Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 23

‫‪ :‬خطة البحث‬

‫‪1- 3 2 1‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪2- 1‬‬ ‫نشأة األسلوب الحكيم‬

‫المصطلح – ‪1 3‬‬

‫التعريف ‪4- 1‬‬

‫أ‪ -‬لغة‪4-‬‬

‫ب‪ -‬اصطالحا‪4-‬‬

‫أقسام األسلوب الحكيم ‪5- 1‬‬

‫أ‪ -‬القسم األول مع األمثلة‪5-‬‬

‫ب‪ -‬القسم الثاني مع األمثلة‪5-‬‬

‫‪ :‬نماذج األسلوب الحكيم ‪6-‬‬

‫أ‪ -‬من القرآن الكريم – ‪6‬‬

‫ب ‪ -‬من السنة النبوية – ‪6‬‬

‫ج ‪ -‬من األدب العربي – ‪6‬‬

‫‪7-3‬‬ ‫أغراضه‬

‫قيمته األسلوبية ‪- 82‬‬

‫الخاتمة ‪9- 3 2 1‬‬


‫المقدمة ‪: 1-‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين وبه نستعين والصالة والسالم على أشرف الخلق و المرسلين‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان الى يوم‬
‫‪ :‬الدين وبعد‬
‫فأهدف في هذا البحث تقديم دراسة عن أحد محاور علم البالغة وتحديدا محاور على‬
‫البديع الذي وضعه الخليفة ابن المعتز وثمرته تكمن في تحسين الكالم لفظيا ومعنويا‬
‫وهو األسلوب الحكيم الذي يصنف على أنه أحد المحسنات المعنوية‪ 6‬البديعية ‪ ،‬وهو‬
‫األسلوب الذي قد تغيب معرفته عن كثير من الناس رغم مكانة هذا النوع البالغي‪، 6‬‬
‫وعلى الرغم من النقص من المصادر و المراجع عن هذا البحث إال اني تمكنت من‬
‫‪ .‬توفير عدد البأس به منها ليساعدني في تقديم هذا البحث على أكمل وجه‬
‫فقد بدأت هذا البحث بنظرة تاريخية عن كيفية نشأة هذا األسلوب البالغي‪ 6‬وتطوره من‬
‫ناحية المصطلح فقد كان له تسميات عدة آخرها ' األسلوب الحكيم ' ‪ ،‬كما أردت على‬
‫إعطاء التعريف اللغوي و البالغي ‪-‬اصطالحي‪ -‬المناسب لتمكين القارئ والمستمع من‬
‫فهم هذا األسلوب كما حرصت على توليد شواهد وافية وكافية من القرآن الكريم‬
‫والسنة النبوية وكذلك أمثلة من األدب العربي ‪ ،‬وخالل هذا البحث سيتمكن المتلقي‬
‫من معرفة بالغة األسلوب الحكيم وقيمته الفنية وكذلك أقسامه االثنين‪ ، 6‬فاألسلوب‬
‫الحكيم مجال واسع جدا ليس كما يبدو من النظرة األولى ‪ ،‬وهذا عائد الختالف‬
‫البالغيين‪ 6‬فيه وتطوره عبر الزمن وتنوع‪ 6‬أغراضه البالغية‪ ، 6‬والتي سيتم المرور‬
‫‪ .‬عليها الحق في محاور هذا البحث‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن بالغة األسلوب الحكيم تكمن في األجوبة المسكتة ‪ ،‬وقد أشاره‬
‫له الجاحظ في كتاب البيان والتبيين عندما تحدث عن '' اللغز والجواب'' لكن أبو‬
‫يعقوب السكاكي يعتبر أول من خص هذا األسلوب بالحديث ووضع له تسميته الحالية‬
‫‪ .‬في كتابه مفتاح العلوم‬

‫لهذا يجب على كل دارس للغة العربية تحديدا علم البالغة وقارئ للقرآن الكريم‬
‫معرفة هذا األسلوب البالغي خاصة لدوره الكبير في إقناع المستمع وإدهاشه إلى‬
‫جانب معرفة األساليب األخرى و دراستها جيد كأسلوب التكرار ‪ ،‬وأسلوب التقديم‬
‫‪ .‬والتأخير ‪ ،‬الذكر والحذف ‪ ،‬واالستفهام وااللفات ‪ ...‬والتي ذكرت في القرآن الكريم‬
‫وقد حرصت في هذا البحث على جمع ماقل ودل وأفاد فإن وفقت فمن هللا وحده ال‬
‫‪ .‬شريك له وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان‬
‫‪ :‬نشأة األسلوب الحكيم ‪2-‬‬
‫نستهل بداية هذا البحث بالحديث عن نشأة هذا األسلوب البالغي وكيف تم التطرق‬
‫إليه من طرف المتقدمين في كتبهم ‪ ،‬فكما أشرنا إليه في المقدمة أول من أشار الى‬
‫هذا النوع من األساليب البالغية‪ ، 6‬كان أبو عثمان الجاحظ (‪255‬هـ) في كتاب ' البيان‬
‫والتبيين' في باب من اللغز في الجواب عندما ذكر قصة الحطيئة عندما كان يرعى‬
‫الغنم فمر به رجل فقال ‪ :‬يا راعي الغنم ‪ ،‬ما عندك ؟ قال ‪ :‬عجراء من سلم ‪ ، 1‬فهذا‬
‫كان أول لمظهر من مظاهر األسلوب الحكيم للجاحظ وقد أشاره اليه أيضا في باب من‬
‫الكالم المحذوف عند حديثه عن " كالم يذهب السامع إلى معاني أهله " ‪ ، 2‬فيعتبر‬
‫‪ ،‬الجاحظ أول من لفت أنظار البالغيين‪ 6‬الى هذا النوع من الكالم وأرشدهم إلى أسسه‬
‫لكن أول من تكلم عن هذا األسلوب بالتحديد وخصصه باالسم هو أبو يعقوب‬
‫السكاكي في كتابه مفتاح العلوم فهو أول من أطلق عليه اسم األسلوب الحكيم وجعل‬
‫له أقسام و مثل عن كل قسم ‪ ،‬وقعد جعل أحد فنون علم الكالم فقد قال ‪( :‬ولهذا‬
‫النوع أعني‪ 6‬إخراج الكالم ال على مقتضى الظاهر إذ ما من مقتضى كالم ظاهري إال‬
‫ولهذا النوع مدخل فيه بجهة من جهات البالغة‪ ،‬على ما تنبه على ذلك منذ اعتنينا‪6‬‬
‫بشأن هذه الصناعة ‪ ،‬وترشد إليه تارة بالتصريح وتارات بالفحوى‪ ،‬ولكل من تلك‬
‫‪ 3‬األساليب عرق في البالغة يتشرب من أفانين سحرها و ال كاألسلوب الحكيم فيها)‬

‫‪1‬‬
‫عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الجاحظ‪ ، 6‬البيان والتبيين‪ ، 6‬دار ومكتبة الخانجي ‪ ،‬القاهرة‪ ، 6‬ص ‪ 147‬مجلد ‪2‬‬
‫‪ 2‬البيان والتبيين ‪ ،‬ص ‪ 278‬مجلد ‪2‬‬
‫‪ 3‬يوسف بن أبي بكر السكاكي ‪ ،‬مفتاح العلوم ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ص ‪327‬‬
‫وقد ُذ كر عبد القاهر الجرجاني مثال عن األسلوب الحكيم في كتابه دالئل اإلعجاز تحت‬
‫‪ .‬اسم المغالطة لكن دون تفصيل في هذا األسلوب او تحديد له‬
‫ونخلص من هذا أن أول من تطرق إلى هذا األسلوب كان هو الجاحظ عندما ذكر أمثلة‬
‫عديدة تدخل اليوم تحت فن األسلوب الحكيم دون أن يقوم بإعطاء تسمية لهذا الفن‬
‫بل اكتفى بذكره تحت باب في اللغز من الجواب كما ذكره عبد القاهر الجرجاني باسم‬
‫المغالطة وقد تم ذكر مصطلح " المغالطة المعنوية‪ " 6‬عند ابن االثير في اشارة الى‬
‫التورية وهنالك صلة كبيرة بين التورية و األسلوب الحكيم ‪ ،‬وأخيرا أتى السكاكي‬
‫ليضع أسس هذا الفن ويتطرق إليه باستفاضة وأطلق عليه اسم األسلوب الحكيم الذي‬
‫‪ .‬ندرسه اليوم‬
‫‪ :‬المصطلح ‪3-‬‬
‫كما ذكرنا سابقا فقد أطلق على هذا األسلوب البالغي‪ 6‬عدة تسميات والتي ذكرنا منها‬
‫األسلوب الحكيم عند السكاكي و المغالطة عن عبد القاهر الجرجاني ‪ ،‬كما قد تم تداول‬
‫تسميات أخرى لهذا فن من المحدثين منها أسلوب الحكيم والقول بالموجب فاصبح له‬
‫‪ :‬أربع تسميات‬
‫المغالطة‪1-‬‬
‫األسلوب الحكيم‪2-‬‬
‫القول بالموجب‪3-‬‬
‫أسلوب الحكيم‪4-‬‬
‫وسنناقش كل من هذه التسميات على حدى‬

‫المغالطة ‪:‬‬
‫ورد هذا المصطلح عند عبد القاهر الجرجاني فالمغالطة من الغلطة والغلطة في اللغة‬
‫العربية وهي الخطأ ‪ ،‬غلط في الحساب أي أخطا فيه ولم يعرف وجه الصواب فيه ‪،‬‬
‫وقد كان المعنى اللغوي المراد منها هو تخطئة أحد المتكلمين لآلخر عن طريق ادعاء‬
‫عدم معرفة الجواب واعطاء جواب مخالف او غير متوقع ‪ ،‬لكن هذا المصطلح ال‬
‫يصح اطالقه على األسلوب الحكيم وهذا عائد الى عدة أسباب أهمها ‪ :‬استعمال معنى‬
‫المغالطة للداللة على أسلوب بالغي آخر وهو التورية وان كانت تسمى المغالطة‬
‫المعنوية لكن اطالق اسم المغالطة على فن األسلوب الحكيم يدخل فن المغالطة‬
‫المعنوية ‪ -‬التورية ‪ -‬تحت أقسامها وهذا ال يصح ‪ ،‬وأيضا عدم شيوع هذا المصطلح‬
‫بين البالغيين‪ 6‬وهذا بسبب انه ورد مرة واحدة عند الجرجاني بالصدفة ولم يتكلم فيه‬
‫تحديدا او يوضحه ‪.‬‬

‫القول بالموجب ‪:‬‬


‫جاء ذكر األسلوب الحكيم كمصطلح ثاني للقول بالموجب عند ابن مالك الرعيني حيث‬
‫قال ‪ ( :‬ويقال له األسلوب الحكيم )‪ 4‬وقد تبعه في ذلك ابن حجة الحموي‪ 5‬وابن‬
‫معصوم المدني‪ 6‬وقد حذا بعض من المعاصرين من البالغيين حذوهم وجعلوا األسلوب‬
‫الحكيم مصطلحا ثانيا للقول بالموجب ‪ ،‬وهذا يعني‪ 6‬أن احد المصطلحين يقوم مقام‬
‫اآلخر فكلهما واحد ‪ ،‬وان كان األصل عندهم جميعا القول بالموجب وقد فرق بينهما‬
‫الرعيني فيما بعد ‪.‬‬
‫فقد قال ابن معصوم متحدثا عن القول بالموجب ‪ ( :‬هذا نوعه من البديع غريب‬
‫المعنى‪ ،‬لطيف المبنى ‪ ،‬راجح للوزن في معيار البالغة ‪ ،‬مفرغ الحسن في قالب‬
‫الصياغة ‪ ،‬هو واألسلوب الحكيم رضيعا لبان وفرسا رهان حتى زعم بعضهم أن‬
‫أحدهم عين اآلخر وهو ليس كذلك )‪ 7‬ويقصد بليس كذلك وجود اختالف بين‬
‫األسلوبين فقد وضح االختالف في قوله مرة أخرى ‪ ( :‬هذا النوع – أعني القول‬
‫بالموجب – يشترك واألسلوب الحكيم في كون كل منهما إخراج الكالم ال على مقتضى‬
‫الظاهر ‪،‬ويفترقان باعتبار الغاية ‪ ،‬فإن القول بالموجب غايته رد كالم المتكلم وعكس‬

‫طراز الحلة والشفاء البن مالك الرعيني ص ‪621‬‬ ‫‪4‬‬

‫خزانة األدب ‪ ،‬ابن حجة الحموي ‪ ،‬مجلد ‪ 1‬ص ‪258‬‬ ‫‪5‬‬

‫أنور الربيع في أنواع البديع ‪ ،‬ابن معصوم المدني مجلد ‪ 2‬ص ‪198‬‬ ‫‪6‬‬

‫السابق‬ ‫‪7‬‬
‫معناه ‪ ،‬واألسلوب الحكيم هو تلقي المخاطب بغير ما يترقب ‪ ،‬بحمل كالمه على خالف‬
‫مراده تنبيها‪ 6‬على أنه األولى بحاله أو المهم له ) ‪.8‬‬
‫وقد ذكر الخطيب القزويني األسلوب الحكيم في علم المعاني متبعا السكاكي ‪ ،‬وذكر‬
‫القول بالموجب مع فنون البديع‪ ، 9‬وتبعه في ذلك جمهرة من البالغيين‪ ، 6‬ولهذا يمكن‬
‫يمكننا التأكيد على أن القول بالموجب نوع آخر غير األسلوب الحكيم وإنما يسمى به‬
‫لتشابه خصائصه وال يصح أن يكون مصطلحا مرادفا له ‪.‬‬

‫أسلوب الحكيم ‪:‬‬


‫الفرق بينه وبين األسلوب الحكيم في حذف تنكير األسلوب بحذف 'أل' التعريف وهذا‬
‫ما أعطى الداللة اللغوية لكلمة الحكيم بدال من أن تكون الداللة اللغوية بأن الحكمة‬
‫وصفا لألسلوب كما في األسلوب الحكيم وذلك عندما تحول كلمة أسلوب من صفة الى‬
‫مضاف إليه ‪ ،‬وألن وصف الحكمة يجب أن يكون لألسلوب فأرى أنه ال يصح استعمال‬
‫هذا المصطلح‬

‫األسلوب الحكيم‪: 6‬‬


‫وهو المصطلح األرجح واألفضل‪ ، 6‬أطلقه السكاكي وقد نال رضا جمهور البالغيين‪6‬‬
‫ليصبح اسما لهذا الفن ‪ ،‬وهو أفضل المصطلحات األربعة وأكثر داللة على معنى هذا‬
‫األسلوب البالغي وهذا بسبب اقترانه به الى يومنا هذا ‪ ،‬والستعماله جمهور‬
‫البالغيين‪ 6‬بكثرة له دون غيره من المصطلحات المرادفة‬

‫السابق مجلد ‪ 2‬ص ‪209‬‬ ‫‪8‬‬

‫اإليضاح مجلد ‪ 6‬ص ‪86‬‬ ‫‪9‬‬


‫‪ -4‬تعريف األسلوب الحكيم ‪:‬‬
‫لغة ‪:‬‬
‫وهو يتكون من كلمتين األسلوب و الحكيم‬
‫‪10‬‬
‫األسلوب لغة ‪ :‬من سلب وهو أخذ الشيء بخفة واختطاف ‪ ،‬يقال سلبته ثوبه سلبا‬
‫ويقال للسرط من النخيل أسلوب ‪ ،‬وكل طريق ممتد فهو أسلوب فاألسلوب هو الطريق‬
‫والمذهب و يقال أنتم في أسلوب سوء ‪،‬وجمعها أساليب ‪ ،‬يقال ‪ :‬أخذ فالن في أساليب‬
‫من القول أي أفانين منه‪ ، 11‬وقال لويس معلوف " الطريق بمعنى فن من القول و‬
‫‪12‬‬
‫العمل ‪.‬‬

‫الحكيم لغة ‪ :‬وهي بمعنى الحاكم أو العالم ‪ 13‬وهي من حكم وهو المنع ‪ ،‬وأول ذلك‬
‫الحكم ‪ ،‬وهو المنع من الظلم ‪ ،‬وسميت حكمة الدابة ألنها تمنعها ‪ ،‬يقال حكمت الدابة‬
‫‪14‬‬
‫وأحكمتها ويقال ‪ :‬حكمت السفينة وأحكمته ‪ ،‬اذا أخذت على يديه‬
‫أبو الحسن أحمد بن فارس ‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪93‬‬ ‫‪10‬‬

‫ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬ص ‪473‬‬ ‫‪11‬‬

‫لويس معلوف ‪ ،‬المنجد في اللغة و األعالم ‪ ،‬ص ‪343‬‬ ‫‪12‬‬

‫لويس معلوف ‪ ،‬المنجد في اللغة و األعالم ‪ ،‬ص ‪146‬‬ ‫‪13‬‬

‫جرير بن عطية ‪ ،‬ديوان جرير ‪ ،‬ص ‪47‬‬ ‫‪14‬‬


‫األسلوب الحكيم لغة ‪ :‬كل كالم محكم ‪ ،15‬غير أننا نستطيع استيعاب ما تقدم في‬
‫المعنى اللغوي لكل من األسلوب و الحكيم لنخرج بتعريف مفاده أن األسلوب الحكيم‬
‫‪16‬‬
‫لغة يعني‪ " 6‬الطريق بمعنى فن من القول والعمل "‬

‫اصطالحا ‪:‬‬
‫عرف أحمد الهاشمي األسلوب الحكيم على أنه تلقي المخاطب بغير ما يترقبه ‪ ،‬إما‬
‫بترك سؤال واإلجابة عن سؤال لم يسئله أو بحمل كالم المتكلم على غير ما كان يقصد‬
‫ويريد ‪ ،‬تنبيها على أنه كان ينبغي‪ 6‬له أن يسأل هذا السؤال ‪ّ ،‬أو يقصد هذا المعنى ‪. 17‬‬
‫‪18‬‬
‫وعرفه الجرجاني بأنه عبارة عن ذكر األهم تعريضا للمتكلم على تركه األهم ‪.‬‬
‫وقال أبو البقاء الحنفي ‪ :‬األسلوب الحكيم هو تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل‬
‫كالمه على خالف مراده تنبيها له على أنه األولى بالقصد ‪ ،‬أو إجابة السائل بغير ما‬
‫يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيرها تنبيها له على أنه األولى بحاله أو المهم له ‪. 19‬‬
‫وقال ابن كمال باشا ‪ :‬األسلوب الحكيم مرجعه الى العدول في الجواب عن موجب‬
‫الخطاب لحكمة شريفة يقتضيها المقام ‪ ،‬أو نكتة لطيفة يرتضيها ذوو األفهام ‪ ،‬سواء‬
‫‪20‬‬
‫كان ذلك العدول لصرف الكالم عن مراد المتكلم الى معنى آخر يحتمله أيضا بدونه‬
‫ومما سبق نستنج أن األسلوب الحكيم يقول على ‪ 3‬مراحل أو أسس ‪:‬‬
‫َ‬
‫ومخاطب أو سائال ومجيبا‬ ‫‪ -1‬المجاورة بين اثنين‪ُ 6‬مخاطِ ب‬
‫‪ -2‬إجابته بغيره ما يتقرب او العدول عن الجواب إلى شيء أهم و أولى‬
‫أبو البقاء الحنفي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬ط‪ 2‬ص ‪111‬‬ ‫‪15‬‬

‫عبد القادر حسين ‪ ،‬فن البالغة ص ‪146‬‬ ‫‪16‬‬

‫أحمد الهاشمي ‪ ،‬جوهر البالغي في علم المعاني والبيان والبديع ‪،‬ص ‪319‬‬ ‫‪17‬‬

‫الشريف الجرجاني ‪ ،‬التعريفات ‪ ،‬ص ‪23‬‬ ‫‪18‬‬

‫أسامة البحيري ‪ ،‬تيسير البالغة ( علم البديع ) ‪ ،‬ص ‪105‬‬ ‫‪19‬‬

‫ابن كمال باشا ‪ ،‬رسالة في بيان األسلوب الحكيم ص‪91‬‬ ‫‪20‬‬


‫‪ -3‬مراعاة حال المخاطِ ب أو السائل في اختيار الجواب‬

‫تعريف األسلوب الحكيم أسلوبيا ‪:‬‬


‫عرفه عبد القادر عبد الجليل بأنه ‪ ( :‬بنية تقول على أسلوب صياغي‪ 6‬يعتمد فيه‬
‫السياق على المحاورة وتؤسس بنيتها‪ 6‬على أساس مخالفة مقتضى الظاهر بواسطة‬
‫بدائل البث التلقائي التي يعتمد المنشئ ذات الدرجات اللونية‪ 6‬المتقاربة ‪ ،‬والمخالفة في‬
‫هذه البنية‪ 6‬تؤدي إلى ناتج داللي يدور في منطقة العمق ‪،‬ويكمل دورته مارا بمنطقة‬
‫المسح )‪. 21‬‬
‫ونجد هذا التعريف يشتمل على أربه نقاط أساسية وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬السياق بين الخاطب والمخاطب أو السائل والمسئول ‪.‬‬
‫‪ -2‬تبنى هذه البينة‪ 6‬على مخالفة مقتضى الظاهر ‪.‬‬
‫‪ -3‬يستعمل المخاطب في هذه المخالفة بدائل لفظية ومعنوية دون تكلف ‪.‬‬
‫‪ -4‬األسلوب الحكيم بنية تركيبة تميزها صياغة األسلوب عن باقي البنى ‪.‬‬

‫عبد القادر عبد الجليل ‪ ،‬األسلوبية وثالثية الدوائر البالغية ‪ ،‬ص‪560‬‬ ‫‪21‬‬
‫‪ 5‬أنواع األسلوب الحكيم ‪:‬‬
‫يمكن استخراج نوعين لألسلوب الحكيم من تعريف السكاكي له تلقي المخاطب بغير‬
‫ما يترقب ‪ ،‬أو السائل بغير ما يتطلب ‪:‬‬

‫أ‪ -‬تلقي المخاطب بغير ما يترقب ‪:‬‬


‫وهو أن يأتي الخطاب دون سؤال وجواب ‪ ،‬حيث يتلقى المخاطب غير ما يتوقعه أو‬
‫ينتظر ه ‪ ،‬بحمل كالمه على غير ما يقصده ويريده لغرض ما يعرفه المخاطب ومن‬
‫أمثلة ذلك ‪:‬‬
‫(( َو ِم ْن ُه ُم ا َّلذِينَ ُيْؤ ُذونَ ال َّن ِب َّي َو َيقُولُونَ ه َُو ُأ ُذنٌ ۚ قُلْ ُأ ُذنُ َخ ْي ٍر َّل ُك ْم ُيْؤ مِنُ ِباهَّلل ِ َو ُيْؤ مِنُ‬
‫اب َألِي ٌم ))‬ ‫سول َ هَّللا ِ َل ُه ْم َع َذ ٌ‬‫لِ ْل ُمْؤ ِمنِينَ َو َر ْح َم ٌة ِّل َّلذِينَ آ َم ُنوا مِن ُك ْم ۚ َوا َّلذِينَ ُيْؤ ُذونَ َر ُ‬
‫التوبة‪)61( 6‬‬
‫وتفسير هذه اآلية كما جاء في روح المعاني لآللوسي ‪ :‬عن محمد بن إسحاق أنها‬
‫نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل‪ 6‬بن الحرث ‪ ،‬وكان رجالً آدم أحمر العينين‬
‫أسفع الخدين مشوه الخلقة وكان ينم حديث النبي‪ 6‬صلى هللا عليه وسلم إلى المنافقين‬
‫فقيل له ‪ :‬ال تفعل ‪ .‬فقال ‪ :‬إنما محمد صلى هللا عليه وسلم أذن من حدثه شيئا ً صدقه‬
‫نقول شيئا ً ثم نأتيه ونحلف له فيصدقنا ‪ ،‬وهو الذي قال فيه النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪« :‬من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل‪ 6‬بن الحرث » فجاءه الرد‬
‫من القرآن الكريم بأن محمد صلى هللا عليه وسلم أذن لكم عكس ما تظنون بل هو أذن‬
‫خير لكم ‪.‬‬
‫قال ابن عاشور ‪ '' :‬وهو من األسلوب الحكيم الذي يحمل فيه المخاطب كالم المتكلم‬
‫على غير ما يريده ‪ ،‬تنبيها على أنه األولى بأن يراد ‪ ...‬فأمر النبي‪ 6‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم بأن يبلغهم ما هو إبطال لزعمهم من أصله بصرف مقالتهم إلى معنى الئق‬
‫بالرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬حتى ال يبقي للمحكي أثر ‪ ،‬وهذا من لطائف القرآن ''‬
‫‪22‬‬

‫أ‪ -‬تلقي السائل بغير ما يتطلب ‪:‬‬


‫وذلك بتنزيل سؤال السائل منزلة غيره ‪ ،‬أي يعدل في الجواب عن السؤال ويجيب عن‬
‫سؤال لم يسأله السائل ‪ ،‬تنبيها على أنه األولى أو المهم له أن يسأل عن هذا بدل‬
‫السؤال الذي طرحه أو يزيد في الجواب أو ينقص عما يتطلبه السائل ‪ ،‬لحكمة ما أو‬
‫لغرض بالغي يقتضيه الموقف ومثال ذلك ‪:‬‬
‫س ا ْل ِب ُّر ِبَأن َتْأ ُتوا ا ْل ُب ُي َ‬
‫وت مِن‬ ‫اس َوا ْل َح ِّج ۗ َو َل ْي َ‬ ‫(( َي ْسَألُو َن َك َع ِن اَأْل ِه َّل ِة قُلْ ه َِي َم َواق ُ‬
‫ِيت لِل َّن ِ‬
‫ورهَا َو ٰ َلكِنَّ ا ْل ِب َّر َم ِن ا َّت َق ٰى ۗ َوْأ ُتوا ا ْل ُب ُي َ‬
‫وت مِنْ َأ ْب َو ِاب َها‪َ ۚ 6‬وا َّتقُوا هَّللا َ َل َع َّل ُك ْم ُت ْفلِ ُحونَ ))‬ ‫ُظ ُه ِ‬
‫البقرة (‪)189‬‬
‫في اآلية الكريم نجد السؤال عن الهالل حيث قالو ‪ (( :‬ما بال الهالل يبدو دقيقا مثل‬
‫الخيط ثم يتزايد قليال قليال حتى يمتلئ ويستوي ثم ال يزال ينقص حتى يعود كما كان‬
‫في البداية )) ‪ 23‬فهنا السؤال عن السبب الطبيعي والعلمي وراء تغيير منازل القمر ‪،‬‬
‫لكن اإلجابة جاءت على خالف ما يترقبون في القرآن ألن األول بالعلم معرفة في ماذا‬
‫تنفعهم تغير منازل القمر من السؤال عن السبب وراء ذلك الذي ال يغير من حالهم من‬
‫شيء ‪ ،‬فكان أولى بهم معرفة المواقيت التي يحتاجونها في عبادتهم و طاعاتهم هلل‬
‫عزوجل‬
‫محمد الطاهر بن عاشور ‪ ،‬التحرير‪ 6‬والتنوير ‪10/242‬‬ ‫‪22‬‬

‫القزويني ‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة ‪2/95 ،‬‬ ‫‪23‬‬


‫قال بهاء الدين البغدادي ‪ ":‬أعلم هللا عزوجل أنه جعل ذلك ليعلم الناس أوقاتهم فيما‬
‫فرض عليهم من حجهم وعدة نسائهم وجميع ما يريدون علمه مشاهرة ‪ ،‬ألن هذا‬
‫‪24‬‬
‫أسهل على الناس من حفظ عدد األيام التي يستوي الحاسب وغيره ''‬

‫‪ -6‬نماذج األسلوب الحكيم ‪:‬‬


‫أ‪ -‬من القرآن الكريم ‪:‬‬
‫المثال األول ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫ض ِعفُوا لِ َمنْ آ َمنَ ِم ْن ُه ْم َأ َت ْع َل ُمونَ َأنَّ َ‬
‫صال ًِحا‬ ‫َقال َ ا ْل َمُأَل ا َّلذِينَ ْ‬
‫اس َت ْك َب ُروا مِن َق ْو ِم ِه لِ َّلذِينَ ْ‬
‫اس ُت ْ‬
‫سل ٌ ِّمن َّر ِّب ِه ۚ َقالُوا ِإ َّنا ِب َما ُأ ْرسِ ل َ ِب ِه ُمْؤ ِم ُنونَ (‪َ )75‬قال َ ا َّلذِينَ ْ‬
‫اس َت ْك َب ُروا ِإ َّنا ِبا َّلذِي‬ ‫ُّم ْر َ‬
‫آ َمن ُتم ِب ِه َكافِ ُرونَ (‪ )76‬األعراف‬
‫قال أبو الفداء إسماعيل حقي في تفسيره ‪ :‬قالوه بطريق االستهزاء بهم ‪ ،‬قالو أي‬
‫المؤمنون المستضعفون إنا بما أرسل به من التوحيد والعبادة مؤمنون‪ ،‬عدلوا عن‬
‫الجواب الموافق لسؤالهم بأن يقولوا نعم أو نعلم أنه مرسل منه تعالى تنبيها‪ 6‬على أن‬
‫إرساله أمر معلوم مقرر عندهم حيث أوردوه صلة للموصول ‪ ،‬ومن المعلوم أن الصلة‬
‫البد أن تكون جملة معلومة االنتساب الى ذات الموصول‪6‬‬
‫المثال الثاني ‪:‬‬
‫ِين‬ ‫َي ْسَألُو َن َك َم َاذا ُينفِقُونَ ۖ قُلْ َما َأن َف ْق ُتم ِّمنْ َخ ْي ٍر َفلِ ْل َوالِدَ ْي ِن َواَأْل ْق َر ِبينَ َوا ْل َي َتا َم ٰى َوا ْل َم َ‬
‫ساك ِ‬
‫يل ۗ َو َما َت ْف َعلُوا مِنْ َخ ْي ٍر َفِإنَّ هَّللا َ ِب ِه َعلِي ٌم (‪ )215‬البقرة‬ ‫الس ِب ِ‬
‫َوا ْب ِن َّ‬
‫قال الدكتور الزحيلي في تفسيره المنير ‪ :‬وكون الجواب في اآلية أتى ببيان المنفق‬
‫عليه ‪،‬مع أنهم سألو عن المنفق ‪:‬هو على أسلوب الحكيم فقد سألو عن شيء وأجابهم‬
‫بهاء الدين البغدادي ‪ ،‬التذكرة الحمدونية ‪7/353 ،‬‬ ‫‪24‬‬
‫عما هو أهم منه وهو بيان مواطن اإلنفاق ‪ ،‬ألن اإلنفاق ال يحقق الخير حتى يصادف‬
‫موقعه ‪.‬‬

‫المثال الثالث ‪:‬‬


‫ضو ْا َع ْن ُه ْم ۖ ِإ َّن ُه ْم ِر ْج ٌ‬
‫سۖ‬ ‫س َي ْحلِفُونَ ِبٱهَّلل ِ َل ُك ْم ِإ َذا ٱن َق َل ْب ُت ْم ِإ َل ْي ِه ْم لِ ُت ْع ِر ُ‬
‫ضو ْا َع ْن ُه ْم ۖ َفَأ ْع ِر ُ‬ ‫َ‬
‫َو َمْأ َوي ُه ْم َج َه َّن ُم َج َزٓا ۢ ًء ِب َما َكا ُنو ْا َي ْكسِ ُبونَ (‪ )95‬التوبة‪6‬‬
‫ذكر في تفسير المنار أن اإلعراض في اآلية هو إعراض إهانة واحتقار ‪ ،‬ال إعراض‬
‫صفح و إعذار ‪ ،‬وهذا التعبير من أسلوب الحكيم ‪ ،‬وهو قبول ما يبغون من اإلعراض‬
‫عنهم ولكن على غير الوجه الذي يرجونه منه بل ضده‬

‫ب‪ -‬من السنة النبوية ‪:‬‬


‫المثال األول ‪:‬‬
‫س‬‫س ْع ٌد جالِ ٌ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ عليه وسلَّ َم أ ْعطَى َر ْهطًا و َ‬ ‫عن سعد بن أبي وقاص أن َرسو َل هللاِ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ عليه وسلَّ َم منه ْم َمن لَ ْم يُ ْع ِط ِه‪ ،‬وهو أع َْجبُ ُه ْم‬ ‫س ْعدٌ‪ :‬فَت ََركَ َرسو ُل هللاِ َ‬ ‫فيهم‪ ،‬قا َل َ‬
‫صلَّى‬ ‫الن؟ فَوهَّللا ِ إنِّي َألراهُ ُمْؤ ِمنًا‪ ،‬فقا َل َرسو ُل هللاِ َ‬ ‫إلَ َّي‪ ،‬فَقُلتُ ‪ :‬يا َرسو َل هللاِ‪ ،‬ما لكَ عن فُ ٍ‬
‫س َكتُّ قَلِياًل ثُ َّم َغلَبَنِي ما أ ْعلَ ُم منه‪ ،‬فَقُلتُ ‪ :‬يا َرسو َل‬ ‫سلِ ًما‪ ،‬قا َل‪ :‬فَ َ‬ ‫هَّللا ُ عليه وسلَّ َم‪ْ :‬‬
‫أو ُم ْ‬
‫صلَّى هَّللا ُ عليه وسلَّ َم‪ْ :‬‬
‫أو‬ ‫الن؟ فَوهَّللا ِ إنِّي َألراهُ ُمْؤ ِمنًا‪ ،‬فقا َل َرسو ُل هللاِ َ‬
‫هللاِ‪ ،‬ما لكَ عن فُ ٍ‬
‫س َكتُّ قَلِياًل ثُ َّم َغلَبَنِي ما َعلِ ْمتُ منه‪ ،‬فَقُلتُ ‪ :‬يا َرسو َل هللاِ‪ ،‬ما لكَ عن فُ ٍ‬
‫الن؟‬ ‫سلِ ًما‪ ،‬قا َل‪ :‬فَ َ‬‫ُم ْ‬
‫ْطي‬ ‫سلِ ًما‪ ،‬إنِّي ُألع ِ‬
‫أو ُم ْ‬ ‫فَوهَّللا ِ إنِّي َألراهُ ُمْؤ ِمنًا‪ ،‬فقا َل َرسو ُل هللاِ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ عليه وسلَّ َم‪ْ :‬‬
‫ب في النَّا ِر علَى ْ‬
‫وج ِه ِه‪.‬‬ ‫شيَةَ أنْ يُ َك َّ‬
‫أح ُّب إلَ َّي منه‪َ ،‬خ ْ‬‫ال َّر ُج َل و َغ ْي ُرهُ َ‬
‫شاهد األسلوب الحكيم في قول النبي‪ I‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬أو مسلما إني ألعطي‬
‫الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه ‪.‬‬
‫فيجيب النبي صلى هللا عليه وسلم سعد بن أبي وقاس بغير ما يطلب ويوجهه إلى‬
‫استحسان وصف الرجل باإلسالم بدال من اإليمان ‪ ،‬للتنبيه على أن ذلك أولى و ٌأقرب‬
‫إلى الظاهر ‪.‬‬

‫المثال الثاني ‪:‬‬


‫هللا صلى هللا‬ ‫رسول ِ‬
‫ِ‬ ‫جلوس عندَ‬‫ٌ‬ ‫عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قال ‪ :‬بينما نحنُ‬
‫يتخ ّطى‬ ‫وليس من البل ِد ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫سفر ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ليس علي ِه َعنا ُء‬
‫جاءهُ رجل ٌ َ‬ ‫ناس إذ َ‬ ‫عليه وسلم في ُأ ٍ‬
‫يجلس أحدنا في الصالة ‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم كما‬ ‫رسول ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتى ِور َك بين يدَ ْي‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محم ُد ! ما اإلسال ُم ؟‬ ‫رسول ِ‬ ‫ِ‬ ‫وضع يدهُ على ركب َتي‬ ‫َ‬
‫هللا ‪ ،‬وأن ُتقِي َم الصال َة ‪،‬‬ ‫ش َهد أن ال إله إال هللاُ وأن محمدا رسول ُ ِ‬ ‫فقال ‪ :‬اإلسال ُم أن ت ْ‬
‫الوضوء ‪ ،‬و َتصوم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الجنابة ‪ ،‬و ُت ِت ّم‬ ‫مر ‪ ،‬و َت ْغ َتسِ ل َ من‬ ‫و ُتؤتي الزكا َة ‪ ،‬و َت ُح ّج و َت ْع َت َ‬
‫فعلت هذا فأنا ُم ْسلِ ٌم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬صدَ ْق َت ‪ .‬قال ‪ :‬يا محم ُد !‬ ‫َ‬ ‫رمضانَ ‪ .‬قال ‪ :‬فإن‬
‫هلل ومالئ َكتِه وكتب ِه ورسل ِه ‪ ،‬وتؤمنَ بالجن ِة‬ ‫ما اإليمانُ ؟ قال ‪ :‬اإليمانُ أن تؤمنَ با ِ‬
‫بالقدر خير ِه وشر ِه ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا‬ ‫ِ‬ ‫ت ‪ ،‬وتؤمنَ‬ ‫ث بعد المو ِ‬ ‫والميزان ‪ ،‬وتؤمنَ بالبع ِ‬ ‫ِ‬ ‫والنار‬
‫فعلت هذا فأنا ُمْؤ مِن ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬صدقت ‪ .‬قال ‪ :‬يا محم ُد ! ما اإلحسانُ ؟ قال ‪:‬‬ ‫َ‬
‫فعلت هذا فأنا ُم ْحسِ نٌ ؟‬‫َ‬ ‫هلل كأن َك تراهُ فإن َك إنْ ال تراهُ فإنه يرا َك ‪ .‬قال ‪ :‬فإذا‬ ‫أن تعمل َ ِ‬
‫هللا ! ما ال َمسُئول بَأعل َم‬ ‫سبحانَ ِ‬ ‫الساعة ؟ قال ‪ُ :‬‬ ‫َ‬ ‫صدقت ‪ .‬قال ‪ :‬فمتى‬ ‫َ‬ ‫قال ‪َ :‬ن َع ْم ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫العالة‬ ‫َ‬
‫رأيت‬ ‫شئت أنبأت َ‪6‬ك بأشراطِ ها ؟ قال ‪ :‬أجلْ ‪ .‬قال ‪ :‬إذا‬ ‫َ‬ ‫السائل ‪ :‬قال ‪ :‬إن‬ ‫ِ‬ ‫بها من‬
‫العالة الحفاةُ ال ُعراةُ ؟ قال ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ناء وكانوا‪ 6‬ملوكا ‪ .‬قال ‪ :‬ما‬ ‫الب ِ‬ ‫الحفا َة العرا َة يتطاولونَ في ِ‬
‫األمة تلِ ُد ر ّبها ور ّبتها فذل َك من أشراطِ الساع ِة ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رأيت‬ ‫ب ‪ .‬قال ‪ :‬وإذا‬ ‫الع َر ُ‬
‫َ‬
‫بالرجل ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫علي‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ّ :‬‬ ‫ض فو ّلى ‪ .‬قال رسول ُ ِ‬ ‫صدقت ‪ .‬ثم ن َه َ‬ ‫َ‬
‫هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ‪ :‬هل تدرونَ منْ‬ ‫نقدر علي ِه ‪ ،‬فقال رسول ُ ِ‬ ‫فطلبناهُ فلم ْ‬
‫هذا ؟ هذا جبريل ُ علي ِه السال ُم أتا ُكم يعلم ُكم دين ُكم ف ُخ ُذوا عن ُه ‪ ،‬فوالذي نفسي بيد ِه ما‬
‫علي من ُذ أتانِي قبل َ مدّ تِي هذ ِه وما عرف ُته حتى َو ّلى ‪.‬‬ ‫ش ّبه ّ‬
‫يكمن األسلوب الحكيم في قوله صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬ما المسئول عنها بأعلم من‬
‫السائل ‪.‬‬
‫فالسائل هنا يسأل عن زمن قيام الساعة لكن الرسول عليه الصالة والسالم أجابه‬
‫بطريقة غيري التي كان ينتظرها منه ليبين له إن الناس كلهم في وقت الساعة سواء‬
‫وكلهم ال يعلمون موعدها‬

‫المثال الثالث ‪:‬‬


‫ث القو َم‬ ‫هللا ص َّلى هللاُ عليه وس َّلم ُيحدِّ ُ‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال ‪ :‬بي َنما رسول ُ ِ‬
‫بعض‬
‫ُ‬ ‫اعة ؟ فمضى ص َّلى هللاُ عليه وس َّلم ُي ُ‬
‫حدِّث فقال‬ ‫الس ُ‬
‫أعرابي فقال‪ :‬متى َّ‬
‫ٌّ‬ ‫جاءه‬
‫ضهم‪ :‬بل لم يس َم ْع ح َّتى إذا قضى حدي َثه‬ ‫وكره ما قال‪ ،‬وقال بع ُ‬‫القوم‪ :‬سمِع ما قال ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫األمانة فانتظِ ِر‬ ‫ض ِّيع ِ‬
‫ت‬ ‫الساع ِة ؟ ) قال‪ :‬ها أنا ذا قال‪ ( :‬إذا ُ‬‫السائل ُ عن َّ‬
‫قال‪ ( :‬أين َّ‬
‫الس َ‬
‫اعة )‬ ‫الس َ‬
‫اعة ) قال‪ :‬فما إضاع ُتها ؟ قال‪ ( :‬إذا اشتدَّ األم ُر فانتظِ ِر َّ‬ ‫َّ‬
‫فهنا األمر يشبه المثال الثاني ‪ ،‬حيث السائل يسئل عن وقت قيام الساعة – الزمن –‬
‫لكن الرسول عليه الصالة والسالم يوجهه إلى ما هو أهم منه على طريق األسلوب‬
‫الحكيم إشعار بأن االنشغال بغيره أكثر أمنا وأسلم طريقا ‪.‬‬

‫ج‪ -‬من األدب العربي ‪:‬‬


‫المثال األول ‪:‬‬
‫قول ابن حجاج البغدادي ‪:‬‬
‫قا َل ثَقَّ ْلتَ كا ِهلِي باَأليا ِدي‬ ‫قُ ْلتُ ثَقَّ ْلتُ ْإذ َأتَ ْيتُ مراراً‬
‫لت وَأبرمتُ قا َل َح ْب َل ودا ِدي‬ ‫ط َّو ْلت قال ال بل تَ َ‬
‫ط َّو‬ ‫قلتُ َ‬
‫يقول عبد الرحمان حبنكة الميداني ‪ :‬في البيت األول أخذ المخاطب ظاهر كالم صاحبه‬
‫وحمله على غير مراده به ‪ ،‬إذ أراد بالتثقيل ما يحمله المضيف من أعباء الضيافة ‪،‬‬
‫لكن المضيف حمله على معنى صاحبه ثقل كاهله بأياديه في تكرير زيارته له ‪.‬‬

‫المثال الثاني ‪:‬‬


‫كسوة عرت من اللحم العظاما‬ ‫غالطتني‪ 6‬إذ كست جسمي الضنى‬
‫مثل عيني صدقت لكن سقاما‬ ‫ثم قالت أنت عندي في الهوى‬
‫فقد حمله كالمه " مثل عيني‪ " 6‬على غير ماقصدت اذ ذكر أنه مثل عينها في سقامه‬
‫ومعلوم أن السقام في العين يزيديها جماال ‪ .‬‬
‫المثال الثالث ‪:‬‬
‫وهو ما ذكره الجاحظ في " البيان والتبيين " أن رجال سأل ‪ :‬بالال مولى أبي بكر‬
‫رحمه هللا وقد أقبل جهة الحلبة ‪ ،‬فقال له ‪ :‬من سبق ‪ ،‬قال ‪ :‬سبق المقربون ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫إنما أسألك عن الخيل ‪ ،‬قال ‪ :‬وأنا أجيبك عن الخير ‪ ،‬فالسائل هنا كان ينتظر الجواب‬
‫بأن يقول له فاز فالن أو فالن ‪ ،‬لكن تلقى غير ما طلب و عدل له عن الظاهر لما هو‬
‫أفضل منه و أخير له ‪ ،‬بأن يسأله عن الخير وذلك أفضل لحاله‬
‫‪ - 7‬أغراضه ‪:‬‬
‫ال يمكن الحديث عن أحد األساليب البالغية دون التطرق إلى أغراض هذا األسلوب‬
‫وهذا ألهميته في تبسيط الفنون البالغية وفك الغموض عنها ‪ ،‬فاألسلوب الحكيم كأحد‬
‫هذه الفنون له العديد من األغراض البالغية المتنوعة والتي سيتم ذكر بعضها الحقا ‪،‬‬
‫لإلشارة فأغراض األسلوب الحكيم لم يتم ذكرها تحديد او تخصيص له جزء عند‬
‫البالغيين‪ 6‬إنما كان يذكرون بعض هذه األساليب عرضة فقط كما فعل عبد العزيزعتيق‬
‫في كتابه '' علم المعاني والبيان والبديع " حيث قال ‪ ( :‬كان يستعمله العرب ألغراض‬
‫‪25‬‬
‫مختلفة كالتظرف أو التخلص من إحراج السائل ‪ ،‬أو تقديم األهم ‪ ،‬أو التهكم )‬
‫ومن أهم هذه األغراض نذكر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التنبيه على الالئق واألهم ‪ :‬هذا يقدره المجيب أو المسئول فعندما يطرح الشخص‬
‫السؤال الخطأ يوجه الى طرح السؤال الصحيح ‪ ،‬كأن يسئل شخص آخر عن المال ‪،‬‬

‫عبد العزيز عتيق ‪ ،‬علم المعاني والبديع والبيان ‪،‬ص ‪601‬‬ ‫‪25‬‬
‫لكن المسئول يجيبه ‪ :‬أنا بصحة وعافية ‪ ،‬في إشارة الى أهمية الصحة وأنها أولى من‬
‫المال ‪.‬‬
‫‪ - 2‬التخلص ‪ :‬وهذا النوع قد نكون نستعمله أنفسنا وهو يهدف الى دفع الحرج عن‬
‫المسئول أو تفادي اإلجابة كأن يسئلك الشخص ‪ :‬أين كنت ‪ -‬قصده التطفل على مكان‬
‫في زمن معين – وتجيبه أنت ‪ :‬كنت أتمشي ‪ ،‬بعيدا عن ذكر المكان‬
‫‪-3‬التعريض ‪ :‬وهو خالف التصريح أي ان تقول كالم ال تصرح فيه بمرادك منه لكن‬
‫قد يشير إلى إشارة خفية ‪.‬‬
‫‪-4‬التلطف ‪ :‬يراد به الوصول للمراد بلفق ولين‬
‫‪ - 5‬التأدب ‪ :‬تكون عند التحدث مع أشخاص الكالم الظاهر ال ينزلهم منزلتهم فتضطر‬
‫الى الخروج عن مقتضاه ‪.‬‬

‫‪ :‬قيمته األسلوبية ‪8-‬‬


‫عند دراسة فن األسلوب الحكيم تجد أن قيمته تكمن في االختالف الحاصل بين‬
‫المخاطب و المخاطب و السائل والمسئول ‪ ،‬بحمله لكالم المتلقي من الداللة الظاهرة‬
‫إلى أخرى عميقة مخالفة عن ما يريده المتلقي ‪ ،‬مراعيا حاله وقصده فيها ‪ ،‬محدثا‬
‫اندهاش للمتلقي بإجابة بليغة لم يكن توقعه تنبهه إلى شيء كان يغفل عنه له أو تبعده‬
‫عن شيء ال يخصه ‪ ،‬فهنا تكمن أهميته األسلوب فهو ينقل عقل المتفكر من انتظار‬
‫الجواب واالهتمام به إلى التفكر في فحوى الجواب و محاولة فهم المقصد منه ‪ ،‬فهو‬
‫يعمل على تلقين المعرفة و إيقاظ الوعي وزيادة الفهم وتنشيط الفكر ويظهر جليا من‬
‫خالل ما عرضنا من أمثلته السابقة تحمل إجابات تجعل المتلقي يعيد ترتيب أفكاره‬
‫‪ .‬وأولوياته ‪ ،‬وتعديل أهداف ومعتقداته‬
‫‪ :‬الخاتمة‬
‫في ختام هذا البحث يمكننا القول أنا وصلنا إلى عدة نتائج ونقاط أهمها ‪ ،‬أن األسلوب‬
‫الحكيم فن بالغي‪ 6‬رفيع أول من وضع له وأسسه السكاكي ‪ ،‬وقد قيل أن نماذجه في‬
‫القرآن الكريم تصل إلى أربعون نموذجا تم التطرق إلى بعضها سابقا ‪ ،‬فاألسلوب‬
‫الحكيم يقوم خروج الكالم عن مقتضى الظاهر وهو نوعان ‪ :‬أولهما تلقي المخاطب‬
‫بغير ما يترقب يكون هذا في غياب السؤال و الجواب عن طريق حمل كالمه على‬
‫خالفه مقصده ومراده ‪ ،‬ثانيهما ما يجيء في مقام السؤال و الجواب ‪ ،‬وهو تلقي‬
‫السائل بغير ما يتطلب بالعدول عن الجواب وتنبيه إلى اهمية السؤال عن أمر أهم‬
‫وأولى له ‪ ،‬كما يعتبر هذا الفن له قيمة أسلوبية رائع فهو يأثر مباشرة في المتلقي‬
‫ويتركه في حالة تفكر في الجواب المستقبل ‪ ،‬فيكون مقصده األول معرفة المقصد من‬
‫كالم المجيب له ‪ ،‬كما له دور في تلقين المعرفة و ايقاظ الوعي وزيادة الفهم وتنشيط‬
‫التفكير ‪ ،‬ومما يميز هذا النوع البالغي‪ 6‬تعدد أساليبه البالغية وكثرتها و التي تطرقنا‬
‫إلى بعضها ‪ ،‬فهذا الفن البالغي من الفنون التي يستحن تعلمه واكتسابه وهذا لفوائده‬
‫‪ .‬الكثيرة على دارسي هذا األسلوب‬

‫‪ :‬قائمة المصادر و المراجع‬

You might also like