Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 8

‫‪ 01‬ﻓﺒﺮاﻳﺮ ‪2022‬‬ ‫ﻗﺴﻢ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‬ ‫ﺗﺮﺟﻤﺎت‬

‫‪All rights reserved © 2022‬‬ ‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ © ‪2022‬‬


‫(‪)1‬‬
‫الشيعة‪ :‬الزيدية (الخمسية)‬
‫تأليف‪ :‬إيريك هوفدن‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم محمد عبد الله ّ‬


‫الوظاف‬

‫‪ 1‬تم نشر هذا المقال ضمن كتاب «موسوعة اإلسالم والعالم اإلسالمي»‪ ،»Encyclopedia of Islam and the Muslim World« ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬الصادرة في‬
‫شهر ديسمبر من العام ‪2003‬م‪ ،‬باللغة اإلنجليزية‪ ،‬من الصفحة ‪ ،1059 – 1057‬وقد وصلتني عبر المؤلف‪.‬‬
‫‪ 2‬الدكتور‪ /‬إيريك هوفدن‪ ،‬وهو باحث نمساوي‪ ،‬متخصص في الجغرافيا والتأريخ واألثنوغرافيا في اليمن‪ ،‬والفقه اإلسالمي (الزيدي)‪ ،‬واألوقاف‪ ،‬وإدارة المياه المحلية‪.‬‬
‫مسؤول عن االستثمار في مشروع كانكود ‪ ،)2024-2020( CanCode-project‬ويركز المشروع على عمليات تدوين الشريعة اإلسالمية‪ .‬وهو كذلك‬ ‫ً‬ ‫يعمل‪ ،‬حاليًا‪،‬‬
‫باحث في معهد األنثروبولوجيا االجتماعية األكاديمية النمساوية للعلوم عند تحرير هذه المقالة‪.‬‬
‫‪3‬من أبرز منشوراته‪ :‬الوقف عند زيدية اليمن (‪ ،)2019‬حيث أقوم على ترجمته في الوقت الحالي‪.‬‬
‫خصوصا‪ ،‬والدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫ً‬ ‫الدكتور‪ /‬عبد الكريم محمد عبد هللا الوظّ اف (ولد ‪ ،)1976‬يمني الجنسية‪ ،‬مسلم الديانة‪ ،‬متخصص في الفقه اإلسالمي المقارن‪،‬‬
‫عمومًا‪ ،‬يعمل كأستاذ مساعد في الفقه اإلسالمي المقارن في جامعة صنعاء‪ .‬التحق‪ ،‬بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة صنعاء‪ ،‬بالدراسة النظامية في كلية‬
‫ُوضع بين‬
‫اللغات بجامعة صنعاء‪ ،‬وحصل على درجة البكالوريوس في الترجمة‪ .‬لديه بحوث قيد النشر‪ ،‬ويهتم بالدراسات النقدية‪ ،‬وله اهتمام بالمذهب الزيدي‪ .‬كل ما ي ّ‬
‫معقوفتين [ ] في المتن أو الهامش‪ ،‬فهو من إضافة المترجم‪.‬‬
‫كان زيد بن علي (‪95‬هـ‪695/‬م – ‪122‬هـ‪740/‬م) من نسل النبي محمد؛ من خالل الحسين؛ حفيد النبي‪.‬‬
‫وفي ‪122‬هـــ‪740/‬م‪ ،‬ثار ضد األمويين في الكوفة‪ ،‬وأعلن الحرب ضد «الظالمين»‪ ،‬بينما اتخذ الشيعة‬
‫ً‬
‫ووفقا لمعظم الزيديين من بعده‪ ،‬فإن منصب حاكم المجتمع المسلم‪ ،‬اإلمام‪ ،‬ال ينبغي‬ ‫ً‬
‫هادئا‪.‬‬ ‫ً‬
‫موقفا‬ ‫اآلخرون‬
‫أن يكون وراثيًا‪ ،‬كما هو الحال مع الشيعة اإلمامية‪ .‬وكان على اإلمام أن يكسب منصبه من خالل الثورة‬
‫السياسية والعسكرية (الخروج)‪ ،‬إذا لزم األمر‪ ،‬ومن خالل إعالن النخب العلمية والسياسية الوالء (البيعة)‬
‫لإلمام‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان على اإلمام أن ينحدر من أحفاد النبي؛ الحسن أو الحسين‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فهو علوي‬
‫(من نسل علي)‪ .‬وكان لزامًا على اإلمام‪ً ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬أن يكون على أعلى درجة من التعليم اإلسالمي ‪ -‬قادرً ا‬
‫على تفسير النصوص المقدسة (االجتهاد) ‪ -‬وقادرً ا على توفير حكومة تدعمها القوة العسكرية‪ .‬ويُشار إلى‬
‫ً‬
‫خالفا لغيرهم من الشيعة‪ ،‬الذين‬ ‫الزيديين بـ «الخمسية(‪»)*1‬؛ ألنهم يعتبرون زيد بن علي هو اإلمام الخامس‪،‬‬
‫تمسكوا بإمامة أخيه محمد الباقر وذريته كأئمة‪.‬‬

‫وقد حدث التطور المبكر للمذهب الزيدية في المدينة المنورة والكوفة‪ ،‬فقد استنكر الزيدية على أسالف‬
‫السُ نَّة تمركز فقههم حول الحديث النبوي‪ً ،‬‬
‫وبدل من ذلك‪ ،‬تسمك الزيدية بالفقه الذي وضعه العلماء العلويون‪/‬‬
‫الشيعة؛ غير أنها اشتملت‪ً ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬على فقه آخرين غير علويين‪ ،‬وهم من يتفق فقههم مع تعاليم الزيدية‪.‬‬
‫وخالل القرن التاسع الميالدي‪ ،‬انتقلت األنشطة الزيدية من الكوفة إلى طبرستان في مناطق قزوين‪ ،‬في‬
‫ً‬
‫وخاصة المدينة المنورة‪ ،‬مكا ًنا صغيرً ا‪ ،‬ولكن مهمًا ومركزيًا‬ ‫إيران‪ ،‬حاليًا‪ ،‬وإلى اليمن‪ ،‬بينما ظلت الحجاز‪،‬‬
‫بالنسبة لهم‪.‬‬

‫وكان القاسم بن إبراهيم الرسي (المُتوفى ‪246‬هـ‪860/‬م) حسنيًا علويًا‪ ،‬الذي استقر في المدينة المنورة‪،‬‬
‫بالغة في زيادة تطوير مذاهب اإلمامة والزيدية‪ ،‬بشكل عام‪ .‬ومعه كان هناك تحول من‬ ‫ً‬ ‫وأصبحت له أهمية‬
‫ً‬
‫اعتزالية في الالهوت‪ )2(.‬وعلى‬ ‫ً‬
‫كامل)‬ ‫عقيدة مناهضة للمعتزلة («العقالنية») إلى موقف أكثر (ولكن ليس‬
‫مدى القرون العديدة التالية‪ ،‬كانت المواقف المختلفة المؤيدة أو المناهضة لهذا الشكل أو ذاك من المعتزلة‬
‫عالمات مهمة لالختالف داخل الزيدية‪ ،‬وضد الطوائف اإلسالمية األخرى‪ .‬وفي طبرستان‪ ،‬تطور فرعان‬
‫للزيدية‪ :‬القاسمية‪ ،‬وهم يتبعون تعاليم القاسم بن إبراهيم‪ ،‬ثم حفيده يحيى بن الحسين‪ ،‬والناصرية‪ ،‬أتباع‬
‫الناصر الحسن بن علي األطروش (المُتوفى ‪304‬هـ‪917/‬م)‪ .‬وكان إمامان (قاسميان) من قزوين؛ المؤيد‬
‫أحمد بن الحسين (المُتوفى ‪411‬هـ‪1020/‬م)‪ ،‬وشقيقه الناطق أبو طالب (المُتوفى ‪424‬هـ‪1033/‬م)‪ ،‬من ذوي‬
‫النفوذ الكبير‪ ،‬كما أصبحا مشارً ا إليهما‪ ،‬كثيرً ا‪ ،‬في الزيدية الالحقة‪ ،‬وكذلك في اليمن‪ .‬وهؤالء وغيرهم من‬

‫‪ )*(1‬وذلك على غرار اإلسماعيلية؛ في تسميتهم بـ «السبعية»‪ ،‬الختالفهم مع الشيعة اإلمامية االثني عشرية في اإلمام السابع‪ .‬وربما رجع المؤلف في تسمية الزيدية‬
‫بـ «الخمسية» إلى رأي مؤسس المذهب الزيدي في اليمن‪ ،‬اإلمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين‪ ،‬في إشارته إلى اعتبار اإلمام زين العابدين أحد أئمة الزيدية‪ ،‬ولكن‬
‫هذه المسألة خالفية‪ ،‬فبعض الزيدية يذهبون إلى عدم توفر كل الشروط األربعة عشر فيمن يصلح أن يكون إمامًا‪ ،‬وذلك في اإلمام زين العابدين‪ ،‬وبالتالي فهو إمام علم‪،‬‬
‫ال إمام جهاد‪ ،‬وبالتالي ال يُعتبر من أئمة الزيدية المتفق عليهم‪ .‬المترجم‪.‬‬
‫‪ 2‬ويلفيرد ماديلونج‪ ،‬اإلمام القاسم بن إبراهيم والمذهب الزيدي‪.‬‬
‫‪Madelung, Wilferd. Der Imam al-Qa¯sim ibn Ibra¯h¯ım und die Glaubenslehre der Zaiditen. Berlin: de Gruyter, 1965‬‬

‫‪3‬‬
‫علماء الزيدية في قزوين طوروا‪ً ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬الهوت المعتزلة(‪ .)3‬وفي المائتي عام التالية‪ ،‬كانت هناك روابط‬
‫قوية بين الطائفتين الزيدية في إيران‪ ،‬وفي اليمن‪ ،‬وتم نقل علم الالهوت إلى اليمن‪ .‬وقد فقد الزيديون في‬
‫قزوين الكثير من نفوذهم في القرن الثاني عشر الميالدي‪ ،‬وبحلول القرن السادس عشر تحول معظمهم إلى‬
‫المذهب الشيعي اإلمامي‪ ،‬تاركين مرتفعات اليمن المنطقة الوحيدة المهمة من الزيدية‪.‬‬

‫اليمن الزيدية يف فرتة ما قبل العهد العثامين (‪287‬هـ‪900/‬م – ‪957‬هـ‪1550/‬م)‪:‬‬

‫شهد القرن التاسع الميالدي أول التدفق للعلويين ومختلف أنشطة الشيعة الدعوية‪ ،‬واألنشطة السياسية إلى‬
‫جنوب الجزيرة العربية؛ بيد أن حفيد القاسم بن إبراهيم الرسي‪ ،‬يحيى بن الحسين (المُتوفى ‪298‬هـ‪911/‬م)‪،‬‬
‫كان الزيدي األول في اليمن الذي حقق نجاحً ا سياسيًا‪ ،‬واتخذ لقب اإلمام الهادي إلى الحق‪ ،‬وأقام نفسه في‬
‫صعدة‪ ،‬شمال اليمن‪ ،‬عام في ‪284‬هـ‪897/‬م‪ ،‬وسرعان ما سيطر على أجزاء كبيرة من المرتفعات‪ ،‬جنبًا إلى‬
‫جنب‪ ،‬مع قوات القبائل من خوالن قضاعة وهمدان‪ .‬وتولى ابناه؛ المرتضى والناصر‪ ،‬اإلمامة من بعده‪،‬‬
‫ولكن الناصر لم يحقق سوى نجاحً ا‪ ،‬جزئيًا‪ ،‬في السيطرة على المرتفعات شمال صنعاء‪ .‬وظل أحفاد الهادي‬
‫ذوي نفوذ في المنطقة المحيطة بصعدة‪ ،‬فحسب‪ ،‬بعد وفاة الناصر عام ‪321‬هـ‪933/‬م‪ .‬وبالنسبة لمعظم الفترة‬
‫حتى حوالي ‪ ،1300‬كانت الزيدية محصور ًة‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬في صعدة‪ ،‬وفي بعض المناطق في المرتفعات‬
‫الشمالية بين صنعاء وصعدة‪.‬‬

‫ثم أتى إلى اليمن علويون آخرون (كان يُطلق عليهم‪ ،‬آنذاك‪ ،‬األشرف)‪ ،‬وكان العديد منهم من نسل القاسم‬
‫بن إبراهيم الرسي‪ ،‬وحاولوا تأسيس إمامة زيدية‪ .‬وكانت معظم حياتهم المهنية قصيرة‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬بسبب‬
‫المعارضة ِمن ِقبل العائالت العلوية القائمة‪ ،‬والطوائف اإلسالمية األخرى‪ ،‬والنخب القبلية‪ ،‬واألسر المحلية‪.‬‬
‫وفي هذا الوضع الفوضوي السياسي اكتسبت الزيدية‪ ،‬كتقليد فكري‪ ،‬موطئ قدم‪ ،‬تدريجيًا‪ ،‬بين اليمنيين‬
‫الهجرة‬
‫األصليين في المنطقة‪ ،‬ونمت القوة السياسية النسبية للعلويين‪ .‬ولم يكن مصطلح الهجرة يعني فعل ِ‬
‫(‪)4‬‬

‫هروبًا من الحكم الظالم‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل فعل إنشاء «جيب ديني» زيدي‪ ،‬حيث كان من الممكن تنفيذ الشريعة‬
‫(‪)5‬‬
‫اإلسالمية والممارسات اإلسالمية في مراكز ومدارس صغيرة شبيهة بالقرى في سياق قبلي آخر‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬نموًا وقمعًا للحركة الزيدية الشعبية التي أُطلق عليها اسم المطرفية (الذين‬
‫وشهدت هذه الفترة‪ً ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬الزيدية)‪ ،‬والتي تتألف من عدد كبير من األفراد من الفئات ذات المكانة‬ ‫يُطلقون على أنفسهم‪ً ،‬‬

‫‪ 3‬أي علم أصول الدين‪ ،‬وهو ما يُسمى بعلم الكالم‪.‬‬


‫‪ 4‬ديفيد توماس غوشينور‪ ،‬تغلغل اإلسالم الزيدي في اليمن في العصور الوسطى المبكرة‪.‬‬
‫‪Gochenour, David Thomas. “The Penetration of Zaydi Islam into Early Medieval Yemen.” Ph.D. diss. Harvard University,‬‬
‫‪Cambridge, MA, 1984‬‬
‫‪ 5‬ويلفيرد ماديلونج‪ ،‬اإلمام القاسم بن إبراهيم والمذهب الزيدي‪.‬‬
‫‪Madelung, Wilferd. Der Imam al-Qa¯sim ibn Ibra¯h¯ım und die Glaubenslehre der Zaiditen. Berlin: de Gruyter, 1991‬‬

‫‪4‬‬
‫المنخفضة‪ .‬ولقد عارضوا العديد من المطالبين باإلمامة العلوية‪ ،‬على أساس أنهم ال يتمتعون بمؤهالت‬
‫شخصية عالية بما فيه الكفاية (الفضل)‪ ،‬على الرغم من أن معظم المطرفية قد قيّدوا اإلمامة في العلويين‬
‫تماشيًا مع التيار الزيدي السائد‪ .‬وكان لعلم الالهوت المعتزلي الزيدي الجديد المتقدم‪ ،‬المستعار‪ ،‬جزئيًا‪ ،‬من‬
‫فعال في الحمالت ضد المطرفية خالل هذه الفترة‪ .‬وقد أعلن اإلمام المنصور عبد هللا‬ ‫الزيدية في قزوين‪ً ،‬‬
‫بن حمزة (المُتوفى ‪614‬هـ‪1217/‬م) بأنهم كفار‪ ،‬وقام بتدمير ِهجرهم حوالي عام ‪612‬هـ‪1215/‬م‪ .‬وبعد‬
‫‪724‬هـــ‪1324/‬م‪ ،‬استولى الزيديون على صنعاء والمناطق المحيطة بها‪ ،‬والتي كانت في السابق تحت‬
‫سيطرة الصليحيين (اإلسماعيلية) أو األيوبيين أو الرسوليين (السُ نَّة)‪ .‬وكانت الفترة‪ ،‬من ذلك الحين وحتى‬
‫ً‬
‫ومليئة بالنشاط‬ ‫وصول العثمانيين في منتصف القرن السادس عشر الميالدي‪ ،‬فترة مزدهرة بالنسبة للزيدية‪،‬‬
‫الفكري‪ ،‬بما في ذلك الفقه‪ ،‬على الرغم من الصراع الكبير بين مختلف األسر العلوية (التي كانت تُسمى‪،‬‬
‫في هذا الوقت‪ ،‬أشراف صعدة) حول اإلمامة‪ .‬والعديد من األعمال القياسية الحالية للفقه الزيدي تنبع من هذه‬
‫الفترة‪ ،‬بما في ذلك أعمال اإلمام المؤيد يحيى بن حمزة (المُتوفى ‪744‬هـ‪1344/‬م)‪ ،‬وكتاب البحر الزخار‪،‬‬
‫وكتاب األزهار ألحمد بن يحيى بن المرتضى (‪840‬هـ‪1437/‬م)‪ ،‬والذي َو َف َر البنية للعديد من التعليقات‬
‫الفقهية الالحقة‪.‬‬

‫الزيدية يف عهد األرسة القاسمية (‪:)1850-1600‬‬

‫احتل العثمانيون معظم اليمن‪ ،‬من منتصف القرن السادس عشر إلى منتصف القرن السابع عشر‬
‫الميالدي‪ ،‬وأُجبرت النخب السياسية الزيدية‪ ،‬مر ًة أخرى‪ ،‬على العودة إلى مرتفعات القبائل في الشمال‪.‬‬
‫وثار اإلمام المنصور القاسم بن محمد «العظيم» (المُتوفى ‪1029‬هـ‪1620/‬م)‪ ،‬وتمكن من جمع عدة قبائل‬
‫معارضة للعثمانيين‪ ،‬واستطاع ابنه المؤيد محمد (المُتوفى ‪1054‬هـ‪1644/‬م) طردهم‪ ،‬أخيرً ا‪ .‬وهكذا نشأ‬
‫وضع سياسي جديد‪ ،‬تمامًا ‪ -‬استمر حتى منتصف القرن التاسع عشر ‪ -‬حيث حكم أحفاد القاسم‪ ،‬أو ما ُتسمى‬
‫الهجرات في‬
‫باألسرة القاسمية‪ ،‬معظم اليمن‪ ،‬بما في ذلك الشافعية في اليمن األسفل‪ .‬وأنشأ الزيدية العديد من ِ‬
‫الجبال الغربية والمرتفعات باتجاه الجنوب‪ ،‬بما في ذلك في يريم‪ .‬وقد احتفظت معظم هذه المناطق بوجود‬
‫زيدي قوي حتى الوقت الحاضر‪.‬‬

‫وفي البداية‪ ،‬احتكر القاسميون‪ ،‬عالميًا‪ ،‬إنتاج وتصدير البن‪ ،‬والسيطرة المباشرة على معظم الجزء‬
‫الغربي من اليمن في الوقت الحاضر‪ ،‬باستثناء المرتفعات القبلية شمال شرق صنعاء‪ .‬إال أنهم فقدوا هذا‬
‫ً‬
‫مستقلة‪،‬‬ ‫االحتكار االقتصادي المهم في آواخر القرن الثامن عشر‪ ،‬وأصبحت العديد من المقاطعات المحيطة‬
‫على نحو متزايد‪ .‬وقد قرّ ب أئمة األسرة القاسمية المتأخرة‪ ،‬الذين تحولوا إلى ساللة وراثية مخالفة بذلك تقليد‬
‫اإلمامة الزيدية‪ ،‬بعض القضاة الذين أدرجوا علم الحديث السُ ني‪ ،‬وبالتالي عارضوا الزيديين األكثر تقليدية‪،‬‬
‫وقوّضوا سلطتهم‪ .‬ومن أبرز هؤالء العلماء محمد بن علي الشوكاني (المُتوفى ‪ ،)1834‬الذي شغل منصب‬

‫‪5‬‬
‫قاضي القضاة‪ ،‬والمرجع األعلى في الشئون الدينية ل َما يقرب من أربعين عامًا؛ لثالثة أئمة متعاقبين‪ )6(.‬كما‬
‫وخاصة في صنعاء وإلى الجنوب‬‫ً‬ ‫أصبحت الحدود بين الزيدية والسُ نَّة أقل وضوحً ا وأقل تمي ًّزا على األرض‪،‬‬
‫والغرب‪.‬‬

‫العهد املتوكيل (‪ ،)1962-1911‬والزيدية الجمهورية (‪:)-1962‬‬

‫شهد منتصف القرن التاسع عشر فتر ًة من االضطرابات السياسية‪ ،‬وفي عام ‪ 1872‬احتل العثمانيون‬
‫المرتفعات‪ ،‬مجد ًدا‪ .‬ولمواجهتهم‪ ،‬تمكن اإلمام المتوكل يحيى‪ ،‬مجد ًدا‪ ،‬بمساعدة النخب القبلية في الشمال‪،‬‬
‫من السيطرة على المرتفعات‪ ،‬وتم توقيع هدنة مع العثمانيين في عام ‪1911‬؛ تم من خاللها منح اإلمام يحيى‬
‫السيطرة على المرتفعات الزيدية‪ ،‬وكما كان الحال‪ ،‬دائمًا‪ ،‬عندما كان الزيديون في المعارضة‪ ،‬كانت عقيدة‬
‫الخروج الزيدية مفيد ًة‪ .‬ولقد تم تحرير وطباعة العديد من األعمال المتعلقة بالقانون والفقه الزيدي عندما تولى‬
‫مشتتة‪ِ ،‬من َقبل‪ ،‬من خالل إعادة تجميع األوقاف‬‫ً‬ ‫اإلمام يحيى السيطرة على األنشطة التعليمية التي كانت‬
‫الدينية وإنشاء أكاديمية شرعية مركزية؛ مستوحاة من الحداثة العثمانية‪ )7(.‬واستخدم اإلمام يحيى ونجله اإلمام‬
‫ً‬
‫والحقا تعز‪،‬‬ ‫أحمد الزيدية كأداة إلضفاء الشرعية على نظامهم السياسي‪ ،‬والذي كانت عاصمته صنعاء‪،‬‬
‫واستمر حتى الثورة الجمهورية التي دعمتها مصر‪ ،‬في عام ‪.1962‬‬

‫وحتى بعد هذا التحول الحاسم في السلطة السياسية‪ ،‬تمكن المجتمع والنخب العلمية الزيدية من االحتفاظ‬
‫بالكثير من دورهم المهم في إدارة الدولة‪ ،‬وال سيما في نظام المحاكم‪ .‬وكانت نظريات الشوكاني ‪ -‬الموازنة‬
‫بين التقليدية الزيدية والسً نَّية واإلصالحية – ال تزال مفيدة للحكومة الجديدة في نضالها من أجل تعريف‬
‫«الزيدية الجمهورية»‪ .‬وقد فقد السادة (مفردها‪ :‬سيد؛ وكان يُطلق عليهم‪ً ،‬‬
‫سابقا‪ ،‬العلوية أو األشراف) الكثير‬
‫من مكانتهم وموقعهم‪ ،‬بل إن العديد من الزيديين رفضوا الشكل التقليدي لإلمامة‪ ،‬زاعمين أن الحكومة‬
‫الجمهورية الديمقراطية ال بد أن تحل محلها‪ )8(.‬وتم تقديم الزيدية على أنها شكل من أشكال اإلسالم «المعتدل»؛‬
‫حيث كان دور العقل والفكر البشري مهمًا‪ ،‬استنا ًدا إلى جذور الزيدية المعتزلة الفريدة‪ .‬ومن الناحية القانونية‪،‬‬

‫‪ 6‬برنادر هيكل‪ ،‬اإلصالح الديني في اإلٍسالم‪ :‬تراث محمد الشوكاني‪.‬‬


‫‪Haykel, Bernard. Revival and Reform in Islam: The Legacy of Muhammad al-Shawka¯n¯ı. Cambridge, U.K.: Cambridge‬‬
‫‪University Press, 2003‬‬
‫‪ 7‬برينكلي ميسيك‪ .‬دولة الخط‪ :‬السيطرة النصية والتاريخ في مجتمع مسلم‪.‬‬
‫‪Messick, Brinkley. The Calligraphic State: Textual Domination and History in a Muslim Society. Berkeley: University of Cal-‬‬
‫‪ifornia Press, 1993‬‬
‫‪ 8‬غابرييل فوم براك‪ ،‬اإلسالم والذكريات واألخالق في اليمن‪ :‬األسر الحاكمة التي تمر بمرحلة انتقالية؛‬
‫‪Vom Bruck, Gabriele. Islam, Memory, and Morality in Yemen: Ruling Families in Transition. New York: Palgrave Macmillan,‬‬
‫‪2005‬‬
‫وجيمس روبن كنج‪ ،‬إحياء الزيدية في جمهورية معادية‪ :‬الهويات المتنافسة‪ ،‬والوالءات‪ ،‬ورؤى الدولة في اليمن الجمهوري‪.‬‬
‫‪King, James Robin. “Zayd¯ı Revival in a Hostile Republic: Competing Identities, Loyalties, and Visions of State in Republican‬‬
‫‪Yemen.” Arabica 59, nos. 3–4 (2012): 404–445.‬‬

‫‪6‬‬
‫يفخر الزيديون باالعتماد‪ ،‬ليس على األئمة الزيديين السابقين‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل وعلى «أفضل» علماء السُ نّة‪ .‬إن‬
‫المبادئ القانونية مثل اتباع العرف المحلي‪ ،‬ما لم تنص النصوص الواضحة للوحي على خالف ذلك‪ ،‬وعلى‬
‫ً‬
‫مجال لقانون عملي ومرن‪ ،‬نسبيًا‪.‬‬ ‫مبدأ المصلحة (المنفعة العامة)‪ ،‬يُتيح‬

‫الحوثيون‪:‬‬

‫في تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬تراكمت التوترات بين الفصائل السلفية‪ ،‬وبين الزيدية في الشمال حول‬
‫صعدة‪ ،‬فتصاعدت إلى ما يسمى بحروب الحوثيين (التي سُ ميت على اسم األسرة المركزية للمبادرة والقيادة‬
‫األصلية)‪ ،‬حيث اشتبهت الحكومة في تصاعد إمامة زيدية جديدة في المناطق األساسية الزيدية التقليدية في‬
‫الشمال‪ )9(.‬ويُعد هذا الصراع‪ ،‬جزئيًا‪ ،‬معركة دينية مذهبية‪ ،‬وجزئيًا‪ ،‬صراعً ا سياسيًا على المناطق الشمالية‪،‬‬
‫حيث تتباين مصالح الدولة اليمنية‪ ،‬والجهات الفاعلة الدولية المختلفة‪ ،‬والنخب القبلية المحلية وعلماء الدين‪.‬‬
‫وبحلول أوائل عام ‪ ،2015‬كانت صعدة والعديد من المحافظات‪ ،‬التي تم احتسابها‪ ،‬تقليديًا‪ ،‬على أنها زيدية‬
‫تحت سيطرة «الحوثيين»‪ ،‬ولكن ال يُعرف الكثير عن الدور الدقيق للزيدية في أفكار الحوثيين حول الحكومة‪.‬‬
‫وما هو واضح هو أن الزيدية تظل ذخيرة إيديولوجية‪ ،‬والهوتية‪ ،‬وقانونية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وفكرية واسعة‬
‫للزيديين للتفكير بها‪ ،‬مع وجود مجال للعديد من التعديالت الممكنة‪.‬‬

‫وانظر ً‬
‫أيضا‪ :‬بول ريش‪ ،‬القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن؛ وسيرجنت‪ ،‬العالقة المتبادلة بين العالقات‬
‫القبلية والسلطة الدينية الزيدية في اليمن‪.‬‬

‫‪Dresch, Paul. Tribes, Government, and History in Yemen. Oxford: Clarendon‬‬


‫‪Press, 1989; Serjeant, R. B. “The Interplay between Tribal Affinities and Religious‬‬
‫‪(Zaydi) Authority in the Yemen.” Al-Abhath 30 (1982): 11–50.‬‬

‫‪ 9‬كنج‪ ،‬إحياء الزيدية‪.‬‬


‫”‪King. “Zayd¯ı Revival in a Hostile Republic‬‬

‫‪7‬‬

You might also like