Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 52

‫الفصل الرابع‬

‫دور العوامل الجغرافية في تقسيم الوحدات اإلدارية‬

‫‪242‬‬
‫مقدمة‬
‫خضعت مصر طوال تاريخها البشري والعمراني لعامل جغرافي مسيطر وهو‬
‫النيل‪ ،‬فإن النيل يمنح أرض مصر من تجانسه بقدر ما يسيطر على حياتها والواقع أنه ليس‬
‫هناك مثل آخر لبلد هو كلية وإ لى هذا الحد من خلق ظرف جغرافي واحد(‪.)1‬‬
‫وعلى هذا األساس كانت العالقة بين حدودنا اإلدارية والبيئة الجغرافية التي كان‬
‫النهر يسيطر عليها‪ ،‬األمر الذي جعل مصر تتألف من بيئتين أساسيتين هما‪ :‬الصحراء‬
‫والوادي ‪ ..‬ومصر بهذا المعنى هي من األقاليم ذات النغمة الثنائية وإ ن كانت هذه الثنائية‬
‫تترك مكانها في الحقيقة ألحادية مطلقة إذا نحن اعتبرنا الحياة في مصر‪ ،‬أي مصر‬
‫المعمورة(‪.)2‬‬
‫في ضوء هذا فإنه عند مقارنة مصر بغيرها من دول العالم وأقاليمه‪ ،‬بدول مثل‬
‫الواليات المتحدة في العالم الجديد أو جمهورية روسيا االتحادية أو حتى السودان‪ ،‬يالحظ أن‬
‫األقسام اإلدارية تمثل انعكاساً لتنوع األقاليم وتعددها‪ ،‬وكذلك استجابة لتباعد مراكز النشاط‬
‫البشري وتشتتها‪ ،‬وكما تتنوع فيها مالمح البيئة والظروف الطبيعية والبنائية‪ ،‬ولذلك فعند‬
‫تناول األقسام اإلدارية والحدود في البلدان المشار إليها وغيرها‪ ،‬فإن التقسيم اإلداري يكون‬
‫له مبرراته الجغرافية‪ ،‬وأن الحدود اإلدارية لها وظيفة التحديد والفصل الفعلي بين هذه‬
‫الجهات المترامية والمتباينة‪ ،‬أما عندما نتكلم عن تقسيم مصر إلى أقسام إدارية أو تقسيمها‬
‫إلى أقاليم‪ ،‬فإن وضع مصر يبدو مختلفا تماما وظروفها تبدو مخالفة لهذه األمثلة‪ ،‬وخصوصا‬
‫عندما تركز على المعمور المصري أو عندما نهتم بصفة خاصة باألجزاء المأهولة بالسكان‬
‫في البالد(‪.)3‬‬
‫وعلى الرغم من سيطرة النيل على عملية التقسيم اإلداري في مصر إال أن هناك‬
‫عوامل طبيعية أخرى إلى جانب النيل مثل السطح‪ ،‬والتربة‪ ،‬وموارد المياه‪ ،‬يضاف إليها‬
‫العوامل البشرية التي ال يقل دورها أيضاً في عملية التقسيم اإلداري مثل عامل النقل‬
‫والمواصالت‪ ،‬والعامل السياسي‪ ،‬والعامل االقتصادي‪ ،‬والعامل األمني‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫القرارات التي تعبر عن رغبات أفراد كبار كالحكام‪.‬‬

‫‪ )?(1‬جمال حمدان‪ ،‬شخصية مصر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪11‬‬


‫‪ )?(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪12 ،11‬‬
‫‪ )?(3‬محمد حجازي‪ ،‬االتجاهات العامة لتعديالت حدود األقسام اإلدارية في مصر‪ ،‬نتائج تطبيقية لبعض‬
‫محافظات الدلتا‪ ،‬اإلسكندرية ـ ندوة األقسامـ والحدود اإلدارية لمصر‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪2‬‬

‫‪243‬‬
‫وبناء على ذلك فإنه يمكن تقسيم العوامل الجغرافية المؤثرة في البناء اإلداري‬
‫لمصر إلى عنصرين أو عاملين ‪ ،‬عامل طبيعي ‪ ،‬عامل بشري‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫المبحث األول‪ :‬العوامل الطبيعية‪#‬‬
‫ويمكن تناول العناصر الطبيعية التي تؤثر على بناء مصر اإلداري فيما يلي‬
‫(‪ )3‬مصادر المياه‬ ‫(‪ )2‬التربة‬ ‫(‪ )1‬الطبوغرافية‬
‫أوالً‪ :‬الطبوغرافية‪ #:‬شاع تقسيم "جون بول" ألقاليم مصر المورفولوجية حيث‬
‫قسمها تضاريسيا إلى األقسام الخمسة اآلتية؛ الصحراء الغربية‪ ،‬والصحراء الشرقية‪ ،‬وادي‬
‫النيل والدلتا ومنخفض الفيوم‪ ،‬وشبه جزيرة سيناء‪ ،‬وقناة السويس والبحر األحمر(‪.)1‬‬
‫ويتم التعامل مع كل من هذه األقاليم تضاريسياً على حدة‪ ،‬على الرغم من أن اتخاذ‬
‫نهر النيل كفاصل بين الصحراوين أمر قد فند‪ ،‬ولكن قصة التطور لكل إقليم جعل من‬
‫الممكن االستقرار على هذا الفصل(‪.)2‬‬
‫واالختالف عادة والتمييز يكون بين مصر الوادي ومصر الصحراء وهو االختالف‬
‫الجوهري والحقيقي‪ ،‬األمر الذي جعل كل الدراسات تركز على مصر األصلية ‪Prototype‬‬
‫‪ Egypt‬وهو مصر الوادي والدلتا‪ ،‬ورغم أن البعض ردد "أن مصر من الوجهة الجغرافية‬
‫ليست موحدة" أو أن مصر "كانت تتألف دائما من أرضين متميزتين ومتباينتين‪ ،‬العليا‬
‫والسفلى‪ ،‬والوادي والدلتا" فاألصح هو أن "الوادي كله كان وحدة واحدة‪ ،‬رغم الفروق بين‬
‫مصر العليا والسفلى"‪ ،‬وقد يرجع ذلك إلى أن البعض ميز بين موروفولوجية الوادي‬
‫ومورفولوجية الدلتا بشكل مبالغ فيه(‪.)3‬‬
‫والحقيقة أن تقسيم الوادي والدلتا إلى وحداته اإلدارية لم يكن من األمور الصعبة‪،‬‬
‫فقد عرف اإلنسان المصري القديم كيفية استغالل بيئته‪ ،‬ولما كان النيل هو مصدر الحياة‬
‫والمعلم األول لتطور النواحي الفنية للمصريين فقد حاكاه المصري القديم في شق ترعه‬
‫وقنواته‪ ،‬وفي الشكل العمراني القائم حتى اآلن(‪ ،)4‬ولذا كان اإلطار الحوضي وحدود‬
‫األحواض الزراعية تأخذ في الغالب كحدود إدارية فاصلة بين األقسام اإلدارية‪ ،‬وكانت‬
‫الجسور التي تقام لحماية المراكز العمرانية من الغرق هي الشكل األبرز والقمم التضاريسية‬

‫‪ )?(1‬محمد صفي الدين‪ ،‬مورفولوجية األراضي المصرية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.123‬‬
‫‪ )?(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ )?(3‬جمال حمدان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪17‬‬
‫‪ )?(4‬عبد اهلل عبد السالم أحمد أبو العينين‪ :‬التوزيع الجغرافي للمدن في إقليم الدلتا التخطيطي "دراسة‬
‫تحليلية"‪ ،‬المجلة الجغرافية العربية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬العدد السادس واألربعون‪ ،‬السنة السابعة والثالثون‬
‫‪ ،2005‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪245‬‬
‫البشرية التي يركن إليها في تحديد الخطوط الفاصلة بين أقسام مصر اإلدارية وذلك على‬
‫طول تاريخ مصر األلفي‪.‬‬
‫وتتبع تلك الجسور اآلن من األمور الصعبة ألنه لم يعد لها وجود‪ ،‬نتيجة لطول‬
‫تاريخ مصر العمراني وما طرأ عليها من تغيرات وما طرأ على الحدود اإلدارية لألقسام‬
‫اإلدارية من تبدل وتحوالت نتيجة لعوامل وظروف مصر السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬
‫ولكن من خالل الكتابات التاريخية يمكن التعرف على بعض تلك الجسور‬
‫والضفاف ‪ banks‬التي كانت تتخذ علماً كفواصل بين األقسام اإلدارية الكبرى أو الصغرى‬
‫على السواء لعدم وجود الظواهر التضاريسية التي تعنى بهذا الغرض في بيئة سهلة‬
‫منبسطة‪ ،‬ففي نهاية القرن التاسع عشر (‪ )1891‬كانت مديرية الجيزة يفصلها عن مديرية‬
‫بني سويف جسر الرقة‪ ،‬ويفصل مديرية بني سويف عن مديرية المنيا جسر كوم الصعايدة‪،‬‬
‫وهناك جسر األشمونين الفاصل بين مديرية المنيا ومديرية أسيوط وجسر عمود طما الحد‬
‫الفاصل بين مديريتي اسيوط وجرجا وهناك جسري بشيت على الضفة الشرقية وجسر‬
‫سمهود على الضفة الغربية فاصال بين مديريتي جرجا وقنا(‪ ،)1‬وقد كانت هذه الجسور هي‬
‫بمثابة التضاريس الواضحة المعالم التي تفصل الوحدات اإلدارية الكبرى عن بعضها‬
‫البعض ومن ثم فإن الوحدة اإلدارية كانت وحدات حوضية "هيدرولوجية" فكانت اإلدارة‬
‫بذلك مسايرة ومتممة للنشاط الزراعي‪.‬‬
‫ويمكن القول أن تاريخ الوحدات اإلدارية في مصر مرتبط بالحافات التي تحد‬
‫الوادي من كال جانبيه‪ ،‬وباألودية الجافة التي تنتهي إلى نهر النيل‪ ،‬وخط كنتور ‪ 100‬متر‬
‫فوق مستوى سطح البحر‪ ،‬هو الذي يكاد ينطبق على حدود السهل الفيضي الفاصلة بينه وبين‬
‫الصحراء‪ ،‬ويمكن تقسيم المسافة التي يجري فيها نهر النيل من مدخله عند أدندان حتى نقطة‬
‫تفرعه والبالغ طولها حوالي ‪1188‬كم إلى خمس قطاعات يختلف فيها عرض السهل‬
‫الفيضي‪ ،‬ومن ثم تاريخ الوحدات اإلدارية ذاته‪ ،‬ففي المسافة ما بين أدندان حتى أسوان‬
‫يضيق السهل الفيضي تماماً حيث ال يتجاوز المائتي متر‪ ،‬األمر الذي انعكس على فقر النوبة‬
‫البادي طوال التاريخ‪ ،‬أما في المسافة ما بين أسوان وأدفو يتسع السهل الفيضي خاصة في‬
‫الغرب نتيجة البتعاد الحافة الغربية عن مجرى النيل‪ ،‬وإ ن لم يعدم وجود بعض االستثناءات‬
‫على الضفة الشرقية كما في منطقة كوم أمبو نتيجة النتهاء واديان جافان إلى النهر وهما‬
‫‪ )?(1‬جورجي زيدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪58-48‬‬

‫‪246‬‬
‫وادي شعيت ووادي الخريط مكونان مصب مشترك يتجاوز اتساعة ‪13‬كم‪ ،2‬أما في المسافة‬
‫ما بين إدفو ونجع حمادي فتقترب الحافة الغربية للوادي اقترابا شديدا من النهر وترتفع فوق‬
‫مستوى سطح واديه بأكثر من ‪ 400‬متر‪ ،‬في حين أن الحافة الشرقية تبتعد عنه وتنحدر‬
‫صوب أرضه بصورة متدرجة‪ ،‬ويبتعد خط كنتور ‪ 200‬متر عن مدينة قنا بنحو ‪60‬كم في‬
‫حين أن نفس الخط يبعد عن النهر على الجانب األيسر بحوالي خمسة كيلو مترات فقط‪ ،‬وفي‬
‫المسافة بين نجع حمادي وأسيوط ينحصر الوادي بين حافتيه اللتين يتراوح منسوبهما ما بين‬
‫‪ 300-200‬متر‪ ،‬ويتفاوت مدى اقتراب الحافة من النهر‪ ،‬حيث تقترب بشدة من النهر عند‬
‫نجع حمادي على الضفة الشرقية‪ ،‬في حين تقترب بشدة من النهر عند البلينا على الضفة‬
‫الغربية‪ ،‬ولكن بوجه عام تشرف الحافة الشرقية على نهر النيل‪ ،‬وال تترك غير مجموعة من‬
‫األحواض المنعزلة‪ ،‬أما في المسافة ما بين أسيوط والقاهرة فإن السهل الفيضي يتركز على‬
‫الجانب األيسر متميزاً بتناهية في االتساع مقارنة بشقيقه على الجانب األيمن(‪.)1‬‬
‫فتاريخ األقسام اإلدارية من ثم هو جزء من تاريخ السهل الفيضي للوادي‪ ،‬رسمته‬
‫ظروف السطح‪ ،‬والهضبتين الشرقية والغربية‪ ،‬ففي المسافة ما بين حلوان وقنا والتي يبلغ‬
‫طولها ‪520‬كم‪ ،‬يمتد السهل الفيضي بشكل متقطع‪ ،‬نتيجة لتقدم الحافات الجبلية في اتجاه‬
‫النيل حتى تكاد تالمس ضفته‪ ،‬مكونة ما يعرف باألحواض‪ ،‬وتتفاوت هذه األحواض في‬
‫‪2‬‬
‫مساحتها وأطوالها‪ ،‬ما بين أحواض صغيرة المساحة مثل حوض بياض النصارى ‪4.5‬كم‬
‫وامتداده ‪7‬كم‪ ،‬وحوض الصف ‪197‬كم‪ ،2‬وامتداده ‪56‬كم(‪ .)2‬ففي هذه المسافة الطويلة لم‬
‫يكن هناك فرصة أمام قيام وحدات إدارية كبيرة إال حيث تبتعد الهضبة الشرقية عن النهر‬
‫تاركة حوض كبير يمكن أن تظهر فيه مدينة ذات شأن تمثل عاصمة إلقليم إداري‪ ،‬فقد كانت‬
‫المقاطعة (السبات) الثامنة في حوض أوالد طوق‪ ،‬والسبات التاسع في حوض أخميم‪،‬‬
‫والسبات السابعة عشر تقع عاصمتها على الضفة الشرقية في كاينوبوليس أو الشيخ فضل‬
‫اآلن‪ ،‬والسبات الثامنة عشر عاصمتها سبا أو الحيبة اآلن على الضفة الشرقية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫أفروديتوبوليس أو أطفيح(‪ ،)3‬ولكن أهمية هذه المدن واألحواض وما بها من وحدات وأقسام‬
‫إدارية تراجعت على مدار التاريخ البشري والعمراني لمصر‪ ،‬فلم يأت العصر العثماني إال‬
‫ولم يكن هناك سوى والية األطفيحية على الجانب الشرقي‪ ،‬حيث حوض الصف‪ ،‬حتى أن‬

‫‪ )?(1‬انظر محمد صفي الدين‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.153-145‬‬


‫‪ )?(2‬محمد المعتصم مصطفى أحمد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.4-1‬‬
‫‪ )?(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.50-48‬‬

‫‪247‬‬
‫مدينة جرجا على الضفة الغربية احتلت مكانة أخميم التي كان لها شأنها في العصور‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ويرجع ذلك لظروف طبيعية كعمليات النحر والتآكل التي تتعرض لها الضفة‬
‫الشرقية‪ ،‬أو الخراب المدمر نتيجة للسيول‪ ،‬أو نقص للسكان نتيجة لغارات األعراب وكلها‬
‫مجتمعة أثرت في البناء اإلداري على الضفة الشرقية(‪.)1‬‬
‫وكان من نتاج ذلك أن أصبح الحد الشرقي لبعض محافظات الصعيد يميل إلى أن‬
‫يكون أكثر امتداداً جهة الجنوب من الحد الغربي ويبدو ذلك في حدود محافظات الجيزة‬
‫(القديمة)‪ ،‬أسيوط‪ ،‬سوهاج‪ ،‬وهذا الوضع سليم ألنه يتفادى شطر أو تمزيق حوض رئيسي‬
‫(‪)2‬‬
‫من األحواض الشرقية الهاللية المنعزلة بين أكثر من محافظة ‪.‬‬
‫والجدول التالي (رقم ‪ )1‬يوضح األحواض التي كان لها شأن على الضفة الشرقية‬
‫في تلك المسافة الطويلة ما بين حلوان وقنا‪.‬‬
‫جدول (رقم ‪ )1‬أحواض الضفة الشرقية بين حلوان وقنا‬
‫‪2‬‬
‫متوسط اتساع السهل الفيضي‪ /‬كم‬ ‫المساحة ‪ /‬كم‬ ‫االمتداد‪ /‬كم‬ ‫الحوض‬ ‫م‬
‫‪7.7‬‬ ‫‪196.76‬‬ ‫‪56‬‬ ‫الصف‬ ‫‪1‬‬
‫‪6.1‬‬ ‫‪280‬‬ ‫‪36‬‬ ‫أبنوب‬ ‫‪2‬‬
‫‪2.67‬‬ ‫‪176.36‬‬ ‫‪52.5‬‬ ‫البداري‬ ‫‪3‬‬
‫‪2.8‬‬ ‫‪149.86‬‬ ‫‪45.5‬‬ ‫أخميم ـ ساقتله‬ ‫‪4‬‬
‫‪2.78‬‬ ‫‪178.21‬‬ ‫‪54.5‬‬ ‫أوالد طوق‬ ‫‪5‬‬
‫المصدر‪ :‬محمد المعتصم مصطفى أحمد‪ ،‬ص‪13‬‬

‫كما انعكست الخصائص الفزيوغرافية للدلتا على أقسامها اإلدارية‪ ،‬فلما كانت‬
‫خطوط الكنتور في شرق الدلتا تنحرف إلى الجنوب من البحيرات المرة دون أن تواصل‬
‫استمرارها صوب الشمال الشرقي كما هو الحال في غرب الدلتا(‪ ،)3‬أن أصبح القسم الشرقي‬
‫من الدلتا أكبر مساحة واتساعاً من القسم الغربي‪.‬‬
‫ويعتقد البعض أن الدلتا امتدت نحو الشرق لتشمل صحراء شرق الدلتا إلى الشمال‬
‫من إقليم القاهرة السويس‪ ،‬والذي يوجد به وادي الطميالت‪ ،‬كما امتدت إلى الشرق لتضم‬
‫السهول الشمالية داخل سيناء والتي تنحصر بين نطاق الطيات والقباب عند خط كنتور‬

‫‪ )?(1‬محمد المعتصم مصطفى أحمد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.69-67‬‬


‫‪ )?(2‬جمال حمدان‪ ،‬تخطيطنا اإلداري‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪29‬‬
‫‪ )?(3‬محمد صفي الدين‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.220‬‬

‫‪248‬‬
‫‪200‬م في الجنوب وساحل البحر المتوسط في الشمال‪ ،‬أما امتداد الدلتا غرباً فيتمثل في‬
‫المنطقة الممتدة بين وادي النطرون في الشرق واألراضي الزراعية لغرب الدلتا وباالتجاه‬
‫نحو الشمال الغرب حتى جنوب اإلسكندرية(‪ ،)1‬ولكن قد يكون هذا االعتقاد مرتبط بمفهوم‬
‫الدلتا الطبيعي‪ ،‬خاصة وأن الدلتا لها مفهومانـ طبيعي وهو المقصود به الرقعة السهلية التي‬
‫انتشرت فيها الرواسب النهرية‪ ،‬ومدلول بشري يرتبط بنشاط اإلنسان المصري في هذا‬
‫السهل الفيضي‪ ،‬والمدلول البشري من حيث الرقعة المكانية أضيق من المدلول الطبيعي‬
‫للدلتا(‪.)2‬‬
‫وقد انعكس هذا بالتالي على تقسيم الدلتا اإلداري بين شرقها وغربها ووسطها‬
‫طوال الفترات التاريخية المختلفة‪ ،‬ويظهر هذا بوضوح في عدد األقسام اإلدارية التي كانت‬
‫تضمها أقسام الدلتا منذ القدم حيث يالحظ أن شرق الدلتا كانت تضم إبراشية أوجستا األولى‬
‫وإ براشية أوجستا الثانية وكانت إبراشية أوجستا األولى تمتد شرقاً حتى تضم رينوكلورا‬
‫(العريش)‪ ،‬في حين أن غرب الدلتا لم يكن يضم سوى إبراشية إيجيبتيكا وكانت تضم إلى‬
‫جانب أقسام غرب الدلتا أقسام وسط الدلتا اإلدارية أيضاً‪ ،‬واألمر لم يكن يتوقف فقط على‬
‫عدد األقسام اإلدارية بل كان يالحظ أن مساحة األقسام اإلدارية في شرق الدلتا أكبر منها في‬
‫غرب الدلتا ووسطها‪ ،‬ويبدو كذلك جليا في فترة الحكم العربي لمصر سواء خالل فترة‬
‫الكور الصغرى أو الكبرى أو األعمال(‪.)3‬‬
‫وفي الوقت الحالي فإن شرق الدلتا يضم كل من محافظات القليوبية‪ ،‬والشرقية‪،‬‬
‫والدقهلية‪ ،‬ودمياط‪ ،‬ناهيك عن محافظات القناة‪ ،‬في حين أن غرب الدلتا ال يضم غير‬
‫محافظة البحيرة‪ ،‬ومحافظة اإلسكندرية وجزء من محافظة المنوفية فقط‪.‬‬
‫كذلك كان موضع مدينة القاهرة ونشأته مرتبط أشد االرتباط بالظروف الطبيعية‬
‫للنيل وخطوط الكنتور‪ ،‬حيث ينفرج السهل الفيضي على الضفة الشرقية تدريجيا شمال دار‬
‫السالم‪ ،‬وتتقهقر حافة الوادي نحو الشرق‪ ،‬وتحدد تالل المقطم الجيرية رقعة السهل الفيضي‬
‫في الشرق كما تحدد تالل عين الصيرة وتالل بطن البقرة السهل في الجنوب والجنوب‬

‫‪ )?(1‬صبري محمد محمد‪ ،‬سكان الصحاري المصرية‪ ،‬دراسة جغرافية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعةـ القاهرة‪.1992 ،‬‬
‫‪ )?(2‬عبد العال عبد المنعم الشامي (‪ ،)1977‬المقدمة صفحة ب‪.‬‬
‫‪ )?(3‬يمكن مالحظة ذلك من خالل خرائط الفصل األول‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫الشرقي‪ ،‬وتنحدر أراضي هذه الرقعة السهلية نحو الشمال والغرب (نحو النيل)‪ ،‬وتزداد‬
‫رقعة السهل الفيضي كلما اتجهنا شماالً(‪.)1‬‬
‫كما كان هناك حالة من التوأمة بين منخفض الفيوم ووحدته اإلدارية‪ ،‬دليل على‬
‫الترابط بين المالمح الطبوغرافية واإلدارية‪ ،‬فمنذ أوائل القرن الماضي وحتى عام ‪1969‬‬
‫كان اسم محافظة الفيوم ومن قبل مديرية الفيوم واسم منخفض الفيوم (خاصة قاعه المعمور)‬
‫يطلقان على مجال أرضي واحد تقريباً‪ ،‬فلم تتجاوز الحدود اإلدارية لمحافظة الفيوم القاع‬
‫المعمور للمنخفض فعلى حين قدرت مساحة المنخفض ‪1700‬كم‪ ،2‬كانت مساحة المحافظة‬
‫‪)2(2‬‬
‫‪1734‬كم ‪،‬‬
‫وقد كان التقسيم اإلداري لمنخفض الفيوم مرتبط بالبحيرة أشد االرتباط‪ ،‬وقد كانت‬
‫ظروف منخفض الفيوم اإلدارية تشبه إلى حد كبير ظروف الدلتا اإلدارية‪ ،‬فالدلتا لم تنضج‬
‫إدارياً مرة واحدة بل على مراحل‪ ،‬وكذلك منخفض الفيوم لم يكتمل بناءه اإلداري مرة واحدة‬
‫بل على مراحل‪ ،‬مرتبطة بالتحكم في كمية المياه المنصرفة نحو المنخفض‪ ،‬ويرجع ذلك إلى‬
‫أن الفيوم مرتبط في تطوره الفزيوغرافي بالبحيرة‪ ،‬فإن البحيرة هي التي حددت امتداد‬
‫مراكز العمران في العصور المختلفة‪ ،‬كما حددت مساحة المناطق القابلة للزراعة(‪ ،)3‬بل إن‬
‫إقليم الفيوم استفاد من وجود عاصمة مصر في عهد األسرة ال‪ 12‬مكان قرية "اللشت"‬
‫الحالية جنوب مدينة منف بحوالي ‪ 15‬ميال‪ ،‬مما انعكس على تعمير مناطقه الشمالية الشرقية‬
‫والشرقية والجنوبية الشرقية منذ عهد األسرات القديمة‪ ،‬وتطور مع األسرة الوسطى(‪.)4‬‬
‫وهذا يؤكد على أثر عامل التضاريس في التقسيم اإلداري لمنخفض الفيوم‪ ،‬فألن‬
‫سطح الفيوم درجات وآفاق كنتورية متتابعة من أعلى إلى أسفل‪ ،‬فقد تتابعت آفاق العمران‬
‫واالستقرار بعضها فوق (أو تحت) بعض طبقات‪ ،‬ال كشرائح رأسية متتابعة فحسب ولكن‬
‫كمراحل زمنية‪ ،‬والواقع أن معظم مدن ومحالت الفيوم التاريخية كانت يوماً ما مواقع‬

‫‪ )?(1‬فتحي محمد مصيلحي خطاب (‪ ،)1979‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫‪ )?(2‬صالح عبد الجابر عيسى‪ ،‬األنماط الجغرافية للمستوطنات الريفية بمنخفض الفيوم‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬جامعةـ القاهرة‪ ،1980 ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ )?(3‬فؤاد محمد الصقار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ )?(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.127-125‬‬

‫‪250‬‬
‫شاطئية على ساحل البحيرة(‪ ،)5‬مما يعني أن التقسيم اإلداري لمنخفض الفيوم كان مرتبط أشد‬
‫اإلرتباط بالبحيرة صعوداً وهبوطاً‪.‬‬
‫وقد كانت محافظة البحيرة تشبه إلى حد كبير محافظة الفيوم‪ ،‬فقد كانت حدودها‬
‫اإلدارية تتفق مع حدودها الطبيعية والجغرافية‪ ،‬حتى بداية السبعينيات على األقل‪ ،‬فقد كانت‬
‫حدودها اإلدارية تتمثل في فرع رشيد شرقاً وساحل البحر المتوسط شماالً والهامش‬
‫الصحراوي للدلتا غرباً وجنوباً(‪.)1‬‬
‫ونظراً لالنفصال بين الوادي والصحراء أن ظهرت وحدات إدارية منفصلة لها‬
‫وضع إداري مميز فقد كانت الواحات في الصحراء الغربية ذات كيان إداري مستقل‪ ،‬في‬
‫عهد البيزنطيين‪ ،‬حيث عرفت باسم الطبياد األعلى‪ ،‬وفي فترات تاريخية أخرى كانت تلحق‬
‫كوحدة إدارية صغرى داخل الوحدة الكبرى‪ ،‬كما في العهدين الروماني والعربي‪ .‬ومع‬
‫االحتالل البريطاني أصبحت وحدات إدارية خاضعة للحكم العسكري‪ .‬كما ظهرت وحدات‬
‫إدارية في سيناء على طول طريق درب الحاج بموازاة الساحل الشمالي ‪ ،‬وكذلك على طول‬
‫ساحل البحر األحمر‪ ،‬حيث القصير وكانت تتبع مديرية قنا‪ .‬وقد ذكر المقريزي الواحات‬
‫منقطعة وراء الوجه القبلي‪ ،‬مغاربة لم تُعد في الواليات وال في األعمال‪ ،‬وال يحكم‬
‫بأنها ُ‬
‫عليها والي السلطان‪ ،‬وإ نما يحكم عليها من قبل ُمقطعها(‪.)2‬‬

‫‪ )?(5‬أنظر جمال حمدان‪ ،‬شخصية مصر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.913‬‬
‫‪ )?(1‬أحمد حسن إبراهيم‪ ،‬سكان محافظة البحيرة والعوامل المؤثرة في توزيعهم‪ ،‬دراسة كارتوجرافية‪،‬‬
‫رسالة ماجستير‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،1970 ،‬المقدمة‪.‬‬
‫‪ )?(2‬أيمن فؤاد سيد‪ ،‬تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي‪ ،‬المواعظ واالعتبار بذكر الخطط‬
‫واآلثار‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي‪ ،‬لندن‪ ،2002 ،‬ص ‪.198‬‬

‫‪251‬‬
‫ثانياً‪ :‬التربة‪:‬‬
‫مما ال شك فيه أن التربة أحد العوامل المهمة في مناطق العمران الريفي والتي‬
‫تعتمد على الزراعة أو الرعي كأساس للمعيشة‪ ،‬فموضع السكن أو المركز العمراني يتحدد‬
‫من خالل المنطقة الصالحة للزراعة‪ ،‬وفي حالة صغر مساحة التربة الجيدة القابلة للزراعة‬
‫يتحاشى السكان بناء مساكنهم في تلك المنطقة(‪ ،)1‬ومن ثم كانت التربة أحد العناصر الطبيعية‬
‫التي تؤثر في البناء اإلداري وتقسيماته داخل الدولة‪ ،‬وكانت تربة مصر الفيضية في وادي‬
‫النيل ودلتاه مركز التوطن البشري والعمراني‪ ،‬وكان تقسيم األراضي وتعيين حدودها أهم‬
‫العوامل الداعية إلى وضع بناء إداري للدولة‪.‬‬
‫وكانت حدود العمران في مصر تنقطع وتنتهي حيث تنتهي التربة الطينية الفيضية‬
‫وتصبح التربة رملية غير خصبة وغير منتجة‪ ،‬ففي الوادي االنتقال إلى الصحراء سهل‬
‫بحيث إنه يمكن اعتبار نهاية األراضي الزراعية في الوادي هي بداية الصحراء‪ ،‬في حين أن‬
‫الدلتا يوجد بها نطاق انتقالي للتربة المختلطة التكوين بين األراضي الزراعية التي تتكون‬
‫من التربة الرسوبية النيلة والرملية الخشنة التي تكون أراضي الهوامش(‪.)2‬‬
‫وحركة النهر ونشاطه من نحت وإ رساب تلعب دوراً فعاال في إضافة أو اختفاء‬
‫وحدات إدارية‪ ،‬حيث يقدر متوسط مساحة أراضي طرح النهر حوالي ‪ 1000‬فدان سنوياً‪،‬‬
‫ويبلغ متوسط مساحة ما يأكله النهر ‪ 800‬فدان‪ ،‬أي أن هناك زيادة ‪ 200‬فدان تضاف في‬
‫المتوسط إلى مساحة الطرح(‪ .)3‬ومن ثم فإن النيل يساهم في تشكيل الوحدات اإلدارية لمصر‬
‫بما يأكله من جهة ويطرحه في جهة أخرى‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى العديد من المشاكل‬
‫اإلدارية‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ ،‬اتصال جزيرة أبو نشابة‪ ،‬الواقعة بفرع رشيد والتابعة إداريا‬
‫لمحافظة البحيرة‪ ،‬بالضفة الشرقية للفرع التابعة لمحافظة المنوفية‪ ،‬وطبقا للقانون الذي يحدد‬
‫الحد اإلداري بإتباعه خط الوسط ‪ median line‬وهو الخط الذي يبعد بمسافتين متساويتين‬
‫عن ضفتي النهر‪ ،‬تصبح هذه الجزيرة تابعة لمحافظة المنوفية‪ ،‬ويترتب على ذلك تحرك‬
‫الحد اإلداري غربا بحيث يتمشى مع خط الوسط في فرع رشيد(‪.)4‬‬

‫‪ )?(1‬محمد محمد يوسف زهرة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.160‬‬


‫‪ )?(2‬صبري محمد محمد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.12-9‬‬
‫‪ )?(3‬آمال إسماعيل حسن شاور‪ ،‬أراضي طرح النهر وأكله‪ ،‬دراسة جغرافية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعةـ القاهرة‪ ،1966 ،‬ص‪.78‬‬
‫‪ )?(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.81-80‬‬

‫‪252‬‬
‫ويعتبر موضع مدينة القاهرة من المواضع المدينة لحركة النهر وهجرته‪ ،‬فقد أدى‬
‫انحسار النيل إلى ظهور أراضي جديدة اتصلت بالضفة الشرقية كان لها دورها في نمو‬
‫مدينة القاهرة على مدى ألف عام تقريباً‪ ،‬والجدول التالي يوضح أراضي الطرح على‬
‫الضفتين الشرقية والغربية لمدينة القاهرة ومدى ضخامة ما حصلت عليه الضفة الشرقية من‬
‫أراضي في مقابل الضفة الغربية‪ .‬كما يظهر بالجدول التالي‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )2‬أراضي الطرح على الضفتين الشرقية والغربية لمدينة‬
‫القاهرة‬
‫اإلجمالي‬ ‫‪%‬‬ ‫الضفة‬ ‫‪%‬‬ ‫الضفة الشرقية‬ ‫التاريخ‬ ‫م‬
‫الغربية‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7.73‬‬ ‫‪ 1.42‬كم‬ ‫‪69‬هـ ‪649 /‬م‬ ‫الطرح األول‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪16.87‬‬ ‫‪ 3.13‬كم‬ ‫‪320‬هـ ‪910 /‬م‬ ‫الطرح الثاني‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪14.89‬‬ ‫‪ 2.73‬كم‬ ‫‪520‬هـ‪1100/‬م‬ ‫الطرح الثالث‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6.00‬‬ ‫‪ 1.13‬كم‬ ‫‪650‬هـ‪1230/‬م‬ ‫الطرح الرابع‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪11.4‬‬ ‫‪ 2.1‬كم‬ ‫‪670‬هـ‪1250/‬م‬ ‫الطرح الخامس‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪35.56‬‬ ‫‪ 6.54‬كم‬ ‫‪680‬هـ‪1260/‬م‬ ‫الطرح السادس‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2.96‬‬ ‫‪ 0.55‬كم‬ ‫‪806‬هـ‪1386/‬م‬ ‫الطرح السابع‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4.56‬‬ ‫‪ 0.84‬كم‬ ‫‪1830‬م‬ ‫الطرح الثامن‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪ 25.51‬كم‬ ‫‪28.02%‬‬ ‫‪ 7.15‬كم‬ ‫‪71.98%‬‬ ‫‪ 18.44‬كم‬ ‫اإلجمالي‬
‫المصدر‪ :‬فتحي محمد مصيلحي‪ ،‬ص ‪.10-9‬‬
‫ولما كانت التربة الفيضية في مصر مرتبطة بنهر النيل وفروعه‪ ،‬فإن الدلتا في‬
‫العصور القديمة لما كان لها من أفرع عديدة‪ ،‬أن ظهر أثرها في اتساع مساحة الدلتا‪ ،‬ومن ثم‬
‫ظهور وحدات إدارية كثيرة في مناطق هي اآلن تكاد تكون صحراوية‪ ،‬أو كانت كذلك‬
‫بالفعل قبل عمليات االستصالح الزراعي‪ ،‬فكانت مدينة بيلوز تقع على الضفة الشرقية للفرع‬
‫البيلوزي‪ ،‬وكانت واحدة من أقدم موانئ الدلتا النهرية وعلى عالقة تجارية بكل من سوريا‬
‫وكليكيا‪ ،‬ولكن اندثار الفرع البيلوزي عجل بنهايتها(‪.ً)1‬‬
‫وهناك اتهام صريح للعرب‪ ،‬غير مقبول علميا وعمليا‪ ،‬بأنهم كانوا وراء فقد الدلتا‬
‫لحوالي ‪ %40‬من مساحتها نهباً لألمالح والبوار‪ ،‬فطبقاً لويلكوكس وكريج فإن األراضي‬

‫‪ )?(1‬محمد أحمد سعد منتصر‪ ،‬الفروع الدلتاوية القديمة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعةـ القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1968‬ص ص ‪. 214-213‬‬

‫‪253‬‬
‫شمال الدلتا كانت خصبة حتى أوائل العصر العربي‪ ،‬وتنتشر بها القرى والزراعات‪ ،‬وبعد‬
‫الفتح العربي دمرت الجسور في تلك المنطقة فساء ريها وصرف مياهها‪ ،‬وزادت نسبة‬
‫األمالح في األرض وفقدت خصوبتها بالتدريج‪ ،‬ثم بارت في النهاية‪ ،‬وترك نحو ‪ %40‬من‬
‫األرض المزروعة شمال الدلتا وشرقها بعيدة عن الزراعة لفترات طويلة‪ ،‬وقد انعكس ذلك‬
‫على الوحدات اإلدارية التي كانت موجودة في شمال الدلتا والمحصورة ما بين بيلوز‬
‫واإلسكندرية(‪.)1‬‬
‫ولكن الحقيقة أن النطاق الهامشي الساحلي للدلتا كان ينفصل عن المعمور الدلتاوي‬
‫بالبحيرات والسياحات والتكوينات الرملية‪ ،‬وكانت مراكزه العمرانية واإلدارية ذات صفة‬
‫مستقلة من الناحية اإلدارية وغير مرتبطة باألقاليم اإلدارية الكبرى‪ ،‬وعرفت هذه المراكز‬
‫العمرانية باسم الثغور والرباطات‪ ،‬وكانت ذات سمات حربية‪ ،‬ومن ذلك ثغر البرلس وثغر‬
‫نستراوة وثغر أخنا(‪.)2‬‬
‫وكان للتربة الخصبة‪ ،‬لما توفره من أراضي صالحة للزراعة‪ ،‬دور حاسم في بقاء‬
‫واستمرار بعض المدن والوحدات اإلدارية مقابل انهيار األخرى وتراجع أهميتها‪ ،‬ففي‬
‫الوقت الذي تعرض فيه ثغر دمياط لضربات الصليبين المتتالية‪ ،‬وتم هدمها ونقل سكانها‪ ،‬إال‬
‫أن موضعها الغني وظهيرها الزراعي مكنها من النمو والمحافظة على مكانتها طوال‬
‫تاريخها مقارنة بثغر رشيد(‪.)3‬‬
‫وكان التساع السهل الفيضي في شرق ووسط الدلتا مقارنة بغرب الدلتا أن انعكس‬
‫على الوضع اإلداري لكل من األقسام الثالثة‪ ،‬نظراً لما يضمه كل قسم من تربة وأراضي‬
‫خصبة صالحة للزراعة‪ ،‬ففي فترة األعمال‪ ،‬حيث ال يتسع السهل الفيضي في غرب الدلتا‬
‫نتيجة القتراب الهامش الصحراوي للدلتا فال يظهر غير عمل البحيرة وجزء من عمل فوه‬
‫والمزاحمتين‪ ،‬وال يزيد نواحيه عن ‪ 230‬ناحية‪ ،‬في المقابل فإن شرق الدلتا حيث السهل‬
‫الفيضي أكثر اتساعاً كان يضم األعمال الشرقية‪ ،‬واألعمال الدقهلية‪ ،‬والمرتاحية‪ ،‬واألعمال‬
‫القليوبية‪ ،‬وعمل الضواحي‪ ،‬وضواحي ثغر دمياط‪ ،‬ونحو ‪ 700‬ناحية‪ ،‬أما وسط الدلتا فكان‬
‫يضم األعمال الغربية واألعمال المنوفية ونحو ‪ 750‬ناحية(‪.)4‬‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.236 -235‬‬


‫‪ )?(2‬عبد العال عبد المنعم الشامي (‪ ،)1977‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪. 275‬‬
‫‪ )?(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.436‬‬
‫‪ )?(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.275‬‬

‫‪254‬‬
‫وقد كان سفي الرمال وتغطيتها لألراضي الزراعية من أكبر العوامل التي كان لها‬
‫دور في تراجع أهمية الكثير من الوحدات اإلدارية‪ ،‬وإ عادة تشكيل البناء اإلداري لمصر من‬
‫جديد‪ ،‬فقد تعرض إقليم بحر يوسف لسفي رمال الصحراء األمر الذي أثر على مدينة البهنسا‬
‫وإ قليمها‪ ،‬وكانت الرمال قد زحفت عليها وغطت الكثير من أرض مزارعها(‪ .)1‬وكانت‬
‫األقسام اإلدارية الواقعة على حواف الصحراء األكثر عرضة للتراجع وفقدها لمكانتها‬
‫اإلدارية‪ ،‬نتيجة لزوال التربة بسبب قطع النباتات‪ ،‬وتدمير مشاريع الري(‪.)2‬‬
‫وقد كانت الخريطة اإلدارية لمصر في العهد العثماني حيث الواليات‪ ،‬وفي عهد‬
‫الحملة الفرنسية أكبر دليل على تراجع نال من كافة النواحي االقتصادية والعمرانية‬
‫واإلدارية‪ ،‬ففيما يذكر أن مساحة األراضي الزراعية في فترات االزدهار في العصور‬
‫القديمة كانت تقدر بحوالي ‪ 5.5‬مليون فدان(‪ ،)3‬فإنها لم تكن تزيد بأية حال عن ‪ 1.5‬مليون‬
‫فدان في نهاية العهد العثماني أو أثناء الحملة الفرنسية‪ ،‬يعيش عليها ‪ 2.5‬مليون نسمة تبعاً‬
‫لتقدير الحملة الفرنسية‪ ،‬ويؤكد ذلك إذا علمنا أن مساحة األراضي المزروعة في عهد محمد‬
‫علي عام‪ 1821‬قدرت بنحو مليوني فدان(‪ ،)4‬رغم ما بذله محمد عليه من جهد كبير‪ ،‬وقد‬
‫استعاد محمد علي الكثير من البناء اإلداري لمصر‪ ،‬من خالل استعادته ألراضيها الزراعية‪،‬‬
‫وإ حياء مواتها‪ ،‬فقدرت مساحة األراضي الزراعية في عام ‪ 1840‬بحوالي‬
‫‪ ،)5(3.856.000‬أي أنه يمكن القول أن مساحة األرض الزراعية قد وصلت عند وفاة محمد‬
‫علي عام ‪ 1849‬نحو أربعة ماليين فدان بشكل مؤكد‪ ،‬ويسكنها حوالي ‪ 4542620‬نسمة‪،‬‬
‫طبقا آلخر تقدير تم في عهد محمد علي عام ‪1848‬م(‪.)6‬‬
‫ودراسة التاريخ العمراني في مصر تطلعنا على دورة حضارية أساسية تتكرر فيه‬
‫على إيقاع النهر وضبطه‪ ،‬فالمالحظ أن كفاءة ضبط النهر تنعكس على الوادي باالتساع‬
‫وغزو الصحراء واألراضي البور والبراري وربما الواحات‪ ،‬ويتمدد الغطاء السكاني في‬

‫‪ )?(1‬محمد محفوظ قاسم‪،‬ـ المستوطنات في إقليم بحر يوسف‪ ،‬دراسة في جغرافية العمران‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬جامعةـ القاهرة‪ ،1984 ،‬ص ‪.352‬‬
‫‪ )?(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.356-355‬‬
‫‪ )?(3‬محمد أحمد سعد منتصر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.235‬‬
‫‪ )?(4‬عبد الرحمن الرافعي‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.626‬‬
‫‪ )?(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.627‬‬
‫‪ )?(6‬محمد صفي الدين أبو العز وآخرون‪ ،‬ص ص ‪.422-420‬‬

‫‪255‬‬
‫األطراف والهوامش خاصة شمال الدلتا التي تتحول حينئذ إلى "جبهة ريادة" ‪Pioneer‬‬
‫‪ ""Front‬فتية طليعية‪ ...‬ذلك قانون إيكولوجي عرفته مصر بانتظام‪ ،‬ويمكن تسميته قانون‬
‫"النبض الهامشي" "‪ ،"Marginal Vibrancy‬ألن وقعه أوضح ما يكون في هوامش‬
‫المعمور وأطرافه بحسبانها أكثر حساسية وتذبذباً من قلبه‪ ،‬وهو تعبير مباشر على أن مصر‬
‫في نهاية األمر واحة تحيط بها الصحراء من كل الجهات وانعكاس للصراع األبدي بين‬
‫الطين والرمل(‪.)1‬‬
‫ويمكن تتبع حاالت النبض الهامشي في الفيوم‪ ،‬حيث رسمت البحيرة وحددت امتداد‬
‫(‪)2‬‬
‫مراكز العمران في العصور المختلفة‪ ،‬كما حددت مساحة األراضي القابلة للزراعة ‪،‬‬
‫فبحكم تركيبها المورفولوجي شكال وموقعاً وتضاريس ومائية‪ ،‬تمثل الفيوم واحداً من أبرز‬
‫نماذج النبض الهامشي‪ ،‬فمع تكوين بحيرة موريس واالستصالح في عهد األسرة الـ‪ 12‬ثم‬
‫مع البطالسة تقدم التعمير‪ ،‬وإ لى جانب المعمرين اإلغريق والمقدونيين هاجر الفالحون‬
‫المصريون بالجملة‪ ،‬من مختلف قرى الصعيد والدلتا‪ ،‬ونقلوا معهم نفس أسماء قراهم‬
‫القديمة‪ ،‬وفي أواخر عصر البطالسة انكمشت المساحة المزروعة وتناقص السكان بشدة‬
‫وهجرت كثير من القرى والمحالت(‪ ،)3‬وتحولت بعض مناطقها إلى أراضي صحراوية‪ ،‬ولم‬
‫يعثر على أثر لمدن كبيرة مثل كركيوزيريس (الغرق)‪ ،‬مجدوال (كوم مدينة النحاس)‪،‬‬
‫كرانيس (كوم أوشيم)‪ ،‬ديونيسياس (قصر قارون)‪،‬ـ تاليتس (كوم طليط) (‪ .)4‬وفي العهد‬
‫العربي ال يفتأ النابلسي يلح على أنه باإلمكان أن يكون اإلقليم أغنى بكثير إذا ما أصلح نظام‬
‫الري بالتطهير والصيانة وشق الترع في التخوم الصحراوية والبحيرية المهجورة(‪.)5‬‬
‫ويمكن تتبع دور التربة كذلك في الوحدات اإلدارية التي تشكلت خارج إطار الوادي‬
‫والدلتا‪ ،‬ففي الساحل الشمالي غربي اإلسكندرية‪ ،‬استمدت مرسى مطروح أهميتها في‬
‫العصر الروماني‪ ،‬نظراً لوجود التربة التي كونتها الفيضانات الغطائية ‪soil of fluvial‬‬
‫‪ ،fans‬حيث توجد في مجموعة من األغواط‪ ،‬وكذلك تتواجد تلك التربة في سالسل‬

‫‪ )?(1‬جمال حمدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪909‬‬


‫‪ )?(2‬فؤاد محمد الصقار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪ )?(3‬جمال حمدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.912‬‬
‫‪ )?(4‬فؤاد محمد الصقار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬من خالل تتبع خريطة رقم ‪ 14‬برسالته‪.‬‬
‫‪ )?(5‬جمال حمدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.912‬‬

‫‪256‬‬
‫المرتفعات بمنطقة مريوط(‪ ،)1‬كما استمدت العريش أهميتها وحافظت عليها‪ ،‬نظراً لوقوعها‬
‫عند مصب وادي العريش حيث التربة الخصبة ودلتاه الضخمة(‪.)2‬‬
‫وكان لبحث المستثمرين عن األراضي الزراعية والتربة الخصبة دوراً بارزاً في‬
‫وضع بذور لبعض األقسام اإلدارية الجديدة‪ ،‬ظهر أثرها فيما بعد على منطقة االستصالح‬
‫الزراعي واإلقليم الذي تقع فيه‪ ،‬ومن ذلك تفتيش كوم أمبو حيث بلغت أراضي االمتياز التي‬
‫قامت بزراعتها الشركة حوالي ‪ 70172‬فدان(‪ ،)3‬األمر الذي انعكس على التقسيم اإلداري‬
‫لمديرية أسوان حيث ظهر مركز كوم أمبو‪ ،‬وكان نقطة تجمع لسكان النوبة المهجرين بعد‬
‫بناء السد العالي‪ ،‬كما تم إنشاء مركز جديد وهو مركز نصر النوبة على هوامش مركز كوم‬
‫أمبو‪.‬‬
‫ولكن مقارنة المحاوالت السابقة باستعادة بعض األراضي البور واستصالحها ال‬
‫يمكن أن يعوض مقدار الفقد الكبير الذي تعرضت له مصر جراء ما عرف بكارثة البراري‬
‫شمال الدلتا‪ ،‬فقد كان ما يعرف بالبراري اآلن وبحيرات الساحل الشمالي مناطق زراعية‬
‫خصبة وأقسام إدارية ضمن البناء اإلداري ووحداته‪ ،‬وبتر البراري أفقد المعمور المصري‬
‫أكثر من ‪ 1.5‬مليون فدان على طول الساحل الشمالي‪ ،‬أي نحو ‪ %40‬من مساحة الدلتا‪ ،‬من‬
‫أخصب األراضي السوداء الثقيلة‪ ،‬وبالتالي غيرت األوزان النسبية لقطاعات الدلتا الثالث‬
‫مساحة‪ ،‬وبالتالي إمكانيات وإ نتاجاً وسكاناً ففي غرب الدلتا لم يكد المعمور المتبقى يبلغ ربع‬
‫المساحة العامة‪ ،‬مقابل النصف تقريباً في شرقها‪ ،‬والثلثين في وسطها‪ ،‬ومن نحو ‪ 6.5‬مليون‬
‫فدان صالحة للزراعة على األقل‪ ،‬فقدت مصر ‪ 1.5‬مليون فدان‪ ،‬وانكمشت مصر الدولة‬
‫وتضاءلت حقيقيا ونسبياً بالبراري‪ ،‬وأصبحت بعد البراري دولة أصغر منها قبل البراري(‪.)4‬‬
‫ومع محمد علي كان استعادة األراضي الزراعية وإ عادة إحياء األرض الموات‬
‫معناه ظهور مصر في ثوب إداري جديد يتناسب وما يطمح إليه الوالي النابه‪ ،‬وكان تأريع‬
‫محمد علي في عام ‪ 1813‬هو بداية لوضع األمور في نصابها السليم‪ ،‬وهناك دالة تاريخية‬
‫وهو أن عصور مصر العظيمة اقتصاديا‪ ،‬سكانيا‪ ،‬وإ دارياً كانت ترتبط بعمليات إعادة مسح‬

‫‪ )?(1‬محمد محمد يوسف زهرة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.162‬‬


‫‪ )?(2‬على فهمي مصطفى الجندي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪ )?(3‬إسكندر عبد المسيح‪ ،‬الجغرافية االقتصادية واالجتماعية لتفتيش وادي كوم أمبو‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعة فؤاد األول‪ ،1939 ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ )?(4‬أنظر جمال حمدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص‪.918-913‬‬

‫‪257‬‬
‫لألراضي الزراعية وتقدير مساحاتها‪ ،‬وهو ما قام به محمد علي ليس مرة واحدة ولكن أكثر‬
‫من مرة‪ ،‬ولم تعد األقسام اإلدارية في عهد محمد علي‪ ،‬كما كان الوضع في عهد الحملة‬
‫الفرنسية‪ ،‬عبارة عن مناطق مأهولة وأخرى غير مأهولة محملة ومضافة عليها‪ ،‬فكان زيادة‬
‫مساحة الرقعة الزراعية في عهده أن انتقلت عاصمة الشرقية من بلبيس إلى الزقازيق التي‬
‫(‪)1‬‬
‫تتوسط مناطق زراعة القطن ‪ ،‬وعلى سبيل المثال ال الحصر كانت ترعة المحمودية سبباً‬
‫في عمران البالد التي مرت بها في إقليم البحيرة واإلسكندرية‪ ،‬حتى أن الجبرتي يذكر أن‬
‫األراضي الواسعة التي تمر بها ترعة المحمودية كانت من منبعها إلى مصبها صحراء قاحلة‬
‫(‪)2‬‬
‫ال ينبت فيها زرع ‪.‬‬
‫ومع حفر الترع والقنوات بدأت الرقعة الزراعية تستعيد عافيتها مرة أخرى وهو ما‬
‫انعكس على البناء اإلداري للدلتا خاصة مع بداية تحويل الري الحوضي إلى ري دائم‪،‬‬
‫وينعكس على التوسع في تقسيم الوحدات اإلدارية‪ ،‬وكان اكتساب مساحات زراعية جديدة‬
‫من الصحراء على طول امتداد قناة السويس دوراً هاماً في ميالد مدن جديدة وأقسام إدارية‬
‫جديدة جذبت السكان خاصة مع وصول المياه الحلوة إليها‪ ،‬كذلك كان لمشاريع الري في عهد‬
‫إسماعيل في الصعيد وإ حياءه ألراضي وسط الصعيد على طول بحيرة اإلبراهيمية وبحر‬
‫يوسف دورها في إعادة التقسيم اإلداري وظهور مراكز عمرانية وإ دارية جديدة‪ ،‬فكانت‬
‫التربة بذلك قاسم مشترك مع مصادر المياه في ظهور وحدات إدارية جديدة‪ ،‬ولم يأت نصف‬
‫القرن العشرين حتى كان هناك مديرية جديدة وهي مديرية كفر الشيخ تستعيد بعض ما‬
‫اقتطعته البراري في زمن سابق‪ ،‬وتبعث الحياة في مساحة كبيرة شمال الدلتا‪.‬‬
‫ومع عصر الثورة كان الستصالح األراضي الزراعية دوره في نشأة مراكز‬
‫إدارية جديدة خاصة في مناطق الهوامش وفي أطراف الدلتا‪ ،‬فقد قدرت المساحة المستصلحة‬
‫في شرقي الدلتا في بداية الخمسينات بحوالي ‪ 59740‬فدان‪ ،‬في مناطق وادي الطميالت‪،‬‬
‫ومنطقة توسع بلبيس وأنشاص جنوب ترعة اإلسماعيلية‪ ،‬وسهل الحسينية‪ ،‬وسهل جنوب‬
‫بورسعيد‪ ،‬منطقة صان الحجر‪ ،‬أما في غرب الدلتا فقدرت المساحة المستصلحة بحوالي‬
‫‪ 55000‬فدان في منطقة األمالك والتحرير(‪ ،)3‬فمراكز ميت سلسيل‪ ،‬الجمالية‪ ،‬والمطرية في‬
‫محافظة الدقهلية‪ ،‬والصالحية الجديدة في الشرقية نتاج لعمليات االستصالح الزراعي‪،‬‬

‫‪ )?(1‬ماهر عبد الحميد الليثي‪ ،‬استغالل األرض في مركز بلبيس‪ ،‬دراسة كارتوجرافية‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬جامعةـ القاهرة‪ ،1966 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ )?(2‬عبد الرحمن الرافعي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬ص ‪.493‬‬

‫‪258‬‬
‫وظهور مركز حوض عيسى ومركز بدر‪ ،‬وضم وادي النظرون لمحافظة البحيرة نتاج‬
‫كذلك لعمليات االستصالح الزراعي‪ ،‬فبعد نضوب النطرون من الوادي روعي ضرورة‬
‫التحول للزراعة وبدأ ذلك عام ‪ 1952‬بمساحة بلغت ‪ 4000‬فدان‪ ،‬باإلضافة لزراعة بعلية‬
‫مساحتها ‪ 2400‬فدان(‪ ،)1‬بل أن مياه النيل قد عبرت قناة السويس قبيل حرب ‪1967‬‬
‫الستزراع ساحل سيناء الشمالي‪.‬‬
‫بل إن تحويل محافظة ذات طابع حضري إلى محافظة ذات طابع ريفي‪ ،‬كان أحد‬
‫أسبابه وجود التربة الصالحة للزراعة‪ ،‬والمساحات القابلة لالستصالح بها‪ ،‬وذلك ما حدث‬
‫(‪)2‬‬
‫مع محافظة اإلسماعيلية عام ‪1964‬م ‪.‬‬
‫وال شك أن المشاريع الزراعية الجديدة اآلن في توشكى والعوينات والساحل‬
‫الشمالي وترعة السالم‪ ،‬حيث تهدف خطط الدولة إلى استزراع حوالي نصف مليون فدان‬
‫في توشكى وجنوب واحة باريس‪ ،‬وزارعة ‪ 650‬ألف فدان شمال سيناء بطول ترعة‬
‫السالم‪ ،‬واستزراع حوالي ‪ 200‬ألف فدان في شرق العوينات(‪ ،)3‬مشاريع سوف تستلزم‬
‫وضع هيكل إداري جديد لهذه المناطق‪ ،‬كي يسهل ويساعد على عملية النمو لتلك المناطق‬
‫الجديدة ويدفع بالسكان لتعميرها واالستقرار فيها‪ ،‬ولعل هذا األراضي الزراعية تعيد‬
‫لألذهان ما قام به البطالمة والرومان في منخفض الفيوم‪ ،‬وما تم في منطقة البراري‬
‫وهوامش الدلتا في القرن الماضي‪ ،‬وقد ظهرت بوادر هذا التغيير اإلداري حين أعلن في‬
‫أعقاب التعديالت اإلدارية في أبريل ‪ 2008‬بأن هناك نية في تحويل منطقة مشروع توشكى‬
‫إلى محافظة جديدة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مصادر المياه‪:‬‬

‫‪ )?(3‬آمال إسماعيل حسن شاور‪ ،‬مورفولوجية هوامش دلتا النيل الصحراوية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعةـ القاهرة‪ ،1971 ،‬ص ص ‪.138-135‬‬
‫‪ )?(1‬محمود محمد علي سيف‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.269‬‬
‫‪ )?(2‬محمد عبد العزيز محمد‪ ،‬استخدام األرض في مركز اإلسماعيلية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعةـ القاهرة‪ ،1985 ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ )?(3‬هايدي عصام يوسف‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.78-75‬‬

‫‪259‬‬
‫تعد من أهم عوامل توقيع المراكز العمرانية‪ ،‬فإنه في المناطق الصحراوية أو شبه‬
‫الصحراوية يكون مصدر ومورد المياه عامالً حاسماً في توقيع مراكز العمران وفي نموها‬
‫وتطورها(‪.)1‬‬
‫ولما كانت الحقيقة الكبرى في كيان مصر هي أنها بيئة فيضية ال تعتمد على المطر‬
‫الطبيعي في حياتها وإ نما على ماء النهر(‪ ،)2‬فإن نهر النيل بفروعه وقنواته‪ ،‬كان المحدد‬
‫األساسي لألقسام اإلدارية لمصر طوال تاريخها البشري والعمراني‪.‬‬
‫فالبناء اإلداري لمصر كان ينهض على أساس توزيع المياه واألحواض الزراعية‪،‬‬
‫أي أن أقسام مصر اإلدارية كانت في حقيقتها أقسام هيدرولوجية‪ ،‬وكانت سلسلة الجسور‬
‫الفاصلة بين كل حوض وآخر هي الحد الفاصل بين كثير من الوحدات اإلدارية خاصة في‬
‫الصعيد‪ .‬بل إنه منذ وقت مبكر انقسمت الدلتا إداريا إلى األقاليم "الشرقية‪ ،‬الوسطى‪ ،‬الغربية‪،‬‬
‫متسقة مع أقسامها الطبيعية المتميزة بسبب فرعي النيل رشيد ودمياط(‪.)3‬‬
‫وكان عمران مصر ورخائها وزيادة أقسامها اإلدارية يرتبط بشكل وثيق بمدى‬
‫االهتمام بإقامة الجسور وشق الترع والقنوات‪ ،‬كما كان التنظيم والضبط المائي لنهر النيل‬
‫هو المحدد لعدد الوحدات اإلدارية وأقسامها‪ .‬والمعادلة التالية توضح تلك العالقة الموجبة‬
‫بين المياه وبين االستقرار العمراني واإلداري(‪.)4‬‬

‫مركز عمراني مستقر‬ ‫=‬ ‫موردـ مائي ‪ +‬تربة = زراعة‬


‫وقد كانت األقسام اإلدارية في الصعيد تمتاز بالثبات إلى حد ما طوال تاريخ أقسام‬
‫مصر اإلدارية ويرجع ذلك إلى طبيعة الوادي ما بين ممفيس وألفنتين(‪ ،)5‬في حين أن الدلتا‬
‫كانت تمتاز بالديناميكية نتيجة لتغير مجاري فروع النيل(‪ ،)6‬األمر الذي انعكس على عدد‬
‫األقسام اإلدارية بالدلتا‪ ،‬حيث تشكك بعض الدراسات في أن عدد أقسام الدلتا في عهد‬

‫‪ )?(1‬محمد محمد يوسف زهرة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪. 153‬‬


‫‪ )?(2‬جمال حمدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص‪.538 -537‬‬
‫‪ )?(3‬عمر الفاروق سيد رجب‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪ )?(4‬محمد محمد يوسف زهرة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫‪ )?(5‬محمد محفوظ محمود قاسم‪،‬ـ مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ )?(6‬رمضان عبده علي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.132‬‬

‫‪260‬‬
‫المصريين القدماء قد وصل إلى عشرون قسم إداري (سبات)‪ ،‬وأنها كانت تتراوح بين أربعة‬
‫عشر وسبعة عشر إقليم‪ ،‬وأن القول بأنها عشرون سبت هو مدلول ومظهر ديني فقط(‪.)1‬‬
‫ونهر النيل وفروعه ومجاريه لم يحدد عدد األقسام اإلدارية فقط‪ ،‬سواء في الدلتا أو‬
‫الوادي‪ ،‬بل إنه شكل أهمية تلك الوحدات اإلدارية‪ ،‬ورفع البعض ووضع البعض اآلخر‪،‬‬
‫فبيلوز كانت أحد المقاطعات الرئيسية (سبات) في عهد المصريين القدماء‪ ،‬ومرد ذلك إلى‬
‫وقوعها على الفرع البيلوزي‪ ،‬ولكن اندثار هذا الفرع عجل بنهايتها‪ ،‬وكذلك مدينة منديس‬
‫التي كانت عاصمة لمصر في عهد األسرة التاسعة والعشرين كانت أهميتها كمدينة وقسم‬
‫إداري تستمده من وقوعها على الفرع المنديسي‪ ،‬وتراجعت بتراجع وإ نطماء الفرع‪،‬‬
‫وغيرهها من المدن واألقسام اإلدارية مثل بوطو‪ ،‬بوسط الدلتا‪ ،‬ونوقراطيس وهرموبوليس‬
‫بارفا في غرب الدلتا‪ ،‬وكانتا تقعان على الفرع الكانوبي(‪ .)2‬بل إن بقاء اإلسكندرية عاصمة‬
‫لمصر‪ ،‬طوال الفترة الممتدة من عصر البطالمة وحتى الفتح العربي‪ ،‬هو نتيجة ضمان تدفق‬
‫المياه إليها عبر الفرع الكانوبي‪.‬‬
‫لقد كانت األقسام اإلدارية انعكاس‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬لقيمة المجرى المائي الذي يمر‬
‫بذلك القسم أو بالقرب منه‪ ،‬ولما كانت المجاري المائية وأفرع النيل تعمل بمثابة طريق‪ ،‬فإنه‬
‫من الممكن أن ندخل في عالقة جدلية‪ ،‬أيهما األسبق المدينة والقسم اإلداري أم المجرى‬
‫المائي‪ ،‬فقد كان للمجاري المائية دورها في إنشاء وظهور العديد من المدن‪ ،‬ومن ثم األقسام‬
‫اإلدارية‪ ،‬فكانت المدن‪ ،‬واألقسام اإلدارية الواقعة على فرع دمياط أكبر حجما وأكثر عدداً‬
‫وأكثر أهمية‪ ،‬فهناك دمياط‪ ،‬والمنصورة‪ ،‬أشمون الرمان‪ ،‬وفارسكور‪ ،‬أما في غرب الدلتا‬
‫حيث فرع رشيد فلم يكن سوى رشيد على المصب‪ ،‬وتراجعت أهميتها‪ ،‬واحتلت فوه مكانتها‬
‫وأصبحت قاعدة لكورة فوة والمزاحمتين(‪.)3‬‬
‫واألمر لم يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬فهذه المدن تقع داخل الدلتا إلى حد كبير‪ ،‬بل إن‬
‫هناك الكثير من المدن التي كانت لها أهمية كبيرة‪ ،‬رغم كونها تقع على هامس الدلتا‪ ،‬ومن‬
‫هذه المدن بلبيس في شرق الدلتا‪ ،‬والصالحية في أقصى المعمور شمال شرق الدلتا‪ ،‬ومدينة‬
‫قطيا‪ ،‬والخانكة‪ ،‬ويرجع بقاء وازدهار تلك المدن كوحدات إدارية إلى استمرار وصول مياه‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.133-132‬‬


‫‪ )?(2‬أنظر محمد أحمد سعد منتصر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.215-212‬‬
‫‪ )?(3‬عبد العال عبد المنعم الشامي(‪ ،)1977‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.149‬‬

‫‪261‬‬
‫النيل إليها ممثال في الفرع البيلوزي وما تاله ممثالُ في خليج أمير المؤمنين‪ ،‬وبحر أبو‬
‫المنجا‪ ،‬وبحر سردوس‪ ،‬وبحر قليوب‪ ،‬وخليج شنشا(‪.)1‬‬
‫وقد لعبت األفرع والقنوات المائية دوراً واضحاً في تحديد األقسام اإلدارية‪ ،‬حيث‬
‫إنها كانت المظهر الطبيعي الواحد والمحدد‪ ،‬ومن ثم تحددت جزيرة بني نصر "عمل أبيار"‬
‫من خالل انحصاره بين خليج أبيار من مخرجه لحين عودته من جديد لفرع رشيد‪ ،‬وكذلك‬
‫جزيرة قوسينيا تشكلت هي األخرى من خالل انحصاره بين فرعي دمياط وذراعه خليج‬
‫مليج‪ ،‬الذي يعود إليه مرة أخرى‪ ،‬وكورة السمنودية‪ ،‬التي انحصرت بين فرع دمياط في‬
‫شرقيها وخليج المحلة في غربها‪ ،‬وكورة الدقهلية أحيطت بخليج تنيس في جنوبها والمجرى‬
‫األدنى من فرع دمياط في غربها وشمالها‪ ،‬وعمل المنوفية تشكل من جزيرة بني نصر‬
‫بحدودها الطبيعية الواضحة‪ ،‬والمنوفية المحددة بفرعي النيل‪ ،‬وعمل الغربية وهو أكبر‬
‫األعمال وتحدد بانحصاره بين فرعي رشيد ودمياط‪ ،‬وحده الجنوبي قام في أضيق مسافة من‬
‫األرض فاصلة بين خليج أبيار وخليج مليج(‪.)2‬‬
‫رمزا على دور المياه ومصدرها في عملية التقسيم اإلداري‪،‬‬
‫وإ ن كانت الدلتا تقع ً‬
‫كونها كانت األكثر ديناميكية بفروعها المتعددة‪ ،‬ما بين فروع رئيسية وثانوية‪ ،‬أو بحرية‬
‫وبحيرية‪ ،‬فإن الفيوم كان بمثابة دلتا مصغرة‪ ،‬وكان التحكم في المياه الداخلة إلى المنخفض‪،‬‬
‫العنصر األساسي في ظهوره كأحد أهم األقسام اإلدارية في مصر‪ ،‬فالبحيرة هي التي حددت‬
‫امتداد مراكز العمران‪ ،‬كما كان بحر يوسف يمثل حد أو جزء من األقسام اإلدارية بالفيوم(‪،)3‬‬
‫وكان ازدهار الفيوم يتوقف على مصادر المياه‪ ،‬ففي العهد البطلمي بلغ عدد القرى ‪89‬‬
‫قرية زادت إلى ‪ 141‬قرية في العهد الروماني و ‪ 198‬قرية في عهد البيزنطيين‪ ،‬وتراجعت‬
‫كثيراً في عهد الحملة الفرنسية إلى ‪ 69‬قرية(‪ .)4‬وقد كان هذا السبب والنتيجة حقيقة ماثلة‬
‫وواضحة للعيان‪ ،‬طوال مختلف العصور المصرية التاريخية‪ ،‬فالنابلسي في العصر العربي‪،‬‬
‫يلح على أنه باإلمكان أن يكون إقليم "الفيوم" أغنى بكثير إذا ما أصلح نظام الري والتطهير‬
‫والصيانة وشق الترع خاصة في التخوم الصحراوية والبحيرية المهجورة والمهملة (‪.)5‬‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.145-134‬‬


‫‪ )?(2‬أنظر المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.274-237‬‬
‫‪ )?(3‬فؤاد محمد الصقار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،1‬ص‪. 139‬‬
‫‪4‬‬
‫‪(?) Karl Butzer, Ibid, p. 8‬‬
‫‪ )?(5‬جمال حمدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.912‬‬

‫‪262‬‬
‫كما لعب بحر يوسف دوراً هاماً في تاريخ البناء اإلداري ألقسام مصر اإلدارية في‬
‫مصر الوسطى‪ ،‬فقد كان وقوع مدينة "حنن نيسوت" ‪،‬إهناسيا‪ ،‬في الغرب بعيداً عن مجرى‬
‫النيل الرئيسي‪ ،‬أن أضحى الفرع اليوسفي عوضاً لها‪ ،‬فبفضله تمكنت من االتصال بمدن‬
‫الدلتا شماالً ومدن الوادي جنوباً‪ ،‬ولكن تحويل مجرى الفرع إلى الفيوم‪ ،‬جعل إهناسيا التي‬
‫أضحت عاصمة للبالد إبان حكم األسرتين التاسعة والعاشرة ‪ 2100-2240‬ق‪.‬م أن تتخذ‬
‫من بني سويف مرفأ وميناء لها على النيل(‪ ،)1‬ومن ثم فالفرع اليوسفي شكل مدينة بني‬
‫سويف منذ القدم بشكل غير مباشر‪ ،‬ومكن إلهناسيا أن تصبح عاصمة ومركز للبالد‪ .‬بل إن‬
‫بعض الدراسات تشير إلى أن بحر يوسف‪ ،‬كان مجراه يبدأ من شمال ثنية قنا‪ ،‬فكان يزود‬
‫مدينة أبيدوس أو العرابة المدفونة بالمياه(‪ ،)2‬بمعنى آخر أن بحر يوسف كان يدفع باألقسام‬
‫اإلدارية لمصر الوسطى في اتجاه الغرب أكثر مما هي عليه اآلن‪ ،‬وقد كانت أهمية‬
‫البهنساوية‪ ،‬طوال تاريخها اإلداري‪ ،‬يرجع في جزء كبير منه إلى بحر يوسف الذي وفر لها‬
‫المياه خاصة ألقسامها الواقعة قرب الهامش الصحراوي‪ ،‬إلى جانب دوره كوسيلة للتنقل‪.‬‬
‫وكانت بداية مصر الحديثة ونهضتها الحقيقية مع عصر محمد علي‪ ،‬بل إن البناء‬
‫اإلداري والهيكلي لوحدات مصر اإلدارية هي ميراث عن هذا الوالي األريب‪ ،‬وكان لتنظيم‬
‫مياه الري وحفر الترع والقنوات أكبر األثر في صياغة ورسم الخريطة اإلدارية الجديدة‬
‫لمصر‪.‬‬
‫ولما كان الوجه البحري هو نقطة البداية واالنطالق في تحوله إلى نظام الري الدائم‬
‫ببناء القناطر وحفر الترع والرياحات الكبرى فإنه كان األكثر أقساماً إدارية‪ ،‬ويسرت هذه‬
‫القنوات والمجاري عملية التقسيم من خالل اتخاذها حدوداً فاصلة بين األقسام وبعضها‬
‫البعض‪ ،‬بل إن اإلسكندرية ذاتها قد عادت إليها الحياة مع حفر ترعة المحمودية وأضحت‬
‫واحدة من أهم وحدات مصر اإلدارية‪.‬‬
‫والمالحظ كذلك أن مساحة األقسام اإلدارية الكبرى قد زادت في عهد محمد علي‬
‫نتيجة لحفره قنوات الري حتى حدود الصحراء وهو ما ظهر في مديرية الشرقية التي ضمت‬
‫وادي الطميالت‪ ،‬وكذلك مديرية البحيرة حيث سقت أطرافها من ترعة المحمودية وكذلك‬

‫‪ )?(1‬مرزوق حبيب ميخائيل‪ ،‬مدينة بني سويف‪ ،‬دراسة في جغرافية المدن‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعةـ القاهرة‪ ،1977 ،‬ص ص ‪.17-16‬‬
‫‪ )?(2‬محمد محفوظ محمود قاسم‪،‬ـ مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.76-75‬‬

‫‪263‬‬
‫مديرية الغربية خاصة في نطاق البراري الذي أضحى مديرية الفؤادية فيما بعد ثم عرفت‬
‫باسم كفر الشيخ‪.‬‬
‫كما كان لقناة السويس كمجرى مائي أكبر األثر في إعادة إحياء مراكز عمرانية‬
‫قديمة‪ ،‬في مسميات حديثة بظهور مدينتي اإلسماعيلية‪ ،‬وبورسعيد‪ ،‬وإ عادة إحياء مدينة‬
‫السويس‪ ،‬وتطور الوضع اإلداري مع وصول المياه العذبة عن طريق ترعة اإلسماعيلية‪،‬‬
‫وأصبحت مدن القناة من أهم المحافظات واألقسام اإلدارية في مصر‪ ،‬ورأس حربة لتعمير‬
‫سيناء‪.‬‬
‫وكان لبناء خزان أسوان وتعليته شأن آخر حيث أدى إلى بتر الجزء الجنوبي من‬
‫مديرية أسوان ونقل سكانها إلى الشمال وهجرتهم لها في محافظات مصر‪ ،‬وضاعت النوبة‬
‫بالكامل سواء في مصر أو السودان مع بناء السد العالي وامتالء بحيرته‪ ،‬وإ ن كان إنشاء‬
‫واستصالح أراضي مركز النوبة قد أضاف وحدة إدارية جديدة لمحافظة أسوان‪ ،‬ثم كان‬
‫لتحويل براري الدلتا واستصالحها أكبر األثر في ظهور وحدات وأقسام إدارية جديدة في‬
‫محافظة كفر الشيخ‪ ،‬واستصالح وزراعة أراضي وادي النطرون أدخله في حيز محافظة‬
‫البحيرة‪ ،‬كذلك عادت محافظة الجيزة على الضفة الشرقية مرة أخرى بشكل يعيد ذكرى‬
‫مديرية األطفيحية حتى أن البعض يفكر في محافظة جديدة على الجانب الشرقي لمحافظة‬
‫الجيزة وجنوب محافظة القاهرة‪ ،‬وانتهى األمر إلى تشكيل محافظة حلوان‪.‬‬
‫وإ لى جانب نهر النيل وفروعه وقنواته التي أعطت السمات الرئيسية لوحدات‬
‫مصر اإلدارية في الوادي والدلتا فإن مصادر المياه األخرى مثل األمطار والمياه الجوفية قد‬
‫ساعدت على ظهور بعض الوحدات اإلدارية الصغرى والبعيدة عن الوادي والمستقلة عن‬
‫بناءه اإلداري‪ ،‬فنظراً لتوافر المياه الجوفية‪ ،‬بوادي العريش‪ ،‬التي تقع المدينة عند رأسه‪،‬‬
‫باإلضافة إلى مياه السيول‪ ،‬التي تجري به عند سقوط األمطار(‪ ،)1‬كانت العريش دائماً على‬
‫مدى التاريخ اإلداري من أهم الوحدات اإلدارية خارج الوادي‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لمرسي‬
‫مطروح‪ ،‬فتعدد مصادر المياه ما بين األمطار‪ ،‬ومياه اآلبار الرومانية إلى مياه العيون‪ ،‬ومياه‬
‫السراديب والخزانات الرومانية‪ ، galleries‬ومياه اآلبار العادية باإلضافة إلى مياه خط‬
‫األنابيب‪ ،‬من أهم استمرارها(‪ ،)2‬كما كان أحد أهم أسباب اتخاذها قاعدة لمحافظة الصحراء‬
‫الغربية‪ ،‬أحد المحافظات العسكرية في فترة الحرب العالمية الثانية‪ .‬كما كان توفر المياه‬

‫‪ )?(1‬علي فهمي مصطفى الجندي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫‪ )?(2‬محمد محمد يوسف زهرة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.156‬‬

‫‪264‬‬
‫الجوفية بالواحات أهم أسباب استمرار الحياة بها‪ ،‬وعلو شأنها في بعض الفترات التاريخية‪،‬‬
‫وقد وردت عند بليني ألول مرة ضمن نومات مصر‪ ،‬حيث الواحتين األولى والثانية ضمن‬
‫إقليم مصر الوسطى(‪.)1‬‬
‫وسوف يكون انتقال مياه النيل إلى الوادي الجديد عبر ترعة توشكى‪ ،‬وإ لى سيناء‬
‫عبر ترعة السالم‪ ،‬وتوافر المياه الجوفية في شرق العوينات‪ُ ،‬يمكن لبداية تشكيل إداري جديد‬
‫في هذه المناطق البكر‪.‬‬
‫كما أن استزراع شواطئ بحيرة ناصر‪ ،‬سوف يساهم في إعادة البناء اإلداري‬
‫لمحافظة أسوان وجنوب لمصر لما كان عليه الوضع في القرن التاسع عشر‪ ،‬وسوف تكون‬
‫هذه المراكز بمثابة نبض إداري هامشي‪ ،‬يحقق بعض ما تصبو إليه مصر‪ ،‬بتوزيع سكاني‪،‬‬
‫وزيادة مساحة الرقعة المعمورة‪ ،‬ومن الممكن أن تلعب هذه المراكز‪ ،‬همزة الوصل بين‬
‫السودان من جهة‪ ،‬ومناطق االستصالح الزراعي في توشكى والعوينات وساحل البحر‬
‫األحمر من جهة أخرى‪.‬‬
‫مما سبق يتضح أن موارد المياه من أهم عوامل التقسيم اإلداري بل والسياسي‪ ،‬وقد‬
‫يكون استخدام مياه نهر النيل االستخدام المثالي‪ ،‬وشق القنوت على هوامش الوادي والدلتا‬
‫دوراً كبيراً في إعادة التنظيم اإلداري وظهور وحدات إدارية جديدة تجذب السكان إليها مع‬
‫توافر المياه واألراضي المستصلحة‪ ،‬وقد يكون لمشاريع توشكى‪ ،‬والعوينات‪ ،‬وترعة‬
‫السالم‪ ،‬دوراً في ظهور بناء إداري جديد يستلزم خريطة إدارية تتالءم مع هذه التطورات‬
‫العمرانية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫مما سبق يتضح أن نسيج العوامل الطبيعية الممثلة في المالمح الطبوغرافية‬
‫للسطح‪ ،‬ومصادر المياه‪ ،‬والتربة كان لهم أكبر األثر في هيكل وبناء الخريطة اإلدارية‬
‫لمصر بوجه عام وخريطة الوجه البحري اإلدارية بوجه خاص‪ ،‬على مدى عصور مصر‬
‫التاريخية‪ ،‬وقد يكون لها نفس األمر بقوة في قادم األيام‪.‬‬
‫وإ ن كان من األهمية بمكان أن يكون هناك إرادة للتخلص من هذا الجمود واألسر‬
‫الطبيعي لخريطة مصر اإلدارية وكما استطاع المصريون أن يضيفوا لمصر مساحات‬
‫جديدة لكل من الوادي والدلتا عن طريق التحكم في الفيضانات‪ ،‬ورفع المياه لمستوى‬
‫األراضي العالية‪ ،‬ومد العديد من قنوات الري‪ ،‬وشق قنوات الصرف فاألمر يستلزم بجد في‬
‫الوقت الحالي العديد من الجهود إلضافة المزيد من األراضي المستصلحة لمصر الوادي‬
‫‪( ) John Ball، Op .Cit. p 77.‬‬
‫? ‪1‬‬

‫‪265‬‬
‫والدلتا وقد يكون مشروع الظهير القروي والوادي الموازي كأفكار الدكتور فاروق الباز‪،‬‬
‫باإلضافة إلى مشاريع توشكى والعوينات وترعة السالم بداية حقيقية وأكيدة لهذا المطلب‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العوامل البشرية‬
‫تتعدد عوامل وعناصر الجغرافية البشرية التي تنعكس آثارها على الهيكل والبناء‬
‫اإلداري لوحدات مصر وأقسامها اإلدارية؛ فالعامل البشري أكثر فاعلية وديناميكية من‬
‫العامل الطبيعي االستاتيكي إلى حد بعيد‪ ،‬األمر الذي يعني تعدد وسرعة التغيرات اإلدارية‪.‬‬
‫ودراسة العوامل البشرية وأثرها على الحدود واألقسام اإلدارية يتم من خالل تناول‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫‪ -2‬النقل والمواصالت‬ ‫‪ -1‬السكان والعمران‬
‫‪ -4‬العامل االقتصادي‪.‬‬ ‫‪ -3‬العامل السياسي واألمني‬
‫أوالً‪ :‬السكان والعمران‪:‬‬
‫ما كانت الوحدات اإلدارية إال لضبط التواجد البشري والعمراني وتنظيمه‪ ،‬والبناء‬
‫اإلداري وأقسام مصر اإلدارية على طول تاريخها متأثرة بالعامل السكاني والعمراني وهناك‬
‫عالقة طردية بين السكان والوحدات اإلدارية‪ ،‬فحيث زاد السكان حجما وكثافة زاد عدد‬
‫الوحدات اإلدارية‪ ،‬وحيث تراجع عدد السكان وقل التزاحم تم دمج الوحدات اإلدارية مع‬
‫بعضها البعض‪ .‬وهذا ظاهر على طول تاريخ مصر منذ المصريين القدماء وحتى اآلن‪،‬‬
‫فتاريخ الوحدات واألقسام اإلدارية إلى حد كبير هو تاريخ سكاني وعمراني(‪.)1‬‬
‫فقد كان عدد األقسام اإلدارية في عهد المصريين القدماء ‪ 42‬سبات تراجع إلى ‪36‬‬
‫في عهد البطالمة نتيجة لتراجع سكان مصر‪ ،‬وتدهورها العمراني‪ ،‬األمر الذي نجم عنه دمج‬
‫الوحدات اإلدارية مع بعضها البعض‪ ،‬ولعل الحديث عن تراجع واضمحالل منف وطيبة‬
‫دليل على هذا التراجع السكاني(‪ ،)2‬وتشير الدراسات إلى أن عدد سكان مصر وصل إلى‬
‫قمته في عهد الرعامسة‪ ،‬حيث تراوح ما بين ‪ 12-10‬مليون نسمة‪ ،‬تراجع إلى سبعة ماليين‬
‫في عهد البطالمة(‪.)3‬‬
‫ومع استقرار البالد في بداية العصر الروماني‪ ،‬بدأ السكان في الزيادة مرة أخرى‬
‫وظهر ذلك في ظهور أقسام إدارية جديدة كي تواكب هذه الزيادة السكانية حيث بلغ عدد‬

‫‪ )?(1‬انظر محمد أحمد سعد منتصر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،240‬و عالء الدين عبد الخالق‪ ،‬فتحي محمد‬
‫مصيلحي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.196-168‬‬
‫‪ )?(2‬عبد الفتاح وهيبة‪ ،‬أيحاث ندوة األقسام اإلدارية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪12‬‬
‫‪ )?(3‬رمضان عبده علي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.150‬‬

‫‪267‬‬
‫الوحدات اإلدارية في عهد الرومان إلى ‪ 47‬نوم‪ ،‬تشير التقديرات السكانية بأن عدد سكان‬
‫مصر‪ ،‬عدا اإلسكندرية‪ ،‬قدر بسبعة ماليين ونصف مليون نسمة في عهد الرومان(‪.)1‬‬
‫وقد انعكست أحداث الصراع الديني على الوضع السكاني لمصر حيث هجر كثير‬
‫من الفالحين لألرض هرباً من ظلم جباة الضرائب والتنكيل بأصحاب األرض وإ قبال كثير‬
‫من القبط على حياة الرهبنة والعزلة واتقاء شر الحاكم(‪ .)2‬وقد ظهر أثر ذلك على البناء‬
‫اإلداري حيث قسمت البالد إلى وحدات إدارية كبرى بغرض إحكام قبضة الحاكم المستعمر‬
‫وفرض وحدات إدارية (دوقيات) اصغر كي تالئم اإلطار والوضع الكنسي(‪ ،)3‬ومن ثم‬
‫فالبناء اإلداري كان بناء كنسياً الغرض منه فرض ديانة البيزنطيين على المصريين في‬
‫المقام األول‪ ،‬ثم يأتي ضبط أمور اإلدارة والحياة في المقام الثاني‪.‬‬
‫ولعل عصر المستنصر باهلل الفاطمي‪ ،‬دليل آخر على العالقة بين الوزن السكاني‪،‬‬
‫والعمراني للبالد وأقسامها اإلدارية‪ ،‬حيث تم في عهده دمج األقسام اإلدارية لمصر‪ ،‬نتيجة‬
‫لتراجع سكانها‪ ،‬حتى أصبح تقسيمه هذا هو القاعدة التي بنيت عليها أقسام مصر اإلدارية‬
‫التالية‪ ،‬حيث ظهرت الكور الكبرى من دمج الكور الصغرى‪ ،‬وكان مما أوجب هذا التغيير‬
‫ضرورة إيجاد وحدة إدارية أكبر حجماً لتشديد قبضة الحكم وتركيز السلطة‪ ،‬بسبب ما وقع‬
‫في البالد في ذلك العهد من شدة عظمى نجمت عن انخفاض النيل سبع سنوات عجاف‬
‫متتالية في الفترة ما بين (‪465-458‬هـ‪1071-1065/‬م) فأهملت الزراعة وانتشرت‬
‫المجاعات وتفشت األوبئة التي قضت على ثلث عدد السكان(‪.)4‬‬
‫ولتفادي حالة التدهور العمراني والسكاني التي طالت مصر في عهد الدولة‬
‫العثمانية والحملة الفرنسية أن أصبح الدمج اإلداري مطلب هام تفرضه األوضاع السكانية‬
‫والعمرانية ومنذ ذلك الوقت تقريبا أصبح زيادة مساحة الوحدات اإلدارية الكبرى قانون سائد‬
‫ظهر على حياء في عهد الدولة الفاطمية وتأكد في عهد الدولة العثمانية والحملة الفرنسية(‪.)5‬‬
‫وكان لتراجع خط العمران إلى جنوب خط كنتور ‪ 5+‬أن أدى إلى إتباع سياسة إدارية ـ ظلت‬
‫تتبع ربما حتى اآلن ـ قوامها الضم والحذف اإلداري‪ ،‬وتحميل مساحات شبه خالية من‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.151-150‬‬


‫‪ )?(2‬عبد الفتاح وهيبه‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ )?(3‬عبد العال عبد المنعم الشامي (‪ ،)1977‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ )?(4‬أمين محمود عبد اهلل‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ )?(5‬عالء عبد الخالق‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.182‬‬

‫‪268‬‬
‫العمران على وحدات إدارية أخرى‪ ،‬دون اعتبار لقدرة هذه الوحدات وإلمكانيات عواصمها‬
‫أو ارتباطاتها التاريخية(‪.)1‬‬
‫حتى جاء محمد علي وعدل وقسم وبدل وغير حتى استقر به المطاف في آخر‬
‫عهده مع النمو السكاني واالستقرار االقتصادي واالجتماعي فأصبح هيكل مصر اإلداري‬
‫في عهد محمد علي هو أساس ما نحن عليه حتى اآلن إلى حد كبير‪ ،‬فكان للحجم السكاني‬
‫الذي قدر في عام ‪ 1848‬بحوالي ‪ 4.542.620‬نسمة(‪ ،)2‬مقارنة بتقدير جومار في عهد‬
‫الحملة الفرنسية ب‪ 2.5‬مليون نسمة‪ ،‬أن انعكس على عدد المديريات ـ في إطار األقاليم ـ‬
‫التي بلغ عددها نهاية عهد محمد علي خمسة عشر مديرية‪.‬‬
‫ويرجع الفضل لمحمد علي في إعادة إحياء مدينة اإلسكندرية‪ ،‬فبعد أن كانت مجرد‬
‫قرية ال يزيد عدد سكانها عن ‪ 4000‬نسمة في بداية عهده‪ ،‬أصبح سكانها يقدرون بحوالي‬
‫‪ 60.000‬نسمة في عام ‪ ،1840‬وأصبحت الميناء األول وثاني المدن أهمية بعد القاهرة(‪،)3‬‬
‫وقام محمد علي بإلغاء مديرية األطفيحية‪ ،‬لتراجع عدد سكانها‪ ،‬وضمت إلى مديرية الجيزة‪،‬‬
‫لتصبح األطفيحية تابعة لمديرية الجيزة بعد أن كان العكس طوال التاريخ اإلداري الماضي‪،‬‬
‫كما ضمت رشيد إلى البحيرة‪ ،‬لتراجع سكانها أيضاً‪.‬‬
‫كما كان تحفيز محمد للعربان الذين بلغ عددهم ‪ 100‬ألف‪ ،‬طبقا لتقدير الحملة‬
‫الفرنسية‪ ،‬أكبر األثر في استقرار هؤالء‪ ،‬فمثلوا إضافة كبيرة خاصة في هوامش الدلتا‪ ،‬بمحا‬
‫حصلوا عليه من أراضي‪ ،‬كما ضمن الحفاظ على البالد واألراضي من تعرضها للخراب‬
‫على أيديهم(‪.)4‬‬
‫وكان تعمير مدن قناة السويس‪ ،‬ونمو مدنها سكانياً‪ ،‬أن انعكس على مدنها‪ ،‬خاصة‬
‫بورسعيد واإلسماعيلية‪ ،‬األمر الذي حتم ظهور محافظة القنال في الهيكل اإلداري لمصر‪،‬‬
‫وكانت محافظة القنال أكبر إضافة سكانية وإ دارية لخريطة مصر العمرانية واإلدارية في‬
‫القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫وكان للتغيرات اإلدارية الصغرى من ظهور مراكز وأقسام إدارية جديدة أكثر‬
‫وضوحاً خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في عهدي توفيق وعباس حلمي‪،‬‬

‫‪ )?(1‬محمد صفي الدين وآخرون‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.422 -420‬‬
‫‪ )?(2‬عبد الفتاح وهيبه‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ )?(3‬حلمي أحمد شلبي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ )?(4‬عبد الرحمن الرافعي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.650-649‬‬

‫‪269‬‬
‫ويرجع ذلك إلى الزيادة السكانية التي شهدتها مصر حيث وصل عدد السكان طبقاً لتعداد‬
‫‪ ،1882‬حيث أول تعداد رسمي لمصر‪ ،‬حوالي ‪ 7‬مليون نسمة (‪ 6.8‬مليون نسمة) مقارنة‬
‫‪ 2.5‬مليون نسمة في بداية القرن وحوالي ‪ 4.5‬مليون نسمة في منتصف القرن تقريبا‪،‬‬
‫األمر الذي انعكس على األقسام اإلدارية الصغرى (مراكز ‪ /‬أقسام) حيث وصل عددها إلى‬
‫‪( 73‬قسم‪ /‬مركز)‪ ،‬تضم آالف القرى والعزب والنجوع‪.‬‬
‫وكان تعرض مديرية إسنا لنقص سكاني‪ ،‬نتيجة لبناء خزان أسوان في عام ‪،1902‬‬
‫وتعليته في عام ‪ ،1911‬وعام ‪ ،1933‬أن انعكس على بناء مديرية إسنا اإلداري‪ ،‬نتيجة لنقل‬
‫سكان النوبة‪ ،‬القاطنين جنوب السد إلى شماله‪ ،‬فألغيت أقسامها اإلدارية الجنوبية‪ ،‬فقد تراجع‬
‫السكان وقل عددهم بالتدريج من ‪ 57.600‬نسمة عام ‪ ،1907‬إلى ‪ 54.500‬نسمة عام‬
‫‪ ،1927‬ثم في عام ‪ 1947‬قدر عددهم ‪ 40.600‬نسمة(‪ ،)1‬وقد اكتمل تفريغ النوبة من‬
‫سكانها‪ ،‬مع بناء السد العالي فتم نقل قرابة ‪ 55.698‬نسمة‪ ،‬إلى موطنهم الجديد في مركز‬
‫نصر النوبة(‪ .)2‬ومع عودة بعض سكان النوبة إلى مقر وطنهم القديم‪ ،‬ومحاولة استصالح‬
‫واستزراع أراضي ضفاف البحيرة‪ ،‬أن ظهر مركز أبو سمبل‪ ،‬ليعيد خريطة محافظة أسوان‬
‫إلى سابق عهدها‪.‬‬
‫ومع منتصف القرن العشرين بدأت تظهر آثار النمو السكاني في شمال الدلتا حيث‬
‫ظهرت مديرية الفؤادية على حساب مديرية الغربية وذلك لكي تواكب الزيادة السكانية في‬
‫مراكز شمال الدلتا وتعطي دفعة كذلك لتعمير هذه الجهات وتوفير الخدمات الالزمة لها‪ .‬وقد‬
‫عرفت المديرية فيما بعد باسم "كفر الشيخ"‪ ،‬فقد بلغ سكان محافظة الغربية طبقاً لتعداد‬
‫‪ 1.715.212 1960‬نسمة‪ ،‬مقابل ‪ 973.019‬نسمة لمحافظة كفر الشيخ‪ ،‬أي أن مجموع‬
‫سكان المحافظتين يزيد عن ‪ 2.6‬مليون نسمة‪ ،‬فكان النمو السكاني لألقسام الشمالية لمديرية‬
‫الغربية‪ ،‬هي المحدد األساسي لظهور (مديرية الفؤادية) التي عرفت بمحافظة كفر الشيخ مع‬
‫تعداد ‪.1960‬‬
‫وال زالت األقسام اإلدارية حتى اآلن مرتبطة بالبناء السكاني‪ ،‬خاصة بظهور أقسام‬
‫ومراكز جديدة كي تالحق النمو والزيادة السكانية الكبيرة‪ .‬فقد عبرت محافظة القليوبية فرع‬
‫دمياط وذلك كي تضم بعض القرى المقابلة لمدينة بنها على الضفة الغربية لفرع دمياط‬
‫لتحقيق عامل الترابط الوظيفي والعمراني والسكاني للمدينة‪ ،‬وهو أمر طبيعي في ظل الربط‬

‫‪ )?(1‬جمال حمدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.965‬‬


‫‪ )?(2‬محمد خليل جبارة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.206‬‬

‫‪270‬‬
‫بين الضفتين عبر الجسور والكباري‪ ،‬كما خرجت المنوفية ألول مرة خارج اإلطار الدلتاوي‬
‫لتضم مدينة السادات ويصبح أحد مراكزها الجديدة في ظل التكدس والزحام العمراني‬
‫والسكاني للمحافظة‪ ،‬وكي يكون المركز والمدينة طاقة تجديد وإ نعاش الحياة لمحافظة‬
‫المنوفية وسكانها‪.‬‬
‫كما أن امتداد محافظة اإلسكندرية على طول ساحل البحر المتوسط وضم بعض‬
‫األقسام اإلدارية من محافظة مطروح مطلب عمراني وسكاني في ظل قدرة اإلسكندرية على‬
‫تنشيط هذه الوحدات وربطها وإ دخالها في سلك العمران بقوة ولعل قسم الرمل مثال ونموذج‬
‫واضح على دور العمران والنمو السكاني على التقسيم اإلداري‪.‬‬
‫وكان نمو مساحة بورسعيد‪ ،‬نتيجة مباشرة للضغط السكاني والنمو العمراني الذي‬
‫أصبح يهدد بانفجار للمدينة القديمة‪ ،‬واألمر نفسه يظهر في محافظة دمياط التي بدأت تنشط‬
‫في تفعيل وتنشيط المناطق الساحلية منها غرب فرع دمياط‪ ،‬كما أن إنشاء المدن الجديدة في‬
‫محافظات الصعيد تطلب توسعة الرقعة المساحية لتلك المحافظات على الضفة الشرقية‬
‫المقابلة لها لتمكين تلك المحافظات من إعادة اكتشاف نفسها في تلك األراضي البكر الجديدة‪،‬‬
‫ولعل تواجد العديد من المناطق الصناعية واألراضي الزراعية المستصلحة على الضفاف‬
‫الشرقية لمحافظات الصعيد دليل على أن النمو العمراني والسكاني يرسم خريطة إدارية‬
‫جديدة ليس للصعيد فقط ولكن لمصر كلها‪.‬‬
‫وقد كان نمو سكان مصر المتواصل على طول التعدادت خاصة في النصف الثاني‬
‫من القرن العشرين(‪ ،)1‬له أكبر األثر في ظهور العديد من المراكز الجديدة‪ ،‬وكان النمو‬
‫العمراني والسكاني هو العامل األكثر أهمية وخطورة‪ ،‬في ظهور العديد من المراكز‪ ،‬ففي‬
‫تعداد ‪ 1960‬حينما بلغ عدد سكان مصر ‪ 25.5‬مليون مقارنة بـ‪ 19‬مليون نسمة سكان‬
‫مصر في تعداد ‪.1947‬‬
‫فقد ظهر ثمانية عشر مركز جديد في تعداد ‪ 1960‬ليواكب هذا النمو السكاني‬
‫المتزايد‪ ،‬فقد ظهر بمحافظة الشرقية مركز أبو كبير على حساب مراكز ههيا‪ ،‬فاقوس‪ ،‬كفر‬
‫صقر‪ ،‬وظهر مركز حوش عيسى بالبحيرة وذلك لمتابعة التطور العمراني والسكاني في‬
‫أطرافها الغربية‪ ،‬أما الباجور فقد ظهر على حساب مركزي قويسنا ومنوف‪ ،‬وفي القليوبية‬
‫ظهر مركز الخانكة من باطن مركز شبين القناطر ليخدم األطراف الشرقية من المحافظة‬
‫وتخفيف العبء العمراني والسكاني الواقع على مركز شبين‪ ،‬فقد كان مركز شبين أكثر‬
‫‪ )?(1‬يمكن متابعة ذلك بالتفصيل في الفصل الثاني من الرسالة‪ ،‬ص ص ‪. 84-59‬‬

‫‪271‬‬
‫مراكز القليوبية قرى ونواحي في تعداد ‪ ،1947‬وظهر مركز مركز كفر سعد في دمياط‬
‫لخدمة التوسع العمراني غرب فرع دمياط‪ ،‬وفي سوهاج ظهرت مراكز أوالد طوق شرق‪،‬‬
‫وساقلته‪ ،‬وفي محافظة المنيا فقد نشأ مركزا العدوة ومطاي‪ ،‬وفي بني سويف ظهر مركزين‬
‫جديدين هما مركزا سمسطا وبوش‪ ،‬وفي الفيوم ظهر مركز طامية‪ ،‬حساب مركز سنورس‬
‫ليخدم قراه ونواحيه الشمالية خاصة وأن مركز سنورس كان أكبر مراكز المحافظة مساحة‬
‫وقرى‪ ،‬أما مركز أرمنت في قنا أنشأ ليخدم السكان والنواحي الواقعة على الضفة الغربية‬
‫لمحافظة قنا وذلك على حساب القرى والنواحي التابعة لمركز األقصر غربا وكذلك بعض‬
‫نواحي مركز إسنا الشمالية وذلك تيسيراً على سكان تلك الجهات من مشقة عبور النيل‬
‫لألقصر للحصول على خدماتهم‪ ،‬وفي أسوان نشأ مركز كوم أمبو‪ ،‬على حساب مركز‬
‫أسوان‪.‬‬
‫وفي تعداد ‪ 1986‬حينما بلغ سكان مصر حوالي ‪ 48‬مليون نسمة‪ ،‬ظهر ثالثة‬
‫عشر مركز جديد ليتماشى مع هذه الزيادة الكبيرة‪ ،‬حيث أن السكان قد زادوا نحو اثني عشر‬
‫مليون نسمة مقارنة بتعداد ‪ ،1976‬فقد أضيف إلى الوجه البحري سبعة مراكز‪ ،‬ففي‬
‫محافظة الشرقية ظهر ثالثة مراكز حيث نشأ مركز مشتول السوق على حساب مركز‬
‫بلبيس‪ ،‬ومركز اإلبراهيمية على حساب مراكز هههيا وأبو كبير والزقازيق‪ ،‬ومركز أوالد‬
‫صقر على حساب مركز كفر صقر‪ .‬وفي كفر الشيخ ظهر مركزي الحامول على حساب‬
‫بيال‪ ،‬ومركز الرياض على حساب مركز كفر الشيخ‪ .‬وفي دمياط ظهر مركز الزرقاء فصال‬
‫عن مركز فارسكور‪ .‬وفي الدقهلية ظهر مركز منية النصر على حساب مركز دكرنس‪.‬‬
‫وفي الوجه القبلي ظهر ستة مراكز جدد‪ ،‬فظهر بقنا ثالثة مراكز‪ ،‬فظهر مركز فرشوط‬
‫فصال عن مركزي نجع حمادي وأبوطشت‪ ،‬ومركز قفط نشأ على حساب مركز قنا‪ ،‬ومركز‬
‫الوقف نشأ على حساب مركز دشنا‪ ،‬وفي الجيزة ظهر مركزين هما مركز أطفيح فصال عن‬
‫مركز الصف‪ ،‬ومركز أوسيم فصال عن مركز إمبابة‪ ،‬أما في أسيوط فقد نشأ مركز الفتح‬
‫على حساب مركز أبنوب أكبر مراكز المحافظة مساحة وقرى وسكاناً‪.‬‬
‫وقد ظهر مع تعداد ‪ 1996‬سبعة مراكز جديدة‪ ،‬مع زيادة سكان مصر إلى‬
‫‪61‬مليون نسمة‪ ،‬ومع تعداد ‪ 2006‬حيث بلغ سكان مصر ‪ 76‬مليون نسمة‪ ،‬أصبحت مصر‬
‫تضم ‪ 163‬مركز‪ 164 ،‬قسم موزعة على محافظات مصر‪ ،‬كي توازن هذه الزيادة السكانية‬
‫الكبيرة‪ ،‬وتمكن من تخفيف الضغط واألعباء اإلدارية والخدمية عن المراكز واألقسام‬
‫القديمة‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫كذلك كان النمو السكاني للمتروبول القاهري‪ ،‬الدافع الرئيسي وراء وصول أقسامها‬
‫إلى أحد وأربعون قسم‪ ،‬قبل تعديالت أبريل ‪ ،2008‬كما كانت أحد المبررات التي ساقها‬
‫بعض الوزراء المختصين‪ ،‬ورددها الكثير من النواب‪ ،‬في محاولة للدفاع عن الظهور‬
‫الفجائي لمحافظتي حلوان والسادس من أكتوبر‪.‬‬
‫وسوف يكون لتعمير منطقة توشكى في المستقبل القريب أكبر األثر في ظهور‬
‫محافظة جديدة‪ ،‬على حساب محافظة الوادي الجديد‪ ،‬وهو أمر ضروري‪ ،‬يمكن لتعمير إقليم‬
‫جنوب مصر‪ ،‬ويساهم في تخفيف الكثافة السكانية عن محافظات مصر عامة‪ ،‬ومحافظات‬
‫الصعيد المجاورة بوجه خاص‪.‬‬
‫ثانياً‪ #:‬النقل والمواصالت‪#:‬‬
‫تعد وسائل النقل والمواصالت عامالً هاماً في هيكل أي بناء إداري ألي دولة بل‬
‫وفي صياغة وحدتها وبناءها السياسي‪ ،‬فكلما كان عامل الحركة سهالً أضحى ربط أجزاء‬
‫الدولة من األمور الميسرة‪.‬‬
‫بل إن ظهور كثير من الدول العمالقة المساحة مثل الواليات المتحدة‪ ،‬والبرازيل‪،‬‬
‫واإلتحاد السوفيتي (سابقاً)‪ ،‬وإ ستراليا نتيجة مباشر لتطور حركة النقل والمواصالت‪،‬‬
‫ووسائلها‪ ،‬التي ربطت أصقاع هذه الدول الشاسعة المساحة‪ ،‬حتى أن جمال حمدان‪ ،‬يؤكد‬
‫على أن ميالد دولة الواليات المتحدة األمريكية جاء مع القاطرة‪ ،‬ولوالها لكانت عبارة عن‬
‫مجموعة من الدول المنفرطة العقد(‪.)1‬‬
‫وتاريخ األقسام اإلدارية في مصر‪ ،‬مرتبط بوسائل النقل والمواصالت‪ ،‬وطبيعتها‬
‫خالل فترات التاريخ المختلفة‪ ،‬ففي عهد المصريين القدماء كانت مساحة الوحدة اإلدارية‪،‬‬
‫وامتدادها‪ ،‬مرتبط بطبيعة النقل المتاح في ذالك الوقت‪ ،‬فكانت المقاطعة يتحدد مداها على‬
‫ضوء إمكانية الوصول إلى سوق المدينة الرئيسية (العاصمة)‪ ،‬والعودة منها في مدى نهار‬
‫واحد(‪.)2‬‬
‫ولما كان النيل يغمر مصر أثناء الفيضان‪ ،‬فإن ضفاف الفروع الدلتاوية‪ ،‬وجسور‬
‫الحيضان العالية‪ ،‬كانت تتخذ مسارات للربط بين مناطق االستقرار بعضها البعض‪ ،‬بل إن‬
‫مواقع مراكز العمران القديمة‪ ،‬تأثرت بمسار أفرع النيل‪ ،‬حيث كانت تمثل وسيلة االتصال‬

‫‪ )?(1‬جمال حمدان‪ ،‬استراتيجية االستعمار والتحرير‪ ،‬طبعة مكتبة األسرة‪ ،1999 ،‬ص ص‪.185-184‬‬
‫‪ )?(2‬محمد محفوظ محمود قاسم‪،‬ـ مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.183‬‬

‫‪273‬‬
‫الرئيسية والسهلة لألفراد والبضائع(‪ .)1‬كذلك لعب بحر يوسف دوراً هاماً لسبات مصر‬
‫الوسطى‪ ،‬في عهد األسر المصرية القديمة‪ ،‬وكان له الفضل في المكانة التي وصلت إليها‬
‫مدينة إهناسيا أو "حنن نيسوت"(‪.)2‬‬
‫وتظهر خريطة لبطليموس‪ ،‬ما يمكن أن يطلق عليه جزيرة مصر الوسطى‪ ،‬حيث‬
‫يتفرع بحر يوسف من النيل عند الحيبة "انكرونوبوليس" متجهاً غرباً‪ ،‬لتقع بداخلة نوم‬
‫هيراكلوبوليس ماجنا "إهناسيا"‪ ،‬وتقترب من ضفافه نوم "أوكسيرنكوس" البهنسا‪ ،‬ومرفئ نوم‬
‫أرسينوي "الفيوم" حيث مرفئ بطليموس(‪ ،)3‬وكان لهذا الفرع أكبر األثر في ازدهار ونمو‬
‫األقاليم اإلدارية التي تقع على ضفافه أو بداخل تلك الجزيرة الضخمة‪.‬‬
‫وفي العصرين اليوناني والروماني ظهرت عواصم سبع نومات على الجانب‬
‫الشرقي من النيل‪ ،‬وهي أفروديتوبوليس‪ ،‬هبنون‪ ،‬كاينوبوليس‪ ،‬الباستروبوليس‪ ،‬اتينوبوليس‪،‬‬
‫أنتيابوليس‪ ،‬وبانوبوليس‪ ،‬ويرجع ذلك إلى قربها من النيل‪ ،‬وإ شرافها على أجزاء الوادي‬
‫وسهولة االتصال به عن طريق النيل(‪ .)4‬بل إنه ظهر في القرن الثالث قبل الميالد "دليل‬
‫الطريق" عرف باسم ‪ ،The Antonine Itinerary‬فيه وصف كامل للطرق والمسافات‬
‫الفاصلة بين المدن والقرى‪ ،‬على ساحل البحر المتوسط من رفح إلى السلوم‪ ،‬ومن ممفيس‬
‫إلى الفرما‪ ،‬ومن ممفيس إلى اإلسكندرية‪ ،‬وعلى طول الوادي في ضفته الغربية من ممفيس‬
‫حتى أسوان غرب‪ ،‬وبامتداد الضفة الشرقية من بابليون حتى أسوان‪ ،‬وكذلك الطرق الرابطة‬
‫بين رأس الدلتا والقلزم(‪.)5‬‬
‫وكان لتواجد هذه الطرق أكبر األثر في ظهور العديد من األقسام اإلدارية على‬
‫الضفة الشرقية من النيل‪ ،‬حيث أفروديتوبوليس‪ ،‬هبنون‪ ،‬كاينوبوليس‪ ،‬الباستروبوليس‪،‬‬
‫اتينوبوليس‪ ،‬أنتيابوليس‪ ،‬وبانوبوليس‪ ،‬وعلى طول الساحل الشمالي لمصر سواء شمال سيناء‬
‫حيث العريش (رينوكورورا)‪ ،‬ورفح‪ ،‬أو في غربي اإلسكندرية حيث مرسى مطروح‬
‫(باراتينيوم)‪ ،‬السلوم (كاتابوتومس) (‪ .)6‬كما أن الطريق أدخل الواحات الداخلة والخارجة‪،‬‬

‫‪ )?(1‬فتحي إبراهيم أحمد شلبي‪ ،‬مراكز العمران على فرع رشيد‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعةـ‬
‫القاهرة‪ ،1997 ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ )?(2‬مرزوق حبيب ميخائيل (‪ ،)1977‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪3‬‬
‫‪(?) John Ball, Op. Cit. Fig 17, p 117.‬‬
‫‪ )?(4‬محمد المعتصم مصطفى أحمد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.60 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫‪(?) John Ball, Opt. Cit. pp 138-145‬‬
‫‪6‬‬
‫‪(?) Ibid. pp 140-145.‬‬

‫‪274‬‬
‫في إطار الوحدات اإلدارية لمصر‪ ،‬فبدأت تظهر في البداية على أنها أحد أقسام إبراشية‬
‫طيبة‪ ،‬عند هيروكليز‪ ،‬ثم أصبحت إبراشية طيبة العليا‪ ،‬تضم أربع دوقيات عند جورج‬
‫القبرصي(‪.)1‬‬
‫وفي العهد العربي كان للطرق البرية‪ ،‬دوراً واضحاً في نشأة العديد من األقسام‬
‫اإلدارية‪ ،‬ولما كانت هذه الطرق تميل إلى الهامش الصحراوي‪ ،‬فإن ذلك لم يمنع من ظهور‬
‫تلك األقسام وتلك المدن الكبيرة‪ ،‬والتي استمرت لفترات طويلة محافظة على مكانتها‬
‫وأهميتها اإلدارية‪ ،‬رغم موقعها الهامشي‪ ،‬ويرجع ذلك لدور الطريق‪ ،‬ومن أمثلة تلك المدن‬
‫مدينة بلبيس‪ ،‬ومدينة الصالحية في أقصى المعمور لشمال شرق الدلتا‪ ،‬ومدينة قطيا‪ ،‬وقد‬
‫اكتسبت هذه المحالت أهميتها من طريق الدرب السلطاني‪ ،‬أهم الطرق البرية التي تربط‬
‫مصر بالشرق األسيوي(‪.)2‬‬
‫وفي فترة الحروب الصليبية‪ ،‬كان لتحول الطرق البرية من شبه جزيرة سيناء‪ ،‬إلى‬
‫قلب الصعيد‪ ،‬أن أعطى لكورة القوصية‪ ،‬ثم لعمل األخميمية‪ ،‬أهمية كبيرة‪ ،‬ليس في الصعيد‬
‫فقط ولكن في مصر كلها‪ ،‬وكان ذلك أحد األسباب التي جعلت من والية جرجا في العهد‬
‫العثماني ذات شأن كبير‪.‬‬
‫وفي عهد والي مصر محمد باشا النشاشنجي‪ ،‬تم نقل عاصمة والية البهنساوية من‬
‫بلدة البهنسا إلى بلدة الفشن لتوسطها بين بالد الوالية وقربها من النيل في طريق المواصالت‬
‫العامة بين الصعيد والقاهرة وكذلك نقل قاعدة والية األشمونين من بلدة األشمونين إلى بلدة‬
‫ملوي لقربها من النيل في طريق المواصالت العامة(‪.)3‬‬
‫وفي عهد محمد علي كان القرب من نهر النيل هو العامل المحدد لموقع عاصمة المديرية‬
‫وعواصم المراكز‪ ،‬فكان وقوع بلبيس على خط الطريق البري‪ ،‬الواصل بين القاهرة والشام‪،‬‬
‫كان أحد أسباب كونها عاصمة الشرقية حتى عهد محمد علي‪ ،‬الذي قرر نقلها إلى الزقازيق‬
‫الواقعة على أحد القنوات التي قام بحفرها(‪ ،)4‬األمر الذي انعكس على التقسيمات اإلدارية‬

‫‪1‬‬
‫)?(‬ ‫‪Ibid. p,166 ,p179.‬‬
‫‪ )?(2‬عبد العال عبد المنعم الشامي (‪ ،)1977‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ )?(3‬محمد رمزي‪ ،‬القاموس الجغرافي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ق‪ ،2‬ج‪ ،1‬ص ‪.84‬‬
‫‪ )?(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫لمديرية الشرقية‪ .‬وكانت صعوبة الحركة أحد األسباب التي حملت محمد على بتقسيم مصر‬
‫إلى أقاليم خمسة كبرى في فترة ما‪.‬‬

‫وكان عنصر الحركة هو ضابط إيقاع الكثير من التعديالت اإلدارية التي حدثت في‬
‫القرن التاسع عشر كما يشير إلى ذلك نقل وتغيير الكثير من قواعد المديريات واألقسام‪ ،‬فقد‬
‫كانت دواوين األقسام والمراكز ودور سكن الموظفين في غير استقرار إلى أن أنشئت السكك‬
‫الحديدية وأقيمت المحطات بالقرب من مساكن البالد والقرى‪ ،‬وقد لوحظ في اختيار األماكن‬
‫الجديدة أن يكون المركز في بلدة بها محطة على السكك الحديدية لسهولة المواصالت‬
‫وسرعة التنقل بينها وبين الجهات األخرى‪ ،‬فقد تم نقل العديد من مقار األقسام والمراكز إلى‬
‫مقرات أخرى لتوافر محطة سكك حديد بها‪ ،‬أو لوقوعها على طريق المواصالت العام‪ ،‬طبقاً‬
‫لقرار وزارة الداخلية عام ‪ ،1884‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬نقل مقر قسم جرزه (مديرية الجيزة) من بلدة جرزة إلى بلدة العياط لوقوعها على‬
‫خط السكك الحديد‪.‬‬

‫‪ -2‬وكذلك نقل مقر ديوان قسم أطفيح من بلدة أطفيح إلى بلدة الصف لبعد أطفيح عن‬
‫طريق المواصالت العام‪.‬‬

‫‪ -3‬وفي مديرية بني سويف نقل مقر قسم زاوية المصلوب من بلدة زاوية المصلوب‬
‫إلى بلدة الواسطى لوقوعها على خط السكك الحديد وطريق المواصالت العام‪.‬‬

‫‪ -4‬ونفس األمر ينطبق على العديد من أقسام ومراكز ومديريات الغربية‪ ،‬والدقهلية‪،‬‬
‫والبحيرة‪ ،‬والمنوفية‪ ،‬والشرقية‪ ،‬وجرجا(‪.)1‬‬

‫ومع تزايد الحاجة لعملية الضبط اإلداري‪ ،‬تم إعادة ترتيب لقواعد المراكز والعواصم‪،‬‬
‫بما يخدم عملية االستقرار االجتماعي واالقتصادي الذي كان ينشده حكام مصر مع نهاية‬
‫القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬وكان الوجه البحري مع موعد ألكبر عملية نقل‬
‫لعواصم مراكزه إلى نواحي تقع على خطوط للسكك الحديدية‪ ،‬وهو ما يظهر في الجدول‬
‫التالي‪ ،‬والجدول يوضح أسماء المراكز التي نقلت لمقرات جديدة لتوافر محطة سكك حديد‬
‫بها أو لوقوعها على الطريق العام أو بالقرب من نهر النيل‪ ،‬وكان ذلك في عام ‪ .1896‬كما‬
‫يظهر بالجدول التالي‪.‬‬

‫‪ )?(1‬محمد رمزي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ق‪ ،2‬ج‪ 4 ،3 ،2 ،1‬صفحات متعددة‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫جدول رقم (‪ )3‬نقل مقرات بعض المراكز لمقرات مالئمة‬
‫اسم المديرية‬ ‫مقر المركز‬ ‫مقر المركز‬ ‫اسم المديرية‬ ‫مقر المركز‬ ‫مقر المركز‬
‫التابع لها‬ ‫الحديث‬ ‫القديم‬ ‫التابع لها‬ ‫الحديث‬ ‫القديم‬
‫الغربية‬ ‫بلقاس‬ ‫بالد األرز الشرقية‬ ‫الشرقية‬ ‫فاقوس‬ ‫العارين‬
‫الغربية‬ ‫فوه‬ ‫بالد األرز غربا‬ ‫الشرقية‬ ‫كفر صقر‬ ‫اإلبراهيمية‬
‫الغربية‬ ‫طلخا‬ ‫بيله‬ ‫الشرقية‬ ‫ههيا‬ ‫الصوالح‬
‫الغربية‬ ‫طنطا‬ ‫محلة منوف‬ ‫القليوبية‬ ‫نوى‬ ‫شبرا‬
‫الغربية‬ ‫كفر الزيات‬ ‫بسيون‬ ‫الجيزة‬ ‫الجيزة‬ ‫البدرشين‬
‫الغربية‬ ‫دسوق‬ ‫المندورة‬ ‫الجيزة‬ ‫إمبابه‬ ‫أوسيم‬
‫البحيرة‬ ‫رشيد‬ ‫العطف‬ ‫بني سويف‬ ‫الواسطى‬ ‫الزاوية‬
‫البحيرة‬ ‫إيتاي البارود‬ ‫الدلنجات‬ ‫الفيوم‬ ‫إطسا‬ ‫طبهار‬
‫الشرقية‬ ‫الزقازيق‬ ‫القنايات‬ ‫المنيا‬ ‫سمالوط‬ ‫قلوصنا‬
‫قنا‬ ‫نجع حمادي‬ ‫فرشوط‬ ‫جرجا‬ ‫البلينا‬ ‫برديس‬
‫المصدر‪ :‬محمد رمزي‪ .‬القاموس الجغرافي‪ ،‬ق‪ ،2‬ج‪.1‬‬
‫وكان وصول خطوط السكك الحديدية أكبر األثر في ظهور مراكز عمرانية‬
‫وبالتالي ظهور وحدات إدارية جديدة حيث أن وصول خط السكك الحديد إلى السويس ثم‬
‫امتداده إلى اإلسماعيلية وبورسعيد قد أدخل مدن القناة بسرعة في اإلطار اإلداري لباقي‬
‫الدولة‪ ،‬وساع على ظهور كل من بورسعيد واإلسماعيلية‪ ،‬كمحافظة مستقلة بعد أن كانتا‬
‫محافظة واحدة في إطار ما عرف بمحافظة القنال‪.‬‬
‫كما لعبت السكك الحديدية في أسيوط دوراً في التحام منطقة الحمراء والوليدية‬
‫بمنطقة أسيوط األصلية‪ ،‬واألمر كذلك حدث مع األقصر حيث كانت مركزه حول معبد‬
‫(‪)1‬‬
‫الكرنك فنمت شرقاً على طول خط السكك الحديدية وكذلك سوهاج ‪.‬‬
‫كما ساعد خط القاهرة ـ السويس على تعمير المنطقة الواقعة بين اإلسماعيلية‬
‫والزقازيق لتوافر المياه من خالل ترعة اإلسماعيلية‪ ،‬وكان الخط يمر بمناطق أبو حماد‬
‫والتل الكبير ونفيشه والسرابيوم وفايد وجنيفه والشلوفه‪ ،‬كذلك أضافة السكك الحديدية مناطق‬
‫عمرانية جديدة نتيجة لبناء محطة سكك حديد بعيده عن البلده الرئيسية مثل برشوم المحطة‪،‬‬
‫فاقوس البلد‪ ،‬أبو صوير المحطة‪ ،‬أبو صوير البلد‪ ،‬قليوب المحطة‪ ،‬كما ساهمت خطوط‬
‫السكك الحديدية في نشأة الضواحي مثل ضاحية حلوان‪ ،‬وكذلك ضاحية مصر الجديدة‪ ،‬التي‬

‫‪ )?(1‬منى عطا اهلل عبد الوهاب‪ ،‬أثر السكك الحديدية على أوضاع مصر االقتصادية واالجتماعية في الفترة‬
‫‪ ،1914-1856‬ماجستير‪ ،‬جامعةـ القاهرة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،1996 ،‬ص‪.143-142‬‬

‫‪277‬‬
‫ساعد على تطورها ونموها‪ ،‬في بداية القرن العشرين‪ ،‬خط مترو مصر الجديدة‪ ،‬كما لعبت‬
‫شركات السكك الحديدية الخاصة مثل شركة سكك حديد اإلسكندرية ـ الرمل‪ ،‬أثر كبير في‬
‫تعمير منطقة الرمل‪ ،‬وكانت قبل بناء الخط الحديدي أرضا رملية مالحة جدباء‪ ،‬فأصبحت‬
‫بعده من أهم مناطق العمران باإلسكندرية‪ ،‬وكان سكانها قبل إنشاء الخط ‪ 500‬نسمة زاد إلى‬
‫‪ 23‬ألف في عام ‪ 1907‬ثم ‪ 31‬ألف في عام ‪.)1(1917‬‬
‫وفي المقابل يظهر الجانب السلبي لعدم توافر وسيلة نقل حيوية مثل السكك الحديدة‬
‫في عدم تطور بعض األقسام اإلدارية رغم قدمها‪ ،‬وتواجدها بقوة‪ ،‬فكان لعدم توافر خط‬
‫سكك حديدية في منطقة األحواض شرق النيل في المنطقة بين حلوان ونجع حمادي‪ ،‬أن أثر‬
‫على عملية النمو اإلداري والخدمي لتلك األقسام‪ ،‬وجعلها تتجه أكثر إلى وحدات غرب‬
‫النيل‪ ،‬بدال من التفاعل فيما بينها(‪.)2‬‬
‫ونظراً ألهمية السكك الحديدية ودورها في نمو وظهور مناطق إدارية جديدة نتيجة‬
‫الستصالح أراضي زراعية وتسهيل تنقل السكان إليها أن أصبح السكان يقدموا عروض‬
‫لبناء محطات سكك حديدية ومد الخطوط إلى بالدهم مع تعهدهم بتوفير األراضي والمساهمة‬
‫في ردم عمليات الردم كحال أهالي فزارة بالبحيرة‪ ،‬كما كان لظهور السيارة وانتشار شبكة‬
‫الطرق البرية أثرها الواضح في تيسير عملية النقل وبالتالي لم يعد هناك ربط بين تواجد‬
‫محطة سكك حديدية وبين كون مدينة (بلدة) مقر لمركز جديد األمر الذي شجع على ظهور‬
‫العديد من المراكز اإلدارية خاصة في المناطق الهامشية على حدود الوادي والدلتا بعيداً عن‬
‫خطوط السكك الحديدية ويظهر ذلك في شرق وشمال الدلتا واإلطار الغربي من الوادي(‪.)3‬‬
‫نواح ما عن عاصمة القسم اإلداري‪ ،‬دافعاً إلى ظهور‬
‫بل إن كثيراً ما كان بعد ٍ‬
‫عاصمة جديدة‪ ،‬لكي يسهل على سكان تلك المناطق مشقة االنتقال من وإ لى قاعدة مركزهم‬
‫اإلداري‪ ،‬وقد ظهر ذلك في حالة مديرية الغربية‪ ،‬التي كان لبعد أطرافها الشمالية عن‬
‫مركزها أن أدى إلى ظهور مديرية جديدة وهي مديرية الفؤادية أو كفر الشيخ فيما بعد‪.‬‬
‫وكان للكباري وربطها للضفاف النهر وروافده ورياحاته‪ ،‬أكبر األثر في ظهور‬
‫العديد من المراكز على الضفة الشرقية للنيل في أسيوط والمنيا وسوهاج‪ ،‬كذلك لم يعد فرع‬
‫دمياط فاصال وحداً طبيعياً وإ دارياً لوحداته الواقعة شرقاً عن الواقعة غرباً حيث أصبحت‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.135 -131‬‬


‫‪ )?(2‬أنظر محمد المعتصم مصطفى أحمد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫‪ )?(3‬منى عطا اهلل عبد الوهاب‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.160-140‬‬

‫‪278‬‬
‫مدينة بنها تقع على الضفتين لسهولة النقل عبر الكباري‪ ،‬كذلك أصبحت لمديرية (محافظة‬
‫الدقهلية) مراكز في وسط الدلتا تصل بها إلى البحر المتوسط‪ ،‬كذلك كان خط السكك‬
‫الحديدية والطريق البري الواصل بين الجيزة والواحات البحرية ذات أثر واضح في إلحاق‬
‫الواحات ضمن األقسام اإلدارية لمحافظة الجيزة‪ ،‬وإ ن كان الوضع اإلداري لتلك الواحات‬
‫أمر غريب بحاجة إلى مراجعة‪ ،‬كذلك عبرت محافظة المنوفية فرع رشيد إلى الغرب لتضم‬
‫مدينة السادات ومركز السادات‪ ،‬وكان لشبكة الطرق الجديدة أثرها الواضح في ظهور الكثير‬
‫من المدن الجديدة في مواجهة المدن القديمة على طول وادي النيل في الصعيد "بني سويف‬
‫الجديدة‪ ،‬المنيا الجديدة‪ ،‬سوهاج" حيث كان األمر يقتصر على حدود الوادي وتربته الطينية‬
‫فقط‪ ،‬فقفز مع تلك المدن إلى النطاق الصحراوي‪.‬‬
‫من المفارقات الطريفة‪ ،‬أن خط السكك الحديدية الذي كان أحد أسباب ضم الواحات‬
‫البحرية إلى محافظة الجيزة‪ ،‬كان هو نفس السبب الذي جعل تلك الواحات تتبع محافظة‬
‫السادس من أكتوبر الحديثة النشأة في أبريل ‪ ،2008‬فبعد أن تقرر ضمها إلى محافظة المنيا‬
‫بناء على القرار الجمهوري‪ ،‬قام السكان بالتظاهر‪ ،‬وهددوا بقطع خط السكك الحديد‪ ،‬وعرقلة‬
‫نقل خام الحديد من مناجم الواحات إلى مصانع الحديد والصلب بحلوان‪ ،‬فما كان أن تم تعديل‬
‫األمر مرة أخرى‪ ،‬بأن جعلت تبعيتها إلى محافظة السادس من أكتوبر أو وريثة الجيزة‪.‬‬
‫وقد يكون لشبكة الطرق التي تربط الوادي والدلتا بالمحافظات الصحراوية دوراً‬
‫كبيراً في إعادة رسم الخريطة اإلدارية‪ ،‬خاصة وأن هذه الطرق أضحت محاور للحركة‬
‫ونقل السكان من المحافظات المزدحمة بالوادي والدلتا إلى تلك المحافظات التي تعد‬
‫بإمكانياتها محافظات مستقبل مصر‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويمكن توضيح تلك الشبكة الممتدة من الطرق فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬هناك نحو ‪ 7‬طرق عرضية تربط محافظة البحر األحمر بالجهات المقابلة لها في‬
‫الوادي ابتداء من القاهرة شماالً حتى أسوان جنوباً وهذه الطرق هي‪:‬‬
‫بطول ‪ 134‬كم‪.‬‬ ‫‪ ‬طريق القاهرة ـ السويس‬
‫بطول ‪ 253‬كم‪.‬‬ ‫‪ ‬طريق الزعفرانة ـ الكريمات‬
‫‪ ‬طريق سفاجا ـ قنا بطول ‪ 165‬كم‬
‫بطول ‪ 183‬كم‪.‬‬ ‫‪ ‬طريق القصير ـ فقط‬

‫‪ )?(1‬سيد محمود عبد المقصود‪ ،‬وآخرون‪ ،‬تقسيم مصر إلى أقاليم تخطيطية‪ ،‬سلسلة قضايا التخطيط والتنمية‬
‫رقم (‪ )162‬معهد التخطيط القومي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬يناير ‪ ،2003‬ص ص‪.137 -136‬‬

‫‪279‬‬
‫‪ ‬طريق مرسى علم ـ إدفو بطول ‪ 220‬كم‪.‬‬
‫‪ ‬طريق المعادي ـ القطامية ـ العين السخنة بطول ‪ 253‬كم‪.‬‬
‫‪ ‬طريق برنيس ـ أسوان بطول ‪ 280‬كم ويمتد إلى حاليب وشالتين‪.‬‬
‫‪ -2‬كذلك تم ربط سيناء براً عن طريق كوبري السالم باإلضافة إلى نفق الشهيد أحمد حمدي‬
‫وكذلك كوبري سكك حديد الفردان ويبلغ طول الطرق في سيناء ‪8086‬كم حوالي ‪%73‬‬
‫مرصوفة‪ ،‬وسيناء بحاجة إلى مزيد من الطرق العرضية والطولية لتصل كل شرقها بغربها‬
‫وشمالها بجنوبها‪.‬‬
‫‪ -3‬وهناك شبكة الطرق البرية الخاصة بالصحراء الغربية وغرب الدلتا حيث نجد ‪ 7‬طرق‬
‫تصل الصحراء الغربية بالدلتا وهي‪:‬‬
‫بطول ‪240‬كم‪.‬‬ ‫القاهرة ـ وادي النطرون ـ العلمين‬ ‫‪‬‬
‫بطول ‪ 210‬كم‪ * .‬العلمين ـ السلوم بطول ‪580‬كم‬ ‫‪ ‬القاهرة ـ اإلسكندرية‬
‫* الوحات البحرية ـ سيوه بطول ‪387‬كم‪.‬‬ ‫مطروح ـ سيوه بطول ‪300‬كم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫البويطي ـ الواحات البجرية ـ موط (الداخلية) بطول ‪ 460‬كم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الداخلة ـ بئر طرفاوي (شرق العوينات) بطول ‪ 310‬كم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وتتصل هذه الشبكة بمحاور عرضية تصلها بمدن الوادي أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬محور موط ـ الخارجة ـ أسيوط بطول ‪245‬كم‪.‬‬
‫‪ -2‬محور الخارجة ـ األقصر بطول ‪230‬كم‪.‬‬
‫‪ -3‬محور فقط ـ القصير بطول ‪180‬كم‪.‬‬
‫ثم هناك شبكة طرق جنوب مصر بخمسة محاور هي‪:‬‬
‫‪ -1‬طريق الواحات ـ قنا ـ سفاجا بطول ‪600‬كم‪.‬‬
‫‪ -2‬طريق واحة باريس ـ أرمنت بطول ‪ 210‬كم‪.‬‬
‫‪ -3‬طريق توشكى ـ شرق العوينات بطول ‪220‬كم‪.‬‬
‫‪ -4‬طريق إدفو ـ مرسى علم بطول ‪220‬كم‪.‬‬
‫‪ -5‬طريق إسوان ـ برنيس بطول ‪380‬كم‪.‬‬
‫وهذه الشبكة من الطرق من الممكن أن ترسم مالمح تطور إداري جديد في‬
‫المستقبل القريب‪ ،‬محاولة إدخال هذه المحافظات القليلة السكان‪ ،‬الضخمة اإلمكانيات‬
‫والثروات في قلب الوادي والدلتا وتصبح هذه المحافظات امتداد لمحافظات الوادي التي ال‬
‫زالت منذ مصر الفرعونية أسيرة تربته الفيضية‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العامل السياسي واألمني‪:‬‬
‫الجغرافية السياسية أساسا تحليل قوة لمركب بالغ التعقيد يتكون من عناصر مادية‬
‫ومعنوية تطوي االقتصاد واإلنتاج والموارد والمواهب والسكان واإلدارة والحضارة‪ ،‬فقوة‬
‫الدولة تبدأ من الداخل‪ ،‬وقوتها في الخارج هي عادة فائض قوة الداخل(‪ ،)1‬ومن ثم فإن التنظيم‬
‫اإلداري هو أحد مكونات وعناصر قوة الدولة بوجه عام‪.‬‬
‫ومن ثم فإن األقسام اإلدارية تخضع لوجهة نظر السياسة ـ والتي البد أن تكون‬
‫وجهة نظر موضوعية وليست ذاتية ـ حيث ترى الحكومات إدخال بعض التغييرات اإلدارية‬
‫التي ترى فيها صالحا عاما للدولة ككل‪.‬‬
‫فقد أبقى المصريين القدماء‪ ،‬على األقسام اإلدارية التي ورثوها منذ فجر التاريخ‪،‬‬
‫بغرض الحفاظ على الكيان السياسي للدولة التي تم توحيد وجهيها‪ ،‬خاصة وأن المقاطعة‬
‫أضحت مقدمة عند السكان على أي اعتبار آخر من عصبية أو نسب أو غير ذلك(‪.)2‬‬
‫بل إن األمر لم يتوقف عند هذا‪ ،‬فهناك من الشواهد التي تدل على أن تقسيم مصر‬
‫إلى أربعة أقاليم في عهد المصريين القدماء وهي إقليم النسر ويبتدأ من الحدود حتى فقط‪،‬‬
‫وإ قليم الثعبان ويبدأ من فقط حتى أسيوط‪ ،‬وإ قليم البوصة من أسيوط حتى تفرع الدلتا‪،‬‬
‫والنحلة ويشمل الدلتا‪ ،‬كانت موروثة أيضاً من قبل التوحيد(‪ ،)3‬وحافظ عليها المصريون‪،‬‬
‫لتأكيد عملية الوحدة في نفوس المصريين‪ ،‬باإلضافة إلى إنها تالئم البناء اإلداري لمصر‪.‬‬
‫كذلك كان اتخاذ مدينة منف عاصمة إدارية لمصر‪ ،‬عند نهاية الوادي وبداية الدلتا‪،‬‬
‫أكبر دليل على الوعي السياسي واألمني الذي توخاه الحكام‪ ،‬بعد عملية التوحيد‪ ،‬فقد ترك‬
‫مينا (نعرمر) عاصمته "نخن" الكوم األحمر بالقرب من جرجا‪ ،‬وأسس العاصمة السياسية‬
‫واإلدارية في موضع يتمكن منه من التحكم والسيطرة على مقاليد البالد من خالله‪.‬‬
‫وقد ظل هذا العامل األمني هاجس لكثير من الحكام فيما بعد‪ ،‬وبدأ يظهر أثره مع‬
‫اإلغريق‪ ،‬حينما اتخذوا من مدينة اإلسكندرية‪ ،‬الحديثة النشأة‪ ،‬إقليم إداري جديد‪ ،‬حكموا‬
‫البالد من خالله‪ ،‬فظهر بذلك نوم اإلسكندرية‪ ،‬وقد كان الرومان كسابقيهم اإلغريق يتعاملون‬
‫مع اإلسكندرية على أنها وحدة منفصلة عن مصر ومجاورة لها ‪ ad aegyptum‬وكان لقب‬

‫‪ )?(1‬جمال حمدان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ص ‪.717-716‬‬


‫‪ )?(2‬سليم حسن (‪ ،)2000‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.170‬‬
‫‪ )?(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.176-174‬‬

‫‪281‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الحاكم العام لمصر الرسمي هو "حاكم عام اإلسكندرية ومصر" ‪ ،‬وظل هذا األمر مسيطراً‬
‫حتى الفتح العربي لمصر‪.‬‬
‫وكان العامل السياسي له أكبر األثر في ازدهار إقليم الفيوم‪ ،‬فكونه كان بمثابة وطن‬
‫بديل لإلغريق‪ ،‬تمثل لهم فيها‪ ،‬فاهتموا بها كثيراً‪ ،‬وأضحت من أهم األقاليم اإلدارية في‬
‫مصر وأغناها سكاناً‪ ،‬ونواحي‪ ،‬وكان ثلثي سكان إقليم الفيوم من اإلغريق(‪.)2‬‬
‫واختالف الرؤية األمنية أثر على بعض األقاليم اإلدارية بالنمو أحياناً والضمور‬
‫أحياناً أخرى‪ ،‬فلما كانت الدولة الرومانية تنظر إلى النومات والعواصم نظرة حربية‬
‫وعسكرية‪ ،‬فانعكس ذلك على ازدهار العديد من النومات والعواصم في الضفة الشرقية من‬
‫النيل مثل كينوبوليس‪ ،‬وأنتينوبوليس‪ ،‬وأفروديتوبوليس‪ ،‬وهبنون‪ ،‬بانوبوليس‪ ،‬أنتيابوليس‪،‬‬
‫الباستروبوليس‪ ،‬ولكن مع تراجع النظرة الحربية إلى نظرة اقتصادية في عهد البيزنطيين‬
‫اختفت كثير من النومات في شرق النيل‪ ،‬وتراجعت أهمية الكثير من العواصم اإلدارية(‪.)3‬‬
‫وفي العهد العربي ظهرت العديد من الوحدات اإلدارية لظروف أمنية وحربية‬
‫خاصة في ظل الصراع مع الصليبين‪ ،‬كما اختفت وحدات أخرى لنفس األسباب تقريباً‪،‬‬
‫فكانت بلبيس‪ ،‬وقطيا‪ ،‬والصالحية من أهم المدن اإلدارية في شرق الدلتا نظراً لكونها تلعب‬
‫دور مراكز عسكرية وحربية متقدمة‪ ،‬وتقع على طريق الدرب السلطاني‪ ،‬كما ظهرت‬
‫وحدات إدارية تعرف باسم الثغور والرباطات‪ ،‬وكانت من أسمائها مرتبطة بالحروب‬
‫والجيش مثل ثغر البرلس‪ ،‬وثغر نستراوه‪ ،‬وثغر أخنا في شمال الدلتا‪ ،‬وكانت الفرما من أهم‬
‫الوحدات اإلدارية لمصر في شرق الدلتا‪ ،‬حتى تعرضت للخراب في العهد الفاطمي نتيجة‬
‫لضربات الصليبين المتالحقة‪ ،‬ثم حلت محلها تنيس‪ ،‬التي أضحت مركز األسطول الفاطمي‪،‬‬
‫الذي تولى حراسة الساحل الشمالي لمصر‪ ،‬كما أن مدينة دمياط هدمت نتيجة لهذا الصراع‬
‫وتم بنائها في موضع جنوب موضعها القديم(‪.)4‬‬
‫وفي عهد العثمانيين‪ ،‬تم التمييز بين واليات الوادي والدلتا‪ ،‬والثغور البحرية‪ ،‬فكان‬
‫هناك سلطتين في مصر‪ ،‬سلطة يمثلها الوالي في القاهرة‪ ،‬ويشرف على واليات وكشوفيات‬

‫‪ )?(1‬إبراهيم نصحي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ )?(2‬أنظر فؤاد محمد الصقار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪ ،139-135‬وإ براهيم نصحي‪ ،‬تاريخ الحضارة‬
‫المصرية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ )?(3‬أنظر محمد المعتصم مصطفى أحمد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص‪.64 -62‬‬
‫‪ )?(4‬أنظر عبد العال عبد المنعم الشامي (‪ ،)1977‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪ ،275-273‬ص ‪.430‬‬

‫‪282‬‬
‫الوجهين‪ ،‬وسلطة في كل من اإلسكندرية‪ ،‬ورشيد‪ ،‬ودمياط‪ ،‬والسويس‪ ،‬وكان الباب العالي‬
‫يقوم بإرسال قبودان لإلسكندرية‪ ،‬وآخر للسويس‪ ،‬وثالث لكل من رشيد ودمياط(‪ ،)1‬وظلت‬
‫هذه الموانئ تابعة مباشرة لحكم الباب العالي‪،‬حتى تولي محمد حكم البالد‪ ،‬فصدر فرمان‬
‫بإدخال ميناء اإلسكندرية تحت سلطته‪ ،‬بعد معركة الحماد ونجاحه في مقاومة حملة اإلنجليز‬
‫بقيادة فريزر(‪.)2‬‬
‫وكان تراجع عدد الواليات في القرن السابع عشر إلى خمس واليات‪ ،‬هو جزء من‬
‫الصراع بين المماليك بعضهم البعض‪ ،‬وكان تقليل عدد الواليات بغرض إحكام القبضة‬
‫والسلطة‪ ،‬وكانت والية جرجا هي أهم الواليات الخمسة‪ ،‬وكان حاكمها البك‪ ،‬يحصل عليها‬
‫بعد القيام بمهام خطيرة وجليلة‪ ،‬مثل ترأس رحلة الحجيج‪ ،‬وترجع أهميتها نظراً ألنها كانت‬
‫تشرف على كل الصعيد‪.‬‬
‫وفي بداية حكم محمد علي كان الصعيد ووحداته اإلدارية أحد عناصر االضطراب‬
‫األمني‪ ،‬وذلك لوجود فلول المماليك به وسيطرتهم على بعض أقاليمه ووالياته وكشوفياته‪،‬‬
‫حتى أنه لكي يتفرغ لحملة فريزر ترك خراج الصعيد لهم(‪ .)3‬ومع فك زمام األراضي‬
‫المصرية التي بدأها في الصعيد‪ ،‬عين محمد على ابنه إبراهيم باشا حاكما لكل الصعيد وكان‬
‫أول ما قام به إبراهيم باشا ما يلي (‪.)4‬‬
‫‪ -1‬مد سلطة الحكومة المركزية إلى منطقة ظلت خارج نطاق سيطرتها لسنوات‪.‬‬
‫‪ -2‬ضمان تدفق العائد المستمر إلى الخزانة لذا أمر بمسح كل أراضي الصعيد‪،‬‬
‫أراضي المماليك‪ ،‬وأراضي قبائل الهوارة‪ ،‬وأراضي الملتزمين‪ ،‬وكل أراضي‬
‫الرزق األساسية‪ ،‬وأخيراً األوقاف(‪.)5‬‬
‫وكانت تجربة والية جرجا وسيطرة الشيخ همام على أكبر واليات الصعيد بل‬
‫وأحيانا الصعيد بأكمله‪ ،‬حتى أنه كون جيش خاص به األمر الذي هدد وحدة البالد‬
‫وحكوماتها المركزية(‪ ،)6‬من األمور التي أكدت لمحمد علي ضرورة السيطرة على كل‬

‫‪ )?(1‬ليلى عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.412‬‬


‫‪ )?(2‬عبد الرحمن الرافعي‪ ،‬عصر محمد علي‪ ،‬ج‪ ،3‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪ )?(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ )?(4‬هيلين آن ريفيلين‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.83-81‬‬
‫‪ )?(5‬محمد رمزي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ق‪ ،2‬ج‪ ،1‬ص‪.12‬‬
‫‪ )?(6‬ليلى عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.412‬‬

‫‪283‬‬
‫مصر‪ ،‬في قبضة واحدة كي تتحقق طموحاته‪ ،‬ولكن يبقى أن تجربة همام كانت تشير إلى‬
‫إمكانية البناء الالمركزي لمصر‪ ،‬ولم تكن خروجا عن وحدة مصر السياسية‪ ،‬بقدر ما كانت‬
‫تأكيد للذات ورفض مركزية الحكومة الطامعة في خيرات اإلقليم‪ ،‬واستنزافه لصالح حكام‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫ومن ثم سعى محمد على إلى صياغة بناء إداري جديد للصعيد يقضي على الميراث‬
‫التاريخي الذي حمله كي ال يثور في وجه مرة أخرى‪ ،‬ويالحظ أن التقسيم اإلداري للصعيد‬
‫في نهاية عهد محمد علي قد اختلف إلى حد بعيد عن أقسامه اإلدارية التي بدأ بها في بداية‬
‫عهد محمد علي‪ ،‬حيث كان للصعيد يتكون من ‪ 6‬واليات من ضمن ‪ 13‬والية تنقسم إليها‬
‫مصر‪ ،‬كانت واليات الصعيد هي " األطفيحية‪ ،‬الفيوم‪ ،‬البهنسا‪ ،‬األشمونين‪ ،‬المنفلوطية‪،‬‬
‫جرجا" أما في نهاية عهد محمد على فقد اختفت والية البهنساوية‪ ،‬األشمونين‪ ،‬والمنفلوطية‬
‫وظهرت مأموريات بني سويف‪ ،‬والمنيا‪ ،‬وأسيوط‪ ،‬وسوهاج‪ ،‬وقنا‪ ،‬وأسوان (النوبة) ولكن‬
‫في إطار إقليمي أكبر حيث ما عرف بنصف أول وسطى وقاعدتها بني سويف‪ ،‬ونصف ثاني‬
‫وسطى وقاعدتها بني مزار‪ ،‬المنيا وقاعدتها المنيا‪ ،‬نصف أول قبلي وتشمل مأموريات‬
‫أسيوط وجرجا وقاعدتهما اسيوط وجرجا‪ ،‬نصف ثاني قبلي وتشمل مأموريتي قنا وإ سنا‬
‫وقاعدتهما قنا وإ سنا(‪.)1‬‬
‫وضع محمد علي بناء وهيكل إداري جديد للصعيد‪ ،‬وقد تأكد ذلك البناء اإلداري في‬
‫عهد خلفاءه‪ ،‬مع تثبيتهم للمأموريات السابقة التي أنشأها محمد علي‪ ،‬وكان إقطاع العربان‬
‫األراضي الزراعية‪ ،‬وحملهم على االستقرار وترك السالح‪ ،‬من ضمن العوامل التي أثرت‬
‫في التقسيم اإلداري بتوسيع الرقعة اإلدارية لمديريات وواليات الشرقية والبحيرة‪.‬‬
‫كما كان ظهور محافظة القناة بقسميها اإلسماعيلية وبورسعيد‪ ،‬نتيجة لعامل سياسي‬
‫أمرا بإنشاء محافظة القناة وعين إسماعيل‬
‫بحت‪ ،‬ففي مارس ‪ ،1863‬أصدر إسماعيل باشا ً‬
‫حمدي باشا محافظ لها‪ ،‬وقد اضطر إسماعيل باشا إلى ذلك نظراً ألن شركة القناة كانت‬
‫تعتبر أن األراضي الخاصة بمنطقة القناة ملكاً لها‪ ،‬تمتد إليها سلطات الحكومة المصرية‬
‫بقدر محدود‪ ،‬وعلى الحكومة أن تبعث بممثل رسمي لها فيها أسوة بمندوبها في مجلس إدارة‬
‫شركة القناة‪ ،‬يضاف إلى ذلك أن إسماعيل باشا كان على أن يواجه تطلعات الحكومة التركية‬
‫الرامية إلى سلخ منطقة القناة بأسرها من مصر‪ ،‬كما كان انتشار الفتن والحوادث‬

‫‪ )?(1‬محمد رمزي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ق‪ ،2‬ج‪ ،1‬ص‪.12‬‬

‫‪284‬‬
‫والمشاجرات التي حدثت في اإلسماعيلية بين األروام واألهالي‪ ،‬عامالً آخر مكمل ومحفز‬
‫إلنشاء مأموريات مستقلة بمدن القناة(‪.)1‬‬
‫كذلك ظهر أثر العامل السياسي على التقسيم اإلداري لمديرية إسنا (النوبة) حيث تم‬
‫إحالة تبعية هذه المديرية لنظارة الحربية في فترة الحرب المهدية‪ ،‬ثم مع تحديد خط الحدود‬
‫السياسية بين مصر والسودان ثم حذف ‪ 10‬قرى من مركز حلفا آخر مراكز المديرية‬
‫وضمة للسودان‪ ،‬وقد عادت المديرية لنظارة الداخلية وتغير اسمها من إسنا إلى أسوان عام‬
‫‪.)2(1900‬‬
‫كما أن محافظات الحدود (سيناء‪ ،‬الصحراء الغربية‪ ،‬الصحراء الجنوبية‪ ،‬الصحراء‬
‫الشرقية) قد خضعت لسلطة وزارة الحربية في أثناء الحربين العالميتين األولى والثانية‪ ،‬وقد‬
‫ظهرت مصلحة خاصة لهذه المحافظات عرفت في الحرب العالمية األولى باسم "مصلحة‬
‫أقسام الحدود" وعرفت في عام ‪ 1925‬باسم "مصلحة الحدود"(‪.)3‬‬
‫ومع بداية النصف الثاني من القرن العشرين حيث قانون اإلدارة المحلية ‪1960‬‬
‫تقرر أن يتم نقل تبعية محافظات الحدود إلى وزارة الداخلية ويسرى عليها قانون اإلدارة‬
‫المحلية كباقي محافظات مصر‪ ،‬حتى أن مسمى الوادي الجديد كان بهدف سياسي يسعى‬
‫لخلق إطار إداري جديد وطاقات تنمية في خارج الوادي والدلتا‪ ،‬وقد ظلت سيناء تابعة‬
‫لوزارة الدفاع في ظل الصراع العربي اإلسرائيلي وما شهدته من حروب على أراضيها‬
‫حتى أنها أضحت أرض المعركة منذ حرب ‪ 1956‬حتى حرب أكتوبر ‪ ،1973‬ومع التوجه‬
‫نحو السالم وتوقيع معاهدة كامب ديفيد واستقرار األمور نوعا ما بين مصر وإ سرائيل‪ ،‬أن‬
‫تم تقسيم سيناء إلى قسمين شمال سيناء وجنوب سيناء‪ ،‬بغرض تسهيل عملية التنمية في شبه‬
‫الجزيرة ومحاولة الكتشاف إمكانيات سيناء الضخمة‪ ،‬وإ ن كان الوضع األمني في سيناء‪ ،‬ال‬
‫زال يسيطر عليها وهو األمر الذي ظهر في الفترة األخيرة في ظل مطالبة القبائل السيناوية‬
‫بتملك األراضي التي تعيش عليها‪ ،‬وتعنت حكومي ورفض لهذه المطالب‪ ،‬األمر الذي أدى‬
‫إلى اشتباكات أمنية حادة بين األمن والقبائل في موقف خطير ينذر بكارثة ال بد من تداركها‬
‫قبل فوات األوان‪.‬‬

‫‪ )?(1‬زين العابدين شمس الدين نجم‪ ،‬بورسعيد تاريخها وتطورها منذ نشأتها ‪ 1859‬حتى عام ‪ ،1882‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪ ،1987 ،‬ص‪.179‬‬
‫‪ )?(2‬محمد رمزي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪30 ،29‬‬
‫‪ )?(3‬نفسه‪ ،‬ص‪37 ،36‬‬

‫‪285‬‬
‫كما كان للعامل السياسي دوره في مد حدود محافظات قناة السويس شرقاً في سيناء‬
‫لغرض التأمين االستراتيجي لهذه المحافظات وتعمير واستصالح الضفة الشرقية كي تكون‬
‫حاجز بشري قوي ال يسمح بتكرار مأساة ‪ ،1967‬كما أن ضم مركز التل الكبير إلى‬
‫محافظة اإلسماعيلية يرجع إلى صلته بمنطقة القناة عسكرياً من ناحية موقعه‪ ،‬كما كان به‬
‫فرع لقاعدة السويس العسكرية البريطانية في الحرب العالمية الثانية حيث يربط بين المنطقة‬
‫من ناحية‪ ،‬والقاهرة والكثافة السكانية في الدلتا من ناحية أخرى(‪.)1‬‬
‫وهناك بعض األقسام اإلدارية التي ظهرت نتيجة لعوامل سياسية مثل ظهور قسم‬
‫حاليب وشالتين ضمن محافظة البحر األحمر‪ ،‬يرجع إلى ادعاءات للسودان بأنه أراضي‬
‫سودانية‪.‬‬
‫ولعل مخطط نقل العاصمة‪ ،‬واستحداث عاصمة جديدة بدالً من القاهرة‪ ،‬التي‬
‫أضحت مكتظة بالسكان‪ ،‬وموبوءة بالمشكالت‪ ،‬دليل على سيطرة القرار السياسي على‬
‫األمور‪ ،‬وفي التقسيم اإلداري‪ ،‬فقد أعلن الرئيس المساعد‪ ،‬وأمين السياسات بالحزب الوطني‬
‫عن مخطط عمراني جديد لتطوير القاهرة‪ ،‬ثم فجأة تحول الموضوع إلى فكرة إنشاء عاصمة‬
‫إدارية جديد لمصر‪ ،‬وقد يكون عقد العديد من اجتماعات مجلس الوزراء بالقرية الذكية بداية‬
‫لهذه الفكرة وتأكيد لها‪.‬‬
‫بل تأتي التعديالت اإلدارية عام ‪2008‬م‪ ،‬لتؤكد كذلك فكرة العامل السياسي‪،‬‬
‫واألمني في ظهور محافظتين جديدتين‪ ،‬وهما محافظة حلوان‪ ،‬ومحافظة السادس من‬
‫أكتوبر‪ ،‬وقد تعرض قرار إنشاء المحافظتين لموجة كبيرة من االستنكار من جانب الجماهير‬
‫فضال عن األكاديميين‪ ،‬نتيجة لعشوائية القرار‪ ،‬واحتياجه لدراسة أعمق‪ ،‬كما نال قرار‬
‫التقسيم الكثير من الهجوم من قبل بعض نواب الشعب‪ ،‬مؤكدين على استفزازية القرار‪،‬‬
‫وافتقاده للدراسات‪ ،‬وال يخدم مصلحة المواطن البسيط‪.‬‬
‫وعلى الرغم من الدفوع التي أبدتها الحكومة‪ ،‬كما في الندوة التي عقدت بمركز‬
‫األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‪ ،‬إال أن الرجوع في تبعية بعض المراكز‪ ،‬أكبر‬
‫دليل على أن التقسيم ينقصه الدراسات‪ ،‬والخطط‪ ،‬وأن هناك الكثير من القرارات العشوائية‪.‬‬
‫وكان للمظاهرات والتجمعات التي قام المواطنون في الواحات البحرية‪ ،‬وأطفيح‬
‫والصف‪ ،‬أكبر دليل على تدخل العامل األمني‪ ،‬ودوره الكبير في التراجع عن قرار التعديل‬

‫‪ )?(1‬محمد محمد يوسف زهرة‪ ،‬سكان منطقة قناة السويس ‪ ،1966-1897‬دراسة ديموغرافية‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،1976 ،‬ص المقدمة‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫اإلداري‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬بشكل يخدم مصالح المواطنين‪ ،‬التي يبدو أنه لم ينظر إليها في هذا‬
‫التعديل‪.‬‬
‫هذا بالنسبة للعامل السياسي وأثره على األقسام اإلدارية‪ ،‬والوحدات الكبرى‬
‫والصغرى ناهيك عن دوره في الصراعات االنتخابية وتقسيم الدوائر االنتخابية بما يتناسب‬
‫مع رغبة الحزب الحاكم‪ ،‬واألمر ليس جديد ولكنه موجود منذ ثالينيات القرن الماضي‪ ،‬مما‬
‫سبق يظهر أثر العامل السياسي ودوره في بناء هيكل أقسامها ووحداتها المصرية منذ عهد‬
‫المصريين القدماء وحتى اآلن‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬العامل االقتصادي‪:‬‬
‫تلعب اقتصاديات المكان‪ ،‬سواء أكانت زراعية‪ ،‬صناعية‪ ،‬أو تجارية‪ ،‬دوراً كبيراً‬
‫في النهوض واالرتقاء به‪ ،‬وتحديده‪ ،‬وتشكيله إدراياً‪ ،‬فمنذ القدم‪ ،‬كان ظهور مقاطعة جديدة‪،‬‬
‫يتوقف على مساحة األرض الزراعية التي تضمها(‪ ،)1‬وبالتالي عدد السكان المشتغلون‬
‫بالزراعة‪.‬‬
‫وأضحى هناك رابطة إيجابية بين الخريطة االقتصادية والخريطة اإلدارية‪ ،‬فتغير‬
‫الخريطة االقتصادية هو حتما تغير الخريطة اإلدارية‪ ،‬بمعنى آخر فإن التغيرات اإلدارية‬
‫ليست سوى مظهر لتغيرات اقتصادية سبقتها‪ ،‬وال يمكن توقع تميز إداري واضح ما لم‬
‫يرتكز على أرضية اقتصادية محددة(‪.)2‬‬
‫فقد كان الستصالح أراضي منخفض الفيوم‪ ،‬عن طريق التحكم في المياه الداخلة‬
‫إلى المنخفض منذ عهد المصريين القدماء‪ ،‬أكبر األثر في ظهور أراضي زراعية جديدة‪،‬‬
‫ومن ثم ساعد في ظهور مقاطعة الفيوم‪ ،‬ضمن مقاطعات مصر الوسطى‪ ،‬وتطور األمر في‬
‫عهد البطالمة والرومان‪ ،‬حيث زاد االهتمام باإلقليم‪ ،‬وتنوعت الزراعات به‪ ،‬األمر الذي‬
‫انعكس على أقسامه اإلدارية بصورة لم يصل إليها عمران المنخفض منذ تلك الفترة‪ ،‬حيث‬
‫وصلت قراه إلى ‪ 141‬قرية في عهد الرومان‪ 189 ،‬في عهد البيزنطيين(‪.)3‬‬
‫وكان لتغير النظرة للخريطة اإلدارية لمصر في عهد البيزنطيين إلى نظرة‬
‫اقتصادية‪ ،‬بديالً عن النظرة الحربية لدى الرومان‪ ،‬بأن أصبحت مناطق إنتاج‪ ،‬فتراجعت‬

‫‪ )?(1‬سليم حسن (‪ ،)2000‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.172‬‬


‫‪ )?(2‬عمر الفاروق سيد رجب‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪3‬‬
‫‪(?) Karl Butzer: Op. Cit. p 8‬‬

‫‪287‬‬
‫أهمية النومات الواقعة في شرق النيل‪ ،‬وعواصمها اإلدارية‪ ،‬فتراجع عددها وقلت أهميتها‪،‬‬
‫واستمر األمر حتى مجئ العرب(‪.)1‬‬
‫وفي العهد العربي كان للصناعة دورها في ظهور بعض األعمال‪ ،‬فكانت تنيس من‬
‫األعمال التي جمعت بين الوظائف الصناعية والتجارية والحربية معاً‪ ،‬وكانت صناعة‬
‫المنسوجات‪ ،‬ذات شهرة كبيرة بها‪ ،‬ولتراجع تلك الصناعة باإلضافة إلى عوامل أخرى مثل‬
‫ضربات الصليبين‪ ،‬أن تراجعت مكانة تنيس(‪.)2‬‬
‫وكان لتعرض ميناء رشيد‪ ،‬لإلطماء‪ ،‬أن تراجعت أهميته‪ ،‬وزادت أهمية فوه التي‬
‫(‪)3‬‬
‫أضحت عاصمة لكورة فوة والمزاحمتين‪ ،‬وتوسعت لتشمل ثغر رشيد نفسه ‪.‬‬
‫وكان لتقلص مساحة األراضي الزراعية أثرها في تراجع أعداد الوحدات اإلدارية‬
‫التي كان يتم تقسيم مصر إليها وظهر ذلك بوضوح في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر‪،‬‬
‫حيث ظهرت الكور الكبرى بدال من الكور الكبرى‪ ،‬ولم يختلف األمر كثيراً في عهد الدولة‬
‫العثمانية‪ ،‬كذلك‪ ،‬حيث تراجعت مكانة مصر االقتصادية فانكمشت رقعتها الزراعية وضاع‬
‫كل شمال الدلتا‪ ،‬وابتلعته البراري‪ ،‬وتدهورت تجارة مصر‪ ،‬وأسنت موانيها‪ ،‬حتى أضحت‬
‫مقسمة إلى خمسة واليات إدارية فقط‪ ،‬دليل على ضعف البناء االقتصادي‪ ،‬ومحاولة حصر‬
‫كل إمكانيات البالد في تلك الواليات الخمسة فقط‪ ،‬لخدمة أغراض المماليك والطوائف‬
‫المتصارعة‪.‬‬
‫ومع بزوغ فجر مصر الحديثة مع محمد علي‪ ،‬وشق الترع والقنوات‪ ،‬وإ قامة‬
‫الجسور وإ نشاء الكباري‪ ،‬وبناء السواقي‪ ،‬واستحداث زراعات‪ ،‬وإ دخال نباتات جديدة على‬
‫رأسها القطن‪ ،‬وتحويل الدلتا للري الدائم واالهتمام بحركة النقل وإ حياء مينائي اإلسكندرية‬
‫والسويس‪ ،‬بدأ الرواج االقتصادي لمصر يعود مرة أخرى مما انعكس على بنائها اإلداري‪،‬‬
‫وانعكس على قواعد المديريات بالتالي‪ ،‬نتيجة لزيادة مساحة الوحدات اإلدارية‪ ،‬فقاعدة‬
‫مديرية الشرقية نقلت إلى الزقازيق في قلب المعمور والسهل الفيضي واألراضي الزراعية‪،‬‬
‫ومناطق حلج القطن‪ ،‬بدال من بلبيس الواقعة على الهامش الصحراوي(‪ ،)4‬وامتدت حدود‬

‫‪ )?(1‬محمد المعتصم مصطفى أحمد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫‪ )?(2‬عبد العال عبد المنعم الشامي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.400‬‬
‫‪ )?(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪ )?(4‬ماهر عبد الحميد الليثي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪288‬‬
‫الشرقية حتى قرب البحيرة المرة مع استزراع وادي الطميالت بزراعة شجر التوت وتربية‬
‫دودة القز‪.‬‬
‫وكان لظهور اإلبعاديات والجفالك دور كبير في ظهور أقسام إدارية جديدة‪ ،‬وكبر‬
‫مساحة المديريات‪ ،‬واألقاليم خاصة في الهوامش الدلتاوية شرقاً وغرباً‪ ،‬بل إن اإلسكندرية‬
‫كانت قد أصبحت قرية صغيرة الحجم تابعة إلقليم البحيرة‪ ،‬لم يزد حجم سكانها في تقدير‬
‫الحملة الفرنسية عن ثالثة آالف نسمة(‪ ،)1‬فكان حفر ترعة اإلبراهيمة‪ ،‬بمثابة إعادة الحياة‪،‬‬
‫للمدينة‪ ،‬التي أصبح لها دوراً كبيراً في نمو الميناء مرة أخرى وظهور اإلسكندرية كمحافظة‬
‫(‪)2‬‬
‫مستقلة لها أهميتها وكيانها ‪.‬‬
‫وكان لزيادة مساحة الرقعة الزراعية‪ ،‬أن مكن من ظهور كثير من المحالت‬
‫العمرانية الجديدة وبالتالي ظهور أقسام ‪ /‬مراكز إدارية جديدة‪ ،‬كي تقدم خدماتها لسكان تلك‬
‫الجهات‪ ،‬وقد بلغت مساحة األراضي الزراعية ‪ 3.8‬مليون فدان في عام ‪ 1840‬بعد أن‬
‫كانت ‪ 2‬مليون فدان في عام ‪ ،)3(1821‬مما انعكس على أقسام مصر اإلدارية التي وصلت‬
‫إلى ‪ 14‬مديرية تضم ‪ 24‬مأمورية‪.‬‬
‫كما كان للصناعات التي أدخلها محمد علي "الحلج والنسج" خاصة في الوجه‬
‫البحري‪ ،‬والترسانات التي أنشأها دورها في نمو الكثير من مدن الوجه البحري مثل المحلة‪،‬‬
‫دمياط‪ ،‬رشيد‪ ،‬بل إنه في نهاية عهد محمد علي بدأ مشروع "إعادة بناء قرى مصر" وكانت‬
‫قرية كفر الزيات بداية هذا المشروع‪ ،‬وأعيد بنائها وسلمت البيوت الجديدة للسكان(‪.)4‬‬
‫وكانت فابريقات صناعة السكر في الصعيد ذات دور كبير في ظهور العديد من‬
‫األقسام اإلدارية الجديدة خاصة في عهد الخديو إسماعيل‪ ،‬وكان لحفر قناة السويس دورها‬
‫في الرخاء االقتصادي‪ ،‬وكونها أحد أهم شرايين المالحة العالمية أن ساهمت في تطوير‬
‫وظهور مدن جديدة "اإلسماعيلية‪ ،‬وبورسعيد" اللتين أصبحتا في إطار محافظة جديدة‬
‫"محافظة القنال"‪.‬‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬


‫‪ )?(2‬نعمة عبد الرؤف أبو شادي‪ ،‬أنماط مراكز العمران في غرب الدلتا‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1989‬ص ص ‪. 15-12‬‬
‫‪ )?(3‬عبد الرحمن الرافعي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.627 - 626‬‬
‫‪ )?(4‬تيموثي ميتشيل‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.81 - 77‬‬

‫‪289‬‬
‫كذلك كان لتحويل أراضي وسط الصعيد إلى الري الدائم بحفر ترعة اإلبراهيمية‬
‫أكبر األثر في الرخاء االقتصادي والزراعي والعمراني والصناعي‪ ،‬حيث صناعة تكرير‬
‫السكر على قصب السكر الذي زرع في تلك الجهات أن انعكس على التقسيم اإلداري‬
‫الصعيد فبدأت مديريات نصف أول قبلي تظهر منفصلة إلى مديريتين هما قنا‪ ،‬وإ سنا‪ .‬وبذلك‬
‫أصبح الصعيد يضم نفس األقسام اإلدارية الكبرى التي ال زال عليها حتى اآلن‪.‬‬
‫وتحويل محافظة اإلسماعيلية من محافظة حضرية إلى محافظة ريفية عام ‪،1964‬‬
‫كان نتيجة للتخطيط بأن تتولى اإلسماعيلية عبئ توفير الطعام من خضر وفاكهة ومحاصيل‬
‫ومنتجات حيوانية لسكانها وسكان محافظات القناة وسيناء عموما‪،‬ـ بل وسكان القاهرة‬
‫أيضا(‪.)1‬‬
‫واألمر ال يقتصر على المحافظات‪ ،‬بل إن ظهور بعض المراكز‪ ،‬يكون على أساس‬
‫قاعدة اقتصادية‪ ،‬فمركز المطرية ظهر لنشاطه الرئيسي الممثل في صيد األسماك‪ ،‬وأضحت‬
‫عاصمته مدينة المطرية‪ ،‬التي تعتبر إحدى التجمعات الكبيرة لصيد األسماك على مستوى‬
‫مصر‪ ،‬حيث يعمل بصيد األسمال ‪ %63.8‬من سكانها‪ ،‬وكذلك األمر مع مركز الحسينية‪،‬‬
‫الذي يعد أكبر مراكز المحافظة من حيث المساحة الزراعية تبلغ ‪ 173.972‬فدان بنسبة‬
‫‪ %24.7‬أي ربع مساحة األراضي الزراعية المزروعة في الشرقية عام ‪.)2(1988‬‬
‫وكان الكتشاف خام الحديد في الواحات البحرية أكبر األثر في امتداد حدود‬
‫محافظة الجيزة بهذا الشكل ليضم قسم الواحات البحرية‪ ،‬وهو األمر نفسه الذي أبقاها ضمن‬
‫محافظة السادس من أكتوبر‪ ،‬بعد تهديد سكانها بقطع طريق السكك الحديد‪.‬‬
‫وكان للمشاريع االقتصادية سواء كانت زراعية أو صناعية أكبر األثر في تشكيل‬
‫الخريطة اإلدارية للعديد من المحافظات في الوقت الحالي‪ ،‬فاالستصالح الزراعي في‬
‫محافظة اإلسماعيلية‪ ،‬فرض تعديالت إدارية على حدود المحافظة‪ ،‬وأقسامها حيث أضيف‬
‫إليها جزء كبير من سيناء شرق القناة‪ ،‬ممثل في القنطرة شرق‪ ،‬كذلك بالنسبة لمحافظة‬
‫بورسعيد حيث ميناء شرق التفريعة وعمليات االستصالح الزراعي في سهل الطينة‪ ،‬فرض‬
‫ضم مساحات جديدة إلى المحافظة على حساب محافظة شمال سيناء‪ ،‬كذلك تم مد حدود‬
‫محافظة المنوفية لتضم مركز ومدينة السادات بعد النهضة الصناعية التي يشهدها المركز‪،‬‬

‫‪ )?(1‬محمد عبد العزيز محمد‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ )?(2‬أحمد السيد الزاملي‪ ،‬التحضر في منطقة شرق الدلتا‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعةـ القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1990‬ص ص ‪.308-298‬‬

‫‪290‬‬
‫ومحاولة الخروج بمحافظة المنوفية من ذلك الققص الحديدي داخل إطار الدلتا‪ ،‬وكذلك‬
‫الوضع بالنسبة لوادي النطرون بإضافته لمحافظة البحيرة‪ ،‬الستغالل إمكانياته الزراعية‪،‬‬
‫وإ مكانياته السياحية الواعدة‪ ،‬خاصة السياحة الدينية‪ ،‬لما يمتلكه من أديرة يفوح منها عبق‬
‫التاريخ المسيحي‪ ،‬وكذلك الحال في تبعية مدينة العاشر من رمضان لمحافظة الشرقية‪ ،‬ولكل‬
‫من هذه المدن الجديدة قاعدته االقتصادية التي يمكن أن تمثل عنصر الجذب والنمو لتلك‬
‫المدن في المستقبل وما يمكن أن يرسمه من إعادة توجيه لخريطة مصر اإلدارية‪.‬‬
‫وكان لزيادة النشاط السياحي والعمراني غرب اإلسكندرية أن تم مد حدود‬
‫المحافظة غرباً حتى الكيلو ‪ 61‬حيث يمتد نفوذ مركز برج العرب أن دفع بحدود المحافظة‬
‫غرباً‪ ،‬ونفس األمر حيث كان استصالح األراضي في منطقة العامرية أن دفع حدود‬
‫(‪)1‬‬
‫المحافظة جنوباً حتى الكيلو ‪ 45‬على طول طريق القاهرة اإلسكندرية الصحراوي ‪.‬‬
‫وتعد محافظة جنوب سيناء من المحافظات التي تمتلك الكثير من المقومات‬
‫السياحية‪ ،‬سواء كانت طبيعية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬األمر انعكس على تقسيمها اإلداري‪ ،‬حيث أصبحت‬
‫تسعة أقسام إدارية‪ ،‬بشكل ملحوظ‪ ،‬واألمر نفسه ينطبق على محافظة البحر األحمر‪.‬‬
‫ولعل اكتشاف البترول والغاز الطبيعي في الصحراء الغربية وتغير خريطة‬
‫البترول المصري التقليدية بظهور مصدر جديد موازي لخليج السويس‪ ،‬إلى جانب مشاريع‬
‫االستصالح الزراعي واألنشطة السياحية‪ ،‬يدفع بقوة نحو إعادة النظر في التقسيم اإلداري‬
‫لمحافظة مطروح‪ ،‬أضف إلى ذلك أن مركز محطة الطاقة النووية السلمية سوف تكون كذلك‬
‫على ساحل البحر المتوسط‪ ،‬األمر الذي يعني أن هناك أمكانية كبيرة من استخدام كافة‬
‫امكانيات هذا اإلقليم ومن الممكن أن يكون هناك إعادة إحياء مشروع بحيرة منخفض‬
‫القطارة األمر الذي يعني أنه من الممكن أن يعود الساحل الشمالي إلى سابق عهده مركز من‬
‫مراكز زراعة القمح والزيتون والعنب كما كان في عهد الرومان‪ ،‬ومن الممكن أن يصبح‬
‫مستقبل مصر ورخاؤها في صحرائها الغربية‪ ،‬واألمر ذاته ينطبق على الوادي الجديد‪ ،‬بل‬
‫إن محافظة الوادي الجديد سوف تشهد في القريب خطة إدارية جديدة تتناسب وحركة‬
‫االستصالح الكبرى ومشاريع الري العمالقة التي تجري فيها حيث مشروعى توشكى‬
‫وشرق العوينات‪.‬‬

‫‪ )?(1‬محمد حجازي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص‪.15-14‬‬

‫‪291‬‬
‫وال زالت مدينة األقصر تنتظر قرار التحويل إلى محافظة نتيجة لبنائها االقتصادي‬
‫القائم على السياحة ولجعلها محافظة سياحية مستقلة عن محافظة قنا نظراً لتميزها عن باقي‬
‫محافظة قنا بنشاطها السياحي الكبير والضخم‪.‬‬
‫مما سبق يظهر أثر العوامل الجغرافية بشقيها الطبيعي والبشري على أقسام مصر‬
‫اإلدارية الكبرى والصغرى‪ ،‬وأن هيكل بناء مصر اإلداري هو نتيجة لهذه العوامل المتداخلة‬
‫المتشابكة حيث ال يمكن فصم عرى الترابط بين عناصر الجغرافية الطبيعية والبشرية‪.‬‬
‫كذلك ال يمكن إرجاع ظهور قسم إداري صغير أو كبير إلى عامل واحد سواء كان‬
‫طبيعي أو بشري بل إن العناصر تتشابك ليظهر قسم إداري جديد نتيجة لكل العوامل مجتمعة‬
‫وأن التمييز والفصل ما هو إال بغرض التوضيح والدراسة فقط لكن الحقيقة هي الترابط بين‬
‫العوامل الطبيعية والبشرية في شكل نسيج مترابط له تأثيره على الخريطة اإلدارية‬
‫وتشكيلها‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫ملخص الفصل الرابع‬
‫تمت دراسة العالقة بين الحدود اإلدارية والعوامل الجغرافية‪ ،‬في إطار مبحثين‬
‫تناول المبحث األول العوامل الجغرافية الطبيعية ممثلة في عناصر ثالث هي‪ :‬التضاريس‪،‬‬
‫والتربة والموارد المائية‪ .‬وفي هذا المبحث ظهر أثر العناصر الثالث ودورها الفعال في‬
‫عملية التقسيم اإلداري ويالحظ مدى التفاوت بين كل عنصر من العناصر الثالثة حيث كان‬
‫للموارد المائية والتربة دوراً في غاية األهمية داخل الوادي والدلتا وفي الفصل والتمييز‬
‫الواضح بين المعمور والالمعمور‪ ،‬كما كان للتضاريس دورها في الفصل بين الوادي والدلتا‬
‫من جهة والصحراء الشرقية والغربية من جهة أخرى‪ ،‬وكذلك في وجود بعض األحواض‬
‫المنفصلة على الضفة الشرقية والتي تعطي شكال مميزا وامتداد أكثر طوال لبعض‬
‫المحافظات على الضفة الشرقية مقارنة بالضفة الغربية‪.‬‬
‫أما في المبحث الثاني حيث العوامل الجغرافية البشرية ممثلة في عناصر‪ :‬السكان‬
‫‪،‬والنقل والمواصالت‪ ،‬والعامل السياسي‪ ،‬والعامل االقتصادي فالشك كان دورهاً مؤثراً‬
‫على مدى الفترات الزمنية المختلفة فقد كانت العالقة الطردية بين السكان والتقسيم اإلداري‬
‫فحيث كان هناك وفرة وزيادة سكانية كان هناك تقسيم إداري راق يناسب هذه الزيادة وحيث‬
‫يتقلص وينكمش حجم السكان يقابله تقلص في عدد الوحدات اإلدارية وترتيبها وتنظيمها‪،‬‬
‫كما أن النقل والمواصالت عنصر في غاية األهمية حيث يربط أجزاء الدولة المختلفة‬
‫ويساعد على وضع وصياغة خريطة إدارية جيدة‪ ،‬وقد يكون لشبكة الطرق الحديثة‬
‫الموجودة اآلن دوراً هاما في تطوير وتثوير الخريطة اإلدارية والنقل اآلن ال يقتصر على‬
‫الوسائل التقليدية بل هناك األقمار الصناعية والشبكة الدولية‪ ،‬أما العامل السياسي فكان دوره‬
‫واضحاً على مدى التاريخ اإلداري لمصر فحيث كانت األوضاع السياسية مستقرة كان‬
‫التقسيم اإلداري ووحداته مترابطة وجيدة البناء والعكس يظهر في فترات االستعمار‬
‫واالحتالل األجنبي‪ ،‬أما العامل االقتصادي فهو عامل قوي ومؤثر فاالستصالح والتوسع‬
‫الزراعي يتبعه ظهور قرى ومراكز عمرانية جديدة‪ ،‬ظهر ذلك في عهد الرومان والبطالمة‬
‫وكذلك مع محمد علي حيث األبعاديات والجفالك‪ ،‬وأخذ أبعاد جديدة مع الثورة واآلن مع‬
‫مشاريع االستصالح في توشكى والعوينات والساحل الشمالي وترعة السالم‪.‬‬

‫‪293‬‬

You might also like