Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 50

2 ‫علوم القرآن‬

DTU 2022

Dr. Ali Omar Salem Balagem


‫تعريف علوم القرآن وأمهيته‬
‫العلم لغة‪:‬‬
‫مصدر للفعل علم‪ ،‬اعلم‪ ،‬يعلم‪ ،‬ضد اجلهل‪ ،‬ويعين اإلدراك ‪ -‬الفهم – املعرفة ‪-‬الدراية والتحقق وغريها من‬
‫األلفاظ املرادفة واليت تدل على الوصول إىل معلومات جديدة‪.‬‬
‫العلم اصطالحاً‪:‬‬
‫اعمال الفكر واإلدراك يف الوصول إىل حقائق ومعلومات جديدة عن مسألة معينة أو موضوع معني‪.‬‬
‫ويطلق العلم على جمموع مسائل‪ ،‬أو مباحث وأصول كلية جتمعها جهة واحدة مثل علم النحو‪ ،‬وعلم الطب‪،‬‬
‫وعلم الكيمياء‪.‬‬
‫تعريف القرآن لغة‪:‬‬
‫مهموز مشتق من (قرأ) مبعىن اجلمع والضم والتالوة‪.‬‬
‫القراءة‪ :‬ضم احلروف والكلمات بعضها إىل بعض يف الرتتيل‪ ،‬والقرآن يف األصل كالقراءة‪ :‬مصدر قرأ قراءة‬
‫إن َعلَْي نَا ََجْ َعهُ وقَ ُرآنَهُ‪ ,‬فَإِ َذا قَ َرأْ ََنهُ فَاتَّبِ ْع قُ ْرآنَهُ﴾‪ .‬أي قراءته‪ ،‬فهو مصدر على وزن "فُعالن"‬
‫وقرآ ًن قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ابلضم‪ :‬كالغفران والشكران‪ .‬وهو القول الراجح‪.‬‬
‫غري مهموز األصل يف االشتقاق وهو قول مرجوح‪ ،‬قيل‪ :‬مشتق من قرن الشيء ابلشيء إذا ضمه إليه‪ .‬أو‬
‫بعضا فالنون أصلية‪.‬‬ ‫مشتق من القرائن ألن آايته يشبه بعضها ً‬
‫أو علم مرجتل على الكالم املنزل على النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ويطلق ابالشرتاك اللفظي على جمموع القرآن‪ ،‬وعلى كل آية من آايته‪ ،‬فإذا مسعت من يتلو آية من القرآن‬
‫ئ الْ ُقرآ ُن فَاستَ ِمعوا لَه وأَنْ ِ‬ ‫ِ‬
‫صتُوا﴾‪.‬‬ ‫ْ ُ َُ‬ ‫صح أن تقول إنه يقرأ القرآن‪َ ﴿ :‬وإ َذا قُ ِر َ ْ‬
‫جامعا لثمرة كتبه‪ ،‬بل جلمعه مثرة‬ ‫قرآَن من بني كتب هللا لكونه ً‬ ‫وذكر بعض العلماء أن تسمية هذا الكتاب ً‬
‫اَن لِ ُك ِل َش ْيء﴾‪ ،‬وقوله‪َ ﴿ :‬ما فَ َّرطْنَا‬
‫اب تِْب يَ ً‬ ‫َجيع العلوم‪ .‬كما أشار تعاىل إىل ذلك بقوله‪﴿ :‬ونََّزلْنَا علَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ َْ‬
‫اب ِم ْن َشيء﴾‪.‬‬ ‫ِيف ِ‬
‫الكتَ ِ‬

‫تعريف القرآن الكرمي اصطالحا‪:‬‬


‫كالم هللا تعاىل املنزل على نبيه حممد صلى هللا عليه وسلم املعجز بلفظه ومعناه‪ ،‬املتعبد بتالوته‪ ،‬املنقول إلينا‬
‫ابلتواتر‪ .‬وبعضهم يزيد (املكتوب يف املصاحف)‪.‬‬
‫ِج كالم غريه من اإلنس واجلن واملالئكة‪.‬‬
‫كالم هللا‪ :‬إضافته إىل "هللا" ُُيْر ُ‬

‫‪2‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ات‬ ‫املنزل‪ُُ :‬يْرِج كالم هللا الذي استأثر به سبحانه (لَن ِف َد الْبحر قَبل أَ ْن تَْن َف َد َكلِمات ريب)‪( ،‬ما نَِف َد ِ‬
‫ت َكل َم ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ُْ ْ َ‬
‫اَّلل)‪.‬‬
‫َّ‬
‫على حممد‪ُُ " :‬يرج ما أُنْ ِزَل على األنبياء قبله كالتوراة واإلجنيل وغريمها‪.‬‬
‫املعجز‪ :‬يتحقق إعجازه وعلوه على كل كالم‪ ،‬فإعجازه البياين والبالغي ظاهر على غريه‪.‬‬
‫املتعبد بتالوته‪ُُ :‬يرج قراءات اآلحاد‪ ،‬واألحاديث القدسية‪ ،‬ألن التعبد بتالوته معناه األمر بقراءته يف‬
‫الصالة وغريها على وجه العبادة‪.‬‬
‫املنقول ابلتواتر‪ُ :‬يرج به قراءات األحاد والقراءات الشاذة‪.‬‬

‫تعريف مصطلح "علوم القرآن"‪:‬‬


‫هي علوم تتألف من مباحث هذه املباحث تتعلق ابلقرآن الكرمي من حيث نزوله‪ ،‬أسباب نزوله‪ ،‬مكي أم‬
‫مدين‪ ،‬أسلوبه‪ ،‬قصصه‪ ،‬تفسريه‪ ،‬معانيه‪ ،‬امثاله‪َ ،‬جعه‪ ،‬كتابته‪.‬‬
‫هو علم يُبحث فيه عن أحوال القرآن الكرمي‪ ،‬من جهة نزوله كمكية أو مدنية‪ ،‬وحنوه كسنده وأدائه وألفاظه‬
‫ومعانيه املتعلقة ابألحكام‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬

‫فوائد معرفة علوم القرآن‪:‬‬


‫‪ -1‬تعطي صورة متكاملة عن القرآن الكرمي من حيث نزوله وتفسريه‪.‬‬
‫‪ -2‬تساهم يف الرد على الشبهات الباطلة‪.‬‬
‫‪ -3‬تعرف ابلشروط اليت جيب أن تتوافر فيمن يفسر القرآن الكرمي وفيمن يتعرض للكالم عن أوامره‬
‫ونواهيه‪.‬‬
‫‪ -4‬إدراك مدى اجلهد الفائق الذي بذله العلماء خلدمة القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ -5‬التوصل إىل فهم معاين القرآن‪ ،‬والعمل مبا فيه بعد الفهم‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫االستنباط مفهومه وأمهيته وشروطه وقواعده‬
‫االستنباط لغة‪:‬‬
‫أصله من (نبط)‪ ،‬استنبط يستنبط استنبِط استنباط على وزن استفعال‪ .‬أي استخرج الشيء بعد اخلفاء‬
‫وانتهاء إىل معرفته‪ ،‬وانباط املاء أي إخراجه من العني‪.‬‬
‫ِج أو أُظْ ِهَر بعد‬ ‫ُخر َ‬
‫واستنبط علمه أي وصل إليه وأظهره ونشره‪ ،‬فلفظ االستنباط يف اللغة يُستخدم لكل ما أ ْ‬
‫الرس ِ‬
‫ول َوإِ َىل أ ِ‬
‫ُوِل ْاأل َْم ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خفاء‪ ،‬قال هللا تعال‪ِ :‬‬
‫(وإذَا َجاءَ ُه ْم أ َْمٌر م َن ْاأل َْم ِن أَ ِو ا ْخلَْوف أَذَاعُوا به َولَ ْو َرُّدوهُ إ َىل َّ ُ‬‫َ‬
‫ين يَ ْستَ ْنبِطُونَهُ ِمْن ُه ْم)‪.‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫مْن ُه ْم لَ َعل َمهُ الذ َ‬
‫فيدور االستنباط حول هذه املعاين‪( :‬استخراج – االنتهاء إىل معرفة – الوصول إىل شيء – إظهار معلومة‬
‫كانت خمفية)‪.‬‬
‫ومن األلفاظ القريبة من معىن االستنباط‪ :‬االستدالل – االجتهاد – التفسري – االستعالم‪.‬‬
‫تعريف االستنباط اصطالحا‪:‬‬
‫استخراج املعاين من النصوص ابالجتهاد العقلي‪.‬‬
‫استخراج وإظهار ما خفي من النص واالستدالل على األحكام بطرق صحيحة‪.‬‬
‫احلكم واألحكام بواسطة االجتهاد‪.‬‬
‫وتعريفه عند األصوليني‪ :‬استخراج الفقيه َ‬
‫أو هو استجالب احلكم واألحكام من النصوص الشرعية‪.‬‬
‫الفرق بني االستنباط والتفسري‪:‬‬
‫‪ -1‬التفسري هو الكشف والبيان عن مراد هللا يف ألفاظ القرآن‪ ،‬أما االستنباط فيختص ابلبحث عن املعاين‬
‫اخلفية واستخراج ما تدل عليه األلفاظ حبسب مفهومها الذين عرفناه من التفسري‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪( :‬موضوع التفسري إبراز داللة اللفظ يف حمل النطق‪ ،‬وموضوع االستنباط إبراز داللة اآلية يف غري‬
‫حمل النطق)‪ .‬فالتفسري لأللفاظ واالستنباط للمعاين واملدلوالت‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬يف قوله تعاىل‪( :‬مالك يوم الدين) أي يوم اجلزاء (هذا تفسري)‪ ،‬اما االستنباط فنقول هذا دليل على‬
‫قدرة هللا وعدله‪.‬‬
‫أما يف قوله تعاىل‪( :‬ومحله وفصاله ثالثون شهرا) أنه يدل على أقل مدة احلمل ستة أشهر (هذا استنباط)‪.‬‬
‫‪ -2‬االستنباط فرع من التفسري وموضح له‪.‬‬
‫‪ -3‬التفسري واالستنباط ألفاظ مرتادفة‪.‬‬

‫أمهية االستنباط‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫القرآن الكرمي كالم هللا واملعجزة اخلالدة لذا ختتلف أراء العلماء يف بيان معانيه‪ ،‬كما تظهر معاين جديده‬
‫ووجوه إعجاز متجددة يف كل زمان‬
‫االستنباط واالجتهاد يرغب فيه اإلسالم بشرط أن يكون ملتزما بقواعد الشرع واللغة‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد‬
‫اَّللِ لََو َج ُدوا فِ ِيه‬
‫لذ ْك ِر فَ َه ْل ِم ْن ُم َّدكِر﴾ وقال‪﴿ :‬أَفَال يَتَ َدبَُّرو َن الْ ُق ْرآ َن َولَ ْو َكا َن ِم ْن ِعْن ِد َغ ِْري َّ‬
‫ي َّسرََن الْ ُقرآ َن لِ ِ‬
‫َ ْ ْ‬
‫ُوِل ْاأل َْم ِر ِمْن ُه ْم‬
‫ول َوإِ َىل أ ِ‬‫الرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اختالفًا َكث ًريا‪َ ،‬وإ َذا َجاءَ ُه ْم أ َْمٌر م َن ْاأل َْم ِن أَ ِو ا ْخلَْوف أَ َذاعُوا به َولَ ْو َرُّدوهُ إ َىل َّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ين يَ ْستَ ْنبِطُونَهُ ِمْن ُه ْم﴾‪.‬‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫لَ َعل َمهُ الذ َ‬
‫االستنباط موضوع مهم جدا من موضوعات علوم القرآن وتعتمد عليه كثري من فروع وعلوم القرآن األخرى‪.‬‬
‫وقد مدح هللا تعاىل أهل االستنباط – كما يف اآلية السابقة‪ -‬ووصفهم أبهنم من أهل العلم‪ .‬وعن علي رضي‬
‫هللا عنه‪ :‬عندما سئل‪ :‬هل خصكم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بشيء دون الناس؟ قال‪ :‬ال والذي فلق‬
‫احلبة وبرأ النسمة إال فهما يؤتيه عبدا يف كتابه‪.‬‬
‫ويف االستنباط تدبر وأتمل وقد حث هللا تعاىل على التدبر‪( :‬أفال يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفاهلا)‬
‫ويف االستنباط اشتغال ابلقرآن وتالوته‪ :‬قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من قرأ حرفا من كتاب هللا فله به‬
‫حسنة واحلسنة بعشر أمثاهلا" احلديث‬
‫ويكفي يف فضله وأمهيته أن موضوعه القرآن ومثرته وفائدته الوقوف على معاين اآلايت والعمل هبا والفوز‬
‫ابلسعادة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫شروط املستنبِط‪:‬‬
‫‪ .1‬سالمة االعتقاد واملقصد واالبتعاد عن العقائد الباطلة واألهواء والبدع‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يعرف مصادر اإلسالم‪( ،‬القرآن والسنة واإلَجاع والقياس‪.)،‬‬
‫‪ .3‬أن يكون عاملا ابللغة‪ ،‬والنحو‪ ،‬والبالغة وعلوم اللغة العربية األخرى وقواعدها‬
‫ً‬
‫‪ .4‬وأن يعرف علوم القرآن األخرى كالناسخ واملنسوخ‪ ،‬واملكي واملدين وأسباب النزول والعام‬
‫واخلاص واملطلق واملقيد وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يكون على علم ابلتفسري وطرقه ومناهجه وأنواعه‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يكون على علم ابملنطق‪ ،‬وعلوم احلديث‪ ،‬وأصول الفقه وقواعده‪.‬‬
‫‪ .7‬فهم الواقع وحسن تنزيل النصوص على الوقائع‬
‫عدال متخلقا أبخالق اإلسالم متبعا للمنهج العلمي الصحيح يف االستنباط‪.‬‬ ‫‪ .8‬أن يكون ً‬

‫‪5‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫شروط قبول االستنباط‪:‬‬
‫يشرتط فيه ما يشرتط يف قبول التفسري ابلرأي واالجتهاد واليت منها‪:‬‬
‫‪ .a‬أن ال ُيالف التفسري ابملأثور فال يقبل االستنباط إذا خالف نصا من القرآن أو حديثا‬
‫صحيحا أو قوال مشهورا عن الصحابة والتابعني‪.‬‬
‫‪ .b‬أن يتفق مع سياق اآلية وسباقها وحلاقها‪ ،‬وأن يؤدي هذا االستنباط إىل ارتباطا صحيحا‪.‬‬
‫‪ .c‬أن ال يتناىف مع داللة األلفاظ من حيث اللغة‪.‬‬
‫‪ .d‬أن ال يتعارض مع الشرع ومبادئه ومقاصده‪ ،‬أو يعارض حكماً جممعاً عليه‪.‬‬
‫‪ .e‬أن ال يؤدي إىل نصرة أهل العقائد الباطلة والبدع واألهواء املذمومة‪.‬‬
‫أال يكون االستنباط فيما ال ميكن التوصل إليه‪ ،‬كمعرفة الغيب‪ ،‬فإنه ال ميكن ألحد‬ ‫‪.f‬‬
‫الوصول هلذه املعلومات إال عن طريق الوحي من هللا سبحانه تعاىل‪.‬‬
‫فهذه الشروط مطلوبة يف االستنباط الذي أييت به املفسر حىت يكون مقبوال‪.‬‬

‫أنواع االستنباط‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬ما يكون من اآلية مبفردها دون ضم آية أخرى إليها‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪ :‬استنباط صحة أنكحة الكف ار م ن قول ه تع اىل‪( :‬وامرأته محالة احلطب)‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬ما يكون بضم آية إىل آية‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬استنباط أن أقل م دة احلم ل س تة أش هر من قوله تع اىل‪( :‬والوالدات يرضعن أوالدهن حولني‬
‫كاملني) البقرة‪ ،233 :‬مع قوله تعاىل‪( :‬ومحله وفصاله ثالثون شهرا) األحقاف‪.15 :‬‬

‫من املؤلفات يف االستنباط‪:‬‬


‫‪-1‬كتاب (اإلكليل يف استنباط التنزيل للسيوطي)‪:‬‬
‫هذا الكتاب َجع فيه السيوطي رمحه هللا ما وقف عليه من اس تنباطات أه ل العلم‪ ،‬ابملعىن األصوِل‪ ،‬الذي‬
‫يهدف إىل استخراج داللة اآلي ة بطرائ ق االس تنباط عند األصوليني‪ ،‬على َجيع العلوم‪ ،‬فهو يقرر في ه م ا‬
‫يتعل ق ب النوع ال ذي أف رده يف العلوم املستنبطة من القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪– 2‬كتاب (منهج االستنباط من القرآن الكرمي للدكتور فهد الوهيب)‪:‬‬
‫هذا الكتاب قرر فيه صاحبه االستنباط‪ ،‬ال مبعىن داللة اآلي ة ع لى ال شيء‪،‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫إمنا مبعىن أخصمن ذلك؛ (استخراج ما خفي من القرآن بطريق صحيح) فتحدث عن داللة اإلشارة‪ ،‬وداللة‬
‫النص‪ ،‬وداللة املفهوم‪ ،‬وداللة االقرتان‪.‬‬

‫من القواعد األصولية املهمة يف االستنباط‪:‬‬


‫حيتاج املستنبط أو املفسر عند استخراج األحكام إىل معرفة عدد من القواعد األصولية اليت تساعد‬
‫على عملية االستنباط وحتقق جناحها وصحتها‪ ،‬ومن تلك القواعد ما أييت‪:‬‬
‫املشقة جتلب التيسري‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫ال ضرر وال ضرار‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫درء املفاسد مقدم على جلب املصاحل‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫غلبة الظن تكفي يف الفروع خبالف العقائد‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫ال تستقيم الفتوى إال بفهم الواقع وفهم الواجب‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫واأللفاظ إحدى األدلة على فهم مراد املتكلم‪ ،‬وقد يفهم أبدلة أخرى؛ كاإلشارة والسياق‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫الصواب اتباع األلفاظ يف العبادات‪ ،‬واتباع املقاصد يف العقود‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫ال واجب مع عجز‪ ،‬كما أنه ال حرام مع ضرورة‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫نسياَن؛ فإنه جتب اإلعادة‪.‬‬
‫نسياَن ال أثر له‪ ،‬خبالف ترك املأمور ً‬
‫وفعل احملظور ً‬ ‫‪−‬‬
‫املصاحلة املرسلة وسيلة إىل حتقيق مقاصد الشرع‪ ،‬قد عرفوها أبهنا‪:‬‬ ‫‪−‬‬
‫ما نيطت –تعلقت ‪-‬أبمر مناسب يف اجلملة‪ ،‬مل يعتربه الشرع ومل يلغه؛ كجمع املصحف وتشكيل حروفه‬
‫وتعجيمها‪ .‬فكل ذلك من الوسائل اليت هي مقدمات ملقصد الشرع من التعرف على القرآن تعري ًفا‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪7‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫معاين األدوات اليت حيتاج إليها املفسر‬

‫األدوات اليت حيتاج إليه املفسر‪ :‬هي احلروف واالمساء واألفعال والظروف اليت ُيتلف الكالم واالستنباط‬
‫ابختالف معانيها ومواقعها من اجلملة‪.‬‬
‫ومعرفة معاين هذه األدوات متكن املفسر من معرفة معاين ودالالت ألفاظ وآايت القرآن‪ ،‬ومن هذه احلروف‬
‫واألدوات ما أييت‪:‬‬
‫"اهلمزة"‪:‬‬
‫ت َ َّ‬ ‫ِ‬
‫َّارُك ْم َخ ْريٌ‬ ‫آَنءَ اللْي ِل﴾‪ ،‬والثاين االستفهام حنو‪﴿ :‬أَ ُكف ُ‬ ‫أتيت على وجهني‪ :‬نداء القريب حنو‪﴿ :‬أ ََّم ْن ُه َو قَان ٌ‬
‫ِم ْن أُولَئِ ُك ْم﴾‪.‬‬
‫وقد خترج عن االستفهام احلقيقي الذي هو طلب ال َف ْهم إىل معان أخر‪:‬‬
‫ت َهلُْم أ َْم َملْ تَ ْستَ ْغ ِف ْر َهلُْم﴾‪.‬‬ ‫‪ -1‬التسوية‪َ ﴿ :‬س َواءٌ َعلَْي ِه ْم أ ْ‬
‫َستَ ْغ َف ْر َ‬
‫‪ -2‬اإلنكار اإلبطاِل‪ :‬وهذه تقتضي أن ما بعدها غري واقع‪ ،‬وأن مدعيه كاذب؛ حنو‪﴿ :‬أَفَأ ْ‬
‫َص َفا ُك ْم َربُّ ُك ْم‬
‫ني َو َّاختَ َذ ِم َن الْ َمالئِ َك ِة إِ ََن ًث﴾‪ ،‬فإن دخلت على مثبت نفته‪ ،‬وإن دخلت على نفي أثبتت ما بعده؛‬ ‫ِ‬
‫ِابلْبَن َ‬
‫اَّللُ بِ َكاف َعْب َدهُ﴾ أي‪ :‬هللا كاف عبده‪.‬‬ ‫حنو‪﴿ :‬أَلَْي َ‬
‫س َّ‬
‫‪ -3‬اإلنكار التوبيخي‪ :‬فيقتضي أن ما بعدها واقع‪ ،‬وأن فاعله ملوم؛ حنو‪﴿ :‬أَتَ ْعبُ ُدو َن َما تَْن ِحتُو َن﴾‪.‬‬
‫‪ -4‬التقرير‪ :‬ومعناه محلك املخاطب على اإلقرار واالعرتاف أبمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه‪ ،‬وجيب أن‬
‫ت َه َذا﴾‬ ‫مفعوال أو غري ذلك‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬أَأَنْ َ‬
‫ت فَ َعلْ َ‬ ‫فاعال أو ً‬ ‫فعال أو ً‬ ‫يليها الشيء الذي تقرره به ً‬
‫حمتمل إلرادة االستفهام احلقيقي أبن يكونوا مل يعلموا أبنه الفاعل‪ ،‬وإلرادة التقرير؛ أبن يكونوا قد علموا‪،‬‬
‫وعليه فهو من ابب التقرير ابلفاعل‪ ،‬ويشهد له إجابته بقوله‪﴿ :‬بَ ْل فَ َعلَهُ َكبِريُُه ْم َه َذا﴾ مما يدل على أهنم‬
‫سألوا عن الفاعل‪.‬‬
‫ك َأتْ ُم ُرَك أَ ْن نَْرتُ َك َما يَ ْعبُ ُد َ‬
‫آاب ُؤ ََن﴾‪.‬‬ ‫َصالتُ َ‬‫بأ َ‬ ‫‪ -5‬التهكم‪ :‬حنو‪َ ﴿ :‬اي ُش َعْي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َسلَ ْمتُ ْم﴾ أي‪ :‬أسلموا‪.‬‬ ‫ني أَأ ْ‬‫اب َو ْاألُميِ َ‬‫ين أُوتُوا الْكتَ َ‬ ‫‪ -6‬األمر‪ :‬حنو‪َ ﴿ :‬وقُ ْل للَّذ َ‬
‫ك َكيف م َّد ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الظ َّل﴾‪.‬‬ ‫‪ -7‬التعجب‪ :‬حنو‪﴿ :‬أََملْ تَ َر إ َىل َرب َ ْ َ َ‬
‫ِِِ‬
‫وهبُ ْم﴾‪.‬‬ ‫ين َآمنُوا أَ ْن َختْ َش َع قُلُ ُ‬ ‫‪ -8‬االستبطاء‪ :‬حنو‪﴿ :‬أََملْ َأيْن للَّذ َ‬
‫"إذ"‪:‬‬
‫األصل فيها أهنا للزمان املاضي‪ ،‬واشرتط أن تكون ظرفًا أو مضافًا إليها الظرف‪ ،‬مثل‪َ ﴿ :‬وأَنْتُ ْم ِحينَئِذ‬
‫تَْنظُُرو َن﴾‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫وتقع "إذ" للتعليل؛ كما يف قوله‪﴿ :‬ولَن ي ْن َفع ُكم الْي وم إِ ْذ ظَلَمتُم أَنَّ ُكم ِيف الْع َذ ِ‬
‫اب ُم ْش َِرتُكو َن﴾‪ ،‬وعلل هبا ألن‬ ‫ْْ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ ََْ‬
‫سبب عدم النفع الظلم الواقع يف املاضي‪.‬‬
‫ك لِْل َمالئِ َك ِة﴾ وهذا يف املاضي‪ ،‬وال بد من إضافتها إىل َجلة امسية أو‬ ‫وترد للتوكيد والتحقيق‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ قَ َ‬
‫ال َربُّ َ‬
‫فعلية ماضية ولو يف املعىن‪ ،‬ويعوض عن اإلضافة ابلتنوين‪.‬‬
‫"إذا"‪:‬‬
‫تكون على وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬املفاجأة‪ :‬وختصص ابجلمل االمسية وال جواب هلا‪ ،‬ال تقع يف ابتداء الكالم‪ ،‬وهي للحال‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ت أَيْ ِدي ِه ْم إِذَا ُه ْم يَ ْقنَطُو َن﴾ فالقنوط فاجأهم وقت إصابتهم‪ ،‬أو يف مكان‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿ َوإ ْن تُصْب ُه ْم َسيِئَةٌ مبَا قَد َ‬
‫َّم ْ‬
‫إصابتهم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن "إذا" الفجائية ظرف مكان‪ ،‬وقيل‪ :‬ظرف زمان‪ ،‬وقيل‪ :‬حرف‪.‬‬
‫ثنيهما‪ :‬أهنا ظرف ملا يُستقبل من الزمان‪ ،‬وحينئذ تكون عكس الفجائية فتقع يف االبتداء وختتص ابجلمل‬
‫الفعلية‪ ،‬وهلا جواب؛ ألهنا متضمنة معىن الشرط‪.‬‬
‫َّها ِر إِذَا َجتَلَّى﴾ فإن الغيشان‬ ‫وقد خترج عن االستقبال إىل احلال لبيان القدرة؛ حنو‪َ ﴿ :‬واللَّْي ِل إِذَا يَ ْغ َشى‪َ ،‬والن َ‬
‫مقارن لليل‪ ،‬وكذا التجلي مقارن للنهار‪.‬‬
‫اىل﴾‪.‬‬ ‫صالةِ قَ ُاموا ُك َس َ‬‫وقد تكون لبيان أن احلال مل يتغري عما هو عليه؛ حنو‪َ ﴿ :‬وإِ َذا قَ ُاموا إِ َىل ال َّ‬
‫ين َآمنُوا إِذَا قُ ْمتُ ْم إِ َىل‬ ‫َّ ِ‬
‫وختتص "إذا" ابلدخول على كثري الوقوع واملتيقن واملظنون‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫الصالةِ فَا ْغ ِسلُوا﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫"إذن"‪:‬‬
‫اَّللُ ِم ْن َولَد َوَما َكا َن‬
‫ومعناها اجلواب واجلزاء‪ ،‬وإذا كان بعدها "الالم" كانت جو ًااب ل "لو"؛ حنو‪َ ﴿ :‬ما َّاختَ َذ َّ‬
‫ب ُك ُّل إِلَه ِمبَا َخلَ َق﴾ والتقدير‪ :‬لو كان معه من إله إذن لذهب‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َم َعهُ م ْن إلَه إ ًذا لَ َذ َه َ‬
‫"أف"‪:‬‬
‫قذرا‪.‬‬
‫اسم فعل ماض أو مضارع أو أمر‪ .‬ومعناها‪ :‬الضجر أو بئس أو شيئًا ً‬
‫"أل"‪:‬‬
‫على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬موصولة‪ :‬وهي الداخلة على األمساء املوصولة‪ ،‬وأمساء الفاعلني‪ ،‬واملفعولني‪ ،‬وهل هي اسم موصول أو‬
‫حرف موصول أو حرف تعريف؟‬
‫‪ -2‬حرف تعريف‪ :‬وهي إما جنسية أو عهدية‪ ،‬وكل من القسمني ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪9‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ول﴾‪ ،‬وضابط هذه أن يسد‬ ‫صى فِْر َع ْو ُن َّ‬
‫الر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫فالعهد إما ذكري؛ حنو‪َ ﴿ :‬ك َما أ َْر َس ْلنَا إِ َىل ف ْر َع ْو َن َر ُس ًوال‪ ،‬فَ َع َ‬
‫الضمري مسدها ويسد مدخوهلا‪ ،‬نقول‪ :‬فعصاه‪ ،‬وإما ذهين؛ حنو‪﴿ :‬إِ ْذ ُمهَا ِيف الْغَا ِر﴾‪ ،‬وإما حضوري؛ حنو‪:‬‬
‫ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم﴾‪.‬‬
‫﴿الْيَ ْوَم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫ضعِي ًفا﴾‪،‬‬ ‫وال اجلنسية‪ :‬إما الستغراق األفراد‪ ،‬وهي اليت حتل حملها "كل" على احلقيقة؛ حنو‪﴿ :‬و ُخلِ َق ِْ‬
‫اإلنْ َسا ُن َ‬ ‫َ‬
‫اب﴾‪ ،‬أو لتعريف املاهية واحلقيقة‬ ‫أو االستغراق اخلصائصي‪ :‬وحتل حملها "كل" جمازا؛ حنو‪َ ﴿ :‬ذلِ َ ِ‬
‫ك الْكتَ ُ‬ ‫ً‬
‫واجلنس؛ حنو‪َ ﴿ :‬و َج َع ْلنَا ِم َن الْ َم ِاء ُك َّل َش ْيء َحي﴾‪ ،‬واملراد‪ :‬ماء خمصوص ال مطلق املاء‪ ،‬وهبذا تتميز عن‬
‫"أل" الداخلة على النكرة إن كانت اسم جنس؛ حنو‪ :‬الرهط‪.‬‬
‫"أال" ابلفتح والتخفيف‪:‬‬
‫ا‬
‫وهي للتنبيه‪ ،‬وتدل على التحقيق؛ ألهنا مركبة من مهزة االستفهام التقريري‪ ،‬وال النافية‪ ،‬وتدخل على اجلمل‬
‫االمسية؛ حنو‪﴿ :‬أَال إِ َّن أ َْولِيَاءَ َّ‬
‫اَّللِ﴾‪.‬‬
‫وأتيت للتحضيض وهو الطلب‪ ،‬والعرض وهو الطلب بلني‪ ،‬وتدخل على اجلمل الفعلية فقط؛ حنو‪﴿ :‬قَ ْوَم‬
‫فِْر َع ْو َن أَال يَتَّ ُقو َن﴾‪.‬‬
‫"أال" ابلفتح والتشديد‪:‬‬ ‫ا‬
‫وهي للتحضيض‪ ،‬وعليه خرج‪﴿ :‬أََّال يَ ْس ُج ُدوا ََِّّللِ﴾‪.‬‬
‫َجر إَِّال َم ْن‬ ‫ِِ‬
‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْيه م ْن أ ْ‬
‫منقطعا ﴿قُ ْل َما أ ْ‬
‫ً‬ ‫واألصل فيها أهنا لالستثناء متص ًال ﴿ َما فَ َعلُوهُ إَِّال قَلِيلٌ﴾ أو‬
‫َّخ َذ إِ َىل َربِِه َسبِ ًيال﴾‪.‬‬ ‫َشاء أَ ْن ي ت ِ‬
‫َ َ‬
‫اَّللُ﴾ والتقدير‪ :‬غري هللا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقد ترد مبعىن غري؛ حنو‪﴿ :‬لَ ْو َكا َن في ِه َما آهلَةٌ إَِّال َّ‬
‫ك الْ ُق ْرآ َن لِتَ ْش َقى‪ ،‬إَِّال تَ ْذكَِرةً﴾‪ ،‬وال ريب أن‬‫وقيل‪ :‬ترد "إال" مبعىن "بل"‪ ،‬وخرج عليه‪َ ﴿ :‬ما أَنْ َزلْنَا َعلَْي َ‬
‫اإلضراب واالستثناء أخوان‪.‬‬
‫‪" -‬إىل" ابلكسر والتخفيف‪:‬‬
‫أصلها النتهاء الغاية املكانية أو الزمانية أو املطلقة؛ حنو‪﴿ :‬إِ َىل الْمس ِج ِد ْاألَقْصى﴾ وحنو‪﴿ :‬أَِمتُّوا ِ‬
‫الصيَ َام إِ َىل‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬‫صا ِري إِ َىل َّ‬ ‫اللَّي ِل﴾ وحنو‪ُُ ﴿ :‬ثَّ رُّدوا إِ َىل َِّ‬
‫اَّلل﴾‪ ،‬والتقدير‪ :‬من يضيف‬ ‫اَّلل﴾‪ ،‬وقد أتيت مبعىن "مع"؛ حنو‪َ ﴿ :‬م ْن أَنْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫نصرته إىل نصرة هللا؟‬
‫وتكون إىل مبعىن "مع" يف حالة ضم شيء إىل شيء واحلكم به أو عليه أو التعليق عليه؛ حنو‪َ ﴿ :‬وأَيْ ِديَ ُك ْم إِ َىل‬
‫الْ َمَرافِ ِق﴾ وحنو‪َ ﴿ :‬وال َأتْ ُكلُوا أ َْم َوا َهلُْم إِ َىل أ َْم َوالِ ُك ْم﴾‪.‬‬
‫‪" -‬اللهم"‪:‬‬
‫قيل‪ :‬أصله "اي أهلل" ﴿ َوإِ ْذ قَالُوا اللَّ ُه َّم﴾‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫‪"-‬إِ ْن" ابلكسر والتخفيف‪ ،‬وأتيت على أوجه‪:‬‬
‫ف﴾‪.‬‬‫شرطية‪﴿ :‬إِ ْن يَْن تَ ُهوا يُ ْغ َف ْر َهلُْم َما قَ ْد َسلَ َ‬
‫ِِ‬ ‫َّخ َذ َهلوا َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾‪ ،‬وقوله‬ ‫الختَ ْذ ََنهُ م ْن لَ ُد ََّن إِ ْن ُكنَّا فَاعل َ‬ ‫وترد "إن" مبعىن النفي؛ كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬لَْو أ ََرْد ََن أَ ْن نَت ًْ‬
‫ت تَِقيًّا﴾‪.‬‬ ‫ك إِ ْن ُكْن َ‬ ‫جل شأنه‪﴿ :‬إِ ْن ِعْن َد ُك ْم ِم ْن ُس ْلطَان ِهبَ َذا﴾‪ ،‬أي ال يوجد‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬أَعُوذُ ِاب َّلر ْمحَ ِن ِمْن َ‬
‫وقيل‪ :‬كل شيء يف القرآن فيه "إن" فهو لإلنكار‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫وقد أتيت فيها التعليل؛ كما يف قوله‪﴿ :‬وأ ِ‬
‫ني﴾‪.‬‬‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ إِ ْن ُكْن تُ ْم ُم ْؤمن َ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫َ‬
‫الذ ْكَرى﴾‪ ،‬ومنهم َمن أبقاها على الشرطية وقدر "وإن مل تنفع"‪،‬‬ ‫ت ِ‬ ‫وقد ترد مبعىن "قد" حنو‪﴿ :‬فَ َذكِر إِ ْن نَ َفع ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وقيل‪ :‬هي ابقية على الشرطية الستبعاد انتفاعهم‪.‬‬
‫وقد وقع االشرتاط هبا يف ستة مواضع‪ ،‬والشرط غري مراد‪ ،‬وقد ذكر التسجيل احلالة فقط‪َ ﴿ :‬وال تُ ْك ِرُهوا‬
‫صنًا﴾ يف حالة إرادة اإلماء التحصن يتحقق إكراه السادة هلن على البغي‪،‬‬ ‫فَتَ يَاتِ ُك ْم َعلَى الْبِغَ ِاء إِ ْن أ ََرْد َن َحتَ ُّ‬
‫اَّللِ إِ ْن ُكْن تُ ْم إِ َّايهُ تَ ْعبُ ُدو َن﴾‬
‫ت َّ‬ ‫ِ‬
‫فإن مل يردن حتصنًا فال إكراه؛ ألهنن يف تلك احلالة راضيات‪َ ﴿ ،‬وا ْش ُك ُروا ن ْع َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضةٌ﴾ فكوهنم‬ ‫فكوهنم مفردين هللا ابلعبادة أدعى للشكر‪َ ﴿ ،‬وإِ ْن ُكْن تُ ْم َعلَى َس َفر َوَملْ َجت ُدوا َكاتبًا فَ ِرَها ٌن َم ْقبُ َ‬
‫يف حال السفر ومل جيدوا كاتبًا أدعى لتوثيق الدين برهان مقبوضة‪ ،‬فإن كانوا مقيمني‪ ،‬واحتاجوا لتوثيق‬
‫يض ِم ْن نِ َسائِ ُك ْم إِ ِن ْارتَْب تُ ْم فَعِ َّد ُُتُ َّن ثَالثَةُ أَ ْش ُهر﴾ يف‬ ‫الالئِي يَئِ ْس َن ِم َن الْ َم ِح ِ‬‫الدين ابلرهن؛ فال أبس‪َ ﴿ ،‬و َّ‬
‫اح‬
‫س َعلَْي ُك ْم ُجنَ ٌ‬ ‫أيضا من األصل أدعى لالرتياب‪﴿ ،‬فَلَْي َ‬ ‫حاليت اليأس من احليض ببلوغ السن وعدم احليض ً‬
‫َح ُّق بَِرِد ِه َّن ِيف‬
‫الصالة إ ْن خ ْفتُ ْم﴾ واخلوف مع السفر أدعى لقصر الصالة‪َ ﴿ ،‬وبُعُولَتُ ُه َّن أ َ‬
‫أَ ْن تَ ْقصروا ِمن َّ ِ ِ ِ‬
‫ُُ َ‬
‫ِ‬
‫الحا﴾ الواجب على الزوج يف حالة مراجعة الزوجة أن يريد بذلك اإلصالح‪.‬‬ ‫ص ً‬ ‫ك إِ ْن أ ََر ُادوا إِ ْ‬
‫ذَل َ‬
‫‪" -‬أا ْن" ابلفتح والتخفيف‪ ،‬تقع على أوجه‪:‬‬
‫‪ -1‬موصول حريف‪ :‬وينصب املضارع بعدها‪.‬‬
‫‪ -2‬خمففة من الثقيلة‪ :‬وهي الواقعة بعد فعل اليقني أو الظن القريب منه‪﴿ :‬أَفَال يََرْو َن أََّال يَ ْرِج ُع إِلَْي ِه ْم قَ ْوًال﴾‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ك﴾‪ .‬وزائدة‬ ‫‪ -3‬مفسرة‪ :‬وهي املسبوقة جبملة فيها معىن القول دون حروفه؛ حنو‪﴿ :‬فَأَْو َحْي نَا إِلَْيه أَن ْ‬
‫اصنَ ِع الْ ُف ْل َ‬
‫ت ُر ُسلُنَا﴾‪.‬‬‫للتوكيد؛ حنو‪َ ﴿ :‬ولَ َّما أَ ْن َجاءَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُخَرى﴾‪.‬‬ ‫‪ -4‬شرطية كاملكسورة‪ :‬حنو‪﴿ :‬أَ ْن تَض َّل إِ ْح َد ُامهَا فَتُ َذكَر إِ ْح َد ُامهَا ْاأل ْ‬
‫َح ٌد ِمثْ َل َما أُوتِيتُ ْم﴾‪.‬‬ ‫‪َ -5‬نفية‪ :‬حنو‪﴿ :‬قُل إِ َّن ا ْهل َدى ه َدى َِّ‬
‫اَّلل أَ ْن يُ ْؤتَى أ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫‪ -6‬تعليلية‪ :‬حنو‪﴿ :‬بَ ْل َعجبُوا أَ ْن َجاءَ ُه ْم﴾‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫‪" -‬إِ ان" ابلكسر والتشديد‪:‬‬
‫أتيت للتوكيد والتحقيق‪ ،‬والتوكيد هبا أقوى من التوكيد ب "الالم"‪ .‬وتقع جو ًااب عن سؤال ظاهر أو مقدر‪ ،‬وفيها‬
‫ك َس َك ٌن َهلُْم﴾‪.‬‬ ‫صالتَ َ‬ ‫ص ِل َعلَْي ِه ْم إِ َّن َ‬ ‫معىن التعليل‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫احَر ِان﴾‪.‬‬ ‫وقد ترد مبعىن "نعم" ويبطل عملها‪﴿ :‬إِ ْن ه َذ ِان لَس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪" -‬أا ان" ابلفتح والتشديد‪:‬‬
‫اَّللَ َعلَى ُك ِل َش ْيء قَ ِد ٌير﴾ أي‪ :‬قدرته‪.‬‬ ‫َن َّ‬‫للتوكيد‪﴿ :‬لِتَ ْعلَ ُموا أ َّ‬
‫ت ال يُ ْؤِمنُو َن﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وترد مبعىن "لعل"؛ حنو‪َ ﴿ :‬وَما يُ ْشع ُرُك ْم أ ََّهنَا إِ َذا َجاءَ ْ‬
‫"أو"‪:‬‬
‫ض يَ ْوم﴾‪.‬‬ ‫ترد ملعاين الشك من املتكلم؛ حنو‪﴿ :‬لَبِثْ نَا يَ ْوًما أ َْو بَ ْع َ‬
‫ضالل ُمبِني﴾‪.‬‬ ‫دى أ َْو ِيف َ‬ ‫ِ ِ‬
‫واإلهبام على السامع ليفكر‪َ ﴿ :‬وإ ََّن أ َْو إ َّاي ُك ْم لَ َعلَى ُه ً‬
‫وت آابئِ ُكم أَو ب ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وت‬ ‫ولإلابحة اليت ال ميتنع فيها اجلمع توسعة ﴿ َوال َعلَى أَنْ ُفس ُك ْم أَ ْن َأتْ ُكلُوا م ْن بُيُوت ُك ْم أ َْو بُيُ َ ْ ْ ُُ‬
‫صلَّبُوا أ َْو تُ َقطَّ َع‬ ‫ِ‬
‫أ َُّم َهات ُك ْم﴾ اآلية‪ .‬وللتخيري الذي ميتنع فيه اجلمع لالكتفاء بواحد؛ ومثاله‪﴿ :‬أَ ْن يُ َقتَّلُوا أ َْو يُ َ‬
‫ض﴾ عند َمن جعل اخلرية لإلمام‪.‬‬ ‫أَيْ ِدي ِه ْم َوأ َْر ُجلُ ُه ْم ِم ْن ِخالف أ َْو يُْن َف ْوا ِم َن ْاألَْر ِ‬
‫ت﴾‪.‬‬ ‫ك أ َُّمةٌ قَ ْد َخلَ ْ‬ ‫ص َارى﴾ بعد قوله‪﴿ :‬تِلْ َ‬ ‫ودا أ َْو نَ َ‬
‫وللتفصيل بعد اإلَجال ملزيد اإليضاح‪َ ﴿ :‬وقَالُوا ُكونُوا ُه ً‬
‫يدو َن﴾ وملطلق اجلمع كالواو؛ لبيان أن أي شيء‬ ‫واإلضراب للفت النظر‪َ ﴿ :‬وأ َْر َس ْلنَاهُ إِ َىل ِمائَِة أَلْف أ َْو يَِز ُ‬
‫يتحقق فهو مفيد‪﴿ :‬لَ َعلَّهُ يَتَ َذ َّك ُر أ َْو َُيْ َشى﴾‪.‬‬
‫ِ‬
‫اح َعلَْي ُك ْم إِ ْن طَلَّ ْقتُ ُم الن َساءَ َما َملْ‬ ‫ومبعىن "إال" االستثنائية‪ ،‬أو "إىل" الغائية؛ كما يف قوله تعاىل‪َ﴿ :‬ال ُجنَ َ‬
‫يضةً﴾‪.‬‬ ‫ضوا َهلُ َّن فَ ِر َ‬‫وه َّن أ َْو تَ ْف ِر ُ‬
‫متََ ُّس ُ‬
‫وإذا وقعت "أو" بعد النهي وجب اجتناب الكل؛ ألهنا يف تلك احلالة نقيضة "أو" اإلابحية‪َ ﴿ :‬وال تُ ِط ْع‬
‫ِمْن ُه ْم ِآمثًا أ َْو َك ُف ًورا﴾‪.‬‬
‫واألصل يف "أو" أهنا لعدم التشريك نقيض الواو؛ ولذا يعود الضمري يف "أو" على واحد من قسميها؛ حنو‪:‬‬
‫عمرا‪ ،‬فإن ضربته أي‪ :‬أحدمها‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬إِ ْن يَ ُك ْن َغنِيًّا أ َْو فَِق ًريا فَ َّ‬
‫اَّللُ أ َْوَىل هبِِ َما﴾‬ ‫يدا أو ً‬ ‫اضرب ز ً‬
‫فالتقدير‪ :‬إن يكن اخلصمان‪ ،‬وقيل "أو" مبعىن "الواو"؛ لعود الضمري على كليهما‪.‬‬
‫"الباء"‪:‬‬
‫حرف جر له معان أشهرها‪:‬‬
‫اإللصاق‪ :‬وهو تعلق أحد املعنيني ابآلخر حقيقة؛ حنو‪﴿ :‬وامسحوا بِرُؤ ِ‬
‫وس ُكم﴾‪ ،‬أو جم ًازا؛ حنو‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َمُّروا‬ ‫َْ َ ُ ُ‬
‫هبِِ ْم يَتَ غَ َام ُزو َن﴾‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫اَّللُ بِنُوِرِه ْم﴾‪.‬‬ ‫ب َّ‬
‫وأتيت للتعدية‪ :‬كاهلمزة ﴿ذَ َه َ‬
‫اَّللِ﴾‪.‬‬
‫ولالستعانة‪ :‬وهي الداخلة على آلة الفعل ﴿بِ ْس ِم َّ‬
‫والتسبب والتعليل إذا كان مدخوهلا كذلك ﴿إِنَّ ُك ْم ظَلَ ْمتُ ْم أَنْ ُف َس ُك ْم ِاب ِختَ ِاذ ُك ُم الْعِ ْج َل﴾‪.‬‬
‫ومبعىن "مع"‪ :‬لبيان املصاحبة وعدم املفارقة‪ْ ﴿ :‬اهبِ ْط بِ َسالم﴾‪.‬‬
‫اَّللُ بِبَ ْدر﴾‪.‬‬‫صَرُك ُم َّ‬ ‫مكاَن‪﴿ :‬نَ َ‬ ‫اه ْم بِ َس َحر﴾‪ ،‬أو ً‬ ‫زماَن‪َ ﴿ :‬جنَّْي نَ ُ‬
‫وللظرفية‪ :‬لبيان االستقرار ً‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ك﴾‪.‬‬ ‫ولالستعالء‪ :‬لبيان الرفعة يف املكانة‪َ ﴿ :‬م ْن إِ ْن َأتَْمْنهُ بِقْنطَار يُ َؤده إِلَْي َ‬
‫ني أَيْ ِدي ِه ْم َو ِأبَْميَاهنِِ ْم﴾‪.‬‬
‫ورُه ْم بَْ َ‬
‫وللمجاوزة‪ :‬لبيان الشمول‪﴿ :‬يَ ْس َعى نُ ُ‬
‫الس ْج ِن﴾‪.‬‬ ‫وللغاية‪ :‬لبيان الشعور أبنه املقصود‪﴿ :‬وقَ ْد أَحسن ِيب إِ ْذ أَخرج ِين ِمن ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫ِ‬
‫تفضال‪ْ ﴿ :‬اد ُخلُوا ا ْجلَنَّةَ مبَا ُكْن تُ ْم تَ ْع َملُو َن﴾‪.‬‬ ‫وللمعاوضة‪ :‬لبيان الفضل؛ ألن املعطي يُعطي ً‬
‫يدا﴾‪.‬‬ ‫وللتوكيد‪ :‬لبيان مزيد االتصال‪ ،‬وأنه ليس كغريه‪َ ﴿ :‬ك َفى ِاب ََّّللِ َش ِه ً‬
‫"بل"‪:‬‬
‫إن تالها َجلة فهي لإلضراب‪ ،‬إما اإلبطاِل؛ أي‪ :‬إبطال ما قبلها وإثبات ما بعهدها‪َ ﴿ :‬وقَالُوا َّاختَ َذ َّ‬
‫الر ْمحَ ُن‬
‫اد ُم ْكَرُمو َن﴾‪.‬‬ ‫َولَ ًدا ُسْب َحانَهُ بَ ْل ِعبَ ٌ‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫وإما لإلضراب االنتقاِل‪ ،‬ومعناه‪ :‬إبقاء ما قبلها على ما هو عليه‪ ،‬وإثبات ما بعدها؛ حنو‪َ ﴿ :‬ولَ َديْنَا كتَ ٌ‬
‫وهبُ ْم ِيف َغ ْمَرة ِم ْن َه َذا﴾‪.‬‬
‫يَْن ِط ُق ِاب ْحلَ ِق َوُه ْم ال يُظْلَ ُمو َن‪ ،‬بَ ْل قُلُ ُ‬
‫‪" -‬بلى"‪:‬‬
‫وت بَلَى﴾‪ ،‬فقد ردت النفي السابق وأثبتت نقيضه‪.‬‬ ‫اَّللُ َم ْن َميُ ُ‬
‫ث َّ‬ ‫ردا لنفي سبقها؛ كقوله‪﴿ :‬ال يَْب َع ُ‬
‫إما أن تقع ًّ‬
‫األنْ َسا ُن أَلَّ ْن َْجن َم َع ِعظَ َامهُ‪،‬‬
‫وإما أن تقع جوااب الستفهام دخل على النفي فتفيد إثبات ما نفي‪﴿ :‬أ ََحيسب ِْ‬
‫َْ ُ‬ ‫ً‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫بَلَى قَادر َ‬
‫‪" -‬بئس"‪:‬‬
‫ين﴾‪.‬‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫س َمثْ َوى الْ ُمتَ َكرب َ‬
‫فعل إلنشاء الذم‪﴿ :‬فَلَبْئ َ‬
‫‪" -‬التاء"‪:‬‬
‫حرف جر معناه القسم ابهلل‪ ،‬ويفيد معىن التعجب‪َ ﴿ :‬و ََت ََّّللِ َألَكِ َ‬
‫يد َّن أ ْ‬
‫َصنَ َام ُك ْم﴾‪.‬‬
‫‪" -‬حىت"‪:‬‬
‫حرف النتهاء الغاية‪ ،‬ختتلف عن "إىل" يف أهنا ال جتر إال الظاهر‪ ،‬والفعل بعدها ينقضي شيئًا فشيئًا‪ ،‬وال‬
‫الم ِه َي َح َّىت َمطْلَ ِع الْ َف ْج ِر﴾‪.‬‬
‫يقابل هبا االبتداء‪ ،‬وال جتر إال اآلخر املسبوق بذي أجزاء واملالقي له‪َ ﴿ :‬س ٌ‬

‫‪13‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫وسى﴾‪ ،‬أو مبعىن "كي"؛ إلرادة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ني َح َّىت يَ ْرج َع إلَْي نَا ُم َ‬
‫وهي إما مبعىن "إىل"؛ حنو‪﴿ :‬لَ ْن نَْ َرب َح َعلَْيه َعاكف َ‬
‫ضوا﴾‪،‬‬ ‫اَّللِ َح َّىت يَْن َف ُّ‬
‫ول َّ‬ ‫االستمرار يف املطلوب‪ ،‬وأنه علة حيرص على حتققها‪﴿ :‬ال تُْن ِف ُقوا َعلَى من ِعْن َد رس ِ‬
‫َُ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫َحد َح َّىت يَ ُقوال إَِّمنَا َْحن ُن فْت نَةٌ فَال‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫أو مبعىن "إال" االستثنانية؛ لبيان االبتداء مبا بعد حىت‪َ ﴿ :‬وَما يُ َعل َمان م ْن أ َ‬
‫تَ ْك ُف ْر﴾‪.‬‬
‫"على"‪:‬‬
‫ب﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لالستعالء احلسي‪َ ﴿ :‬و َعلَى الْ ُف ْلك ُْحت َملُو َن﴾‪ ،‬أو املعنوي‪َ ﴿ :‬وَهلُْم َعلَ َّي ذَنْ ٌ‬
‫ال‬ ‫ك لَ ُذو َم ْغ ِفَرة لِلن ِ‬
‫َّاس َعلَى ظُْل ِم ِه ْم﴾‪َ ﴿ ،‬وآتَى الْ َم َ‬ ‫وترد للمصاحبة؛ وذلك لبيان اإليثار والتفضل‪َ ﴿ :‬وإِ َّن َربَّ َ‬
‫َعلَى ُحبِ ِه﴾‪.‬‬
‫وآثر التعبري ب "على"؛ ليبني غلبة املغفرة لظلم الناس‪ ،‬وكأنه من ابب‪" :‬سبقت رمحيت غضيب"‪.‬‬
‫ويف إيتاء املال على حبه؛ الستعالء املنفق وسيطرته على ما يف اإلنسان من حرص‪.‬‬
‫وترد "على" مبعىن "من" االبتدائية؛ لبيان السيطرة؛ حنو‪َ ﴿ :‬علَى الن ِ‬
‫َّاس يَ ْستَ ْوفُو َن﴾‪.‬‬
‫اَّللَ َعلَى َما َه َدا ُك ْم﴾‪ ،‬والسر يف اختيارها على "الالم"؛ ألن تعظيم هللا جيب أن‬ ‫والتعليل؛ حنو‪َ ﴿ :‬ولِتُ َكِربُوا َّ‬
‫يكون أعلى وفوق كل شيء‪.‬‬
‫ني َغ ْفلَة﴾ ألن دخوله كان فيه غلبة هلم؛ إذ لو تيقظوا ملنعوه‬ ‫وترد للظرف؛ حنو‪﴿ :‬وَد َخل الْم ِدينَةَ َعلَى ِح ِ‬
‫َ َ َ‬
‫من الدخول‪.‬‬
‫ول﴾‪.‬‬‫يق َعلَى أَ ْن ال أَقُ َ‬ ‫ِ‬
‫وترد مبعىن "الباء"؛ لبيان اخلضوع‪َ ﴿ :‬حق ٌ‬
‫ب َعلَى نَ ْف ِس ِه َّ‬
‫الر ْمحَةَ﴾‪.‬‬ ‫وترد للتوكيد‪َ ﴿ :‬كتَ َ‬
‫ِ‬
‫وت﴾‪.‬‬ ‫ولإلسناد واإلضافة‪َ ﴿ :‬وتَ َوَّك ْل َعلَى ا ْحلَ ِي الَّذي ال َميُ ُ‬
‫تفضال بذلك‪.‬‬ ‫والسر يف "على" هذا لبيان أن هللا يتكفل بعبده يف كل شيء؛ كأنه ألزم نفسه ً‬
‫‪" -‬عسى"‪:‬‬
‫ومعناها‪ :‬الرتجي يف احملبوب واإلشفاق يف املكروه‪َ ﴿ :‬و َع َسى أَ ْن تَ ْكَرُهوا َشْي ئًا َوُه َو َخ ْريٌ لَ ُك ْم َو َع َسى أَ ْن ُِحتبُّوا‬
‫ض الَّ ِذي تَ ْستَ ْع ِجلُو َن﴾‪.‬‬ ‫َشْي ئًا َوُه َو َشٌّر لَ ُك ْم﴾‪ ،‬وللقرب‪﴿ :‬قُ ْل َع َسى أَ ْن يَ ُكو َن َرِد َ‬
‫ف لَ ُك ْم بَ ْع ُ‬
‫استفهاما َجعت‪ ،‬ومعناها أخربمت‪﴿ :‬فَ َه ْل َع َسْي تُ ْم إِ ْن تَ َولَّْي تُ ْم أَ ْن تُ ْف ِس ُدوا‬ ‫ً‬ ‫خربا أفردت‪ ،‬وإن وردت‬‫وإذا وردت ً‬
‫ض﴾‪.‬‬ ‫ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫قيل‪ :‬كل "عسى" يف القرآن واجبة الوقوع‪ ،‬وهلا جانبان‪ :‬ما يتعلق ابهلل‪ ،‬وسبيله القطع‪ ،‬وما يتعلق ابلعباد‪،‬‬
‫وسبيله الظن‪ ،‬من أجل ذلك هي من هللا للقطع‪ ،‬ومن العباد للرجاء حىت ال يفارقهم اخلوف‪.‬‬
‫وهل "عسى" فعل ماض يف اللفظ واملعىن‪ ،‬أو هي ماض يف اللفظ‪ ،‬مستقبل يف املعىن؟ وقيل‪ :‬بكل‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫"لك ان" ابلتشديد‪:‬‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مناقضا ملا ثبت قبلها‪َ ﴿ :‬وَما َك َفَر ُسلَْي َما ُن َولَك َّن الشَّيَاط َ‬
‫ً‬ ‫حكما‬
‫لالستدراك‪ ،‬ومعناه‪ :‬إثبات ملا بعدها ً‬
‫َك َف ُروا﴾‪ ،‬وقيل‪ :‬هي لالستدراك ورفع التوهم‪ ،‬وأصلها خمففة (لكن)‪ ،‬وبعدها "إن"‪ ،‬فخذفت اهلمزة اللتقاء‬
‫الساكنني‪.‬‬
‫"لكن" املخففة فلالستدراك ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫أما ْ‬
‫اَّللُ َولَ ِك ْن أَنْ ُف َس ُه ْم يَظْلِ ُمو َن﴾‪.‬‬
‫وقد تُسبق حبرف العطف‪َ ﴿ :‬وَما ظَلَ َم ُه ُم َّ‬
‫اَّللُ يَ ْش َه ُد﴾‪.‬‬‫وقد تكون "و" العاطفة إن تالها مفرد‪﴿ :‬لَ ِك ِن َّ‬
‫‪" -‬لعل"‪:‬‬
‫أشهر معانيها‪ :‬التوقع والتوكيد لذلك‪.‬‬
‫َج ًيعا أَيُّ َها الْ ُم ْؤِمنُو َن لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو َن﴾‪،‬‬
‫اَّللِ َِ‬
‫ومعىن التوقع‪ :‬الرتجي يف احملبوب واإلشفاق يف املكروه‪َ ﴿ :‬وتُوبُوا إِ َىل َّ‬
‫يب﴾‪.‬‬ ‫اعةَ قَ ِر ٌ‬
‫الس َ‬
‫يك لَ َع َّل َّ‬‫﴿ َوَما يُ ْد ِر َ‬
‫وترد للتعليل الستبعاد الوقوع‪﴿ :‬فَ ُقوال لَهُ قَ ْوًال لَيِنًا لَ َعلَّهُ يَتَ َذ َّك ُر أ َْو َُيْ َشى﴾ وترد لالستفهام‪َ ﴿ :‬وَما يُ ْد ِر َ‬
‫يك‬
‫لَ َعلَّهُ يََّزَّكى﴾ وعدل عنه لكون التزكية من هللا‪ ،‬وأن احلرص على هداية املدعويني من مهمات الدعاة‪.‬‬
‫صانِ َع لَ َعلَّ ُك ْم َختْلُ ُدو َن﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وللتشبيه‪َ ﴿ :‬وتَتَّخ ُذو َن َم َ‬

‫‪15‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫اإلعراب وغري املشهور من اللغات‬

‫ك لِتَ ُكو َن‬


‫ني‪َ ،‬علَى قَ ْلبِ َ‬ ‫ِ‬
‫وح ْاألَم ُ‬‫آَن َعَربِيًّا لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْع ِقلُون﴾‪ ،‬وقال‪﴿ :‬نََزَل بِِه ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫قال هللا تعاىل‪﴿ :‬إِ ََّن أَنْ َزلْنَاهُ قُ ْر ً‬
‫ين‪ ،‬بِلِ َسان َعَرِيب ُمبِني﴾‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫م َن الْ ُمْنذر َ‬
‫اإلعراب‪ :‬تغيري أواخر الكلم بسبب العوامل الداخلة عليه‪.‬‬
‫أو هو إظهار حركة آخر الكلمة لتفهم املعىن‪ ،‬ولتبيني الغرض الذي سيق من أجله الكالم‪.‬‬
‫العالقة بني اإلعراب وفهم املعاين‪:‬‬
‫إن اإلعراب فرع لفهم املعىن؛ إذ ال يستقيم إعراب ما مل تفهم املعىن‪ ،‬فال نستطيع أن منيز الفاعل عن املفعول‬
‫ومن وقع عليه ذلك الفعل‪.‬‬ ‫إال إذا علمنا َمن تعلق به الفعل َ‬
‫فعلى الناظر يف كتاب هللا تعاىل‪ ،‬والكاشف عن أسراره‪ ،‬النظر يف الكلمة وصيغتها وحملها وموقعها يف الكالم؛‬
‫من‪ :‬االبتداء أو اجلواب أو الطلب أو اإلخبار أو انتهاء الكالم أو غري ذلك‪.‬‬
‫عن حيىي بن عتيق قال‪ :‬قلت للحسن البصري‪ :‬اي أاب سعيد‪ ،‬الرجل يتعلم العربية يلتمس هبا ُح ْس َن املنطق‪،‬‬
‫ويقيم هبا قراءته‪ ،‬قال‪ :‬حسن اي ابن أخي‪ ،‬فتعلمها فإن الرجل يقرأ اآلية فيعيا بوجهها فيهلك فيها‪.‬‬
‫اك َسْب ًعا ِم َن الْ َمثَ ِاين﴾ إن كان املراد ابملثاين القرآن ف "من" للتبعيض‪ ،‬وإن أريد‬ ‫فمثال قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد آتَْي نَ َ‬
‫ً‬
‫هبا سورة الفاحتة ف "من" بيانية لسبع‪.‬‬
‫مفعوال مطل ًقا‪،‬‬ ‫مصدرا‪ ،‬أي‪ً :‬‬ ‫ً‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬إَِّال أَ ْن تَتَّ ُقوا ِمْن ُه ْم تُ َقاةً﴾ إن كان "تقاة" مبعىن االتقاء فتعرب‬
‫َجعا كرماة‪ ،‬فهي حال‪ ،‬فكلمة "تقاة" حيتمل أن‬ ‫فمفعوال به‪ ،‬وإن كانت ً‬ ‫ً‬ ‫أمرا يُتقى‪،‬‬ ‫وأن أريد متق‪ ،‬أي‪ً :‬‬
‫حاال‪ ،‬وال يُعرف املوقع اإلعرايب إال بعد حتديد املراد‬ ‫مفعوال به‪ ،‬وأن تكون ً‬ ‫مفعوال مطل ًقا‪ ،‬وأن تكون ً‬ ‫تكون ً‬
‫منها وفهم معناها‪.‬‬
‫ِ‬
‫َح َوى﴾‪ ،‬إن أريد ابألحوى‪ :‬األسود من اجلفاف واليبس‪،‬‬ ‫وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬والَّذي أ ْ‬
‫َخَر َج الْ َم ْر َعى‪ ،‬فَ َج َعلَهُ غُثَاءً أ ْ‬
‫املرعى‪.‬‬‫فهو صفة لغثاء‪ ،‬وإن أريد به شدة اخلضرة‪ ،‬فهو حال من َ‬
‫وقد زلَّت أقدام كثري من املعربني راعوا يف اإلعراب ظاهر اللفظ ومل ينظروا يف موجب املعىن؛ من ذلك‬
‫آاب ُؤ ََن أ َْو أَ ْن نَ ْف َع َل ِيف أ َْم َوالِنَا َما‬
‫ك َأتْ ُم ُرَك أَ ْن نَْرتُ َك َما يَ ْعبُ ُد َ‬
‫َصالتُ َ‬
‫قوله تعاىل عن قوم شعيب قوهلم له‪﴿ :‬أ َ‬
‫نَ َشاءُ﴾‪ ،‬فإنه يتبادر إىل الذهن عطف "أن نفعل" على "أن نرتك"‪ ،‬وذلك ابطل؛ ألنه مل أيمرهم أن يفعلوا يف‬
‫أمواهلم ما يشاءون‪ ،‬وإمنا هو عطف على "ما"‪ ،‬فهو معمول للرتك‪ ،‬واملعىن‪ :‬أن نرتك أن نفعل‪.‬‬
‫اعى املع ِرب‬ ‫وعلى الكاشف عن أسرار الكتاب‪ ،‬والغائص يف دقائقه أن يراعي ما يقتضيه األسلوب‪ ،‬فرمبا ر ا‬
‫مقدما يف قوله‬ ‫صحيحا وال نظر يف صحة اسلوبه فأخطأ‪ ،‬ومن ذلك إعراب بعضهم "مثود" ً‬
‫مفعوال ً‬ ‫ً‬ ‫وجها‬
‫ً‬

‫‪16‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ود فَ َما أَبْ َقى﴾‪ ،‬وتقدمي املفعول على الفعل سائغ‪ ،‬إال أنه هنا ممتنع؛ ألن ما بعد "ما" النافية ال يعمل‬ ‫﴿ َوَمثُ َ‬
‫ادا‬ ‫فيما قبلها‪ ،‬والصواب‪ :‬أنه معطوف على "عاد"‪ ،‬أو هو مفعول ل "أهلك"؛ إذ اآلايت‪َ ﴿ :‬وأَنَّهُ أ َْهلَ َ‬
‫ك َع ً‬
‫ود فَ َما أَبْ َقى﴾‪.‬‬ ‫ُوىل‪َ ،‬وَمثُ َ‬
‫ْاأل َ‬
‫صحيحا‪ ،‬وإغفاله ما تقضيه الصناعة‪ -‬تعليقه "الباء" بناظرة من‬ ‫ً‬ ‫وجها‬
‫أيضا ‪-‬فيما راعى املعرب ً‬ ‫ومن ذلك ً‬
‫اظَرةٌ ِِبَ يَ ْرِج ُع الْ ُم ْر َسلُو َن﴾‪ ،‬فتعلق حرف اجلر مبا قبله سائغ‪ ،‬إال أن االستفهام له الصدارة‪،‬‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬فَنَ ِ‬
‫و"ما" استفهامية‪ ،‬والصواب‪ :‬أنه متعلق ب "يرجع"‪.‬‬
‫كاف من العربية؛‬ ‫ملما بقدر ٍ‬ ‫وبعدما جيب على املعرب‪ :‬فهم املعىن ومراعاة الصناعة‪ ،‬جيب أن يكون ًّ‬
‫ك﴾‪ ،‬وتوهم حذف‬
‫ك َربُّ َ‬
‫َخَر َج َ‬
‫حىت ال يقع فيما وقع فيه من جعل "الكاف" للقسم يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ك َما أ ْ‬
‫أول التاءين من الفعل املاضي يف قوله‪﴿ :‬إِ َّن الْبَ َقَر تَ َشابَهَ َعلَْي نَا﴾‪ ،‬ومن املعلوم أن "الكاف" ليست من‬
‫أحرف القسم‪ ،‬وال حتذف إحدى التاءين إال يف أول املضارع‪.‬‬
‫وعلى املعرب أن يتجنب األمور البعيدة واألوجه الضعيفة واللغات الشاذة‪ ،‬وُيرج على القريب الفصيح‬
‫القوي‪ ،‬فإن مل يظهر فيه إال الوجه البعيد فهو معذور‪.‬‬
‫اح﴾ ُث ابتدأ بقوله‪:‬‬ ‫ت أَ ِو ْاعتَ َمَر فَال ُجنَ َ‬‫ولذلك أخطأ من وقف على "جناح" من قوله‪﴿ :‬فَ َم ْن َح َّج الْبَ ْي َ‬
‫منصواب على اإلغراء بقوله‪َ ﴿ :‬علَْي ِه﴾‪ ،‬والتقدير عند هذا املخطئ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ف﴾‬ ‫ف﴾‪ ،‬وجعل ﴿أَ ْن يَطََّّو َ‬ ‫﴿ َعلَْي ِه أَ ْن يَطََّّو َ‬
‫عليه الطواف‪ ،‬ابلنصب على اإلغراء‪ ،‬وضعف هذا أن اإلغراء بضمري الغائب َندر‪ ،‬أما بضمري اخلطاب كثري؛‬
‫حنو‪َ ﴿ :‬علَْي ُك ْم أَنْ ُف َس ُك ْم﴾‪.‬‬
‫َعلَى﴾‬ ‫اس َم َربِ َ‬
‫ك ْاأل ْ‬ ‫ومن املستحسن أن تستويف كل الوجوه احملتملة إن دعت إليها احلاجة؛ فتقول‪َ ﴿ :‬سبِ ِح ْ‬
‫جمرورا صفة لربك‪ ،‬واألول صفة السم‪.‬‬ ‫منصواب‪ ،‬وأن يكون ً‬ ‫ً‬ ‫جيوز يف "األعلى" أن يكون صفة‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫وعلى املع ِرب أن يراعي يف كل تركيب ما يشاكله؛ ً‬
‫فمثال‪ :‬يقف على "ال ريب" من قوله تعاىل‪﴿ :‬ذَل َ‬
‫وخربا‪ ،‬والرتكيب اآلخر أيابه؛‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾‪ ،‬ويعترب ذلك مبتدأ ً‬ ‫ب﴾ ويبتدئ بقوله‪﴿ :‬فيه ُه ًدى ل ْل ُمتَّق َ‬ ‫اب ال َريْ َ‬ ‫الْكتَ ُ‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫اب ال ريْب فِ ِيه ِمن ر ِ‬ ‫كما يف قوله من سورة السجدة‪﴿ :‬تَْن ِزيل الْ ِكتَ ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ويرتجح وجه على وجه إن أيد بقراءة؛ كما يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ِك َّن الِْربَّ َم ْن َآم َن﴾ قدر بعضهم‪ :‬ولكن ذا‬
‫الرب‪ ،‬وقدره آخر‪ :‬ولكن الرب بر َمن آمن‪ ،‬ويؤيد األول قراءة‪" :‬ولكن البار بر من آمن"‪.‬‬
‫اج َع ْل‬
‫املعرب أي واحد منها؛ قال تعاىل‪﴿ :‬فَ ْ‬ ‫وجيوز أن تتعدد االحتماالت مع أتييد كل احتمال‪ ،‬فيتغري َ‬
‫الزينَ ِة﴾ حيتمل أن يراد ابملوعد‬‫ال َم ْو ِع ُد ُك ْم يَ ْوُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ي نَ نَا وب ي نَ َ ِ‬
‫ى‪ ،‬قَ َ‬
‫اَن ُس َو ً‬
‫ت َم َك ً‬‫ك َم ْوع ًدا ال ُُنْل ُفهُ َْحن ُن َوال أَنْ َ‬ ‫َ ْ َ َْ‬
‫ِ‬
‫ى﴾‪،‬‬ ‫اَن ُس َو ً‬
‫ت﴾ وحيتمل أن يراد به اسم املكان‪ ،‬ويؤيده‪َ ﴿ :‬م َك ً‬ ‫املصدر‪ ،‬ويؤيده‪﴿ :‬ال ُُنْل ُفهُ َْحن ُن َوال أَنْ َ‬
‫الزينَ ِة﴾‪.‬‬
‫وحيتمل أن يراد به اسم الزمان‪ ،‬ويؤيده‪﴿ :‬يَ ْوُم ِ‬

‫‪17‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫متصال‪ :‬فمن األول اعتبار‬ ‫منفصال وال يفصل ً‬ ‫ً‬ ‫ومما جيب على املع ِرب مراعاته مالحظة الرسم حىت ال يصل‬
‫َّار﴾ وجعلها الم االبتداء؛ ألهنا اتصلت ب "الذين"‪،‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َميُوتُو َن َوُه ْم ُكف ٌ‬
‫"الالم" من قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وال الذ َ‬
‫والصواب‪ :‬أهنا "ال" النافية‪.‬‬
‫ومن الفصل بني املتصل قوهلم يف ﴿ َس ْل َسبِ ًيال﴾‪" :‬سل سبيال"؛ إن "سل" فعل أمر‪ ،‬واملعىن‪ :‬سل طري ًقا‬
‫يوصلك إليه‪ ،‬واحلق أهنا كلمة واحدة‪.‬‬
‫ومما جيدر التنبه له أنه يف حالة تعارض املعىن مع اإلعراب يُقدم مراعاة املعىن؛ ومثاله‪﴿ :‬إِنَّهُ َعلَى َر ْجعِ ِه‬
‫أيَب‬ ‫لََق ِادر‪ ،‬ي وم تُب لَى َّ ِ‬
‫السَرائ ُر﴾ واملعىن‪ :‬إن هللا قادر على رجع اإلنسان يوم القيامة ليحاسبه؛ لكن اإلعراب َ‬ ‫ٌ َْ َ ْ‬
‫أن يتعلق "يوم" ابملصدر الذي هو "رجع"؛ ألنه ال يفصل بني املصدر ومعموله‪ ،‬وقد فصل هنا ب "اهلاء"‪،‬‬
‫وبقوله‪" :‬لقادر"‪.‬‬
‫واخلالصة‪ :‬إن على املع ِرب مراعاة ما أييت‪:‬‬
‫‪ -1‬حتديد املعىن قبل اإلعراب‪.‬‬
‫‪ -2‬مراعاة كل ما تقتضيه الصناعة النحوية؛ ليالحظ الفروق بني املشتبهات كالتوابع‪ ،‬وما له الصدارة‪،‬‬
‫ومتعلقات حروف اجلر‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬تُراعى الرتاكيب يف اآلايت األخرى املشاهبة لآلية؛ حىت ال يتعارض إعراب مع تركيب آية أخرى؛‬
‫فيكون كالتفسري ابلرأي يعارض املأثور‪.‬‬
‫‪ -4‬ترتجح بعض الوجوه ابلقراءة أو ابألمارات القوية‪ ،‬فإن اقتضى توضيح املعىن خمالفة ما أتابه الصناعة ومل‬
‫ميكن توضيحها إال على ذلك فال أبس‪ ،‬ويُلتمس لذلك خمرج يف النحو ولو ضعي ًفا‪.‬‬
‫‪ -5‬جيب مراعاة الرسم؛ حىت ال تتجزأ الكلمة الواحدة‪ ،‬وال تدمج الكلمتان‪ ،‬تلك الشروط جتب مراعاُتا‬
‫فيما يتعلق بقواعد اإلعراب‪.‬‬

‫غري املشهور من اللغات‪:‬‬


‫آَن َعَربِيًّا﴾ قاطع بعربية القرآن‪ ،‬واإلحاطة ابللغة أمر عسري جدًّا؛ ولذا تبدو بعض الكلمات‬
‫إن قوله تعاىل‪﴿ :‬قُ ْر ً‬
‫غريبة على بعض الناس‪ ،‬فيحسبوهنا غري عربية‪ ،‬ومن املقطوع به أن كل العرب يعرفون لغتهم‪ ،‬فما جيهله‬
‫البعض يعرفه اآلخرون‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬الشعر ديوان العرب‪ ،‬فإذا خفي علينا احلرف من القرآن الذي أنزله هللا بلغة العرب رجعنا‬
‫إىل ديواهنا‪ ،‬فالتمسنا معرفة ذلك منه‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫يب﴾‪ ،‬ولو‬‫استدالال بقول هللا‪﴿ :‬أَأ َْع َج ِم ٌّي َو َعَرِ ٌّ‬
‫ً‬ ‫ومن العلماء َمن أنكر وجود كلمات غري عربية يف القرآن‪،‬‬
‫اجعا إىل وجود كلمات ليست من لغتهم‪.‬‬ ‫وجدت يف القرآن كلمات غري عربية لكان عجزهم من اإلتيان ر ً‬
‫ويُرد على االستدالل ابآلية؛ أبن املعىن‪ :‬أكالم أعجمي وخماطب عريب؟ ومن املعلوم أن القرآن كما يطلق‬
‫على الكل يطلق على البعض‪ ،‬وأن وجود كلمات يسرية ال تربر عجزهم‪ ،‬فأغلب ما فيه عريب‪.‬‬
‫ويف القرآن من أمساء األعالم ما هو غري عريب‪ ،‬وال يقدح يف عربية القرآن وجود كلمات اتفقت فيها لغة‬
‫العرب ولغة غريهم‪ ،‬فتوافق اللغتني يف كلمة واحدة أمر ممكن وواقع‪ ،‬وكل واحد ينسب تلك الكلمة إىل اللغة‬
‫ضا بنفس املعىن يف لغة أخرى‪.‬‬‫اليت يعرف أن الكلمة منها‪ ،‬وإن كانت أي ً‬
‫ورسالة اإلسالم عامة‪ ،‬فال حرج أن تستعمل كلمة هي عربية األصل ومع ذلك هي يف اللغات األخرى‬
‫انتقيت؛ لعذوبتها وسهولتها‪ ،‬وال حييط ابللغة إال نيب‪ ،‬كما قال الشافعي رضي هللا عنه‪.‬‬
‫ومن الكلمات اليت قيل عنها‪ :‬إهنا عربت‪ ،‬أو مل تزل أعجمية "إبريق"‪ ،‬وال أظن أن العرب كانت ال تعرفه‪،‬‬
‫وهو من لوازم معيشتهم‪ .‬وقد نظمها بعض الناظمني يف أبيات؛ ليسهل ضبطها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫السلسبيل وطه كورت بيع ‪ .،‬روم وطوَب وسجيل وكافور‬
‫والزجنبيل ومشكاة سرادق مع ‪ .،‬إستربق صلوات سندس طور‬
‫كذا قراطيس رابنيهم وغساق ‪ُ .،‬ث دينار القسطاس مشهور‬
‫كذاك قسورة واليم َنشئة ‪ .،‬ويؤت كفلني مذكور ومسطور‬
‫له مقاليد فردوس يعد كذا ‪ .،‬فيما حكى ابن دريد منه تنور‬
‫وزدت حرم ومهل والسجل كذا ‪ .،‬السري واألب ُث اجلبت مذكور‬
‫وقطنا وإَنه ُث متكئا ‪ .،‬دارست يصهر منه فهو مصهور‬
‫وهيت والسكر األواه مع حصب ‪ .،‬وأويب معه والطاغوت مسطور‬
‫صرهن إصري وغيض املاء مع وزر ‪ُ .،‬ث الرقيم مناص والسنا النور‬
‫وزيد يس والرمحن مع ملكوت ‪ُ .،‬ث سينني شطر البيت مشهور‬
‫ُث الصراط ودري حيور ومر ‪ .،‬جان اليم مع القنطار مذكور‬
‫وراعنا طفقنا اهدَن ابلعي ووراء ‪ .،‬واألرائك واألكواب مأثور‬
‫هود وقسط وكفر زمرة سقر ‪ .،‬هون يصدون واملناة مسطور‬
‫شهر جموس وأقفال يهود حوا ‪ .،‬ريون كنز وسجني وتتبري‬
‫بعري آزر حوب وردة عرم ‪ .،‬أل ومن حتتها عبدت والصور‬
‫ولينة فومها رهوا وأخلد مز ‪ .،‬جاة وسيدها القيوم موفور‬

‫‪19‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫وقمل ُث أسفار عين كتبا ‪ .،‬وسجدا ُث ربيون تكثري‬
‫وحطة وطوى والرس نون كذا ‪ .،‬عدن ومنفطر األسباط مذكور‬
‫مسك أابريق ايقوت رووا فهنا ‪ .،‬ما فات عدد األلفاظ حمصور‬
‫وبعضهم عد األوىل مع بطائنها ‪ .،‬واآلخرة ملعاين الضد مقصور‬
‫ومواقع هذه الكلمات من القرآن ال َختْ َفى على حافظ له‪ ،‬وبعض هذه الكلمات مشروح يف الشعر‪.‬‬
‫وأكثر ما يف القرآن بلغة أهل احلجاز؛ ألهنا مهبط الوحي‪ ،‬وبلغة قريش؛ ألهنا قبيلة النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫وعشريته‪ ،‬وتوجد بعض الكلمات يف القرآن الكرمي وردت على غري لغة احلجاز وبغري لغة قريش‪ ،‬وقد نسبها‬
‫بعض الصحابة إىل أصحاهبا‪ ،‬فمنها كلمة‪َ ﴿ :‬وأَنْتُ ْم َس ِام ُدو َن﴾‪ ،‬نسبها ابن عباس إىل اليمن‪.‬‬
‫ني﴾‪ ،‬وقوله‪َ ﴿ :‬هلًْوا﴾‪،‬‬ ‫ك﴾‪ ،‬وكلمة‪﴿ :‬مع ِاذيره﴾‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬ال وزر﴾‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬وح ِ‬ ‫وكذا كلمة‪ْ ﴿ :‬األَرائِ ِ‬
‫ور ع ٌ‬‫َُ ٌ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ‬
‫وقوله‪﴿ :‬بَ ْع ًال﴾‪ ،‬وكذا‪َ ﴿ :‬والْ َم ْر َجا ُن﴾‪ ،‬كل هذه الكلمات مينية عربية‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫فنون البالغة يف القرآن‬

‫إذا كانت البالغة مطابقة الكالم ملقتضى حال املخاطب مع فصاحة الكالم‪ ،‬فالقرآن الكرمي مثل أعلى يف‬
‫هذا املضمار‪ ،‬كما هو مثل أعلى يف كل شيء‪ ،‬وقد تعدد خطاب القرآن بتعدد املخاطبني من حيث إرادة‬
‫العموم أو اخلصوص أو غري ذلك‪.‬‬
‫خربا‪ ،‬فإنه خطاب يُراد به اإلعالم‪ .‬ومن بني خماطبات القرآن‪ :‬اخلطاب العام‬ ‫وسواء أكان اخلطاب طلبًا أم ً‬
‫اَّللُ الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْم ُُثَّ َرَزقَ ُك ْم ُُثَّ ُميِيتُ ُك ْم ُُثَّ ُْحييِي ُك ْم﴾‪ ،‬فقد خلق اجلميع ال استثناء من ذلك‪.‬‬ ‫للجميع؛ كقوله‪َّ ﴿ :‬‬
‫ول بَلِ ْغ﴾‪.‬‬ ‫الر ُس ُ‬‫واخلطاب اخلاص للفرد الواحد؛ كقوله‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها َّ‬
‫َّاس اتَّ ُقوا َربَّ ُك ْم﴾‪ ،‬ويدخل يف هذا اخلطاب‬ ‫ومنها‪ :‬اخلطاب العام املراد به َجاعة معينة؛ كقوله‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫األطفال واجملانني الذين مل يُكلفوا أو ارتفع عنهم التكليف‪.‬‬
‫َّيب إِذَا طَلَّ ْقتُ ُم النِ َساءَ﴾‪ ،‬فقد نُودي هو صلى‬ ‫ومنها‪ :‬اخلطاب اخلاص املراد به العموم؛ كقوله‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها النِ ُّ‬
‫ووجه اخلطاب جلميع األمة‪.‬‬ ‫هللا عليه وسلم‪ُ ،‬‬
‫ت َعلَْي ُك ْم﴾‪ ،‬فإن هذا اخلطاب هلم‬ ‫يت الَِّيت أَنْ َع ْم ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬خطاب النوع؛ كقوله‪َ ﴿ :‬اي بَِين إ ْسر َ‬
‫ائيل اذْ ُك ُروا ن ْع َم َ‬
‫فقط‪ .‬أما املسلمون فقد أمروا أن يذكروا املنعِم‪﴿ :‬فَاذْ ُك ُر ِوين أَذْ ُك ْرُك ْم﴾‪.‬‬
‫ذما؛ كقوله‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الْ َكافُِرو َن﴾‪.‬‬ ‫ين َآمنُوا﴾‪ ،‬أو ًّ‬ ‫َّ ِ‬
‫مدحا؛ كقوله‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الذ َ‬ ‫وقد يتضمن خطاب النوع ً‬
‫كما قد يتضمن خطاب الشخص إكر ًاما له؛ حنو‪ :‬نداء سيدَن حممد دون سائر األنبياء بلفظ النيب أو‬
‫الرسول‪.‬‬
‫وقد يتضمن خطاب الشخص إهانته والتهكم به؛ كقوله‪﴿ :‬فَِإنَّ ِ‬
‫ت الْ َع ِز ُيز‬
‫ك أَنْ َ‬‫يم﴾ وقوله‪﴿ :‬ذُ ْق إِنَّ َ‬ ‫ك َرج ٌ‬ ‫َ‬
‫الْ َك ِرميُ﴾‪.‬‬
‫ك‬ ‫ومنها‪ :‬خطاب اجلميع بلفظ الواحد لبيان مسئولية كل فرد عن نفسه‪﴿ :‬اي أَيُّها ِْ‬
‫األنْ َسا ُن َما َغَّرَك بَِربِ َ‬ ‫َ َ‬
‫الْ َك ِرِمي﴾‪.‬‬
‫ات﴾‪.‬‬‫الرسل ُكلُوا ِمن الطَّيِب ِ‬
‫َ َ‬ ‫تعظيما له؛ كقوله‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها ُّ ُ ُ‬ ‫وقد يعكس فيخاطب الواحد بلفظ اجلمع ً‬
‫ومن املعلوم أنه ال نيب مع سيدَن حممد وال نيب بعده‪ ،‬والدليل على إرادته هبذا اخلطاب قوله بعد‪﴿ :‬فَ َذ ْرُه ْم‬
‫ِيف َغ ْمَرُِتِ ْم َح َّىت ِحني﴾‪.‬‬
‫وسى﴾‪ ،‬والتقدير‪ :‬واي هارون ‪.،‬‬ ‫ومنها‪ :‬خطاب االثنني بلفظ الواحد؛ كقوله عن فرعون‪﴿ :‬فَ َم ْن َربُّ ُك َما َاي ُم َ‬
‫وأفرد موسى ابلنداء إما إلدالله عليه ابلرتبية‪ ،‬وإما ألن هارون كان أفصح من موسى فأعرض فرعون عنه‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ونظري خطاب االثنني ابلواحد قوله آلدم‪﴿ :‬فَال ُُيْ ِر َجنَّ ُك َما ِم َن ا ْجلَن َِّة فَتَ ْش َقى﴾ أفرده يف الشقاء؛ ألن‬
‫املخاطب أوىل واملقصود يف الكالم‪ ،‬أو ألن هللا علق العمل يف الدنيا ابلرجل‪ ،‬أو هو إغضاء عن ذكر املرأة‬
‫كما قيل‪ :‬من الكرم سرت احلرم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬خطاب الواحد ُث اجلمع لتعميم احلكم؛ كقوله‪َ ﴿ :‬وَما تَ ُكو ُن ِيف َشأْن َوَما تَْت لُو ِمْنهُ ِم ْن قُ ْرآن َوال‬
‫ِ‬
‫ودا﴾‪.‬‬ ‫تَ ْع َملُو َن م ْن َع َمل إَِّال ُكنَّا َعلَْي ُك ْم ُش ُه ً‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّيب ات َِّق َّ‬
‫ني﴾‪ ،‬فإنه صلى‬ ‫ين َوالْ ُمنَافق َ‬‫اَّللَ َوال تُط ِع الْ َكاف ِر َ‬ ‫ومنها‪ :‬خطاب العني واملراد الغري؛ حنو‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها النِ ُّ‬
‫ِ‬
‫كافرا‪ ،‬ونظريه قوله‪﴿ :‬لَئ ْن أَ ْشَرْك َ‬
‫ت‬ ‫هللا عليه وسلم قد بَلَ َغ الكمال يف التقوى‪ ،‬وحاشاه أن يطيع مناف ًقا أو ً‬
‫ِ‬
‫ك﴾‪.‬‬ ‫ت ِيف َشك ممَّا أَنْ َزلْنَا إِلَْي َ‬ ‫ك﴾ وقوله‪﴿ :‬فَِإ ْن ُكْن َ‬ ‫لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ‬
‫ومنها‪ :‬اخلطاب العام الذي مل يقصد به خماطبًا معينًا؛ كقوله‪َ ﴿ :‬ولَْو تَ َرى إِ ْذ ُوقِ ُفوا َعلَى النَّا ِر﴾ فلم يقصد‬
‫بذلك خطاب شخص معني؛ بل كل واحد‪ .‬وأخرج يف صورة اخلطاب لقصد العموم‪ ،‬يريد‪ :‬أن حاهلم‬
‫تناهت يف الظهور؛ حبيث ال ُيتص هبا راء دون راء؛ بل كل من أمكن منه الرؤية داخل يف ذلك اخلطاب‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬خطاب اجلمادات خبطاب َمن يعقل؛ للداللة على أن لسان احلال كلسان املقال؛ كقوله‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ال َهلا ولِ ْألَر ِ ِ‬
‫ض ائْتيَا طَْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَْي نَا طَائع َ‬ ‫للسماوات‪﴿ :‬فَ َق َ َ َ ْ‬
‫والبالغة ثالثة فروع رئيسية حسب اصطالح أهلها‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ومعان‪ ،‬وبديع‪ ،‬وقد اشتمل القرآن على هذه الفروع أبسلوب قرآين َجيل‪ ،‬ومل يقصد القرآن مبا‬ ‫بيان‪،‬‬
‫خياال؛ وإمنا خاطب الناس مبا يعقلون‪ ،‬ومتشى معهم فيما هم فيه‬
‫يقدمه من صور بالغية تعمية أو ً‬
‫حاذقون‪.‬‬
‫فاحلقيقة يف االصطالح‪ :‬استعمال اللفظ فيما وضع له لغة أو إسناده إىل ما حقه أن يسند إليه؛ كإسناد‬
‫القول لقائله‪.‬‬
‫واجملاز عكس ذلك؛ فهو إما استعمال اللفظ يف غري ما وضع له؛ لعالقة مع قرينة‪ ،‬وإما إسناد اللفظ إىل‬
‫لغواي‪ .‬وإن‬
‫جمازا ًّ‬
‫غري ما حقه أن يُسند إليه؛ لعالقة مع قرينة‪ ،‬فإن كان اجملاز يف االستعمال أطلقوا عليه‪ً :‬‬
‫جمازا عقليًّا‪ ،‬وهو أقسام‪:‬‬ ‫كان يف اإلسناد أطلقوا عليه‪ً :‬‬
‫أحدها‪ :‬ما طرفاه حقيقيان؛ حنو‪﴿ :‬يُ َذبِ ُح أَبْنَاءَ ُه ْم﴾ أسند التذبيح إىل فرعون؛ ألنه اآلمر به‪ ،‬وقد وقع من‬
‫أعوانه‪ ،‬فالطرفان استعمل كل منهما فيما وضع له؛ ومها‪ :‬الذبح‪ ،‬وفرعون‪ ،‬يف الشخص‪،‬‬
‫ت ِجتَ َارُُتُ ْم﴾‪ ،‬األصل‪ :‬فما رحبوا يف جتارُتم‪ ،‬وكل من الربح‬
‫اثنيها‪ :‬ما طرفاه جمازاين؛ حنو‪﴿ :‬فَ َما َرِحبَ ْ‬
‫والتجارة جماز استعمل يف غري ما وضع له؛ إذ املراد بذلك بيان مثرة َمن اختار الضالل وترك اهلدى‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫اثلثها‪ :‬ما أحد طرفيه جماز؛ حنو‪﴿ :‬أ َْم أَنْ َزلْنَا َعلَْي ِه ْم ُس ْلطَ ً‬
‫اَن﴾‪ ،‬فالسلطان جماز عن الربهان‪ ،‬واإلنزال على‬
‫حقيقته‪.‬‬
‫َصابِ َع ُه ْم ِيف آذَاهنِِ ْم﴾‪ ،‬أطلق الكل وأراد اجلزء الذي هو طرفها؛‬
‫ومثال اجملاز اللغوي قوله تعاىل‪َْ ﴿ :‬جي َعلُو َن أ َ‬
‫لبيان ما هم فيه من اهلول‪.‬‬
‫وجمازا ابعتبار آخر؛ كاملصطلحات الشرعية‪ :‬الصالة‬ ‫وميكن أن يكون اللفظ الواحد حقيقة ابعتبار ً‬
‫وحنوها؛ هي يف العبادة حقيقة شرعية وجماز لغوي؛ ألن حقيقتها اللغوية الدعاء فقط‪ُ ،‬ث نقلها الشرع إىل‬
‫استعماهلا يف العبادة املخصوصة؛ فصارت بذلك حقيقة شرعية‪.‬‬
‫لغواي؛ كالغائط حقيقته العرفية‪ :‬الرباز‪ ،‬وحقيقته اللغوية‪ :‬املكان‬
‫وجمازا ًّ‬
‫وقد يصري اللفظ حقيقة عرفية ً‬
‫املنخفض من األرض‪.‬‬
‫ومن األساليب البالغية أسلوب التشبيه‪ .‬ومعناه‪ :‬إحلاق أمر أبمر جلامع بينهما أبداة‪ ،‬وأييت للكشف عن‬
‫املعىن املقصود ابختصار‪.‬‬
‫ني﴾‪ ،‬أو اسم من املماثلة واملشاهبة‪ ،‬وال يستعمل إال يف‬ ‫وأدواته‪ :‬إما حرف‪﴿ :‬طَْلعها َكأَنَّه رُؤوس الشَّي ِ‬
‫اط ِ‬ ‫َُ ُ ُ ُ َ‬
‫ِ‬
‫استَ ْوقَ َد ََن ًرا﴾‪ ،‬أو فعل يدل على اإلحلاق؛ حنو‪:‬‬ ‫صفة ذات شأن وحال غريبة‪َ ﴿ :‬مثَلُ ُه ْم َك َمثَ ِل الَّذي ْ‬
‫﴿ َْحي َسبُهُ الظَّ ْمآ ُن َماءً﴾‪.‬‬
‫ِ‬
‫اض ِر ْ‬
‫ب َهلُْم َمثَ َل ا ْحلَيَاة الدُّنْيَا َك َماء أَنْ َزلْنَاهُ‬ ‫ووجه الشبه إما مفرد أو مركب منتزع من أشياء؛ قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫ِ‬ ‫السم ِاء فَاختَ لَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫الرَاي ُح﴾‪ ،‬شبه الدنيا ابملاء‪ ،‬إن أخذت منه فوق‬ ‫يما تَ ْذ ُروهُ ِ‬
‫َصبَ َح َهش ً‬
‫ض فَأ ْ‬ ‫ط بِه نَبَ ُ‬
‫ات ْاأل َْر ِ‬ ‫م َن َّ َ ْ‬
‫ما يكفيك ضرك‪ ،‬وإن قبضت عليه بكفك مل حتز منه على شيء‪.‬‬
‫اعتمادا على وضوحها‪ ،‬وليكون التشبيه أبلغ؛ قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وِه َي متَُُّر َمَّر‬ ‫ً‬ ‫وقد حتذف أداة التشبيه‬
‫اب﴾ أي كمر السحاب‪.‬‬ ‫السح ِ‬
‫َّ َ‬
‫واألصل أن تدخل على املشبه به‪ ،‬وقد تدخل على املشبه إما لقصد املبالغة‪ ،‬وإما لقلب التشبيه‪﴿ :‬قَالُوا‬
‫الراب﴾‪ ،‬واألصل‪ :‬إمنا الراب مثل البيع؛ ألن الكالم على الراب‪.‬‬ ‫إَِّمنَا الْبَ ْي ُع ِمثْل ِ‬
‫ُ‬
‫ومن األساليب البالغية أسلوب االستعارة؛ وهي نقل الكلمة من معىن معروفة فيها إىل معىن غري معروفة‬
‫اب﴾ أي‪ :‬أصله فاستعري لفظ "األم" لألصل؛‬ ‫فيها بقصد التوضيح أو املبالغة؛ قال تعاىل‪﴿ :‬وإِنَّهُ ِيف أُِم الْ ِكتَ ِ‬
‫َ‬
‫ألن األوالد تنشأ من األم كإنشاء الفروع من األصول‪ ،‬وحكمة ذلك‪ :‬متثيل ما ليس مبرئي حىت يصري مرئيًّا‪،‬‬
‫فينتقل السامع من حد السماع إىل حد العِيَان‪ ،‬وذلك أبلغ يف البيان‪.‬‬
‫ين‬ ‫وقد تقرن االستعارة مبا يالئم املستعار منه ويناسبه‪ ،‬أو مبا يالئم املستعار له‪ ،‬فمثال األول‪﴿ :‬أُولَئِ َّ ِ‬
‫ك ا لذ َ‬ ‫َ‬
‫ت﴾‪ ،‬فالربح مالئم للشراء املستعار منه "اشرتى" لالستبدال‪.‬‬ ‫ا ْش ََرتُوا الضَّاللَةَ ِاب ْهلَُدى فَ َما َرِحبَ ْ‬

‫‪23‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ف﴾‪ ،‬استعري اللباس للجوع‪ُ ،‬ث قرن مبا يالئم‬‫وع وا ْخلو ِ‬ ‫ومثال الثاين قوله تعاىل‪﴿ :‬فَأَذَاقَها َّ ِ‬
‫اس ا ْجلُ ِ َ َْ‬ ‫اَّللُ لبَ َ‬ ‫َ‬
‫املستعار له من اإلذاقة‪.‬‬
‫وقد تكون االستعارة بلفظني؛ حنو‪﴿ :‬قَ َوا ِر َيرا‪ ،‬قَ َوا ِر َير ِم ْن فِضَّة﴾ يعين‪ :‬تلك األواين ليست من الزجاج وال‬
‫من الفضة؛ بل يف صفاء القارورة وبياض الفضة‪.‬‬
‫ك َس ْو َط َع َذاب﴾ فالصب للدوام‪ ،‬والسوط لإليالم‪،‬‬ ‫ب َعلَْي ِه ْم َربُّ َ‬
‫ص َّ‬
‫وقوله‪﴿ :‬فَ َ‬
‫ومن األساليب البالغية‪ :‬الكناية والتعريض‪:‬‬
‫فالكناية كما َّ‬
‫عرفها أهل البيان‪ :‬لفظ أُريد به الزم معناه؛ ككناايت القرآن عن اجلماع ابللمس واملالمسة‪،‬‬
‫أو املباشرة‪ ،‬أو اإلفضاء‪ ،‬أو الرفث‪ ،‬أو الدخول‪ ،‬أو السر‪ ،‬أو الغشيان‪ ،‬أو املسيس‪ ،‬أو املراودة‪ ،‬أو اللباس‪،‬‬
‫أو احلرث‪.‬‬
‫بعيدا‪ ،‬وقد يدق كما قد يظهر‪ ،‬فقد كىن‬ ‫فتلك ألفاظ أُريد هبا الزم معناها‪ ،‬وقد يكون هذا الالزم قريبًا أو ً‬
‫ني أَيْ ِدي ِه َّن َوأ َُر ُجلِ ِه َّن﴾‪ ،‬وكىن عن قضاء‬
‫ني بِبُ ْهتَان يَ ْف َِرتينَهُ بَْ َ‬
‫ِ‬
‫القرآن عن الزىن ابلبهتان يف قوله‪َ ﴿ :‬وال َأيْت َ‬
‫اَن أيْ ُك ِ‬
‫الن الطَّ َع َام﴾‪.‬‬ ‫احلاجة بقوله‪َ ﴿ :‬ك َ َ‬
‫وأما التعريض‪ :‬فلفظ استعمل يف معناه للتلويح بغريه؛ حنو قول إبراهيم‪﴿ :‬بَ ْل فَ َعلَهُ َكبِريُُه ْم َه َذا﴾ يشري إىل‬
‫ملوحا بذلك إىل تسفيه عُبَّاد األصنام؛ كأن الصنم األكرب غضب من إشراكهم معه األصنام‬ ‫الصنم األكرب ً‬
‫الصغرية فحطمها‪.‬‬
‫أيضا فأدركوا عجز ما يعبدون عن‬ ‫حمطما ً‬‫فإذا حرك فيهم املنطق هبذا نظروا إىل الصنم األكرب‪ ،‬فوجدوه ً‬
‫الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬فكيف يستطيعون أن ينفعوا العابدين؟‬
‫ومن فنون البالغة علم املعاين‪ ،‬الذي من بني أحباثه احلصر واالختصاص‪.‬‬
‫ضا ابلقصر‪ :‬ختصيص أمر آبخر بطريق خمصوص‪ ،‬أو هو إثبات احلكم للمذكور ونفيه‬ ‫فاحلصر ويسمى أي ً‬
‫ول﴾‪ ،‬وهذا من قصر املوصوف على الصفة ادعاء؛ كأنه أسقط كل‬ ‫عما عداه؛ حنو‪َ ﴿ :‬وَما ُحمَ َّم ٌد إَِّال َر ُس ٌ‬
‫صفة من صفات النيب‪ ،‬وأبقى صفة الرسالة‪ .‬فإذا استعظم بعض الناس عليه املوت فما عرفوا الرسالة وال‬
‫الرسل؛ إذ البقاء هلل وحده‪ ،‬والرسل ميوتون‪.‬‬
‫اح ٌد﴾‪.‬‬ ‫اَّلل إِلَه و ِ‬ ‫َِّ‬
‫ومن القصر قصر اإلفراد الذي ُياطب به َمن يعتقد الشركة؛ حنو قوله‪﴿ :‬إمنَا َُّ ٌ َ‬
‫ومنه‪ :‬قصر القلب الذي ُياطب به َمن يعتقد إثبات احلكم لغري ما أثبته املتكلم له؛ حنو قول إبراهيم‬
‫يت﴾ ورد هللا على املنافقني يف قوهلم‪﴿ :‬أَنُ ْؤِم ُن َك َما َآم َن ُّ‬ ‫ِ‬ ‫للنمرود‪﴿ :‬رِ ِ‬
‫الس َف َهاءُ﴾ بقوله‪:‬‬ ‫يب الَّذي ُْحييِي َوُمي ُ‬ ‫ََ‬
‫﴿أَال إِ َّهنُ ْم ُه ُم ُّ‬
‫الس َف َهاءُ﴾‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫وأما االختصاص فمعناه‪ :‬تقدمي ما ميكن أتخريه وقصده من جهة خصوصه‪ .‬حنو قوله‪َ ﴿ :‬وِاب ْآل ِخَرةِ ُه ْم‬
‫يُوقِنُون﴾‪ ،‬فإن تقدمي اجلار واجملرور مقصود به االختصاص‪ ،‬فقد أراد ابلتقدمي التعريض أبهل الكتاب‪ ،‬قال‬
‫الزخمشري‪" :‬هذا تعريض أبهل الكتاب من إثبات أمر اآلخرة على خالف حقيقته‪ ،‬وأن قوهلم ليس بصادر‬
‫عن إيقان‪ ،‬وأن اليقني هو الذي عليه املسلمون"‪.‬‬
‫اعبُ ْد﴾ االختصاص يف إفراد املعبود؛ ألنه املتقدم‪ ،‬وما عداه من إتيان العبد ابلعبادة فهو‬ ‫وكقوله‪﴿ :‬بَ ِل َّ‬
‫اَّللَ فَ ْ‬
‫مقصود لكنه غري مقدم‪.‬‬
‫اَّللِ يَ ْدعُوهُ﴾ املقصود األول‪َ :‬من وقعت منه العبادة‪.‬‬
‫ويف قوله‪﴿ :‬لَ َّما قَ َام َعْب ُد َّ‬
‫ومن أهم املباحث يف املعاين‪ :‬اإلجياز واإلطناب‪.‬‬
‫إذن َال بُ َّد من حتديد املعىن املعرب عنها ابللفظ‪ ،‬فإن قل اللفظ مع عدم اإلخالل فهو اإلجياز املطلوب‪ ،‬وإن‬
‫زاد لفائدة فهو اإلطناب احملمود‪.‬‬
‫أما املساواة ‪-‬وهي تعادل اللفظ مع املعىن‪ -‬فال تكاد توجد؛ ألنه ما من نص يف القرآن إال وهو موجز‬
‫ابستثناء يسري من النصوص املطنبة لفائدة اقتضاها املقام‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ف﴾ التقدير‪ :‬غفرت خطاايه ومل حتسب عليه؛‬ ‫فمثال‪ :‬قوله‪﴿ :‬فَ َم ْن َجاءَهُ َم ْوعظَةٌ م ْن َربِه فَانْتَ َهى فَلَهُ َما َسلَ َ‬ ‫ً‬
‫ني﴾ أي‪ :‬الضالني الصائرين من الضالل إىل التقوى‪.‬‬ ‫بل له حسنات‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ه ِ ِ‬
‫دى ل ْل ُمتَّق َ‬‫ُ ً‬
‫ان َوإِيتَ ِاء ِذي الْ ُق ْرََب‬
‫اَّلل أيْمر ِابلْع ْد ِل وا ِإلحس ِ‬ ‫ِ‬
‫وانظر إىل جوامع الكلم يف األوامر والنواهي بقوله‪﴿ :‬إ َّن ََّ َ ُ ُ َ َ ْ َ‬
‫َويَْن َهى َع ِن الْ َف ْح َش ِاء َوالْ ُمْن َك ِر َوالْبَ ْغ ِي﴾ أشار ابلعدل إىل كل الواجبات‪ ،‬وابإلحسان إىل اإلخالص‬
‫املطلوب يف كل شيء‪ ،‬وأومأ إىل النوافل إبيتاء ذي القرَب‪.‬‬
‫وأما يف النواهي‪ ،‬فبالفحشاء اإلشارة إىل القوة الشهوانية‪ ،‬وابملنكر إشارة إىل اآلثر املوجودة من القوة‬
‫الغضبية املضادة لشرع هللا‪ ،‬وابلبغي إىل االستعالء الفائض عن القوة الومهانية‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾ ألن يف أخذ العفو التساهل‬ ‫ض َع ِن ا ْجلَاهل َ‬‫ويف مكارم األخالق قال‪ُ ﴿ :‬خذ الْ َع ْف َو َوأْ ُم ْر ِابلْعُ ْرف َوأ َْع ِر ْ‬
‫والتسامح يف احلقوق‪ ،‬أو اللني والرفق يف الدعاء إىل الدين‪ ،‬ويف األمر ابملعروف كف األذى وغض البصر‬
‫وما شاكلهما من احملرمات‪ ،‬ويف اإلعراض الصرب واحلِْلم والت َُّؤدة‪.‬‬
‫َخَر َج‬
‫وأتمل اإلشارة إىل كل املطعومات واملشروابت وامللبوسات وما حيتاجه الناس يف معايشهم بقوله‪﴿ :‬أ ْ‬
‫اها﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مْن َها َماءَ َها َوَم ْر َع َ‬
‫صدَّعُو َن َعْن َها َوَال يُنْ ِزفُو َن﴾ نفى‬‫ُث انظر إىل عيوب اخلمر وسالمة مخر اجلنة من تلك العيوب بقوله‪َ﴿ :‬ال يُ َ‬
‫عن أهل اجلنة الصداع وذَ َهاب العقل وضياع املال وتلف الصحة ونفاد الشراب‪ ،‬وكل ذلك من عيوب مخر‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَى‬ ‫استَ َو ْ‬‫يض الْ َماءُ َوقُض َي ْاأل َْم ُر َو ْ‬ ‫ض ابْلَعي َماءَك َوَاي َمسَاءُ أَقْلعي َوغ َ‬ ‫يل َاي أ َْر ُ‬
‫ومن بديع اإلجياز‪َ ﴿ :‬وق َ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ني﴾‪ ،‬أمر فيها وهنى‪ ،‬وأخرب وَندى‪ ،‬ونعت ومسى‪ ،‬وأهلك وأبقى‪ ،‬وأسعد‬ ‫يل بُ ْع ًدا ل ْل َق ْوم الظَّالم َ‬
‫ا ْجلُودي َوق َ‬
‫وأشقى‪ ،‬وقص من األنباء ما لو شرح ما اندرج يف هذه اجلملة من بديع اللفظ والبيان جلفت األقالم‪.‬‬
‫ودهُ َوُه ْم َال يَ ْشعُُرو َن﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكذا قوله‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الن َّْملُ ْاد ُخلُوا َم َساكنَ ُك ْم َال َْحيط َمنَّ ُك ْم ُسلَْي َما ُن َو ُجنُ ُ‬
‫َندت وكنت‪ ،‬ونبهت ومست‪ ،‬وأمرت وقصت‪ ،‬وحذرت وخصت‪ ،‬وعمت وأشارت‪ ،‬وعذرت‪.‬‬
‫فالنداء "اي"‪ ،‬والكناية "أي"‪ ،‬والتنبيه "ها"‪ ،‬والتسمية "النمل"‪ ،‬واألمر "أدخلوا"‪ ،‬والقصص "مساكنكم"‪،‬‬
‫والتحذير "ال حيطمنكم"‪ ،‬والتخصيص "سليمان"‪ ،‬والتعميم "جنوده"‪ ،‬واإلشارة "وهم"‪ ،‬والعذر "ال‬
‫يشعرون"‪ ،‬فأدت مخسة حقوق‪ :‬حق هللا‪ ،‬وحق رسوله‪ ،‬وحقها‪ ،‬وحق رعيتها‪ ،‬وحق جنود سليمان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وأتمل قوله‪َ ﴿ :‬اي بَِين آَ َد َم ُخ ُذوا ِزينَ تَ ُك ْم ِعْن َد ُك ِل َم ْس ِجد َوُكلُوا َوا ْشَربُوا َوَال تُ ْس ِرفُوا إِنَّهُ َال ُِحي ُّ‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ب الْ ُم ْس ِرف َ‬
‫َجع فيها أكثر أصول الكالم‪ :‬النداء‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واألمر‪ ،‬واإلابحة‪ ،‬والنهي‪ ،‬واخلرب‪.‬‬
‫وقد توجب الصناعة النحوية تقدير حمذوف وإن استقامت املعىن بدونه؛ كما يف قوله‪َ﴿ :‬ال إِلَهَ إَِّال َّ‬
‫اَّللُ﴾‬
‫أي‪ :‬ال إله موجود إال هللا‪.‬‬
‫والذي يدل على احملذوف أو يعينه‪ :‬دليل حاِل‪ ،‬أو مقاِل‪ ،‬أو عقلي‪ ,‬أو عادي‪ ،‬أو ذكر يف موضع آخر‪،‬‬
‫أو دل عليه املشروع فيه‪ ،‬أو اقتضته الصناعة النحوية‪ ،‬أو أوجبته‪ ،‬أو أرشد إليه الشارع‪،‬‬
‫كدا للتنايف بني‬ ‫أيضا أال يكون احملذوف جزءًا يف اجلملة يؤدي حذفه إىل خلل‪ ،‬وأال يكون مؤ ً‬ ‫ويشرتط ً‬
‫عوضا عن شيء‪.‬‬ ‫احلذف والتوكيد‪ ،‬وأال يكون ً‬
‫ث﴾‬ ‫ان ِيف ا ْحلر ِ‬ ‫وإذا تردد احملذوف بني ما هو جممل وما هو مبني‪ ،‬فاألحسن تقدير املبني؛ حنو‪﴿ :‬إِ ْذ َحي ُكم ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ‬
‫يف أمره وهو جممل‪ ،‬أو تضمينه وهو مبني؛ ولذا كان أ َْوَىل‪.‬‬
‫ك نِ ْع َمةٌ‬ ‫واحملذوف إما اسم‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو حرف‪ ،‬ومنه حذف مهزة االستفهام اليت وعدَن هبا؛ حنو‪َ ﴿ :‬وتِْل َ‬
‫ُّها َعلَ َّي﴾ والتقدير‪ :‬أو تلك نعمة‪ ،‬والسر يف حذفها أن موسى أخفى إنكاره على فرعون؛ ليتألف قلبه‪،‬‬ ‫َمتُن َ‬
‫وأتى أبسلوب حيتمل االعرتاف واإلنكار‪.‬‬
‫وتعظيما وحتاشيًا مما فيها من معىن األمر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقد كثر حذف "الياء" يف النداء للرب؛ تنز ًيها‬
‫حو َن ِحبَ ْم ِد َرهبِِ ْم‬‫ش َوَم ْن َح ْولَهُ يُ َسبِ ُ‬
‫أما اإلطناب‪ ،‬فهو زايدة ألفاظ لفائدة؛ حنو‪﴿ :‬الَّ ِذ ِ‬
‫ين َْحيملُو َن الْ َع ْر َ‬ ‫َ‬
‫َويُ ْؤِمنُو َن بِِه﴾ فإميان محلة العرش مسلم به‪ ،‬ونص عليه لبيان شرف اإلميان‪.‬‬
‫وابب زايدة احلروف واألفعال قليل‪ ،‬وزايدة األمساء أقل‪ ،‬أما احلروف فيزاد منها‪ :‬إن‪ ،‬وأن‪ ،‬وإذ‪ ،‬وإذا‪ ،‬وإىل‪،‬‬
‫وأم‪ ،‬والباء‪ ،‬والفاء‪ ،‬ويف‪ ،‬والكاف‪ ،‬والالم‪ ،‬وال‪ ،‬وما‪ ،‬ومن‪ ،‬والواو‪.‬‬
‫ف نُ َكلِ ُم َم ْن َكا َن ِيف الْ َم ْه ِد﴾ ؟‬ ‫وأما األفعال‪ ،‬فمنها‪ :‬كان‪ ،‬وخرج عليه‪َ ﴿ :‬كْي َ‬

‫‪26‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫واألمساء منها‪ :‬لفظ املثل يف قوله‪﴿ :‬فَِإ ْن آَ َمنُوا مبِِثْ ِل َما آَ َمْن تُ ْم بِِه﴾‪ ،‬ومن الزايدة‪ :‬توكيد الفعل مبصدره‪ ،‬وهو‬
‫لرفع توهم اجملاز يف الفعل‪.‬‬
‫أما التوكيد اللفظي إبعادة اللفظ بعينه أو مبرادفه‪ ،‬فإنه لرفع توهم اجملاز يف املسند إليه؛ حنو‪﴿ :‬وُهم ِاب ْآلَ ِخرةِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫يما﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُه ْم َكافُِرو َن﴾‪ ،‬واألول حنو‪َ ﴿ :‬وَكلَّ َم َّ‬
‫وسى تَ ْكل ً‬
‫اَّللُ ُم َ‬
‫وقد يكون التكرار لغري التوكيد‪ ،‬وإمنا هو لتعدد مدلوله أو متعلقه؛ حنو‪َ ﴿ :‬وإِ َّن ِمْن ُه ْم لََف ِري ًقا يَلْ ُوو َن أَلْ ِسنَ تَ ُه ْم‬
‫اب﴾ فاألول ملا حرفوه‪ ،‬والثاين للتوراة‪ ،‬والثالث جلنس الكتب‬ ‫اب وما ُهو ِمن الْ ِكتَ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ابلْكتَاب لتَ ْح َسبُوهُ م َن الْكتَ َ َ َ َ‬
‫السماوية‪.‬‬
‫ِ‬
‫اب َوَال الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫ني‬ ‫وإعادة الظاهر مبعناه أبلغ من إعادته بلفظه‪ ،‬ومنه قوله‪﴿ :‬ما ي وُّد الَّ ِذين َك َفروا ِمن أ َْه ِل الْ ِكتَ ِ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫َ ََ‬
‫ص بَِر ْمحَتِ ِه َم ْن يَ َشاءُ﴾‪ ،‬فإن إنزال اخلري مناسب للربوبية‪ ،‬وختصيص‬ ‫أَ ْن يُنَ َّزَل َعلَْي ُك ْم ِم ْن َخ ْري ِم ْن َربِ ُك ْم َو َّ‬
‫اَّللُ َُيْتَ ُّ‬
‫الناس ابلرمحة مناسب لأللوهية‪ ،‬ومل يصرح بلفظ "الناس"؛ ولكنه اكتفى عنه بقوله‪َ ﴿ :‬م ْن يَ َشاءُ﴾‪ ،‬ودائرة‬
‫الربوبية أوسع من دائرة األلوهية‪ ،‬ونظريه اآلايت من أول سورة األنعام‪.‬‬
‫ومن حبوث فن املعاين‪ :‬اخلرب واإلنشاء‪ ،‬ومها قسما الكالم‪ ،‬والقصد ابخلرب إفادة املخاطب‪ ،‬وقد يرد مبعىن‬
‫ص َن﴾‪ ،‬ومبعىن النهي؛ حنو‪َ﴿ :‬ال َميَ ُّسهُ إَِّال الْ ُمطَ َّه ُرون﴾‪ ،‬ومبعىن الدعاء؛ حنو‪:‬‬ ‫األمر؛ حنو‪َ ﴿ :‬والْ ُمطَلَّ َق ُ‬
‫ات يَََرتبَّ ْ‬
‫ِ‬
‫ني﴾ أي‪ :‬عنا‪.‬‬ ‫﴿ َوإِ َّاي َك نَ ْستَع َ‬
‫َص ََربُه ْم َعلَى‬
‫وإذا ورد من هللا فاألحسن العدول بتسميته تعجبًا إىل تسميته تعجيبًا‪ ،‬فإذا قال هللا‪﴿ :‬فَ َما أ ْ‬
‫النَّا ِر﴾ كان معناه‪ :‬أن هؤالء ممن يقول عنهم الناس ذلك‪ ،‬وهللا ُياطبا بلساننا‪.‬‬
‫ومن أشهر أنواع اخلرب النفي‪ :‬وأصله "الالم" للمستقبل‪ ،‬و"امليم" للماضي‪ ،‬ومنهما "مل" و"لن"‪ ،‬و"الالم"‬
‫أصل؛ ولذا ينفى هبا أثناء الكالم‪ ،‬ومنهما تكونت "مل" الدالة على االستقبال لفظًا لتقدم الالم‪ ،‬واملضي معىن‬
‫لوجود امليم‪.‬‬
‫اه ْم َج َس ًدا ال َأيْ ُكلُو َن الطَّ َع َام﴾ أي‪ :‬هم أجساد‬ ‫وقد يرد النفي على الصفة دون املوصوف؛ حنو‪َ ﴿ :‬وَما َج َع ْلنَ ُ‬
‫أيكلون الطعام‪.‬‬
‫وقد يرد على الصفة واملوصوف؛ حنو‪َ ﴿ :‬وَال َش ِفيع يُطَاعُ﴾ فما هلم شفيع ً‬
‫أصال؛ لقوله عنهم‪﴿ :‬فَ َما لَنَا ِم ْن‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫اعةُ الشَّافع َ‬
‫ني﴾ وقوله‪﴿ :‬فَ َما تَْن َفعُ ُه ْم َش َف َ‬ ‫َشافع َ‬
‫ت‬‫والنفي ال يرد إال على اجملاز‪ ،‬وال يرد على احلقيقة؛ ألن نفيها كذب‪ ،‬وما اعرتض به من قوله‪َ ﴿ :‬وَما َرَمْي َ‬
‫ت﴾ فإن النفي وارد على اجملاز‪ ،‬إذ املعىن‪ :‬وما رميت خل ًقا إذ رميت كسبًا‪ ،‬أو‪ :‬وما رميت انتهاء إذ‬ ‫إِ ْذ َرَمْي َ‬
‫رميت ابتداء‪.‬‬
‫وقد تُنفى االستطاعة ويراد هبا نفي القدرة واإلمكان؛ حنو‪﴿ :‬فَال يَ ْستَ ِطيعُو َن تَ ْو ِصيَةً﴾‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫الس َم ِاء﴾ أرادوا ابالستفهام‬ ‫ك أَ ْن يُنَ ِزَل َعلَْي نَا َمائِ َدةً ِم َن َّ‬
‫يع َربُّ َ‬ ‫ِ‬
‫وقد تُنفى ويراد هبا االمتناع؛ حنو‪َ ﴿ :‬ه ْل يَ ْستَط ُ‬
‫عجزا؛ ألهنم مل يشكوا يف مقدرة هللا‪،‬‬ ‫النفي‪ ،‬واملنفي هو امتناع اإلنزال عادة ال ً‬
‫ك لَن تَستَ ِط ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْ ًربا﴾‪.‬‬‫يع َمع َي َ‬ ‫وقد تنفى ويراد هبا الوقوع مبشقة؛ حنو‪﴿ :‬إنَّ َ ْ ْ َ‬
‫وما جاء يف القرآن بلفظ االستفهام من هللا‪ ،‬فمراد به أن املخاطب عنده علم إبثبات ما يستفهم عنه أو‬
‫نفيه‪.‬‬
‫وقد يرد االستفهام لإلنكار‪ ،‬فتكون األداة للنفي وما بعدها منفي‪،‬‬
‫مضارعا فمعناه‪ :‬ال يكون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فإن كان الفعل ماضيًا فمعناه‪ :‬مل يكن‪ ،‬وإن كان‬
‫ت‬‫صْي َ‬ ‫وقد يرد االستفهام للتوبيخ والتقريع‪ ،‬وضابطه‪ :‬أن ما بعد األداة واقع كان جيب أال يقع؛ حنو‪﴿ :‬أَفَ َع َ‬
‫أ َْم ِري﴾ فاإلثبات هو املقصود‪ ،‬والنفي جاء بعد ذلك عكس االستفهام اإلنكاري‪،‬‬
‫وكما أن التوبيخ يكون على ما وقع‪ ،‬وهو جدير أال يقع‪ ،‬يكون على ترك فعل كل ينبغي أن يقع فلم يقع؛‬
‫اج ُروا فِ َيها﴾‪ ،‬وقد يكون االستفهام للتقرير؛ وهو محل املخاطب على‬ ‫اَّللِ و ِاسعةً فَت ه ِ‬
‫ض َّ َ َ ُ َ‬ ‫حنو‪﴿ :‬أََملْ تَ ُك ْن أ َْر ُ‬
‫اإلقرار‪ ،‬واالعرتاف أبمر قد استقر عنده‪ ،‬والكالم مع التقرير موجب؛ ولذلك يعطف عليه صريح املوجب؛‬
‫ض ًّاال فَ َه َدى﴾‪ ،‬ويعطف على صريح املوجب؛ حنو‪﴿ :‬أَ َك َّذبْتُ ْم ِآبَ َايِيت‬ ‫ِ ِ‬
‫يما فَآَ َوى‪َ ،‬وَو َج َد َك َ‬‫حنو‪﴿ :‬أََملْ َجي ْد َك يَت ً‬
‫َوَملْ ُِحتيطُوا ِهبَا ِع ْل ًما﴾‪.‬‬
‫وحقيقة االستفهام التقريري الداخل على أداة النفي اإلنكار‪ ،‬واإلنكار نفي‪ ،‬ونفي النفي إثبات‪ ،‬أما الداخل‬
‫على املثبت‪ ،‬فحقيقته اإلجياب‪.‬‬
‫ومن فنون البالغة فن البديع‪ ،‬الذي يقدم ً‬
‫عديدا من الصور اجلمالية‪ ،‬ويلبس املعاين ألفاظًا تزيدها هباء‬
‫وجالال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬التورية‪:‬‬
‫استَ َوى﴾ فاملعىن القريب‪:‬‬ ‫الر ْمحَ ُن َعلَى الْ َع ْر ِش ْ‬
‫لفظ له معىن قريب غري مراد‪ ،‬ومعىن بعيد هو املراد؛ حنو‪َّ ﴿ :‬‬
‫اك إَِّال َكافَّةً‬
‫االستقرار يف مكان‪ ،‬املنزه عنه سبحانه‪ ،‬واملعىن البعيد‪ :‬االستيالء والتصرف؛ حنو‪َ ﴿ :‬وَما أ َْر َس ْلنَ َ‬
‫َّاس﴾‪ ،‬فاملعىن القريب هو العموم‪ ،‬والبعيد هو الكف واملنع‪ ،‬و"التاء" للمبالغة‪ .‬واملعىن القريب غري مراد؛‬ ‫لِلن ِ‬
‫ألن التوكيد ال يتقدم على املؤكد‪،‬‬
‫‪ -2‬االستخدام‪:‬‬
‫وهو لفظ مشرتك ُيدم كل معىن لفظ آخر؛ حنو‪﴿ :‬لِ ُك ِل أ ِ‬
‫ت﴾‪ ،‬فالكتاب‬‫اَّللُ َما يَ َشاءُ َويُثْبِ ُ‬
‫اب‪ ،‬ميَْ ُحو َّ‬
‫َجل كتَ ٌ‬
‫َ‬
‫حيتمل املكتوب وُيدمه‪" :‬ميحو"‪ ،‬وحيتمل الزمان وُيدمه‪" :‬أجل"‪ ،‬أو هو لفظ له معنيان يعود الضمري على‬

‫‪28‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫اَّللِ فَ َال تَ ْستَ ْع ِجلُوهُ﴾‪ ،‬فأمر هللا إما الساعة‪ ،‬أو‬
‫أحدمها بعد أن أريد ابللفظ املعىن اآلخر؛ كقوله‪﴿ :‬أَتَى أ َْم ُر َّ‬
‫العذاب‪ ،‬أو النيب‪ ،‬وعاد الضمري على العذاب‪ ،‬واملراد ابألمر‪ :‬حممد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬االلتفات‪:‬‬
‫مثال إىل أسلوب الغيبة أو اخلطاب‪ ،‬ومن فوائده جتديد النشاط‪ ،‬ولكل‬ ‫وهو نقل الكالم من أسلوب التكلم ً‬
‫مقام ما يربره‪ .‬فإن عدل من التكلم إىل اخلطاب فقد أراد التسوية بينه وبني املخاطبني‪ ،‬وإن عدل من التكلم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إىل الغيبة فقد أراد التسوية يف احلالتني‪ ،‬مثال األول‪﴿ :‬وأ ُِمرََن لِنُسلِم لِر ِ‬
‫الص َالةَ‬
‫يموا َّ‬ ‫ني‪َ ،‬وأَ ْن أَق ُ‬ ‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫َ ْ َْ َ‬
‫اك الْ َكوثَر‪ ،‬فَ ِ‬
‫ك َو ْاحنَْر﴾ واألصل‪ :‬لنا‪.‬‬ ‫ص ِل لَربِ َ‬
‫َواتَّ ُقوهُ﴾‪ ،‬ومثال الثاين‪﴿ :‬إِ ََّن أ َْعطَْي نَ َ ْ َ َ‬
‫ك َو َجَريْ َن هبِِ ْم﴾‪،‬‬
‫وإن عدل من اخلطاب إىل الغيبة فاملراد حكاية احلال للغري؛ حنو‪﴿ :‬ح َّىت إِ َذا ُكْن تُم ِيف الْ ُف ْل ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ الَّذي أ َْر َسل ِ‬
‫الرَاي َح فَتُثريُ‬ ‫َ‬ ‫وإن عدل من الغيبة إىل التكلم فاملراد تربية املهابة واإلحساس ابلقرب؛ حنو‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫َس َح ًااب فَ ُس ْقنَاهُ﴾‪ ،‬وإن عدل من الغيبة إىل اخلطاب فاملراد القريب؛ حنو‪﴿ :‬إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد﴾ واألصل‪ :‬إايه‪.‬‬
‫والشرط يف االلتفات أن يكون امللتفت عنه وامللتفت إليه ملسمى واحد‪.‬‬
‫ومن أسلوب االلتفات اإلخبار عن أحد االثنني‪ُ ،‬ث اإلخبار عن الثاين‪ُ ،‬ث اإلخبار عن األول؛ حنو‪﴿ :‬إِ َّن‬
‫ب ا ْخلَِْري لَ َش ِدي ٌد﴾‪ ،‬فالكنود وشديد احلب للمال هو‬ ‫ك لَ َش ِهي ٌد‪ ،‬وإِنَّهُ ِحلُ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنْ َسا َن لَربِِه لَ َكنُ ٌ‬
‫ود‪َ ،‬وإِنَّهُ َعلَى َذل َ‬ ‫ِْ‬
‫اإلنسان‪ ،‬و"الشهيد" هو ربنا سبحانه‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلطراء‪:‬‬
‫ت ِملَّةَ آَ َابئِي إِبْ َر ِاه َيم َوإِ ْس َح َ‬
‫اق‬ ‫مبتدًئ ابألبعد؛ حنو قول يوسف‪َ ﴿ :‬واتَّبَ ْع ُ‬
‫وهو التحدث عن اآلابء ً‬
‫وب﴾‪.‬‬
‫َويَ ْع ُق َ‬
‫‪ -5‬االنسجام‪:‬‬
‫وهو اخللو من أية عقدة؛ كأن األلفاظ تسري رقة كاملاء‪ ،‬والقرآن كله كذلك‪ ،‬إال أن بعض املواضع تظهر لنا‬
‫فندركها حسب معلوماتنا‪ ،‬وإذا رق الكالم انوزن من غري قصد الوزن‪:‬‬
‫فمثاله من البحر الطويل قوله‪﴿ :‬فَ َم ْن َشاءَ فَ ْليُ ْؤِم ْن َوَم ْن َشاءَ فَ ْليَ ْك ُف ْر﴾‪ ،‬وأجزاؤه‪ :‬فعول مفاعيل فعول‬
‫مفاعل‪.‬‬
‫َصبَ ُحوا َال يَُرى إَِّال َم َساكِنُ ُه ْم﴾‪ ،‬وأجزاؤه‪ :‬مستفعل فاعل مستفعل فعل‪.‬‬ ‫ومن البسيط‪﴿ :‬فَأ ْ‬
‫ك ِأب َْعيُنِنَا﴾‪.‬‬
‫اصنَ ِع الْ ُف ْل َ‬
‫ومن املديد‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫وهكذا جتد الكالم على إيقاع صويت متناسق‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلدماج‪:‬‬
‫وهو إدماج غرض يف غرض؛ حنو‪َ ﴿ :‬ولَهُ ا ْحلَ ْم ُد ِيف ْاآلَ ِخَرةِ﴾‪ ،‬أثبت احلمد وأشار إىل البعث‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫‪ -7‬االفتنان‪:‬‬
‫وهو اجلمع بني غرضني يف آية؛ كاجلمع بني العزاء والتمدح ابلبقاء يف قوله‪ُ ﴿ :‬ك ُّل َم ْن َعلَْي َها فَان‪َ ،‬ويَْب َقى‬
‫ني فِ َيها ِجثِيًّا﴾ َجع بني الثواب‬ ‫ِِ‬
‫ين اتَّ َق ْوا َونَ َذ ُر الظَّالم َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َو ْجهُ َربِ َ‬
‫ك ذُو ا ْجلََالل َو ْاإل ْكَرام﴾ وقوله‪ُُ ﴿ :‬ثَّ نُنَجي الذ َ‬
‫والعقاب‪.‬‬
‫‪ -8‬االقتدار‪:‬‬
‫وهو القدرة على اإلتيان ابملعىن الواحد يف صور عديدة وأساليب متعددة؛ من‪ :‬احلقيقة‪ ،‬واجملاز‪ ،‬واالستعارة‪،‬‬
‫والكناية‪ ،‬وغري ذلك مما هو واضح يف القصة القرآنية يف السور العديدة‪.‬‬
‫‪ -9‬االئتالف‪:‬‬
‫وهو مراعاة املعىن بلفظ مناسب هلا يف الغرابة‪ ،‬أو التداول‪ ،‬أو أي شيء‪ ،‬والقرآن كله كذلك‪.‬‬
‫ِ‬
‫صطَ ِر ُخو َن ف َيها﴾ وقوله يف أهل اجلنة‪َ ﴿ :‬و َس َق ُ‬
‫اه ْم َرُّهبُ ْم َشَر ًااب طَ ُه ًورا﴾ إذ‬ ‫ومن األمثلة املوضحة قوله‪َ ﴿ :‬وُه ْم يَ ْ‬
‫َس َقْي نَا ُك ْم َماءً فُ َر ًاَت﴾ ألنه ال ُيلو عن الكلفة‪.‬‬
‫ال كلفة فيه‪ ،‬وقوله ألهل الدنيا‪َ ﴿ :‬وأ ْ‬
‫‪ -10‬التجريد‪:‬‬
‫وهو انتزاع شيء من شيء؛ حنو‪َ ﴿ :‬هلُْم فِ َيها َد ُار ا ْخلُْل ِد﴾‪ ،‬انتزع منها دار خلد وكلها كذلك‪.‬‬
‫‪ -11‬اجلناس‪:‬‬
‫اعةُ يُ ْق ِس ُم الْ ُم ْج ِرُمو َن َما لَبِثُوا َغ ْ َري‬
‫الس َ‬
‫وم َّ‬
‫وهو تعدد اللفظ الواحد‪ ،‬ويف كل موضع له معىن؛ حنو‪َ ﴿ :‬ويَ ْوَم تَ ُق ُ‬
‫اعة﴾‪ ،‬فالساعة األوىل هي القيامة‪ ،‬والثانية حلظة زمنية‪.‬‬
‫َس َ‬
‫‪ -12‬االحتباك‪:‬‬
‫ُخَرى‬ ‫وهو حذف من األول لداللة الثاين‪ ،‬وحذف من الثاين لداللة األول؛ حنو‪﴿ :‬فِئةٌ تُ َقاتِل ِيف سبِ ِيل َِّ‬
‫اَّلل َوأ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫َكافَِرةٌ﴾‪ ،‬والتقدير‪ :‬فئة مؤمنة تقاتل يف سبيل هللا‪ ،‬وأخرى كافرة تقاتل يف سبيل الطاغوت‪.‬‬
‫‪ -13‬املشاكلة‪:‬‬
‫تقديرا‪ ،‬مثال التحقيقي‪َ ﴿ :‬و َجَزاءُ َسيِئَة َسيِئَةٌ﴾ واجلزاء‬
‫ذكر الشيء بلفظ غريه لوقوعه يف صحبته حتقي ًقا أو ً‬
‫تطهريا كما يطهر النصارى أوالدهم مباء‬ ‫عدال‪ ،‬ومثال التقديري‪ِ ﴿ :‬صب غَةَ َِّ‬
‫اَّلل﴾ فقد اعترب هللا اإلميان ً‬ ‫ْ‬ ‫ليس إال ً‬
‫أصفر يسمونه املعمودية ويطلقون عليه اسم‪ :‬الصبغة‪ ،‬فسمى هللا اإلميان هبذه التسمية‪ ،‬وهو أوىل وأنفع يف‬
‫التطهري‪.‬‬
‫‪ -14‬املطابقة‪:‬‬
‫ك َال تَظْ َمأُ فِ َيها َوَال تَ ْ‬
‫ض َحى﴾ أتى‬ ‫وهي اجلمع بني املتقابالت؛ حنو‪﴿ :‬إِ َّن لَك أََّال َجت ِ‬
‫وع ف َيها َوَال تَ ْعَرى‪َ ،‬وأَنَّ َ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ابجلوع مع العري واببه أن يكون مع الظمأ‪ ،‬وابلضحى مع الظمأ واببه أن يكون مع العري‪ ،‬لكن اجلوع‬

‫‪30‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫والعري اشرتكا يف اخللو‪ ،‬فاجلوع خلو الباطن من الطعام‪ ،‬والعري خلو الظاهر من اللباس‪ ،‬والظمأ والضحى‬
‫اشرتكا يف االحرتاق فالظمأ احرتاق الباطن من العطش‪ ،‬والضحى احرتاق الظاهر من حر الشمس‪.‬‬
‫َحيَ ْي نَاهُ﴾‪.‬‬
‫ترصيعا‪ ،‬وجيعل املطابقة يف املقابلة بني النقيضني؛ حنو‪َ ﴿ :‬مْي تًا فَأ ْ‬
‫ومن العلماء َمن يسمي ذلك ً‬
‫‪ -15‬املواربة‪:‬‬
‫"س ِرق" بضم السني‬ ‫وهي أن أييت بلفظ ميكن تغيري حركاته عند إنكاره عليه؛ حنو‪﴿ :‬إِ َّن ابْنَ َ‬
‫ك َسَر َق﴾‪ ،‬وقرئ‪ُ :‬‬
‫وتشديد الراء مع الكسر؛ أي‪ :‬اُتم ابلسرقة‪.‬‬
‫‪ -16‬املراجعة‪:‬‬
‫ك لِلن ِ‬
‫َّاس‬ ‫وهي أن حيكي املتكلم مراجعة يف القول جرت بينه وبني حماور له أبوجز عبارة؛ حنو‪﴿ :‬إِِين ج ِ‬
‫اعلُ َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ال َال ي ن ُ ِ‬
‫ال َوِم ْن ذُ ِريَِّيت قَ َ ََ‬
‫إِ َم ًاما قَ َ‬
‫ال َع ْهدي الظَّالم َ‬
‫ني﴾‪.‬‬
‫َجعت‪ :‬اخلرب‪ ،‬والطلب‪ ،‬واإلثبات‪ ،‬والنفي‪ ،‬والتأكيد‪ ،‬واحلذف‪ ،‬والبشارة‪ ،‬والنذارة‪ ،‬والوعد‪ ،‬والوعيد‪.‬‬
‫وهبذا ينتهي هذا املوضوع‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫اللفظ القرآين داللته وأقسامه‬
‫اعلم أن الداللة تنقسم إىل قسمني بوجه عام‪ :‬ظنية‪ ،‬وقطعية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الداللة القطعية‪ :‬ما كان مضموهنا حكما عقليًّا ال ينازع العقل فيه؛ حنو‪﴿ :‬و َّ ِ‬
‫اَّللُ ب ُك ِل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم﴾ فشمول‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫علم هللا لكل شيء ال ينازع فيه عقل سليم‪.‬‬
‫أو كان املضمون قد استعمله القرآن يف أكثر من موضع ملعىن واحد؛ مثل‪ :‬البعث‪ ،‬واحلشر‪ ،‬واحلساب‪.‬‬
‫ِ‬
‫ب﴾ وحنو‪:‬‬ ‫أو كان املضمون قد َّبني هللا أو رسوله املراد منه؛ حنو‪َ ﴿ :‬وَما أ َْد َر َاك َما الطَّا ِر ُق‪ ،‬الن ْ‬
‫َّج ُم الثَّاق ُ‬
‫فسره النيب صلى هللا عليه وسلم ابلعرض‪.‬‬ ‫ب ِح َس ًااب يَ ِس ًريا﴾ َّ‬
‫اس ُ‬
‫ف ُحيَ َ‬
‫﴿فَ َس ْو َ‬
‫وإذا كانت الداللة قطعية امتنع أتويل اللفظ وصرفه ملعىن آخر‪.‬‬
‫ويف غري هذه املواضع الثالثة حيتمل أن تكون الداللة قطعية‪ ،‬وحيتمل أن تكون ظنية‪ ،‬ويقوى احتمال القطع‬
‫أو الظن ابألمارات‪.‬‬
‫هذا كله ابلنسبة لداللة اللفظ على املعىن املراد‪ ،‬أما ثبوت اللفظ القرآين‪ ،‬فهو قطعي من غري شك؛ أي‪:‬‬
‫ثبت النسبة هلل‪ ،‬واحتمال القطع والظن إمنا هو من حيث الداللة‪ .‬فالقرآن كله قطعي الثبوت‪ ،‬وبعضه قطعي‬
‫الداللة‪ ،‬وبعضه حيتمل أن يكون قطعي الداللة‪ ،‬وأن يكون ظنيًّا‪.‬‬
‫مثال يورث ظنًّا يف استعماله فيها‪ .‬وكذا تردد اللفظ بني‬ ‫فعدم التأكد من استعمال اللغة للفظ يف هذا املعىن ً‬
‫احلقيقة واجملاز‪ ،‬واحتمال وجود حذف‪ ،‬وإرادة العموم أو اخلصوص أو اإلطالق أو التقييد كل هذا يورث ظنًّا‬
‫جيعل داللة اللفظ على املعىن ظنية‪.‬‬
‫ومن فضل هللا علينا أن أفسح لنا جمال البحث؛ لنتدبر ولنتذوق ما ميتاز به القرآن من مرونة تسع الزمان‬
‫واملكان والفكر البشري القومي‪ ،‬الذي يتزود من مائدة هللا مبا حيتاج له بعد الرجوع إىل قواعد اللغة والدين‪.‬‬
‫وينقسم اللفظ إىل عدة أقسام‪ ،‬كل قسم ابعتبار‪:‬‬
‫ني‬‫ِ ِِ‬ ‫ول َِّ‬‫فمن حيث الصيغة ينقسم إىل‪ :‬خاص‪ ،‬وعام‪ ،‬ومشرتك؛ حنو‪ُ ﴿ :‬حمَ َّم ٌد َر ُس ُ‬
‫اَّلل﴾ وحنو‪﴿ :‬قُ ْل ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ص َن ِأبَنْ ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُ ُروء﴾ فالقرء يقال على الطهر‪ ،‬أو على‬ ‫ضوا ِمن أَب ِ‬
‫صا ِره ْم﴾ وحنو‪َ ﴿ :‬والْ ُمطَلَّ َق ُ‬
‫ات يَََرتبَّ ْ‬ ‫يَغُ ُّ ْ ْ َ‬
‫احليض ابالشرتاك بينهما‪.‬‬
‫وينقسم من حيث الظهور واخلفاء إىل‪ :‬ظاهر‪ ،‬ونص‪ ،‬ومفسر‪ ،‬وإىل خفي‪ ،‬ومشكل‪ ،‬وجممل‪.‬‬
‫اَّللُ الْبَ ْي َع َو َحَّرَم ِ‬
‫الرَاب﴾‪ .‬فإن هذا يدل على‬ ‫فالظاهر‪ :‬اسم ملا ظهر املراد منه من حيث الصيغة؛ حنو‪َ ﴿ :‬وأ َ‬
‫َح َّل َّ‬
‫البيع وحترمي الراب‪.‬‬
‫أما النص‪ :‬فهو ما سيق الكالم من أجله كما يف هذه اآلية‪ ،‬فاملراد بيان الفرق بني البيع فإنه حالل‪ ،‬وبني‬
‫الراب فإنه حرام‪ ،‬وقد سيق الكالم ألجل هذا‪.‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأما املفسر‪ :‬فهو اللفظ الذي جيء به لرفع أي احتمال؛ حنو‪َ ﴿ :‬وقَاتلُوا الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫ني َكافَّةً﴾‪ .‬فإن لفظ "كافة"‬
‫يرفع أي احتمال يف قتال بعض املشركني‪.‬‬
‫السا ِرقَةُ﴾ فالسارق‪َ :‬من أيخذ املال احملروز‬
‫السا ِر ُق َو َّ‬
‫وأما اخلفي‪ :‬فإنه ما خفي املراد منه لعارض؛ حنو‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫اململوك خفية؛ لكن عرض اخلفاء يف انطباقه على النباش الذي أيخذ أكفان املوتى ابعتبار أن كفن امليت ال‬
‫ميلكه أحد‪.‬‬
‫وأما املشكل‪ :‬فهو الذي أشكل على السامع طريق الوصول إىل املعىن الذي وضع له الواضع االسم‪ ،‬أو أراده‬
‫َىن ِشْئ تُ ْم﴾ فإهنا‬ ‫املستعري لدقة املعىن يف نفسه ال بعارض؛ مثل قوله تعاىل‪﴿ :‬نِ َسا ُؤُك ْم َح ْر ٌ‬
‫ث لَ ُك ْم فَأْتُوا َح ْرثَ ُك ْم أ َّ‬
‫مشكلة من حيث معناها يف حق دبر املرأة‪ :‬أهو مثل قبلها يف احلل‪ ،‬أو مثل دبر الرجل يف احلرمة؟ فطلبنا‬
‫"أىن" فوجدَنها مشرتكة بني معىن "كيف" ومعىن "أين"‪.‬‬ ‫معىن كلمة‪َّ :‬‬
‫مزرعا لألوالد‪ ،‬والدبر‬
‫وبعد التأمل وجدَنها مبعىن "كيف" يف هذا املوقع؛ ألن هللا تعاىل مساهن حرًث؛ أي‪ً :‬‬
‫موضع الفرث ال احلرث‪ ،‬وهللا تعاىل حرم الوطء يف القبل حالة احليض لألذى العارض‪ .‬فاألذى الالزم املوجود‬
‫مانعا‪.‬‬
‫يف الدبر بطريق األ َْوَىل يكون ً‬
‫وأما اجململ‪ :‬فهو الذي اختفى املراد منه بنفس لفظه حىت بينه الشارع؛ حنو لفظ "الصالة" معناها يف اللغة‪:‬‬
‫الص َال َة﴾ بيَّنها النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫يموا َّ‬‫ِ‬
‫وبني الشارع املراد منها حني أمرَن هبا يف قوله‪َ ﴿ :‬وأَق ُ‬
‫الدعاء‪َّ .‬‬
‫قائال‪" :‬صلوا كما رأيتموين أصلي"‪.‬‬
‫بقوله وفعله‪ ،‬وأمرَن ً‬
‫أقسام األلفاظ‪:‬‬
‫‪ -1‬العام‪:‬‬
‫هو لفظ شامل أكثر من اثنني بناء على أن املثىن ال يدخل فيه‪ ،‬وله صيغ؛ منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬كل وَجيع‪.‬‬
‫موصوال‪.‬‬
‫ً‬ ‫استفهاما أو‬
‫ً‬ ‫ب‪" -‬من" و "ما" شرطًا أو‬
‫ج ‪ -‬النكرة يف سياق النفي أو النهي أو الشرط‪.‬‬
‫د‪ -‬اجلمع احمللى أبل أو املضاف‪.‬‬
‫ه ‪ -‬اسم اجلمع أو اسم جنس اجلمع‪ ،‬واملصدر املضاف‪.‬‬
‫ال لَِوالِ َديِْه أُف لَ ُك َما﴾‪ ،‬فإنه شامل لكل َمن يقول ذلك‬ ‫ز‪ -‬اسم املوصول إن وجدت قرينة؛ حنو‪َ ﴿ :‬والَّ ِذي قَ َ‬
‫ين َح َّق َعلَْي ِه ُم الْ َق ْو ُل﴾‪.‬‬ ‫القول بدليل اإلشارة إليه بعد مبا يشار به إىل اجلمع يف قوله‪﴿ :‬أُولَئِ َّ ِ‬
‫ك ا لذ َ‬
‫َ‬
‫أقسام العام ثالثة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫أ‪ -‬ما بقي على عمومه؛ حنو‪﴿ :‬و َّ ِ‬
‫اَّللُ ب ُك ِل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم﴾‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪33‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ين َال يُ ْؤِمنُو َن ِاب ََّّللِ َوَال ِابلْيَ ْوِم ْاآلَ ِخ ِر َوَال ُحيَ ِرُمو َن َما َحَّرَم َّ‬
‫اَّللُ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ب‪ -‬العام املخصوص؛ حنو‪﴿ :‬قَاتلُوا الذ َ‬
‫اغ ُرو َن﴾‪ .‬فأنت ترى‬ ‫ورسولُه وَال ي ِدينُو َن ِدين ا ْحل ِق ِمن الَّ ِذين أُوتُوا الْ ِكتَاب ح َّىت ي عطُوا ا ْجلِزيةَ عن يد وهم ص ِ‬
‫َْ َ ْ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ََ ُ ُ َ َ‬
‫أنه خص الذين أوتوا الكتاب وقبل اجلزية منهم‪ ،‬وأبقى األمر ابلقتال ابلنسبة لغريهم؛ حىت يعلنوا كلمة‬
‫ين‬ ‫التوحيد‪ُ ،‬ث إنه خصص من يقاتلون ابملعتدين يف آية أخرى؛ وهي قوله‪﴿ :‬وقَاتِلُوا ِيف سبِ ِيل َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يُ َقاتِلُونَ ُك ْم َوَال تَ ْعتَ ُدوا﴾‪.‬‬
‫ومن هذا يُعلم أن قول النيب صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقتال الناس " من العام املخصوص‪ ،‬فاملراد‬
‫ابلناس‪َ :‬من بدءوَن ابالعتداء علينا‪.‬‬
‫ضلِ ِه﴾ فاملراد ابلناس‪:‬‬ ‫اَّللُ ِم ْن فَ ْ‬
‫َّاس َعلَى َما آَ ََت ُه ُم َّ‬ ‫ج ‪ -‬العام املراد به اخلصوص؛ حنو‪﴿ :‬أ َْم َْحي ُس ُدو َن الن َ‬
‫سيدَن حممد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫تناوال من حيث‬ ‫والفرق بني العام املخصوص والعام املراد به اخلصوص‪ :‬أن العام املخصوص عمومه مراد ً‬
‫حكما‪ ،‬وأن املراد‬ ‫تناوال وال ً‬ ‫اللفظ‪ ،‬غري مراد من حيث احلكم‪ ،‬والعام املراد به اخلصوص عمومه غري مراد ال ً‬
‫به اخلصوص يعترب استعمال العام فيه من قبيل اجملاز‪ ،‬واملخصوص من قبيل احلقيقة‪ ،‬وأنه يف حالة إرادة‬
‫احدا‪ ،‬خبالف العام املخصوص‪ ،‬فال يصح إرادة أقل من اثنني أو‬ ‫شخصا و ً‬ ‫ً‬ ‫اخلصوص ميكن أن يراد ابلعام‬
‫ثالثة ليصدق على الباقي أنه عام‪.‬‬
‫املخصصات‪:‬‬
‫واملخصصات للعام إما متصلة به‪ ،‬أو منفصلة عنه؛ لكنها متصلة به ترفع إرادة العموم منه‪.‬‬
‫اب يَ ْوَم الْ ِقيَا َم ِة‬
‫ف لَهُ الْ َع َذ ُ‬‫اع ْ‬‫ضَ‬ ‫ك يَ ْل َق أَ َث ًما‪ ،‬يُ َ‬
‫ِ‬
‫فاملخصص املتصل‪ :‬إما االستثناء حنو‪َ ﴿ :‬وَم ْن يَ ْف َع ْل ذَل َ‬
‫احلًا﴾‪.‬‬ ‫اَن‪ ،‬إَِال من ََتب وآَمن وع ِمل عمال ص ِ‬ ‫َوَُيْلُ ْد فِ ِيه ُم َه ً‬
‫َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ََ َ‬
‫ك﴾ عام خمصوص ال‬ ‫ِ‬
‫فأنت ترى أن اخللود يف العذاب استثين منه التائب‪ ،‬فكان قوله‪َ ﴿ :‬وَم ْن يَ ْف َع ْل ذَل َ‬
‫يشمل التائب‪.‬‬
‫الالِيت َد َخ ْلتُ ْم هبِِ َّن﴾‪.‬‬
‫جوِرُك ْم ِم ْن نِ َسائِ ُك ُم َّ‬ ‫الالِيت ِيف ُح ُ‬ ‫ومن املخصصات الصفة؛ حنو‪َ ﴿ :‬وَرَابئِبُ ُك ُم َّ‬
‫فقوله‪َ ﴿ :‬وَرَابئِبُ ُك ُم﴾ شامل لكل ربيبة‪ ،‬سواء كانت مع أمها أو ال‪ ،‬لكنه وصف الربيبة احملرمة أبن يكون قد‬
‫الالِيت َد َخ ْلتُ ْم هبِِ َّن﴾ شرط ووصف يشرتط وجوده يف األم؛ لتحرمي االبنة على‬ ‫دخل الزوج أبمها‪ ،‬فقوله‪َّ ﴿ :‬‬
‫اح َعلَْي ُك ْم﴾‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫زوج األم‪ .‬والدليل على ذلك قوله‪﴿ :‬فَإ ْن َملْ تَ ُكونُوا َد َخ ْلتُ ْم هب َّن فَ َال ُجنَ َ‬
‫وه ْم إِ ْن َعلِ ْمتُ ْم فِي ِه ْم َخ ْ ًريا﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومن املخصصات املتصلة التخصيص ابلشرط؛ حنو‪﴿ :‬فَ َكاتبُ ُ‬
‫خريا‪.‬‬
‫فاألمر ابملكاتبة شامل لكل رقيق؛ لكنه خص مبن علمنا فيهم ً‬
‫وه َّن َح َّىت يَطْ ُه ْر َن﴾ فالنهي عن وطء احلائض موقوت ابلطهر‪.‬‬ ‫ومنها املخصص ابلغاية؛ حنو‪َ ﴿ :‬وال تَ ْقَربُ ُ‬

‫‪34‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫أما املخصصات املنفصلة اليت ختصص العام وهي منفصلة عنه‪ ،‬فمنها العقل؛ حنو‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ َعلَى ُك ِل‬
‫َش ْيء قَ ِد ٌير﴾ خص العقل الشيء ابملمكن‪.‬‬
‫ومنها احلس حنو‪﴿ :‬تُ َد ِم ُر ُك َّل َش ْيء ِأب َْم ِر َرِهبَا﴾ فلم تدمر كل ما يف األرض بشهادة احلس‪ ،‬وإمنا دمرت كل‬
‫شيء للعصاة‪.‬‬
‫ص َن ِأبَنْ ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُ ُروء﴾‪.‬‬ ‫ومنها التخصيص بنص من القرآن يف موضع آخر؛ حنو قوله‪َ ﴿ :‬والْ ُمطَلَّ َق ُ‬
‫ات يَََرتبَّ ْ‬
‫ين آَ َمنُوا إِذَا نَ َك ْحتُ ُم‬ ‫َّ ِ‬
‫فإنه خاص ببعض املطلقات‪ ،‬وُيرج منه غري املدخول هبا؛ لقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫ُّوهنَا﴾‪.‬‬ ‫وه َّن فَ َما لَ ُك ْم َعلَْي ِه َّن ِم ْن ِعدَّة تَ ْعتَد َ‬ ‫ات ُُثَّ طَلَّ ْقتُم ِ‬
‫وه َّن م ْن قَ ْب ِل أَ ْن متََ ُّس ُ‬
‫ُ ُ‬
‫الْم ْؤِمنَ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اَّللُ ِيف أ َْوَالد ُك ْم﴾ فإنه مشروط َبو ْح َدة‬ ‫ِ‬
‫صحيحا؛ كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬يُوصي ُك ُم َّ‬ ‫وقد يكون املخصص حديثًا‬
‫ً‬
‫الدين؛ لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ال يرث مؤمن من كافر‪ ،‬وال كافر من مؤمن"‪.‬‬
‫وقد يكون املخصص هو اإلَجاع كمنع الرقيق من املرياث‪ ،‬فإهنم أَجعوا على أن الرقيق ال يرث؛ إذ لو ورثناه‬
‫لكان الوارث يف احلقيقة هو سيده؛ إذ "العبد وما ملكت يداه لسيده"‪.‬‬
‫قياسا على األمة اليت‬ ‫وقد يكون املخصص القياس اجللي‪ .‬ومثاله‪ :‬جلد العبد األعزب الزاين مخسني جلدة‪ً ،‬‬
‫اب﴾‪.‬‬ ‫ات ِمن الْع َذ ِ‬ ‫اح َشة فَعلَي ِه َّن نِصف ما علَى الْمحصنَ ِ‬ ‫ورد فيها قوله‪﴿ :‬فَِإ ْن أَتَني بَِف ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ُ َ َ ُْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫ُيصص القرآن عموم السنة؛ كما يف قوله سبحانه‪﴿ :‬فَ َقاتِلُوا الَِّيت تَْبغِي﴾ فإنه خمصص لقوله صلى هللا‬ ‫وقد ِ‬
‫عليه وسلم‪" :‬إذا التقى املسلمان بسيفيهما فالقاتل واملقتول يف النار"‪.‬‬
‫‪ -2‬اخلاص‪:‬‬
‫اَّللِ﴾ فإنه ال يشمل سوى‬ ‫ول َّ‬ ‫وضعا؛ حنو‪ُ ﴿ :‬حمَ َّم ٌد َر ُس ُ‬ ‫هو اللفظ الذي وضع لفرد واحد‪ ،‬وال يتناول غريه ً‬
‫سيدَن حممد بن عبد هللا‪ ،‬خامت النبيني واملرسلني‪.‬‬
‫أتويال وال زايدة على مدلوها‪.‬‬ ‫وداللة اخلاص على معناه قطعية ال تقبل ً‬
‫كقوله‪﴿ :‬الطَّال ُق َمَّرََت ِن﴾ فمراد به حقيقة االثنني بدليل‪﴿ :‬فَِإ ْن طَلَّ َق َها فَ َال َِحت ُّل لَهُ ِم ْن بَ ْع ُد َح َّىت تَْن ِك َح‬
‫َزْو ًجا َغ ْ َريهُ﴾ واملراد‪ :‬إن طلقها الثالثة بعد أن راجعها يف املرة األوىل والثانية‪.‬‬
‫‪ -3‬اجململ‪:‬‬
‫هو ما مل تتضح داللته ومل يظهر املراد منه من جهة لفظه‪ ،‬وابلتأمل ينكشف بيانه‪.‬‬
‫واملتفق عليه أنه ما من جممل يف القرآن إال بُِني‪ ،‬أما بقاؤه على إَجاله وهو متعلق ابألحكام فممتنع اتفاقًا‪.‬‬
‫أسباب اإلَجال‪:‬‬
‫أ‪ -‬وجود اللفظ املشرتك املستعمل يف أحد معانيه املتضادة؛ مثل‪" :‬عسعس"‪ ،‬فإنه موضوع لإلقبال‬
‫س﴾‪.‬‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫واإلدابر‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬واللْيل إذَا َع ْس َع َ‬

‫‪35‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ِ‬
‫وه َّن﴾‬ ‫متقابال؛ حبيث ال ميكن اجلمع؛ حنو‪َ ﴿ :‬وتَ ْر َغبُو َن أَ ْن تَْنك ُح ُ‬ ‫أيضا ً‬ ‫ب‪ -‬احلذف‪ ،‬على أن يكون احملذوف ً‬
‫إن كان احملذوف "يف" كانت الرغبة حمبة‪ ،‬وإن كان احملذوف "عن" كانت نفرة وكراهية‪.‬‬
‫الصالِ ُح يَ ْرفَعُهُ﴾ حيتمل عود ضمري‬ ‫ب َوالْ َع َم ُل َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َع ُد الْ َكل ُم الطَّي ُ‬
‫ِ‬
‫ج ‪ -‬اختالف مرجع الضمري؛ حنو‪﴿ :‬إِلَْيه يَ ْ‬
‫الفاعل يف "يرفعه" إىل ما عاد عليه ضمري إليه وهو "هللا"‪ ،‬وحيتمل عوده إىل "العمل"‪ ،‬واملعىن‪ :‬أن العمل‬
‫الصاحل هو الذي يرفع الكلم الطيب‪ ،‬وحيتمل عوده إىل "الكلم"؛ أي‪ :‬أن الكلم الطيب ‪-‬وهو التوحيد‪ -‬يرفع‬
‫العمل الصاحل؛ ألنه ال يصلح العمل إال مع اإلميان‪.‬‬
‫فأنت ترى أن الرافع إما "هللا" أو "العمل" أو "الكلم" واملرفوع إما "الكلم" وإما "العمل"‪.‬‬
‫الر ِاس ُخو َن ِيف الْعِْل ِم يَ ُقولُو َن‬ ‫د‪ -‬احتمال العطف واالستئناف؛ كما يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما يَ ْعلَ ُم َأتْ ِويلَهُ إَِّال َّ‬
‫اَّللُ َو َّ‬
‫آَ َمنَّا بِِه﴾ فإن جعلت "الواو" للعطف‪ ،‬فالراسخون يعلمون أتويل املتشابه‪ ،‬وإن جعلتها لالستئناف‪،‬‬
‫فالراسخون ال يعلمون؛ ولكن يقولون‪ :‬آمنا به‪.‬‬
‫وه َّن﴾‪.‬‬ ‫ضلُ ُ‬ ‫ه ‪ -‬استعمال اللفظ الغريب؛ حنو‪ :‬العضل يف قوله‪﴿ :‬فَ َال تَ ْع ُ‬
‫واستعمال اللفظ املشهور يف غري ما اشتهر فيه أبن يستخدمه كناية أو استعارة؛ حنو‪﴿ :‬تَنَ َّزُل َعلَى ُك ِل أَفَّاك‬
‫ب َكفَّْي ِه﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫أَثِيم‪ ،‬يُْل ُقو َن َّ‬
‫َصبَ َح يُ َقل ُ‬‫الس ْم َع﴾ أي‪ :‬يسمعون‪ ،‬وحنو‪َ ﴿ :‬ثِينَ عطْفه﴾ كناية عن التكرب‪ ،‬وحنو‪﴿ :‬فَأ ْ‬
‫كناية عن الندم‪.‬‬
‫ك َح ِف ٌّي َعْن َها﴾ والتقدير‪ :‬يسألونك عنها كأنك حفي‪.‬‬ ‫ك َكأَنَّ َ‬ ‫ز‪ -‬التقدمي والتأخري؛ حنو‪﴿ :‬يَ ْسأَلُونَ َ‬
‫َس َوِد ِم َن الْ َف ْج ِر﴾ فإن‬ ‫ِ‬
‫ض م َن ا ْخلَْيط ْاأل ْ‬
‫ط ْاألَب ي ِ‬
‫ني لَ ُك ُم ا ْخلَْي ُ َْ ُ‬ ‫والبيان للمجمل إما متصل حنو قوله‪َ ﴿ :‬ح َّىت يَتَ بَ َّ َ‬
‫قوله‪ِ ﴿ :‬م َن الْ َف ْج ِر﴾ بيان لتبني اخليط األبيض من اخليط األسود‪.‬‬
‫الدي ِن﴾ بينه قوله‪﴿ :‬وما أَدرا َك ما ي وم ِ‬
‫الدي ِن‪ُُ ،‬ثَّ‬ ‫ك ي وِم ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ َ َْ َ َْ ُ‬ ‫منفصال يف موضع آخر حنو قوله‪َ ﴿ :‬مال َ ْ‬ ‫ً‬ ‫وقد يكون‬
‫س لِنَ ْفس َشْي ئًا َو ْاأل َْم ُر يَ ْوَمئِذ ََِّّللِ﴾‪.‬‬ ‫ك نَ ْف ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َما أ َْد َر َاك َما يَ ْوُم الدي ِن‪ ،‬يَ ْوَم َال متَْل ُ‬
‫وقد تكون السنة هي املبيِنة كما يف الصالة وغريها‪ ،‬وليس ألحد أن يبني اجململ إال الشرع‪ ،‬خبالف املشرتك‪،‬‬
‫فإن محله على أحد معانيه ميكن للمجتهد ابألمارات كما فعل أئمة الفقه رضوان هللا عليهم‪.‬‬
‫‪ -4‬املطلق‪:‬‬
‫وهو ما دل على املاهية من غري قيد؛ حنو‪" :‬رقبة" يف قوله‪﴿ :‬فَتَ ْح ِر ُير َرقَبَة﴾ فهو لفظ منتشر يصدق على‬
‫أي فرد‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬أنه من قبيل اخلاص‪ ،‬وينصرف إىل الكامل‪ ،‬ويدل على العموم عن طريق البدل عن طريق‬
‫الشمول‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ممتثال‪ ،‬وهذا هو معىن العموم‬
‫احدا‪ ،‬ومع ذلك لو جئت أبية رقبة كنت ً‬ ‫فردا و ً‬
‫فمثال لفظ "رقبة" ال يشمل إال ً‬
‫ً‬
‫البدِل‪ ،‬فإذا قيد املطلق مل ُيرج عن معناه‪ ،‬فإذا قال هللا‪﴿ :‬فَتَ ْح ِر ُير َرقَبَة ُم ْؤِمنَة﴾ مل يزد إال وصفها ابإلميان مع‬
‫بقاء املطلق من قسم اخلاص‪.‬‬
‫أما العام‪ ،‬فمىت خصص خرج عن معىن العموم‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬اقتلوا املشركني احلربيني؛ أصبح العام بعد‬
‫التخصيص ال يتناول سوى احلربيني‪.‬‬
‫‪ -5‬املقيد‪:‬‬
‫فمثال‪" :‬مؤمنة" يف قوله تعاىل‪﴿ :‬فَتَ ْح ِر ُير َرقَبَة‬
‫مستقال‪ً ،‬‬‫ًّ‬ ‫وهو ما أخرج عن االنتشار بوجه ما وكان القيد‬
‫ُم ْؤِمنَة﴾ هو قيد‪ ،‬وقد ضيق يف مدلول رقبة‪ ،‬وحصرها يف املؤمنني‪.‬‬
‫محل املطلق على املقيد‪:‬‬
‫ال ُحيمل املطلق على املقيد‪ ،‬وال ُحيمل املقيد على املطلق إال مبسوغ‪.‬‬
‫احدا‪ ،‬أو للمقيد حكم وللمطلق حكم‪.‬‬ ‫كال من املطلق واملقيد إما أن يكون حكمهما و ً‬ ‫واعلم أن ًّ‬
‫متعددا‪ ،‬للمقيد سبب وللمطلق سبب‪.‬‬ ‫احدا أو ً‬ ‫وإما أن يكون سببهما و ً‬
‫اسا﴾‪ ،‬ومرة‬ ‫فمثال احتاد احلكم‪َْ ﴿ :‬حت ِر ُير َرقَبَة﴾ فمرة مطلقة؛ كما يف قوله‪﴿ :‬فَتَ ْح ِر ُير َرقَبَة ِم ْن قَ ْب ِل أَ ْن يَتَ َم َّ‬
‫يقول‪﴿ :‬فَتَ ْح ِر ُير َرقَبَة ُم ْؤِمنَة﴾‪ ،‬فاحلكم يف كل منهما متحد‪ ،‬وهو التحرير‪.‬‬
‫ومثال تعدد السبب؛ كأن يكون يف أحدمها سببه الظهار‪ ،‬ويف اآلخرة سببه القتل اخلطأ‪.‬‬
‫س‬ ‫وصى ِهبَا أ َْو َديْن﴾ وقوله‪﴿ :‬إِ ِن ْام ُرٌؤ َهلَ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ك لَْي َ‬ ‫ومثال احتاد السبب يف كل منهما قوله‪﴿ :‬م ْن بَ ْعد َوصيَّة يُ َ‬
‫ف َما تَ َرَك﴾‪ ،‬فهذا مطلق‪ ،‬واألول مقيد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ص ُ‬‫ت فَلَ َها ن ْ‬
‫ُخ ٌ‬
‫لَهُ َولَ ٌد َولَهُ أ ْ‬
‫والقاعدة‪ :‬أنه إذا احتد السبب واحلكم وجب احلمل على املتأخر‪ ،‬فإن كان املتأخر هو املطلق أُلغي القيد‪،‬‬
‫وإن كان املتأخر هو املقيد قيد املطلق ومحل املطلق على املقيد‪،‬‬
‫وإن اختلف السبب بقي كل منهما على حاله‪ ،‬احتد احلكم فيهما أو اختلف‪.‬‬
‫وكذا إذا احتد السبب واختلفا يف احلكم‪ ،‬فال حتمل كفارة الظهار على كفارة القتل اخلطأ؛ الختالف‬
‫السبب‪ ،‬وكذا ال حتمل كفارة اليمني على كفارة الظهار يف تتابع الصوم؛ الختالف السبب‪،‬‬
‫‪ -6‬املنطوق‪:‬‬
‫صيَ ُام ثََالثَِة أ ََّايم ِيف ا ْحلَ ِج َو َسْب َعة إِ َذا َر َج ْعتُ ْم تِْل َ‬
‫ك َع َشَرةٌ‬ ‫هو ما دل عليه اللفظ يف حمل النطق؛ حنو‪﴿ :‬فَ ِ‬
‫َك ِاملَةٌ﴾ فقد دل هذا النص على صيام عشرة أايم داللة قاطعة‪،‬‬
‫اسأ َِل الْ َق ْريَةَ﴾ أي‪ :‬أهلها‪.‬‬ ‫فإن مل يُفهم اللفظ إال بتقدير حمذوف ُمسي ذلك داللة اقتضاء؛ حنو‪َ ﴿ :‬و ْ‬

‫‪37‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ُخ ِر ُجوا ِم ْن‬ ‫اج ِر َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين أ ْ‬
‫ين الذ َ‬‫فإن قصد من اللفظ الزم معناه ُمسي ذلك بداللة اإلشارة؛ حنو قوله‪﴿ :‬ل ْل ُف َقَراء الْ ُم َه َ‬
‫ض ًال ِمن َِّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ض َو ًاَن﴾‪ ،‬فاعتبار كل املهاجرين فقراء يدل بالزمه على أن اخلارج من‬ ‫اَّلل َوِر ْ‬ ‫دايره ْم َوأ َْم َواهل ْم يَْب تَ غُو َن فَ ْ َ‬
‫مهاجرا إىل هللا ورسوله زالت ملكيته عما كان ميلكه؛ حبيث لو رجع إىل مكة ال يعود إىل ملكه ما كان‬ ‫ً‬ ‫مكة‬
‫ميلكه‪ ،‬وملا عاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إىل مكة فاحتًا مل ميلك داره اليت كان قد استوىل عليها عقيل‬
‫بن أيب طالب‪ ،‬وقال عليه السالم‪" :‬وهل أبقى لنا عقيل شيئًا؟ "‪ ،‬وما تُرك ألجل هللا ال يعود إىل صاحبه‪.‬‬
‫‪ -7‬املفهوم‪:‬‬
‫وهو ما دل عليه اللفظ ال يف حمل النطق‪ ،‬وهو قسمان‪ :‬مفهوم موافقة‪ ،‬ومفهوم خمالفة‪.‬‬
‫فاألول‪ :‬مفهوم املوافقة‪ :‬ما يوافق حكمه حكم املنطوق‪ ،‬فإن كان أوىل ُمسي فحوى اخلطاب؛ كداللة‪﴿ :‬فَال‬
‫ِ َّ ِ‬
‫مساواي ُمسي حلن اخلطاب؛ كداللة‪﴿ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين‬ ‫ً‬ ‫تَ ُق ْل َهلَُما أُف﴾ على حترمي الضرب؛ ألنه أشد‪ .‬وإن كان‬
‫َأيْ ُكلُو َن أ َْم َو َال الْيَ تَ َامى ظُلْ ًما﴾ على حترمي اإلحراق؛ ألنه مساو لألكل يف اإلتالف‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬مفهوم املخالفة‪ :‬ما ُيالف حكمه حكم املنطوق‪ ،‬وهو أنواع‪:‬‬
‫أ‪ -‬مفهوم الصفة‪ :‬يستوي فيها أن تكون نعتًا؛ كقوله‪﴿ :‬اي أَيُّها الَّ ِذين آَمنُوا إِ ْن جاء ُكم فَ ِ‬
‫اس ٌق بِنَ بَأ فَتَ بَ يَّ نُوا﴾‪،‬‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫وه َّن‬ ‫ِ‬
‫حاال؛ حنو‪َ ﴿ :‬وَال تُبَاش ُر ُ‬ ‫فاملفهوم املخالف‪ :‬إن جاءَن غري فاسق قبلنا خربه ومل نتوقف فيه‪ ،‬أما كانت ً‬
‫اج ِد﴾‪ ،‬فمباشرة الزوجات يف غري حال االعتكاف ويف غري املساجد ‪-‬غري حمظورة‪.‬‬ ‫وأَنْتم عاكِ ُفو َن ِيف الْمس ِ‬
‫ََ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫ات﴾ فال جيوز اإلحرام ابحلج يف غري أشهره‪.‬‬ ‫وم ٌ‬ ‫أم كان ظرف زمان؛ حنو‪﴿ :‬ا ْحلَ ُّج أَ ْش ُهٌر َم ْعلُ َ‬
‫اَّللَ ِعْن َد الْ َم ْش َع ِر ا ْحلََرِام﴾ فإن ذكر هللا يف غري هذا املكان غري حمصل‬ ‫أم ظرف مكان؛ حنو‪﴿ :‬فَاذْ ُك ُروا َّ‬
‫للمطلوب ابلذكر عند املشعر احلرام‪،‬‬
‫ُوالت َمحْل فَأَنِْف ُقوا َعلَْي ِه َّن﴾ مفهومه املخالف أن غري احلوامل ال‬ ‫ب‪ -‬مفهوم الشرط؛ كقوله‪﴿ :‬وإِ ْن ُك َّن أ ِ‬
‫َ‬
‫ينفق األزواج عليهن‬
‫ج ‪ -‬مفهوم الغاية؛ حنو‪﴿ :‬فَإِ ْن طَلَّ َق َها فَ َال َِحتلُّ لَهُ ِم ْن بَ ْع ُد َح َّىت تَْنكِ َح َزْو ًجا َغ ْ َريهُ﴾ مفهوم املخالفة أن‬
‫املطلقة ثال ًث حتل ملطلقها بغري نكاح آخر هلا‪.‬‬
‫ني َج ْل َدةً﴾ املفهوم املخالف‪ :‬أن يزيد العدد‪ ،‬أو ينقص عن مثانني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫د‪ -‬مفهوم العدد؛ حنو‪﴿ :‬فَ ِ‬
‫وه ْم َمثَان َ‬
‫اجل ُد ُ‬ ‫ْ‬
‫ه ‪ -‬القصر؛ حنو‪﴿ :‬إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد﴾ مفهوم املخالف‪ :‬عبادة غريه‪.‬‬
‫واختلفوا يف االحتجاج مبفهوم املخالفة‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬أنه حيتج به ما مل يعارضه دليل‪.‬‬
‫جوِرُك ْم﴾ مفهوم املخالف‪ :‬أهنا حتل إذا مل تكن يف حجر‬ ‫فمثال‪ :‬قوله من بني احملرمات‪َ ﴿ :‬وَرَابئِبُ ُك ُم َّ‬
‫الالِيت ِيف ُح ُ‬ ‫ً‬
‫معارض بدليل آخر؛ وهو قوله عليه الصالة والسالم‪" :‬والدخول ابألمهات حيرم البنات"‪.‬‬ ‫زوج أمها؛ لكن هذا َ‬

‫‪38‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫إعجاز القرآن‬
‫اإلعجاز لغة‪ :‬مصدر أعجز‪ ،‬ومعناه‪ :‬إثبات العجز‪ ،‬ويراد به الزمه؛ وهو إظهار عجز الثقلني‪.‬‬
‫طورا غري مألوف وال معتاد‪ ،‬وحيثما توجه الذهن إىل أية َنحية أو موضوع‬ ‫ومعىن إعجاز القرآن‪ :‬بلوغه ً‬
‫وجها من وجوه اإلعجاز‪ ،‬فهو معجز يف كل موضوع تناوله‪ ،‬معجز يف املنهج‪ ،‬وتشخيص‬ ‫تناوله القرآن؛ أدرك ً‬
‫القضية‪ ،‬ووضع احللول العملية هلا‪.‬‬
‫إن القرآن كتاب اإلنسانية جيب عليها أن تتدبره على املنهج االستقرائي‪ ،‬الذي يفتح لنا أبو ًااب جديدة من‬
‫جماالت البحث والتفكري‪ ،‬واإلسالم دين املعجزات اليت يراها العقل حيثما نظر‪ ،‬وليس بدين املعجزات اليت‬
‫تكفه عن الرؤية‪ ،‬وتضطره ابإلفحام القاهر إىل التسليم‪.‬‬
‫فالفارق اجلوهري بني معجزة عقلية‪ ،‬ومعجزة حسية‪ :‬أن املعجزة العقلية تفسح جمال التفكري حىت يكون‬
‫اإلميان هبا بعد حبث ورويَّة‪ ،‬أما املعجزة احلسية فتدهش العقل وتفحمه‪ ،‬فينقاد‪ ،‬ورمبا فكر فيها بعد اإلفاقة‪،‬‬
‫وكانت هذه املعجزة أنسب لدعوات الرسل الوقتية‪ ،‬وكانت املعجزة العقلية أنسب للدعوة اخلالدة‪.‬‬
‫ومن خصائص املعجزة أنه ال يقدر على اإلتيان هبا إال هللا‪ ،‬وليس لألنبياء جمهود فيها‪ ،‬حتدث هلم ابلفيض‬
‫اإلهلي‪ ،‬تصدق كل معجزة غريها من املعجزات‪.‬‬
‫ومل يبعث هللا نبيًّا إال أيده ابملعجزة اليت تساوي قول هللا‪" :‬صدق عبدي فيما يبلغ عين"‪ ،‬وحنن نؤمن أبن‬
‫القرآن هو يف نفسه املعجزة الكربى‪.‬‬
‫مصرح به أو مشار إليه‪،‬‬‫وقد أخربَن عن معجزات؛ كانشقاق القمر‪ ،‬واإلسراء واملعراج‪ ،‬وغري ذلك مما هو َّ‬
‫خاصا بنبينا حممد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أو غريه من األنبياء واملرسلني؛ ليقيموا احلجة هبا على أممهم حىت‬ ‫ًّ‬
‫يوصلوهم إىل هللا‪.‬‬
‫املعجزة يف االصطالح‪ :‬أمر خارق للعادة‪ ،‬يظهره هللا على يد مدعي النبوة وف ًقا ملراده‪ ،‬ساملا من املعارضة‪،‬‬
‫ً‬
‫مقروَن ابلتحدي‪.‬‬
‫ً‬
‫واملعجزة إما حسية أو عقلية‪ ،‬واملعجزة احلسية وقتية ينتفع هبا َمن شاهدها‪ .‬وبعد وقوعها تعد من َجلة‬
‫األخبار‪ ،‬وهي ثنوية يف اإلسالم‪.‬‬
‫وإما معجزة عقلية أبدية‪ ،‬وهي األساسية يف اإلسالم‪ ،‬تتميز ابخللود‪ ،‬وتتمثل يف القرآن الكرمي الذي حيمل‬
‫معا‪.‬‬
‫دعوى صدق الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬والدليل ً‬
‫استَ َج َارَك فَأ َِج ْرهُ َح َّىت‬ ‫ِ‬ ‫والدليل على حجية القرآن‪ ،‬وأنه املعجزة اخلالدة قوله تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْن أ ِ‬
‫َح ٌد م َن الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫ني ْ‬ ‫َ َ‬
‫اب يُْت لَى َعلَْي ِه ْم﴾‪.‬‬ ‫اَّللِ﴾‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬أَوَمل ي ْك ِف ِهم أ َََّن أَنْزلْنَا علَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََْ ْ‬ ‫الم َّ‬
‫يَ ْس َم َع َك َ‬

‫‪39‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ني﴾ وقوله‪:‬‬ ‫والدليل على التحدي ابلقرآن مع التدرج يف ذلك قوله‪﴿ :‬فَ ْليأْتُوا ِحب ِديث ِمثْلِ ِه إِ ْن َكانُوا ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫﴿فَأْتُوا بِ َع ْش ِر ُس َور ِمثْلِ ِه ُم ْف ََرتَايت﴾ وقوله‪﴿ :‬فَأْتُوا بِ ُس َورة ِمثْلِ ِه﴾‪.‬‬
‫س َوا ْجلِ ُّن َعلَى أَ ْن َأيْتُوا مبِِثْ ِل‬ ‫والدليل على أهنم عجزوا اإلعالن الصريح من قول هللا‪﴿ :‬قُل لَئِ ِن ْ ِ ِ‬
‫اجتَ َم َعت ْاإلنْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ض ُه ْم لِبَ ْعض ظَ ِه ًريا﴾‪.‬‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ه َذا الْ ُقر ِ‬
‫آن ال َأيْتُو َن مبثْله َولَ ْو َكا َن بَ ْع ُ‬ ‫َ ْ‬
‫والدليل على حريُتم وص ُفهم للقرآن أبنه شعر‪ُ ،‬ث سحر‪ُ ،‬ث أساطري األولني‪،‬‬
‫ومن املعلوم أن الكالم عند العرب سيد عملهم وقد احتاجوا إليه‪ ،‬واحلاجة تبعث على احليلة يف األمر‬
‫الغامض‪ ،‬فكيف يف األمر الظاهر اجلليل وقد اضطرهم عجزهم إىل استعمال السيف‪ ،‬والتضحية ابلنفس‬
‫والنفيس‪ ،‬ولو عارضوا القرآن بكالم لنقل إلينا لتوافر الدواعي على نقله‪ ،‬فما أكثر أعداء اإلسالم الذين‬
‫يتصيدون سفاسف األمور من الساقطني؛ ليحسبوها على اإلسالم وحياسبوه عليها‪.‬‬
‫وجوه اإلعجاز‪:‬‬
‫قد عد فريق من الناس من بني وجوه إعجاز القرآن‪:‬‬
‫إخباره عن حوادث وقعت يف املاضي‪ ،‬أو ستقع يف املستقبل وقد وقعت ابلفعل‪ ،‬وإخباره عن بعض ما يف‬
‫الصدور‪ ،‬واعرتاف أصحاهبا بذلك‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬نظمه العجيب الذي ُيالف الكالم املعهود من شعر ونظم ونثر‪ ،‬وليس له مثال سابق‪ ،‬وسالمته من‬
‫العيوب‪ ،‬وفصاحة ألفاظه‪ ،‬وصحة معانيه‪ ،‬واستمرار ذلك يف كل آايته‪،‬‬
‫ومما ميتاز به القرآن‪ :‬الرابط القائم بني اللفظ واملعىن؛ من حيث‪ :‬اللفظ ومدلوله لغة‪ ،‬وجرس اللفظ‪ ،‬ومعناه‪،‬‬
‫وها َوأَنْتُ ْم َهلَا َكا ِرُهو َن﴾‪ ،‬وهكذا يستعمل‬ ‫ففي اإلكراه على الشيء يستخدم ألفاظًا تدل على النفرة‪﴿ :‬أَنُلْ ِزُم ُك ُم َ‬
‫ك إِذًا قِ ْس َمةٌ‬
‫ض﴾ ﴿تِْل َ‬
‫ِح َع ِن النَّا ِر﴾ ﴿ َّاثقَ ْلتُ ْم إِ َىل ْاأل َْر ِ‬‫يف كل معىن ما يناسبه من األلفاظ‪﴿ :‬فَ َم ْن ُز ْحز َ‬
‫ِض َيزى﴾‪.‬‬
‫ومن وجوه إعجازه‪ :‬أتثريه يف القلوب واألمساع‪ ،‬وعدم امللل من تالوته مهما ترددت تالوته‪ ،‬وإجياز لفظه‪،‬‬
‫وكثرة ما تضمه من العلوم واملعاين واملعارف‪،‬‬
‫وجوها من اإلعجاز‬ ‫واحلق أن وجوه اإلعجاز يف القرآن تُوصف وال حتدد‪ ،‬فمن حيث نظر الناظر إليه رأى ً‬
‫واضحة فيما يتوقع النظر إليه‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ترمجة القرآن‬
‫ترَجة القرآن من املباحث املهمة يف علوم القرآن إذ عليها يتوقف تبليغ القرآن لغري العرب‪ ،‬والرتَجة يف نفسها‬
‫دقيقة حتتاج لكفاءة وأمانة‪ ،‬وبعض املرتَجني يرتَجون خطأ لقلة علمهم‪ ،‬أو يتعمدون اخلطأ لسوء نيتهم‪.‬‬
‫والرتَجة ابملعىن العام تُطلق على جمرد نقل الكالم والنطق به‪ ،‬وعلى نقله إىل لغة أخرى‪ ،‬كما تطق على تفسري‬
‫الكالم ابللغة اليت قيل هبا‪ ،‬أو تفسريه بلغة أخرى‪.‬‬
‫فعرفوها أبهنا التعبري عن معىن كالم بكالم من لغة أخرى‪ ،‬مع‬ ‫أما الرتَجة العرفية اليت اصطلح عليها الناس َّ‬
‫الوفاء مبعانيه ومقاصده‪.‬‬
‫فقولنا‪ :‬التعبري عن معىن كالم بكالم من لغة أخرى خمرج لتعبري اإلنسان عما يف نفسه‪ ،‬والتعبري ابملرادف‪،‬‬
‫وقولنا‪ :‬مع الوفاء ‪ ...‬إخل‪ ،‬خمرج للتفسري؛ فإنه يكتفى فيه ابلبيان ولو بوجه من الوجوه‪ ،‬وال يشرتط فيه الوفاء‬
‫بكل املعاين واملقاصد‪.‬‬
‫وتنقسم الرتمجة إىل‪ :‬حرفية لفظية‪ ،‬وإىل معنوية تفسريية‪.‬‬
‫شروط املرتجم والرتمجة‪:‬‬
‫ال بد أن يكون املرتجم أمينًا وكفئًا عاملا بكل من اللغتني من حيث املفردات والرتاكيب واألساليب؛ حبيث‬
‫ً‬
‫ميكنه تعويض النقص ليحقق الوفاء املطلوب يف الرتَجة‪ ،‬والذي جيعلها صاحلة ألن تسد مسد األصل‪ ،‬فإذا‬
‫كانت الرتَجة حرفية‪ ،‬فال بد من تساوي اللغتني يف املفردات واالشتقاق والضمائر‪ ،‬وإال تصري الرتَجة احلرفية‬
‫ممتنعة‪ ،‬مىت مل تتعادل اللغتان يف كل شيء يتصل ابملوضوع املرتجم‪،‬‬
‫وتفرتق الرتمجة عن التفسري بفروق‪:‬‬
‫‪ -1‬استقالل الرتَجة عن األصل‪.‬‬
‫‪ -2‬ال استطراد يف الرتَجة‪.‬‬
‫كامال‪.‬‬
‫‪ -3‬وفاؤها ابلغرض ً‬
‫‪ -4‬كمال االطمئنان ابلرتَجة‪.‬‬
‫أحياَن يُكتفى فيه بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫املفسر‪ ،‬وميكن االستطراد فيه‪ ،‬و ً‬ ‫التفسري خبالف هذا كله‪ ،‬ال يستغين عن َّ‬
‫وال تتأكد الطمأنينة به الحتمال اإلجياز فيه‪ ،‬والتفسري بطبيعته قائمة فيه االحتماالت‪ ،‬هذا كله يف التفسري‬
‫ابلرأي‪.‬‬
‫وال فرق بني الرتَجة احلرفية والرتَجة التفسريية؛ إال أن الرتَجة احلرفية نقل للمفردات‪ ،‬والتفسريية تصوير للمعاين‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫كما أنه ال فارق يف التفسري بني أن يكون بلغة املفسر‪ ،‬أو بغري لغته‪ ،‬وال تعرف الرتَجة تعري ًفا منطقيًّا؛ ألهنا‬
‫من قبيل التصديقات‪ ،‬والتعريف من التصورات‪ ،‬وألن الرتَجة سدت مسد األصل فال جيمع بني البدل واملبدل‬
‫منه‪.‬‬
‫وحنن نعلم أن التعريف إما حقيقي يقصد منه حصول الصورة يف الذهن بعد أن مل تكن حاصلة‪ ،‬وإما لفظي‬
‫يقصد به حضور ما هو حاصل غائب‪ ،‬وما ذكر هلا من تعريف إمنا هو ابلرسم‪ ،‬شأن معظم املعرفات‪.‬‬
‫وملا كان الكالم عن الرتَجة‪ ،‬وليس فيها حتصيل ما ليس حباصل؛ ألن األصل موجود وال حضور ما هو‬
‫غائب؛ امتنع تعريفها تعري ًفا منطقيًّا‪.‬‬
‫واملراد ابلقرآن يف قولنا‪ :‬ترَجة القرآن ‪-‬الكالم املعجز البليغ‪ ،‬ومن املعلوم أن ألي كالم بليغ معىن أوِل يعرفه‬
‫اجلميع‪ ،‬ومعىن ثنوي ينفرد مبعرفته اخلاصة‪،‬‬
‫وعلى الناظر يف القرآن لرتَجته أن يعلم مقاصده األساسية‪:‬‬
‫وأوهلا‪ :‬هداية الناس إىل احلق‪،‬‬
‫وثنيها‪ :‬إثبات عجز اخلَْلق عن اإلتيان مبثل أقصر سورة فيه‪،‬‬
‫وثلثها‪ :‬التعبد بتالوته‪.‬‬
‫كثريا ما تفوت على العامة‪ ،‬والذي يرتجم القرآن جيب عليه أن يركز على‬ ‫وعظمة القرآن يدركها اخلاصة‪ ،‬و ً‬
‫املعىن الثاين الذي تكمن فيه عظمة القرآن املتحدى به املعجز‪.‬‬
‫وال بد من مالحظة أن القرآن مقصود به التعبد بتالوته‪ ،‬فال يُستغىن عن أصله برتَجة حرفية أو بغريها‪،‬‬
‫وجتب احملافظة على أصله‪ ،‬فهو مأدبة هللا ال يُغين عنه شيء؛ ألن فيه التدبر‪﴿ :‬أَفَ َال يَتَ َدبَّ ُرو َن الْ ُق ْرآَ َن﴾‪،‬‬
‫لذ ْك ِر فَ َه ْل ِم ْن ُم َّدكِر﴾‪ ،‬وعلى لفظه تتوحد األمم‪َ ﴿ :‬وَما أ َْر َس ْلنَا‬ ‫وهو ميسور احلفظ‪﴿ :‬ولََق ْد ي َّسرََن الْ ُقرآَ َن لِ ِ‬
‫َ َ ْ ْ‬
‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َهلُْم﴾‪.‬‬ ‫م ْن َر ُسول إَِّال بِل َسان قَ ْومه ليُبَِ َ‬

‫حكم ترمجة القرآن‪:‬‬


‫شرعا‪.‬‬
‫‪ -1‬إن كانت مبعىن نقل ألفاظه‪ ،‬فجائز ً‬
‫شرعا‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسريه ابللغة العربية جائز ً‬
‫‪ -3‬تفسريه بلغة أخرى جائز ملن استجمع لشروط املفسر وشروط املرتجم‪.‬‬
‫وهذه املعاين الثالثة راجعة إىل الرتَجة العامة‪.‬‬
‫شرعا‪،‬‬
‫‪ -4‬أما نقل تفسريه ابلعريب إىل غري العريب‪ ،‬فتلك الرتَجة العرفية‪ ،‬وهي جائزة ً‬

‫‪42‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫فوائد الرتمجة العرفية‪:‬‬
‫‪ -1‬رفع النقاب عن اإلسالم‪.‬‬
‫ب‪ -‬إزالة الشبه‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تنوير غري املسلمني‪.‬‬
‫د‪ -‬إزالة احلواجز املصطنعة‪.‬‬
‫ه ‪ -‬براءة الذمة من تبعة التبليغ‪.‬‬
‫وقد وردت على ترَجة التفسري بعض الشبهات؛ منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ترَجة التفسري ال بد فيها من ذكر شيء من القرآن‪ ،‬وهو ممنوع عندكم‪،‬‬
‫موجودا ابللفظ والرسم العريب‪ ،‬ويشري املرتجم إليه برقمه‪،‬‬
‫ً‬ ‫وجوابه‪ :‬أنه يكفي أن يكون‬
‫‪ -2‬التفسري‪ :‬يشمل عادة السنة وأقوال الصحابة واألئمة‪ ،‬مما يتعذر ترَجته‪،‬‬
‫وجوابه‪ :‬أن يكتفى من التفسري بوجه واحد لتتيسر الرتَجة‪.‬‬
‫‪ -3‬يكتفى برتَجة تعاليم اإلسالم عن التفسري‪،‬‬
‫وجوابه‪ :‬أن هذا يكفي ملن يريد أن يتعرف على اإلسالم بوجه عام‪ ،‬أما َمن يريد أن يتعرف على التفسري‬
‫للحاجة إليه‪ ،‬فال يكفيه إال أن يرتجم له التفسري‪ ،‬ومن أراد القرآن فعليه أن يعرف لغته؛ ليتلوه هبا‪.‬‬
‫وبناء على ما سلف‪ ،‬فإن معىن ترَجة القرآن‪ :‬التعبري عن معانيه وألفاظه العربية بلغة أخرى‪ ،‬مع الوفاء‬
‫مبقاصده‪.‬‬
‫خصوصا يف القرآن؛ ملا أييت‪:‬‬
‫ً‬ ‫والرتَجة احلرفية من املستحيل العادي‪،‬‬
‫‪ -1‬قصور الرتَجة عن الوفاء ابملعىن األول والثانوي‪ ،‬واحملافظة على مقاصد القرآن الثالثة‪.‬‬
‫شرعا؛ ألن طلبه عبث‪،‬‬ ‫‪-2‬إن وجدت وجد مثل للقرآن‪ ،‬وهو مستحيل‪ ،‬واملستحيل حيرم طلبه ً‬
‫‪ -3‬إذا قلنا إبمكاهنا نكون قد ادعينا وجود مثل للقرآن‪ ،‬وهو مناف إلثبات عجز البشر‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا وجدت انصرف الناس على األصل‪ ،‬وذلك ال جيوز‪.‬‬
‫‪ -5‬إذا وجدت انصرف الناس إليها وعُرض األصل للضياع‪ ،‬وهذا ال يرضاه مسلم يتعبد بتالوة القرآن‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا وجدت الرتَجة احلرفية افرتق الناس واختلفوا‪ ،‬واملطلوب َو ْح َدة األمة‪.‬‬
‫يبق لوصفه ابلعربية كبري فائدة‪.‬‬ ‫‪ -7‬إذا وجدت تصدعت لغة القرآن‪ ،‬ومل َ‬
‫‪ -8‬انعقد االجتماع على عدم جواز رواية القرآن ابملعىن؛ حمافظة على لفظه‪ ،‬فكيف جيوز ويف الرتَجة‬
‫احلرفية هجر للفظه؟!‬
‫‪ -9‬األعالم ال متسها الرتَجة‪ ،‬والقرآن عام مقصود لفظه‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫وقد وردت بعض الشبهات على منع الرتَجة احلرفية‪ ،‬نوجزها فيما أييت‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب تبليغ اإلسالم‪.‬‬
‫وجوابه‪ :‬ميكن تبليغه برتَجة التفسري ملن أراد التفسري‪ ،‬وتبليغ أحكام اإلسالم برتَجتها ملن أراد معرفة‬
‫األحكام‪.‬‬
‫‪ -2‬استلزم كتب النيب صلى هللا عليه وسلم اليت بعثها إىل غري العرب للرتَجة‪ ،‬فال بد أهنا ترَجت هلم إبقرار‬
‫منه عليه السالم للرتَجة‪.‬‬
‫وجوابه‪ :‬أهنا تستلزم ترَجة التفسري‪ ،‬على أن ما يف كتبه صلى هللا عليه وسلم كان اقتباسا من القرآن‪ ،‬وليس‬
‫يف أي كتاب آية كاملة‪.‬‬
‫ومن ادعى أن الكتب تُرَجت ترَجة حرفية‪ ،‬فقد أعظم القول وقال بغري علم‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ -3‬الرتَجة كالتفسري‪.‬‬
‫وجوابه‪ :‬أن بينهما فروقًا كما سق‪.‬‬
‫‪ -4‬يكتفى ابملعىن األوِل‪.‬‬
‫وجوابه‪ :‬أن هذا شطر القرآن‪ ،‬فاملعىن الثانوي أهم عند اخلاصة من املعىن األوِل‪ ،‬وأدل على العظمة‬
‫واإلعجاز واهلداية‪.‬‬
‫‪ -5‬تصحيح ما وقع من أخطاء‪.‬‬
‫وجوابه‪ :‬ستقعون يف اخلطأ مثلما وقعوا‪ ،‬بل إن الرتَجة التفسريية مل تزل هبا أخطاء يندى هلا اجلبني مع كثرة‬
‫تَ ْكَرا ِرها‪.‬‬
‫‪ -6‬نقل عن سلمان الفارسي أنه ترجم الفاحتة‪ ،‬وأقر النيب صلى هللا عليه وسلم ترَجته هلا‪.‬‬
‫وجوابه‪ :‬أن هذا خرب مطعون يف صحته‪ ،‬وعلى فرض التسليم بسالمة سنده ‪-‬وهو عسري جدًّا‪ -‬فإهنا كانت‬
‫ترَجة للتفسري‪ ،‬وليست ترَجة حرفية‪.‬‬
‫‪ -7‬جوز األحناف الدخول يف الصالة برتَجة التكبري‪.‬‬
‫وجوابه‪ :‬أنه ال حجة إال ملا ثبت عن هللا ورسوله‪ ،‬وأن األحناف يفرقون بني ما هو ذكر جتوز ترَجته‪ ،‬وما‬
‫هو قصة ال جتوز ترَجته‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫طرق التفسري وأنواعه ومناهجه‬
‫ُيتلف العلماء يف حتديد طرق التفسري وأنواعه وذلك أن بعضهم حيدد طرقه من حيث املصدر والتلقي‪:‬‬
‫كتفسري القرآن ابلقرآن‪ ،‬وتفسري القرآن ابلسنة وغريها‪ ،‬أو التفسري ابملأثور‪ ،‬والتفسري ابلرأي‪ ،‬أو من حيث‬
‫األنواع واالختصاصات‪ :‬تفسري إَجاِل‪ ،‬تفسري حتليلي‪ ،‬تفسري موضوعي‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫التفسري ابملأثور (ابلرواية)‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫هو الذي يعتمد فيه املفسر عند تفسريه آلايت القرآن على تفسري القرآن ابلقرآن أو تفسري القرآن ابلسنة‬
‫التفسري بنقل آثر واقوال الصحابة والتابعني‪ ،‬فهو تفسري يتسم ابلرواية واإلسناد‪.‬‬

‫أنواعه وطرقه‪:‬‬
‫من خالل التعريف يتبني أن للتفسري ابملأثور أنواع منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تفسري القرآن ابلقرآن‪:‬‬
‫ت ِم ْن لَ ُد ْن َح ِكيم َخبِري﴾ هود‪ ،1:‬فرتد آايت‬ ‫ِ‬
‫آايتُهُ ُُثَّ فُصلَ ْ‬
‫ت َ‬
‫قال هللا سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬الر كِتَاب أ ِ‬
‫ُحك َم ْ‬
‫ٌ ْ‬
‫من القرآن حمكمة يف موضع وأييت بينها وتفصيلها يف موضع آخر‪ ،‬وهذا النوع هو أصح وأقوى أنواع وطرق‬
‫ومناهج التفسري؛ فالقرآن يفسر بعضه بعضا‪.‬‬
‫وقد اعتىن هبذا الطريق من السلف املفسر عبد الرمحن بن زيد بن أسلم‪ ،‬وقد ظهر هذا واضحاً من خالل‬
‫املروايت عنه يف تفسري الطربي‪ ،‬وقد كان البن كثري عناية هبذا الطريق يف تفسريه‪.‬‬
‫وممَّن ألف يف هذا الطريق األمري الصنعاين (حممد بن إمساعيل) (ت‪1181:‬ه )‪ ،‬وعنوان كتابه‪« :‬مفاتيح‬
‫الرضوان يف تفسري الذكر ابآلثر والقرآن»‪.‬‬
‫وأفضل مؤلَّف موجود اآلن يف هذا النوع من التفسري ابملأثور هو تفسري‪ :‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن‬
‫ابلقرآن للشنقيطي (ت‪1393:‬ه ) الذي أمساه «أضواء البيان يف إيضاح القرآن ابلقرآن»‪.‬‬

‫من صور تفسري القرآن ابلقرآن‪:‬‬


‫بيان اجململ‪:‬‬
‫يمةُ األَنْ َع ِام إِالَّ َما يُْت لَى َعلَْي ُك ْم﴾ املائدة‪ ،1 :‬فقوله تعاىل‪﴿ :‬إِالَّ َما يُْت لَى‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثاله قوله تعاىل‪﴿ :‬أُحلَّ ْ‬
‫ت لَ ُك ْم َهب َ‬
‫َّم َو َحلْ ُم‬ ‫﴿ح ِرَم ْ‬
‫ت َعلَْي ُك ُم الْ َمْي تَةُ َوالد ُ‬ ‫يبني‪ ،‬وبيَّنه هللا سبحانه بقوله‪ُ :‬‬
‫َعلَْي ُك ْم﴾ جممل يف هذا السياق ومل َّ‬
‫ِ‬
‫ب﴾ املائدة‪.3 :‬‬ ‫﴿وَما ذُبِ َح َعلَى الن ُ‬
‫ُّص ِ‬
‫ا ْخلْن ِزي ِر﴾ إىل قوله‪َ :‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ختصيص العام‪:‬‬
‫ص َن ِأبَنْ ُف ِس ِه َّن ثَالَثَةَ قُ ُروء﴾ البقرة‪ ،228 :‬فهذا حكم عام يف َجيع‬ ‫﴿والْ ُمطَلَّ َق ُ‬
‫ات يَََرتبَّ ْ‬ ‫من أمثلته قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫َجلُ ُه َّن أَ ْن يَ َ‬
‫ض ْع َن‬ ‫ت األ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫َمحَال أ َ‬ ‫﴿وأُوالَ ُ‬
‫املطلقات‪ُ ،‬ث أتى ما ُيصص من هذا العام احلوامل‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫فخص من عموم املطلقات أوالت األمحال‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َمحْلَ ُه َّن﴾ الطالق‪،4 :‬‬
‫تفسري لفظة بلفظة‪:‬‬
‫﴿وأ َْمطَْرََن َعلَْي َها ِح َج َارةً ِم ْن ِس ِجيل﴾ هود‪ ،82 :‬ويف موضع آخر قال عز وجل‪﴿ :‬لِنُ ْرِس َل‬
‫قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫َعلَْي ِه ْم ِح َج َارةً ِم ْن ِطني﴾ الذارايت‪.33 :‬‬
‫اثنياً‪ :‬تفسري القرآن ابلسنة النبوية‪:‬‬
‫ني لِلن ِ‬
‫َّاس َما نُ ِزَل‬ ‫السنة النبوية الصحيحة وحي شارح لوحي القرآن قال هللا تعاىل‪﴿ :‬وأَنْزلْنا إِلَي ِ ِ‬
‫ك الذ ْكَر لتُبَِ َ‬ ‫َ ََ ْ َ‬
‫إِلَْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم يَتَ َف َّك ُرو َن﴾ النحل‪ ،44 :‬فحجية السنة وعالقتها ابلقرآن وكوهنا مبينة وشارحة له ثبت‬
‫ابلدليل الشرعي والعقلي‪.‬‬
‫فالنيب صلى هللا عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن هو الكفيل بفهمه وشرحه وتبليغ معانيه ومقاصده‪،‬‬
‫والقرآن أمر عموما ابلصالة والزكاة والصيام وغريها من العبادات واألحكام الشرعية ولكن كيفيات هذه‬
‫العبادات وشروطها وسننها جاءت مبينة يف السنة النبوية‪.‬‬
‫ولقد وردت كثري من الرواايت التفسريية عن النيب صلى هللا عليه وسلم ومنها‪:‬‬
‫َس َوِد ِم َن‬ ‫ِ‬
‫ض م َن ا ْخلَْيط ْاأل ْ‬
‫ط ْاألَب ي ِ‬
‫ني لَ ُك ُم ا ْخلَْي ُ َْ ُ‬ ‫﴿وُكلُوا َوا ْشَربُوا َح َّىت يَتَ بَ َّ َ‬
‫ما رواه البخاري يف تفسري قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ض ِم َن‬‫ط األَبْيَ ُ‬ ‫اَّللِ َما ا ْخلَْي ُ‬
‫ول َّ‬ ‫ت‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫ال قُ ْل ُ‬ ‫الْ َف ْج ِر﴾ البقرة‪َ ،187 :‬ع ْن َع ِد ِي بْ ِن َح ِامت َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْنهُ قَ َ‬
‫ا ْخلَي ِط األَسوِد‪ ،‬أ َُمها ا ْخلَيطَ ِ‬
‫ني‪ُُ ،‬ثَّ قَال‪:‬‬‫ت ا ْخلَْيطَ ْ ِ‬ ‫يض الْ َق َفا إِ ْن أَبْ َ‬
‫ص ْر َ‬ ‫ك لَ َع ِر ُ‬ ‫ان؟ قَال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إِنَّ َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫َّها ِر"‪.‬‬
‫اض الن َ‬‫الَ‪ ،‬بَ ْل ُه َو َس َو ُاد اللَّْي ِل َوبَيَ ُ‬
‫وغريها من األمثلة الكثرية الدالة على أمهية هذا النهج التفسريي للقرآن الكرمي مبا روي عن النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم من أقوال وأفعال‪.‬‬
‫األنواع املستنبطة يف تفسري الرسول صلّى هللا عليه وسلّم للقرآن‪:‬‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم الصحابةَ ابلتفسري فينص على تفسري آية أو لفظة‪ ،‬وله أسلوابن‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يبتدأ ُ‬
‫املفسرة‪.‬‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم التفسري‪ُ ،‬ث يذكر اآلية َّ‬
‫أ أن يذكر ُ‬
‫املفسرة‪ُ ،‬ث يذكر تفسريها‪.‬‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم اآلية َّ‬
‫ب أن يذكر ُ‬
‫‪ - 2‬أن يشكل على الصحابة فهم آية فيفسرها هلم‪.‬‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم يف كالمه ما يصلح أن يكون تفسرياً لآلية‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يذكر ُ‬

‫‪46‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫النيب صلى هللا عليه وسلم القرآن‪ ،‬فيعمل مبا فيه من أمر‪ ،‬ويرتك ما فيه من هني‪ .‬قوله تعاىل‪:‬‬ ‫‪ - 4‬أن يتأول ُ‬
‫استَ ْغ ِف ْرهُ﴾ [النصر‪ .]3 :‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬ما صلى النيب صلى هللا‬ ‫ك َو ْ‬
‫ِ‬
‫﴿فَ َسبِ ْح ِحبَ ْمد َربِ َ‬
‫اَّللِ َوالْ َفْت ُح﴾ إال يقول فيها‪« :‬سبحانك ربنا‬ ‫عليه وسلم صالة بعد أن نزلت عليه‪﴿ :‬إِ َذا َجاءَ نَ ْ‬
‫ص ُر َّ‬
‫وحبمدك‪ ،‬اللهم اغفر ِل»‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬تفسري القرآن أبقوال واجتهادات الصحابة‪:‬‬
‫عصر الصحابة هو عصر تنزيل القرآن وهم أهل التلقي األول للقرآن الكرمي من النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫بل وفيهم ويف أحواهلم ومناقشاُتم وإجابة على اسئلتهم نزل كثري من القرآن‪ ،‬فهم أهل املعرفة الصحيحة‬
‫مبكي القرآن ومدنيه وما نزل منه يف الشتاء أو الصيف أو احلضر أو السفر‪.‬‬
‫معانيه َّن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وزهن حىت يعرف‬ ‫عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال‪ " :‬كان الرجل منَّا إذا تعلَّم َع ْشر آايت مل جيا ُ‬
‫هبن"‪.‬‬
‫العمل َّ‬
‫و َ‬
‫فأقوال الصحابة واجتهاداُتم يف بيان معاين القرآن وتعيني مقاصده وأهدافه أوىل من غريهم‪ ،‬واجتهاداُتم يف‬
‫بيان املراد من آايت القرآن حمل ثقة وتقدير واحرتام فمنهم اخللفاء الراشدون املهديون ومنهم املبشرون‬
‫ابجلنة‪ ،‬ومنهم حفظ سر رسول هللا‪ ،‬ومنهم القراء‪ ،‬وأهل الصفة‪ ،‬ومنهم ترَجان القرآن ويكفيهم قول هللا‬
‫وه ْم إبِِ ْح َسان َر ِض َي َّ‬ ‫اج ِرين و ْاألَنْ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوا َعْنهُ‬‫اَّللُ َعْن ُه ْم َوَر ُ‬ ‫ين اتَّبَ عُ ُ‬
‫صار َوالذ َ‬ ‫السابِ ُقو َن ْاأل ََّولُو َن م َن الْ ُم َه َ َ َ‬
‫﴿و َّ‬‫فيهم‪َ :‬‬
‫يم﴾‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأَع َّد َهلم جنَّات َجت ِري َحتت ها ْاأل َْهنَار خالِ ِد ِ‬
‫ك الْ َف ْوُز الْ َعظ ُ‬‫ين ف َيها أَبَ ًدا ذَل َ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َ َ ُْ َ‬
‫"خري القرون قرين ُث الذين يلوهنم ُث الذين يلوهنم"‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أصحايب كالنجوم أبيهم‬
‫أقتديتم اهتديتم"‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬تفسري القرآن أبقوال التابعني‪:‬‬
‫التابعون أخذوا وتلقوا القرآن والتفسري من الصحابة فهم إىل عصر التنزيل واالحتجاج اللغوي أقرب وإىل‬
‫إدراك معاين القرآن وأسراره وحكمه أدق وأضبط‪ ،‬وخاصة أن طريقتهم يف النقل هي الرواية واإلسناد‬
‫ومنهجهم يف التلقي هو التحقيق والضبط واالستيثاق‪.‬‬
‫وهم أيضا من القرون األوىل الفاضلة وهم من محل لواء الدعوة والتبليغ بعد الصحابة فاألخذ بتفاسريهم‬
‫أوىل من تفاسري من جاء بعدهم‪.‬‬
‫قال جماهد بن جرب التابعي املفسر‪ :‬عرضت املصحف على ابن عباس‪ ،‬أوقفه عند كل آية منه‪ ،‬وأسأله‬
‫عنها‪ ،‬وهلذا قال الثوري‪ :‬إذا جاءك التفسري عن جماهد فحسبك به‪ ،‬وهلذا يعتمد على تفسريه‪ :‬الشافعي‬
‫والبخاري وغريمها من أهل العلم‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫التفسري ابلرأي‪:‬‬

‫الرأي لغة وألفاظه املرادفة‪:‬‬


‫االستنباط العقلي‪ ،‬االجتهاد‪،‬‬
‫ت َم ِن َّاختَ َذ إِ َهلَهُ َه َواهُ﴾ اجلاثية‪.،23 :‬‬
‫التأويل‪ ،‬االعتقاد‪ ،‬القياس‪ ،‬الدراية‪ ،‬اهلوى‪﴿ :‬أَفَ َرأَيْ َ‬
‫واشتهر هبذه املصطلحات‪:‬‬
‫التفسري ابلرأي أو ابلدراية أو ابملعقول أو ابالجتهاد‪.‬‬
‫التفسري ابلرأي اصطالحاً‪:‬‬
‫أن يفسر القرآن بعقله فيفهم اآلايت ويستنبط منها‪ ،‬مستخدما آالت التفكري واالجتهاد العقلي بعيداً عن‬
‫الرواية والنقل‪.‬‬
‫وينقسم التفسري ابلرأي إىل قسمني‪:‬‬
‫التفسري ابلرأي احملمود املقبول‪ ،‬والتفسري ابلرأي املذموم املردود‪.‬‬
‫التفسري ابلرأي احملمود‪:‬‬
‫هو التفسري الذي يقوم فيه املفسر املؤهل ببيان معاين القرآن بفهمه واجتهاده وما أدى إليه استنباطه من‬
‫معاين ومقاصد وحكم وأحكام وأسرار‪ ،‬ملتزماً بضوابط التفسري وقواعده الصحيحة‪.‬‬
‫أو هو ما كان موافقاً لغرض الشارع‪ ،‬بعيداً عن اجلهالة والضاللة متفقا مع قواعد اللغة العربية‪ ،‬معتمداً على‬
‫أساليبها يف فهم النصوص القرآنية الكرمية‪.‬‬
‫موقف العلماء من التفسري ابلرأي‪:‬‬
‫التفسري ابلرأي احملمود جائز ومقبول وذلك لألدلة اآلتية‪:‬‬
‫ِ‬
‫َنزلْنَاهُ‬ ‫‪ −‬يدخل يف التدبر الذي أمرَن هللا به‪﴿ :‬أَفَ َال يَتَ َدبَّ ُرو َن الْ ُق ْرآ َن أ َْم َعلَى قُلُوب أَقْ َفا ُهلَا﴾‪﴿ ،‬كتَ ٌ‬
‫اب أ َ‬
‫اب﴾‪﴿ ،‬أفال يتدبرون القرآن ولو كان من عند هللا لوجدوا‬ ‫ك مبارٌك لِيدَّبَّروا آايتِِه ولِي تَ َذ َّكر أُولُوا ْاألَلْب ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫إلَْي َ َُ َ َ ُ َ َ َ َ ْ‬
‫لذ ْك ِر فَ َه ْل ِمن ُّم َّدكِر﴾ وغريها‪.‬‬ ‫فيه اختالفا كثريا﴾ ص‪﴿ ،29 :‬ولََق ْد ي َّسرََن الْ ُقرآ َن لِ ِ‬
‫َ َ ْ ْ‬
‫‪ −‬ورد يف القرآن كثري من اآلايت اليت تدعو إىل استعمال العقل والفكر يف آايت هللا ومنها آايت القرآن‬
‫﴿فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾ األعراف ‪﴿ ،167‬كذلك نفصل اآلايت لقوم يتفكرون﴾‪،‬‬
‫﴿إن يف ذلك آلايت لقوم يتفكرون﴾‪﴿ ،‬إن يف ذلك آلايت لقوم يعقلون﴾ وغريها من اآلايت‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ني لِلن ِ‬
‫َّاس َما نُ ِزَل إِلَْي ِه ْم‬ ‫‪ −‬االجتهاد واالستنباط من القرآن هو من فعل النيب ﴿وأَنزلْنا إِلَي ِ ِ‬
‫ك الذ ْكَر لتُبَِ َ‬
‫َ ََ ْ َ‬
‫َولَ َعلَّ ُه ْم يَتَ َف َّك ُرو َن﴾‪.‬‬
‫‪ −‬دعاء النيب صلى هللا عليه وسلم ال بن عباس‪" :‬اللهم فقه يف الدين وعلمه التأويل"‪.‬‬
‫‪ −‬واالجتهاد يف استنباط املعاين هو من فعل الصحابة والتابعني‪ ،‬ومما ورد عنهم نصاً يف ذلك ُ‬
‫قول‬
‫صديق األمة أيب بكر رضي هللا عنه ملا سئل عن الكاللة‪ ،‬قال‪" :‬أقول فيها برأيي؛ فإن كان صواابً‬ ‫ِ‬
‫فمن هللا‪ ،‬وإن كان خطأً فمين ومن الشيطان"‪.‬‬
‫‪ −‬وكذا ما ورد عن علي رضي هللا عنه ملا سئل‪ :‬هل عندكم عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم شيءٌ‬
‫سوى القرآن؟ قال‪" :‬ال‪ ،‬والذي فلق احلبة‪ ،‬وبرأ النسمة‪ ،‬إال أن ي ِ‬
‫عطي هللا عبداً فهماً يف كتابه"‪.‬‬‫ُ‬
‫‪ −‬حتقيق هداية القرآن وصالحيته لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ −‬إن اآلايت اليت تذم الرأي إمنا هي يف النهي الرأي املذموم‪.‬‬
‫التفسري ابلرأي املذموم‪:‬‬
‫هو التفسري الذي يقوم به شخص غري مؤهل للتفسري وغري متقن ألدواته وأساليبه وقواعده‪ ،‬أو ُيرج املفسر‬
‫فيه عن الضوابط والقواعد املنهجية الصحيحة للتفسري‪ ،‬فيأخذه رأيه واجتهاده إىل آراء وأقوال بعيدة عن‬
‫مضامني القرآن وبالغته ومقاصده‪.‬‬
‫أو هو أن يفسر القرآن بدون علم‪ ،‬أو يفسره حسب اهلوى‪ ،‬مع اجلهالة بقواعد اللغة أو مقاصد الشريعة‪ ،‬أو‬
‫حيمل كالم هللا على عقيدته ومذهبه الفاسد‪ ،‬وبدعته الضالة‪ ،‬أو ُيوض فيما استأثر هللا بعلمه‪.‬‬
‫أسباب عدم قبول التفسري ابلرأي املذموم‪:‬‬
‫التفسري ابلرأي املذموم ال جيوز وهو مردود وذلك لآليت‪:‬‬
‫ت‬ ‫‪ −‬وردت آايت تذم الرأي واهلوى واالعتماد على العقل بدون التشريع والنقل‪ ،‬قال هللا تعاىل‪﴿ :‬أَفَ َرأَيْ َ‬
‫ضلَّ َ‬ ‫اَّلل علَى ِعلْم﴾ اجلاثية‪ ،23 :‬وقال عز وجل‪﴿ :‬وَال تَتَّبِ ِع ا ْهلوى فَي ِ‬ ‫َم ِن َّاختَ َذ إِ َهلَهُ َه َواهُ َوأ َ‬
‫ك‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َضلَّهُ َُّ َ‬
‫اَّللِ﴾ ص‪،26 :‬‬ ‫َع ْن َسبِ ِيل َّ‬
‫ِِ‬ ‫‪ −‬وقال عز وجل‪﴿ :‬ولَئِ ِن اتَّب عت أَهواءهم ِمن ب ع ِد ما جاء َك ِمن الْعِلْ ِم إِنَّ َ ِ‬
‫ني﴾ البقرة‪:‬‬ ‫ك إِذًا لَم َن الظَّالم َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َُ ْ ْ َْ َ َ َ َ‬
‫اَّللَ َال يَ ْه ِدي الْ َق ْوَم‬ ‫َض ُّل ِممَّ ِن اتَّبَ َع َه َواهُ بِغَ ِْري ُه ًدى ِم َن َّ‬
‫اَّللِ إِ َّن َّ‬ ‫﴿وَم ْن أ َ‬
‫‪ ،145‬وقال سبحانه وتعاىل‪َ :‬‬
‫الظَّالِ ِمني﴾ القصص‪ ،50 :‬وغريها من اآلايت‪.‬‬
‫ش َما ظَ َهَر ِمْن َها َوَما بَطَ َن‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫‪ −‬التفسري ابلرأي من القول على هللا بغري علم‪﴿ :‬قُ ْل إمنَا َحَّرَم َرِ َ‬
‫يب الْ َف َواح َ‬
‫اَّللِ َما َال تَ ْعلَ ُمو َن﴾‬ ‫اإل ُْثَ َوالْبَ ْغ َي بِغَ ِْري ا ْحلَ ِق َوأَن تُ ْش ِرُكوا ِاب ََّّللِ َما َملْ يُنَ ِزْل بِِه ُس ْلطَ ً‬
‫اَن َوأَن تَ ُقولُوا َعلَى َّ‬ ‫و ِْ‬
‫َ‬
‫ك بِِه ِع ْل ٌم﴾ اإلسراء‪.36 :‬‬ ‫س لَ َ‬ ‫ف َما لَْي َ‬ ‫﴿والَ تَ ْق ُ‬ ‫األعراف‪ ،33 :‬وقال عز وجل‪َ :‬‬

‫‪49‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬


‫ني* إَِّمنَا‬ ‫‪ −‬التفسري ابلرأي من اتباع خطوات الشيطان‪﴿ :‬وَال تَتَّبِعوا خطُو ِ‬
‫ات الشَّيطَ ِ‬
‫ان إِنَّهُ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو ُّمبِ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫اَّللِ َما َال تَ ْعلَ ُمو َن﴾ البقرة‪.169 -168 :‬‬ ‫وء َوالْ َف ْح َش ِاء َوأَن تَ ُقولُوا َعلَى َّ‬
‫لس ِ‬
‫َأيْ ُم ُرُكم ِاب ُّ‬
‫‪ −‬وردت أحاديث تنهى عن تفسري القرآن ابلرأي‪ ،‬فمن ذلك ما روي عن ابن عباس أن النيب صلى هللا‬
‫عليه واله وسلم قال‪" :‬من قال يف القرآن برأيه فليتبوا مقعده من النار"‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"إن هللا عز وجل ال يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس‪ ،‬ولكن يقبض العلماء‪ ،‬فيقبض الع لم‪ ،‬حىت‬
‫إذا مل يرتك عامل اً‪ ،‬اختذ الناس رؤساء ُجهاالً‪ ،‬ف أفتوا بغري ع لم‪ ،‬فضلوا وأضلوا"‪.‬‬
‫‪ −‬وردت آثر عن الصحابة والتابعني تذم الرأي وحتذر من اتباعه فقد روي عن أيب بكر الصديق رضي‬
‫هللا عنه أنه قال‪" :‬أي أرض تقلين وأي مساء تضلين إن قلت يف كتاب هللا ما ال أعلم"‪ ،‬وعن عمر‬
‫بن اخلطاب رضي هللا عنه قال‪" :‬إايكم وأصحاب الرأي؛ فإهنم أعداء السنن‪ .‬أعيتهم األحاديث أن‬
‫حيفظوها‪ ،‬فقالوا برأيهم‪ ،‬فضلوا وأضلوا"‪ ،‬وعن احلسن البصري رمحه هللا قال‪" :‬اُتموا أهواءكم ورأيكم‬
‫على دين هللا‪ ،‬وانتصحوا كتاب هللا على أنفسكم ودينكم"‬
‫‪ −‬خمالفته لقواعد التفسري وشروطه‪.‬‬
‫‪ −‬امهاهلم لعلوم القرآن كالناسخ واملنسوخ واملكي واملدين ‪ ...‬وأسباب نزول‪ ،‬وحنو ذلك‪ .‬قال عمر رضي‬
‫هللا تعاىل عنه‪ :‬ما أخاف على هذه األمة من مؤمن ينهاه إميانه‪ ،‬وال من فاسق بني فسقه‪ ،‬ألن الناس‬
‫ال تثق به‪ ،‬ولكين أخاف عليها رجال قد قرأ القرآن حىت أذلقه بلسانه‪ُ ،‬ث أتوله على غري أتويله‪.‬‬
‫‪ −‬خروجه وخمالفته لقواعد اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ −‬التفسري ابلعقائد الباطلة والتفاسري اإلشارية الباطنية املخالفة ملقاصد القرآن‪.‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪BALAGEM, UniSHAMS, 2021‬‬

You might also like