Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 25

‫بحث‪:‬‬

‫الفكر السياسي عند الرومان‬


‫قبل وبعد ظهور املسيحية‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫املقدمة‬

‫الفصل األول الفكر السياسي عند الرومان‬

‫املبحث األول‪ :‬الفكر السياسي عند الرومان قبل املسيحية‬


‫املبحث الثاني‪ :‬الفكر السياسي عند الرومان بعد املسيحية‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الفيلسوف شيشرون‬

‫املبحث األول‪ :‬السيرة الذاتية لشيشرون‬

‫املبحث الثاني‪ :‬أفكار شيشرون السياسية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الفيلسوف سنيكا‬

‫املبحث األول‪ :‬السيرة الذاتية لسنيكا‬

‫املبحث الثاني‪ :‬أفكار سنيكا السياسية‬

‫الخاتمة‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫لقد عرف الفكر السياسي اإلنساني تطورا كبيرا عبر العصور والحضارات املختلفة‪ ،‬وتطور مع تطور‬
‫مراحل املجتمعات‪ ،‬من مرحلة الالهوت الى امليتافيزيق‪ ،‬ثم الى املرحلة‪ E‬الوضعية‪ ،‬وتأثر كثيرا بالديانات السماوية‬
‫على غرار الحضارات واالمبراطوريات املتعاقبة‪ ،‬في عملية تراكمية تكاملية‪ ،‬استفاد منها االنسان‪ ،‬والفكر السياسي‬
‫الشرقي والغربي في آن واحد‪.‬‬

‫لقد استفادت الحضارة واالمبراطورية الرومانية من هذا الزخم الكبير‪ ،‬الذي ورثته عن الحضارة اليونانية‪،‬‬
‫واملدارس التي ظهرت على غرارها‪ ،‬االبيقورية و الرواقية‪ ،‬وكذا الديانة املسيحية التي تأثرت‪ E‬بها حيال ظهورها‪،‬‬
‫فاعتبرت وريثة ملقدونيا ومصر واملمالك اآلسيوية‪ ،‬واإلمبراطوريات التي سبقتها‪ ،‬على غرار اإلمبراطورية‬
‫القرطاجية والفرعونية واالغريقية‪ ،‬حيث تزعمت السيطرة على جزئ كبير من العالم‪ E‬و لقرون عدة‪ ،‬فاختلطت‬
‫فيها ثقافات الشعوب األوروبية وشعوب الشرق‪ ،‬على نحو أوجد مزيجا فكريا‪ ،‬عمل عدد من املفكرين منهم‬
‫شيشرون على تطويره‪ E‬وصبغه بالصبغة الرومانية وحتى تكييفه مع الديانة الجديدة التي اعتنقتها اإلمبراطورية‬
‫الرومانية املسيحية كاملفكر والسياسي املرموق سنيكا‪.‬‬

‫فكيف كان الفكر السياسي لإلمبراطورية الرومانية قبل وبعد املسيحية؟‬

‫وما هي اسهامات مفكريها على غرار شيشرون و سنيكا؟‬

‫‪2‬‬
‫الفصل األول‬
‫الفكر السياسي عند الرومان‬

‫املبحث األول‪ :‬الفكر السياسي عند الرومان قبل املسيحية‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الفكر السياسي عند الرومان بعد املسيحية‬

‫‪3‬‬
‫املبحث األول‬
‫الفكر السياسي عند الرومان قبل املسيحية‬

‫ظهرت الحضارة الرومانية منذ أن أنشئت روما سنة ‪ 754‬ق‪.‬م‪ .‬على الضفة اليسرى لنهر التيبر من قوم‬
‫يسمون بالالتينيين والذين أغار عليهم االتریسك بسكان ايطاليا واستولوا على املدينة‪ ،‬وبدا منذ ذلك الوقت‬
‫التاريخ الروماني‪ ،‬ويرجع ازدهار القانون الروماني الذي تأثرت به معظم قوانين دول العالم الى رجال القانون‬
‫الشرقيين في القسطنطينية وبيروت واالسكندرية وخاصة في عهد االمبراطور جستنيان الذي حكم‬
‫القسطنطينية ‪ 527‬ميالدية الى ‪ 565‬م‪ ،‬وبعد ذلك بدأت اإلمبراطورية الرومانية الشرقية في االضمحالل عقب‬
‫الفتوحات اإلسالمية لبالد الشام سنة ‪ 636‬ميالدية ومصر سنة ‪ 641‬ميالدية ثم استيالء االتراك العثمانيون‬
‫‪1‬‬
‫على القسطنطينية سنة ‪1453‬م‪.‬‬

‫تزعمت روما حركة السيطرة واإلمبراطورية‪ ،‬فاعتبرت وريثة ملقدونيا ومصر واملمالك اآلسيوية‪ ،‬بما‬
‫أوجد عاملا تتركز فيه الحضارة تحت حكم سياسي واحد‪ ،‬ولقد ارتبط العصر الروماني بالصورة النمطية عن‬
‫ّ‬
‫قوة الجيش الروماني‪ ،‬واتساع اإلمبراطورية الرمانية‪ ،‬وتعاقب الحكام واألباطرة‪ ،‬وبكون روما وريثة‬
‫لإلمبراطوريات التي سبقتها‪ ،‬على غرار اإلمبراطورية القرطاجية والفرعونية واالغريقية‪ ،‬وكذا ثقافات‬
‫الشعوب األوروبية وشعوب الشرق األوسط‪ ،‬على نحو أوجد مزيجا فكريا‪ ،‬عمل عدد من املفكرين الرومان‬
‫على قولبته بمقتضيات الواقع‪ E‬الروماني‪.2‬‬

‫والواقع أن الرومان الذين برعوا في النواحي العسكرية وفي التخطيط الحربي‪ ،‬أوجدوا منظومة قانونية‬
‫متميزة‪ ،‬كانت عماد التشريعات‪ E‬الالحقة‪ ،‬غير ّأن ذلك ال ينف عددا من االسهامات في مجال الفكر السياسي‪،‬‬
‫التي تعززت أكثر مع ظهور الدين املسيحي‪ ،‬الذي بدأ مضطهدا ومطاردا في أرجاء اإلمبراطورية‪ ،‬ليصير الدين‬
‫الرسمي لها‪ ،‬ويطرح موضوعات فصل الدين عن الدولة‪ ،‬ودور الكنيسة‪ ،‬وكذا ادخال القيم االيمانية‬
‫واألخالقية في تبرير الفعل السياسي‪.‬‬

‫ّ‬
‫تأث ر الرومان بأفكار الرواقية واألبيقورية وما تضمنته عن مفاهيم العاملية والقانون‪ ،‬وقد استمر تأثير‬
‫الفك‪EE‬ر السياسي االغ‪EE‬ريقي ملدة‪ ،‬ع‪EE‬رفت باملرحل‪EE‬ة الهلنس‪EE‬تية ‪ Hellenistic3‬في الت‪EE‬اريخ الروم‪EE‬اني‪ ،‬غ‪EE‬ير أن اتس‪EE‬اع‬
‫حتم تط‪EE‬وير منظوم‪EE‬ة قانوني‪EE‬ة تض‪EE‬بط‬ ‫اإلمبراطوري‪EE‬ة الروماني‪EE‬ة‪ ،‬وك‪EE‬ذا دور الق‪EE‬وة العس‪EE‬كرية في حف‪EE‬ظ ه‪EE‬ذا االتس‪EE‬اع‪ّ ،‬‬

‫شؤون هذه الدولة‪ ،‬وتسهر على تنظيم اإليرادات‪ ،‬وتوزيع املسؤوليات فيها‪ ،‬وتحديد العقوب‪EE‬ات وتنفي‪EE‬ذها‪ ،‬ع‪EE‬بر جه‪EE‬از‬
‫قانوني وتسلسل سياسي ومؤسساتي‪.‬‬
‫‪ 1‬د‪ .‬أبو اليزيد علي المتيت‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر‪ ،1980 ،‬ص ‪37‬‬
‫‪ 2‬حميداني سليم‪ ،‬الفكر السياسي في العصور القديمة والوسطى‪ ،‬مطبوعة بيداغوجية‪ ،‬جامعة قالمة‪ ،2016 ،‬ص‪53‬‬
‫‪ 3‬نفس المكان‬

‫‪4‬‬
‫ولقد مر الحكم الروماني بعدة مراحل قبل اعتناقه الديانة‪ E‬املسيحية من مرحلة امللكية الى الجمهورية‪:‬‬

‫العصر امللكي ‪ 789‬ق‪.‬م‪ 509 X-‬ق‪.‬م‪X:‬‬


‫كان املجتمع الروماني في العصر امللكي مجتمعا محدود العدد‪ ،‬مغلقا في عالقاته الخارجية وبدائيا في نشاطه‬
‫االقتصادي‪ ،‬وكانت روما في ذلك العصر دولة مدينة‪ ،‬تتألف مؤسسات الحكم فيها‪:‬‬
‫امللك (‪ ،) Imperium‬الذي يملك سلطة مطلقة سواء في السلم أو الحرب (سلطة األمبريوم) و القائد‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫العسكري والقاضي األعلى ورئيس الكهنة‪ ،‬ولكن منصبه لم يكن وراثيا‪ ،‬وانما كان يجري اختياره فكان‬
‫يضم رؤساء األسر الكبيرة املتنفذة‪ ،‬عن طريق االختيار‪.‬‬
‫مجلس الشيوخ (سناتوس‪ ) Senatus‬وهو مجلس استشاري وسلطته معنوية وله الدور األول في اختيار‬ ‫‪-‬‬
‫امللك‪.‬‬
‫مجلس الجماعات‪ )Curiae ( E‬وكان إعالن الحرب واملصادقة على اختيار امللك يتطلب موافقة الشعب‬ ‫‪-‬‬
‫الذي يجتمع لهذا الغرض‪ ،‬في جماعات يتألف من املزارعين والرعاة والحرفيين‪ ) ،‬مجلس الجماعات‬
‫‪.)Curiae‬‬

‫العصر الجمهوري‪ 509 :‬ق‪.‬م‪ 27 X-‬ق‪.‬م‪X:‬‬


‫انتهى الحكم امللكي بثورة قام بها األشراف أدت إلى طرد آخر امللوك‪ ،‬واعالن الجمهورية نحو عام ‪ 509‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫ليصبح مجلس الشيوخ بمثابة الجهاز الرئيسي للجمهورية الرومانية‪ ،‬ولقد بدأ العصر الجمهوري الروماني بسيطرة‬
‫األشراف األرستقراطيين على مقاليد السلطة‪ ،‬واالستئثار بجميع االمتيازات السياسية والدينية والقانونية التي‬
‫تم االتفاق عام ‪ 100‬ق‪.‬م على تدوين القوانين‬‫يتمتعون بها‪ ،‬وحدث تطور مهم في شكل هذا النظام‪ ،‬حين ّ‬ ‫كان امللوك ّ‬

‫الرومانية‪ ،‬فيما أصبح يعرف بقوانين األلواح االثني عشر وهي أقدم مدونة للحقوق الرومانية‪ ،‬كما حصل العامة‬
‫على حق الزواج من األشراف‪ ،‬ونالوا في عام ‪ 367‬ق‪.‬م‪ ،‬حق تقلد القنصلية وأن يكون أحد القنصلين من العوام‪،‬‬
‫وأخيرا صارت قرارات مجالس العامة بموجب قانون هورتنسيوس عام ‪287‬ق‪.‬م‪ ،‬سارية املفعول على الشعب‬
‫‪4‬‬
‫الروماني بأكمله‪.‬‬
‫اكتمل كذلك الدستور الجمهوري وهو دستور مختلط يستفيد من حسنات ومزايا األنظمة امللكية‬
‫األرستقراطية والديمقراطية‪ ،‬يرتكز على ثالث دعائم تتمثل في مناصب الحكام ومجلس الشيوخ والجمعيات‪E‬‬
‫الشعبية‪ ،‬غير ّأن السلطة الفعلية كانت في الحقيقة بيد مجلس الشيوخ الذي كان يضم كبار رجال الدولة وممثلي‬
‫العائالت النبيلة‪.‬‬
‫اعتمد الرومان مفهوم التسلسل في الوظائف العامة الذي يحدد مناصب الحكام بالتدرج من األدنى إلى‬
‫األعلى‪ ،‬حيث يبدأ الحاكم سيرته باملناصب املالية‪ ،‬كويستور والبلدية‪ ،‬ثم يشغل منصب القضاء برايتور‪،‬‬

‫‪ 4‬د‪ .‬أبو اليزيد علي المتيت‪ ،‬ص ‪41‬‬

‫‪5‬‬
‫ّ‬
‫ويتوجه أخيرا ملنصب القنصل‪ ،‬وقد سمي هذا التسلسل سلم األمجاد‪ ،‬أو السلم الوظيفي‪ ،‬وكانت جميع هذه‬
‫الوظائف فخرية وسنوية‪ ،‬وتتم باالنتخاب ويشغلها على األقل اثنان يتمتع كل منهما بحق االعتراض‪.‬‬
‫إلى جانب هذه الوظائف النظامية‪ ،‬كان هناك وظائف استثنائية تتمثل في منصب الدكتاتور وترابنة العامة‬
‫ومراقبي اإلحصاء واألخالق العامة‪ ،‬وكان أولئك الحكام ينتخبون من قبل الشعب الروماني الذي كان ينتظم في‬
‫ً‬
‫مجالس شعبية أهمها الجمعيات‪ E‬املئوية وهي خاليا عسكرية تقسم املواطنين إلى خمس طبقات تبعا لثروتهم حيث‬
‫تستأثر الطبقة األولى بغالبية األصوات‪ .‬وكان يوجد إلى جانبها الجمعيات‪ E‬القبلية التي التحمت معها جمعيات‪ E‬العوام‪.‬‬
‫لقد شهد هذا العصر‪ E‬اتساع الدولة الرومانية إقليميا نتيجة الغزو‪ ،‬لتشمل أغلب حوض البحر األبيض‬
‫املتوسط‪ ،‬وأول أثار هذا التوسع أن أجهزة الحكم الجمهوري لم تعد قادرة على استيعاب هذا التوسع الذي أدى‬
‫الى النظام االمبراطوري‪.‬‬

‫العصر اإلمبراطوري ‪ 27‬ق‪.‬م‪ 476 -‬م‪:‬‬


‫يبدأ هذا العصر مع انفراد " غايوس أوكتافيو" ‪ 63‬ق‪.‬م‪ 14 -‬م بالسلطة‪ E‬سنة ‪ 27‬ق‪.‬م‪ ،‬والذي تسمى أيضا‬
‫باإلمبراطور أغسطس‪ ،‬واالمبراطور العظيم‪ ،‬نظير إنجازاته وقدرته على إدارة شؤون الحكم‪ ،‬وما أتيح له مهارات‬
‫عسكرية وإدارية‪.‬‬
‫ً‬
‫كونت إصالحاته‪ E‬السياسية أسس النظام االمبراطوري الجديد التي ترسخت على مدى نصف قرن تقريبا‬
‫من حكمه‪ ،‬ويمثل القرن األول لهذا العصر مرحلة نظام الحكم الفردي‪ ،‬والتي تشير إلى مضمون حقيقي من الحكم‬
‫الفردي املطلق‪ ،‬رغم املظهر‪ E‬الديمقراطي‪ E‬حول سلطة مجلس الشيوخ‪ ،‬حيث أن السلطة الفعلية كانت في يد‬
‫اإلمبراطور‪.‬‬
‫وفي هذا الزمان اعتنقت اإلمبراطورية الرومانية الديانة‪ E‬الجديدة املسيحية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫املبحث الثاني‬

‫الفكر السياسي عند الرومان بعد املسيحية‬

‫من بين األح‪EE‬داث الهام‪EE‬ة في الت‪EE‬اريخ السياس ي لإلمبراطوري‪EE‬ة الروماني‪EE‬ة؛ ظه‪EE‬ور املس‪EE‬يحية واعتن‪EE‬اق االم‪EE‬براطور‬
‫قس‪EE‬طنطين له‪EE‬ا س‪EE‬نة ‪ 314‬م‪ ،‬واعتباره‪EE‬ا دين‪EE‬ا لإلمبراطوري‪EE‬ة‪ ،‬خصوص‪EE‬ا بع‪EE‬د أن ج‪EE‬رى اجب‪EE‬ار الن‪EE‬اس على اعتناقه‪EE‬ا س‪EE‬نة‬
‫‪ 379‬م‪ ،‬ب‪EE‬أمر من االم‪EE‬براطور ثيودوس‪EE‬يوس األول وال‪EE‬تي ش‪EE‬هدت فيه‪EE‬ا أك‪EE‬ثر األح‪EE‬داث ت‪EE‬أثيرا في العص‪EE‬ر االم‪EE‬براطوري‪ ،‬و‬
‫هو انقسام اإلمبراطورية إلى قسمين‪ ،‬شرقية و غربية‪.‬‬
‫توطدت دعائم االمبراطورية الرومانية الشرقية على أسس جديدة‪ ،‬بعاصمة جديدة هي القسطنطينية‪ ،‬في‬
‫حين أن االمبراطورية الغربية وعاصمتها روما‪ ،‬تراجعت أهميتها‪ E‬وعانت الحروب وغزوات القبائل الجرمانية‪ ،‬الذين‬
‫ً‬
‫نجحوا في السيطرة على روما عام ‪ 476‬م‪ ،‬ليشكل ذلك منعطفا لعصر جديد في تاريخ أوربا‪ ،‬ويكون بداية العصور‬
‫الوسطى‪.‬‬

‫‪،‬والفكرة السياسية الجديدة التي جاء بها الرومان‪ ،‬هي فكرة السيادة وهي العالقة‪ E‬املميزة‪ E‬للمجتمع‪E‬‬
‫وهي اكتمال السلطة في الدولة‪ ،‬وأطلقوا على فكرة السيادة املطلقة تسمية (‪.)Imperium‬‬

‫ويالح‪EE E‬ظ ّأن الحرك‪EE E‬ة الفكري‪EE E‬ة الروماني‪EE E‬ة تمثلت في اتج‪EE E‬اهين رئيس‪EE E‬يين‪ ،‬نس‪EE E‬تطيع أن نخلص منه‪EE E‬ا إلى طبيع‪EE E‬ة الفك‪EE E‬ر‬
‫الروماني‪:‬‬

‫‪ -‬اس‪EE‬تمرار للفلس‪EE‬فة الرواقي‪EE‬ة‪ ،‬وأهم نتائجه‪EE‬ا بل‪EE‬ورة فك‪EE‬رة الق‪EE‬انون الط‪EE‬بيعي‪ ،‬ال‪EE‬ذي اتخ‪EE‬ذه الفك‪EE‬ر الروم‪EE‬اني مح‪EE‬ورا له‪EE‬ا‬
‫‪5‬‬
‫وصبغه بصبغة قانونية‪.‬‬
‫‪ -‬الس‪EE‬ير في خ‪EE‬ط األفك‪EE‬ار الديني‪EE‬ة‪ ،‬حيث نظ‪EE‬ر الروم‪EE‬ان إلى الق‪EE‬انون والحكوم‪EE‬ة على أنهم‪EE‬ا مس‪EE‬ألة مقدس‪EE‬ة‪ ،‬تبتغي الخ‪EE‬ير‬
‫للناس‪.‬‬

‫‪ 5‬د‪ .‬أبو اليزيد علي المتيت‪ ،‬ص ‪57‬‬

‫‪7‬‬
‫إن فك ‪EE‬رة اعتب ‪EE‬ار الدول ‪EE‬ة نتيج ‪EE‬ة للق ‪EE‬انون‪ ،‬والنظ ‪EE‬ر إليه ‪EE‬ا على أنه ‪EE‬ا في إط ‪EE‬ار الق ‪EE‬انون والحق ‪EE‬وق‪ ،‬دون النظ ‪EE‬ر إلى البيئ ‪EE‬ة‬
‫االجتماعي‪EE‬ة والحق‪EE‬ائق الخلقي‪EE‬ة والسياس‪EE‬ية ه‪EE‬و منط‪EE‬ق اتج‪EE‬اه الق‪EE‬انون ال‪EE‬ذي ه‪EE‬و ط‪EE‬ابع الفك‪EE‬ر الروم‪EE‬اني السياسي‪ ،‬وه‪EE‬و‬
‫‪6‬‬
‫طابع يعرف باالتجاه القانوني الديني‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫الفيلسوف شيشرون‬

‫املبحث األول‪ :‬السيرة الذاتية لشيشرون‬

‫املبحث الثاني‪ :‬أفكار شيشرون السياسية‬

‫‪ 6‬نفس المكان‬

‫‪8‬‬
‫املبحث األول‬
‫السيرة الذاتية لشيشرون‬

‫حياة شيشرون‪X:‬‬
‫ولد سنة " ‪ Marcus" tullius cicéron‬هو فيلسوف و سياسي و خطيب روماني اسمه الكامل ماركوس‬
‫تيليوس شيشرون ‪ 106‬قبل امليالد بروما بالضبط في مدينة تدعى اربينوم من عائلة أرستقراطية و توفي سنة ‪43‬‬
‫قبل امليالد ‪ ،‬و لكنه مع ذلك ترك تراثا‪ E‬كبيرا باملقارنة مع عمره القصير ‪ 63‬سنة و اشتهر شيشرون ببالغته العالية‬
‫و الخطابة ‪ ،‬مارس مهنة املحاماة و برا فيها براعة ال نظير لها كما كان سياسيا محنكا و من طراز الكبار ‪ ،‬اهتم‬
‫شيشرون بدراسة الدستور و القانون و الروماني و احتك بالشخصيات‪ E‬السياسية الرومانية و توصل إلى أن يشغل‬
‫وظيفة القنصل العام‪ 7‬و مكنته وظيفته هذه من اكتساب قيمة كبيرة مكنته من تعقيبه على اآلراء املتناقضة التي‬
‫كانت تدلى بها العناصر املتنافسة على السلطة و النفوذ ‪ ،‬و كان هدفه هو محاولة املوافقة بين هذه األطراف و‬
‫حماية الجمهورية من التفكك و االنحالل ‪ ،‬و كان متعلق بسياسة االعتدال و املساواة و إتباع النظم الدستورية ‪،‬‬
‫لكن ما زاد في قلقة هو بروز الديكتاتورية و اقتناعه بزوال روما و نفوذها مالم نتدارك األمر قبل فوات األوان و‬
‫العودة إلى أصالتها‪ E‬و نظام سلطاتها املتعددة ‪ ،‬الشيء الذي جلب الكراهية له من طرف اليساريين و لقي حتفه بعد‬
‫سنة واحدة من اغتيال يوليوس قيصر و قامت بعده سلطة ثالثية ‪ ،‬وكان شيشرون ضمن قائمة املطلوبين‪ E‬لينفذ‬
‫فيه حكم اإلعدام سنة ‪ 43‬قبل امليالد ‪.‬‬
‫ت ‪EE‬أثر شيش ‪EE‬رون ب ‪EE‬أفالطون وأرس ‪EE‬طو واملدرس ‪EE‬ة الرواقي ‪EE‬ة وك ‪EE‬ذا ب ‪EE‬املفكر الروم ‪EE‬اني بوليب ‪EE‬وس ال ‪EE‬ذي م ‪EE‬دح في ‪EE‬ه‬
‫‪8‬‬
‫دستور روما املختلط والذي مزج بين ثالثة أنواع من أنظمة الحكم وهي امللكية واألرستقراطية والديمقراطية‪.‬‬

‫‪ 7‬حميداني سليم‪ ،‬ص‪61‬‬


‫‪ 8‬د‪ .‬مصطفى النشار‪ ،‬تطور الفكر السياسي القديم من صولون حتى ابن خلدون‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة‪ ،1999 ،‬ص ‪155‬‬

‫‪9‬‬
‫أعماله‬
‫مؤلفات شيشرون السياسية‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫يعد شيشرون أكبر خطيب روماني تميز بالبالغة والفصاحة العالية‪ ،‬وكان له الفضل األكبر في نقل كل ما‬
‫جاء في الفلسفة اليونانية إلى الالتينية‪ ،‬وأهم ما خلفه لنا من آثاره تلك‪ :‬الخطب السياسية وكتاب الجمهورية‬
‫وكتاب في القوانين‪ ،‬إذ حاول أن يجمع فيها أهم املذاهب اليونانية في السياسة‪ ،‬فأصبحت تلك املؤلفات بمثابة‬
‫ً‬
‫مكرسا لها نفسه حتى تم قتله عام ‪ 43‬ق‪.‬م‪ ،‬وقد‬ ‫السجل‪ E‬لألفكار السياسية في روما‪ ،‬وهذه املهمة‪ E‬ظل شيشرون‬
‫ّ‬
‫عب رت كتابات شيشرون عن كل من آراء أفالطون وأرسطو والرواقيين وبوليبوس‪.‬‬

‫الخطب السياسية‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫في خطابات شيشرون السياسية التي ألقاها على الشعب الروماني ومجلس الشيوخ والتي كانت عددها (‪)106‬‬
‫خطاب لم ينج منها سوى ( ‪ ) 58‬خطاب‪ ،‬وبعضها جاء بصورة غير مكتملة‪ ،‬تلك الخطب التي أحدثت الكثير من‬
‫اللغط في الدولة بسبب دفاعه املستميت عن حرية الشعب وحقوقه املهدورة‪ ،‬كما أخذ ينتقد الدولة وسلوكها‬
‫ويهاجم الطبقة األرستقراطية‪ ،‬كما ّندد بالتجاوزات الصادرة عنها (‪ ) 30‬على حساب حقوق الشعب‪ ،‬كما ندد‬
‫بنزعة قيصر الفردية واستئثاره بالسلطة لوحده‪ ،‬ثم ندد بسياسة مارك أنطونيوس ) ‪ 83‬ق‪.‬م‪ ،‬وذهب إلى القول ّإن‬
‫نجاح الدولة واستمراريتها مرهون بما تمنحه من حقوق وحريات لشعبها وبعكسه فإنها في طريقها إلى الزوال‪.‬‬

‫كتاب الجمهورية‪:‬‬ ‫‪.3‬‬


‫معجب ا بما طرحه أفالطون فيما يتعلق بأفضل دستور أو نظام وطبيعة وأسس‬‫ً‬ ‫لطاملا كان شيشرون‬
‫ًّ‬
‫العدالة‪ ،‬فحاول صياغة تلك ‪ ( 51‬ق‪ .‬م‪ ،‬وفيه أورد شيشرون أهم املذاهب اليونانية في السياسة‪ ،‬مؤكدا على ‪/‬‬
‫األمور في كتابه عن الجمهورية الذي أصدره ) ‪ 54‬فكرتين أساسيتين األولى هي‪ :‬أهمية الدستور املختلط للدولة‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬نظرية التطور التاريخي الدوري للدساتير‪ ،‬وهما فكرتان استعارهما من أرسطو‪ ،‬وموادهما أن الحكومات‪E‬‬
‫ال تستمر على وتيرة واحدة على الدوام‪ ،‬فهي في الغالب لديها ميل للتدهور والذهاب نحو األسوأ‪ ،‬وذلك بحسب ما‬
‫تواجهها من مشاكل ومحن ‪ّ .‬إن هذا األمر ينطبق على روما التي كان دستورها األصلي يقوم على أساس امللكية‪ ،‬ثم‬
‫لحقها التغيير حتى انتهى الوضع في النهاية بوجود نظام حكم استبدادي‪ ،‬ولهذا فإنه ال منفذ لها من هذا الوضع إال‬
‫من خالل إيجاد حكومة دستورية يتحقق في إطارها التوازن بين الديمقراطية واالستبدادية‪ ،‬بحيث يصبح الدستور‬
‫ً‬
‫قانونا أسماه‬ ‫في منأى عن التصرف واملغاالة في هذا االتجاه أو ذاك‪ ،‬وفي هذا الكتاب رأى شيشرون أن هناك‬
‫القانون الحق؛ وهو قانون البداهة‬
‫والتفكير السليم الذي يتماشى مع الطبيعة وينطبق على جميع الناس وهو قانون خالد ال يتغير‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫كتاب القوانين‪:‬‬
‫هو الكتاب الذي تولى إصداره عام ‪ 51‬ق‪.‬م‪ ،‬ويبدو أنه العمل‪ E‬األخير لشيشرون‪ ،‬وفيه يرى ّأن القانون‬
‫اإللهي هو القانون ذو الطبيعة‪ E‬الخالدة‪ E‬وهو بمثابة العقل والبداهة والتفكير السليم القادر على الحد من جموع‬
‫البشر ومن تصرفاتهم الخاطئة‪ ،‬والقانون اإللهي قانون ال يتخلله الخطأ أو السهو‪ ،‬والسبب في ذلك أنه يمتاز‬
‫بصفتين أساسيتين‪ ،‬األولى هي الثبات والثانية هي اإللزام‪ ،‬ويترتب على تلك الصفتين نتائج إيجابية تنعكس على حياة‬
‫ُ‬
‫البشر تتمثل في عدة أمور‪ :‬تجعلهم سواسية أمام القانون‪ ،‬تحافظ على حقوقهم األساسية‪ .‬تضع العقاب‪ E‬الرادع‬
‫لكل من يخرج عنها‪.‬‬
‫حاول شيشرون من خالل هذه املؤلفات أن يبعث مجد روما من جديد و بلقي باللوم على القادة العسكريين‬
‫الذين قضوا على التوازن املوجود بين الهيئات السياسية ‪ ،‬و بذلك أراد شيشرون من خالل هذا أن يجد نظام‬
‫سياسي يقوم على الدستور املختلط و يوفر لروما االستقرار السياسي ‪ ،‬و هو الذي كان القاعدة األساسية لقيام‬
‫الحضارة الرومانية ‪ ،‬كما يرى بأن الدولة ال تضمن إستمراريتها و بقائدها و هيبتها إال إذا اعترفت بحقوق‬
‫املواطنين ألنها تمثل مصلحة الناس املشتركة ‪ ،‬و سلطتها تنبثق من قوة األفراد أجمعين لذلك يجب عليها أن‬
‫تستعمل هذه السلطة بصورة صحيحة و عقالنية ‪ ،‬و الدولة في حد ذاتها تخضع لقانون سماوي و أخالقي و القانون‬
‫الطبيعي العام متعادل مع العقل البشري و حتى القانون الوضعي حسبه و الذي هو من صنع البشر منطلقه‬
‫القانون اإلالهي حيث ال يتعارض معه ‪__.‬‬

‫املبحث الثاني‬
‫آراء وأفكار شيشرون السياسية‬

‫أنظمة الحكم ورأيه فيها‪:‬‬


‫تأثرا ً‬
‫كبيرا بأفكار‬ ‫تأثر الكاتب والفيلسوف واملفكر ورجل الدولة شيشرون في مسألة أنظمة الحكم ً‬
‫الفيلسوف أرسطو‪ ،‬حيث ّ‬
‫قسم أنظمة‪ E‬الحكم إلى ثالثة أقسام أساسية وهي‪ :‬األنظمة امللكية الفردية‬
‫ً‬
‫وأخيرا األنظمة‪ E‬الديمقراطية‪ ،‬وعليه فالسلطة‪ E‬أو الحكم لديه هي عبارة عن سلطة سياسية‬ ‫واألرستقراطية‬
‫مصدرها اجتماعي وإنساني‪ ،‬وأهم ما يميزها هو امتالكها للسيادة‪ ،‬تلك السيادة التي يعود في تفسيرها إلى نظرية‬
‫التطور التاريخي والدوري للدساتير‪ ،‬والتي اعتمد كذلك عليها في تفسيره لشكل السلطة السياسية في الدولة وهيكلها‪E‬‬
‫التنظيمي للوصول إلى تصور عام بشأن النظام السياسي األمثل‪ .‬يرى شيشرون ّأن أنظمة الحكم على اختالف‬
‫أنواعها‪ E‬يمكن أن تتعرض للفساد‪ ،‬وهو أمر من شأنه أن ينهي وجود هذا النظام بالكامل‪ ،‬فوجود الفساد يؤدي‬
‫بالضرورة إلى حدوث ثورة‪ ،‬لذلك يرى ّأن فساد النظام امللكي‪ E‬بحدوث ثورة ينتج عنه نظام استبدادي‪ ،‬في حين أن‬
‫فساد النظام األرستقراطي ينتج عنه نظام حكم األوليغارشية‪ ،‬أما فساد النظام الديمقراطي فينتج عنه نظام حكم‬
‫الرعاع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫امللكية‪:‬‬
‫في بادئ األمر اعتقد شيشرون أن أفضل نظام هو نظام امللكية‪ ،‬لكنه وجد فيما بعد أن امللك ممكن أن‬
‫يتحول إلى طاغية مستبد وفاسد ال يهتم بمن هم حوله من الرعية‪ ،‬وهو األمر الذي من شأنه أن يثير الشعب الذي‬
‫يرى شيشرون أنه هو املصدر الحقيقي ملا يتمتع به امللوك من سلطة‪ ،‬فال يكون أمام الشعب إلى الثورة ضد هذا‬
‫الحكم الظالم‪ ،‬وبحدوث الثورة فإنها لن تأتي بنظام أفضل من سابقه‪ ،‬بل على العكس ً‬
‫غالبا ما تأتي الثورات في‬
‫هذه الحالة بنظام دكتاتوري مستبد‬

‫االرستقراطية‪:‬‬
‫ّ‬
‫يرى أن األرستقراطية نظام يتمتع بالكثير من االستقرار والثبات‪ ،‬حيث إنه نظام يحكمه أفضل الرجال‪،‬‬
‫غالبا ما يتملكون‪ E‬الخبرة والحكمة التي تمكنهم من القدرة على إدارة الدولة بشكل سليم‪ ،‬ولكنه ً‬
‫غالبا‬ ‫والسبب أنهم ً‬
‫ما يكون عرضة للمؤامرات‪ E‬والدسائس من قبل أشخاص يخططون من أجل االستيالء على السلطة األوليغارشية‪،‬‬
‫وبالتالي فاألرستقراطية كنظام حكم هو حاله حال امللكية قد ينتهي به األمر بالتغير‪ ،‬وهو األمر الذي يفسح املجال‬
‫للمنتفعين والطامعين بالحكم للوصول إلى السلطة‪.‬‬

‫الديمقراطية‪:‬‬
‫رأى شيشرون أن الديمقراطية كنظام حكم جيد طاملا كان الحاكم يقود الدولة بصورة جيدة ويتصرف‬
‫بشكل سليم‪ ،‬وقادر على الحسم في حال حدوث حالة طارئة‪ ،‬كما رأى شيشرون أن الناس في ظل النظام‬
‫الديمقراطي‪ E‬يتمتعون بالحرية وبالحقوق املتساوية‪ ،‬حيث يشارك الناس جميعهم في إدارة الحكم‪ ،‬ولكن ما لبث أن‬
‫ّ‬
‫ديمقراطي ألنه في حالة فساد‬ ‫ّ‬
‫غي ر رأيه فذهب إلى القول إن أسوأ الدول الجيدة هي تلك التي كانت ذات نظام‬
‫الحاكم لن يصل إلى الحكم إال الغوغاء والرعاع‪.‬‬
‫نظام الحكم املختلط‪:‬‬
‫ذهب شيشرون إلى خطوة أبعد ّ‬
‫مما ذهب إليها املؤرخ والسياسي اليوناني بوليبيوس في وصفه لعملية‪ E‬انتقال‬
‫الحكم أو السلطة‪ ،‬حين كتب هكذا تتجاذب الحكومة مثل الكرة‪ ،‬يتلقونها من امللوك‪ E‬والطغاة‪ E‬األرستقراطيين أو‬
‫الشعب‪ ،‬ومن الشعب إلى األوليغارشية أو الرعاع‪ ،‬وبالتالي خلص إلى أن أنظمة الحكم الثالث هي في الحقيقة أنظمة‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫نظاما ثالثا مختلط ا رأى فيه أن الحكومة املثالية هي تلك الحكومة التي تتشكل من‬ ‫معيبة وغير مستقرة‪ ،‬واقترح‬
‫توازن ومزج متساو بين خصائص النظام امللكي‪ E‬والديمقراطي واألرستقراطي ً‬
‫معا‪ ،‬واقترح على الرومان إعادة‬ ‫ٍ‬
‫النظام الجمهوري إلى شكله السابق‪ ،‬من خالل تقوية األرستقراطيين ومجلس الشيوخ على حساب املجالس‬
‫الديمقراطية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫القوة والسلطة‪:‬‬
‫فيما يتعلق بالسلطة يرى شيشرون ّأن سلطة الدولة تنبثق من قوة األفراد‪ ،‬فهؤالء بمثابة منظمة تحكم‬
‫نفسها بنفسها‪ ،‬ويملكون‪ E‬بالضرورة القوة الالزمة لحفظ كيان الدولة‪ ،‬ويعملون على استمراريتها‪ E‬وبقائها‪ ،‬ويرى‬
‫ًّ‬
‫وقانونيا‪ ،‬وهو في حقيقة األمر استخدام لقوة‬ ‫سليما‬ ‫ً‬
‫استخداما ً‬ ‫كذلك أنه من الضروري استخدام القوة السياسية‬
‫الناس مجتمعين‪ ،‬وما املوظف الحكومي سوى شخص يمارس ويستخدم صالحياته ً‬
‫بناء على ما لديه من سلطة‬
‫منحها له الناس والقانون والدولة ذاتها تخضع لقانون إلهي طبيعي وأخالقي وهو قانون يسمو بطبيعة الحال على‬
‫القانون الذي يضعه البشر‪.‬‬

‫القانون والدستور‪:‬‬
‫طبيعي ّ‬
‫عام ينبثق من واقع حكم العناية اإللهية للعالم‪ E‬ككل‪ ،‬وهو القانون ذاته‬ ‫ّ‬ ‫يقر شيشرون بوجود قانون‬
‫الذي ينبثق من الطبيعة العقلية واالجتماعية للبشر‪ ،‬كما ذهب شيشرون لالعتقاد بوجود قانون له طبيعة ثابتة‬
‫وخالدة موافق لقانون الطبيعة وللعقل وينطبق على جميع البشر‪ ،‬وأهم مميزات هذا القانون أنه ال يتغير بتغير‬
‫الزمان أو املكان‪ E‬وهو قانون عالمي‪ ،‬وقد كان يطلق عليه في ذلك العصر قانون الشعوب‪.‬أما فيما يتعلق بالدستور‬
‫فيرى شيشرون أن فكرة وجود الدستور في الدولة من األفكار الصالحة لتنظيم شؤون الدولة والشعب‪ ،‬خاصة‬
‫عندما تتولى الدولة القيام بمهامها‪ ،‬كما يأخذ شيشيرون بفكرة سمو وعلو الدستور على غيره من التشريعات‪E‬‬
‫القانونية‪ ،‬وهي من األفكار التي ما تزال سارية املفعول لغاية يومنا هذا‪ ،‬وعليه ّ‬
‫فإن كل تشريع أو قانون يأتي‬
‫بأحكام تخالف أحكام الدستور النافذ في البالد ال يستحق أن يطلق عليه تسمية قانون من األصل‪.9‬‬

‫الدولة و الشعب‪:‬‬
‫يرى شيشرون ّأن الدولة نشأت في زمنه نتيجة غريزة اإلنسان الطبيعية التي تميل إلى تنظيم األمور‬
‫وبمساهمة الشعب ككل‪ ،‬فالدولة ً‬
‫وفق ا له ما هي إلى كيان يملكه جميع املواطنين‪ ،‬وقد ذهب إلى تعريف‪ E‬الدولة بأنها‬
‫عبارة عن جماعة معنوية‪ ،‬وبعبارة أخرى ّإن الدولة ما هي إال مجموعة من األشخاص يتملكونها‪ E‬باملشاع فيما بينهم‪،‬‬
‫وال بد لهذا الكيان من قانون ينظمها وينظم عالقتها بأفراد الشعب‪ ،‬كما يرى أن الدولة تقوم في األساس من أجل‬
‫تمثيل مصالح الناس املشركة وتقديم املساعدة لهم‪ ،‬وهي في الوقت ذاته تمثل الحكم العادل بين أفراد الشعب‬
‫فيما لو حصل خالف بينهم‪ّ .‬مي ز شيشرون بين الدولة والشعب‪ ،‬فالدولة في نظره يجب أن تمثل الشعب في القيام‬
‫قسم حكومات الدول إلى ثالثة أنواع‪ :‬ملكية وديمقراطية وأرستقراطية وحكومات ذات‬ ‫بالنشاطات‪ E‬العامة‪ ،‬كما ّ‬
‫نظام مختلط‪ّ ،‬‬
‫وفض ل األخير على األنواع الثالثة األولى‪ ،‬كما نادى بالدستور ذي الطبيعة‪ E‬املختلطة من أجل تحقيق‬
‫‪10‬‬
‫ذلك األمر‪.‬‬

‫‪ 9‬د‪ .‬مصطفى النشار‪ ،‬ص ‪158‬‬


‫‪ 10‬د‪ .‬مصطفى النشار‪ ،‬ص ‪164‬‬

‫‪13‬‬
‫العدالة‪:‬‬
‫طاملا كان شيشرون وغيره من الفالسفة يبحثون عن جوهر العدالة‪ ،‬متمنيين أن يسود أي مجتمع إنساني‬
‫مصيبا ً‬
‫تماما عندما تجاوز‬ ‫ً‬ ‫العدالة الحقيقة‪ ،‬ألن اإلنسان جدير بأن يحيا حياة يسودها العدل‪ ،‬كما كان شيشرون‬
‫ً‬
‫مؤكدا أنالعدالة الحقيقية ال‬ ‫االختالف في اآلراء حول املعنى الحقيقي للعدالة‪ ،‬وحول كيفية تطبيقها في املجتمع‪،‬‬
‫تبنى على آراء الناس بل هي تبنى على أحكام الطبيعة‪ ،‬فتلك اآلراء واملعتقدات الزائفة التي يتبناها بعض البشر ما‬
‫هي إال نتيجة انحراف بعض العقول الضعيفة‪ ،‬وهي ذاتها التي سارت بهم على غير هدى‪ ،‬ولوال هذا االنحراف في‬
‫الفكر واملعتقد لكان جميع الناس متشابين وسواسية‪.‬‬

‫رأي شيشرون بيوليوس قيصر‪:‬‬


‫ً‬
‫واضحا عندما قال‬ ‫يبدو أن العالقة بين شيشرون ويوليوس قيصر لم تكن على وفاق‪ ،‬وهذا األمر يبدوا‬
‫شيشرون في أحد رسائله ّإن في اململكة للملك فقط الكثير من الحقوق‪ ،‬ويمكن للملوك أن يكونوا‪ E‬حكماء وعادلين‬
‫إذا ما استعانوا‪ E‬بآخرين في إدارة الدولة وأخذوا باملشورة‪ ،‬لكن الحكم والسلطة عندما يتركز في شخص واحد هو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حاكما‬ ‫امللك فإنه بسهولة يصبح ظامل ا‪ ،‬وكان هذا املوقف قد اتخذه وأعلن عنه عندما أعلن يوليوس قيصر نفسه‬
‫دكتاتوريا‪ّ .‬إن جميع ما كتبه شيشرون في رسائله تكشف املسار املضطرب‪ E‬لعالقته بيوليوس قيصر على مدى‬
‫ً‬
‫سنوات حكمه األخير وحتى وفاته‪ ،‬فلم يستطع شيشرون الوقوف إلى جانب يوليوس قيصر أثناء فترة الحرب‬
‫األهلية‪ ،‬وبعد انتصار يوليوس في معركة فرسالوس عام ‪ 48‬ق‪.‬م‪ ،‬كان شيشرون يأمل في أن يتمكن قيصر من‬
‫أقل تفاؤ اًل بشأن قيصر وحكومته‪ ،‬مع أنه ّ‬
‫ظل‬ ‫إعادة النظام الجمهوري للبالد ولكن بمرور الوقت أصبح شيشرون ّ‬
‫في ظاهر األمر على وفاق معه‪ ،‬وهكذا استمرت‪ E‬العالقة بينهما حتى وفاة يوليوس قيصر عام ‪ 44‬ق‪.‬م‬

‫أثر املدرسة الرواقية في فكر شيشرون‪ X‬السياسي‪:‬‬


‫ّإن مفتاح أفكار شيشرون هو القانون الطبيعي‪ ،‬وهي فكرة قديمة وردت عن املدرسة الرواقية‪ ،‬ومن ثم‬
‫ً‬
‫جديد ا من خالل اعتباره أن القانون الطبيعي أسمى قانون ينبثق من واقع العناية‪ E‬اإللهية‬ ‫ألبسها شيشيرون ً‬
‫لباسا‬
‫للعالم‪ E‬بأسره‪ ،‬وهو الذي يجمع البشر فيما بينهم ويربطهم تحت سقف مدينة واحدة هي املدينة العاملية الكونية‪،‬‬
‫وعليه تتجلى تأثيرات املدرسة الرواقية في أفكار شيشرون من خالل إعادة صياغته لنظريتهم‪ E‬في القانون الطبيعي‬
‫وهو القانون اإللهي الخالد لألبد والصالح لكل شعوب‪ ،‬وهو يرى أن الناس متساوون ويمتلكون‪ E‬جميعهم القدرة‬
‫ً‬
‫أشخاصا يتميزون عن غيرهم بقدراته‬ ‫العقلية ذاتها‪ ،‬وهو بذلك يختلف عما ذهب إليه أرسطو من القول ّإن هنالك‬
‫العقلية‪ ،‬وكان يقصد اليونانيين‪ E‬بالتالي كان شيشرون يؤمن بفكر املدرسة الرواقية بشكل كبير من خالل إيمانه‬
‫العميق‪ E‬بالقانون الطبيعي‪ ،‬وهو قانون صالح لتنظيم العالقات بين الناس داخل املجتمع اإلنساني في كل زمان‬
‫وأن الدولة بمثابة شركة مساهمة يحق ألي مواطن أن‬‫ومكان‪ ،‬كما نادى شيشرون باملواطنة في املجتمع اإلنساني ّ‬

‫تكون له العضوية فيها دون أي تمييز‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫الفيلسوف سنيكا ‪Seneca -‬‬

‫املبحث األول‪ :‬السيرة الذاتية لسنيكا‬

‫‪15‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أفكار سنيكا السياسية‬

‫املبحث األول‬
‫السيرة الذاتية لسنيكا ‪Seneca -‬‬

‫"الوكيوس أنایوس سنیکا ‪ ،" Lucius Annaeus Seneca‬رجل دولة‪ ،‬واملستشار األول لإلمبراطور الروماني‬
‫الشهير نيرون‪ ،‬شخصية بارزة في عصره‪ ،‬ذو تجارب سياسية وفلسفية عديدة‪ ،‬مرفوع الهامة وسامق بين‬
‫معاصريه‪ ،‬ورجل سياسة بناء‪ ،‬ذا أصالة وحيوية وقوة‪ .‬‬

‫سنيكا ‪ ،‬واحد من حکماء الدنيا كما يسميه جومیر ‪" ،11 Guminere‬صاحب البصيرة العميقة النافذة‪ ،‬حرية‬
‫مقدسة للفرد‪ ،‬احتراما بالغا للمرأة‪ ،‬رفضه التام ملبدأ العبودية‪ ،‬وصراع املتصارعين الوحشي‪ ،‬القدرة على العمل‬
‫الفلسفي‪ ،‬الحاجة إلى نشر اآلراء الشخصية في الحياة العامة"‪ ،...‬إن كل هذه األشياء مجتمعة تجسد تفوق سنيكا‬
‫على سابقيه ومعاصريه على السواء‪.‬‬

‫حياة سينكا (‪: )Seneca‬‬


‫‪ 11‬ميديا‪;-‬فايدرا‪-‬أجاممنون‪ ، ،‬سنيكا‪ ،‬ترجمة د‪.‬عبد المعطى شعراوي‪ ،‬مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،2002 ،‬ص ‪7‬‬

‫‪16‬‬
‫ُ‬
‫ولد لوكيوس أنايوس سنيكا امللقب بسنيكا األصغر في قرطبة (إسبانيا) سنة ‪ 4‬ق‪.‬م وتوفي سنة ‪ 65‬م في روما‬
‫(إيطاليا)‪ ،‬وهو فيلسوف وسياسي وخطيب ومؤلف تراجيدي روماني‪ ،‬ومن أبرز املثقفين الرومان‪.‬‬
‫ثاني أكبر أوالدها‪ ،‬من عائلة غنية وكان أبوه (سينيكا األكبر) معلم خطابة في روما‪ ،‬وتمتعت أمه هيلفا‬
‫بشخصية رائعة وتعليم راق‪ ،‬أخوه األكبر غاليو‪ ،‬أما أخوه األصغر فهو والد الشاعر لوكان‪ ،‬الذي تم فيه حكم‬
‫اإلعدام مع سنيكا األكبر كما سنرى‪.‬‬
‫تدرب وتعلم في روما على الخطابة والفلسفة في مدرسة سكستي (‪ )Sextii‬التي مزجت مناهجها بين الفلسفة‬
‫الرواقية‪ E‬ونسكية الفلسفة الفيثاغورية الجديدة‪ ،12‬وملا ساءت صحته‪ ،‬ذهب إلى مصر حيث عاشت خالته وزوجها‬
‫الوالي الروماني غايوس غالريوس بقصد النقاهة‪ ،‬ولم يعد سينيكا إلى روما إال في سنة ‪ 31‬م طبقا لرغبات والده‬
‫وحينها دخل مجال السياسة والقانون‪ ،13‬وقد تم تعيينه كوايستور "‪ .14"Quaestor‬‬
‫في س ‪EE‬نة ‪ 41‬نفى اإلم ‪EE‬براطور «كلودي ‪EE‬وس» س ‪EE‬ينيكا إلى كورس ‪EE‬يكا بتهم ‪EE‬ة الفاحش ‪EE‬ة م ‪EE‬ع ابن ‪EE‬ة أخت اإلم ‪EE‬براطور ك ‪EE‬اليجوال‬
‫األم‪E‬يرة جولي‪E‬ا ليفيال ال‪E‬تي نفيت هي األخ‪E‬رى‪ ،15‬وفي تل‪E‬ك البيئ‪E‬ة غ‪E‬ير املناس‪E‬بة اس‪E‬تطاع س‪E‬ينيكا دراس‪E‬ة العل‪E‬وم الطبيعي‪E‬ة‬
‫والفلس ‪EE E‬فة وكتب ثالث أطروح ‪EE E‬ات بعن ‪EE E‬وان «التع ‪EE E‬ازي ‪« E E ،»Consolationes‬إلى مارس ‪EE E‬يا»«إلى بولي ‪EE E‬بيوس» و «إلى األم‬
‫هيلفيا» حيث كان من أصدق أعماله و أرقاها‪.16‬‬
‫ً‬
‫مجددا سنة ‪ 49‬ليكون معلما‬ ‫تخلص من منفاه بعد أن استدعته زوجة اإلمبراطور جوليا أغريبينا إلى روما‬
‫ومربيا لإلمبراطور القادم نيرون‪.‬‬
‫معلما لإلمبراطور املستقبلي نيرون‪ ،‬وتزوج من الثرية‬ ‫ً‬
‫"قاضيا ‪"Praetor‬سنة ‪50‬م‪ ،‬إضافة إلى عمله ً‬ ‫أصبح سينيكا‬
‫بومبيا باولينا ونجح في بناء مجموعة قوية من األصدقاء تضمنت رئيس الحرس الجديد سيكستوس أفرانيوس‬
‫بوروس ‪ ،.Sextus Afranius Burrus‬أين سطع نجم سينيكا‪.‬‬

‫بعد تولي "لوكيوس دوميتيوس" امللقب بنيرون الحكم أصبح سينيكا املستشار األول حيث كتب مسودة‬
‫خطبته األولى التي وعد فيها مجلس الشيوخ بالحرية ووعد الشعب بوضع حد للسلطة على العبيد املعتقين‬
‫والنساء‪ ،‬واقترح إصالحا ضريبيا وقضائيا وتوجها أكثر إنسانية مع العبيد‪ ،‬و استطاع سنيكا توجيه الحاكم ملدة‬
‫خمس سنوات قامت على العدل والحكمة‪ ،‬مع هذا كانت والدة نيرون «أغريبينا»‪ E‬عدوة لإلصالحات‪ E‬على غرار‬
‫آخرين وعزمت على عدم التخلي عن نفوذه‪ ،‬و بعد نزاع معها‪ ،‬عمل االمبراطور بقتل أمه أغريبينا‪ E‬سنة ‪ ،59‬حيث‬
‫أمر هذا األخير بتنفيذ العملية‪ E‬خالل رحلة في البحر بإغراق السفينة التي كانت على متنها‪.‬‬
‫ماذا تنتظر‪ E‬من شخص يقتل والدته‪ ،‬قد يفعل ما يشاء دون مراعات ملبدأ أو أخالق أو عاطفة‪ ،‬فقد انقلب‬
‫االمبراطور على اإلصالحات وحل محلها االستبداد والظلم‪ E‬وقهر الرعية وحتى املقربين‪.‬‬
‫ومع موت بوروس بعدها بثالث سنوات عرف سنيكا أنه لن يستطيع االستمرار لوحده فانسحب من الحياة‬
‫السياسية والعامة وطلب إعفاؤه من منصبه‪ ،‬وقضى سنواته الباقية في كتابة بعض أفضل أعماله الفلسفية‪ ،‬حتى‬
‫سنة ‪ 65‬حين أدانه االمبراطور وأعداؤه باملشاركة في مؤامرة بيزو لقتل نيرون وحكم عليه باالنتحار‪ ،‬بقطع شرايين‬
‫يديه‪ ،‬فقابل املوت برباطة جأش وشجاعة‪.‬‬

‫‪ 12‬د‪.‬عثمان أمين‪ ،‬الفلسفة الرواقية‪ ،‬لجة التأليف والترجمة و النشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1945،‬ص ‪185‬‬
‫‪ 13‬ميديا‪-‬فايدرا‪-‬أجاممنون‪ ،‬ص‪7‬‬
‫‪ 14‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪12‬‬
‫‪ 15‬المكان نفسه‬
‫‪ 16‬مرجع سابق ص ‪13‬‬

‫‪17‬‬
‫أعماله الفلسفية والتراجيدية‬
‫ُ‬
‫غالبية أعماله تقسم إلى أعمال فلسفية وأخرى تراجيدية‪.‬‬
‫فأما األعمال الفلسفية فهي نسخة منتقاة من الرواقية الوسيطة‪ ،‬حيث أخذ بأرائها التي أقتنع بها‪ ،‬وقد‬
‫تكون رغبته في التوفيق بين الرواقية‪ E‬وبين نزعته وميوله سببا لكثير من التناقض الذي يؤخذ عليه من طرف‬
‫خصومه‪.17‬‬
‫صبر فيه سيدة على فقدان ابنها‪،‬‬ ‫أما بالنسبة إلى أعماله بعنوان‪« :‬التعازي»‪ ،‬كتب سينيكا «إلى مارسيا» ُي ّ‬
‫وكتب «إلى األم هيلفيا» إلى أمه من منفاه‪ ،‬و«إلى بوليبيوس» وهو عبد قوي معتوق يواسيه على فقدان ابنه‬
‫ويستعطفه بتملق ليستدعيه من كورسيكا‪.‬‬
‫"حول الغضب" هو عمل كتبه سينيكا ويناقش فيه بإسهاب مسألة العاطفة املتقدة وعواقبها‪ E‬وكيفية التحكم‬
‫بها‪.‬‬
‫"حول الرحمة"‪" ،‬حول الحياة السعيدة"‪" ،‬حول األعمال الخيرة" عمال وعظيا وجهه إلى نيرون يحثه فيه على‬
‫الرحمة‪ E‬واالعمال الخيرة بوصفها خصلة ملكية يجدر باإلمبراطور الروماني تعلمها والتحلي بها‪.‬‬
‫«حول طمأنينة العقل» و«حول صمود الحكيم» و«حول الحياة السعيدة» و«حول الرفاهية»‪ E‬فكلها أعمال‬
‫تتناول مختلف نواحي حياة ومميزات الفيلسوف الرواقي‪.‬‬
‫ً‬
‫مستفيضا للمنافع‪ E‬كما يراها كل من املعطي‪ E‬واملتلقي‪.‬‬ ‫ً‬
‫استعراضا‪E‬‬ ‫«حول ال ِن َعم»‬
‫ص ر الحياة» أن مدة حياة اإلنسان طويلة بما فيه الكفاية إن أحسن املرء توظيف وقته‪ ،‬وقلما‬ ‫«حول ق َ‬
‫ِ‬
‫ُيفعل ذلك‪.‬‬
‫اًل‬ ‫ً‬
‫سحرا كان «رسائل أخالقية إلى لوسيليوس» املكون من ‪ 124‬مقا‬ ‫لكن أحسن ما كتب سينيكا وأكثره‬
‫عبقري ا تتناول مدى واسعا من املشاكل األخالقية التي يصعب اختزالها في صيغة مفردة‪.‬‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫ت نسب إلى سينيكا عشر مسرحيات تراجيدية‪ ،‬منها مسرحية «أوكتافيا»‪ ،‬مسرحية «هرقل أويتايوس»‪،‬‬
‫«تيتوس أندرونيكوس»‪« ،‬دوقة مالفي» و «مأساة املنتقمين»‪ ،‬وأخر يعالج فيها مواضيع إغريقية مأساوية شائعة‪،‬‬
‫قدم في عرض عام حتى يكون إيقاعها شديد الرتابة وإبراز فيها كل أمر‬‫حيث أراد سنيكا أن ُتقرأ على املسرح ال أن ُت َّ‬
‫رهيب وخارق للطبيعة‪.‬‬

‫األعمال الباقية‪ X‬من قبل سينيكا تشمل‪:‬‬

‫أربعين كتابا‪ ،‬منها كتابا علميا بعنوان‪ Naturales quaestiones  ‬و ‪:‬‬

‫املآسي ‪ 10‬في املجموع‪ ،‬جنون هرقل‪ ،‬هرقل اوتيوس‪ ،‬فيدرا‪ ،‬عقدة نفسية‪ ،‬أجاممنون‪ ،Thyestes ،‬املدية‪Troades ،‬‬
‫‪ ،، Phoenissae‬وغيرها‪.‬‬

‫و حوارات‪ ،‬أبرزها‪:‬‬

‫‪ ،Ad Marciam، De consolatione ، Ad Helviam matrem، De consolatione ، Brevitate Vitae‬دي بروفيدنتييا‬

‫و دي فيتا بياتا‪.‬‬

‫‪ 17‬د‪.‬عثمان أمين‪ ،‬ص ‪188‬‬

‫‪18‬‬
‫وهذا أحد أقواله ‪" :‬عزيزي مارکيللينوس ‪ ،‬التعذب نفسك وكأنك تفكر في قضيةعظمى‪ ،‬فالحياة ليست‬
‫قضية عظمى‪ ،‬فجميع عبيدك يعيشون‪ ،‬وكذلك جميع الحيوانات‪ ،‬القضية العظمي هي أن تموت كريما حكيما‬
‫شجاعا‪ ،‬فكر كم من الزمن تقضيه في القيام بنفس األعمال‪ ،‬األكل‪ ،‬النوم‪ ،‬الجنس ‪ ،‬تلك هي الدائرة التي نتحرك‬
‫داخلها‪ ،‬إن الرغبة في املوت ال تصدر عن شخص حكيم أو شجاع أو تعس ‪ ،‬بل إنها قد تصدر عن شخص يائس»‪.18‬‬

‫أهميته وتأثيره‬
‫َ‬
‫كانت آلراء سينيكا حول امل لكية وواجباتها ساهمت في ميول أنطونيو بيوس وماركوس أوريليوس (‪180-138‬‬
‫م) نحو الليبرالية واإلنسانية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫حافظ انتشار الرواقية على فلسفة سينيكا حية‪ ،‬ثم فتح أمامها أفق جديد حين و ِجد أن لها تشابهات مع‬
‫األفكار املسيحية‪ ،‬حيث درس القديس أوغسطين والقديس جيروم أعمال سنيكا التي ساهمت كذلك في تسلية‬
‫الفيلسوف املسيحي بوثيوس في سجنه‪.‬‬
‫ً‬
‫كانت أفكار سينيكا امتدادا ملبادئ مدرسته الرواقية حاضرة في ثقافة العصور الوسطى الالتينية‪ ،‬فكانت‪E‬‬
‫ً‬
‫وأسلوبا‪ -‬اآلداب املكتوبة باللهجات العامية بوصفه‬ ‫ً‬
‫‪-‬مضمونا‬ ‫من املختارات األدبية في زمانه‪ ،‬حيث خدم نثر سينيكا‬
‫اًل‬
‫مث ُي حتذى به في كتابة املقاالت والخطب والعظات‪ ،‬واستمر ذلك حتى القرن الثامن عشر امليالدي‪ ،‬وشمل ذلك‬
‫مفكرين مثل جون كالفن وميشيل دي مونتين وجان جاك روسو إضافة إلى املفكرين اإلسبان األوائل‪ ،‬ويجدر‬
‫بالذكر أن تأثير سينيكا كان ً‬
‫قويا في إسبانيا على الدوام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫في الذكرى األلفية الثانية لوفاته في إسبانيا سنة ‪ 1965‬م فبشرت األعمال البحثية الالحقة بإعادة إحياء‬
‫أعماله منذ عقود القرن العشرين األخيرة‪.‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫مبادئ وأفكار سنيكا السياسية‬

‫ً ً‬
‫يعد سنيكا ركنا مهما في مدرسة الفكر‪ ،‬و واحدا من أهم اثنين من املفكرين ال‪E‬ذين أنجبتهم الدول‪E‬ة الروماني‪E‬ة‬
‫على م‪EE‬دار امت‪EE‬دادها الزم‪EE‬ني الطوي‪EE‬ل‪ ،‬م‪EE‬ع "شيش‪EE‬يرون" ‪ ،19‬حيث يعت‪EE‬بر س‪EE‬ينيكا من أب‪EE‬رز دع‪EE‬اة الفك‪EE‬ر ال‪EE‬رواقي‪ ،‬ب‪EE‬ل ك‪EE‬ان‬
‫أح ‪EE‬د ممثليه ‪EE‬ا‪ ،‬كم ‪EE‬ا أن ‪EE‬ه ت ‪EE‬أثر باالتج ‪EE‬اه ال ‪EE‬ديني بع ‪EE‬د ظه ‪EE‬ور املس ‪EE‬يحية‪ ،‬خاص ‪EE‬ة بع ‪EE‬د الفوض ى ال ‪EE‬تي عرفته ‪EE‬ا روم ‪EE‬ا في عه ‪EE‬د‬
‫نيرون‪ ،20‬و تتمثل مبادئه و أفكاره السياسية في ما يلي‪:‬‬

‫نظرية العصر الذهبي‪ :‬اعتبر أن ثمت عصرا ذهبيا للمجتمع‪ E‬اإلنساني‪ ،‬حيث كان البشر األوائل‬ ‫‪‬‬
‫يتبعون الطبيعة ببساطة‪ ،‬فقد وصف سنیکا في "رسالته التسعين"‪ E‬تلك الحياة الطبيعية‪ E‬الفطرية‪ E‬الساذجة‬
‫بعبارة تشبه في بالغتها وفى حماستها‪ E‬عبارات روسو ‪ Rousseau‬التي استعملها‪ E‬في الحديث عن نفس‬
‫املوضوع في القرن الثامن عشر ” إنه لم يكن بالناس‪ ،‬ما بقوا على طهارتهم حاجة إلى حكومة أو قانون‪ ،‬إذ‬
‫يتطوعون باالمتثال ألوامر أكثر رجالهم قدرة وأعظمهم‪ E‬حكمة‪ ،‬وهؤالء بدورهم لم يكونوا ليلتمسوا‬

‫‪ 18‬ميديا‪-‬فايدرا‪-‬أجاممنون‪ ،‬ص ‪16‬‬


‫‪19‬‬
‫د‪ .‬محمد عبد الستار البدري‪" ،‬سينيكا" وحاضرنا التراجي دي‪ ،‬جريدة الشرق األوس;ط‪ ،‬الثالث;اء ‪ 26 -‬جم;ادى األولى ‪ 1441‬هـ ‪ 21 -‬ين;اير‬
‫‪ 2020‬مـ رقم العدد [‪ ،]15029‬لندن‪ ،‬ص الثقافة‬
‫‪20‬‬
‫حميداني سليم‪ ،‬الفكر السياسي في العصور القديمة والوسطى‪ ،‬مطبوعة بيداغوجية‪ ،‬جامعة قالمة‪ ،2016 ،‬ص‪62‬‬

‫‪19‬‬
‫تحقيق مآرب شخصية في تصريفهم ألمور ذويهم“‪ ،21‬حيث كان مرشدهم وقانونهم رجل هو األفضل بينهم‬
‫والذي إلرادته كانوا يفوضون أمرهم‪ ،‬فالحكم لم يكن يعني السيطرة‪ ،‬وانما الخدمة‪ ،‬فالقائد كان يعرف‬
‫القيادة والرعية كانت تعرف الطاعة‪ ،‬أي جيل كان أكثر سعادة‪ ،‬ففي ذلك العصر الذهبي‪ ،‬حسب سنيكا‪،‬‬
‫احتفظ اإلنسان بسعادته وبراءته‪ ،‬وعشق الحياة البسيطة‪ ،‬الساذجة‪ ،‬الخالية من كماليات الحضارة‬
‫وتكاليفها ومظاهرها‪ ،‬فلم يكن اإلنسان حكيما وال كامال معنويا‪ ،‬و لم يكن قد اكتسب بعد ذلك الحافز‬
‫الخطير "الطمع" و "االتجاه إلى امللكية الفردية"‪ ،‬وواقع األمر أن "الحرص" هو الذي أدى إلى القضاء على‬
‫ذلك الطهر البدائي‪ ،‬في هذا املجال یقول سنيكا‪:‬‬
‫"إنه لم یك بالناس‪ ،‬ما بقوا على طيارتهم‪ ،‬حاجة إلى حكومة أو قانون‪ ،‬إذ يتطوعون باالمتثال ألوامر أكثر‬
‫رجالهم قدرة وأعظمهم حكمة‪ ،‬وهؤالء بدورهم لم يكونوا ليلتمسوا تحقيق مآرب شخصية في تصريفهم‬
‫لألمور ذويهم‪ ،‬أما حينما استيقظت في نفوس الناس الرغبة في التملك والحيازة‪ ،‬فقد انقلبوا في البحث‬
‫‪22‬‬
‫عن املنافع الشخصية‪ ،‬كما انقلب الحكام بدورهم إلى طغاة‪"...‬‬

‫الس ‪XX‬لطة‪ :‬اعت ‪EE‬بر ان الس ‪EE‬لطة السياس ‪EE‬ية أفض ‪EE‬ل دواء للفس ‪EE‬اد ال ‪EE‬ذي استش ‪EE‬رى‪ ،‬حيث دع الى الدول ‪EE‬ة العاملي ‪EE‬ة‬ ‫‪‬‬
‫واملواطن ‪EE‬ة العاملي ‪EE‬ة‪ ،‬وفض ‪EE‬ل أن تك ‪EE‬ون الرواب ‪EE‬ط الديني ‪EE‬ة أق ‪EE‬رب من الرواب ‪EE‬ط السياس ‪EE‬ية والقانوني ‪EE‬ة في ه ‪EE‬ذه‬
‫الدول ‪EE‬ة‪ ،‬لم يفص ‪EE‬ل س ‪EE‬ينيكا في وظيف ‪EE‬ة الس ‪EE‬لطة فهي ليس ‪EE‬ت مس ‪EE‬ؤولة عن مص ‪EE‬در س ‪EE‬عادة الن ‪EE‬اس ب ‪EE‬ل تح ‪EE‬دهم‬
‫فق‪EE‬ط من التم‪EE‬ادي في الش‪EE‬ر والفس‪EE‬اد‪ ،‬فالح‪EE‬ل ه‪EE‬و ايج‪EE‬اد ام‪EE‬براطور جي‪EE‬د يعم‪EE‬ل للص‪EE‬الح الع‪EE‬ام ح‪EE‬تى وان اعطي‬
‫كل الصالحيات‪.‬‬

‫الدول ‪XX‬ة‪ :‬خ‪EE E‬الف س‪EE E‬ينكا شيش‪EE E‬رون وأفالط‪EE E‬ون في نظرت‪EE E‬ه للدول‪EE E‬ة وخ‪EE E‬رج عن الفك‪EE E‬ر التقلي‪EE E‬دي للحض‪EE E‬ارتين‬ ‫‪‬‬
‫اليوناني‪EE E‬ة والروماني‪EE E‬ة‪ ،‬ال‪EE E‬داعي ب‪EE E‬أن الدول‪EE E‬ة هي أس‪EE E‬مى كي‪EE E‬ان اجتم‪EE E‬اعي‪ ،‬وحكمه‪EE E‬ا ه‪EE E‬و العم‪EE E‬ل ال‪EE E‬ذي س‪EE E‬تطيع‬
‫االنس‪EE‬ان البط‪E‬ل‪ E‬ان يظه‪EE‬ر في‪EE‬ه نفس‪EE‬ه في ص‪EE‬ورة أق‪EE‬رب م‪EE‬ا تك‪EE‬ون إلى ص‪EE‬ورة اآللهة ‪ ،23‬إذ ع‪EE‬دها مج‪EE‬رد ض‪EE‬رورة‬
‫عملية ال غير‪ ،‬بعد أن سادت حالة االضطراب‪ E‬والفوضى باإلنسانية بس‪E‬بب عناص‪EE‬ر اإلفس‪EE‬اد الط‪E‬بيعي‪ ،‬ومن‬
‫ثم أهمي ‪EE E E‬ة إيج ‪EE E E‬اد آلي ‪EE E E‬ة سياس ‪EE E E‬ية للس ‪EE E E‬يطرة على املجتمع ‪EE E E‬ات واألف ‪EE E E‬راد من خالل الق ‪EE E E‬وانين لكبح الجش ‪EE E E‬ع‬
‫املستشري‪.‬‬

‫الديمقراطي ‪XX X‬ة‪ :‬كم ‪EE E‬ا أن‪EE E‬ه ك‪EE E‬ان يفض‪EE E‬ل الحكم املطل ‪EE E‬ق على حكم األغلبي‪EE E‬ة الغوغائي ‪EE E‬ة‪ ،‬حيث ي‪EE E‬رى أن فس ‪EE E‬اد‬ ‫‪‬‬
‫األغلبي‪E‬ة أص‪E‬عب من فس‪E‬اد الحكم الط‪E‬اغي‪ 24‬على حس‪E‬ب قول‪E‬ه‪ ،‬وك‪E‬ان يمي‪E‬ل لوج‪E‬ود الس‪E‬لطة الحاكم‪E‬ة ح‪E‬تى ل‪E‬و‬
‫ك‪EE‬انت ظاملة فهي أفض‪EE‬ل من الفوضى وك‪EE‬ان ض‪EE‬د اش‪EE‬راك ع‪EE‬وام الن‪EE‬اس في ص‪EE‬نع الق‪EE‬رار السياسي والحكم‪ ،‬و‬
‫املالحظ أنه سبق فولتير الى هذه الفكرة‪.‬‬

‫العم‪XX‬ل السياسي‪ :‬ك‪EE‬ان ي‪EE‬دعو الرج‪EE‬ل املس‪EE‬تنير في كتاب‪EE‬ه ” املح‪XX‬اورات‪ ،“25‬كي يبتع‪EE‬د عن ممارس‪EE‬ة السياس‪EE‬ة في‬ ‫‪‬‬
‫املجتمع الفاسد‪ ،‬ألنها أدوات إفساد للخير‪ E‬بالنسبة ل‪E‬ه كف‪E‬رد‪ ،‬حيث ارت‪E‬أى الع‪E‬زوف عن املناص‪EE‬ب السياس‪EE‬ية‪،‬‬

‫‪ 21‬جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬ج ‪ ،02‬ترجمة‪ :‬حسن جالل العروسي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،2010 ،‬ص ‪74‬‬
‫‪ 22‬المكان نفسه‪.‬‬
‫‪ 23‬جورج سباين‪ ،‬ص ‪69‬‬
‫‪ 24‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪71‬‬
‫‪ 25‬د‪ .‬سليم قاللة‪ ،‬النظام السياسي الروماني بوليبوس‪ ،‬شيشرون‪ ،‬سينيكا ‪ ،‬محاضرا في الفكر السياسي‪ ،‬كلية العلوم السياسية‪ ،2014 ،‬ص‪20‬‬

‫‪20‬‬
‫ه ‪EE‬ذا ال يع ‪EE‬ني أن س ‪EE‬نيكا ي ‪EE‬دعوا الى االنس ‪EE‬حاب من املجتم ‪EE‬ع‪ ،‬على عكس ذل ‪EE‬ك‪ ،‬فه ‪EE‬و يص ‪EE‬ر على ال ‪EE‬دعوة للقي ‪EE‬ام‬
‫ب‪EE E E‬الواجب في أي ص ‪EE E‬ورة ك ‪EE E‬انت‪ ،‬وأحس ‪EE E‬ن ل‪EE E E‬ه أن يق ‪EE E‬وم بتحص‪EE E E‬يل عل ‪EE E‬وم الفيزي ‪EE E‬اء والطبيع ‪EE E‬ة وأن ينش‪EE E E‬غل‬
‫بالفلس‪EE E‬فة وبتأمالت‪EE E‬ه الديني‪EE E‬ة في إط‪EE E‬ار من املحب‪EE E‬ة واألخ‪EE E‬وة اإلنس‪EE E‬انية وهي تع‪EE E‬اليم الس‪EE E‬يد املس‪EE E‬يح ال‪EE E‬تي من‬
‫ال ‪EE‬واجب علي ‪EE‬ه تلقينه‪EE‬ا لألجي ‪EE‬ال الجدي ‪EE‬دة وأن يس ‪EE‬تبدلها ب ‪EE‬االنخراط في العم ‪E‬ل‪ E‬اإلنس‪EE‬اني لرفع ‪EE‬ة الف‪EE‬رد‪ ،‬حيث‬
‫قال‪":‬إن بذل الجهد من شيم الكرام‪ ،‬يعني خاصتهم و صفوتهم"‪.26‬‬

‫الحكوم‪XX‬ة‪ :‬رفض‪EE‬ه تحدي‪EE‬د أن‪EE‬واع الحكوم‪EE‬ات‪ ،‬وأفض‪EE‬لها‪ ،‬مث‪EE‬ل س‪EE‬ابقيه من املفك‪EE‬رين‪ ،‬ألن املجتم‪EE‬ع تم إفس‪EE‬اده‬ ‫‪‬‬
‫بالفع ‪EE E‬ل‪ ،‬فأص ‪EE E‬بحت املس ‪EE E‬ألة في النهاي ‪EE E‬ة مرتبط ‪EE E‬ة بمن س ‪EE E‬يحكم‪ ،‬وم‪EE E‬دى اس ‪EE E‬تبداده أو عدم‪EE E‬ه‪ ،‬وليس نوعي ‪EE E‬ة‬
‫مؤسس ‪EE‬ات الحكم‪ ،‬فلمح‪ E‬إلى ج ‪EE‬واز االعتم ‪EE‬اد على ح ‪EE‬اكم مس ‪EE‬تبد ألن ‪EE‬ه خ ‪EE‬ير من االعتم ‪EE‬اد على مجتم ‪EE‬ع س ‪EE‬يطر‬
‫علي‪E‬ه العن‪E‬ف والجش‪E‬ع والبع‪E‬د عن اإلنس‪E‬انية‪ ،‬و في الوق‪E‬ة نفس‪E‬ه ك‪E‬ان يص‪E‬ور الحكوم‪E‬ة بحس‪E‬بانها عالج‪E‬ا ناجع‪E‬ا‬
‫للش‪EE‬ر املتأص‪EE‬ل في النف‪EE‬وس البش‪EE‬رية‪ 27،‬وهي الوس‪EE‬يلة اإللهي‪EE‬ة لحكم الجنس البش‪EE‬ري‪ ،‬حيث خي‪EE‬ار الن‪EE‬اس فيه‪EE‬ا‬
‫طاعتها و امتثال أوامرها‪ ،‬وهو قوام العقيدة املسيحية‪.28‬‬

‫نظ‪XX‬ام الحكم‪ :‬فض‪EE‬ل النظ‪EE‬ام امللكي ألن‪EE‬ه حس‪EE‬به نظ‪EE‬ام ط‪EE‬بيعي‪ ،‬فعلى راس ه‪EE‬ذا الك‪EE‬ون يوج‪EE‬د مل‪EE‬ك واح‪EE‬د ه‪EE‬و‬ ‫‪‬‬
‫االل‪EE E‬ه‪ ،‬وأن عم‪EE E‬ل الح‪EE E‬اكم انم ‪E E‬ا‪ E‬ه‪EE E‬و محارب‪EE E‬ة الفس‪EE E‬اد وتش‪EE E‬جيع عم‪EE E‬ل الخ‪EE E‬ير‪ ،‬ح‪EE E‬تى وان ك‪EE E‬انت ه‪EE E‬ذه امللكي‪EE E‬ة‬
‫دكتاتوري‪EE‬ة ف‪EE‬ان فس‪EE‬اد وطغي‪EE‬ان الف‪EE‬رد الح‪EE‬اكم أه‪EE‬ون من فس‪EE‬اد اغلبي‪EE‬ة الش‪EE‬عب‪ ،‬وان الحكوم‪EE‬ة املفض‪EE‬لة هي‬
‫التي يتحلى ابناء الشعب فيها باألخالق الفاضلة وتستند في تسيير الشؤون على التعاليم الدينية املسيحية‪.‬‬

‫القانون‪ :‬ان الصراعات‪ E‬أدت إلى حاجة اإلنسان للدولة وللقانون‪ ،‬وتطبيق القانون مع‪E‬ززا ب‪EE‬القوة ق‪E‬د يك‪EE‬ون‬ ‫‪‬‬
‫ضروريا ال سبيل لالستغناء عنه‪ ،‬ويعتبر عالجا للشر‪.‬‬

‫املواطنة واإلنسانية‪ :‬فرق هذا املفكر بين مفهومي «املواطنة» و«اإلنسانية»‪ ،‬فاألولى من صناعة الدولة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫تحكمها قوانين‪ E‬السياسة والحكومة‪ ،‬بينما الثانية من صناعة القوى الطبيعية‪ ،‬ويحكمها مفهوم إنسانية‬
‫الفرد ورفعة األخالق والفضائل األخرى‪ .‬وبالطبع‪ ،‬كان يميل املفهوم الثاني‪.‬‬

‫ً‬
‫اإلنسانية‪ :‬لقد كان إيمان‪« E‬سينيكا» باإلنسانية وعظمتها‪ E‬عميقا‪ ،‬شأنه في ذلك شأن من س‪EE‬بقوه ولحق‪EE‬وه من‬ ‫‪‬‬
‫الروائ‪EE E‬يين‪ ،‬فلق‪EE E‬د رأى أن مف‪EE E‬اهيم األخالق والس‪EE E‬ماحة هي أس‪EE E‬اس الق‪EE E‬انون الط‪EE E‬بيعي لإلنس‪EE E‬انية كلها‪ ،29‬فال‬
‫نحتاج ألي تفسير أو وسيط إلدراك هذه الطبيعة ألنه يمكن إدراكها بالحدس لكوننا ننتمي لإلنسانية‪.‬‬
‫حيث ك‪EE‬ان يتغ‪EE‬نى بالرحم‪EE‬ة واإلخ‪EE‬اء‪ ،‬ويق‪EE‬ول ‪" :‬ملا ك‪EE‬ان الن‪EE‬اس إخ‪EE‬وة فق‪EE‬د وجب عليهم أن يتع‪EE‬اونوا جميع‪EE‬ا على‬
‫ال‪EE‬بر وفي الس‪EE‬راء والض‪EE‬راء وحين الب‪EE‬أس"‪ ،‬وه‪EE‬و ي‪EE‬رى من ال‪EE‬واجب إطع‪EE‬ام املس‪EE‬كين‪ ،‬وانتش‪EE‬ال الغري‪EE‬ق‪ ،‬وإغاث‪EE‬ة‬
‫املله ‪EE‬وف‪ ،‬وهداي‪EE‬ة الض‪EE‬ال‪ ،‬وس‪EE‬نيكا يفض‪EE‬ل طيب‪EE‬ة القلب‪ ،‬واإلحس ‪EE‬ان في الس‪EE‬ر‪ ،‬على س‪EE‬ائر ض‪EE‬روب اإلحس ‪EE‬ان‬
‫الظ‪EE‬اهر‪ ،‬ونج‪EE‬ده ل‪EE‬ذلك يس‪EE‬تنكر « ألع‪EE‬اب‪ E‬املدرجات » ال‪EE‬تي ألفه‪EE‬ا الروم‪EE‬ان‪ ،‬ويتكلم عن الرقي‪EE‬ق بنغم‪EE‬ة مش‪EE‬بعة‬
‫بروح العطف والرغبة في إنصاف طبقة من الناس مغلوبة على أمرها‪.30‬‬
‫‪ 26‬د‪ .‬عثمان أمين‪ ،‬ص‪189‬‬
‫‪ 27‬جورج سباين‪ ،‬ص‪76‬‬
‫‪ 28‬المكان نفسه‬
‫‪ 29‬حميداني سليم‪ ،‬ص‪62‬‬
‫‪ 30‬عثمان أمين‪ ،‬ص ‪192‬‬

‫‪21‬‬
‫املسيحية‪ X:‬لقد دعا سينكا‪ ،‬متأثرا باملسيحية‪ ،‬إلى قيم جديدة يكون فيها البشر متساوون جميعهم أمام قوة‬ ‫‪‬‬
‫روحي‪E‬ة تفتح ذراعيه‪EE‬ا لإلنس‪E‬انية وت‪E‬رفعهم‪ E‬إلى ع‪EE‬الم املثالي‪EE‬ة‪ ، ،‬وك‪E‬ان ي‪EE‬رى أن عب‪EE‬ادة الخ‪E‬الق هي في ذاته‪E‬ا خدم‪E‬ة‬
‫إنسانية صادقة‪.‬‬

‫الف‪XX‬رد ‪ :‬اعت‪EE‬بر ان الف‪EE‬رد ال يص‪EE‬ل الى راح‪EE‬ة النفس اال بتفاني‪EE‬ه في اداء اعمال‪EE‬ه وواجبات‪EE‬ه‪ ،‬ف‪EE‬ان لم يكن الف‪EE‬رد‬ ‫‪‬‬
‫فعاال فانه سيقع ضحية الهوائه‪ ،‬وان كل االدوار في املجتمع متناسقة مع بعضها البعض‪.‬‬

‫شيشرون وسنيكا‪ :‬كالهما متأثر بفلسفة رواقية كهنوتية تلتمس في الطبيعة‪ E‬أسس تق‪E‬ويم مس‪EE‬تويات الخ‪EE‬ير‬ ‫‪‬‬
‫والحكم‪EE E‬ة وكالهم‪EE E‬ا م‪EE E‬ؤمن ب‪EE E‬أن عص‪EE E‬ر الجمهوري‪EE E‬ة األعظم ه‪EE E‬و املرحل‪EE E‬ة ال‪EE E‬تي بلغت فيه‪EE E‬ا روم‪EE E‬ا أوج نض‪EE E‬جها‪،‬‬
‫وبالرغم من وجود هذا التماثل القوي بين الرجلين إال انه هناك فارقا هاما بينهما‪ ،‬فقد خي‪EE‬ل إلى شيش‪EE‬رون‬
‫أن تل‪EE‬ك ال‪EE‬ذروة املزده‪EE‬رة‪ .‬أي عص‪EE‬ر الجمهوري‪EE‬ة في روم‪EE‬ا‪ ،‬ق‪EE‬د تس‪EE‬تعاد في ي‪EE‬وم من األي‪EE‬ام‪ ،‬في حين آمن س‪EE‬نیكا‪،‬‬
‫وزی ‪EE‬ر ن ‪EE‬یرون‪ ،‬ب ‪EE‬أن زم ‪EE‬ان مث ‪EE‬ل ه ‪EE‬ذا ال ‪EE‬وهم ق ‪EE‬د ف ‪EE‬ات‪ ،‬وأن روم ‪EE‬ا ق ‪EE‬د س ‪EE‬قطت في أحض ‪EE‬ان الش ‪EE‬يخوخة فعمه ‪EE‬ا‬
‫الفساد‪ ،‬وعدا قيام الحكم املطلق فيها ضرورة ليس فيها شك‪.‬‬

‫التش‪XX‬اؤم‪ :‬ق‪EE‬د أب‪EE‬دى س‪EE‬نيكا من ض‪EE‬روب التش‪EE‬اؤم والي‪EE‬أس في ك‪EE‬ل م‪EE‬ا اتص‪EE‬ل باملس‪EE‬ائل السياس‪EE‬ية واالجتماعي‪EE‬ة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫فق‪EE‬د ذهب إلى أن األم‪EE‬ر ق‪EE‬د س‪EE‬اء إلى ح‪EE‬د لم يع‪EE‬د مع‪EE‬ه موض‪EE‬ع التس‪EE‬اؤل‪ ،‬وه‪EE‬و ال‪EE‬وزير واملستش‪EE‬ار املق‪EE‬رب من‬
‫دواليب الحكم‪ ،‬حيث اقتن‪EE‬ع بقي‪EE‬ام الحكم املطل‪EE‬ق‪ ،‬ومن ه‪EE‬و عس‪EE‬اه أن يك‪EE‬ون الطاغي‪EE‬ة الح‪EE‬اكم‪ ،‬ب‪EE‬ل أك‪EE‬ثر من‬
‫ذلك أنه بلغ به التشاؤم إلى حد الزعم ب‪E‬أن االعتم‪E‬اد على الطاغي‪E‬ة أفض‪E‬ل من االعتم‪E‬اد على الجم‪E‬اهير‪ ،‬إذ أن‬
‫جمهرة الشعب من الشر والفساد قد تغدو أكثر قسوة من الحاكم الطاغية‪.‬‬
‫التعليم‪ :‬الرج ‪EE‬ل ال ‪EE‬ذي يس ‪EE‬تطيع أن يعلم البش ‪EE‬رية ش ‪EE‬يئا من خبرت ‪EE‬ه وعلم ‪EE‬ه وآرائ ‪EE‬ه‪ ،‬انم ‪EE‬ا يك ‪EE‬ون في مجتمع ‪EE‬ه‬ ‫‪‬‬
‫بمنزل ‪EE‬ة أنب ‪EE‬ل من منزل ‪EE‬ة الح ‪EE‬اكم السياس ي‪ ،‬وأك ‪EE‬ثر أث ‪EE‬را‪ ،‬حيث ن ‪EE‬اقش مس ‪EE‬ألة وج ‪EE‬ود اآلله ‪EE‬ة معت ‪EE‬برا الحكيم في‬
‫مرتبة اإلله‪.31‬‬

‫الرج‪XX X X X‬ل الص‪XX X X X‬الح‪ :‬على خالف شيش ‪EE E E E‬رون‪ ،‬ب ‪EE E E E‬ل على خالف ك ‪EE E E E‬ل من س‪EE E E E‬بقوه من الفالس‪EE E E E‬فة السياس ‪EE E E E‬يين‬ ‫‪‬‬
‫واالجتماعيين‪ ،‬كان يتصور وجود وظيفة اجتماعي‪EE‬ة ال تتطلب منص‪E‬با من مناص‪E‬ب الدول‪EE‬ة وال عمال ذا ط‪EE‬ابع‬
‫سیاسي‪ ،‬وه‪EE‬ذا النظ‪EE‬ر بنح‪EE‬و بغ‪EE‬ير ش‪EE‬ك نح‪EE‬وا جدي‪EE‬دا باملذهب ال‪EE‬رواقي‪ ،‬حيث ي‪EE‬رى س‪EE‬نيكا أن الرج‪EE‬ل الص‪EE‬الح‬
‫قادر على ان يؤدي خدمة لإلنسانية دون ان يكون له منصبا أو سلطة سياسية‪.‬‬
‫ال ‪XX‬روح و الجس ‪XX‬د‪ :‬إن التجاه ‪EE‬ات س ‪EE‬ينيكا في ه ‪EE‬ذا الص ‪EE‬دد أهمي ‪EE‬ة بالغ ‪EE‬ة‪ ،‬ففلس ‪EE‬فته (الرواقي ‪EE‬ة)‪ ،‬تنط ‪EE‬وي على‬ ‫‪‬‬
‫عقي‪EE E‬دة ديني‪EE E‬ة أص‪EE E‬يلة عميق‪EE E‬ة‪ ،‬وتنح‪EE E‬و ك‪EE E‬ذلك إلى إطال‪EE E‬ة التأم‪EE E‬ل في الحي‪EE E‬اة الروحي‪EE E‬ة بين املط‪EE E‬الب الدنيوي‪EE E‬ة‬
‫والروحي‪EE‬ة ه‪EE‬و أن الجس‪EE‬د ليس إال قي‪EE‬ود ال‪EE‬روح وظلماته‪EE‬ا‪ ،‬و أن‪EE‬ه يتعين على ال‪EE‬روح أن تك‪EE‬افح عبء الجس‪EE‬د‪،‬‬
‫بتصريف النظر عن املطالب‪ E‬الدنيوية‪ ،‬و أن يعلي شأن الدور الذي يلعبه الدين‪ .‬ص‪72‬‬

‫‪ 31‬د‪ .‬سليم قاللة‪ ،‬ص ‪20‬‬

‫‪22‬‬
‫ته ‪XX‬ذيب النفس‪ :‬حيث ق ‪EE‬ال‪ ":‬وإن الش ‪EE‬رف الص ‪EE‬حيح ه ‪EE‬و ال ‪EE‬ذي ينال ‪EE‬ه اإلنس ‪EE‬ان بنب ‪EE‬ل قلب ‪EE‬ه وعظم ‪EE‬ة نفس ‪EE‬ه"‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وقول‪EE‬ه‪" :‬إن‪EE‬ه ينب‪EE‬ني علين‪EE‬ا أن نع‪EE‬د الكم‪EE‬ال ص‪EE‬راعا مس‪EE‬تمرا‪ ،‬وأن تخض‪EE‬ع أنفس‪EE‬نا الختب‪EE‬ار ب‪EE‬اطني دقی‪EE‬ق‪ ،‬فننظ‪EE‬ر‬
‫‪32‬‬
‫كل مساء كيف أنفقنا ساعات نهارنا"‬

‫الدين‪ :‬كيان مستقل يقف الى جانب الدولة بل في حقيقة االمر فوق الدولة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املساوات‪ :‬املساوات العامة بين جمي‪E‬ع الن‪E‬اس‪ ،‬بص‪E‬رف النظ‪E‬ر عن جنس‪E‬هم‪ ،‬او ل‪E‬ونهم‪ ،‬او ح‪E‬التهم‪ ،‬على عكس‬ ‫‪‬‬
‫كل القيم السياسية القديمة‪ ،‬كم‪E‬ا ك‪E‬ان آب‪E‬اء الكنيس‪E‬ة متفق‪E‬ون لح‪E‬د كب‪E‬ير م‪E‬ع س‪E‬نيكا وشيش‪E‬رون‪ ،‬فيم‪E‬ا يتص‪E‬ل‬
‫بالقانون الطبيعي واملساوات اإلنسانية‪.‬‬

‫االتج ‪XX‬اه ال ‪XX‬ديني واملس ‪XX‬يحية‪ :‬وج ‪EE‬ود الدول ‪EE‬ة مرتب ‪EE‬ط باملؤسس ‪EE‬ات الديني ‪EE‬ة‪ ،‬والفلس ‪EE‬فة السياس ‪EE‬ية ذات عالق ‪EE‬ة‬ ‫‪‬‬
‫بالفلس ‪EE‬فة الديني ‪EE‬ة‪ ،‬كم ‪EE‬ا أن للكهن ‪EE‬ة ورج ‪EE‬ال ال ‪EE‬دين دور مهم في الحي ‪EE‬اة االجتماعي ‪EE‬ة والسياس ‪EE‬ية ‪ ،33‬كم ‪EE‬ا دع ‪EE‬ا‬
‫س‪EE E‬ينكا‪ ،‬مت‪EE E‬أثرا باملس‪EE E‬يحية‪ ،‬إلى قيم جدي‪EE E‬دة يك‪EE E‬ون فيه‪EE E‬ا البش‪EE E‬ر متس‪EE E‬اوون جميعهم أم‪EE E‬ام ق‪EE E‬وة روحي‪EE E‬ة تفتح‬
‫ذراعيه‪EE E‬ا لإلنس‪EE E‬انية وت‪EE E‬رفعهم إلى ع‪EE E‬الم املثالي‪EE E‬ة‪ ،‬وك‪EE E‬ان ي‪EE E‬رى أن عب‪EE E‬ادة الخ‪EE E‬الق هي في ذاته‪EE E‬ا خدم‪EE E‬ة إنس‪EE E‬انية‬
‫صادقة‪.‬‬
‫كم‪EE‬ا ك‪EE‬ان آب‪EE‬اء الكنيس‪EE‬ة متفق‪EE‬ون لح‪EE‬د كب‪EE‬ير م‪EE‬ع س‪EE‬نيكا وشيش‪EE‬رون‪ ،‬فيم‪EE‬ا يتص‪EE‬ل بالق‪EE‬انون الط‪EE‬بيعي واملس‪EE‬اوات‬
‫اإلنسانية وضرورة توافر العدالة في الدولة‪ ،34‬وورد أن القديس بولس اعتقد كما اعتقد سنيكا من قبله أن‬
‫عمل الحاكم انم‪E‬ا ه‪E‬و محارب‪E‬ة الفس‪E‬اد وتش‪E‬جيع عم‪E‬ل الخ‪E‬ير‪ ،‬كم‪E‬ا يض‪E‬ع الوجب‪E‬ات املدني‪E‬ة في املق‪E‬ام الث‪E‬اني ام‪E‬ام‬
‫الوجبات الدينية‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫حتى وان كانت املرحلة الرومانية لم تنتج لنا فالسفة وفلسفة سياسية تضاهي ما أنتجه اإلغريق‪ ،‬فإن‬
‫أهميتها‪ E‬تكمن في تأثيرها على الفكر السياسي والفكر الديني املسيحي‪ ،‬وتكيفها مع الدين الجديد‪ ،‬واستفادتها من‬
‫مختلف األفكار السياسية واملدارس الفلسفية وتطويرها للقانون‪ ،‬وتجسيد الدولة العاملية حيث عملوا على‪:‬‬

‫يرجع تاريخ الرومان إلى أزيد من ثمانية قرون قبل امليالد‪ ،‬حيث اعتمدوا على قوة السيف لبسط‬ ‫‪‬‬
‫سلطانهم على الدول املجاورة‪.‬‬

‫‪ 32‬عثمان أمين‪ ،‬ص‪189‬‬


‫‪ 33‬د‪ .‬سليم قاللة‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 34‬جورج سباين‪ ،‬ص ص ‪80 - 78‬‬

‫‪23‬‬
‫تحولت الجمهورية إلى إمبراطورية العام ‪ 21‬ق‪.‬م على يد أوكتافيوس الذي كان أول أباطرة‪ E‬روما‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يضمون اآلخرين ويدعون للمساوات‪.‬‬‫الرومان ال يقسمون العالم إلى برابرة وأسياد بل ّ‬ ‫‪‬‬
‫سياسية الغزو دليل على ضعف في الجانب السياسي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫السياسية لدى الرومان كانت تطبيقية ال نظرية كما عند اليونان‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اليونان يفكرون فلسفيا وأخالقيا‪ ،‬الرومان يفكرون قانونيا وواقعيا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القانون الروماني اختلط في البداية‪ E‬بالدين والسحر والعادات‪ ،‬ثم انفصلت القواعد القانونية‬ ‫‪‬‬
‫على القواعد الدينية‪.‬‬
‫قيمة اإلنسان لدى الفالسفة الرومان كجنس بشري وليس كوضع اجتماعي كما عند اليونان‪E.‬‬ ‫‪‬‬
‫اتجه الفكر الروماني إلى كافة الناس وليس إلى سكان املدينة فحسب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫واعتنقت املسيحية مع اإلمبراطور قسطنطين ‪ 212‬ميالدي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وكان لألفكار الرواقية الداعية إلى نظام عالمي وقانون يحكم جميع البشر األثر الكبير في إعطاء‬ ‫‪‬‬
‫السند الفكري لقادة روما في فتوحاتهم وضم الدول املتاخمة لها‪.‬‬
‫وقد ارتبط اسم الرومان بالتشريع‪ ،‬حيث برعوا في وضع القوانين الكفيلة بتسيير أمور رعاياها‬ ‫‪‬‬
‫من مختلف املشارب وامللل‪ ،‬األمر الذي جعلهم ينشرون األفكار الرواقية التي نادت إلى تساوي البشر‬
‫في دولة عاملية يحكمها القانون الطبيعي‪.‬‬
‫أعطى اإلمبراطور كاركاال العام ‪ 313‬ميالدي صفة املواطنة لكل سكان اإلمبراطورية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫قدرتها على التكيف مع خصوصيات كل مدينة من املدن التي دخلتها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫دخلت اإلمبراطورية الرومانية مرحلة الشيخوخة واألفول وسقطت على يد العثمانيين‪ E‬سنة ‪ 1453‬م‪.‬‬

‫قائمة املراجع‬

‫ميديا‪-‬فايدرا‪-‬أجاممنون‪ ، ،‬سنيكا‪ ،‬ترجمة د‪.‬عبد املعطى‪ E‬شعراوي‪ ،‬مكتبة االنجلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.2002‬‬
‫د‪ .‬أمين عثمان‪ ،‬الفلسفة الرواقية‪ ،‬لجة التأليف‪ E‬والترجمة و النشر‪ ،‬القاهرة‪.1945،‬‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬محمد عبد الستار البدري‪" ،‬سينيكا" وحاضرنا التراجيدي‪ ،‬جريدة الشرق األوسط‪ ،‬الثالثاء ‪26 -‬‬ ‫‪‬‬
‫جمادى األولى ‪ 1441‬هـ ‪ 21 -‬يناير ‪ 2020‬مـ رقم العدد [‪ ،]15029‬لندن‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫سليم حميداني‪ ،‬الفكر السياسي في العصور القديمة‪ X‬والوسطى‪ ،‬مطبوعة بيداغوجية‪ ،‬جامعة قاملة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.2016‬‬
‫جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬ج ‪ ،02‬ترجمة‪ :‬حسن جالل العروسي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة املصرية‬ ‫‪‬‬
‫العامة للكتاب‪.2010 ،‬‬
‫د‪ .‬سليم قاللة‪ ،‬النظام السياسي الروماني بوليبوس‪ ،‬شيشرون‪ ،‬سينيكا‪ ،‬محاضرا في الفكر السياسي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫كلية العلوم السياسية‪.2014 ،‬‬
‫د‪ .‬أبو اليزيد علي املتيت‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للتأليف والنشر‪1980 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫د‪ .‬مصطفى النشار‪ ،‬تطور الفكر السياسي القديم من صولون حتى ابن خلدون‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة‪.1999 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫‪25‬‬

You might also like