Professional Documents
Culture Documents
Masaliq
Masaliq
هذا الكتاب
بسم هللا الرحمن الرحيم الحمد هلل ربّ العالمين ،والصالة والسالم على سيدنا محمد خاتم األنبياء
والمرسلين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد:
فهذا هو ال سفر الرابع من" مسالك األبصار في ممالك األمصار" لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل
ي الدمشق ّي المتوفى بها سنة 749هـ 1349 /م ،وفيه من الباب السابع إلى الباب الخامس هللا العمر ّ
ي (شمالعشر ،وقد اختصّ به صاحبه ممالك اإلسالم في اليمن ،والغرب اإلسالم ّي في امتداده اإلفريق ّ
ي (األندلسي) ،إضافة إلى باب خاصّ عقده في ذكر العرب الموجودين في ووسط إفريقية) ،واألوروب ّ
زمانه" لمناسبة بينه وبين األبواب السابقة ،إذ مساكن العربان متخللة ألكثر الممالك (المذكورة) ،أو
مجاورة لها" « »1على ح ّد تعبيره.
ي كتابه هذا في سنة 738هـ 1337 /م ،واستم ّر به حتى سنة وفاته ،ومات ولم يكمله،
وقد بدأ العمر ّ
واعتمد في تصنيفه على طائفة من المصادر الخطية والشفهية تبدو أهميتها في الجانب األول في
االحتفاظ بنصوص باتت مفقودة في وقتنا الحاضر كتلك النصوص التي نقلها من كتاب" المغرب في
حلى المغرب" البن سعيد المغربي «( »2ت 685هـ 1286 /م) ،وفي الجانب الثاني في التوفر على
معلومات وأخبار تتعلق بالممالك -موضوع الكتاب -نقلها عن رجال زاروا تلك الممالك ،أو أقاموا
فيها ،أو خدموا لدى سالطينها.
أما حضوره الشخص ّي في سياق الكتاب فيبدو محدودا ال يتعدى مواضع معدودة ،قيّد فيها ما شاهده أو
لمسه بنفسه في مصر »1« ،والشام »2« ،والحجاز « »3مما يتصل بموضوع الكتاب ،إضافة إلى
ي قد وجد في مصدريه بعض المداخالت والتعليقات التي عبر عنها بقوله ":قلت" ،ولع ّل العمر ّ
ي) ما يحقق الغرض الذي من أجله شرع في تأليف موسوعته وهو معرفة السالفين (الخط ّي والشفه ّ
ممالك األرض ،وأحوال ك ّل مملكة في عصره ،ومن بينها ممالك اإلسالم في هذا الكتاب ،خاصة ّ
وأن
األدوار الرفيعة التي شغلها في سلطنة الناصر محمد بن قالوون (ت 741هـ 1341 /م) ومن بينها
رئاسة ديوان اإلنشاء ،والدوادارية (ومنها قراءة البريد على السلطان) قد أتاحت له تكوين صورة وافية
عن العالم الخارج ّي ،كما هيأت له االتصال بمصادر وقنوات إخبارية متعددة ومتنوعة.
2
مسالك األبصار في ممالك األمصار
الباب الثامن في ممالك المسلمين بالحبشة
وفيه سبعة فصول الفصل األول :في أوفات
(ممالك المسلمين بالحبشة وهي سبع ممالك) وهذه الممالك السّبعة « »1بأيدي سبعة ملوك ،وهي
ضعيفة البناء ،قليلة الغناء لضعف تركيب أهلها وقلّة محصول البالد ،وتسلّط ملك ملوك الحبشة
صاحب أمحرة « »2عليهم مع ما بينهم من عداوة الدين ومباينة ما بين النصارى والمسلمين ،ومع هذا
( )477فكلمتهم متفرقة ،وذات بينهم فاسدة.
وقد حكى لي ال ّشيخ عبد هللا الزيلع ّي « »3وجماعة من فقهاء هذه البالد ّ
أن هؤالء الملوك السبعة لو
اتفقت كلمتهم ،واجتمعت ذات بينهم قدروا على المدافعة ،أو التماسك ،ولكنهم مع ما هم عليه من
الضعف وافتراق الكلمة بينهم تنافس ،ومنهم من يترامى إلى صاحب أمحرة ويميل إليه بالطباع،
وهؤالء مع الذلة والمسكنة عليهم لصاحب أمحرة قطائع
محررة ،تحمل [إليه] « »1في ك ّل سنة وهي من القماش الحرير والكتان [مما] « »2يجلب إليهم من
مصر واليمن والعراق ،وقد كان الفقيه عبد هللا الزيلع ّي قد سعى في األبواب السلطانية بمصر عند
ّ
بكف أذيّته عن [بالد المسلمين] وصول رسل صاحب أمحرة إليها في تنجّز كتاب البطريرك « »3إليه
« »4وأخذ حريمهم « ، »5ورسم له بذلك ،وكتب البطريرك كتابا بليغا شافيا فيه معنى اإلنكار لهذه
األفعال ،وأنه حرّم هذا على من يفعله بعبارات أجاد فيها ،وفي هذا داللة على الحال ،وسنذكر أمورهم
مفصّلة في موضعها.
3
مسالك األبصار في ممالك األمصار
قال لي الشيخ الصالح عبد المؤمن «: »6
ّ
إن طولها برا وبحرا خاصا بها نحو شهرين وعرضها ممتد اكثر من هذا ،لكن الغالب في
[عرضها] « »1مقفر ،وأما مقدار العمارة فهو ثالثة وأربعون يوما [طوال وأربعون يوما] «»2
عرضا.
وبهذه الممالك السّبعة الجوامع والمساجد والمواذن ،وتقام بها الخطب والجمع والجماعات ،وعند أهلها
محافظة على الدين ،وال تعرف عندهم مدرسة وال خانقاه « »3وال رباط وال زاوية ،وليست لهم إبل،
وهي بالد حارة ليست بمائلة إلى االعتدال ،وألوان أهلها إلى الصّفار ،وليست شعورهم في غاية التّفلفل
كأهل مملكة مالّي وما معها وما يليها من جنوب المغرب.
وفيهم الزهاد واألبرار ،وهذه البالد هي التي يقال لها بمصر والشام بالد الزيلع ،وإنما الزيلع قرية
بالبحر من قراها وجزيرة من جزائرها « »4وإنما غلب عليها اسمها ،وبيوتهم من طين وأحجار
وأخشاب مسقّفة جملونات و [قبابا] « ، »5وليست بذوات أسوار ،وال لها فخامة بناء ،وقد أوردنا هذا
على جهة اإلجمال ( )478ونحن نذكر ذلك فصال فصال إن شاء هللا تعالى.
وملكها يحكم على ال ّزيلع ،وال ّزيلع اسم ميناء التجار الواردين إليها ،وهو في وقتنا اليوم شافع ّي المذهب
وغالبها شافعية.
وعسكرها خمسة عشر ألفا من الفرسان ،ويتبعهم عشرون ألفا وأزيد من ال ّرجّالة ،وهم يركبون الخيل
عرايا بال سروج ،وإنما يوطئون لهم بجلود مرعز حتى الملك ،وخيلهم عراب ،وفي غالب األوقات
ركوبهم البغال ،والملك عندهم أو األمير يع ّد من حشمته إذا ركب بغلة (أن) يردف خلفه غالمه على
كفل البغلة ،وأما إذا ركب فرسا فإنه ال يردف أحدا عليه.
4
مسالك األبصار في ممالك األمصار
ويسمى الملك عندهم فاط ،والملك يعتصب على رأسه بعصابة من حرير تدور بدائر رأسه ،ويبقى
وسط الرأس مكشوفا.
وأما األمراء والجند فتعصّب رؤوسهم بعصائب من قطن على مثل هذا الوضع ،وال
يعتصب بالحرير ّإال الملك ،وق ّل من يلبس منهم قميصا أو ثوبا مخيطا وإنما يتزرون وزرات ،وتلبس
طائفة أرباب السيوف منهم سراويالت.
وأما الفقهاء ،فتلبس العمائم ،وعامة الناس تلبس كوافي بيضا طاقيات ،ومن الفقهاء وأرباب النعم من
يلبس القمصان وإال فالجمهور الغالب [الوزرات] « »1ك ّل واحد بوزرتين واحدة على كتفه متوشحا
بها واألخرى في وسطه ،وكالمهم بالحبشية وبالعربية.
ومما يع ّده أهل هذه المملكة من الحشمة أن الملك أو األمير إذا مشى يتوكأ على رجلين من خاصّته،
والملك يجلس على ( )479كرسي حديد مطعم [بالذهب] « »2عل ّوه أربعة أذرع ،ويجلس أكابر
األمراء حوله على كراس ّي أخفض من كرسيّه وبقية األمراء وقوف ،ويحمل رجالن على رأسه
السالح ،وإذا ركب يحمل على رأسه جتر « »3حرير[ ،ثم إن كان الملك راكبا فرسا كان حامل الجتر
ماشيا بإزائه والجتر بيده] « ، »2فإن كان الملك [راكبا] « »4بغلة كان حامل الجتر رديفه ،والجتر
بيده [على رأس الملك] « »2وقدامه حجّاب ونقباء تطرد الناس ،وتضرب قدامه ال ّشبابة والبوقات من
ق معها الوطواط وهي طبول خشب اسمه البنبو المعمول منه في اليد وفي رؤوسها قرون بقر ويد ّ
معلقة في رقاب الرجال ،ويكون قدام الجميع بوق اسمه
ي من قرون الوحش ،وحش عندهم اسمه عجزين « »2من نوع بقر الوحش الحبنا « »1وهو ملو ّ
يكون طوله ثالثة أذرع [محروق] « »3من عل ّوه يسمع من قريب نصف نهار ،فيعلم الناس ركوب
الملك فيتبادر إليه من له عادة الركوب معه ،ويتنحى عن طريقه من يحبّ أن يتنحّى.
وعنده قضاة وفقهاء ،وليس فيهم بارع العلم ،و [الملك] « »4يتصدى للحكم بين الناس ،ويقصد
اإلنصاف.
وفي مملكته مدن أمهات ،وهي « : »5بقلرز ،وكلجور « ، »6وسبمق ،وسوا ،وعدل ،وجبا ،والو.
5
مسالك األبصار في ممالك األمصار
وأكثر قتال هذه المملكة بالحراب ،وفيهم الرماة بالن ّشاب ،وأقواتهم القمح والذرة والطّافي وهو حبّ
دقيق إلى غاية ،أكبر من الخردل « ، »7وهو أحمر اللون لهم منه قوت ،وعندهم األبقار واألغنام
كثيرة جدا ،وكذلك السمن والعسل ،وأما المعز فقليلة عندهم ،وأسعارهم رخية.
وكيلهم يسمى الرّابعيّة ،وهذا الكيل مقداره ويبة مصرية « ، »1ورطلهم [اثنتا عشرة] « »2أوقية،
وزن األوقية عشرة دارهم نقرة « »3بصنجة مصر «. »4
وعندهم من قصب السكر مقدار صالح ،ويخرج منه القند « ، »5ويعمل قطعا صغارا ،وعندهم الموز
والج ّميز واألتر ّج والليمون وقليل من النارنج والرمان الحامض والمشمش والتوت األسود والعنب
األسود ،وهو والتوت قليالن ،وعندهم تين بري ،وخوخ بري ،ولكنّهم ال يأكلون [الخوخ و] «»6
التين ،ولهم فواكه أخرى ال تعرف بمصر والشام والعراق ،فمنها:
( )480شجر اسمه كشياد « »7يخرج ثمره أحمر صفة البلح ،وهو حلو ماويّ ،وشجر يعرف لمويه
يخرج ثمره أسود صفة البلح ،طعمه م ّز ماوي.
ومنها شجر يسمى كوسي يخرج ثمره مدورا شديد االستدارة كالبرقوق ،ولونه أصفر خلوق ّي كلون
الشمس وهو م ّز ماويّ.
ومنها شجر طانة يخرج ثمره أصغر من البسر ،وفي وسطه شبيه النوى ،وهو حلو صادق الحالوة.
ومنها شجر اسمه أوجات « »1بفتح الواو والجيم تخرج ثمرته أكبر من حبّ الفلفل وطعمه شبيه به في
الحرافة مع بعض حالوة.
ومنها شجر اسمه جات « ، »2وهذه الجيم الموحدة نطقهم بها بين الجيم والشين ال ثمر له ،وإنما
المأكول قلوبه ،وهو يزيد في الذكاء ويذ ّكر الناسي ،ويفرج ويقلل األكل والنوم والجماع ،وكلّهم يأكلونه
ويرغبون في أكله ،وخصوصا طلبة العلم منهم ،ومن يريد االشتغال أو من يؤثر دوام السهر لسفر
يسافره ،أو لحرفة يعملها ،وعنايتهم به شبيه بعناية أهل الهند بالتّنبول « »3وإن لم يكن هذا شبه ذلك،
وحاشى ما يقال عن تلك األفعال المحمودة من مشابهة هذا لما يدل عليه من زيادة تحقيقه بما يورثه من
قلة النوم واألكل والجماع ،ولقد أعجبني ما حكاه بعض هؤالء الفقهاء المخبرين نيابة عن الملك المؤيّد
داود صاحب اليمن رحمه هللا ،قال:
6
مسالك األبصار في ممالك األمصار
سافر بعض المسلمين من أهل بالد الحبشة إلى اليمن ،واتصل بالملك المؤيّد ،وصار من خاصّته ،فمنّاه
يوما ،فتمنّى عليه قلوب شجر [الجات] « ، »4فبعث من نقل إليه منها ،وغرست باليمن ،فأنجبت فلما
آن اقتطاف قلوبها ،سأله الملك المؤيّد عما يفيد ،فوصف له ما
يحدث عنها ،فلما قال له :إنّها تقلل األكل والنوم والجماع ،قال له الملك المؤيّد :وأ ّ
ي لذة في الدنيا سوى
هذا ،وهللا ال آكله فإنني ما أنفق األموال إال على الثالثة األشياء فكيف استعمل ما يحول بيني وبين
ّ
لذاتي منها «. »1
ويزرع عندهم اللوبيا والخردل والباذنجان والبطيخ األخضر والخيار والقرع والكرنب « »2وتطلع
عندهم ( )481الملوخيّة ،وكذلك ال ّشمار « »3والصّعتر.
ويجلب إليهم الذهب من داموت وسحام وهما بالد معادن بالحبشة ،وتساوي األوقيّة منه من ثمانين
درهما إلى مئة وعشرين درهما على قدر جودة ّ
الذهب ورداءته بقدر ما يخالطه من التراب والتربة،
والطّيب من الذهب عندهم يسمى . »4« ...
وعندهم الدجاج الدواجن وال لهم كثير رغبة في أكلها استقذارا لها ألكلها من القمامات وال ّزبل ،وعندهم
جواميس برية تصاد كما ذكر في بالد مالّي ،وبها من أنواع الوحش البقر والحمر والغزال والنّعام
والمها واإلبل والكركدن والفهد واألسد والضّبعة العرجاء ،وتسمى عندهم مرغفيف « ، »5ويصاد
عندهم دجاج الحبش المعروف ،ويؤكل ويستطاب لحمه
ويفاخر فيه.
وليس ألمراء هذا الملك وال لجنده إقطاعات عليه وال نقود ،وإنما لهم الدوابّ الكثيرة السليمة ،ومن
شاء منهم زرع واستغ ّل وال يعارض.
ولهذا الملك سماط عامر ممدود بل له سماط له ولخاصته ،ولكنّه يفرق في بعض األحيان على أمرائه
بقرا عوضا عن أكلهم على السّماط ،وأكثر ما يعطى األمير الكبير منهم [مئتا] « »1بقرة.
وليس بأوفات وال بالدها دار ضرب وال س ّكة ،ومعاملتهم بدنانير مصر ،ودراهمها مما يدخل مع
التجار إلى بالدهم.
7
مسالك األبصار في ممالك األمصار
الفصل الثاني في دوارو
الفصل الثاني في دوارو «»1
أن هذه المملكة طولها خمسة أيام ،وعرضها يومان، ح ّدثني هؤالء الفقهاء المتقدمون في الفصل قبله ّ
وهي على هذا الضيق ذات عسكر ج ّم نظير عسكر أوفات في الفارس والراجل ،وزيّهم مثل زيّهم في
اللبس والركوب والهيئة سوى أن ملكها ال يحمل على رأسه جتر ،وال يتوكأ األكابر بها مثل الملك
واألمراء على األيدي ،وأقواتهم والموجودات [التي] « »2عندهم من الحبوب والفواكه والخيول
والدوابّ من نسبة ما تقدم إال أنهم حنفية المذهب ،ومعاملتهم بالحديد وتسمى الواحدة من تلك الحدايد
حكنه بفتح الحاء المهملة وض ّم الكاف [والنون] « »3وهي في طول اإلبرة ( )482ولكنها أعرض من
اإلبرة تكون نحو عرض ثالث إبر وما لها سعر تضبط به ،وإنما تباع البقرة الجيدة بخمسة آالف
حكنه ،ويباع الرأس الغنم الجيد بثالثة آالف حكنه ،وهذه المملكة مجاورة ألوفات.
أن صاحب هدية أقوى إخوانه من ملوك هذه الممالك السبعة ،وأكثر خيال ح ّدثني أيضا هؤالء الفقهاء ّ
ورجاال ،وأش ّد بأسا على ضيق بالده عن مقدار أوفات ،وهذه البالد طولها ثمانية أيام ،وعرضها تسعة
أيام ،وعرضها تسعة أيام ،ولملكها من العسكر نحو أربعين ألف فارس من غير ال ّرجّالة فإنهم خلق
كثير مثل الفرسان مرتين أو أكثر ،وهم في زيّهم ومعاملتهم وما يوجد عندهم من الحبوب والفواكه
والبقول مثل أرابيني ودوارو ،وبالد هدية تلي أرابيني ،وإلى مدينة « »2تجلب الخ ّدام من بالد الكفار.
ي التاجر ّ
أن صاحب أمحرة يمنع من خصي العبيد ،وينكر هذا ويشدد فيه ،وإنما ح ّدثني الحا ّج فرج الفو ّ
ال ّسرّاق تقصد مدينة اسمها وشلوا « »3بفتح الواو والشين المعجمة والالم ،وأهلها ال دين عندهم
8
مسالك األبصار في ممالك األمصار
فيخصى بها العبيد ،وال يقدم على هذا في جميع بالد الحبشة سواهم ،وكذلك التجار إذا اشتروا العبيد
وخرجوا بهم يعرجون إلى وشلوا ليخصوهم بها ألجل الزيادة في الثمن ،ثم يحمل ك ّل من خصي إلى
مدينة هدية ،فتعاد عليهم الموسى مرة ثانية لينفتح مجرى البول ألنّه يكون قد است ّد عند الخصي بالقيح،
ألن أهل وشلوا ( )483ليس لهم معرفة بالعالج ،فسألت الفو ّ
ي ثم إنهم يعالجون بهدية إلى أن يبرأوا؛ ّ
ي شيء تختصّ بهذا هديه دون بقية أخواتها ،فقال: أل ّ
ألنّها أقرب هذه البالد إلى وشلو (ا) قد صار ألهلها دربة في عالج هؤالء ،قال :ومع هذا فالذي يموت
منهم أكثر من الذي يعيش ،وأض ّر ما عليهم حملهم بال معالجة من مكان إلى مكان ،ولو عولجوا في
مكان خصيهم كان أصلح لهم ،ولوال حملهم إلى مكان يعالجون به ما سلم -وهللا أعلم -أحد منهم.
9
مسالك األبصار في ممالك األمصار
الفصل السابع في دارة
أن طولها ثالثة أيام ،وعرضها [مثله] « ، »1وهي أضعف أخواتها حاال ،وأقلّهاح ّدثني هؤالء الفقهاء ّ
خيال ورجاال ،وعسكرها ال يزيد على ألفي فارس ومثلهم رجّالة ،وهم في بقية أحوالهم وأحوالها مثل
أخواتها ومعاملتها باألعواض مثل بالي ،وهي تليها.
*** ( )484هذه جملة ما علمنا من أحوال هذه [لممالك] « »2المسلمة في بالد الحبشة ،والمملكة
فإن الملك بها صار إلى رجل ليس من أهل بيت الملك ،تقرب منهم في بيوت محفوظة إال بالي اليومّ ،
إلى صاحب أمحرة حتى ّ
واله مملكة بالي فاستق ّل ملكا بها وال يبالي ،وقد ولي بالي ومن أهل بيت الملك
بها رجال أكفاء ،واألرض هلل يورثها من يشاء ،وجميع ملوك هذه الممالك وإن توارثوها ال تستق ّل منهم
بملك إال من أقامه صاحب أمحرة.
وإذا مات الملك منهم ومن أهله رجال قصدوا جميعهم صاحب أمحرة ،وبذلوا المقدرة في التقرب إليه
فيختار منهم رجال يولّيه ،فإذا ّ
واله سمع البقية وأطاعوا ّ
ألن األمر له فيهم ،وهم كالنواب له ،ومع هذا
فإن جميع ملوك هؤالء الملك تعظّم مكان صاحب أوفات ،وتنقاد له بالمعاضدة في بعض األوقات، ّ
والطريق إلى هذه البالد من مصر شعبة من الطريق العظمى
اآلخذة إلى أمحرة وسائر بالد الحبشة ،وتجار هذه البالد الحبشية « »1ناصع « »2وسواكن «»3
ودهلك « ، »4وليس بها مملكة مشهورة ،وال لها أخبار مذكورة ،وكلّها مسلمون قائمون.
وأرضها أصعب مسلكا لكثرة جبالها الشامخة ،وعظم أشجارها واشتباكها بعضها ببعض حتى أنه إذا
أراد ملكها الخروج إلى جهة من جهاتها يتقدمه قوم مرصدون إلصالح طرقها بآالت لقطع أشجارها
ويطلقون فيها نارا لحريقها ،وأولئك القوم كثير عددهم ،ولم يملك بالدهم غيرهم من النوع اإلنساني
ألنهم أجبر بني حام ،وأخبر بالتوغل في القتال واالقتحام ،طول زمانهم مسافرون ،وفي صيد وحش
الب ّر راغبون ،ومما يد ّل على قوة جنانهم أنهم ال يلبسون وال يلبسون خيلهم عند القتال شيئا ،والمشهور
أن منعنهم مع ما لهم من الشجاعة (أنهم) يقبلون الحسب ،ويصفحون عن الجرائم ،والمصطلح بينهم ّ
رمى سالحه في القتال يحرّمون قتاله ،والمجرم يتحسّب [بب ّر القادر] « )485( »5عليه فيتجاوز عن
ذنبه ،وقيل فيهم خلّة حسنة أيضا أنهم يحبون الغريب ويكرمون الضيف ،ويحقق ذلك إكرام النجاشي
قريشا عند ما هاجروا إليه ،ويقال إنه ق ّل أن يوجد عندهم رياء ،والصديق عندهم
10
مسالك األبصار في ممالك األمصار
ال ينقض عهدا لصديقه ،وإذا تعاهدوا أكدوا المحبة وأظهروها ،وإذا تباغضوا أعلنوا المباينة
وأجهروها ،غالبا يوجدون أذكياء أقوياء الحدس لهم علوم وصناعات بهم خصيصة ،ومع كونهم جنسا
واحدا ينطقون بألسنة شتى تزيد على خمسين لسانا وقلم قراءتهم واحد وهو الحبشي يكتب من اليمين
إلى الشمال ،ع ّدته ستة عشر حرفا لك ّل حرف سبعة فروع ،الجملة من ذلك مئة واثنان وثمانون حرفا
خارجا عن حروف أخر (ى) مستقلة بذاتها ال تفتقر إلى حرف من الحروف المعدودة المتقدم ذكرها،
[مضبوطة] « »1بحركات نحوية متصلة به ال منفصلة عنه.
وهي بالد تنقسم عندهم أقاليم ،كما تنقسم الديار المصرية والبالد الشامية أعماال وصفقات وممالك
اإلسالم المتقدمة الذكر في ذلك ،ونحن نذكر هاهنا جملة حال بالد الحبشة مسلمها وكافرها.
قيل :إن أول بالدهم من الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند واليمن ،وفيها يم ّر
البحر الحلو المسمى سيحون الذي يرفد منه نيل مصر المحروسة ،والجهة الغربية إلى بالد التكرور
مما يلي جهة اليمين ،وأولها مفازة تسمى وادي بركة ،قيل:
يت ّوصل منه إلى إقليم يسمى سحرت « »2ويس ّمى قديما تكراي وكانت مدينة المملكة بهذا اإلقليم في
ذلك الزمان تسمى أخشرم « »3بلغة أخرى من لغاتهم ،وتسمى أيضا :زفرتا « ، »4وكان النجاش ّي
األقدم بها ملكا على جميع البالد ،ثم إقليم أمحرة وهو الذي به اآلن مدينة
المملكة وتسمى بلغتهم مرعدي ،ثم إقليم شاوه ،ثم إقليم داموت ،ثم إقليم ال منان ،ثم إقليم السّيهو ،ثم
إقليم ال ّزنج ،ثم إقليم عدل األمراء ،ثم إقليم حماسا ،ثم إقليم باريا ،ثم إقليم الطراز اإلسالمي الداخلة في
جملة جميع البالد الحبشية ( )486وملوكه سبعة كما تقدم تفصيلها إقليما إقليما ،وك ّل إقليم من هذه
األقاليم له ملك وجيوش كما تقدم أيضا ذكره ،وقيل :إنهم كلّهم تحت [سلطان] « »1ملكهم األكبر
المس ّمى بلغتهم الحطّي ،ومعناه السلطان ،وهذا االسم موضوع لك ّل من يقام عليهم ملكا كبيرا ،واسم
الملك المقام عليهم اآلن عمد سيون وتأويله :ركن صهيون ،وهي بيعة قديمة البناء باإلسكندرية معظمة
عندهم يتعبّدون هلل فيها ،وقيل :إنه من الشجاعة على أوفر قسم وإنه أحسن السلوك عادل في رعيته
يتفقد مساكنها ،وقيل إن تحت يده من الملوك تسعة و [تسعين] « »2ملكا ،وهو لهم تمام المئة في
األقاليم المذكورة واألقاليم المجهولة أسماؤها ،ألنها كثيرة العدد غير مشهورة وال معلومة ،وقيلّ :
إن
الحطّ ّي المذكور وجيشه لهم خيام ينقلونها معهم في السّرحات واألسفار ،وإذا جلس يجلس حول كرسيّه
أمراء مملكته وكبراؤها على كراس ّي حديد منها ما هو مطعم بالذهب ،ومنها ما هو ساذج « »3على
قدر مراتبهم.
11
مسالك األبصار في ممالك األمصار
والملك المذكور قيل إنه مع ما له من نفاذ األمر يتثبت في أحكامه حتى يتبين.
فأما لباس أهل البالد المذكورة في الشتاء فهو لباسهم في الصيف ،الخواص منهم واألجناد قماش حرير
وأبراد هندية وما شاكل ذلك ،والعوام ثياب قطن منسوج غير مخيط لكل نفس ثوبان .واحد لش ّد وسطه،
وآخر يلتحف به ،وكذلك الخواصّ منهم في الحرير واألبراد يشت ّدون
ومأكلهم ( )487شحوم البقر والماعز وبعض شحوم الضأن ،ومشروبهم اللبن البقريّ ،وفي ضعفهم
يتداوون باللبن المداف بالماء وسمن البقر ،وعندهم نبات يسمى [جات] « »1يتناولونه لتجويد الفهم
وتقوية الحفظ ،وهو أشجار صغار وكبار ثمرته تشبه قلوب شجر النارنج وقد تقدم ذكره.
وغالب أهل البالد المذكورة يتعاملون مقايضة باألغنام واألبقار والحبوب وغير ذلك إال في خمسة
أقاليم من الطراز اإلسالم ّي ،وهي إقليم مدينة أوفات يتعاملون بالذهب والفضة ،وإقليم [دوارو] «»2
وإقليم أرابيني ،وإقليم شرحة ،وإقليم هدية يتعاملون بشيء عندهم يسمى الحكنه ،وهي حديد مضروب
كاإلبر الطّوال ك ّل ثالثة آالف بالعدد قيمتها درهم واحد.
ي يزرعون على األمطار في السنة مرتين ،ويتحصل لهم وك ّل البالد المذكورة والطراز اإلسالم ّ
مغالت ،والزمان الذي يحصّل فيه المغ ّل األول يأتي فيه مطر ثان يزرع عليه المغ ّل الثاني ،والمطر
الواقع من زمن الشتاء يسمى بل ،والمطر الواقع في زمن الصيف يسمى كرم بلغة الزيالعة.
وأخبرني البطريرك بنيامين فيما حكى لي في كتابه عنهم أنه عند نزول األمطار الكثيرة تقع صواعق،
وأصناف زراعاتهم الغيطية القمح ،والشعير ،والحمص ،والعدس ،و [البسلّى] « ، »1والذرة ،وبعض
الباقالء ،وحبوب أخر (ى) غير ذلك منها حبّ يسمى قبانهلول « ، »2يستعملونه قوتا كالقمح ،أما
القمح فحبّه كالحنطة المالونه « »3ولونه كالقمح الشام ّي يباع منه في الطراز اإلسالم ّي بالدرهم تقدير
حمل بغل ،والشعير ليس له قيمة ،وحبّه أكبر مقدارا من حبّه بالديار المصرية ،ومنه ضرب يسمى
12
مسالك األبصار في ممالك األمصار
ّ
والباقال « »7عزيز طمحة « ، »4و [لون] « »5الحمص [عندهم] « »5إلى الحمرة ما هو «، »6
الوجود في أكثر البالد ،وال يفتقر إليه دوابّهم في العلف ّ
ألن األرض كثيرة المياه والمراعي.
وعندهم ( )488حبّ يسمى بلغتهم طافي وحبّه بمقدار الخردل ولونه إلى الحمرة ،ومكسره إلى السواد
يتخذون منه خبزا ،وهو يميل إلى القمح ،وعندهم ببعض األقاليم حبّ يسمى ّ
البن وهو شبه القمح،
ولكنه بقشرين فينزعون قشوره بالهرس كاألر ّز ويتخذون منه طعاما ينوب عن القمح ،وليس عندهم
من أصناف المقاثي إال القرع وفي بعض األقاليم بطيخ
صغير ،وبزر الكتّان وحبّ الرشاد « »1واللّفت والفجل ومن البقول أيضا الثوم والبصل والكزبرة
الخضراء.
وأشجارهم البستانية العنب األسود ،وهو قليل والتين الوزيريّ ،وأصناف الحوامض خال النارنج
والموز ،ورياحينهم الريحان ،والقرنفل ،ونبات أيضا يس ّمى بعتران « ، »2وعندهم الياسمين البريّ،
ولكنه غير مشموم لهم.
ومن أشجارهم الزيتون ،والصنوبر ،والج ّميز ،وفي بعض بالدهم اآلبنوس « ، »3وهو كثير األشجار
والمقل أيضا ببعض األقاليم ،وكذلك أشجار القنا وهي صنفان :أحدهما صامت واآلخر أجوف،
وبالطراز اإلسالم ّي قصب الس ّكر كثير جدا ،ويتخذون منه القند ،وذكر أن الذي يوجد عندهم من
المعادن معدن الذهب والحديد.
وعندهم من ذوات األربع الخيل والبقر والغنم والبغال وما أشبه ذلك ،وأغنامهم تشبه أغنام عيذاب
« »4واليمن ،ووحوشهم البرية األسد والنمر والفهد والفيل والغزال على اختالف األلوان في ذلك،
وبقر الوحش وحمر الوحش والزرافة والقردة ووحوش أخر (ى) كثيرة.
أما الجوية فهي :الصقور والنسور البيض والسود وأمثالها ،والغربان والحجل وسائر طير الواجب
وال ّس ّمان والحمام والعصافير والبزاة وغير ذلك مما لم يوجد بالديار ( )489المصرية.
13
مسالك األبصار في ممالك األمصار
والمائية :فالبطّ ،ودجاج أيضا يخرج من بركة ماء في إقليم هدية اإلسالمي.
إن العين المذكورة يتولد منها دجاج يأكلونه ،ويأكلون من لحوم الطير الحمام والعصفور وغراب
الزرع والدجاج البر ّ
ي والحجل ،والسمك عندهم منه ما يشبه البوريّ ،و [منه] « »1ما يشبه الثعبان
يطول إلى مقدار ذراعين ونصف ،ويغلظ إلى مقدار الخشب ،ويطلع من بحرهم التمساح وفرس البحر.
أما عسل النحل فكثير في جميع البالد يتربى في الجبال ،ويأخذون منه العسل والشمع من غير حجر
عليه ،ومنه ما له خاليا خشب منقورة ،وعسلهم مختلف األلوان بحسب المرعى.
ومساكنهم غالبها أخصاص من جملونات خال المدن الكبار ،فإنها مبنية من الحجر.
وأواني طعامهم ف ّخار مدهون أسود ،وح ّمامهم االغتسال بالماء البارد ،وبعضهم يتخذونه حارا.
ووقودهم الشمع ،ومصابيحهم وقودها بشحوم البقر؛ ألن الزيت الطيب يجلب إليهم ،ويدهن للرجال
والنساء منهم بالسمن.
هذا ما نقلته الثقات عنهم ،ومع ما هم عليه من سعة البالد وكثرة الخلق واألجناد يفتقرون إلى العناية
والمالحظة من صاحب مصر ،ألن المطران الذي هو حاكم حكام شريعتهم في جميع بالدهم النصرانية
ال يقام إال من األقباط اليعاقبة بالديار المصرية ،حيث تخرج األوامر السلطانية من مصر لبطرك
النصارى اليعاقبة بإرسال مطران إليهم ،وذلك بعد سؤال ملك الحبشة المسمى بالحطّي بلغتهم ،وإرسال
رسله وهداياه ،وهم ي ّدعون أنهم يحفظون مجاري النيل المنحدر إلى مصر ،ويساعدون ( )490على
إصالح سلوكه تقريبا لصاحب مصر ،وإنما المشهود منهم والمعروف منهم الصدق واألمانة فهو
مشهور ،ولذلك يختار صاحب إقامتهم (منهم) أمناء على الحريم واألوالد واألرواح واألموال ،وكذلك
بعض التجار الكرّامية « »1و [ذوو] « »2األموال يجعلونهم على حفظ أموالهم وتجاراتهم وبضائعهم
الثمينة ومكاسبهم الجليلة إلى قريب [البالد] « »3وبعيدها ،وطويل المسافات وقصيرها.
14
مسالك األبصار في ممالك األمصار