Professional Documents
Culture Documents
The Greek Political Question Between Model and Reality: 2751 - 2012 ISSN: 2253 - 0592
The Greek Political Question Between Model and Reality: 2751 - 2012 ISSN: 2253 - 0592
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملخص:
تهدف هذه الدراسة ملناقشة الشأن السياس ي في الفكر اليوناني ،على اعتبار أن هذا األخير يعتبر االمتداد الحقيقي للفكر الغربي
بعد ذلك ،فمعظم القيم السياسية الحديثة ،كالعدالة والحرية والحكومة الدستورية واحترام القانون ،نجد جذورها األولى في تلك
الحقبة من تاريخ األفكار السياسية.
في مقابل ذلك يكتشف الباحث في تمفصالت هذا الفكر ،انه لم يكن كله في اتجاه ايجابي ،بل هناك ممارسات ال إنسانية ،تلقي
بظاللها على هذا الجانب املنير ،وذلك هو وجه االنفصام في املجتمع اليوناني القديم .
الكلمات املفتاحية :السياسة; الفكر; الفكر اليوناني; االستبداد; االستعباد
Abstract:
The purpose of this study, is to discuss the political question in Greek thought; and to reveal its internal
contradictions between discourse and reality. Greek political thought is, in one way or another, the true extension
of Western thought. Most modern political values such as justice, freedom, constitutional rule, and respect for the
law are rooted in this era. From the history of political ideas.
Thus, while it is easy for the reader of the political literature of Greek thought to find high values, he is undoubtedly
shocked by inhuman practices in everyday reality. This reflects a state of schism in Greek thought between
example and reality.
key words: Politics; thought; Greek thought; tyranny; Enslavement
-1مقدمة:
تبدوا أهمية الفكر السياس ي اليوناني في قدرته على تجاوز ما وصلت إليه البشرية قبله ،ووضعه في
شق فلسفي خاص" ،فمعظم املثل السياسية الحديثة ،كالعدالة والحرية والحكومة الدستورية
واحترام القانون ،قد بدأت أو على األقل بدأ تحديد مدلولها بتأمل فالسفة اإلغريق لنظم دولة
املدينة ،التي كانت تحت أنظارهم" ،1لكن هذه الفكرة التي أوردها جورج سباين في مؤلفه حول تطور
*الباحث املرسل/mohamedbenali912@gmail.com :خمرب الابعاد القميية للتحوالت الفكرية والس ياس ية ابجلزائر
- 1س باين ،جورج ،تطور الفكر الس يايس ،ج ،1تر ،حسن جالل العرويس ،دار املعارف ،القاهرة ،ص 39
ـــــــــــــــــــــــ
555
اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)ISSN: 2253 – 0592
الفكر السياس ي في فصل دولة املدينة ،ال ينبغي النظر إليها من زاوية أنها تمثل حالة من االزدهار
والرفاهية ،فاملدينة اليونانية عرفت شتى أنواع الطغيان والظلم واالستبداد ،وأصبحت مدينة غير
مرغوب فيها "،فاألنظمة األرستقراطية واألولغارشية والتيموقراطية ،جعلت من القانون وسيلة للقهر
والسيطرة ،وبالتالي غابت العدالة تحت معول القانون الجائر .لقد أصبح الجور والظلم ضمن دائرة
القانون ،أي أن القانون أصبح حامي الطغاة واملحافظ على مصالحهم الخاصة" ،1الواقع الذي
أصبحت معه السلطة قوة صرفه ،تخضع في ممارستها ملصلحة أولئك الذين نجحوا في االستيالء عليها.
انطالقا من هذه املقدمة نتساءل ،كيف نفسر حالة االنفصام التي يكشف عنها الفكر السياس ي
اليوناني ،بين مثال متشبع باملثل السياسية ،وبين و اقع شهد مختلف التجاوزات في حق اإلنسان؟
2-مفاهيم البحث:
أ-مفهوم السياسة:
ليس باألمر الهين تعريف السياسة فهي وبالرغم من أنها مفهوم شائع االستعمال بين العامة
والخاصة-خاصة وأنها مثل" كيس سفر يحتوي على ما تنوع من األشياء ...الصراع والحيلة والقوة ...
والتفاوض والعنف ،واإلرهاب والتخريب والحرب والقانون" ،2لكن ورغم هذه الريبة التي يثيرها
املفهوم ،فإننا سوف نعتمد في تحديده على الرجوع إلى األصل العربي ثم االشتقاقي للكلمة:
*-مفهوم السياسة في األصل العربي:
يكاد مفهوم السياسة عند العرب يكون مقابل التدبير والقيام على األمر ،ومنه "ساس األمر سياسة
وسوس الرجل أمور الناس ،إذا ملك أمرهم ،وفي الحديث" وسوسه القوم :جعلوه يسوسهم ّ قام بهّ ،
َ
ْ َ َ َ َ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ ُ ُ َ َ َ َ ٌّ َ َ َ
ام ن ِب ٌّي ،" 3أي تتولى أمرهم كما يفعل األمراء إن َب ِني إسر ا ِئيل كان يسوسهم األن ِبياء كلما مات ن ِبي ق
والوالة بالرعية". 4
من حيث االشتقاق اللغوي ،لفظه سياسة مشتقة من الفعل الثالثي "ساس" ،ومنها السائس أي
املروض ،وهذا ما عبر عنه ابن منظور بقوله :السياسة فعل السائس ،يقال :هو يسوس الدواب ،إذا
قام عليها وراضها ،والوالي يسوس رعيته" .5هذا التعريف قريب من ذلك الذي يعطيه جميل صليبا
للمفهوم ،قائال" :يطلق لفظ سياسة على سياسة الرجل نفسه ،أو على سياسة دخله وخرجه ،أو على
- 1بوعرفة ،عبد القادر ،وآخرون ،العداةل واالنسان ،منشورات خمرب ا ألبعاد القميية يف اجلزائر ،دار آل الرضوان ،ط ،2008 ،1ص 20
- 2فروند ،جوليان ،ما يه الس ياسة؟ ،تر ،حيي أآديب ،منشورات وزارة الثقافة واالرشاد القويم ،دمشق ،1981 ،ص .12
- 3أآخرجه البخاري ،ابب ما ذكر عن بين ارسائيل ،رمق3268
- 4ابن منظور ،لسان العرب ،مج ،06دار احياء الرتاث ،مؤسسة التارخي العريب ،بريوت ،ط ،1997 ،2ص .429
- 5املرجع نفسه ،ص 430
556
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/ISSN: 2253 – 0592اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)
جمةل دراسات انسانية واجامتعية /ج وهران /02ع /9 :جانفي2019
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سياسة أهله وولده وخدمه ،أو على سياسة الوالي رعيته ،وقد يطلق على كل عمل مبني على تخطيط
مسبق" ،1ومن ذلك قول الحطيئة:
لقد سوست أمر بنيك حتى تركتهم أدق من الطحين2
- 1صليبا ،مجيل ،املعجم الفلسفي ج ،دار الكتاب اللبناين ،بريوت ،1982 ،ص .670
- 2ابن منظور ،لسان العرب ،مج ،7دار ومكتبة الهالل ،بريوت ،ص301
3ميلر ،فْريدْ ،نظرية أآرسطو الس ياس ية ،تر ،لينا احلضيف ومحمد الرشودي ،موسوعة س تانفورد للفلسفة .نقال عن:
/ http://hekmah.orgنظرية -أآرسطو-الس ياس ية-موسوعة-س تانفوردftn2_#/
- 4أآرسطو ،طاليس ،عمل ا ألخالق اىل نيقوماخوس ،ج ،1نقهل عن اليواننية ،ابرتيل سانهتلري ،نقهل اىل العربية ،لطفي الس يد ،مطبعة دار
الكتب املرصية ابلقاهرة ،1924 ،ص171
-5املصدر نفسه172
ـــــــــــــــــــــــ
557
اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)ISSN: 2253 – 0592
للسالطين ،ألنه ليس سلطان إال من هللا والسالطين ،الكائنة هي مرتبة من هللا ،حتى أنه من يقاوم
السلطان يقاوم هللا...افعل الصالح يكن لك مدح منه ،ألنه خادم هللا...ولكن إذا فعلت الشر فخف
ألنه ال يحمل السيف عبثا إذ هو خادم هللا منتقم ،من الذي يفعل الشر ،لذلك يجب أن يخضع له،
ليس سبب الغضب فقط بل أيضا سبب الضمير ،فإنكم بهذا توفون الجزية أيضا إذ هم خدام هللا"1
مع بروز مالمح العصر الحديث ،يصادفنا تفكير على النقيض تماما من األفكار السياسية السابقة،
فمفهوم الدولة لم يعد يعبر عن ضرورة طبيعية ،كما كان مع أرسطو ،والسلطة لم تعد تفويضا إلهيا
كما كانت مع الفكر السياس ي املسيحي .لقد أصبحنا أمام واقعية سياسية ،تقول":إن البشر في تنافس
دائم نحو األمجاد والكرامات...وبالتالي تظهر الرغبة والكره على هذه القاعدة بين البشر...على أن
اإلنسان الذي يستمتع في مقارنة نفسه باآلخرين ،ال يستحسن سوى ما ّ
يفرقه عنهم". 2
أما الوسيلة الوحيدة القادرة على كبح جماح الرغبة وحب السيطرة والتعدي ،فهي السلطة املشتركة،
القائمة على مبدأ االتفاق بين األفراد ،لتفويض السلطة لشخص أو مجموعة أشخاص ،لتأمين
انضباطهم وتوجههم نحو الخير العام" .3وبموجب هذه اآللية(االتفاق-التخلي) تنشأ الدولة التي هي
عبارة عن شخص اصطناعي يمتلك سلطة التصرف باسم الجميع" ،نتيجة االتفاقات املتبادلة
املعقودة بين كل عضو من املجموعة الكبرى ،بغية تمكين هذا الشخص من ممارسة القوة والوسائل
املمنوحة من الجميع ،والتي يعتبرها متالئمة مع سلمهم ومع دفاعهم املشترك".4
ان اإلنسان موجود مدرك ،ومع ذلك فهو كائن محدود اإلدراك ،فهو عرضة للجهل والخطأ ،فما ان
تدب األنانية وحب السيطرة على ما في يد الغير ،ومن هنا تنشأ يحقق اجتماعه بغيره ويستأنس ،حتى ّ
الصراعات بين األفراد" ،ولذلك شرعت القوانين السياسية واملدنية لترده إلى واجباته".5
-3املالمح العامة الفكرالسياس ي اليوناني:
الفكر السياس ي اليوناني ،فكر وثيق الصلة بالحياة العملية ،واألمر الذي ساعدهم رسم معالم املدينة
السياسية ،يكمن في أن"اليونان لم تعرف منذ القديم األنظمة الشمولية كممارسة وإنما عرفت
األنظمة التعددية" ،6فكل مدينة كانت وحدة سياسية ،تحاول في نفس الوقت أن تكون أفضل من
عما يشعره باألمنمثيالتها في باقي املدن ،ولهذا اتجه البحث إلى كيفية االهتمام بالفرد والبحث ّ
والراحة واالستقرار ،فخير الفرد وخير املجتمع هما من ناحية املثل األعلى ش يء واحد ،والفضيلة التي
يتحلى بها الفرد هي أيضا فضيلة املجتمع ،ولهذا فال " غرابة أن نجد رؤية أرسطو تميل إلى التوحيد بين
علم السياسة والفلسفة األخالقية ،ووحدة بين هذين العلمين وعلم الفقه القانوني ،ألن الشريعة
األخالقية للدولة هي نفسها القانون أو الصواب".1
باإلضافة إلى ما ذكرنا ،ال ينكر أحد أن الوعي السياس ي لدى املواطن اليوناني ،كان أكثر من غيره،
فاالشتراك في السياسة لم يكن" امتيازا أو حقا فقط ،ولكنه فرض واجب على املواطن .ويبدو-كما
يقول ،لينتون-أن املواطن اإلغريقي كان يمض ي معظم وقته ونشاطه في النقاش السياس ي ،وفي تدبير
املؤامرات التي ال يمكن فصلها عن السياسة".2
لآللهة أو ألية سلطة أخرى في سعي اإلنسان إلى تحقيق ما يراه مناسب ،من هنا أصبحت"السياسة -في
رأي تراسيماخوس -ميدان املصالح اإلنسانية ،ومصالح األقوى هي قاعدة السياسة العملية...ففي كل
دولة يضع القوانين أولئك الذين يقبضون على مقاليد الحكم ،وبتوطيد هذه القوانين تسميها
السلطات عادلة ملن يخضع لها ،تعاقب الخارجين باعتبارهم يخرقون العدالة ،والخاضعون يطيعون
- 1ابركر ،أآرنست ،النظرية الس ياس ية عند اليوانن ،تر ،لويس اسكندر ،مؤسسة جسل العرب ،القاهرة ،1966 ،ص 20
- 2لينتون ،رالف ،جشرة احلضارة ،ج ،2تر ،خفري ،امحد،املركز القويم للرتمجة ،القاهرة ،2010 ،ص291
* جيب أآن يأأخذ مفهوم املواطن وفق اترخي املصطلح آنذاك ،فصفة املواطنة عند االغريق ،اكنت خاضعة لتقس مي تقليدي عرفت به تركيبة اجملمتع
اليوانين ،حيث ظهرت الرتكيبة الاجامتعية يف شلك طبقات تامتيز العتبارات س ياس ية ابدلرجة ا ألوىل ،وهذه الطبقات يه :طبقة املواطنني "
ا ألحرار" ،طبقة ا ألجانب ،طبقة العبيد.
- 3فيصل ،عباس ،الفلسفة واالنسان ،دار الفكر العريب ،بريوت ،ط ،1996 ،1ص ص 71 ،70
ـــــــــــــــــــــــ
559
اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)ISSN: 2253 – 0592
القوانين ملصلحة الحاكم ،وبالنسبة للحاكم فإن انتزاع السلطة واالحتفاظ بالخاضعين دائما في وضع
مأزوم أفضل ملصلحته ،بينما إظهار الشفقة وإفساح املجال للعطف ش يء خطير".1
أما "كاليكليس"(أحد محاوري أفالطون) ،فالعدالة بالنسبة إليه ليست شيئا آخر غير العنف ،ذلك
أن الحق الطبيعي يدرك باعتباره حق األقوى .إن فكرة العدالة بالنسبة ل"كاليكليس" ش يء اختلقه
الضعفاء وأغلبية الناس ليحموا أنفسهم ،فهم ينشؤون القانون ويحددون النافع والضار ،انطالقا من
أنفسهم ،بهدف الدفاع عن مصالحهم الخاصة وتخويف األشخاص األكثر قوة في املجتمع ،واألكثر
قدرة على هزمهم ،وحتى يمنعوهم من االنتصار عليهم ،يرددون أن التفوق سلوك قبيح وغير عادل،
"ولكن الطبيعة نفسها تثبت لنا ...أن من هو أكثر قيمة يجب ان يتفوق على من هو اقل قيمة،
والقادر على العاجر ...وان العدل يتمثل في سيادة القوي على الضعيف" ،2وانطالقا من هذا القانون
هاجم "كاليكليس" القانون واملؤسسات الديمقراطية ،القائمة على مبدأ املساواة.
إن مشكلة الحق كما تصدى لها السفسطائيون ،في إطار معالجتهم ملشكل العالقات القائمة بين
الطبيعة والقانون ،أفضت إلى نتيجة مفادها التقليل من شأن القانون الوضعي واإلعالء من قيمة
القوانين الطبيعة ،وذلك في رأيهم راجع لكون" قوانين الطبيعة قوانين مطلقة ،كونية وثابتة ،ولذلك
فالطبيعة وحدها هي التي بإمكانها أن تقدم لنا معيارا كونيا ،وانطالقا من ذلك تصبح العدالة الحقيقة
تكمن في الخضوع للطبيعة التي ينتمي إليها الفرد ،قبل انتمائه لش يء آخر ،ولذلك ليس للقانون ذي
الطبيعة السياسية قيمة مطلقة ،ألنه نتيجة للرأي اإلنساني .يوضح أنتيفون(أحد السفسطائيين) أن
العدالة " هي مجرد اتفاقات ومنتجات اصطناعية للرأي ،ال ينبغي أن تثير أخالقيا أي استنكار طاملا
كان بإمكان املرء أن يفعل ذلك دون أن يرى أو يمسك :وبالعكس إذا خرق أنظمة الطبيعة،حتى ولو
كان مجهوال من قبل الجميع ،يثير حتما العقوبات الطبيعية :ألن العقوبات تتعلق بحقيقة الوضع
نفسه".3
لم ينظر السفسطائيون ملفاهيم القانون والعدالة والحق ،إال نظرة االزدراء والتحقير ،هذا ما يمكن
تأكيده من خالل ما أورده أفالطون في مستهل الكتاب الثاني من الجمهورية على لسان "جلوكون" ،من
أن العدالة هي في حقيقة األمر"شر يطلب لنتائجه فحسب ،فوفقا للطبيعة ممارسة الظلم خير
ومعاناته شر ،ولكن كفة األلم في الشر ترجح على كفة النفع في الخير ،فإذا ما تبادل الناس ممارسة
- 1ف .س ،نرسيس يان ،الفكر الس يايس يف اليوانن القدمية ،تر ،حنا عبود ،ا ألهايل للطباعة والنرش والتوزيع ،دمشق ،ط،1999 ،1
ص.88:
- 2أآفالطون ،حماورة جورجياس ،تر ،محمد حسن ظاظا ،الهيئة املرصية العامة للتأأليف والنرش ،1970 ،ص.88
- 3شوفاليه ،جان جاك ،اترخي الفكر الس يايس (من ادلوةل القومية اىل ادلوةل ا ألممية) ،تر ،محمد عرب صاصيال ،املؤسسة اجلامعية لدلراسات
والنرش والتوزيع ،بريوت ،ط ،2002 ،3ص31
560
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/ISSN: 2253 – 0592اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)
جمةل دراسات انسانية واجامتعية /ج وهران /02ع /9 :جانفي2019
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظلم ومعاناته ،دون أن يتمكنوا من تجنب أحد األمرين واكتساب األخر ،فإنهم يدركون أخيرا أنه خير
لهم أن يتفقوا سويا على منع كليهما ،فنشأت بذلك القوانين واالتفاقات املتبادلة ،ويسمون ما يأمر به
القانون أمرا مشروعا عادال"" ،1ومادامت العدالة وسطا بين هذين الطرفين ،فان الناس ترتاح لها ،ال
ألنها خير واقعي ،ولكن الن العجز عن ارتكاب الظلم يجعلها كبيرة القيمة".2
يفصل علىإن العدالة عند السفسطائيين ال تعدو أن تكون خادمة ملصالح األقوى ،فمبدأ العدالة ّ
مقاس األقوى على حساب الرعية ،التي ينبغي أن تطيعه وأن تقوم بما يكفل نفعه ،وأن تتوخى في
أعمالها سعادته التي هي أبعد ما تكون عن سعادتها الخاصة ،ومن هنا فإن عدم املساواة وسيطرة
األقوياء هي أشياء مبررة يميلها القانون الطبيعي.
من خالل استعراضنا آلراء التيار السفسطائي في قضية العدالة ،تبين لنا أن هذه الفكرة لم تكن
غريبة على أثينا آنذاك ،حيث وردت في املفاوضات التي جرت بين أثينا وإسبرطة قبل الحرب
البيلوبونيزية ،عندما قال سفراء أثينا لنظرائهم":لقد كان املعمول به دائما أن صاحب القدرة األعظم،
يجب أن يسيطر على من هم دونه قدرة" .كما وردت كذلك في حديث املندوبون األثينيون
لشعب"ميلوس" .قال املندوبون":إنكم تعلمون ،شعب ميلوس ،كما نعلم أن الحق في هذا العالم ال
يقوم إال بين األنداد في القوة ،أما إذا كان هناك أقوياء وضعفاء ،فلألقوياء أن يفعلوا ما يستطيعون
فعله ،وعلى الضعفاء أن يتحملوا ما يجب عليهم تحمله ،إننا نعرف عن اآللهة ما ورد في الروايات :أما
عن الناس ،فالحقيقة التي نعلمها أن قانون الطبيعة يقض ي وال راد لقضائه ،أن يحكموا أينما
استطاعوا إلى ذلك سبيال".3
يمكن القول أن "فلسفة السفسطائيين تعبير عما هو كائن ،فهي فلسفة تصف الواقع ،فكل حكم
قائم بالفعل إنما يعبر عن صالح الفئة القوية في املجتمع ،وهو وصف ال يستطيع املرء أن ينكره"،4
تسنه القوة ،حيثما وجدت هذه القوة ،فإذا وضع الضعفاء قوانين في فالحق ال يعدو أن يكون ما ّ
صالحهم ،فإن تلك القوانين والحق الذي تقرره ال بد أن تكون عدال وصوابا ،مادام في استطاعة
الضعفاء تنفيذها ،ولكنها ال تكون صوابا بمجرد أن يعجزوا عن ذلك.
ب-السياسة املثلى من الوجهة األفالطونية:
- 1مصطفى س يد ،أآمحد صقر ،فلسفة العداةل عند االغريق ،مكتبة اجلالء اجلديدة ،املنصورة ،مرص ،1998 ،ص 49
- 2أآفالطون ،امجلهورية ،تر ،نظةل احلكمي ومحمد مظهر سعيد ،دار املعارف ،مرص ،ط( ،2ب ،ت) ،ص42
- 3ابركر ،أآرنست ،النظرية الس ياس ية عند اليوانن ،مرجع سابق ،ص 138
- 4مصطفى س يد أآمحد ،صقر ،مرجع سابق ،ص ص 57 ،56
ـــــــــــــــــــــــ
561
اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)ISSN: 2253 – 0592
انشغل أفالطون منذ البداية بالتفكير في تغيير األوضاع املتردية التي كانت تعيشها أثينا ،وفي األخير
اهتدى إلى" أن كل املدن الحالية تحكم بطريقة سيئة ،وال أمل في شفاء تشريعاتها بدون تحضيرات
نشيطة ،تتضافر مع الظروف املواتية" ،1لضمان سعادة الدولة بواسطة االستقرار والسلم ،هذا
املشروع الذي حمله كان ال بد أن يمر عبر أول نقطة ،وهي محاربة السفسطائيين وماديتهم املستترة
وراء استغالل الغرائز والشهوات -فبروتاغوراس Protagorasوضع قاعدته الخطيرة "اإلنسان مقياس
جميع األشياء املوجودة والغير موجودة" ،وهي قاعدة تعبر وال شك عن نزعة فردية متطرفة ،تصبح
الحقيقة من خاللها هي ما اعتقده أنا والخير ما أختاره أنا ،ومن هنا فال مجال للحديث عن قيود
القانون والسلطة ،بل الحديث سيكون عن اإلرادة ّ
الفجة واألنانية الفردية ،يقول :هيبياس ":Hipias
بموجب الطبيعة البشر املتشابهون أقارب ،لكن القانون طاغية البشر ،يعارض بقهره الطبيعة،
ّ
فالقانون ما هو إال نوع من أنواع األلم والقهر لإلنسان ...إن القوانين في األغلب تشده نحو غايات
معاكسة ،تجبره على أن يجعل من نفسه بشكل ال معقول جالدا لنفسه عبدا لغيره".2
في هذا الجو ،ليس من الغريب أن ينشغل أفالطون بالسياسة ،كفن لقيادة املجتمع اإلنساني من حالة
التوحش إلى حالة االستئناس ،بهذا املعنى تصبح السياسة شبيهة بعملية الترويض ،فهي حسب
أفالطون "فن تربية القطعان ،قطعان البهائم ،سواء ذات قرون أو بدون قرون ،ذات قدمين أو رباعية
األقدام.إنها فن قيادة بهائم بدون قرون وبدون ريش" ،3لكن هذه القيادة ورغم ما فيها من ترويض ،إال
أنها ال يجب أن تكون بالعنف ،ألن الناس من املمكن قيادتهم بالعنف ،كما يمكن قيادتهم بإرادتهم
الحرة ،ولهذا فالحكم القائم على العنف يسمى طغيان ،لكن السياسة هي فن قيادة الناس برضاهم.
بدأ أفالطون دراسته للنظام االجتماعي بتعريف معنى العدالة وتحليله ،فليس للدولة أي هدف أخر
أسمى من اإلشراف على العدالة ،وإن كانت كلمة عدالة عند أفالطون ال تعني نفس املعنى السائد في
وقتنا الحالي ،فمفهومها أعمق وأقوى ،فهي ليست في مستوى مماثل لسائر فضائل اإلنسان ،وليست
مجرد خاصية أو ملكة مثل الشجاعة والعفة ،إنها تدل على املبدأ العام الذي يضم معاني الترتيب
واالنتظام والوحدة في النفس اإلنسانية ،حيث تظهر االستقامة في حياة الفرد عندما تتوافق قدرات
النفس اإلنسان ية.أما في الدولة فتظهر العدالة في من خالل التناسب الهندس ي بين الطبقات املختلفة،
عندما يضطلع كل قسم من املجتمع بمهنته.
- 1شوفاليه ،جان جاك ،اترخي الفكر الس يايس (من ادلوةل القومية اىل ادلوةل ا ألممية) ،مرجع سابق ،ص37
- 2نقال عن :بوعرفة ،عبد القادر ،مرجع سابق ،ص 88.
- Marcel prelot et Georges lescuyer, Histoire des idées politique, édition Dalloz , paris, 13 eme édition
3
, 1997.p58
562
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/ISSN: 2253 – 0592اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)
جمةل دراسات انسانية واجامتعية /ج وهران /02ع /9 :جانفي2019
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول أفالطون" :هب أن شخصا قصير النظر طلب إليه أن يقرأ حروفا صغيرة عن بعد ،ثم أنبأه
بأنه من املمكن االهتداء إلى نفس الحروف في مكان آخر بحجم أكبر ،فال شك أنها تكون ّ
شخص آخر
فرصة رائعة له لكي يبدأ بقراءة الحروف الكبيرة وينتقل إلى الصغيرة ،ليرى إن كانت مماثلة لألولى أم
ال ...والعدالة التي هي موضوع بحثنا ،إذا كانت توجد في الفرد بوصفها فضيلة له ،فإنها توجد أيضا في
الدولة ...ولهذا أقترح أن نبحث في طبيعة العدالة أوال كما تتبدى في الدولة ،ثم نبحثها بعد ذلك في
الفرد".1
إن العدالة املقروءة بحروف كبيرة(الدولة) ،ال تعني ش يء أخر سوى احترام التسلسل االجتماعي وقيام
كل فرد بوظيفته داخل املدينة .أما العدالة املقروءة بحروف صغيرة ،فتعني االنسجام بين مكونات
النفس الفردية (العقل-الشجاعة والشهوة) ،وعليه إذا كان الفرد عادال تكون املدينة كذلك ،أي أن كل
فرد يحمل نفس السمات واألخالق التي تحملها املدينة ،وهكذا فإن العدالة هي صفة الفرد واملجتمع
ومنها يتكون السلوك الفردي والجماعي معا ،وهي التي توفر النظام واالتساق ،وبالتالي تجعل من الدولة
فاضلة ،ولذلك كان مبدأ العدالة عند أفالطون مبدأ ثابت ال يمسه التغيير ،فهو" الحد الوسط بين
الخير األكبر املتمثل في ارتكاب الظلم بال عقاب ،والشر األكبر املتمثل في تحمل الظلم والعجز عن
االنتقام".2
لقد حاول أفالطون مناقشة هذا التعريف محاوال إثبات أن الرجل العادل أكثر حكمة من الظالم ،ألنه
يعترف بوجود حد يقف عنده اإلنسان ،وهو يسعى للمنافسة ،لكن ليس كما يفعل الظالم ،وبما أن
الرجل العادل يعترف بوجود حد يقف عنده ،فهو أكثر قوة من الظالم ،تفوق يستمده من مبدأ الصلة
التي تحكم بينه وبين أقرانه ،من هذا املنطلق ،فأداء كل ش يء للوظيفة التي يصلح لها ،هو املبدأ
األساس ي لتحديد مفهوم العدالة ،وفضيلة أي ش يء هي أداؤه لوظيفته بطريقة مناسبة.
من هذا نستنتج أن غاية الجمهورية عند أفالطون هي العدالة ،عدالة تعني أن يقوم كل عنصر بعمله،
ّ ّ ّ
"فالحذاء حذاء فحسب وليس مالحا في نفس الوقت ،واملزارع زارع فقط وليس قاضيا في الوقت ذاته،
والجندي جندي وليس تاجر كذلك ،وهكذا األمر في الجميع" .3إن العدالة باملفهوم األفالطوني تشير
لحالة النفس التي توافرت لها املعرفة الفسلفية ،بحيث تحقق الفضائل التي تناسبها:العفة للنفس
الشهوانية-والشجاعة للقوة الغضبية -والحكمة للقوة العاقلة-أما العدالة فتتحقق نتيجة النتظام
- 1زكراي ،ابراهمي ،دراسة مجلهورية أآفالطون ،دار الكتاب العريب ،القاهرة ،1967 ،ص 55
- 2شوفاليه ،جون جاك ،اترخي الفكر الس يايس ،من املدينة ادلوةل اىل ادلوةل القومية ،مرجع سابق ،ص39
- 3زكراي ،ابراهمي ،دراسة مجلهورية أآفالطون ،مرجع سابق ،ص82
ـــــــــــــــــــــــ
563
اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)ISSN: 2253 – 0592
هذه القوى أو الفضائل الثالث مع بعضها ،والعدالة من هذا املنظور ال تتحقق في الدولة إال إذا كانت
السلطة بيد الفالسفة (القوة العاقلة) ،ألن " اإلنسان العادل هو اإلنسان الذي يؤدي كل جزء فيه من
أجزاء النفس عمله جيدا ،وألن الجزء األسمى من النفس هو العقل...فإن الفيلسوف هو الذي يمكن
ً
ان يكون فقط عادال بحق". 1
إن أفالطون ال يريد لدولته سوى السعادة والفضيلة ،وهذه القيم ال تتحقق ما لم "يصبح الفالسفة
ّ
ملوكا في بالدهم ،أو يصبح هؤالء الذين نسميهم ملوكا وحكاما فالسفة جادين متعمقين ،وما لم تتجمع
السلطة السياسية والفلسفية في فرد واحد" ،2فاملدن حسب أفالطون لن تتخلص من الشرور " ،حتى
يكون الفالسفة ملوكا في مدنهم ،أو أن يمتلك ملوك وأمراء هذا العالم نفسية وسلطان الفلسفة ،وان
السياسية في شخص واحد ...إذا لم يتم كل ذلك فاملدن لت تملك ّ
الراحة يلتقي سمو وحكمة العلوم ّ
من شرورها أبدا" .3وهكذا يصبح التمكين لحكم الفالسفة هو النقطة املركزية في فلسفة أفالطون
السياسية ،بل وفي مدينته الفاضلة.
من أجل هذا ثار أفالطون على األنظمة ،التيوقراطية ،واألليجارشية ،والديمقراطية واالستبدادية،
ألنها كانت قائمة على الدسائس واملكائد ،ففي املدينة الفاضلة التي صورها ،استبعد تشتت املصالح
وتضاربها ،فاملجتمع قائم على التكامل والتعاون وقيام كل فرد بالوظيفة املنوط به.
ّ
املالحظ هنا أن أفالطون أطلق العنان للفالسفة الحكام ،فلم يعترف بوجود قانون يسري على
قمة تحليله ،حكم ال يتقيد الجميع ،حكام ومحكومين ،فحكم الفالسفة الذي جعله أفالطون ّ
يقيده هو ضميره الداخلي ،املنبثق من الحكمة والعقل بالقانون ،فالحاكم فوق كل القيود ،وما ّ
املسيطر على الفيلسوف الحاكم ،القادر على الوصول للقرارات الصائبة ،املنزهة عن الهوى ،ومن غير
املنطقي أن ّيقيد الفيلسوف الحاكم بالقانون وهو مصدره ،فأساس الحكم يقوم على حقيقة التفوق
ّ ّ
العقلي ،عند قلة لديها الكفاية السياسية** ،لكن ما الضامن أال ينقلب هؤالء الحكام الفالسفة إلى
جسمه في شخص امللك الفيلسوف، طغاة مستبدين؟مادام كل ش يء يخضع لذلك املثل األعلى الذي ّ
الذي ينحصر سنده لتولي السلطة في كونه الوحيد الذي يعرف ما هو خير للناس وللدولة ،وقد نتج
عن التوسع في هذا املنحنى من التفكير ،أن استبعد القانون كلية من الدولة املثالية ،وصورت الدولة
- 1شرتاوش ،ليو ،واترخي الفلسفة الس ياس ية ،ج ،1تر ،محمود ،س يد امحد ،اجمللس الاعىل للثقافة ،القاهرة ،2005 ،ص98
- 2املرجع نفسه ،ص68
- 3أآفالطون ،احملاورات الاكمةل ،مج ،1امجلهورية ،ك ، 5تر ،شويق ،داوود متراز ،ا ألهلية للنرش والتوزيع ،بريوت ،ص262
** انظر تفصيل املوضوع يف :أآفالطون ،احملاورات الاكمةل ،مج ،2حماور ،بوليتيكوس ،ص 100وما بعدها.
564
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/ISSN: 2253 – 0592اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)
جمةل دراسات انسانية واجامتعية /ج وهران /02ع /9 :جانفي2019
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أنها مجرد مؤسسة تعليمية ،فرضت فيها على أغلبية املواطنين وصاية دائمة ،يتوالها الحاكم
الفيلسوف.
إن أفالطون ورغم تهذيبه لهذه الوضعية ،بقوله على لسان سقراط مخاطبا الحكام" نحن الذين
أنجبناكم من أجل الدولة ،ومن أجل أنفسكم لتكونوا قواد خلية وملوكها ،وأكمل تدريب للعب دوركم
في شؤون الحياة ،فينبغي أن تنزلوا بالدور وتخاطبوا بقية املجتمع" .1ورغم اعترافه بفائدة القوانين من
ّ ّ
منطلق أن الناس بدون قوانين "ال يختلفون عن أشر الحيوانات وحشية" ،إال أنه يتغاض ى عن أهميتها
في حالة توفر الحاكم الكفء ،إذ ليس ثمة قانون وال شرعية أعظم من املعرفة شأنا.
لكن كيف نقنع الناس بهذا التمييز الطبقي؟
ّ
وكيف يقنع أفالطون الحكام بأنهم خلقوا ليحكموا؟
وكيف يدرب باقي املواطنين على االعتقاد بأنهم ولدوا ليكونوا محكومين ،وأن هذه الفروق جزء من
نظام إلهي.2
في هذه الجزئية يلجأ أفالطون إلى ما سماه "الكذبة الضرورية أو "الكذبة النبيلة" إلقناع الحكام بأنهم
ينتمون لطبقة أسمى ،وأنهم ولدوا ليكونوا حكاما .سأقول لهم "إنه من الصحيح أنكم جميعا يا أهل
هذا البلد إخوة ،غير أن هللا الذي فطركم قد مزج تركيب أولئك الذين يستطيعون الحكم منكم
ّ
بالذهب ،لهذا كان هؤالء أنفسكم ،ثم مزج تركيب الحراس بالفضة ،وتركيب الفالحين والصناع
بالحديد والنحاس ،وملا كنتم جميعا قد نبتم من بذرة واحدة ،فإن أبناءكم على الرغم من أنهم يشبهون
آباءهم عادة ،قد يأتون أحيانا من الفضة ألبوين من ذهب أو من الذهب ألبوين من الفضة ،وكذلك
الحال في املعادن األخرى".3
من الواضح أن أفالطون ومن خالل مبدأ حكم الفالسفة ،اللذين أطلق أيدهم وجعلهم فوق القانون،
قد أسس عن قصد أو غير قصد لحكم الطغيان** الفردي ،الذي يحق له استخدام العنف والقوة
لردع األفراد".إن أولئك اللذين يملكون العلم امللكي الرفيع ،في الواقع قادة حقيقيون سواء حكموا
حسب رض ى رعيتهم ،أو خالفا لرضاهم ،فإن الرجال مثلهم ال يجوز لهم أن يواجهوا أية عقوبة ،ففي
- 1توفيق جماهد ،حورية ،الفكر الس يايس من أآفالطون اىل محمد عبده ،مكتبة الاجنلومرصية ،1986 ،ص57
- 2لويز برنريي ،ماراي ،املدينة الفاضةل عرب التارخي ،عامل املعرفة رمق ،225س نة ،1997ص33
- 3املرجع واملاكن نفسه.
** .للمزيد حول موضوع الطغيان انظر :امام عبد الفتاح ،امام ،الطاغية ،دراسة فلسفية لصور من الاستبداد الس يايس ،عامل املعرفة ع،184
مارس1994 ،
ـــــــــــــــــــــــ
565
اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)ISSN: 2253 – 0592
إمكانهم أن يقتلوا وأن ينفوا.باختصار في إمكانهم التصرف بكل حرية ،لصون املدينة وجعلها مدينة
ممكنة ،بعدما كانت فاسدة ،وتاليا تكون القوة ممكنة لالستعمال شرعا ،إن كان ذلك لخير املدينة".1
إن نظرية الطغيان الصالح ال ت ستعبد القوة والعنف كوسيلة في خدمة الدولة ،فبإمكان الحاكم
ّ
استخدام القوة ضد مصلحة األفراد ،ألن املواطن في نظر أفالطون ال حق له بوصفه فردا ،وإنما عليه
واجبات ال غير ،فمسألة الحق غير مطروحة في منظومته الفلسفية ،إذ ال قيمة للفرد ذاته إال بوصفه
عضوا في املدينة.
لقد أنكر أفالطون-كما سيفعل تلميذه أرسطو – قيمة الفرد لصالح الدولة ،فليس للفرد حق ،بل
ليس له وجود إال بالدولة وللدولة ،التي تدبر كل ش يء حتى الحياة الخاصة ،فالدولة التي يكون سلطانها
مبسوط في كافة املجاالت ،تفرض على الفرد طاعة غير مشروطة ،وما عليه سوى اإلذعان للسلطان.
هذا ما يبرر وقوف أفالطون بقوة ضد الحكم الديمقراطي ،ألنه حسب رأيه أفسد معنى الحكم ومعنى
الحرية " ،فالحكم أصبح فوض ى ،والحرية إباحية وتمرد شامل ،فإذا لم يتساهل الحكام تساهال مفرطا
مع الشعب ،وإذا لم يعطوا ملء الحرية ،اعتبرهم الشعب حكاما أشرارا مستبدين ،وعاقبهم على
استبدادهم .وعدوى الفوض ى املتفشية في الدولة ،تتسرب إلى البيت وتنتشر في كل ناحية ،فيحسب
األب ابنه مساويا له فيخاف منه ،ويعتبر االبن أباه مساويا له فال يعود يحترمه ،في دولة كهذه يضحى
ّ
املعلم خائفا من تالميذه فيتملقهم ،ويروح الطالب يحتقرون معلميهم ومهذبيهم ،وتظهر هذه الحرية
ظهورا واضحا في تطاول العبيد على أسيادهم ،وال أعرف الحد الذي تبلغه الحرية املتبادلة بين الرجال
والنساء".2
علما أن أكثر ما كان يخيف أفالطون في الحكم الديمقراطي ،هو مسألة الحرية ،حتى ولو كانت هذه
عما سواه-يقول أفالطونّ -
مهد األخيرة أجمل ما في الديمقراطية" ،ألن مطلب الحرية املتزايد واإلغفال ّ
ّ
لالستبداد واالستعباد والشقاء ،وتحول لحكم الطغيان...الحرية املفرطة التي ولدت الحكم الشعبي،
ستقود هذا الحكم إلى هالكه (ألن) الرغبة املفرطة في الحصول على الحرية واملساواة ستقود حتما
الحكم الشعبي إلى حكم الطغاة".3
- 1خرض خنافر ،دوةل ،يف الطغيان والاستبداد وادليكتاتورية ،دار املنتخب العريب لدلراسات والنرش والتوزيع ،ط ،1995 ،1ص ص
12 ،11
- 2غوش ،رميون ،الفلسفة الس ياس ية يف العهد السقراطي ،دار السايق ،بريوت ،لبنان ،ط ،2008،1ص98
- 3املرجع نفسه ،ص100،99
566
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/ISSN: 2253 – 0592اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)
جمةل دراسات انسانية واجامتعية /ج وهران /02ع /9 :جانفي2019
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن "الديمقراطية-في رأي أفالطون-حكم يشمل على تهاون وتساهل مفرط ،واحتقار ّ
لقيم اآلباء
واألجداد ،إذ أنها –الديمقراطية-ال تقيم لنبل املولد ،وال لسمو الروح وال لعلو املعرفة أي قيمة ،بل
تتيح فرص متساوية للجميع ،لكي يتقلدوا مقاليد الحكم" ،1بصرف النظر عن جدارتهم الشخصية.
خالصة القول أن "أفالطون لم يهتم في تخطيطه لدولته املثالية ،بالفرد وحريته على اإلطالق ،بل كان
يخطط ونظره مركز أوال وأخيرا على املدينة ككل ،ولم تكن فكرة العدالة التي أخذت جل تفكيره سوى
تنظير ملنطق الثبات ،واالستقرار للكيان الكلي أي الدولة ،فكل ش يء يخدم مصلحة املدينة يكون عدال
والعكس ،ومن هنا جاءت مطالبته بضرورة إخضاع كافة أمور الحياة اإلنسانية إلشراف سلطة
الدولة".2
ال يمكننا في ظل هذه الرؤية الشمولية التي يقدمها أفالطون ملدينته ،أن نقول أنه يؤمن بالحرية
ّ
إال لصفوة املجتمع (الفالسفة( ،التي تكون السياسية لجميع املواطنين ،فهو في الحقيقة ال يؤمن بها
ّ
معرفتها باملثل قد جعلتها تقف على حقائق األمور فتحسن استغاللها ،أما أغلبية الشعب فال يهتم
أفالطون بهم في دولته ،سوى بوصفهم أدوات مساعدة على تدعيم ركائز حكم الفيلسوف*.
ج-أرسطو الدولة من املثال إلى النسق:
يشكل الفكر السياس ي عند أرسطو ،نموذجا واقعيا في دراسة الحياة السياسية انطالقا من التجارب
واملالحظات -ال نتيجة لتأمل مثالي خالص -فهو يرى منذ بداية مشروعه*أن الدولة هي اإلطار املناسب
الذي تشكل فيه ماهية اإلنسان ،بوصفه حيوان مدني يعرف الخير والشر ،والعدل والظلم ،وهو
وحده قادر على تشكيل املدينة" ،إنه من البديهي أن يكون اإلنسان حيوانا سياسيا ،على درجة أعلى
من النملة ومن أي حيوان آخر يعيش في قطيع ،واإلنسان وحده-من بين كل الحيوانات-يمتلك الكالم،
وهو الوحيد الذي يعرف معنى العدل والظلم" ،3وبهذا فالعيش في الجماعة هو أفضل طريقة للعيش
بأحسن طريقة ممكنة أخالقيا وماديا ،من أجل تحقيق السعادة والفضيلة" ،فالغرض من السياسة
ليس املعرفة بل العمل أو التنفيذ..فهي ال تتعلق بش يء أكثر مما تتعلق بإنتاج أخالق معينة في
املواطنين".4
- 1محمود ،مراد ،احلرية يف الفلسفة اليواننية ،دار الوفاء دلنيا الطباعة والنرش ،مل يذكر البدل( ،ب ط)( ،ب ت) ،ص183
- 2املرجع نفسه ،ص186،
- 3أآرسطو ،الس ياسات ،نقهل للعربية ،ا ألب أآوغسطني ابرابرة البوليس( ،مل تذكر دار النرش) ،بريوت ،لبنان ،1957،ص 212
- 4سعفان ،حسن حشاتة ،مرجع سابق ،ص 63
ـــــــــــــــــــــــ
567
اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)ISSN: 2253 – 0592
من هذا املنطلق تصبح الدولة فوق الفرد وفق العائلة ،فالدولة نوع من املشاركة ،لكنها نوع خاص من
املعيشة املشتركة ،بحيث يتألف من األفراد ،الكل والكل بالضرورة فوق الجزء ،لكن متى تكون الدولة
فضلى بحيث تضمن الخيروالسعادة للجميع؟
يرى أرسطو أن "مهمة الدولة تكمن في غرس الفضيلة في األفراد ،وتعليمهم كيف يكونوا فضالء،
انطالقا من نظام سياس ي يتيح لكل فرد أن يبلغ غاية الفالح ،وأن يحيا حياة سعيدة" .1واملدينة
الفاضلة أو املثلى من هذا املنظور ،هي تلك املدينة املرتبطة بالواقع املعاش ،فليس ثمة عالم مستقل
عن عاملنا به صورة ملدينة فاضلة ،كما ادعى أفالطون-لذلك ربط أرسطو السياسة باألخالق ،بل جعل
من األخالق القاعدة األساسية للدولة ،ألن القانون ال ينفع في حالة غياب األخالق ،باعتباره تعبيرا عن
األوامر الخالدة لألخالق .فالنظام السياس ي ال يحدد طرق السياسة في الدولة فقط ،بل له بالغ التأثير
على أخالق األفراد ،فالفضيلة تحت دستور ملكي غيرها تحت حكم األقلية ،وهذا راجع بالدرجة األولى
إلى أن" الدستور مرتبط جوهريا بنسق الحياة الذي سيتبع في املدينة ،فإن تغيرت بنية املجتمع ّ
تغير
الدستور" ،2وطبيعة هذا األخير هي التي تحدد طبيعة الخير في الدولة.
وأفضل دستور هو الذي يجعل الناس سعداء ،والذي يؤمن االعتدال والعدل والحذر والشجاعة
والفضيلة ،بحيث"تحصل املدينة على الغنى والخيرات والسلطة واملجد على أنواعه بشكل كلي" ،3ومن
هذا ،فالحكومات حسب أرسطو منها ما هو صالح ،يعمل على خدمة املصلحة العامة وخير الجميع،
ومنها ما هو فاسد يعمل ملصلحته الخاصة ،والحكومات املثلى أو الفاضلة في نظر أرسطو ثالث:
أ-امللكيـة :وهي التي يكون على رأسها ملك أو فرد واحد فاضال بعقله وحكمته ،يتوخى في عمله املصلحة
العامة ،وال ينشد مصلحته الخاصة ،ومتى كان الحكم امللكي فاضال ،كان امللك يحب رعاياه بسبب
علوه الذي يسمح له بأن يتفضل عليهم ،ألن ه يسعد الناس اللذين يحكمهم ،وبما له من الفضائل يعني
بتصييرهم سعداء-عناية الراعي لقطيعه. 4
ب-األرستقراطية :وهي التي تتولى فيها السلطة جماعة من األفراد ولكنهم ليسوا كثرة أو أغلبية ،وهم
يحكمون ألنهم أكثر حكمة "إن الفضيلة هي الهدف.الفضيلة هي مقياس األلقاب الشرفية املعطاة
للمواطنين ...وبما أن كل األشياء يجب أن تقدر على أساس أهدافها ،فإنه يجب أن نخلص لوصف
النظام بأنه أرستقراطي.5
ج-الديمقراطية :وهو نظام تحكم فيه األغلبية عن طريق دستور يضبط الحقوق والواجبات" ،ففي
الحكومة الديمقراطية الحق السياس ي هو املساواة ،ال على أساس األهلية بل حسب العدد ،ومتى
وضعت هذه القاعدة ينتج عنها أن السواد يجب ضرورة أن تكون لهم السيادة ،وأن قرارات األكثرية
يجب أن تكون هي القانون األعلى ،هي العدل املطلق ،الفقراء في الديمقراطية هم السادة ...ورأي
األكثرية يشرع القانون ،تلك هي إحدى ّ
الشيم املميزة للحرية".1
إن تقدير أرسطو للحكم الديمقراطي ،راجع إلى كون الديمقراطية تعتبر النظام السياس ي األكثر
استقرار ،واألحسن من حيث التوازنات االجتماعية ،واألقل مغامرة من غيره ،ألنه من الصعب إفساد
الشعب بكامله أو التغرير به ،وبصورة أعمق هو النظام الوحيد الذي يسمح بالتناوب الفعلي
للمواطنين على تحمل األعباء ،وألنه يقوم على قاعدة مثلى للجماعة السياسية ،التي تتألف من
املتساوين بالطبع ،أين يتجسد حكم الجميع للجميع ،وهي قاعدة عامة للتناوب على السلطة املمكنة،
واألكثر عدالة وتوافقا مع نمط النظام الديمقراطي ،الذي يتوخى مصلحة الجميع ،وتتحول املنافع
املنتظر أن تتحقق من وجود الدولة كغاية عظمى إلى ممارسة فعلية يتمتع بها الكل وليس البعض دون
البعض اآلخر ،كما هي الحال في األنظمة السياسية ألخرى.
من الواضح أن أرسطو لم يكن أمام خيار أخر ،فكل األنظمة التي درسها تباينت عيوبها ،ولم يجد بينها
ّ
إال الديمقراطية " فهي أسوأ األنظمة الصالحة ،ولكنها أحسن أو أفضل األنظمة الفاسدة" .2ولكن أكثر
ما خاف منه أرسطو هو التمادي في استخدام آليات الديمقراطية ،وخاصة مبادئ الحرية واملساواة
وسيادة األغلبية املنتخبة ،فاإلفراط في استخدام هذه املبادئ يؤدي إلى السقوط في حالة الفوض ى،
فمبدأ الحرية يعني االنعتاق من سلطة ممثلي الدولة ،ومبدأ املساواة يفهم من قبل العامة فهما
خاطئا ،ألن املساواة عند أرسطو تقوم على مبدأ االستحقاق وليس على أساس املساواة بين املختلفين
كفاءة ،والعكس صحيح.
" وانطالقا من مبدأ املساواة هذا ،يثير أرسطو مشكلة عميقة وهامة تتضمنها ديمقراطية اليونان ،وهي
املساواة بين غير املتساويين ،ويعني طبقة امليسرين وطبقة املعسرين ،فإذا كانت عدالة الدولة أن ينال
املساواة كل املواطنين عن طريق اختيار األغلبية ،فالحاصل هو أن يكون املعسرين أعظم سلطة من
امليسرين ،ألن املعسرين أكثر عددا واملرجع األعلى هو ما قد يبدوا لألكثرية "(.*)3
*النص آأورده كذكل :طييب مسعود ،فكرة امجلاعة يف احلمك عند املسلمني ومفهوم ادلميقراطية دلى اليوانن والرومانيني ،أآطروحة دكتورة،
فلسفة ،جامعة اجلزائر ،ارشاف ،ع .رشيط338 ،2005 ،
- 1للمزيد انظر :أآرسطو ،الس ياسات ،مصدر سابق ،الكتاب 8-7
- 2أآرسطو ،يف الس ياسة ،نقال عن :اسامعيل زرويخ ،مرجع سابق ،ص 60
- 3شوفاليه ،جان جاك ،اترخي الفكر الس يايس ،مرجع سابق ،ص 110
570
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/ISSN: 2253 – 0592اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)
جمةل دراسات انسانية واجامتعية /ج وهران /02ع /9 :جانفي2019
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لهيئة املواطنين" .1بهدف بضمان العيش الكريم وضمان السعادة .لكن هل يمكن أن تكون هذه
السعادة متاحة للجميع وعلى مستوى واحد؟
تبين آراء أرسطو حول مسألة العبودية أن فكرة املساواة لم تكن مطروحة بتاتا ،وكل ما تكشف عن
تحليالت أرسطو يتعلق "باملساواة التناسبية أو الهندسية ،تأخذ بالحسبان االختالفات املوجودة
وتبقي عليها .إنها مساواة تعترف باألعلى باعتباره أعلى ،وهي تتناقض بعنف مع املساواة الديمقراطية
البسيطة ،التي تعامل املواطنين كوحدات متساوية بشكل دقيق" .2ومن الواضح في الرؤية
األرسطوطالية أننا أمام مفهومين لإلنسان يكشف عنها بناء املدينة" ،فالحضارة اليونانية الكالسيكية
التي كانت راضية عن نفسها...كانت تقوم على أساس وجود طبقة وفيرة من العبيد ،أغلبيتهم من
األجانب أومن املنحدرين من أصل أجنبي ..إنهم باختصار برابرة..مستبعدون من كل تربية وال يملكون
أي حق من أي نوع".3
إن العبد عند أرسطو ،هو ذلك الذي ال يملك نفسه بطبيعته ،بل هو ملك إلنسان آخر ،وبناء عليه
فكل من "انحط شأنهم انحطاط الجسد عن النفس أو الحيوان عن اإلنسان كانوا عبيدا من طبعهم،
ال سيما إذا بلغ بهم االنحطاط إلى حد ال يرتجى معه منهم سوى استعمال أجسادهم كأفضل ما يصدر
عنهم ،وأنه خير لهؤالء أن يخضعوا لسلطة سيد".4
إن التبريرات التي يقدمها أرسطو ال تتطرق إلى مسألة قبول أو رفض العبودية ،بل كل ما هنالك أن
ّ
أرسطو يعالج مسألة إلى أي حد هي طبيعيه؟ ثم يجيب ما دامت الطبيعة تريد التباين بين أجسام
األحرار وأجسام األرقاء ،فتبرز هذه قوية تصلح ملا يلزمها من الخدمة وتبرز تلك قوية غير صالحة
لألشغال الوظيفية ،مالئمة للحياة املدنية ،من هذا املنظور الجميع يعترفون بأن من حازوا في جسمهم
من الجمال مقدار ما حازت تماثيل اآللهة ،يحق لهم أن يستعبدون من هم دونهم روعة !!
إن البرهنة التي يقدمها أرسطو لتبرير العبودية ،تطرح عالمة استفهام كبيرة ،وتشكل ثغرة في البناء
الفكري الذي يبنى عليه أرسطو رؤيته السياسية ،فإذا كانت عبودية رهائن الحرب مثال ،مستساغة،
فكيف نبرر قوله" ،لقد ظهر بجالء أن البعض أحرار بالطبع وأن البعض أرقاء بالطبع" ،5وقوله":إن
- 1عبد املعز نرص ،محمد ،يف النظرايت والنظم الس ياس ية ،دار الهنضة العربية ،بريو ،1981 ،ص 57
- 2شوفاليه ،جان جاك ،مرجع سابق ،ص91
- 3شاتليه ،فرنسوا وآخرون ،معجم املؤلفات الس ياس ية ،تر ،محمد عرب صاصيال ،املؤسسة اجلامعية لدلراسات والنرش والتوزيع ،بريوت،
ط ،2،2001صص47،46
- 4أآرسطو ،الس ياسات ،مصدر سابق ،ص15،16
- 5املصدر نفسه ،ص17
ـــــــــــــــــــــــ
571
اإليداع القانوني 2012 – 2751 :صنف (ج)ISSN: 2253 – 0592
بعضهم عبيد بالطبع وبعضهم أحرار بالطبع ،وأن هذه الصفة أو تلك ّبينة في فئة دون فئة ،وأنه
وأن اإلمرة التي خلق لها بعضهم واالئتمار الذي يحيل لهيصلح لهذه أن تستعبد ولتلك أن تتسلطّ ،
البعض اآلخر عادالن ال بل متوجبان ،ومن ثم فالسيادة أيضا عادلة ومتوجبة".1
إن الوجهة التي أخذها مصطلح العبد في فكر أرسطو ،ال يمكن أن تقرأ بمعزل عن الظروف السائدة
آنذاك ،ففي أجواء املواجهة العسكرية بين اليونان والفرس ،وقع ضرب من التقاطع الداللي بين
البربرية واالستبدادية في مجرى الخطاب اليوناني" ،بمعنى أن الشعوب الواقعة خارج الفضاء اليوناني
خصوصا واألوربي عموما ،واملنعوتة بالبربرية عند أرسطو .ولذلك وجب التعاطي مع هذه الشعوب
تعاطي السادة بالعبيد ،على ما يقول أرسطو ...فالبرابرة والعبيد هما ش يء واحد بالطبيعة ،لذلك وجب
أن يكون مصير هؤالء البرابرة األسيويين بين يدي السيد اليوناني ،وال يكونوا في مكانهم الطبيعي
ّ
واملناسب إال كعبيد".2
لم يجد أرسطو غضاضة في الرق ،والتمس له عذرا طبيعيا ،بأن الطبيعة قد خلقت البعض عبيدا
بالفطرة ،ألنها حرمتهم من نعمة العقل واإلرادة ،خلقتهم للطاعة فحسب ،وقد قامت املدينة نتيجة
الرتباط العبد بسيده ،حيث كان السادة هم العقل املدبر والعبيد هم القوة املنفذة.
-4خاتمة:
خالصة القول إن هذا الواقع يضعنا أمام مفارقة وتناقض صارخ ،يبين لنا حالة االنفصام
السياس ي واالجتماعي واالقتصادي ،التي عاشها املجتمع اليوناني القديم ،انفصام راجع لطبيعة
ّ
النظام السائد آنذاك في كل املجتمعات القديمة تقريبا ،حيث شكل العبيد وسيلة إنتاج رائجة
في سوق.
نقطة أخرى يجب التركيز عليها تتعلق بمسألة املشاركة السياسية في الحكم ،فقد كانت حكرا
على الرجال األحرار دون غيرهم ،والعبودية للفقراء العمال والفالحين واألجراء ،وال مجال
للمشاركة السياسية للنساء ،بهذا يكون املجتمع اليوناني مجتمع ديمقراطي ،مقصور على
األحرار من الرجال ،مع عبودية املمارسة االجتماعية اليومية لغير أولئك الرجال األحرار وذلك
هو وجه االنفصام في املجتمع اليوناني القديم.