Professional Documents
Culture Documents
الفصل الرابع العلاقة بين الحدود والعوامل
الفصل الرابع العلاقة بين الحدود والعوامل
242
مقدمة
خضعت مصر طوال تاريخها البشري والعمراني لعامل جغرافي مسيطر وهو
النيل ،فإن النيل يمنح أرض مصر من تجانسه بقدر ما يسيطر على حياتها والواقع أنه ليس
هناك مثل آخر لبلد هو كلية وإ لى هذا الحد من خلق ظرف جغرافي واحد(.)1
وعلى هذا األساس كانت العالقة بين حدودنا اإلدارية والبيئة الجغرافية التي كان
النهر يسيطر عليها ،األمر الذي جعل مصر تتألف من بيئتين أساسيتين هما :الصحراء
والوادي ..ومصر بهذا المعنى هي من األقاليم ذات النغمة الثنائية وإ ن كانت هذه الثنائية
تترك مكانها في الحقيقة ألحادية مطلقة إذا نحن اعتبرنا الحياة في مصر ،أي مصر
المعمورة(.)2
في ضوء هذا فإنه عند مقارنة مصر بغيرها من دول العالم وأقاليمه ،بدول مثل
الواليات المتحدة في العالم الجديد أو جمهورية روسيا االتحادية أو حتى السودان ،يالحظ أن
األقسام اإلدارية تمثل انعكاساً لتنوع األقاليم وتعددها ،وكذلك استجابة لتباعد مراكز النشاط
البشري وتشتتها ،وكما تتنوع فيها مالمح البيئة والظروف الطبيعية والبنائية ،ولذلك فعند
تناول األقسام اإلدارية والحدود في البلدان المشار إليها وغيرها ،فإن التقسيم اإلداري يكون
له مبرراته الجغرافية ،وأن الحدود اإلدارية لها وظيفة التحديد والفصل الفعلي بين هذه
الجهات المترامية والمتباينة ،أما عندما نتكلم عن تقسيم مصر إلى أقسام إدارية أو تقسيمها
إلى أقاليم ،فإن وضع مصر يبدو مختلفا تماما وظروفها تبدو مخالفة لهذه األمثلة ،وخصوصا
عندما تركز على المعمور المصري أو عندما نهتم بصفة خاصة باألجزاء المأهولة بالسكان
في البالد(.)3
وعلى الرغم من سيطرة النيل على عملية التقسيم اإلداري في مصر إال أن هناك
عوامل طبيعية أخرى إلى جانب النيل مثل السطح ،والتربة ،وموارد المياه ،يضاف إليها
العوامل البشرية التي ال يقل دورها أيضاً في عملية التقسيم اإلداري مثل عامل النقل
والمواصالت ،والعامل السياسي ،والعامل االقتصادي ،والعامل األمني ،باإلضافة إلى
القرارات التي تعبر عن رغبات أفراد كبار كالحكام.
243
وبناء على ذلك فإنه يمكن تقسيم العوامل الجغرافية المؤثرة في البناء اإلداري
لمصر إلى عنصرين أو عاملين ،عامل طبيعي ،عامل بشري.
244
المبحث األول :العوامل الطبيعية#
ويمكن تناول العناصر الطبيعية التي تؤثر على بناء مصر اإلداري فيما يلي
( )3مصادر المياه ( )2التربة ( )1الطبوغرافية
أوالً :الطبوغرافية #:شاع تقسيم "جون بول" ألقاليم مصر المورفولوجية حيث
قسمها تضاريسيا إلى األقسام الخمسة اآلتية؛ الصحراء الغربية ،والصحراء الشرقية ،وادي
النيل والدلتا ومنخفض الفيوم ،وشبه جزيرة سيناء ،وقناة السويس والبحر األحمر(.)1
ويتم التعامل مع كل من هذه األقاليم تضاريسياً على حدة ،على الرغم من أن اتخاذ
نهر النيل كفاصل بين الصحراوين أمر قد فند ،ولكن قصة التطور لكل إقليم جعل من
الممكن االستقرار على هذا الفصل(.)2
واالختالف عادة والتمييز يكون بين مصر الوادي ومصر الصحراء وهو االختالف
الجوهري والحقيقي ،األمر الذي جعل كل الدراسات تركز على مصر األصلية Prototype
Egyptوهو مصر الوادي والدلتا ،ورغم أن البعض ردد "أن مصر من الوجهة الجغرافية
ليست موحدة" أو أن مصر "كانت تتألف دائما من أرضين متميزتين ومتباينتين ،العليا
والسفلى ،والوادي والدلتا" فاألصح هو أن "الوادي كله كان وحدة واحدة ،رغم الفروق بين
مصر العليا والسفلى" ،وقد يرجع ذلك إلى أن البعض ميز بين موروفولوجية الوادي
ومورفولوجية الدلتا بشكل مبالغ فيه(.)3
والحقيقة أن تقسيم الوادي والدلتا إلى وحداته اإلدارية لم يكن من األمور الصعبة،
فقد عرف اإلنسان المصري القديم كيفية استغالل بيئته ،ولما كان النيل هو مصدر الحياة
والمعلم األول لتطور النواحي الفنية للمصريين فقد حاكاه المصري القديم في شق ترعه
وقنواته ،وفي الشكل العمراني القائم حتى اآلن( ،)4ولذا كان اإلطار الحوضي وحدود
األحواض الزراعية تأخذ في الغالب كحدود إدارية فاصلة بين األقسام اإلدارية ،وكانت
الجسور التي تقام لحماية المراكز العمرانية من الغرق هي الشكل األبرز والقمم التضاريسية
)?(1محمد صفي الدين ،مورفولوجية األراضي المصرية ،مرجع سبق ذكره ،ص.123
)?(2المرجع السابق ،ص .123
)?(3جمال حمدان ،المرجع السابق ،ص17
)?(4عبد اهلل عبد السالم أحمد أبو العينين :التوزيع الجغرافي للمدن في إقليم الدلتا التخطيطي "دراسة
تحليلية" ،المجلة الجغرافية العربية ،الجزء الثاني ،العدد السادس واألربعون ،السنة السابعة والثالثون
،2005القاهرة ،ص .15
245
البشرية التي يركن إليها في تحديد الخطوط الفاصلة بين أقسام مصر اإلدارية وذلك على
طول تاريخ مصر األلفي.
وتتبع تلك الجسور اآلن من األمور الصعبة ألنه لم يعد لها وجود ،نتيجة لطول
تاريخ مصر العمراني وما طرأ عليها من تغيرات وما طرأ على الحدود اإلدارية لألقسام
اإلدارية من تبدل وتحوالت نتيجة لعوامل وظروف مصر السياسية واالقتصادية
واالجتماعية.
ولكن من خالل الكتابات التاريخية يمكن التعرف على بعض تلك الجسور
والضفاف banksالتي كانت تتخذ علماً كفواصل بين األقسام اإلدارية الكبرى أو الصغرى
على السواء لعدم وجود الظواهر التضاريسية التي تعنى بهذا الغرض في بيئة سهلة
منبسطة ،ففي نهاية القرن التاسع عشر ( )1891كانت مديرية الجيزة يفصلها عن مديرية
بني سويف جسر الرقة ،ويفصل مديرية بني سويف عن مديرية المنيا جسر كوم الصعايدة،
وهناك جسر األشمونين الفاصل بين مديرية المنيا ومديرية أسيوط وجسر عمود طما الحد
الفاصل بين مديريتي اسيوط وجرجا وهناك جسري بشيت على الضفة الشرقية وجسر
سمهود على الضفة الغربية فاصال بين مديريتي جرجا وقنا( ،)1وقد كانت هذه الجسور هي
بمثابة التضاريس الواضحة المعالم التي تفصل الوحدات اإلدارية الكبرى عن بعضها
البعض ومن ثم فإن الوحدة اإلدارية كانت وحدات حوضية "هيدرولوجية" فكانت اإلدارة
بذلك مسايرة ومتممة للنشاط الزراعي.
ويمكن القول أن تاريخ الوحدات اإلدارية في مصر مرتبط بالحافات التي تحد
الوادي من كال جانبيه ،وباألودية الجافة التي تنتهي إلى نهر النيل ،وخط كنتور 100متر
فوق مستوى سطح البحر ،هو الذي يكاد ينطبق على حدود السهل الفيضي الفاصلة بينه وبين
الصحراء ،ويمكن تقسيم المسافة التي يجري فيها نهر النيل من مدخله عند أدندان حتى نقطة
تفرعه والبالغ طولها حوالي 1188كم إلى خمس قطاعات يختلف فيها عرض السهل
الفيضي ،ومن ثم تاريخ الوحدات اإلدارية ذاته ،ففي المسافة ما بين أدندان حتى أسوان
يضيق السهل الفيضي تماماً حيث ال يتجاوز المائتي متر ،األمر الذي انعكس على فقر النوبة
البادي طوال التاريخ ،أما في المسافة ما بين أسوان وأدفو يتسع السهل الفيضي خاصة في
الغرب نتيجة البتعاد الحافة الغربية عن مجرى النيل ،وإ ن لم يعدم وجود بعض االستثناءات
على الضفة الشرقية كما في منطقة كوم أمبو نتيجة النتهاء واديان جافان إلى النهر وهما
)?(1جورجي زيدان ،مرجع سبق ذكره ،ص 58-48
246
وادي شعيت ووادي الخريط مكونان مصب مشترك يتجاوز اتساعة 13كم ،2أما في المسافة
ما بين إدفو ونجع حمادي فتقترب الحافة الغربية للوادي اقترابا شديدا من النهر وترتفع فوق
مستوى سطح واديه بأكثر من 400متر ،في حين أن الحافة الشرقية تبتعد عنه وتنحدر
صوب أرضه بصورة متدرجة ،ويبتعد خط كنتور 200متر عن مدينة قنا بنحو 60كم في
حين أن نفس الخط يبعد عن النهر على الجانب األيسر بحوالي خمسة كيلو مترات فقط ،وفي
المسافة بين نجع حمادي وأسيوط ينحصر الوادي بين حافتيه اللتين يتراوح منسوبهما ما بين
300-200متر ،ويتفاوت مدى اقتراب الحافة من النهر ،حيث تقترب بشدة من النهر عند
نجع حمادي على الضفة الشرقية ،في حين تقترب بشدة من النهر عند البلينا على الضفة
الغربية ،ولكن بوجه عام تشرف الحافة الشرقية على نهر النيل ،وال تترك غير مجموعة من
األحواض المنعزلة ،أما في المسافة ما بين أسيوط والقاهرة فإن السهل الفيضي يتركز على
الجانب األيسر متميزاً بتناهية في االتساع مقارنة بشقيقه على الجانب األيمن(.)1
فتاريخ األقسام اإلدارية من ثم هو جزء من تاريخ السهل الفيضي للوادي ،رسمته
ظروف السطح ،والهضبتين الشرقية والغربية ،ففي المسافة ما بين حلوان وقنا والتي يبلغ
طولها 520كم ،يمتد السهل الفيضي بشكل متقطع ،نتيجة لتقدم الحافات الجبلية في اتجاه
النيل حتى تكاد تالمس ضفته ،مكونة ما يعرف باألحواض ،وتتفاوت هذه األحواض في
2
مساحتها وأطوالها ،ما بين أحواض صغيرة المساحة مثل حوض بياض النصارى 4.5كم
وامتداده 7كم ،وحوض الصف 197كم ،2وامتداده 56كم( .)2ففي هذه المسافة الطويلة لم
يكن هناك فرصة أمام قيام وحدات إدارية كبيرة إال حيث تبتعد الهضبة الشرقية عن النهر
تاركة حوض كبير يمكن أن تظهر فيه مدينة ذات شأن تمثل عاصمة إلقليم إداري ،فقد كانت
المقاطعة (السبات) الثامنة في حوض أوالد طوق ،والسبات التاسع في حوض أخميم،
والسبات السابعة عشر تقع عاصمتها على الضفة الشرقية في كاينوبوليس أو الشيخ فضل
اآلن ،والسبات الثامنة عشر عاصمتها سبا أو الحيبة اآلن على الضفة الشرقية ،باإلضافة إلى
أفروديتوبوليس أو أطفيح( ،)3ولكن أهمية هذه المدن واألحواض وما بها من وحدات وأقسام
إدارية تراجعت على مدار التاريخ البشري والعمراني لمصر ،فلم يأت العصر العثماني إال
ولم يكن هناك سوى والية األطفيحية على الجانب الشرقي ،حيث حوض الصف ،حتى أن
247
مدينة جرجا على الضفة الغربية احتلت مكانة أخميم التي كان لها شأنها في العصور
اإلسالمية ،ويرجع ذلك لظروف طبيعية كعمليات النحر والتآكل التي تتعرض لها الضفة
الشرقية ،أو الخراب المدمر نتيجة للسيول ،أو نقص للسكان نتيجة لغارات األعراب وكلها
مجتمعة أثرت في البناء اإلداري على الضفة الشرقية(.)1
وكان من نتاج ذلك أن أصبح الحد الشرقي لبعض محافظات الصعيد يميل إلى أن
يكون أكثر امتداداً جهة الجنوب من الحد الغربي ويبدو ذلك في حدود محافظات الجيزة
(القديمة) ،أسيوط ،سوهاج ،وهذا الوضع سليم ألنه يتفادى شطر أو تمزيق حوض رئيسي
()2
من األحواض الشرقية الهاللية المنعزلة بين أكثر من محافظة .
والجدول التالي (رقم )1يوضح األحواض التي كان لها شأن على الضفة الشرقية
في تلك المسافة الطويلة ما بين حلوان وقنا.
جدول (رقم )1أحواض الضفة الشرقية بين حلوان وقنا
2
متوسط اتساع السهل الفيضي /كم المساحة /كم االمتداد /كم الحوض م
7.7 196.76 56 الصف 1
6.1 280 36 أبنوب 2
2.67 176.36 52.5 البداري 3
2.8 149.86 45.5 أخميم ـ ساقتله 4
2.78 178.21 54.5 أوالد طوق 5
المصدر :محمد المعتصم مصطفى أحمد ،ص13
كما انعكست الخصائص الفزيوغرافية للدلتا على أقسامها اإلدارية ،فلما كانت
خطوط الكنتور في شرق الدلتا تنحرف إلى الجنوب من البحيرات المرة دون أن تواصل
استمرارها صوب الشمال الشرقي كما هو الحال في غرب الدلتا( ،)3أن أصبح القسم الشرقي
من الدلتا أكبر مساحة واتساعاً من القسم الغربي.
ويعتقد البعض أن الدلتا امتدت نحو الشرق لتشمل صحراء شرق الدلتا إلى الشمال
من إقليم القاهرة السويس ،والذي يوجد به وادي الطميالت ،كما امتدت إلى الشرق لتضم
السهول الشمالية داخل سيناء والتي تنحصر بين نطاق الطيات والقباب عند خط كنتور
248
200م في الجنوب وساحل البحر المتوسط في الشمال ،أما امتداد الدلتا غرباً فيتمثل في
المنطقة الممتدة بين وادي النطرون في الشرق واألراضي الزراعية لغرب الدلتا وباالتجاه
نحو الشمال الغرب حتى جنوب اإلسكندرية( ،)1ولكن قد يكون هذا االعتقاد مرتبط بمفهوم
الدلتا الطبيعي ،خاصة وأن الدلتا لها مفهومانـ طبيعي وهو المقصود به الرقعة السهلية التي
انتشرت فيها الرواسب النهرية ،ومدلول بشري يرتبط بنشاط اإلنسان المصري في هذا
السهل الفيضي ،والمدلول البشري من حيث الرقعة المكانية أضيق من المدلول الطبيعي
للدلتا(.)2
وقد انعكس هذا بالتالي على تقسيم الدلتا اإلداري بين شرقها وغربها ووسطها
طوال الفترات التاريخية المختلفة ،ويظهر هذا بوضوح في عدد األقسام اإلدارية التي كانت
تضمها أقسام الدلتا منذ القدم حيث يالحظ أن شرق الدلتا كانت تضم إبراشية أوجستا األولى
وإ براشية أوجستا الثانية وكانت إبراشية أوجستا األولى تمتد شرقاً حتى تضم رينوكلورا
(العريش) ،في حين أن غرب الدلتا لم يكن يضم سوى إبراشية إيجيبتيكا وكانت تضم إلى
جانب أقسام غرب الدلتا أقسام وسط الدلتا اإلدارية أيضاً ،واألمر لم يكن يتوقف فقط على
عدد األقسام اإلدارية بل كان يالحظ أن مساحة األقسام اإلدارية في شرق الدلتا أكبر منها في
غرب الدلتا ووسطها ،ويبدو كذلك جليا في فترة الحكم العربي لمصر سواء خالل فترة
الكور الصغرى أو الكبرى أو األعمال(.)3
وفي الوقت الحالي فإن شرق الدلتا يضم كل من محافظات القليوبية ،والشرقية،
والدقهلية ،ودمياط ،ناهيك عن محافظات القناة ،في حين أن غرب الدلتا ال يضم غير
محافظة البحيرة ،ومحافظة اإلسكندرية وجزء من محافظة المنوفية فقط.
كذلك كان موضع مدينة القاهرة ونشأته مرتبط أشد االرتباط بالظروف الطبيعية
للنيل وخطوط الكنتور ،حيث ينفرج السهل الفيضي على الضفة الشرقية تدريجيا شمال دار
السالم ،وتتقهقر حافة الوادي نحو الشرق ،وتحدد تالل المقطم الجيرية رقعة السهل الفيضي
في الشرق كما تحدد تالل عين الصيرة وتالل بطن البقرة السهل في الجنوب والجنوب
)?(1صبري محمد محمد ،سكان الصحاري المصرية ،دراسة جغرافية ،رسالة دكتوراه ،كلية اآلداب،
جامعةـ القاهرة.1992 ،
)?(2عبد العال عبد المنعم الشامي ( ،)1977المقدمة صفحة ب.
)?(3يمكن مالحظة ذلك من خالل خرائط الفصل األول.
249
الشرقي ،وتنحدر أراضي هذه الرقعة السهلية نحو الشمال والغرب (نحو النيل) ،وتزداد
رقعة السهل الفيضي كلما اتجهنا شماالً(.)1
كما كان هناك حالة من التوأمة بين منخفض الفيوم ووحدته اإلدارية ،دليل على
الترابط بين المالمح الطبوغرافية واإلدارية ،فمنذ أوائل القرن الماضي وحتى عام 1969
كان اسم محافظة الفيوم ومن قبل مديرية الفيوم واسم منخفض الفيوم (خاصة قاعه المعمور)
يطلقان على مجال أرضي واحد تقريباً ،فلم تتجاوز الحدود اإلدارية لمحافظة الفيوم القاع
المعمور للمنخفض فعلى حين قدرت مساحة المنخفض 1700كم ،2كانت مساحة المحافظة
)2(2
1734كم ،
وقد كان التقسيم اإلداري لمنخفض الفيوم مرتبط بالبحيرة أشد االرتباط ،وقد كانت
ظروف منخفض الفيوم اإلدارية تشبه إلى حد كبير ظروف الدلتا اإلدارية ،فالدلتا لم تنضج
إدارياً مرة واحدة بل على مراحل ،وكذلك منخفض الفيوم لم يكتمل بناءه اإلداري مرة واحدة
بل على مراحل ،مرتبطة بالتحكم في كمية المياه المنصرفة نحو المنخفض ،ويرجع ذلك إلى
أن الفيوم مرتبط في تطوره الفزيوغرافي بالبحيرة ،فإن البحيرة هي التي حددت امتداد
مراكز العمران في العصور المختلفة ،كما حددت مساحة المناطق القابلة للزراعة( ،)3بل إن
إقليم الفيوم استفاد من وجود عاصمة مصر في عهد األسرة ال 12مكان قرية "اللشت"
الحالية جنوب مدينة منف بحوالي 15ميال ،مما انعكس على تعمير مناطقه الشمالية الشرقية
والشرقية والجنوبية الشرقية منذ عهد األسرات القديمة ،وتطور مع األسرة الوسطى(.)4
وهذا يؤكد على أثر عامل التضاريس في التقسيم اإلداري لمنخفض الفيوم ،فألن
سطح الفيوم درجات وآفاق كنتورية متتابعة من أعلى إلى أسفل ،فقد تتابعت آفاق العمران
واالستقرار بعضها فوق (أو تحت) بعض طبقات ،ال كشرائح رأسية متتابعة فحسب ولكن
كمراحل زمنية ،والواقع أن معظم مدن ومحالت الفيوم التاريخية كانت يوماً ما مواقع
250
شاطئية على ساحل البحيرة( ،)5مما يعني أن التقسيم اإلداري لمنخفض الفيوم كان مرتبط أشد
اإلرتباط بالبحيرة صعوداً وهبوطاً.
وقد كانت محافظة البحيرة تشبه إلى حد كبير محافظة الفيوم ،فقد كانت حدودها
اإلدارية تتفق مع حدودها الطبيعية والجغرافية ،حتى بداية السبعينيات على األقل ،فقد كانت
حدودها اإلدارية تتمثل في فرع رشيد شرقاً وساحل البحر المتوسط شماالً والهامش
الصحراوي للدلتا غرباً وجنوباً(.)1
ونظراً لالنفصال بين الوادي والصحراء أن ظهرت وحدات إدارية منفصلة لها
وضع إداري مميز فقد كانت الواحات في الصحراء الغربية ذات كيان إداري مستقل ،في
عهد البيزنطيين ،حيث عرفت باسم الطبياد األعلى ،وفي فترات تاريخية أخرى كانت تلحق
كوحدة إدارية صغرى داخل الوحدة الكبرى ،كما في العهدين الروماني والعربي .ومع
االحتالل البريطاني أصبحت وحدات إدارية خاضعة للحكم العسكري .كما ظهرت وحدات
إدارية في سيناء على طول طريق درب الحاج بموازاة الساحل الشمالي ،وكذلك على طول
ساحل البحر األحمر ،حيث القصير وكانت تتبع مديرية قنا .وقد ذكر المقريزي الواحات
منقطعة وراء الوجه القبلي ،مغاربة لم تُعد في الواليات وال في األعمال ،وال يحكم
بأنها ُ
عليها والي السلطان ،وإ نما يحكم عليها من قبل ُمقطعها(.)2
)?(5أنظر جمال حمدان ،شخصية مصر ،مرجع سبق ذكره ،ج ،2ص.913
)?(1أحمد حسن إبراهيم ،سكان محافظة البحيرة والعوامل المؤثرة في توزيعهم ،دراسة كارتوجرافية،
رسالة ماجستير ،كلية اآلداب ،جامعة القاهرة ،1970 ،المقدمة.
)?(2أيمن فؤاد سيد ،تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي ،المواعظ واالعتبار بذكر الخطط
واآلثار ،المجلد األول ،مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي ،لندن ،2002 ،ص .198
251
ثانياً :التربة:
مما ال شك فيه أن التربة أحد العوامل المهمة في مناطق العمران الريفي والتي
تعتمد على الزراعة أو الرعي كأساس للمعيشة ،فموضع السكن أو المركز العمراني يتحدد
من خالل المنطقة الصالحة للزراعة ،وفي حالة صغر مساحة التربة الجيدة القابلة للزراعة
يتحاشى السكان بناء مساكنهم في تلك المنطقة( ،)1ومن ثم كانت التربة أحد العناصر الطبيعية
التي تؤثر في البناء اإلداري وتقسيماته داخل الدولة ،وكانت تربة مصر الفيضية في وادي
النيل ودلتاه مركز التوطن البشري والعمراني ،وكان تقسيم األراضي وتعيين حدودها أهم
العوامل الداعية إلى وضع بناء إداري للدولة.
وكانت حدود العمران في مصر تنقطع وتنتهي حيث تنتهي التربة الطينية الفيضية
وتصبح التربة رملية غير خصبة وغير منتجة ،ففي الوادي االنتقال إلى الصحراء سهل
بحيث إنه يمكن اعتبار نهاية األراضي الزراعية في الوادي هي بداية الصحراء ،في حين أن
الدلتا يوجد بها نطاق انتقالي للتربة المختلطة التكوين بين األراضي الزراعية التي تتكون
من التربة الرسوبية النيلة والرملية الخشنة التي تكون أراضي الهوامش(.)2
وحركة النهر ونشاطه من نحت وإ رساب تلعب دوراً فعاال في إضافة أو اختفاء
وحدات إدارية ،حيث يقدر متوسط مساحة أراضي طرح النهر حوالي 1000فدان سنوياً،
ويبلغ متوسط مساحة ما يأكله النهر 800فدان ،أي أن هناك زيادة 200فدان تضاف في
المتوسط إلى مساحة الطرح( .)3ومن ثم فإن النيل يساهم في تشكيل الوحدات اإلدارية لمصر
بما يأكله من جهة ويطرحه في جهة أخرى ،األمر الذي يؤدي إلى العديد من المشاكل
اإلدارية ،ومن أمثلة ذلك ،اتصال جزيرة أبو نشابة ،الواقعة بفرع رشيد والتابعة إداريا
لمحافظة البحيرة ،بالضفة الشرقية للفرع التابعة لمحافظة المنوفية ،وطبقا للقانون الذي يحدد
الحد اإلداري بإتباعه خط الوسط median lineوهو الخط الذي يبعد بمسافتين متساويتين
عن ضفتي النهر ،تصبح هذه الجزيرة تابعة لمحافظة المنوفية ،ويترتب على ذلك تحرك
الحد اإلداري غربا بحيث يتمشى مع خط الوسط في فرع رشيد(.)4
252
ويعتبر موضع مدينة القاهرة من المواضع المدينة لحركة النهر وهجرته ،فقد أدى
انحسار النيل إلى ظهور أراضي جديدة اتصلت بالضفة الشرقية كان لها دورها في نمو
مدينة القاهرة على مدى ألف عام تقريباً ،والجدول التالي يوضح أراضي الطرح على
الضفتين الشرقية والغربية لمدينة القاهرة ومدى ضخامة ما حصلت عليه الضفة الشرقية من
أراضي في مقابل الضفة الغربية .كما يظهر بالجدول التالي.
جدول رقم ( )2أراضي الطرح على الضفتين الشرقية والغربية لمدينة
القاهرة
اإلجمالي % الضفة % الضفة الشرقية التاريخ م
الغربية
2
- - - 7.73 1.42كم 69هـ 649 /م الطرح األول
2
- - - 16.87 3.13كم 320هـ 910 /م الطرح الثاني
2
- - - 14.89 2.73كم 520هـ1100/م الطرح الثالث
2
- - - 6.00 1.13كم 650هـ1230/م الطرح الرابع
2
- - - 11.4 2.1كم 670هـ1250/م الطرح الخامس
2
- - - 35.56 6.54كم 680هـ1260/م الطرح السادس
2
- - - 2.96 0.55كم 806هـ1386/م الطرح السابع
2
- - - 4.56 0.84كم 1830م الطرح الثامن
2 2 2
25.51كم 28.02% 7.15كم 71.98% 18.44كم اإلجمالي
المصدر :فتحي محمد مصيلحي ،ص .10-9
ولما كانت التربة الفيضية في مصر مرتبطة بنهر النيل وفروعه ،فإن الدلتا في
العصور القديمة لما كان لها من أفرع عديدة ،أن ظهر أثرها في اتساع مساحة الدلتا ،ومن ثم
ظهور وحدات إدارية كثيرة في مناطق هي اآلن تكاد تكون صحراوية ،أو كانت كذلك
بالفعل قبل عمليات االستصالح الزراعي ،فكانت مدينة بيلوز تقع على الضفة الشرقية للفرع
البيلوزي ،وكانت واحدة من أقدم موانئ الدلتا النهرية وعلى عالقة تجارية بكل من سوريا
وكليكيا ،ولكن اندثار الفرع البيلوزي عجل بنهايتها(.ً)1
وهناك اتهام صريح للعرب ،غير مقبول علميا وعمليا ،بأنهم كانوا وراء فقد الدلتا
لحوالي %40من مساحتها نهباً لألمالح والبوار ،فطبقاً لويلكوكس وكريج فإن األراضي
)?(1محمد أحمد سعد منتصر ،الفروع الدلتاوية القديمة ،رسالة ماجستير ،كلية اآلداب ،جامعةـ القاهرة،
،1968ص ص . 214-213
253
شمال الدلتا كانت خصبة حتى أوائل العصر العربي ،وتنتشر بها القرى والزراعات ،وبعد
الفتح العربي دمرت الجسور في تلك المنطقة فساء ريها وصرف مياهها ،وزادت نسبة
األمالح في األرض وفقدت خصوبتها بالتدريج ،ثم بارت في النهاية ،وترك نحو %40من
األرض المزروعة شمال الدلتا وشرقها بعيدة عن الزراعة لفترات طويلة ،وقد انعكس ذلك
على الوحدات اإلدارية التي كانت موجودة في شمال الدلتا والمحصورة ما بين بيلوز
واإلسكندرية(.)1
ولكن الحقيقة أن النطاق الهامشي الساحلي للدلتا كان ينفصل عن المعمور الدلتاوي
بالبحيرات والسياحات والتكوينات الرملية ،وكانت مراكزه العمرانية واإلدارية ذات صفة
مستقلة من الناحية اإلدارية وغير مرتبطة باألقاليم اإلدارية الكبرى ،وعرفت هذه المراكز
العمرانية باسم الثغور والرباطات ،وكانت ذات سمات حربية ،ومن ذلك ثغر البرلس وثغر
نستراوة وثغر أخنا(.)2
وكان للتربة الخصبة ،لما توفره من أراضي صالحة للزراعة ،دور حاسم في بقاء
واستمرار بعض المدن والوحدات اإلدارية مقابل انهيار األخرى وتراجع أهميتها ،ففي
الوقت الذي تعرض فيه ثغر دمياط لضربات الصليبين المتتالية ،وتم هدمها ونقل سكانها ،إال
أن موضعها الغني وظهيرها الزراعي مكنها من النمو والمحافظة على مكانتها طوال
تاريخها مقارنة بثغر رشيد(.)3
وكان التساع السهل الفيضي في شرق ووسط الدلتا مقارنة بغرب الدلتا أن انعكس
على الوضع اإلداري لكل من األقسام الثالثة ،نظراً لما يضمه كل قسم من تربة وأراضي
خصبة صالحة للزراعة ،ففي فترة األعمال ،حيث ال يتسع السهل الفيضي في غرب الدلتا
نتيجة القتراب الهامش الصحراوي للدلتا فال يظهر غير عمل البحيرة وجزء من عمل فوه
والمزاحمتين ،وال يزيد نواحيه عن 230ناحية ،في المقابل فإن شرق الدلتا حيث السهل
الفيضي أكثر اتساعاً كان يضم األعمال الشرقية ،واألعمال الدقهلية ،والمرتاحية ،واألعمال
القليوبية ،وعمل الضواحي ،وضواحي ثغر دمياط ،ونحو 700ناحية ،أما وسط الدلتا فكان
يضم األعمال الغربية واألعمال المنوفية ونحو 750ناحية(.)4
254
وقد كان سفي الرمال وتغطيتها لألراضي الزراعية من أكبر العوامل التي كان لها
دور في تراجع أهمية الكثير من الوحدات اإلدارية ،وإ عادة تشكيل البناء اإلداري لمصر من
جديد ،فقد تعرض إقليم بحر يوسف لسفي رمال الصحراء األمر الذي أثر على مدينة البهنسا
وإ قليمها ،وكانت الرمال قد زحفت عليها وغطت الكثير من أرض مزارعها( .)1وكانت
األقسام اإلدارية الواقعة على حواف الصحراء األكثر عرضة للتراجع وفقدها لمكانتها
اإلدارية ،نتيجة لزوال التربة بسبب قطع النباتات ،وتدمير مشاريع الري(.)2
وقد كانت الخريطة اإلدارية لمصر في العهد العثماني حيث الواليات ،وفي عهد
الحملة الفرنسية أكبر دليل على تراجع نال من كافة النواحي االقتصادية والعمرانية
واإلدارية ،ففيما يذكر أن مساحة األراضي الزراعية في فترات االزدهار في العصور
القديمة كانت تقدر بحوالي 5.5مليون فدان( ،)3فإنها لم تكن تزيد بأية حال عن 1.5مليون
فدان في نهاية العهد العثماني أو أثناء الحملة الفرنسية ،يعيش عليها 2.5مليون نسمة تبعاً
لتقدير الحملة الفرنسية ،ويؤكد ذلك إذا علمنا أن مساحة األراضي المزروعة في عهد محمد
علي عام 1821قدرت بنحو مليوني فدان( ،)4رغم ما بذله محمد عليه من جهد كبير ،وقد
استعاد محمد علي الكثير من البناء اإلداري لمصر ،من خالل استعادته ألراضيها الزراعية،
وإ حياء مواتها ،فقدرت مساحة األراضي الزراعية في عام 1840بحوالي
،)5(3.856.000أي أنه يمكن القول أن مساحة األرض الزراعية قد وصلت عند وفاة محمد
علي عام 1849نحو أربعة ماليين فدان بشكل مؤكد ،ويسكنها حوالي 4542620نسمة،
طبقا آلخر تقدير تم في عهد محمد علي عام 1848م(.)6
ودراسة التاريخ العمراني في مصر تطلعنا على دورة حضارية أساسية تتكرر فيه
على إيقاع النهر وضبطه ،فالمالحظ أن كفاءة ضبط النهر تنعكس على الوادي باالتساع
وغزو الصحراء واألراضي البور والبراري وربما الواحات ،ويتمدد الغطاء السكاني في
)?(1محمد محفوظ قاسم،ـ المستوطنات في إقليم بحر يوسف ،دراسة في جغرافية العمران ،رسالة دكتوراه،
كلية اآلداب ،جامعةـ القاهرة ،1984 ،ص .352
)?(2المرجع السابق ،ص ص .356-355
)?(3محمد أحمد سعد منتصر ،مرجع سبق ذكره ،ص .235
)?(4عبد الرحمن الرافعي ،مرجع سبق ذكره ص .626
)?(5المرجع السابق ،ص .627
)?(6محمد صفي الدين أبو العز وآخرون ،ص ص .422-420
255
األطراف والهوامش خاصة شمال الدلتا التي تتحول حينئذ إلى "جبهة ريادة" Pioneer
""Frontفتية طليعية ...ذلك قانون إيكولوجي عرفته مصر بانتظام ،ويمكن تسميته قانون
"النبض الهامشي" " ،"Marginal Vibrancyألن وقعه أوضح ما يكون في هوامش
المعمور وأطرافه بحسبانها أكثر حساسية وتذبذباً من قلبه ،وهو تعبير مباشر على أن مصر
في نهاية األمر واحة تحيط بها الصحراء من كل الجهات وانعكاس للصراع األبدي بين
الطين والرمل(.)1
ويمكن تتبع حاالت النبض الهامشي في الفيوم ،حيث رسمت البحيرة وحددت امتداد
()2
مراكز العمران في العصور المختلفة ،كما حددت مساحة األراضي القابلة للزراعة ،
فبحكم تركيبها المورفولوجي شكال وموقعاً وتضاريس ومائية ،تمثل الفيوم واحداً من أبرز
نماذج النبض الهامشي ،فمع تكوين بحيرة موريس واالستصالح في عهد األسرة الـ 12ثم
مع البطالسة تقدم التعمير ،وإ لى جانب المعمرين اإلغريق والمقدونيين هاجر الفالحون
المصريون بالجملة ،من مختلف قرى الصعيد والدلتا ،ونقلوا معهم نفس أسماء قراهم
القديمة ،وفي أواخر عصر البطالسة انكمشت المساحة المزروعة وتناقص السكان بشدة
وهجرت كثير من القرى والمحالت( ،)3وتحولت بعض مناطقها إلى أراضي صحراوية ،ولم
يعثر على أثر لمدن كبيرة مثل كركيوزيريس (الغرق) ،مجدوال (كوم مدينة النحاس)،
كرانيس (كوم أوشيم) ،ديونيسياس (قصر قارون)،ـ تاليتس (كوم طليط) ( .)4وفي العهد
العربي ال يفتأ النابلسي يلح على أنه باإلمكان أن يكون اإلقليم أغنى بكثير إذا ما أصلح نظام
الري بالتطهير والصيانة وشق الترع في التخوم الصحراوية والبحيرية المهجورة(.)5
ويمكن تتبع دور التربة كذلك في الوحدات اإلدارية التي تشكلت خارج إطار الوادي
والدلتا ،ففي الساحل الشمالي غربي اإلسكندرية ،استمدت مرسى مطروح أهميتها في
العصر الروماني ،نظراً لوجود التربة التي كونتها الفيضانات الغطائية soil of fluvial
،fansحيث توجد في مجموعة من األغواط ،وكذلك تتواجد تلك التربة في سالسل
256
المرتفعات بمنطقة مريوط( ،)1كما استمدت العريش أهميتها وحافظت عليها ،نظراً لوقوعها
عند مصب وادي العريش حيث التربة الخصبة ودلتاه الضخمة(.)2
وكان لبحث المستثمرين عن األراضي الزراعية والتربة الخصبة دوراً بارزاً في
وضع بذور لبعض األقسام اإلدارية الجديدة ،ظهر أثرها فيما بعد على منطقة االستصالح
الزراعي واإلقليم الذي تقع فيه ،ومن ذلك تفتيش كوم أمبو حيث بلغت أراضي االمتياز التي
قامت بزراعتها الشركة حوالي 70172فدان( ،)3األمر الذي انعكس على التقسيم اإلداري
لمديرية أسوان حيث ظهر مركز كوم أمبو ،وكان نقطة تجمع لسكان النوبة المهجرين بعد
بناء السد العالي ،كما تم إنشاء مركز جديد وهو مركز نصر النوبة على هوامش مركز كوم
أمبو.
ولكن مقارنة المحاوالت السابقة باستعادة بعض األراضي البور واستصالحها ال
يمكن أن يعوض مقدار الفقد الكبير الذي تعرضت له مصر جراء ما عرف بكارثة البراري
شمال الدلتا ،فقد كان ما يعرف بالبراري اآلن وبحيرات الساحل الشمالي مناطق زراعية
خصبة وأقسام إدارية ضمن البناء اإلداري ووحداته ،وبتر البراري أفقد المعمور المصري
أكثر من 1.5مليون فدان على طول الساحل الشمالي ،أي نحو %40من مساحة الدلتا ،من
أخصب األراضي السوداء الثقيلة ،وبالتالي غيرت األوزان النسبية لقطاعات الدلتا الثالث
مساحة ،وبالتالي إمكانيات وإ نتاجاً وسكاناً ففي غرب الدلتا لم يكد المعمور المتبقى يبلغ ربع
المساحة العامة ،مقابل النصف تقريباً في شرقها ،والثلثين في وسطها ،ومن نحو 6.5مليون
فدان صالحة للزراعة على األقل ،فقدت مصر 1.5مليون فدان ،وانكمشت مصر الدولة
وتضاءلت حقيقيا ونسبياً بالبراري ،وأصبحت بعد البراري دولة أصغر منها قبل البراري(.)4
ومع محمد علي كان استعادة األراضي الزراعية وإ عادة إحياء األرض الموات
معناه ظهور مصر في ثوب إداري جديد يتناسب وما يطمح إليه الوالي النابه ،وكان تأريع
محمد علي في عام 1813هو بداية لوضع األمور في نصابها السليم ،وهناك دالة تاريخية
وهو أن عصور مصر العظيمة اقتصاديا ،سكانيا ،وإ دارياً كانت ترتبط بعمليات إعادة مسح
257
لألراضي الزراعية وتقدير مساحاتها ،وهو ما قام به محمد علي ليس مرة واحدة ولكن أكثر
من مرة ،ولم تعد األقسام اإلدارية في عهد محمد علي ،كما كان الوضع في عهد الحملة
الفرنسية ،عبارة عن مناطق مأهولة وأخرى غير مأهولة محملة ومضافة عليها ،فكان زيادة
مساحة الرقعة الزراعية في عهده أن انتقلت عاصمة الشرقية من بلبيس إلى الزقازيق التي
()1
تتوسط مناطق زراعة القطن ،وعلى سبيل المثال ال الحصر كانت ترعة المحمودية سبباً
في عمران البالد التي مرت بها في إقليم البحيرة واإلسكندرية ،حتى أن الجبرتي يذكر أن
األراضي الواسعة التي تمر بها ترعة المحمودية كانت من منبعها إلى مصبها صحراء قاحلة
()2
ال ينبت فيها زرع .
ومع حفر الترع والقنوات بدأت الرقعة الزراعية تستعيد عافيتها مرة أخرى وهو ما
انعكس على البناء اإلداري للدلتا خاصة مع بداية تحويل الري الحوضي إلى ري دائم،
وينعكس على التوسع في تقسيم الوحدات اإلدارية ،وكان اكتساب مساحات زراعية جديدة
من الصحراء على طول امتداد قناة السويس دوراً هاماً في ميالد مدن جديدة وأقسام إدارية
جديدة جذبت السكان خاصة مع وصول المياه الحلوة إليها ،كذلك كان لمشاريع الري في عهد
إسماعيل في الصعيد وإ حياءه ألراضي وسط الصعيد على طول بحيرة اإلبراهيمية وبحر
يوسف دورها في إعادة التقسيم اإلداري وظهور مراكز عمرانية وإ دارية جديدة ،فكانت
التربة بذلك قاسم مشترك مع مصادر المياه في ظهور وحدات إدارية جديدة ،ولم يأت نصف
القرن العشرين حتى كان هناك مديرية جديدة وهي مديرية كفر الشيخ تستعيد بعض ما
اقتطعته البراري في زمن سابق ،وتبعث الحياة في مساحة كبيرة شمال الدلتا.
ومع عصر الثورة كان الستصالح األراضي الزراعية دوره في نشأة مراكز
إدارية جديدة خاصة في مناطق الهوامش وفي أطراف الدلتا ،فقد قدرت المساحة المستصلحة
في شرقي الدلتا في بداية الخمسينات بحوالي 59740فدان ،في مناطق وادي الطميالت،
ومنطقة توسع بلبيس وأنشاص جنوب ترعة اإلسماعيلية ،وسهل الحسينية ،وسهل جنوب
بورسعيد ،منطقة صان الحجر ،أما في غرب الدلتا فقدرت المساحة المستصلحة بحوالي
55000فدان في منطقة األمالك والتحرير( ،)3فمراكز ميت سلسيل ،الجمالية ،والمطرية في
محافظة الدقهلية ،والصالحية الجديدة في الشرقية نتاج لعمليات االستصالح الزراعي،
)?(1ماهر عبد الحميد الليثي ،استغالل األرض في مركز بلبيس ،دراسة كارتوجرافية ،رسالة ماجستير،
كلية اآلداب ،جامعةـ القاهرة ،1966 ،ص .11
)?(2عبد الرحمن الرافعي ،مرجع سبق ذكره ،الجزء الثالث ،ص .493
258
وظهور مركز حوض عيسى ومركز بدر ،وضم وادي النظرون لمحافظة البحيرة نتاج
كذلك لعمليات االستصالح الزراعي ،فبعد نضوب النطرون من الوادي روعي ضرورة
التحول للزراعة وبدأ ذلك عام 1952بمساحة بلغت 4000فدان ،باإلضافة لزراعة بعلية
مساحتها 2400فدان( ،)1بل أن مياه النيل قد عبرت قناة السويس قبيل حرب 1967
الستزراع ساحل سيناء الشمالي.
بل إن تحويل محافظة ذات طابع حضري إلى محافظة ذات طابع ريفي ،كان أحد
أسبابه وجود التربة الصالحة للزراعة ،والمساحات القابلة لالستصالح بها ،وذلك ما حدث
()2
مع محافظة اإلسماعيلية عام 1964م .
وال شك أن المشاريع الزراعية الجديدة اآلن في توشكى والعوينات والساحل
الشمالي وترعة السالم ،حيث تهدف خطط الدولة إلى استزراع حوالي نصف مليون فدان
في توشكى وجنوب واحة باريس ،وزارعة 650ألف فدان شمال سيناء بطول ترعة
السالم ،واستزراع حوالي 200ألف فدان في شرق العوينات( ،)3مشاريع سوف تستلزم
وضع هيكل إداري جديد لهذه المناطق ،كي يسهل ويساعد على عملية النمو لتلك المناطق
الجديدة ويدفع بالسكان لتعميرها واالستقرار فيها ،ولعل هذا األراضي الزراعية تعيد
لألذهان ما قام به البطالمة والرومان في منخفض الفيوم ،وما تم في منطقة البراري
وهوامش الدلتا في القرن الماضي ،وقد ظهرت بوادر هذا التغيير اإلداري حين أعلن في
أعقاب التعديالت اإلدارية في أبريل 2008بأن هناك نية في تحويل منطقة مشروع توشكى
إلى محافظة جديدة.
ثالثا :مصادر المياه:
)?(3آمال إسماعيل حسن شاور ،مورفولوجية هوامش دلتا النيل الصحراوية ،رسالة دكتوراه ،كلية اآلداب،
جامعةـ القاهرة ،1971 ،ص ص .138-135
)?(1محمود محمد علي سيف ،مرجع سبق ذكره ،ص .269
)?(2محمد عبد العزيز محمد ،استخدام األرض في مركز اإلسماعيلية ،رسالة ماجستير ،كلية اآلداب،
جامعةـ القاهرة ،1985 ،ص . 11
)?(3هايدي عصام يوسف ،مرجع سبق ذكره ،ص ص .78-75
259
تعد من أهم عوامل توقيع المراكز العمرانية ،فإنه في المناطق الصحراوية أو شبه
الصحراوية يكون مصدر ومورد المياه عامالً حاسماً في توقيع مراكز العمران وفي نموها
وتطورها(.)1
ولما كانت الحقيقة الكبرى في كيان مصر هي أنها بيئة فيضية ال تعتمد على المطر
الطبيعي في حياتها وإ نما على ماء النهر( ،)2فإن نهر النيل بفروعه وقنواته ،كان المحدد
األساسي لألقسام اإلدارية لمصر طوال تاريخها البشري والعمراني.
فالبناء اإلداري لمصر كان ينهض على أساس توزيع المياه واألحواض الزراعية،
أي أن أقسام مصر اإلدارية كانت في حقيقتها أقسام هيدرولوجية ،وكانت سلسلة الجسور
الفاصلة بين كل حوض وآخر هي الحد الفاصل بين كثير من الوحدات اإلدارية خاصة في
الصعيد .بل إنه منذ وقت مبكر انقسمت الدلتا إداريا إلى األقاليم "الشرقية ،الوسطى ،الغربية،
متسقة مع أقسامها الطبيعية المتميزة بسبب فرعي النيل رشيد ودمياط(.)3
وكان عمران مصر ورخائها وزيادة أقسامها اإلدارية يرتبط بشكل وثيق بمدى
االهتمام بإقامة الجسور وشق الترع والقنوات ،كما كان التنظيم والضبط المائي لنهر النيل
هو المحدد لعدد الوحدات اإلدارية وأقسامها .والمعادلة التالية توضح تلك العالقة الموجبة
بين المياه وبين االستقرار العمراني واإلداري(.)4
260
المصريين القدماء قد وصل إلى عشرون قسم إداري (سبات) ،وأنها كانت تتراوح بين أربعة
عشر وسبعة عشر إقليم ،وأن القول بأنها عشرون سبت هو مدلول ومظهر ديني فقط(.)1
ونهر النيل وفروعه ومجاريه لم يحدد عدد األقسام اإلدارية فقط ،سواء في الدلتا أو
الوادي ،بل إنه شكل أهمية تلك الوحدات اإلدارية ،ورفع البعض ووضع البعض اآلخر،
فبيلوز كانت أحد المقاطعات الرئيسية (سبات) في عهد المصريين القدماء ،ومرد ذلك إلى
وقوعها على الفرع البيلوزي ،ولكن اندثار هذا الفرع عجل بنهايتها ،وكذلك مدينة منديس
التي كانت عاصمة لمصر في عهد األسرة التاسعة والعشرين كانت أهميتها كمدينة وقسم
إداري تستمده من وقوعها على الفرع المنديسي ،وتراجعت بتراجع وإ نطماء الفرع،
وغيرهها من المدن واألقسام اإلدارية مثل بوطو ،بوسط الدلتا ،ونوقراطيس وهرموبوليس
بارفا في غرب الدلتا ،وكانتا تقعان على الفرع الكانوبي( .)2بل إن بقاء اإلسكندرية عاصمة
لمصر ،طوال الفترة الممتدة من عصر البطالمة وحتى الفتح العربي ،هو نتيجة ضمان تدفق
المياه إليها عبر الفرع الكانوبي.
لقد كانت األقسام اإلدارية انعكاس ،إلى حد كبير ،لقيمة المجرى المائي الذي يمر
بذلك القسم أو بالقرب منه ،ولما كانت المجاري المائية وأفرع النيل تعمل بمثابة طريق ،فإنه
من الممكن أن ندخل في عالقة جدلية ،أيهما األسبق المدينة والقسم اإلداري أم المجرى
المائي ،فقد كان للمجاري المائية دورها في إنشاء وظهور العديد من المدن ،ومن ثم األقسام
اإلدارية ،فكانت المدن ،واألقسام اإلدارية الواقعة على فرع دمياط أكبر حجما وأكثر عدداً
وأكثر أهمية ،فهناك دمياط ،والمنصورة ،أشمون الرمان ،وفارسكور ،أما في غرب الدلتا
حيث فرع رشيد فلم يكن سوى رشيد على المصب ،وتراجعت أهميتها ،واحتلت فوه مكانتها
وأصبحت قاعدة لكورة فوة والمزاحمتين(.)3
واألمر لم يتوقف عند هذا الحد ،فهذه المدن تقع داخل الدلتا إلى حد كبير ،بل إن
هناك الكثير من المدن التي كانت لها أهمية كبيرة ،رغم كونها تقع على هامس الدلتا ،ومن
هذه المدن بلبيس في شرق الدلتا ،والصالحية في أقصى المعمور شمال شرق الدلتا ،ومدينة
قطيا ،والخانكة ،ويرجع بقاء وازدهار تلك المدن كوحدات إدارية إلى استمرار وصول مياه
261
النيل إليها ممثال في الفرع البيلوزي وما تاله ممثالُ في خليج أمير المؤمنين ،وبحر أبو
المنجا ،وبحر سردوس ،وبحر قليوب ،وخليج شنشا(.)1
وقد لعبت األفرع والقنوات المائية دوراً واضحاً في تحديد األقسام اإلدارية ،حيث
إنها كانت المظهر الطبيعي الواحد والمحدد ،ومن ثم تحددت جزيرة بني نصر "عمل أبيار"
من خالل انحصاره بين خليج أبيار من مخرجه لحين عودته من جديد لفرع رشيد ،وكذلك
جزيرة قوسينيا تشكلت هي األخرى من خالل انحصاره بين فرعي دمياط وذراعه خليج
مليج ،الذي يعود إليه مرة أخرى ،وكورة السمنودية ،التي انحصرت بين فرع دمياط في
شرقيها وخليج المحلة في غربها ،وكورة الدقهلية أحيطت بخليج تنيس في جنوبها والمجرى
األدنى من فرع دمياط في غربها وشمالها ،وعمل المنوفية تشكل من جزيرة بني نصر
بحدودها الطبيعية الواضحة ،والمنوفية المحددة بفرعي النيل ،وعمل الغربية وهو أكبر
األعمال وتحدد بانحصاره بين فرعي رشيد ودمياط ،وحده الجنوبي قام في أضيق مسافة من
األرض فاصلة بين خليج أبيار وخليج مليج(.)2
رمزا على دور المياه ومصدرها في عملية التقسيم اإلداري،
وإ ن كانت الدلتا تقع ً
كونها كانت األكثر ديناميكية بفروعها المتعددة ،ما بين فروع رئيسية وثانوية ،أو بحرية
وبحيرية ،فإن الفيوم كان بمثابة دلتا مصغرة ،وكان التحكم في المياه الداخلة إلى المنخفض،
العنصر األساسي في ظهوره كأحد أهم األقسام اإلدارية في مصر ،فالبحيرة هي التي حددت
امتداد مراكز العمران ،كما كان بحر يوسف يمثل حد أو جزء من األقسام اإلدارية بالفيوم(،)3
وكان ازدهار الفيوم يتوقف على مصادر المياه ،ففي العهد البطلمي بلغ عدد القرى 89
قرية زادت إلى 141قرية في العهد الروماني و 198قرية في عهد البيزنطيين ،وتراجعت
كثيراً في عهد الحملة الفرنسية إلى 69قرية( .)4وقد كان هذا السبب والنتيجة حقيقة ماثلة
وواضحة للعيان ،طوال مختلف العصور المصرية التاريخية ،فالنابلسي في العصر العربي،
يلح على أنه باإلمكان أن يكون إقليم "الفيوم" أغنى بكثير إذا ما أصلح نظام الري والتطهير
والصيانة وشق الترع خاصة في التخوم الصحراوية والبحيرية المهجورة والمهملة (.)5
262
كما لعب بحر يوسف دوراً هاماً في تاريخ البناء اإلداري ألقسام مصر اإلدارية في
مصر الوسطى ،فقد كان وقوع مدينة "حنن نيسوت" ،إهناسيا ،في الغرب بعيداً عن مجرى
النيل الرئيسي ،أن أضحى الفرع اليوسفي عوضاً لها ،فبفضله تمكنت من االتصال بمدن
الدلتا شماالً ومدن الوادي جنوباً ،ولكن تحويل مجرى الفرع إلى الفيوم ،جعل إهناسيا التي
أضحت عاصمة للبالد إبان حكم األسرتين التاسعة والعاشرة 2100-2240ق.م أن تتخذ
من بني سويف مرفأ وميناء لها على النيل( ،)1ومن ثم فالفرع اليوسفي شكل مدينة بني
سويف منذ القدم بشكل غير مباشر ،ومكن إلهناسيا أن تصبح عاصمة ومركز للبالد .بل إن
بعض الدراسات تشير إلى أن بحر يوسف ،كان مجراه يبدأ من شمال ثنية قنا ،فكان يزود
مدينة أبيدوس أو العرابة المدفونة بالمياه( ،)2بمعنى آخر أن بحر يوسف كان يدفع باألقسام
اإلدارية لمصر الوسطى في اتجاه الغرب أكثر مما هي عليه اآلن ،وقد كانت أهمية
البهنساوية ،طوال تاريخها اإلداري ،يرجع في جزء كبير منه إلى بحر يوسف الذي وفر لها
المياه خاصة ألقسامها الواقعة قرب الهامش الصحراوي ،إلى جانب دوره كوسيلة للتنقل.
وكانت بداية مصر الحديثة ونهضتها الحقيقية مع عصر محمد علي ،بل إن البناء
اإلداري والهيكلي لوحدات مصر اإلدارية هي ميراث عن هذا الوالي األريب ،وكان لتنظيم
مياه الري وحفر الترع والقنوات أكبر األثر في صياغة ورسم الخريطة اإلدارية الجديدة
لمصر.
ولما كان الوجه البحري هو نقطة البداية واالنطالق في تحوله إلى نظام الري الدائم
ببناء القناطر وحفر الترع والرياحات الكبرى فإنه كان األكثر أقساماً إدارية ،ويسرت هذه
القنوات والمجاري عملية التقسيم من خالل اتخاذها حدوداً فاصلة بين األقسام وبعضها
البعض ،بل إن اإلسكندرية ذاتها قد عادت إليها الحياة مع حفر ترعة المحمودية وأضحت
واحدة من أهم وحدات مصر اإلدارية.
والمالحظ كذلك أن مساحة األقسام اإلدارية الكبرى قد زادت في عهد محمد علي
نتيجة لحفره قنوات الري حتى حدود الصحراء وهو ما ظهر في مديرية الشرقية التي ضمت
وادي الطميالت ،وكذلك مديرية البحيرة حيث سقت أطرافها من ترعة المحمودية وكذلك
)?(1مرزوق حبيب ميخائيل ،مدينة بني سويف ،دراسة في جغرافية المدن ،رسالة ماجستير ،كلية اآلداب،
جامعةـ القاهرة ،1977 ،ص ص .17-16
)?(2محمد محفوظ محمود قاسم،ـ مرجع سبق ذكره ،ص ص .76-75
263
مديرية الغربية خاصة في نطاق البراري الذي أضحى مديرية الفؤادية فيما بعد ثم عرفت
باسم كفر الشيخ.
كما كان لقناة السويس كمجرى مائي أكبر األثر في إعادة إحياء مراكز عمرانية
قديمة ،في مسميات حديثة بظهور مدينتي اإلسماعيلية ،وبورسعيد ،وإ عادة إحياء مدينة
السويس ،وتطور الوضع اإلداري مع وصول المياه العذبة عن طريق ترعة اإلسماعيلية،
وأصبحت مدن القناة من أهم المحافظات واألقسام اإلدارية في مصر ،ورأس حربة لتعمير
سيناء.
وكان لبناء خزان أسوان وتعليته شأن آخر حيث أدى إلى بتر الجزء الجنوبي من
مديرية أسوان ونقل سكانها إلى الشمال وهجرتهم لها في محافظات مصر ،وضاعت النوبة
بالكامل سواء في مصر أو السودان مع بناء السد العالي وامتالء بحيرته ،وإ ن كان إنشاء
واستصالح أراضي مركز النوبة قد أضاف وحدة إدارية جديدة لمحافظة أسوان ،ثم كان
لتحويل براري الدلتا واستصالحها أكبر األثر في ظهور وحدات وأقسام إدارية جديدة في
محافظة كفر الشيخ ،واستصالح وزراعة أراضي وادي النطرون أدخله في حيز محافظة
البحيرة ،كذلك عادت محافظة الجيزة على الضفة الشرقية مرة أخرى بشكل يعيد ذكرى
مديرية األطفيحية حتى أن البعض يفكر في محافظة جديدة على الجانب الشرقي لمحافظة
الجيزة وجنوب محافظة القاهرة ،وانتهى األمر إلى تشكيل محافظة حلوان.
وإ لى جانب نهر النيل وفروعه وقنواته التي أعطت السمات الرئيسية لوحدات
مصر اإلدارية في الوادي والدلتا فإن مصادر المياه األخرى مثل األمطار والمياه الجوفية قد
ساعدت على ظهور بعض الوحدات اإلدارية الصغرى والبعيدة عن الوادي والمستقلة عن
بناءه اإلداري ،فنظراً لتوافر المياه الجوفية ،بوادي العريش ،التي تقع المدينة عند رأسه،
باإلضافة إلى مياه السيول ،التي تجري به عند سقوط األمطار( ،)1كانت العريش دائماً على
مدى التاريخ اإلداري من أهم الوحدات اإلدارية خارج الوادي ،وكذلك الحال بالنسبة لمرسي
مطروح ،فتعدد مصادر المياه ما بين األمطار ،ومياه اآلبار الرومانية إلى مياه العيون ،ومياه
السراديب والخزانات الرومانية ، galleriesومياه اآلبار العادية باإلضافة إلى مياه خط
األنابيب ،من أهم استمرارها( ،)2كما كان أحد أهم أسباب اتخاذها قاعدة لمحافظة الصحراء
الغربية ،أحد المحافظات العسكرية في فترة الحرب العالمية الثانية .كما كان توفر المياه
264
الجوفية بالواحات أهم أسباب استمرار الحياة بها ،وعلو شأنها في بعض الفترات التاريخية،
وقد وردت عند بليني ألول مرة ضمن نومات مصر ،حيث الواحتين األولى والثانية ضمن
إقليم مصر الوسطى(.)1
وسوف يكون انتقال مياه النيل إلى الوادي الجديد عبر ترعة توشكى ،وإ لى سيناء
عبر ترعة السالم ،وتوافر المياه الجوفية في شرق العويناتُ ،يمكن لبداية تشكيل إداري جديد
في هذه المناطق البكر.
كما أن استزراع شواطئ بحيرة ناصر ،سوف يساهم في إعادة البناء اإلداري
لمحافظة أسوان وجنوب لمصر لما كان عليه الوضع في القرن التاسع عشر ،وسوف تكون
هذه المراكز بمثابة نبض إداري هامشي ،يحقق بعض ما تصبو إليه مصر ،بتوزيع سكاني،
وزيادة مساحة الرقعة المعمورة ،ومن الممكن أن تلعب هذه المراكز ،همزة الوصل بين
السودان من جهة ،ومناطق االستصالح الزراعي في توشكى والعوينات وساحل البحر
األحمر من جهة أخرى.
مما سبق يتضح أن موارد المياه من أهم عوامل التقسيم اإلداري بل والسياسي ،وقد
يكون استخدام مياه نهر النيل االستخدام المثالي ،وشق القنوت على هوامش الوادي والدلتا
دوراً كبيراً في إعادة التنظيم اإلداري وظهور وحدات إدارية جديدة تجذب السكان إليها مع
توافر المياه واألراضي المستصلحة ،وقد يكون لمشاريع توشكى ،والعوينات ،وترعة
السالم ،دوراً في ظهور بناء إداري جديد يستلزم خريطة إدارية تتالءم مع هذه التطورات
العمرانية واالجتماعية واالقتصادية.
مما سبق يتضح أن نسيج العوامل الطبيعية الممثلة في المالمح الطبوغرافية
للسطح ،ومصادر المياه ،والتربة كان لهم أكبر األثر في هيكل وبناء الخريطة اإلدارية
لمصر بوجه عام وخريطة الوجه البحري اإلدارية بوجه خاص ،على مدى عصور مصر
التاريخية ،وقد يكون لها نفس األمر بقوة في قادم األيام.
وإ ن كان من األهمية بمكان أن يكون هناك إرادة للتخلص من هذا الجمود واألسر
الطبيعي لخريطة مصر اإلدارية وكما استطاع المصريون أن يضيفوا لمصر مساحات
جديدة لكل من الوادي والدلتا عن طريق التحكم في الفيضانات ،ورفع المياه لمستوى
األراضي العالية ،ومد العديد من قنوات الري ،وشق قنوات الصرف فاألمر يستلزم بجد في
الوقت الحالي العديد من الجهود إلضافة المزيد من األراضي المستصلحة لمصر الوادي
( ) John Ball، Op .Cit. p 77.
? 1
265
والدلتا وقد يكون مشروع الظهير القروي والوادي الموازي كأفكار الدكتور فاروق الباز،
باإلضافة إلى مشاريع توشكى والعوينات وترعة السالم بداية حقيقية وأكيدة لهذا المطلب.
266
المبحث الثاني :العوامل البشرية
تتعدد عوامل وعناصر الجغرافية البشرية التي تنعكس آثارها على الهيكل والبناء
اإلداري لوحدات مصر وأقسامها اإلدارية؛ فالعامل البشري أكثر فاعلية وديناميكية من
العامل الطبيعي االستاتيكي إلى حد بعيد ،األمر الذي يعني تعدد وسرعة التغيرات اإلدارية.
ودراسة العوامل البشرية وأثرها على الحدود واألقسام اإلدارية يتم من خالل تناول
اآلتي:
-2النقل والمواصالت -1السكان والعمران
-4العامل االقتصادي. -3العامل السياسي واألمني
أوالً :السكان والعمران:
ما كانت الوحدات اإلدارية إال لضبط التواجد البشري والعمراني وتنظيمه ،والبناء
اإلداري وأقسام مصر اإلدارية على طول تاريخها متأثرة بالعامل السكاني والعمراني وهناك
عالقة طردية بين السكان والوحدات اإلدارية ،فحيث زاد السكان حجما وكثافة زاد عدد
الوحدات اإلدارية ،وحيث تراجع عدد السكان وقل التزاحم تم دمج الوحدات اإلدارية مع
بعضها البعض .وهذا ظاهر على طول تاريخ مصر منذ المصريين القدماء وحتى اآلن،
فتاريخ الوحدات واألقسام اإلدارية إلى حد كبير هو تاريخ سكاني وعمراني(.)1
فقد كان عدد األقسام اإلدارية في عهد المصريين القدماء 42سبات تراجع إلى 36
في عهد البطالمة نتيجة لتراجع سكان مصر ،وتدهورها العمراني ،األمر الذي نجم عنه دمج
الوحدات اإلدارية مع بعضها البعض ،ولعل الحديث عن تراجع واضمحالل منف وطيبة
دليل على هذا التراجع السكاني( ،)2وتشير الدراسات إلى أن عدد سكان مصر وصل إلى
قمته في عهد الرعامسة ،حيث تراوح ما بين 12-10مليون نسمة ،تراجع إلى سبعة ماليين
في عهد البطالمة(.)3
ومع استقرار البالد في بداية العصر الروماني ،بدأ السكان في الزيادة مرة أخرى
وظهر ذلك في ظهور أقسام إدارية جديدة كي تواكب هذه الزيادة السكانية حيث بلغ عدد
)?(1انظر محمد أحمد سعد منتصر ،مرجع سبق ذكره ،ص ،240و عالء الدين عبد الخالق ،فتحي محمد
مصيلحي ،مرجع سبق ذكره ،ص ص .196-168
)?(2عبد الفتاح وهيبة ،أيحاث ندوة األقسام اإلدارية ،مرجع سبق ذكره ،ص12
)?(3رمضان عبده علي ،مرجع سبق ذكره ،ص .150
267
الوحدات اإلدارية في عهد الرومان إلى 47نوم ،تشير التقديرات السكانية بأن عدد سكان
مصر ،عدا اإلسكندرية ،قدر بسبعة ماليين ونصف مليون نسمة في عهد الرومان(.)1
وقد انعكست أحداث الصراع الديني على الوضع السكاني لمصر حيث هجر كثير
من الفالحين لألرض هرباً من ظلم جباة الضرائب والتنكيل بأصحاب األرض وإ قبال كثير
من القبط على حياة الرهبنة والعزلة واتقاء شر الحاكم( .)2وقد ظهر أثر ذلك على البناء
اإلداري حيث قسمت البالد إلى وحدات إدارية كبرى بغرض إحكام قبضة الحاكم المستعمر
وفرض وحدات إدارية (دوقيات) اصغر كي تالئم اإلطار والوضع الكنسي( ،)3ومن ثم
فالبناء اإلداري كان بناء كنسياً الغرض منه فرض ديانة البيزنطيين على المصريين في
المقام األول ،ثم يأتي ضبط أمور اإلدارة والحياة في المقام الثاني.
ولعل عصر المستنصر باهلل الفاطمي ،دليل آخر على العالقة بين الوزن السكاني،
والعمراني للبالد وأقسامها اإلدارية ،حيث تم في عهده دمج األقسام اإلدارية لمصر ،نتيجة
لتراجع سكانها ،حتى أصبح تقسيمه هذا هو القاعدة التي بنيت عليها أقسام مصر اإلدارية
التالية ،حيث ظهرت الكور الكبرى من دمج الكور الصغرى ،وكان مما أوجب هذا التغيير
ضرورة إيجاد وحدة إدارية أكبر حجماً لتشديد قبضة الحكم وتركيز السلطة ،بسبب ما وقع
في البالد في ذلك العهد من شدة عظمى نجمت عن انخفاض النيل سبع سنوات عجاف
متتالية في الفترة ما بين (465-458هـ1071-1065/م) فأهملت الزراعة وانتشرت
المجاعات وتفشت األوبئة التي قضت على ثلث عدد السكان(.)4
ولتفادي حالة التدهور العمراني والسكاني التي طالت مصر في عهد الدولة
العثمانية والحملة الفرنسية أن أصبح الدمج اإلداري مطلب هام تفرضه األوضاع السكانية
والعمرانية ومنذ ذلك الوقت تقريبا أصبح زيادة مساحة الوحدات اإلدارية الكبرى قانون سائد
ظهر على حياء في عهد الدولة الفاطمية وتأكد في عهد الدولة العثمانية والحملة الفرنسية(.)5
وكان لتراجع خط العمران إلى جنوب خط كنتور 5+أن أدى إلى إتباع سياسة إدارية ـ ظلت
تتبع ربما حتى اآلن ـ قوامها الضم والحذف اإلداري ،وتحميل مساحات شبه خالية من
268
العمران على وحدات إدارية أخرى ،دون اعتبار لقدرة هذه الوحدات وإلمكانيات عواصمها
أو ارتباطاتها التاريخية(.)1
حتى جاء محمد علي وعدل وقسم وبدل وغير حتى استقر به المطاف في آخر
عهده مع النمو السكاني واالستقرار االقتصادي واالجتماعي فأصبح هيكل مصر اإلداري
في عهد محمد علي هو أساس ما نحن عليه حتى اآلن إلى حد كبير ،فكان للحجم السكاني
الذي قدر في عام 1848بحوالي 4.542.620نسمة( ،)2مقارنة بتقدير جومار في عهد
الحملة الفرنسية ب 2.5مليون نسمة ،أن انعكس على عدد المديريات ـ في إطار األقاليم ـ
التي بلغ عددها نهاية عهد محمد علي خمسة عشر مديرية.
ويرجع الفضل لمحمد علي في إعادة إحياء مدينة اإلسكندرية ،فبعد أن كانت مجرد
قرية ال يزيد عدد سكانها عن 4000نسمة في بداية عهده ،أصبح سكانها يقدرون بحوالي
60.000نسمة في عام ،1840وأصبحت الميناء األول وثاني المدن أهمية بعد القاهرة(،)3
وقام محمد علي بإلغاء مديرية األطفيحية ،لتراجع عدد سكانها ،وضمت إلى مديرية الجيزة،
لتصبح األطفيحية تابعة لمديرية الجيزة بعد أن كان العكس طوال التاريخ اإلداري الماضي،
كما ضمت رشيد إلى البحيرة ،لتراجع سكانها أيضاً.
كما كان تحفيز محمد للعربان الذين بلغ عددهم 100ألف ،طبقا لتقدير الحملة
الفرنسية ،أكبر األثر في استقرار هؤالء ،فمثلوا إضافة كبيرة خاصة في هوامش الدلتا ،بمحا
حصلوا عليه من أراضي ،كما ضمن الحفاظ على البالد واألراضي من تعرضها للخراب
على أيديهم(.)4
وكان تعمير مدن قناة السويس ،ونمو مدنها سكانياً ،أن انعكس على مدنها ،خاصة
بورسعيد واإلسماعيلية ،األمر الذي حتم ظهور محافظة القنال في الهيكل اإلداري لمصر،
وكانت محافظة القنال أكبر إضافة سكانية وإ دارية لخريطة مصر العمرانية واإلدارية في
القرن التاسع عشر.
وكان للتغيرات اإلدارية الصغرى من ظهور مراكز وأقسام إدارية جديدة أكثر
وضوحاً خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في عهدي توفيق وعباس حلمي،
)?(1محمد صفي الدين وآخرون ،مرجع سبق ذكره ،ص ص .422 -420
)?(2عبد الفتاح وهيبه ،مرجع سبق ذكره ،ص.17
)?(3حلمي أحمد شلبي ،مرجع سبق ذكره ،ص .17
)?(4عبد الرحمن الرافعي ،مرجع سبق ذكره ،ص ص .650-649
269
ويرجع ذلك إلى الزيادة السكانية التي شهدتها مصر حيث وصل عدد السكان طبقاً لتعداد
،1882حيث أول تعداد رسمي لمصر ،حوالي 7مليون نسمة ( 6.8مليون نسمة) مقارنة
2.5مليون نسمة في بداية القرن وحوالي 4.5مليون نسمة في منتصف القرن تقريبا،
األمر الذي انعكس على األقسام اإلدارية الصغرى (مراكز /أقسام) حيث وصل عددها إلى
( 73قسم /مركز) ،تضم آالف القرى والعزب والنجوع.
وكان تعرض مديرية إسنا لنقص سكاني ،نتيجة لبناء خزان أسوان في عام ،1902
وتعليته في عام ،1911وعام ،1933أن انعكس على بناء مديرية إسنا اإلداري ،نتيجة لنقل
سكان النوبة ،القاطنين جنوب السد إلى شماله ،فألغيت أقسامها اإلدارية الجنوبية ،فقد تراجع
السكان وقل عددهم بالتدريج من 57.600نسمة عام ،1907إلى 54.500نسمة عام
،1927ثم في عام 1947قدر عددهم 40.600نسمة( ،)1وقد اكتمل تفريغ النوبة من
سكانها ،مع بناء السد العالي فتم نقل قرابة 55.698نسمة ،إلى موطنهم الجديد في مركز
نصر النوبة( .)2ومع عودة بعض سكان النوبة إلى مقر وطنهم القديم ،ومحاولة استصالح
واستزراع أراضي ضفاف البحيرة ،أن ظهر مركز أبو سمبل ،ليعيد خريطة محافظة أسوان
إلى سابق عهدها.
ومع منتصف القرن العشرين بدأت تظهر آثار النمو السكاني في شمال الدلتا حيث
ظهرت مديرية الفؤادية على حساب مديرية الغربية وذلك لكي تواكب الزيادة السكانية في
مراكز شمال الدلتا وتعطي دفعة كذلك لتعمير هذه الجهات وتوفير الخدمات الالزمة لها .وقد
عرفت المديرية فيما بعد باسم "كفر الشيخ" ،فقد بلغ سكان محافظة الغربية طبقاً لتعداد
1.715.212 1960نسمة ،مقابل 973.019نسمة لمحافظة كفر الشيخ ،أي أن مجموع
سكان المحافظتين يزيد عن 2.6مليون نسمة ،فكان النمو السكاني لألقسام الشمالية لمديرية
الغربية ،هي المحدد األساسي لظهور (مديرية الفؤادية) التي عرفت بمحافظة كفر الشيخ مع
تعداد .1960
وال زالت األقسام اإلدارية حتى اآلن مرتبطة بالبناء السكاني ،خاصة بظهور أقسام
ومراكز جديدة كي تالحق النمو والزيادة السكانية الكبيرة .فقد عبرت محافظة القليوبية فرع
دمياط وذلك كي تضم بعض القرى المقابلة لمدينة بنها على الضفة الغربية لفرع دمياط
لتحقيق عامل الترابط الوظيفي والعمراني والسكاني للمدينة ،وهو أمر طبيعي في ظل الربط
270
بين الضفتين عبر الجسور والكباري ،كما خرجت المنوفية ألول مرة خارج اإلطار الدلتاوي
لتضم مدينة السادات ويصبح أحد مراكزها الجديدة في ظل التكدس والزحام العمراني
والسكاني للمحافظة ،وكي يكون المركز والمدينة طاقة تجديد وإ نعاش الحياة لمحافظة
المنوفية وسكانها.
كما أن امتداد محافظة اإلسكندرية على طول ساحل البحر المتوسط وضم بعض
األقسام اإلدارية من محافظة مطروح مطلب عمراني وسكاني في ظل قدرة اإلسكندرية على
تنشيط هذه الوحدات وربطها وإ دخالها في سلك العمران بقوة ولعل قسم الرمل مثال ونموذج
واضح على دور العمران والنمو السكاني على التقسيم اإلداري.
وكان نمو مساحة بورسعيد ،نتيجة مباشرة للضغط السكاني والنمو العمراني الذي
أصبح يهدد بانفجار للمدينة القديمة ،واألمر نفسه يظهر في محافظة دمياط التي بدأت تنشط
في تفعيل وتنشيط المناطق الساحلية منها غرب فرع دمياط ،كما أن إنشاء المدن الجديدة في
محافظات الصعيد تطلب توسعة الرقعة المساحية لتلك المحافظات على الضفة الشرقية
المقابلة لها لتمكين تلك المحافظات من إعادة اكتشاف نفسها في تلك األراضي البكر الجديدة،
ولعل تواجد العديد من المناطق الصناعية واألراضي الزراعية المستصلحة على الضفاف
الشرقية لمحافظات الصعيد دليل على أن النمو العمراني والسكاني يرسم خريطة إدارية
جديدة ليس للصعيد فقط ولكن لمصر كلها.
وقد كان نمو سكان مصر المتواصل على طول التعدادت خاصة في النصف الثاني
من القرن العشرين( ،)1له أكبر األثر في ظهور العديد من المراكز الجديدة ،وكان النمو
العمراني والسكاني هو العامل األكثر أهمية وخطورة ،في ظهور العديد من المراكز ،ففي
تعداد 1960حينما بلغ عدد سكان مصر 25.5مليون مقارنة بـ 19مليون نسمة سكان
مصر في تعداد .1947
فقد ظهر ثمانية عشر مركز جديد في تعداد 1960ليواكب هذا النمو السكاني
المتزايد ،فقد ظهر بمحافظة الشرقية مركز أبو كبير على حساب مراكز ههيا ،فاقوس ،كفر
صقر ،وظهر مركز حوش عيسى بالبحيرة وذلك لمتابعة التطور العمراني والسكاني في
أطرافها الغربية ،أما الباجور فقد ظهر على حساب مركزي قويسنا ومنوف ،وفي القليوبية
ظهر مركز الخانكة من باطن مركز شبين القناطر ليخدم األطراف الشرقية من المحافظة
وتخفيف العبء العمراني والسكاني الواقع على مركز شبين ،فقد كان مركز شبين أكثر
)?(1يمكن متابعة ذلك بالتفصيل في الفصل الثاني من الرسالة ،ص ص . 84-59
271
مراكز القليوبية قرى ونواحي في تعداد ،1947وظهر مركز مركز كفر سعد في دمياط
لخدمة التوسع العمراني غرب فرع دمياط ،وفي سوهاج ظهرت مراكز أوالد طوق شرق،
وساقلته ،وفي محافظة المنيا فقد نشأ مركزا العدوة ومطاي ،وفي بني سويف ظهر مركزين
جديدين هما مركزا سمسطا وبوش ،وفي الفيوم ظهر مركز طامية ،حساب مركز سنورس
ليخدم قراه ونواحيه الشمالية خاصة وأن مركز سنورس كان أكبر مراكز المحافظة مساحة
وقرى ،أما مركز أرمنت في قنا أنشأ ليخدم السكان والنواحي الواقعة على الضفة الغربية
لمحافظة قنا وذلك على حساب القرى والنواحي التابعة لمركز األقصر غربا وكذلك بعض
نواحي مركز إسنا الشمالية وذلك تيسيراً على سكان تلك الجهات من مشقة عبور النيل
لألقصر للحصول على خدماتهم ،وفي أسوان نشأ مركز كوم أمبو ،على حساب مركز
أسوان.
وفي تعداد 1986حينما بلغ سكان مصر حوالي 48مليون نسمة ،ظهر ثالثة
عشر مركز جديد ليتماشى مع هذه الزيادة الكبيرة ،حيث أن السكان قد زادوا نحو اثني عشر
مليون نسمة مقارنة بتعداد ،1976فقد أضيف إلى الوجه البحري سبعة مراكز ،ففي
محافظة الشرقية ظهر ثالثة مراكز حيث نشأ مركز مشتول السوق على حساب مركز
بلبيس ،ومركز اإلبراهيمية على حساب مراكز هههيا وأبو كبير والزقازيق ،ومركز أوالد
صقر على حساب مركز كفر صقر .وفي كفر الشيخ ظهر مركزي الحامول على حساب
بيال ،ومركز الرياض على حساب مركز كفر الشيخ .وفي دمياط ظهر مركز الزرقاء فصال
عن مركز فارسكور .وفي الدقهلية ظهر مركز منية النصر على حساب مركز دكرنس.
وفي الوجه القبلي ظهر ستة مراكز جدد ،فظهر بقنا ثالثة مراكز ،فظهر مركز فرشوط
فصال عن مركزي نجع حمادي وأبوطشت ،ومركز قفط نشأ على حساب مركز قنا ،ومركز
الوقف نشأ على حساب مركز دشنا ،وفي الجيزة ظهر مركزين هما مركز أطفيح فصال عن
مركز الصف ،ومركز أوسيم فصال عن مركز إمبابة ،أما في أسيوط فقد نشأ مركز الفتح
على حساب مركز أبنوب أكبر مراكز المحافظة مساحة وقرى وسكاناً.
وقد ظهر مع تعداد 1996سبعة مراكز جديدة ،مع زيادة سكان مصر إلى
61مليون نسمة ،ومع تعداد 2006حيث بلغ سكان مصر 76مليون نسمة ،أصبحت مصر
تضم 163مركز 164 ،قسم موزعة على محافظات مصر ،كي توازن هذه الزيادة السكانية
الكبيرة ،وتمكن من تخفيف الضغط واألعباء اإلدارية والخدمية عن المراكز واألقسام
القديمة.
272
كذلك كان النمو السكاني للمتروبول القاهري ،الدافع الرئيسي وراء وصول أقسامها
إلى أحد وأربعون قسم ،قبل تعديالت أبريل ،2008كما كانت أحد المبررات التي ساقها
بعض الوزراء المختصين ،ورددها الكثير من النواب ،في محاولة للدفاع عن الظهور
الفجائي لمحافظتي حلوان والسادس من أكتوبر.
وسوف يكون لتعمير منطقة توشكى في المستقبل القريب أكبر األثر في ظهور
محافظة جديدة ،على حساب محافظة الوادي الجديد ،وهو أمر ضروري ،يمكن لتعمير إقليم
جنوب مصر ،ويساهم في تخفيف الكثافة السكانية عن محافظات مصر عامة ،ومحافظات
الصعيد المجاورة بوجه خاص.
ثانياً #:النقل والمواصالت#:
تعد وسائل النقل والمواصالت عامالً هاماً في هيكل أي بناء إداري ألي دولة بل
وفي صياغة وحدتها وبناءها السياسي ،فكلما كان عامل الحركة سهالً أضحى ربط أجزاء
الدولة من األمور الميسرة.
بل إن ظهور كثير من الدول العمالقة المساحة مثل الواليات المتحدة ،والبرازيل،
واإلتحاد السوفيتي (سابقاً) ،وإ ستراليا نتيجة مباشر لتطور حركة النقل والمواصالت،
ووسائلها ،التي ربطت أصقاع هذه الدول الشاسعة المساحة ،حتى أن جمال حمدان ،يؤكد
على أن ميالد دولة الواليات المتحدة األمريكية جاء مع القاطرة ،ولوالها لكانت عبارة عن
مجموعة من الدول المنفرطة العقد(.)1
وتاريخ األقسام اإلدارية في مصر ،مرتبط بوسائل النقل والمواصالت ،وطبيعتها
خالل فترات التاريخ المختلفة ،ففي عهد المصريين القدماء كانت مساحة الوحدة اإلدارية،
وامتدادها ،مرتبط بطبيعة النقل المتاح في ذالك الوقت ،فكانت المقاطعة يتحدد مداها على
ضوء إمكانية الوصول إلى سوق المدينة الرئيسية (العاصمة) ،والعودة منها في مدى نهار
واحد(.)2
ولما كان النيل يغمر مصر أثناء الفيضان ،فإن ضفاف الفروع الدلتاوية ،وجسور
الحيضان العالية ،كانت تتخذ مسارات للربط بين مناطق االستقرار بعضها البعض ،بل إن
مواقع مراكز العمران القديمة ،تأثرت بمسار أفرع النيل ،حيث كانت تمثل وسيلة االتصال
)?(1جمال حمدان ،استراتيجية االستعمار والتحرير ،طبعة مكتبة األسرة ،1999 ،ص ص.185-184
)?(2محمد محفوظ محمود قاسم،ـ مرجع سبق ذكره ،ص .183
273
الرئيسية والسهلة لألفراد والبضائع( .)1كذلك لعب بحر يوسف دوراً هاماً لسبات مصر
الوسطى ،في عهد األسر المصرية القديمة ،وكان له الفضل في المكانة التي وصلت إليها
مدينة إهناسيا أو "حنن نيسوت"(.)2
وتظهر خريطة لبطليموس ،ما يمكن أن يطلق عليه جزيرة مصر الوسطى ،حيث
يتفرع بحر يوسف من النيل عند الحيبة "انكرونوبوليس" متجهاً غرباً ،لتقع بداخلة نوم
هيراكلوبوليس ماجنا "إهناسيا" ،وتقترب من ضفافه نوم "أوكسيرنكوس" البهنسا ،ومرفئ نوم
أرسينوي "الفيوم" حيث مرفئ بطليموس( ،)3وكان لهذا الفرع أكبر األثر في ازدهار ونمو
األقاليم اإلدارية التي تقع على ضفافه أو بداخل تلك الجزيرة الضخمة.
وفي العصرين اليوناني والروماني ظهرت عواصم سبع نومات على الجانب
الشرقي من النيل ،وهي أفروديتوبوليس ،هبنون ،كاينوبوليس ،الباستروبوليس ،اتينوبوليس،
أنتيابوليس ،وبانوبوليس ،ويرجع ذلك إلى قربها من النيل ،وإ شرافها على أجزاء الوادي
وسهولة االتصال به عن طريق النيل( .)4بل إنه ظهر في القرن الثالث قبل الميالد "دليل
الطريق" عرف باسم ،The Antonine Itineraryفيه وصف كامل للطرق والمسافات
الفاصلة بين المدن والقرى ،على ساحل البحر المتوسط من رفح إلى السلوم ،ومن ممفيس
إلى الفرما ،ومن ممفيس إلى اإلسكندرية ،وعلى طول الوادي في ضفته الغربية من ممفيس
حتى أسوان غرب ،وبامتداد الضفة الشرقية من بابليون حتى أسوان ،وكذلك الطرق الرابطة
بين رأس الدلتا والقلزم(.)5
وكان لتواجد هذه الطرق أكبر األثر في ظهور العديد من األقسام اإلدارية على
الضفة الشرقية من النيل ،حيث أفروديتوبوليس ،هبنون ،كاينوبوليس ،الباستروبوليس،
اتينوبوليس ،أنتيابوليس ،وبانوبوليس ،وعلى طول الساحل الشمالي لمصر سواء شمال سيناء
حيث العريش (رينوكورورا) ،ورفح ،أو في غربي اإلسكندرية حيث مرسى مطروح
(باراتينيوم) ،السلوم (كاتابوتومس) ( .)6كما أن الطريق أدخل الواحات الداخلة والخارجة،
)?(1فتحي إبراهيم أحمد شلبي ،مراكز العمران على فرع رشيد ،رسالة دكتوراه ،كلية اآلداب ،جامعةـ
القاهرة ،1997 ،ص .45
)?(2مرزوق حبيب ميخائيل ( ،)1977مرجع سبق ذكره ،ص .16
3
(?) John Ball, Op. Cit. Fig 17, p 117.
)?(4محمد المعتصم مصطفى أحمد ،مرجع سبق ذكره.60 ،
5
(?) John Ball, Opt. Cit. pp 138-145
6
(?) Ibid. pp 140-145.
274
في إطار الوحدات اإلدارية لمصر ،فبدأت تظهر في البداية على أنها أحد أقسام إبراشية
طيبة ،عند هيروكليز ،ثم أصبحت إبراشية طيبة العليا ،تضم أربع دوقيات عند جورج
القبرصي(.)1
وفي العهد العربي كان للطرق البرية ،دوراً واضحاً في نشأة العديد من األقسام
اإلدارية ،ولما كانت هذه الطرق تميل إلى الهامش الصحراوي ،فإن ذلك لم يمنع من ظهور
تلك األقسام وتلك المدن الكبيرة ،والتي استمرت لفترات طويلة محافظة على مكانتها
وأهميتها اإلدارية ،رغم موقعها الهامشي ،ويرجع ذلك لدور الطريق ،ومن أمثلة تلك المدن
مدينة بلبيس ،ومدينة الصالحية في أقصى المعمور لشمال شرق الدلتا ،ومدينة قطيا ،وقد
اكتسبت هذه المحالت أهميتها من طريق الدرب السلطاني ،أهم الطرق البرية التي تربط
مصر بالشرق األسيوي(.)2
وفي فترة الحروب الصليبية ،كان لتحول الطرق البرية من شبه جزيرة سيناء ،إلى
قلب الصعيد ،أن أعطى لكورة القوصية ،ثم لعمل األخميمية ،أهمية كبيرة ،ليس في الصعيد
فقط ولكن في مصر كلها ،وكان ذلك أحد األسباب التي جعلت من والية جرجا في العهد
العثماني ذات شأن كبير.
وفي عهد والي مصر محمد باشا النشاشنجي ،تم نقل عاصمة والية البهنساوية من
بلدة البهنسا إلى بلدة الفشن لتوسطها بين بالد الوالية وقربها من النيل في طريق المواصالت
العامة بين الصعيد والقاهرة وكذلك نقل قاعدة والية األشمونين من بلدة األشمونين إلى بلدة
ملوي لقربها من النيل في طريق المواصالت العامة(.)3
وفي عهد محمد علي كان القرب من نهر النيل هو العامل المحدد لموقع عاصمة المديرية
وعواصم المراكز ،فكان وقوع بلبيس على خط الطريق البري ،الواصل بين القاهرة والشام،
كان أحد أسباب كونها عاصمة الشرقية حتى عهد محمد علي ،الذي قرر نقلها إلى الزقازيق
الواقعة على أحد القنوات التي قام بحفرها( ،)4األمر الذي انعكس على التقسيمات اإلدارية
1
)?( Ibid. p,166 ,p179.
)?(2عبد العال عبد المنعم الشامي ( ،)1977مرجع سبق ذكره ،ص.143
)?(3محمد رمزي ،القاموس الجغرافي ،مرجع سبق ذكره ،ق ،2ج ،1ص .84
)?(4المرجع السابق ،ص .14
.
275
لمديرية الشرقية .وكانت صعوبة الحركة أحد األسباب التي حملت محمد على بتقسيم مصر
إلى أقاليم خمسة كبرى في فترة ما.
وكان عنصر الحركة هو ضابط إيقاع الكثير من التعديالت اإلدارية التي حدثت في
القرن التاسع عشر كما يشير إلى ذلك نقل وتغيير الكثير من قواعد المديريات واألقسام ،فقد
كانت دواوين األقسام والمراكز ودور سكن الموظفين في غير استقرار إلى أن أنشئت السكك
الحديدية وأقيمت المحطات بالقرب من مساكن البالد والقرى ،وقد لوحظ في اختيار األماكن
الجديدة أن يكون المركز في بلدة بها محطة على السكك الحديدية لسهولة المواصالت
وسرعة التنقل بينها وبين الجهات األخرى ،فقد تم نقل العديد من مقار األقسام والمراكز إلى
مقرات أخرى لتوافر محطة سكك حديد بها ،أو لوقوعها على طريق المواصالت العام ،طبقاً
لقرار وزارة الداخلية عام ،1884ومن أمثلة ذلك:
-1نقل مقر قسم جرزه (مديرية الجيزة) من بلدة جرزة إلى بلدة العياط لوقوعها على
خط السكك الحديد.
-2وكذلك نقل مقر ديوان قسم أطفيح من بلدة أطفيح إلى بلدة الصف لبعد أطفيح عن
طريق المواصالت العام.
-3وفي مديرية بني سويف نقل مقر قسم زاوية المصلوب من بلدة زاوية المصلوب
إلى بلدة الواسطى لوقوعها على خط السكك الحديد وطريق المواصالت العام.
-4ونفس األمر ينطبق على العديد من أقسام ومراكز ومديريات الغربية ،والدقهلية،
والبحيرة ،والمنوفية ،والشرقية ،وجرجا(.)1
ومع تزايد الحاجة لعملية الضبط اإلداري ،تم إعادة ترتيب لقواعد المراكز والعواصم،
بما يخدم عملية االستقرار االجتماعي واالقتصادي الذي كان ينشده حكام مصر مع نهاية
القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،وكان الوجه البحري مع موعد ألكبر عملية نقل
لعواصم مراكزه إلى نواحي تقع على خطوط للسكك الحديدية ،وهو ما يظهر في الجدول
التالي ،والجدول يوضح أسماء المراكز التي نقلت لمقرات جديدة لتوافر محطة سكك حديد
بها أو لوقوعها على الطريق العام أو بالقرب من نهر النيل ،وكان ذلك في عام .1896كما
يظهر بالجدول التالي.
276
جدول رقم ( )3نقل مقرات بعض المراكز لمقرات مالئمة
اسم المديرية مقر المركز مقر المركز اسم المديرية مقر المركز مقر المركز
التابع لها الحديث القديم التابع لها الحديث القديم
الغربية بلقاس بالد األرز الشرقية الشرقية فاقوس العارين
الغربية فوه بالد األرز غربا الشرقية كفر صقر اإلبراهيمية
الغربية طلخا بيله الشرقية ههيا الصوالح
الغربية طنطا محلة منوف القليوبية نوى شبرا
الغربية كفر الزيات بسيون الجيزة الجيزة البدرشين
الغربية دسوق المندورة الجيزة إمبابه أوسيم
البحيرة رشيد العطف بني سويف الواسطى الزاوية
البحيرة إيتاي البارود الدلنجات الفيوم إطسا طبهار
الشرقية الزقازيق القنايات المنيا سمالوط قلوصنا
قنا نجع حمادي فرشوط جرجا البلينا برديس
المصدر :محمد رمزي .القاموس الجغرافي ،ق ،2ج.1
وكان وصول خطوط السكك الحديدية أكبر األثر في ظهور مراكز عمرانية
وبالتالي ظهور وحدات إدارية جديدة حيث أن وصول خط السكك الحديد إلى السويس ثم
امتداده إلى اإلسماعيلية وبورسعيد قد أدخل مدن القناة بسرعة في اإلطار اإلداري لباقي
الدولة ،وساع على ظهور كل من بورسعيد واإلسماعيلية ،كمحافظة مستقلة بعد أن كانتا
محافظة واحدة في إطار ما عرف بمحافظة القنال.
كما لعبت السكك الحديدية في أسيوط دوراً في التحام منطقة الحمراء والوليدية
بمنطقة أسيوط األصلية ،واألمر كذلك حدث مع األقصر حيث كانت مركزه حول معبد
()1
الكرنك فنمت شرقاً على طول خط السكك الحديدية وكذلك سوهاج .
كما ساعد خط القاهرة ـ السويس على تعمير المنطقة الواقعة بين اإلسماعيلية
والزقازيق لتوافر المياه من خالل ترعة اإلسماعيلية ،وكان الخط يمر بمناطق أبو حماد
والتل الكبير ونفيشه والسرابيوم وفايد وجنيفه والشلوفه ،كذلك أضافة السكك الحديدية مناطق
عمرانية جديدة نتيجة لبناء محطة سكك حديد بعيده عن البلده الرئيسية مثل برشوم المحطة،
فاقوس البلد ،أبو صوير المحطة ،أبو صوير البلد ،قليوب المحطة ،كما ساهمت خطوط
السكك الحديدية في نشأة الضواحي مثل ضاحية حلوان ،وكذلك ضاحية مصر الجديدة ،التي
)?(1منى عطا اهلل عبد الوهاب ،أثر السكك الحديدية على أوضاع مصر االقتصادية واالجتماعية في الفترة
،1914-1856ماجستير ،جامعةـ القاهرة ،كلية اآلداب ،1996 ،ص.143-142
277
ساعد على تطورها ونموها ،في بداية القرن العشرين ،خط مترو مصر الجديدة ،كما لعبت
شركات السكك الحديدية الخاصة مثل شركة سكك حديد اإلسكندرية ـ الرمل ،أثر كبير في
تعمير منطقة الرمل ،وكانت قبل بناء الخط الحديدي أرضا رملية مالحة جدباء ،فأصبحت
بعده من أهم مناطق العمران باإلسكندرية ،وكان سكانها قبل إنشاء الخط 500نسمة زاد إلى
23ألف في عام 1907ثم 31ألف في عام .)1(1917
وفي المقابل يظهر الجانب السلبي لعدم توافر وسيلة نقل حيوية مثل السكك الحديدة
في عدم تطور بعض األقسام اإلدارية رغم قدمها ،وتواجدها بقوة ،فكان لعدم توافر خط
سكك حديدية في منطقة األحواض شرق النيل في المنطقة بين حلوان ونجع حمادي ،أن أثر
على عملية النمو اإلداري والخدمي لتلك األقسام ،وجعلها تتجه أكثر إلى وحدات غرب
النيل ،بدال من التفاعل فيما بينها(.)2
ونظراً ألهمية السكك الحديدية ودورها في نمو وظهور مناطق إدارية جديدة نتيجة
الستصالح أراضي زراعية وتسهيل تنقل السكان إليها أن أصبح السكان يقدموا عروض
لبناء محطات سكك حديدية ومد الخطوط إلى بالدهم مع تعهدهم بتوفير األراضي والمساهمة
في ردم عمليات الردم كحال أهالي فزارة بالبحيرة ،كما كان لظهور السيارة وانتشار شبكة
الطرق البرية أثرها الواضح في تيسير عملية النقل وبالتالي لم يعد هناك ربط بين تواجد
محطة سكك حديدية وبين كون مدينة (بلدة) مقر لمركز جديد األمر الذي شجع على ظهور
العديد من المراكز اإلدارية خاصة في المناطق الهامشية على حدود الوادي والدلتا بعيداً عن
خطوط السكك الحديدية ويظهر ذلك في شرق وشمال الدلتا واإلطار الغربي من الوادي(.)3
نواح ما عن عاصمة القسم اإلداري ،دافعاً إلى ظهور
بل إن كثيراً ما كان بعد ٍ
عاصمة جديدة ،لكي يسهل على سكان تلك المناطق مشقة االنتقال من وإ لى قاعدة مركزهم
اإلداري ،وقد ظهر ذلك في حالة مديرية الغربية ،التي كان لبعد أطرافها الشمالية عن
مركزها أن أدى إلى ظهور مديرية جديدة وهي مديرية الفؤادية أو كفر الشيخ فيما بعد.
وكان للكباري وربطها للضفاف النهر وروافده ورياحاته ،أكبر األثر في ظهور
العديد من المراكز على الضفة الشرقية للنيل في أسيوط والمنيا وسوهاج ،كذلك لم يعد فرع
دمياط فاصال وحداً طبيعياً وإ دارياً لوحداته الواقعة شرقاً عن الواقعة غرباً حيث أصبحت
278
مدينة بنها تقع على الضفتين لسهولة النقل عبر الكباري ،كذلك أصبحت لمديرية (محافظة
الدقهلية) مراكز في وسط الدلتا تصل بها إلى البحر المتوسط ،كذلك كان خط السكك
الحديدية والطريق البري الواصل بين الجيزة والواحات البحرية ذات أثر واضح في إلحاق
الواحات ضمن األقسام اإلدارية لمحافظة الجيزة ،وإ ن كان الوضع اإلداري لتلك الواحات
أمر غريب بحاجة إلى مراجعة ،كذلك عبرت محافظة المنوفية فرع رشيد إلى الغرب لتضم
مدينة السادات ومركز السادات ،وكان لشبكة الطرق الجديدة أثرها الواضح في ظهور الكثير
من المدن الجديدة في مواجهة المدن القديمة على طول وادي النيل في الصعيد "بني سويف
الجديدة ،المنيا الجديدة ،سوهاج" حيث كان األمر يقتصر على حدود الوادي وتربته الطينية
فقط ،فقفز مع تلك المدن إلى النطاق الصحراوي.
من المفارقات الطريفة ،أن خط السكك الحديدية الذي كان أحد أسباب ضم الواحات
البحرية إلى محافظة الجيزة ،كان هو نفس السبب الذي جعل تلك الواحات تتبع محافظة
السادس من أكتوبر الحديثة النشأة في أبريل ،2008فبعد أن تقرر ضمها إلى محافظة المنيا
بناء على القرار الجمهوري ،قام السكان بالتظاهر ،وهددوا بقطع خط السكك الحديد ،وعرقلة
نقل خام الحديد من مناجم الواحات إلى مصانع الحديد والصلب بحلوان ،فما كان أن تم تعديل
األمر مرة أخرى ،بأن جعلت تبعيتها إلى محافظة السادس من أكتوبر أو وريثة الجيزة.
وقد يكون لشبكة الطرق التي تربط الوادي والدلتا بالمحافظات الصحراوية دوراً
كبيراً في إعادة رسم الخريطة اإلدارية ،خاصة وأن هذه الطرق أضحت محاور للحركة
ونقل السكان من المحافظات المزدحمة بالوادي والدلتا إلى تلك المحافظات التي تعد
بإمكانياتها محافظات مستقبل مصر.
()1
ويمكن توضيح تلك الشبكة الممتدة من الطرق فيما يلي :
-1هناك نحو 7طرق عرضية تربط محافظة البحر األحمر بالجهات المقابلة لها في
الوادي ابتداء من القاهرة شماالً حتى أسوان جنوباً وهذه الطرق هي:
بطول 134كم. طريق القاهرة ـ السويس
بطول 253كم. طريق الزعفرانة ـ الكريمات
طريق سفاجا ـ قنا بطول 165كم
بطول 183كم. طريق القصير ـ فقط
)?(1سيد محمود عبد المقصود ،وآخرون ،تقسيم مصر إلى أقاليم تخطيطية ،سلسلة قضايا التخطيط والتنمية
رقم ( )162معهد التخطيط القومي ،القاهرة ،يناير ،2003ص ص.137 -136
279
طريق مرسى علم ـ إدفو بطول 220كم.
طريق المعادي ـ القطامية ـ العين السخنة بطول 253كم.
طريق برنيس ـ أسوان بطول 280كم ويمتد إلى حاليب وشالتين.
-2كذلك تم ربط سيناء براً عن طريق كوبري السالم باإلضافة إلى نفق الشهيد أحمد حمدي
وكذلك كوبري سكك حديد الفردان ويبلغ طول الطرق في سيناء 8086كم حوالي %73
مرصوفة ،وسيناء بحاجة إلى مزيد من الطرق العرضية والطولية لتصل كل شرقها بغربها
وشمالها بجنوبها.
-3وهناك شبكة الطرق البرية الخاصة بالصحراء الغربية وغرب الدلتا حيث نجد 7طرق
تصل الصحراء الغربية بالدلتا وهي:
بطول 240كم. القاهرة ـ وادي النطرون ـ العلمين
بطول 210كم * .العلمين ـ السلوم بطول 580كم القاهرة ـ اإلسكندرية
* الوحات البحرية ـ سيوه بطول 387كم. مطروح ـ سيوه بطول 300كم.
البويطي ـ الواحات البجرية ـ موط (الداخلية) بطول 460كم.
الداخلة ـ بئر طرفاوي (شرق العوينات) بطول 310كم.
وتتصل هذه الشبكة بمحاور عرضية تصلها بمدن الوادي أهمها:
-1محور موط ـ الخارجة ـ أسيوط بطول 245كم.
-2محور الخارجة ـ األقصر بطول 230كم.
-3محور فقط ـ القصير بطول 180كم.
ثم هناك شبكة طرق جنوب مصر بخمسة محاور هي:
-1طريق الواحات ـ قنا ـ سفاجا بطول 600كم.
-2طريق واحة باريس ـ أرمنت بطول 210كم.
-3طريق توشكى ـ شرق العوينات بطول 220كم.
-4طريق إدفو ـ مرسى علم بطول 220كم.
-5طريق إسوان ـ برنيس بطول 380كم.
وهذه الشبكة من الطرق من الممكن أن ترسم مالمح تطور إداري جديد في
المستقبل القريب ،محاولة إدخال هذه المحافظات القليلة السكان ،الضخمة اإلمكانيات
والثروات في قلب الوادي والدلتا وتصبح هذه المحافظات امتداد لمحافظات الوادي التي ال
زالت منذ مصر الفرعونية أسيرة تربته الفيضية.
280
ثالثاً :العامل السياسي واألمني:
الجغرافية السياسية أساسا تحليل قوة لمركب بالغ التعقيد يتكون من عناصر مادية
ومعنوية تطوي االقتصاد واإلنتاج والموارد والمواهب والسكان واإلدارة والحضارة ،فقوة
الدولة تبدأ من الداخل ،وقوتها في الخارج هي عادة فائض قوة الداخل( ،)1ومن ثم فإن التنظيم
اإلداري هو أحد مكونات وعناصر قوة الدولة بوجه عام.
ومن ثم فإن األقسام اإلدارية تخضع لوجهة نظر السياسة ـ والتي البد أن تكون
وجهة نظر موضوعية وليست ذاتية ـ حيث ترى الحكومات إدخال بعض التغييرات اإلدارية
التي ترى فيها صالحا عاما للدولة ككل.
فقد أبقى المصريين القدماء ،على األقسام اإلدارية التي ورثوها منذ فجر التاريخ،
بغرض الحفاظ على الكيان السياسي للدولة التي تم توحيد وجهيها ،خاصة وأن المقاطعة
أضحت مقدمة عند السكان على أي اعتبار آخر من عصبية أو نسب أو غير ذلك(.)2
بل إن األمر لم يتوقف عند هذا ،فهناك من الشواهد التي تدل على أن تقسيم مصر
إلى أربعة أقاليم في عهد المصريين القدماء وهي إقليم النسر ويبتدأ من الحدود حتى فقط،
وإ قليم الثعبان ويبدأ من فقط حتى أسيوط ،وإ قليم البوصة من أسيوط حتى تفرع الدلتا،
والنحلة ويشمل الدلتا ،كانت موروثة أيضاً من قبل التوحيد( ،)3وحافظ عليها المصريون،
لتأكيد عملية الوحدة في نفوس المصريين ،باإلضافة إلى إنها تالئم البناء اإلداري لمصر.
كذلك كان اتخاذ مدينة منف عاصمة إدارية لمصر ،عند نهاية الوادي وبداية الدلتا،
أكبر دليل على الوعي السياسي واألمني الذي توخاه الحكام ،بعد عملية التوحيد ،فقد ترك
مينا (نعرمر) عاصمته "نخن" الكوم األحمر بالقرب من جرجا ،وأسس العاصمة السياسية
واإلدارية في موضع يتمكن منه من التحكم والسيطرة على مقاليد البالد من خالله.
وقد ظل هذا العامل األمني هاجس لكثير من الحكام فيما بعد ،وبدأ يظهر أثره مع
اإلغريق ،حينما اتخذوا من مدينة اإلسكندرية ،الحديثة النشأة ،إقليم إداري جديد ،حكموا
البالد من خالله ،فظهر بذلك نوم اإلسكندرية ،وقد كان الرومان كسابقيهم اإلغريق يتعاملون
مع اإلسكندرية على أنها وحدة منفصلة عن مصر ومجاورة لها ad aegyptumوكان لقب
281
()1
الحاكم العام لمصر الرسمي هو "حاكم عام اإلسكندرية ومصر" ،وظل هذا األمر مسيطراً
حتى الفتح العربي لمصر.
وكان العامل السياسي له أكبر األثر في ازدهار إقليم الفيوم ،فكونه كان بمثابة وطن
بديل لإلغريق ،تمثل لهم فيها ،فاهتموا بها كثيراً ،وأضحت من أهم األقاليم اإلدارية في
مصر وأغناها سكاناً ،ونواحي ،وكان ثلثي سكان إقليم الفيوم من اإلغريق(.)2
واختالف الرؤية األمنية أثر على بعض األقاليم اإلدارية بالنمو أحياناً والضمور
أحياناً أخرى ،فلما كانت الدولة الرومانية تنظر إلى النومات والعواصم نظرة حربية
وعسكرية ،فانعكس ذلك على ازدهار العديد من النومات والعواصم في الضفة الشرقية من
النيل مثل كينوبوليس ،وأنتينوبوليس ،وأفروديتوبوليس ،وهبنون ،بانوبوليس ،أنتيابوليس،
الباستروبوليس ،ولكن مع تراجع النظرة الحربية إلى نظرة اقتصادية في عهد البيزنطيين
اختفت كثير من النومات في شرق النيل ،وتراجعت أهمية الكثير من العواصم اإلدارية(.)3
وفي العهد العربي ظهرت العديد من الوحدات اإلدارية لظروف أمنية وحربية
خاصة في ظل الصراع مع الصليبين ،كما اختفت وحدات أخرى لنفس األسباب تقريباً،
فكانت بلبيس ،وقطيا ،والصالحية من أهم المدن اإلدارية في شرق الدلتا نظراً لكونها تلعب
دور مراكز عسكرية وحربية متقدمة ،وتقع على طريق الدرب السلطاني ،كما ظهرت
وحدات إدارية تعرف باسم الثغور والرباطات ،وكانت من أسمائها مرتبطة بالحروب
والجيش مثل ثغر البرلس ،وثغر نستراوه ،وثغر أخنا في شمال الدلتا ،وكانت الفرما من أهم
الوحدات اإلدارية لمصر في شرق الدلتا ،حتى تعرضت للخراب في العهد الفاطمي نتيجة
لضربات الصليبين المتالحقة ،ثم حلت محلها تنيس ،التي أضحت مركز األسطول الفاطمي،
الذي تولى حراسة الساحل الشمالي لمصر ،كما أن مدينة دمياط هدمت نتيجة لهذا الصراع
وتم بنائها في موضع جنوب موضعها القديم(.)4
وفي عهد العثمانيين ،تم التمييز بين واليات الوادي والدلتا ،والثغور البحرية ،فكان
هناك سلطتين في مصر ،سلطة يمثلها الوالي في القاهرة ،ويشرف على واليات وكشوفيات
282
الوجهين ،وسلطة في كل من اإلسكندرية ،ورشيد ،ودمياط ،والسويس ،وكان الباب العالي
يقوم بإرسال قبودان لإلسكندرية ،وآخر للسويس ،وثالث لكل من رشيد ودمياط( ،)1وظلت
هذه الموانئ تابعة مباشرة لحكم الباب العالي،حتى تولي محمد حكم البالد ،فصدر فرمان
بإدخال ميناء اإلسكندرية تحت سلطته ،بعد معركة الحماد ونجاحه في مقاومة حملة اإلنجليز
بقيادة فريزر(.)2
وكان تراجع عدد الواليات في القرن السابع عشر إلى خمس واليات ،هو جزء من
الصراع بين المماليك بعضهم البعض ،وكان تقليل عدد الواليات بغرض إحكام القبضة
والسلطة ،وكانت والية جرجا هي أهم الواليات الخمسة ،وكان حاكمها البك ،يحصل عليها
بعد القيام بمهام خطيرة وجليلة ،مثل ترأس رحلة الحجيج ،وترجع أهميتها نظراً ألنها كانت
تشرف على كل الصعيد.
وفي بداية حكم محمد علي كان الصعيد ووحداته اإلدارية أحد عناصر االضطراب
األمني ،وذلك لوجود فلول المماليك به وسيطرتهم على بعض أقاليمه ووالياته وكشوفياته،
حتى أنه لكي يتفرغ لحملة فريزر ترك خراج الصعيد لهم( .)3ومع فك زمام األراضي
المصرية التي بدأها في الصعيد ،عين محمد على ابنه إبراهيم باشا حاكما لكل الصعيد وكان
أول ما قام به إبراهيم باشا ما يلي (.)4
-1مد سلطة الحكومة المركزية إلى منطقة ظلت خارج نطاق سيطرتها لسنوات.
-2ضمان تدفق العائد المستمر إلى الخزانة لذا أمر بمسح كل أراضي الصعيد،
أراضي المماليك ،وأراضي قبائل الهوارة ،وأراضي الملتزمين ،وكل أراضي
الرزق األساسية ،وأخيراً األوقاف(.)5
وكانت تجربة والية جرجا وسيطرة الشيخ همام على أكبر واليات الصعيد بل
وأحيانا الصعيد بأكمله ،حتى أنه كون جيش خاص به األمر الذي هدد وحدة البالد
وحكوماتها المركزية( ،)6من األمور التي أكدت لمحمد علي ضرورة السيطرة على كل
283
مصر ،في قبضة واحدة كي تتحقق طموحاته ،ولكن يبقى أن تجربة همام كانت تشير إلى
إمكانية البناء الالمركزي لمصر ،ولم تكن خروجا عن وحدة مصر السياسية ،بقدر ما كانت
تأكيد للذات ورفض مركزية الحكومة الطامعة في خيرات اإلقليم ،واستنزافه لصالح حكام
القاهرة.
ومن ثم سعى محمد على إلى صياغة بناء إداري جديد للصعيد يقضي على الميراث
التاريخي الذي حمله كي ال يثور في وجه مرة أخرى ،ويالحظ أن التقسيم اإلداري للصعيد
في نهاية عهد محمد علي قد اختلف إلى حد بعيد عن أقسامه اإلدارية التي بدأ بها في بداية
عهد محمد علي ،حيث كان للصعيد يتكون من 6واليات من ضمن 13والية تنقسم إليها
مصر ،كانت واليات الصعيد هي " األطفيحية ،الفيوم ،البهنسا ،األشمونين ،المنفلوطية،
جرجا" أما في نهاية عهد محمد على فقد اختفت والية البهنساوية ،األشمونين ،والمنفلوطية
وظهرت مأموريات بني سويف ،والمنيا ،وأسيوط ،وسوهاج ،وقنا ،وأسوان (النوبة) ولكن
في إطار إقليمي أكبر حيث ما عرف بنصف أول وسطى وقاعدتها بني سويف ،ونصف ثاني
وسطى وقاعدتها بني مزار ،المنيا وقاعدتها المنيا ،نصف أول قبلي وتشمل مأموريات
أسيوط وجرجا وقاعدتهما اسيوط وجرجا ،نصف ثاني قبلي وتشمل مأموريتي قنا وإ سنا
وقاعدتهما قنا وإ سنا(.)1
وضع محمد علي بناء وهيكل إداري جديد للصعيد ،وقد تأكد ذلك البناء اإلداري في
عهد خلفاءه ،مع تثبيتهم للمأموريات السابقة التي أنشأها محمد علي ،وكان إقطاع العربان
األراضي الزراعية ،وحملهم على االستقرار وترك السالح ،من ضمن العوامل التي أثرت
في التقسيم اإلداري بتوسيع الرقعة اإلدارية لمديريات وواليات الشرقية والبحيرة.
كما كان ظهور محافظة القناة بقسميها اإلسماعيلية وبورسعيد ،نتيجة لعامل سياسي
أمرا بإنشاء محافظة القناة وعين إسماعيل
بحت ،ففي مارس ،1863أصدر إسماعيل باشا ً
حمدي باشا محافظ لها ،وقد اضطر إسماعيل باشا إلى ذلك نظراً ألن شركة القناة كانت
تعتبر أن األراضي الخاصة بمنطقة القناة ملكاً لها ،تمتد إليها سلطات الحكومة المصرية
بقدر محدود ،وعلى الحكومة أن تبعث بممثل رسمي لها فيها أسوة بمندوبها في مجلس إدارة
شركة القناة ،يضاف إلى ذلك أن إسماعيل باشا كان على أن يواجه تطلعات الحكومة التركية
الرامية إلى سلخ منطقة القناة بأسرها من مصر ،كما كان انتشار الفتن والحوادث
284
والمشاجرات التي حدثت في اإلسماعيلية بين األروام واألهالي ،عامالً آخر مكمل ومحفز
إلنشاء مأموريات مستقلة بمدن القناة(.)1
كذلك ظهر أثر العامل السياسي على التقسيم اإلداري لمديرية إسنا (النوبة) حيث تم
إحالة تبعية هذه المديرية لنظارة الحربية في فترة الحرب المهدية ،ثم مع تحديد خط الحدود
السياسية بين مصر والسودان ثم حذف 10قرى من مركز حلفا آخر مراكز المديرية
وضمة للسودان ،وقد عادت المديرية لنظارة الداخلية وتغير اسمها من إسنا إلى أسوان عام
.)2(1900
كما أن محافظات الحدود (سيناء ،الصحراء الغربية ،الصحراء الجنوبية ،الصحراء
الشرقية) قد خضعت لسلطة وزارة الحربية في أثناء الحربين العالميتين األولى والثانية ،وقد
ظهرت مصلحة خاصة لهذه المحافظات عرفت في الحرب العالمية األولى باسم "مصلحة
أقسام الحدود" وعرفت في عام 1925باسم "مصلحة الحدود"(.)3
ومع بداية النصف الثاني من القرن العشرين حيث قانون اإلدارة المحلية 1960
تقرر أن يتم نقل تبعية محافظات الحدود إلى وزارة الداخلية ويسرى عليها قانون اإلدارة
المحلية كباقي محافظات مصر ،حتى أن مسمى الوادي الجديد كان بهدف سياسي يسعى
لخلق إطار إداري جديد وطاقات تنمية في خارج الوادي والدلتا ،وقد ظلت سيناء تابعة
لوزارة الدفاع في ظل الصراع العربي اإلسرائيلي وما شهدته من حروب على أراضيها
حتى أنها أضحت أرض المعركة منذ حرب 1956حتى حرب أكتوبر ،1973ومع التوجه
نحو السالم وتوقيع معاهدة كامب ديفيد واستقرار األمور نوعا ما بين مصر وإ سرائيل ،أن
تم تقسيم سيناء إلى قسمين شمال سيناء وجنوب سيناء ،بغرض تسهيل عملية التنمية في شبه
الجزيرة ومحاولة الكتشاف إمكانيات سيناء الضخمة ،وإ ن كان الوضع األمني في سيناء ،ال
زال يسيطر عليها وهو األمر الذي ظهر في الفترة األخيرة في ظل مطالبة القبائل السيناوية
بتملك األراضي التي تعيش عليها ،وتعنت حكومي ورفض لهذه المطالب ،األمر الذي أدى
إلى اشتباكات أمنية حادة بين األمن والقبائل في موقف خطير ينذر بكارثة ال بد من تداركها
قبل فوات األوان.
)?(1زين العابدين شمس الدين نجم ،بورسعيد تاريخها وتطورها منذ نشأتها 1859حتى عام ،1882الهيئة
المصرية العامة للكتاب ،1987 ،ص.179
)?(2محمد رمزي ،مرجع سبق ذكره ،ج ،4ص30 ،29
)?(3نفسه ،ص37 ،36
285
كما كان للعامل السياسي دوره في مد حدود محافظات قناة السويس شرقاً في سيناء
لغرض التأمين االستراتيجي لهذه المحافظات وتعمير واستصالح الضفة الشرقية كي تكون
حاجز بشري قوي ال يسمح بتكرار مأساة ،1967كما أن ضم مركز التل الكبير إلى
محافظة اإلسماعيلية يرجع إلى صلته بمنطقة القناة عسكرياً من ناحية موقعه ،كما كان به
فرع لقاعدة السويس العسكرية البريطانية في الحرب العالمية الثانية حيث يربط بين المنطقة
من ناحية ،والقاهرة والكثافة السكانية في الدلتا من ناحية أخرى(.)1
وهناك بعض األقسام اإلدارية التي ظهرت نتيجة لعوامل سياسية مثل ظهور قسم
حاليب وشالتين ضمن محافظة البحر األحمر ،يرجع إلى ادعاءات للسودان بأنه أراضي
سودانية.
ولعل مخطط نقل العاصمة ،واستحداث عاصمة جديدة بدالً من القاهرة ،التي
أضحت مكتظة بالسكان ،وموبوءة بالمشكالت ،دليل على سيطرة القرار السياسي على
األمور ،وفي التقسيم اإلداري ،فقد أعلن الرئيس المساعد ،وأمين السياسات بالحزب الوطني
عن مخطط عمراني جديد لتطوير القاهرة ،ثم فجأة تحول الموضوع إلى فكرة إنشاء عاصمة
إدارية جديد لمصر ،وقد يكون عقد العديد من اجتماعات مجلس الوزراء بالقرية الذكية بداية
لهذه الفكرة وتأكيد لها.
بل تأتي التعديالت اإلدارية عام 2008م ،لتؤكد كذلك فكرة العامل السياسي،
واألمني في ظهور محافظتين جديدتين ،وهما محافظة حلوان ،ومحافظة السادس من
أكتوبر ،وقد تعرض قرار إنشاء المحافظتين لموجة كبيرة من االستنكار من جانب الجماهير
فضال عن األكاديميين ،نتيجة لعشوائية القرار ،واحتياجه لدراسة أعمق ،كما نال قرار
التقسيم الكثير من الهجوم من قبل بعض نواب الشعب ،مؤكدين على استفزازية القرار،
وافتقاده للدراسات ،وال يخدم مصلحة المواطن البسيط.
وعلى الرغم من الدفوع التي أبدتها الحكومة ،كما في الندوة التي عقدت بمركز
األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية ،إال أن الرجوع في تبعية بعض المراكز ،أكبر
دليل على أن التقسيم ينقصه الدراسات ،والخطط ،وأن هناك الكثير من القرارات العشوائية.
وكان للمظاهرات والتجمعات التي قام المواطنون في الواحات البحرية ،وأطفيح
والصف ،أكبر دليل على تدخل العامل األمني ،ودوره الكبير في التراجع عن قرار التعديل
)?(1محمد محمد يوسف زهرة ،سكان منطقة قناة السويس ،1966-1897دراسة ديموغرافية ،رسالة
ماجستير ،جامعة القاهرة ،1976 ،ص المقدمة.
286
اإلداري ،إلى حد ما ،بشكل يخدم مصالح المواطنين ،التي يبدو أنه لم ينظر إليها في هذا
التعديل.
هذا بالنسبة للعامل السياسي وأثره على األقسام اإلدارية ،والوحدات الكبرى
والصغرى ناهيك عن دوره في الصراعات االنتخابية وتقسيم الدوائر االنتخابية بما يتناسب
مع رغبة الحزب الحاكم ،واألمر ليس جديد ولكنه موجود منذ ثالينيات القرن الماضي ،مما
سبق يظهر أثر العامل السياسي ودوره في بناء هيكل أقسامها ووحداتها المصرية منذ عهد
المصريين القدماء وحتى اآلن.
رابعاً :العامل االقتصادي:
تلعب اقتصاديات المكان ،سواء أكانت زراعية ،صناعية ،أو تجارية ،دوراً كبيراً
في النهوض واالرتقاء به ،وتحديده ،وتشكيله إدراياً ،فمنذ القدم ،كان ظهور مقاطعة جديدة،
يتوقف على مساحة األرض الزراعية التي تضمها( ،)1وبالتالي عدد السكان المشتغلون
بالزراعة.
وأضحى هناك رابطة إيجابية بين الخريطة االقتصادية والخريطة اإلدارية ،فتغير
الخريطة االقتصادية هو حتما تغير الخريطة اإلدارية ،بمعنى آخر فإن التغيرات اإلدارية
ليست سوى مظهر لتغيرات اقتصادية سبقتها ،وال يمكن توقع تميز إداري واضح ما لم
يرتكز على أرضية اقتصادية محددة(.)2
فقد كان الستصالح أراضي منخفض الفيوم ،عن طريق التحكم في المياه الداخلة
إلى المنخفض منذ عهد المصريين القدماء ،أكبر األثر في ظهور أراضي زراعية جديدة،
ومن ثم ساعد في ظهور مقاطعة الفيوم ،ضمن مقاطعات مصر الوسطى ،وتطور األمر في
عهد البطالمة والرومان ،حيث زاد االهتمام باإلقليم ،وتنوعت الزراعات به ،األمر الذي
انعكس على أقسامه اإلدارية بصورة لم يصل إليها عمران المنخفض منذ تلك الفترة ،حيث
وصلت قراه إلى 141قرية في عهد الرومان 189 ،في عهد البيزنطيين(.)3
وكان لتغير النظرة للخريطة اإلدارية لمصر في عهد البيزنطيين إلى نظرة
اقتصادية ،بديالً عن النظرة الحربية لدى الرومان ،بأن أصبحت مناطق إنتاج ،فتراجعت
287
أهمية النومات الواقعة في شرق النيل ،وعواصمها اإلدارية ،فتراجع عددها وقلت أهميتها،
واستمر األمر حتى مجئ العرب(.)1
وفي العهد العربي كان للصناعة دورها في ظهور بعض األعمال ،فكانت تنيس من
األعمال التي جمعت بين الوظائف الصناعية والتجارية والحربية معاً ،وكانت صناعة
المنسوجات ،ذات شهرة كبيرة بها ،ولتراجع تلك الصناعة باإلضافة إلى عوامل أخرى مثل
ضربات الصليبين ،أن تراجعت مكانة تنيس(.)2
وكان لتعرض ميناء رشيد ،لإلطماء ،أن تراجعت أهميته ،وزادت أهمية فوه التي
()3
أضحت عاصمة لكورة فوة والمزاحمتين ،وتوسعت لتشمل ثغر رشيد نفسه .
وكان لتقلص مساحة األراضي الزراعية أثرها في تراجع أعداد الوحدات اإلدارية
التي كان يتم تقسيم مصر إليها وظهر ذلك بوضوح في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر،
حيث ظهرت الكور الكبرى بدال من الكور الكبرى ،ولم يختلف األمر كثيراً في عهد الدولة
العثمانية ،كذلك ،حيث تراجعت مكانة مصر االقتصادية فانكمشت رقعتها الزراعية وضاع
كل شمال الدلتا ،وابتلعته البراري ،وتدهورت تجارة مصر ،وأسنت موانيها ،حتى أضحت
مقسمة إلى خمسة واليات إدارية فقط ،دليل على ضعف البناء االقتصادي ،ومحاولة حصر
كل إمكانيات البالد في تلك الواليات الخمسة فقط ،لخدمة أغراض المماليك والطوائف
المتصارعة.
ومع بزوغ فجر مصر الحديثة مع محمد علي ،وشق الترع والقنوات ،وإ قامة
الجسور وإ نشاء الكباري ،وبناء السواقي ،واستحداث زراعات ،وإ دخال نباتات جديدة على
رأسها القطن ،وتحويل الدلتا للري الدائم واالهتمام بحركة النقل وإ حياء مينائي اإلسكندرية
والسويس ،بدأ الرواج االقتصادي لمصر يعود مرة أخرى مما انعكس على بنائها اإلداري،
وانعكس على قواعد المديريات بالتالي ،نتيجة لزيادة مساحة الوحدات اإلدارية ،فقاعدة
مديرية الشرقية نقلت إلى الزقازيق في قلب المعمور والسهل الفيضي واألراضي الزراعية،
ومناطق حلج القطن ،بدال من بلبيس الواقعة على الهامش الصحراوي( ،)4وامتدت حدود
288
الشرقية حتى قرب البحيرة المرة مع استزراع وادي الطميالت بزراعة شجر التوت وتربية
دودة القز.
وكان لظهور اإلبعاديات والجفالك دور كبير في ظهور أقسام إدارية جديدة ،وكبر
مساحة المديريات ،واألقاليم خاصة في الهوامش الدلتاوية شرقاً وغرباً ،بل إن اإلسكندرية
كانت قد أصبحت قرية صغيرة الحجم تابعة إلقليم البحيرة ،لم يزد حجم سكانها في تقدير
الحملة الفرنسية عن ثالثة آالف نسمة( ،)1فكان حفر ترعة اإلبراهيمة ،بمثابة إعادة الحياة،
للمدينة ،التي أصبح لها دوراً كبيراً في نمو الميناء مرة أخرى وظهور اإلسكندرية كمحافظة
()2
مستقلة لها أهميتها وكيانها .
وكان لزيادة مساحة الرقعة الزراعية ،أن مكن من ظهور كثير من المحالت
العمرانية الجديدة وبالتالي ظهور أقسام /مراكز إدارية جديدة ،كي تقدم خدماتها لسكان تلك
الجهات ،وقد بلغت مساحة األراضي الزراعية 3.8مليون فدان في عام 1840بعد أن
كانت 2مليون فدان في عام ،)3(1821مما انعكس على أقسام مصر اإلدارية التي وصلت
إلى 14مديرية تضم 24مأمورية.
كما كان للصناعات التي أدخلها محمد علي "الحلج والنسج" خاصة في الوجه
البحري ،والترسانات التي أنشأها دورها في نمو الكثير من مدن الوجه البحري مثل المحلة،
دمياط ،رشيد ،بل إنه في نهاية عهد محمد علي بدأ مشروع "إعادة بناء قرى مصر" وكانت
قرية كفر الزيات بداية هذا المشروع ،وأعيد بنائها وسلمت البيوت الجديدة للسكان(.)4
وكانت فابريقات صناعة السكر في الصعيد ذات دور كبير في ظهور العديد من
األقسام اإلدارية الجديدة خاصة في عهد الخديو إسماعيل ،وكان لحفر قناة السويس دورها
في الرخاء االقتصادي ،وكونها أحد أهم شرايين المالحة العالمية أن ساهمت في تطوير
وظهور مدن جديدة "اإلسماعيلية ،وبورسعيد" اللتين أصبحتا في إطار محافظة جديدة
"محافظة القنال".
289
كذلك كان لتحويل أراضي وسط الصعيد إلى الري الدائم بحفر ترعة اإلبراهيمية
أكبر األثر في الرخاء االقتصادي والزراعي والعمراني والصناعي ،حيث صناعة تكرير
السكر على قصب السكر الذي زرع في تلك الجهات أن انعكس على التقسيم اإلداري
الصعيد فبدأت مديريات نصف أول قبلي تظهر منفصلة إلى مديريتين هما قنا ،وإ سنا .وبذلك
أصبح الصعيد يضم نفس األقسام اإلدارية الكبرى التي ال زال عليها حتى اآلن.
وتحويل محافظة اإلسماعيلية من محافظة حضرية إلى محافظة ريفية عام ،1964
كان نتيجة للتخطيط بأن تتولى اإلسماعيلية عبئ توفير الطعام من خضر وفاكهة ومحاصيل
ومنتجات حيوانية لسكانها وسكان محافظات القناة وسيناء عموما،ـ بل وسكان القاهرة
أيضا(.)1
واألمر ال يقتصر على المحافظات ،بل إن ظهور بعض المراكز ،يكون على أساس
قاعدة اقتصادية ،فمركز المطرية ظهر لنشاطه الرئيسي الممثل في صيد األسماك ،وأضحت
عاصمته مدينة المطرية ،التي تعتبر إحدى التجمعات الكبيرة لصيد األسماك على مستوى
مصر ،حيث يعمل بصيد األسمال %63.8من سكانها ،وكذلك األمر مع مركز الحسينية،
الذي يعد أكبر مراكز المحافظة من حيث المساحة الزراعية تبلغ 173.972فدان بنسبة
%24.7أي ربع مساحة األراضي الزراعية المزروعة في الشرقية عام .)2(1988
وكان الكتشاف خام الحديد في الواحات البحرية أكبر األثر في امتداد حدود
محافظة الجيزة بهذا الشكل ليضم قسم الواحات البحرية ،وهو األمر نفسه الذي أبقاها ضمن
محافظة السادس من أكتوبر ،بعد تهديد سكانها بقطع طريق السكك الحديد.
وكان للمشاريع االقتصادية سواء كانت زراعية أو صناعية أكبر األثر في تشكيل
الخريطة اإلدارية للعديد من المحافظات في الوقت الحالي ،فاالستصالح الزراعي في
محافظة اإلسماعيلية ،فرض تعديالت إدارية على حدود المحافظة ،وأقسامها حيث أضيف
إليها جزء كبير من سيناء شرق القناة ،ممثل في القنطرة شرق ،كذلك بالنسبة لمحافظة
بورسعيد حيث ميناء شرق التفريعة وعمليات االستصالح الزراعي في سهل الطينة ،فرض
ضم مساحات جديدة إلى المحافظة على حساب محافظة شمال سيناء ،كذلك تم مد حدود
محافظة المنوفية لتضم مركز ومدينة السادات بعد النهضة الصناعية التي يشهدها المركز،
290
ومحاولة الخروج بمحافظة المنوفية من ذلك الققص الحديدي داخل إطار الدلتا ،وكذلك
الوضع بالنسبة لوادي النطرون بإضافته لمحافظة البحيرة ،الستغالل إمكانياته الزراعية،
وإ مكانياته السياحية الواعدة ،خاصة السياحة الدينية ،لما يمتلكه من أديرة يفوح منها عبق
التاريخ المسيحي ،وكذلك الحال في تبعية مدينة العاشر من رمضان لمحافظة الشرقية ،ولكل
من هذه المدن الجديدة قاعدته االقتصادية التي يمكن أن تمثل عنصر الجذب والنمو لتلك
المدن في المستقبل وما يمكن أن يرسمه من إعادة توجيه لخريطة مصر اإلدارية.
وكان لزيادة النشاط السياحي والعمراني غرب اإلسكندرية أن تم مد حدود
المحافظة غرباً حتى الكيلو 61حيث يمتد نفوذ مركز برج العرب أن دفع بحدود المحافظة
غرباً ،ونفس األمر حيث كان استصالح األراضي في منطقة العامرية أن دفع حدود
()1
المحافظة جنوباً حتى الكيلو 45على طول طريق القاهرة اإلسكندرية الصحراوي .
وتعد محافظة جنوب سيناء من المحافظات التي تمتلك الكثير من المقومات
السياحية ،سواء كانت طبيعية ،أو دينية ،األمر انعكس على تقسيمها اإلداري ،حيث أصبحت
تسعة أقسام إدارية ،بشكل ملحوظ ،واألمر نفسه ينطبق على محافظة البحر األحمر.
ولعل اكتشاف البترول والغاز الطبيعي في الصحراء الغربية وتغير خريطة
البترول المصري التقليدية بظهور مصدر جديد موازي لخليج السويس ،إلى جانب مشاريع
االستصالح الزراعي واألنشطة السياحية ،يدفع بقوة نحو إعادة النظر في التقسيم اإلداري
لمحافظة مطروح ،أضف إلى ذلك أن مركز محطة الطاقة النووية السلمية سوف تكون كذلك
على ساحل البحر المتوسط ،األمر الذي يعني أن هناك أمكانية كبيرة من استخدام كافة
امكانيات هذا اإلقليم ومن الممكن أن يكون هناك إعادة إحياء مشروع بحيرة منخفض
القطارة األمر الذي يعني أنه من الممكن أن يعود الساحل الشمالي إلى سابق عهده مركز من
مراكز زراعة القمح والزيتون والعنب كما كان في عهد الرومان ،ومن الممكن أن يصبح
مستقبل مصر ورخاؤها في صحرائها الغربية ،واألمر ذاته ينطبق على الوادي الجديد ،بل
إن محافظة الوادي الجديد سوف تشهد في القريب خطة إدارية جديدة تتناسب وحركة
االستصالح الكبرى ومشاريع الري العمالقة التي تجري فيها حيث مشروعى توشكى
وشرق العوينات.
291
وال زالت مدينة األقصر تنتظر قرار التحويل إلى محافظة نتيجة لبنائها االقتصادي
القائم على السياحة ولجعلها محافظة سياحية مستقلة عن محافظة قنا نظراً لتميزها عن باقي
محافظة قنا بنشاطها السياحي الكبير والضخم.
مما سبق يظهر أثر العوامل الجغرافية بشقيها الطبيعي والبشري على أقسام مصر
اإلدارية الكبرى والصغرى ،وأن هيكل بناء مصر اإلداري هو نتيجة لهذه العوامل المتداخلة
المتشابكة حيث ال يمكن فصم عرى الترابط بين عناصر الجغرافية الطبيعية والبشرية.
كذلك ال يمكن إرجاع ظهور قسم إداري صغير أو كبير إلى عامل واحد سواء كان
طبيعي أو بشري بل إن العناصر تتشابك ليظهر قسم إداري جديد نتيجة لكل العوامل مجتمعة
وأن التمييز والفصل ما هو إال بغرض التوضيح والدراسة فقط لكن الحقيقة هي الترابط بين
العوامل الطبيعية والبشرية في شكل نسيج مترابط له تأثيره على الخريطة اإلدارية
وتشكيلها.
292
ملخص الفصل الرابع
تمت دراسة العالقة بين الحدود اإلدارية والعوامل الجغرافية ،في إطار مبحثين
تناول المبحث األول العوامل الجغرافية الطبيعية ممثلة في عناصر ثالث هي :التضاريس،
والتربة والموارد المائية .وفي هذا المبحث ظهر أثر العناصر الثالث ودورها الفعال في
عملية التقسيم اإلداري ويالحظ مدى التفاوت بين كل عنصر من العناصر الثالثة حيث كان
للموارد المائية والتربة دوراً في غاية األهمية داخل الوادي والدلتا وفي الفصل والتمييز
الواضح بين المعمور والالمعمور ،كما كان للتضاريس دورها في الفصل بين الوادي والدلتا
من جهة والصحراء الشرقية والغربية من جهة أخرى ،وكذلك في وجود بعض األحواض
المنفصلة على الضفة الشرقية والتي تعطي شكال مميزا وامتداد أكثر طوال لبعض
المحافظات على الضفة الشرقية مقارنة بالضفة الغربية.
أما في المبحث الثاني حيث العوامل الجغرافية البشرية ممثلة في عناصر :السكان
،والنقل والمواصالت ،والعامل السياسي ،والعامل االقتصادي فالشك كان دورهاً مؤثراً
على مدى الفترات الزمنية المختلفة فقد كانت العالقة الطردية بين السكان والتقسيم اإلداري
فحيث كان هناك وفرة وزيادة سكانية كان هناك تقسيم إداري راق يناسب هذه الزيادة وحيث
يتقلص وينكمش حجم السكان يقابله تقلص في عدد الوحدات اإلدارية وترتيبها وتنظيمها،
كما أن النقل والمواصالت عنصر في غاية األهمية حيث يربط أجزاء الدولة المختلفة
ويساعد على وضع وصياغة خريطة إدارية جيدة ،وقد يكون لشبكة الطرق الحديثة
الموجودة اآلن دوراً هاما في تطوير وتثوير الخريطة اإلدارية والنقل اآلن ال يقتصر على
الوسائل التقليدية بل هناك األقمار الصناعية والشبكة الدولية ،أما العامل السياسي فكان دوره
واضحاً على مدى التاريخ اإلداري لمصر فحيث كانت األوضاع السياسية مستقرة كان
التقسيم اإلداري ووحداته مترابطة وجيدة البناء والعكس يظهر في فترات االستعمار
واالحتالل األجنبي ،أما العامل االقتصادي فهو عامل قوي ومؤثر فاالستصالح والتوسع
الزراعي يتبعه ظهور قرى ومراكز عمرانية جديدة ،ظهر ذلك في عهد الرومان والبطالمة
وكذلك مع محمد علي حيث األبعاديات والجفالك ،وأخذ أبعاد جديدة مع الثورة واآلن مع
مشاريع االستصالح في توشكى والعوينات والساحل الشمالي وترعة السالم.
293