Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
Untitled
مقدمة
لقد انتقلت سريورة احلدث من التاريخ بوصفه رواية املايض ،وحماولة بعثه مرة أخرى ،إىل
كونه صناعة احلارض بامدة املايض ،وبذاكرته ،وبمخيلة املستقبل ،وبإمكاناته .تلك هي الطفرة النوعية
التي جعلت التاريخ ،ينتقل من حال فعل بناء الرسدية إىل رسدية تبني الفعل االجتامعي ،وتقوده،
وتفتح مساحات للفعل فيه؛ ولذلك فقد انتقل التاريخ من تعريف ريمون آرون ()Raymond Aron
بوصفه قصص األموات التي حيكيها األحياء ،إىل التاريخ بوصفه ثورة األحياء لتحرير حارضهم
مزدوجا هيدف إىل حترير التاريخ،
ً من تاريخ األموات ورواياته (((،وهو ما جعل التاريخ مرشو ًعا
وفتحه أمام آفاق جديدة.
هبذا الفهم األويل سنحاول يف هذه الورقة البحثية ،تعقب إحدى أهم املراحل التي مر منها
احلدث((( ،والتي مكنت إرساء تصور للحدث التارخيي ،وأسهمت فيه .فمن املعروف أن احلدث
ظل طيلة قرن من الزمن املادة األولية للتاريخ الوضعاين ( ،)Positivisteاملوضوعي واملاضوي ،قبل
شذب من طرف مدرسة احلوليات و ُيصهر يف تواصل كبري .لكن ،منذ سبعينيات القرن املايض أن ُي َّ
عاد االهتامم جمد ًدا إىل احلدث الذي اقتحم ميدان التاريخ يف ارتباط وثيق بام سمي التاريخ الراهن أو
احلارض ( .((()Histoire du temps présentإن االهتامم بالتاريخ املبارش هو عودة إىل احلدث ،بام يعنيه
307
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
من حتول يف جهد املؤرخني الذي انصب يف العقود األخرية عىل التاريخ االقتصادي واالجتامعي
والثقايف .فام معنى احلدث الذي عاد؟ هل األمر يتعلق بالعودة إىل التاريخ احلدثي عىل الطريقة
الالفيسية (نسبة إىل املؤرخ الوضعاين إرنست الفيس ((()Ernest Lavisse؟ أم إن األمر يتعلق بنظرة
جديدة وبمقاربة خمتلفة للحدث؟.
تبدو عودة االهتامم باحلدث التارخيي أكثر إثارة؛ ألن ذلك يتنزل يف حقل ،كان يناضل ضده
كل من لوسيان فيفر ( )Lucien Febvreومارك بلوك ( ،)Marc Blochحيث كان الوقوف ضد التاريخ
الرسدي السطحي ،والسيايس منه خاصة ،الذي ال هيتم باألمد الطويل ،وال باهلياكل والبنيات ،هو
املستهدف الرئيس للحوليات ( ((()Les Annalesمن خالل األعداد األوىل من جملتها التي بزغ فجرها
يف العام .1929ولقد دعا مؤسسا هذه املجلة (مارك بلوك ،ولوسيان فيفر) املؤرخني إىل اخلروج من
عزلتهم ،وإىل حماولة االنفكاك من القيود التي حتد من أطر دراساهتم ،وتقودهم إىل صياغة مفاتيح
مفاهيمية ،ال تعكس مطل ًقا حقيقة تداخل العنارص اإلنسانية واالجتامعية واملادية بعضها ببعض.
ولقد حاولت الدراسات املنشورة يف هذه املجلة ،عىل مدى عقود من الزمن ،إبراز الروابط املشرتكة
أيضا كان االنفتاح عىل العلوم االجتامعية نتيجة وسب ًبا
بني ميادين وحقول متعددة .ويف هذا اإلطار ً
يف آن م ًعا لتجاوز التاريخ اإلخباري ،ومعه جتاوز االهتامم باحلدث .لكن ،اتضح أن التاريخ ال يمكنه
أن يقرص اهتاممه بالبنيات ،ويتجاهل احلدث الذي ال تستطيع العلوم االجتامعية إدماجه يف اهتامماهتا،
مع أنه جزء مهم يف حياة األفراد واملجتمعات.
ويف مضامر تفسري رجوع احلدث الالفت ،ال بد من اإلشارة إىل فكرة أساسية ،وهي :ارتباط
((( للمزيد من املعلومات حول إرنست الفيس ) (Ernest Lavisseوعرصه ميكن الرجوع إىل كتاب :فرانسوا دوس ،التاريخ املفتت :من الحوليات إىل
التاريخ الجديد محمد الطاهر املنصوري(مرتجم)( ،بريوت :املنظمة العربية للرتجمة ،)2009 ،ص 59وما بعدها..
((( نشأت مدرسة الحوليات ) (L’école des Annalesيف إطار ثورة عىل التاريخ الوضعاين ) (Histoire positivisteالذي كان سمة القرن التاسع عرش.
لقد أراد رواد هذه املدرسة (الحوليات) أن يكون التاريخ إبدا ًعا عىل مستوى املناهج واألفكار واملواضيع ،وإبدا ًعا أيضً ا عىل مستوى األسلوب .وهو األمر
الذي فرض عىل املؤرخني اعتامد أنواع جديدة من املصادر ،وتسليط الضوء عليها من زوايا جديدة ،ترتبط بنوعية التساؤالت املطروحة ونوعية القضايا
املتناولة؛ إذ مل يعد تاريخ األمة الذي ميثله تاريخ الجرناالت والشخصيات الذائعة الصيت هو الذي يهم املؤرخني ،بل أبرز التاريخ كل املغيبني والهامشيني
من خالل دراسة املرتوك من املصادر واملغيب من الفئات االجتامعية :تاريخ املجانني ،وتاريخ الرعاة ،وتاريخ الرشائح االجتامعية الغائبة .يف أكرث الحاالت
من النصوص املصدرية ،كالحوليات والسري والرتاجم ،حتى إنها أصبحت من أولوياته .للمزيد من التفاصيل حول هذا املوضوع راجع:
-Guy Bourdé et Hervé Martin, Les écoles historique Paris, Seuil, 1983.
308
العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018 دراسات
عودة احلدث بمقولة عودة الرسد .وتربز هنا كتابات بول ريكور ( )Paul Ricœurالذي كان لصدور
ثالثيته «الزمن والرسد» بني عامي 1983و((( .1985بالغ األثر يف توجيه املناقشة حول أشكال الكتابة
التارخيية وطابعها الرسدي وارتباطه باحلدث.
ثمة بعد إضايف للحدث يتناوله هذا الفيلسوف ،وهو :الطابع الرسدي للنصوص التارخيية
لكل من النصوص التارخيية واألدبية .وسنقترص هنا عىل تناول بول ريكور وإمكان القراءة املوازية ٍّ
لكتابة التاريخ عند مؤرخي احلوليات ،وعىل حماولته الربهنة عىل أن أكثر أشكال الكتابة بنيوية
ومعارضة للحدث -حتديدً ا لدى فرناند بروديل ( -)Fernand Braudelهي أكثرها تشع ًبا بالرسد،
ومتسكًا باحلدث((( ،وارتبا ًطا هبذه الفكرة ،فإن ريكور ال يكشف عن توتر بني بروديل املنهجي،
يف كتاباته الصارخة ضد احلدث ،وبروديل املؤرخ فقط؛ بل إن قراءاته الداخلية ملامرسة املؤرخ تعيد
النظر يف املقوالت الشائعة يف املوضوع؛ احلدث.
حتفل كتابات بروديل ،والسيام مؤلفه املنهجي «( »Écrits sur l’histoireكتابات يف التاريخ)
بتعبريات من قبيل« :األحداث تلك القرشة السطحية الرباقة» ،و»األحداث ذرات من األفعال
واحليوات الفردية» ،و»درامية وقصرية» ،و»تعترب كومضات متتالية» ،و»ما إن تولد حتى يبتلعها
الظالم» .وهو ير ى أن التاريخ الرسدي ما هو إال أضواء براقة بال وضوح ،ووقائع بال إنسانية،
يدعي تقديم األشياء كام حدثت بالفعل ،عىل حني إن باطنه هو فلسفة للتاريخ ،فيها تسيطر العوارض
الدرامية عىل حياة البرش ،وعرب أبطال يتحكمون بمصائرهم وبمصائر اآلخرين((( .ويضيف
بروديل يف موضع آخر« :إن احلدث ( )Evénementهو عبارة عن ظاهرة ذات زمن انفجاري ،رنيني،
أيضا
ضجيجي ...يتولد عنه ظالل نتائج ،ال معنى هلا ،منعزلة ،وال تقدم معرفة متكاملة»((( .نوجده ً
حيدد بصورة دقيقة موقفه من احلدث ومن مدته القصرية كات ًبا« :إن األحداث ال تبني احلقيقة كلها،
(6) Paul Ricœur, Temps et récit, 3 vol., Paris, Éditions du Seuil, 1983, 1984, 1985. Et du même auteur, « L’histoire comme
récit », in Tiffaneau, Dominique, (dir.), La Narrativité, Paris, Éditions du CNRS, 1980, p. 5 - 24.
((( إميان فرج ،ما بعد الحوليات قراءة يف املنعطف النقدي( ،القاهرة :مركز الدراسات والوثائق االقتصادية والقانونية واالجتامعية ،)2005 ،ص21.
(8) Fernand Braudel, Écrits sur l’histoire, Paris, Flammarion, 1969, p. 22-23.
(9) Ibid., p.22.
309
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
وال تبني كثافة التاريخ كلها ،تلك التي من املمكن أن يشتغل عليها التفكري العلمي» .ويعرتف بروديل
بصحة نقد فرانسوا سيميان ( ((1( )François Simiandخلصوصية احلدث وزيفه بالنسبة إىل العلوم
االجتامعية ،وليس ذلك بال سبب« :الزمن القصري هو الزمن األكثر تقل ًبا ( )Capricieuseواألكثر خدا ًعا
( )Trompeuseبني األزمنة األخرى»( .((1يوجد إذن عىل ضوء معطيات هذه النصوص «متاه واضح
بني احلدث الفردي ومدته القصرية ،وال يأيت انتقاد بروديل هلام هبدف جتاهل تعيينات معطياهتام ،وإنام
هبدف التأكيد عىل أهنام ال يشكالن سوى صورة واحدة من صور عدة للتاريخ» (.((1
(((1
شكل رقم ( :)1مستويات الزمن الربودييل
( ((1يف مقاله الناري «املنهج التاريخي والعلوم االجتامعية» املنشور مبجلة الرتكيب التاريخي ) (Revue de synthèse historiqueسنة 1903دعا
فرانسوا سيميان ) (François Simiandاملؤرخني إىل أن يتخلصوا من أوثانهم ليجددوا أنفسهم .واعتمد الصورة املجازية لـفرانسيس بيكون(Francis
أول الصنم السيايس ) (L’idole politiqueأي الدراسة املهيمنة ،أو عىل األقل االهتامم بالتاريخ )Baconعن أصنام قبيلة املؤرخني وهي ثالثة ،فهناك ً
السيايس ،ويضاف إليه الصنم الفردي ) (L’idole individuelleأو العادة الراسخة يف فهم التاريخ كتاريخ األفراد ،وأخ ًريا صنم التسلسل التاريخي(L’idole
chronologique)،أي عادة الضياع يف البحث عن األصول .إنه يدعو املؤرخني إىل العبور من املفرد إىل الظاهرة املنتظمة وإىل العالقات الثابتة التي تسمح
باستنباط قوانني علمية ومنظومات السببية .وهو يدعوهم أخ ًريا إىل تحويل مالحظاتهم من الفردي إىل االجتامعي .راجع:
François Simiand, «Méthode historique et science sociale», Revue de synthèse historique, 1903, repris dans les Annales ESC,
1960, n°1, p. 83-119
(11) Fernand Braudel, « Histoire et Sciences sociales: La longue durée », in Annales. Économies, Sociétés, Civilisations. Vol.
13, n° 4 - oct. déc. 1958, p. 725-753.
( ((1ماهر اختيار« ،التاريخ الجديد عند فرناند بروديل واآلفاق املعرفية» ،مجلة عامل الفكر ،املجلد ،43نيسان/أبريل -حزيران /يونيو ،2015ص 21.
( ((1املصدر (بترصف) :فرناند بروديل ،قواعد لغة الحضارات ،الهادي التيمومي(مرتجم)( ،بريوت :املنظمة العربية للرتجمة ،)2009 ،ص .23-22
310
العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018 دراسات
يدعو بروديل -من أجل مقاربة احلقائق ،والبحث عن مفهوم ،أو معنى ،مشرتك بني العلوم-
إىل جتاوز احلدث ،وإىل عدم االفتتان باملدة القصرية« :فزمن األفراد هو زمن االنطباعات الرسيعة.
إنه زمن مؤرخي نموذج التاريخ التقليدي ،وإنه زمن الصحافيني ،أولئك الذين هيتمون باحلوادث
اليومية»(.((1
يف عرضنا ملوقف بروديل الذي ينتقد من خالله احلدث ومدته القصرية ،تربز أمامنا بعض
الطروحات من قبيل مراهنة بروديل عىل الزمن اجلغرايف ،واهتاممه الزائد بالبنى املكانيةً ،
مقلل من أمهية
أيضا يف مناقشته موضوع الزمن القصري عىل رضورة احلدث وزمنه القصري ( .((1لكن بروديل شدد ً
التمييز بني التاريخ احلدثي والتاريخ السيايس؛ ألن هذا األخري ليس حدث ًيا بالرضورة .إن املشكل،
بحسب صاحب كتاب ( La Méditerranée et le monde méditerranéen à l'époque de Philippe IIالبحر
املتوسط والعامل املتوسطي يف عرص فيليب الثاين) ( ،((1هو أن التاريخ غلب عليه ،خالل مئة السنة
األخرية ،الطابع السيايس ،وركز عىل األحداث الكربى ،واشتغل ضمن الزمن القصري ،وهو زمن
األفراد امللتصق برسد األحداث عىل نحو رسيع ودرامي(( .)((1ولقد كتب بروديل يف نصوص عدة:
عدوا للحدث وللزمن القصري»( .((1كام أن جتاوز مفهوم احلدث وفق التصور أو «أنه ال يعترب نفسه ً
املنظور الربودييل ال يعني أبدً ا حذفه أو إلغاءه .وخالصة القول :إن انتقاد بروديل للحدث وملدته
القصرية يندرجان يف إطار انتقاد املغاالة يف تقدير فاعلية الفرد ،أو يف االعتامد عليه وحيدً ا يف دراسات
العلوم اإلنسانية أو االجتامعية .ولن نبالغ إذا قلنا ،بأن جممل التطورات التي شهدهتا املعرفة التارخيية،
ارتبطت يف العمق بنظرة جديدة يف اجتاه إعادة النظر يف وضع الفرد من حيث هو كائن يف النسق
أيضا خطوة بروديل هذه مع فكرة انتقاده لألبحاث التي االجتامعي والسيايس واالقتصادي .تتوازى ً
«هتتم بأحداث ال تؤدي فعل ًيا إىل نتائج تقود إىل تغيري ما ،وتتقاطع مع الفكرة التي تفند مفهوم اإلنسان
الفرد ،ذاك الذي ينظر إليه عىل أنه إله أريض ينتج قوانني ثابتة وقاطعة يف كل فعل يقوم به «((.)((1
311
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
وضمن توجه قريب من هذا التصور ،يستخلص بول ريكور من خالل قراءته ألعامل
بروديل ،أن معنى تاريخ املدى الزمني املمتد ذاته ،مستقى من احلدث؛ أي :احلدث /احلبكة .ففرضية
بروديل األساسية ،هي :تعددية الزمن االجتامعي .ويرى ريكور أن تفكيك التاريخ إىل أصعدة أو
مستويات ،يمكن عده بمنزلة إسهام رئيس يف نظرية الزمن الرسدي ،ثم نقطة انطالق ملساءلة بروديل
ومفكرا فيه ذلك التمييز الذي يستنه بروديل بني
ً وكتاباته( ،((2إذ ينبغي التساؤل ،عام جيعل ممكنًا
التاريخ شبه الساكن أو ذي اإليقاع البطيء ،وما يسميه بالتاريخ عىل مقاس الفرد؛ أي :ذلك التاريخ
احلدثي ( )Histoire évènementielleالذي ينبغي لتاريخ املدى الزمني الطويل أن ينحيه جان ًبا .ويأخذ
بول ريكور عىل مؤرخي احلوليات ،تبنيهم ملفهوم ضيق عن احلدث ،ناتج عن معارضتهم للتاريخ
السيايس؛ إذ قرصوا فكرة احلدث عىل وقائع أعامل وحياة الرجال العظام الذين يصنعون التاريخ ،وفق
الرؤى السائدة يف التاريخ السيايس التقليدي(.((2
ينقل بول ريكور التساؤالت نفسها إىل ما عده بيان مدرسة احلوليات ،وهو كتاب بروديل
حول «البحر املتوسط»؛ فام مل ينتبه إليه كثريون هو أن بروديل يف هذا العمل املؤسس والرصني ال
ينفي احلدث الفردي ،بل إن اجلزء الثالث من كتابه حيتوي عىل كثري من األحداث باملعنى التقليدي
للكلمة( .((2ولكن ،ينبغي أال ننسى ،أن هذا اجلزء هو مما بقي من مرشوع بروديل األول .ولكنها
مهم يف تركيب الكتاب .وإذا كان املؤلف قد أبقى عليها؛ فذلك ألنه أدرك-دورا ً بواقي مهمة تلعب ً
من دون شك -أن االكتفاء بالتاريخ شبه الساكن ،يعني :إنكار التاريخ نفسه .ومن ثم :كان رضور ًيا
تعويضا عن غياب الصلة بني الزمن القصري والزمن الطويل(.((2
ً إدخال األحداث
عىل أن هذا اجلزء الثالث ،أو املستوى الثالث ،وعىل الرغم مما حيفل به من أحداث ،فهو
ليس رجو ًعا إىل الكتابة التقليدية للتاريخ ،خال ًفا ملا يقول عنه بروديل( .((2فاحلدث دال وشاهد
عىل التغريات العميقة ،واحلدث يطرح عىل مستوى آخر ،إشكالية اتساقه يف ذاته .ومن َث ّم فقد واجه
( ((2إميان فرج ،ما بعد الحوليات قراءة يف املنعطف النقدي ،مرجع سابق ،ص 22.
(21) Paul Ricœur, Temps et récit, t.1, L’intrigue et le récit historique, Paris, Seuil, 1983, p. 365-383.
( ((2عبد األحد السبتي ،التاريخ وأزمنة الحدث ،مرجع سابق ،ص9.
( ((2اانظر :فرانسوا دوس »،فرناند بروديل واملدرسة التاريخية الجديدة» ،مجلة املنار ،العدد السابع عرش ،أيار /مايو ،1986ص 141. -140
( ((2يف سياق تحليله ملفهوم الزمن القصري ،نالحظ بأن بروديل عمل عىل رفع اللبس الذي قد يحصل يف الخلط بني التاريخ الحديث والتاريخ السيايس.
فهذا األخري ليس بالرضورة حدثيًا .إن التاريخ السيايس باستطاعته االهتامم بقضايا أكرث عمقًا من التاريخ الحديث ،فعوض الرتكيز عىل األشخاص وتسلسل
أساسا باآلليات االجتامعية للسلطة وبالعالقات بني الدولة واملجتمع .راجع ،محمد حبيدة ،كتابة التاريخ
األحداث ميكن الدخول يف مجاالت رحبة تهتم ً
قراءات وتأويالت ،مرجع سابق ،ص 75.-74
312
العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018 دراسات
بروديل مسألة االنتقالية ،بتفضيله من جانب أول األحداث املهمة؛ أي تلك التي تكسب أمهيتها من
جراء نتائجها ،ومن جانب ثان تلك التي عدها املعارصون أحدا ًثا مهمة .وال يقلل ذلك من صعوبة
مطابقة تسلسل األحوال االقتصادية وتسلسل األحداث السياسية ،خاصة مع ظن معارصي املرحلة
أن السياسة هي التي تتحكم يف مسار األحداث(.((2
إن حرفية بروديل -برأي بول ريكور -متثلت يف قدرته عىل بناء تاريخ لألحداث :التواريخ،
واملعارك ،واملعاهدات .ليس بالتقسيم إىل مراحل زمنية شأن املؤرخني كافة ،وإنام بإعادة تشكيل
األحداث يف األبنية واألحوال ،متا ًما كام استدعى األحداث للشهادة عىل تلك األبنية واألحوال،
والربط يف ما بينها .ويمكننا االستنتاج هنا :بأن املدة الطويلة ( )La longue duréeهي بمنزلة الوعاء
أيضا االمتداد الزمني الذي يستوعبها من دون أن ينفيها« :إهنا املايض
الذي حيمل بقية األزمنة ،وهي ً
احلي الذي يربهن عىل حارض ملموس وهييئ ملستقبل باد يف األفق .من هنا فإن جتاوز األحداث،
وختطي أزمنتها القصرية ،يقود إىل النظر إليها من بعيد ،وتفسريها وف ًقا لسياق بنيوي حامل هلا
وضامن الستمرارها»(.((2
ويتجه ريكور كذلك نحو الربهنة عىل أن األجزاء الثالثة للكتاب تشكل م ًعا شبه حبكة
( )Intrigueباملعنى الذي أورده بول فاين ( ،)Paul Veyneويعني باحلبكة :نسيج التاريخ الذي خيتلط
فيه اإلنساين بالعلمي واألسباب املادية بالغايات وبالصدف .فام حدود حبكة املتوسط؟ هي باختصار
تراجع منزلته عىل الصعيد العاملي كبطل أسطوري - .وليس موت فيليب الثاين -وانتهاء املواجهة بني
إمرباطوريتني متنافستني من أجل السيطرة عىل البحر املتوسط :اإلمرباطورية العثامنية ،واإلمرباطورية
اإلسبانية (هزيمة العثامنيني يف معركة ليبانت ( )Lépanteضد التحالف الصليبي األوريب يف 7ترشين
األول /أكتوبر ،)1571وانتقال التاريخ إىل املحيط األطليس وأوروبا الشاملية( .((2ويضيف بول
ريكور« :لو أن روائ ًيا مثل األديب الرويس دوستويفسكي (1821( )Dostoyevskyإىل ،)1881أقدم عىل
مسارا
ً مثل هذه احلكاية ،لدمج بني املستويات الثالثة يف رسد واحد»( .((2أما بروديل فقد سلك
حتليل ًيا ،ويميز بني الصعد واملستويات ،عىل أن تتوىل التداخالت ما بينها ،إظهار صورة ضمنية للكل.
( ((2انظر :إميان فرج ،ما بعد الحوليات قراءة يف املنعطف النقدي ،مرجع سابق ،ص 22.
( ((2ماهر اختيار« ،التاريخ الجديد عند فرناند بروديل واآلفاق املعرفية» ،مرجع سابق ،ص 32.
( ((2كريزيستوف بوميان »،تاريخ البنى» ،ضمن كتاب التاريخ الجديد ،جاك لوغوف (إرشاف) ،محمد الطاهر املنصوري (مرتجم) ،عبد الحميد هنية
(مراجعة)( ،بريوت :املنظمة العربية للرتجمة ،)2007 ،ص 217. -216
( ((2إميان فرج ،ما بعد الحوليات قراءة يف املنعطف النقدي ،مرجع سابق ،ص 24.
313
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
ويف املحصلة نحن هنا بصدد شبه حبكة حمتملة جمزأة إىل حبكات جزئية ورصحية .فام جيعل احلبكة
ممكنة هو تصاعد ثم أفول املواجهة الكربى بني قويت البحر املتوسط .لكنها تظل حبكة حمتملة؛ ألن
بنية العمل تفرتض ً
فصل بني األصعدة الزمنية الثالثة(.((2
يريد التاريخ الربودييل أن يكون توليف ًيا قبل كل يشء ،كاألنثروبولوجيا ،ولكن مع غلبة فكرة
الزمان واملكان ،وهو بذلك يقرتح إعادة تنظيم جمموع العلوم االجتامعية حول برنامج موحد ،تكون
مرجعيته األساسية فكرة األمد الطويل( .((3نتعرف هنا إىل املحاولة البنيوية ،وهي املحاولة التي
تسائل املؤرخ ،وتضعه موضع اهتام .جييب بروديل عن ذلك بالرجوع إىل البحث عن األمد الطويل،
وهو املستوى العميق للواقع التارخيي؛ إذ يشكل املركز الذي ينجذب حوله الزمن الدوري والزمن
القصري ،ويف إطار جدلية اآلماد .إن البنية الربوديلية بارزة وقابلة لإلدراك مبارشة ،ومن خصائصها
أهنا تتحكم يف بقية األحداث ،وهو ما يعطيها األولوية عىل املدى الزمني الطويل بالنسبة لألنساق
أيضا ليسالزمنية األخرى ،وخاصة بالنظر إىل ما هو وقائعي .وإذا كان بروديل يعدد الزمن ،فهو ً
أقل دفا ًعا عن نظرة تارخيية تطمح إىل إعادة عالقة جدلية بني هذه احلاالت الزمنية وإرجاعها إىل زمن
وحيد .األحداث والظرفيات واألمد الطويل كلها تبقى متضامنة( .((3وإذا كانت الوحدة الزمنية
منقسمة إىل مستويات عدة ،فهذه املستويات تبقى مرتبطة ببنية زمنية شاملة توحد بينها يف جمموعة
واحدة( ،((3وهو بذلك يتاميز مع زمن علامء االجتامع املتعدد الذي ال كثافة له.
(29) Voir: Paul Ricœur, Temps et récit, t.1, L’intrigue et le récit historique, op.cit., p. 365-383.
(30) Fernand Braudel, Écrits sur l’histoire, op.cit., p. 31.
( ((3ميشيل فوفيل »،التاريخ واألمد الطويل» ،ضمن كتاب التاريخ الجديد ،جاك لوغوف (إرشاف) ،محمد الطاهر املنصوري (مرتجم) ،عبد الحميد هنية
(مراجعة)( ،بريوت :املنظمة العربية للرتجمة ،)2007 ،ص .169
( ((3يتحدث بروديل ،أحيانًا ،عن جدل التاريخ ،ويعني به تفاعل مستويات ثالثة داخل التاريخ ،وهي كام سبق بيانه يف منت هذه الدراسة :املستوى
الجغرايف ،واالجتامعي ،والفردي .يقول« :انتهى يب األمر إىل تفكيك التاريخ إىل مستويات متداخلة ( )...فميزنا داخل الزمان التاريخي بني زمان جغرايف
وزمان اجتامعي وزمان فردي ( )...وهو متييز مدريس تبسيطي محض ،يصلح للعرض والتوضيح .وهذا ما يسمح يل بأال أتردد يف السعي بينها) يعترب هذا
املفهوم للزمان التاريخي ،ثورة حقيقية عىل أنصار التاريخ التقليدي الذين ينظرون إىل الزمان التاريخي عىل أنه دميومة رتيبة متجانسة اإليقاع ووحيدة
االتجاه» .سامل يفوت ،الزمان التاريخي من التاريخ الكيل إىل التواريخ الفعلية( ،بريوت :دار الطليعة ،)1991 ،ص.41
314
العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018 دراسات
كثريا عن وجهة نظر إن وجهة النظر التي يقدمها بول ريكور حول احلدث ،ال ختتلف ً
الرسديني ( ،)Narrativistesوهو اسم أطلقه بول ريكور عىل التيار الفكري الذي يرى أن التفسري
والوصف ال يتاميزان؛ فالرسد هو بطبيعته شكل من أشكال التفسري؛ إذ القول بام حصل ،هو القول
أيضا ملاذا حصل( .((3ويتميز التاريخ من الرسد بكونه صياغة حمبوكة ذات مفعول تفسريي ،عىل ً
الرغم من أهنا تتبع خيط األحداث أي النظام الكرونولوجي .إن التاريخ األكثر رسدية واألكثر
حدثية ،هو ضمن ًيا تاريخ تفسريي سببي؛ ألنه حمكوم بفكرة أن املابعد هو ناتج عن املاقبل .ويرى
بول ريكور أن طروحات الرسديني ،تتقاطع مع مقرتحات بول فاين الذي يرى بأن التفسري -باملعنى
منتظم يف قالب
ً تفسريا تارخي ًيا ال يعدو أن يكون رس ًدا
ً العام -غري موجود يف حقل التاريخ ،فام نسميه
حبكة قابلة للفهم .وهكذا؛ فالتاريخ بتمسكه بمنظوره األسايس الذي من خالله ال وجود للسببية
إال بواسطة احلبكة (( .)((3ويؤكد بول فاين أن احلبكة التي خيتارها املؤرخ ،هي التي حتدد الوقائع
اجلديرة باالهتامم من وجهة نظره .إن القول بأن املؤرخ «خيتار» ،يدفع بول فاين إىل التأكيد أن الكتابة
التارخيية ،يصعب عليها أن تنفصل عن األشكال األدبية التقليدية ،وأن ما تقدمه من تفسريات ليس
رسد منظ ٍم يف صورة حبكة وقابل للفهم(.((3 يف هناية األمر سوى ٍ
أثارت مقرتحات بول فاين ،وخاصة حديثه عن اختيارات املؤرخ ،ردود فعل عدة ،ننتقي
منها رد املؤرخ ميشيل دوسريتو ( )Michel de Certeauالذي وإن كان يتفق مع بول فاين حول مقولة:
إن أية كتابة تارخيية -أ ًيا كان شكلها -هي رسد ،وإن بناء هذا اخلطاب يتم وفق إجراءات رسدية تعيد
تنظيم العمليات البحثية .لكنه يؤكد ،من جانب أول ،عىل أن ما حيكم اختيارات املؤرخ ،فيام يتعلق
ببناء املوضوع وشكل العمل والكتابة ،ليس إشباع ذاتيته ،وإنام تتحد االختيارات بناء عىل موقع
املؤرخ ضمن مؤسسة وتأسيس للمعرفة .ومن جانب ثان فإن اتساق اخلطاب التارخيي ال يرجع
إىل احرتام األشكال األدبية التي تستعريها الكتابة التارخيية فقط ،وإنام إىل ممارسات خاصة يسميها
دوسريتو بـ«العملية التارخيية» (.((3()L’opération historique
( ((3ميلود بلعاليه دومه ،التواصل والتاريخ بحث يف فلسفة التاريخ عند بول ريكور( ،بريوت -وهران :دار الروافد الثقافية نارشون -ابن النديم للنرش
والتوزيع ،)2012 ،ص.115
(34) Paul Veyne, Comment on écrit l’histoire, suivi de Foucault révolutionne l’histoire, Paris, Seuil, 1971. p.36.
(35) Ibid., p. 13.
(36) Michel de Certeau, «L’opération historique», in Jacques Le Goff & Pierre Nora (dir.), Faire de l’histoire t.1: Nouveaux
Problèmes, Paris, Gallimard, 1974, p.19-68.
315
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
ومن أهم املجادالت التي أثريت حول موضوع الرسد التارخيي ،نجد األفكار التي آثارها
الباحث األمريكي هايدن وايت ( )Hayden Whiteيف كتاب حيمل عنوان ( Metahistoryما وراء
التاريخ) وقد صدر يف عام ( ، 1973((3أي متزامنًا مع كتابات بول فاين و ميشيل دوسريتو التي سبق
اإلشارة إليها .يتجاوز هايدن وايت مقولة رسدية التاريخ إلسقاط التمييز بني كافة أشكال الرسد،
وبالتبعية إسقاط كل متييز بني الكتابة التخييلية والتاريخ الذي تنتمي كتاباته يف رأيه إىل األدب أكثر مما
تنتمي إىل العلم .إن الكتابة التارخيية ،يف نظر وايت ،عىل الرغم من مكتسبات النقد التارخيي ،تبقى
يف النهاية عملية رسدية تعكس ما يسميه وايت :البنية العميقة للمخيال التارخيي .ويتقاطع التاريخ
مع الرسد يف إعادة تصوير الزمان ،ويف هذا السياق يقول وايت« :إن األحداث التارخيية متتلك
البنية نفسها التي يمتلكها اخلطاب الرسدي .وطبيعتها الرسدية هي التي متيز األحداث التارخيية عن
األحداث الطبيعية .وألن األحداث التارخيية متتلك بنية رسدية ،فللمؤرخني احلق يف اعتبار القصص
متثيالت صادقة عن هذه األحداث ،ومعاملة هذه التمثيالت بام هي تفسريات هلا»((.)((3
ً
تساؤل ،وهو: ويف سياق احلديث عن الرسد وعودته ،يطرح روجيه شارتييه ()Roger Chartier
ملاذا جتاهل التاريخ باستمرار حقيقة انتامئه إىل جنس الرسد؟ يف معرض إجابته عن هذا السؤال ،يرى
(((3
روجيه شارتييه أن جممل املقرتحات التي تدور حول فكرة انتامء الكتابة التارخيية إىل جنس الرسد
قد ترتب عنها عدد من النتائج ،لعل أبرزها رضورة مراجعة مقولة عودة الرسد؛ فالرسد مل خيتف حتى
يعود ،وإنام تعددت وتغريت أشكاله .فالسري املتقاطعة لألفراد كام يتناوهلا امليكرو تاريخ (Micro-
)histoireختتلف عن الرسديات البنائية الكربى للتاريخ الشامل ،بقدر ما ختتلف عن الرسديات
اإلحصائية لتاريخ السالسل( .((4أما النتيجة الثانية فتتمثل يف رصد واستكشاف اخلصائص املميزة
للرسد التارخيي ،وهو األمر الذي تناوله عدد من الدراسات ،منها ما يركز عىل أنامط الكتابة التارخيية،
ومنها ما يركز عىل تباين واختالف أشكال الكتابة التارخيية بني مؤرخني ينتمون إىل املدارس نفسها
أو إىل املجموعات عينها.
واجهت مقولة عودة الرسد انتقادات كبرية ،فلقد رأى بعضهم ،أن يف تلك العودة ،عودة إىل
(37) Hayden White, Metahistory: the Historical Imagination in Nineteenth-Century Europe. Baltimore: Johns Hopkins UP, 1973.
( ((3هايدن وايت« ،ميتافيزيقا الرسدية» ضمن كتاب الوجود والزمان والرسد فلسفة بول ريكور ،سعيد الغامني(مرتجم)( ،الدار البيضاء -بريوت :املركز
الثقايف العريب ،)1999 ،ص.189
(39) Roger Chartier, Au bord de la falaise. L’histoire entre certitudes et inquiétude, Paris, Albin Michel, 1998, p. 87& 10.
( ((4إميان فرج ،ما بعد الحوليات قراءة يف املنعطف النقدي ،مرجع سابق ،ص.24
316
العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018 دراسات
احلدث يف صورته التقليدية ،وهو ما رأى فيه بعض آخر عالمة عىل إخفاق املرشوع األصيل للحوليات
التي عارضت فكرة احلدث الذي أقيص مدة طويلة من جمال التاريخ والعلوم االجتامعية .وعندما
ضمن موريس كروبلييه )Maurice Crubellier( ،سنة ،1965يف برنامج ملتقى التاريخ االجتامعي الذي
انعقد يف سان كلو ( )Saint-Cloudمتجيدً ا للحدث ،وبالغ يف ذلكُ ،عدت مداخلته متجيدً ا للحدث.
وقيل آنذاك :إن حماولته ليست سوى مرافعة دفاعية عن قضية خارسة( .((4ثم بعد عرش سنوات من
(((4
ذلك ،عندما أعلن بيري نورا ( )Pierre Noraيف الكتاب اجلامعي( Faire de l’histoireصناعة التاريخ)
مؤرخا للعرص احلارض -عنف احلدث الذي أصبح يفرض نفسه ً عودة احلدث ،فهو ليسجل -بوصفه
من دون مناقشة ،ويزداد احلدث هنا ضخامة من خالل املبالغة التي تضفيها عليه وسائل اإلعالم ،إهنا
جتسيد للفكرة القوة التي تتحول إىل واقع مادي عندما جتتاح اجلامهري بحسب الفكرة الشهرية لكارل
ماركس (.((4()Karl Marx
حييل التاريخ الراهن إىل احلدث؛ فاالهتامم بالراهن هو «عودة إىل احلدث» ،أو إىل ما سامه
بعضهم «هنضة احلدث»( .((4ولقد ارتبطت عودة االهتامم باحلدث -بحسب عبد األحد السبتي-
بجملة من التطورات أو العوامل التي أفسحت أمامه املجال ،لكي يلج حقل التاريخ .ويف ما يأيت
عرض ألهم التفاصيل(:((4
أالدور الذي لعبته وسائل اإلعالم التي أسهمت يف صنع احلدث ،ثم جعلته يف وضع مميز بالنسبة .
إىل التاريخ املعارص؛ فاحلدث أصبح يفرض نفسه عىل مستوى عام بفضل وسائل اإلعالم من
جهة ،ومن خالل التأثري الذي أصبح يامرسه عىل الرأي العام من جهة أخرى.
(41) Maurice Crubellier, « L’événement en histoire sociale », L’histoire sociale. Sources et méthodes, colloque de l’école normale
supérieure de Saint- Cloud, 15 -16- mai 1965, Paris, Presses universitaires de France, 1967, p. 35-43
(42) Pierre Nora, « Le retour de l’événement » in Jacques Le Goff, Pierre Nora (dir.), Faire de l’histoire t.1: Nouveaux Problèmes,
Paris, Gallimard, 1974.
( ((4ميشيل فوفيل« ،التاريخ واألمد الطويل» ضمن كتاب التاريخ الجديد ،ص.178
( ((4عبد األحد السبتي ،التاريخ وأزمنة الحدث ،مرجع سابق ،ص 9.
( ((4املرجع نفسه ،ص 10.-9
317
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
بإمكان االنطالق من احلدث كمؤرش عىل البنيات ومبلور هلا .ولعل أمثل الدراسات يف هذا .
املضامر دراسة جورج دويب ( )Georges Dubyحول ( Le Dimanche de Bouvineمعركة يوم
األحد يف بوفني)( .((4حيث جعل من احلدث موضو ًعا للتاريخ من خالل حتليل عميق وشامل
مركزا عىل اآلثار التي خلفتها عىل مر الزمان ،فاملعركة ال تعنى ذلك
ً ألطوار هذه املعركة،
أيضا أصبحت ذكرى يف املخيال اجلامعي لألمة .فعند حتليله للمعركة احلدث املشهور ،ولكنها ً
يركز دويب عىل آثار احلدث الذي بدأ حيتل منزلة كربى ،وهذا ما فعله بيري نورا يف كتابه Les
أيضا أن احلدث ( lieux de mémoireأماكن الذاكرة) ( .((4ويرى جاك روفيل (ً )Jacques Revel
الذي يلعب يف الوقت نفسه دور الذاكرة واخلرافة يف املتخيل االجتامعي ،يسمح باستقراء هذا
املتخيل االجتامعي ذاته ،وهذا املتخيل يلعب يف الوقت نفسه دور الذاكرة واخلرافة بالنسبة إىل
هذا املجتمع(.((4
تازدواجية دور األنثروبولوجيا التي اهتمت يف أول األمر باملجتمعات الباردة التي ال هتتم .
باحلدث ،ثم انتقلت يف مرحلة ثانية إىل املجتمعات الساخنة لتدرس املستويات البطيئة أو
اجلامدة( .((4وهكذا أسهمت يف إقصاء احلدث يف عرص أو مرحلة تاريخ البنيات( .((5لكنها
أيضا يف إغناء التجربة بخصوص احلدث ،وذلك من خالل إعادة النظر يف مسألة أسهمت ً
البنيات وما يعرتهيا مع مرور الزمن -ولعل هذا ما جعلها تقرتب من أطروحات بروديل ،وال
سيام مسألة احلدث (الزمن رسيع اإليقاع) .وهلذا دخل الفرد واحلدث يف ورشة األنثروبولوجيا
بحسب التعبري األمريكي ،أو اإلثنولوجيا بحسب التعبري األورويب( .((5لقد أسعف علم
أيضا ،ومن ثم بناء نوع من التواصل
االجتامع السيايس يف عودة احلدث ،واإلثنولوجيا السياسية ً
318
العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018 دراسات
بني السيايس واالجتامعي .لقد أصبح احلدث يدل عىل سياق حمدد وعن حالة بعينها؛ أي :عن
تراكم أشياء صغرية تتحول إىل حدث .كذلك هي املعركة ،وكذلك هو االنتصار أو اهلزيمة ،إهنا
تعابري عن سياقات وحاالت وأوضاع حمجوبة ،وعىل املؤرخ نزع حجاهبا .ولعل هذا ما فعله
بروديل يف متوسطه(.((5
ثعودة االهتامم بالتاريخ السيايس الذي شهد انتعاشة ،منذ هناية سبعينيات القرن املايض ،ومن .
مقترصا عىل الظواهر
ً مظاهر هذا االهتامم ،اكتساح التاريخ السيايس جماالت جديدة؛ إذ مل يعد
الدبلوماسية والعسكرية ،وإنام امتد لكي يشمل أحداث الساعة ،يف إطار ما يعرف بالتاريخ
املبارش أو تاريخ الزمن الراهن ،وكذا بفعل صعود موجة الذاكرة الفردية من خالل ما سمي
«بعرص الشاهد»(( .)((5ولقد أظهر التاريخ القريب استقاللية احلدث ومنزلته من خالل
اقتحامه -أي احلدث -لصريورات اجتامعية بمثل تداعيات احلروب.
إ ًذا ،متثل عودة احلدث إحدى أهم خصائص تاريخ الزمن الراهن؛ ذلك أن احلدث الذي عاد،
ليس هو ذلك احلدث الذي أبعدته احلوليات .بل إن األمر يتعلق بإعادة اكتشاف ،عوض عودة بروز،
ً
شكل خط ًيا أحاد ًيا ،وإنام عىل حد تعبري فرانسوا دوس ( ((5()François Dosseالذي مل يعط للحدث
وضعه ضمن سياق عام ،وهو تلك التحوالت التي ما فتئت تشهدها املعرفة التارخيية ،وال سيام خالل
القرن العرشينً .
فضل عىل أن جتديد اخلطاب التارخيي ،برأيه ،يمر عرب بوابة إحياء ما نبذته احلوليات
منذ البداية ،وهو احلدث الذي يشكل هوية التاريخ ،كام كانت يف املايض ،فنفي احلدث وإقصاؤه ،يقود
التاريخ عىل درب خطر انحالل ما كان يشكل قاعدة خلصوصيته ووظيفته ،إن خروج التاريخ من نفق
أزمته احلالية ،لن يتأتى إال بعد االعرتاف باحلدث( .((5ويف نظر فرنسوا دوس ،تعد مسألة إعادة املنزلة
للحدث رضورة لبناء تاريخ جديد ،يمر من خالله العمل التارخيي عرب جتاوز القطيعة بني احلارض
واملايض ،وبعالقة عضوية بينهام هتدف إىل أن تؤدي معرفة املايض إىل فهم أوضح للحارض .وال بد
من التأكيد هنا أن املؤرخ مل يعد ينظر إىل احلدث بالتصور السابق نفسه ،كام أن احلدث كذلك ليس
مهم يف حد ذاته ،بل بام يعلن عنه ويؤول إليه ،بحسب ميشيل دوسريتو ،إنه صدى ومرآة للمجتمع؛ ًّ
(52) Fernand Braudel, La Méditerranée et le monde méditerranéen à l’époque de Philippe II (1558-1598), Trois tomes, Paris,
Armand Colin, 1949.
(53) Voir: Annette Wieviorka, l’ère du témoin, Paris, Hachette, 1998.
(54) François Dosse, Renaissance de l’événement, Paris, PUF, 2010, p.361.
( ((5فرانسوا دوس ،التاريخ املفتت من الحوليات إىل التاريخ الجديد ،مرجع سابق ،ص 378.
319
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
بل إننا نالحظ عالقة بني نوع املجتمع ونوع األحداث الذي تظهر فيه( .((5ونفس املعنى تقري ًبا نجده
عند الصحفي واملؤرخ الفرنيس جان الكوتري ( ((5()Jean Lacoutureالذي رأى أن أمهية احلدث تكمن
يف صداه؛ أي يف النتائج واآلثار املرتتبة عنه ،وهذا يف نظره هو أكرب جتديد عرفه احلدث ،الذي بفضله
ال يمكن احلديث عن عودة بسيطة للحدث باملعنى الكالسيكي للمصطلح ،ففي حني كانت العادة
يف السابق هي إعطاء القيمة ملا قبل احلدث ،فإن األمهية اآلن أصبحت ملا بعد احلدث(.((5
سجل احلدث حضوره بقوة يف السنوات األخريات من القرن املايض ،بعد أن متت االستعاضة
بمفهومات البنية واملدة الطويلة والتاريخ الساكن ،عن مفهومات الفوىض اخلالقة ونظرية الكوارث،
والقطيعة والتحول .ومل يستوعب هذا االنقالب التاريخ وحده ،بل كان عا ًما ،وشمل العلوم
اإلنسانية كلها ،وهو ما يشهد عىل اهتامم جديد باملستجدات الطارئة( .((5لقد تنبه املؤرخون ،ال سيام
بعد التطورات التي عرفها العامل منذ سقوط جدار برلني سنة 1989إىل اخلطر املتمثلة يف التامدي يف
تبخيس احلدث .ولقد وجد هؤالء أنفسهم يف جلة وقائع ثورية ،ومن ثم مل يكن من بد لدهيم سوى
مراجعة قناعاهتم القديمة التي كانت تستخف باحلدث(.((6
إن التبئري من جديد عىل احلدث ،يأيت يف سياق التناوالت اجلديدة ،التي تسعى منذ مدة إىل رد
املنزلة للتاريخ املسمى بالوقائعي .ويتم ذلك بواسطة مساءالت واستفهامات جديدة؛ ذلك أن مساءلة
احلدث تظل مركزية يف التأمالت التارخيية كلها ،السيام يف مسألة احلقيقة .يقول إدغار موران (Edgar
:«)Morinإن كل يشء يقيص فجائية احلدث وعدم مناسبته ،هو رشح يستبعد املعلومة التي ينبغي أن
حتمل إلينا احلدث»( .((6ويف املعنى نفسه كتب جاك جوليار« :إن احلدث يف شكله السيايس خاصة،
ال ينبغي اعتباره جمرد نتاج .إن احلدث ليس حبة الرمل التي حتولت إىل لؤلؤة يف جسد املحار -البنية؛
منتجا لبنية»(.((6
بل عىل العكس من ذلك إنه بسبب جتسيده لنقطة تقهقر التاريخ ،قد أصبح بدوره ً
( ((5رضوان مبارك« ،التاريخ وعلوم املجتمع» ،مجلة أمل التاريخ ،الثقافة ،املجتمع ،العدد ،3السنة األوىل ،1993 ،ص28.
( ((5جان الكوتري« ،التاريخ اآلين» ،ضمن كتاب التاريخ الجديد ، ،جاك لوغوف (إرشاف) ،محمد الطاهر املنصوري (مرتجم) ،عبد الحميد هنية (مراجعة)،
(بريوت :املنظمة العربية للرتجمة ،)2007 ،ص.396
(58) François Dosse, Renaissance de l’événement, Paris, PUF, 2010, p.361.
(59) François Dosse, « Evénement » in Christian Delacroix, François Dosse, Patrick Garcia, et Nicolas Offenstadt, (dir.),
Historiographies. Volumes 2 Concepts et débats, Paris, Gallimard, 2010, p.744.
(60) François Bédarida, «l’histoire du temps présent », op.cit., p.31.
(61) Ibid., p.31.
(62) Jacques Julliard, «La politique» in Jacques Le Goff, et Pierre Nora (dir.), Faire de l’histoire t.2: Nouveaux Problèmes, Paris,
320
العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018 دراسات
مل يعد ينظر إىل البنيوي والظريف واملدة البعيدة واحلدثي ،عىل أساس أهنا ألفاظ متناقضة؛
فاحلدث وفق الفهم الذي أعطاه عبد األحد السبتي ،يمكن أن يفيد يف معرفة ما حتت احلدث؛ أي:
أيضا ،يمكن أن حيصل عىل صفة البنية ،يف حالة إذا ما متكن يف الكشف عن البنية( ،((6بل إن احلدث ً
الباحث صياغة إشكاليات ،قد تساعده يف إغناء قراءته للمصادر( .((6وبتعبري آخر« :فقد يكون احلدث
انعكاسا هلا ،أو عامل حتوهلا ،حيث هيدم احلدث
ً مؤرشا إليها ،أو
ً نقطة مالحظة مالئمة إلدراك البنية ،أو
بنيات تقليدية ،ويؤسس مكاهنا بنيات جديدة .وهنا ،يتعني لفت النظر إىل أن األحداث تغادر سطحها
التارخيي الرسدي ،حني تفصح عن منطقها الداخيل؛ وهو منطق ينقلها من التناثر إىل االنتظام»(.((6
(((6
شكل رقم ( )2االمتدادات املنهجية لثنائية احلدث/البنية
البنية احلدث
تاريخ االقتصاد ،واملجتمع ،والتصورات تاريخ سيايس ،دبلومايس ،وعسكري
ضد االقتصار عىل الوثيقة املكتوبة ،استثامر
الوثيقة املكتوبة فقط
احلفريات ،الرواية الشفوية...إلخ
استحضار مايض املجتمع بفئاته كلها. تاريخ الدولة ،أيديولوجية الدولة
سياق األزمات االقتصادية وتصاعد الرصاع
سياق تركز الدولة وتأجج املشاعر القومية
االجتامعي
321
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
بناء عىل كل ما تقدم من أفكار وحماور هذه الورقة البحثية ،أمكن لنا وضع بعض القضايا
األساسية هلذا البحث عىل النحو اآليت:
أإن جممل التغريات أو التجديدات التي مست براديغم ( )Paradigmeالعمل التارخيي يف الصميم، .
وخاصة يف النصف الثاين من القرن العرشين ،حني مل يعد التاريخ حمض مطلب نظري يستهدف
البحث يف املايض من أجل ماض فحسب؛ بل صار التاريخ مطل ًبا اجتامع ًيا ال يعزل فيه املايض عن
حارض اجلامعة أو الفرد ،وال يمكن بذلك القفز عىل جدلية املايض /احلارض .كل هذه التغريات
حاسم يف إعادة
ً دورا
ستؤدي إىل استعادة مفهوم احلدث ،وهي االستعادة املفهومية التي لعبت ً
إدماج الزمن احلارض ضمن إقليم أو جمال املؤرخ ،بعد أن كانت املفهومات ،كاملدة الطويلة ،هي
املهيمنة عىل حقل البحث التارخيي الفرنيس حواىل ربع قرن من الزمان.
بدعا بروديل إىل جتاوز الزمن القصري الذي حيتويه؛ ألنه زمن كرونولوجي .تربز هنا اإلمكانية .
لكتابة تواريخ تصب كلها يف ذات التاريخ الكيل ( :)Histoire totalأوهلا ،تاريخ جغرايف هيتم
بدراسة الطبيعة أو املكان .وثانيها ،تاريخ ظريف اجتامعي هيتم بدراسة املجتمع واحلضارة.
وثالثها ،تاريخ حدثي سيايس .وهي ال تعني عودة التاريخ الوضعاين؛ بل -عىل العكس -تبني
وحتدد احلدث .وهكذا يكون بروديل قد قلب الفهم اخلطي للزمن عىل نحو يكرس فكرة الزمن
الواحد املتجانس اخلطي .وباملقابل استنباطه مفهومات عملية ألزمنة متعددة ملجتمع تارخيي،
عىل شاكلة األزمنة االجتامعية التي حددها موريس هالفاكس (.((6()Maurice Halbwachs
جيب إنشاء تسلسل زمني علمي جديد ،حيدد تاريخ الظواهر بحسب مدة فاعليتها ،وليس بزمن
حدوثها.
تإن تشكيل احلدث مرهون بعملية حتبيكه ()Mise en intrigue؛ فهو الوسيط الذي يضمن جتسيد .
املعنى للتجربة اإلنسانية يف الزمن .األمر الذي يستدعي رضورة مراجعة مفهوم احلدث ،من
حيث هو مكون رسدي ،والزمن احلدثي من حيث هو زمن مروي .وال عجب ،أن يعاد للرسد
مكانته ضمن حقل الكتابة التارخيية املعارصة ،إيامن ًا بأطروحته التي ترى بأن األحداث التارخيية
ال ختتلف يف جوهرها عن األحداث املؤطرة بواسطة حبكة ما ،وبأن التاريخ األكثر ابتعا ًدا
عن الشكل الرسدي ،يظل مرتب ًطا باستمرار بالفهم الرسدي .ولقد سبق أن بني بول فاين هذه
(67) Maurice Halbwachs, Les cadres sociaux de la mémoire, Paris, Albin Michel, 1994.
322
العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018 دراسات
اخلصوصية ،عندما رصح بأن التاريخ يظل رواية حقيقية( ،((6ما دام احلدث ليس فقط ما وقع؛
بل ما يمكن أن يروى .وبتعبري آخر خمترص :ال وجود حلدث إال كحدث بمقياس احلبكة.
.ثيعيد تاريخ الزمن الراهن املنزلة إىل التاريخ احلدثي؛ بل إن فكرة عودة احلدث عُدّ ت إحدى
أهم اخلصائص املميزة هلذا التاريخ (الزمن الراهن) ،بعد أن كانت مفهومات ،كاملدة الطويلة،
هي املهيمنة يف حقل البحث التارخيي الفرنيس قرابة ربع قرن من الزمان .إن احلدث الذي عاد،
ليس هو ذلك احلدث الذي أبعدته احلوليات؛ أي :احلدث الذي يتناسب مع توجهات املدرسة
الوضعانية؛ بل إن املقصود هو بعث احلدث املرتبط بالبنية .وبمعنى آخر :االهتامم باحلدث
من زاوية ختطي التفسري السببي اخلطي ( )Causalité Unilinéaireباجتاه مقاربة هريمينوطيقية
( )Herméneutiqueحتاول تفسري احلدث وتأويله؛ وذلك بالنظر إىل ما خيلفه من آثار يف الفكر
والواقع .أصبح احلدث التارخيي إذن ُيتناول يف سياقه االجتامعي والسيايس واالقتصادي،
وهكذا ابتعد املؤرخون عن الرسد ،الرصف للواقعة أو للحدث ،إىل التحليل والرشح الوظيفي
بدل الفهم والرسد .ولقد فتحت هذه املسألة الباب أمام آليات وتقنيات أكثر دقة يف البحث
فضل عىل أن األحداث التارخيية هي املوضوعة يف إطار تصور ،وهو ما يعني :أن ً التارخيي.
املؤرخ حيول احلدث ،أي حدث ،إىل مادة تارخيية عندما يضعه يف تسلسل زماين معني .ولذلك،
ملموسا ،وتركي ًبا نظر ًّيا يقوم املؤرخ بتأليفه .إذ يعد املؤرخ
ً جيب التمييز بني احلدث بوصفه واق ًعا
ملموسا ،أما املؤرخ املعارص فإنه يعرتف بأن احلدث مركب نظري ،ألفه ً التقليدي احلدث واق ًعا
تب ًعا هلمومه التي هي مهوم عرصه وتساؤالته .نحن إذن أمام تصورات واستعامالت جديدة
للحدث ،فعوض تاريخ اجتامعي يقيص احلدث ،يمكن احلديث عن تاريخ اجتامعي للحدث.
كثريا من األسئلة األخرى التي ختلينا عنها يف هذه الورقة البحثية ،يمكن أن تكون إننا نشعر بأن ً
مناسبة ملقاربة أعامل أخرى بعينها ،من أجل فحص أكثر مهنية وأكثر تارخيية .إذ ما يزال إمكان البحث يف
موضوع احلدث قائمة ومستمرة يف الزمن؛ ألن كل ما أنجزناه حوله ،قد كان يرتبط بمخططنا يف البحث،
ال يتجاوزه ،وال يتخطاه .هلذا ،فقد شكل حلظة ضمن سريورة عامة ،وظلت قضايا أخرى كثرية تتعلق
به وبمنهجه ،من دون بحث معمق أو مراجعة دقيقة .وهو ما يؤرش عىل ممكن من بني ممكنات أخرى يف
البحث وقفنا عليها ،ونحن نركب ونبني معطيات ونتائج بحثنا؛ فنكون قد أسهمنا يف األحوال كلها يف
ترتيب بعض القضايا ،ذات الصلة املبارشة بموضوعنا وبكيفية إبستيمولوجية.
(68) Paul Veyne, Comment on écrit l’histoire, suivi de Foucault révolutionne l’histoire, op.cit., p.13.
323
دراسات العدد السابع -تشرين األول /أكتوبر 2018
.1املراجع العربية
.1بروديل .فرناند ،قواعد لغة احلضارات ،اهلادي التيمومي(مرتجم)( ،بريوت :املنظمة العربية
للرتمجة.)2009 ،
.2بوميان .كريزيستوف ،التاريخ اجلديد :تاريخ البنى ،جاك لوغوف (إرشاف) ،حممد الطاهر املنصوري
(مرتجم) ،عبد احلميد هنية (مراجعة)( ،بريوت :املنظمة العربية للرتمجة.)2007 ،
.3حبيدة .حممد ،كتابة التاريخ :قراءات وتأويالت( ،الرباط :دار أيب رقراق للطباعة والنرش.)2013 ،
.4دوس .فرانسوا ،التاريخ املفتت من احلوليات إىل التاريخ اجلديد ،حممد الطاهر املنصوري (مرتجم)،
(بريوت :املنظمة العربية للرتمجة.)2009 ،
.5دومه .ميلود بلعاليه ،التواصل والتاريخ بحث يف فلسفة التاريخ عند بول ريكور( ،بريوت-
وهران :دار الروافد الثقافية نارشون -ابن النديم للنرش والتوزيع.)2012 ،
.6السبتي .عبد األحد ،البحث يف تاريخ املغرب حصيلة وتقويم :التاريخ االجتامعي ومسألة املنهج:
مالحظات أولية( ،منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية يف الرباط.)1989 ،
،---------- .7التاريخ وأزمنة احلدث( ،الرباط :منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية.)2012 ،
.8فرج .إيامن ،ما بعد احلوليات قراءة يف املنعطف النقدي( ،القاهرة :مركز الدراسات والوثائق
االقتصادية والقانونية واالجتامعية.)2005 ،
.9فوفيل .ميشيل وجان الكوتري ،التاريخ اجلديد ،جاك لوغوف (إرشاف) ،حممد الطاهر املنصوري
(مرتجم) ،عبد احلميد هنية (مراجعة)( ،بريوت :املنظمة العربية للرتمجة.)2007 ،
.10نجم .نرص جعفر ،األنثروبولوجيا التارخيية األسس واملجاالت يف ضوء مدرسة احلوليات
الفرنسية( ،بغداد :دار أوما للطباعة والنرش.)2013 ،
.11وايت .هايدن ،الوجود والزمان والرسد فلسفة بول ريكور ،سعيد الغانمي (مرتجم)( ،الدار
324
2018 أكتوبر/ تشرين األول- العدد السابع دراسات
.)1991 ، دار الطليعة: (بريوت، الزمان التارخيي من التاريخ الكيل إىل التواريخ الفعلية، سامل. يفوت.12
املراجع األجنبية.2
1. Aron Raymond, Leçons sur l’histoire, (Paris: Editions de Fallois, 1989).
2. Bastide Roger, Sens et usages du terme Structure dans les sciences humaines et sociales, (Paris :
La Haye, Mouton, 1963).
3. Bourdé Guy et Martin Hervé, Les écoles historique (Paris: Seuil, 1983.)
4. Braudel Fernand, « Histoire et Sciences sociales: La longue durée », in Annales. Économies,
Sociétés, Civilisations. Vol. 13, n° 4 - oct. déc. 1958.
7. Chartier Roger, Au bord de la falaise. L’histoire entre certitudes et inquiétude, (Paris: Albin
Michel, 1998).
10. De Certeau Michel, «L’opération historique», in Jacques Le Goff & Pierre Nora (dir.), Faire de
l’histoire t.1: Nouveaux Problèmes, (Paris : Gallimard, 1974).
11. Dosse François, « Evénement » in Christian Delacroix, François Dosse, 12: 12. Patrick Garcia, et
Nicolas Offenstadt, (dir.), Historiographies. Volumes 2 Concepts et débats, (Paris : Gallimard, 2010).
325
دراسات 2018 أكتوبر/ تشرين األول- العدد السابع
14. -------------, « Histoire du temps présent », in Christian Delacroix, François Dosse, Patrick
Garcia, et Nicolas Offenstadt, (dir.), Historiographies. volumes 1 Concepts et débats, (Paris :
Gallimard, 2010).
17. Julliard Jacques, «La politique» in Jacques Le Goff, et Pierre Nora (dir.), Faire de l’histoire t.2:
Nouveaux Problèmes, (Paris : Gallimard, 1974).
19. Nora Pierre (dir.) Les lieux de mémoire, (Paris : Gallimard, 1984-1993).
20. ---------------, « Le retour de l’événement » in Jacques Le Goff, Pierre Nora (dir.), Faire de
l’histoire t.1: Nouveaux Problèmes, (Paris : Gallimard, 1974).
21. Ricœur Paul, « L’histoire comme récit », in Tiffaneau, Dominique, (dir.), La Narrativité, (Paris:
Éditions du CNRS, 1980).
22. ------------, Temps et récit, 3 vol., (Paris, Éditions du Seuil, 1983, 1984, 1985).
23. Simiand François, « Méthode historique et science sociale », Revue de synthèse historique 1903,
(repris dans les Annales ESC, 1960).
24. Soulet Jean-François, L’histoire immédiate historiographie, sources et méthodes, (Paris: Armand
Colin, Collection U, 2009).
25. Veyne Paul, Comment on écrit l'histoire, suivi de Foucault révolutionne l’histoire, (Paris: Seuil,
1971).
326
2018 أكتوبر/ تشرين األول- العدد السابع دراسات
327