Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 26

‫تقرير عن البيروقراطية في مصر من خالل تسليط الضوء على برنامج خمسونا توقيعا‬

‫اعداد الطالب‬

‫أيمن عبد الرحيم منصور‬

‫‪120201742‬‬

‫اشراف الدكتور‬

‫إسماعيل قاسم‬

‫مساق إدارة عامة ‪2021‬‬

‫‪1‬‬
‫المحتويات‬
‫مقدمة ‪3 ...........................................................................................................................‬‬

‫البيروقراطية في الجهاز اإلداري المصري ‪4 ..........................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬البيروقراطية والنظام السياسي ‪4 .............................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬مالمح من التطور التاريخي للجهاز اإلداري المصري ‪6 ......................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬البيروقراطية المصرية وأهم مشكالت الجهاز اإلداري ‪8 .......................................................................‬‬

‫تجارب المواطن المصري مع البيروقراطية في الجهاز اإلداري المصري ‪13 ...........................................................‬‬

‫اراء الباحثين في البيروقراطية ‪16 ...................................................................................................‬‬

‫الحلول من وجهة نظر الباحثين ‪17 .................................................................................................‬‬

‫تصور للنظام اإلداري المصري خالل الفترة القادمة ‪18 ..............................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬تقديم الخدمات العامة ‪18 ...................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬منطلقات التطوير ومتطلباته ‪19 ............................................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬أهم مقترحات التطوير ‪22 ..................................................................................................‬‬

‫المحور األول‪ :‬الموظف العام ‪23 .............................................................................................‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬تطوير النظم وتبسيط اإلجراءات ‪23 ............................................................................‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬تطوير الهيكل العام للجهاز اإلداري للدولة ‪24 ..................................................................‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬اإلصالح التشريعي ‪24 ........................................................................................‬‬

‫المحور الخامس‪ :‬التطوير التكنولوجي للجهاز اإلداري ‪24 ......................................................................‬‬

‫المحور السادس‪ :‬آليات تنفيذ البرنامج القومي لإلصالح اإلداري ‪24 ............................................................‬‬

‫الخاتمة ‪26 ........................................................................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫للجهاز البيروقراطي دو ار هاما نجاح الدولة أو فشلها في حل مشكالت المواطنين‪ ،‬وتوفير الحد األدنى من الخدمات األساسية‪،‬‬

‫لذلك تلعب البيروقراطية في الدول وظائف سياسية واجتماعية مهمة‪ ،‬كما لها عالقة جلية بالتنمية السياسية وعلى مستويين؛‬

‫على مستوى قيمي ثقافي‪ ،‬وعلى مستوى مؤسسي‪ ،‬وفي مقابل هذا‪ ،‬للبيروقراطية أعراضا مرضية تشكل جوهر مشكالت‬

‫التنمية‪ ،‬سواء في مجال بناء وتنمية الهياكل واألنظمة المؤسسية‪ ،‬أو في مجال الممارسات البيروقراطية اإلدارية‪ ،‬وأمام هذه‬

‫األعراض تنمو حتمية اإلنماء السياسي واإلصالح الشامل للحد من سيطرة البيروقراطية من خالل تفعيل المشاركة الشعبية‪،‬‬

‫ومن خالل أيضا اإلصالح اإلداري لتمكين التنمية‪.‬‬

‫والبيروقراطية هي البنى والهياكل التي يقوم عليها تنظيم السلطات اإلدارية وتوزيعها‪ ،‬وتحديد الصالحيات وتسمية المسؤولين‬

‫وترابيتهم‪ ،‬في أي إطار منظم وفق القوانين ويخضع لسلطة معينة‪ ،‬ويشيع استخدامها في وصف هياكل اإلدارة الرسمية‬

‫التابعة للحكومة في بلد ما وقوانينها ونظمها وموظفيها‪.‬‬

‫وتعتبر اإلدارة المصرية أحد أقدم النظم البيروقراطية فى العالم‪ ،‬وهي إدارة تعتمد منظومة إدارية شديدة التعقيد والمركزية‪،‬‬

‫مستندة إلى إطار تنظيمى ترهل‪ ،‬يتسم فى مجمله بعدم االكتراث وضعف األداء‪ ،‬األمر الذي قاد إلى تجذر موروث من عدم‬

‫الكفاءة وعدم الفاعلية يتبادران إلى الذهن كصورة‪ ،‬لألسف باتت معلومة حال ذكر الجهاز اإلدارى للدولة المصرية‪ ،‬سوف‬

‫استعرض في هذا التقرير مشكلة البيروقراطية في النظام اإلداري المصري‪ ،‬من خالل البرنامج الوثائقي خمسون توقيعا‪.‬‬

‫حيث يرصد البرنامج الوثائقي خمسون توقيعا معاناة المصريين من اإلجراءات اإلدارية عند مراجعة الهيئات الحكومية‪ ،‬بدءا‬

‫من مناقشة الرسائل الجامعية إلى استخراج الشهادات ومعامالت التعيين أو مشاكل استصدار تصاريح االستثمار‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫البيروقراطية في الجهاز اإلداري المصري‬

‫يمكن توضيح حالة الجهاز اإلداري المصري في ثالثة بنود على النحو التالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬البيروقراطية والنظام السياسي‬

‫تعود بدايات التعريف بالبيروقراطية كمصطلح علمي إلى منتصف القرن الثامن عشر‪ ،‬وقد ارتبط هذا التعريف آنذاك بالعديد‬

‫من الظواهر السابقة على الثورة الفرنسية؛ فكلمة ‪ Bureaucracy‬تُنسب إلى العالم الفرنسي فينسنت دو جورني ‪Vincent‬‬

‫‪ de Gournay‬الذي كان أول من قام بالمزاوجة بين كلمة ‪ Bureau‬التي تعني بالفرنسية (المنضدة) وكذلك (المكتب) أي‬

‫المبنى الذي يضم المنضدة والموظف الجالس أمامها‪ ،‬وكلمة ‪ Cracy‬اليونانية والتي تعني (الحكم) وباإلنجليزية ‪،To Rule‬‬

‫ومنذ تلك البداية وأدبيات العلوم االجتماعية تتناقل مصطلح البيروقراطية بهذا المعنى الذي قدمه ‪ Gournay‬عام ‪1945‬‬

‫م‪.‬‬

‫ورغم أن البيروقراطية كحقيقة أو كظاهرة تعني وجود جهاز ما ‪-‬بغض النظر عن مسماه‪ -‬يقوم بمهمة إنجاز واجبات إدارية‬

‫معقدة ومتداخلة‪ ،‬يعود وجودها إلى ما قبل الدولة بمفهومها الحديث إال أن تعريف البيروقراطية والنظر إليها ودراستها والبحث‬

‫فيها‪ ،‬كل هذا يعود إلى ما قبل الثورة الفرنسية بعقود قليلة‪ .‬قد باتت هناك "حاجة مجتمعية مصرية" تدعو وتطالب وتنادي‬

‫دوما عن "البيروقراطية"‬
‫نصحت بأن نفتش ً‬
‫ُ‬ ‫وتحتج وتعتصم مطالبة بالتطوير‪ ،‬وقد آن األوان لالستجابة لها‪ ،‬وال أبالغ إذا ما‬

‫في كل هذه السياقات والبيروقراطية من حيث النظرية والتطبيق ارتبطت على الدوام بتعقد المهام المطلوب إنجازها في الحياة‬

‫دوما محالً للنقد من جميع االتجاهات‪ .‬وينظر إلى األلمانى ماكس فيبر ‪ Max Weber‬على أنه رائد‬
‫المعاصرة مما جعلها ً‬

‫تنظيميا بالمقارنة بغيره؛ حيث إنه يقود إلى الدقة والسرعة‬


‫ً‬ ‫التحليل السسيولوجي للظاهرة البيروقراطية‪ ،‬وهى تشكل عنده أسلوبا‬

‫‪4‬‬
‫تحسينا فى‬
‫ً‬ ‫والوضوح‪ ،‬وتجنب الغموض والوحدة وتقليل النزعات وخفض النفقات واحترام التدرج الرئاسي‪ ،‬وكل ذلك يعنى‬

‫األداء الحكومي واإلداري لصالح المواطنين‪.‬‬

‫في هذا السياق تقوم بين الجهاز اإلداري والحكومة أوثق وأخطر العالقات في النظم السياسية المعاصرة؛ فالجهاز اإلداري‬

‫يضع السياسات العامة موضع التنفيذ‪ ،‬بينما الحكومة تقوم بتحديد هذه السياسات‪ ،‬وتقوم بالتأكد من كفاءة تحقيق الجهاز‬

‫اإلداري لها‪ ،‬وتدخل عليها التعديالت المالئمة‪ .‬هذه العملية‪ ،‬ال تتم في إطار نظري واضح المعالم من ناحية هذا التقسيم‬

‫المتخصص؛ فالسياسات العامة تخضع لتأثيرات متعددة من الجهاز اإلداري الذي يستطيع االشتراك في تحديدها بصورة غير‬

‫مباشرة وخالل مداخل متعددة‪ .‬ولكن ال بد من الوقوف بتأثير الجهاز اإلداري عند حدود معينة ال يجب أن يتخطاها‪ .‬وإال‬

‫أصبح هو المسئول عن الغاية والوسيلة معا وهو ما ال يستقيم مع العرف وال المنطق العلمي لإلدارة‪ .‬إذن السياسات العامة‬

‫هي الجسر الموصل بين الحكومة والبيروقراطية‪.‬‬

‫إن ارتباط والء الجهاز اإلداري "بالمهنة أو االحترافية" أكثر من "الجماهير أو الرضاء العام" يعني أن منظمات الجهاز‬

‫اإلداري –في غياب العمل السياسي المعبر عن الجماهير‪ -‬تعمل دون إحساس بحاجات جمهوره وبأهمية هذا الرضاء العام‪،‬‬

‫وهذا يمثل نقطة ضعف خطيرة في حياة أية منظمة توجد في المجتمع وترتبط بجمهورها أو عمالئها‪ ،‬الذي يقرر مدى الرضا‬

‫أو درجة قبول ناتج عملياتها ومن ثَ َّم يصبح عامال حاسما في تقرير كفاءتها وفي تطورها‪ ،‬بل قد يؤدي انخفاض الرضا العام‬

‫إلى انهيار الحكومة ذاتها وهذا ما ينقلنا للحديث باختصار عن الرضاء العام‪ُ .‬ي ِّ‬
‫عرف البعض الرضاء العام بأنه "إحساس‬

‫المواطن بفاعلية السياسة العامة الموصلة إليه في تدعيم مكانته االجتماعية‪ ،‬وإحساسه بالمسؤولية العامة‪ ،‬وتمكينه من‬

‫التعبير عن هذه المسئولية‪".‬‬

‫الرضاء العام هو "تقدير أو تقييم ألداء الخدمة‪ ،‬والمبني بدرجة كبيرة على وجهات النظر عن التوصيل الفعلي للخدمة"‪.‬‬

‫وأيضا الرضاء العام هو "إحساس المواطن باألثر اإليجابي للسياسات العامة ممثال في تلبية المنظمات العامة لمطالبه‬

‫‪5‬‬
‫وكيفا"‪ .‬إنه في النهاية مفهوم ديناميكي متغير بمعنى أنه يختلف من مواطن إلى آخر وفقا‬
‫كما ً‬‫واحتياجاته وتوقعاته وذلك ًّ‬

‫ألولوية مطالبه واحتياجاته وتوقعاته‪ ،‬ويتغير من سياسة عامة إلى أخرى ومن فترة زمنية إلى غيرها‪ .‬ويمكن استخدام مفهوم‬

‫"الرضاء العام" كأداة فعالة في تطوير منظمات الجهاز اإلداري؛ وذلك من خالل إجراء قياسه كتعبير عن جدوى الخدمة‬

‫المقدمة ثم السعي نحو التطوير‪ .‬وتتعدد أساليب قياس الرضاء العام‪ :‬الشكاوى‪-‬جماعات التركيز‪-‬المالحظة‪-‬استطالع‬

‫الرأي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مالمح من التطور التاريخي للجهاز اإلداري المصري‬

‫في عام ‪ 1805‬م أنشأ محمد على ديوان الوالي ليختص بضبط المدينة أي العاصمة وربطها‪ ،‬والفصل في المشاكل بين‬

‫األهالي واألجانب على السواء‪ ،‬وبعد خمس سنوات تغير االسم إلى "الديوان الخديوي" ثم أصبح "الديوان" والذي تضخم سنة‬

‫بعد أخرى وانقسم إلى أقالم مختلفة أخذت في التضخم هي األخرى‪ ،‬وتعددت الدواوين‪ .‬وفي عام ‪ 1837‬م صدر قانون‬

‫"السياستنامة" ‪-‬وهو القانون األساسي للدولة والذي يعد أول دستور مكتوب عرفته مصر في تاريخها الحديث‪ -‬الذي ألغى‬

‫الدواوين والمجالس الموجودة‪ ،‬وحصر السلطة في سبعة دواوين ُس ِّميت دواوين العموم يرأس كل منها موظف يسمي "الك‬

‫تخدا"‪ ،‬وهي‪ :‬الديوان العالي (نواة نظارة الداخلية) ‪-‬ديوان الجهادية‪-‬ديوان البحر‪-‬ديوان كافة اإليرادات‪-‬ديوان المدارس‪-‬‬

‫ديوان األمور الفرنكية والتجارة المصرية‪-‬وديوان الفاروقيات‪.‬‬

‫في عام ‪ 1857‬م أصدر خديوي مصر محمد سعيد باشا إرادة َسِّنية برفع ثالثة دواوين إلى مستوى النظارات مع تعديل‬

‫اختصاصها وأسمائها‪ ،‬وهي‪ :‬نظارة الداخلية‪-‬نظارة الجهادية‪-‬نظارة المالية‪ ،‬وعين لكل منها ناظرا‪ ،‬وفي عام ‪ 1858‬م عين‬

‫ناظ ار لديوان الخارجية‪ ،‬وفي عام ‪1864‬م أنشئت نظارة لألعمال الهندسية التي كانت ضمن اختصاص نظارة الداخلية‬

‫وأُطلق عليها نظارة األشغال‪ ،‬في عام ‪ 1872‬م أنشئ ديوان الحقانية ليختص بأعمال القضاء والتي كانت من اختصاص‬

‫نظارة الداخلية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وفي عام ‪ 1914‬م أعلنت إنجلت ار حمايتها على مصر وأصبحت مصر سلطنة بعد أن ظلت خديوية‪ ،‬وأُطلق على النظارات‬

‫(و ازرات) وعلى النظار (وزراء)‪ ،‬وتوالى إنشاء الو ازرات فتأسست و ازرة الصحة عام ‪1936‬م‪ ،‬وو ازرة الشؤون البلدية والقروية‬

‫عام ‪1937‬م‪ ،‬ثم و ازرة الشؤون االجتماعية عام ‪1939‬م‪ ،‬وتطور األمر حتى وصلنا إلى التشكيل الحالي المعروف‪ ،‬هذا وقد‬

‫ِّ‬
‫أُنشئت أول مدرسة لإلدارة في عام ‪1868‬م في عهد الخديوي إسماعيل‪ ،‬وكانت تضم اإلدارة واأللسن ً‬
‫معا تحت مسمى‬

‫"مدرسة اإلدارة واأللسن" وتقوم بتعليم اللغات وكذا اإلدارة للوظائف الملكية‪ ،‬وجاء أول تنظيم لشؤون الموظفين في مصر‬

‫وهو عدد من األوامر والفرمانات الخديوية التي صدرت عام ‪1883‬م‪ ،‬وكان أول كادر يحدد المرتبات للرتب المدنية قد‬

‫صدر بأمر من الخديوي سعيد باشا عام ‪1862‬م مع مقابلة الترتيب (الدرجة) المدنية بما يناظرها من رتبة عسكرية مثل‬

‫رتبة ثانية ممتازة تقابل رتبة اللواء‪ ،‬وصدر أول كادر لدرجات الموظفين وترقياتهم عام ‪1907‬م‪ ،‬ثم كادر آخر عام ‪1921‬م‪،‬‬

‫ثم ثالث عام ‪1939‬م‪ ،‬والذي استمر حتى قيام ثورة يوليو ‪1952‬م حين أ ُِّسس أول جهاز خدمة مدنية في مصر مكون من‪:‬‬

‫اإلدارة العامة لالختيار والتمرين‪-‬اإلدارة العامة للميزانية‪-‬اإلدارة العامة لشؤون الموظفين‪-‬واإلدارة العامة للتشريع والبحوث‪،‬‬

‫وأول قانون منظم يحكم شئون العاملين صدر في ‪1951‬م برقم ‪ ،15‬وبدأ تطبيقه أول يوليو ‪1952‬م‪ ،‬والقوانين المنظمة‬

‫حاليا هي القانون رقم ‪ 58‬لسنة ‪1971‬م الخاص بالعاملين في الحكومة‪ ،‬والقانون رقم ‪ 42‬لسنة ‪1978‬م‬
‫للعاملين في مصر ً‬

‫الخاص بالعاملين في الدولة‪ ،‬والقانون رقم ‪ 48‬لسنة ‪1979‬م الخاص بنظام العاملين بالقطاع العام‪ ،‬والقانـون رقم ‪ 203‬لسنة‬

‫‪1991‬م الخاص بشركات قطاع األعمال العام‪.‬‬

‫أما عن محاوالت اإلصالح اإلداري فيمكننا تتبعها تاريخيا منذ أول محاولة عام ‪1830‬م حين صدر أمر ٍ‬
‫عال تنص مادته‬ ‫ً‬

‫األولى على أنه "يجب أن يكون للمصالح الحكومية األميرية نظام خاص بها‪ ،‬وأن تُ َّ‬
‫قرر درجات مستخدميها"‪ ،‬وتعددت‬

‫اإلجراءات حتى وصلنا إلى عام ‪1910‬م حين أُنشئ المجلس األعلى للموظفين‪ ،‬وتال ذلك عدة إجراءات خاصة بشروط‬

‫التعيين وتعديل المرتبات‪ ،‬وفي ‪1948‬م تم إنشاء ديوان الموظفين والمعاشات في و ازرة المالية‪ ،‬وتضمنت محاوالت اإلصالح‬

‫اإلداري كذلك استخدام خبراء أجانب لتقديم النصح والمشورة نحو التطوير فجاء الخبير البريطاني "بول‬

‫‪7‬‬
‫عددا من التوصيات بعد أن َّ‬
‫شخص‬ ‫سنكر "‪ A.P.Sinker‬عام ‪1950‬م‪ ،‬والذي قدم تقريره المشهور بتقرير "سنكر" متضمنا ً‬

‫أهم مشكالت الجهاز اإلداري المصري في ‪ :‬التدخل الحزبي‪-‬التضخم في عدد الموظفين‪-‬انخفاض مستوى المرتبات‪-‬نظام‬

‫ترتيب الوظائف‪-‬نظام الترقيات والعالوات‪-‬نظام المرتبات‪.‬‬

‫ثم جاء الخبيران األمريكي "لوثر جوليك "‪ Luther Gulick‬واإلنجليزي "جيمس بوليك"‪ ، Games Pollek‬وتالهما الخبير‬

‫ير عما قدمه "سنكر"‪ ،‬وتعددت محاوالت وإجراءات اإلصالح‬


‫الباكستاني "غالم أحمد"‪ ،‬ولم تختلف توصيات هؤالء الخبراء كث ًا‬

‫اإلداري على المستويين التشريعي والتنفيذي خالل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى اليوم‪ ،‬ولكن لم‬

‫نشعر حتى اليوم بنتائج حقيقية أو عوائد قيمة‪ ،‬ومن ثم يثور هذا التساؤل‪ :‬لماذا ‪-‬مع تعدد محاوالت وإجراءات اإلصالح‬

‫اإلداري خالل أكثر من تسعة عقود‪ -‬لم يتم تطوير الجهاز اإلداري المصري بالصورة المنشودة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬البيروقراطية المصرية وأهم مشكالت الجهاز اإلداري‬

‫يصور كثير من الباحثين المجتمع المصري على أنه أكثر المجتمعات مركزية‪ ،‬وقد وضع “ماكس فيبر" النموذج المصري‬

‫كأحد النظم المركزية األساسية‪ ،‬واعتبر نظام الموظفين في "مصر الفرعونية" النموذج التاريخي الذي سارت عليه البيروقراطية‬

‫فيما بعد‪ .‬ويرى الدكتور "جمال حمدان" أن المركزية الصارخة طبيعيا وإداريا هي من أبرز مالمح الشخصية المصرية‪،‬‬

‫وهى صفة متوطنة ألنها قديمة قدم األهرام ومزمنة حتى اليوم‪ ،‬وأنه إلى جانب الطبيعة والتضاريس ‪-‬عدم وجود تضاريس‬

‫وعرة أو مناخ متباين‪ -‬يوجد عامل مهم يدعو إلى مزيد من المركزية وهو العامل الوظيفي؛ فالبيئة فيضيه والمجتمع نهري؛‬

‫ولهذا أصبح الري مرادفا للتنظيم بل التنظيم المركزي الذي يخضع فيه الجميع طواعية لسلطة عامة مطلقة‪ ،‬وكان هذا من‬

‫أسس‬ ‫أقوى عوامل ظهور الوحدة السياسية المبكرة في مصر‪ ،‬كما أنه َّ‬
‫علم الشعب النظام الذي هو أساس الحضارة‪ ،‬إال أنه َّ‬

‫أيضا لدور الحكومة الطاغي‪ ،‬وأرسى نواة الموظفين الثقيلة‪ ،‬وأصبحت البيروقراطية المركزية عنص ار أصيال في مركب‬

‫الحضارة المصرية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫إن تاريخ مصر السياسي واالجتماعي يبين في وضوح تام أن البيروقراطية كأسلوب للحكم واإلدارة كانت متبعة في مصر‬

‫القديمة أيام الفراعنة وعلى مر السنين‪ ،‬وهنا يمكن اعتبار عصر بداية األسرات فترة "تكوين" بالنسبة لنظم اإلدارة التي نشأت‬

‫بدائية ثم أصبحت فيما بعد أساسا لكل التنظيمات الكبيرة التي طبقت في الفترات التالية‪ ،‬فإذا ما رجعنا إلى العصور األولى‬

‫لوجدنا جذور البيروقراطية تتمثل في شخصية "الكاتب الجالس القرفصاء" في أيام الفراعنة‪ ،‬ثم "شيخ البلد" في مصر القديمة‪،‬‬

‫ومع مرور الوقت تأكدت سمات المركزية والبيروقراطية وتضخم الجهاز اإلداري واستشرى‪ ،‬وأصبح الموظفون يشعرون‬

‫بأهمية خاصة ويمارسون سلطاتهم بطريقة تعسفية واستبدادية مشتقة من شخصية الحاكم‪ .‬وسير التاريخ يدلنا على أن رخاء‬

‫مصر وازدهارها واستقرار العمران فيها كان رهنا بدرجة أو بأخرى بدور الجهاز اإلداري‪ ،‬ومن هنا تأتي أهمية العمل على‬

‫تطويره وإصالحه واعتبار ذلك عملية ديناميكية مستمرة‪ ،‬وإلى جانب هذا الملمح المميز للبيروقراطية المصرية وهو "المركزية‬

‫الشديدة" يمكن طرح السمات التالية كـ مشكالت وأمراض الجهاز االداري المصري التي انتهى إليها الخبراء والمتخصصون‪:‬‬

‫• عدم وضوح أهداف العمل في اإلدارة الحكومية‪ ،‬وغياب معايير تقييم األداء‪ ،‬وانفصال األنشطة في تلك اإلدارة بشكل‬
‫واضح عن أهداف وتوجهات الخطة القومية للتنمية‪.‬‬

‫• تضخم العمالة وسوء توزيعها‪.‬‬

‫• ارتفاع تكلفة العمالة مع تدني إنتاجيتها‪.‬‬

‫• طول وتعقد اإلجراءات دون مقتضى حقيقي‪.‬‬

‫• سوء أساليب ومعايير اختيار القيادات اإلدارية‪.‬‬

‫• إهدار حق الجماهير في المشاركة في إدارة الخدمات‪ ،‬والرقابة على أداء وحدات اإلدارة الحكومية‪.‬‬

‫• تقادم المباني والمعدات واآلليات المستخدمة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫• تعدد األجهزة والجهات اإلدارية التي يضطر المواطن ‪-‬أو المستثمر‪ -‬للتعامل معها إلنجاز معاملة محددة‪.‬‬

‫• عدم اعتراف وحدات اإلدارة الحكومية بما يصدر عن بعضها البعض من مستندات وشهادات‪ ،‬وإصرار كل منها على‬

‫أن يتقدم المواطن في كل مرة بالمستندات األصلية المعدة خصيصا لكل جهة (الجهات الحكومية تتعامل كجزر منفصلة)‪.‬‬

‫• فشل القانون رقم ‪ 5‬لسنة ‪1991‬م ‪-‬قانون القيادات‪ -‬في تحقيق أهدافه‪ ،‬وانحراف التطبيق عن األسس التي تضمنها‬

‫القانون‪.‬‬

‫• عدم تناسب األجور والمكافآت للعاملين مع األهميات النسبية لألعمال التي يقومون بها‪ ،‬وإهدار األسس العامة لنظام‬

‫ترتيب الوظائف‪.‬‬

‫• ازدياد الفساد اإلداري وشيوع مظاهره في مختلف القطاعات والمستويات‪.‬‬

‫• تعارض وتضارب المصالح بين بعض موظفي الدولة الذين يجمعون بين الوظيفة وعضوية المجالس التشريعية‪.‬‬

‫• غياب أسلوب يربط بين نتائج تقييم أداء الموظف وتجديد صالحيته لالستمرار في الوظيفة‪.‬‬

‫• كثرة التشريعات وتعديالتها وتضاربها وحيرة الموظف والجمهور بينها‪.‬‬

‫• عدم شمول محاوالت اإلصالح السابقة لعناصر المنظومة اإلدارية كلها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وإذا أردنا التركيز على أهم المثالب والعيوب التنظيمية لإلدارة الحكومية في مصر‪ ،‬وجدنا ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬العقلية المصلحية الضيقة؛ فكل جهة إدارية وكل موظف حكومي حريص كل الحرص على تأكيد امتيازاته وتضخم‬

‫اختصاصاته على حساب الجهات األخرى‪ ،‬ولكنه أيضا شديد المهارة في تحويل و"زحلقة" كافة المشكالت والموضوعات‬

‫المعقدة على غيره بحجة أنها ليست من اختصاصه ولسان حاله يقول‪" :‬ياعم أنا مالي" التركيز على شكل "الو ازرة"‬

‫كهيكل للتنظيم الرئاسي‪ ،‬على حين أن ثمة أنشطة تتطلب جهة تخطيط ورقابة ومتابعة يتعين أن تكون أعلى من الو ازرات‬

‫أو على األقل مختلفة عنها من حيث الطبيعة القانونية والتنظيمية‪ .‬ومن األمثلة على ذلك وقوع التخطيط‪ ،‬والعالقات‬

‫الثقافية الخارجية‪ ،‬والرقابة في اختصاص و ازرات وليس لجانا عليا أو مجالس قومية مثال وهو األسلوب األفضل‪.‬‬

‫‪ .2‬تتميز الو ازرات نفسها بشكل تنظيمي نمطي التدرج والترتيب ينطبق على كافة الو ازرات بصورة ِّ‬
‫تذكر باألسلوب الفرنسي‬

‫للتنظيم وبطريقة ال تتكيف مع الطبيعة الخاصة لنشاط كل و ازرة خصوصا في دولة يتسع دور الحكومة فيها ليشمل‬

‫عددا كبي ار من مجاالت النشاط غير التقليدية كاالقتصاد والثقافة‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ .3‬كذلك تتميز الو ازرات بتضخم تنظيمها الداخلي بصورة غير عادية وبكثرة مكاتب الوزراء والوكالء والمديرين وما يسمى‬

‫بالمكاتب الفنية والقانونية والعالقات العامة‪ ....‬إلخ‪.‬‬

‫‪ .4‬يتميز التنظيم اإلداري بعدم وضوح فضال عن عدم وعي الموظفين لوجود التفرقة بين اإلداريين ‪ Line‬والفنيين ‪Staff‬‬

‫داخل المنظمة‪ ،‬ولسنا ندعي أن هذه التفرقة حقيقية أو ضرورية خصوصا في ظروف التنمية وإنما كل ما نعنيه هو أن‬

‫هذه التفرقة غير مفهومة على اإلطالق من جانب اإلداريين المصريين سواء على المستوى النظري أو المستوى العملي‪.‬‬

‫‪ .5‬المبالغة أحيانا في اللجوء إلى صيغة "الجهاز المركزي" في التنظيم الحكومي ويبدو أنه كلما ظهرت مشكالت في التنسيق‬

‫كانت هذه الصيغة هي الحل المقترح لدرجة أنه اقتُ ِّرح مرة إقامة جهاز مركزي للمباني الحكومية‪ .‬من ناحية أخرى اقترح‬

‫‪11‬‬
‫البعض إلغاء كافة األجهزة المركزية وضم مسؤولياتها إلى الو ازرات الموجودة بالفعل ومن ذلك إدماج الجهاز المركزي‬

‫للتعبئة العامة واإلحصاء في و ازرة التخطيط حين كانت قائمة‪.‬‬

‫المبالغة في عدد أجهزة الرقابة وتداخل االختصاصات فيما بينها‪ ،‬فعندنا من جهات الرقابة ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬األجهزة المركزية‪ :‬التعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬والمحاسبات‪ ،‬والتنظيم واإلدارة‪.‬‬

‫‪ -‬أجهزة ذات طبيعة قانونية وقضائية‪ ،‬وهي مجلس الدولة والنيابة اإلدارية والرقابة اإلدارية‪.‬‬

‫‪ -‬أجهزة خاصة تزيد أو تقل صفتها الرقابية بحسب الظروف السياسية والتنظيمية وذلك من قبيل وزير الدولة لشؤون مجلس‬

‫الوزراء‪ ،‬والسكرتارية العامة لرئاسة الجمهورية‪ ،‬وربما أيضا المباحث العامة والمخابرات‪ ..‬إلخ‪ .‬يمكن إجماال أن نصف‬

‫"الجهاز اإلداري الحكومي بأنه بالغ النمو والتعقد‪ ،‬فضال عن تضخم قمته‪ ،‬وانفصام أجزائه‪ ،‬واختناق مستواه األوسط‪،‬‬

‫واستشراء ما يشبه الشلل في مستواه األدنى ويمكن إجماال أن نصف "الجهاز اإلداري الحكومي بأنه بالغ النمو والتعقد‪،‬‬

‫فضال عن تضخم قمته‪ ،‬وانفصام أجزائه‪ ،‬واختناق مستواه األوسط‪ ،‬واستشراء ما يشبه الشلل في مستواه األدنى‪ .‬في هذا‬

‫الجهاز بعض صور للجان وأجهزة مشتركة بين الو ازرات واإلدارات والهياكل المختلفة من الجهاز اإلدارى التداخل‬

‫واالختالط يميز عمل معظمها فضال عن أن هذه اللجان قد أصبحت في اإلطار المصري مجرد وسيلة ‪-‬في معظم‬

‫األحيان‪ -‬للتسويف والتأجيل و"تعويم" األمور‪ .‬ويتأكد هذا إذا تذكرنا أن عمل اللجان ال يسبقه في العادة إعداد أو‬

‫تحضير فني وال يتبعه في معظم األحيان نشاط للتنسيق أو المتابعة‪ .‬وستبقى اللجان والمجالس واألجهزة المشتركة‬

‫محدودة الجدوى طالما استمرت العقلية المصلحية الضيقة والمنافسة الو ازرية ومقاومة الالمركزية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫تجارب المواطن المصري مع البيروقراطية في الجهاز اإلداري المصري‬

‫كال منا في الدول العربية والنامية مر بمثل هذه التجارب هذه التجارب والقصص‪ ،‬ان كان لديك ما يعرف بالواسطة‪ ،‬فذلك‬

‫ممكن ان يخفف عليك عبى الدوران في دوالب الحكومة لتسيير الشخصية والعائلية‪:‬‬

‫ارادت ايناس وهي طالبة في كلية الطب ان تنجز وتصادق الشهادات الجامعية الخاصة بها‪ ،‬على حد قولها احتاجت فريق‬

‫عمل كامل حتى تستطيع انجاز هذه الشهادات الجامعية‪ ،‬حيث أضاف زوجها انه من اجل توقيع ورقة كان ذلك يتطلب‬

‫منك ان تمر على كافة السكرتارية الموجودة وتأخد منهم توقيعات‪ ،‬حيث احتاجت تقريبا الى عدد كبير من التوقيعات في‬

‫ورقة واحدة‪ ،‬وقالت أيضا انها لم تجد مصدر حكومي واحد يمكن ان يفيدها بالطريق الصحيحة إلنجاز هذه اإلجراءات‬

‫بالطريقة الصحيحة‪.‬‬

‫يقول ميشيل سامح وهو خريج من كلية أدأب اللغة اإلنجليزية‪ ،‬انه حينما أراد البحث عن فرصة عمل في القاهرة‪ ،‬وجد‬

‫مدرسة فيها شاغر لغة انجليزية‪ ،‬بعد حضور مقابلة مع مدرسة اللغة في المدرسة‪ ،‬كان يجب عليه ان يرجع إلدارة المدرسة‬

‫وبعد إدارة المدرسة الى إدارة المنطقة التعليمية والشؤون اإلدارية والمالية‪ ،‬لكي يأخذ موافقة مبدئية منهم‪ ،‬بعد ذلك احتاج مرة‬

‫أخرى ان يعبر نفس الدورة لكي يكمل هذه اإلجراءات‪ ،‬وبعد هذه اإلجراءات الطويلة‪ ،‬وجد ان ال يوجد دخل يغطي راتبها‬

‫الذي ال يتعدى ال ‪ 250‬جنية‪.‬‬

‫يقول محمد احمد حيث كان معيدا في كلية الهندسة جامعة القاهرة انه حصل على منحة دراسية إلكمال دراسته العليا في‬

‫كندا‪ ،‬ولكي يستطيع اكمال إجراءات السفر‪ ،‬كان يتوجب عليه عمل امضاءات وتجهيز أوراق تتطلب منه ثالثة أسابيع من‬

‫العمل لكي ينجهزها‪ ،‬يقول أيضا انه حين سافر كندا استطاع انجاز كافة هذه المتطلبات في مدة ال تزيد عن أربع ساعات‪.‬‬

‫يقول محمد عفان وهو طالب في مرحلة الماجستير انه كان يحتاج مدة الشهرين فقط بعد مناقشة الماجستير لكي يتكمن من‬

‫انهاء اإلجراءات اإلدارية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫يقول احمد يوسف ان كثير من المؤسسات التي تعمل في سيناء ال يتعدى عملها كونها مراكز للمراسالت الحكومية (ومحتوى‬

‫هذه الرسائل انهم يحفظوا انفسهم من المسألة فقط)‪ ،‬يقول أيضا حينما تحدث مع مدير المنطقة الصناعية في منطقة بئر‬

‫العبد عن وضع االستثمار فيها‪ ،‬لما لم يتم بدء االستثمار فيها‪ ،‬كان رد مدير المنطقة الصناعية انهم بانتظار كراسة الشروط‬

‫الخاصة بالمنطقة الصناعية‪ ،‬حيث انهم بانتظارها لمدة ما تقارب السنة والنصف‪ ،‬ان في تلك الفترة هناك مدن صناعية في‬

‫دول أخرى بنيت وانتجت في نفس الفترة‪ ،‬يقول أيضا معلقا على النظام اإلداري في المحافظات ان المديريات تابعة إدارية‬

‫للمحافظة وهيكليا تتبع للمحافظة‪ ،‬وهذا بحد ذاته مشكلة إدارية‪.‬‬

‫يقول محمد أبو الغيط طالب طب في السنة الدراسية السادسة‪ ،‬حينما أراد نقل تدريب االمتياز من محافظة أسيوط لمحافظة‬

‫القاهرة‪ ،‬كان ذلك يتطلب منه ان يجمع امضاءات عديدة باإلضافة الى ورقة خلو طرف‪ ،‬تحتاج الى مدة زمنية لكي يستطيع‬

‫إنجازها‪.‬‬

‫يقول محمد وهو موظف في و ازرة الري ان المؤسسة التي يعمل فيها تحتاج فقط الى ‪ 30‬موظف‪ ،‬ويوجد بها ما يقارب ال‬

‫‪ 500‬موظف‪ ،‬باإلضافة الى اإلجراءات القديمة في انجاز المهام‪.‬‬

‫مفارقة‬

‫وفي المقابل‪ ،‬يتضح أيضا أن المعاناة ليست مقصورة على المواطن وحده‪ ،‬بل تصيب الموظف الذي يجد نفسه في معمعة‬

‫لوائح إدارية لم تتطور منذ عقود بشكل يلغي أي إمكانية للتطور في ظل تحجر كامل للعقليات المسيرة للعمل‪.‬‬

‫وتجعل طريقة العمل المعتمدة على "التراتبية الكالسيكية" ونظام األجر المبني على المحفزات المتحولة‪ ،‬الموظف في بنية‬

‫إدارية أساسها لوائح تسمح بتحصيل مقابل غير معلن للخدمة العمومية‪ ،‬مما ساعد على انتشار الفساد والرشوة‪ ،‬وترهلت‬

‫الخدمات الحكومية مما أفرغ العمل اإلداري الحكومي من مفهوم خدمة المواطن‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫والمفارقة أن ميدان التحرير الذي أصبح رم از لالعتصام والتظاهر ضد الفساد واستبداد العديد من الحكومات المصرية‬

‫المتعاقبة‪ ،‬صار رم از للبيروقراطية المركزية المصرية‪ ،‬حيث إنه يحتوي على المجمع اإلداري الذي يحمل اسم "مجمع التحرير"‬

‫الذي ُبني أوائل خمسينيات القرن الماضي‪ ،‬ويضم أكثر من ‪ 1200‬غرفة يعمل فيها قرابة تسعة آالف موظف يتبعون عشر‬

‫و ازرات‪.‬‬

‫وقد كتب األديب التشيكي فرانس كافكا رائد الكتابة عن السلطة المجهولة التي تضطهد الفرد وتقمعه‪" ،‬أن كل ثورة تزول وال‬

‫تترك وراءها إال مخلفات وأوحاال بيرقراطية جديدة"‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫اراء الباحثين في البيروقراطية‬

‫يقول الباحث عبدالخالق ان هناك اربع وزارت تستحوذ وحدها على ‪ %70‬من القوى الحكومية العاملة حيث ان الوزرات‬

‫على الترتيب التالي تستحوذ النسبة األكبر من موظفي الجهاز اإلداري لمصر وهي و ازرة التربية والتعليم يليها و ازرة الداخلية‬

‫يليها و ازرة الصحة ثم و ازرة األوقاف والشؤون الدينية‪ ،‬يقول أيضا ان التوزيع السئ للرواتب في الهياكل سبب حالة من الفساد‬

‫والرشوة‪ ،‬ويقول أيضا ان العاملون في البيروقراطية اليابانية يعملون ساعات اكثر في أيام الدوام‪ ،‬ويحصلون على اجازات‬

‫اكثر ‪ ،‬وذلك الن نظام العمل قائم على نظام المجموعات ونمط اتخاذ القرار داخل اإلدارة اليابانية يبدا من اسفل الى اعلى‪،‬‬

‫وليس العكس كما في مصر بحيث يتم األوامر من اعلى الى اسفل بصورة اجبارية حتى المستويات األدنى‪ ،‬وقال أيضا‬

‫بالنظر الى حالة بيئة العمل السيئة يجب االخذ بعين االعتبار كافة الظروف التي ساهمت بالوصول لهذه الحالة‪.‬‬

‫وأضاف أيضا في دراسة قام بعملها حول سلوك الموظف المصري في سنة ‪ 2001‬حيث ركزت الدراسة على تحديد الوقت‬

‫الضائع وتحديد تكاليفه حيث قدر ساعات العمل الضائعة بحوالي ‪ 1600000000‬ساعة حيث ان تكلفة هذه الساعات‬

‫تصل الى ‪ 550000000‬جنية ‪.‬‬

‫يقوم محمد العجاتي في الجهاز اإلداري للدولة في مصر حوالي ‪ 6‬مليون موظف ويقول ان هذا العدد من الموظفين ليس‬

‫بالعدد الكبير نسبة الى عدد السكان في مصر‬

‫‪16‬‬
‫الحلول من وجهة نظر الباحثين‬

‫الدكتور خالد‪ :‬انه ال يوجد حل لمشاكل البيروقراطية بدون حل سياسي‪ ،‬ويتم ذلك من خالل برنامج انتخابي جديد‪ ،‬لتحقيق‬

‫السياسية الجديدة مثال و ازرة جدد من خارج النظام اإلداري‪.‬‬

‫الباحث عبد الخالق‪ :‬انه يجب عمل مجلس بين األجهزة ذات العالقة للرقابة على األداء اإلداري للمؤسسات الحكومية‪.‬‬

‫الباحث محمد العجاتي‪ :‬يجب تطبيق مفهوم الديمقراطية التشاركية‪ ،‬وتعني الديمقراطية التشاركية‪ ،‬انه من خالله يتم مشاركة‬

‫المجتمع في صنع القرار‪.‬‬

‫الباحث عبد الخالق‪ :‬يجب إعادة هيكلة نظام األجور والمرتبات وإدخال كافة العناصر األخرى المتغيرة مثل الكفاءات والحوافز‬

‫والبدالت المختلفة والمكافأة التشغيلية كتغير يؤدي لتحقيق التوازن في نظام األجور والمرتبات بين كافة قطاعات الحكومة‪.‬‬

‫الدكتور خالد‪ :‬يجب ان يوجد هناك مفوض معلومات لضمان الشفافية مثل النائب العام‪ ،‬رئيس الجهاز المركزي لإلحصاء‪،‬‬

‫يكون يتبع للبرلمان‪ ،‬بحيث يقدم كل سنة تقرير إنجازاته‪.‬‬

‫الباحث محمد العجاتي‪ :‬ان يوجد قدر ال بأس بده من الالمركزية في األجهزة اإلدارية يؤدي الى التخصصية في أداء‬

‫االعمال داخل مؤسسات الدولة‪.‬‬

‫الباحث عبد الخالق‪ :‬نظام عمل يعلم فيه كل موظف طبيعية واجباته ومسؤولياته ويحدد بدقة اهداف ومسؤوليات كل وحدة‬

‫من الوحدات اإلدارية موجود داخلها وخارجها‪.‬‬

‫الدكتور خالد‪ :‬يجب ان يكون هناك منظومة تشريعية جاهزة ودراسات تتعلق بهياكل الدولة وجلب خبرات أحدث مثل تجربة‬

‫محمد علي وعبد الناصر‪ ،‬بحيث تساعد على تطوير أداء الدولة‬

‫‪17‬‬
‫تصور للنظام اإلداري المصري خالل الفترة القادمة‬

‫أوال‪ :‬تقديم الخدمات العامة‬

‫يمكن عرض تصور ما ينبغي أن يكون عليه حال الجهاز اإلداري المصري في ثالثة أبعاد على النحو التالي‪:‬‬

‫متميز بين باقي القطاعات الخدمية األخرى ًا‬


‫نظر لألهمية الخاصة‬ ‫ًا‬ ‫موقعا‬
‫يحتل قطاع الخدمات الصحية في معظم دول العالم ً‬
‫التي تفرضها طبيعة الخدمات التي يقدمها هذا القطاع واتصالها المباشر بصحة األفراد بل وبحياتهم‪ .‬وقد َّ‬
‫ولدت تلك األهمية‬

‫زيادة في الطلب على خدمات هذا القطاع بمعدالت سريعة ومتالحقة كنتيجة الرتفاع وتنوع أشكال الخدمات الصحية والرعاية‬

‫الطبية الممكن تقديمها‪ ،‬والتطور السريع والمتالحق في مختلف مجاالت التقنية الطبية‪ ،‬وما واكبه من ظهور معدات طبية‬

‫وأجهزة ومستلزمات معملية باهظة التكاليف‪ ،‬وتشخيص أنواع جديدة من األمراض لم تكن معروفة من قبل وما تستلزمه‬

‫مواجهتها من أبحاث وتجارب ذات تكلفة عالية للوصول إلى أنسب الطرق لعالجها‪ ،‬وارتفاع متوسط األعمار وما نتج عنه‬

‫من تغير هيكلي في التركيبة السكانية‪ ،‬وارتفاع معدالت التضخم العام في مستلزمات األجهزة والمعدات الطبية والمواد الخام‬

‫الالزمة لتصنيع الدواء وما شابه ذلك‪ .‬انعكست كل هذه األسباب مجتمعة في شكل ارتفاع بمعدالت سريعة متالحقة في‬

‫تكلفة الحصول على تلك الخدمات الصحية‪.‬‬

‫وتتعدد مشكالت تقديم الخدمة الصحية في مصر‪ ،‬كما في كثير من دول العالم اآلخذة في النمو‪ ،‬في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬عدم المساواة في توفير الخدمات الصحية لكافة المواطنين في المجتمع سواء من حيث الخدمات البسيطة أو الوقائية أو‬

‫من حيث نوعية وحجم الخدمات التي تُقدم أو تَُوَّفر في المراكز الحضرية وتلك التي تقدم وتوفر في المناطق الريفية‬

‫واألطراف النائية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فائضا‬
‫أحيانا أن هناك ً‬
‫ً‬ ‫‪ .2‬سوء توزيع األجهزة والمؤسسات والمتخصصين في المجال الصحي؛ فقد يظهر للمالحظ العادي‬

‫في األطباء مثالً في مناطق معينة بينما يوجد ندرة وعجز في مناطق أخرى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬منطلقات التطوير ومتطلباته‬

‫من مراجعة أبرز الجهود التي بذلت في مجال تطوير الجهاز اإلداري في مصر يتبين أن أيديولوجية اإلصالح قد تزايد‬

‫تعلقها وتمسكها بما يمكن أن نسميه "األساليب العلمية" في معالجة مشكالت اإلدارة‪ ،‬وأن معظم الوصفات الخاصة باإلصالح‬

‫بصفة عامة قد دارت حول "التنظيم" أو "هندسة المؤسسات"‪ ،‬وهكذا استقر أن تبني مجموعة من "المبادئ العلمية واألساليب‬

‫الفنية" هو السبيل نحو رفع الكفاءة في الجهاز اإلداري في الدولة وزيادة فعاليته‪ .‬وهذا أمر طيب ومقبول ولكن ال يجب‬

‫ال وهو ما سنبينه بعد قليل‪ .‬هذا عن الفكر الحاكم في‬


‫التوقف عنده؛ فمتطلبات التطوير ومنطلقاته أبعد من ذلك وأكثر شمو ً‬

‫إصالح وتطوير الجهاز اإلداري في مصر‪ ،‬فماذا عن سمات برامج اإلصالح ذاتها؟ لقد تميزت هذه البرامج أو الخطط‬

‫بأسلوب "ترقيعي" في أساسه على الرغم من كل الحديث عن أهمية "هز الجهاز الحكومي" وتحقيق "الثورة اإلدارية"‪ .‬وهكذا‬

‫تراكمت كثرة من القوانين واللوائح والترتيبات‪ ،‬وأنشئت أو ألغيت أو أدمجت المؤسسات وعقدت المؤتمرات والندوات والبرامج‬

‫ولكن ظل الطابع العام لكل أيديولوجية اإلصالح هو أنها جزئية وتدرجية وجانبية‪ .‬التطوير اإلداري قرار سياسي في األساس‪،‬‬

‫يتوقف مدى النجاح في تحقيقه على رغبة وقدرة القيادة السياسية على اتخاذ ودعم ومتابعة اإلجراءات والسياسات الالزمة‬

‫بالتشاور مع األطراف المعنية‬

‫إنه من المعروف في كافة المواقف التي تتطلب اإلصالح يوجد عادة اختيار‪-‬نظري على األقل‪ -‬بين إستراتيجيتين بديلتين‬

‫لإلصالح‪ ،‬إستراتيجية شاملة أو ثورية وإستراتيجية جزئية أو تدرجية‪ ،‬وقد قامت في مصر مناقشات مثيرة قرب نهاية الستينيات‬

‫حول جدوى كل من هاتين اإلستراتيجيتين‪ ،‬انتهت إلى سيطرة المفهوم الجزئي التدرجي "البراجماتى" على خبراء ومسؤولي‬

‫‪19‬‬
‫اإلصالح اإلداري في مصر؛ فهو مفهوم يجد األدوات "الفنية" أسهل ًا‬
‫أمر في تناولها ومعالجتها من القضايا االجتماعية‪-‬‬

‫السياسية العريضة‪ .‬وكما اعترف رئيس سابق للجهاز المركزي للتنظيم واإلدارة فقد كانت معظم اإلصالحات التي تمت جزئية‬

‫ومحدودة‪ ،‬لم تمس إال أكثر المشكالت إلحاحا في مجال التنظيمات والقوانين واألفراد‪ ،‬ذلك في وقت كانت البيروقراطية‬

‫الحكومية فيه سريعة التوسع من حيث الحجم والنطاق واألهداف‪ .‬وهكذا كان ال بد أن يسفر األمر عن تضخم الفجوة بين‬

‫األهداف المبتغاه من ناحية واألداء الفعلي لإلدارة من ناحية أخرى‪.‬‬

‫فإذا كان ما تقدم هو أيديولوجية التطوير اإلداري في مصر والسمة البارزة في برامجه وخططه‪ ،‬فما أهم متطلبات ومنطلقات‬

‫هذا التطوير؟ في تصورنا عدة منطلقات ومتطلبات ترشدنا إليها الخبرة التاريخية والدراسات المتعددة التي قام بها الخبراء‬

‫والمتخصصون‪ ،‬وأهمها‪:‬‬

‫• أن التطوير اإلداري قرار سياسي في األساس‪ ،‬يتوقف مدى النجاح في تحقيقه على رغبة وقدرة القيادة السياسية على‬

‫اتخاذ ودعم ومتابعة اإلجراءات والسياسات الالزمة بالتشاور مع األطراف المعنية‪.‬‬

‫كبيرا‪.‬‬
‫نجاحا ً‬
‫ً‬ ‫• أن اإلصالحات الجزئية للحد من حجم الجهاز اإلداري ومن تزايد تكاليفه لم تصادف‬

‫• من المهم تخفيف أعباء اإلدارة العامة بإعطاء مزيد من الدور واإلسهام للقطاعين الخاص واألهلي‪ ،‬وإلغاء احتكار بعض‬

‫وحدات الجهاز اإلداري للخدمات التي تقوم بها‪.‬‬

‫• من الضروري رفع كفاءة إيصال الخدمات العامة‪ ،‬والعمل على استخدام وسائل غير تقليدية مثل عقود اإلدارة‪،‬‬

‫والتنافسية‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫• العمل على كسب تعاون المواطنين وإثارة اهتمامهم بالعمل اإلداري والسعي نحو تغيير نظرتهم للبيروقراطية ونظرة‬

‫البيروقراطية لهم‪ ،‬بمعنى آخر التخلص من عالقات العداء والشك المتبادل‪.‬‬

‫• األخذ بمداخل وأساليب التطوير الحديثة مثل إدارة الجودة الشاملة‪ ،‬والمقارنة المرجعية‪ ،‬وتعزيز الشفافية في عمل اإلدارة‬

‫العامة‪ ،‬ومساءلة الجهاز اإلداري‪.‬‬

‫• إعادة النظر في وظائف الجهاز اإلداري؛ بحيث يتيح دور هذا الجهاز ‪-‬عالوة على التنفيذ المباشر لبعض المهام‪-‬‬

‫مشاركة أكثر فعالية لكل من القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬على أن يتم هذا في ظل إشراف وتوجيه فعال‬

‫من الجهاز اإلدارى‪.‬‬

‫• تنمية القيادات اإلدارية‪ ،‬واالهتمام بإعداد الصف الثاني‪.‬‬

‫• إعادة هيكلة أجهزة الرقابة المركزية وتطوير أدوارها بما يناسب التغير في دور الدولة‪.‬‬

‫• استرداد تكلفة بعض الخدمات الحكومية‪ ،‬وتطبيق أنظمة أخرى حديثة في تقديم بعض هذه الخدمات‪.‬‬

‫• تغيير ثقافة العاملين باألجهزة اإلدارية لتكون قادرة على استيعاب الدور الجديد للمواطنين‪ ،‬ومعرفة كيفية التعامل معهم‬

‫للتوصل إلى أفضل الحلول للمشكالت‪.‬‬

‫• التفكير في تطبيق نظام "المفوض العام" أو "األمبودسمان" الذي يتلقى شكاوى المواطنين ويحققها وينتهي إلى توصيات‬

‫لألجهزة اإلدارية المعنية‪ ،‬وقد أثبت هذا النظام فعالية كبيرة كما في تجارب الدول اإلسكندنافية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫• تصبح الدولة مسؤولة فقط عن قطاعات النشاط اإلستراتيجية‪ ،‬مثل‪ :‬البترول‪ ،‬وقناة السويس‪ ،‬والصناعات الحربية‪،‬‬

‫وتباشر دورها في هذه المجاالت بشكل مباشر من خالل أجهزتها كما يمكن تنفيذها بواسطة أجهزة أهلية أو خاصة تحت‬

‫إشرافها‪.‬‬

‫• أن للدولة دو ار في فض المنازعات بين العمل ورأس المال كعنصرين أساسيين في التنمية تباشره (بالتشريع وبالتحكيم)‪.‬‬

‫• االتفاق على أن قطاعات اإلدارة الحكومية المختلفة لها مشكالت وأوضاع متباينة‪ ،‬األمر الذي يحتم أن تتباين الحلول‬

‫والمعالجات بما يتناسب مع خصوصية كل قطاع من قطاعات الجهاز اإلداري للدولة ومن ثَ َّم تجنب الوصفات النمطية‪.‬‬

‫• أهمية استحداث وتفعيل نظم وآليات لتقييم أداء وحدات الجهاز اإلداري بالدولة بالمقارنة باألهداف المحددة من ناحية‪،‬‬

‫وبالموارد المخصصة من ناحية أخرى‪( .‬الربط بين المدخالت والمخرجات‪ ،‬وتبين مدى مناسبة األنشطة واإلجراءات‬

‫لكليهما)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أهم مقترحات التطوير‬

‫في بيان حكومة الدكتور أحمد نظيف (‪2004‬م) ورد البند السابع عن “تطوير الجهاز اإلداري للدولة" وجاء فيه "أن عدد‬

‫العاملين بالجهاز اإلداري للدولة قد زاد إلى أن بلغ ‪ 5.67‬مليون موظف حكومي يعملون في إطار قانون ونظم وقواعد آن‬

‫األوان لمزيد من تطويرها وتحديثها‪ ،‬فضال عن أن العاملين بالحكومة أنفسهم في حاجة إلى برامج تدريبية متطورة لرفع‬

‫كفاءتهم ولزيادة مستوى أدائهم‪ ،‬وأن الحكومة قد راعت أن يسير هذا التطور ويتم هذا التحديث من خالل‪ :‬تطوير وتنشيط‬

‫الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين وللمستثمرين‪ ،‬وتطوير نظم اإلدارة في مؤسسات الدولة‪ ،‬وإنشاء واستكمال قواعد‬

‫أخير تحقيق الالمركزية‬


‫البيانات القومية واالقتصادية‪ ،‬وإعادة هيكلة القطاع الحكومي‪ ،‬وتطوير نظم شغل الوظائف القيادية‪ ،‬و ًا‬

‫ير‬
‫وتعزيز المشاركة المجتمعية"‪ .‬من المثير للدهشة والالفت للنظر بل والذي يدعو إلى االستنكار في هذا السياق‪ ،‬أن تقر ًا‬

‫‪22‬‬
‫احدا عن إصالح‬
‫إنجاز و ً‬
‫ًا‬ ‫شهرا) لم يتضمن‬
‫إنجاز في ‪ً 60‬‬
‫ًا‬ ‫أيضا بعنوان (أهم ‪60‬‬
‫للحكومة المصرية صدر في يوليو ‪2009‬م ً‬

‫ومساء عن اتهامه بأنه السبب األساسي في كل مشكالت الوطن‪،‬‬


‫ً‬ ‫صباحا‬
‫ً‬ ‫الجهاز اإلداري للدولة والذي ال يكف الجميع‬

‫وعرقلة جهود التنمية‪ .‬فقط يذكر التقرير في ص‪" 39‬تشكيل لجنة الشفافية والنزاهة لوضع إستراتيجية قومية لتعزيز ودعم‬

‫الشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد بوحدات الجهاز اإلداري بالدولة والقطاعات الحكومية والعامة"‪ .‬ولم نجد بندا واحدا يتعلق‬

‫بما ذهب إليه بيان الحكومة في شأن تطوير وتحديث الجهاز اإلداري للدولة‪.‬‬

‫هذا عن الرأي الرسمي للحكومة المصرية الحالية بشأن تطوير الجهاز اإلدارى المصري والذي لم ينتقل ً‬
‫أبدا إلى حيز التنفيذ؛‬

‫فماذا عن تصور الخبراء والمتخصصين؟ تتعدد االجتهادات وتتباين الرؤى في هذا الشأن‪ ،‬وقد وجدنا أن أكثر األطروحات‬

‫وتركيز كان البرنامج القومي للتطوير والذي نتج عن‪/‬أو كان مخرج ورشة عمل مهمة‪ ،‬والذي قام بإعداده وصياغته‬
‫ًا‬ ‫دقة‬

‫األستاذ الدكتور على السلمي أستاذ اإلدارة البارز ووزير التنمية اإلدارية سابًقا‪ ،‬ويتضمن ذلك البرنامج ستة محاور على‬

‫النحو التالي باختصار شديد‪:‬‬

‫المحور األول‪ :‬الموظف العام‬

‫يركز هذا المحور على إعادة صياغة الهيكل الوظيفي بالجهاز اإلداري للدولة بناء على دراسة االحتياجات الحقيقية من‬

‫العاملين وتحسين أوضاعهم من حيث الرواتب والحوافز‪ ،‬واقتراح تحقيق طفرة في دخول موظفي الدولة بإعفاء رواتبهم‬

‫وحوافزهم من الضرائب‪ ،‬وكذا تدبير مصدر لتمويل الزيادات في الرواتب بفرض رسم على الخدمات المقدمة للمواطنين‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬تطوير النظم وتبسيط اإلجراءات‬

‫يهتم هذا المحور بتبسيط إجراءات تعامل المواطنين مع أجهزة الدولة من خالل إبعاد المواطن عن االتصال المباشر بالموظف‬

‫الذي يؤدي الخدمة‪ ،‬وتطبيق فكرة ‪.ONE STOP SHOP‬‬

‫‪23‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬تطوير الهيكل العام للجهاز اإلداري للدولة‬

‫يقوم هذا المحور من برنامج اإلصالح اإلداري على فكرة رئيسية مؤداها ضرورة إعادة هيكلة الجهاز اإلداري للدولة ليتناسب‬

‫‪-‬من حيث األساس التنظيمي والحجم واالختصاصات‪ -‬مع الدور الجديد للدولة في ظل سياسات التحرير االقتصادي‪.‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬اإلصالح التشريعي‬

‫يتوجه هذا المحور من اإلصالح اإلداري إلى أهمية إعادة صياغة القوانين األساسية المنظمة لعمل الجهاز اإلداري للدولة‬

‫بحيث تكون في األساس أداة معاونة على رفع كفاءة األداء‪ ،‬وتمكين القيادات اإلدارية من تحمل مسؤولياتها واستخدام‬

‫صالحياتها بحرية مسئولة‪ ،‬ال أن تكون وسيلة للتقييد والتعويق بما يؤدي إلى تراجع القيادات اإلدارية عن ممارسة صالحياتها‬

‫اما بما يفرضه كثير من القوانين المطلوب تغييرها من إجراءات مطولة‪ .‬والفكرة المحورية في توجهات اإلصالح التشريعي‬
‫التز ً‬

‫المقترح أن تتوافق فلسفة القوانين الحاكمة للجهاز اإلداري مع التوجهات والسياسات االقتصادية واالجتماعية الجديدة للدولة‪.‬‬

‫المحور الخامس‪ :‬التطوير التكنولوجي للجهاز اإلداري‬

‫يرى الخبراء أن تحقيق اإلصالح اإلداري الفعال يتطلب األخذ بأسباب التقدم التي توفرها تكنولوجيا المعلومات الحديثة بكل‬

‫ما تعنيه من سرعة في األداء ودقة في المعلومات وحداثة تلك المعلومات‪ ،‬وتخفيف األعباء عن العاملين وعن المواطنين‪،‬‬

‫ويذكرون أن مقومات هذا التطوير التكنولوجي متوفرة لكن غير مستغلة‪.‬‬

‫المحور السادس‪ :‬آليات تنفيذ البرنامج القومي لإلصالح اإلداري‬

‫نجاح تنفيذ هذا البرنامج لتطوير الجهاز اإلدارى المصري يعتمد بصفة أساسية على اقتناع القيادة السياسية بأهميته وجدواه‪،‬‬

‫متجسدا‬
‫ً‬ ‫ويستدعي إنشاء آلية أو جهاز يخطط لوضعه موضع التنفيذ ويتابع التقدم ويقيم النتائج‪ ،‬ويراه الخبراء والمتخصصون‬

‫في "مجلس أعلى لإلصالح اإلداري" برئاسة السيد رئيس الجمهورية ويضم فى عضويته رئيس مجلس الوزراء ووزير التنمية‬

‫عاما)‪-‬وزير المالية‪-‬وزير العدل‪-‬وزير القوى العاملة‪-‬رئيس الجهاز المركزي للتنظيم واإلدارة‪-‬رئيس هيئة‬
‫اإلدارية (أمينا ً‬

‫‪24‬‬
‫الرقابة اإلدارية‪-‬رئيس اتحاد الغرف التجارية‪-‬رئيس اتحاد الصناعات المصرية‪-‬ممثال لجمعيات رجال األعمال‪-‬ممثال‬

‫التحادات المستثمرين‪-‬ممثال لنقابة التجاريين‪-‬عددا من أساتذة وخبراء اإلدارة‪-‬ممثال لإلعالم الر‬

‫‪25‬‬
‫الخاتمة‬

‫عرضا لمقتضى حال "الجهاز اإلدارى المصري" وتصو ار لمآل هذا الجهاز‪ ،‬ويبقى أن نؤكد على أهمية وضرورة‬
‫كان ما تقدم ً‬

‫خطير فى النظام السياسي‪ ،‬ويكفي أن نتذكر هنا أن التنظيم البيروقراطي يستطيع أن‬
‫ًا‬ ‫دور‬
‫تطوير هذا الجهاز الذي يلعب ًا‬

‫ُي ِّ‬
‫قوض "الحكومة" ويهدد االستقرار‪ .‬وذلك من خالل عدة أساليب‪ ،‬أبرزها‪:‬‬

‫‪ .1‬تزويد المواطنين بمعلومات خاطئة‪.‬‬

‫‪ .2‬إمداد الحكومة ذاتها وتضليلها بالمعلومات غير الصحيحة‪.‬‬

‫‪ .3‬التنفيذ غير الكفء للبرامج والمشروعات‪.‬‬

‫‪ .4‬االمتناع عن تقديم الخدمات العامة أو تجميدها أو تعقيد إجراءاتها‪.‬‬

‫وأعتقد أنه قد باتت هناك "حاجة مجتمعية مصرية" تدعو وتطالب وتنادي وتحتج وتعتصم مطالبة بالتطوير‪ ،‬وقد آن األوان‬

‫دوما عن "البيروقراطية" في كل هذه السياقات‪.‬‬


‫نصحت بأن نفتش ً‬
‫ُ‬ ‫لالستجابة لها‪ ،‬وال أبالغ إذا ما‬

‫‪26‬‬

You might also like