Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫دعوة لتغيير القوانين البالية‬

‫بقلم‬
‫الدكتورة‪ /‬إيمان بيبرس‬
‫رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة‬
‫وخبيرة دولية في السياسة االجتماعية وقضايا المرأة والتنمية‬

‫‪1‬‬
‫ألنني أعمل منذ سنوات مع المرأة المصرية شاهدت األالف من المشاكل التي تواجه األمهات األرامل‬
‫واألطفال األيتام‪ ،‬بسبب قوانين تحكمنا منذ عشرات السنوات‪.‬‬

‫فهناك مئات األالف من األمهات الذين ذاقوا م اررة فقدان الزوج يكتشفون أنهن فجأة بدأن سلسلة ال‬
‫تنتهي من المشاكل والعقبات والمسئوليات‪ ،‬وال أقصد هنا مسئولية تربية األبناء وتحمل أعباء األسرة‬
‫بأكملها فقط‪ ،‬ولكن األسوء من ذلك هو مواجهتهن للروتين والتعقيدات القانونية التي تجعل منهن ومن‬
‫أبنائهن فريسة في أيدي الظروف المادية واإلجتماعية‪.‬‬

‫فلألسف القانون الحالي ال يجعل من األم واصية على مال أبنائها بشكل مباشر بعد األب بل أن‬
‫وصاية المال وفقاً للقانون تؤول للجد ثم للعم بعد األب‪ ،‬وفي حالة رغبة األم في أن تكون هي‬
‫الواصية على مال أبنائها تتقدم بطلب وصاية‪ ،‬فإذا طلب الجد أو العم الوصايا فإن المحكمة تحكم‬
‫للجد أو العم‪ ،‬وهذا ألن القانون يعطي األفضلية في وصاية المال للرجال عن النساء‪ ،‬وهو ما يعد‬
‫تميي اًز واضحاً ال مبرر له‪ ،‬وحقيقي من الغريب جداً أننا في عام ‪ 2015‬مازالت تحكمنا قوانين من‬
‫عام ‪ 1920‬وضعت بعقلية قديمة‪ ،‬تقلل من شأن المرأة وتعاملها على أنها لصه وغير أمينة على‬
‫أموال أبنائها‪.‬‬

‫فمع إحترامي لجميع األقارب إال أن األم هي أكثر إنسانة تخاف على أبنائها وعلى مصلحتهم‬
‫وبالتالي فهي األولى لرعاية أموالهم وحفاظ حقوقهم‪ ،‬كما أن األم تكون مسئولة بمفردها عن تربية‬
‫أبنائها وتعليمهم وتحمل كافة مسئوليات حياتهم وال يتحمل معها هذا العبء أي شخص أياً كان من‬
‫هو‪ ،‬فاألم هي من تذهب لألطباء لمعالجة أبنائها وهي من تستذكر معهم دروسهم وهي من تعلم ما‬
‫يحتاجة المنزل وما يحتاجة أبنائها من أموال ليستطيعوا أن يحيوا حياة كريمة‪ ،‬ولكن القانون يرى أن‬
‫هذه األعباء كلها غير كافية على األم فيزيدها عبء الدخول في قضايا ومشاكل مع أهل زوجها من‬
‫أجل الحصول على حقوق أبنائها‪.‬‬

‫وما أطالب به بإسم كل أمهات مصر أن تكون األم هي الواصية على أموال أبنائها بعد األب‪ ،‬فالمرأة‬
‫األن تعمل وتكسب وتشارك في كافة مجاالت الحياة ولديها القدرة على التعامل مع الجهات الرسمية‪،‬‬
‫فهي من تتحمل كل المسئوليات عقب فقدان األب‪ ،‬كما أن اإلسالم كرم المرأة وأحترم قدرتها على‬

‫‪2‬‬
‫إدارة المال واألعمال وأعطاها ذمة مالية منفردة‪ ،‬وخير دليل على ذلك السيدة خديجة فهي كانت‬
‫صاحبة مال وأعمال وكانت تدير العديد من العاملين لديها ولم يحرم اإلسالم ذلك بل على العكس‬
‫جاء اإلسالم ليؤكد على كافة حقوق المرأة فجعل لها حق في األرث وفصل الذمة المالية للزوجة عن‬
‫الزوج‪ ،‬وكل هذا يؤكد إحترام اإلسالم للمرأة وعقليتها وقدرتها على إدارة أموالها وأموال أبنائها‪ ،‬وبالتالي‬
‫فاألم هي األقدر واألحق بالوالية على مال أبنائها‪.‬‬

‫ولكن يجب هنا أن أنوه أن وصاية األم على المال ال تعني إنتهاء كافة المشاكل بل تعني أنها أنتهت‬
‫من نصف المشاكل فقط وبدأت مرحلة جديدة من اإلجراءت الروتينية المعقدة مع "المجلس الحسبي"‪،‬‬
‫ولمن ال يعرف فالمجلس الحسبي هو أحد الهيئات القضائية التابعة لمحكمة األسرة‪ ،‬يتكون من ‪5‬‬
‫أشخاص؛ هم النائب العام‪ ،‬ثم المحامى العام األول‪ ،‬ورئيس محكمة االستئناف‪ ،‬ثم رئيس النيابة‬
‫العامة‪ ،‬ووكيل النيابة الحسبية‪ ،‬ووظيفة المجلس الحسبي هو اإلشراف على أموال القصر وفاقدي‬
‫األهلية‪.‬‬

‫وكان الهدف من إنشاء هذا المجلس هو حماية األموال التي آلت للقصر وفاقدوا األهلية‪ ،‬حيث ينص‬
‫القانون رقم ‪ 47‬لسنة ‪ 2004‬على أن "يخضع فاقدو األهلية والقصر للوصاية‪ ،‬وال يجوز للواصى‬
‫التصرف فى أموالهم أو إدارتها إال بإذن من المحكمة"‪ ،‬ولكن الواقع حول هذا المجلس من مجلس‬
‫لحماية أموال القصر إلى مجلس للعزاب لألمهات والقصر‪ ،‬حيث أن األم واألبناء القصر ال‬
‫يستطيعون التصرف في أي قرش من أموالهم أو أرثهم من أراضي أو عقارات أو غيرها إال بموافقة‬
‫المجلس الحسبي‪ ،‬وبالطبع هذا المجلس ينظر في مئات األالف من الطلبات يومياً‪ ،‬ولألسف أصبح‬
‫يسري عليهم ما يسري على القضايا والتي تأخذ شهو اًر وربما سنوات بين أروقة المحاكم نظ اًر لكثرة‬
‫عدد القضايا ولقلة عدد رؤساء المحاكم ووكالء النيابات‪.‬‬

‫فالحاالت التي يشرف عليها "المجلس الحسبي" تتحول إلى مجرد أرقام ينظر إليها وهذا ليس عيباً في‬
‫المجلس الحسبي أو القائمين عليه ولكن المشكلة تكمن في قلة عدد القائمين عليه‪ ،‬وهو ما يجعل منه‬
‫مجلس للعزاب والعناء بالنسبة لألمهات واألطفال‪ ،‬فإذا إحتاجت األم أمواالً لعالج أحد أبنائها عليها‬
‫أن تذهب أوالً للطبيب وتستدين لعالج إبنها ثم تذهب للمجلس الحسبي وتقدم أوراقاً رسمية تفيد‬

‫‪3‬‬
‫بمرض إبنها وتحدد فيها مصاريف عالجه وتنتظر حتى يتم الرد على طلبها وتحصل على األموال‪،‬‬
‫وهو ما يشكل إجهاداً بدنياً ونفسياً يقع على عاتق األم‪.‬‬

‫ولهذا البد أن نفكر بطريقة مختلفة فليس من الطبيعي أن نترك كل هذه األعداد من األمهات األرامل‬
‫واألطفال اليتامى يعانون من مشاكل الحياة والمشاكل المادية ويواجهون مصيرهم دون أن يقدروا أن‬
‫يحصلوا على أموالهم بسبب كثرة الطلبات والبطء في الرد على طلباتهم‪.‬‬

‫وليس من المنطقي أن تهين األم نفسها وتستدين لتصرف على أبنائها في الوقت الذي يملك أبنائها‬
‫المال الذي يكفل لهم عيشة كريمة ولكنهم ال يستطيعوا الحصول عليه نظ اًر للتعقيدات الروتينية‪.‬‬

‫وفي رأيي أننا يجب أن نفكر في حلول جديدة لهذه القضية تحديداً كأن يتم إعادة تشكيل المجلس‬
‫الحسبي وزيادة عدد وكالء النيابة والقضاة العاملين في المجلس الحسبي بحيث يتم الرد بأسرع وقت‬
‫ممكن على األم في موعد أقصاه ‪ 48‬ساعه ‪ ،‬يلتزم المجلس بعدها بأن يصرف لألم واألبناء المبالغ‬
‫التي يحتاجونها حتى ال تضطر األم لإلستدانة لتدبير احتياجات أبناءها‪.‬‬

‫ولهذا فأنا أطالب جميع مرشحي البرلمان القادم أن يدرسوا هذه القضية بعمق ألن المرأة يقع عليها‬
‫ظلم كبير من جراء منظومة قوانين األحوال الشخصية المجحفة لحقوقها‪ ،‬وأنا أعلن أنني سوف أتبنى‬
‫حملة موسعة أطالب فيها بتغيير قانون الوالية على المال بحيث تكون الوالية لألم بعد األب‪.‬‬

‫كما أنني سأعمل وكل فريق العمل الذي يعاونني على حل المشاكل التي يسببها المجلس الحسبي‬
‫لألالف من األمهات واألبناء‪ ،‬فهم بشر ولهم حقوق وليس من العدل أن نتركهم يعانون دون أن ندافع‬
‫عن حقوقهم ونفكر لهم في حلول جذرية تحفظ أموالهم وفي نفس الوقت تضمن لهم أن يحيوا حياة‬
‫كريمة‪ ،‬وأنا أطالب كل األمهات اللواتي يعانين من مشاكل بسبب قانون الوالية على المال أو بسبب‬
‫المجلس الحسبي أن يتواصلوا معي حتى نرصد كل هذه المشاكل ونقدمها للمسئولين ونعمل على‬
‫تغيير هذه القوانين سوياً‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like