الوساطة الجزائية في التشريع الجزائري

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 15

ISSN :1112-4377 ‫مجلة المعيار‬

5252:‫السنة‬ 25 :‫عدد‬ 52 :‫مجلد‬

‫الوساطة الجزائية في التشريع الجزائري‬


Criminal mediation in the Algerian legislation
1
‫كمال بالرو‬
10 ‫جامعة قسنطية‬
bellaroukamel@gmail.com

0500/50/00 ‫ النشر على الخط‬0505/52/00 ‫ القبول‬0502/50/50 ‫تاريخ الوصول‬


Received 50/50/2019 Accepted 20/50/0505 Published online 15/01/2021
:‫ملخص‬
‫هتدف هذه الدراسة إىل التعريف بنظام الوساطة يف املواد اجلزائية الذي يعترب من الطرق املبسرتة ملمارسة حق الدولة يف متابعة‬
‫ والذي ظهر حديثا يف النظامني اإلجرائيني األجنلوسكسوين والالتيين ملواجهة أزمة العدالة اجلنائية واحلد من األسال ـ ــيب‬، ‫اجلناة‬
‫التقليدية ملمارسة الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة للتخلص من املساوئ املرتتبة عن سلب احلرية قصرية املدة الناتج عن‬
‫ وهي وسيلة ختفض عن الدولة النفقات املوجهة للمتابعة اجلزائية التقليدية اليت تؤثر على ميزانية‬.‫التضخم التشريعي يف اجملال اجلنائي‬
‫الدولة صاحبة احلق يف العقاب واجملتمع الذي يفقد عنصر منتج واحملكوم عليه الذي قد يفقد مورد رزقه مما جيعل منه ناقم عن‬
‫ ألن‬،‫ فبدال من خروجه من املؤسسة العقابية فردا صاحلا قد يصبح يرتدى يف هاوية اإلجرام‬،‫اجملتمع وبالتايل يزداد عدوانية جتاهه‬
‫ ومن أجل ذلك تب ـ ـ ىـّن‬، ‫الوساطة اجلزائية حتد من هذه املساوئ فترتك اجلاين يف جمتمعه دون الزج به يف املؤسسات واملراكز العقابية‬
50-51 ‫ و إصداره لل ـقـ ــانون‬20-51 ‫املشرع اجلزائري هذا النظام من خالل تعديله لقانون اإلجراءات اجلزائية باألمر رقم‬
.‫املتعلق حبماية الطفل‬
‫ الوساطة ؛ الدعوى اجلزائية ؛ بديل ؛ احلبس قصري املدة ؛ تكدس السجون‬:‫المفتاحية‬ ‫الكلمات‬
Abstract:
This study deals with the definition of Mediation in Penal Matters which considered as one of
the methods used in order to practice the right of the state to follow the perpetrators. This system has
recently appeared in the Anglo- Saxon and Latin procedures systems to confront the crisis of criminal
justice , and to limit the traditional methods of practicing public action by the Public Prosecution in
order to dispose the disadvantages of short-term deprivation of liberty resulting from the legislative
inflation in the criminal field. It is a way that reduce the expenditures of the state for the traditional
penal follow-up that affect the budget of the government which has the right of punishement. These
expenditures affect also the society that loses the producer element, and then affect the convicted
who may lose his livelihood source. Thereby, making him disgrunted on the society and thus
becomes more aggressive towards it. So, instead of leaving the punishement institution as a goog
person, the criminal may descend in the abyss of criminality. Thus,the penal mediation limits these
disadvantages and leaves the offender in his community without putting him institutions ana penal
centers. For that, the Algerian legislator adopted this system by the amendement of the Code of
Procedure by order NO. 15-20, and the issuance of Law 12-15 on Child Protection.

Key word: Mediation; Penal Prosecution; Alternative; Short-term imprisonment.

bellaroukamel@gmail.com : ‫ كمال بالرو االمييل‬:‫ املؤلف املرسل‬1


600
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬

‫مقدمة‬
‫عرفت غالبية التشريعات العقوبة كوسيلة فعالة للحد من ظاهرة اجلرمية‪ ،‬وقد اختلفت أشكال تنفيذها وتدرجت يف‬
‫القسوة من حني إىل آخر‪ ،‬وكانت السياسة اجلزائية اليت تتبعها الدول وتضع هلا اخلطط الالزمة لتطبيقها تتسم دائما بعدم‬
‫حتقيق الغاية املرجوة من العقوبة حيث غلبت محاية املصاحل العامة للنظام االجتماعي على حساب مصلحة اجلناة ‪.‬‬
‫وبدأت تظهر يف األفق منذ مدة صعوبات ومشاكل للعدالة اجلزائية أدت إىل عجز هذه االخرية يف مواجهة‬
‫الظاهرة اإلجرامية اليت ما فتئت تتطور شيئا فشيئا بتطور التقدم التكنولوجي وغزوه جلميع مناحي احلياة‪ ،‬وظهور أمناط‬
‫إجرامية حديثة‪ ،‬بعضها عابر للدول والقارات‪ ،‬وعدم متاشيها واإلجراءات التشريعية هلذا التقدم اهلائل‪ ،‬فضال عن أزمة‬
‫النظام العقايب الناجم عن سلبيات عقوبة احلبس القصرية املدة‪ ،‬وعجز املؤسسات العقابية عن أداء دورها املنوط هبا‬
‫الكتظاظها بأعداد كبرية من احملكوم عليهم مما حال دون تنفيذ الربامج العقابية على النحو الذي يضمن إصالح وتأهيل‬
‫احملكوم عليهم اجتماعيا ‪ ،‬مما دفع باملهتمني بالسياسة اجلنائية إىل التفكري وجبدية يف إجياد بدائل للدعوى اجلزائية ختتلف‬
‫عن األساليب التقليدية من متابعة وإجراءات حتقيق وحماكمة‪ ،‬وظهرت بالتايل إجراءات مستحدثة ختالف الطابع الزجري‬
‫االنتقامي الذي كان ساد يف الفكر العقايب التقليدي القائم على أساس ردع اجلناة وعدم املباالة مبسألة تأهيلهم و‬
‫إصالحهم‪.‬‬
‫وتعترب الوساطة اجلزائية أحد هذه البدائل اليت اهتدت إليها التشريعات اجلنائية يف عصرنا الراهن كوهنا إجراء‬
‫مستحدث حيول دون حتريك الدعوى اجلزائية ضد اجلاين مقابل متكني اجملين عليه من تعويض عادل ويكون من شأن‬
‫اللجوء للوساطة وضع حد لإلخالل الناتج عن اجلرمية وهو إجراء حيقق العدالة اجلزائية والشعور هبا لدى االفراد ‪ ،‬ويوفر عن‬
‫اخلزينة العامة للدولة التكاليف الباهظة اليت ترصدها الستيعاب احملكوم عليهم داخل السجون ‪،‬وكذا يوفر على األطراف‬
‫اجلهد والوقت واملال وما قد ينجر عن ذلك من مساوئ تطال احملكوم عليهم‪.‬‬
‫غري أن املشرع اجلزائري مل يبقى مبعزل عن هذه األفكار اإلصالحية الداعية إىل تكريس بدائل حتد من املساوئ اليت‬
‫ترتبها تطبيق العقوبة السالبة للحرية‪ ،‬فقد تبّن نظام الوساطة اجلزائية وكرسه يف قانون اإلجراءات اجلزائية والقانون اخلاص‬
‫حبماية الطفل‪ ، 1‬حبيث اعتربه من أنظمة اإلهناء املبسرت للدعوى اجلزائية‪ ،‬كونه يهدف أساسا إىل جتنيب املشتبه فيه ملخاطر‬
‫احملاكمة اجلنائية وما يرتتب عليها من سلبيات على نفسيته ‪ ،‬ومنه أتاح ألطراف الدعوى العمومية النيابة عامة واملتهم يف‬
‫جرائم حمددة قانونا تسويتها عن طريق نظام الوساطة اجلنائية اليت ميكن اللجوء إليها تلقائيا من طرف وكيل اجلمهورية ‪ ،‬أو‬
‫بناء على طلب الضحية أو املشتكي منه‪ ،‬ويرتتب على تطبيقها وضع حد هنائي لإلخالل املرتتب عن اجلرمية من جهة‬
‫وإصالح األوضاع املرتتبة عنها و ضمان جرب األضرار اليت تصيب الضحية من جهة ثانية‪ ،‬والتخفيض من حجم القضايا‬
‫املعروضة على احملاكم ‪.‬‬

‫‪ -1‬أنظر‪ :‬األمر رقم ‪ 20-51‬املؤرخ يف ‪ 02‬جويلية ‪ 0251‬املعدل لألمر ‪ 516-66‬املتضمن قانون اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬اجلريدة الرمسية عدد ‪،02‬‬
‫الصادرة يف ‪ 02‬جويلية ‪. 0251‬‬
‫‪601‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫وانطالقا مما سبق ميكن طرح اإلشكالية التالية‪ :‬إىل أي مدى ميكن أن للوساطة اجلنائية آلية حتقق العدالة البديلة مع‬
‫ضمان حقوق أطراف اخلصومة ؟‪.‬‬
‫لإلجابة عن هذه اإلشكالية جيب أوال ضبط مفهوم الوساطة اجلنائية ونطاقها القانوين يف التشريع اجلزائري مث التطرق‬
‫إىل أثارها القانونية‪.‬‬

‫المبحث األول ماهية الوساطة الجزائية‬


‫تعترب الوساطة اجلنائية وسيلة فعالة حلل اخلصومات اجلنائية عن طريق تكريس فكرة التفاوض بني أطراف النزاع‪ ،‬فهي‬
‫منط جديد يف املنظومة اإلجرائية اجلزائية برزت للوجود بعد فشل السياسة اجلنائية يف احلد من مساوئ اللجوء إىل تفعيل‬
‫الدعوى العمومية الرامية إىل تطبيق العقاب‪ ،‬ودراستنا هلذه اآللية يقتضي منا إعطاء مفهوم هلا ( املطلب األول )‪ ،‬مث تبيان‬
‫طبيعتها القانونية ( املطلب الثاين )‪.‬‬

‫المطلب األول مفهوم الوساطة الجزائية‬


‫يتبادر إىل الذهن أن الوساطة اجلزائية مفهوم قانوين أقرته التشريعات احلديثة مؤخرا لكن واقع احلال يثبت أن هذا‬
‫املفهوم أقدم من ذلك‪ ،‬وهو ما سنتطرق إليه يف الفرع األول حول نشأة الوساطة اجلزائية‪ ،‬كما نقف يف الفرع الثاين على‬
‫تعريفها‪.‬‬

‫الفرع األول نشأة الوساطة الجزائية‬


‫تعترب الوساطة اجلزائية إحدى بدائل العقوبات اجلزائية اليت متخضت عن أزمة العدالة اجلزائية يف العامل‪ ،‬وهي وسيلة‬
‫إىل وقف الدعوى العمومية‪ ،‬بل وعدم حتريكها أصال لنشوء صلح بني اجلاين واجملين عليه‪ ،‬ويرجع البعض نشأهتا تارخييا إىل‬
‫النظام األجنلوسكسوين‪ ،‬حيث عرفت يف كندا والواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬مث انتشرت يف أوربا‪ ،‬ويرجع ظهور أوىل جتارب‬
‫الوساطة اجلزائية يف كندا إىل واقعة قيام شابني بإتالف وحتطيم سيارات حتت تأثري حالة السكر‪ ،‬وعند عرض القضية أمام‬
‫القضاء استأذن دفاعهما القاضي يف منحهما فرصة إلصالح الوضع‪ ،‬سيما وأهنما غري مسبوقني‪ ،‬وقد أذن هلما القاضي‬
‫مبقابلة اجملين عليهم‪ ،‬واستطاعا أن يتوصال مع اجملين عليهم التفاق يقضي بإصالح ما أتلفاه للضحايا مبا قيمته ألفي دوالر‬
‫كندي‪ ،‬ومت إقرار هذا االتفاق أمام موظف إثبات البالغات عن اجلرائم‪ ،‬وقد أقر القاضي هذا االتفاق وبناء عليه قضى‬
‫بإيقاف اإلجراءات القضائية ضد الشابني املذكورين‪ ،‬وتصاعدت املطالبة باحملافظة على حقوق الضحية يف ‪ 1970‬عن‬
‫طريق مجعيات أنشئت هلذا الغرض‪ ،‬أما يف الواليات املتحدة األمريكية فقد قامت مجعية الوساطة بني اجلناة واجملين عليهم‬
‫بقيادة فكرة الوساطة اجلزائية‪.1‬‬

‫‪-1‬عادل علي املانع‪ ،‬الوساطة يف حل املنازعات اجلنائية‪ ،‬جملة احلقوق‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،0226 ، 04‬ص‪.04‬‬
‫‪602‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫مث انتشرت يف أوربا‪ ،‬و كانت فرنسا سباقة لذلك حيث كانت الوساطة تتم مببادرة شخصية من طرف قضاة النيابة‬
‫العامة وقضاة التحقيق‪ ،‬مث بدأت هيكلة هذا النظام تتبلور تدرجييا من خالل إنشاء مجعيات مساعدة الضحايا والرقابة‬
‫القضائية يف عدة م ــدن فرنسية عـلى غرونوبل‪ ،‬سرتاسبورغ‪ ،‬بيزونسو‪ ،‬وبوردو ‪ ،‬ومت تكريسه بصفة هنائية من خالل القانون‬
‫الفرنسي اجلديد الصادر يف ‪ 22‬جانفي ‪ 5112‬مبوجب املادة ‪ 05‬فقرة ‪ 21‬قانون اإلجراءات اجلنائية ‪ ،‬أين اعتمد هذا‬
‫اإلجراء كبديل حلل املنازعات اجلزائية يتم تنفيذه بعيدا عن الدولة ولكن حتت رقابتها بدءا من املبادرة به أو قبول الطلب‬
‫إلجرائه وانتهاء بتنفيذه‪.1‬‬

‫الفرع الثاني تعريف الوساطة الجزائية‬


‫عند احلديث عن تعريف الوساطة اجلزائية وتعريفها ال بد لنا التطرق إىل التعريف اللغوي مث التطرق إىل التعريف‬
‫القانوين‪.‬‬
‫وتعين الوساطة يف اللغة – اسم للفعل وسط – ووسط الشيء صار يف وسطه‪ ،‬فهو واسط‪ ،‬ووسط القوم وفيهم‬
‫وساطة‪ ،‬توسط بينهم باحلق والعدل‪ ،‬فالوساطة هي التوسط بني أمرين أو شخصني لفض نزاع قائم بينهما بالتفاوض‪،‬‬
‫والوسيط هو املتوسط بني املتخاصمني‪ ،‬مبعّن أخر الوساطة هي التوسط بني الناس‪.‬‬
‫أما تعريف اجلنائية يف اللغة‪ ،‬فهي مأخوذة من اجلناية‪ ،‬واجلناية يف اللغة مصدر مشتق من الفعل الثالثي جّن‪ ،‬يقال‬
‫جّن الذئب عليه‪ ،‬جينيه جناية أي جره إليه‪ ،‬وهو جان‪ ،‬واجلمع جناة ‪.2‬‬
‫وبالرجوع إىل قانون االجراءات اجلزائري جند أن املشرع مل يتطرق إىل تعريف الوساطة تاركا هذا الشأن للفقه ‪،‬‬
‫خالف القانون رقم ‪ 50-51‬املتضمن قانون محاية الطفل‪ 3‬الذي عرف الوساطة بأهنا " آلية قانونية هتدف إىل إبرام اتفاق‬
‫بني الطفل اجلانح‪ ،‬أو ممثله الشرعي من جهة او بني الضحية أو ذوي حقوقها من جهة أخرى‪ ،‬وهتدف إىل إهناء املتابعات‬
‫وجرب الضرر الذي تعرضت له الضحية‪ ،‬ووضع حد لآلثار اجلرمية‪ ،‬واملسامهة يف إعادة إدماج الطفل‪ ،‬فالوساطة يف نطاق‬
‫اجلرائم املتصلة بطائفة األحداث هتدف أساسا إىل إصالح القاصر وهتذيبه‪ ،‬وتعويض اجملين عليه‪ ،‬وهي غالبا تكون ذات‬
‫طابع تربوي تعليمي"‪.‬‬
‫وبالرجوع إىل الفقه فقد وردت العديد من التعاريف خبصوص الوساطة‪ ،‬فقد عرفت بأهنا‪ " :‬إجراء يتم قبل تصرف‬
‫النيابة العامة يف الدعوى اجلزائية واحلكم فيها وبناء على اتفاق األطراف‪ ،‬مبوجبه حياول شخص ثالث حمايد‪ ،‬البحث عن‬

‫‪1‬‬
‫‪-J. Bonafe – P. Schmitt : la médiation pénale en France et Aut états unis, L.G.D.J, paris, 1995,‬‬
‫‪p13 et s.‬‬
‫‪ -2‬اشرف رمضان عبد احلميد‪ ،‬الوساطة اجلنائية ودورها يف إهناء الدعوى العمومية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،0220 ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ -3‬أنظر‪ :‬املادة ‪ 20‬من القانون رقم ‪ 50-51‬املؤرخ يف ‪ 51‬جويلية ‪ 0251‬املتضمن قانون الطفل‪ ،‬اجلريدة الرمسية عدد ‪ 21‬الصادرة ‪ 51‬جويلية‬
‫‪.0251‬‬
‫‪603‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫حل للنزاع الذي يواجهونه اخلصوم بشان جرمية معينة "‪ ، 1‬أو هي " ذلك اإلجراء الذي مبوجبه حياول شخص من الغري‬
‫بناء على اتفاق األطراف وضع حد وهناية حلالة االضطراب اليت أحدثتها اجلرمية عن طريق حصول اجملّن عليه على تعويض‬
‫كاف عن الضرر الذي امل به من جراء اجلرمية فضال على إعادة تأهيل اجلاين بعيدا عن جو البيئة العقابية املغلقة " ‪.2‬‬
‫كما يعرفها البعض األخر بأهنا‪ " :‬إجراء يتوصل مبقتضاه شخص حمايد للتقريب بني طريف اخلصومة اجلزائية‪ ،‬أمال يف‬
‫إهناء النزاع الواقع بينهما "‪.3‬‬
‫وتعرف أيضا الوساطة اجلزائية هي وسيلة حلل النزعات‪ ،‬واليت تؤسس على فكرة التفاوض بني اجلاين واجملين عليه‬
‫على اآلثار املرتتبة بعد وقوع اجلرمية‪ ،‬واليت تقوم على تعويض اجملين عليه وتأهيل اجلناة وهي من أهم بدائل املالحقة‬
‫القضائية‪ ،‬اليت تعّن هبا السياسة اجلزائية للحد من ظاهرة التجرمي والعقاب‪.4‬‬
‫ويتضح من خالل التعاريف السابقة أن جوهر الوساطة اجلنائية وهو رضا األطراف املتنازعة فضال على ضرورة‬
‫تدخل شخص ثالث حمايد‪ ،‬وذلك قبل تصرف النيابة العامة يف الدعوى اجلزائية او احلكم فيها من قبل جهة احلكم ‪.‬‬
‫إذا فالوساطة هبذا املعّن تقرتب من املصاحلة يف املواد اجلزائية واليت تعد سببا من أسباب انقضاء الدعوى العمومية‬
‫وذلك وفقا لنص املادة ‪ 26‬من قانون اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬فاملصاحلة هي وسيلة النقضاء الدعوى العمومية‪ ،‬وهي اتفاق بني‬
‫مرتكب الفعل اإلجرامي والضحية‪ ،‬فغالبا ما يكون الضحية شخص معنوي واهلدف منها هو تعهد اجلاين بدفع تعويض‬
‫للضحية‪ ،‬ويشرتط إجازهتا قانونا‪ ،‬ويرتتب عنها بالتبعية انقضاء الدعوى املدنية‪.‬‬

‫المطلب الثاني الطبيعة القانونية للوساطة‬


‫ختتلف الرؤى والتصورات الفقهية حول حتديد الطبيعة القانونية للوساطة حبسب اختالف األسس القانونية املستند‬
‫إليها‪ ،‬وانقسمت هذه اآلراء بني اعتبار الوساطة اجلزائية صلحا ( الفرع األول )‪ ،‬ومنهم من اعتربها بديال للدعوى اجلزائية‬
‫(الفرع الثاين)‪.‬‬

‫الفرع األول الوساطة صورة من صور الصلح‬


‫تتفق الوساطة والصلح يف قيامهما على أهم عنصر فيها وهو توافق إرادتني لكن السؤال الذي يطرح يف هذا اجملال‬
‫هل الصلح املقصود هو الصلح املدين أو الصلح اجلزائي‪.‬‬

‫‪ -1‬مدحت عبد احلليم رمضان‪ ،‬اإلجراءات املوجزة إلهناء الدعوى اجلزائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،5111 ،‬ص‪.01‬‬
‫‪ -2‬ياسر بن حممد سعيد‪ ،‬الوساطة اجلنائية يف النظم املعاصرة‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،0255 ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ -3‬هشام مفضى اجملايل‪ ،‬الوساطة اجلنائية وسيلة غري تقليدية يف حل النزعات اجلزائية ( دراسة مقارنة )‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة عني‬
‫الشمس‪ ،0222 ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ -4‬رامي متويل عبد الوهاب ابراهيم القاضي‪ ،‬الوساطة كبديل عن العقوبة اجلنائية ( دراسة مقارنة )‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،0252‬ص‪.25‬‬
‫‪604‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫حيث يعترب البعض أن الوساطة صورة من صور الصلح اجلزائي وذلك تأسيسا على أن املشرع يشرتط يف الوساطة‬
‫اتفاق مجيع األطراف وهي بالتايل مبثابة جملس صلح‪ ،‬والوساطة والصلح كالمها طرفان غري تقليديني يف إهناء اخلصومات‬
‫اجلزائية‪ ،‬غري أن هذا الرأي انتقد من حيث األثر املرتتب على كليهما إذ يرتتب عن الصلح اجلنائي انقضاء الدعوى‬
‫اجلزائية‪ ، 1‬يف حني ال متنع الوساطة النيابة العامة من مباشرة الدعوى اجلزائية يف بعض األنظمة القانونية لفرنسا‪.‬‬
‫أما اجلانب اآلخر من الفقه يعترب أن الوساطة صورة من صور الصلح املدين من حيث إشراكها يف أمر تسوية‬
‫التبعات املالية الناشئة عن اجلرمية‪ ،‬إال أن ذلك ال حيول دون حتريك الدعوى اجلنائية والسري فيها‪ ،‬كما أهنم خيلصون يف‬
‫تكييف الوساطة على هذا النحو بأهنا عقد بني الطرفني‪ ،‬لكن هذا الرأي انتقد من حيث أن الصلح املدين قد يتم بتدخل‬
‫طرف ثالث اختياريا‪ ،‬يف حني أن الوساطة اجلزائية جيب أن تتم حبضور الغري) الوسيط (اإلجباري‪ ، 2‬كما قيل يف نقده أن‬
‫الوساطة أداة خاصة للسياسة اجلنائية فهي ال تشبه الصلح املدين‪.‬‬

‫الفرع الثاني الوساطة الجنائية بديل عن الدعوى الجزائية‬


‫يستند أنصار هذا االجتاه إىل أن الوساطة اجلزائية بديل من بدائل الدعوى اجلزائية‪ ،‬ذلك أهنا ختتلف عن الصلح‬
‫اجلزائي‪ ،‬إذ حيدد املشرع طائفة اجلرائم اليت ميكن أن تكون حمال للصلح وهو ما مل يشرتطه املشرع الفرنسي‪ ،‬عند إقراره هلذا‬
‫اإلجراء املستحدث‪ ،‬كما أنه ال يرتتب عن الوساطة انقضاء الدعوى العمومية بل يظل للنيابة العامة مطلق التصرف يف‬
‫الدعوى اجلنائية‪.3‬‬
‫لكننا يف ظل قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري‪ ،‬نؤكد على أن هذه احلجج اليت دحض هبا القائلون ببديلة الوساطة‬
‫ليست كلها قائمة يف التشريع اجلزائري وحسب املادة ‪ 37‬مكرر ‪ 2‬من قانون اإلجراءات اجلزائية فإن طائفة اجلرائم اليت‬
‫ميكن أن تكون حمال للوساطة مذكورة على سبيل احلصر‪.‬‬
‫وخالصة ملا تقدم ميكن القول أن الوساطة اجلنائية إجراء يدخل يف منظومة احللول الرضائية للمنازعات‪ ،‬يف قانون‬
‫اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬نظرا ملا يتمتع به من نظام قانوين جنائي مييزه عن اإلجراءات اجلزائية التوفيقية أو اإلجراءات املدنية‪.‬‬

‫المبحث الثاني إجراءات الوساطة الجزائية‬


‫تتطلب الوساطة اجلزائية القيام بعدة أعمال من طرف أطرافها ويف عدة مراحل للوصول هبا إىل منتهاها واحلكم مبدى‬
‫فاعليتها أو غري ذلك وهو ما نتعرض إليه من خالل تبيان نطاق الوساطة اجلزائية من حيث األشخاص واملوضوع ( املطلب‬
‫األول )‪ ،‬ومراحل اليت يتطلبها إجراء الوساطة القيام هبا يف ( مطلب أول )‪.‬‬

‫‪ -1‬عادل علي املانع‪ ،‬املرحع السابق‪ ،‬ص‪.01‬‬


‫‪ -2‬هشام مفضى اجملايل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪12‬‬
‫‪ -3‬اشرف رمضان عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪605‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫المطلب األول نطاق الوساطة الجزائية‬
‫بعد ضبط مفهوم الوساطة اجلنائية أصبح من الضروري حتديد نطاقها من حيث األطراف ( الفرع األول )‪ ،‬واملوضوع‬
‫( الفرع الثاين )‪ ،‬وذلك كي يتسّن لنا الوصول إىل املراحل القانونية احملددة إلجرائها‪.‬‬

‫الفرع األول نطاق الوساطة من حيث األطراف‬


‫بالرجوع لنص املادة ‪ 24‬مكرر من ق انون اإلجراءات اجلزائية جند انه جيوز لوكيل اجلمهورية قبل البدا يف املتابعة‬
‫اجلزائية أن يقرر مببادرته أو بناء على مبادرة الضحية أو املشتكي منه‪ ،‬إجراء وساطة عندما يكون من شاهنا وضع حد‬
‫لإلخالل الناتج عن اجلرمية أو جرب الضرر املرتتب عنها‪ ،‬وهذه أحكام خاصة بالبالغني‪ ،‬لكن عندما ترتبط املسالة باجلنح‬
‫اليت يقرتفوهنا األحداث‪ ،‬فان الوساطة تتم بناء على طلب من الطفل أو ممثله الشرعي أو حماميه أو تلقائيا من قبل وكيل‬
‫اجلمهورية‪ ،‬وإذا قرر وكيل اجلمهورية اللجوء إىل الوساطة يستدعي الطفل وممثله الشرعي والضحية أو ذوي حقوقها‪،‬‬
‫ويست طلع رأي كل منهم‪ ،‬وإذا كانت الوساطة من قبل ضابط الشرطة القضائية فانه يتعني عليه أن يرفع حمضر الوساطة إىل‬
‫وكيل اجلمهورية العتماده وبالتأشري عليه‪.‬‬

‫أوال‪ -‬الوساطة بمبادرة وكيل الجمهورية‪:‬‬


‫إن سلطة الدولة يف توقيع العقاب وظيفة منوطة بوكيل اجلمهورية الذي ميارسها يف إطار الصالحيات املخولة له‬
‫قانونا‪ ،‬لكن هناك جمموعة من اجلرائم ورغم مساسه بأمن وسالمة اجملتمع‪ ،‬ينبغي أن تغلب فيها مصلحة األفراد على‬
‫حساب مصلحة اجملتمع وذلك مراعاة العتبارات خاصة‪ ،‬تتعلق أساس حبماية التماسك األسري‪ ،‬ومحاية اقتصاد البالد‪،‬‬
‫وغريها من االعتبارات‪ ،‬قيد سلطة النيابة العامة من حتريك الدعوى العمومية بشرط تقدمي شكوى مسبقة من طرف املعين‬
‫أو املضرور‪ ،1‬ويف بعض األحوال فإن الشكوى تعد قيد على املتابعة اجلزائية وفقا للتشريع اجلزائري واملقارن‪.2‬‬
‫باإلضافة إىل هذا الشرط فان وكيل اجلمهورية مبناسبة تأدية مهامه القضائية فإنه يتمتع بسلطة املالئمة يف إجراء‬
‫الوساطة والذي نستشفه يف كلمة جيوز‪ ،‬ومنه فان وكيل اجلمهورية له مطلق احلرية يف مالئمة اللجوء للوساطة‪ ،‬فال جيوز‬
‫لألطراف إجبار وكيل اجلمهورية على قبول الوساطة‪ ،‬كما انه ال جيوز طرح النزاع للوساطة دون موافقة وكيل اجلمهورية‪.‬‬
‫كما أتاح قانون رقم ‪ 20-51‬املتعلق حبماية الطفل لوكيل اجلمهورية املختص القيام بإجراءات الوساطة وفقا‬
‫ألحكام املادة ‪ 552‬مكنه‪ ،‬وذلك يف مجيع جنح األحداث باستثناء اجلرائم اليت تكيف على أساس أهنا جنايات‪ ،‬وميكن‬
‫إجراء الوساطة‪ ،‬كما انه ميكن إجراء الوساطة يف كل وقت من تاريخ ارتكاب اجلرمية وقبل حتريك الدعوى العمومية وذلك‬
‫طبقا لنص املادة ‪ 555‬من القانون املتعلق حبماية الطفل‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد العزيز سعد‪ ،‬شروط ممارسة الدعوى املدنية أمام احملاكم اجلزائية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،5110 ،‬ص‪.01‬‬
‫‪-2‬عبد الرمحان خلفي‪ ،‬احلق يف الشكوى كقيد على املتابعة اجلزائية ( دراسة تاصيلية وحتليلية مقارنة )‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬بريوت‪،0250 ،‬‬
‫ص‪.52‬‬
‫‪606‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫ثانيا‪ -‬الوساطة بناء على طلب الضحية‪:‬‬
‫مكن املشرع اجلزائري مبوجب التعديل األخري لقانون اإلجراءات اجلزائية ضحية جرمية من طلب إجراء الوساطة أمام‬
‫وكيل اجلم هورية‪ ،‬والضحية هو كل شخص مضرور من اجلرمية سواء أصيب بضرر مباشر أو غري مباشر‪ ،‬فاألصل يف طلب‬
‫الضحية حىت بعد حتريك الدعوى العمومية انه يتلخص يف تقدمي طلب بتعويض املادي عن الضرر الذي امل به كنتيجة عن‬
‫السلوك اإلجرامي الذي اقرتفه اجلاين أمام جهة احلكم‪ ،‬فالضابط األول اخلاص بتعويض اجملين عليه ميثل وسيلة بديلة‬
‫للدعوى اجملين عليه املدنية حبيث ميكن الوصول لتعويض عادل بصورة ودية‪.1‬‬
‫فالضحية جيوز له تقدمي طلب أمام وكيل اجلمهورية من اجل إجراء الوساطة عندما يكون السلوك اإلجرامي الذي‬
‫تعرض له من بني السلوكات اإلجرامية اليت مشلها إجراء الوساطة‪ ،‬وإذا كان السلوك اإلجرامي خارج عن نطاق الوساطة من‬
‫حيث احملل فان طلب الضحية سيقابل برفض من قبل وكيل اجلمهورية لكونه طلب غري قانوين‪.2‬‬

‫ثالثا‪ -‬الوساطة بطلب من المشتكي منه ‪:‬‬


‫املشتكي منه هو كل شخص توجه له الضحية توجه له الضحية شكوى تستند فيها إىل فعال إجراميا وقد خيتلط هذا‬
‫املفهوم مع املشتبه فيه الذي مل تثبت ضده أدلة الكافية الرتكابه اجلرمية‪ ،‬فاملشتكي منه هبذا الوصف جيوز له أن يتقد‬
‫بطلب املصلحة أمام وكيل اجلمهورية‪ ،‬ويف حني موافقة وكيل اجلمهورية والضحية تتم املصاحلة مبوجب اتفاق مكتوب بني‬
‫املشتكي واملشتكي منه‪.3‬‬
‫ومن حيث الزمان الذي تتم فيه املصاحلة فان القانون مل حيدد لنا امليقات الذي تنعقد فيه املصاحلة خاصة مع‬
‫أشكال التقادم‪ ،‬غري انه بالرجوع إىل أحكام قانون اإلجراءات اجلزائية يفهم بأن الوساطة تتم مباشرة قبل انقضاء الدعوى‬
‫العمومية‪ ،‬ويشرع فيها مبجرد د خول امللف اجلزائي سلطة وكيل اجلمهورية وتسجيل الشكوى لديه‪ ،‬فيبادر هذا األخري فورا‬
‫إىل اختاذ إجراءات الوساطة فور وصول احملضر أو الشكوى إىل مكتبه‪.4‬‬
‫أما عندما يتلقى وكيل اجلمهورية طلب الوساطة من قبل الضحية أو املشتكى منه‪ ،‬فانه ينبغي عليه اختاذ التدابري‬
‫الالزمة يف شان الوساطة فور استالمه للطلب‪ ،‬ومن هذا الوقت وجب عليه الرد على الطلب سواء بالقبول أو الرفض‪.‬‬

‫‪ -1‬مدحت عبد احلليم رمضان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.01‬‬


‫‪ -2‬حممد سيف النصر عبد املنعم‪ ،‬بدائل العقوبة السالبة للحرية يف التشريعات اجلنائية احلديثة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1999 ،‬ص ‪.225‬‬
‫‪ -3‬حممود طه جالل‪ ،‬أصول التجرمي والعقاب يف السياسة اجلنائية املعاصرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،0221 ،‬ص‪.024‬‬
‫‪ -4‬خلفي عبد الرمحان‪ ،‬اإلجراءات اجلزائية يف التشريع اجلزائري واملقارن‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار بلقيس‪ ،‬اجلزائر‪ ،0256 ،‬ص‪.540‬‬
‫‪607‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫الفرع الثاني نطاق الوساطة الجنائية من حيث الموضوع‬
‫حصر املشرع اجلزائري نطاق الوساطة من حيث املوضوع على بعض اجلنح املعاقب عليها باحلبس والغرامة‪ ،‬وذلك خالفا‬
‫للمشرع الفرنسي الذي مييز بني الوساطة والتسوية اجلنائية‪ ،‬فالتسوية اجلنائية أجازها املشرع الفرنسي يف بعض اجلنح اليت‬
‫يعاقب عليها القانون بأقل أو يساوي ‪ 1‬سنوات ويف املخالفات املرتبطة هبا‪.‬‬

‫أوال‪ -‬الجرائم التي تمس بالشخص واعتباره‪:‬‬


‫حددها املشرع اجلزائري يف نص املادة ‪ 24‬مكرر ‪ 20‬من قانون اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬وفقا إلحكام املادتان (‪014‬‬
‫و‪) 011‬من قانون العقوبات جرمية السب ‪ ،‬وكذا جنحة القذف وفقا لنص املادتان (‪ 016‬و‪ 012‬مكرر) من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وجنحة االعتداء على احلياة اخلاصة وفقا لنص املادة ‪ 222‬مكرر و‪ 222‬مكرر‪ ،)5‬كما أجاز الوساطة يف‬
‫جرمية التهديد املنصوص عليها يف املواد ‪ 521‬و ‪ 526‬و ‪ 020 524‬من قانون العقوبات‪ ،‬الوشاية الكاذبة املادة ‪222‬‬
‫قانون العقوبات‪ ،‬جرمية ترك األسرة املادة ‪ 222‬قانون العقوبات ‪ ،‬وكذا جرمية عدم تسديد النفقة املادة ‪225‬قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬عدم تسليم الطفل املادتان‪ 004‬و ‪ 002‬قانون العقوبات‪ ،‬جرائم الضرب واجلروح الغري العمدية ‪ 021‬قانون‬
‫العقوبات‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬جرائم األموال‪:‬‬


‫جتوز كذلك الوساطة يف جرائم األموال ويتعلق األمر جبنحة إصدار شيك بدون رصيد املادة ‪ 240‬من قانون‬
‫العقوبات وجنحة االستيالء على أموال الرتكة املادة ‪ 262‬قانون العقوبات ‪ ،‬وجرمية االستيالء على أموال الشركة املادة‬
‫‪ 262‬فقرة ‪ 25‬من قانون العقوبات‪ ،‬وجرمية االعتداء على امللكية العقارية املادة ‪ 226‬قانون العقوبات‪ ،‬وجنحة التخريب‬
‫واإلتالف العمـ ــدي ألموال الغري املادة ‪ 024‬قانون العقوبات‪ ،‬وجنحة إتالف احملاصيل الزراعية والرعي يف مساحات الغري‬
‫املادتان ‪ 052‬و‪ 052‬مكرر قانون العقوبات‪.‬‬
‫إىل أن جانب اجلنح املذكورة أعاله فإن املشروع أجاز بان يكون موضوع الوساطة يف كل اجلرائم اليت تشكل خمالفة‬
‫دون حتديد‪ ،‬كما ميكن أن تطبق الوساطة اجلنائية يف مادة املخالفات دون حتديد هلا‪ ،‬مع عدم جواز تطبيق الوساطة يف‬
‫مادة اجلنايات‪.‬‬
‫واملالحظ هنا أن املشرع اجلزائري اختار أسلوب حتديد اجلرائم اليت من املمكن أن يشملها نظام الوساطة اجلزائية‪،‬‬
‫وحصرها يف املخالفات‪ ،1‬وبعض اجلنح البسيطة مستثنيا اجلنح اخلطرية ومن باب أوىل استثناؤه للجنايات‪.‬‬

‫‪ -1‬املخالفات يف قانون العقوبات هي األفعال اإلجرامية املعاقب عنها‪ ،‬كعقوبة أصلية من يوم واحد حبسا على األقل إىل شهرين على األكثر وبالغرامة‬
‫من ألفني ‪ 2000‬دينار جزائري إىل عشرين ألف ‪ 20.000‬دينار جزائري ‪ ،‬لإلشارة أن مثة عديد املخالفات اليت ال تقع إضرارا بضحية حمددة‬
‫بعينه‪ ،‬فكيف ميكن تصور وقوع الوساطة ؟ ومع من تتم؟ إال إذا كانت النيابة العامة تستثين هذه الطائفة من املخالفات بناء على سلطة املالءمة‪.‬‬
‫‪608‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫ولعل العربة يف هذا التحديد‪ ،‬أن النظام القانوين اجلزائري مل يعرف هذا اإلجراء إال مؤخرا وإنه باملقارنة ببعض الدول‬
‫العربية فإن اجلزائر كانت سباقة لتبين هذا اإلجراء‪ ،‬ولكن يف حدود معينة إذ مل تتبني للجهات القائمة على تنفيذه مواطن‬
‫الضعف فيه أو مواطن القصور يف إجراءاته ليتسّن مستقبال وضع القواعد املناسبة لتفعيل هذا اإلجراء ورمبا توسيع جمال‬
‫اجلرائم اليت ميكن أن تكون حمال له أو الرتاجع متاما عن إجراء الوساطة إذا أثبت الواقع العملي عدم جدواها‪.‬‬

‫المطلب الثاني مراحل الوساطة الجزئية‬


‫باعتبار أن الوساطة اجلنائية آلية مستحدثة للمتابعة اجلزائية متر وجوبا على مراحل معينة‪ ،‬وتتوج بإبرام اتفاق بني‬
‫اجلاين والضحية‪ ،‬ويدون هذا االتفاق يف حمضر يتضمن هوية وعنوان األطراف‪ ،‬ويتضمن أيضا بنود االتفاق على إصالح‬
‫الضرر املرتتب على اجلرمية‪ ،‬ويف حالة عدم سعي اجلاين إىل تنفيذ االتفاق الوساطة يف الوقت احملدد قانونا فان النيابة العامة‬
‫تلجأ فورا إىل حتريك الدعوى العمومية‪ ،‬ومن خالل هذا املبحث سنتعرض اىل مضمون اتفاق الوساطة وأثارها‪.‬‬

‫الفرع األول المرحلة التمهيدية‬


‫تعترب هذه املرحلة اخلطوة األوىل يف مسار الوساطة اجلزئية وهي تتضمن اقرتاح الوساطة مث االتصال بطريف النزاع‬
‫اجلنائي‪ ،‬أما خبصوص اقرتاح الوساطة فهو األمر الذي تتكفل به النيابة العامة بوصفها صاحبة الدعوى العمومية‪ ،‬وهلا تعود‬
‫السلطة التقديرية يف اقرتاح هذا اإلجراء سواء بصفة تلقائية أو باقرتاح من األطراف‪ ،‬وإىل هذا املعّن ذهبت املادة ‪37‬‬
‫مكرر من قانون اإلجراءات اجلزائية اليت جاء فيه "جيوز لوكيل اجلمهورية قبل أي متابعة جزائية أن يقرر مببادرة منه أو بناء‬
‫على طلب الضحية أو املشتكي منه إجراء وساطة عندما يكون من شأهنا وضع حد لإلخالل الناتج عن اجلرمية أو جرب‬
‫الضرر املرتتب عليها"‪.‬‬
‫وأثناء هذه املرحلة التمهيدية يقع على عاتق وكيل اجلمهورية لقاء طريف النزاع كل على حدى إلخبارمها بإحالة‬
‫ملفهما للوساطة‪ ،‬وأن هلما كامل احلرية يف رد أو رفض هذا اإلجراء ويتعني على الوسيط أن يلتزم واجب النزاهة واحلياد‬
‫عند لقاءاته مجيعها بطريف النزاع‪ ،‬وأن يعمل حنكته وجتربته يف جلب موافقة الطرفني ملائدة التفاوض واحلوار وأال ميثل بالنسبة‬
‫له ملف القضية جمرد ملف يتعني تصفيته بأي شكل ألن مثل هذا السلوك خيرج عن روح الوساطة اليت تقرها التشريعات‪.1‬‬
‫ولإلشارة هنا‪ ،‬فإن قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري مل حيدد كيفيات اتصال النيابة العامة بطريف النزاع‪ ،‬وعليه فإن‬
‫ذلك ينتج عنه القيام به بأية وسيلة منتجة‪ ،‬كما وأنه ال يشرتط احلصول على املوافقة الكتابية‪ ،‬حبسب النص وأن االتفاق‬
‫النهائي فيما بعد هو الذي يتعني أن يكون مكتوبا‪ ،‬هذا فضال عن أن وكيل اجلمهورية الذي يقوم بالوساطة يتعني عليه إذن‬
‫لقاء الطرفني ولو ملرة واحدة الستطالع رأي كل منهما يف مدى قبول الوساطة‬

‫‪ -1‬عادل علي مانع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫‪609‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬

‫الفرع الثاني مرحلة التفاوض‬


‫ونعين يف هذا املقام‪ ،‬املرحلة اليت تأيت بعد املرحلة التمهيدية‪ ،‬وهي متثل جلسة أو جلسات التفاوض أين يعرب كل‬
‫طرف عن طلباته‪ ،‬وتكون بصفة انفرادية أي لقاء أحد األطراف مع وكيل اجلمهورية ‪ ،‬أو بصفة مجاعية الطرفني معا ووكيل‬
‫اجلمهورية‪ ،‬ومتثل هذه املرحلة حمطة حامسة يف إجراءات الوساطة ألهنا تسمح بلقاء طريف النزاع وجها لوجه‪ ،‬وقد تكون‬
‫هذه اجللسات‪ ،‬واملناقشات وسيلة للتقريب بني الطرفني وإزالة حواجز العداء بني اجلاين والضحية‪ ،‬وقد يكفي هذا األخري‬
‫ترضيته مبجرد االعرتاف باجلرم‪ ،‬أو الندم عليه من طرف اجلاين‪ ،‬وهذا كله حبسب نوع اجلرم‪ ،‬وطبيعة تكوين نفسية كل‬
‫طرف‪ ،‬وأحيانا يشرتط الوسيط تعهد الشاكي بعدم رفع دعوى جزائية ضد املشتكي منه‪ ،‬كما يتقدم اجملين عليه شكواه‬
‫وحتديد طلباته ويليها عرض اجلاين لوجهة نظره‪ ،‬ومن خالل تبادل اآلراء يتم التوصل التفاق بني الطرفني‪ ،1‬وخبصوص‬
‫مكان انعقاد جلسات الوساطة فإهنا تنعقد مبكتب وكيل اجلمهورية‪.‬‬
‫أما يف حالة توافق إراديت الطرفني على بنود التفاوض‪ ،‬وتكليل مساعي وكيل اجلمهورية بالنجاح فإنه يتعني على هذا‬
‫األخري حتديد االلتزامات الواجب القيام هبا من طرف املشتكي منه بشكل واضح وصريح تفاديا ألي إشكال مستقبلي يف‬
‫التنفيذ‪ ،‬ويصدر وكيل اجلمهورية قراره بتحميل اجلاين تعويض اجملين عليه أو رد الشيء إىل ما كان عليه أي جرب الضرر‬
‫املرتتب عن اجلرمية ‪.‬‬
‫وقد جاء يف نص املادة ‪ 24‬مكرر ‪ 22‬من قانون اإلجراءات اجلزائية أن اتفاق الوساطة يدون يف حمضر يتضمن‬
‫هوية األطراف وعرض وجيزا لألفعال وتاريخ ومكان وقوعها ومضمون اتفاق الوساطة واجل تنفيذها‪ ،‬يوقع من قبل وكيل‬
‫اجلمهورية وأمني الضبط واألطراف‪.‬‬

‫الفرع الثالث مرحلة تنفيذ الوساطة‬


‫تعد هذه املرحلة آخر حمطة يف مسرية الوساطة اجلنائية‪ ،‬وهي تتويج لكل ما سبقها من مراحل وما ختللها من‬
‫إجراءات‪ ،‬وإن عدم تنفيذ ما مت التوصل إليه باتفاق الوساطة يعصف جبميع ما تقدم القيام به ولذلك فهي إحدى أهم‬
‫املراحل‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن توقيع طريف النزاع على اتفاق الوساطة ال يعترب نقطة هناية هذا اإلجراء بل إهنا نقطة البداية‪ ،‬وبالتايل‬
‫فال تنتهي الوساطة عند جمرد التوقيع عليها‪ ،‬إذا نفذ املشتكي منه البنود اتفاق الوساطة إما إرجاع احلال إىل ما كان عليه‬
‫قبل ارتكاب اجلرمية أي إصالح الضرر وجربه وإرجاعه إىل حالته الطبيعية كبناء جدار الذي تسبب اجلاين يف هتدميه‪ ،‬أو‬
‫إصالح الباب الذي تسبب اجلاين يف إتالفه‪.‬‬

‫‪ -1‬رامي متويل عبد الوهاب ابراهيم القاضي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.500‬‬


‫‪610‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫أو تعويض مايل الذي يعترب املوضوع الرئيسي للدعوى املدنية‪ ،‬والذي يتمثل يف إلزام اجلاين بدفع مبلغ من النقود إىل‬
‫الشخص املضرور‪ ،‬أو تعويض عيين وهو تقييم اجلاين للضرر عينا‪ ،‬فإذا تسبب يف حتطيم سيارة حتطيما كليا يكون ملزما‬
‫بشراء نفس السيارة للمضرور‪.‬‬
‫كما أتاح قانون اإلجراءات اجلزائية لألطراف الوساطة احلرية املطلقة باتفاق على صيغ أخرى لتعويض شريطة أن ال‬
‫تكون هذه العروض أو الصيغ خمالفة للقانون‪ ،‬وذلك من اجل تسهيل األحوال أمام أطراف اخلصومة من أجل التوصل إىل‬
‫احلل الذي يرضي الطرفني‪ ،‬وعدم حصر التعويض يف إصالح الضرر ‪ ،‬التعويض املادي أو العيين‪ ،‬كأن يتعهد اجلاين بعدم‬
‫تعرض سبيل اجملين عليها وعدم مضايقته جمددا(‪.)52‬‬
‫وقد ربط املشرع اجلزائري تنفيذ حمضر الوساطة املتضمن جرب الضرر أو التعويض عنه بآجال اليت حيددها األطراف‪،‬‬
‫وان االتفاق حيدد التزامات اجلاين بإصالح الضرر احلاصل للضحية ينفد تبعا لقواعد قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬ويف‬
‫حالة إخالل اجلاين بالشروط احملددة يف حمضر الوساطة وامتناعه على تنفيذ االتفاق يف اجل احملدد لتنفيذه‪ ،‬يرتتب عن هذا‬
‫السلوك متابعة اجلاين وحتريك الدعوى العمومية‪.‬‬
‫ويرتتب على اتفاق الوساطة وقف التقادم خالل اآلجال احملددة لتطبيق اتفاق الوساطة وذلك طبقا لنص املادة ‪24‬‬
‫مكرر ‪ 24‬من قانون اإلجراءات اجلزائية يوقف معاد التقادم خالل اآلجال املقررة لتنفيذ اتفاق الوساطة‪ ،‬ويرتتب على ذلك‬
‫عدم حساب املدة اليت وقف فيها التقادم‪ ،‬مع حساب املدة اليت سبق الوساطة‪ ،‬واليت تلتها يف حالة فشل الوساطة وعدم‬
‫تنفيذ اجلاين لالتفاق‪ ،‬وذلك عكس فكرة قطع التقادم اليت ال يتم خالهلا حساب الفرتة اليت سبقت إجراء الوساطة بل املدة‬
‫اليت تليها فقط‪.‬‬
‫ويرتتب على الوساطة من حيث نتائجها أما جناحها أو فشلها وإخفاقها‪ ،‬وتكون أثار الوساطة يف هذا اخلصوص‬
‫مرهونة مبدى التزام اجلاين بتنفيذ االلتزامات احملددة مبوجب حمضر الوساطة‪ ،‬وعلى هذا اخلصوص فان نتائج الوساطة تتحدد‬
‫وفقا لنجاحها أو فشلها ‪ ،‬فالوساطة تنتهي عندما يلتزم اجلاين بتنفيذ االلتزامات املرتتبة عليه مبوجب حمضر الوساطة‪ ،‬أما يف‬
‫حالة عدم قبول أطراف اخلصومة ملساعي الوساطة املقرتحة‪ ،‬وذلك لعدم االتفاق على الشروط املوضوعة للوساطة‪ ،‬أو عدم‬
‫قيام اجلاين بتنفيذ هذه االلتزامات املقررة مبوجب حمضر الوساطة األمر إىل فشل الوساطة‪ ،‬مما يتيح لوكيل اجلمهورية وفقا‬
‫لسلطة املالئمة حتريك الدعوى العمومية طبقا لنص املادة ‪ 24‬مكرر ‪ 22‬من قانون اإلجراءات اجلزائية‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫تعد الوساطة وسيلة من وسائل معاجلة ظاهرة اإلجرام البسيط وأعطت لوكيل اجلمهورية خيارا جديدا للخيارات‬
‫املتاحة أمامه ملواجهة اجلرمية يف إطار سلطة املالئمة وهي حفظ الدعوى أو حتريك الدعوى للوصول إىل معاقبة اجلاين‪،‬‬
‫فأضاف املشرع خيارا جديدا‪ ،‬وهو ان يعلق حتريك الدعوى العمومية على شرط عدم وجود اتفاق بني اخلصوم عن طريق‬
‫الوساطة‪ ،‬والضابط يف اختياره هو جسامة الفعل املرتكب‪ ،‬ويستهدي وكيل اجلمهورية يف ذلك بالعقوبة املقررة للجرمية‬
‫واالضطراب الذي حلق بالنظام العام نتيجة هلا وجسامة الضرر الذي حلق باجملين عليه‪ ،‬ومن هنا ميكن القول أن املشرع‬
‫‪611‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫اجلزائري اهتدى إىل توفري إجراء بدائل ملواجهة اجلرائم البسيطة‪ ،‬وذلك من اجل احملافظة على بعض العالقات وحلماية بعض‬
‫املصاحل‪.‬‬
‫ومتثل الوساطة صورة من صور العدالة اليت تقوم على التفاوض للوصول لتعويض عادل يف ضوء الضرر املرتتب على‬
‫اجلرمية ومسؤولية اجلاين مع الرغبة يف ختفيف رد الفعل اجلنائي‪ ،‬ولذلك نرى ان نظام الوساطة أعاد للمجين عليه دوره يف‬
‫حتقيق العدالة اجلنائية حيث انه باملوافقة على الوساطة مينح للمتهم فرصة أن يساحمه اجملين عليه‪ ،‬وصار اجملين عليه طرفا هاما‬
‫يف املنازعات املتعلقة باجلرائم البسيطة‪.‬‬
‫كما تساعد الوساطة على وضع حلول أكثر إنسانية ومرونة للمنازعات اجلنائية‪ ،‬وتعيد للعدالة اجلنائية مصداقيتها‬
‫حيث حتد من قرارات احلفظ وتفرض تعويضا حقيقيا مقابل اخلطأ الذي ارتكبه اجلاين‪ ،‬كما تؤدي إىل حتقيق العدالة السريعة‬
‫ويف وقت قريب من حتقق اجلرمية حبيث يتحقق التعويض يف أسابيع قليلة من وقوع الضرر‪ ،‬وبالتايل تتسم الوساطة بالعملية‬
‫يف الرد الفعال على النشاط اإلجرامي‪ ،‬وتتسم باملرونة كذلك يف تقدير صورة و كيفية التعويض ‪.‬‬
‫وتعد الوساطة اجلزائية بديال لتطبيق العقوبات السالبة للحرية والعقوبات البديلة اليت أثبتت فشلها يف مواجهة ظاهرة‬
‫اإلجرام البسيط‪ ،‬ومل يعد الردع هو الصورة الوحيدة املقررة ملواجهة العنف اإلجرامي‪ ،‬كما أهنا تعد وسيلة إلعادة تأهيل‬
‫وإدماج اجلاين بعيدا عن جو املؤسسات العقابية واآلثار السلبية اليت ميكن أن ختلفها يف نفسية اجلاين‪.‬‬
‫وحسب رأينا فإن املشرع اجلزائري كان على صواب ملا أخد بنظام الوساطة اجلزائية خاصة بالنسبة لألحداث كونه‬
‫يهدف لإلصالح ذات البني وهتذيب االطفال عوض سياسة الزجر والعقاب كون الوساطة هي سالح ذو حدين تعاجل‬
‫اجلرمية عند وقوعها بصفة مؤقتة عن طريق جرب الضرر مهما كانت طبيعته ومتنع االحداث من االختالط مع ذوي النفوس‬
‫الشريرة من احملكوم عليهم ‪ ،‬كون جانح اليوم هو جمرم الغد ‪ ،‬لكن من االحسن البحث عن هيئة ادارية خاصة تتكفل‬
‫بإجراءات الوساطة لألحداث بعيدا عن أروقة احملاكم او مقرات الشرطة القضائية حىت نقيهم من الوصم االحنرايف‪.‬‬
‫وانطالقا مما سبق وضمانا لفاعلية هذا اإلجراء يف منظومتنا القانونية وذلك سعيا لتحقيق العدالة اجلزائية من جهة‪،‬‬
‫وختطي آثار أزمة العدالة اجلزائية من بطء يف اإلجراءات وعدم فعالية أنظمة تطبيق العقوبات والتكاليف املادية الضخمة اليت‬
‫تتطلبها حتقيق هذه العدالة ‪ ،‬فإننا نقرتح التوصيات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إعطاء النيابة العامة السلطة التقديرية يف حتديد اجلرائم اليت ينبغي ان تكون حمال للوساطة اجلزائية يف مواد اجلنح‬
‫واملخالفات واستثناء اجلنايات‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة اسناد اجراءات الوساطة جلهات إدارية بشرط ان تعمل هذه اجلهات حتت تصرف النيابة العامة وذلك من‬
‫أجل ختفيف الضغط الواقع على عاتق النيابة العامة‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪ -5‬عادل علي املانع‪ ،‬الوساطة يف حل املنازعات اجلنائية‪ ،‬جملة احلقوق‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬العدد ‪.0226 ، 04‬‬
‫‪ -0‬اشرف رمضان عبد احلميد‪ ،‬الوساطة اجلنائية ودورها يف إهناء الدعوى العمومية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪.0220‬‬
‫‪ -2‬مدحت عبد احلليم رمضان‪ ،‬اإلجراءات املوجزة إلهناء الدعوى اجلزائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.5111 ،‬‬
‫‪ -0‬ياسر بن حممد سعيد‪ ،‬الوساطة اجلنائية يف النظم املعاصرة‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪،‬‬
‫الرياض‪.0255 ،‬‬
‫‪ -1‬هشام مفضى اجملايل‪ ،‬الوساطة اجلنائية وسيلة غري تقليدية يف حل النزعات اجلزائية ( دراسة مقارنة )‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬‬
‫كلية احلقوق‪ ،‬جامعة عني الشمس‪.0222 ،‬‬
‫‪ -6‬رامي متويل عبد الوهاب ابراهيم القاضي‪ ،‬الوساطة كبديل عن العقوبة اجلنائية ( دراسة مقارنة )‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية‬
‫احلقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪.0252 ،‬‬
‫‪ -4‬عبد العزيز سعد‪ ،‬شروط ممارسة الدعوى املدنية أمام احملاكم اجلزائية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪.5110 ،‬‬
‫‪ -2‬عبد الرمحان خلفي‪ ،‬احلق يف الشكوى كقيد على املتابعة اجلزائية ( دراسة تأصيلية وحتليلية مقارنة )‪ ،‬منشورات احلليب‬
‫احلقوقية‪ ،‬بريوت‪.0250 ،‬‬
‫‪ -1‬حممد سيف النصر عبد املنعم‪ ،‬بدائل العقوبة السالبة للحرية يف التشريعات اجلنائية احلديثة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.5111 ،‬‬
‫‪613‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪5252:‬‬ ‫عدد‪25 :‬‬ ‫مجلد‪52 :‬‬
‫‪ -52‬حممود طه جالل‪ ،‬أصول التجرمي والعقاب يف السياسة اجلنائية املعاصرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪.0221‬‬
‫‪ -55‬خلفي عبد الرمحان‪ ،‬اإلجراءات اجلزائية يف التشريع اجلزائري واملقارن‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار بلقيس‪ ،‬اجلزائر‪.0256 ،‬‬
‫‪50- J. Bonafe – P. Schmitt : la médiation pénale en France et Aut états unis,‬‬
‫‪L.G.D.J, paris, 1995.‬‬
‫‪ -50‬القانون رقم ‪ 50-51‬املؤرخ يف ‪ 51‬جويلية ‪ 0251‬املتضمن قانون الطفل‪ ،‬اجلريدة الرمسية عدد ‪ 21‬الصادرة ‪51‬‬
‫جويلية ‪.0251‬‬
‫‪ -52‬األمر رقم ‪ 20-51‬املؤرخ يف ‪ 02‬جويلية ‪ 0251‬املعدل لألمر ‪ 516-66‬املتضمن قانون اإلجراءات اجلزائية‪،‬‬
‫اجلريدة الرمسية عدد ‪ ،02‬الصادرة يف ‪ 02‬جويلية ‪.0251‬‬

‫‪614‬‬

You might also like