Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫‪1‬‬

‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬


‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل هللا العمر ّ‬
‫ي الدمشق ّي المتوفى بها سنة ‪ 749‬هـ‪1349 /‬‬

‫هذا الكتاب‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم الحمد هلل ربّ العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد خاتم األنبياء‬
‫والمرسلين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فهذا هو ال سفر الرابع من" مسالك األبصار في ممالك األمصار" لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل‬
‫ي الدمشق ّي المتوفى بها سنة ‪ 749‬هـ‪ 1349 /‬م‪ ،‬وفيه من الباب السابع إلى الباب الخامس‬ ‫هللا العمر ّ‬
‫ي (شمال‬‫عشر‪ ،‬وقد اختصّ به صاحبه ممالك اإلسالم في اليمن‪ ،‬والغرب اإلسالم ّي في امتداده اإلفريق ّ‬
‫ي (األندلسي) ‪ ،‬إضافة إلى باب خاصّ عقده في ذكر العرب الموجودين في‬ ‫ووسط إفريقية) ‪ ،‬واألوروب ّ‬
‫زمانه" لمناسبة بينه وبين األبواب السابقة‪ ،‬إذ مساكن العربان متخللة ألكثر الممالك (المذكورة) ‪ ،‬أو‬
‫مجاورة لها" «‪ »1‬على ح ّد تعبيره‪.‬‬

‫ي كتابه هذا في سنة ‪ 738‬هـ‪ 1337 /‬م‪ ،‬واستم ّر به حتى سنة وفاته‪ ،‬ومات ولم يكمله‪،‬‬
‫وقد بدأ العمر ّ‬
‫واعتمد في تصنيفه على طائفة من المصادر الخطية والشفهية تبدو أهميتها في الجانب األول في‬
‫االحتفاظ بنصوص باتت مفقودة في وقتنا الحاضر كتلك النصوص التي نقلها من كتاب" المغرب في‬
‫حلى المغرب" البن سعيد المغربي «‪( »2‬ت ‪ 685‬هـ‪ 1286 /‬م) ‪ ،‬وفي الجانب الثاني في التوفر على‬
‫معلومات وأخبار تتعلق بالممالك‪ -‬موضوع الكتاب‪ -‬نقلها عن رجال زاروا تلك الممالك‪ ،‬أو أقاموا‬
‫فيها‪ ،‬أو خدموا لدى سالطينها‪.‬‬

‫أما حضوره الشخص ّي في سياق الكتاب فيبدو محدودا ال يتعدى مواضع معدودة‪ ،‬قيّد فيها ما شاهده أو‬
‫لمسه بنفسه في مصر‪ »1« ،‬والشام‪ »2« ،‬والحجاز «‪ »3‬مما يتصل بموضوع الكتاب‪ ،‬إضافة إلى‬
‫ي قد وجد في مصدريه‬ ‫بعض المداخالت والتعليقات التي عبر عنها بقوله‪ ":‬قلت"‪ ،‬ولع ّل العمر ّ‬
‫ي) ما يحقق الغرض الذي من أجله شرع في تأليف موسوعته وهو معرفة‬ ‫السالفين (الخط ّي والشفه ّ‬
‫ممالك األرض‪ ،‬وأحوال ك ّل مملكة في عصره‪ ،‬ومن بينها ممالك اإلسالم في هذا الكتاب‪ ،‬خاصة ّ‬
‫وأن‬
‫األدوار الرفيعة التي شغلها في سلطنة الناصر محمد بن قالوون (ت ‪ 741‬هـ‪ 1341 /‬م) ومن بينها‬
‫رئاسة ديوان اإلنشاء‪ ،‬والدوادارية (ومنها قراءة البريد على السلطان) قد أتاحت له تكوين صورة وافية‬
‫عن العالم الخارج ّي‪ ،‬كما هيأت له االتصال بمصادر وقنوات إخبارية متعددة ومتنوعة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫الباب الثامن في ممالك المسلمين بالحبشة‬
‫وفيه سبعة فصول الفصل األول‪ :‬في أوفات‬

‫الفصل الثاني‪ :‬في دوارو‬

‫الفصل الثالث‪ :‬في أرابيني‬

‫الفصل الرابع‪ :‬في هدية‬

‫الفصل الخامس‪ :‬في شرحا‬

‫الفصل السادس‪ :‬في بالي‬

‫الفصل السابع‪ :‬في دارة‬

‫(ممالك المسلمين بالحبشة وهي سبع ممالك) وهذه الممالك السّبعة «‪ »1‬بأيدي سبعة ملوك‪ ،‬وهي‬
‫ضعيفة البناء‪ ،‬قليلة الغناء لضعف تركيب أهلها وقلّة محصول البالد‪ ،‬وتسلّط ملك ملوك الحبشة‬
‫صاحب أمحرة «‪ »2‬عليهم مع ما بينهم من عداوة الدين ومباينة ما بين النصارى والمسلمين‪ ،‬ومع هذا‬
‫(‪ )477‬فكلمتهم متفرقة‪ ،‬وذات بينهم فاسدة‪.‬‬

‫وقد حكى لي ال ّشيخ عبد هللا الزيلع ّي «‪ »3‬وجماعة من فقهاء هذه البالد ّ‬
‫أن هؤالء الملوك السبعة لو‬
‫اتفقت كلمتهم‪ ،‬واجتمعت ذات بينهم قدروا على المدافعة‪ ،‬أو التماسك‪ ،‬ولكنهم مع ما هم عليه من‬
‫الضعف وافتراق الكلمة بينهم تنافس‪ ،‬ومنهم من يترامى إلى صاحب أمحرة ويميل إليه بالطباع‪،‬‬
‫وهؤالء مع الذلة والمسكنة عليهم لصاحب أمحرة قطائع‬

‫محررة‪ ،‬تحمل [إليه] «‪ »1‬في ك ّل سنة وهي من القماش الحرير والكتان [مما] «‪ »2‬يجلب إليهم من‬
‫مصر واليمن والعراق‪ ،‬وقد كان الفقيه عبد هللا الزيلع ّي قد سعى في األبواب السلطانية بمصر عند‬
‫ّ‬
‫بكف أذيّته عن [بالد المسلمين]‬ ‫وصول رسل صاحب أمحرة إليها في تنجّز كتاب البطريرك «‪ »3‬إليه‬
‫«‪ »4‬وأخذ حريمهم «‪ ، »5‬ورسم له بذلك‪ ،‬وكتب البطريرك كتابا بليغا شافيا فيه معنى اإلنكار لهذه‬
‫األفعال‪ ،‬وأنه حرّم هذا على من يفعله بعبارات أجاد فيها‪ ،‬وفي هذا داللة على الحال‪ ،‬وسنذكر أمورهم‬
‫مفصّلة في موضعها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫قال لي الشيخ الصالح عبد المؤمن «‪: »6‬‬

‫ّ‬
‫إن طولها برا وبحرا خاصا بها نحو شهرين وعرضها ممتد اكثر من هذا‪ ،‬لكن الغالب في‬

‫[عرضها] «‪ »1‬مقفر‪ ،‬وأما مقدار العمارة فهو ثالثة وأربعون يوما [طوال وأربعون يوما] «‪»2‬‬
‫عرضا‪.‬‬

‫وبهذه الممالك السّبعة الجوامع والمساجد والمواذن‪ ،‬وتقام بها الخطب والجمع والجماعات‪ ،‬وعند أهلها‬
‫محافظة على الدين‪ ،‬وال تعرف عندهم مدرسة وال خانقاه «‪ »3‬وال رباط وال زاوية‪ ،‬وليست لهم إبل‪،‬‬
‫وهي بالد حارة ليست بمائلة إلى االعتدال‪ ،‬وألوان أهلها إلى الصّفار‪ ،‬وليست شعورهم في غاية التّفلفل‬
‫كأهل مملكة مالّي وما معها وما يليها من جنوب المغرب‪.‬‬

‫وفيهم الزهاد واألبرار‪ ،‬وهذه البالد هي التي يقال لها بمصر والشام بالد الزيلع‪ ،‬وإنما الزيلع قرية‬
‫بالبحر من قراها وجزيرة من جزائرها «‪ »4‬وإنما غلب عليها اسمها‪ ،‬وبيوتهم من طين وأحجار‬
‫وأخشاب مسقّفة جملونات و [قبابا] «‪ ، »5‬وليست بذوات أسوار‪ ،‬وال لها فخامة بناء‪ ،‬وقد أوردنا هذا‬
‫على جهة اإلجمال (‪ )478‬ونحن نذكر ذلك فصال فصال إن شاء هللا تعالى‪.‬‬

‫الفصل األول في أوفات‬


‫«‪ »1‬ح ّدثني الفقيه عبد هللا الزيلع ّي ومن معه من الفقهاء ّ‬
‫أن مملكة أوفات طولها خمسة عشر يوما‪،‬‬
‫وعرضها عشرون يوما‪ ،‬بالسّير المعتاد‪ ،‬وكلّها عامرة آهلة بقرى متصلة وبها نهر جار [وهي] «‪»2‬‬
‫أقرب أخواتها إلى الديار المصرية وإلى السواحل المسامتة لليمن‪ ،‬وهي أوسع هذه الممالك أرضا‪،‬‬
‫واألجالب إليها أكثر لقربها من البالد‪.‬‬

‫وملكها يحكم على ال ّزيلع‪ ،‬وال ّزيلع اسم ميناء التجار الواردين إليها‪ ،‬وهو في وقتنا اليوم شافع ّي المذهب‬
‫وغالبها شافعية‪.‬‬

‫وعسكرها خمسة عشر ألفا من الفرسان‪ ،‬ويتبعهم عشرون ألفا وأزيد من ال ّرجّالة‪ ،‬وهم يركبون الخيل‬
‫عرايا بال سروج‪ ،‬وإنما يوطئون لهم بجلود مرعز حتى الملك‪ ،‬وخيلهم عراب‪ ،‬وفي غالب األوقات‬
‫ركوبهم البغال‪ ،‬والملك عندهم أو األمير يع ّد من حشمته إذا ركب بغلة (أن) يردف خلفه غالمه على‬
‫كفل البغلة‪ ،‬وأما إذا ركب فرسا فإنه ال يردف أحدا عليه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫ويسمى الملك عندهم فاط‪ ،‬والملك يعتصب على رأسه بعصابة من حرير تدور بدائر رأسه‪ ،‬ويبقى‬
‫وسط الرأس مكشوفا‪.‬‬

‫وأما األمراء والجند فتعصّب رؤوسهم بعصائب من قطن على مثل هذا الوضع‪ ،‬وال‬

‫يعتصب بالحرير ّإال الملك‪ ،‬وق ّل من يلبس منهم قميصا أو ثوبا مخيطا وإنما يتزرون وزرات‪ ،‬وتلبس‬
‫طائفة أرباب السيوف منهم سراويالت‪.‬‬

‫وأما الفقهاء‪ ،‬فتلبس العمائم‪ ،‬وعامة الناس تلبس كوافي بيضا طاقيات‪ ،‬ومن الفقهاء وأرباب النعم من‬
‫يلبس القمصان وإال فالجمهور الغالب [الوزرات] «‪ »1‬ك ّل واحد بوزرتين واحدة على كتفه متوشحا‬
‫بها واألخرى في وسطه‪ ،‬وكالمهم بالحبشية وبالعربية‪.‬‬

‫ومما يع ّده أهل هذه المملكة من الحشمة أن الملك أو األمير إذا مشى يتوكأ على رجلين من خاصّته‪،‬‬
‫والملك يجلس على (‪ )479‬كرسي حديد مطعم [بالذهب] «‪ »2‬عل ّوه أربعة أذرع‪ ،‬ويجلس أكابر‬
‫األمراء حوله على كراس ّي أخفض من كرسيّه وبقية األمراء وقوف‪ ،‬ويحمل رجالن على رأسه‬
‫السالح‪ ،‬وإذا ركب يحمل على رأسه جتر «‪ »3‬حرير‪[ ،‬ثم إن كان الملك راكبا فرسا كان حامل الجتر‬
‫ماشيا بإزائه والجتر بيده] «‪ ، »2‬فإن كان الملك [راكبا] «‪ »4‬بغلة كان حامل الجتر رديفه‪ ،‬والجتر‬
‫بيده [على رأس الملك] «‪ »2‬وقدامه حجّاب ونقباء تطرد الناس‪ ،‬وتضرب قدامه ال ّشبابة والبوقات من‬
‫ق معها الوطواط وهي طبول‬ ‫خشب اسمه البنبو المعمول منه في اليد وفي رؤوسها قرون بقر ويد ّ‬
‫معلقة في رقاب الرجال‪ ،‬ويكون قدام الجميع بوق اسمه‬

‫ي من قرون الوحش‪ ،‬وحش عندهم اسمه عجزين «‪ »2‬من نوع بقر الوحش‬ ‫الحبنا «‪ »1‬وهو ملو ّ‬
‫يكون طوله ثالثة أذرع [محروق] «‪ »3‬من عل ّوه يسمع من قريب نصف نهار‪ ،‬فيعلم الناس ركوب‬
‫الملك فيتبادر إليه من له عادة الركوب معه‪ ،‬ويتنحى عن طريقه من يحبّ أن يتنحّى‪.‬‬

‫وعنده قضاة وفقهاء‪ ،‬وليس فيهم بارع العلم‪ ،‬و [الملك] «‪ »4‬يتصدى للحكم بين الناس‪ ،‬ويقصد‬
‫اإلنصاف‪.‬‬

‫وفي مملكته مدن أمهات‪ ،‬وهي «‪ : »5‬بقلرز‪ ،‬وكلجور «‪ ، »6‬وسبمق‪ ،‬وسوا‪ ،‬وعدل‪ ،‬وجبا‪ ،‬والو‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫وأكثر قتال هذه المملكة بالحراب‪ ،‬وفيهم الرماة بالن ّشاب‪ ،‬وأقواتهم القمح والذرة والطّافي وهو حبّ‬
‫دقيق إلى غاية‪ ،‬أكبر من الخردل «‪ ، »7‬وهو أحمر اللون لهم منه قوت‪ ،‬وعندهم األبقار واألغنام‬
‫كثيرة جدا‪ ،‬وكذلك السمن والعسل‪ ،‬وأما المعز فقليلة عندهم‪ ،‬وأسعارهم رخية‪.‬‬

‫وكيلهم يسمى الرّابعيّة‪ ،‬وهذا الكيل مقداره ويبة مصرية «‪ ، »1‬ورطلهم [اثنتا عشرة] «‪ »2‬أوقية‪،‬‬
‫وزن األوقية عشرة دارهم نقرة «‪ »3‬بصنجة مصر «‪. »4‬‬

‫وعندهم من قصب السكر مقدار صالح‪ ،‬ويخرج منه القند «‪ ، »5‬ويعمل قطعا صغارا‪ ،‬وعندهم الموز‬
‫والج ّميز واألتر ّج والليمون وقليل من النارنج والرمان الحامض والمشمش والتوت األسود والعنب‬
‫األسود‪ ،‬وهو والتوت قليالن‪ ،‬وعندهم تين بري‪ ،‬وخوخ بري‪ ،‬ولكنّهم ال يأكلون [الخوخ و] «‪»6‬‬
‫التين‪ ،‬ولهم فواكه أخرى ال تعرف بمصر والشام والعراق‪ ،‬فمنها‪:‬‬

‫(‪ )480‬شجر اسمه كشياد «‪ »7‬يخرج ثمره أحمر صفة البلح‪ ،‬وهو حلو ماويّ‪ ،‬وشجر يعرف لمويه‬
‫يخرج ثمره أسود صفة البلح‪ ،‬طعمه م ّز ماوي‪.‬‬

‫ومنها شجر يسمى كوسي يخرج ثمره مدورا شديد االستدارة كالبرقوق‪ ،‬ولونه أصفر خلوق ّي كلون‬
‫الشمس وهو م ّز ماويّ‪.‬‬

‫ومنها شجر طانة يخرج ثمره أصغر من البسر‪ ،‬وفي وسطه شبيه النوى‪ ،‬وهو حلو صادق الحالوة‪.‬‬

‫ومنها شجر اسمه أوجات «‪ »1‬بفتح الواو والجيم تخرج ثمرته أكبر من حبّ الفلفل وطعمه شبيه به في‬
‫الحرافة مع بعض حالوة‪.‬‬

‫ومنها شجر اسمه جات «‪ ، »2‬وهذه الجيم الموحدة نطقهم بها بين الجيم والشين ال ثمر له‪ ،‬وإنما‬
‫المأكول قلوبه‪ ،‬وهو يزيد في الذكاء ويذ ّكر الناسي‪ ،‬ويفرج ويقلل األكل والنوم والجماع‪ ،‬وكلّهم يأكلونه‬
‫ويرغبون في أكله‪ ،‬وخصوصا طلبة العلم منهم‪ ،‬ومن يريد االشتغال أو من يؤثر دوام السهر لسفر‬
‫يسافره‪ ،‬أو لحرفة يعملها‪ ،‬وعنايتهم به شبيه بعناية أهل الهند بالتّنبول «‪ »3‬وإن لم يكن هذا شبه ذلك‪،‬‬
‫وحاشى ما يقال عن تلك األفعال المحمودة من مشابهة هذا لما يدل عليه من زيادة تحقيقه بما يورثه من‬
‫قلة النوم واألكل والجماع‪ ،‬ولقد أعجبني ما حكاه بعض هؤالء الفقهاء المخبرين نيابة عن الملك المؤيّد‬
‫داود صاحب اليمن رحمه هللا‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫سافر بعض المسلمين من أهل بالد الحبشة إلى اليمن‪ ،‬واتصل بالملك المؤيّد‪ ،‬وصار من خاصّته‪ ،‬فمنّاه‬
‫يوما‪ ،‬فتمنّى عليه قلوب شجر [الجات] «‪ ، »4‬فبعث من نقل إليه منها‪ ،‬وغرست باليمن‪ ،‬فأنجبت فلما‬
‫آن اقتطاف قلوبها‪ ،‬سأله الملك المؤيّد عما يفيد‪ ،‬فوصف له ما‬

‫يحدث عنها‪ ،‬فلما قال له‪ :‬إنّها تقلل األكل والنوم والجماع‪ ،‬قال له الملك المؤيّد‪ :‬وأ ّ‬
‫ي لذة في الدنيا سوى‬
‫هذا‪ ،‬وهللا ال آكله فإنني ما أنفق األموال إال على الثالثة األشياء فكيف استعمل ما يحول بيني وبين‬
‫ّ‬
‫لذاتي منها «‪. »1‬‬

‫ويزرع عندهم اللوبيا والخردل والباذنجان والبطيخ األخضر والخيار والقرع والكرنب «‪ »2‬وتطلع‬
‫عندهم (‪ )481‬الملوخيّة‪ ،‬وكذلك ال ّشمار «‪ »3‬والصّعتر‪.‬‬

‫ويجلب إليهم الذهب من داموت وسحام وهما بالد معادن بالحبشة‪ ،‬وتساوي األوقيّة منه من ثمانين‬
‫درهما إلى مئة وعشرين درهما على قدر جودة ّ‬
‫الذهب ورداءته بقدر ما يخالطه من التراب والتربة‪،‬‬
‫والطّيب من الذهب عندهم يسمى ‪. »4« ...‬‬

‫وعندهم الدجاج الدواجن وال لهم كثير رغبة في أكلها استقذارا لها ألكلها من القمامات وال ّزبل‪ ،‬وعندهم‬
‫جواميس برية تصاد كما ذكر في بالد مالّي‪ ،‬وبها من أنواع الوحش البقر والحمر والغزال والنّعام‬
‫والمها واإلبل والكركدن والفهد واألسد والضّبعة العرجاء‪ ،‬وتسمى عندهم مرغفيف «‪ ، »5‬ويصاد‬
‫عندهم دجاج الحبش المعروف‪ ،‬ويؤكل ويستطاب لحمه‬

‫ويفاخر فيه‪.‬‬

‫وليس ألمراء هذا الملك وال لجنده إقطاعات عليه وال نقود‪ ،‬وإنما لهم الدوابّ الكثيرة السليمة‪ ،‬ومن‬
‫شاء منهم زرع واستغ ّل وال يعارض‪.‬‬

‫ولهذا الملك سماط عامر ممدود بل له سماط له ولخاصته‪ ،‬ولكنّه يفرق في بعض األحيان على أمرائه‬
‫بقرا عوضا عن أكلهم على السّماط‪ ،‬وأكثر ما يعطى األمير الكبير منهم [مئتا] «‪ »1‬بقرة‪.‬‬

‫وليس بأوفات وال بالدها دار ضرب وال س ّكة‪ ،‬ومعاملتهم بدنانير مصر‪ ،‬ودراهمها مما يدخل مع‬
‫التجار إلى بالدهم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫الفصل الثاني في دوارو‬
‫الفصل الثاني في دوارو «‪»1‬‬

‫أن هذه المملكة طولها خمسة أيام‪ ،‬وعرضها يومان‪،‬‬ ‫ح ّدثني هؤالء الفقهاء المتقدمون في الفصل قبله ّ‬
‫وهي على هذا الضيق ذات عسكر ج ّم نظير عسكر أوفات في الفارس والراجل‪ ،‬وزيّهم مثل زيّهم في‬
‫اللبس والركوب والهيئة سوى أن ملكها ال يحمل على رأسه جتر‪ ،‬وال يتوكأ األكابر بها مثل الملك‬
‫واألمراء على األيدي‪ ،‬وأقواتهم والموجودات [التي] «‪ »2‬عندهم من الحبوب والفواكه والخيول‬
‫والدوابّ من نسبة ما تقدم إال أنهم حنفية المذهب‪ ،‬ومعاملتهم بالحديد وتسمى الواحدة من تلك الحدايد‬
‫حكنه بفتح الحاء المهملة وض ّم الكاف [والنون] «‪ »3‬وهي في طول اإلبرة (‪ )482‬ولكنها أعرض من‬
‫اإلبرة تكون نحو عرض ثالث إبر وما لها سعر تضبط به‪ ،‬وإنما تباع البقرة الجيدة بخمسة آالف‬
‫حكنه‪ ،‬ويباع الرأس الغنم الجيد بثالثة آالف حكنه‪ ،‬وهذه المملكة مجاورة ألوفات‪.‬‬

‫الفصل الثالث في أرابيني‬


‫أن هذه المملكة مربعة على شكل التّربيع‪ ،‬طولها أربعة أيام‪ ،‬وعرضها‬ ‫ح ّدثني هؤالء الفقهاء أيضا ّ‬
‫كذلك‪ ،‬وعسكرها يقارب عشرة آالف فارس‪ ،‬وأما ال ّرجّالة فكثيرة جدا‪ ،‬وأهلها حنفيّة (المذهب) ‪ ،‬وهي‬
‫ي أهل دوارو‪ ،‬وفي ك ّل شيء‪ ،‬والموجودات التي عندهم من الحبوب‬ ‫ي أهلها ز ّ‬‫تلي دوارو‪ ،‬وز ّ‬
‫والفواكه والبقول وال ّدواب وغير ذلك مثل دوارو‪ ،‬ومعاملتهم بالحكنه كما تق ّدم‪.‬‬

‫الفصل الرابع في هدية‬


‫الفصل الرابع في هدية «‪»1‬‬

‫أن صاحب هدية أقوى إخوانه من ملوك هذه الممالك السبعة‪ ،‬وأكثر خيال‬ ‫ح ّدثني أيضا هؤالء الفقهاء ّ‬
‫ورجاال‪ ،‬وأش ّد بأسا على ضيق بالده عن مقدار أوفات‪ ،‬وهذه البالد طولها ثمانية أيام‪ ،‬وعرضها تسعة‬
‫أيام‪ ،‬وعرضها تسعة أيام‪ ،‬ولملكها من العسكر نحو أربعين ألف فارس من غير ال ّرجّالة فإنهم خلق‬
‫كثير مثل الفرسان مرتين أو أكثر‪ ،‬وهم في زيّهم ومعاملتهم وما يوجد عندهم من الحبوب والفواكه‬
‫والبقول مثل أرابيني ودوارو‪ ،‬وبالد هدية تلي أرابيني‪ ،‬وإلى مدينة «‪ »2‬تجلب الخ ّدام من بالد الكفار‪.‬‬

‫ي التاجر ّ‬
‫أن صاحب أمحرة يمنع من خصي العبيد‪ ،‬وينكر هذا ويشدد فيه‪ ،‬وإنما‬ ‫ح ّدثني الحا ّج فرج الفو ّ‬
‫ال ّسرّاق تقصد مدينة اسمها وشلوا «‪ »3‬بفتح الواو والشين المعجمة والالم‪ ،‬وأهلها ال دين عندهم‬
‫‪8‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫فيخصى بها العبيد‪ ،‬وال يقدم على هذا في جميع بالد الحبشة سواهم‪ ،‬وكذلك التجار إذا اشتروا العبيد‬
‫وخرجوا بهم يعرجون إلى وشلوا ليخصوهم بها ألجل الزيادة في الثمن‪ ،‬ثم يحمل ك ّل من خصي إلى‬
‫مدينة هدية‪ ،‬فتعاد عليهم الموسى مرة ثانية لينفتح مجرى البول ألنّه يكون قد است ّد عند الخصي بالقيح‪،‬‬
‫ألن أهل وشلوا (‪ )483‬ليس لهم معرفة بالعالج‪ ،‬فسألت الفو ّ‬
‫ي‬ ‫ثم إنهم يعالجون بهدية إلى أن يبرأوا؛ ّ‬
‫ي شيء تختصّ بهذا هديه دون بقية أخواتها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫أل ّ‬

‫ألنّها أقرب هذه البالد إلى وشلو (ا) قد صار ألهلها دربة في عالج هؤالء‪ ،‬قال‪ :‬ومع هذا فالذي يموت‬
‫منهم أكثر من الذي يعيش‪ ،‬وأض ّر ما عليهم حملهم بال معالجة من مكان إلى مكان‪ ،‬ولو عولجوا في‬
‫مكان خصيهم كان أصلح لهم‪ ،‬ولوال حملهم إلى مكان يعالجون به ما سلم‪ -‬وهللا أعلم‪ -‬أحد منهم‪.‬‬

‫وأهلها حنفيّة المذهب‪.‬‬

‫الفصل الخامس في شرحا‬


‫أن هذه المملكة طولها ثالثة أيام‪ ،‬وعرضها أربعة أيام‪ ،‬وعسكرها ثالثة آالف‬ ‫ح ّدثني هؤالء الفقهاء ّ‬
‫فارس ورجّالة مثلها مرتين وأكثر‪ ،‬وهي كأخواتها دوارو وأرابيني في بقية أحوالها من الزيّ‪،‬‬
‫والمعاملة‪ ،‬والحبوب‪ ،‬والفواكه‪ ،‬والبقول‪ ،‬وسائر ما لهم وما عليهم‪ ،‬وهي تلي هدية‪.‬‬

‫وأهلها حنفيّة المذهب‪.‬‬

‫الفصل السادس في بالي‬


‫ح ّدثني هؤالء الفقهاء ّ‬
‫أن هذه المملكة طولها عشرون يوما‪ ،‬وعرضها ستة أيام‪ ،‬وعسكرها ثمانية عشر‬
‫ألف فارس وال ّرجّالة بها كثير «‪ »1‬عددهم‪ ،‬وأهلها مثل باقي أخواتها في جميع زيّهم وأحوالهم‬
‫وأقواتهم‪ ،‬والموجودات عندهم‪ ،‬ولكنّها أكثر خصبا‪ ،‬وأطيب سكنا‪ ،‬وأبرد هواء وماء‪ ،‬ولكنهم ال‬
‫يتعاملون بالنّقود مثل أوفات‪ ،‬وال بالحكنه مثل بقية ما تقدم‪ ،‬ولكن باألعواض مثل البقر والغنم‬
‫والقماش‪ ،‬وهي تلي شرحا‪.‬‬

‫وأهلها حنفيّة المذهب‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫الفصل السابع في دارة‬
‫أن طولها ثالثة أيام‪ ،‬وعرضها [مثله] «‪ ، »1‬وهي أضعف أخواتها حاال‪ ،‬وأقلّها‬‫ح ّدثني هؤالء الفقهاء ّ‬
‫خيال ورجاال‪ ،‬وعسكرها ال يزيد على ألفي فارس ومثلهم رجّالة‪ ،‬وهم في بقية أحوالهم وأحوالها مثل‬
‫أخواتها ومعاملتها باألعواض مثل بالي‪ ،‬وهي تليها‪.‬‬

‫وأهلها حنفيّة المذهب‪.‬‬

‫*** (‪ )484‬هذه جملة ما علمنا من أحوال هذه [لممالك] «‪ »2‬المسلمة في بالد الحبشة‪ ،‬والمملكة‬
‫فإن الملك بها صار إلى رجل ليس من أهل بيت الملك‪ ،‬تقرب‬ ‫منهم في بيوت محفوظة إال بالي اليوم‪ّ ،‬‬
‫إلى صاحب أمحرة حتى ّ‬
‫واله مملكة بالي فاستق ّل ملكا بها وال يبالي‪ ،‬وقد ولي بالي ومن أهل بيت الملك‬
‫بها رجال أكفاء‪ ،‬واألرض هلل يورثها من يشاء‪ ،‬وجميع ملوك هذه الممالك وإن توارثوها ال تستق ّل منهم‬
‫بملك إال من أقامه صاحب أمحرة‪.‬‬

‫وإذا مات الملك منهم ومن أهله رجال قصدوا جميعهم صاحب أمحرة‪ ،‬وبذلوا المقدرة في التقرب إليه‬
‫فيختار منهم رجال يولّيه‪ ،‬فإذا ّ‬
‫واله سمع البقية وأطاعوا ّ‬
‫ألن األمر له فيهم‪ ،‬وهم كالنواب له‪ ،‬ومع هذا‬
‫فإن جميع ملوك هؤالء الملك تعظّم مكان صاحب أوفات‪ ،‬وتنقاد له بالمعاضدة في بعض األوقات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والطريق إلى هذه البالد من مصر شعبة من الطريق العظمى‬

‫اآلخذة إلى أمحرة وسائر بالد الحبشة‪ ،‬وتجار هذه البالد الحبشية «‪ »1‬ناصع «‪ »2‬وسواكن «‪»3‬‬
‫ودهلك «‪ ، »4‬وليس بها مملكة مشهورة‪ ،‬وال لها أخبار مذكورة‪ ،‬وكلّها مسلمون قائمون‪.‬‬

‫وأرضها أصعب مسلكا لكثرة جبالها الشامخة‪ ،‬وعظم أشجارها واشتباكها بعضها ببعض حتى أنه إذا‬
‫أراد ملكها الخروج إلى جهة من جهاتها يتقدمه قوم مرصدون إلصالح طرقها بآالت لقطع أشجارها‬
‫ويطلقون فيها نارا لحريقها‪ ،‬وأولئك القوم كثير عددهم‪ ،‬ولم يملك بالدهم غيرهم من النوع اإلنساني‬
‫ألنهم أجبر بني حام‪ ،‬وأخبر بالتوغل في القتال واالقتحام‪ ،‬طول زمانهم مسافرون‪ ،‬وفي صيد وحش‬
‫الب ّر راغبون‪ ،‬ومما يد ّل على قوة جنانهم أنهم ال يلبسون وال يلبسون خيلهم عند القتال شيئا‪ ،‬والمشهور‬
‫أن من‬‫عنهم مع ما لهم من الشجاعة (أنهم) يقبلون الحسب‪ ،‬ويصفحون عن الجرائم‪ ،‬والمصطلح بينهم ّ‬
‫رمى سالحه في القتال يحرّمون قتاله‪ ،‬والمجرم يتحسّب [بب ّر القادر] «‪ )485( »5‬عليه فيتجاوز عن‬
‫ذنبه‪ ،‬وقيل فيهم خلّة حسنة أيضا أنهم يحبون الغريب ويكرمون الضيف‪ ،‬ويحقق ذلك إكرام النجاشي‬
‫قريشا عند ما هاجروا إليه‪ ،‬ويقال إنه ق ّل أن يوجد عندهم رياء‪ ،‬والصديق عندهم‬

‫‪10‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫ال ينقض عهدا لصديقه‪ ،‬وإذا تعاهدوا أكدوا المحبة وأظهروها‪ ،‬وإذا تباغضوا أعلنوا المباينة‬
‫وأجهروها‪ ،‬غالبا يوجدون أذكياء أقوياء الحدس لهم علوم وصناعات بهم خصيصة‪ ،‬ومع كونهم جنسا‬
‫واحدا ينطقون بألسنة شتى تزيد على خمسين لسانا وقلم قراءتهم واحد وهو الحبشي يكتب من اليمين‬
‫إلى الشمال‪ ،‬ع ّدته ستة عشر حرفا لك ّل حرف سبعة فروع‪ ،‬الجملة من ذلك مئة واثنان وثمانون حرفا‬
‫خارجا عن حروف أخر (ى) مستقلة بذاتها ال تفتقر إلى حرف من الحروف المعدودة المتقدم ذكرها‪،‬‬
‫[مضبوطة] «‪ »1‬بحركات نحوية متصلة به ال منفصلة عنه‪.‬‬

‫وهي بالد تنقسم عندهم أقاليم‪ ،‬كما تنقسم الديار المصرية والبالد الشامية أعماال وصفقات وممالك‬
‫اإلسالم المتقدمة الذكر في ذلك‪ ،‬ونحن نذكر هاهنا جملة حال بالد الحبشة مسلمها وكافرها‪.‬‬

‫قيل‪ :‬إن أول بالدهم من الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند واليمن‪ ،‬وفيها يم ّر‬
‫البحر الحلو المسمى سيحون الذي يرفد منه نيل مصر المحروسة‪ ،‬والجهة الغربية إلى بالد التكرور‬
‫مما يلي جهة اليمين‪ ،‬وأولها مفازة تسمى وادي بركة‪ ،‬قيل‪:‬‬

‫يت ّوصل منه إلى إقليم يسمى سحرت «‪ »2‬ويس ّمى قديما تكراي وكانت مدينة المملكة بهذا اإلقليم في‬
‫ذلك الزمان تسمى أخشرم «‪ »3‬بلغة أخرى من لغاتهم‪ ،‬وتسمى أيضا‪ :‬زفرتا «‪ ، »4‬وكان النجاش ّي‬
‫األقدم بها ملكا على جميع البالد‪ ،‬ثم إقليم أمحرة وهو الذي به اآلن مدينة‬

‫المملكة وتسمى بلغتهم مرعدي‪ ،‬ثم إقليم شاوه‪ ،‬ثم إقليم داموت‪ ،‬ثم إقليم ال منان‪ ،‬ثم إقليم السّيهو‪ ،‬ثم‬
‫إقليم ال ّزنج‪ ،‬ثم إقليم عدل األمراء‪ ،‬ثم إقليم حماسا‪ ،‬ثم إقليم باريا‪ ،‬ثم إقليم الطراز اإلسالمي الداخلة في‬
‫جملة جميع البالد الحبشية (‪ )486‬وملوكه سبعة كما تقدم تفصيلها إقليما إقليما‪ ،‬وك ّل إقليم من هذه‬
‫األقاليم له ملك وجيوش كما تقدم أيضا ذكره‪ ،‬وقيل‪ :‬إنهم كلّهم تحت [سلطان] «‪ »1‬ملكهم األكبر‬
‫المس ّمى بلغتهم الحطّي‪ ،‬ومعناه السلطان‪ ،‬وهذا االسم موضوع لك ّل من يقام عليهم ملكا كبيرا‪ ،‬واسم‬
‫الملك المقام عليهم اآلن عمد سيون وتأويله‪ :‬ركن صهيون‪ ،‬وهي بيعة قديمة البناء باإلسكندرية معظمة‬
‫عندهم يتعبّدون هلل فيها‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه من الشجاعة على أوفر قسم وإنه أحسن السلوك عادل في رعيته‬
‫يتفقد مساكنها‪ ،‬وقيل إن تحت يده من الملوك تسعة و [تسعين] «‪ »2‬ملكا‪ ،‬وهو لهم تمام المئة في‬
‫األقاليم المذكورة واألقاليم المجهولة أسماؤها‪ ،‬ألنها كثيرة العدد غير مشهورة وال معلومة‪ ،‬وقيل‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫الحطّ ّي المذكور وجيشه لهم خيام ينقلونها معهم في السّرحات واألسفار‪ ،‬وإذا جلس يجلس حول كرسيّه‬
‫أمراء مملكته وكبراؤها على كراس ّي حديد منها ما هو مطعم بالذهب‪ ،‬ومنها ما هو ساذج «‪ »3‬على‬
‫قدر مراتبهم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫والملك المذكور قيل إنه مع ما له من نفاذ األمر يتثبت في أحكامه حتى يتبين‪.‬‬

‫فأما لباس أهل البالد المذكورة في الشتاء فهو لباسهم في الصيف‪ ،‬الخواص منهم واألجناد قماش حرير‬
‫وأبراد هندية وما شاكل ذلك‪ ،‬والعوام ثياب قطن منسوج غير مخيط لكل نفس ثوبان‪ .‬واحد لش ّد وسطه‪،‬‬
‫وآخر يلتحف به‪ ،‬وكذلك الخواصّ منهم في الحرير واألبراد يشت ّدون‬

‫ويلتحفون بمنسوج غير مخيط‪.‬‬

‫ي والنبال الشبيهة بالن ّشاب والسيوف والمزاريق والحراب‪ ،‬ومنهم من يقاتل‬


‫وسالح المقاتلين منهم القس ّ‬
‫بالسيوف وأتراس طوال وقصار‪ ،‬وغالب سالحهم مزاريق تشبه الحراب الطوال‪ ،‬ومنهم من يرمي‬
‫عن قوس طويل يشبه قوس القطن بالنبال‪ ،‬وهي سهام قصار‪ ،‬وقيل‪ :‬إن نبال المقاتلين من أجناد‬
‫الطراز اإلسالمي أكبر‪ ،‬ولهم أبواق من خشب القنا المج ّوف ومن قرون البقر المجوفة‪.‬‬

‫ومأكلهم (‪ )487‬شحوم البقر والماعز وبعض شحوم الضأن‪ ،‬ومشروبهم اللبن البقريّ‪ ،‬وفي ضعفهم‬
‫يتداوون باللبن المداف بالماء وسمن البقر‪ ،‬وعندهم نبات يسمى [جات] «‪ »1‬يتناولونه لتجويد الفهم‬
‫وتقوية الحفظ‪ ،‬وهو أشجار صغار وكبار ثمرته تشبه قلوب شجر النارنج وقد تقدم ذكره‪.‬‬

‫وغالب أهل البالد المذكورة يتعاملون مقايضة باألغنام واألبقار والحبوب وغير ذلك إال في خمسة‬
‫أقاليم من الطراز اإلسالم ّي‪ ،‬وهي إقليم مدينة أوفات يتعاملون بالذهب والفضة‪ ،‬وإقليم [دوارو] «‪»2‬‬
‫وإقليم أرابيني‪ ،‬وإقليم شرحة‪ ،‬وإقليم هدية يتعاملون بشيء عندهم يسمى الحكنه‪ ،‬وهي حديد مضروب‬
‫كاإلبر الطّوال ك ّل ثالثة آالف بالعدد قيمتها درهم واحد‪.‬‬

‫ي يزرعون على األمطار في السنة مرتين‪ ،‬ويتحصل لهم‬ ‫وك ّل البالد المذكورة والطراز اإلسالم ّ‬
‫مغالت‪ ،‬والزمان الذي يحصّل فيه المغ ّل األول يأتي فيه مطر ثان يزرع عليه المغ ّل الثاني‪ ،‬والمطر‬
‫الواقع من زمن الشتاء يسمى بل‪ ،‬والمطر الواقع في زمن الصيف يسمى كرم بلغة الزيالعة‪.‬‬

‫وأخبرني البطريرك بنيامين فيما حكى لي في كتابه عنهم أنه عند نزول األمطار الكثيرة تقع صواعق‪،‬‬
‫وأصناف زراعاتهم الغيطية القمح‪ ،‬والشعير‪ ،‬والحمص‪ ،‬والعدس‪ ،‬و [البسلّى] «‪ ، »1‬والذرة‪ ،‬وبعض‬
‫الباقالء‪ ،‬وحبوب أخر (ى) غير ذلك منها حبّ يسمى قبانهلول «‪ ، »2‬يستعملونه قوتا كالقمح‪ ،‬أما‬
‫القمح فحبّه كالحنطة المالونه «‪ »3‬ولونه كالقمح الشام ّي يباع منه في الطراز اإلسالم ّي بالدرهم تقدير‬
‫حمل بغل‪ ،‬والشعير ليس له قيمة‪ ،‬وحبّه أكبر مقدارا من حبّه بالديار المصرية‪ ،‬ومنه ضرب يسمى‬

‫‪12‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫ّ‬
‫والباقال «‪ »7‬عزيز‬ ‫طمحة «‪ ، »4‬و [لون] «‪ »5‬الحمص [عندهم] «‪ »5‬إلى الحمرة ما هو «‪، »6‬‬
‫الوجود في أكثر البالد‪ ،‬وال يفتقر إليه دوابّهم في العلف ّ‬
‫ألن األرض كثيرة المياه والمراعي‪.‬‬

‫وعندهم (‪ )488‬حبّ يسمى بلغتهم طافي وحبّه بمقدار الخردل ولونه إلى الحمرة‪ ،‬ومكسره إلى السواد‬
‫يتخذون منه خبزا‪ ،‬وهو يميل إلى القمح‪ ،‬وعندهم ببعض األقاليم حبّ يسمى ّ‬
‫البن وهو شبه القمح‪،‬‬
‫ولكنه بقشرين فينزعون قشوره بالهرس كاألر ّز ويتخذون منه طعاما ينوب عن القمح‪ ،‬وليس عندهم‬
‫من أصناف المقاثي إال القرع وفي بعض األقاليم بطيخ‬

‫صغير‪ ،‬وبزر الكتّان وحبّ الرشاد «‪ »1‬واللّفت والفجل ومن البقول أيضا الثوم والبصل والكزبرة‬
‫الخضراء‪.‬‬

‫وأشجارهم البستانية العنب األسود‪ ،‬وهو قليل والتين الوزيريّ‪ ،‬وأصناف الحوامض خال النارنج‬
‫والموز‪ ،‬ورياحينهم الريحان‪ ،‬والقرنفل‪ ،‬ونبات أيضا يس ّمى بعتران «‪ ، »2‬وعندهم الياسمين البريّ‪،‬‬
‫ولكنه غير مشموم لهم‪.‬‬

‫ومن أشجارهم الزيتون‪ ،‬والصنوبر‪ ،‬والج ّميز‪ ،‬وفي بعض بالدهم اآلبنوس «‪ ، »3‬وهو كثير األشجار‬
‫والمقل أيضا ببعض األقاليم‪ ،‬وكذلك أشجار القنا وهي صنفان‪ :‬أحدهما صامت واآلخر أجوف‪،‬‬
‫وبالطراز اإلسالم ّي قصب الس ّكر كثير جدا‪ ،‬ويتخذون منه القند‪ ،‬وذكر أن الذي يوجد عندهم من‬
‫المعادن معدن الذهب والحديد‪.‬‬

‫وذكر السيد الشريف ع ّز الدين التاجر ّ‬


‫أن في بعض بالدهم يوجد معدن الفضة‪.‬‬

‫وعندهم من ذوات األربع الخيل والبقر والغنم والبغال وما أشبه ذلك‪ ،‬وأغنامهم تشبه أغنام عيذاب‬
‫«‪ »4‬واليمن‪ ،‬ووحوشهم البرية األسد والنمر والفهد والفيل والغزال على اختالف األلوان في ذلك‪،‬‬
‫وبقر الوحش وحمر الوحش والزرافة والقردة ووحوش أخر (ى) كثيرة‪.‬‬

‫وعندهم من الطيور‪ :‬الجوية واألهلية والمائية‪.‬‬

‫أما الجوية فهي‪ :‬الصقور والنسور البيض والسود وأمثالها‪ ،‬والغربان والحجل وسائر طير الواجب‬
‫وال ّس ّمان والحمام والعصافير والبزاة وغير ذلك مما لم يوجد بالديار (‪ )489‬المصرية‪.‬‬

‫وأما األهلية والبرية فدجاج الحبش وأمثاله‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬
‫والمائية‪ :‬فالبطّ‪ ،‬ودجاج أيضا يخرج من بركة ماء في إقليم هدية اإلسالمي‪.‬‬

‫قال الشيخ جمال الدين عبد هللا ال ّزيلع ّي‪:‬‬

‫إن العين المذكورة يتولد منها دجاج يأكلونه‪ ،‬ويأكلون من لحوم الطير الحمام والعصفور وغراب‬
‫الزرع والدجاج البر ّ‬
‫ي والحجل‪ ،‬والسمك عندهم منه ما يشبه البوريّ‪ ،‬و [منه] «‪ »1‬ما يشبه الثعبان‬
‫يطول إلى مقدار ذراعين ونصف‪ ،‬ويغلظ إلى مقدار الخشب‪ ،‬ويطلع من بحرهم التمساح وفرس البحر‪.‬‬

‫أما عسل النحل فكثير في جميع البالد يتربى في الجبال‪ ،‬ويأخذون منه العسل والشمع من غير حجر‬
‫عليه‪ ،‬ومنه ما له خاليا خشب منقورة‪ ،‬وعسلهم مختلف األلوان بحسب المرعى‪.‬‬

‫ومساكنهم غالبها أخصاص من جملونات خال المدن الكبار‪ ،‬فإنها مبنية من الحجر‪.‬‬

‫وأواني طعامهم ف ّخار مدهون أسود‪ ،‬وح ّمامهم االغتسال بالماء البارد‪ ،‬وبعضهم يتخذونه حارا‪.‬‬

‫ووقودهم الشمع‪ ،‬ومصابيحهم وقودها بشحوم البقر؛ ألن الزيت الطيب يجلب إليهم‪ ،‬ويدهن للرجال‬
‫والنساء منهم بالسمن‪.‬‬

‫ومصاغهم الذهب والفضة والنحاس والرّصاص على قدر تمثال السّعر‪.‬‬

‫هذا ما نقلته الثقات عنهم‪ ،‬ومع ما هم عليه من سعة البالد وكثرة الخلق واألجناد يفتقرون إلى العناية‬
‫والمالحظة من صاحب مصر‪ ،‬ألن المطران الذي هو حاكم حكام شريعتهم في جميع بالدهم النصرانية‬
‫ال يقام إال من األقباط اليعاقبة بالديار المصرية‪ ،‬حيث تخرج األوامر السلطانية من مصر لبطرك‬
‫النصارى اليعاقبة بإرسال مطران إليهم‪ ،‬وذلك بعد سؤال ملك الحبشة المسمى بالحطّي بلغتهم‪ ،‬وإرسال‬
‫رسله وهداياه‪ ،‬وهم ي ّدعون أنهم يحفظون مجاري النيل المنحدر إلى مصر‪ ،‬ويساعدون (‪ )490‬على‬
‫إصالح سلوكه تقريبا لصاحب مصر‪ ،‬وإنما المشهود منهم والمعروف منهم الصدق واألمانة فهو‬
‫مشهور‪ ،‬ولذلك يختار صاحب إقامتهم (منهم) أمناء على الحريم واألوالد واألرواح واألموال‪ ،‬وكذلك‬
‫بعض التجار الكرّامية «‪ »1‬و [ذوو] «‪ »2‬األموال يجعلونهم على حفظ أموالهم وتجاراتهم وبضائعهم‬
‫الثمينة ومكاسبهم الجليلة إلى قريب [البالد] «‪ »3‬وبعيدها‪ ،‬وطويل المسافات وقصيرها‪.‬‬

‫وهذا ما وصلني من أخبارهم‪ ،‬وهللا أعلم بالح ّ‬


‫ق‪ ،‬وعندهم وعنده العلم الصّدق‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مسالك األبصار في ممالك األمصار‬

You might also like