كتاب مذهل يصف حال الجماهير أثناء الثورات واالضطرابات بشكل دقيق جداً ,ويفسر سلوكهم .جوستاف لوبون هو مؤسس علم نفسية الجماهير, عاش فى فرنسا فى القرن التاسع عشر ,و ألّف هذا الكتاب عام ( 1895 بعد نحو مئة عام من الثورة الفرنسية) ,فى ذلك العصر الملىء باالضطرابات الجماهيرية العنيفة و الحروب والتمرد الشعبى ,حيث ضعف الحكومات و انقسام األحزاب و العجز عن مواجهة المتمردين.
الكتاب األول :روح الجماهير
الفصل األول :الخصائص العامة للجماهير – القانون النفسى لوحدتها الذهنية : فى ظروف معيّنة ,تمتلك مجموعة من البشر خصائص مختلفة تماما عن خصائص كل فرد ,عندئذ تنطمس الشخصية الواعية للفرد و تتشكل روح جماعية مؤقتة و موحدة تختلف عن خصائص األفراد ,فيفكر المجموع و يتصرف بشكل يختلف تماما ً عن تصرفات كل فرد على حدة. إن العناصر الالواعية هى التى تقود هذا الجمع .وهى متشابهة غالبا لدى عرق ما ,فمن الممكن وجود هوة فكرية بين عالم الرياضيات وبين صانعٍ األحذية ,لكن من وجهة نظر المزاج و العقيدة اإليمانية فاالختالف شبه منعدم. الفصل الثانى :عواطف الجماهير و أخالقياتها : خصائص الجماهير تشبه خصائص البدائيين أو األطفال ,وهى: -1سرعة االنفعال و الخفة و النزق :الجمهور مقود كليا ً تقريبا ً من الالوعى ,فأعماله ال تقع تحت تأثير المخ أو العقل ,وبالتالى هو عبد للمحرضات التى يتلقاها ( الفرد المعزول قد يتعرض لنفس المحرضات لكن عقله الواعى يفندها و يتبين مساوئها و يرفضها).
سرعة تأثر الجماهير وسذاجتها و تصديقها ألى شىء: -2
تتأثر الجماهير بأى اقتراح وينتشر بفعل العدوى .وتتحول الفكرة فورا إلى فعل ,سواء كان عمل خيرى أو حرق قصر .فالجمهور محروم من أى تفكير نقدى.
عواطف الجماهير -تضخيمها و تبسيطها: -3
العواطف التى تجتاح الجماهير سواء كانت طيبة أم شريرة لها طابع مزدوج ,مضخمة جدا ً ومبسطة جداً. إن بساطة و تضخيم العواطف يحميها من عذاب الشكوك وعدم اليقين ,فما إن يبدر خاطر ما حتى يتحول إلى يقين ,و الشعور البسيط بالنفور أو عدم االستحسان عند الفرد المعزول يتحول عند الجماهير إلى حقد هائج.
تعصب الجماهير و استبداديتها و نزعتها المحافظة: -4
بما أن الجماهير ال تعرف إال العواطف البسيطة والمتطرفة ,فإن األفكار و تروج لهم إما تُقبل أو تُرفض دفعة واحدة .إما تعتبر حقائق العقائد التى ّ ِّ مطلقة أو أخطاء مطلقة .إن الجماهير تحتمل االستبداد والتعصب بنفس السهولة التى تمارسها ,فهى تحترم القوة و ال تحترم الطيبة التى تعتبرها ضعفا. فعواطف الجماهير ال تتجه أبدا ً نحو الزعماء طيبى القلب ,بل يقيمون النصب التذكارية ألولئك المستبدين. إن الغرائز الثورية ال تهيمن على الجماهير ,فإذا تركت الجماهير لنفسها فإنها تمل الفوضى و تتجه بالغريزة نحو العبودية.
أخالقية الجماهير: -5
إذا عنينا باألخالق إحترام األعراف و التقاليد و قمع النزوات األنانية, فالجماهير بهذا التعريف ليست مهيأة إلحترام األخالق. أما إذا عنينا التفانى واإلخالص والتضحية بالذات فالجماهير أخالقية بهذا المعنى إلى أقصى حد.
البد لألفكار كى تتمكن من الجمهور أن تبسَّط جدا ً و تتحول حتى تنزل من طبقة ألخرى إلى أن تصل إلى مستوى الجماهير .وال تمارس الفكرة تأثيرها إال بعد أن تدخل إلى الالوعى.
المحاجات العقلية للجماهير: -2
محاجات الجماهير متدنية جدا ً و ترتكز على الترابط والضم ,فاألفكار الموصولة ببعضها بينها روابط ظاهرية من التشابه أو التوالى .كاإلسكيمو الذى يعرف أن الجليد يذوب فى الفم ,فيعتقد أن الزجاج ألنه شفاف مثل الثلج يذوب أيضا فى الفم .كما أن الجماهير تقوم بالتعميم لحاالت فردية و خصوصية. هاتان هما الخاصيتان األساسيتان للمنطق الجماعى ,والخطيب الذى يعرف كيف يتالعب بالجماهير يستخدم مثل هذه الترابطات ,فهى وحدها القادرة على تحريكهم و التأثير عليهم .أما المحاجات العقلية فال يفهمها الجمهور إطالقا و ال يمكن إقناعها بالمنطق.
مخيلة الجماهير: -3
خيال الجماهير كخيال كل من ال يفكر عقالنياً ,معرَّ ض للتأثير العميق. فالصور التى تثيرها فى نفوسهم شخصية أو حدث لها نفس قوة الواقع. وألن الجماهير ال تفكر إال عن طريق الصور ,فأكثر ما يؤثر فيها هو العروض المسرحية ( .هذا الكتاب ُكتب قبل ظهور التليفزيون الذى احتل اآلن هذه المكانة).
الفصل الرابع :األشكال الدينية التى تتخذها كل قناعات الجماهير :
تمثل قناعات الجماهير فى فترات اإليمان كما فى فترات االنتفاضات السياسية الكبرى ,تمثل شكالً يوصف بأنه عاطفة دينية .هذه العاطفة لها خصائص بسيطة مثل :عبادة إنسان يعتبر خارقا ً للعادة ,الخوف من القوة التى تعزى إليه ,الخضوع األعمى ألوامره ,استحالة مناقشته ,الرغبة فى نشر أفكاره ,اعتبار كل من يرفضونها أعداء .وما استمرت اإلمبراطورية الرومانية طيلة خمسة قرون إال ألن اإلمبراطور كان معبودا ً من قبل الشعب كإله وكانت له هياكل فى أصغر قرية .فال يمكن لثالثين فوجا ً عسكريا أن تهيمن على مائة مليون إنسان وتجبرهم على الطاعة قسراً. و إن كان الفاتحون و المنتصرون حاليا ً ليس لهم هياكل ,إال أن لهم تماثيل و صور معلقة فى كل مكان.
الكتاب الثانى :آراء الجماهير و عقائدها
ش ِّ ّكلة لعقائد الجماهير و آرائها : الفصل األول :العوامل البعيدة ال ُم َ العوامل التى تحدد آراء الجماهير وعقائدها ذات نوعين :عوامل بعيدة ,و عوامل قريبة أو مباشرة. الفصل الثانى :العوامل المباشرة التى تساهم فى تشكيل آراء الجماهير: -1الصور ,الكلمات ,و العبارات ( الشعارات) :مخيلة الجماهير تتأثر بالصور ,و إذا لم نكن نمتلك الصور ,من الممكن أن نثيرها فى المخيلة عن طريق االستخدام الذكى للكلمات و العبارات المناسبة .والكلمات التى يصعب تحديد معناها بدقة تمتلك قدرة أكبر على التأثير ( مثل ديموقراطية, مساواة ,حرية) .وإذا شعرت الجماهير بنفور من الصور التى تثيرها بعض الكلمات ( بسبب انقالبات سياسية و متغيرات) ,يجب على رجل الدولة أن يغيّر هذه الكلمات دون أن يمس األشياء ذاتها .فكلمة “ضريبة” المستعملة فى الحروب قديما تحولت إلى “مساهمة عقارية”… األوهام. -2التجربة :التجربة هى تقريبا المنهج الوحيد الفعال من أجل زرع حقيقة ما فى روح الجماهير بشكل راسخ .لذلك لزم أوروبا التضحية بماليين البشر حتى يستخلصوا حقيقةً ما .لكن األجيال الالحقة يلزمها أن تجرب بنفسها ألنها ال تتعلم من عبر التاريخ. -3العقل :العقل عامل سلبى ال إيجابى فى التأثير على الجماهير. فالمنطق ليس له أى تأثير ,و لكى نقنع الجماهير البد من التوجه لعاطفتها.
1- محركو الجماهير: ما إن يتجمع عدد من الكائنات الحية ( قطيع من الحيوانات أو جمهور من البشر) حتى يضعوا أنفسهم بشكل غريزى تحت سلطة قائد أو زعيم .القائد كان فى البداية مبهورا ً بالفكرة التى أصبح فيما بعد رسولها و مبشرا ً بها .إن القادة ليسوا رجال فكر ,وإنما رجال ممارسة و انخراط .و هم قليلو الفطنة و غير بعيدى النظر .ونعثر عليهم فى صفوف المصابين بالعصاب و المهتاجين وأنصاف المعتوهين الذين يقفون على حافة الجنون. من الكافى للسلطات أن تقبض على محركى اإلضراب ( القادة) كى يتوقف فوراً ,فالشىء الذى يهيمن على روح الجماهير ليس الحاجة إلى الحرية و إنما إلى العبودية.فظمأها للطاعة يجعلها تخضع غرائزيا ً لمن يعلن أنه زعيمها.
وسائل العمل التى يستخدمها المحركون :التأكيد ,التكرار ,العدوى: -2
إن التأكيد المجرد بدون أى حجة عقالنية أو برهان وسيلة موثوقة إلدخال فكرة فى روح الجماهير .بعد ذلك يأتى التكرار ,فهو الذى يؤدى إلى الرسوخ فى النفوس .بعد فترة من التكرار ,ننسى مؤلف هذا القول و نؤمن به ألنه ينغرس فى الالوعى حيث تُصنع دوافع كل أعمالنا .فمن كثرة ما يكررون فى الصحيفة أن ( أ) هو وغد حقير و أن (ب) رجل شريف و نبيل فإننا فى النهاية نصدّق طالما ال نقرأ صحيفةً أخرى. عندما يتاح لتوكي ٍد ما أن يكرَّ ر بما فيه الكفاية ,تبدأ اآللية الجبارة للعدوى فينتشر الشعور أو الفكرة .فالعدوى هتى التى تنشر الموضة و هى التى تروّ ج لعمل فنى أو أدبى.
الهيبة الشخصية: -3
الهيبة نوعان :هيبة مكتسبة تجىء عن طريق إسم العائلة أو الثروة أو الشهرة أو المنصب ,فالضابط ما إن يلبس بزته العسكرية حتى يكتسبها. كما أن هناك هيبة لألفكار واألعمال األدبية والفنية ,فمن يجرؤ على انتقاد أعمال هوميروس أو قصر البارتينون؟ الخاصية األساسية للهيبة هى أننا ال نعود نرى األشياء كما هى فى الواقع ,فتنشل بذلك قدرتنا على التقييم. النوع الثانى للهيبة هو الهيبة الشخصية ,و هى ملكة مستقلة عن كل لقب أو سلطة .و العدد القليل الذى يمتلكها يمارس سحرا ً مغناطيسيا ً حقيقيا ً على اآلخرين الذين يطيعونه طاعة عمياء. هناك عدة عوامل تلعب دورا ً فى تشكيل الهيبة الشخصية ,و النجاح أهمها ،فالهيبة الشخصية تختفى مع الفشل و البطل الذى صفقت له الجماهير باألمس تحتقره إذا خالفه الحظ. و الهيبة الشخصية تتلف أيضا بالمناقشة و المجادلة ,و لكن بطريقة أبطأ ,فالهيبة التى تصبح عرضة للنقاش ال تستمر طويالً ,و األشخاص الذين حافظوا على هيبتهم لم يسمحوا أبدا ً بالمناقشة و حافظوا على مسافالفصل اة بينهم و بين الجماهير. لرابع :محدودية تغيّر عقائد الجماهير و آرائها: هناك عقائد إيمانية كبرى ودائمة تدوم قرونا ً وترتكز عليها الحضارة , مثل النظام اإلقطاعى فى الماضى ,ثم األفكار المسيحية ثم أفكار اإلصالح المسيحى ( لوثر) ,ثم األفكار الديموقراطية واإلجتماعية … وهناك أفكار وآراء عابرة ومتغيرة مثل النظريات التى تو ّجه الفنون واآلداب. فوق العقائد الراسخة تتموضع طبقة سطحية من اآلراء واألفكار التى تولد وتموت باستمرار .وعادةً ال تتجاوز فترة حياتها جيالً واحداً .كل المتغيرات المضادة للعقائد العامة و لعواطف العرق ال تعيش طويال ,و يستعيد التيار العام مجراه من جديد.
الكتاب الثالث :تصنيف الفئات المختلفة من الجماهير و دراستها:
فى هذا الجزء يصنّف الكاتب الجماهير إلى متجانسة و غير متجانسة .ثم يتناول الجماهير المجرمة و خصائصها العامة ( و هى نفس خصائص الجماهير :قابلية التحريض ,السذاجة و سرعة التصديق ,التهور ,المبالغة فى العواطف…) .ثم محلفى محكمة الجنايات :ككل أنواع الجماهير, المحلفون يتأثرون جدا ً بالعواطف و قليالً جدا ً بالمنطق والعقل .و أهم شىء للمحامى الناجح أن يعرف كيف يؤثر على عواطف المحلفين. و أخيرا ً الجماهير اإلنتخابية حيث يقدّم نصائح نفيسة للمرشح الذى يجب أن يكون كاذبا ً و مدّعيا ً ( يجب على المرشح أن يتملق الناخب و ّ يوزع عليه الوعود ،وبالمثل مع المرشحين المنافسين ,عليه أن يتهمهم و يستخدم التأكيد والتكرار والعدوى دون أى برهان على هذه االتهامات .فإن كان الخصم ال يعرف نفسية الجماهير فسيرد و يبرئ نفسه بمحاجات عقالنية وحينئ ٍذ لن تكون له أى فرصة) .كما أن البرنامج ال يجب أن يكون دقيقا ً أو قطعيا ً ألن خصومه سيواجهوه به فيما بعد. Advertisements https://t.me/drasat1