Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫مادة تاريخ الفكر السياسي ‪2‬‬

‫ذ صديق الحطاب‬

‫الليبرالية الكالسيكية‬

‫تأطير وإشراف‪:‬‬ ‫إنجاز‪:‬‬


‫‪ -‬الدكتور صديق الحطاب‬ ‫‪ -‬التهامي البدوي‬
‫‪ -‬امال حرير‬
‫ـ بدر غانم‬

‫السنة الجامعية‪2023-2022 :‬‬


‫مقدمة‬
‫تعد الليبرالية الكالسيكية واحدة من أهم الفلسفات السياسية واالجتماعية الحديثة ‪ .‬ويمكننا‬
‫القول إن جهود المؤمنين بهذه المجموعة من األفكار كانت حاسمة في ظهور العالم الحديث‪.‬‬
‫فلوال حمالت الذين عرفوا أنفسهم على أنهم ليبراليون كالسيكيون وحججهم وتفكيرهم‬
‫وتحليلهم‪ ،‬لما وجدت العديد من السمات الجوهرية للحداثة‪ ،‬كالنمو المكثف المستمر‪،‬‬
‫وخصخصة الهوية الدينية‪ ،‬وإلغاء العبودية‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أهمية الليبرالية الكالسيكية‪ ،‬فإنها اليوم غير مفهومة جيدا‪ ،‬ويساء تجسيدها‬
‫(عن قصد في حاالت كثيرة) وربطها بشكل خاطئ مع أساليب تفكير أخرى ‪ ،‬وال سيما النزعة‬
‫المحافظة‪.‬‬
‫إن الليبرالية مذهب فلسفي‪/‬سياسي‪ ،‬ونسق مجتمعي له شرط صيرورة وتطور‪ ،‬ويقوم هذا‬
‫المذهب على احترام حرية الفرد واستقالله ومنحه اكبر قدر ممكن من الضمانات ضد اي‬
‫تعسف‪ .‬وهي أنواع‪ :‬ليبرالية مادية‪ ،‬ليبرالية سياسية‪ ،‬ليبرالية مدنية‪ ،‬ليبرالية دينية‪ ،‬ليبرالية‬
‫اقتصادية‪ .‬ويعرفها توماس هوبز بانهـا غيـاب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة االنسان‬
‫على ان يفعل ما يشاء‪ .‬فالليبرالية مذهب فكري يركز على الحرية الفردية‪ ،‬ويرى وجوب‬
‫احترام استقالل االفراد ويعتقد ان الوظيفة االساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل‬
‫حرية التعبير والتفكير‪ ،‬والملكية الخاصة ‪ ،‬والحريات الشخصية وغيرها ‪ ،‬ولهذا فانه يضع‬
‫القيود على السـلطة وتقليـل دورهـا ‪ ،‬وابعادها عن السوق وتوسيع الحريات المدنية‪.‬‬
‫اختلف الباحثون في تاريخ الليبرالية كمنتظم فكري ‪ ،‬وذلك نابع من تنوع المفهـوم وكثـرة‬
‫االتجاهات الفكرية التي حسبت عليه ‪ ،‬اذ يجري الحديث عن ليبرالية سياسية واخرى اقتصادية‬
‫واخرى اجتماعية اال انها جميعا تؤكد على حرية الفرد تبعا لتنوعها ‪ ،‬فمن الباحثين من يرجـع‬
‫الليبراليـة الـى العصـور القديمـة (اليونـان ) وبالتحديــد الـى فكر السفسطائيين ويسميها‬
‫الليبرالية القديمة ‪ ،‬والحظ عدد اخر من الكتاب انه وفي بداية القـرن الثاني عشر تكونت في‬
‫ايطاليا انظمة سياسية مبتعدة عن النظام االمبراطوري او الملكي ونظم اقتصـادية بعيـدة عـن‬
‫االقطاع ‪ ،‬وتم تقسيم اراضي الدولة االيطالية بين المدن وبات االعتراف بسلطة المدينة امر‬
‫واقع‪.‬‬
‫لقد كان لظهور المدارس الفكرية االقتصادية دور في تعزيز الليبرالية وظهورها كنظام‬
‫ولعـل مـن ابـرز هـذه المدارس االتي‪:-‬‬
‫‪ -‬المدرسة الميركنتالية ‪ :‬التي بدأت مع بدايات عصر النهضة في القرن السابع عشر ‪ ،‬وتعتمد‬
‫هـذه المدرسـة علـى ان اساس االقتصاد هو الثروة المعدنية من معادن نفيسة وان مكانة الفرد‬
‫ال تنبع من خالل الطبقة التي ينتمي اليها بقدر مـا يمتلك من اموال ‪ ،‬اذ على الدولة ان تؤمن‬
‫كل ما يحتاجه الفرد لتسهيل حصوله على المعادن‪.‬‬
‫المدرسة الفيزيوقراطية ‪:‬نشأت في فرنسا في القرن الثامن عشر وعرفت بالمدرسة الطبيعيـة‪،‬‬
‫واطلـق علـى مؤيديها الطبيعيون ‪،‬العتقادهم بسيادة قوانين الطبيعة وان النظام يستمد قواعده‬
‫من العناية االلهية التي ليست من صـنع البشر وان هذه القوانين او القواعد يمكنها ان تسري‬
‫من تلقاء نف سها دون تدخل من البشر ‪ ،‬وان االساس لهذا النظام هو الملكية الفردية والحرية‬
‫االقتصادية وشعار الفيزيوقراط ( دعه يعمل دعه يمر ) وكان من آرائهـم ان تكـون السـلطة‬
‫مطلقة للملك وتكون مهمته توجيه االفراد نحو النظام الطبيعي‪.‬‬
‫المدرسة الكالسيكية ‪:‬انبثقت هذه المدرسة على االساس الذي وضعه الفيزيوقراطيون‬
‫وتطورت في انكلترا نتيجة للتوسـع االقتصادي الذي شهده القرن الثامن عشر ‪،‬وجاءت ردا‬
‫على المدرسة الميركنتالية بعد ان تطورت الرأسمالية التجاريـة الى رأسمالية صناعية ‪ ،‬فاذا‬
‫كان علماء االجتماع والسياسة يرون في جون لوك كحجر الزاوية للفكر الليبرالـي الغربـي‬
‫والـذي رسـخ للحريات السياسية للفرد ‪،‬فإن الوجه اآلخر للفكر الليبرالي مقترن بفكر مؤسس‬
‫علـم االقتصـاد والرأسـمالية الحديثـة آدم سميث في مؤلفه الشهير ( ثروة االمم) الصادر عام‬
‫‪ ، 1776‬اذ ارتكز آدم سميث في نظريته علـى خلفية كون الثراء يأتي من خالل القضاء على‬
‫االنغالق االقتصادي وتوسيع رقعة التجارة الدولية‪.‬‬
‫فضال عن الدور الذي قدمته هذه المدارس في تطور الليبرالية كان االسهام الفكري لجون لوك‬
‫عامل مهـم فـي صياغة الكثير من المنطلقات للمنتظم الفكري ‪ ،‬اذ عملت مبادئ لوك ومن‬
‫خالل كتابه '' في الحكم المـدني'' على تحديد المثل السياسية التي عرفت في غرب اوربا باسم‬
‫الفلسفة الليبرالية وهي المثل التـي نـادت بضـرورة حمايـة الحريات والحقوق الفردية‪.‬‬
‫فما هي إذن األسس والمبادئ التي ارتكزت عليها الليبرالية ؟ وما هي أهم االنتقادات التي‬
‫وجهت للفكر الليبرالي؟‬
‫لإلج ابة عن اإلشكالية تناولنا في هذا الموضوع نقطتين أساسيتين تتجلى األولى في األسس‬
‫والمبادئ التي ارتكزت عليها الليبرالية (مطلب أول) وتتمحور النقطة الثانية حول انتقادات‬
‫الموجهة للفكر الليبرالي ( مطلب ثان)‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األسس والمبادئ الفكرية لليبرالية‬
‫الفقرة األولى‪ :‬األسس الفكرية لليبرالية‬
‫تقوم الليبرالية على اسس فكرية هي القدر المشترك بين سائر اتجاهاتها وتياراتها حيث ال‬
‫يوجد فرد ليبرالي ال يقر بهذه االسس وال يعترف بها ألنها االجزاء المكونة للفكر الليبرالي‬
‫والمميزة لـه عـن غيـره واهـم هذه األسس‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الحرية ‪:‬‬
‫عرفها اعالن حقوق االنسان والمواطن الفرنسي لعام ‪ 1789‬بانها ‪'' :‬حق الفرد بان يفعل كل‬
‫ماال يضر باآلخرين‪ .‬وال يمكن اخضاع الحقوق الطبيعية لقيود اال من اجل تمكين اعضاء‬
‫الجماعــة االخــرين مـن التمـتع بحقوقهم ‪،‬وهذه القيود ال يجوز فرضها اال بقانون‪''.‬‬
‫فالفرد حر في افعاله ومستقل في تصــرفاته دون اي تدخل سـواء مـن الدولة او اي مؤسسة‬
‫اخرى‪ ،‬اذ ان الليبرالية من الناحية الفكرية تعني ‪ :‬حرية التفكيـر واالعتقـاد والتعبير ‪ ،‬ومن‬
‫الناحية االقتصادية ‪ ،‬حرية الملكية الشخصية وحرية الفعل االقتصادي المنتظم وفقا لقـوانين‬
‫السـوق ‪ ،‬وعلى المستوى السياسي تعني حرية التجمع وتأسيس االحزاب واختيار السلطة ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفردية‬
‫عرفت الفردية كملمح اساس لعصر النهضة الذي جاء كردة فعل لفكر القرون الوسطى ويحرر‬
‫الفرد مـن االنضباط الكاثوليكي الطويل‪ ،‬اذ ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطا وثيقا فأصبحت‬
‫الحرية تعني استقالل الفرد وحريتـه‪ .‬وجاءت الفردية بمفهومين مختلفين‪:‬‬
‫‪ : 1‬الفردية بمعنى االنانية وحب الذات وهذا المعنى هو الذي كان سائدا على الفكر الغربي‬
‫منذ عصر النهضة الـى القرن العشرين وكان االتجاه التقليدي لألدبيات الليبرالية‪.‬‬
‫‪ : 2‬بمعنى استقالل الفرد من خالل العمل المتواصل واالعتماد على النفس ‪ ،‬وهـذا الـذي سـاد‬
‫فـي االتجاهـات المعاصرة لليبرالية وما عرف بالبراغماتية ‪ .‬ان الليبرالية تدفع بالفرد الى‬
‫المقدمة وتمجده الى ان يصبح هو الحقيقة‪ ،‬وتقدم الحجة بان االفـراد هـم الـذين يصنعون‬
‫المجتمع‪ ،‬وان سعادة الفرد هي رفاهية المجتمع‪ ،‬باعتباره مركز الحياة االجتماعية ‪ ،‬لذا ينبغي‬
‫علـى الدولـة ان تترك الفرد حرا الن يعمل في تنمية مصالحه وشخصيته ‪ ،‬وعلى الدولة ان‬
‫تقف بعيدا ويكون واجبها االوحـد هـو ان تحمي الفرد ومصالحه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العقالنية‬
‫وتعني استقالل العقل البشري بادراك المصالح والمنافع دون الحاجة الى قوى خارجية وقد‬
‫تـم اسـتقالله نتيجة تحرره من السلطة الدينية الالهوتية‪ ،‬ويتضح مرتكز العقالنية في الفكر‬
‫الليبرالي من خالل االتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما دامت الحقوق التي يسعى الفرد لتأكيدها لذاته هي باألساس حقوقا طبيعية ‪ ،‬فان طريقة‬
‫معرفتها هو العقل وادواته كالحس والتجربة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ان العقل في الفكر الليبرالي هو عقل مادي ال يؤمن اال بالمحسوسات ‪ ،‬لذا فان كل شيء‬
‫مبني بناء غير علمي ال يصح جعله مصدرا للمعرفة‪.‬‬
‫ج‪ -‬ان القانون الذي يضبط الحرية من االنفالت عند كل االتجاهات الليبرالية هو قانون‬
‫وضعي يعتمد العقل المجرد فـي التشريع فالمصدر الوثيق في القانون وفي المجال الخاص‬
‫بالفرد هو العقالنية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مبادئ الفكر الليبرالي‬
‫من خالل األسس التي تم التطرق إليها في الفقرة السابقة يمكن استنتاج عشرة مبادئ تعتمدها‬
‫الليبرالية الكالسيكية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬افتراض الحرية‬
‫لدى الليبيراليين الكالسيكيين افتراض يؤيد الحرية الفردية‪ ،‬إنهم يريدون تعظيم الحرية في‬
‫حياتنا السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لديهم مسوغات مختلفة لهذا االستنتاج ‪.‬‬
‫فبالنسبة للكثيرين‪ ،‬الحرية جيدة في حد ذاتها‪ .‬فهم يجادلون من وجهة نظر علم النفس بأن‬
‫الناس لو خيروا‪ ،‬يفضلون دائما أن يكونوا أحرارا على أن يكونوا مكرهين‪ .‬ويقول آخرون‪،‬‬
‫من دعاة الحقوق الطبيعية‪ ،‬إن الحرية شيء منحنا إياه هللا أو الطبيعة‪ .‬في حين يجادل البعض‬
‫بأن الحرية مبنية على عقد اجتماعي يجب أن يوافق عليه الناس في حالة الطبيعة إذا أرادوا‬
‫تفادي الفوضى والصراع‪ .‬ويشير البعض اآلخر إلى وجهة نظر إنسانية‪ ،‬بأن الحرية جزء‬
‫جوهري من معنى كون المرء إنسانًا‪ :‬فالشخص الذي يتحكم فيه اآلخرون ليس شخصا كامال‪،‬‬
‫وإنما مجرد نكرة‪ .‬ويقدر الليبراليون الكالسيكيون النفعيون الحرية باعتبارها الطريقة الفضلى‬
‫لتحقيق أقصى قدر من رفاهية المجتمع ككل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أسبقية الفرد‬
‫يرى الليبراليون الكالسيكيون أن الفرد أهم من الجماعة‪ .‬وهم ال يضحون بحرية الفرد من‬
‫أجل منفعة جماعية ما ‪ .‬أوعلى األقل‪ ،‬ال يضحون من دون تقديم بعض المبررات الجيدة‪.‬‬
‫لهذا تقول إحدى وجهات النظر – تسمى الفردية المنهجية– إن الجماعة ال وجود لها خارج‬
‫األفراد الذين يشكلونها‪.‬‬
‫ال شك أن المجتمع أكثر من مجرد مجموعة من األفراد كالمنزل الذي يكون أكثر من مجرد‬
‫مجموعة من القراميد‪ .‬لكن المجتمع ال يحظى بعقل مستقل خاص به؛ إنهم األفراد الذين‬
‫يفكرون ويقّدرون ويختارون ويقودون األحداث‪ .‬فال توجد ''مصلحة عامة'' جماعية خارج‬
‫مصالح األفراد الذين يشكلون ذلك المجتمع ‪.‬هؤالء األفراد يختلفون‪ ،‬فما يصب في مصلحة‬
‫شخص ما قد يكون ضد مصلحة اآلخرين‪ .‬والتضحية بحرية الفرد لصالح '' الجماعة'' يعني‬
‫أننا سنضحي بها من أجل مجموعة محددة من المصالح‪ ،‬وليس من أجل مصالح الجميع‪.‬‬
‫فالتاريخ يغص بأمثلة عن الشرور التي لحقت بالشعوب عندما ضحوا بحريتهم من أجل فكرة‬
‫خاطئة ألحد القادة عن منفعة الجماعة (هتلر نموذجا)‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التقليل من اإلكراه‬
‫يود الليبراليون الكالسيكيون تقليل اإلكراه‪ ،‬فهم يريدون عالما يتعايش فيه الناس باالتفاق‬
‫السلمي‪ ،‬ال عالما يستخدم فيه المرء القوة أو يهدد الستغالل اآلخرين أو فرض إرادته عليهم ‪.‬‬
‫وفقًا لذلك‪ ،‬يمنح الليبراليون الكالسيكيون احتكار استخدام القوة للحكومة والسلطات القضائية‪،‬‬
‫إال أنهم يريدون إبقاء ذلك عند الحد األدنى الضروري؛ فهم يدركون مدى سهولة إساءة‬
‫استخدام السلطة‪ .‬ويؤكد الليبراليون الكالسيكيون أن أي استخدام للقوة لكبح أفعال الناس يجب‬
‫تبريره‪ .‬ويقع العبء على عاتق الشخص الذي يريد تقييد الحرية في توضيح سبب كون ذلك‬
‫ضروريا ومفيدا بما يكفي إلجازته‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬يعتقد الليبراليون الكالسيكيون أن األفراد ينبغي أن يكونوا قادرين على عيش حياتهم‬
‫ً‬
‫وفًقا الختيارهم‪ ،‬دون الحاجة إلى طلب إذن أحد قبل أن يقدموا على فعل شيء ما‪ .‬قد يكون‬
‫هناك سبب وجيه وراء كبح أفعال الناس؛ ولكن إقامة الدليل تقع على كاهل الذين يريدون فعل‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التسامح‬
‫يؤمن الليبراليون الكالسيكيون بأن السبب الوجيه الرئيس للتدخل في حرية الناس هو منعهم‬
‫من تهديد اآلخرين أو إلحاق أذى بهم ‪.‬وهم ال يعتقدون بأننا ينبغي أن نقيد أفعال األشخاص‬
‫لمجرد أننا نستنكرها أو نعتبرها مسيئة ‪.‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يدافع الليبراليون الكالسيكيون عن‬
‫حرية التعبير‪ ،‬حتى لو استخدم بعض الناس هذه الحرية للتفوه بكالم قد يراه آخرون بغيضا‪.‬‬
‫وبالمثل‪ ،‬ينبغي أن يكون األفراد أحرارا في التجمع في مجموعات كالنوادي أو االتحادات أو‬
‫األحزاب السياسية‪ ،‬حتى لو اعتبر آخرون أن أهدافهم وأنشطتهم كريهة‪ .‬وينبغي أن يكونوا‬
‫أحرارا في المتاجرة بالسلع والخدمات‪ ،‬وحتى األشياء )مثل المخدرات والدعارة) التي قد ال‬
‫يوافق عليها آخرون‪ .‬وينبغي أن يحظوا بحرية العيش‪ ،‬وتبني اآلراء التي تعجبهم‪ ،‬واعتناق‬
‫الدين الذي يريدون‪.‬‬
‫يرى الليبراليون الكالسيكيون أن مثل هذا التسامح ليس جيًدا في حد ذاته فحسب‪ ،‬فهم‬
‫يعتبرون التسامح واالحترام المتبادل أساسين جوهريين للتعاون السلمي وخلق مجتمع نافع‬
‫وحسن األداء‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الحكومة المحدودة والتمثيلية‬
‫يعترف الليبراليون الكالسيكيون بأنه قد تكون هناك حاجة إلى استخدام بعض القوة لمنع‬
‫الناس من إلحاق األذى باآلخرين‪ ،‬ويتفقون على أن السلطات وحدها ينبغي أن تحظى بهذه‬
‫القوة‪ ،‬إال أنهم يدركون أن السلطة ال تمارسها '' دولة'' نزيهة‪ ،‬وإنما بشر حقيقيون‪ .‬إنهم‬
‫يعرفون أن السلطة تميل إلى الفساد وأن السياسيين غالبا ما يستشهدون بـ ''المصلحة العامة''‬
‫على السياسات التي تصب في الواقع في مصالحهم الشخصية ‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬يجادل منظرو العقد االجتماعي أمثال الفيلسوف اإلنجليزي جون لوك بأن‬
‫سلطة الحكومة تأتي من األفراد وليس العكس‪ .‬حيث يتنازل الناس عن بعض من حرياتهم‬
‫للحكومة من أجل تعظيم حريتهم بشكل عام‪ ،‬لذلك ال تحظى الحكومة بسلطات شرعية تتجاوز‬
‫السلطات التي يحظى بها األفراد أنفسهم؛ فالغرض األساسي من الحكومة هو توسيع الحرية‬
‫وليس تقييدها‪ .‬فالليبراليون الكالسيكيون يعتقدون أن الديمقراطية التمثيلية والدستورية هي‬
‫أفضل وسيلة مكتشفة حتى اآلن إلبقاء المشرعين مسؤولين أمام الشعب‪ .‬وليست االنتخابات‬
‫الختيار قادة جيدين بقدر ما تتمحور حول التخلص من القادة السيئين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬للديمقراطية‬
‫حدودها‪ :‬فهي قد تكون طريقة جيدة التخاذ بعض القرارات‪ ،‬ولكن هذه القرارات قليلة؛ من‬
‫األفضل عادة أن نسمح لألفراد باتخاذ قراراتهم بأنفسهم‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬سيادة القانون‬
‫تمة مبدأ آخر يقيد السلطة ويخلق المزيد من األمن لعامة الشعب هو سيادة القانون ‪ .‬وهذا يعني‬
‫أنه يجب أن نحكم بقوانين معروفة‪ ،‬وليس بقرارات المسؤولين الحكوميين التعسفية‪ .‬وهو ما‬
‫أسماه السياسي األمريكي جون آدامز '' حكومة القوانين‪ ،‬وليست حكومة الرجال '' ‪.‬‬
‫يحرص الليبراليون الكالسيكيون على أن القانون ينبغي أن يطبق على الجميع على قدم‬
‫المساواة‪ ،‬بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو اللغة أو األسرة أو أي خصائص‬
‫أخرى‪ .‬وينبغي أن يطبّق على المسؤولين الحكوميين كما يطبق على الناس العاديين؛ وال‬
‫ينبغي ألحد أن يكون ''فوق القانون ''‪ .‬ويتطلب الحفاظ على سيادة القانون نظاما للعدالة‪،‬‬
‫ومحاكم مستقلة ال يمكن لألفراد أو الحكومات التالعب بها‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬النظام التلقائي‬
‫يعتقد الليبراليون الكالسيكيون أن الحكومة ليست أساس النظام االجتماعي‪ .‬والمؤسسات‬
‫االجتماعية المعقدة التي نراها حولنا غير مخطط لها عموما فهي نتاج الفعل البشري‪ ،‬ال نتيجة‬
‫التصميم البشري‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬لم تكن هناك حاجة إلى سلطة مركزية أو تخطيط واع‬
‫إلنتاج اللغة‪ ،‬أو عاداتنا وثقافتنا‪ ،‬أو أسواق السلع والخدمات‪ .‬فمثل هذه المؤسسات تنمو‬
‫وتتطور ببساطة نتيجة التفاعالت التي ال تحصى بين األفراد األحرار‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬الملكية والتجارة واألسواق‬
‫تحدثها الحكومات‪ ،‬وإنما التعاون المتبادل بين‬
‫يعتقد الليبراليون الكالسيكيون بأن الثروة ال ِ‬
‫األفراد في النظام التلقائي للسوق‪ .‬فاالزدهار يتحقق بواسطة األفراد األحرار الذين يبتكرون‬
‫ويخلقون ويدخرون ويستثمرون‪ ،‬وفي نهاية المطاف‪ ،‬يتبادلون السلع والخدمات طواعية‬
‫لتحقيق مكاسب متبادلة‪ ،‬إنه النظام التلقائي القتصاد السوق الحر‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬المجتمع المدني‬
‫يؤمن الليبراليون الكالسيكيون بأن الجمعيات التطوعية أفضل من الحكومات في تلبية‬
‫احتياجات األفراد‪ .‬ومع أنهم يؤكدون على أولوية األفراد‪ ،‬هم يدركون أن الناس ليسوا كائنات‬
‫منعزلة وفسيفسائية وأنانية‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬إنهم كائنات اجتماعية ويعيشون ضمن‬
‫العائالت والمجموعات والمجتمعات التي تشكل قيمهم كالنوادي والجمعيات والنقابات واألديان‬
‫والمدارس والمجتمعات عبر اإلنترنت والحمالت ومجموعات المساعدة الذاتية والجمعيات‬
‫الخيرية وجميع المؤسسات األخرى التي نسميها المجتمع المدني ‪.‬‬
‫ويوفر المجتمع المدني أيضا عازال بين األفراد والحكومات‪ .‬فلو كنا جميعا أفرادا منعزلين‬
‫حقا‪ ،‬لقمعت الحكومات االستبدادية حرياتنا بسهولة‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬القيم اإلنسانية المشتركة‬
‫يزعم الليبراليون الكالسيكيون أنهم يرغبون في تسخير إنسانيتنا المشتركة من أجل المنفعة‬
‫المتبادلة‪ .‬وهم يدعمون المبادئ األساسية للحياة والحرية والملكية بموجب القانون ‪.‬فتلك‬
‫المبادئ‪ ،‬في اعتقادهم‪ ،‬هي أسس النظام االجتماعي المزدهر والتلقائي الذي يقوم على االحترام‬
‫المتبادل والتسامح وعدم االعتداء والتعاون والتبادل الطوعي بين األفراد األحرار‪ .‬فمن الناحية‬
‫السياسية‪ ،‬يفضل الليبراليون الكالسيكيون حرية التعبير‪ ،‬وحرية التنظيم وسيادة القانون وقيودا‬
‫تفرض على الحكومة ـ بما أن الحكام ليسوا أقدس من سواهم– تمنع َمن في السلطة من إلحاق‬
‫األذى باآلخرين‪ .‬وأما من الناحية االقتصادية‪ ،‬يفضل الليبراليون الكالسيكيون الحرية في‬
‫اإلنتاج والتبادل‪ ،‬وحرية تنقل األشخاص والسلع ورأس المال‪ .‬وهم يدافعون عن الملكية‬
‫الخاصة ويرغبون في إبقاء الضرائب على ما هو ضروري لتزويد عامة الناس بالسلع العامة‬
‫األخرى التي يوفرها السوق دون الحد المطلوب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نقد الفكر الليبرالي‬
‫تعد المرتكزات الفكرية التي قام عليها الفكر الليبرالي والقائمة على الحرية الفردية والعدالة‬
‫الطبيعية والقانون الطبيعي والعقالنية‪ ،‬غايات مثلى ومطلب ضروري لحاجات االنسان ‪ ،‬ومن‬
‫هنا اندفع الناس الى وضع هذه األفكار موضع التطبيق الفعلي وفي مجاالت عدة ‪ ،‬ومن اجل‬
‫عدم التوسع سنركز على استعراض االنتقادات في المجالين السياسي واالقتصادي ‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬نقد الفكر الليبرالي على الصعيد السياسي‬


‫‪ -‬تؤمن الليبرالية بان الدولة ينبغي ان تكون دولة ديمقراطية‪ ،‬وقد تعرضت الديمقراطية‬
‫الليبرالية الى انتقادات عديدة‪ ،‬اذ ان التأكيد على ان الشعب يمتلك السيادة مقولة نظرية فقط‪،‬‬
‫فالسلطة أداة بيد القلة لتحقيق مصالحها علـى حسـاب الكثرة‪ ،‬وأنها ليست حكم األغلبية بل هي‬
‫تكريس لألقلية‪ ،‬وتقديم األحزاب لمصالحها على حساب مصالح الشعب‪ .‬فحكم الشعب بالشعب‬
‫تزييف‪ ،‬فليس للشعب إمكانية في اتخاذ القرارات‪.‬‬
‫‪ -‬الديمقراطية الليبرالية الغربية ليست ديمقراطية كاملة ‪ ،‬ذلك ألنها ديمقراطية سياسية فحسب‪،‬‬
‫ومن اجـل أن تكـون ديمقراطية كاملة يجب أن تكون ديمقراطية اقتصادية واجتماعية‪.‬‬
‫ـ توظيف المفاهيم المسيحية لحسـابها مـن دون البعد الروحي وإنما لضبط السلوك المطلوب‬
‫للديمقراطية‪ ،‬األمر الذي بات تحريفا للتعاليم المسيحية وأسس التسامح الذي بنيت عليه‪ ،‬والذي‬
‫أنتج بدوره ما عرف بالمسيحية الجديدة المبنية على هوس المؤامرة وافتعال األزمات‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬نقد الفكر الليبرالي على الصعيد االقتصادي‬
‫وجهت مجموعة من االنتقادات للفكر الليبرالي على الصعيد االقتصادي لعل أبرزها ‪:‬‬
‫‪ -1‬بدال من تحقيق المصلحة العامة ‪ ،‬أحدثت الممارسات الحرة لقوى السوق افالسات هائلة‬
‫لعدد ضخم من المشروعات وانعداما صارخا للمساواة ‪ ،‬فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة‬
‫قاعدة نظام المشروع الحر التـي وضـعت عليهـا الليبرالية االقتصادية آمالها‪ ،‬تضاءل وزنها‬
‫وفقدت استقاللها وأصبحت تابعة لالحتكارات العمالقة ‪.‬‬
‫‪-2‬أصبحت الليبرالية االقتصادية ليبرالية جزئية ال تستوعب المجتمع ككل ‪ ،‬وإنما تقتصر فقط‬
‫على القلـة االقتصـادية الحاكمة ‪ ،‬وتطورت لتصبح فيما بعد األقلية االحتكارية العالمية التي‬
‫لعبت دورا رئيسيا في ظهور وتطـور النظـام الرأسمالي االحتكاري‪ ،‬وما أثبتته نظريات النخبة‬
‫التكنوقراطية خير دليل على ذلك ‪.‬‬
‫‪ --3‬تقسيم العمل الدولي المجحف وسيطرة الليبرالية المالية العالمية من خالل السيطرة على‬
‫مؤسسات النقد العالمية والتي راحت تفرض سياسات الليبرالية وضرورة مراعاتها في الدول‬
‫المقترضة‪ ،‬وتنفيذ الشروط االقتصادية‪ ،‬والـتحكم فـي موارد الدول بما يخدم الرأسمالية‬
‫العالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬أثبتت الليبرالية فشلها الذريع في تحقيق مصالح المجتمع ‪ ،‬فاألزمات الطاحنة والبطالة‬
‫والفقر الذي يعاني منه الكثيـر من أبناء المجتمعات الليبرالية تؤكد أن مصلحة المجتمع ككل‬
‫لم تتحقق بل هي مصلحة فئة قليلة باتت تمسك بجميـع مناحي الحياة سياسيا واقتصاديا‬
‫واجتماعيا وثقافيا‪.‬‬

You might also like