Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫‪:‬الحكمة الثانية‬

‫إرادتك التجريد مع إقامة هللا إياك في األسباب من الشهوة الخفية‪ ،‬وإرادتك األسباب‬
‫‪.‬مع إقامة هللا إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية‬

‫‪:‬شرح الحكمة‬

‫هذه الحكمة تدور على شيئين‪ :‬األسباب و التجريد‬


‫‪:‬فاإلنسان هو بين الحالتين‬

‫حالة األسباب‪ :‬فيجد اإلنسان نفسه متقلبا في سلطان األسباب ال مناص له من التعامل‪-‬‬
‫مع أسباب يتعامل معها و يتحرك فيها‬
‫حالة التجريد‪ :‬أي أن اإلنسان يجد نفسه معزوال عن سلطة األسباب‪ ،‬فتكون بعيدة منه‬
‫و عن المناخ الذي أقامه هللا فيه‬
‫‪.‬و من ث م ف اإل نسان يجب أن يت عرف على ح الته‪ ،‬و يت عامل معها‪ ،‬فال يعمل هواه‬

‫‪:‬و لنأخذ أمثلة لفهم الحكمة‬


‫رب أسرة ‪ :‬فهو في حالة األسباب‪ ،‬و هي البحث عن الرزق ألوالده‪ ،‬فإن قال أنا لي‬
‫تعالى(ف ْاب َت ُغ وا ِعندَ هَّللا ِ ِّ‬
‫الر ْز َق)العنكبوت‪ ،17 :‬وأن األسباب المادية‬ ‫َ‬ ‫اليقين في قوله‬
‫هي من هللا‪ ،‬و من ثم أنقطع للعبادة و التسبيح و ال أبحث عن الرزق‪ ،‬فذاك من‬
‫الشهوة الخفية الغير معلنة‪ ،‬و هو في ذلك يتعامل مع األسباب ال مع المسبب‪ ،‬و ذلك‬
‫من سوء األدب مع هللا عز و جل ! فالعمل الصالح ال يقتصر على العبادة فمثل حال‬
‫رب األسرة‪ ،‬التبسم في وجه زوجته و أوالده‪ ،‬و تربيتهم و البحث عن الرزق من‬
‫أجلهم هو من العبادة إن استقامت النية و أريد بها وجه هللا‬
‫طالبعلم ‪ :‬فهو في عالم التجريد فاهلل قد أقام له من بتكلف برزقه‪ ،‬فإن كان يركن إلى‬
‫الدعة و الكسل و يشرب و يأكل وينام فهو بعيش عيشة البهائم‪ ،‬و إن كان القصد‬
‫دراسة دين هللا و خدمة شرائعه‪ ،‬فهذا نهج سليم و عالمة النفوس العلية و الهمم‬
‫‪.‬السامية‬
‫الحج‪ :‬ناس توجهوا حجاجا إلى بيت هللا الحرام‪ ،‬فمنهم المتحررون من كل القيود‪،‬‬
‫المتفرغون للعبادة فقط فهؤالء قد أقامهم هللا في عالم التجريد‪ ،‬و آخرون يسهرون‬
‫على راحة الطائفة األولى كاألطباء مثال فهم في حالة األسباب أقامهم هللا فيها في فترة‬
‫الحج‪ ،‬فإن أهمل طبيب مهمته األساسية فقد أهمل الوضع الذي أقامه هللا فيه و كان‬
‫‪.‬إنسانا عابثا بنظام هديه عز و جل‬
‫رجل يعمل و يكد في البحث عن رزقه طوال اليوم‪ ،‬ف هو في عالم األسباب‪ ،‬و عندما‬
‫يرجع إلى بيته في المساء‪ ،‬فهو يقبل على االستزادة من العلم‪ ،‬و على الطاعات‪ ،‬فهو‬
‫في عالم التجريد‬

‫و هكذا من الحكمة نستنتج أن العمل الص الح هو‬

‫لمن أقيم في عالم التجريد‪ ،‬طلبعلم‪ ،‬و طاعاتو دراسة دين هللا‬
‫لمن أقيم في عالم األسباب‪ ،‬يتمثل في خدمة أمته‪ ،‬و اإلخالص في أداء مهمته‬

‫‪...‬لكن‬
‫ال ننسى أن هناك طاعاتيشترك ف يها كل الفئات‬

‫‪:‬الحكمة الثالثة‬
‫سوابق الهمم ال تخرق أسوار األقدار‬
‫‪:‬شرح الحكمة‬

‫‪...‬هذه حكمة ت تمم الحكمة التي قبلها‬


‫الهمم هي العزائم التي يمتع هللا ب ها في مجال اإلقبال على شؤونهم الحياتية‪ ،‬و مهما‬
‫‪...‬اشتدت و قويت هذه العزائم فإنها ال تخرق أسوار األقدار‬
‫‪.‬هذه الحكمة ت ثير مسألة القضاء و القدر‬
‫‪:‬و لنعرف بدءا القضاء و القدر‬
‫‪.‬ف القضاء هو علم هللا األزلي ب كل ما يجري في المستقبل‬
‫‪.‬و القدر هو وقوع األشياء طبقا لهذا العلم األزلي‬
‫و هذان المعنيان (أي القضاء و القدر) منها ما يق عدون أن يكون لإلرادة اإلنسانية‬
‫دخل كالموت و المصائب و األمراض و العاهات منها ما يقع على إثر إرادة و قصد من‬
‫‪.‬اإلنسان كالدراسة التجارة و الزراعة‬
‫و كال النوعين هما في علم هللا ‪ ،‬و يخض عان لقضاء اللهو قدره‪ ،‬و هذه الحكمة ت جيب‬
‫على من يعكف على سبب من أسباب الرزق في عمل غير مشروع‪ ،‬ويحتج أن هللا‬
‫أقامه في عالم األسباب و أن عليه السعي للبحث عن الرزق‪ ،‬فتأتي هذه الحكمة لتقول‬
‫لهذا الشخص أن رزقه كثيرا كان أم قليال‪ ،‬فإنه مكتوب في علم هللا‪ ،‬قال تعالى(ِإنَّ هَّللا َ‬
‫أخرى(ف ْاب َت ُغ وا عِن َد هَّللا ِ‬
‫َ‬ ‫اق ُذ و ْالقُ َّو ِة ْال َمتِينُ )الذاريات‪ 58 :‬و في آية‬
‫ه َُو الرَّ زَّ ُ‬
‫الر ْز َق)العنكبوت‪ ،17:‬وفي الحديث الذي رواه الشيخان عن عبد هللا بن مسعود رضي‬ ‫ِّ‬
‫هللا عنه(إن أحدكم ُي جمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ً نطفة‪ ،‬ثم يكون علقة مثل‬
‫ذلك‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك‪ ،‬ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويؤمر بأربع‬
‫ب رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪ ،‬وشقي أو سعيد‬ ‫‪...‬كلمات‪ْ :‬‬
‫بكت ِ‬

‫و هنا قد يس أل سائل‪ :‬إن كان الرزق مسطرا في علم هللا ف فيم السعي وراءه إذن و‬
‫لماذا نتعامل مع األسباب؟؟‬
‫و الجواب ألن هللا عز و جل أقامنا في خضم األسباب و أمرنا ب الت عامل معها مع اليقين‬
‫أن الفاعلية (النتيجة) يتبع إلرادة هللا و حكمه‪ ،‬و كل القوانين و األنظمة الكونية إنما‬
‫هي من تدبير هللا عزو جل‪ ،‬فانظر إلى اآليات التالية)هّللا ُ الَ ِإ َل َ‬
‫ـه ِإالَّ ه َُو ْال َح ُّي‬
‫س َم اء َو اَأْل ْر ُ‬
‫ض‬ ‫وم ال َّ‬ ‫جل(وم ِْن َآي ات ِِه َأن َت قُ َ‬
‫َ‬ ‫وم)البقرة‪ ،255 :‬و قوله عز و‬ ‫ْال َق ُّي ُ‬
‫ض َأن َت ُز واَل َو َلِئن‬ ‫ِب َأ ْم ِر هِ)الروم‪ ،25 :‬و قوله أيضا )ِإنَّ هَّللا َ ُي ْم سِ ُك َّ‬
‫الس َم َاو اتِ َو اَأْل ْر َ‬
‫َز َال َت ا إن أمسكهما ِم ْن َأ َح ٍد ِّم ن َب ْع ِد ِه ِإن َُّه َكانَ َحلِيما ً َغفُ وراً)فاطر‪41:‬‬
‫‪.‬ف ه ذ ه اآليات ت بين أن األسباب إنما ت ستمد ف اعليتها ونتيجتها من هللا عز و جل‬
‫ث م قد يس أل السائل‪ ،‬ف فيم إذن التعامل مع األسباب؟ لماذا نجلس ف ننتظر حكم هللا و‬
‫سلطانه؟؟‬
‫و الجواب أن التعامل مع هللا يكون ب اال نسجام مع أوامره و التعامل مع نظامه‪ ،‬ف إن‬
‫جعنا نأكل‪ ،‬و إن مرضنا نتداوى‪ ،‬و إن ظمئنا نشرب‪ ،‬و مع كل هذا ال فاعلية إال هلل‪ ،‬و‬
‫ال تأثير إال بحكم هللا ‪ .‬و انظر إلى قصة السيدة مريم العذراء حين أنبت هللا لها التمر‬
‫(و ه ُِّز ي‬
‫في غير ميعاده وأسقطها في حجرها لكن هللا سبحانه أمرها بهز جذع النخلة َ‬
‫ِإ َل ْي كِ ِب ِج ْذ ِع الن َّْخ َلةِ) مريم‪ ،25:‬ف ق د أمرها ب القيام ب وظيفة التعامل مع األسباب‪ ،‬و هي‬
‫‪.‬هز جذع النخلة‪ ،‬و تكلف هللا برزقها‬
‫أمااألثرالتربويحين تتعامل شرعيا مع األسباب‪ ،‬فهواليقينالذي يمأل قليك‪ ،‬و لسانك‬
‫الذي سيكون دائما في حالة شكر و حمد و ثناء عليه عزو جل‪ ،‬و تزداد ثقتك باهلل و‬
‫‪.‬الطمأنينة إلى قضائه و قدره‬
‫هكذا إذن يكون المسلم‪ ،‬يت عامل مع األسباب مع اليقين التام في هللا و قضائه و قدره‪،‬‬
‫تنفيذا لوصية الرسول صلى هللا عليه و سلم من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه الذي‬
‫رواه مسلم (‪...‬استعن باهلل و ال تعجز‪ ،‬و إن أصابك شيء فال تقل لو أني فعلت كذا‬
‫‪.‬لكان كذا‪ ،‬فإن لو تفتح عمل الشيطان‪ ،‬و لكن قل قدر هللا و ما شاء فعل)‬

You might also like