Professional Documents
Culture Documents
ملخص
ملخص
ملخص
مسؤول وعاجز عن فهم إهلامه أو تفسري شعره؟ وهل ينبغي على اجملتمع أن الشعراء والفنانني ألهنم يستجيبون للحواس
واالنفعاالت أكثر مما يستجيبون للعقل؟ وهل يقتصر تأثري الفن على بث البهجة يف النفوس أم أنه قادر على اجلمع بني املتعة
والفائدة عن طريق "التطهير" مثال أو بطريق اإلرشاد املباشر؟ فنظرية "أرسطو على أستاذه أفالطون Uالذي قال :إن املأساة تثري
الشفقة وبالتايل تضعف الناس انفعاليا بقوله :إن املأساة تطهر االنفعاالت وجتعل الناس أقوى ،عندما حتدث عن فن املأساة يف
كتابه" فن الشعر " ،فعرف املأساة ،وبني هدفها ووظيفتها ،بأهنا حماكاة عمل تام ،متكامل ذي جسامة ،تتألف من بداءة
ووسط وهناية ،هدفها :إثارة الشفقة ،وإحداث أثر تطهريي مانع.
وأما العرب فكانوا يعدون الشاعر لسان حال قبيلته ،والناطق بامسها ،والبطل املدافع عنها ،ولكن هل التزم الشعراء اجلاهليني
كافة ،بذلك الدور الذي حددته القبيلة؟ ميثل امرؤ القيس النموذج الشعري األول للتمرد على ذلك الدور ،فكان يسلك
ويفكر خارج نظام القبيلة ،وقيمها السائدة فطرده أبوه (امللك) ،بل إن انتصار أبيه لتقاليد Uالقبيلة اململكة وأخالقيتها بلغ من
الشدة ما دفعه إىل األمر بقتل ابنه" :اقتل امرأ القيس وانتين بعينيه" والسبب يف ذلك أنه "كان يتعهر يف شعره "مع أن امرأ
القيس كان "أشعر الناس" وأوهلم كلهم يف اجلودة ،له احلظوة والسبق وهو" رأس الشعراء "؛ كما يقول ألصمعي.ومع ذلك
كله أمضى امرؤ القيس معظم حياته طريدا ،ومات طريدا ،وهو الذي قال حني جاءه نبأ قتل أبيه :ضيعني أبي صغيرا،
وحملني دمه :كبيرا ،ال صحو اليوم وال سكر غدا ،اليوم خمر وغدا أمر ثم الى ال يأكل لحما وال يشرب خمرا حتى
يثأر ألبيه
مث اإلسالم وظيفة أخالقية للشعر ،ووجهة جديدة هي ربطه بالقيم املنبثقة عن القرآن الكرمي ،فجعل الشعر أداة خلدمة رسالته":
الشعراء يتبعهم الغاوون إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا اهلل كثيرا ،وتابع هذه الوظيفة الرسول (ص)
والصحابة ،ورمبا هلذا السبب كان الرسول يستحسن بعض الشعر ،ويشجع على روايته ،وينهي عن رواية بعضه اآلخر،
ويروى عنه أنه روى شعرا لعنرتة وقال ":ما وصف يل أعرايب قط فأحببت أن أراه إال عنرتة "؛ وتذكر يف هذا السياق بقصيدةU
الشاعر كعب بن زهري" بانت سعاد "يف مدح الرسول (ص) ،فكانت سببا يف أن خلع عليه الرسول (ص) بردته اليت كان
يلبسها اخللفاء بعده.وكان شعر عمر بن أيب ربيعة موضع اختيار دائم لطبيعة الصلة بني الشعر واألخالق ،وقد لقب Uبالفاسق
لتمرده على القيم األخالقية ،االجتماعية والدينية يف عصره.وبصورة Uعامة ميكن القول :إننا نالحظ ميال لدى النقاد العرب
القدماء (األصمعي ،واجلمحي ،والقاضي اجلرجاين ،وأيب هالل العسكري) إىل إعفاء األدب من االلتزامات األخالقية ،وقد
الحظ اجلاحظ أن دور الشعراء قد احنط عندما أخذوا يتكسبون بالشعر .ويردنا ابن طبطابا إىل أمرين حمددين ،معهما يصبح
للشعر قيمة:
األول :هو تناسب القصيدة يف ذاهتا العتبارها جمموعة من العناصر املتجانسة ،اليت ال خيتل بناؤها أو شكلها.
وبالتايل تستطيع أن تؤثر يف دوافع املتلقي تأثريا يرد الدوافع إىل حال من االعتدال هي مقدمة Uللفعل ،ومصاحبة لإلحساس
باللذة U.ولذلك يرى ابن طبطابا أن الشعر اجليد هو الذي تسابق معانيه ألفاظه ويلتذ الفهم حبسن معانيه ،كالتذاذ السمع مبؤنق
لفظه
وكما هي احلال عند العرب كذلك اليونان كما الحظنا ،فالشاعر عندهم يكرم إذا ما كان أخالقيا بل يعظم ،فقد عظم ܝ يف
اليونان أرستوفان مثال عندما عرضوا مسرحيته (الضفادع) للمرة الثانية ،وملا نالت اجلائزة األوىل ،وهذا شرف عظيم ال يناله
إال من يقدمون خدمات جليلة ألوطاهنم ،والسبب يف كل ذلك أن أرستوفان اعتمد األخالق أساسا نقديا أقام عليه موازنته
بني الشعراء ،فانتصر لألخالقي (أسخيلوس) وأوصى بإبعاد (يوربيدس) الذي كانت ملهمته الشعر داعرة.
.2الوظيفة والمناهج:
ولكن كيف يسهم األدب يف النشاط اإلنساين ،ومن خالل أية معايير؟ فهنا ختتلف األجوبة باختالف املذاهب األخالقية.
وظل املنهج االجتماعي أحد أهم املناهج النقدية األدبية اليت تعول على الدور الذي يقوم به األدباء ،أي ركزوا على وظيفة
األدب يف خدمة اإلنسان واالرتقاء به وذلك عن طريق حل التناقضات املوجودة يف اجملتمع واليت تظهر كلها أثناء العملية
اإلبداعية ،ألن النقاد االجتماعيني يعتقدون بأن النص مجلة تناقضات يدخل فيها ،الواقع اخلارجي ،واآلين ،والذايت ،وأن هذه
التناقضات جتد حلها أثناء العملية اإلبداعية.
فقد ربط هيغل الفن بالواقع ربطاً جدلياً ،وكان يرى أن األعمال الفنية مصنوعات إنسانية ختلق من العامل احلسي وختاطب
حواس اإلنسان ،وأن العمل الفين ينشر غاية خاصة حمادثة له.
وكانت رؤية هيغل للفن Uواحلياة مثالية أسست لوعي مجايل نقدي يربط بني العمل وارتباطاته الداخلية ،واخلارجية ،فصارت
هذه الرؤية ركيزة النقاد املاديني من بعده.
اليت تطالب األديب بالدفاع عن مصاحل الطبقات الصاعدة يف اجملتمع والدفاع عن إنسانية اإلنسان مث تطورت الواقعية
االشرتاكية على أيدي جورج لوكا تش ،وبأختني وأرنست فيشر الذين حالوا إخراج هذه املدرسة األدبية النقدية من قفص
التفسريات املتعسفة ،انطالقاً من عملية فهم لإلبداع تقول :إن أي عمل إبداعي هو تعبير عن رؤية كاتبه للعالم المحيط به،
وهذه الرؤية تتشكل ضمن شبكة من العالقات المعقدة.
بال األخالق كون دعاهتا األوائل أمثال :رامبو وفيرلين قد قدموا أمثلة سيئة للخروج على أخالق عصرهم.
بينما عد سبنسر الفن لعباً :أي هو نشاط تلقائي حيدث لنا لذة ومتعة ،واللذة الفنية عنده مرتبطة بالوظائف احليوية كاألكل
والشرب.
مث تتوجت هذه األفكار بقيام نظرية "الفن للفن" وكان أول من دعا هلا تيوفيل غوته.
وظل البحث يف نظرية األدب أقرب إىل مهمة الفالسفة منه إىل مهمة األدباء والنقاد،الفصل بني اجلميل وبني النافع واملفيد ّ
علماء األدب حىت أخذ النقاد يسهمون يف طرح املسائل النظرية املتعلقة باألدب.
فقد عدت املاركسية األدب ظاهرة اجتماعية وبالتايل فاألديب يعرب عن الواقع االجتماعي لطبقته وتذهب الماركسية إىل أن
اجلمال متغري ،وهو تابع للمحتوى املتغري باستمرار ،ويغدو الشكل عند املاركسيني وسيلة إلظهار احملتوى باملظهر املقبول
اجتماعياً بينما خترج (الوجودية )Xعن الطبيعة االجتماعية للمفهومات األخالقية ،وجتعل االلتزام لدى األدباء نابعاً من ذات
األديب ،وقائماً على احلرية واملسؤولية الشخصية ،اليت غالباً ما تتعدد وتتنوع :وبالتايل تبقي االلتزام حتت رمحة اهلوى الفردي
واملزاج ،ما يؤدي إىل افتقاد املوقف األخالقي املشرتك ،وإىل حالة من العبثية ،كما عند ألبير كامي مثالً.
فراح علم اجلمال يدعو إىل إقامة عالقة بني املمتع واملفيد وراح هوراس يردد قائالً :الشعر عذب ومفيد.
فحني يؤدي العمل األديب وظيفته تأدية ناجحة ،فإن مسأليت املتعة والفائدة ال تتعايشان فحسب بل تندجمان معاً.
فبعد أن كانت وظيفة األدب تعليمية دينية هدفها تلقني اإلنسان تعاليم الكهنوت ورجال الدين جعل عصر النهضة يف أوروبا
وظيفة األدب ترتقي لتصبح (يعلم ويمنع) أو يعلم من خالل املتعة.
وتعود نظرية " التطهري" لتظهر من جديد مع هناية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع ظهور التحليل النفسي
جيسد رغباته الالشعورية اجلنسية الشهوانية غري املقبولة اجتماعياً،
الفرويدي ،فقد كان فرويد يرى أن الفنان واألديب فنان ّ
وحيلها يف نشاطه اإلبداعي املقبول اجتماعياً.
وبالتايل فإن األدب شكل من أشكال املهادنة بني مبدأ الواقع ومبدأ اللذة يسهم يف طرد النزاعات النفسية من حياة اإلنسان،
مرتسباً من
وخلق توازنه ،وبذلك يكون األدب عالجاً من األعراض املرضية ،أو هو حالة من حاالت "التطهري " الذايت ملا كان ّ
رغبات شهوانية تشكلت Uمنذ الطفولة يف " اهلو عند اإلنسان وتكشف دراسات فرويد عن ليوناردو دافنشي ،وشكسبري،
ودستويفسكي وغوته ،وابسن أن هؤالء خلقوا إبداعاهتم بفعل عقدة أوديب املتشكلة لديهم منذ الطفولة وراح فرويد
وأتباعه يدرسون حركة األعمال األدبية على ضوء العالقات العائلية وكانوا جيدون لكل حركة الشخوص يف تفسرياً يف ضوء
عقدة أوديب وغريها من العقد اليت يتحدث عنها علم حتليل النفس.
وعلى أساس من قبول منهج فرويد وأتباعه وتطبيقاهتم على األدب واألدباء نشأت مدارس أدبية ونقدية جديدة مثل "
السريالية " اليت تستهدف التعبري ،إن قوالً ،وإن كتابة ،وإن بأية طريقة أخرى عن السري احلقيقي للفكر عن طريق إمالء الذهن
كما يقول مؤسسها أندريه بروتون.
وبالتايل فإن األدب ال هدف له وال اهتمام عند السرياليين بالجمال أو األخالق على حد سواء.
وحتددت مهمة األدب السوفيييت يف مساعدة الدولة على تربية الشباب تربية صحيحة ...وعلى تعليم اجليل اجلديد كيف يكون
قوياً ...ولذلك فإن كل ما مييل إىل نشر انعدام اإليديولوجية والال سياسية والفن للفن " هو غريب عن األدب السوفيييت،
ويلحق الضرر مبصاحل الشعب Uوالدولة Uالسوفييتية :وقد رأى مكسيم غوركي يف داخل الفن يوجد صراع مع أو ضد
والالمباالة يف الفن غري موجودة ،وال ميكن أن تكون.
وقد متخض عن الواقعية االشرتاكية والوجودية قضية االلتزام األدبي وااللتزام مبعناه اإليديولوجي هو االرتباط بقضية اجتماعية
أو سياسية.
وراح األدب يظهر وكأنه جانب من جوانب نشاط فكري أعم وأمشل ،وأخذت قيمه ومفهوماته ختضع خضوعاً مباشراً أو
غري مباشر للعناصر الرئيسية يف النظريات الفلسفية Uاألعم بوجود حاالت كثرية ،وخاصة حالة الوجودية واملاركسية.
غدت " نظرية االلتزام " من املفاهيم األساسية اليت حتكم تطور األدب والفن بشكل عام.
وأخذوا يشعرون Uأن حريتهم احلقيقية يف التزامهم مبصائر شعبهم الذي أخذ يتجه إىل االستقالل بعد هناية احلرب العاملية الثانية
ليشكل كيانات قطرية تقودها أشكال سلطوية متعددة ترتاوح بني أقصى اليمني السياسي ،أو األوتوقراطي ،واليساري
التقدمي ،واملتأرجح مييناً ويساراً.
وأخذ البعد اإلقليمي القطري بالتعمق يف العقود الزمنية األخرية ،بعد أن كان قد رافق استقالل األقطار العربية حركة هنوض
شعبية وحدوية قومية يف العديد من البلدان العربية ،وجعلت االلتزام بالقضية الفلسطينية وقضايا الصراع العريب اإلسرائيلي،
والقضية اللبنانية ،وقضايا الوحدة العربية وحترير األراضي العربية احملتلة ،وحتقيق الدميقراطية واحلرية ،يشكل موضوعات األدب
العريب املعاصر.
تطور األدب
إن االنفصال السياسي يقوم بدور سليب يف حركة التطور العربية على خمتلف أشكاهلا ،ويرتك آثاراً سلبية على ّ
العريب ،فاالنفصال السياسي أدى إىل ما يشبه االنفصال الثقايف ،ألن أسوار العزلة الثقافية قائمة بفعل األسوار السياسية.
ولغريها من املؤسسات اليت توحدنا يف الوقت الذي نصر فيه حنن على التفرق.
إن هذا الوضع أدى إىل بروز الشرائح الطفيلية واملرتزقة فاحنط األدب حسب نظرية اجلاحظ عندما اختذوه مكسبة.
والثاين :هو االلتزام بقضايا األمة العربية املصريية مثل الوحدة العربية والتحرر واحلرية ،وإقامة جمتمع عريب اشرتاكي موحد
تراجع احلديث عنه بعد سقوط األنظمة االشرتاكية يف أوروبا الشرقية نسبياً ،وبات مفهوم Uااللتزام قليل االستعمال يف العقدين
األخريين.
ودعا سالمة موسى يف كتابه األدب اإلنكليزي احلديث " و" األدب للشعب" Uإىل ربط األدب باحلياة احلاضرة ومشكالهتا،
بالقصة والشعر واملثال وجعل
واختاذ موقف منها ،واإلسهام يف حلها ،فاألدب عنده هو الذي حيمل مهوم اإلنسانية ،ويعرب عنها ّ
العامل وأنيس يف كتاهبما " الثقافة المصرية" االرتباط بكفاح الشعب من أجل احلرية واالستقالل هو األساس الذي يقوم عليه
الشعر املصري احلديث وأسس.
فليس لألدب وظيفة واحدة ،وإمنا لألدب عدة وظائف ممكنة ،ولكن وظيفته األوىل والرئيسة أن يكون أميناً لطبيعته ،ألن طبيعة
الشيء تنتج عن استعماله ،فهو ما يفعله فيما يذهب إليه رينيه ويلك وأوسنت وارين" :إ ّن للنتاج املصنوع البنية املالئمة لتنفيذ
وظيفته ،مع ما ميكن أن يضيف إليه الزمان واملواد من ملحقات ،وما يراه الذوق مناسباً"
عندما تكون موضوعات األدب متصلة بقضايا بعيدة عن احلياة اإلنسانية ،مبعىن أهنا تالمس قضايا خارج نطاق األرض
والسماء ،وخارج حدود الفضاء ،أي خارج حدود صالت اإلنسان ومعارفه عندها يصبح األدب من العلوم " ،امليتافيزيقية "
وعندها لن نطالبه ،ولن يطالب هو نفسه ،ولن يطالب األدباء أنفسهم بالغوص وراء الشرط اإلنساين يف هذا العامل.
ولكن ما دام األدب يتصل باحلياة ،وموضوعاته تعكس قضايا اجملتمعات البشرية ،وما دامت شخصيات األعمال األدبية
الشعرية والنثرية من الناس ،فاألدب إذن بطبيعته إنساين ،ومىت ختلى عن ذلك يكون قد ختلى عن كونه أدباً.
استوقفتين قصة " كاسندرا بريام واألدب الحديث " للناقد حنا عبود اليت يتحدث فيها عن قصة كاسندرا ابنة بريام ملك
طرواة اليت صارت مملكة غنية ،حولت ثروهتا كنوزاً وكنوزاً حىت حار بريام امللك أين يضعها وكانت كاسندرا متتلك موهبة
النبوءة الصادقة ،اليت وهبها هلا أبولو الذي رفضته ،فحاول أن يسرتد ما منحها ،ولكن مل يستطع ،فعمد إىل اسرتداده بطريقة
أخرى وهي أن جعل الناس ال تصفي لتنبؤاهتا الصادقة.
وكانت كاسندرا قد رفضت أولوا ألهنا تنبأت أهنا لو وافقت عليه سوف تبدأ حياة البؤس والشقاء فال نعيم وال سعادة مع
الثروة.
وكانت خطيئة أبولو هي أنه منحها النبوءة الصادقة قبل أن ينال رضاها.
وملا رأت كاسندرا من أمر طرواة ما رأت كيف اغتين أهلها ففسدت عالقات االبن باألب والزوج بالزوجة واألخ باألخت
فعرفت أن كارثة سوف جيرها االقتصاد السياسي على مدينتها ،فقالت ألبيها امللك :إنك ترفع للهزمية راية ،وحتضر لألحياء
قرباً
أما األبطال فللقتل منذورون ،أما طرواة طن يبقى منها إال امسها تلوه األجيال ،جيالً بعد جيل بقلب حزين ،أيها امللك
السعيد أنت بدأت تاريخ التعاسة ،وبالبوق أعلنت اقرتاب الكارثة.
غنياً يكثر أعداؤك فيتساءلون :من أين له هذه الثروة؟ وهل يستحقها؟ وماذا يفعل هبا وهي تتجاوز موهبته وقدرته وعمله؟
وعندما أراد بريام أن يسفر إىل اإلغريق حذرته كاسندرا :ال جتعل باريس اجلميل سفرياً ،وال حتمله الذهب والفضة وذخائر
الكنوز هدايا ،ألنه بذلك سيعود إليك باجليوش اليت ستدك أسوار طرواة املدينة الغنية املرتفة وملا صار واشتد احلصار خاف
بريام على ثروته الضخمة فأوفد ابنه بوليدورس Uمع كنوزه الرباقة املغرية إىل صديق له يف تراقيا يدعى بوليمنستر ،لكن
كاسندرا الشاعرة قالت ألبيها :إن بوليدورس Uيصطحب معه قاتله.
وهل يكون هذا الشيء غري التخلص من بوليدروس واالستحواز على الكنز؟ ...لقد خسر بريام ابنه وكنزه دفعة واحدة كما
تنبأت كاسندرا.
ورأى الطرواديون احلصان اخلشيب ،وصدقوا ما رواه عميل اإلغريق ،لكن كاسندرا وحدها وقفت معرتضة حتذرهم من هذه
اخلديعة صارخة :يا أهل طرواة لن تعرفوا الراحة والسلم Uما دامت كنوزكم حكراً لكم.
إن هذا احلصان اخلشيب يعرف معلقه متاماً ،إنه كنوزكم فال تدخلوه األسوار ،ألنكم ستكونون أول ضحاياه.
سينتقم لك ابنك ،ولكن ما قيمة االنتقام إذا وقع الفأس يف الرأس وفات األوان؟.
ومل يصدق أغاممنون كلمة مما قالت كاسندرا ،بل جعل أمحال الذهب تنتظم يف سفن تتقدم موكبه ،وعاد إىل مسينا
واصطحب كاسندرا معه ...وخلف باب القصر وقعت الفاجعة ،متاماً كما تنبأت هذه الفتاة الشاعرة اجلميلة.
فاالقتصاد املادي ال يعين سوى الربح والسياسة اليت ينسبوهنا إليه ،أو يصفونه هبا ال تعين سوى السلطة ،فكل اقتصاد سياسي
هو يف النهاية ثروة لتوطيد السلطة ،وسلطة لضمان Uالثروة واالستزادة منها وهدف االقتصاد األديب هو ،باملقابل ،جعل احلياة
الروحية املفعمة بالقيم الفنية منطلقاً لتنظيم احلياة املادية ،ولذا يدعو إىل الرتبية اجلمالية إلحالل الرضا الروحي حمل احلشو
املادي.
مكرس منذ القدمي لفضح هذا احملرك للنشاط البشري ،وإظهار هتافته ،بل ويعتقد الناقد حنا عبود أن تاريخ اإلنتاج األديب كله ّ
ميكن القول :إن جممل األدب هو فضح هتافت االقتصاد السياسي ،من أيام " ميداس الذي اشتهى أن يتحول كل شيء يف يديه
فتحول كل شيء حىت مياه الشرب ومآكل املائدة فهرع إىل باخوس فوراً ليوقف هذه املهزلة ،أو هذه املأساة، إىل ذهبّ ،
فنصحه إله اخلمرة أن يغتسل مباء هنر يتدفق من بني صخرتني ،أي دعاه إىل التكيف مع الطبيعة فاغتسل الرجل وشفي.
وقد برع األدب الفرنسي إبان القرن التاسع عشر يف تقدمي الكثري من النماذج اليت يسيطر على روحها االقتصاد السياسي،
تتبخر لدى ظهور أول هزة ،فما جيمعه االقتصاد يف عشرات السنوات قد يبدده ابنه
وبني أن عناصر االقتصاد السياسي كلها ّ
على مائدة قمار بليلة واحدة وما يرثه ولد عن والد من أموال قد يتسرب إىل حمفظة غانية لعوب بأقل من سنة.
إن " الدكتور فاوست " جيسد االقتصاد السياسي عندما يدخل يف مساومة مع مفستوفيلس ،فيطلب منه طلباً واحداً هو الثروة
والسلطة.
وهذا ما أظهرته رواية دستويفسكي " اجلرمية والعقاب " فعندما حاول راسكولينكوف حتقيق العدالة عن طريق توزيع الثروة
أصبح رجالً أجوف الصدر بعد أن استخدم البلطة وسيلة لتحقيق غايته ،إنه فاوست الروس وكذلك قصة تولستوي " موت
إيفان إيليتش " فقد سعى إيفان إىل الثروة فناهلا ،وإىل السلطة فحققها ،ولكن ذلك كان على حساب حياته الروحية مل يشعر
باخلواء الروحي إال عندما وقع فريسة املرض الذي ال براء منه.
وجند هذا املوقف األديب لدى أغلبية الكتاب األوروبيني من بلزاك ،حىت ده لورانس.
ويرى الناقد حنا عبود أ ّن اللغة اليت ترمجها ويرتمجها األدب يف موقفه من التطورات احلياتية إمنا هي لغة كاسندرا بريام ،وأن
شيئاً يف أيامنا مل يتغري عن أيام الذي به كاسندرا وأنه حىت وإن استبدل بعض األمساء والعناوين القدمية بأمساء وعناوين جديدة.
ويعتقد الناقد حنا عبود بأن األديب لن يستطيع أن يقف ويسبح حبمد البورصة ،إنه يدين البورصة بأي شكل كانت إنّه له
موقف واحد ال يتغري ،وال يستطيع هو نفسه أن يتغري ،ألنه عندما يتغري ال يكون أدباً ( )42ويتحدث الناقد عبود عن دور
الشاعر واألديب فيجعل منه نبياً كما هو واضح يف قصة " كاسندرا بريام واألدب والحديث " مع ويتوافق هذا الدور الذي
يسنده الناقد عبود يف منتصف التسعينيات لألدب.
وهنا نقطة ال بد من توضيحها ،وهي أن العمل الفين مستقل Uعن الفنان العمل الفين خيضع لقواعد فنية ...فالشعر ليس من
شروط اإلبداع فيه أن يكون ملتزماً ،يعين ال يُفرض على الشعر أن يكون ملتزماً ،وال يطلب من القصيدة أن تكون ملتزمة،
فالقصيدة ختضع ملواصفات فنية ،ملقاييس فنية الشروط فنية حمددة فقط لكن صاحب القصيدة من حيث هو إنسان هو امللتزم،
وهو املطالب بأن يقدم قيمة والشعر ال ميكن أن يوصف بوصف أخالقي أو سياسي ،هو فوق ذلك ،هو جمرد كالرياضيات
ولكن صاحب الشعر مطالب هبذه القيم ،من حيث هو إنسان عليه أن يكون سياسياً ،وأخالقياً ،وإنسانياً ،مبجمله من حيث
هو إنسان.
وإذا عدنا إىل حيث بدأنا جند أن أكثر الباحثني واألدباء والنقاد الذين يهتمون بوظيفة األدب بشكل عام وبصورة خاصة يف
ظل املتغريات الدولية ،والنظام العاملي اجلديد يركزون على املهمة التارخيية لألدباء واملبدعني ،من منطلق أن قدرة األدباء وقدرة
املؤلفني قدرة هائلة جداً ...وقد طالب الباحث البلغاري الكساندر فيسيلينوف مشس الدين األدباء بأن يعوا هذه القدرة ،ألن
الكلمة ستكون دائماً أقوى من أي شيء آخر ملن يستطيع أن يوجهها حنو اهلدف النبيل ،واهلدف السامي ،ويطالب
فيسيلينوف األدباء بأال يستسلموا أمام الرجال الذين يستغلون U،أو يظلمون ،بل عليهم ،يف مثل هذا املناخ يف وقتنا احلاضر،
أن يواجهوا الظلم وال العدالة من أ أجل أن تعود البشرية إىل القيم الروحية اليت من دوهنا لن تعرف اإلنسانية السعادة ،ولن
تعرف األخوة احلقيقية وهذا ما أكده الباحث البلغاري أيضاً إيفان تسيسفيتانوف بقوله :إن القرن احلادي والعشرين سوف
يكون قرن الروح اإلنسانية.
يقول األديب البولوين املعروف أندريه شيبيورسكي :إن مهمة األدب هي ختفيف املخاوف اإلنسانية ،على األدب أن جيعل
الناس أكثر تساحماً فالكراهية شعور Uمدمر ،ومن الكراهية ال ينشأ شيء ،الكراهية ال تبدع أي شيء.
وأمام هذا الضغط االقتصادي اهلائل على اإلنسان يف أمريكا يعتقد الباحث األستاذ
ليس متأكداً إذا ما كان يستطيع ذلك يف أمريكا بينما يذهب الربوفسور Uالباحث األملاين
وحيدد املفكر العراقي صاحل جواد الكاظم ثالث قيم جوهرية ال بد أن يتمسك هبا املفكر العريب (أديباً ،مبدعاً ،كائناً من كان
وهو خيتار أدواره وهذه القيم هي :احلقيقة ،والعقل U،واحلرية وتعين احلقيقة النأي عن عرض الواقع على غري حقيقته ،أو تشويه
حقيقته بطريقة أو بأخرى.
احلر بني القرارات اليت يواجه هبا الواقع ،أي بغري أن يقسر على تنفيذ قرار مل تكن له
وتعين قيمة احلرية للمفكر املبدع اختياره ّ
مشاركة حرة يف اختاذه ،أو اقتناع عقلي به
إن املشهد الثقايف األديب يف الوطن العريب يُربز جمموعة من الظواهر شديدة السلبية على التجدد احلضاري لألمة العربية ،سواء
باستمرار النسبة املخيفة لألمية يف الوطن العريب ،أو يف إطار استمرار خضوع الكتاب العريب للخطر الرقايب واملساءلة الفكرية
والسياسية ،واستمرار معاملة Uاألديب بل واملثقف العريب مبنطق التصنيف واملنع ،ال من قبل السلطات السياسية فحسب بل على
يد منابر أخرى لإلرهاب الفكري ،وكلها أمور خطرية كون ثقافة األمة وأدهبا من أهم ما جيمعها كأمة عربية.
وهذا ما دعا املؤمتر القومي الرابع للثقافة الذي انعقد يف بريوت بني 10و 12أيار 1993دفاعاً عن الثقافة وحريتها إىل تبين
جمموعة من االقرتاحات مع هذا املشهد هي 1 :فتح باب االجتهاد واحلوار لكل التيارات الفكرية والثقافية ،بعيداً عن التخوين
الدائم لكل جديد وهتمة العمالة إىل األجنيب.
لقد استشرف الكاتب الفرنسي جاك أتالي آفاق املستقبل " وخلص إىل نتيجتني األوىل :هي أن الزعامة السياسية يف العامل
سيكون أساسها يف املستقبل هامتني القدرة االقتصادية وليس الثورة العسكرية.
وبالتايل فإن الواليات املتحدة األمريكية ستشهد منافسة اليابان على مركز السيادة العاملية.
والخالصة :إن املتغريات العاملية هي سياسية بالدرجة األوىل أو سياسية اقتصادية وهذه املتغريات تفرض وجودها هنا وهناك
من دول العامل ،وبالتايل فإ ّن كل شيء ،كل متغري يف هذا الوجود مرتبط إذن بالسياسة واالقتصاد.
وهذا ما جيعل األدب واحداً من تلك الفعاليات ذات االتصال الواسع بالسياسة واالقتصاد ولذلك فإن كل دعوة إىل اعتبار
األدب بعيداً عما جيري يف العامل من متغريات ،حتت أي شعار هي دعوة فارغة تحمل موتها بداخلها.
وهذه الوظائف هي :أوالً :وظيفة فنية :وهي أن يظل األدب العربي متجدداً متجاوزاً قوانني املاضي.
ثانياً :وظيفة مجالية :وهي حتقيق املتعة للمتلقي U،مبا حيمل هذا األدب من خصائص تبعث الغبطة الروحية يف املتلقي
ثالثاً :وظيفة اجتماعية إنسانية وهي القيام بأعباء ومشكالت وقضيا األمة العربية واملشاركة يف فضح األساليب املختلفة
لتخلف اجملتمع العريب ،والدعوة إىل الدميقراطية واحلرية من أجل أن يعيش اإلنسان العريب بكرامة بعيداً عن القمع والظلم
والفقر والقهر ،ويكون ذلك بأن يتبىن الكتاب والقراء واملثقفون عموماً الشعار الذي يقول " :أعيش حراً أو أموت "ويتم
حر دميقراطي حيرتم بل يقدس الرأي اآلخر حتقيقاً ملقولة فولتري :قد أختلف معك يف الرأي ،ولكنين على
ذلك بفتح حوار ّ
استعداد ألن أدفع حيايت مثناً حلقك يف الدفاع عن رأيك.