‫ويزيد األمر وضوحا أن اإلمام أمحد قد ترك الرواية عن مجاعة من الرواة منهم من هو ثقة‬
‫عنده وذلك مما يؤكد ما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪.‬‬
‫فمنهم‪:‬‬
‫‪ -‬وقال أمحد بن إسحاق احلضرمي‪ ،‬أخو يعقوب احلضرمي بصري ثقة‪ ،‬وثقه النسائي وغريه‪.‬‬
‫وقال أمحد‪ :‬مل يكن به بأس تركته من أجل ابن أكثم دخل له يف شيء"( )‪.‬‬
‫‪ -‬األحوص بن حكيم‪.‬‬
‫قال ابن إبراهيم سألته عنه‪ ،‬فقال‪ :‬ضعيف ال يسوى حديثه شيئا وقال كان له عندي‬
‫شيء فخرقته"(‪.)1‬‬
‫قال ابن املديين‪ :‬ليس بشيء‪ ،‬وضعفه النسائي‪.‬‬
‫وقال ابن معني‪ :‬ال شيء‪.‬‬

‫التوسل والوسيلة (ص‪ )77‬حتقيق حمب الدين اخلطيب‪.‬‬ ‫( )‬


‫وأما تقسيم احلديث فقد تقدم الكالم عليه‪.‬‬ ‫( )‬
‫وانظر شرح العلل البن رجب ( ‪.)84/‬‬ ‫( )‬
‫النكت البن حجر على ابن الصالح ( ‪ .)4 1/‬وانظر حبر الدم ص‪) 1( :‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫امليزان ( ‪ )7 /‬وحبر الدم (ص ‪.)4‬‬ ‫( )‬
‫حبر الدم (ص‪ ،)1 :‬وامليزان‪.) 18/ ( :‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪- 67 -‬‬
‫وقال ابن املديين‪ :‬كان ابن عيينة يفضل األحوص بن حكيم على ثور يف احلديث وأما‬
‫حيىي بن سعيد‪ ،‬فلم يرو عنه‪ ،‬وهو حيتمل‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬وليس فيما يرويه األحوص حديث منكر إال أنه يأيت بأسانيد ال يتابع‬
‫عليها"‪.‬‬
‫أسباط بن نصر اهلمداين‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫توقف فيه أمحد( )‪.‬‬
‫ووثقه ابن معني وقال النسائي‪ :‬ليس بالقوي‪.‬‬
‫وقال احلافظ يف التقريب‪ :‬صدوق كثري اخلطأ يغرب‪/‬م‪.4‬‬
‫أسد بن عمرو أبواملنذر صاحب رأي‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫قال عبداهلل بن أمحد‪ :‬سألت أيب عنه‪ ،‬فقال‪ :‬كان صدوقا ولكن كان من أصحاب أيب‬
‫حنيفة‪ ،‬ال ينبغي أن يروى عنه شيء‪.‬‬
‫وقال ابن معني‪ :‬أسد بن عمرو أوثق من نوح بن دراج‪.‬‬
‫وقال يزيد بن هارون‪ :‬ال حيل األخذ عنه( )‪.‬‬
‫قال الدارقطين‪ :‬يعترب به‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬مل أر له شيئا منكرا‪.‬‬
‫أصرم بن غياث النيسابوري‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال أمحد‪ :‬منكر احلديث‪.‬‬
‫وكتب عنه أمحد أحاديث منكرة‪ ،‬مث خرقها( )‪.‬‬
‫وقال الدارقطين والبخاري‪ :‬منكر احلديث‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬إىل الضعف أقرب وهو مقل‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬مرتوك احلديث‪.‬‬
‫محزة بن زياد الطوسي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تركه أمحد‪:‬‬

‫( ) حبر الدم (ص ‪ ،)1‬وامليزان ( ‪.) 81- 8 /‬‬


‫( ) اجلرح والتعديل‪ ،) 7- 8/ ( :‬وامليزان‪.) 18- 11/ ( :‬‬
‫( ) امليزان ( ‪ ،) 8 /‬ولسان امليزان ( ‪ )41 -41 /‬وحبر الدم‪( :‬ص‪.)8 :‬‬

‫‪- 68 -‬‬
‫وقال ابن معني‪ :‬ليس به بأس( )‪.‬‬
‫ويف تأريخ بغداد( )‪.‬‬
‫قال مهنا‪ :‬سألت أمحد عن محزة الطوسي‪ ،‬فقال‪" :‬ال يكتب عن اخلبيث"‪.‬‬
‫قال مهنا‪ :‬وسألت حيىي – يعين ابن معني – عن محزة الطوسي فقال‪ :‬ليس به بأس"‪.‬‬
‫سعيد بن زكريا القرشي‪ ،‬املدائين‪:‬‬ ‫‪-8‬‬
‫قال األثرم‪ :‬سألت أمحد عنه‪ ،‬فقال‪ :‬كتبنا عنه مث تركناه‪ ،‬مل يكن به بأس يف نفسـه فيما‬
‫أرى ولكن مل يكن بصاحب حديث‪.‬‬
‫وقال ابن معني‪ :‬ليس به بأس‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬صدوق‪ ،‬كان ابن معني يثين عليه‪.‬‬
‫وقال حممود بن خداش‪ :‬سألت أمحد وابن معني عنه فوثقاه‪ .‬وقال أبو داود سألت ابن‬
‫معني عنه فقال‪ :‬ليس بشيء وقال أبوحامت‪ :‬ليس بذاك القوي‪ ،‬ووثقه صاحل جزرة( )"‪.‬‬
‫فإذا كان أمحد يرتك أمثال هؤالء وفيهم الثقة والصدوق ومن ال بأس به فهل جيوز حملمد‬
‫عوامة وأيب غدة أن يقوال إن مراد أمحد بالضعيف ما يشمل املردود وما جرى جمراه‪ ،‬إن ما أقدما‬
‫عليه مل يكن نتيجة دراسة منصفة يُتحرى فيها احلق والصواب‪ ،‬وإمنا هو من باب الرجم بالغيب‬
‫محلهما عليه التعصب األعمى‪.‬‬
‫ولقد اتضح أن ما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية أقرب إىل الصواب بل أرجو أن‬
‫يكون عني الصواب‪ ،‬واألمر حيتاج إىل دراسة واسعة منصفة تشمل أحكام أمحـد عـلى الرواة‪ ،‬مث‬
‫تطبيقه فعال يف األخذ عنهم والرد وبناء أحكامه ومسائله وفتواه على املرويات‪.‬‬
‫وهل هو أمر منهجي التزمه أمحد وكان يتحرى تطبيقه‪ .‬ويف ضوء دراسيت احملدودة وحسن‬
‫ظين باإلمام أمحد يرتجح يل ما قرره شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪.‬‬
‫ومن يدعي خالف ذلك فعليه أن يقيم الرباهني الواضحة على صحة دعواه ال كـما فعل‬
‫عوامة وأبو غدة اللذان يقذفان بالغيب من مكان بعيد‪.‬‬

‫)‪.‬‬ ‫( ) امليزان ( ‪ .)118/‬ولسان امليزان ( ‪ ،) 7/‬وحبر الدم‪( :‬ص‪:‬‬


‫( ) (‪.) 87/7‬‬
‫( ) امليزان ( ‪ ،) 8/‬وحبر الدم ص‪. 8 :‬‬

‫‪- 69 -‬‬
‫هذا وجيب أن نفرق بني ما حيتج به أمحد يف األحكام والعقائـد واحلالل واحلـرام وبني ما‬
‫يرويه يف مسنده وما يرويه يف الفضائل والرتغيب والرتهيب أقول هذا يف مواقف أمحد وتصرفاته‪.‬‬
‫قال رمحه اهلل‪ :‬وأما حممد بن اسحاق فيكتب عنه هذه األحاديث – يعين املغازي وحنوها – فإذا‬
‫جاء احلالل واحلرام أردنا قوما هكذا‪ .‬وتذكر الرجـال الذين رد رواياهتم وضرب عليها وهذه التفرقة‬
‫معروفة لدى ابن تيمية وغريه من العلماء‪ .‬ويذكره ابن تيمية يف كتبه‪.‬‬
‫قال حممد عوامة‪:‬‬
‫"وقد عرب اإلمام أمحد باحلسن عما هو حسن اصطالحا (دون الصحيح وفوق الضعيف)‪،‬‬
‫فقد قال يف ابن إسحاق صاحب املغازي‪" :‬حسن احلديث كما يف امليزان"‪.‬‬
‫ومل يرد أنه ثقة صحيح احلديث‪ ،‬بدليل ما قاله فيه‪" :‬هو كثري التدليس جدا‪ ،‬قيل له‪ :‬فإذا‬
‫قال‪ :‬أخربين وحدثين فهو ثقة؟ قال‪" :‬هو يقول أخربين وخيالف"‪.‬‬
‫وظاهر أن هذا الكالم ال يقوله اإلمام أمحد فيمن يعتربه ثقة صحيح احلديث أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬جيب أن ختربنا مىت مت هذا االصطالح؟ وأين؟ ومن هم األئمة الذين مت على أيديهم‬
‫هذا االصطالح؟ حىت إذا أطلق اإلمام أمحد وغريه لفظ احلسن تعني معناه االصطالحي؟‬
‫إن من يعرف اضطراب العلماء يف تعريف احلسن وحتديد معناه واملناقشات يف تعريفه‬
‫واألخذ والرد فيه إىل قرون بعد اإلمام أمحد وطبقته ال جيزم بأن أمحد أو من يف عصـره إذا أطلق‬
‫لفظ احلسن ال يريد إال معناه الدقيق‪.‬‬
‫ثانيا‪" :‬سبق لك أن اإلمام أمحد يطلق احلسن إطالقا لغويا على الصحيح‪ ،‬فإذا وجدنا أن‬
‫أمحد أطلق احلسن على حديث أحد فمن اخلطأ أن نقول إنه ما أراد إال املعىن االصطالحي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن ابن تيمية رمحه اهلل مل ينازع يف إطالق أمحد وغريه لفظ احلسن بل هو يعلم ذلك‬
‫وينقله ولكنه ينازع يف إرادة املعىن االصطالحي‪.‬‬
‫وينازع يف التقسيم الثالثي‪ :‬فعلى من يعارض ابن تيمية إثبات ما نفاه باألدلـة الواضحة‪،‬‬
‫ودون إثبات ذلك خرط القتاد‪.‬‬
‫وأما ما يتعلق مبحمد بن إسحاق فدونك كالم أمحد فيه لتعرف هل املراد من إطالقه لفظ‬
‫احلسن على حديثه احلسن االصطالحي أو احلسن اللغوي‪.‬‬
‫‪ -‬فقد تقدم لك أنه أطلق احلسن على حديث قد حكم هو بصحته‪.‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫وأطلق يف مسنده( ) الصحة على حديث رواه ابن إسحاق قال فيه‪ :‬ثنا يزيد بن هارون‬ ‫‪-‬‬
‫أنا احلجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اهلل ‪ ‬رد ابنته‬
‫إىل أيب العاص مبهر جديد ونكاح جديد‪.‬‬
‫قال عبداهلل‪ :‬قال أيب يف حديث احلجاج‪" :‬رد زينب ابنته"‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا حديث ضعيف‪ ،‬أو قال‪ :‬واه‪ ،‬ومل يسمعـه احلجاج من عمرو بن شعيب إمنا‬
‫مسعه من حممد بن عبيداهلل العرزمي‪ ،‬والعرزمي ال يساوي حديثه شيئا‪.‬‬
‫واحلديث الصحيح الذي روي أن النيب ‪ ‬أقرمها على النكاح األول‪.‬‬
‫واحلديث الذي صححه هو حديث ابن عباس من رواية حممد بن إسحاق أخرجه‬
‫أبوداود( ) والرتمذي( ) وابن ماجة(‪ )4‬وابن سعد( ) والبيهقي(‪ )1‬كلهم من طريق حممد بن اسحاق‬
‫قال‪ :‬حدثين داود بن احلصني عن عكرمة عن ابن عباس قال‪( :‬رد النيب ‪ ‬ابنته زينب على أيب‬
‫العاص بن الربيع بعد ست سنني بالنكاح األول ومل حيدث نكاحا)‪.‬‬
‫قال الرتمذي عقبة‪" :‬هذا حديث ليس باسناده بأس ولكن ال نعرف وجه هذا احلديث‪،‬‬
‫ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن احلصني من قبل حفظه"‪.‬‬
‫وكان الرتمذي قد روى حديث عمرو بن شعيب من طريق حجاج مث قال عقبة‪" :‬هذا‬
‫حديث يف اسناده مقال" ويف احلديث اآلخر مقال والعمل على هذا احلديث (يعين حديث عمرو‬
‫بن شعيب) عند أهل العلم أن املرأة إذا أسلمت قبل زوجها‪ ،‬مث أسلم زوجها وهي يف العدة أن‬
‫زوجها أحق هبا ما كانت يف العدة‪ ،‬وهو قول مالك بن أنس واالوزاعي والشافعي وأمحد‬
‫وإسحاق"‪.‬‬
‫والشاهد يف هذا احلديث أن اإلمام أمحد أطلق الصحة على حديث ابن إسحاق‪.‬‬
‫وإن شأن أمحد شأن غريه من أئمة اجلرح والتعديل ختتلف أقواهلم أحيانا يف الرجل الواحد‪.‬‬

‫( ‪.) 17- 18/‬‬ ‫( )‬


‫( ‪.) 8 /‬‬ ‫( )‬
‫( ‪.)4 7-4 7/‬‬ ‫( )‬
‫( ‪.)147/‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪.) /7‬‬ ‫( )‬
‫(‪.) 87/8‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫وقد اختلفت أقواله فعال يف حممد بن إسحاق‪.‬‬
‫قال أبو داود مسعت أمحد ذكر ابن إسحاق‪ ،‬فقال‪ :‬رجل يشتهي احلديث فيأخذ كتب‬ ‫‪-‬‬
‫الناس فيضعها يف كتبه( )‪.‬‬
‫املروذي‪" :‬قال أمحد‪ :‬كان ابن إسحاق يدلس وقد روى حديث ابن إسحاق يف‬ ‫وقال ّ‬ ‫‪-‬‬
‫مسنده ومل يكن حيتج به"( )‪.‬‬
‫وقال عباس بن حممد الدوري‪" :‬مسعت أمحد بن حنبل يقول – وهو على باب أيب النضر –‬
‫وسأله رجل فقال‪ :‬يا أبا عبداهلل ما تقول يف حممد بن إسحاق وموسى بن عبيدة الربذي؟‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أما موسى بن عبيدة‪ ،‬فكان رجال صاحلا حدث بأحاديث مناكري‪ ،‬وأما حممد بن‬
‫إسحاق فيكتب عنه هذه األحاديث – يعين املغازي وحنوها – فإذا جاء احلالل واحلرام‬
‫أردنا قوما هكذا‪.‬‬
‫قال أمحد بن حنبل بيده وضم يديه وأقام أصابعه اإلهبامني( ) وسئل عن ابن أخي الزهري‬
‫وابن إسحاق يف حديث الزهري أيهما أحب إليك؟‪ ،‬قال‪ :‬ما أدري‪ ،‬كأنه ضعفهما"‪.‬‬
‫وقال ابن إبراهيم‪ :‬قلت‪ :‬حممد بن إسحاق يف الزهري؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬هو ثقة ولكن معمر ومالك وهؤالء أوثق منه(‪.)4‬‬
‫وقال – أيضا – أوثق أصحاب نافـع عنـدي أيـوب مث مالـك نقلها ابن هاينء – أيضا –‬
‫وزاد يف روايته قال‪" :‬وحممد بن إسحاق ليس بذلك القوي وهو كذا وكذا"‪.‬‬
‫وقال قلت له حممد بن إسحاق حجة؟‬
‫قال‪ :‬هو صاحل احلديث واحتج به أيضا( )‪.‬‬
‫"وقال عبد اهلل بن أمحد وسأله رجل عن حممد بن إسحاق فقال‪ :‬كان أيب يتتبع حديثه‬
‫ويكتبه كثريا بالعلو والنزول وخيرجه يف املسند وما رأيته أتقى حديثه قط‪.‬‬
‫قيل له‪ :‬حيتج به‪ ،‬قال‪ :‬مل يكن حيتج به يف السنن"‪.‬‬

‫( ) حبر الدم فيمن تكلم فيه اإلمام أمحد مبدح أو ذم‪ ،‬ص‪. 1 :‬‬
‫( ) حبر الدم‪ ،‬ص‪. 1 :‬‬
‫( ) التاريخ البن معني‪ ،‬ترتيب الدكتور أمحد نور سيف ( ‪.) 1 - 14/‬‬
‫(‪ )4‬حبر الدم ص‪14- 1 :‬‬
‫( ) املرجع السابق‪.‬‬

‫‪- 72 -‬‬
‫وقيل ألمحد يا أبا عبد اهلل إذا انفرد حبديث تقبله؟ قال‪ :‬ال واهلل إين رأيته حيدث عن مجاعة‬
‫باحلديث الواحد وال يفصل كالم ذا من ذا( )‪.‬‬
‫وقال أبو عبد اهلل‪ :‬قدم حممد بن إسحاق إىل بغداد فكان ال يبايل عمن حيكي عن الكليب‬
‫وغريه( )‪.‬‬
‫وقال املروذي وسألته عن حممد بن إسحاق كيف هو؟‪ ،‬فقال‪ :‬هو حسن احلديث‪ ،‬ولكنه‬
‫إذا مجع عن رجلني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كيف؟‬
‫قال‪ :‬حيدث عن الزهري ورجل آخر فيحمل حديث هذا على هذا( )‪.‬‬
‫فهذه أقوال اإلمام أمحد يف ابن إسحاق‪.‬‬
‫بعضها يفيد أنه ال حيتج به‪.‬‬
‫وبعضها يفيد أنه يكتب عنه يف املغازي وحنوها‪.‬‬
‫وال يكتب عنه احلالل واحلرام‪.‬‬
‫ويف بعضها أنه ثقة‪.‬‬
‫ويف بعضها أنه ليس بالقوي‪.‬‬
‫ويف بعضها أنه صاحل وأنه احتج به‪.‬‬
‫ويف قول ابنه عبد اهلل أنه يكتب عنه وال حيتج به يف السنن‪.‬‬
‫ويف بعضها نوع من اجلرح‪.‬‬
‫ويف بعضها أن حديثه حسن‪.‬‬
‫وصحح له حديثا كما مر بنا‪.‬‬
‫وقضية ابن إسحاق مشكلة ولذا اضطربت فيه أقوال ابن معني وغريه كما حصل لإلمام‬
‫أمحد‪.‬‬
‫واحلاصل أن أقوال أمحد كثرت يف ابن إسحاق كما ترى فالتشبث بقول واحد من أقواله‬
‫وهو قوله يف حديث ابن إسحاق إنه حسن وأنه يقصد به املعىن االصطالحي وإمهال أقواله‬

‫( ) عيون األثر‪ ،‬ص‪. - :‬‬


‫( ) العلل واملعرفة ألمحد رواية املروذي وغريه‪ .‬رقم ‪. 8‬‬
‫( ) العلل ومعرفة الرجال لإلمام أمحد رواية املروذي وغريه‪ ،‬ص‪ -1 :‬رقم ( )‪.‬‬

‫‪- 73 -‬‬
‫األخر من التصحيح والتوثيق واجلرح والتوقف عن الرواية عنه يف احلالل واحلرام فيه بعد عن‬
‫العدل واإلنصاف واتباع للهوى وتعصب أعمى( )‪.‬‬
‫ولعله اتضح للقارئ فيما خيص اإلمام أمحد أنه إذا أطلق احلسن أنه ال يريد به إال املعىن‬
‫اللغوي السيما وقد وجدنا نصني أطلق فيهما لفظ احلسن على الصحيح‪.‬‬
‫‪ -‬قال حممد عوامة – وتابعه شيخه ‪:-‬‬
‫ونقل الشيخ ابن تيمية نفسه يف رسالته يف تفضيل أيب بكر على علي – رضي اهلل عنهما‬
‫– املطبوعة حبلب سنة ‪ 8‬هـ عن اإلمام أمحد والرتمذي حتسينهما حديث (من كنت‬
‫مواله فعلى مواله) ( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا احلديث صحيح يف نظر أمحد وقد خرجه يف مسنده يف عدد من املواضع عن‬
‫عدد من الصحابة‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫فقد خرجه يف مسند علي ( ‪، 7 ، 7 ،74/‬‬
‫وخرجه يف مسند ابن عباس ( ‪.) - 1/‬‬
‫وخرجه يف مسند الرباء بن عازب (‪.) 7 /4‬‬
‫وخرجه يف مسند زيد بن أرقم (‪ .) 8 ، 81 ، 17/4‬و( ‪.) 81/‬‬
‫وخرجه يف مسند بريدة ( ‪ ) 1 ، 1 ، 7 ، 48/‬من طرق منها الصحيح ومنها‬
‫الضعيف‪ ،‬موضعان منها فيما أذكر من زوائد عبد اهلل‪.‬‬
‫وخرجه يف مسند أيب أيوب ( ‪.)4 7/‬‬
‫وخرجه يف أحاديث رجال من أصحاب النيب ‪.) 11/ ( ‬‬
‫وأخرجه اإلمام أمحد – أيضا يف الفضائل برقم ‪. 88 ،748‬‬
‫واحلديث خمرج يف دواوين السنة‪ ،‬املسانيد‪ ،‬واملعاجم‪ ،‬واملصنفات‪ ،‬ويف سنن ابن ماجه‬
‫ومستدرك احلاكم وغريها من دواوين اإلسالم فاحلديث صحيح عند اإلمام أمحد‪.‬‬

‫( ) ومما يلفت النظر أن حممد عوامة وشيخه يعرفان أقوال أمحد يف ابن إسحاق مث خيتاران من أقواله ما يوافق هوامها ويغفالن‬
‫منها ما ال يوافق هوامها‪.‬‬
‫( ) قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪. 1 :‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫وأخرج الرتمذي( ) من طريق حممد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن جعفر حدثنا شعبة عن‬
‫سلمة بن كهيل‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أبا الطفيل حيدث عن أيب سرحية أو زيد بن أرقم – شك شعبة –‬
‫عن النيب ‪ ‬قال‪( :‬من كنت مواله فعلي مواله)‪.‬‬
‫وقال أبو عيسى‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫وأخرجه اإلمام النسائي يف خصائصه بأسانيد كثرية منها الصحيح ومنها الضعيف‪.‬‬
‫فاطالق أمحد لفظ احلسن يف حكمه على هذا احلديث – بناء على ما أسلفناه من اعتنائه‬
‫به وإخراجه له يف كثري من املواضع يف املسند والفضائل – إطالق لغوي‪.‬‬
‫مما يدل على ما قرره اإلمـام ابن تيمية أن تقسيم احلديث ما كان إال ثنائيا قبل اإلمام‬
‫الرتمذي‪.‬‬
‫‪ -‬قال حممد عوامة‪:‬‬
‫"وممن استعمل كملة (حسن) وأراد هبا احلسن االصطالحي وهو سابق للرتمذي احلافظ‬
‫حممد بن عبد اهلل بن منري‪ ،‬شيخ شيوخ الرتمذي املتوىف سنة ‪ 4‬هـ‪ ،‬فقد نقل عنـه ابن‬
‫سيد الناس يف عيون األثر‪ 1/ :‬قوله يف ابن إسحاق – أيضا – "حسن احلديث‬
‫صدوق"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا من الرجم بالغيب‪ ،‬وأثبت العرش أوال‪ ،‬مث انقش فال يستقيم لك هذا الزعم إال‬
‫إذا أثبت باألدلة الواضحة استقرار هذا االصطالح يف عهد حممد بن عبد اهلل بن منري‬
‫وقبله‪ ،‬ودونه خرط القتاد‪ .‬ويا خيبة من يدخل يف معركة بدون أسلحة وال ذخرية وما‬
‫أفشلها من معركة‪.‬‬

‫‪. 8‬‬ ‫( ) السنن‪ ،‬يف مناقب علي رضي اهلل عنه ( ‪ )1 /‬حديث‪:‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫ماذا يريد يعقوب بن شيبة باطالق لفظ (الحسن)‬
‫‪ -‬واآلن حيمل لواء املعركة ضد شيخ اإلسالم ابن تيمية الشيخ األستـاذ أبو غدة فقد حسر‬
‫عن ساعديه وكشر عن أنيابه ومشر عن ساعد اجلد وخاض املعركة جبزم وعزم وقوة‪،‬‬
‫فلننتظر كيف تنتهي هذه املعركة احلامية الوطيس فيقول‪:‬‬
‫"ممن استعمل كلمة (حسن) مريدا هبا احلسن االصطالحي وأكثر منها جدا كثرة بالغة‬
‫احلافظ يعقوب بن شيبة السدوسي البصري البغدادي وهو سابق للرتمذي ومعاصر‬
‫للبخاري ومسلم‪ ،‬تويف سنة ‪ 1‬هـ‪ ،‬وقول احلافظ العراقي يف "التقييد واإليضاح" ص‪، 7‬‬
‫والسيوطي يف "التدريب" ص‪ :71‬أن يعقوب بن شيبة ألف "مسنده" بعد الرتمذي مردود‪،‬‬
‫فقد فرغ الرتمذي من كتابه سنة ‪ 81‬كما يف هتذيب التهذيب‪ ،‬ويعقوب تويف قبل ذلك‬
‫بسنني فدونك كتابه "املسند الكبري املعلل" الذي قال الذهيب فيه يف "تذكرة احلفاظ"‬
‫ص‪" 88‬ما صنف مسند أحسن منه ولكنه ما أمته"‪ ،‬فقد جاء يف القطعة الصغرية منه‬
‫واليت عثر عليها منه يف مسند عمر بن اخلطاب – طبعت يف بريوت يف املطبعة األمريكية‬
‫سنة ‪ 7‬هـ حنو الثالثني حديثا جاء فيها تعبريه بقوله‪" :‬هذا حديث حسن اإلسناد" يف‬
‫تسعة مواضع ص‪ 41 ،4 ،41 :‬و ‪ 7‬و ‪11‬و ‪84‬و ‪7‬و ‪7‬و ‪.71‬‬
‫ويقول يف ص‪" :11‬هذا حديث حسن اإلسناد وهو صحيح‪ ،‬ويقول يف ص ‪" :7‬حديث‬
‫إسناده وسط وليس بالثبت وال الساقط‪ ،‬هو صاحل‪.‬‬
‫ويقول يف ص ‪" :7 -7‬حديث صاحل اإلسناد"‪.‬‬
‫فإن كان هذا الشيخ ضبط هذا احلديث‪ ،‬فقد جوده وحسنه يعين أنه يرتفع حينئذ من‬
‫صاحل إىل جيد وحسن‪.‬‬
‫وقد حدد يف هذه اجلمل مراده من قوله (حسن اإلسناد) حتديدا واضحا وهو فوق الصاحل‬
‫ودون الصحيح فهذه حنو عشر مرات جاءت يف هذه القطعة الصغرية اليت ال تبلغ حنو الثالثني‬
‫حديثا‪ ،‬فكيف باملسند كله؟‪ ،‬وقد قال الذهيب‪:‬‬
‫"قيل‪ :‬إن نسخة مبسند أيب هريرة منه شوهدت مبصر فكانت مائيت جزء‪ ،‬وبلغين أن مسند‬
‫علي منه مخس جملدات‪:‬‬
‫ويقول الكتاين يف الرسالة املستطرقة ص‪.71‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫"وشوهد – أيضا – منه بعض أجزاء من مسند ابن عمر يذكر فيه األحـاديث بأسانيدها‬
‫وعللها أي كالقطعة املطبوعة من مسند عمر ولو مت لكان يف مائيت جملد"( )‪.‬‬
‫انتهى كالم أىب غدة‪.‬‬
‫أقول إن الطبعة اليت ذكرها أبو غدة للقطعة املذكورة يف مسند يعقوب ليست عندي لكن‬
‫عندي طبعة مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪ 41‬هـ فاحلواالت ستكون على‬
‫صحائفها وأرقامها‪.‬‬
‫‪ -‬قال يعقوب بن شيبة – رمحه اهلل – يف ص رقم ‪.7‬‬
‫"وحديثه يف يوم حنني أن فالنا قتل شهيدا‪.‬‬
‫وقد ذكر الغلول‪ ،‬حديث حسن اإلسناد‪ ،‬رواه عكرمة بن عمار‪ ،‬عن أيب زميل مساك‬
‫احلنفي‪،‬عن ابن عباس عن عمر – رضي اهلل عنه ‪،-‬عن النيب ‪ .. ‬وعكرمة بن عمار‬
‫ميامي ثقة ثبت‪.‬‬
‫‪ ..‬حدثين غري واحد من أصحابنا منهم عبداهلل بن سعيد مسعوا حيىي بن معني يقول‪:‬‬
‫عكرمة بن عمار ثقة ثبت…‪ ،‬ثناه علي بن حفص املدائين وأبو الوليد هشام بن عبد‬
‫امللك الطيالسي وأبو النضر هاشم بن القاسم الليثي وأبو حذيفة موسى بن مسعود‬
‫النهدي قالوا‪ :‬ثنا عكرمة بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثين أبو زميل قال أبو النضر‪:‬حدثين مساك‬
‫احلنفي أبو زميل قال‪ :‬حدثين عبد اهلل بن عباس قال‪ :‬حدثين عمر بن اخلطاب رضي اهلل‬
‫عنه فقال‪ :‬ملا كان يوم حنني‪ ،‬قال أبو الوليد يف حديثه قتل نفر يوم حنني( )‪ ،‬وقال علي‬
‫بن حفص‪ :‬قتل أناس من أصحاب النيب ‪ ، ‬فجعلوا يقولون‪ :‬فالن شهيد‪.‬‬
‫وقال أبو النضر‪ :‬أقبل نفر من صحابة النيب ‪ ‬فقالوا‪ :‬فالن شهيد حىت مروا برجل‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬فالن شهيد‪ .‬فقال رسول اهلل ‪( ‬كال‪ ،‬إين رأيته يف النار يف بردة أو عباءة غلها)‪،‬‬
‫مث قال رسول اهلل ‪( ‬يا عمر أخرج فناد أنه ال يدخل اجلنة إال املؤمنون) قال‪ :‬فخرجت‬
‫فناديت أنه ال يدخل اجلنة إال املؤمنون‪.‬‬
‫وهذا احلديث خرجه مسلم يف صحيحه( )‪.‬‬

‫( ) قواعد يف علوم احلديث ص‪. 1 ، 14‬‬


‫( ) كذا ويف صحيح مسلم‪ :‬خيرب‪.‬‬
‫( ) كتاب اإلميان‪ ،47 :‬باب غلظ حترمي الغلول‪ ،‬حديث‪. 4 :‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫قال‪ :‬حدثين زهري بن حرب‪ ،‬حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة بن عمار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثين مساك احلنفي أبو زميل قال‪ :‬حدثين عبد اهلل بن عباس‪ ،‬قال‪ :‬حدثين عمر بن‬
‫اخلطاب‪ ..‬وساق احلديث‪ ..‬وأخرجه الرتمذي‪.‬‬
‫فاحلديث صحيح كما ترى ويعقوب بن شيبة يراه صحيحا وقد وقد وثـق عكرمـة بن عمار‬
‫ونقل عن اإلمام حيىي بن معني أن عكرمة ثقة ثبت‪ ،‬ومع هذا قال‪" :‬حديث حسن‬
‫اإلسناد"‪ ،‬فهذا إطالق لغوي ال اصطالحي‪.‬‬
‫ص‪ 4‬رقم ‪.7‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال يعقوب بن شيبة‪:‬‬
‫"وحديثه ( ) يف حاطب بن أيب بلتعة حني كتب إىل أهل مكة "حديث حسن اإلسناد"‬
‫رواه أيضا عكرمة بن عمار عن مساك أيب زميل عن ابن عباس عن عمر رضي اهلل عنه قال‬
‫علي بن املديين يف هذا احلديث بعينه "ال نعلمه روى عن عمر عن النيب ‪ ‬إال من هذا‬
‫الوجه"‪ ،‬قال‪ :‬ومل يروه أهل احلجاز وال أهل البصرة وال أهل الكوفة‪.‬‬
‫وهو كما قال علي‪:‬‬
‫وقد روي عن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه هذا احلديث من وجوه صحاح‪ ،‬تأيت يف‬
‫مسند علي إن شاء اهلل"‪.‬‬
‫وحديث علي متفق عليه‪.‬‬
‫مث أقول‪ :‬فإن كان يعقوب يريد هبذا الكالم أن يعل حديث عمر حبديث علي فاطالقه‬
‫للحسن على حديث عمر من إطالق احلسن على الضعيف املعلل‪.‬‬
‫وإن كان يريد أن يقويه ويشده حبديث علي فهو من الطالق احلسن على الصحيح‪.‬‬
‫والراجح األول يف نظري وهو إطالق لغوي على احلديث الغريب الفرد الذي شذ به راويه‪.‬‬
‫ويف كال احلالني فهو إطالق لغوي ال اصطالحي كما يزعم أبو غدة‪.‬‬
‫ص حديث رقم ‪1‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال يعقوب‪:‬‬
‫"وحديثه أن النيب ‪ ‬صاحل أهل مكة يوم احلديبية" حديث حسن اإلسناد‪.‬‬

‫( ) يعين عمر‪.‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫وهو أيضا مما تفرد بروايته عكرمة بن عمار وما قل – أيضا – من رواه عن عكرمـة ثناه أبو‬
‫حذيفة موسى بن مسعود‪ .‬قال‪ :‬ثنا عكرمة بن عمار‪ ،‬باإلسناد السابق"‪.‬‬
‫وهذا فيه سواء كان يراه صحيحا كما تقدم أو معال فهو إطالق لغوي‪.‬‬
‫والراجح االحتمال الثاين أطلق عليه لفظ احلسن استغرابا واستنكارا لتفرد راويه به‪.‬‬
‫ص‪ 1‬حديث رقم‬ ‫‪-4‬‬
‫قال يعقوب‪" :‬وحديثه يف قصة األسرى يوم بدر ومشاورة النيب ‪ ‬بعض أصحابه فيهم‬
‫"هو حديث حسن اإلسناد" وال حنفظه عن عمر إال من هذا الطريق‪.‬‬
‫رواه عكرمة بن عمار أيب زميل عن ابن عباس عن عمر ورواه عـن عكرمة أبوحذيفة‬
‫وعبداهلل بن املبارك وعمر بن يونس اليمامي وقراد أبو نوح‪ ..‬وكلهم ثقة‪..‬‬
‫فأما أبوحذيفة فإنه جاء به خمتصرا وجعله كله عن ابن عباس عن عمر عن النيب ‪ ، ‬وأما‬
‫عبداهلل بن املبارك فجاء به أمت وأدخل فيه كلمة عن عبد اهلل بن مسعود من حديث األعمش‬
‫وجعله كله عن ابن عباس عن عمر رضي اهلل عنه عن النيب ‪ ‬أتفق‪ ..‬هو وأبو حذيفة يف‬
‫اإلسناد‪.‬‬
‫وأما حديث عمر بن يونس اليمامي فجوده وحسنه وفصله فجعل بعضه عـن ابن عباس‬
‫عن عمر عن النيب ‪ ‬وبعضه عن ابن عباس خاصة عن النيب ‪ ‬وذكر يف احلـديث كالما مل يذكره‬
‫غريه"‪.‬‬
‫مث ساق احلديث من روايات من ذكرهم سابقا‪.‬‬
‫فيقال فيه ما قيل سابقا ألنه إسناد واحد مداره على عكرمة بن عمار‪ ،‬وإمنا سقت كالم‬
‫يعقوب هبذا الطول ليعرف القارئ العارف هبذا الشأن مقصود يعقوب بن شيبة بقوله "جوده‬
‫وحسنه وفصله" وأنه يريد أن يبني تفاوت الرواة يف سياقة هذا احلديث فهذا خيتصر وهذا يروي‬
‫احلديث تاما ويبني ما دخل فيه من كالم عبد اهلل بن مسعود من طريق ابن املبارك‪.‬‬
‫وهذا جيعل بعضه عن ابن عباس عن عمر عن النيب ‪ ‬وبعضه عن ابن عباس خاصـة عن‬
‫النيب ‪ ‬فال يريد أن يبني درجة اإلسناد إذ قد بينه مرارا وال يريد أن يبني درجة املنت‪.‬‬
‫وإمنا هذا منه وصف ملا امتازت به سياقة رواية عمر بن يونس على غريه‪ ،‬ال كما يفهم أبو‬
‫غدة من هذا اإلطالق أن يعقوب يريد به املعىن االصطالحي كما فهم من كالم مماثل هذا الفهم‬
‫البعيد‪.‬‬
‫‪- 79 -‬‬
‫ص ‪ 1‬رقم ‪1‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال يعقوب‪ :‬وحديثه يف اعتزال النيب ‪ ‬نساءه‪ ،‬وهو حديث حسن اإلسناد‪.‬‬
‫ثناه أبوحذيفة قال‪ :‬ثنا عكرمة بن عمار عن أيب زميل قال‪ :‬أخربين ابن عباس أن عمر –‬
‫رضي اهلل عنه – حدثه قال‪ :‬ملا اعتزل نيب اهلل ‪ ‬نساءه فكان وجد عليهن فاعتزهلن يف‬
‫مشربة هي خزانته"‪.‬‬
‫وأشار إىل مجل من احلديث‪:‬‬
‫فهذا من إطالق لفظ احلسن على ما يعتقده صحيحا‪ .‬فردا غريبا‪.‬‬
‫وهذا احلديث قد أخرجه اإلمام مسلم يف صحيحه( ) عن عكرمة بن عمار نفسه قال رمحه‬
‫اهلل‪ :‬حدثين زهري بن حرب‪ ،‬حدثنا عمر بن يونس احلنفي‪ ،‬حدثنا عكرمة بن عمار‪ ،‬عن‬
‫مساك أيب زميل حدثين عبد اهلل بن عباس‪ ،‬حدثين عمر بن اخلطاب قال‪( :‬ملا اعتزل نيب اهلل‬
‫نساءه)‪ ،‬وهو حديث طويل‪.‬‬
‫وهذا يؤكد أن يعقوب مل يستخدم لفظ "احلسن" يف معناه االصطالحي‪ ،‬ولعـله مل خيطر‬
‫على باله وال كان يعرفه‪.‬‬
‫‪ -1‬ص‪ 11‬حديث رقم ‪8‬‬
‫قال‪" :‬وحديثه عن النيب ‪( : ‬أتاين آت من ريب عز وجل‪ ،‬فأمرين أن أصلي يف الوادي‬
‫املبارك)‪.‬‬
‫"حديث حسن اإلسناد وهو صحيح" رواه علي بن املبارك واألوزاعي مجيعا عن حيىي بن‬
‫أيب كثري عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر‪ ،‬عن النيب ‪ .. ‬وعلي واألوزاعي ثقتان‪.‬‬
‫واألوزاعي أتثبتهما‪ ،‬يف روايته عن الزهري خاصة شيء‪ ،‬ورواية علي بن املبارك عن حيىي بن‬
‫أيب كثري خاصة فيها وهي وقد مسع من حيىي وكان حيدث عنه مبا مسع منه‪ ،‬وحيدث عنه مبا كتب به‬
‫إليه وحيدث عنه من كتاب كان حيىي تركه عنده‪.‬‬
‫وهذا احلديث خاصة يروى أنه مما مسعه علي بن املبارك من حيىي"‪.‬‬
‫ماذا يفهم أهل العلم املختصون يف احلديث وطالب احلق املنصفون من هذا التعبري "حسن‬
‫اإلسناد وهو صحيح"‪.‬‬

‫( ) ‪- 7‬كتاب الطالق ( ) باب يف اإلبالء واعتزال النساء‪ ،‬حديث (‪.) 487‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫من إسناد فيه األوزاعي وعلي بن املبارك اإلمامان الثقتان‪ ،‬وإذا كان يف الرواية عن طريق‬
‫املكاتبة أو من الكتاب نوع من الضعف عند بعض العلماء فقد نفى يعقوب هاتني الشبهتني عن‬
‫رواية علي بن املبارك هلذا احلديث خاصة‪.‬‬
‫وأنه يروي أنه مما مسعه من حيىي بن أيب كثري وال شبهة يف رواية اإلمام األوزاعي‪.‬‬
‫وقد أخرج البخاري حديثه هذا يف صحيحه يف موضعني‪:‬‬
‫األول‪ :‬يف كتاب احلرث( ) قال‪:‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخربنا شعيب بن إسحاق عن األوزاعي قال‪ :‬حدثين حيىي عن‬
‫عكرمة عن ابن عباس عن عمر رضي اهلل عنه عن النيب ‪ .‬قال‪( :‬الليلة أتاين آت من ريب وهو‬
‫بالعقيق أن صل يف هذا الوادي وقل‪ :‬عمرة يف حجة)‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬يف كتاب احلج( )‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا احلميدي‪ ،‬حدثنا الوليد وبشر بن بكر التنيسي قاال‪ :‬حدثنا األوزاعي به‪.‬‬
‫فهل هناك جمال للقول أن مراد يعقوب هنا باحلسن احلسن االصطالحي‪ ،‬وهل يطلق‬
‫احلسن االصطالحي على إسناد األوزاعي اإلمام‪ ،‬وعلي بن املبارك أحد رجال الصحيحني بل‬
‫الستة‪.‬‬
‫واجلدير بالذكر أن يعقوب روى هذا احلديث من طرق منها قوله‪ :‬وثنا زهري بن حرب ثنا‬
‫الوليد بن مسلم حدثنا األوزاعي( ) به‪.‬‬
‫‪ -8‬ص ‪ 7‬رقم ‪ ،‬قال يعقوب بن شيبة‪" :‬حديثه أن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫(اين ممسك حبجزكم عن النار)‪.‬‬
‫"هو حديث حسن اإلسناد" غري أن يف اسناده رجال جمهوال‪.‬‬
‫رواه يعقوب القمي‪ ،‬عن حفص بن محيد‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس‪ ،‬عن عمر رضي اهلل‬
‫عنه‪( :‬عن النيب ‪.)‬‬
‫وحفص بن محيد هذا ال نعلم أحدا روى عنه إال يعقوب القمي وال حنفظ هذا احلديث‬
‫عن عمر رضي اهلل عنه إال من هذا الوجه‪.‬‬

‫من الكتاب املذكور‪.‬‬ ‫( ) ‪ - 1‬باب حديث ‪8‬‬


‫‪.8 4 ،‬‬ ‫‪ ،‬وأنظره برقم ‪8‬‬ ‫( ) ‪ - 1‬باب قول النيب ‪ ‬العقيق واد مبارك من الكتاب املذكور حديث‪4 :‬‬
‫( ) ص‪ 7 :‬من مسنده‪.‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫وقد رواه أهل املدينة‪ ،‬عن أيب هريرة أو بعضه‪.‬‬
‫وقد أخرجنا ما حضرنا بأسانيد حسان متفرقة‪ ،‬عن أيب هريرة وابن عباس‪ ،‬وأم سلمة‪،‬‬
‫وأمساء بنت أيب بكر‪ ،‬عن النيب ‪.‬‬
‫وقد روى عبد اهلل بن أنيس‪ ،‬عن عمر رضي اهلل عنه من آخـر هذا احلديث شيئا نأيت به‬
‫يف موضعه إن شاء اهلل ‪."..‬‬
‫مث ساق احلديث بإسناده‪ ،‬وهو حديث طويل‪.‬‬
‫نتساءل ما مراد يعقوب بإطالقه احلسن على إسناد فيه رجل جمهول؟‪.‬‬
‫واجلواب كما هو واضح ال يريد به إال املعىن اللغوي من إطالق احلسن على الغريب املنكر‬
‫على سنن بعض أهل احلديث يطلقون لفظ احلسن ويريدون به الغريب املنكر‪.‬‬
‫ذلك أن حفصا قد خالف حفاظ أهل املدينة الذين رووا احلديث عن أيب هريرة وغريه ممن‬
‫ذكره يعقوب ومل يروه أحد منهم من حديث عمر رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫فكانت رواية حفص بن محيد – وهو غريب جمهول – احلديث عن عمر مما يستنكر‬
‫ويستغرب فجرى على عادة أهل احلديث من إطالقهم احلسن على احلديث املنكر‪ ،‬وقد ذكرنا‬
‫علل هذا اإلسناد فيما سبق عند احلديث عن علي بن املديين ورأيه يف هذا احلديث( )‪.‬‬
‫مث إن نقاد احلديث يف مثل خمالفة هذا الرجل اجملهول يف نظر يعقوب وشيخه علي بن‬
‫املديين ال يرتددون يف إعالل حديثه واحلكم عليه بالنكارة‪ ،‬بل لو خالف مثل هذا العدد ثقة كبري‬
‫القدر‪ .‬ال يرتدد كثري من أهل احلديث يف إعالل حديثه واحلكم عليه بالشذوذ‪ ،‬هذا ال يتوقف فيه‬
‫من يعرف مناهج القوم‪.‬‬
‫مث قال يف ص ‪ :7‬وأما ما رواه أهل املدينة فيه‪:‬‬
‫ثنا أمحد بن شبيب قال‪ :‬ثنا أيب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن املسيب عن أيب‬
‫هريرة أنه كان حيدث أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪( :‬يرد علي يوم القيامة رهط من أصحايب فيجلون عن‬
‫احلوض فأقول‪ :‬يارب أصحايب فيقول‪ :‬انك ال علم لك مبا أحدثوا بعدك اهنم ارتدوا على أدبارهم‬
‫القهقرى) ( )‪.‬‬

‫( ) (ص‪.) - 4 :‬‬
‫( ) هذا يف املرتدين كما قاله البخاري رمحه اهلل‪.‬‬

‫‪- 82 -‬‬
‫أمحد بن شبيب قال فيه احلافظ يف التقريب "صدوق"‪.‬‬
‫قال ابن عدي قبله أهل العراق‪ ،‬ووثقوه وكتب عنه علي ابن املديين وذكره ابن حبان يف‬
‫الثقات‪.‬‬
‫وقال أبو الفتح األزدي‪" :‬منكر احلديث غري مرضي"‪.‬‬
‫قال احلافظ‪" :‬مل يلتفت أحد إىل هذا القول‪ ،‬بل األزدي غري مرضي"‪.‬‬
‫ويعقوب عراقي بصري بغدادي فهو ممن قبله ووثقه وكتب عن أمحد شيخ يعقوب وهو‬
‫علي بن املديين فهو حيذو حذوه وحنن حنكم هنا على أحاديثه يف ضوء منهجه ومقاييسه ال‬
‫باصطالح املتأخرين خصوصا يف مثل هذا األمر الذي ليس لدينا أدلة واضحة بل وال غري واضحة‬
‫يف أن مصلحه يف "احلسن" كاصطالح املتأخرين‪.‬‬
‫وأما أبوه شبيب بن سعيد فقال فيه ابن املديين "ثقة" وكتابه كتاب صحيح‪ ،‬وقال أبو‬
‫زرعة‪ :‬ال بأس به‪.‬‬
‫وقال أبو حامت‪" :‬كان عنده كتب يونس بن يزيد‪ ،‬وهو صاحل ال بأس به"‪.‬‬
‫وقال النسائي‪" :‬ليس به بأس"‪.‬‬
‫وقال احلافظ‪" :‬ال باس به"‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪" :‬ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة‬
‫وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكري‪.‬‬
‫وقال الدارقطين‪" :‬ثقة"‪ ،‬ونقل ابن خلفون توثيقه( ) عن الذهلي وبقية اإلسناد أئمة‪.‬‬
‫فاحلديث صحيح‪.‬‬
‫السيما على منهج ابن املديين‪ ،‬ويعقوب تلميذه حيذو حذوه‪ ،‬وبعيد جدا اطالق احلسن‬
‫هنا على املعىن االصطالحي‪.‬‬
‫مث قال ص‪:71‬‬
‫وثناه عبد اهلل بن مسلمة بن قعنب‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبد العزيز بن حممد عن العالء بن عبد‬
‫الرمحن عن أبيه عن أيب هريرة‪ .‬وساق احلديث‪ ،‬العالء صدوق رمبا وهم‪ ،‬كما قال احلافظ‪ ،‬وهذا‬
‫خالصة ما قيل فيه وعبد العزيز "صدوق كان حيدث من كتب غريه"‪.‬‬

‫( ) هتذيب التهذيب‪.) 18/4( :‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫فاحلديث حسن على اصطالح املتأخرين وال نستطيع أن حنكم على يعقوب أنه يريد هذا‬
‫املعىن وال يبعد أن يكون يرى صحة حديثهما كيف ال والدراوردي من رجال الشيخني والعالء من‬
‫رجال مسلم‪.‬‬
‫واحلديث أخرجه مسلم( ) قال‪ :‬حدثنا عبد الرمحن بن سالم اجلمحي حدثنا الربيع (يعين‬
‫ابن مسلم) عن حممد بن زياد عن أيب هريرة حنوه‪.‬‬
‫فاحلديث مما حفظه العالء وعبد العزيز رمحهما اهلل تعاىل واحلسن هنا حسن لغوي‪.‬‬
‫مث قال يف ص‪.78‬‬
‫ثنا يعلى بن عبيد قال‪ :‬ثنا أبو حيان عن أيب زرعة عن أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قام فينا رسول اهلل‬
‫‪ ‬خطيبا فحمد اهلل عز وجل وأثىن عليه مث ذكر الغلول فعظمه وعظم أمـره مث قال‪( :‬ال ألفني‬
‫أحدكم جييء يوم القيامة على رقبته شاة هلا ثغاء يقول‪ :‬يا رسول اهلل أغثين‪ ،‬أقول‪ :‬ال أملك لك‬
‫شيئا‪ )..‬احلديث‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وهذا إسناد صحيح عظيم رجاله رجال الشيخني‪.‬‬
‫واحلديث أخرجه الشيخان هبذا اإلسناد‪.‬‬
‫أخرجه البخاري يف كتاب اجلهاد( )‪.‬‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا مسدد ثنا حيىي عن أيب حيان قال‪ :‬حدثين أبو زرعة قال حدثين أبو‬
‫هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قام فينا النيب ‪ ‬وذكره‪.‬‬
‫وقال مسلم( )‪ :‬وحدثين زهري بن حرب‪ :‬حدثنا إمساعيل بن إبراهيم‪ ،‬عن أيب حيان عن أيب‬
‫زرعة عن أيب هريرة عن النيب ‪ ‬قال‪ :‬قام فينا رسول اهلل ‪ ‬مث ساقه من طرق أخرى مدار بعضها‬
‫على أيب حيان التيمي به‪.‬‬
‫ومدار بعضها على أيب زرعة به‪.‬‬
‫ولنتساءل كيف يطلق يعقوب بن شيبة لفظ احلسن االصطالحي على حديث هذا شأنه؟‬
‫مث قال يف ص‪ 77‬حديث رقم ‪. 1‬‬
‫"وأما حديث ابن عباس أخرجناه خمتصرا حىت نأيت به يف موضعه إن شاء اهلل‪.‬‬

‫( ) ‪ -4‬كتاب الفضائل ‪ -7‬باب إثبات حوض نبينا حممد ‪ ‬حديث‪. 1 :‬‬


‫( ) يف صحيحة – كتاب اإلمارة ‪ – 1‬باب غلظ حترمي الغلول حديث‪7 :‬‬
‫( ) ‪ – 77‬باب الغلول‪ ،‬حديث‪18 :‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫ثناه أبو الوليد الطيالسي وحفص بن عمر النمري وهو أبو عمر احلوضي وسياق احلديث‬
‫أليب الوليد‪ ،‬قاال‪ :‬ثنا شعبة‪ ،‬قال‪ :‬أخربين املغرية بن النعمان من النخع‪ ،‬قال‪ :‬مسعت سعيد بن‬
‫جبري حيدث عن ابن عباس قال‪ :‬خطب رسول اهلل ‪ ‬فذكر كالما مث قال‪( :‬أال وإنه جياء برجال‬
‫من أميت فيؤخذ هبم ذات الشمال‪ ،‬فأقول‪ :‬يا رب أصحايب‪ ،‬فيقال‪ :‬إنك ال تدري ما أحدثوا‬
‫بعدك‪ ،‬فأقول‪ :‬كما قال العبد الصاحل ‪‬وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتين كنت أنت‬
‫الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد‪ ‬اآلية‪ ،‬وساق احلديث‪.‬‬
‫مث قال‪ :‬حدثناه قبيصة بن عقبة‪ ،‬وشاذان األسود بن عامر وحممد بن كثري وأبوحذيفة‪،‬‬
‫وسياق احلديث لقبيصة‪ ،‬قالوا‪ :‬ثنا سـفيان‪ ،‬عن املغرية بن النعمان عن سعيد بن جبري‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ، ‬فذكر احلديث‪ ..‬مث ساق يعقوب طائفة منه‪.‬‬
‫وهذان إسنادان صحيحان‪.‬‬
‫واحلديث أخرجه الشيخان يف صحيحيهما‪.‬‬
‫قال اإلمام البخاري رمحه اهلل يف صحيحه( )‪.‬‬
‫حدثنا أبوالوليد‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬أخربنا املغرية بن النعمان قال‪ :‬مسعت سعيد بن جبري‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬خطب رسول اهلل صلى اهلل عليهم فقال‪( :‬يا أيها الناس انكم‬
‫حمشرون إىل اهلل حفاة عراة غرال‪ ..‬إىل أن قال‪ :‬أال وإنه جياء برجال من أميت فيؤخذ هبم ذات‬
‫الشمال‪.)..‬‬
‫مث ساقه مرة أخرى‪.‬‬
‫حدثنا حممد بن كثري حدثنا سفيان حدثنا املغرية بن النعمان وساقه خمتصرا‪.‬‬
‫وأخرجه يف األنبياء‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن كثري به‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم يف صحيحه( ) من طريق وكيع ومعاذ بن معاذ العنربي وحممد بـن جعفر عن‬
‫شعبة عن املغرية بن النعمان به‪.‬‬
‫ولعل هذا يقطع دابر كل التعلالت والتأويالت الباطلة إن بقي شيء منها‪.‬‬

‫‪،41‬‬ ‫( ) كتــاب التفســري ســورة املائــدة ‪ - 4‬بــاب ‪‬وكنــت علــيهم شــهيدا‪ - ،‬بــاب ‪‬إن تعــذهبم فــإهنم عبــادك‪ ‬رقــم‬
‫‪.1 1 ،1‬‬ ‫‪ ،41 1‬ويف األنبياء حديث‪ ، 47 :‬وأنظره يف خ‪،1 4 ،4841 :‬‬
‫( ) ‪ -‬كتاب اجلنة وصفة نعيمها‪ ،‬حديث‪.) 7( 711 :‬‬

‫‪- 85 -‬‬
‫وال يسع ذوي العقول إال أن يقولوا‪ :‬لعل يعقوب مل خيطر بباله ما يعوله به أبو غدة وينسبه‬
‫إليه من إطالق احلسن قاصدا به املعىن االصطالحي يف أي مكان أطلقه‪.‬‬
‫مث قال يف ص‪ 71‬رقم ‪" : 8‬وأما حديث أم سلمة فحدثناه األسود بن عامر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا‬
‫شريك عن عاصم‪ ،‬عن أيب وائل عن مسروق عن أم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :‬من‬
‫أصحايب من ال يراين‪ )..‬احلديث‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنا يوسف بن هبلول‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبدة‪ ،‬عن حممد بن إسحاق عن عبد اهلل بن رافع‪،‬‬
‫عن أم سلمة‪ ،‬قالت‪ ،‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول على هذا املنرب (أيها الناس إين سلف لكـم على‬
‫هذا الكوثر)‪.‬‬
‫وساقه ويف معناه شيء من املخالفة ملا قبله‪.‬‬
‫ويف اإلسناد األول‪.‬‬
‫شريك بن عبد اهلل‪ ،‬قال احلافظ‪ :‬صدوق خيطئ كثريا‪.‬‬
‫قال الذهيب يف الكاشف‪ :‬وثقه ابن معني‪ .‬وقال غريه‪ :‬سيء احلفظ‪.‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬هو أعلم حبديث الكوفيني من الثوري‪ ،‬قاله ابن املبارك‪.‬‬
‫وقال يعقوب بن شيبة‪ :‬شريك صدوق ثقة سيئ احلفظ جدا‪.‬‬
‫وعاصم هو ابن كليب اجلرمي‪ :‬قال فيه احلافظ‪ :‬صدوق رمي باإلرجاء‪.‬‬
‫ووثقه ابن معني والنسائي والعجلي‪.‬‬
‫لكن ال نذهب بعيدا‪.‬‬
‫فقد قال يعقوب يف إسناد فيه عاصم "إسناده وسط ليس بالثبت وال الساقط هو صاحل‬
‫رواه عاصم بن كليب" مث قال‪ :‬قال علي بن املديين‪ .‬وعاصم بن كليب صاحل ليس مما يسقط وال‬
‫مما حيتج به وهو وسط‪.‬‬
‫فهذا تليني منه هلذا اإلسناد‪.‬‬
‫واإلسناد الثاين رجاله ثقات يوسف بن هبلول ثقة من رجال البخاري وعبد اهلل بن رافع ثقة‬
‫من رجال مسلم‪ ،‬وحممد بن إسحاق صدوق يدلس ورمي بالقدر والتشيع‪ .‬وقد تقدم الكالم فيه‪،‬‬
‫ويعقوب قال فيه‪ :‬إنه حسن احلديث‪ ،‬لكن قد عرفنا من منهج يعقوب أنه يطلق لفظ احلسن على‬
‫الصحيح إطالقا لغويا فالظاهر أنه حيكم بصحة هذا اإلسناد‪.‬‬

‫‪- 86 -‬‬
‫والذي هو واحد من أسانيد صحيحة أطلق عليها أهنا حسان ولعلها عنده من غرائب‬
‫الصحيح وحديث أم سلمة رواه مسلم يف صحيحه( )‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثين يونس بن عبد األعلى الصديف‪ ،‬أخربنا عبداهلل بن وهب أخربين عمرو بن‬
‫احلارث أن بكريا حدثه عن القاسم بن عباس اهلامشي عن عبداهلل بن رافع عن أم سلمة عـن النيب‬
‫‪ ‬وساق احلديث‪.‬‬
‫مث قال يف ص ‪ 7‬رقم ‪. 7‬‬
‫"وأما حديث أمساء ابنة أيب بكر فحدثناه يوسف بن كامل قال‪ :‬ثنا نافع بن عمر‬
‫‪ .‬وساق‬ ‫‪‬‬ ‫اجلمحي‪ ،‬قال‪ :‬ثنا ابن أيب مليكة عن أمساء ابنة أيب بكر قالت‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫حديثها يف احلوض وذود بعض الناس عنه‪.‬‬
‫رجال هذا اإلسناد رجال الصحيحني إال يوسف بن كامل شيخ يعقوب بن شيبة‪.‬‬
‫فقد ذكره ابن أيب حامت يف اجلرح والتعديل وسكت عليه‪.‬‬
‫وذكره ابن حبان يف الثقات‪.‬‬
‫وال يبعد أن يوثقه يعقوب‪ ،‬فإنه يبدو من منهجه أنه متساهل السيما وقد أدخله ضمن‬
‫األسانيد اليت قال‪ :‬أهنا حسان‪ .‬وهذا احلديث يف صحيح مسلم( ) وكذا البخاري( )‪.‬‬
‫قال رمحه اهلل‪ :‬وحدثنا داود بن عمر الضيب‪ ،‬حدثنا نافع بن عمر اجلمحي عن ابن أيب‬
‫مليكة‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال رسول اهلل ‪( : ‬حوضي مسرية شهر‪)..‬‬
‫وساق احلديث‪ .‬مث قال‪ :‬وقالت أمساء بنت أيب بكر(‪ :)4‬قال رسول اهلل ‪ ‬وساق حديثها يف‬
‫احلوض‪.‬‬
‫فقد ظهر لك من دراسة هذه األسانيد أن معظمها يف قمة الصحة ومع ذلك فإن يعقوب‬
‫يسميها حسانا‪.‬‬
‫مما يدل داللة واضحة أنه ال يريد من إطالق احلسن املعىن االصطالحي‪.‬‬

‫‪ -4‬كتاب الفضائل حديث‪. 7 :‬‬ ‫( )‬


‫‪ -4‬كتاب الفضائل حديث‪. 7 :‬‬ ‫( )‬
‫‪ -7‬الرقاق ‪ -‬باب يف احلوض‪ ،‬حديث ‪ ،1 7‬ويف ‪ -7‬الفنت حديث ‪ 8147‬يف املوضعني من طريـق نـافع بـن‬ ‫( )‬
‫عمر به‪.‬‬
‫وليس هذا تعليقا وإمنا بناه مسلم على إسناده السابق فهو مسند متصل‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 87 -‬‬
‫‪ -7‬ص ‪ 7‬حديث ‪7‬‬
‫قال يعقوب بن شيبة – رمحه اهلل ‪:-‬‬
‫"وحديثه يف ليلة القدر‪ ،‬حديث إسناده وسط ليس بالثبت وال الساقط وهو صاحل‪ ،‬رواه‬
‫عاصم بن كليب عن أبيه‪ ،‬عن خاله الفلتان بن عاصم‪ ،‬عن النيب ‪.‬‬
‫ورواه أيضا عن أبيه عن ابن عباس عن عمر عن النيب ‪.‬‬
‫قال علي بن املديين‪ :‬وعاصم بن كليب‪" :‬صاحل‪ ،‬ليس مما يسقط وال مما حيتج به‪ ،‬وهو‬
‫وسط"‪.‬‬
‫مث بني أن عددا من الثقات رووه عن عاصم بن كليب رواه عنه على وجهني عن أبيه عن‬
‫خاله الفلتان عن النيب ‪ ‬وعن عاصم عن أبيه عن ابن عباس عن عمر عن النيب ‪ ،‬مث قال‪ :‬وقد‬
‫روى هذا احلديث‪ ،‬عن النيب ‪ ‬من وجوه تثبت هذا احلديث‪.‬‬
‫مث روى احلديث من طرق عن عاصم كعادته‪.‬‬
‫وبعد‪ ..‬فما هي درجة عاصم بن كليب يف نظر يعقوب بن شيبه وشيخه علي بن املديين‪.‬‬
‫لقد‪ :‬قاال‪" :‬إنه صاحل وليس مما يسقط وال مما حيتج به وهو وسط (ويف األصل "سط")"‬
‫فالشك أن هذه درجة من يعترب به فليس هو من الساقطني املرتوكني وال هو من اإلثبات الثقات‬
‫الذين يعتمد عليهم وحيتج هبم ولو كان حديثه حسنا عند يعقوب وكان اصطالح احملدثني يف‬
‫احلسن مستقرا والتقسيم الثالثي للحديث ثابتا ألطلق عليه يعقوب بن شيبة الفظ احلسن السيما‬
‫وهو يكثر من استعمال هذا اللفظ ولكن ال هذا وال ذاك فسقطت مزاعم أيب غدة‪.‬‬
‫أيكثر يعقوب من استعماله؟ فيطلقه على الصحيح والضعيف ومفردا ومجعا‪ ،‬حىت إذا جاء‬
‫موطن استعماله يف نظر أىب غدة فإذا به كأنه ال يعرفه‪ ،‬فيقول‪" :‬صاحل ليس مما يسقط وال مما حيتج‬
‫به وهو وسط"‪.‬‬
‫إن هذا ألقوى دليل على أن احلسن باملعىن االصطالحي مل يكن مستقرا يف عهد يعقوب‬
‫وال يعرفه هبذا املعىن‪.‬‬
‫وعلى هذا مشى املتأخرون‪ ،‬قال احلافظ العراقي بعد ذكر املراتب احملتج هبا‪.‬‬
‫… وتال حمله الصدق رووا عنه إىل‬
‫الصدق ما هو كذا شيخ وسط‬
‫أو وسط فحسب أو شيخ فقـط‬
‫‪- 88 -‬‬
‫وصاحل احلديث أو مقاربـه‬
‫جيده حسنه مقارب ـ ــه‬
‫صويلح صدوق إن شاء اهلل‬
‫أرجو بأن ليس به بأس عراه‬
‫قال السخاوي يف فتح املغيث ( ‪ ) 41/‬بعد أن شرح هذه املرتبة وما قبلها‪ ،‬مع مرتبتني‬
‫أضافهما إىل ما ذكره العراقي‪.‬‬
‫مث إن احلكم يف أهل هذه املراتب االحتجاج باألربعة كذا األوىل‪ ،‬وأما اليت بعدها‪ ،‬فإنه ال‬
‫حيتج بأحد من أهلها‪ ،‬لكون ألفاظها ال تشعر بشريطة الضبط بل يكتب حديثهم وخيترب"‪.‬‬
‫فعاصم قال فيه علي ويعقوب صاحل ووسط وال حيتج به‪ ،‬هذه األلفاظ يؤكد بعضها بعضا‬
‫يف عدم االحتجاج به‪ ،‬وأنه ممن يعترب به‪.‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫‪ - 7‬ص‪ 77‬حديث ‪. 4‬‬
‫قال يعقوب‪ :‬وحديثه يف املال الذي كان بني يديه‪ ..‬حديث صاحل اإلسناد وسط‪ ،‬رواه‬
‫أيضا – عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس عن عمر – رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ثنا علي بن عبداهلل قال‪ :‬ثنا سفيان‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عاصم بن كليب‪ ،‬عن أبيه عـن ابن عباس‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان عمر رضي اهلل عنه كلما صلى صالة جلس للناس"‪.‬‬
‫وساق حديثا طويال‪.‬‬
‫قال‪ :‬صاحل اإلسناد وسط‪ :‬من أجل عاصم‪.‬‬
‫وعلي بن عبداهلل هو ابن املديين اإلمام وسفيان هو ابن عيينة اإلمام وقد تقدم الكالم على درجة‬
‫عاصم‪.‬‬
‫‪ - 1‬ص‪ 11‬حديث‬
‫قال يعقوب‪" :‬وحديثه يف العاين حديث صاحل اإلسناد – أيضا … رواه عن عبداهلل بن‬
‫إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن عمر – رضي اهلل عنه – ومل يرو هذا احلـديث إال من‬
‫هذا الوجه‪ ،‬وال حيفظ عن كليب أيب عاصم أنه مسع من عمر – رضي اهلل عنه – شيئا إال هذا‬
‫احلديث إذ( ) كان ثبت‪ ،‬وإمنا روايته املعروفة اليت يرويها عاصم بن كليب‪ ،‬عن أبيه عن ابن عباس‬
‫عن عمر رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫فرواه عن ابن إدريس غري واحد‪ ،‬علي بن املديين وغريه‪ ،‬فقالوا مجيعا عن عاصم عن أبيه‬
‫عن عمر رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ورواه شيخ من أهل الكوفة معروف( ) بالسماع يقال له‪ :‬حسني بن عبد األول عن ابن‬
‫إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله الفلتان بن عاصم عن عمر رضي اهلل عنه فخالف‬
‫من رواه عن ابن إدريس وأدخل هو فيما بني كليب أيب عاصم وبني عمر الفلتان بن عاصم خاله‪،‬‬
‫فإن كان هذا الشيخ ضبط هذا احلديث فقد جوده وحسنه"‪.‬‬
‫وألفت النظر إىل أمور‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬قد تقدم الكالم على منزلة عاصم بن كليب‪.‬‬

‫( ) قوله إذ كذا والظاهر "إن"‪.‬‬


‫( ) يف املطبوع معروفا وهو خطأ مطبعي أو من األصل‪ ،‬ولعل أصله مل يكن معروفا والسياق يقتضيه فتأمل‪.‬‬

‫‪- 91 -‬‬
‫ثانيها‪ :‬قوله صاحل اإلسناد مع أن يف اإلسناد علال‪.‬‬
‫منها‪ -‬خمالفة حسني بن عبد األول ألصحاب ابن إدريس وفيهم اإلمام احلافظ علي بن‬
‫املديين بقوله عن عاصم عن أبيه عن الفلتان عن عمر‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن حسني بن عبد األول جمروح جرحا شديدا‪.‬‬
‫قال فيه أبو حامت‪ :‬تكلم الناس فيه‪.‬‬
‫وكذبه ابن معني‬
‫رابعها‪ :‬يف الكتاب‪ :‬رواه شـيخ من أهل الكوفة معروف بالسماع يقال له حسني بن عبد‬
‫األول‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فإن كان هذا الشيخ ‪..‬اخل‪.‬‬
‫كل ذلك يدل أن يعقوب ال يعرف هذا الرجل ولو كان يعرفه لقال رأسا وخالفهم حسني‬
‫بن عبد األول‪.‬‬
‫والظاهر أن يف الكالم سقطا وهو لفظ "غري" أو "مل يكن"‪ ،‬إذ السياق يقتضي أن يكون‬
‫الكالم‪ ،‬ورواه شيخ من أهل الكوفة غري معروف بالسماع‪ ،‬أو مل يكن معروفا"‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬قوله‪" :‬فإن كان هذا الشيخ ضبط هذا احلديث فقد جوده وحسنه يريد به‬
‫يعقوب جودة سياقة منت احلديث وحسن عرضها‪.‬‬
‫ويريد بالضبط ضبط ما خالف فيه أصحاب عبداهلل بن ادريس وهي زيادة الفلتان يف‬
‫اإلسناد اليت مل يذكرها أصحاب ابن إدريس‪.‬‬
‫فقول أيب غُدَّة يعين أنه يرتفع حينئذ من صاحل إىل جيد وحسن غلط إذ كيف جيوده‬
‫يعقوب وحيسنه التحسني االصطالحي وفيه هذه العلل إذن فالتحسني لغوي ال اصطالحي‪.‬‬
‫‪ -‬ص ‪ 1‬رقم ‪7‬‬
‫كان يعقوب‪" :‬وحديثه عن النيب ‪ ‬يف الصالة بعد العصر وبعد الصبح"‪.‬‬
‫حديث حسن اإلسناد ثبت‪:‬‬
‫رواه قتادة عن أيب العالية‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬عن عمر‪ ،‬رضي اهلل عنه عن النيب ‪.‬‬
‫ورواية قتادة‪ ،‬عن أيب العالية مرسلة كلها إال أربعة أحاديث مسعها من أيب العالية‪.‬‬
‫هذا احلديث أحد األربعة‪.‬‬
‫فرواه عن قتادة‪.‬‬
‫‪- 91 -‬‬
‫سعيد بن أيب عروبة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهشام الدستوائي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وشعبة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومنصور بن زاذان‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ومهام بن حيىي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأبان العطار( )‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وأبو هالل الراسيب( ) انتهى‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫الشك أن كل ذي عقل وفهم وذوق ال جيرؤ أن يقول‪ :‬إن مراد يعقوب هنا باحلسن‬
‫احلسن االصطالحي فحديث يرويه سعيد بن أيب عروبة وهشـام الدستوائي وشعبة ومنصور عن‬
‫قتادة عن أيب العالية عن ابن عباس عن عمر عن النيب ‪ ‬كيف يقال إنه حسن باملعىن‬
‫االصطالحي‪ ،‬بل لو رواه واحد من هؤالء باإلسناد املذكور هل يقال له أنه حسن باملعىن‬
‫االصطالحي؟‬
‫لو مل يكن إال هذا النص الواضح وضوح الشمس يف استعمال يعقوب بن شيبة لفظ‬
‫احلسن مريدا به املعىن اللغوي لكفى يف هدم وبطالن دعوى أيب غدة أنه يطلقه ويريد به املعىن‬
‫االصطالحي‪ ،‬فكيف وقد تبني بطالن كل ما ادعاه على يعقوب يف إطالق لفظ "احلسن"‪.‬‬
‫وهتويله مبا ورد يف هذه القطعة‪ ،‬وهتويله مبسند يعقوب ظانا أنه لو بقي لوجدنا فيه األلوف‬
‫من اطالقات يعقوب احلسن مريدا هبا املعىن االصطالحي‪.‬‬
‫وحنن نعتقد أنه لو كان موجودا لزاد األمر وضوحا على وضوح‪ ..‬أن يعقوب ال يريد‬
‫بإطالق لفظ احلسن إال املعىن اللغوي‪.‬‬
‫وقد وجدت نصا من كالم يعقوب يف هتذيب الكمال أحببت نقله‪ ،‬قال املزي "وقال‬
‫يعقوب (يعين ابن شيبة)‪" :‬بقية بن الوليد هو ثقة حسن احلديث إذا حدث عن املعروفني وحيدث‬
‫عن قوم مرتوكي احلديث‪ ،‬وعن الضعفاء وحيدث عمن هو أصغر منه‪ ،‬وحدث عن سويد بن سعيد‬
‫احلدثاين"‪.‬‬

‫( ) هو ابن يزيد العطار‪ .‬قال احلافظ‪ :‬ثقه له افراد‪.‬‬


‫( ) هو حممد بن سليم البصري‪ .‬قال احلافظ‪ :‬صدوق‪.‬‬
‫وال حيتاج الباقون إىل ترمجة ألهنم أعالم شوامخ‪.‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫والشاهد يف قولـه‪" :‬هو ثقة حسن احلديث" فإنه من إطالق لفظ احلسن على احلسن‬
‫اللغوي‪.‬‬
‫واحلمد هلل الذي تكفل بنصرة احلق وأهله‪ ..‬جعلنا اهلل منهم ‪..‬‬
‫‪ -‬إطالق أيب حامت لفظ احلسن إطالقا لغويا‪.‬‬
‫قال أبوغدة‪" :‬وممن استعمل (احلسن) يف وصف احلديث‪ ،‬قبل الرتمذي – أيضا – اإلمام‬
‫أبو حامت الرازي‪ ،‬املولود سنة ‪ 7‬هـ‪ ،‬واملتوىف سنة ‪ 88‬هـ‪.‬‬
‫ففي "اجلرح والتعديل" البن أيب حامت يف ترمجة إبراهيم بن يوسف بن أيب إسحاق السبيعي‬
‫( ‪.) 47/ /‬‬
‫"مسعت أيب يقول‪ :‬يكتب حديثه‪ ،‬وهو حسن احلديث"‪ .‬ويف ترمجة حممد بن راشد‬
‫) ( )‪.‬‬ ‫املكحويل ‪:/ /‬‬
‫"قال أيب‪ :‬كان صدوقا حسن احلديث"‪.‬‬
‫( )‬
‫وبتتبع الكتاب تبلغ األمثلة الكثري‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مما يلفت النظر أن احلافظ ابن حجر رمحه اهلل كان قد ذكر يف نكته( ) على ابن‬
‫الصالح عددا من أئمة احلديث ممن أطلق لفظ احلسن باملعىن اللغوي‪.‬‬
‫مث قال‪:‬‬
‫"وأما أبو حامت‪ ،‬فذكر ابنه يف كتابه "اجلرح والتعديل" يف "باب من امسه عمرو" من حرف‬
‫العني‪ ،‬عمرو بن حممد – روى عن سعيد بن جبري‪ ،‬وأيب زرعة بن عمرو بن جرير‪.‬‬
‫روى عنه إبراهيم بن طهمان سألت أيب عنه فقال‪ :‬هو جمهول‪ ،‬واحلديث الذي رواه عن‬
‫سعيد بن جبري حسن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكالم أيب حامت هذا حمتمل‪ ،‬فإنه يطلق اجملهول على ما هو أعم من املستور غريه‪.‬‬
‫فيحتمل أن يكون حكم على احلديث باحلسن‪ ،‬ألنه روي من وجه آخر‪ ،‬فيوافق كالم‬
‫الرتمذي‪.‬‬

‫( ) صوابه ( ‪.) 47/ /‬‬


‫( ) حاشية قواعد على علوم احلديث (ص‪.) 1 :‬‬
‫( ) ( ‪.)4 1/‬‬

‫‪- 93 -‬‬
‫وحيتمل أن يكون حكم باحلسن‪ ،‬وأراد املعىن اللغوي أي أن متنه حسن – واهلل أعلم‪."..‬‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إين أستبعد جدا أن يكون أبو غدة قد جهل كالم أيب حامت هذا وما قبله‪.‬‬
‫وكتاب النكت يف حوزته‪.‬‬
‫وهو املصدر الرئيس واحملور األساسي لبحثه هذا وإنين أكاد أجزم أنه كان حني كتابة هذا‬
‫البحث وبعده على علم به‪.‬‬
‫لكنه ملا رأى هو وتلميذه حممد عوامة أن حبثهما ال تقوم له قائمة إن مها أبرزا هذا الكالم‬
‫جلآ إىل إخفائه وكتمانه وذهب أبو غدة يبحث هنا وهناك عما يظن أنه يشيد حبثه‪.‬‬
‫ولو كان كالم أيب حامت ومن قبله يصلح له الستخرجه من األعماق ولو فاته وقت حبثه‬
‫الستدركه ‪‬وال حتسنب اهلل غافال عما يعمل الظاملون‪.‬‬
‫وغدا تكشف السرائر‪ ،‬وإن غدا لناظره قريب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ما تعلق به أبو غدة مما اختطفه سريعا من الطالق أيب حامت للفظ احلسن ال يغين‬
‫عنه شيئا‪.‬‬
‫فإن أبو حامت خيتلف مراده من إطالق لفظ "احلسن" فهو تارة يطلقه على الصحيح‪،‬‬
‫إطالقا لغويا وتارة يطلقه على رواية اجملهول وتـارة على رواية الصدوق الذي ميكن أن يقال أن‬
‫حديثه حسن‪ ،‬وميكن أن يقال أن حديثه صحيح‪.‬‬
‫وهذا االختالف يف إطالقه هذا اللفظ أقوى دليل على أنه يريد به املعىن اللغوي ال املعىن‬
‫االصطالحي وعلى أنه إىل وقته ووقت ابنه مل يستقر املعىن االصطالحي للفظ احلسن‪.‬‬
‫‪ -‬فمما أطلقه أبو حامت من لفظ احلسن وهو يريد به املعىن اللغوي ما نقله عنه ابنه يف كتابه‬
‫"العلل"( )‪.‬‬
‫قال رمحه اهلل‪:‬‬
‫"سألت أيب عن حديث رواه إبراهيم بن أيب شيبان عن يونس بن ميسرة بن حلبس‪ ،‬عن‬
‫أيب إدريس عن عبد اهلل بن حوالة‪ ،‬عن النيب ‪ ،‬قال‪" :‬جيندون أجنادا"‪.‬‬
‫قال‪" :‬هو صحيح حسن غريب"‪.‬‬

‫( ) ( ‪.) 8/‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫وإبراهيم بن أيب شيبان قال فيه أبو حامت‪" :‬ال بأس به"( )‪.‬‬
‫ويونس بن ميسرة ذكره ابن أيب حامت يف اجلرح والتعديل( ) وسكت عنه‪.‬‬
‫وقال احلافظ يف التقريب‪" :‬ثقة عابد"‪.‬‬
‫وأبو إدريس هو اخلوالين التابعي اجلليل املشهور‪ ،‬وعبداهلل بن حوالة صحايب كرمي‪.‬‬
‫فهذا حديث صحيح يف نظر أيب حامت أطلق عليه أبو حامت لفظ "احلسن" إطالقا لغويا‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬لعله مجع له بني الصحة واحلسن باعتبار إسنادين أحدمها صحيح واآلخر حسن‬
‫لذاته فهو يريد احلسن االصطالحي‪.‬‬
‫واجلواب أنه ليس األمر كذلك‪.‬‬
‫فال يعرف له أبو حامت إال إسنادا واحدا هو هذا اإلسناد الذي أجرى عليه هذا احلكم‪.‬‬
‫ولذا قال‪" :‬غريب" فأطلق عليه احلسن تأسيا بغريه إذ يطلق بعض أهل احلديث احلسن‬
‫على الفرد الغريب‪.‬‬
‫‪ -‬ومن إطالقه لفظ "احلسن" على الصحيح إطالقا لغويا قوله يف عبد ربه بن سعيد "ال بأس‬
‫به"*‪.‬‬
‫قال ابنه‪" :‬قلت حيتج حبديثه"؟‬
‫قال‪" :‬هو حسن احلديث ثقة"( )‪.‬‬
‫وعبد ربه قال فيه احلافظ يف التقريب‪ :‬ثقة من اخلامسة وهو أخو حيىي بن سعيد األنصاري‬
‫ورمز له بـ (ع)‪.‬‬
‫قال فيه حيىي بن سعيد القطان‪ :‬كان وقادا حي الفؤاد‪.‬‬
‫وقال ابن معني‪" :‬ثقة مأمون"(‪.)4‬‬
‫فظاهر جدا أن إطالق أيب حامت لفظ "احلسن" على حديث عبد ربه بن سعيد الثقة‬
‫إطالق لغوي‪.‬‬

‫اجلرح والتعديل‪.) 11- 1 / ( :‬‬ ‫( )‬


‫(‪.) 41/7‬‬ ‫( )‬
‫اجلرح والتعديل‪ ،)4 /1( :‬هتذيب التهذيب (‪.) 8- 1/1‬‬ ‫( )‬
‫املصدران السابقان‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 95 -‬‬
‫ومن إطالقه "احلسن" مريدا به املعىن اللغوي قوله يف حديث عمرو بن حممد "حسن" مع‬ ‫‪-‬‬
‫أنه جمهول‪.‬‬
‫قال عبد الرمحن بن أيب حامت‪.‬‬
‫عمرو بن حممد روى عن سعيد بن جبري‪ ..‬سألت أيب عنه‪ ،‬فقال‪ :‬هو جمهول‪ ،‬واحلديث‬
‫الذي رواه عن سعيد بن جبري فهو حسن‪.‬‬
‫واحلديث اآلخر الذي رواه عن أيب زرعة بن عمرو بن جرير‪ ،‬فإنه يرويه الناس"( )‪.‬‬
‫فالظاهر أنه يريد باحلسن هنا الغريب املستنكر‪.‬‬
‫وعمرو بن حممد قال فيه الذهيب‪:‬‬
‫"عمرو بن حممد‪ ،‬عن سعيد بن جبري جمهول"( )‪.‬‬
‫فالظاهر أن أبا حامت يريد بقوله فيه "جمهول" جهالة العني‪.‬‬
‫ويريد بإطالق احلسن على حديثه االستغراب واالستنكار بدليل أنه قال يف حديثه عن أيب‬
‫زرعة بن عمرو بن جرير "يرويه الناس"‪.‬‬
‫فمفهوم هذا القول أن حديثه عن سعيد غريب‪ ،‬وأنه قد تفرد به عن سعيد بن جبري فليس‬
‫له متابع وال شاهد‪.‬‬
‫ولو كان أحد قد شارك عمرو بن حممد يف رواية حديث سعيد لذكـره السيما إذا كان‬
‫قصده بتحسني حديثه املعىن االصطالحي‪.‬‬
‫فلما مل حيصل ذلك من أيب حامت اتضـح لنا أن قصده بإطالق لفظ احلسن على رواية‬
‫عمرو اجملهول‪ ،‬املعىن اللغوي استغرابا له واستنكارا كما يفعل ذلك كثري من أئمة احلديث‪.‬‬
‫ومن إطالق أيب حامت لفظ "احلسن" على الصحيح إطالقا لغويا على ما يرتجح يل من‬ ‫‪-4‬‬
‫الدراسة‪ ،‬قوله يف حديث حممد بن راشد املكحويل "حسن احلديث"‪.‬‬
‫وحممد بن راشد املكحويل‪.‬‬
‫نقل ابن أيب حامت عن شعبة أنه قال‪" :‬إنه صدوق"‪.‬‬
‫وعن أمحد‪ :‬إنه ثقة‪.‬‬

‫( ) اجلرح والتعديل‪.) 1 /1( :‬‬


‫( ) امليزان‪.) 78/ ( :‬‬

‫‪- 96 -‬‬
‫وعن ابن معني‪ :‬إنه ثقة‬
‫وعن عبد الرزاق‪ :‬ما رأيت أحدا أورع يف احلديث منه‪.‬‬
‫مث قال‪ :‬وسألت أيب عنه فقال‪" :‬كان صدوقا حسن احلديث"( )‪.‬‬
‫ونقل احلافظ عن أمحد أنه قال‪" :‬ثقة ثقة"‪.‬‬
‫وعن ابن معني أنه‪" :‬ثقة صدوق"‪.‬‬
‫وعن النسائي أنه‪" :‬ثقة"‪ ،‬ويف موضع آخر "ال بأس به"‪.‬‬
‫ويف موضع آخر‪" :‬ليس بالقوي"‪.‬‬
‫وعن ابن حبان‪ :‬أنـه "كان من أهل الورع والنسك ومل يكن احلديث مـن صنعته كثري‬
‫املناكري يف روايته فاستحق الرتك"‪.‬‬
‫وقال الدار قطين‪" :‬يعترب به"‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪" :‬يروي عن مكحول أحاديث وليس برواياته بأس‪ ،‬وإذا حدث عنه بقية‬
‫فحديثه مستقيم"‪.‬‬
‫وعن ابن معني‪" :‬مل يكن به بأس"‪.‬‬
‫وعن ابن املديين‪" :‬ثقة" وقال الساجي‪" :‬صدوق"‪.‬‬
‫وقال ابن خراش‪" :‬ضعيف احلديث"( )‪ .‬وال يعتد بقول ابن خراش فهو نفسه جمروح‪.‬‬
‫وقال احلافظ يف التقريب‪" :‬صدوق يهم رمي بالقدر"‪.‬‬
‫وقال الذهيب وثقه أمحد ومجاعة‪ ،‬وقال‪ :‬دحيم يذكر بالقدر"( )‪.‬‬
‫وعن أيب مسهر‪ ،‬قال‪ :‬كان يرى رأي اخلوارج"‪.‬‬
‫فمن سياق ترمجة حممد بن راشد يف اجلرح والتعديل ومن أقوال أئمة اجلرح والتعديل فيه‬
‫يبدو أن أبا حامت أطلق لفظ احلسن على حديثه إطالقا لغويا من إطالقه على الصحيح‪.‬‬
‫ويبعد أن يريد به املعىن االصطالحي لألسـباب اليت ذكرناها سابقا‪ ،‬فإن قيل‪ :‬كيف يرى‬
‫صحة حديثه وهو يقول فيه‪ :‬صدوق‪ ،‬قيل‪ :‬وكيف صحح حديث إبراهيم بن أيب شيبان‪،‬‬

‫)‪.‬‬
‫( ) اجلرح والتعديل (‪/8‬‬
‫( ) هتذيب التهذيب‪.) 11- 7- 7/7( :‬‬
‫( ) الكاشف ( ‪.)4 /‬‬

‫‪- 97 -‬‬
‫وقد قال فيه‪" :‬ال بأس به"‪ ،‬أليس حممد بن راشد الذي قال فيه‪ :‬صدوق‪ ،‬والذي وثقه‬
‫عدد من كبار األئمة أوىل هبذا احلكم؟‬
‫ولو سلمنا أن منزلة حممد بن راشد عند أيب حامت منزلة راوي احلسن عند املتأخرين‪ ،‬فإن‬
‫من اجملازفة مبكان أن نقول‪ :‬إن مراده بتحسني حديثه احلسن االصطالحي ملا سبق من‬
‫تصرفاته يف هذا اللفظ‪ ،‬مما يدل داللـة واضحة أنه ال يريد بإطالقه إال املعىن اللغوي‪.‬‬
‫ومما يزيده بعدا عدم استقرار املعىن االصطالحي يف عهده وعهد من قبله من أهل‬
‫احلديث‪.‬‬
‫قال أبو غدة‪:‬‬
‫مراد اإلمام الشافعي من إطالق لفظ احلسن‪.‬‬
‫‪" -‬وممن استعمل (احلسن) قبل أيب حامت‪ :‬اإلمام الشافعي املولود سنة ‪ ، 1‬املتويف سنة‬
‫‪ 14‬هـ‪.‬‬
‫قال احلافظ العراقي يف التقييد واإليضاح ص‪.7‬‬
‫"ومل أر من سبق اخلطايب إىل التقسيم املذكور – صحيح‪ ،‬وحسن‪ ،‬وضعيف – وإن كان يف‬
‫كالم املتقدمني ذكر (احلسن)‪.‬‬
‫وهو موجود يف كالم الشافعي والبخاري‪ ،‬ومجاعة‪.‬‬
‫مث ذكر يف ص‪ 7‬نصوص الشافعي فيه"( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لنا أن نسأل أبا غدة‪ :‬ملاذا تركت كالم احلافظ يف النكت الذي صرح فيه بأنه مل‬
‫يظهر له املعىن اإلصالحي من كالم الشافعي وال من كالم من قبله؟‪.‬‬
‫وملاذا تركت قول احلافظ( ) عقب هذا التصريح‪" :‬فإن حكم الشافعي على حديث ابن‬
‫عمر – رضي اهلل عنهما – يف استقبال بيت املقدس حال قضاء احلاجة بكونه حسنا خالف‬
‫االصطالح‪ ،‬بل هو صحيح متفق على صحته( )‪.‬‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪1 :‬‬


‫( ) النكت ( ‪.)4 /‬‬
‫( ) أخرجه البخاري (‪ -4‬الوضوء ‪ -‬باب من تربز على لبنتني حديث ‪ ، 4‬مث ‪ 47 ، 47‬ومسلم يف ‪ -‬الطهـارة‪.‬‬
‫‪ - 8‬اإلستطابة حديث‪. 11 :‬‬

‫‪- 98 -‬‬
‫وكذا قال الشافعي يف حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود‪ ،‬رضي اهلل‬
‫تعاىل عنه – يف السهو"( )؟‪.‬‬
‫وملاذا تركت قول احلافظ العراقي عن اإلمام الشافعي‪" :‬فقال يف كتاب اختالف احلديث‪.‬‬
‫عند ذكر حديث ابن عمر‪( :‬لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا) احلديث‪ :‬حديث ابن عمر مسند‬
‫حسن اإلسناد‪ ،‬وقال فيه أيضا – ومسعت من يروي بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنيب ‪ ‬أنه‬
‫ركع دون الصف) ( )؟‪.‬‬
‫ملاذا تفعل كل هذه األفاعيل؟‬
‫أخشيت أن يعرف القراء منهج الشافعي ومن قبله‪ ،‬بل ومنهج أمحد أهنم يطلقون احلسن‬
‫خبالف املعىن االصطالحي الذي تريد أن حتمل عليه كل لفظة وردت يف كالمهم بلفظ احلسن‪.‬‬
‫ملاذا اقتصرت على قولك‪ ،‬مث ذكر يف ص‪ 7‬نصوص الشافعي ومل تنقل هذه النصوص‬
‫اليت ذكرها العراقي؟ ليعرف الناس هذه النصوص ويعرفوا من خالهلا منهج الشافعي يف اطالق‬
‫احلسن حبرية كاملة وبصرية واضحة دون أن حتملهم محال على اعتقاد ما تريد؟‪.‬‬
‫ألست تعرف أن هذه النصوص اليت تعمدت تركهـا‪ :‬من األحاديث الصحيحة املتفق‬
‫عليها؟‪.‬‬
‫لكنك أدركت أن ذكر هذا الكالم وذاك سيكشف األغطية واحلجب عن أبصار القراء‬
‫وبصائرهم فيعرفوا أن منهج احملدثني قبل اإلمام الرتمذي يف إطالق احلسن على خالف املعىن‬
‫االصطالحي ويف ذلك تأييد ملا ذهب إليه ابن تيمية وإحباط ملا تقرره أنت وتلميذك‪.‬‬

‫( ) البخاري ‪ -7‬الصالة حديث ‪ 414 ،41‬وأطرافه يف ‪ 8 47 ،118 ، 1‬ومسلم – املساجد ‪ - 7‬باب السهو‬
‫يف الصالة‪ 8 ،‬من طرق إىل منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اهلل بن مسعود مرفوعا‪.‬‬
‫( ) البخــاري ‪ - 1‬األذان ‪ - 4‬حــديث ( ‪ ،)87‬وأبــو داود ‪ -‬الصــالة ‪ - 1‬بــاب الرجــل يركــع دون الصــف حــديث‬
‫‪ - 1 ،174 ،17‬كتاب اإلمامة ‪ -1‬الركوع دون الصف حديث ( ‪ ،78 -78‬وأمحد ( ‪.)4 ، 7/‬‬

‫‪- 99 -‬‬
‫إطالق أبي زرعة لفظ الحسن مريدا به المعنى اللغوي‬
‫‪ - 4‬قال أبو غدة‪:‬‬
‫"وممن استعمله – أيضا – أبو زرعة الرازي املولود سنة ‪ 11‬واملتوىف سنة ‪ 14‬شيخ أيب‬
‫حامت ومسلم والرتمذي والنسائي وابن ماجه‪.‬‬
‫قال ابن أيب حامت يف اجلرح والتعديل يف ترمجة (عبداهلل بن صاحل كاتب الليث ‪78 : /‬‬
‫"سألت أبا زرعة عنه فقال‪ :‬مل يكن عندي ممن يتعمد الكذب‪ ،‬وكان حسن احلديث"‪.‬‬
‫ونقله احلافظ ابن حجر يف التهذيب‪ ، 7/ :‬وهدي الساري ص ‪ 4‬و ‪:‬‬
‫‪.) (" 8‬‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ال يظهر قصد املعىن االصطالحي من عبارة أيب زرعة‪ ،‬ألنه مل يكن قد استقر يف‬
‫عهده هذا االصطالح يف لفظ "احلسن"‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ان ابازرعة إمنا نفى عنه هتمة الكذب اليت اهتمه هبا بعض نقاد احلديث‪.‬‬
‫قال سعيد بن عمرو الربدعي‪ :‬قلت أليب زرعة أبو صـاحل كاتب الليث‪ ،‬فضحك‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حسن احلديث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن أمحد حيمل عليه‪ ،‬قال‪" :‬وشيء آخر"( )!‬
‫انظر إىل السياق واجلو الذي اكتنف هذا التحسني من ضحك أيب زرعـة فإنه ينم أنه كان‬
‫حيس شيئا من وراء هذا السؤال‪ ،‬فلما قال له الربدعي‪ :‬إن أمحد حيمل عليه‪ ،‬قال‪" :‬وشيء‬
‫آخر" أظنه إشارة إىل أمر خطري وهو أن بعض الناس يكذبه وبعضهم يرى أنه يروي‬
‫الكذب الذي يدس عليه وال حيس هبذا الدس‪.‬‬
‫قال صاحل بن حممد امللقب جزرة املولود سنة ‪ 1‬واملتوىف سنة ‪" 7‬وكان ابن معني‬
‫يوثقه وعندي أنه يكذب"( )‪.‬‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪11 :‬‬


‫( ) هدى الساري‪ ،) 78/ ( :‬ط‪ .‬احلليب‪.‬‬
‫( ) هدي الساري‪ ،) 87/ ( :‬ط‪ .‬احلليب‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫وقال أبو حامت‪" :‬األحاديث اليت أخرجها أبو صاحل يف آخر عمره اليت أنكروا عليه نرى أن‬
‫هذه مما افتعل خالد بن جنيح وكان أبو صاحل يصحبه‪ ،‬وكان سليم الناحية‪ ،‬وكان خالد بن جنيح‬
‫يفتعل احلديث ويضعه يف كتب الناس‪ ،‬ومل يكن وزن أيب صاحل وزن الكذب‪ ،‬كان رجال‬
‫صاحلا"( )‪.‬‬
‫اعتقد أن قول أيب زرعة‪" :‬وشيء آخر" يرمي إىل هذه األشياء وكذلك ضحكه‪.‬‬
‫ففي هذا اجلو واملالبسة أطلـق أبوزرعة كلمة احلسن وال أستبعد أنه يريد أن أحاديثه فيها‬
‫غرابة ونكارة‪ ،‬جرى فيها على سنن السلف يف اطالق لفظ احلسن على ما يستغربونه ويستنكرونه‪،‬‬
‫ولكل مقام مقال‪.‬‬
‫مالحظتان‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬على قول أيب غدة عن ما نقله ابن أيب حامت عن أيب زرعة‪" :‬ونقله احلافظ يف‬
‫التهذيب وهدي الساري"‪.‬‬
‫مل ينقل احلافظ قول ابن أيب حامت‪ ،‬إمنا نقل قول سعيد الربدعي يف الكتابني املذكورين‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قال أبوغدة عن أيب زرعة‪" :‬شيخ أيب حامت ومسلم والنسائي وابن ماجه"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬يف عده من شيوخ أيب حامت نظر‪.‬‬
‫فإن أبا حامت أكرب منه سنا إذ كانت والدته سنة ‪ 7‬هـ ووالدة أيب زرعة سنة ‪ ، 11‬وقال‬
‫الذهيب‪" :‬بعد نيف ومئتني"( )‪.‬‬
‫وقال الذهيب يف ترمجة أيب حامت‪:‬‬
‫"حدث عنه ولده احلافظ اإلمام أبوحممد عبدالرمحن بن أيب حامت ويونس بن عبداألعلى‪،‬‬
‫والربيع بن سليمان املؤذن شيخاه وأبوزرعة الرازي رفيقه وقرابته وأبوزرعة الدمشقي"( )‪.‬‬
‫ولعل أبا غدة راجع ترمجيت أيب زرعة وأيب حامت يف تذكرة احلفاظ(‪ ،)4‬فرأى قول الذهيب‪:‬‬
‫حدث عنه من شيوخه حرملة وأبوحفص الفالس ومجاعة‪.‬‬
‫ومسلم وابن خالته احلافظ أبو حامت والرتمذي وابن ماجه‪.‬‬

‫اجلرح والتعديل ( ‪ ،)78/‬وهدي الساري‪.) 87/ ( :‬‬ ‫( )‬


‫سري أعالم النبالء ( ‪ )1 /‬مث تردد يف عام والدته‪.‬‬ ‫( )‬
‫سري أعالم النبالء ( ‪.) 47/‬‬ ‫( )‬
‫( ‪.) 8/‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫فظن أن أبا زرعة من شيوخ أيب حامت وإمنا هو قرينه بل أصغر منه سنا‪ ،‬لكن كال منهما‬
‫أخذ عن اآلخر وهذا شأن احملدثني يأخذ األقران عن أقراهنم بل يوجد عندهم رواية األكابر عن‬
‫األصاغر والعكس‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬نقلت كالم سعيد بن عمرو الربدعي عن أيب زرعـة السابق من هدي الساري مث‬
‫علقت عليه مبا يفهم منه ومن غريه‪ ،‬مث راجعت هتذيب التهذيب( ) فوجدت الكالم على النحو‬
‫اآليت‪:‬‬
‫"وقال سعيد الربدعي‪ :‬قلت أليب زرعة‪ :‬أبوصاحل كاتـب الليث‪ ،‬فضحك‪ ،‬وقال ذاك رجل‬
‫حسن احلديث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمحد حيمل عليه‪ ،‬قال‪ :‬وشيء آخر‪ ،‬مسعت عبدالعزيز بن عمران يقول‪ :‬قـرأ علينا‬
‫أبوصاحل كتاب عقيل فإذا يف أوله‪ :‬حدثين أيب عن جدي‪ ،‬فإذا هـو كتاب عبدامللك بن شعيب ابن‬
‫الليث‪ ،‬قلت‪ :‬فأي شيء حاله يف حيىي بن أيوب‪ ،‬ومعاوية بن صاحل واملشيخة‪ .‬قال‪ :‬كان يكتب‬
‫لليث واهلل أعلم‪ ،‬ويف نسخة‪ :‬وأثىن عليه بدل واهلل أعلم‪.‬‬
‫فهذا تفسري لضحكه ولقوله‪ :‬وشيء آخر‪ ،‬وذلك أنه ال مييز بني حديث شيخه الليث‬
‫وحديث عقيل وقد يكون هناك فروق كبرية يف املتون والشيوخ كل ذلك مع مالزمته لليث وروايته‬
‫ألحاديثه‪ ،‬هذا ما ميكن أن نقوله يف تفسري قوله‪ :‬وشيء آخر يف هذا النص‪.‬‬
‫وهو يف الواقع يؤكد ما قاله أبوحامت "األحاديث اليت أخرجها أبوصاحل يف آخر عمره اليت‬
‫أنكروا عليه مما أفتعل خالد بن جنيح‪..‬اخل‪ .‬أي أنه حيدث مبا دسه عليه خالد وال يستنكره وال‬
‫مييزه‪.‬‬
‫وكذلك مل يفرق بني أحاديث عقيل وأحاديث الليث اليت مارسها‪ ،‬ألدىن سبب وهو ظنه‬
‫أن الكتاب كتاب عقيل بينما هو كتاب عبدامللك بن شعيب بن الليث الذي يرويه عن أبيه عن‬
‫جده‪ ،‬وهذه هناية الغفلة أخذها عليه أبوزرعة‪.‬‬
‫فظهر أن قول أيب زرعة أن عبداهلل بن صاحل حسن احلديث إمنا يريد به االستغراب‬
‫واالستنكار وال جمال للقول بأنه يريد به املعىن االصطالحي هلذه األدلة وغريها‪.‬‬

‫( ) ( ‪.) 7/‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫هذا وال مانع أن يكون أبوزرعة يريد بقوله‪ :‬وشيء آخر ما ذكره وما جيري حوله من إنكار‬
‫احملدثني حلديثه وما ذكره أبوحامت من قصة خالد بن جنيح‪.‬‬
‫وقد يطلق أبوزرعة احلسن على حديث يراه صحيحا كغريه من األئمة أمحد والشافعي‬
‫والبخاري وأيب حامت رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫قال الرتمذي – رمحه اهلل – يف "العلل الكبري"( )‪.‬‬
‫"وسألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة فاستحسنه" يعين حديث أم حبيبة يف نقض‬
‫الوضوء مبس الذكر‪.‬‬
‫وكان الرتمذي قد سأل عنه البخاري فأعله بأن مكحوال مل يسمع من عنبسة‪.‬‬
‫وقال البيهقي يف "السنن الكربى"( )‪:‬‬
‫"وبلغين عن أيب عيسى الرتمذي‪ ،‬قال‪" :‬سألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة‬
‫فاستحسنه"( )‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر يف "التلخيص احلبري"(‪.)4‬‬
‫وأما حديث أم حبيبة‪ ،‬فصححه أبوزرعة واحلاكم وأعله البخاري بأن مكحوال مل يسمع‬
‫من عنبسة بن أيب سفيان‪ .‬وكذا قال حيىي بن معني‪ ،‬وأبوزرعة‪ ،‬وأبوحامت‪ ،‬والنسائي أنه مل يسمع‬
‫منه‪.‬‬
‫وخالفهم دحيم‪ ،‬وهو أعرف حبديث الشاميني فأثبت مساع مكحول من عنبسة‪.‬‬
‫وقال اخلالل يف "العلل"‪" :‬صحح أمحد حديث أم حبيبة"‪.‬‬
‫وقال ابن أيب حامت‪ :‬سئل أبوزرعة‪ ،‬عن حديث أم حبيبة يف مس الفرج‪ ،‬فقال‪" :‬مكحول‬
‫مل يسمع من عنبسة بن أيب سفيان شيئا"‪.‬‬
‫وهذه األقوال عن أيب زرعة فيها اختالف‪:‬‬

‫( ‪.) 1 /‬‬ ‫( )‬
‫( ‪ ،) 1/‬وانظر النكت البن حجر ( ‪.)4 4/‬‬ ‫( )‬
‫‪ 1/‬وانظر النكت البن حجر ( ‪.)4 4/‬‬ ‫( )‬
‫( ‪.) 4/‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪- 113 -‬‬


‫فيمكن أن يقال‪ :‬انه كان يرى أن مكحوال مل يسمع من عبسة مث تبني له أن مكحوال مسع‬
‫من عنبسة‪ ،‬فحكم بصحة احلديث فإن كان أطلق االستحسان يف هذه احلال فهو من إطالق‬
‫احلسن على الصحيح إطالقا لغويا‪.‬‬
‫وإن كان األمر بالعكس بأن تبني له يف األخري أن مكحوال مل يسمع من عنبسة فتكون‬
‫روايته عنه منقطعة أي ضعيفة‪ ،‬فيكون استحسانه حلديث أم حبيبة استغرابا واستنكارا وال خيرج‬
‫األمر عن هذين احلالني‪.‬‬
‫وال يستقيم القول حبال أنه أراد باالستحسان هنا املعىن االصطالحي‪ ،‬ألمور كثرية‪.‬‬
‫منها‪ :‬ما فصلناه سابقا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما سبق أن ذكرناه عن منهج احملدثني يف إطالق لفظ احلسن‪.‬‬
‫وأنه مل يكن عندهم اصطالح يف هذا اللفظ إىل عهد أيب زرعة – رمحه اهلل –‬

‫‪- 114 -‬‬


‫اإلمام مالك واطالقه لفظ الحسن‬
‫‪ -‬قال أبوغدة‪:‬‬
‫"بل قد جاء هذا الوصف باملعىن االصطالحي يف عهد متقدم جدا عن الرتمذي‪.‬‬
‫جاء يف كالم اإلمام مالك‪ ،‬املولود سنة ‪ ،7‬واملتوىف سنة ‪ 87‬هـ‪ ،‬ففي مقدمة اجلرح‬
‫والتعديل البن أيب حامت ص‪ - :‬نقل قول اإلمام مالـك يف حديث املستورد بن شداد يف‬
‫ختليل أصابع الرجلني يف الوضوء‪ ،‬إن هذا احلديث حسن( )"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن تعجب فعجب قول أيب غدة‪.‬‬
‫"بل قد جاء هذا الوصف باملعىن االصطالحي يف عهد متقدم جدا عن الرتمذي"‪.‬‬
‫هبذا األسلوب اجلازم الواثق فيه مبا يقول‪ ،‬وحنن ال يسعنا إال أن نقول‪ :‬هاتوا برهانكم إن‬
‫كنتم صادقني‪ ‬بني لنا مىت مت هذا االصطالح؟‪.‬‬
‫هل مت يف عهد مالك ومعاصريه أو قبله يف عهد الصحابة أو التابعني‪ ،‬وهل نقل هذا‬
‫االصطالح أئمة احلديث عن مالك أو عمن قبله؟‬
‫وهل عرف هذا االصطالح أصحاب مالك أو جهلوه؟‪ ،‬وإذا مل حيصـل شيء مـن هذا‬
‫فكيف عرفته يا أبا غدة؟‬
‫أما كان أمجل بك وأرفق حبالك إن كنت البد مقدما على هذا القول أن تقول‪ :‬وقد وجد‬
‫التعبري باحلسن يف كالم اإلمام مالك‪ ،‬حىت تسلم من اقتحام املآزق اليت يصعب عليك اخلروج‬
‫منها‪.‬‬
‫من ختاطب وملن تكتب يا أبا غدة؟‬
‫أتظن أنه قد خال لك اجلو!!!‬
‫كال‪.‬‬
‫ففي كتاب اجلرح والتعديل لإلمام أيب حممد عبد الرمحن بن أيب حامت (املولود ‪ 41‬أو‬
‫‪ – 4‬واملتوىف ‪.) 8‬‬

‫( ) االستدراك ‪ 1‬على قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪47 :‬‬

‫‪- 115 -‬‬


‫حدثنا عبد الرمحن نا أمحد بن عبدالرمحن بن أخي بن وهب‪ ،‬قال‪ :‬مسعت عمي يقول‪:‬‬
‫مسعت مالكا سئل عن ختليل أصابع الرجلني يف الوضوء‪ ،‬فقال‪ :‬ليس ذلك على الناس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فرتكته حىت خف الناس‪ ،‬فقلت له‪ :‬عندنا يف ذلك سنة‪ ،‬فقال‪ :‬وما هي؟‬
‫قلت‪ :‬حدثنا الليث بن سعد وابن هليعة وعمرو بن احلارث عن يزيد بن عمرو املعافري‪،‬‬
‫عن أيب عبدالرمحن احلبلي عن املستورد بن شداد القرشي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يدلك خبنصره ما بني أصابع رجليه)‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إن هذا احلديث حسن وما مسعت به قط إال السـاعة‪ ،‬مث مسعته بعـد ذلك يسأل‬
‫فيأمر بتخليل األصابع"( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن هذه القصة ال تثبت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن ابن أيب حامت مل يلق أمحد بن عبدالرمحن بن أخي بن وهب وليس من شيوخه‪.‬‬
‫لذا جتده يسأل أباه وغريه عن حاله‪ ،‬ولو كان لقيه ومسع منه لعده يف شيوخه ولعرف حاله‬
‫وعرفه للناس‪.‬‬
‫قال عبدالرمحـن بن أيب حامت‪ :‬سألت حممد بن عبداهلل بن عبداحلكم عنه فقـال‪ :‬ثقة ما‬
‫رأينا إال خريا‪ .‬قلت‪ :‬مسع من عمه؟ قال‪ :‬إي واهلل‪ ،‬قال‪ :‬عبدالرمحن‪ :‬مسعت أبا زرعة‪ .‬يقول‪:‬‬
‫أدركناه ومل نكتب عنه ومسعت أيب يقول‪ :‬أدركته وكتبت عنه‪.‬‬
‫مسعت أبا زرعة وأتاه بعض رفقائي فحكى عن أيب عبداهلل بن أخي ابن وهب أنه رجع عن‬
‫تلك األحاديث‪ ،‬فقال أبوزرعة أن رجوعه مما حيسن حاله‪ ،‬وال يبلغ به املنزلة الـيت كان قبل ذلك‪.‬‬
‫فهذه النصوص تفيد أنه ما لقيه وال مسع منه‪.‬‬
‫وانظر إىل تعبري شيخه أيب زرعة وتعبري أبيه بـ "أدركناه" مما يبعد جدا أن يكون لقيه‬
‫عبدالرمحن بن أيب حامت‪ ،‬وبناء على هذا ال يكون حديثه عن أمحد بن عبدالرمحن إال بوسائط‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لو فرضنا أنه لقيه ملا كان هذا اللقي إال بعد اختالط أمحد بن عبدالرمحن‪ ،‬فإنه‬
‫اختلط بعد اخلمسني ومائتني بعد خروج مسلم من مصر‪ ،‬كما ذكر ذلك احلاكم أبوعبداهلل( )وابن‬

‫( ) اجلرح والتعديل‪.) - / ( :‬‬


‫( ) انظر صيانة صحيح مسلم من اإلخالل والغلط‪ ،‬ص‪71-7 :‬‬

‫‪- 116 -‬‬


‫أيب حامت صغري ال حيتمل مساعه قبل اختالط أمحد بن عبدالرمحن فتكـون روايته عنه بعد االختالط‬
‫ضعيفة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وبناء على ما سبق يتبني أن صيغـة التحديث "نا" رمز حدثنا حصل فيـها حتريف من‬
‫النساخ لكتاب اجلرح والتعديل أو حصل هذا التحريف من الطابعني للكتاب – واهلل أعلم – ولو‬
‫فرضنا جدال صحة هذه القصة عن اإلمام مالك‪.‬‬
‫فمن البعيد جدا أن يريد بـ (احلسن) املعىن االصطالحي‪ ،‬إذ اجلزم بإرادة املعىن‬
‫االصطالحي ال يصدر من عاقل إال بإثبات أن هذا االصطالح قد مت قبل اإلمـام مالك أو يف‬
‫عهده وعهد شيوخه وانتشر يف طبقته وشاع فيهم وتوارثه تالميذه ومدرسته فإن مثل هذا ال خيفى‬
‫عليهم ودون ذلك خرط القتاد‪.‬‬
‫وهذه الدعاوي مما مل يسبق إليها أبوغدة وتلميذه‪.‬‬

‫‪- 117 -‬‬


‫أبو الحسن العجلي واستعماله لفظ الحسن ومراده منه‬
‫‪ - 1‬قال أبوغدة‪" :‬وممن استعمل الوصف بكلمة (حسن) أيضا – باملعىن االصطالحي‪ :‬أبو‬
‫احلسن العجلي (أمحد بن عبداهلل العجلي)‪،‬املولود سنة ‪ ، 7‬واملتوىف سنة ‪، 1‬فقد جاء‬
‫الوصف هبا غري مرة يف كتابه "الثقات" الذي رتبه التقي السبكي ومساه "ترتيب الثقات"‪،‬‬
‫وهذه بعض مناذج منه‪.‬‬
‫"إبراهيم بن الزبرقان التيمي‪ ،‬ثقة‪ ،‬حسن احلديث‪ ،‬عبدالواحد بن زياد العبدي‪ ،‬بصري ثقة‪،‬‬
‫حسن احلديث‪ ،‬فطر بن خليفة‪ ،‬كويف ثقة‪ ،‬حسن احلديث‪ ،‬جمالد بن سعيد‪،‬كويف حسن‬
‫احلديث"( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬انظر أوال ما قدمناه يف الرد على مثل هذه الدعوى يف دعواه أن اإلمام‬
‫مالكا استعمل هذا الوصف باملعىن االصطالحي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مىت اصطلح احملدثون على إطالق احلسن على روايات الثقات‪ ،‬وأين ذكروا‬
‫هذا؟‬
‫وما هو الفرق بني احلسن والصحيح إذا كانوا قد اصطلحوا على أن الثقة روايته‬
‫حسنة ويف الوقت نفسه يطلقون على رواية الثقة أهنا صحيحة؟‪.‬‬
‫نرجو اجلواب الواضح احلاسم حىت ال يدخل طالب احلديث يف دوامة من احلرية‬
‫والبلبلة‪.‬‬
‫أما كان األوىل لك جتنب هذه األمثلة اليت ذكرهتا عن العجلي إن كنت مصمما‬
‫على املضي قدما يف هذا البحث املتهاوي؟ بل أما كان يف وقوفك عليها ما يدفعك إىل‬
‫الرجوع إىل احلق؟‬
‫إن مناطحة الكبار مثل شيخ اإلسالم ابن تيمية ليست بالسهلة‪ ،‬ويفتقر صاحبها‬
‫إىل علم وتقوى وفضل من الذكاء واإلنصاف والعدل‪ ،‬ولقد رأيت العجائب من أهل‬
‫الباطل والبدع يف مقارعة احلق وأهله إذ يرتكبون كل صعب وذلول يف دعم باطلهم ولكن‬
‫احلق يعلو ويظهر‪ ،‬وللباطل جولة مث يتالشى‪.‬‬
‫‪‬فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث يف األرض‪.‬‬

‫( ) االستدراك السادس امللحق بقواعد علوم احلديث‪ ،‬ص‪47 :‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫هذا وسأعرض للقارئ‪ ،‬أمثلة يتجلى فيها أن العجلي ال يريد باطالق احلسن فيها إال‬
‫املعىن اللغوي ال االصطالحي‪.‬‬
‫وسأحيل على بعض أرقام الرتاجم يف كتاب العجلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬األسود بن قيس كويف تابعي ثقة حسن احلديث‪.‬‬
‫‪ - 7‬بشر بن املفضل الرقاشي ثقة فقيه البدن ثبت يف احلديث حسن احلديث صاحب سنة‪.‬‬
‫قال فيه احلافظ ابن حجر‪ :‬ثقة ثبت فاضل‪ ،‬فهل يريد العجلي بقوله‪ :‬حسن احلديث‬
‫احلسن االصطالحي؟ كال‪.‬‬
‫‪ -4 7‬داود بن أيب هند بصري ثقة جيد اإلسناد رفيع‪ ،‬وكان خياطا وكان رجال صاحلا ثقة حسن‬
‫اإلسناد‪.‬‬
‫‪ -1‬سفيان بن سعيد بن مسروق بن ربيع (الثوري)‪.‬‬
‫ثقة كويف رجل صاحل زاهد عابد ثبت يف احلديث‪ ،‬فقيه صاحب سنة واتباع وأطال يف‬
‫ترمجته وذكره مرة أخرى ص ‪.4‬‬
‫فقال‪ …… :‬وكان ثقة ثبتا يف احلديث زاهدا فقيها صاحب سنة واتباع‪.‬‬
‫قال العجلي‪ :‬أحسن إسناد الكوفة سفيان عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم عن علقمة عن‬
‫عبداهلل‪.‬‬
‫فهل يريد العجلي املعىن االصطالحي من إطالق لفظ "األحسـن" على إسناد من أصح‬
‫األسانيد‪.‬‬
‫يا أويل األلباب؟؟‬
‫‪ -1‬قال العجلي‪ :‬سفيان بن عيينة اهلاليل كويف ثقة ثبت يف احلديث وكان بعض أهل احلديث‬
‫يقول هو أثبت الناس يف حديث الزهري وكان حسن احلديث‪ ،‬وكان يعد من حكماء‬
‫أصحاب احلديث‪.‬‬
‫فهل يريد العجلي من إطالق لفظ احلسن على حديث سفيان اإلمام اجلبل املعىن‬
‫االصطالحي أو املعىن اللغوي‪ ..‬أيها العقالء؟‬
‫‪ -171‬قال العجلي‪ :‬سهل بن حسان املعروف بابن أيب خدويه بصري ثقة حسن احلديث حسن‬
‫العقل‪.‬‬

‫‪- 119 -‬‬


‫قال ابن أيب حامت‪" :‬وكان من احلفاظ تقادم موته روى عنه حامت بن إمساعيل وحيىي القطان‬
‫وعبدالرمحن بن مهدي … وروى عنه أمحد بن حنبل وغريه( )‪.‬‬
‫‪ - 4‬قال‪ :‬عبدالواحد بن زياد العبدي بصري ثقة حسن احلديث‪ ،‬قال احلافظ ثقة‪ ،‬يف حديثه‬
‫عن األعمش وحده مثال‪.‬‬
‫‪ - 778‬قال العجلي‪ :‬هشام بن حسان الفردوسي بصري ثقة (حسن احلديث‪ ،‬يقال إن عنده‬
‫ألف حديث حسن ليست عند غريه)‪.‬‬
‫قال الذهيب‪" :‬قال ابن عيينة‪ :‬كان أعلم الناس حبديث احلسن"( )‪.‬‬
‫وقال احلافظ‪ :‬ثقة من أثبت الناس يف ابن سريين‪ ،‬ويف روايته عن احلسن وعطاء مقال‪:‬‬
‫"ألنه قيل كان يرسل عنهما"‪.‬‬
‫وقال العجلي‪ :‬حيىي بن أيب كثري اليمامي ثقة حسن احلديث‪.‬‬ ‫‪- 774‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬ثقة ثبت‪ ،‬لكنه يدلس ويرسل‪.‬‬
‫ماذا يريد العجلي بقوله‪" :‬حسن احلديث"‬
‫لعل أبا غدة يأتينا مبذهب جديد‪.‬‬
‫هذا ولقد رأيت عددا كثريا ممن يقول فيهم العجلي ال بأس به وفيهم الثقة والصدق وفيهم‬
‫من ضعف‪.‬‬
‫فلو كان العجلي يريد باحلسن املعىن االصطالحي لوصف هؤالء بقوله حسن احلديث بدال‬
‫أن يطلقه على السفيانني وغريمها من الثقات العظماء الذين ذكرناهـم فيما سبق أنه لو‬
‫كان للمعىن االصطالحي وجود يف عهده لربز جليا يف تصرفه فإذا كان الواقع بالعكس‬
‫فماذا يفهم املنصفون‪.‬‬
‫انظر على سبيل املثال‪:‬‬
‫‪ -‬إياس بن عامر الغافقي قال فيه مصري تابعي ال بأس به‪.‬‬
‫قال فيه احلافظ‪" :‬صدوق"‪.‬‬
‫‪ -‬حبال بن رفيده كويف ال بأس به"‪.‬‬

‫( ) اجلرح والتعديل (‪.) 78/4‬‬


‫( ) تذكرة احلفاظ ( ‪.) 1 /‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫وثقه ابن معني وضعفه غريه‪ ،‬ووثقه ابن حبان‪.‬‬
‫‪ - 7‬قال‪[ :‬حريث بن السائب التميمي ال بأس به]‪.‬‬
‫قال احلافظ "صدوق خيطيء"‪.‬‬
‫‪ - 4‬قال‪ :‬احلكم بن نافع أبواليمان احلمصي هبراين‪ :‬ال بأس به"‪.‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬ثقة ثبت‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقال عقبة احلكم بن هشام الثقفي … وكان ثقة"‪.‬‬
‫وقال احلافظ فيه‪ :‬صدوق‪.‬‬
‫‪ -417‬قال‪ :‬خلف بن متيم بن أيب عتاب كويف ال بأس به"‪.‬‬
‫قال احلافظ فيه‪ :‬صدوق عابد‪.‬‬
‫‪ -44‬قال‪ :‬رباح بن زيد‪ …… :‬مل يكن صاحب حديث إال أنه ال بأس به رجل صدوق"‪ .‬قال‬
‫احلافظ ثقة فاضل‪.‬‬
‫‪ – 8‬قال‪ :‬سعد بن إبراهيم [أخو يعقوب بن إبراهيم] بن سعد – ال بأس به قال احلافظ ثقة‪.‬‬
‫‪ -178‬قال‪ :‬سنان الربمجي كويف ال بأس به"‪.‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬صدوق فيه لني‪.‬‬
‫‪ -8 7‬قال‪ :‬شجاع بن الوليد أبوبدر كويف ال بأس به"‪.‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬صدوق ورع وله أوهام‪.‬‬
‫‪ -74‬قال‪[ :‬عباد بن منصور الناجي ال بأس به يكتب حديثه]‪.‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغري بأخرة‪.‬‬
‫‪ -7 7‬قال‪[ :‬عبداهلل بن عبداهلل بن األسود احلارثي‪ ،‬كويف ال بأس به‪.‬‬
‫يكتب حديثه كان يلي السلطان]‪.‬‬
‫قال احلافظ فيه "صدوق"‪.‬‬
‫قال‪ :‬عبداجلبار بن العباس اهلمداين كويف (صويلح) ال بأس به وكان يتشيع"‪.‬‬ ‫‪- 114‬‬
‫قال احلافظ‪" :‬صدوق يتشيع"‪.‬‬
‫قال‪ :‬عبداحلميد بن هبرام‪ ،‬ال بأس به"‪.‬‬ ‫‪- 117‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬صدوق‪.‬‬
‫قال‪ :‬عبدالرمحن بن حممد احملاريب كويف ال بأس به"‪.‬‬ ‫‪- 18‬‬
‫‪- 111 -‬‬
‫قال احلافظ‪" :‬ال بأس به وكان يدلس"‪.‬‬
‫واألمثلة كثرية من هذا النوع ال ينبغي اإلطالة هبا‪.‬‬
‫‪ - 8‬قال أبوغدة‪:‬‬
‫فهذه الشواهد – وغريها كثري ‪ 1‬تفيد أن التعبري بوصف "احلسن" انتشر وشاع شيوعا لقى‬
‫القبول‪ ،‬وعرف منه املدلول‪ ،‬قبل الرتمذي بزمان‪ ،‬وهلذا أكثر منه الرتمذي هذه الكثرة البالغة اليت‬
‫ترى يف "جامعه"( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن إطالق "احلسن" وجد التعبري به باملعىن اللغوي فحسب‪ ،‬أما باملعىن االصطالحي‬
‫الذي يريده أبوغدة من قوله "وعرف منه املدلول قبل الرتمذي بزمان‪ ،‬فال وجود له فضال عن أن‬
‫يكون له شيوع وانتشار‪.‬‬
‫‪ - 1‬قال أبوغدة‪:‬‬
‫وقد انتقد اإلمام الكشمريي يف "فيض الباري"‪ 8/ :‬قـول الشيخ ابن تيمية إثبات‬
‫احلسن اصطالح الرتمذي‪ ،‬فقال‪" :‬دعواه غري صحيحة ألن البخـاري‪ ،‬وعلي بن املديين ممن يفرقان‬
‫بينهما حىت جاء الرتمذي‪ ،‬وتبع يف ذلك شيخه – يعين البخاري – فشهره ونوه بذكره وعليه مشى‬
‫يف مجيع كتابه"( )‪.‬‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬لعل قول الكشمريي هذا هو الدافع أليب غدة وعوامة إلثارة هذا البحث الذي خابت‬
‫آماهلما فيه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن شيخ اإلسالم ابن تيمية مل ينكر إثبات احلسن وإمنا أنكر أن يكون احملدثون قبل‬
‫الرتمذي قد قسموا احلديث إىل صحيح وحسن وضعيف‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ما هو مرجع ضمري يف بينهما يف قول الكشمريي ممن يفرقان بينهما‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬هل يرى أبوغدة تناقضا بني قوله‪:‬‬
‫فهذه الشواهد – وغريها كثري – تفيد أن التعبري بوصف "احلسن" انتشر وشاع‬
‫شيوعا‪..‬اخل‪.‬‬

‫( ) قواعد يف علوم احلديث ص‪11‬‬


‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪11 :‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫وبني قول اإلمام الكشمريي‪" :‬حىت جاء الرتمذي وتبع يف ذلك شيخه فشهره ونوه بذكره‬
‫أوال"‪.‬‬
‫فإن كالم الكشمريي يفيد أن احلسن مل يكن مشهورا قبل الرتمذي‪ ،‬فلما جاء الرتمذي‬
‫شهره ونوه به‪.‬‬
‫وكالم أيب غدة يفيد عكس هذا وهو أنه قد مت شيوعه قبل الرتمذي بزمان‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬هل اإلمام الكشمريي الذي انتقد الشيخ ابن تيمية على حد تعبري أيب غدة قام بدراسة‬
‫جادة واستقراء شامل ملنهج علي بن املديين والبخاري يف استعمال احلسن حىت وصل إىل‬
‫نتيجة حامسة تفيد "أهنما ممن يفرقان بينهما" على حد تعبريه‪.‬‬
‫وال أدري هل يفرقان بني احلسن والصحيح أو يفرقان بني احلسن والضعيف أو أن اإلمام‬
‫الكشمريي قلد تقليدا أعمى يف أمر ال يدري حقيقته وال يعرف أبعاده وال يعرف أساسه‪.‬‬
‫‪ - 7‬قال الشيخ حممد عوامة‪:‬‬
‫فهذه النصوص تنقض دعوى الشيخ ابن تيمية أن الرتمـذي اصطلح على إجياد احلديث‬
‫احلسن وأحدثه دون سابق ذكر له بني األئمة السابقني له‪.‬‬
‫وإذا صح هذا النقض كان ما بناه عليه منقوضا أيضا( )‪.".‬‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن ابن تيمية مل ينكر سبق ذكر احلسن بني األئمة قبل الرتمذي‪.‬‬
‫وإمنا أنكر أن يكونوا قد قسموا احلديث إىل ثالثة أقسام‪ :‬صحيح‪ ،‬وحسن‪ ،‬وضعيف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن الزبد ال ينقض القالع احملكمة‪ ،‬بل يذهب جفاء‪ ،‬فبقى البناء الذي شيده اإلمام‬
‫العظيم ابن تيمية شاخما ال هتزه الزالزل واألعاصري فضال عن الزبد والغثاء‪.‬‬
‫ألنه قام على أساس صحيح وشيد بعلم وخربة‪ ،‬وليس هذا الكالم ناشيء عن تعصب‪،‬‬
‫وإمنا قام على دراسة شاملة كشفت عن شيء عجيب هو أنك ال جتد يف كتب احلديث والرجال‬
‫والعلل وعلوم احلديث إال ما يؤيد ما ذكره ابن تيمية – رمحه اهلل –‬
‫إذا قالت حذام فصدقوها‬
‫فإن القول ما قالت حذام‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ .‬ص‪11‬‬

‫‪- 113 -‬‬


‫‪ - 7‬قال حممد عوامة‬
‫"ومما ادعاء الشيخ ابن تيمية يف هذه املسألة أن الضعيف عند اإلمام أمحد يقابله ما حيسنه‬
‫الرتمذي أو يصححه‪ ،‬وهذا قول يصعب إثباته‪ ،‬ومما جيب عليه أن يثبته لصحة هذه الدعوى‪.‬‬
‫أن تصحيح الرتمذي أو حتسينه مل يكن نتيجة تساهله وهو خالف املعروف عند العلماء‪.‬‬
‫وقد نبه الذهيب مرارا يف امليزان إىل تساهله فقال‪" :4 1/4 :‬فال يغرت بتحسني الرتمذي‬
‫‪.‬‬ ‫فعند احملاققة غالبها ضعاف وكرر التنبيه إىل هذا يف ‪418/‬و‬
‫أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أين قال ابن تيمية أن الضعيف عند أمحد يقابل الصحيح عند الرتمذي‪.‬‬
‫فأبوغدة وحممد عوامة جيب أن يطالبا بإثبات ما نسباه إىل شيخ اإلسالم من كتبه وهذه‬
‫أقواله يف هذه القضية يف كتبه وهي بني أيديهما فليثبتا هذا األمر اخلطري‪.‬‬
‫والذي أعتقده أن حممد عوامة قد قول ابن تيمية ما مل يقل وأقره على ذلك شيخه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قال شيخ اإلسالم يف التوسل والوسيلة( )‪.‬‬
‫"ومل يقل أحد من األئمة أنه جيوز أن جيعل الشيء واجبا أو مستحبا حبديث ضعيف‪ ،‬ومن‬
‫قال هذا فقد خالف اإلمجاع‪.‬‬
‫وال كان أمحد وال أمثاله من األئمة يعتمدون على مثل هذه األحاديث يف الشريعة‪ ،‬ومن‬
‫نقل عن أمحد أنه كان حيتج باحلديث الضعيف الذي ليس بصحيح وال حسـن‪ ،‬فقد غلط عليه‪،‬‬
‫لكن كان يف عرف أمحد ومن قبله من العلماء أن احلديث ينقسم إىل نوعني صحيح وضعيف‬
‫والضعيف عندهم ينقسم إىل ضعيف مرتوك ال حيتج به وإىل حسن كما أن ضعف اإلنسان‬
‫باملرض ينقسم إىل مرض خموف مينع التربع من رأس املال وإىل ضعيف خفيف ال مينع ذلك‪.‬‬
‫وأول من عرف أنه قسم احلديث ثالثة أقسام – صحيح‪ ،‬وحسن‪ ،‬وضعيف – هو أبو‬
‫عيسى الرتمذي يف "جامعه"‪ ،‬واحلسن عنده ما تعددت طرقه ومل يكن يف رواته متهم بالكذب‬
‫وليس بشاذ"‪.‬‬
‫فهذا احلديث وأمثاله يسميه أمحد ضعيفا وحيتج به‪ ،‬هلذا مثل أمحد احلديث الضعيف الذي‬
‫حيتج به حبديث عمرو بن شعيب وإبراهيم اهلجري وحنومها وهذا مبسوط يف موضعه"‪.‬‬

‫( ) (ص‪)78 :‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫هذا ما قاله شيخ اإلسالم هنا‪ ،‬وكالمه يف سائر كتبه يف معناه فرتى أن اإلمام ابن تيمية‪.‬‬
‫ينزه مجيع أئمة اإلسالم عن أن يثبتوا يف دين اهلل شيئا واجبا أو مستحبا حبديث‬ ‫‪-‬‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫أيسوء هذا أبا غدة وحممد عوامة فيعز عليهما أن يكون هذا هو موقف أئمة اإلسالم؟‬
‫أم يصعب عليهما أن يكون هذا هو موقف أمحد؟‬
‫نزه ابن تيمية مرة أخرى أئمة اإلسالم بقوله‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫"وال كان أمحد وال أمثاله من األئمة يعتمـدون على مثل هـذه األحاديث يف الشريعة‪،‬‬
‫أيشرق أبوغدة وتلميذه وأمثاهلما من أهل األهواء من هذا الكالم؟‬
‫فرييدون أن يكون هلم وضع آخر وواقع آخر كواقع الرافضة وغريهم من فـرق الضالل‬
‫واجلهل‪.‬‬
‫أم يقصدون اإلمام أمحد من بينهم أم ماذا يريدون؟‬
‫قال شيخ اإلسالم‪ :‬لكن كان يف عرف أمحد ومن قبله من العلماء أن احلديث‬ ‫‪-‬‬
‫ينقسم إىل نوعني‪ :‬صحيح‪ ،‬وضعيف‪.‬‬
‫والضعيف عندهم ينقسم إىل ضعيف مرتوك ال حيتج به وإىل حسن‪.‬‬
‫فماذا حيب أبوغدة وعوامة وأمثاهلما ألئمة اإلسالم مبا فيهم اإلمام أمحد‪..‬‬
‫أيريدون منهم أن يعتمدوا على األحاديث املرتوكة‪ ..‬فابن تيمية بني واقعهم ونظرهتم إىل‬
‫املرويات قسم منها ضعيف مرتوك وال حيتجون به وال كرامة‪.‬‬
‫وقسم حسن أو يف معىن احلسن فهذا حيتجون به‪.‬‬
‫أفيما نسبه ابن تيمية ما يرفع مكانتهم ويبني منزلتهم يف الدين وحراستهم له أم فيه تنقص‬
‫هلم يوجب معارضة ابن تيمية وحماولة النيل منه واإلساءة إليه‪.‬‬
‫أيف ما قاله اإلمام ابن تيمية منكر‪..‬؟ كال‪ ..‬مث كال‪.‬‬
‫ليس يف كالمه ما يوجب االعرتاض وال املعارضة‪ ..‬فهذا واهلل ما نظنه يف علماء اإلسالم‪.‬‬
‫وإذا قال ابن تيمية أو ابن القيم إن األئمة حيتجـون بالضعيف فإمنا يريدون بالضعيف ما‬
‫يسمى باحلسن الذي اصطلح عليه الرتمذي‪.‬‬

‫‪- 115 -‬‬


‫هذا منهجهم وال نرضى منهم إال ذلك وقد أرضونا وشرفونا ورفعوا هاماتنا فوق السحاب‬
‫فرضي اهلل عنهم وأرضاهم‪ ،‬ماذا يقال يف أناس ال يرضيهم كالم شيخ اإلسالم يف بيان‬
‫منهج أئمة اإلسالم وشرح مواقفهم املشرفة‪.‬‬
‫أتراهم يعبثون حينما وضعوا قواعد املصطلح وأصول الفقه وعلم اجلرح والتعديل وعلم‬
‫العلل واملؤلفات العظيمة يف هذه العلوم‪.‬‬
‫إن كتاب الرتمذي كما قال فيه صاحبه – من كان عنده هذا الكتاب فكأمنا عنده‬ ‫‪-4‬‬
‫نيب يتكلم‪ ،‬إن الرتمذي بشر خيطيء وليس باملعصوم لكن كتابه ليس كما يتصوره أبوغدة‬
‫وحممد عوامة اللذين استغال كالم الذهيب وابن دحية‪.‬‬
‫مث تعالوا ندرس تنبيهات الذهيب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال الذهيب – رمحه اهلل – يف امليزان (‪.)4 1/4‬‬
‫حيىي بن ميان [م عو] العجلي الكويف‪.‬‬
‫قال أمحد‪" :‬ليس حبجة"‪.‬‬
‫وقال ابن املديين‪" :‬صدوق فلج فتغري حفظه"‪.‬‬
‫وعن وكيع قال‪" :‬ما كان أحد من أصحابنا أحفظ للحديث من حيىي بن ميان كان حيفظ‬
‫يف اجمللس الواحد مخسمائة حديث مث نسي"‪.‬‬
‫وقال ابن معني والنسائي‪" :‬ليس بالقوي"‪.‬‬
‫فرتى اإلمام أمحد من أشد النقاد فيه قوال لقد صرح بأنه ليس حبجة افرتاه حيتج به؟‬
‫مث قال الذهيب‪ :‬حيىي بن ميان عن املنهال بن خليفة‪ ،‬واملنهال‪،‬قال البخاري‪:‬فيه نظر عن‬
‫حجاج بن أرطأة عن عطاء عن ابن عباس (أن النيب ‪ ‬دخل قربا ليال فأسرج له سراج)‬
‫حسنه الرتمذي مع ضعف ثالثة فيه‪ ،‬فال يغرت بتحسني الرتمذي‪ ،‬فعند احملاققة غالبها‬
‫ضعاف‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وهذا احلديث أخرجه الرتمذي يف اجلنائز( )‪.‬‬
‫قال – رمحه اهلل – حدثنا أبوكريب وحممـد بن عمرو السواق‪ ،‬قاال‪ :‬حدثنا حيىي بن اليمان‪،‬‬
‫عن املنهال بن خليفة‪ ،‬عن احلجاج بن أرطـأة عن عطاء‪ ،‬عن ابن عباس (أن النيب ‪‬‬

‫( ) ‪ -1‬باب ما جاء يف الدفن يف الليل‪ ،‬حديث‪1 8 :‬‬

‫‪- 116 -‬‬


‫دخل قربا ليال فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة‪ ،‬وقال‪ :‬رمحك اهلل إن كنت ألواها‬
‫تالء للقرآن وكرب عليه أربعا)‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويف الباب‪ ،‬عن جابر ويزيد بن ثابت وهو أَخو زيد بن ثابت أكرب منه‪.‬‬
‫قال أبوعيسى‪ :‬حديث ابن عباس حديث حسن‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض أهل العلم إىل هذا‪ ،‬وقالوا‪ :‬يدخل امليت القرب من قبل القبلة‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬يسل سال‪.‬‬
‫ورخص أكثر أهل العلم يف الدفن بالليل‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما يف هذا احلديث جزء منه يف الفضائل‪.‬‬
‫وجزء منه عمل به بعض أهل العلم‪.‬‬
‫وجزء رخص فيه أكثر أهل العلم‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬كانت هذه النار لإلضاءة‪ ،‬وهلذا ترجم له أبوداود باب الدفن يف الليل‪،‬‬
‫وقال اإلمام أمحد‪ :‬ال بأس بذلك‪.‬‬
‫وقد دفن أبوبكر ليال‪ ،‬ودفن علي فاطمة ليال‪ ،‬وممن دفن ليال عثمان‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابن‬
‫مسعود‪ ،‬ويف حديث عائشة مسعت صوت املساحي من آخر الليل يف دفن رسول اهلل ‪‬‬
‫ورخص يف ذلك عقبة بن عامر وابن املسيب وعطاء والثوري والشافعي وإسحاق وكرهه‬
‫احلسن وأمحد يف إحدى الروايتني عنه واآلثار يف جواز الدفن بالليل أكثر"( )‪.‬‬
‫ومع أن هذا هو واقع احلديث‪ ،‬فإن اإلمام الرتمذي قد مشى على شرطه ووىف به‪.‬‬
‫فليس يف إسناد احلديث متهم بالكذب‪.‬‬
‫وقد جاء احلديث من غري وجه‪ ،‬وقد صرح بذلك يف قوله "ويف الباب عن جابر ويزيد بن‬
‫ثابت"‪.‬‬
‫وليس احلديث بشاذ‪.‬‬
‫فحديث جابر أخرجه أبو داود يف سننه( ) قال‪:‬‬

‫( ) حاشية أيب داود‪4- / :‬‬


‫‪ ،) 4-‬حديث‪14 :‬‬ ‫( ) ‪ -4‬باب يف الدفن بالليل‪/ ( ،‬‬

‫‪- 117 -‬‬


‫حدثنا حممد بن حامت بن بزيع‪ ،‬حدثنا أبو نعيم‪ ،‬عن حممد بن مسلم عن عمرو بن دينار‬
‫أخربين جابر بن عبد اهلل أو مسعت جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬رأى ناس نارا يف املقربة‪،‬‬
‫فأتوها‪ ،‬فإذا رسول اهلل ‪ ‬يف القرب‪ ،‬وإذا هو يقول‪( :‬ناولوين صاحبكم فإذا هو الرجل‬
‫الذي كان يرفع صوته بالذكر)‪.‬‬
‫رجاله رجال الصحيح وحممد بن مسلم هو الطائفي روى له مسلم حديثا واحدا والبخاري‬
‫تعليقا‪.‬‬
‫وثقه ابن معني‪ ،‬وقال البخاري عن ابن مهدي "كتبه صحاح"‪ ،‬وقال أبوداود "ليس به‬
‫بأس"‪.‬‬
‫وذكره ابن حبان يف الثقات‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬له أحاديث حسان غرائب وهو صاحل احلديث‪.‬‬
‫وضعفه اإلمام أمحد‪ ،‬فهو عند بعض األئمة حيتج به‪ ،‬وعند بعضهم يعترب به‪.‬‬
‫ويبحث عن حديث يزيد بن ثابت( )‪.‬‬
‫فظهر لك أنه ال عتب على اإلمام الرتمذي يف رواية هذا احلديث ومعىن احلديث ليس فيه‬
‫ما ينكر وعرفت من عمل به‪.‬‬
‫اذن‪ ..‬فالعتب على اإلمام الذهيب – رمحه اهلل – حيث هول على الرتمـذي بسبب روايته‬
‫هذا احلديث ونظر إىل عمل الرتمذي من زاوية ضيقة وعرفت قول اإلمام أمحد يف حيىي بن‬
‫ميان‪.‬‬
‫اإلحالة على‪ 418/ :‬هي على ترمجة كثري بن عبد اهلل املزين‪.‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬قال ابن معني‪" :‬ليس بشيء"‪.‬‬
‫وقال الشافعي وأبوداود‪" :‬ركن من أركان الكذب"‪.‬‬
‫وضرب أمحد على حديثه‪.‬‬
‫وقال الدارقطين وغريه‪" :‬مرتوك"‪.‬‬
‫وقال أبوحامت‪" :‬ليس باملتني"‪.‬‬
‫وقال النسائي‪" :‬ليس بثقة"‪.‬‬

‫)‪.‬‬ ‫( ) مث وجدته يف "املعجم الكبري" للطرباين ( ‪ ) 41- 7/‬وشرح معاين اآلثار ( ‪/‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫وقال ابن حيان‪" :‬له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة"‪.‬‬
‫وأما الرتمذي‪ ،‬فروى من حديثه‪( :‬الصلح جائز بني املسلمني) ( ) وصححه‪ ،‬فلهذا ال‬
‫يعتمد العلماء على تصحيح الرتمذي ( )‪.‬‬
‫ويف "العلل ومعرفة الرجال" ألمحد( )‪:‬‬
‫قال عبد اهلل‪" :‬مسعت أيب يقول‪ :‬حسني بن عبد اهلل بن ضمرية‪ ،‬وكثري بن عبداهلل بن‬
‫عمرو بن عوف ال يسويان شيئا مجيعا متقاربان ليس بشيء‪.‬‬
‫وضرب أيب على حديث كثري بن عبد اهلل بن عمرو بن عوف ومل حيدثنا هبا يف املسند"‪.‬‬
‫وقال أبو طالب‪ :‬سألت أمحد (يعين ابن حنبل)‪ ،‬عن كثري بن عبد اهلل بن عمرو بن‬
‫عوف‪ ،‬فقال‪ :‬منكر احلديث ليس بشيء"( )‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬
‫وهلذا نزه أمحد "مسنده" عن أحاديث مجاعة يروي عنهم أهل السنن – كأيب داود‬
‫والرتمذي‪.‬‬
‫مثل مشيخة كثري بن عبد اهلل بن عمرو بن عوف املزين عن أبيه عن جده‪ ،‬وإن كان‬
‫أبوداود يروي يف سننه منها فشرط أمحد يف "مسنده" أجود من شرط أيب داود"‪.‬‬
‫فهذا هو موقف أمحد من كثري بن عبد اهلل وأمثاله بل أجود منه ولقد طاش السهم املسموم‬
‫الذي وجهه إليه الباحثان أبو غدة وعوامة‪.‬‬
‫أما الرتمذي‪ ،‬فقد روى عن كثري بن عبد اهلل يف جامعه مخسة أحاديث فقط‪ ،‬لكن ما‬
‫عذره يف الرواية عن كثري وهذا حاله عند من سبق ذكره من األئمة؟‬
‫فاجلواب أن هناك من األئمة من هلم وجهة نظر أخرى يف كثري كأنه مل يثبت عندهم اجلرح‬
‫فيه‪.‬‬
‫وقد روى حيىي بن سعيد األنصاري عنه وهو يتهم عكرمة‪.‬‬
‫وروى عنه ابن خزمية يف صحيحه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن رجب‪:‬‬

‫( ) امليزان‪.)418/ ( :‬‬
‫( ) ( ‪ ) /‬رقم‪47 :‬‬
‫( ) اجلرح والتعديل البن أيب حامت‪) 4/8( :‬‬

‫‪- 119 -‬‬


‫"ومنهم كثري بن عبد اهلل بن عوف( )‪ ،‬فإن الرتمذي يصحح حديثه‪.‬‬
‫وقد مشى أمره غري واحد‪ ،‬وتركه األكثرون‪.‬‬
‫وضرب على حديثه أمحد ومل خيرجه يف املسند( )‪.‬‬
‫وقال‪ :‬والرتمذي رمحه اهلل خيرج حديث الثقة الضابط ومن يهم قليال‪،‬ومن يهم كثريا‪ ،‬ومن‬
‫يغلب عليه الوهم خيرج حديثه نادرا ويبني ذلك وال يسكت عنه‪ ،‬وقد خرج حديث كثري‬
‫بن عبداهلل املزين‪ ،‬ومل جيمع على ترك حديثه بل قد قواه قوم‪ ،‬وقدم بعضهم حديثه على‬
‫مرسل ابن املسيب‪ ،‬وقد ذكرنا ذلك يف مواضع‪.‬‬
‫وقد حكى الرتمذي يف العلل‪ ،‬عن البخاري أنه قال يف حديثه يف تكبري العيدين‪ ،‬وهو‬
‫أصح حديث يف هذا الباب‪ ،‬قال‪" :‬وأنا أذهب إليه"( )‪.‬‬
‫وقال العراقي‪" :‬ومن عادة الرتمذي أن احلديث احلسن إذا روي من غري وجـه ارتفع إىل‬
‫درجة الصحة‪ ،‬وقد صرح بذلك عند حديث حممد بن عمرو عن أيب سلمة عن أيب هريرة‪،‬‬
‫عن النيب ‪( : ‬لوال أن أشق على أميت ألمرهتم بالسواك عند كل صالة)‪.‬‬
‫فصححه‪ ،‬مث قال‪ :‬وحديث أيب هريرة إمنا صح ألنه قد روي من غري وجه‪.‬‬
‫وعادة الرتمذي حتسني افراد حممد بن عمرو‪ ،‬وصحح هذا‪.‬‬
‫وعلل ذلك بأنه روي من غري وجه وقرر ابن الصالح هذه القاعدة يف علوم احلديث‪.‬‬
‫فحديث كثري بن عبد اهلل يف الصلح قد اعتضد حبديث أيب هريرة فلذلك صححه الرتمذي‬
‫– واهلل أعلم ‪ ،-‬انتهى كالم العراقي‪.‬‬
‫وقال املباركفوري‪:‬‬
‫"واعتذر له احلافظ فقال‪ :‬وكأنه اعترب بكثرة طرقه"‪.‬‬
‫كذا قال الشوكاين يف النيل وذكر فيه طرقه‪ ،‬وقال بعد ذكرها‪:‬‬
‫"وال خيفى أن األحاديث املذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض‪ ،‬فأقل أحواهلا أن يكون‬
‫املنت الذي اجتمعت عليه حسنا"(‪.)4‬‬

‫( ) أي ممن اختلف فيه وهو متهم بالكذب وقد عد منهم عكرمة وجابر اجلعفي وحممد بن إسحاق‪.‬‬
‫( ) شرح علل الرتمذي‪ ،‬ص‪7 :‬‬
‫( ) شرح العلل‪.) 77- 78/ ( :‬‬
‫(‪ )4‬حتفة األحوذي (‪.) 7 /4‬‬

‫‪- 121 -‬‬


‫وقد دافع العرت( ) عن اإلمام الرتمذي دفاعا جميدا ورد احلمالت عليه وساق ألحاديث كثري‬
‫وحيىي بن اليمان وأمثاهلما شواهد صحيحه من الصحيحني وغريمها مما يدل على سالمة‬
‫منهج الرتمذي وبعد نظره وعمق علمه باحلديـث وطرقه وفقهه‪ .‬فهذه مواقف العلماء وحميب‬
‫السنة النبوية وأهلها ال هتويشات أهل الشغب على السنة وأهلها الذين يستغلون هفوات‬
‫األئمة وزالت أقالمهـم ليشفوا غيظهم‪ ..‬ويأىب اهلل إال نصر أوليائه والدفاع عنهم وكبت‬
‫خصومهم‪.‬‬
‫اإلحالة إىل ( ‪.) /‬‬
‫إىل ترمجة حممد بن احلسن بن أيب يزيد اهلمداين الكويف‪.‬‬
‫قال الذهيب‪" :‬قال ابن معني‪ :‬قد مسعنا منه‪ ،‬ومل يكن بثقة "‪.‬‬
‫وقال مرة‪" :‬كان يكذب"‪.‬‬
‫وقال أمحد‪" :‬ما أراه يسوى شيئا"‪.‬‬
‫وقال النسائي‪" :‬مرتوك"‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪" :‬ضعيف"‪.‬‬
‫وقال مرة‪" :‬كذاب"‪.‬‬
‫وقال أبو حامت‪" :‬ليس بالقوي"‪.‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬حسني بن عبد األول حدثنا حممد بن أيب يزيد اهلمداين‪ ،‬حدثنا عمرو بن‬
‫قيس‪ ،‬عن عطية‪ ،‬عن أيب سعيد – مرفوعا‪ :‬يقول اهلل‪( :‬من شغله قراءة القرآن عن دعائي‬
‫ومسأليت أعطيته أفضل ثواب الشاكرين)‪ .‬حسنه الرتمذي فلم حيسن"( )‪.‬‬
‫احلديث أخرجه الرتمذي – رمحه اهلل – يف كتاب "الفضائل"( )‪.‬‬
‫وقد عرفت قول أمحد يف الرجل‪" :‬ما أراه يسوى شيئا"‪.‬‬
‫ويف اجلرح والتعديل‪" :‬ضعيف احلديث ما أرى يسوى شيئا"(‪.)4‬‬

‫( ) انظر كتاب "اإلمام الرتمذي" ص‪.) 7 ( :‬‬


‫)‪.‬‬ ‫( ) امليزان ( ‪- 4/‬‬
‫( ) ( ‪ ) 74/‬حديث‪.) 7 1( :‬‬
‫(‪.) /8( )4‬‬

‫‪- 121 -‬‬


‫ويف العلل ومعرفة الرجال‪" :‬ما أراه يسوى شيئا"( )‪.‬‬
‫فما يهدف إليه أبو غدة وحممد عوامة بشأن اإلمام أمحد وابن تيمية قد طاشت سهامهما‬
‫عنهما‪.‬‬
‫وأما الرتمذي فقد روى احلديث‪.‬‬
‫فما هو عذره يف رواية هذا احلديث عن حممد بن احلسن؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن أئمة اجلرح مل جيتمعوا على إهتام حممد بن احلسن بالكذب فأمحد مل يكذبه وابن‬
‫معني كذبه يف رواية‪.‬‬
‫ويف أخرى قال‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬وقال يعقوب وابن حبان‪ :‬ضعيف‪ ،‬وقال أبو حامت ليس‬
‫بالقوي‪.‬‬
‫فالرتمذي فيما يبدو ممن يذهب إىل القول بأنه ليس بكذاب ألنه مل تثبت عنده هتمة‬
‫الكذب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن احلديث يف الفضائل وليس يف احلالل واحلرام وكان السلف يتساهلون يف رواية‬
‫الفضائل عن الضعفاء فلم ينفرد الرتمذي هبذا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬رجعت إىل املوجود من نسـخ الرتمذي املطبوعة فوجدهتا قد اتفقت على عبارة‬
‫"حسن غريب" لكين رأيت هذا احلديث يف سنن الدارمي( ) هبذا اإلسناد وعلق عليه‬
‫السيد عبداهلل هاشم اليماين املدين بقوله‪" :‬ورواه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث غريب" وال‬
‫أعرف أي نسخة اعتمدها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن نسخ الرتمذي ختتلف خصوصا يف أحكامه بالصحة واحلسن والغرابة وقد نبه‬
‫على ذلك ابن الصالح وغريه‪.‬‬
‫وقرروا أنه للوصول إىل احلكم الصحيح البد من مجع نسخ الرتمذي مث اعتماد ما اتفقت‬
‫عليه وأعتقد أن اإلمام الذهيب مل يفعل هذا‪.‬‬

‫( ) ( ‪ ) 77/‬رقــم (‪ .) 7‬وانظــر‪ :‬تــاريخ البخــاري الكبــري ( ‪ )18/‬خــالل ترمجــة حممــد بــن احلســن الواســطي‪ .‬وانظ ــر‪:‬‬
‫هتذيب التهذيب (‪.) 1/7‬‬
‫( ) ( ‪ ) 8/‬رقم‪.) 7( :‬‬

‫‪- 122 -‬‬


‫خامسا‪ :‬ال أستبعد أن يكون الرتمذي أراد باحلسن املعىن اللغوي ألن احلسن باملعىن اإلصطالحي‬
‫عنده إمنا هو خاص بنوع معني من أنواع احلسن حيث قال‪" :‬وما قلنا يف كتابنا حديث‬
‫حسن‪ ،‬فإمنا أردنا به حسن اسناده عندنا إذ كل حديث يروى‪:‬‬
‫ال يكون راويه متهما بكذب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويروى من غري وجه حنو ذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال يكون شاذا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فهو عندنا حديث حسن‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪:‬‬
‫"فإن قيل‪ :‬قد صرح الرتمذي‪ :‬بأن شرط احلسن أن يروى من غري وجه‪ ،‬فكيف‬
‫يقول يف بعض األحاديث‪" :‬حسن غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه"؟‪.‬‬
‫فاجلواب أن الرتمذي مل يعـرف احلسن مطلقا وإمنا عرفه بنوع خاص منـه وقع يف‬
‫كتابه‪ ،‬وهو ما يقول فيه حسن من غري صفة أخرى‪.‬‬
‫وذلك أنه يقول‪ :‬يف بعض األحاديث حسن‪ ،‬ويف بعضها صحيح‪ ،‬ويف بعضها‬
‫غريب‪ ،‬ويف بعضها حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫وتعريفه إمنا وقع على األول فقط وعبارته ترشد إىل ذلك"( )‪.‬‬
‫مث ذكر تعريف الرتمذي‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أنا أرى أن هذا احلديث من حممد بن احلسن مث عطية العويف شديد‬
‫الضعف ال يقبل التقوية وال ينجرب‪.‬‬
‫وال مينعين ذلك أن أتلمس األعذار هلذا اإلمام اجلليل الذي مل يأل جهدا يف خدمة‬
‫سنة رسول اهلل ‪ ‬حىت تبوأ منصب اإلمامة لدى األمة اإلسالمية جبدارة‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬كفى املرء نبال أن تعد معايبه‪ ،‬وال أسلم حبملة الذهيب وابن دحية على‬
‫اإلمام الرتمذي اليت استغلها أبوغدة وعوامة وأرجفا هبا على اإلمام أمحد واإلمام‬
‫الرتمذي واإلمام ابن تيمية رمحهم اهلل‪ ..‬وقصدا هبذا االرجاف إىل تشويه منهج‬
‫اإلمام أمحد واحلط من علم ابن تيمية ومكانته‪.‬‬

‫‪.) 4-‬‬ ‫( ) نزهة النظر‪( :‬ص‪:‬‬

‫‪- 123 -‬‬


‫‪ - 1‬قال حممد عوامة – وتبعه شيخه ‪:-‬‬
‫"مث ما هو الداعي إىل تفسري كلمة (ضعيف) باحلسـن؟ مع أن ظاهر كالم اإلمـام أمحد‬
‫يشري إىل أن مراده بالضعيف‪ :‬الضعيف الذي مل تتحقق فيه شروط القبول فإنه يريد أن الرأي ال‬
‫يعتد به عنده مادام قد نقل يف املسألة نص‪ ،‬ولو ضعيفا‪ ،‬فإن الضعيف خري من الرأي‪.‬‬
‫روى ابن حزم يف "احمللى‪ "17/ :‬عن عبد اهلل بن أمحد بن حنبل‪ ،‬قال‪:‬سألت أيب عن‬
‫الرجل يكون ببلد ال جيد فيه إال صاحب حديث ال يعرف صحيحه من سقيمه وأصحاب رأي‪،‬‬
‫فتنزل به النازلة من يسأل؟‪.‬‬
‫فقال أيب‪ :‬يسأل صاحب احلديث‪ ،‬وال يسأل صاحب الرأي‪ ،‬ضعيف احلديث أقوى من‬
‫الرأي"‪.‬‬
‫وال عتب عليه يف هذا التقدمي واالعتبار‪ ،‬ألنه معلوم ومقرر أن التضعيف – ومثله‬
‫التصحيح – أمر اجتهادي فقد يضبط املغفل املختلط املتغري‪ ،‬وقد حيفظ سيئ احلفظ وهكذا"( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬بل ما الذي دعاكما إىل اخلوض يف أمر ال تعرفانه وال تدركان أبعاده؟‬
‫مث إن لشيخ اإلسالم ابن تيمية أهدافا سامية منها بيان مناهج أئمة اإلسالم يف االحتجاج‬
‫بالسنة وحتريهم فيما يأخذون به يف أبواب الدين من العقائد واحلالل واحلرام‪،‬وأهنم ال حيتجون فيما‬
‫جيب أو يستحب إال مبا ثبت عن رسول اهلل ‪ ‬من األحاديث الصحيحة واحلسنة‪.‬‬
‫مث الرد على من يزعم أن األئمة ومنهم اإلمام أمحد حيتجون باألحاديث الضعيفة يف هذه‬
‫األبواب املهمة‪.‬‬
‫وهذا أمر حيمد عليه ابن تيمية ويشكر عليه‪ ،‬وقد تقدم كالمه يف هذا األمر قبل قليل‪،‬‬
‫وبينا هناك احرتام اإلمام ابن تيمية ألئمة اإلسالم فارجع إليه‪.‬‬
‫ويف اعتقادي أن اللوم الشديد جيب أن يوجه إىل أيب غدة وتلميذه اللذين مل يفهما كالم‬
‫ابن تيمية ومل يعرفا أهدافه النبيلة‪ ،‬فيتساءالن ما هو الداعي لكذا وما هو الداعي لكذا؟ ظانني‬
‫أهنما قد أمسكا خبناق ابن تيمية وأىن له املخرج يف نظرمها؟‬
‫مث لنا أن نسأهلما‪ :‬لقد ادعى شيخكما ظفر أمحد التهانوي ملذهب األحناف أو أهل‬
‫الرأي مثل ما ادعاه اإلمام ابن تيمية ملذاهب أئمة احلديث ومنهم أمحد‪.‬‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪18 :‬‬

‫‪- 124 -‬‬


‫ولقد سدد ابن تيمية أو قارب فيما يدعيه لفقهاء احملدثني وأبعد شيخكما التهانوي النجعة‬
‫فيما ادعاه ألهل الرأي والواقع أكرب شاهد‪.‬‬
‫فلماذا مل تناقشا التهانوي فيما أدعاه؟‬
‫ملاذا سكتما عنه سكوتا مطبقا؟‬
‫أال يدل هذا على تعصبكما األعمى وأنكما ال تنشدان احلق‪.‬‬
‫أمل يقل شيخكما عقب كالم اإلمام ابن تيمية واإلمام ابن القيم‪" :‬وباجلملة فاملراد‬
‫بالضعيف يف كالم أصحابنا (أن احلديث الضعيف مقدم على القياس)‪ :‬ما يسميه املتأخرون‬
‫ضعيفا يف ذاته حسنا لغريه‪ .‬إذا تأيد بالشواهد وحنوها‪ ،‬وإذا سربت األحاديث اليت ذكرها ابن القيم‬
‫مثاال للضعيف الذي قدمه أبوحنيفة على القياس وجدهتا كلها حسانا إما يف ذاهتا أو لغريها كما‬
‫يتضح لك حقيقة ذلك مبطالعة كتابنا هذا إن شاء اهلل تعاىل"( )‪.‬‬
‫هل هذا الكالم حق؟‪ ،‬كال إنه لباطل عريـض‪ ،‬أمل يرد أصحابكم عشـرات األحاديث من‬
‫الصحاح وأصح الصحاح بالقياس والرأي الباطل؟‪.‬‬
‫ملاذا مسي أصحابكم أهل الرأي‪ :‬أليس لتقدميهم الرأي وتقدميهم له على السنن الصحيحة‬
‫الثابتة أثبت من اجلبال الرواسي‪.‬‬
‫بل إن كثريا من أصحابكم يردون نصوص القرآن بالرأي واهلوى‪.‬‬
‫مباذا ردت نصوص علو اهلل واستوائه على عرشه وهي تتجاوز مئات النصوص من القرآن‬
‫والسنة ومن ورائها العقل والفطرة‪.‬‬
‫مباذا ردت أحاديث النزول وقد جتاوزت حد التواتر وتؤيدها نصوص من القرآن‪.‬‬
‫مباذا عطلت نصوص الرمحة اليت هي من أعظم صفات اهلل‪ ،‬ونصوصها يف القرآن وحده يف‬
‫أكثر من مخسمائة آية مؤكدة ومكررة وإىل جانبها النصوص الصحيحة الكثرية من السنة النبوية‪،‬‬
‫مباذا عطلت كثري من صفات اهلل الثابتة بالكتاب والسنة؟‪.‬‬
‫أمل يعطلها ويردها أصحابكم بالرأي واهلوى ومتابعة جهم بن صفوان وبشر املريسي‬
‫وأمثاهلما من أئمة الضالل والتجهم واإلعتزال؟‪.‬‬
‫أما رد أصحابكم حديث "املصراة"‪.‬‬

‫( ) قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪17 :‬‬

‫‪- 125 -‬‬


‫وأحاديث "القسامة"‪.‬‬
‫وأحاديث "رفع اليدين" املتواترة‪.‬‬
‫وحديث "ال صالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب"‪.‬‬
‫وحديث‪" :‬ال جتزيء صالة ال يقيم الرجل فيها صلبه يف ركوعه وسجوده"‪.‬‬
‫وقوله ‪( :‬إذا قمت إىل الصالة فكرب)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬حترميها التكبري وحتليلها التسليم)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬القرعة)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬مخس رضعات حيرمن)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬الصوم عن امليت واحلج عنه)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬ال يقتل مسلم بكافر)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬العرايا)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬البيعان باخليار)‪.‬‬
‫وحديث أم سلمة‪( :‬إمنا أنا بشر‪ ،‬وإنكم ختتصمون إىل‪ ..‬احلديث)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬للفارس ثالثة أسهم وللراجل سهم)‪.‬‬
‫وحديث‪( :‬إن النيب ‪ ‬زوج رجال بامرأة على ما معه من القرآن)‪.‬‬
‫وغريها وغريها من األحاديث الكثرية الصحيحة‪.‬‬
‫وقال قائل منكم‪" :‬األصل كالم أصحابنا فإن كان هناك ما يعارضه من القرآن تأولناه وإن‬
‫كان هناك حديث معارض رددناه"‪.‬‬
‫فهذا يبني أن كالم شيخكما دعوى عريضة يهدمها واقع أصحابكم‪ ،‬فلماذا سكتما عنه‬
‫سكوت املؤمن املقرر يف أمر معروف واضح البطالن وأصررمتا على مناقشة ابن تيمية يف أمر يعلمه‬
‫وأنتما ال تعلمانه وتتظاهران بعلمه‪.‬‬
‫ولقد أراد شيخكما أن يستفيد من كالم ابن القيم فضيعتما عليه وعليكما الفرصة‬
‫لتهوركما‪.‬‬
‫قال شيخكما‪ :‬وإذا سربت األحاديث اليت ذكرها ابن القيم مثاال للضعيف الذي قدمه أبو‬
‫حنيفة على القياس وجدهتا كلها حسانا إما يف ذاهتا أو لغريها كما يتضح لك حقيقة ذلك مبطالعة‬
‫كتابنا هذا إن شاء اهلل"‪.‬‬
‫‪- 126 -‬‬
‫وليس األمر كما ذكر التهانوي بل هذه األحاديث شديدة الضعف وفيها الباطل وقد‬
‫نقدها ابن القيم نفسه وحكم بضعفها ووصف بعضها بالبطالن( )‪.‬‬
‫أراد شيخكما أن يستفيد من كالم ابن القيم اجململ فأبت لكما محاقتكما إال تضييع هذه‬
‫الفرصة وهلل يف خلقه شؤون‪.‬‬
‫بل لقد كان يف كالم ابـن تيمية ما ميكن أن يستفيد منه األحناف ويـدفعهم إىل التعلق به‬
‫وإىل االبتعاد عن اإلثارات اليت تعود عليهم وعلى مذهبهم بالضرر والكشف عـن واقع هذا‬
‫املذهب‪ ،‬فأبت لكما عصبيتكما إال رجم الناس باحلجارة مع أن بيتكما من زجاج‪ ،‬فأنتما‬
‫تتحمالن ما يلحق هبذا البيت من األضرار‪.‬‬
‫وقول حممد عوامة‪ :‬روى ابن حزم يف احمللى ( ‪ )17/‬عن عبداهلل بن أمحد قال‪ :‬سألت أيب‬
‫عن الرجل يكون ببلد ال جيد فيه إال صاحب حديث ال يعرف صحيحه من سقيمه‪..‬اخل‪.‬‬
‫يف نقله هذا عن ابن حزم نظر من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ابن حزم حيرم سؤال أهل الرأي حترميا جازما‪.‬‬
‫قال‪" :‬مسألة – وإذا قيل له – إذا سأل عن أعلم أهل بلده بالدين‪ :‬هـذا صاحب حديث‬
‫عن النيب ‪ ‬وهذا صاحب رأي وقياس‪.‬‬
‫فليسأل صاحب احلديث‪ ،‬وال حيل له أن يسأل صاحب الرأي أصال‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ساق ابن حزم األدلة على ذلك‪.‬‬
‫مث قال‪ :‬حدثنا أمحد بن يونس وساق إسناده إىل عبداهلل بن أمحد‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أيب يقول‪:‬‬
‫"احلديث الضعيف أحب إلينا من الرأي"‪.‬‬
‫مث روى بإسناده إىل عبداهلل بن أمحد بن حنبل‪ ،‬قال‪ :‬سألت أيب عن الرجل يكون ببلد ال‬
‫جيد إال صاحب حديث ال يعـرف صحيحه من سقيمه وأصحاب رأي فتنزل بـه النازلة من‬
‫يسال؟‪ ،‬فقال أيب‪" :‬يسأل صاحب احلديث وال يسأل صاحب الرأي وضعيف احلديث أقوى من‬
‫رأي أيب حنيفة"!‪.‬‬
‫وقد ذكر عبد اهلل بن أمحد هذا النص يف مسائله( )‪.‬‬

‫( ) أنظــر‪ :‬أع ــالم امل ــوقعني ( ‪ ) 18 ، 1 / ( ،) / ( ،) /‬حي ــث ن ــص عل ــى بط ــالن بع ــض األخب ــار ال ــيت أخ ــذ هب ــا‬
‫األحناف‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫( )( ‪/‬‬

‫‪- 127 -‬‬


‫قال‪ :‬سألت أيب عن الرجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من األميان‬
‫والطالق وغريه ويف مصره من أصحاب الرأي ومن أصحاب احلديث ال حيفظون وال يعرفون‬
‫احلديث الضعيف وال اإلسناد القوي‪ ،‬فلمن يسأل؟‬
‫ألصحاب الرأي أو هلؤالء أعين أصحاب احلديث على ما قد كان من قلة معرفتهم؟‬
‫قال‪ :‬يسأل أصحاب احلديث‪ ،‬وال يسأل أصحاب الرأي‪ ،‬ضعيف احلديث خري من رأي‬
‫أيب حنيفة‪.‬‬
‫ولنا أن نسأل حممد عوامة ملاذا مل تنقل هذا النص كما هو عند ابن حزم؟‬
‫أليس يف هذا دليل واضح أن هذا الرجل تنقصه األمانة يف النقل‪.‬‬
‫أليس من حق النصوص أن حتافظ عليها؟‬
‫مث إذا كانت ال تعجبك أو ال يعجبك بعض ما فيها أن تناقشها أليس هذا هو النهج‬
‫األقوم والطريق األشرف واألسلم ولكن هلل يف خلقه شؤون‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن هذا ليس منهج أمحد بن حنبل رمحه اهلل كما يريد حممد عوامة وشيخه‪.‬‬
‫بل هذا كان منه جواب مسألة مفروضة فرضا قد يواجهها سائل مضطر يف ظروف ال جيد‬
‫فيها العامل بكتاب اهلل وسنة رسول اهلل ‪ ‬ممن تتوفر فيه صفات العامل احلق واملفيت الذي حيق له‬
‫أن يفيت‪ ،‬ففي هذه الظروف الصعبة جييز اإلمام أمحد ملن هذه حاله أن يسأل احملدث أو أهل‬
‫احلديث الذين تنقصهم املعرفة بالصحيح والضعيف وال جييز له أن يسأل أصحاب الرأي‪.‬‬
‫ولعله اتضح للقارئ الفرق اهلائل بني ما يفيده جواب اإلمام أمحد على هذا السؤال وبني‬
‫ما ينسبه حممد عوامة وشيخه إىل اإلمام أمحد من أنه حيتج باألحاديث الضعيفة اليت منها املردود‬
‫واملنكر وما يف رتبتهما‪.‬‬
‫وما يريدان أن يلزما به اإلمام ابن تيمية‪.‬‬
‫يوضح أن األمر كما ذكرت ما قرره أمحد قبل اإلجابة على هذا السؤال‪.‬‬
‫قال عبد اهلل ‪" :‬سألت أيب عن الرجل يكون له الكتب املصنفة فيها قول رسول اهلل ‪‬‬
‫واختالف الصحابة والتابعني‪ ،‬وليس للرجل بصر باحلديث الضعيف املرتوك منها‪ ،‬فيفيت به ويعمل‬
‫به؟‪.‬‬

‫‪- 128 -‬‬


‫قال‪" :‬ال يعمل حىت يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح يسأل عن‬
‫ذلك أهل العلم"( )‪.‬‬
‫فعند وجود أهل العلم ال جيوز ملن ليس له بصر باحلديث أن يعمل حىت يسأل أهل العلم‬
‫فيكون يعمل على أمر صحيح وال جيوز له اإلقدام على الفتيا وال العمل حىت يسأل من مييز من‬
‫أهل العلم بني الصحيح والضعيف‪.‬‬
‫ويؤكد هذا أنه قال يف حق حممد بن إسحاق‪ .. :‬أما إذا جاء احلالل واحلرام أردنا رجاال‬
‫هكذا وقبض يديه‪.‬‬
‫وقول حممد عوامة‪" :‬وال عتب عليه (يعين اإلمام أمحد) يف هذا التقدمي واالعتبار‪ ،‬ألنه‬
‫معلوم ومقرر أن التضعيف – ومثله التصحيح – أمر اجتهادي‪ ،‬فقد يضبط املغفل املختلط املتغري‪،‬‬
‫وقد حيفظ سيئ احلفظ وهكذا"( )‪.‬‬
‫أقول‪ :‬يف هذا الكالم خلط بني الصحيح والضعيف وتشكيك يف الصحيح الذي حكم‬
‫أئمة احلديث له بالصحة وأخشى أن يرمى هبذا إىل تصحيح اإلمام أمحد‪ ،‬بل أخشى أن يرمى إىل‬
‫أحاديث اإلمامني البخاري ومسلم يف صحيحيهما فإن للكوثريني وأشباههم تشكيكات‬
‫وتشككات يف أحاديث الصحيحني وغمزات وملزات ملا هلما من ميزات‪.‬‬
‫وانظر إليه كيف يريد أن يسوى بني الصحيح والضعيف ألنه كما يزعم أمر مقرر أن‬
‫التضعيف والتصحيح أمر اجتهادي ونسي الفرق الكبري بينهما‪.‬‬
‫وأن احلديث الصحيح فيه ما تلقته األمة بالقبول فهو يفيد العلم عند مجاهري السلف‬
‫واخللف وفيه ما حفته القرائن وهو كذلك يفيد العلم عند كثري من أئمة األصول‪ ،‬وفيه أحاديث‬
‫الصحيحني وهي تفيد العلـم إال القليل( ) كما حكى ذلك إمام احلرمني وابن حجر وادعى إمام‬
‫احلرمني على ذلك اإلمجاع والبحث يف هذا طويل وإمنا القصد اإلشارة إىل هذا األمر املهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فيه خلط بني املغفل واملختلط واملتغري‪ ،‬وهناك فروق بينها فاملغفل غري املختلط ألن‬
‫املختلط قد يكون إماما ضابطا متقنا واسع احلفظ مث يطرأ عليه االختالط كما حصل لعدد من‬

‫)‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫( ) مسائل عبد اهلل ( ‪/‬‬


‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث‪ ،‬ص‪18 :‬‬
‫( ) أي مما انتقده احلفاظ كالدارقطين‪.‬‬

‫‪- 129 -‬‬


‫األئمة الكبار واملتغري غري املختلط واملغفل‪ ،‬فالتغري دون االختالط كما هو معروف عند أهل‬
‫احلديث‪.‬‬
‫أما املغفل فهو من األصل ليس حبافظ وال متقن وال متيقظ ملا يرويه‪ ،‬فكل ما يرويه حيكم‬
‫عليه بالضعف خبالف من كان حافظا متقنا يقظا مث طرأ عليه االختالط فإنه جيب قبول ما رواه‬
‫قبل االختالط بشروطه ويتوقف فيما رواه بعد االختالط أو مل يتميز حبيث ال يدري أرواه قبل‬
‫االختالط أو بعده‪.‬‬
‫فهذا اخللط يدل على عدم التمييز بني املوصوفني هبذه الصفات اليت خلط بينها مع‬
‫األسف‪.‬‬
‫قال حممد عوامة‪":‬وإذا فسرنا (الضعيف) باحلسن – بقسميه – فأي فائدة‬ ‫‪-‬‬
‫يف هذا التنصيص من اإلمام أمحد على أن احلسن مقدم على الرأي؟ إذ أن هذا أمـر ثابت‬
‫مقرر‪ ،‬فاحلسن حجة يف كافة وجوه االحتجاج‪ ،‬ومل ينقل عن أحد من املتقدمني نفي‬
‫االحتجاج باحلسن‪ ،‬إال ما نقل عن أيب حامت مث عن القاضي ابن العريب وشيخه‪.‬‬
‫وأما أبو حامت‪ ،‬فقد أطلق (احلسن) على ما فيه راو جمهول كما يف ص‪ 1‬من فتح املغيث‬
‫للسخاوي‪ ،‬وكأنه هلذا مل حيتج باحلسن الذي اصطلح عليه هو‪.‬‬
‫وأما ابن العريب وشيخه‪ ،‬فاألمر حيتاج إىل الوقوف على كالمهما‪ ،‬مث دراسته واجلواب‬
‫عنه( )"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬تظهر فائدة كالم اإلمام أمحد إذا عرفنا أن األحناف وخاصة من سلك منهم‬
‫مسلك املعتزلة واجلهمية – يردون األحاديث الصحيحة بالرأي بل يردون به نصوص‬
‫القرآن‪ ،‬فهنا تظهر لقول أمحد فائدة كربى ترفع مكانة السنة وهتبط بالرأي إىل احلضيض‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قوله "إذ أن هذا أمر ثابت مقرر فاحلسن حجة يف كافة وجوه االحتجاج"‪.‬‬
‫قد تقدم لك ما ال يدع جماال للشك أن احملدثني قبل الرتمذي مل يقسموا احلديث إال إىل‬
‫قسمني‪ :‬صحيح وضعيف‪.‬‬
‫وأن احلسن ما كان يطلق يف عباراهتم إال إطالقا لغويا‪.‬‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث ص‪18 :‬‬

‫‪- 131 -‬‬


‫ومن سياق كالمهم تظهر مقاصدهم فتارة يطلقونه على الغريب املستنكر وتارة على‬
‫الغريب الصحيح كما يف عبارات البخاري وتارة يطلقونه على الصحيح كما يف عبارة الشافعي‬
‫وأمحد‪.‬‬
‫فإذا كان األمر والواقع كذلك بالنسبة ملن قبل الرتمذي – وهـم موضع اخلالف بني ابن‬
‫تيمية وحممد عوامة وشيخه أبـي غدة – يصبح قول عوامة وشيخه مـن نسـج اخليال فإذا كابرا‬
‫فنقول هلما‪:‬هاتوا برهانكم على أن السلف قبل الرتمذي قد استقر عندهم احلسن باملعىن‬
‫االصطالحي‪ .‬وهاتوا برهانكم على أن احلسن كان حجة عندهم يف كافة وجوه االحتجاج‪.‬‬
‫نعم لو قلت أن احلسن املصطلح عليه عند املتأخرين حجة عندهم‪ ،‬وأما عند املتقدمني‬
‫فمنهم من يدخله يف الصحيح ومنهم من يدخله يف الضعيف وذكرت كالم ابن تيمية وغريه من‬
‫العلماء يف هذا الصدد لنجوت من التعلق باخليال‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بأيب حامت فقد تقدم أنه يطلق احلسن إطالقا لغويا تارة على رواية اجملهول‪،‬‬
‫وتارة على الصحيح الغريب‪.‬‬
‫أما ابن العريب فلم أقف على كالمه وال أدري من هو شيخه الذي أهبمه عـوامة فللرجل‬
‫شيوخ كثري‪.‬‬
‫قال حممد عوامة وتابعه شيخه‪":‬وعلى كل حال فكالم اإلمام أمحد حيمل‬ ‫‪-‬‬
‫على ظاهره‪ ،‬وأنه يريد الضعيف املتوسط وما فوقه مما هو إىل احلسن أقرب – واهلل‬
‫أعلم( )"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬عرفت مراد حممد عوامة وأيب غدة بالضعيف املتوسط وأنه يشـمل املنكر واملردود وما‬
‫يف مرتبة املردود من املطروح وما ال حيل كتابته من احلديث إىل آخر هذه املرتبة الرديئة‪.‬‬
‫وهذا منهما جر ملنهج اإلمام أمحد إىل هاوية سحيقة مها حفراها‪ ،‬مث أمعنا يف تعميقها‬
‫كافأمها اهلل مبا يستحقان‪ ،‬وقد تبني لك منهج أمحد األمحد وال نريد أن نكشف عما حيوي‬
‫مذهبهما الذي حياميان عنه من عظائم تقشعر هلوهلا اجللود وتصخ هلا األمساع‪ ..‬وإن ربك‬
‫لباملرصاد‪.‬‬

‫( ) حاشية قواعد يف علوم احلديث (ص‪.) 17‬‬

‫‪- 131 -‬‬


‫أقول وتصرفات تدعم ما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية في أن أهل الحديث‬
‫قبل الترمذي كانوا يقسمون الحديث إلى قسمين فقط‪ :‬صحيح وضعيف‬
‫فمنهم احلافظ أبوبكر أمحد بن احلسني البيهقي (املتوىف سنة ‪4 7‬هـ)‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر رمحه اهلل مؤيدا ما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪:‬‬
‫"ويؤيده قول البيهقي يف رسالته إىل أيب حممد اجلويين األحاديث املروية ثالثة أنواع‪:‬‬
‫نوع اتفق أهل العلم على صحته‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ونوع اتفقوا على ضعفه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ونوع اختلفوا يف ثبوته‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فبعضهم يضعف بعض رواته جبرح ظهر له وخفي على غريه‪ ،‬أو مل يظهر له مـن عدالته ما‬
‫يوجب قبول خربه وقد ظهر لغريه أو عرف منه معىن يوجب عنده رد خربه أو عرف‬
‫أحدمها علة حديث ظهر هبا انقطاعه أو انقطاع بعـض ألفاظه أو أدراج لفظ من ألفاظ‬
‫من رواه يف متنة أو دخول إسناد حديث يف إسناد غريه خفيت تلك العلة على غريه‪ ،‬فإذا‬
‫عرف هذا وعرف مبعىن رد( ) منهم خربا أو قبول من قبل منهم هذا الوقف عليه واملعرفة به‬
‫إىل اختيار أصح القولني"( )‪.‬‬
‫فأنت ترى أن البيهقي قد أعاد النوع الثالث إىل النـوعني األولني الصحيح املتفق‬
‫على صحته أو الضعيف املتفق على ضعفه‪.‬‬
‫ومل يذكر احلسن الذي اشتهر عند املتأخرين وصار قسيما للصحيح والضعيف*‪.‬‬
‫‪ ، ،4‬ومنهم األئمة ابن خزمية وابن حيان واحلاكم على ما هلم من جهد عظيم يف محل‬
‫أعباء السنة وعلومها وعلى ما كان هلم من مكانة علمية واطالع ال يبارون فيه‪.‬‬

‫( ) كذا العبارة مضطربة ولعل أصل الكالم هكذا (وعرف رد من رد منهم خربا اخل)‪.‬‬
‫( ) اجمللد األول من الرسائل املنربية ( ‪ ) 78- 71/‬والنكت البن حجر على ابن الصالح ( ‪ ) 71/‬وقد اختصر احلـافظ‬
‫كالم البيهقي فأكملته من رسالته املذكورة‪.‬‬
‫* وقــد أطلــق الــدارقطين احلســن‪ .‬انظــر ســننه ( ‪ ) 1- 1/‬والظــاهر أنــه يريــد بــه املعــىن االصــطالحي متابعــا يف ذلــك اإلمــام‬
‫الرتمـذي وقـد نقـل عنـه البيهقـي حتسـني عـدد مـن األحاديـث‪ .‬انظـر علـى سـبيل املثـال ( ‪.) 4 ،41/‬والـذي يبـدو يل أنـه إىل‬
‫حني كتابته الرسالة إىل أيب حممد اجلويين مل يكـن قـد عـرف هـذا االصـطالح ألن اجلـويين تـويف سـنة ‪ 4 7‬وكانـت وفـاة البيهقـي‬
‫سنة ‪ 4 7‬أي بعد عشرين سنة من وفاة اجلويين ولعل كتاب البيهقي للجويين قبل وفاة اجلويين بزمن طويل‪.‬‬

‫‪- 132 -‬‬


‫ما كان عندهم هذا التقسيم الثالثي‪.‬‬
‫بل كان احلديث عندهم ينقسم إىل قسمني فقط‪ :‬صحيح وضعيف‪.‬‬
‫ويؤيد هذا تقسيم ابن حبان الرواة إىل قسمني‪ :‬الثقات‪،‬يف كتابه الثقات اجملروحني يف كتابه‬
‫اجملروحني‪.‬‬
‫ومن تأمل شروطه يف مقدمات كتبه الصحيح( ) والثقات( ) واجملروحني يتجلى له أنه ال‬
‫يقسم احلديث إال إىل قسمني‪ :‬صحيح وضعيف وأنه ال خرب للحسن عنده وال أثر‪.‬‬
‫وإن كان متساهال يف شروطه وتطبيقه لكنه حبسب اجتهاده ال يقبل إال ما صح عنده وإن‬
‫كان عنده كثري مما يسميه صحيحا حسنا عند املتأخرين وإن كان هناك رواة يعتربهم من رواة‬
‫الصحيح وغريه يعتربهم من رواة احلسن فاملقصود هو أنه ال يقسم التقسيم الثالثي املشهور عند‬
‫املتأخرين‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف خالل مناقشته البن الصالح رمحه اهلل "… فلم يلتزم ابن خزمية‬
‫وابن حبان يف كتابيهما أن خيرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط اليت ذكرها املؤلف (يعين‬
‫ابن الصالح)‪ ،‬ألهنما ممن ال يرى التفرقة بني الصحيح واحلسن‪ ،‬بل عندمها أن احلسن قسم من‬
‫الصحيح ال قسيمة‪ ،‬قد صرح ابن حبان بشرطه"( )‪.‬‬
‫‪ -‬منهم علماء الشرق والغرب كما حكاه السلفي‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن الصالح‪:‬‬
‫"التاسع‪ :‬من أهل احلديث من ال يفرد نوع احلسن وجيعله مندرجا يف أنواع ما حيتج به‪،‬‬
‫وهو الظاهر من كالم احلاكم أيب عبد اهلل احلفاظ يف تصرفاته‪ ،‬وإليه يومئ يف تسيمته كتاب‬
‫الرتمذي بـ (اجلامع الصحيح)‪ ،‬وأطلق اخلطيب أبو بكر – أيضا – عليه اسم الصحيح‪ ،‬وعلى‬
‫كتاب النسائي‪ ،‬وذكر احلافظ أبو طاهر السلفي الكتب اخلمسة‪ ،‬وقال‪ :‬اتفق على صحتها علماء‬
‫الشرق والغرب"‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪ :‬وهذا تساهل‪ ،‬ألن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو حنو ذلك‬
‫من أوصاف الضعيف‪..‬اخل‪.‬‬

‫( ) ( ‪.) 44- 7/‬‬


‫( ) ( ‪.) - /‬‬
‫( ) النكت البن حجر على ابن الصالح ( ‪.) 71/‬‬

‫‪- 133 -‬‬


‫أقول إن الشاهد من عمل هؤالء أهنم ال يفرقون بني احلسن والصحيح السيما حكاية‬
‫السلفي اتفاق علماء الشرق والغرب على صحة الكتب اخلمسة على هذا األساس مع معرفة‬
‫العلماء بتفاوت أحاديث الكتب يف مراتب الصحة اليت منها احلسن االصطالحي عند املتأخرين‪.‬‬
‫ويبدو أن عملية تقسيم الرتمذي احلديث إىل ثالثة أقسام مل تنتشر ومل تتسع دائرهتا يف‬
‫مدارس أهل احلديث يف الشرق والغرب إال يف عصور متأخرة‪.‬‬
‫لعلها اتسعت بعد عصر البيهقي فمن بعده‪.‬‬
‫ومن هنا ال ترى هذا التقسيم واالعتناء به يف مؤلفات الرامهرمزي واحلاكم واخلطيب يف‬
‫علوم احلديث‪.‬‬
‫ومنهم احلافظ أبو يعلى اخلليل بن عبد اهلل اخلليلي (‪441‬هـ) – وهو من تالميذ‬ ‫‪-1‬‬
‫املخلص والدارقطين واحلاكم – يف كتابه اإلرشاد( ) قال‪:‬‬
‫"اعلموا رمحكم اهلل‪ :‬أن األحاديث املروية عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على أقسام‬
‫كثرة‪ :‬صحيح متفق عليه‪ ،‬وصحيح معلول‪ ،‬وصحيح خمتلف فيه‪ ،‬وشواذ وافراد وما أخطأ‬
‫فيه إمام وما أخطأ فيه سيئ احلفظ يضعف من أجله وموضوع وضعه من ال دين له‪.".‬‬
‫فهذا يشبه تقسيم البيهقي إذ الصحيح املعلول يدخل يف الصحيح والصحيح املختلف فيه‬
‫يشبه القسم الثالث عند البيهقي فما توفرت فيه شروط الصحة عند اجملتهد أدخله يف‬
‫الصحيح وما اختل فيه شرط من شروط الصحة التحق بأنواع الضعيف‪.‬‬
‫ومنهم أبو الفتح حممد بن حممد بن سيد الناس اليعمري (‪ )8 4‬يف كتابه "النفح‬ ‫‪-8‬‬
‫الشذي"( )‪:‬‬
‫قال‪: :‬قال اإلمام أبو عمرو بن الصالح ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬كتاب الرتمذي أصل يف معرفة‬
‫احلسن‪ ،‬وهو الذي نوه بامسه وأكثر من ذكره يف جامعه ويوجد يف متفرقات‪ ،‬من كالم‬
‫بعض مشاخيه والطبقة اليت قبلهم‪ ،‬كأمحد بن حنبل والبخاري – املفضل ‪ -‬ولكن مل يذكر‬
‫اإلمام أبو عمرو هل هو يف مصطلح من تقدم الرتمذي كما هو يف مصطلحه أو ال؟‪.‬‬

‫( ) ( ‪) 8/‬‬
‫( ) ( ‪ ) 1 - 7 /‬مع تعليق أمحد معبد عبد الكرمي‪.‬‬

‫‪- 134 -‬‬


‫بل لعله عند قائليه من املتقدمني جيري جمرى الصحيح ويدخل يف أقسامه‪ ،‬فإهنم مل يرمسوا‬
‫له رمسا يقف الناظر عنده‪ ،‬وال عرفوا مرادهم منه بتعريف جيب املصري إليه‪ ،‬ومل يذكر‬
‫الرتمذي يف التعريف به ما ذكر حاكيا عن غريه‪ ،‬وال مشريا إىل أنه هو اإلصطالح املفهوم‬
‫من كالم من تقدمه‪ ،‬بل ذكر ما ذكر من ذلك حاكيا عن مصطلحه مع نفسه يف كتابه‬
‫اجلامع‪ ،‬فقال‪ :‬وما ذكرنا يف هذا الكتاب‪ :‬حديث حسن فإمنا أردنا حسن إسناده عندنا‬
‫… وذكر الشروط الثالثة اليت ذكرها الرتمذي مث قال‪ :‬فهذا كما ترى إخبار عن مصطلحه‬
‫يف هذا الكتاب‪ ،‬فلو قال يف كتاب غري هذا عن حديث بأنه حسن‪ ،‬وقال قائل‪ :‬ليس لنا‬
‫أن نفسر احلسن هناك مبا هو مفسر به هنا إال بعد البيان لكان له ذلك"‪.‬‬
‫وهذا كالم رصني يؤيد ما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية من أن أول من قسم احلديث‬
‫إىل ثالثة أقسام هو الرتمذي فهو يعرتف بأن إطالق احلسن موجود يف كالم من قبل‬
‫الرتمذي ولكنهم مل يرمسوا له رمسا يقف الناظر عنده‪ ،‬وال عرفوا مرادهم منه بتعريف جيب‬
‫املصري إليه‪ ،‬بل لعله عند قائليه من املتقدمني جيري جمرى الصحيح‪.‬‬
‫ولو قال عند بعض قائليه من املتقدمني ألصاب كبد احلقيقة ألن بعضهم يطلقه على‬
‫الصحيح كما مر بك‪ ،‬وبعضهم يطلقه على الغريب واملنكر‪.‬‬
‫ومنهم احلافظ الذهيب ( ‪847 – 18‬هـ) قال‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫"وأما الرتمذي‪ ،‬فهو أول من خص هذا النوع باسم احلسن وذكر أنه يريد به أن يسلم‬
‫روايه‪.‬‬
‫من أن يكون متهما‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأن يسلم من الشذوذ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأن يروى حنوه من غري وجه"( )‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال أبوغدة معلقا على هذا الكالم‪:‬‬
‫"تابع احلافظ الذهيب يف قوله هنا (الرتمذي أول من خص هذا النوع باسم احلسن)‪ :‬شيخه‬
‫اإلمام احلافظ ابن تيمية – رمحهما اهلل – والصواب أن استعمال احلسن موجود ومعروف‬

‫( ) املوقظة‪ ،‬ص‪8 :‬‬

‫‪- 135 -‬‬


‫قبل الرتمذي بزمن طويل كما بسطته فيما علقته على قواعد يف علوم احلديث لشيخنا‬
‫العالمة ظفر أمحد التهانوي – رمحه اهلل تعاىل – ص ‪.. 17- 11‬اخل‪.‬‬
‫أقول‪ :‬كيف يتابع الذهيب ابن تيمية ويقلده يف هذا املوضوع وهـو من أهل االستقراء بل‬
‫عدمي النظري فيه‪.‬‬
‫بل أقول‪ :‬انطلقت هذه احلقيقة من صدره بعد اطالع واسع ودراسة واعية ال تقليدا أعمى‬
‫كما يتصوره أبوغدة أو يصوره لغريه‪.‬‬
‫وقال الذهيب – رمحه اهلل – أيضا‪:‬‬
‫قال ابن داسة‪ :‬مسعت أبا داود يقول‪ :‬ذكـرت يف السنن الصحيح‪ ،‬وما يقاربه فإن كان فيه‬
‫وهن شديد بينته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فقد وىف رمحه اهلل – بذلك حبسب اجتهاده وبني ما ضعفه شديد‪ ،‬ووهنه غري‬
‫حمتمل‪،‬وكاسر عما ضعفه خفيف حمتمـل‪،‬فال يلزم من سكوته – واحلالة هذه – عن‬
‫احلديث أن يكون حسنا عنده‪ ،‬والسيما إذا حكمنا على حد احلسن باصطالحنا املولد‬
‫احلادث‪ ،‬الذي هو يف عرف السلف يعود إىل قسم من أقسام الصحيح الذي جيب العمل‬
‫به عند مجهور العلماء أو الذي يرغب عنه أبو عبد اهلل البخاري وميشيه مسلم‪ ،‬والعكس ‪،‬‬
‫فهو دال يف أداىن مراتب الصحة فإنه لو إحنط عن ذلك خلرج‪ ،‬عن االحتجاج‪ ،‬ولبقي‬
‫متجاذبا بني الضعف واحلسن"( )‪.‬‬
‫وقال يف ترمجة حممد بن طلحة بن مصرف‪:‬‬
‫"وجييء حديثه من أداين مراتب الصحيح‪ ،‬ومن أجود احلسن‪ ،‬وهبذا يظهر لك أن‬
‫الصحيحني "فيهما الصحيح وما هو أصح منه‪ ،‬وإن شئت قلت فيهما الصحيح الذي ال‬
‫نزاع فيه والصحيح الذي هو حسن"‪.‬‬
‫وهبذا يظهر لك أن احلسن قسم داخل يف الصحيح‪ ،،‬وأن احلديث النبوي قسمان‪ ،‬ليس‬
‫إال صحيح وهو على مراتب‪ ،‬وضعيف وهو على مراتب – واهلل أعلم"( )‪.‬‬
‫ومنهم احلافظ ابن القيم – رمحه اهلل ( ‪ )8 -17‬حيث يقول‪:‬‬ ‫‪-7‬‬

‫( ) سري أعالم النبالء‪.) 4- / ( :‬‬


‫( ) سري أعالم النبالء‪.) 7/8( :‬‬

‫‪- 136 -‬‬


‫األصل الرابع‪ :‬األخذ باملرسل‪ ،‬احلديث الضعيف إذا مل يكن يف الباب شيء يدفعه‪ ،‬وهو‬
‫الذي رجحه – يعين اإلمام أمحد – على القياس وليس املراد بالضعيف عنده الباطل‪ ،‬وال‬
‫املنكر وال ما يف روايته متهم حبيث ال يسوغ الذهاب إليه فالعمل به‪ ،‬بل احلديث الضعيف‬
‫عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام احلسن‪ ،‬ومل يكن يقسم احلديث إىل صحيح‬
‫وحسن وضعيف‪،‬بل إىل صحيح وضعيف وللضعيف عنده مراتب‪،‬فإذا مل جيد يف الباب‬
‫أثرا يدفعه‪ ،‬وال قول صاحب‪ ،‬ال إمجاع على خالفه كان العمل بـه عنده أوىل من‬
‫القياس"( )‪.‬‬
‫ومنهم احلافظ عبد الرمحن بن امحد بن رجب (‪ )87 -8 1‬يف كتابه "شرح علل‬ ‫‪- 1‬‬
‫الرتمذي"( )‪ :‬قال‪:‬‬
‫"وقد نسب طائفة من العلمـاء الرتمذي إىل هذا التفرد هبذا التقسيم‪ ،‬والشك أنه هو الذي‬
‫اشتهرت عنه هذه القسمة‪.‬‬
‫وقد سبقه البخاري إىل ذلك‪ ،‬كما ذكره الرتمذي عنه يف كتاب العلل أنه كان يف حديث‬
‫البحر‪" :‬هو الطهور ماؤه" هو حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وأنه قال يف أحاديث كثرية "هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫وكذلك ذكره ابن أيب حامت عن أبيه أنه قال يف حديث إبراهيم بن أيب شيبان‪ ،‬عن يونس‬
‫بن ميسرة بن حلبس عن أيب إدريس‪ ،‬عن عبداهلل بن حوالة‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫(ستجندون أجنادا … احلديث) قال‪" :‬هو صحيح حسن غريب" وقـد كان أمحد وغريه يقولون‪:‬‬
‫"حديث حسن" وأكثر ما كان األئمة املتقدمون يقولون يف احلديث‪ :‬إنه صحيح‪ ،‬أو ضعيف‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬منكر‪ ،‬وموضوع‪ ،‬وباطل‪.‬‬
‫وكان اإلمام أمحد حيتج باحلديث الضعيف الذي مل يرد خالفه ومراده بالضعيف قريب من‬
‫مراد الرتمذي باحلسن"‪.‬‬
‫فقد أيد يف كالمه هذا ما ذهب إليه شيخ اإلسالم من أن الرتمذي أول من قسم احلديث‬
‫إىل ثالثة أقسام‪ ،‬ونسب ابن رجب ذلك إىل طائفة من العلماء‪.‬‬

‫( ) أعالم املوقعني ( ‪ ،) /‬والفروسية (ص‪.)47‬‬


‫( ) ( ‪.) 44- 4‬‬

‫‪- 137 -‬‬


‫وأيده يف أن مراد أمحد بالضعيف قريب من مراد الرتمذي باحلسن"‪.‬‬
‫وبعد أن بني أن البخاري وأبا حامت وأمحد وغريه يقولون حديث حسن بني أن أكثر األئمة‬
‫يقولون يف احلديث إنه‪ :‬صحيح أو ضعيف‪ ،‬ويقولون منكر وموضوع وباطل‪.‬‬
‫أي وال يذكرون احلسن‪.‬‬
‫وهذا معناه أن أكثر أئمة احلديث ال يطلقون لفظ احلسن فضال عن أن يكونوا قد‬
‫اصطلحوا عليه وجعلوه قسيما للصحيح والضعيف‪.‬‬
‫وال جيوز ملنصف أن يتعلق بقوله‪:‬‬
‫وقد سبقه البخاري إىل ذلك أنه سبقه إىل املعىن االصطالحي بل يريد أنه قد سبقه إىل‬
‫جمرد ذكر احلسن‪.‬‬
‫وكذلك ما قاله يف شأن أيب حامت وأمحد وغريمها‪ ،‬فلو أراد ذلك لصرح بأهنم قد سبقوه إىل‬
‫التقسيم الثالثي وأهنم يريدون بلفظ احلسن املعىن املصطلح عليه‪ ،‬ولو أراد أهنم سبقوه إىل احلسن‬
‫املصطلح عليه ملا مثل بقول البخاري "هو حديث حسن صحيح"‪ ،‬وملا مثل بقول أيب حامت "هو‬
‫صحيح حسن غريب"‪ ،‬فإنه ال شاهد فيها على قصـد املعىن االصطالحي بل هو شاهد على‬
‫قصدمها املعىن اللغوي‪.‬‬
‫ومنهم احلافظ زين الدين عبدالرمحن بن احلسني العراقي املتوىف سنة ‪ ،711‬قال‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫عند ذكر ابن الصالح يف مقدمته إن احلديث ينقسم إىل ثالثة أقسام صحيح وحسن‬
‫وضعيف‪.‬‬
‫واعرتض عليه أحد العلماء ولعله العالمة مغلطاي فجلى احلافظ العراقي(‪ )1‬هذا االعرتاض‬
‫بقوله‪:‬‬
‫"األمر الثاين أن ما نقله عن أهل احلديث من كون احلديث ينقسم إىل هذه األقسام‬
‫الثالثة ليس جبيد‪ ،‬فإن بعضهم يقسمه إىل قسمني فقط‪ :‬صحيح وضعيف‪.‬‬
‫وقد ذكر املؤلف هذا اخلالف يف النوع الثاين يف التاسع من التفريعات املذكورة فيه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"من أهل احلديث من ال يفرد نوع احلسن‪ ،‬وجيعله مندرجا يف أنواع الصحيح‪.‬‬

‫(‪ )1‬التقيد واإليضاح ص‪. 7‬‬

‫‪- 138 -‬‬


‫الندراجه يف أنواع ما حيتج به قال‪ :‬وهو الظاهر من كالم أيب عبداهلل احلاكم يف تصرفاته‬
‫إىل آخر كالمه‪ ،‬فكان ينبغي االحرتاز عن هذا االختالف‪.‬‬
‫قال العراقي‪" :‬واجلواب أن ما نقله املصنف عن أهل احلديث قد نقله عنهم اخلطايب يف‬
‫خطبة معامل السنن‪ ،‬فقال‪ ،‬اعلموا أن احلديث ينقسم عند أهله على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫حديث صحيح‪ ،‬وحديث حسن‪ ،‬وحديث سقيم ومل أر من سبق اخلطايب إىل تقسيمه‬
‫ذلك‪ ،‬وإن كان يف كالم املتقدمني ذكر احلسن‪ ،‬وهو موجود يف كالم الشافعي رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫والبخاري‪ ،‬ومجاعة‪ ،‬ولكن اخلطايب نقل التقسيم عن أهل احلديث وهو إمام ثقة‪ ،‬فتبعه املصنف‬
‫على ذلك هنا مث حكى اخلالف يف املوضع الذي ذكره‪ ،‬فلم يهمل حكاية اخلالف واهلل أعلم"( )‪.‬‬
‫والشاهد من قول العراقي‪" :‬ومل أر من سبق اخلطايب وإن كان يف كالم املتقدمني ذكر‬
‫احلسن وهو موجود يف كالم الشافعي"‪.‬‬
‫فالعراقي مع سعة اطالعه مل ير هذا التقسيم عند من سبق اخلطايب ولو كان يرى أن‬
‫وجوده عند من سبق اخلطايب باملعىن االصطالحي لصرح بذلك بل العتذر به عن ابن الصالح‬
‫واخلطايب"‪.‬‬
‫وقال ابن الصالح( ) رمحه اهلل يف تفريعات حديث احلسن‪ :‬الرابع كتاب أيب عيسى‬
‫الرتمذي رمحه اهلل أصل يف معرفة احلديث احلسن‪ ،‬وهو الذي نوه بامسه وأكثر من ذكره يف جامعه‬
‫ويوجد يف متفرقات من كالم بعض مشاخيه والطبقة الـيت قبلـه كأمحد بن حنبل والبخاري وغريمها‪.":‬‬
‫فقال العراقي رمحه اهلل معلقا ومنكتا على كالم ابن الصالح‪:‬‬
‫"‪:‬وقد وجد التعبري به "يف شيوخ الطبقة اليت قبله – أيضـا – كالشافعي – رمحـه اهلل – فقال‬
‫يف كتاب "اختالف احلديث" عند ذكر حديث ابن عمر (لقد ارتقيت على ظهر بيت‬
‫لنا‪..‬احلديث) ( )‪.‬‬
‫حديث مسند حسن اإلسناد‪.‬‬

‫( ) التقييد واإليضاح‪ ،‬ص‪7 :‬‬


‫( ) التقييد واإليضاح‪ ،‬ص‪:‬‬
‫( ) أخرج ــه البخ ــاري يف ‪ -4‬الوض ــوء ‪ -‬ب ــاب م ــن ت ــربز عل ــى لبنت ــني‪ ،‬ح ــديث ‪ 4‬وأطراف ــه يف ‪14 ، 47 ، 47‬‬
‫ومسلم ‪ -‬الطهارة ‪ - 8‬باب االستطابة‪ ،‬حديث‪11 :‬‬

‫‪- 139 -‬‬


‫وقال فيه – أيضا – ومسعت من يروي بإسناد حسن (أن أبا بكرة ذكر للنيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – أنه ركع دون الصف …احلديث) ( ) ومثل العراقي حبديثني يف غاية الصحة‪.‬‬
‫وقد تقدم موقف أيب غدة من نصوص الشافعي هذه وبينا هناك أن الشافعي أطلقها‬
‫باملعىن اللغوي‪.‬‬
‫واعرتض ابن رشيد على ابن الصالح يف حتسينه ملا يسكت عليه أبو داود‪ ،‬فـدافع العراقي‬
‫عن ابن الصالح‪ ،‬وقال يف خالل كالمه‪:‬‬
‫"… فإن كان أبو داود يرى احلسن ربتة بني الصحيح والضعيف‪ ،‬فاالحتياط‪ ،‬بل الصواب‬
‫ما قاله ابن الصالح وإن كان رأيه كاملتقدمني أن احلديث ينقسم إىل صحيح وضعيف‪ ،‬فما سكت‬
‫عنه فهو صحيح واالحتياط أن يقال‪ :‬فهو صاحل"( )‪.‬‬
‫ففي هذا الكالم تصريح من العراقي رمحه اهلل مبا يوافـق رأي ابن تيمية – رمحـه اهلل – أن‬
‫املتقدمني كانوا يقسمون احلديث إىل قسمني فقط صحيح وضعيف‪ ،‬وقد صرح سابقا أنه مل ير‬
‫التقسيم الثالثي‪ ،‬وإن كان ذكر احلسن موجودا يف كالم بعضهم كالشـافعي والبخاري فلو كان يرى‬
‫أهنم يقصدون بذكره املعىن االصطالحي ملا نفى رؤية التقسيم الثالثي وملا ذكر يف األخري أن‬
‫املتقدمني ينقسم احلديث عندهم إىل صحيح وضعيف‪.‬‬
‫ومنهم احلافظ ابن حجر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال معلقا على تعريف اخلطايب للحسن وقد نازعه الشيخ تقي الدين ابن تيمية‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"إمنا هذا اصطالح للرتمذي‪ ،‬وغري الرتمذي من أهل احلديث ليس عندهم إال صحيح‬
‫وضعيف‪ ،‬والضعيف عندهم ما احنط عن درجة الصحيح‪ ،‬مث قد يكون مرتوكا‪ ،‬وهو أن‬
‫يكون راويه متهما أو كثري الغلط‪ ،‬وقد يكون حسنا بأن ال يتهم بالكذب‪ ،‬قال‪ :‬وهذا‬
‫معىن قول أمحد العمل الضعيف أوىل من القياس‪." ..‬‬
‫مث أيده بقوله‪" :‬ويؤيده قول البيهقي يف رسالته إىل أيب حممد اجلويين األحاديث املروية‬
‫ثالثة أنواع‪:‬‬
‫نوع اتفق أهل العلم على صحته‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫( ) أخرجه البخاري يف األذان ‪ - 4‬باب إذا ركع دون الصف‪ ،‬حديث ‪87‬‬
‫( ) التقييد واإليضاح‪ ،‬ص‪:‬‬

‫‪- 141 -‬‬


‫ونوع اتفقوا على ضعفه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ونوع اختلفوا يف ثبوته فبعضهم صححه وبعضهم يضعفه لعلة تظهر له‬ ‫‪-‬‬
‫هبا( ) اخل‪."..‬‬
‫وأشار السخاوي إىل رأي ابن تيمية والظاهر أنه يريد االحتجاج به( )‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ونقل الصنعاين كالم شيخ اإلسالم‪ ،‬والظاهر أنه يريد أن حيتج به( )‪.‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫وذكر الشيخ ظفر أمحد التهانوي كالم ابن تيمية حمتجا به رغم تعصبه على ابن‬ ‫‪-‬‬
‫تيمية وأمثاله‪.‬‬
‫وقال الشيخ حممد زاهد الكوثري يف مقاالته(‪ )4‬خالل رده على من حيتج‬ ‫‪- 1‬‬
‫باألحاديث الضعيفة واملوضوعة "وال قائل بقول خرب الكاذب‪ ،‬على أن مراد أمحد هنا‬
‫بالضعيف غري املرتوك ال الشامل املرتوك وغريه‪ ،‬كما حققه ابن تيمية يف منهاجه وابن تلقيم‬
‫يف أعالم املوقعني"‪.‬‬
‫فهو حيتج ببحث اإلمام ابن تيمية الذي اعرتضه تلميذه أبوغدة وتلميذه حممد عوامة‪.‬‬
‫ويعتربه الكوثري حتقيقا يعتمد يف مراد أمحد بالضعيف‪.‬‬
‫فهل الكوثري على عصبيته اهلوجاء وهتوره يف حبوثه أكثر تعقال وانصافا من أيب غدة‪ ،‬وهل‬
‫الكوثري أقل حساسية من تالميذه بالنسبة البن تيمية‪.‬‬
‫مث ‪ ..‬لقد ظهر لك جليا صواب ما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن يتمية أن مـن قبل اإلمام‬
‫الرتمذي مل يقسموا احلديث إىل ثالثة أقسام‪( :‬صحيح وحسن وضعيف) وإمنا كان احلديث‬
‫عندهم قسمني فقط‪ :‬صحيح وضعيف‪.‬‬
‫وقد أيد قوله العلماء الذين سقنا أقواهلم بقصد منهم وبغري قصـد وال نطمع يف أيب غدة‬
‫وحممد عوامة من وراءهم أن يثبتوا هذا التقسيم الثالثي باحلجة والربهان فإن فحول العلماء‬
‫والباحثني ما بني مسلم البن تيمية وما بني مؤيد سواء بالقصد أو باالتفاق‪.‬‬

‫( ) النكت البن حجر على ابن الصالح ( ‪.) 71- 7 /‬‬


‫( ) فتح املغيث‪ ،‬ص‪1 :‬‬
‫( ) توضيح األفكار‪.) 4/ ( :‬‬
‫(‪( )4‬ص‪.)4 :‬‬

‫‪- 141 -‬‬


‫خاتم ــة‬
‫لقد تبني من هذه الدراسة اليت قصد هبا االستقصاء يف حدود الطاقة أن أئمة‬ ‫‪-‬‬
‫احلديث وأعالمه قبل اإلمام الرتمذي كانوا يطلقون لفظ احلسن لكنه مل يظهر من إطالقهم‬
‫قصد املعىن االصطالحي الذي جرى عليه املتأخرون‪.‬‬
‫وظهر لنا أن ما قاله شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪ :‬إن أول من قسم احلديث إىل ثالثة‬
‫أقسام صحيح وحسن وضعيف إمنا هو اإلمام الرتمذي – رمحه اهلل – كالم ال يعدو‬
‫الصواب‪ .‬وأن من يتصدى ملناقشته فيه البد أن يلجأ إىل التمويه واملغالطات وحتريف‬
‫الكلم عن مواضعه وإىل التزيد يف الكالم والنقص منه‪.‬‬
‫وال يستطيع منصف أن يرد قول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬ومل يقل أحد من أئمة‬ ‫‪-‬‬
‫احلديث أنه جيوز أن الشيء يكون واجبا أو مستحبا حبديث ضعيف‪ ،‬ومن قال‪ :‬هذا فقد‬
‫خالف اإلمجاع‪ ،‬وال كان أمحد‪ ،‬وال أمثاله من األئمة يعتمدون على مثل هذه األحاديث‬
‫يف الشريعة‪ ،‬ومن نقل عن أمحد أنه كان حيتج باحلديث الضعيف الذي ليس بصحيح وال‬
‫حسن فقد غلط عليه"‪.‬‬
‫فال يستطيع منصف أن يقول أن من منهج أئمة اإلسالم االحتجاج باألحـاديث الضعيفة‬
‫يف احلالل واحلرام واستباحة الفروج واألموال والدماء‪.‬‬
‫وإن حماولة أيب غدة وحممد عوامة ومن على شكالتهما إثبات نسبة ذلك إىل‬
‫اإلمام أمحد ذنب عظيم وجناية كربى ال جيوز إقـرارهم عليها ومنهـج أمحد وتصرفاته ومواقفه‬
‫من الرواة والروايات تكذب ذلك اإلفك وتدحضه‪.‬‬
‫وكذلك تصرفات سائر األئمة وأقواهلم ووضعهم قواعد اجلرح والتعديل والتصحيح‬
‫والتضعيف والتعليل كل ذلك براهني وضاحة على صحة ما قاله شيخ اإلسالم ابن تيمية –‬
‫رمحه اهلل – يف حق األئمة رضوان اهلل عليهم‪.‬‬
‫وال يعكر على هذا املنهج بعض التصرفات الفردية القائمـة على االجتهاد واختالف‬
‫وجهات النظر يف بعض الرواة فال جيوز ملسلم أن يتعلق هبا ليوهم الناس أن ذلك منهج‬
‫لإلمام فالن ومذهب له‪ .‬أو منهج لألئمة مجيعا‪.‬‬
‫وقد مرت مناذج من الرواه الذين حتاشى اإلمام أمحد الرواية عنهم وضرب على روايتهم‪،‬‬
‫ومر قوله يف ابن اسحاق وأمثاله الذين تعترب روايتهم يف أعلى مراتب احلسن‪.‬‬
‫وأن تقدمي اإلمام امحد ضعيف احلديث على الرأي إمنا قصده بذلك أن البلدة اليت ال جيود‬
‫هبا إال صاحب رأي وحمدث ال مييز بني الصحيح والسقيم أن املستفيت املضطر يقدم‬
‫صاحب احلديث الذي هذا وصفه على صاحب الرأي فإذا وجد العامل املميز بني‬
‫الصحيح والضعيف فال جيوز العدول عنه إىل صاحب رأي أو حمدث ال مييز بني الصحيح‬
‫والضعيف هذا هو مراد أمحد وكالمه صريح فيه‪.‬‬

‫‪- 142 -‬‬


‫وأن تشبيه احلديث الضعيف الذي حيتج به اإلمام أمحد وغريه باحلسن عند‬ ‫‪-‬‬
‫الرتمذي ال ينبغي املكابرة فيه فإن هذا أصله ضعيف تقوى باملتابعات والشواهد ويؤيده‬
‫تـردد اإلمام أمحد يف االحتجاج مبثل حممد بن إسحاق وعمرو بن شعيب وتصرحيه أحيانا‬
‫بعدم االحتجاج بأمثاهلما وقد تقدم نقل ذلك عنه‪ ،‬ومناقشة شيخ اإلسالم يف هـذا وغريه‬
‫قد تبني بطالهنا‪.‬‬
‫أما إدخال السلف هذا النوع من الضعيف يف الصحيح أو يف الضعيف فريى اإلمام ابن‬
‫تيمية أن السلف قبل الرتمذي يدخلونه يف الضعيف إذ الضعيف نوعان نوع مرتوك ال جيوز العمل‬
‫به ونوع جيب العمل به وهو املسمى باحلسن عند املتأخرين ويرى الذهيب أن السلف كانوا يدخلونه‬
‫يف الصحيح ويرى ابن سيد الناس ذلك مع الرتدد‪.‬‬
‫ودليل شيخ اإلسالم ابن تيمية احتجاج اإلمام أمحد أحيانا بابن إسحاق وعمرو بن‬
‫شعيب مع تردده فيهما وتضعيفه هلما أحيانا‪.‬‬
‫ومل يقم الذهيب وابن سيد الناس على ما ذهبا إليه دليال والقلب أميل إىل ما قاله شيخ‬
‫اإلسالم بن تيمية واألمر يف ذلك سهل مادامت آراؤهم متفقة يف القضية اجلوهرية وهي تقسيم‬
‫السلف احلديث إىل قسمني فقط صحيح وضعيف‪.‬‬
‫واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪.‬‬
‫وما قدمته يف هذا البحث هو جهد املقل الضعيف وما أخالين أسلم مـن اهلفوات واخلطأ‬
‫والتقصري وأرجو من إخواين طالب العلم إن وجدوا من ذلك شـيئا أن ينبهوين عليه يف حيايت وأن‬
‫يستدركوه بعد وفايت‪ .‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثريا اىل يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫كتب الفقري إىل مغفرة ربه ورضوانه‬
‫ربيع بن هادي عمري املدخلي‬

‫وكان الفراغ منه يف مثانية من شهر شوال سنة ‪ 4 1‬هـ‬

‫‪- 143 -‬‬


‫الفهــرس‬
‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬ ‫م‬
‫‪1‬‬ ‫‪ 1‬املقدمة‬
‫‪4‬‬ ‫‪ 2‬تعريف احلسن وبيان معناه اللغوي‬
‫‪4‬‬ ‫‪ 3‬إطالق احملدثني احلسن باملعىن اللغوي‬
‫‪8‬‬ ‫‪ 4‬تعريف احلسن اصطالحا‬
‫‪16‬‬ ‫‪ 5‬تقسيم عوامة للحديث الضعيف والرد عليه‬
‫‪17‬‬ ‫‪ 6‬تعريف أيب غدة للحديث املنكر‬
‫‪17‬‬ ‫‪ 7‬والرد عليه وكشف ما ينطوي عليه هذا التعريف‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪ 8‬حتامل حممد عوامة على ابن تيمية ومتابعة أيب غدة له والرد عليهما‬
‫‪21‬‬ ‫‪ 9‬ماذا فعل حممد عوامة بكالم ابن حجر‬
‫‪23‬‬ ‫مراد اإلمام علي بن املديين من إطالق لفظ احلسن‬ ‫‪11‬‬

‫‪23‬‬ ‫تلف مسند علي بن املديين يف حياته‬ ‫‪11‬‬

‫‪24‬‬ ‫مصري كتاب العلل لعلي بن املديين‬ ‫‪12‬‬

‫‪27‬‬ ‫إطالق ابن املديين لفظ احلسن على حديث يف إسناد جمهول‬ ‫‪13‬‬

‫‪27‬‬ ‫علل أخرى يف إسناد هذا احلديث‬ ‫‪14‬‬

‫‪27‬‬ ‫أمثلة أعل فيها علي بن املديين أحاديث باملخالفة‬ ‫‪15‬‬

‫‪32‬‬ ‫مراد البخاري من إطالق لفظ احلسن‬ ‫‪16‬‬

‫‪32‬‬ ‫ماذا فعل حممد عوامة بكالم احلافظ ابن حجر‬ ‫‪17‬‬

‫‪36‬‬ ‫مراد البخاري من حتسني حديث شريك‬ ‫‪18‬‬

‫‪38‬‬ ‫مراد البخاري من حتسني حديث لعن اهلل احمللل‬ ‫‪19‬‬

‫‪38‬‬ ‫واحمللل له ومناقشة أيب غدة فيه‬ ‫‪21‬‬

‫‪- 144 -‬‬


‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬ ‫م‬
‫‪39‬‬ ‫مناقشة أيب غدة وعوامة يف تفسري كالم ابن الصالح‬ ‫‪21‬‬

‫‪41‬‬ ‫قصد البخاري من حتسني حديث "إن اهلل ليؤيد هذا الدين بالرجل‬
‫الفاجر"‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫قصد البخاري من حتسني حديث شهر بن حوشب ومناقشة أيب غدة‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪44‬‬ ‫أحاديث ضعيفة أطلق عليها البخاري لفظ احلسن إطالقا لغويا‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫أحاديث صحيحة أطلق عليها البخاري لفظ احلسن إطالقا لغويا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪58‬‬ ‫إطالق اإلمام أمحد احلديث احلسن باملعىن اللغوي‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪58‬‬ ‫حتميل حممد عوامة كالم ابن حجر ما ال حيتمل وتصرفه فيه ومناقشته‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪61‬‬ ‫عجز عوامة وشيخه عن أن يثبتا تقسيم احلديث إىل صحيح وحسن‬
‫وضعيف‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪62‬‬ ‫اهلدف من إحلاح عوامة وشيخه على تقدمي أمحد‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪62‬‬ ‫احلديث الضعيف على القياس ومناقشتهما يف ذلك‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫رواة تركهم اإلمام أمحد‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫دعوى حممد عوامة أن أمحد يطلق لفظ احلسن باملعىن االصطالحي‬
‫والرد عليه‪.‬‬
‫‪74‬‬ ‫إطالق أمحد لفظ احلسن على الصحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪75‬‬ ‫زعم حممد عوامة أن ابن منري أطلق لفظ احلسن باملعىن االصطالحي‬
‫والرد عليه‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫دعوى أيب غدة كثرة إطالق يعقوب بن شيبة يف مسنده احلسـن باملعىن‬
‫االصطالحي والرد عليه بعدد من األمثلة‬

‫‪- 145 -‬‬


‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬ ‫م‬
‫‪93‬‬ ‫إطالق أيب حامت لفظ احلسن على حديث صحيح‬ ‫‪36‬‬

‫‪94‬‬ ‫إطالق أىب حامت لفظ احلسن على حديث يف إسناده جمهول‬ ‫‪37‬‬

‫‪98‬‬ ‫مراد اإلمام الشافعي من إطالق لفظ احلسن وتصرف أيب غدة يف كالم‬ ‫‪38‬‬

‫احلافظ ابن حجر‬


‫‪111‬‬ ‫إطالق أيب زرعة لفظ احلسن مريدا به املعىن اللغوي‬ ‫‪39‬‬

‫‪111‬‬ ‫مالحظتان على أيب غدة‬ ‫‪41‬‬

‫‪115‬‬ ‫اإلمام مالك وإطالقه لفظ "احلسن" والرد على أيب غدة يف ذلك‬ ‫‪41‬‬

‫‪118‬‬ ‫مراد العجلي من إطالق لفظ احلسن‬ ‫‪42‬‬

‫‪119‬‬ ‫عدة أمثلة إلطالق العجلي لفظ "احلسن" مريدا به الصحيح‬ ‫‪43‬‬

‫‪112‬‬ ‫إدعاء أيب غدة شيوع احلسن ومعرفة مدلوله قبل الرتمذي والرد عليه‬ ‫‪44‬‬

‫‪112‬‬ ‫تعلق أيب غدة بنقد الكشمريي البن تيمية والرد عليه‬ ‫‪45‬‬

‫‪113‬‬ ‫نسبة حممد عوامة إىل ابن تيمية أن الضعيف عند أمحد يقابله ما حيسنه‬ ‫‪46‬‬

‫الرتمذي أو يصححه‪ ،‬والرد عليه‬


‫‪116‬‬ ‫تأكيد عوامة لدعواه بنقد الذهيب للرتمذي ومناقشته يف ذلك‬ ‫‪47‬‬

‫‪124‬‬ ‫خوض عوامة وشيخه يف أشياء ال يعرفاهنا‬ ‫‪48‬‬

‫‪124‬‬ ‫دعاوى عريضه يدعيها التهانوي‬ ‫‪49‬‬

‫‪125‬‬ ‫ملذهب أيب حنيفة مل يناقشه فيها عوامة‬ ‫‪51‬‬

‫‪125‬‬ ‫وشيخه وبيان زيف تلك الدعاوى‬ ‫‪51‬‬

‫‪127‬‬ ‫إخالل حممد عوامة بنقل ابن حزم عن أمحد‬ ‫‪52‬‬

‫‪127‬‬ ‫وإيراد كالم أمحد على وجهه والقصد منه‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪131‬‬ ‫قول عوامة إذا فسرنا الضعيف باحلسن بقسميه فأي فائدة يف هذا‬ ‫‪54‬‬

‫‪- 146 -‬‬


‫التنصيص من اإلمام أمحد على أن احلسن مقدم على الرأي‬

‫‪- 147 -‬‬


‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬ ‫م‬
‫‪131‬‬ ‫‪ 55‬والرد عليه وبيان الفائدة من ذلك‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫مراد عوامة وشيخه من احلديث الضعيف ومحل كالم أمحد عليه‬ ‫‪56‬‬

‫ومناقشته يف ذلك‪.‬‬
‫‪132‬‬ ‫أقوال وتصرفات علماء تدعم ما ذهب إليه ابن تيمية يف أن أهل‬ ‫‪57‬‬

‫احلديث قبل الرتمذي كانوا يقسمون احلديث إىل قسمني فقط صحيح‬
‫وضعيف‪.‬‬
‫‪143‬‬ ‫اخلامتة‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪- 148 -‬‬

You might also like