مقدمة تعد الليبرالية الكالسيكية واحدة من أهم الفلسفات السياسية واالجتماعية الحديثة .ويمكننا القول إن جهود المؤمنين بهذه المجموعة من األفكار كانت حاسمة في ظهور العالم الحديث. فلوال حمالت الذين عرفوا أنفسهم على أنهم ليبراليون كالسيكيون وحججهم وتفكيرهم وتحليلهم ،لما وجدت العديد من السمات الجوهرية للحداثة ،كالنمو المكثف المستمر، وخصخصة الهوية الدينية ،وإلغاء العبودية. وعلى الرغم من أهمية الليبرالية الكالسيكية ،فإنها اليوم غير مفهومة جيدا ،ويساء تجسيدها (عن قصد في حاالت كثيرة) وربطها بشكل خاطئ مع أساليب تفكير أخرى ،وال سيما النزعة المحافظة. إن الليبرالية مذهب فلسفي/سياسي ،ونسق مجتمعي له شرط صيرورة وتطور ،ويقوم هذا المذهب على احترام حرية الفرد واستقالله ومنحه اكبر قدر ممكن من الضمانات ضد اي تعسف .وهي أنواع :ليبرالية مادية ،ليبرالية سياسية ،ليبرالية مدنية ،ليبرالية دينية ،ليبرالية اقتصادية .ويعرفها توماس هوبز بانهـا غيـاب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة االنسان على ان يفعل ما يشاء .فالليبرالية مذهب فكري يركز على الحرية الفردية ،ويرى وجوب احترام استقالل االفراد ويعتقد ان الوظيفة االساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التعبير والتفكير ،والملكية الخاصة ،والحريات الشخصية وغيرها ،ولهذا فانه يضع القيود على السـلطة وتقليـل دورهـا ،وابعادها عن السوق وتوسيع الحريات المدنية. اختلف الباحثون في تاريخ الليبرالية كمنتظم فكري ،وذلك نابع من تنوع المفهـوم وكثـرة االتجاهات الفكرية التي حسبت عليه ،اذ يجري الحديث عن ليبرالية سياسية واخرى اقتصادية واخرى اجتماعية اال انها جميعا تؤكد على حرية الفرد تبعا لتنوعها ،فمن الباحثين من يرجـع الليبراليـة الـى العصـور القديمـة (اليونـان ) وبالتحديــد الـى فكر السفسطائيين ويسميها الليبرالية القديمة ،والحظ عدد اخر من الكتاب انه وفي بداية القـرن الثاني عشر تكونت في ايطاليا انظمة سياسية مبتعدة عن النظام االمبراطوري او الملكي ونظم اقتصـادية بعيـدة عـن االقطاع ،وتم تقسيم اراضي الدولة االيطالية بين المدن وبات االعتراف بسلطة المدينة امر واقع. لقد كان لظهور المدارس الفكرية االقتصادية دور في تعزيز الليبرالية وظهورها كنظام ولعـل مـن ابـرز هـذه المدارس االتي:- -المدرسة الميركنتالية :التي بدأت مع بدايات عصر النهضة في القرن السابع عشر ،وتعتمد هـذه المدرسـة علـى ان اساس االقتصاد هو الثروة المعدنية من معادن نفيسة وان مكانة الفرد ال تنبع من خالل الطبقة التي ينتمي اليها بقدر مـا يمتلك من اموال ،اذ على الدولة ان تؤمن كل ما يحتاجه الفرد لتسهيل حصوله على المعادن. المدرسة الفيزيوقراطية :نشأت في فرنسا في القرن الثامن عشر وعرفت بالمدرسة الطبيعيـة، واطلـق علـى مؤيديها الطبيعيون ،العتقادهم بسيادة قوانين الطبيعة وان النظام يستمد قواعده من العناية االلهية التي ليست من صـنع البشر وان هذه القوانين او القواعد يمكنها ان تسري من تلقاء نف سها دون تدخل من البشر ،وان االساس لهذا النظام هو الملكية الفردية والحرية االقتصادية وشعار الفيزيوقراط ( دعه يعمل دعه يمر ) وكان من آرائهـم ان تكـون السـلطة مطلقة للملك وتكون مهمته توجيه االفراد نحو النظام الطبيعي. المدرسة الكالسيكية :انبثقت هذه المدرسة على االساس الذي وضعه الفيزيوقراطيون وتطورت في انكلترا نتيجة للتوسـع االقتصادي الذي شهده القرن الثامن عشر ،وجاءت ردا على المدرسة الميركنتالية بعد ان تطورت الرأسمالية التجاريـة الى رأسمالية صناعية ،فاذا كان علماء االجتماع والسياسة يرون في جون لوك كحجر الزاوية للفكر الليبرالـي الغربـي والـذي رسـخ للحريات السياسية للفرد ،فإن الوجه اآلخر للفكر الليبرالي مقترن بفكر مؤسس علـم االقتصـاد والرأسـمالية الحديثـة آدم سميث في مؤلفه الشهير ( ثروة االمم) الصادر عام ، 1776اذ ارتكز آدم سميث في نظريته علـى خلفية كون الثراء يأتي من خالل القضاء على االنغالق االقتصادي وتوسيع رقعة التجارة الدولية. فضال عن الدور الذي قدمته هذه المدارس في تطور الليبرالية كان االسهام الفكري لجون لوك عامل مهـم فـي صياغة الكثير من المنطلقات للمنتظم الفكري ،اذ عملت مبادئ لوك ومن خالل كتابه '' في الحكم المـدني'' على تحديد المثل السياسية التي عرفت في غرب اوربا باسم الفلسفة الليبرالية وهي المثل التـي نـادت بضـرورة حمايـة الحريات والحقوق الفردية. فما هي إذن األسس والمبادئ التي ارتكزت عليها الليبرالية ؟ وما هي أهم االنتقادات التي وجهت للفكر الليبرالي؟ لإلج ابة عن اإلشكالية تناولنا في هذا الموضوع نقطتين أساسيتين تتجلى األولى في األسس والمبادئ التي ارتكزت عليها الليبرالية (مطلب أول) وتتمحور النقطة الثانية حول انتقادات الموجهة للفكر الليبرالي ( مطلب ثان). المطلب األول :األسس والمبادئ الفكرية لليبرالية الفقرة األولى :األسس الفكرية لليبرالية تقوم الليبرالية على اسس فكرية هي القدر المشترك بين سائر اتجاهاتها وتياراتها حيث ال يوجد فرد ليبرالي ال يقر بهذه االسس وال يعترف بها ألنها االجزاء المكونة للفكر الليبرالي والمميزة لـه عـن غيـره واهـم هذه األسس: أوال :الحرية : عرفها اعالن حقوق االنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789بانها '' :حق الفرد بان يفعل كل ماال يضر باآلخرين .وال يمكن اخضاع الحقوق الطبيعية لقيود اال من اجل تمكين اعضاء الجماعــة االخــرين مـن التمـتع بحقوقهم ،وهذه القيود ال يجوز فرضها اال بقانون''. فالفرد حر في افعاله ومستقل في تصــرفاته دون اي تدخل سـواء مـن الدولة او اي مؤسسة اخرى ،اذ ان الليبرالية من الناحية الفكرية تعني :حرية التفكيـر واالعتقـاد والتعبير ،ومن الناحية االقتصادية ،حرية الملكية الشخصية وحرية الفعل االقتصادي المنتظم وفقا لقـوانين السـوق ،وعلى المستوى السياسي تعني حرية التجمع وتأسيس االحزاب واختيار السلطة . ثانيا :الفردية عرفت الفردية كملمح اساس لعصر النهضة الذي جاء كردة فعل لفكر القرون الوسطى ويحرر الفرد مـن االنضباط الكاثوليكي الطويل ،اذ ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطا وثيقا فأصبحت الحرية تعني استقالل الفرد وحريتـه .وجاءت الفردية بمفهومين مختلفين: : 1الفردية بمعنى االنانية وحب الذات وهذا المعنى هو الذي كان سائدا على الفكر الغربي منذ عصر النهضة الـى القرن العشرين وكان االتجاه التقليدي لألدبيات الليبرالية. : 2بمعنى استقالل الفرد من خالل العمل المتواصل واالعتماد على النفس ،وهـذا الـذي سـاد فـي االتجاهـات المعاصرة لليبرالية وما عرف بالبراغماتية .ان الليبرالية تدفع بالفرد الى المقدمة وتمجده الى ان يصبح هو الحقيقة ،وتقدم الحجة بان االفـراد هـم الـذين يصنعون المجتمع ،وان سعادة الفرد هي رفاهية المجتمع ،باعتباره مركز الحياة االجتماعية ،لذا ينبغي علـى الدولـة ان تترك الفرد حرا الن يعمل في تنمية مصالحه وشخصيته ،وعلى الدولة ان تقف بعيدا ويكون واجبها االوحـد هـو ان تحمي الفرد ومصالحه. ثالثا :العقالنية وتعني استقالل العقل البشري بادراك المصالح والمنافع دون الحاجة الى قوى خارجية وقد تـم اسـتقالله نتيجة تحرره من السلطة الدينية الالهوتية ،ويتضح مرتكز العقالنية في الفكر الليبرالي من خالل االتي: أ -ما دامت الحقوق التي يسعى الفرد لتأكيدها لذاته هي باألساس حقوقا طبيعية ،فان طريقة معرفتها هو العقل وادواته كالحس والتجربة . ب -ان العقل في الفكر الليبرالي هو عقل مادي ال يؤمن اال بالمحسوسات ،لذا فان كل شيء مبني بناء غير علمي ال يصح جعله مصدرا للمعرفة. ج -ان القانون الذي يضبط الحرية من االنفالت عند كل االتجاهات الليبرالية هو قانون وضعي يعتمد العقل المجرد فـي التشريع فالمصدر الوثيق في القانون وفي المجال الخاص بالفرد هو العقالنية. الفقرة الثانية :مبادئ الفكر الليبرالي من خالل األسس التي تم التطرق إليها في الفقرة السابقة يمكن استنتاج عشرة مبادئ تعتمدها الليبرالية الكالسيكية: أوال :افتراض الحرية لدى الليبيراليين الكالسيكيين افتراض يؤيد الحرية الفردية ،إنهم يريدون تعظيم الحرية في حياتنا السياسية واالجتماعية واالقتصادية .ومع ذلك ،لديهم مسوغات مختلفة لهذا االستنتاج . فبالنسبة للكثيرين ،الحرية جيدة في حد ذاتها .فهم يجادلون من وجهة نظر علم النفس بأن الناس لو خيروا ،يفضلون دائما أن يكونوا أحرارا على أن يكونوا مكرهين .ويقول آخرون، من دعاة الحقوق الطبيعية ،إن الحرية شيء منحنا إياه هللا أو الطبيعة .في حين يجادل البعض بأن الحرية مبنية على عقد اجتماعي يجب أن يوافق عليه الناس في حالة الطبيعة إذا أرادوا تفادي الفوضى والصراع .ويشير البعض اآلخر إلى وجهة نظر إنسانية ،بأن الحرية جزء جوهري من معنى كون المرء إنسانًا :فالشخص الذي يتحكم فيه اآلخرون ليس شخصا كامال، وإنما مجرد نكرة .ويقدر الليبراليون الكالسيكيون النفعيون الحرية باعتبارها الطريقة الفضلى لتحقيق أقصى قدر من رفاهية المجتمع ككل. ثانيا :أسبقية الفرد يرى الليبراليون الكالسيكيون أن الفرد أهم من الجماعة .وهم ال يضحون بحرية الفرد من أجل منفعة جماعية ما .أوعلى األقل ،ال يضحون من دون تقديم بعض المبررات الجيدة. لهذا تقول إحدى وجهات النظر – تسمى الفردية المنهجية– إن الجماعة ال وجود لها خارج األفراد الذين يشكلونها. ال شك أن المجتمع أكثر من مجرد مجموعة من األفراد كالمنزل الذي يكون أكثر من مجرد مجموعة من القراميد .لكن المجتمع ال يحظى بعقل مستقل خاص به؛ إنهم األفراد الذين يفكرون ويقّدرون ويختارون ويقودون األحداث .فال توجد ''مصلحة عامة'' جماعية خارج مصالح األفراد الذين يشكلون ذلك المجتمع .هؤالء األفراد يختلفون ،فما يصب في مصلحة شخص ما قد يكون ضد مصلحة اآلخرين .والتضحية بحرية الفرد لصالح '' الجماعة'' يعني أننا سنضحي بها من أجل مجموعة محددة من المصالح ،وليس من أجل مصالح الجميع. فالتاريخ يغص بأمثلة عن الشرور التي لحقت بالشعوب عندما ضحوا بحريتهم من أجل فكرة خاطئة ألحد القادة عن منفعة الجماعة (هتلر نموذجا). ثالثا :التقليل من اإلكراه يود الليبراليون الكالسيكيون تقليل اإلكراه ،فهم يريدون عالما يتعايش فيه الناس باالتفاق السلمي ،ال عالما يستخدم فيه المرء القوة أو يهدد الستغالل اآلخرين أو فرض إرادته عليهم . وفقًا لذلك ،يمنح الليبراليون الكالسيكيون احتكار استخدام القوة للحكومة والسلطات القضائية، إال أنهم يريدون إبقاء ذلك عند الحد األدنى الضروري؛ فهم يدركون مدى سهولة إساءة استخدام السلطة .ويؤكد الليبراليون الكالسيكيون أن أي استخدام للقوة لكبح أفعال الناس يجب تبريره .ويقع العبء على عاتق الشخص الذي يريد تقييد الحرية في توضيح سبب كون ذلك ضروريا ومفيدا بما يكفي إلجازته. عموما ،يعتقد الليبراليون الكالسيكيون أن األفراد ينبغي أن يكونوا قادرين على عيش حياتهم ً وفًقا الختيارهم ،دون الحاجة إلى طلب إذن أحد قبل أن يقدموا على فعل شيء ما .قد يكون هناك سبب وجيه وراء كبح أفعال الناس؛ ولكن إقامة الدليل تقع على كاهل الذين يريدون فعل ذلك . رابعا :التسامح يؤمن الليبراليون الكالسيكيون بأن السبب الوجيه الرئيس للتدخل في حرية الناس هو منعهم من تهديد اآلخرين أو إلحاق أذى بهم .وهم ال يعتقدون بأننا ينبغي أن نقيد أفعال األشخاص لمجرد أننا نستنكرها أو نعتبرها مسيئة .فعلى سبيل المثال ،يدافع الليبراليون الكالسيكيون عن حرية التعبير ،حتى لو استخدم بعض الناس هذه الحرية للتفوه بكالم قد يراه آخرون بغيضا. وبالمثل ،ينبغي أن يكون األفراد أحرارا في التجمع في مجموعات كالنوادي أو االتحادات أو األحزاب السياسية ،حتى لو اعتبر آخرون أن أهدافهم وأنشطتهم كريهة .وينبغي أن يكونوا أحرارا في المتاجرة بالسلع والخدمات ،وحتى األشياء )مثل المخدرات والدعارة) التي قد ال يوافق عليها آخرون .وينبغي أن يحظوا بحرية العيش ،وتبني اآلراء التي تعجبهم ،واعتناق الدين الذي يريدون. يرى الليبراليون الكالسيكيون أن مثل هذا التسامح ليس جيًدا في حد ذاته فحسب ،فهم يعتبرون التسامح واالحترام المتبادل أساسين جوهريين للتعاون السلمي وخلق مجتمع نافع وحسن األداء. خامسا :الحكومة المحدودة والتمثيلية يعترف الليبراليون الكالسيكيون بأنه قد تكون هناك حاجة إلى استخدام بعض القوة لمنع الناس من إلحاق األذى باآلخرين ،ويتفقون على أن السلطات وحدها ينبغي أن تحظى بهذه القوة ،إال أنهم يدركون أن السلطة ال تمارسها '' دولة'' نزيهة ،وإنما بشر حقيقيون .إنهم يعرفون أن السلطة تميل إلى الفساد وأن السياسيين غالبا ما يستشهدون بـ ''المصلحة العامة'' على السياسات التي تصب في الواقع في مصالحهم الشخصية . عالوة على ذلك ،يجادل منظرو العقد االجتماعي أمثال الفيلسوف اإلنجليزي جون لوك بأن سلطة الحكومة تأتي من األفراد وليس العكس .حيث يتنازل الناس عن بعض من حرياتهم للحكومة من أجل تعظيم حريتهم بشكل عام ،لذلك ال تحظى الحكومة بسلطات شرعية تتجاوز السلطات التي يحظى بها األفراد أنفسهم؛ فالغرض األساسي من الحكومة هو توسيع الحرية وليس تقييدها .فالليبراليون الكالسيكيون يعتقدون أن الديمقراطية التمثيلية والدستورية هي أفضل وسيلة مكتشفة حتى اآلن إلبقاء المشرعين مسؤولين أمام الشعب .وليست االنتخابات الختيار قادة جيدين بقدر ما تتمحور حول التخلص من القادة السيئين .ومع ذلك ،للديمقراطية حدودها :فهي قد تكون طريقة جيدة التخاذ بعض القرارات ،ولكن هذه القرارات قليلة؛ من األفضل عادة أن نسمح لألفراد باتخاذ قراراتهم بأنفسهم. سادسا :سيادة القانون تمة مبدأ آخر يقيد السلطة ويخلق المزيد من األمن لعامة الشعب هو سيادة القانون .وهذا يعني أنه يجب أن نحكم بقوانين معروفة ،وليس بقرارات المسؤولين الحكوميين التعسفية .وهو ما أسماه السياسي األمريكي جون آدامز '' حكومة القوانين ،وليست حكومة الرجال '' . يحرص الليبراليون الكالسيكيون على أن القانون ينبغي أن يطبق على الجميع على قدم المساواة ،بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو اللغة أو األسرة أو أي خصائص أخرى .وينبغي أن يطبّق على المسؤولين الحكوميين كما يطبق على الناس العاديين؛ وال ينبغي ألحد أن يكون ''فوق القانون '' .ويتطلب الحفاظ على سيادة القانون نظاما للعدالة، ومحاكم مستقلة ال يمكن لألفراد أو الحكومات التالعب بها. سابعا :النظام التلقائي يعتقد الليبراليون الكالسيكيون أن الحكومة ليست أساس النظام االجتماعي .والمؤسسات االجتماعية المعقدة التي نراها حولنا غير مخطط لها عموما فهي نتاج الفعل البشري ،ال نتيجة التصميم البشري .فعلى سبيل المثال ،لم تكن هناك حاجة إلى سلطة مركزية أو تخطيط واع إلنتاج اللغة ،أو عاداتنا وثقافتنا ،أو أسواق السلع والخدمات .فمثل هذه المؤسسات تنمو وتتطور ببساطة نتيجة التفاعالت التي ال تحصى بين األفراد األحرار. ثامنا :الملكية والتجارة واألسواق تحدثها الحكومات ،وإنما التعاون المتبادل بين يعتقد الليبراليون الكالسيكيون بأن الثروة ال ِ األفراد في النظام التلقائي للسوق .فاالزدهار يتحقق بواسطة األفراد األحرار الذين يبتكرون ويخلقون ويدخرون ويستثمرون ،وفي نهاية المطاف ،يتبادلون السلع والخدمات طواعية لتحقيق مكاسب متبادلة ،إنه النظام التلقائي القتصاد السوق الحر. تاسعا :المجتمع المدني يؤمن الليبراليون الكالسيكيون بأن الجمعيات التطوعية أفضل من الحكومات في تلبية احتياجات األفراد .ومع أنهم يؤكدون على أولوية األفراد ،هم يدركون أن الناس ليسوا كائنات منعزلة وفسيفسائية وأنانية .على العكس من ذلك ،إنهم كائنات اجتماعية ويعيشون ضمن العائالت والمجموعات والمجتمعات التي تشكل قيمهم كالنوادي والجمعيات والنقابات واألديان والمدارس والمجتمعات عبر اإلنترنت والحمالت ومجموعات المساعدة الذاتية والجمعيات الخيرية وجميع المؤسسات األخرى التي نسميها المجتمع المدني . ويوفر المجتمع المدني أيضا عازال بين األفراد والحكومات .فلو كنا جميعا أفرادا منعزلين حقا ،لقمعت الحكومات االستبدادية حرياتنا بسهولة. عاشرا :القيم اإلنسانية المشتركة يزعم الليبراليون الكالسيكيون أنهم يرغبون في تسخير إنسانيتنا المشتركة من أجل المنفعة المتبادلة .وهم يدعمون المبادئ األساسية للحياة والحرية والملكية بموجب القانون .فتلك المبادئ ،في اعتقادهم ،هي أسس النظام االجتماعي المزدهر والتلقائي الذي يقوم على االحترام المتبادل والتسامح وعدم االعتداء والتعاون والتبادل الطوعي بين األفراد األحرار .فمن الناحية السياسية ،يفضل الليبراليون الكالسيكيون حرية التعبير ،وحرية التنظيم وسيادة القانون وقيودا تفرض على الحكومة ـ بما أن الحكام ليسوا أقدس من سواهم– تمنع َمن في السلطة من إلحاق األذى باآلخرين .وأما من الناحية االقتصادية ،يفضل الليبراليون الكالسيكيون الحرية في اإلنتاج والتبادل ،وحرية تنقل األشخاص والسلع ورأس المال .وهم يدافعون عن الملكية الخاصة ويرغبون في إبقاء الضرائب على ما هو ضروري لتزويد عامة الناس بالسلع العامة األخرى التي يوفرها السوق دون الحد المطلوب. المطلب الثاني :نقد الفكر الليبرالي تعد المرتكزات الفكرية التي قام عليها الفكر الليبرالي والقائمة على الحرية الفردية والعدالة الطبيعية والقانون الطبيعي والعقالنية ،غايات مثلى ومطلب ضروري لحاجات االنسان ،ومن هنا اندفع الناس الى وضع هذه األفكار موضع التطبيق الفعلي وفي مجاالت عدة ،ومن اجل عدم التوسع سنركز على استعراض االنتقادات في المجالين السياسي واالقتصادي .
الفقرة األولى :نقد الفكر الليبرالي على الصعيد السياسي
-تؤمن الليبرالية بان الدولة ينبغي ان تكون دولة ديمقراطية ،وقد تعرضت الديمقراطية الليبرالية الى انتقادات عديدة ،اذ ان التأكيد على ان الشعب يمتلك السيادة مقولة نظرية فقط، فالسلطة أداة بيد القلة لتحقيق مصالحها علـى حسـاب الكثرة ،وأنها ليست حكم األغلبية بل هي تكريس لألقلية ،وتقديم األحزاب لمصالحها على حساب مصالح الشعب .فحكم الشعب بالشعب تزييف ،فليس للشعب إمكانية في اتخاذ القرارات. -الديمقراطية الليبرالية الغربية ليست ديمقراطية كاملة ،ذلك ألنها ديمقراطية سياسية فحسب، ومن اجـل أن تكـون ديمقراطية كاملة يجب أن تكون ديمقراطية اقتصادية واجتماعية. ـ توظيف المفاهيم المسيحية لحسـابها مـن دون البعد الروحي وإنما لضبط السلوك المطلوب للديمقراطية ،األمر الذي بات تحريفا للتعاليم المسيحية وأسس التسامح الذي بنيت عليه ،والذي أنتج بدوره ما عرف بالمسيحية الجديدة المبنية على هوس المؤامرة وافتعال األزمات. الفقرة الثانية :نقد الفكر الليبرالي على الصعيد االقتصادي وجهت مجموعة من االنتقادات للفكر الليبرالي على الصعيد االقتصادي لعل أبرزها : -1بدال من تحقيق المصلحة العامة ،أحدثت الممارسات الحرة لقوى السوق افالسات هائلة لعدد ضخم من المشروعات وانعداما صارخا للمساواة ،فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة قاعدة نظام المشروع الحر التـي وضـعت عليهـا الليبرالية االقتصادية آمالها ،تضاءل وزنها وفقدت استقاللها وأصبحت تابعة لالحتكارات العمالقة . -2أصبحت الليبرالية االقتصادية ليبرالية جزئية ال تستوعب المجتمع ككل ،وإنما تقتصر فقط على القلـة االقتصـادية الحاكمة ،وتطورت لتصبح فيما بعد األقلية االحتكارية العالمية التي لعبت دورا رئيسيا في ظهور وتطـور النظـام الرأسمالي االحتكاري ،وما أثبتته نظريات النخبة التكنوقراطية خير دليل على ذلك . --3تقسيم العمل الدولي المجحف وسيطرة الليبرالية المالية العالمية من خالل السيطرة على مؤسسات النقد العالمية والتي راحت تفرض سياسات الليبرالية وضرورة مراعاتها في الدول المقترضة ،وتنفيذ الشروط االقتصادية ،والـتحكم فـي موارد الدول بما يخدم الرأسمالية العالمية. -4أثبتت الليبرالية فشلها الذريع في تحقيق مصالح المجتمع ،فاألزمات الطاحنة والبطالة والفقر الذي يعاني منه الكثيـر من أبناء المجتمعات الليبرالية تؤكد أن مصلحة المجتمع ككل لم تتحقق بل هي مصلحة فئة قليلة باتت تمسك بجميـع مناحي الحياة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.