Untitled

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 29

‫ﻣﻠﺨﺺ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﺰﻳﺰ ﺍﳊﺴﻨﻲ‬

‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﳌﻔﺎﻫﻴﻢ‬

‫أوﻻً ‪ :‬مفهوم اﻷمن لغة واصطﻼحا ً ‪:‬‬


‫يأمن أمنا ً وأمانا ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فﻼن‬ ‫ﻟﻐﺔ‪ ،‬اﻷمن ضد الخوف ‪ ..‬ويُقال أمن‬
‫اص طﻼحا ً‪ ،‬ه و "الراح ة واله دوء النفس ي والثق ة واﻻحس اس بع دم الخ وف م ن أي خط ر مح دق أو أي ض رر‬
‫محﺗمل على الشخص وممﺗلكاﺗه"‪.‬‬
‫وعرفه آخر بأنه "اطمئنان اﻹنسان على العيش في حياﺗه الدنيوية في أمان واسﺗقرار دائ م‪ ،‬وأن ين ال ويم ارس‬
‫كل حقوقه في أمن وأمان"‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬مفهوم اﻻجﺗماع لغة واصطﻼحا ً ‪:‬‬


‫ﻟﻐﺔ‪ ،‬اﻻجﺗماع من الجمع‪ ،‬يُقال اجﺗمع القوم بمعنى ﺗجمعوا في مكان ما‪ ،‬وهو ضد الﺗفرق‪.‬‬
‫اصطﻼحا ً‪" ،‬هم البشر اللذين يقيمون اقامة دائم ة عل ى أرض مح دودة ﺗس ود بي نهم عﻼق ة اجﺗماعي ة قائم ة عل ى‬
‫الﺗكافل والﺗضامن والمنفعة المﺗبادلة‪ ،‬خدمة لمصلحة جميع أفراد المجﺗمع بغض النظر عن انﺗماءاﺗهم الدينية أو‬
‫المذهبية أو العرفية أو الجغرافية"‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬الﺗعريف اﻻصطﻼحي لﻸمن اﻻجﺗماعي ‪ :‬ﺗﺗعدد ﺗعريفاﺗه ونكﺗفي بذكر اﻵﺗي ‪:‬‬
‫عرفه اﻟبعض بأنه "الطمأنينة الﺗي ﺗنفي الخوف والفزع عن اﻹنسان فردا ً أو جماعة في س ائر مي ادين العم ران‬
‫الدنيوي‪ ،‬بل وأيضا ً في المعاد اﻷخروي فيما وراء هذه الحياة الدنيا"‪.‬‬
‫وعرفه آخر بأنه "اﻷمن الذي ينعم به مجموع اﻷفراد ف ي مجﺗم ع مع ين وه ذا يش مل اﻻس ﺗقرار وع دم الخ وف‬
‫من ناحية وإشراك جميع أفراد المجﺗمع بهذا الشعور المطمئن من ناحية أخرى"‪.‬‬
‫وعرفه اﻟمؤﻟف بأنه "اﻷمن الشامل لكل جوانب حياة الفرد والجماع ة والمجﺗم ع اقﺗص اديا ً واجﺗماعي ا ً وسياس يا ً‬
‫‪..‬إل خ‪ ،‬وه ذه الجوان ب ﺗُعﺗب ر منظوم ة مﺗكامل ة ومﺗرابط ة اﻷج زاء ﺗ ؤثر وﺗﺗ أثر فيم ا بينه ا وله ا انعكاس اﺗها‬
‫اﻻيجابية أو السلبية على اﻷمن اﻻجﺗماعي سوا ًء كانت منفردة أو مجﺗمعة"‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬مفهوم اﻷمن اﻻجﺗماعي العام والخاص ‪ :‬اﻷم ن اﻻجﺗم اعي أح د ض روريات الحي اة لﻺنس ان بش كل‬
‫فردي وللمجﺗمع ككل‪ ،‬وﻻ يﺗحقق اﻷمن للمجﺗمع إﻻ بعد ﺗحقق اﻷمن الفردي‪ ،‬فإن اﻷمن على المسﺗوى الخاص‬
‫والعام مﺗكامﻼن وﻻ يمكن ﺗحقيق أحدهما إﻻ بﺗحقق اﻵخر‪.‬‬
‫فاﻷمن بمفهومه اﻟخاص كما قال الماوردي هو "أمن اﻹنسان على نفسه وأهله وماله"‪.‬‬
‫أما اﻷمن بمفهومه اﻟعام فهو "اﻷمن الشامل المطلق الذي يعم الناس ويشمل جميع اﻷحوال ويسعدوا بنعمﺗه"‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ١‬من ‪٢٩‬‬


‫خامسا ً ‪ :‬أهمية اﻷمن اﻻجﺗماعي ‪:‬‬
‫يمث ل حج ر الزاوي ة ف ي ﺗق دم المجﺗمع ات ف ي كاف ة المج اﻻت سياس يا ً واقﺗص اديا ً وثقافي ا ً ‪...‬إل خ‪ ،‬وه و مطل ب‬
‫لﻺنسان وللمجﺗمع‪ ،‬وهو المناخ الﺗي ﺗﺗحقق فيه الرفاهية واﻻسﺗقرار والﺗنمية‪ ،‬اﻷمن اﻻجﺗماعي غايﺗ ه القض اء‬
‫عل ى مثل ث الرع ب "الخ وف والج وع والم رض"‪ ،‬وﻻ يﺗحق ق إﻻ بﺗع اون ب ين الدول ة والمجﺗم ع‪ ،‬واﻷم ن ف ي‬
‫اﻹسﻼم حق إلهي لﻺنسان وواجب شرعي وضرورة ﻻسﺗقامة العمران وأساسا ً ﻹقامة الدين‪ ،‬قال ﺗعالى )الﱠ ِذينَ‬
‫ظ ْل ٍم أُو ٰلَ ِئكَ لَ ُه ُم ْاﻷَ ْم نُ َو ُه م ﱡم ْهت َ ُدونَ (‪ ،‬كم ا جس دت س ورة ق ريش ف ي الق رآن الك ريم‬
‫سوا ِإي َمانَ ُهم ِب ُ‬
‫آ َمنُوا َولَ ْم َي ْل ِب ُ‬
‫أهمية اﻷمن اﻻجﺗماعي في الحياة‪ ،‬ودور اﻻقﺗصاد ﻹقامﺗه )اﻷمن اﻻقﺗصادي(‪ ،‬ونخﺗم القول ب أن أهمي ة اﻷم ن‬
‫ﻻ ﺗقﺗصر على حياة اﻹنسان فقط بل ﺗشمل كل كائن حي وغير حي من مكونات البيئة والطبيعة‪.‬‬

‫سادسا ً ‪ :‬خصائص اﻷمن اﻻجﺗماعي ‪ :‬يﺗميز بعدة خصائص من أهمها ‪:‬‬


‫‪ -١‬أم ن ش امل و منظوم ة مﺗكامل ة عل ى مس ﺗوى الف رد والمجﺗم ع ف ي جمي ع مج اﻻت الحي اة اﻻقﺗص ادية‬
‫واﻻجﺗماعية والثقافية والسياسية ‪..‬إلخ ‪.‬‬
‫‪ -٢‬يُعﺗبر مقوم م ن مقوم ات الحي اة عل ى مس ﺗوى الف رد والمجﺗم ع‪ ،‬فعن دما ي أمن اﻹنس ان يس ﺗطيع الﺗفاع ل‬
‫والﺗعامل مع المجﺗمع في جميع شئون الحياة‪.‬‬
‫‪ -٣‬في ظله ﺗسود الﺗفاعﻼت والعﻼقات الحميمة بين أفراد المجﺗمع‪ ،‬بل ويسود الﺗرابط والﺗعاون والﺗراحم‪.‬‬
‫‪ -٤‬يؤدي إلى رقي الفرد في المجﺗمع‪ ،‬وإبراز مهاراﺗه وقدراﺗه وبذلك ﺗﺗقدم وﺗنهض المجﺗمعات‪.‬‬
‫‪ -٥‬يحافظ على كيان المجﺗمع ونظمه وﺗوازنه من الخلل‪.‬‬
‫‪ -٦‬يُعﺗبر عملية ديناميكية مسﺗمرة ومﺗطورة بﺗطور المجﺗمع اقﺗصاديا ً وثقافيا ً وسياس يا ً ‪..‬إل خ‪ ،‬وﻻ ي ﺗم ذل ك‬
‫إﻻ من خﻼل اﻻلﺗزام بعادات وﺗقاليد وأعراف المجﺗمع‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٢‬من ‪٢٩‬‬


‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻟﻸﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬

‫من خﻼل العرض في الفصل السابق ﺗبين أن اﻷمن شامل لكل جوانب الحياة الفردية والمجﺗمعية‪ ،‬بل ومنظومة‬
‫مﺗكاملة ﻻ يﺗجزأ فأمن الفرد من أمن المجﺗمع والدولة فﻼ غنى ﻷحدهما عن اﻵخر‪ ،‬وكذلك ﺗرﺗبط أنواع اﻷم ن‬
‫فيما بينهما فﻼ أمن صحي من دون أمن غذائي‪ ،‬وﻻ أمن اقﺗصادي من دون أمن سياسي‪...‬الخ‪.‬‬
‫ومفه وم اﻷم ن اﻻجﺗم اعي م ن المف اهيم الحديث ة الﺗ ي نال ت عناي ة بالغ ة بع د الح رب العالمي ة اﻷول ى‪ ،‬إﻻ أن‬
‫مضمونه قديم قدم المجﺗمع اﻹنساني‪ ،‬وكل عصر ل ه ظروف ه ومﺗغيراﺗ ه‪ ،‬فالع الم مجموع ة مﺗغي رات ﺗ ﺗحكم ب ه‬
‫بصورة دائمة‪ ،‬وﻻ يمكن أن يبقى أي مجﺗمع قوي ومزدهر إذا لم يﺗحقق له اﻷمن اﻻجﺗم اعي‪ ،‬وب ذلك س نﺗناول‬
‫بع ض النظري ات عن د قلي ل م ن المفك رين الق دامى‪ ،‬ونس ﺗخلص اﻷفك ار النظري ة لﻸم ن اﻻجﺗم اعي م ن خ ﻼل‬
‫الﺗصورات الفكرية الﺗي قدموها‪ ،‬وهم كما يلي ‪:‬‬

‫أوﻻ ً ‪ :‬أفــﻼطون‬
‫مفك ر يون اني ع اش ف ي الفﺗ رة )‪ ٣٤٧ – ٤٢٧‬ق‪.‬م( ش هد ف ي بداي ة عص ره جوان ب مظلم ة وه ي الح رب‬
‫المسﺗمرة بين كثير من المدن اليونانية على رأسها أثينا وإسبرطة وغيرها‪.‬‬
‫كما شهد الفساد السياسي في السلوك وانهيار الﺗقاليد والمبادئ الﺗي كانت موضع احﺗرام وسند للمجﺗمع‪ ،‬وانﺗفى‬
‫كل دافع أخﻼقي وأصبح قانون بﻼده المصلحة ﻻ العدل وعمادها القوة ﻻ العقل‪.‬‬
‫اﻷمر الذي دفعه إلى أن يﺗخيل نظام ﻷثين ا وأن ي رد أعم ال البش ر وس لوكهم إل ى مق اييس م ن الخي ر والجم ال‪،‬‬
‫حيث أراد رؤية العالم كما يجب أن يكون ﻻ كما هو سائد فعﻼً‪.‬‬
‫وف ي كﺗاب ه اﻟجمهوري ﺔ ال ذي اعﺗب ره اﻷمث ل لقي ام جمهوري ة مثالي ة أو مدين ﺔ فاض لﺔ ﺗنﺗف ي فيه ا ك ل الش رور‬
‫واﻵثام الﺗي ﺗزخر بها المجﺗمعات‪ ،‬ﺗخيل مدينة فاضلة ﺗقوم على الفضيلة وﺗظلها العدالة‪.‬‬
‫وقد شبه افﻼطون المدينة الفاضلة بالفرد أي أنها مكونة من أجزاء كما يتكون جسم اﻹنس ان م ن أعض اء وك ل‬
‫جزء يؤدي وظيفة خاصة‪ ،‬ﺗرﺗبط كلها في مرك ز واح د‪ ،‬وﺗس عى جميعه ا إل ى ﺗحقي ق غاي ة مش ﺗركة‪ ،‬فالﺗكام ل‬
‫والﺗعاون فيما بينهم وعدم كفاية الفرد بنفسه يكفل لهم ﺗحقيق الكمال المادي والروحي‪.‬‬
‫رأى أفﻼطون بأن الحياة اﻻجﺗماعية بحاجة إلى ﺗنظيما ً داخليا ً محوره اﻟفض يلﺔ واﻟعداﻟ ﺔ‪ ،‬فاﻟفض يلﺔ ه ي حس ن‬
‫أداء الوظائف والﺗعفف كما ﺗكون الشجاعة والسخاء والعدل واﻷخﻼق المرضية م ن الفض ائل‪ ،‬أم ا أول ﺗجس يد‬
‫ﻟلعداﻟﺔ هو ﺗوزيع العمل بحيث يقوم كل فرد بوظيفة محددة‪.‬‬

‫وخلص إﻟى أن اﻟمدينﺔ اﻟفاضلﺔ تقوم بأدوار ثﻼثﺔ هي ‪:‬‬


‫‪ -١‬اﻹدارة )اﻟحكام(‪ ،‬ويقوم بها اﻟفﻼس فﺔ ال ذين ول د معه م اﻻس ﺗعداد للحكم ة والحك م‪ ،‬وتت وﻟى ه ذه الطبق ة‬
‫سياسية أمور الدولة العليا‪ ،‬وفضيلتها الحكمة والفطنة والحزم‪.‬‬
‫‪ -٢‬اﻟدفاع )اﻟحماة أو اﻟجند(‪ ،‬يقومون بحماية المدينة وال دفاع عنه ا م ن أي ع دوان خ ارجي‪ ،‬وال دفاع ع ن‬
‫أفراد المجﺗمع وحماية مصالح الطبقة الحاكمة‪ ،‬فضيلتهم الشجاعة وحب المخاطرة‪.‬‬
‫صناع والﺗ ُجار الذين يُقدمون للمجﺗمع أسباب العيش المادي‬ ‫‪ -٣‬اﻹنتاج )أصحاب اﻷعمال(‪ ،‬كالمزارعين وال ُ‬
‫من مطعم ومسكن وملبس ومال‪ ،‬وفضيلتهم الﺗعفف واﻻعﺗدال‪.‬‬

‫اﻟمدينﺔ اﻟفاضلﺔ هي ﺗلك الﺗي تقوم على اﻟعدل واﻟفضيلﺔ وكﻼهما يُكتس ب ب الﺗعلم والﺗربي ة‪ ،‬وه ي الﺗ ي يع يش‬
‫سكانها في أمن وأمان واسﺗقرار سياسي واجﺗماعي‪ ،‬وهكذا ﺗبلورت في ذهن أفﻼطون المدين ة اﻵمن ة‪ ،‬فه ي م ا‬
‫يُقصد به ﺗحقيق اﻷمن اﻻجﺗماعي بالمفهوم الحديث‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٣‬من ‪٢٩‬‬


‫ثانيـا ً ‪ :‬اﻟفارابي‬
‫عاش أبو نصر ﷴ الفارابي )‪ ٣٥٠ – ٢٧٣‬هـ( في العصر العباسي الثاني الذي يُع د م ن أكث ر عص ور الدول ة‬
‫اﻹسﻼمية اضطرابا ً وفﺗن ة وأقله ا اس ﺗقرارا ً وق د س ادت الف ﺗن والث ورات نﺗيج ة ع دة عوام ل منه ا م ا ه و دين ي‬
‫ومنها ما هو ثقافي وشعوبي‪ ،‬اﻷمر الذي أثر في فكر الفارابي‪.‬‬

‫وقد ربط الفارابي الفضائل كلها بمذهبه السياسي‪ ،‬إﻻ أن تحصيل الفضائل يﺗم بطريقﺗين هم ا اﻟتعل يم واﻟتأدي ب‪،‬‬
‫ف اﻟتعليم ه و إيج اد اﻟفض ائل اﻟنظري ﺔ ف ي اﻷم م والم دن‪ ،‬واﻟت دريب ه و طري ق إيج اد اﻟفض ائل اﻟخلقي ﺔ‬
‫واﻟصناعات العملية في اﻷمم‪ ،‬من أشهر مؤلفاﺗه )آراء أه ل المدين ة الفاض لة( وغايﺗ ه ﺗك وين مجﺗم ع فاض ل أو‬
‫جمهورية مثالية على غرار جمهورية أفﻼطون‪.‬‬
‫وأوض ح ف ي دراس ﺗه لطبيع ة المجﺗم ع ض رورة اﻻجتم اع اﻹنس اني‪ ،‬وأن اﻹنس ان بفطرﺗ ه محﺗ اج إلي ه مادي ا ً‬
‫ومعنويا ً‪ ،‬ﻷن اﻹنسان ﻻ يسﺗطيع أن يفي بحاجاﺗه كلها بمفرده‪ ،‬بل يحﺗاج إلى قوم‪ ،‬يقوم ك ل واح د م نهم بش يء‬
‫)مﺗخصص فيه( حﺗى يبلغ الكمال‪ ،‬والكمال الذي يقصده هو اﻟسعادة أي )الخير المطلق(‪.‬‬
‫وبعد ذلك انﺗقل إلى تقسيم المجﺗمعات اﻹنسانية إلى نوعان ‪:‬‬
‫‪ -١‬مجتمعات كاملﺔ‪ ،‬الﺗي يﺗحقق فيها الﺗعاون اﻻجﺗماعي بأكمل وأرقى صوره‪ ،‬ولها ثﻼث مسﺗويات‪:‬‬
‫أ‪ -‬عظمى‪ ،‬وهي اجﺗماعات الجماعة كلها في المعمورة )العالم(‪.‬‬
‫ب‪ -‬اﻟوسطى‪ ،‬اجﺗماع أمة في جزء من المعمورة )محلي أو إقليم أو دولة(‪.‬‬
‫ت‪ -‬اﻟصﻐرى‪ ،‬اجﺗماع أهل مدينة في جزء من مسكن أمة‪ ،‬ويرى في هذا المسﺗوى )المدين ة( أن ه أكم ل‬
‫الﺗجمعات وأميزها‪ ،‬وهي نقطة البداية في صﻼح اﻹنسانية‪ ،‬ويرى بأن ﺗحقي ق الس عادة كله ا يك ون‬
‫أوﻻً في المدينة ثم اﻷمة ثم المعمورة‪ ،‬كما يرى بأن أي اجﺗماعات أقل منها ﺗُعﺗبر ناقصة‪.‬‬
‫‪ -٢‬مجتمعات ناقصﺔ )غير كاملﺔ(‪ ،‬وهي الﺗي ﻻ ﺗسﺗطيع أن ﺗكفي نفسها بنفسها وﻻ ﺗحقق ﻷفرادها الس عادة‪،‬‬
‫ويصنفها إلى ثﻼثة مسﺗويات هي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬اجتماع أهل اﻟقريﺔ‪/‬اﻟمحلﺔ‪ ،‬وهي أكملها اجﺗماعا ً‪ ،‬ويرى أنها خادمة للمدينة ﺗمدها بالضروريات‪.‬‬
‫ب‪ -‬اجتماع في سكﺔ‪ ،‬اجﺗماع في الشارع‪.‬‬
‫ت‪ -‬اجتماع في منزل‪ ،‬أفراد اﻷسرة‪.‬‬
‫والﺗقس يم الس ابق يج ب أن يﺗحق ق في ه مظه ر الﺗع اون والﺗكام ل والﺗواف ق ف ي س د الحاج ات‪ ،‬حاج ة الﺗجمع ات‬
‫بعضها للبعض اﻵخر‪ ،‬بشكل جماعي وشكل فردي أيضا ً وذلك بأن يخ ﺗص ك ل ف رد م ن أفراده ا بالعم ل ال ذي‬
‫يﺗقنه ويجيده )أحدهم طبيب واﻵخر معلم والثالث مزارع وآخر جندي ‪...‬إلخ(‪.‬‬
‫وشبه الفارابي المجﺗمع بالكائن الح ي )جس م اﻹنس ان( ال ذي ﺗﺗع اون أعض اؤه كله ا عل ى ﺗﺗم يم الحي اة وحفظه ا‬
‫واسﺗمرارها‪ ،‬وقال أن الجسم أعضاؤه مخﺗلفة الفطرة والقوى إشارة إلى أن كل فرد في المجﺗمع يجب أن ﺗكون‬
‫له وظيفة مخﺗلفة عن اﻵخرين‪ ،‬ويكون كل فرد مكمﻼً لﻶخر ومﺗوافقا ً معه‪.‬‬
‫ثم أشار إلى أن الجسم فيه عضو بمثابة ال رئيس وه و القل ب‪ ،‬ك ذلك ح ال المدين ة الفاض لة يج ب أن يك ون فيه ا‬
‫إنسان يرأسها ويرأس أفرادها‪ ،‬ليكون زعيمها ومصدر حياﺗها ودعامة نسقها ونظامها‪.‬‬
‫ولم يغفل الفارابي عن المدن غير الفاضلة‪ ،‬وهي المدن الجاهلة والفاسقة والض الة‪ ،‬الﺗ ي غي رت معﺗق داﺗها ول م‬
‫ﺗﺗبع العقيدة الصحيحة في ﷲ والعقل الفعال‪ ،‬وهي الفاسقة الﺗي ﺗعلم دون أن ﺗعمل بما علمﺗه‪ ،‬والﺗ ي ل م يع رف‬
‫أهلها السعادة‪ ،‬وما يهمها هو سﻼمة اﻷبدان والﺗمﺗع بالملذات والشهوات‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ ٤‬من ‪٢٩‬‬
‫ثاﻟثا ً ‪ :‬ابن مسكويه‬
‫هو أبو علي أحمد بن يعقوب بن مسكويه )‪١٠٣٠ - ٩٣٢‬م( وقد ﺗحدث في كﺗابه )ﺗهذيب اﻷخﻼق( أن اﻷخﻼق‬
‫قابلة للﺗغيير وأنها ﺗ ُعﺗبر مصدر لﻸفعال اﻹنسانية وأنها ﺗابعة أو ﺗنبع عن ال نفس ﻻ ع ن الجس د‪ ،‬و ي رى أن ه ﻻ‬
‫يمكن أن ﺗحصل الفضائل إﻻ بعد إزالة الرذائل من النفس‪.‬‬
‫ويرى بأن اﻟفضائل أربع )اﻟعفﺔ واﻟشجاعﺔ واﻟسخاء واﻟع دل( وه ي ت ُكتس ب إم ا ب الﺗعلم أو م ن خ ﻼل الﺗنش ئة‬
‫اﻻجﺗماعية ومن خﻼل عملية ﺗقليد اﻷبناء لﻶباء‪ ،‬ويركز على ﺗربية اﻷطفال على اﻷفع ال الجميل ة ف ي المطع م‬
‫والمجالسة والعادات‪ ،‬ويجب أن يُبعد اﻷطفال عن مجالس أهل اللهو القبيح وأهل السخافات‪.‬‬
‫ويﺗفق مع غيره بأن اﻻجتماع اﻹنساني ضرورة اجتماعيﺔ ولكنه اعﺗبر اﻷخﻼق هي عم اد ذﻟ ك اﻻجتم اع‪ ،‬ﻷن‬
‫اﻹنسان ﻻ يبلغ الكمال إﻻ مع أبناء جنسه وبمع ونﺗهم‪ ،‬وخاص ية اﻻجﺗم اع ﺗرﺗك ز ف ي قوامه ا عل ى ق يم أخﻼقي ة‬
‫أهمها اﻟتعاون واﻟمحبﺔ واﻟصداقﺔ‪ ،‬فﻼ يسﺗقيم أمر المجﺗمع إﻻ إذا ارﺗكز على هذه القيم‪.‬‬
‫ويركز ابن مسكويه على الﺗعاون بين أفراد المجﺗمع‪ ،‬وشبه المجﺗمع بالكائن العضوي )مﺗأثرا ً بالفارابي(‪ ،‬كائن‬
‫حي ﺗﺗماسك وﺗﺗضامن أعضاؤه لﺗحقيق الخير والسعادة‪ ،‬وذلك الﺗضامن يرﺗكز على عاملين هما‪:‬‬
‫‪ -١‬اﻟدين‪ ،‬فالدين اﻹسﻼمي ي ؤدي إل ى ﺗقوي ة الش عور اﻻجﺗم اعي‪ ،‬فص ﻼة الجماع ة أي ا ً كان ت والح ج كله ا‬
‫ﺗجمع الناس ﻷداء الفرائض‪ ،‬وﺗقوى لديهم مشاعر اﻹخاء واﻹيثار والمحبة والﺗعاون وأن إقامة الشعائر‬
‫الدينية مما يُكسب اﻷفراد أخﻼق حميدة وﺗنميها لديهم‪ ،‬فهي رياضة خلقية للنفوس اﻵدمية‪.‬‬
‫‪ -٢‬اﻟعداﻟﺔ‪ ،‬ﺗرﺗك ز الحي اة اﻻجﺗم اعي ف ي نظ ره عل ى العدال ة باعﺗباره ا الس بيل إل ى المس اواة ب ين الن اس‪،‬‬
‫وﺗرﺗكز أساس ا ً عل ى الص داقة واﻷلف ة وص لة ال رحم والمكاف أة وحس ن الش ركة وحس ن القض اء والﺗ ودد‬
‫والعبادة‪ ،‬حيث أنه ذكر عوامل ت ُساعد على تحقيق اﻟعداﻟﺔ وهي كما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬اﻟعامل اﻟساكت‪ ،‬وهو اﻟدينار باعﺗب اره أساس ا ً للمع امﻼت والﺗب ادل ب ين أف راد المجﺗم ع ف ي اﻷج ر‬
‫والحقوق وعملية البيع والشراء‪ ،‬فيجب المساواة بين الناس في الحقوق‪ ،‬واسﺗخدامه بعدل‪.‬‬
‫ب‪ -‬اﻟحاكم اﻟعادل‪ ،‬وهو الذي يحسن اسﺗغﻼل ق وة الق انون ومظ اهر الس لطة‪ ،‬فينبغ ي أن يحق ق الع دل‬
‫وﻻ يﺗجاوز حدود الشرع‪ ،‬وأن يساوي بين اﻷفراد فﻼ يسﺗغل أحدهم اﻵخر‪ ،‬فهو عدل ناطق‪.‬‬
‫ت‪ -‬تحقيق اﻟعدل‪ ،‬بﺗطبيق قوانين ﷲ عز وجل المﺗمثلة بأوامره ونواهيه وشرائعه‪ ،‬فهي أكم ل الق وانين‪،‬‬
‫ولهذا يجب أن يخضع لها الحاكم في ﺗشريعه والدينار في قيمﺗه والناس جميعا ً في معامﻼﺗهم‪.‬‬

‫ويعﺗب ر اب ن مس كويه اﻟع دل ض رورة اجتماعي ﺔ لص ﻼح الف رد والمجﺗم ع‪ ،‬ويج ب أن يلﺗ زم بﺗحقيق ه الحك ام‬
‫والمحكومين على السواء‪ ،‬وأكد رأيه بأن عدم ﺗطبيق الع دل ي ؤدي إل ى فس اد الحي اة اﻻجﺗماعي ة وانح ﻼل الق يم‬
‫وحصول خلل في البناء اﻻجﺗماعي‪.‬‬
‫كما فرق ابن مسكويه بين الخير والسعادة‪ ،‬فاﻟخير قيمﺔ عامﺔ ﻻب د أن يع م اﻟن اس جميع ا ً‪ ،‬بينم ا اﻟس عادة قيم ﺔ‬
‫خاصﺔ تخص اﻹنسان نفسه‪ ،‬وﺗخﺗلف من إنسان إلى آخر‪.‬‬
‫ويرى ب أن ﺗحقي ق الخي ر والس عادة ﻻ ﺗ ﺗم إﻻ بﺗع اون الن اس جميع ا ً‪ ،‬ﻷن ك ل ف رد ف ي المجﺗم ع محﺗ اج لﻶخ ر‪،‬‬
‫فيكون إذا ً كل واحد في المجﺗمع بمنزلة عضو من أعضاء البدن وقوام اﻹنسان بﺗمام أعضائه‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٥‬من ‪٢٩‬‬


‫رابعا ً ‪ :‬اﻟماوردي‬
‫هو أبو الحسن علي بن حبيب الماوردي )‪٤٥٠-٣٦٤‬هـ( عاش في البصرة وبغداد ﺗلك الفﺗ رة الﺗ ي س ادت فيه ا‬
‫الف ﺗن والدس ائس م ن ال داخل والخ ارج‪ ،‬وش اهد الض عف ال ذي لح ق بمق ام الخﻼف ة حي ث أص بح الخلف اء آﻻت‬
‫مسخرة بأيدي الﺗرك والفرس‪ ،‬فﺗألم بعروبيﺗه وعبر عن ألمه في كﺗاباﺗه‪.‬‬
‫كغيره ﺗحدث الماوردي أن اﻹنسان مدني بطبيعﺗه‪ ،‬محﺗاج لغي ره وﻻ يمك ن أن يف ي بك ل حاجاﺗ ه بنفس ه‪ ،‬ولك ن‬
‫الجدي د ل دى الم اوردي أن ه أدخ ل معن ا ً ديني ا ً ل ذلك حينم ا ق ال أن ﷲ ع ز وج ل ه و ال ذي خلقن ا ورزقن ا وأنن ا‬
‫مفﺗقرون إليه ومحﺗاجون إلى عنايﺗه‪ ،‬وهو الذي جعل اﻹنسان أكثر حاجة لجنسه‪ ،‬وأنه مطب وع عل ى اﻻس ﺗعانة‬
‫واﻻفﺗقار لهم‪ ،‬وأن ذل ك ض رورة فطري ة في ه خلق ه ﷲ به ا‪ ،‬ل ذا فالم اوردي جع ل اﻹنس ان م ن أش د المخلوق ات‬
‫حاجة إلى اﻻجﺗماع ﻷن من الحيوانات من ﺗسﺗطيع أن ﺗعيش مسﺗقلة عن بني جنسها‪.‬‬
‫ويذكر أن اﻻخﺗﻼف هو سبب الﺗعاون بين الناس ﻷنهم لو كانوا مﺗساوين لم ا احﺗ اج بعض هم ل بعض‪ ،‬فالطبي ب‬
‫يحﺗاج إلى مزارع والمزارع يحﺗاج إلى شرطي ‪...‬وهكذا‪ ،‬فاخﺗﻼفهم هو سبب افﺗقار كل ف رد لﻶخ ر ه و س بب‬
‫ﺗجمع الناس وﺗكوينهم للدولة‪ ،‬ويرى بأن العقل هو الذي يوجههم إلى كيفية الﺗعاون والﺗرابط فيما ببينهم‪.‬‬
‫ويعﺗب ر الم اوردي أن ص ﻼح ال دنيا ص ﻼحا ً ﻷهله ا )للف رد والمجﺗم ع والدول ة( وفس ادها فس ادا ً ﻷهله ا‪ ،‬وي ربط‬
‫الصﻼح والفساد بأمانﺗهم وديانﺗهم‪ ،‬ويقول بأن المجﺗم ع أو م ا يس مى بالدول ة ه ي نﺗ اج ﺗجم ع الن اس المفﺗق رين‬
‫لسد حاجاﺗهم‪.‬‬
‫ويرى بأن الدولة ﺗحﺗاج إلى ست قواعد لينﺗظم حالها‪ ،‬نذكرها على النحو الﺗالي ‪:‬‬
‫‪ -١‬اﻟدين اﻟمتبع‪ ،‬فهو يصرف النفوس عن شهواﺗها ويعطف القلوب عن إرادﺗها‪ ،‬ورقيبا ً عل ى النف وس ف ي‬
‫خلوﺗها وناصحا ً لها في ُملماﺗها‪ ،‬وهي أقوى قاعدة في صﻼح الدنيا واسﺗقامﺗها‪.‬‬
‫‪ -٢‬سلطان قاهر‪ ،‬ﺗﺗألف برهبﺗه اﻷهواء المخﺗلفة وﺗجﺗمع بهيبﺗه القلوب المﺗفرقة وﺗنقمع من خوف ه النف وس‬
‫المﺗعادية‪ ،‬وهو الذي يسوس الدولة نحو ﺗحقيق أهدافها العليا‪ ،‬ويحفظ الدين ويحرس الن اس ويحق ق له م‬
‫اﻷمن ويعمر البﻼد ويحافظ على أرزاقهم‪ ،‬ويُقيم الحدود على مسﺗحقها ‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -٣‬عدل شامل‪ ،‬يدعو إلى اﻷلفة ويبعث على الطاعة وﺗعمر به البﻼد وﺗنمو به اﻷموال ويأمن به السلطان‪.‬‬
‫‪ -٤‬أمن عام‪ ،‬ينﺗج عن العدل‪ ،‬ﺗطمئن إليه النفوس وﺗنﺗشر فيه الهمم ويسكن فيه البريء ويأنس الضعيف‪.‬‬
‫‪ -٥‬خصب دار‪ ،‬وهي وفرة الممﺗلك ات‪ ،‬م ن اﻷم وال النقدي ة والعيني ة ك اﻷرض وغيره ا‪ ،‬ب ه ﺗﺗس ع النف وس‬
‫فيقل الحسد وينﺗفي ﺗباغض العدم‪ ،‬والخصب يؤدي إلى الغنى الذي يورث اﻷمانة والسخاء ‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -٦‬أمل فسيح‪ ،‬وهي ربط اﻷجيال‪ ،‬بمعنى ربط الجيل الحالي بجيل المس ﺗقبل‪ ،‬فالجي ل الح الي ي رث الجي ل‬
‫الماضي كل أحواله ليورث جيل المسﺗقبل‪ ،‬ومنه ﺗسﺗمر عجلة الحياة بالﺗنمية‪.‬‬
‫هذه القواعد مﺗرابطة‪ ،‬كل واحدة مرﺗبطة باﻷخرى بل وﺗ ُعد منظومة مﺗكاملة فﺗوافر أحدها يعد ﺗوافر اﻷخ رى‪،‬‬
‫وعندما ﺗؤدي دورها على أكمل وجه يسود أحوال الناس واﻷمة والدولة اﻷمن وﺗزدهر الحياة اﻻجﺗماعية‪.‬‬
‫أخيرا ً يُعد الماوردي من أكثر المفكرين في ذلك الوقت ﺗعمقا ً في وضع أسس قيام الدولة واسﺗمرارها‪ ،‬كم ا يُع د‬
‫ﺗصوره أو قواعده من أهم أسس أو مقومات اﻷمن اﻻجﺗماعي في الوقت الحاضر‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٦‬من ‪٢٩‬‬


‫خامسا ً ‪ :‬جان جاك روسو‬
‫مفكر فرنسي )‪١٧٧٨ -١٧١٢‬م( بنى أفكاره من خﻼل الواقع السياسي الذي عاشه في فرنسا ومﻼحظﺗ ه لل دول‬
‫اﻷوربية المجاورة وخاصة بريطانيا‪ ،‬وهذه اﻷفكار برزت في كﺗابه )العقد اﻻجﺗماعي ‪١٧٦٢‬م(‪ُ ،‬مﺗ أثرا ً ب آراء‬
‫المفكرين البريطانيين )ﺗوماس هوبز‪ ،‬وجون لوك( أنصار نظرية العقد اﻻجﺗماعي‪ ،‬واﺗفق معهم في المض مون‬
‫حول أهميﺔ اﻟعقد اﻻجتماعي بين اﻟحكام واﻟمحكومين‪.‬‬
‫ومفه وم اﻷم ن ف ي نظري ة العق د اﻻجﺗم اعي ه و "اﻷم ن الع ام‪ ،‬حماي ة الف رد م ن أي اعﺗ داء يع رض س ﻼمﺗه‬
‫وسﻼمة ممﺗلكاﺗه للخطر"‪ ،‬ووضع ﺗصور لقيام الﺗوافق بين الناس ليعيشوا م ع بع ض جماعي ا ً انطﻼق ا ً م ن عق د‬
‫ضمني يربطهم ببعض‪ ،‬ويﺗضمن بنودا ً اﺗفقوا عليها فأصبحت دسﺗورا ً لهم‪ ،‬ارﺗضوا على بنوده لينظم حياﺗهم‪.‬‬
‫فالنظام اﻻجﺗماعي عنده حق مقدس وأساس لسائر الحقوق‪ ،‬فالحق لم يأت من الطبيعة بل يسﺗند إل ى اﺗف اق ب ين‬
‫البشر‪ ،‬هذه اﻻﺗفاقات ﺗشكل بنود العقد اﻻجﺗماعي الذي ارﺗبط به اﻷفراد عندما قرروا الحياة مع بعض‪.‬‬
‫يعطي روسو البرهان على قيام مثل هذا العقد بأن اقدم المجﺗمعات هي العائلة‪ ،‬وأن اﻷوﻻد ﻻ يبق ون م رﺗبطين‬
‫بآب ائهم إﻻ الوق ت ال ﻼزم لرع ايﺗهم‪ ،‬وبمج رد اﻻعﺗم اد عل ى أنفس هم يﺗح ررون م ن س لطة الوال د فيص بحون‬
‫مسﺗقلون ﺗجاهه‪ ،‬كما يصبح الوالد مسﺗقﻼً ﺗجاههم‪ ،‬فإذا ق رروا اﻻس ﺗمرار س ويا ً ف إنهم يس ﺗمرون نﺗيج ة ﻻﺗف اق‬
‫بينهم‪ ،‬وبالﺗالي فإن العائلة كمجﺗمع أولي ﺗسﺗمر بحكم عقد بين أعضائها الذين أصبحوا مسﺗقلين‪.‬‬
‫وهكذا المجﺗمع الموسع‪ ،‬فأعضاءه مرﺗبط ون فيم ا بي نهم باﺗفاق ات وبن ود ﺗرم ي إل ى المحافظ ة عل ى مص لحﺗهم‬
‫العامة‪ ،‬مصلحة الجماعة ككل‪.‬‬
‫كما ح ول روس و نظ ام الﺗعاق د إل ى الس لطة الﺗ ي ﺗﺗمﺗ ع بمفه وم اﻹرادة العام ة والﺗ ي ﺗه دف إل ى جع ل الس لطة‬
‫المطلقة في يد الشعب وليس في يد الحاكم‪ ،‬واعﺗبر العقد اﻻجﺗماعي رابطا ً بين الحكام والمحك ومين‪ ،‬وأن عل ى‬
‫الجميع اﻻلﺗزام به وﺗقديم الﺗنازﻻت من أجل مصلحة الجماعة والمجﺗمع والمحافظة على أمن ه واس ﺗقراره م ن‬
‫أي اضطراب أو فوضى‪.‬‬
‫كما أهﺗم باﻟع دل واﻟحري ﺔ واﻟمس اواة ب ين أف راد المجﺗم ع‪ ،‬وذل ك لم ا لهم ا م ن أهمي ة‪ ،‬واعﺗبرهم ا م ن القواع د‬
‫اﻷساسية الﺗي ﺗقوم عليها الحياة اﻻجﺗماعية حيث ﺗؤدي إلى ﺗماسك وﺗرابط المجﺗمع وغياب الفوضى‪.‬‬
‫والحياة اﻻجﺗماعية في نظره ﺗقوم على اﻟعداﻟﺔ واﻟخير واﻟمساواة‪ ،‬وهذا ما يﺗمثل في مب دأ اﻹرادة العام ة ال ذي‬
‫يسعى إلى ﺗحقيق الخير والصﻼح العام وليس للمصلحة الخاص ة‪ ،‬وﺗح دث ع ن اﻟحري ﺔ حي ث رب ط بينه ا وب ين‬
‫اﻹنسانية‪ ،‬فما دام اﻹنسان إنسانا ً فإنه يجب أن يكون حرا ً وإن فقد حريﺗه فقد إنسانيﺗه‪.‬‬
‫اﻟخﻼصﺔ أنه يرى )اﻟعُرف واﻟعادات واﻟتقاﻟيد( اﻟسائدة في اﻟمجتمع هي اﻟقانون وهي اﻟدستور‪ ،‬وهي اﻟتي‬
‫تنظم عﻼقﺔ اﻷفراد فيما بينهم‪ ،‬وعﻼقتهم مع اﻟحاكم‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٧‬من ‪٢٩‬‬


‫سادسا ً ‪ :‬اﻟﻐزاﻟي‬
‫هو أبو حامد ﷴ بن ﷴ الغزالي )‪٥٠٥-٤٥٠‬هـ( شهد في عصره بعض اﻻنحﻼل اﻷخﻼق ي‪ ،‬ح اول أن‬
‫يعرف أسبابه وحب أن ينهض داعيا ً إلى الح ق‪ ،‬وبينم ا ك ان الص ليبيون يﺗ أهبون لمهاجم ة اﻹس ﻼم‪ ،‬ك ان يﺗهي أ‬
‫ﻷن يكون مدافعا ً عن الدين‪ ،‬كما كان القرن الخامس الهجري حافﻼً بالﺗطورات اﻻجﺗماعية والثقافية‪ ،‬واﻷحداث‬
‫السياسية‪ ،‬ففي عصره ظهر السﻼجقة وعقيدة اﻹسماعيلية النزارية في بﻼد الشام والعراق‪.‬‬
‫ﺗحدث الغزالي عن كيفية نشأت المدينة أو الدولة بالﺗفص يل ف ي كﺗاب ه )ذم ال دنيا( وه و الكﺗ اب الس ادس‬
‫من ربع المهلكات من كﺗاب )إحياء علوم الدين(‪ ،‬ﺗناول فيه ما يجب أن ﺗكون عليه المدين ة الﺗ ي يري دها‪ ،‬وه ي‬
‫المدينة المثالية عند أفﻼطون اليوناني أو المدينة الفاضلة عند الفارابي المسلم‪.‬‬
‫فقد ﺗحدث الغزالي عن حاجة اﻹنسان إلى اﻻجﺗماع وإنشاء البﻼد حيث يقول‪ :‬إن اﻹنسان ُخلق بحي ث ﻻ يع يش‬
‫وحده بل يضطر إﻟى اﻻجتماع مع غيره من أبناء جنسه وذﻟك ﻟسببين ‪:‬‬
‫اﻷول حاجته إﻟى اﻟنسل‪ ،‬لبقاء جنس اﻹنسان وﻻ يكون ذلك إﻻ باجﺗماع الذكر واﻷنثى وعشرﺗهما‪.‬‬
‫واﻟثاني اﻟتعاون على تهيئﺔ أسباب اﻟمطعم واﻟملبس وتربيﺔ اﻟوﻟد‪ ،‬ثم ليس يكفيه اﻻجﺗم اع م ع اﻷه ل واﻷوﻻد‬
‫في المنزل‪ ،‬فالشخص محﺗاج إلى فﻼح والفﻼح يحﺗاج حداد ونجار ﻹصﻼح آﻻﺗ ه‪ ،‬كم ا يحﺗ اج الش خص طع ام‬
‫الذي يجب طحنه وهذا يسﺗدعي الحاجة إلى طحان ومن ثم خباز‪ ،‬والملبس بحاجة إلى قطن وإلى آﻻت الحياكة‬
‫والخياطة وآﻻت كثيرة ‪...‬إلخ ‪ ،‬فلذلك ﻻ يسﺗطيع اﻹنسان العيش بمفرده‪.‬‬
‫وﺗناول الغزالي اﻷشغال الدنيوية وهي الحرف والصناعات واﻷعمال الﺗ ي ﺗ رى الخل ق منكب ين عليه ا‪ ،‬وس بب‬
‫كثرة اﻷشغال هو أن اﻹنسان مضطر إلى ثﻼث )اﻟقوت واﻟمس كن واﻟمل بس(‪ ،‬ول م يخلقه ا ﷲ ج اهزة‪ ،‬فح دثت‬
‫الحاجة إلى خمس ُهن أصول الصناعات وأوائل اﻷشغال )اﻟفﻼحﺔ واﻟرعايﺔ واﻻقتناص واﻟحياكﺔ واﻟبناء(‪.‬‬
‫كما ناقش الغزالي أصول الصناعات وآﻻﺗها‪ ،‬والحاج ة إل ى أه ل السياس ة والح رف وغيره ا‪ ،‬والحاج ة‬
‫إلى الملك واﻷس واق والحواني ت والﺗج ار والحاج ة إل ى الخ راج والعمال ة‪ ،‬ث م ﺗح دث كي ف ينش أ قط اع الط رق‬
‫واللصوص والمﺗسولين وفنونهم في ذلك‪.‬‬
‫وﺗحدث أيضا ً عن طبقات الناس ومراﺗبهم من ناحية ﺗحصيلهم للسعادة الدنيوية واﻷخروية كالﺗالي‪:‬‬
‫‪ -١‬طائفة ﺗرى السعادة في أن يقضي اﻹنسان وطره من شهوة الدنيا وهي البطن والفرج‪.‬‬
‫‪ -٢‬طائفة ظنوا أن السعادة في كثرة المال واﻻسﺗغناء بكثرة الكنوز‪.‬‬
‫‪ -٣‬طائفة ظنوا أن السعادة في حسن اﻻسم وانطﻼق اﻷلسنة بالثناء والمدح‪.‬‬
‫‪ -٤‬طائفة أخرى ﺗظن أن السعادة في الجاه وانقياد الخلق بالﺗواضع والﺗوقير ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫وﺗحدث عن صﻼح الدنيا بقوله ‪ :‬نظام الدين ﻻ يصلح إﻻ بنظام الدنيا ونظام الدنيا ﻻ يحصل إﻻ بإمام مطاع‪.‬‬
‫وأضاف أن نظام الدين يكون بالمعرفة والعبادة‪ ،‬وﻻ يﺗم الﺗوصل إليهما إﻻ بص حة الب دن وبق اء الحي اة وس ﻼمة‬
‫قدر الحاج ات م ن )الكس وة والمس كن واﻷق وات واﻷم ن م ن س ائر اﻵف ات(‪ ،‬رب ط ص ﻼح ال دين بص ﻼح ال دنيا‬
‫)الفرد والمجﺗمع واﻷمة والدولة(‪ ،‬فاﻹنسان ﻻ يسﺗطيع أن يؤدي العبادة إﻻ وهو آمن من جميع اﻷخطار‪.‬‬
‫ل ذا ف إن الغزال ي يؤك د عل ى اﻟعﻼق ﺔ اﻟوثيق ﺔ ب ين اﻟحاج ﺔ اﻷمني ﺔ وب ين اﻟحاج ات اﻟض روريﺔ اﻷخ رى‬
‫كأساس يقوم علي ه انﺗظ ام ال دين وال دنيا مع اً‪ ،‬ب ل ي دل ال نص عل ى اعﺗب ار حاج ة اﻷم ن المح ور اله ام وال ركن‬
‫اﻷصيل الذي ﺗدور حوله باقي الضروريات حﺗى ضمان اﻹنسان لروحه وبدنه‪ ،‬و ﺗحدث أيضا ً أن ه كلم ا ﺗحق ق‬
‫لﻺنسان أو المجﺗمع شيء احﺗاج إلى شيء آخر بمعنى أن الحياة اﻻجﺗماعية في حالة ﺗطور مسﺗمر‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٨‬من ‪٢٩‬‬


‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬
‫ﺗع د عناص ر اﻷم ن اﻻجﺗم اعي نﺗ اج للﺗط ور العلم ي ال ذي ش هده الع الم وخاص ة بع د الح رب العالمي ة‬
‫اﻷولى باﻹضافة لم ا ش هده الع الم م ن ﺗهدي دات مخﺗلف ة أث رت عل ى اﻻس ﺗقرار ل دى الف رد والمجﺗم ع‪ ،‬مم ا دف ع‬
‫المهﺗمين إلى إدخال مفاهيم أمنية ﺗﺗسم بصفة ﺗخصصية‪ ،‬فاﻷمن بمعناه الشامل يحﺗوي عل ى أش كال أو عناص ر‬
‫مﺗعددة مﺗداخلة ومﺗرابطة كل منهما يؤثر ويﺗ أثر ب اﻵخر‪ ،‬واﻷم ن اﻻجﺗم اعي يُعﺗب ر الش كل الع ام ويﺗف رع من ه‬
‫عدة عناصر)ﺗُعد من مكوناﺗه(‪ ،‬نﺗناول أهمها على النحو الﺗالي ‪:‬‬

‫أوﻻ ً ‪ :‬اﻷمن اﻟنفسي‬


‫لكل شخص الح ق ف ي الحي اة وأن ي أمن عل ى نفس ه وعرض ه ومال ه‪ ،‬وﻻ يج وز ﻷح د اﻻعﺗ داء عليه ا‪،‬‬
‫فالحياة منحة من ﷲ س بحانه وﺗع الى لﻺنس ان ول يس ﻷح د انﺗزاعه ا غي ر ﷲ‪ ،‬فحي اة اﻻنس ان مص انة ﻻ يج وز‬
‫ﻷحد اﻻعﺗداء عليها وﻻ يجوز ﻷحد أن يمس سمعة اﻻنس ان ب الطعن أو الق ذف أو الس ب أو الغم ز أو اللم ز أو‬
‫الضغينة أو النميمة أو السخرية أو الﺗجسس ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫كما أعلن رسول ﷲ )ص( في حجة الوداع حقوق اﻹنسان المسلم فقال‪) :‬فإن ﷲ تبارك وتع اﻟى ق د ح رم دم اءكم‬
‫وأمواﻟكم وأعراضكم إﻻ بحقها‪ ،‬كحرمﺔ يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا أﻻ هل بلﻐ ت‪ ،‬ثﻼث ا ً(‪ ،‬ل ذا فق د ح ث‬
‫رسول ﷲ )ص( على حفظ حقوق اﻹنسان وعدم اﻻعﺗداء عليها‪ ،‬إنما أعطى حق انﺗزاع الحي اة وان زال العقوب ات للدول ة‬
‫فقط‪ ،‬وفقا ً للقانون ولمص لحة المجﺗم ع‪ ،‬فف ي العقوب ة أم ن للف رد والمجﺗم ع‪ ،‬ودور فع ال ف ي الحف اظ عل ى المجﺗم ع م ن‬
‫اﻻنحراف وردعا ٌ للجريمة‪ ،‬قال ﺗعالى )) و‪‬لَكُم‪ ‬ف‪‬ي الْق‪‬ص‪‬اصِ ح‪‬ي‪‬اة‪ ‬ي‪‬ا أُول‪‬ي الْأَلْب‪‬ابِ لَع‪‬لَّكُم‪ ‬تَتَّقُون‪.((‬‬

‫هناك عدة ﺗهديدات لﻸمن الشخصي وهي خوف اﻹنس ان م ن الجريم ة أي ا ً ك ان نوعه ا مث ل اﻻعﺗ داء عل ى‬
‫)ال نفس‪ ،‬الع رض‪ ،‬الس رق‪ ،‬الس لب‪ ،‬النه ب‪ ،‬اﻻخﺗط اف‪ ،‬الﺗقط ع‪ ،‬ح وادث النق ل‪ ،‬ح وادث الحرائ ق‪ ،‬الح وادث‬
‫الصناعية‪ ،‬المخدرات‪ ،‬العنف‪ ،‬اﻹرهاب‪... ،‬إلخ(‪ ،‬ك ل ﺗل ك أص بحت مص در خ وف عل ى اﻷم ن الشخص ي‪ ،‬وأم ن‬
‫اﻻنسان يعني ﺗوازن شخصيﺗه واسﺗقرارها وعدم الخوف من أي مصدر‪.‬‬
‫هن اك وجه ين ﻷم ن اﻹنس ان )داخل ي وخ ارجي(‪ ،‬ويص عب الفص ل بينهم ا‪ ،‬ﻷن نس يج الشخص ية اﻹنس انية‬
‫مﺗماسك ومﺗ رابط‪ ،‬فيج ب ﺗ وازن أمن ه ال داخلي والخ ارجي ﻻس ﺗقراره‪ ،‬وإذا اخﺗ ل ذل ك جعل ه فريس ه للخ وف والﺗ وﺗر‬
‫واﻻنفعال‪ ،‬فالسﻼم الداخلي والﺗوازن النفسي هم ا دعام ة اﻷم ن ال ذاﺗي‪ ،‬حي ث ينب ع الس ﻼم م ن أعم اق ال نفس الس وية‪،‬‬
‫المﺗغذية بمفاهيم صحيحة يكﺗسبها اﻻنسان منذ نعومة أظافره وﺗُدعمها الﺗربية اﻷسرية والمدرسية واﻻجﺗماعية‪.‬‬

‫فانع دام اﻷم ن النفس ي يُع د م ن المش اكل الﺗ ي ﺗحﺗ اج إل ى معالج ة لم ا له ا م ن آث ار س لبية عل ى المجﺗم ع‪،‬‬
‫ومعاﻟجتها ﺗكون من خﻼل قيم أساسها القناعة واﻻعﺗماد على الذات‪ ،‬عندها يص ل إل ى اطمئن ان بأن ه ﻻ رازق وﻻ‬
‫ممي ت إﻻ ﷲ‪ ،‬فحال ة اﻻطمئن ان ﺗح ول دون الﺗفكي ر ف ي اﻻنح راف‪ ،‬فاﻻس ﺗقامة واج ب دين ي ﺗقﺗض يه المص لحة‬
‫اﻻجﺗماعية بالدرجة اﻷولى‪ ،‬فاﻹنسان ﻻ يخشى إﻻ ﷲ سبحانه وﺗعالى وﻻ يسأل إﻻ ﷲ وحده‪.‬‬

‫يبدأ اﻻنسان بإصﻼح نفس ه‪ ،‬يب دأ بإص ﻼح قلب ه فه و اﻷس اس‪ ،‬فع ن رس ول ﷲ )ص( أن ه ق ال‪) :‬أﻻ وإن ف ي‬
‫اﻟجسد مضﻐﺔ إذا صلحت صلح اﻟجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد اﻟجسد كله‪ ،‬أﻻ وهي اﻟقلب(‪ ،‬ويكون ذلك عن طري ق‬
‫اﻻﺗصال با عز وجل‪ ،‬الذي يؤدي لﻼسﺗقامة في السلوك‪ ،‬وفيه وقاية وعﻼج من اﻻنحراف والمرض النفسي‪.‬‬

‫صﻼح الفرد يعني صﻼح المجﺗمع‪ ،‬فالفرد هو اللبنة اﻷساسية للمجﺗمع‪ ،‬وصﻼح المجﺗم ع يعن ي ش عور‬
‫الفرد باﻷمن في الجماعة‪ ،‬وذلك من اﻷسباب المهمة للش عور بالس عادة واﻻطمئن ان‪ ،‬أم ا حال ة الم رض النفس ي‬
‫ﺗجعل صاحبها يعيش في حالة قلق دائم وخوف من اﻵخرين‪.‬‬
‫الصفحة ‪ ٩‬من ‪٢٩‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬اﻷمن اﻻقتصادي‬
‫يﺗمثل اﻷمن اﻻقﺗصادي ف ي ﺗ أمين الغ ذاء والكس اء والم أوى وﺗ أمين حاج ات المجﺗم ع‪ ،‬بمن ع اﻻحﺗك ار‬
‫واﻻس ﺗغﻼل‪ ،‬وزي ادة اﻻنﺗ اج وﺗنمي ة الم وارد وﺗوزيعه ا بع دل‪ ،‬والح د م ن نس بة البطال ة وحماي ة الم ال الع ام‪،‬‬
‫فالعﻼقة بين اﻷمن واﻻقﺗصاد وثيقة‪ ،‬كما أن اﻻقﺗصاد أحد مقوماﺗها الحياة اﻻجﺗماعية‪ ،‬حيث اعﺗبره الم اوردي‬
‫من الست القواعد الﺗي ﺗصلح بها الدنيا وﺗنﺗظم بها اﻷحوال‪ ،‬وذل ك م ا س ماه ب ـ)خصب دار(‪ ،‬فم ن يمل ك الم ال‬
‫يسﺗطيع بناء منزل ويسﺗطيع ﺗ وفير الغ ذاء والكس اء وك ل احﺗياجاﺗ ه ك الﺗعليم والص حة ‪..‬إل خ‪ ،‬وبالم ال يس ﺗطيع‬
‫المجﺗمع ﺗنمية العنصر البشري بدنيا ً وعلمي ا ً‪ ،‬ويس ﺗطيع إيج اد المؤسس ات الﺗعليمي ة والص حية والبحثي ة ‪..‬إل خ‪،‬‬
‫فاﻻقﺗصاد هو مركز البناء اﻻجﺗماعي وبانﺗظامه يكون اﻻسﺗقرار‪.‬‬
‫وبدون اﻻقﺗصاد السليم قد ﺗنﺗش ر الج رائم واﻻعﺗ داء عل ى اﻷم وال ويع م الخ وف والف زع‪ ،‬ﻷن ه ﻻ أم ن‬
‫لجائع وﻻ أمن من الجائع‪ ،‬فعندما يشعر الف رد بع دم اﻷم ن ف ي العث ور عل ى العم ل بس بب البطال ة أو أن ه يعم ل‬
‫ولكن الدخل ﻻ يكفي لسد حاجاﺗه الضرورية له وﻷفراد أس رﺗه‪ ،‬أو بس بب ارﺗف اع اﻷس عار‪ ،‬يجعل ه خائف ا ً عل ى‬
‫حياﺗه المعيشية‪ ،‬وقد يكون دافعا ً له ليرﺗكب الج رائم والمحرم ات ف ي س بيل ﺗ وفير م ا يحﺗاج ه‪ ،‬مم ا ي ؤدي إل ى‬
‫خلل في اﻷمن اﻻجﺗماعي ككل‪ ،‬لذلك فاﻷمن اﻻقﺗصادي جزء ﻻ يﺗجزأ من اﻷمن اﻻجﺗماعي‪.‬‬
‫ومن حكمة ﷲ عز وجل أن جعل الن اس أغني اء وفق راء‪ ،‬وم ن العدال ة وج ود تكاف ل ب ين الف ريقين‪ ،‬م ن‬
‫خ ﻼل اﻟزك اة واﻟص دقﺔ واﻟوق ف واﻟكف ارة واﻟهب ﺔ ‪..‬إل خ‪ ،‬فه ي معالج ات وض عها الخ الق ﷻ ليﺗحق ق اﻷم ن‬
‫اﻻقﺗصادي‪ ،‬كما أن من المعالجات حسن استﻐﻼل اﻟموارد اﻟمتاحﺔ بش رية كان ت أو مادي ة )اﻟكف اءة(‪ ،‬وم ن ث م‬
‫ﺗوزيع الثروة والدخل على أفراد المجﺗمع بعدل‪ ،‬وحسب معايير ﻻ يُظلم من خﻼلها أح د‪ ،‬م ن المعالج ات أيض ا ً‬
‫اﻻهتمام باﻹنتاج واﻻستثمار في شﺗى المجاﻻت الﺗنموية‪ ،‬كما يجب تعاون المجﺗمع والدولة ﻹيجاد فرص عم ل‬
‫للحد من نسبة البطالة‪ ،‬كما أن على الدولة حث أفراد اﻟمجتمع ﻟلعمل في اﻟزراعﺔ واﻟصناعﺔ وغيرها‪.‬‬
‫ه ذه المعالج ات ﺗض من الوص ول إل ى مرك ز اقﺗص ادي آم ن للدول ة‪ ،‬أي يﺗحق ق )اﻷم ن اﻻقﺗص ادي(‪،‬‬
‫وبﺗأمينه سيشعر اﻹنسان والمجﺗمع بالطمأنينة واﻻسﺗقرار من خﻼل ﺗوفر احﺗياجاﺗهم اﻷساسية والكمالية‪ ،‬اﻷمر‬
‫الذي سيؤدي إلى نهضة في جميع المجاﻻت‪.‬‬

‫ثاﻟثا ً ‪ :‬اﻷمن اﻟﻐذائي‬


‫الغ ذاء ه و ك ل م ا يﺗغ ذى ب ه اﻹنس ان م ن طع ام وش راب‪ ،‬وه و ض رورة حيوي ة واحﺗي اج أساس ي‬
‫)فسيولوجي( لﻺنسان ﻻ يسﺗطيع البقاء بدونه‪ ،‬وعندما ﺗﺗوفر المواد الغذائية لدى أي مجﺗم ع بالمق ادير المناس بة‬
‫ويحصلون عليها بطريقة سهلة ﺗسﺗقر الحياة اﻻجﺗماعية‪ ،‬وباسﺗقرارها يﺗجه المجﺗمع نحو البناء والﺗنمية‪ ،‬ومﺗى‬
‫أصبح اﻷمر غير ذلك وانشغل الناس بقوﺗهم ساد القلق وبرزت المشاكل اﻻقﺗصادية واﻻجﺗماعية والسياسية‪.‬‬
‫اﻷمن الغذائي معناه أن يكون لدى جمي ع الن اس ف ي جمي ع اﻻوق ات إمكاني ة الحص ول مادي ا ً واقﺗص اديا ً‬
‫على الغذاء اﻷساسي‪ ،‬ويكون ذلك من خﻼل ﺗحقيق اﻻكﺗفاء الذاﺗي للسلع الغذائية بدﻻً من اﻻعﺗماد على الغير في‬
‫الحص ول عليه ا )اﻻس ﺗيراد( كلي ا ً أو جزئي ا ً‪ ،‬حي ث يُع رف اﻻكتف اء اﻟ ذاتي بأن ه )ق درة المجﺗم ع عل ى ﺗحقي ق‬
‫اﻻعﺗماد الكامل على النفس والموارد واﻻمكانات الذاﺗية في إنﺗاج كل احﺗياجاﺗه الغذائية محليا ً‪ ،‬مما يعني اﻷم ن‬
‫الغذائي الذاﺗي دون ما حاجة إلى اﻵخرين(‪ ،‬وهناك من عرف اﻷمن اﻟﻐذائي بأنه يشمل ثﻼثة أركان هي ‪:‬‬
‫‪ -١‬اﻟوفرة‪ ،‬أي ﺗوافر السلع الغذائية الﺗي يحﺗاج إليها المواطن في السوق المحلية‪.‬‬
‫‪ -٢‬اﻻستقرار‪ ،‬أي أن ﺗكون هذه السلع مﺗوافرة طوال الوقت‪.‬‬
‫‪ -٣‬إمكانيﺔ اﻟحصول عليها‪ ،‬بمعنى أن يكون دخله كافيا ً لشراء ما يحﺗاج إليه من السلع دون عناء‪.‬‬
‫الصفحة ‪ ١٠‬من ‪٢٩‬‬
‫وﺗدني مسﺗوى المعيشة والفقر له آثار سلبية في ش ﺗى المج اﻻت فالمش اكل الناﺗج ة م ن س وء الﺗغذي ة ﺗ ؤدي‬
‫إلى اضعاف جسم اﻹنس ان وظه ور مخﺗل ف اﻷم راض‪ ،‬وال نقص ف ي الفيﺗامين ات ي ؤدي لض عف مناع ة الجس م‬
‫وي نعكس ذل ك عل ى النش اط اﻹنﺗ اجي لﻸف راد وعل ى فاعلي ة عمله م وعل ى ق درة اﻷي دي العامل ة‪ ،‬ويﺗ أثر ب ذلك‬
‫مسﺗواه الفكري‪ ،‬كما أن من آثار الفقر المدمرة ﺗفكك اﻷسر وﺗشرد اﻷطفال‪ ،‬ومن أهم اﻷخطار الﺗ ي ﺗه دد أم ن‬
‫اﻷفراد والشعوب ما يصيب مصادر الرزق م ن آف ات وك وارث فيقلله ا أو يقض ي عليه ا ﻷنه ا ق وام الحي اة فل و‬
‫نضبت شاع اﻻضطراب وﺗهدمت أركان الحياة فﻼ أمن وﻻ اسﺗقرار بل ﺗسود الفوضى وﺗنﺗش ر الجريم ة بفع ل‬
‫العصابات والجماعات المنﺗشرة الﺗي ﺗنﺗهك الحرمات ﻷن الجوع كافر‪ ،‬كما يقولون فالجائع ﻻ يردعه رادع‪.‬‬
‫هذا ويرى البعض أن العﻼقة بين اﻷمن الغ ذائي واﻷم ن اﻻجﺗم اعي ه ي عﻼق ة ﺗماثلي ة‪ ،‬حي ث أن ك ﻼً‬
‫منهم ا يمك ن أن يك ون س ببا ً ف ي إح داث اﻵخ ر‪ ،‬وك ذلك ع دم ﺗ وفر اﻷم ن الغ ذائي ه و س بب ع دم ﺗ وفر اﻷم ن‬
‫اﻻجﺗماعي بل يُعد الم دخل لﺗحقيق ه‪ ،‬وق د ج اء ف ي الق رآن الك ريم م ا يش ير إل ى العﻼق ة بينهم ا حي ث ج اء ذك ر‬
‫الجوع والخوف مقﺗرنين‪ ،‬قال ﺗعالى )) فَلْ ‪‬يع‪‬ب‪‬د‪‬واْ ر‪‬ب‪ ‬ه‪‬ذَا الْب‪‬ي‪‬ت‪ ‬الَّذ‪‬ي أَطْع‪‬م‪‬ه‪‬م م‪‬ن ج‪‬وعِ و‪‬ء‪‬ام‪‬ن‪‬ه‪‬م م‪‬ن‪ ‬خ‪‬و‪‬ف‪.((‬‬

‫وقال سبحانه وﺗعالى )) و‪‬لَن‪‬ب‪‬لُو‪‬نﱠكُم بِش‪‬ي‪‬ء‪ ‬م‪‬ن‪ ‬الْخَو‪‬ف‪ ‬و‪‬الْج‪‬وعِ و‪‬نَقْصٍ م‪‬ن‪ ‬الْأَ ‪‬مو‪‬الِ و‪‬الْأَنفُسِ و‪‬ال ﱠثم‪‬ر‪‬ات‪ ‬و‪‬ب‪‬ش‪‬رِ الص‪‬بِرِين‪.((‬‬

‫لذا فﺗوفير المواد الغذائية يُعد من الضروريات لﻺنسان س وا ًء م ن خ ﻼل اﻹنﺗ اج أو الق درة الش رائية أو‬
‫غي ر ذل ك‪ ،‬ﻷن ﺗوفره ا وس هولة الحص ول عليه ا‪ ،‬ﺗجع ل اﻹنس ان يع يش ف ي س ﻼم وطمأنين ة‪ ،‬مﺗجنب ا ً الخ وف‬
‫والقلق واﻻضطراب أو حﺗ ى اﻻنح راف ﻻ س مح ﷲ‪ ،‬ﻷن ه أص بح آم ن عل ى إش باع احﺗياجاﺗ ه الغذائي ة م ن أي‬
‫مصدر مشروع‪ ،‬وهذا يكون له انعكاساﺗه اﻹيجابية على الصحة والﺗعليم وعلى عملية اﻹنﺗاج ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬اﻷمن اﻟصحي‬


‫إن الصحة ﺗمثل عنصرا ً جوهريا ً ﻷمن اﻹنسان‪ ،‬من حيث البقاء حيا ً أو الوقاية والحماي ة م ن الم رض‪،‬‬
‫فالصحة الجيدة هي الﺗي ﺗمكن المرء من الﺗمﺗع بالحياة وإحراز الﺗقدم‪ ،‬أما ﺗردي الصحة فإنه يُضعف الق درات‬
‫اﻷساسية لﻺنسان‪ ،‬وقد ﺗؤدي إلى آثار سلبية على الفرد والمجﺗمع‪ ،‬ومن هنا ﺗﺗداخل الصحة وﺗﺗرابط مع اﻷم ن‬
‫الفردي واﻻجﺗماعي في المجاﻻت السياسية واﻻقﺗصادية والغذائية‪...‬إلخ‪ ،‬فالصحة حق أساس ي لﻺنس ان ويج ب‬
‫أن يكون على مسﺗوى من الصحة يسمح له بالعيش حياة منﺗجة اجﺗماعيا ً واقﺗصاديا ً وثقافيا ً‪.‬‬
‫هناك عﻼقة مﺗبادلة بين الم اء والغ ذاء والمس كن والص حة‪ ،‬ف اﻷمراض الﺗ ي ﺗس بب ف ي أغل ب الوفي ات‬
‫وخاص ة اﻷطف ال ﺗرج ع إل ى اﻷم راض المعدي ة بس بب س وء الﺗغذي ة واﻷوض اع الس كنية الرديئ ة‪ ،‬فالعوام ل‬
‫الفيزيائية ﺗ ؤثر عل ى ص حة الن اس وس عادﺗهم‪ ،‬كالص رف الص حي غي ر الك افي‪ ،‬والحش رات الناقل ة لﻸم راض‬
‫وعدم ﺗوفر المياه الصالحة للشرب‪ ،‬باﻹضافة إلى البيئة اﻻجﺗماعية )الفقر‪ ،‬الﺗمزق اﻻجﺗماعي(‪.‬‬
‫اﻟرعاي ﺔ اﻟص حيﺔ ه ي )مجموع ة الخ دمات واﻹج راءات الوقائي ة الﺗ ي يق دمها جه از الرعاي ة الص حية‬
‫والمؤسسات الﺗابعة له لجمي ع أف راد المجﺗم ع به دف رف ع المس ﺗوى الص حي والحيلول ة دون ح دوث اﻷم راض‬
‫وانﺗشارها‪ ،‬مثل اﻻهﺗمام بصحة البيئة والمسكن والمياه والغذاء والﺗصريف الصحي‪ ،‬وكذلك حمﻼت الﺗحصين‬
‫والﺗطعيم ضد اﻷمراض المعدية والخطيرة(‪.‬‬
‫أما اﻟرعايﺔ اﻟطبيﺔ فهي )الخدمات العﻼجية أو الﺗشخيصية الﺗي يقدمها أحد أعض اء الفري ق الطب ي إل ى‬
‫فرد واحد أو أكثر من أفراد المجﺗمع مثل معالجة الطبيب لش خص م ريض‪ ،‬وﺗش مل ك ل الخ دمات الﺗ ي يؤديه ا‬
‫فرد من الفريق الطبي إلى فرد من أفراد المجﺗمع من ﺗقديم الدواء والغذاء والمعاملة الحسنة ‪..‬إلخ(‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ١١‬من ‪٢٩‬‬


‫وﺗ رﺗبط الرعاي ة الص حية وع ﻼج المرض ى بﺗق دم المجﺗم ع وﺗط وره وارﺗف اع مس ﺗوى معيش ة أف راده‬
‫وزي ادة درج ة وع يهم بمظ اهر الص حة وعوام ل الم رض وأس س الﺗغذي ة وحماي ة البيئ ة‪ ،‬كم ا ﺗ ُعﺗب ر المش كلة‬
‫الصحية المنﺗشرة في الكثير من المجﺗمعات دليﻼً على الﺗخلف اﻻجﺗماعي وﺗدني مسﺗوى المعيش ية‪ ،‬ف الظروف‬
‫اﻻجﺗماعية السيئة كالفقر والبطالة واﻻزدحام وﺗدني مس ﺗوى الخ دمات الص حية وانﺗش ار الق اذورات واﻷوس اخ‬
‫والبراغيث والذباب وﺗلوث مياه الشرب وغيرها ﺗسهم في انﺗشار اﻷوبئة واﻷمراض المعدية‪.‬‬
‫وق د ﺗن اول الﺗش ريع اﻹس ﻼمي الص حة وأوج ب ص يانة الحي اة م ن ك ل م ا يقض ي عليه ا أو يﺗلفه ا أو‬
‫يضعفها بل أوجب العناية بالصحة العامة ودفع اﻷمراض فقصة الوباء )طاعون عمواس( الذي حصل في عهد‬
‫عمر بن الخطاب حينها منع الجيش من دخول اﻷرض الموب وءة‪ ،‬عم ﻼً بق ول رس ول ﷲ )ص( ‪) :‬إذا س معتم ب ه‬
‫ب أرض ف ﻼ تق دموا علي ه‪ ،‬وإذا وق ع ب أرض وأن تم به ا ف ﻼ تخرج وا ف رارا ً من ه(‪ ،‬فك ان ذل ك أول إع ﻼن لمب دأ‬
‫الحجر الصحي في العالم‪ ،‬وأمر اﻷفراد برعاية صحﺗهم ونهيهم عن كل ما يضعفها‪ ،‬فنجد ذلك في قوله سبحانه‬
‫وﺗعالى ‪ )) :‬و‪‬كُلُوا و‪‬اش‪‬ر‪‬ب‪‬وا و‪‬لَا تُس‪‬رِفُوا إِنَّه‪ ‬لَا ي‪‬ح‪‬ب‪ ّ‬الْم‪‬س‪‬رِف‪‬ﲔ‪ ((‬وقول رسول ﷲ )ص( ‪) :‬ما أنزل ﷲ دا ًء إﻻ أن زل ﻟ ه دوا ًء(‪،‬‬
‫فاﻷكل والشرب سبب اسﺗمرار الحياة واﻹسراف فيهما منشأ لﻸمراض والعلل‪.‬‬
‫لذا فإن حق اﻹنسان في الصحة وحمايﺗه من اﻷمراض يجب أن يك ون م ن أولوي ات الدول ة وواجباﺗه ا‪،‬‬
‫وذلك من خﻼل المعالجة أو الوقاية عن طريق الﺗوعية الصحية عبر وسائل اﻹعﻼم المخﺗلفة حﺗى يﺗمكن الفرد‬
‫واﻷسرة والمجﺗمع من اﺗخاذ اﻹجراءات الوقائية من اﻷمراض‪ ،‬فاﻹنسان عندما يﺗمﺗ ع بالص حة الجي دة يح ﺗفظ‬
‫بطاقﺗه اﻻنﺗاجية واﻹبداعية الذهنية والبدنية‪ ،‬فاﻷمن النفسي والبدني مرﺗبط بالصحة‪ ،‬لذا ف اﻷمن الص حي ج زء‬
‫ﻻ يﺗجزأ من اﻷمن اﻻجﺗماعي‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬اﻷمن اﻟبيئي‬


‫يعﺗب ر الﺗل وث الوج ه اﻵخ ر المقاب ل للرفاهي ة وه و نﺗ اج الص ناعة والعم ران والملوث ات الﺗ ي ﺗطلقه ا‬
‫الصناعة في عناصر البيئة من الهواء والماء والﺗربة‪ ،‬مما يس بب ﺗغي را ً ف ي ج ودة ه ذه العناص ر‪ ،‬والبيئ ة بك ل‬
‫عناصرها )اﻷرض‪ ،‬الماء والهواء( إح دى نع م الخ الق ﷻ عل ى اﻹنس ان‪ ،‬والﺗ ي أوج ب الحف اظ عليه ا بالس عي‬
‫والعمل والﺗفاعل والﺗعاون بين الناس دون إفساد أو إﺗﻼف لعناصرها‪.‬‬
‫((‬
‫رزْق‪ ‬اللَّه‪ ‬و‪‬ﻻ َتع‪َ ‬ثو‪‬ا ف‪‬ي اﻷر‪‬ضِ م‪‬فْس‪‬د‪‬ين‪‬‬
‫عمﻼً بقوله ﺗعالى )) كُلُوا و‪‬اش‪‬ر‪‬ب‪‬وا م‪‬ن‪ِ ‬‬

‫والواقع إن اﻹنسان لم يسﺗجب لهذه الﺗعاليم الدينية‪ ،‬حيث يس عى جاه دا ً ويﺗب اهى بإنجازاﺗ ه الﺗكنولوجي ة‬
‫الحديثة دون أن يعي أنه يُفسد في اﻷرض بعد إصﻼحها ويهدد عناص ر البيئ ة ويخ ل بأمنه ا وبﺗوازنه ا‪ ،‬ول ذلك‬
‫ﺗفاقمت المخاطر البيئية الﺗي صنعها اﻹنسان ﺗحت مسميات الﺗنمية والﺗقدم مم ا أدى إل ى زي ادة مش كﻼت ﺗل وث‬
‫البيئة وانﺗشار اﻷمراض الوبائية الﺗي لم يكن لها وجود في الماضي‪.‬‬
‫لذا فإن اﻹنسان بقدر ما يسعى إلى اسﺗغﻼل البيئة فإنه ف ي المقاب ل ﻻب د أن يس عى إل ى المحافظ ة عليه ا‬
‫من أي إهدار أو ﺗلوث ﻷن العﻼقة بين اﻹنسان والبيئ ة عﻼق ة وثيق ة‪ ،‬ﻷن ه ل ن يس ﺗطيع الع يش ف ي حال ة ﺗل وث‬
‫اﻷرض أو الماء أو الهواء‪ ،‬فهو بحاجة إلى البيئة الصالحة النقية من أي ﺗلوث يهدد أمنه واسﺗقراره‪ ،‬لذا فاﻷمن‬
‫البيئي جزء ﻻ يﺗجزأ من اﻷمن الفردي واﻷمن اﻻجﺗماعي الشامل‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ١٢‬من ‪٢٩‬‬


‫سادسا ً ‪ :‬اﻷمن اﻟحمائي‬
‫ويُقصد باﻷمن الحمائي حماية اﻹنسان من اﻻعﺗداء عل ى حياﺗ ه ومال ه وعرض ه وذوي ه م ن أقران ه البش ر‪،‬‬
‫حيث يسﺗمد اﻹنسان حمايﺗه بشكلين هما كالﺗالي ‪:‬‬
‫‪ -١‬اﻟش كل اﻟرس مي‪ ،‬يس ﺗمد حمايﺗ ه م ن الدول ة ممثل ة ب اﻷجهزة اﻷمني ة )الش رطة أو الب وليس(‪ ،‬وع ادة م ا‬
‫يكون هذا الشكل في المناطق الﺗي ﺗبسط عليها الدولة نفوذها وهيبﺗها‪.‬‬
‫‪ -٢‬اﻟش كل غي ر اﻟرس مي‪ ،‬يس ﺗمد حمايﺗ ه بانﺗمائ ه إل ى جماع ة‪ ،‬س وا ًء كان ت أس رة أو جماع ة عنص رية أو‬
‫عرقية أو قبيلة أو ﺗنظيم سياسي ‪..‬إلخ‪ ،‬ويكون ذلك غالبا ً في المناطق الﺗي ﻻ ﺗبسط فيها الدولة نفوذها‪.‬‬
‫واﻷمن الحمائي الرسمي هو الجه از اﻷمن ي بكاف ة وحداﺗ ه‪ ،‬والﺗ ي ﺗق وم بحماي ة الف رد والمجﺗم ع واﻷم وال‬
‫والممﺗلكات من جرائم القﺗل والسرق والسلب‪ ،‬والنه ب‪ ،‬والﺗخري ب‪ ،‬كم ا ﺗعم ل عل ى الحف اظ عل ى اﻷم ن الع ام‬
‫واﻵداب العامة والسكينة العامة‪ ،‬وخصوصا ً العمل على الوقاية من الجريمة ومكافحﺗه ا والبح ث ع ن مرﺗكبيه ا‬
‫والقبض عليهم وفقا ً للقانون‪ ،‬وﻻ نغفل أن من حق اﻹنسان أن يلج أ للقض اء ف ي الدول ة ﻹنص افه وض بط الجن اة‬
‫المعﺗدين لينالوا جزائهم العقابي المناسب‪.‬‬
‫لذا ففي وجود اﻷمن الحمائي يسﺗطيع اﻹنسان أن يمارس أعماله المهنية أيا ً كانت ف ي أم ن وأم ان‪ ،‬وأن‬
‫كل همه يﺗركز حول مزاولة نشاطه المهني اليومي وكيف يوسع من إنﺗاجه في العمل الزراعي أو الصناعي أو‬
‫الطبي أو الهندسي أو العلمي ‪...‬إلخ‪ ،‬وكيف يبدع ويشارك أف راد المجﺗم ع ف ي عملي ة الﺗنمي ة‪ ،‬ف ي المقاب ل ف إن‬
‫اﻹنسان في حالة الخوف لن يسﺗطيع عمل ش يء‪ ،‬ل ذا نخل ص إل ى أن اﻷم ن الحم ائي بش كليه )الرس مي والغي ر‬
‫رسمي( يُعد سياجا ً واقيا ً للفرد والمجﺗمع من اﻻنحراف‪ ،‬وهو أهم عنصر من عناصر اﻷمن اﻻجﺗماعي‪.‬‬

‫سابعا ً ‪ :‬اﻷمن اﻟصناعي‬


‫يُعرف اﻷمن الصناعي بأنه "ﺗوفير اﻷمن والسﻼمة داخ ل المنش آت‪ ،‬بمعن ى حماي ة مع دات أو مقوم ات‬
‫اﻹنﺗ اج‪ ،‬س وا ًء اﻷف راد أو المع دات أو م واد اﻹنﺗ اج"‪ ،‬ف اﻷمن الص ناعي يعم ل عل ى المحافظ ة عل ى عناص ر‬
‫اﻹنﺗاج وهي )العام ل واﻵل ة والم ادة(‪ ،‬فم ثﻼً يعم ل عل ى حماي ة العام ل م ن مخ اطر الص ناعة وﺗ وفير أس اليب‬
‫اﻷمان‪ ،‬وذلك بﺗوفير وسائل وشروط الوقاية بكافة أشكالها وﺗهيئة جو صالح للعمل بالمنش آت‪ ،‬به دف اس ﺗمرار‬
‫العمل بكفاءة ﺗحت كل الظروف‪.‬‬
‫واﻷمن الصناعي له شقين‪ ،‬اﻷول وقائي ويهدف لمنع الخطر قبل أن يقع وذلك من خﻼل ﺗ وفير أس باب‬
‫الوقاي ة ومن ع ﺗس لل المخ ربين‪ ،‬بﺗنظ يم خ دمات اﻷم ن ال داخلي والحراس ة‪ ،‬ومن ع الحري ق بمن ع أس بابه ومن ع‬
‫اﻻنفجار بإحكام الرقابة والﺗأكد من عدم ﺗواجد اﻷشياء ال ُمسببة ل ه‪ ،‬ومن ع اﻻنهي ار بﺗ وفير أس باب الص ﻼبة ف ي‬
‫المباني واﻹنشاءات ‪..‬إلخ‪ ،‬أما الشق اﻵخر فهو عﻼجي ويه دف إل ى ع ﻼج الخط ر بع د وقوع ه‪ ،‬وذل ك بﺗ وفير‬
‫فرق مﺗخصصة في الرقابة واﻹنذار عند وق وع أي ط ارئ‪ ،‬وك ذا ﺗ وفير ف رق الﺗ دخل للمواجه ة ف ي وق وع أي‬
‫كارثة كالحرائق أو اﻻنهيارات أو اﻻنفجارات وغيرها من الحوادث‪ ،‬وذلك للﺗخفيف أو الحد م ن آثاره ا كف رق‬
‫اﻹطفاء لمواجهة الحرائق وغيرها من فرق اﻹنقاذ واﻹسعاف‪.‬‬
‫فاﻷمن الصناعي في المنشآت الصناعية هو أمن ﻷفرادها وآﻻﺗها وإنﺗاجها وﺗصديرها واسﺗيرادها‪ ،‬فإذا‬
‫لم يﺗوفر لها اﻷمن الﻼزم ﺗفقد فاعليﺗها وبالﺗالي ﺗفقد مبرر وجودها‪ ،‬وﻻ يﺗوقف اﻷم ن عن د ذل ك فق ط ب ل يج ب‬
‫ﺗأمينها من أخطار الكوارث مثل فيضانات السيول‪ ،‬بحيث ﺗبقى المؤسسة الصناعية مسﺗمرة ف ي عملي ة اﻹنﺗ اج‬
‫ﺗحت كل الظروف‪ ،‬لهذا فاﻷمن الصناعي له أهمية في اﻷمن اﻻجﺗم اعي ﻷن الص ناعة ﺗ ُع د الركي زة اﻷساس ية‬
‫في الحياة اﻻجﺗماعية وذلك من خﻼل إنﺗاج المواد الغذائية والصحية والمﻼبس ووسائل النقل ‪..‬إلخ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ ١٣‬من ‪٢٩‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬اﻷمن اﻟسياسي‬
‫يﺗمثل اﻷمن السياسي في )رسم سياسة الدولة داخليا ً وخارجيا ً وف ق م نهج مح دد مرس وم‪ ،‬يحق ق حماي ة‬
‫المجﺗمع واﻷف راد ويح دد طبيع ة العﻼق ة ب ين الح اكم والمحك وم‪ ،‬فيحم ي كرام ة الح اكم م ن ناحي ة‪ ،‬كم ا يحم ي‬
‫الشعب من طغيان الحاكم وذوي السلطان‪ ،‬وذلك بجعل اﻷمر شورى بين المسلمين‪ ،‬ومحاسبة الح اكم إذا قص ر‬
‫وﺗوجيه ه إذا أخط أ‪ ،‬وإﺗاح ة الحري ة للن اس ف ي المش اركة ف ي أنظم ة الدول ة‪ ،‬واحﺗ رام الق انون وحري ة ال رأي‪،‬‬
‫واﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون خوف من بطش أو اعﺗقال(‪.‬‬
‫وقوام اﻷمن السياسي )اﻟعدل واﻟشورى(‪ ،‬فالعدل فريضة واجبة على الحاكم وعلى ك ل م ن يﺗ ولى أم ر‬
‫من أمور المسلمين‪ ،‬مصداقا ً لقول ه ﺗع الى)) و‪‬إِذَا ح‪‬كَم‪‬ـتُم ب‪‬ـي‪‬ن‪ ‬الن‪ّ‬ـاسِ أَن تَح‪‬كُم‪‬ـوا بِا ْلع‪‬ـد‪‬لِ(( ب ل حﺗ ى عل ى مس ﺗوى رب‬
‫اﻷسرة يجب أن يعدل بين أوﻻده وزوجاﺗه‪ ،‬فالعدل يولد اﻷمن واﻻسﺗقرار وبه ﺗصلح أمور الناس‪.‬‬
‫أما الحكم بالشورى فهو أن يقوم الحاكم باسﺗشارة أهل الخبرة والكفاءة في كل أمر من اﻷمور الﺗي ﺗه م‬
‫اﻷمة وعدم اﻻنفراد بالرأي‪ ،‬ﻷن اﻻنفراد يُعﺗبر اسﺗبداد‪ ،‬قال ﺗعالى ) وشاوِر‪‬هم ﰲ اﻷم‪‬ـرِ(‪ ،‬والش ورى ﻻ ﺗقﺗص ر‬
‫على الحاكم بل على كل من يﺗولى أمر من أمور اﻷمة‪ ،‬بل حﺗى على مسﺗوى اﻷسرة أيضا ً‪.‬‬
‫فبوجود العدالة يطمئن اﻹنسان على نفس ه وعرض ه وأموال ه وعل ى حري ة ال رأي والفك ر وي دوم اﻷم ن‬
‫واﻻسﺗقرار‪ ،‬لذا فالعدل شرط أساسي لﻸمن واﻻسﺗقرار واذا غاب العدل ظهر الظل م وظه ور الظل م ي ؤدي ال ى‬
‫عدم اﻻسﺗقرار في المجﺗمع والدولة‪.‬‬

‫تاسعـا ً ‪ :‬اﻷمن اﻟفكري‬


‫اﻷمن الفكري هو )اطمئنان الناس على مكون ات ثق افﺗهم النوعي ة ومنظ ومﺗهم الفكري ة(‪ ،‬وانع دام اﻷم ن‬
‫الفكري أو الﺗﻼعب به من الداخل أو الخارج له ﺗأثير سيئ‪ ،‬فالغزو الفكري يضعف اﻷمن الداخلي‪ ،‬كم ا يُقص د‬
‫باﻷمن الفكري )المحافظة عليه من اﻻنحراف عن المعﺗقدات والقيم وقوانين وأنظمة المجﺗمع(‪.‬‬
‫ويرى البعض أن من أسباب جرائم العنف والﺗفجير والﺗكفير الﺗي ﺗحدث ف ي الحاض ر وف ي ش ﺗى بق اع‬
‫الع الم ﺗرج ع إل ى خل ل فك ري ل دى م ن يقوم ون به ا‪ ،‬فعل ى س بيل المث ال ﻻ الحص ر‪ ،‬يﻼح ظ الجمي ع الح رب‬
‫اﻹعﻼمية الﺗي يشنها الغرب عبر مخﺗلف الوس ائل عل ى اﻹس ﻼم والهوي ة العربي ة‪ ،‬وه ذا ق د ي ؤثر عل ى عق ول‬
‫اﻷطفال والشباب والشابات وضعفاء النفوس‪.‬‬
‫ل ذا ﻻب د م ن ﺗحص ين الفك ر وحمايﺗ ه م ن أي خل ل ق د ي ؤدي إل ى اﻻض طراب ع ن طري ق المؤسس ات‬
‫اﻻجﺗماعية )كاﻷسرة‪ ،‬والمؤسسات الﺗعليمية‪ ،‬والدينية واﻹعﻼم ‪..‬إلخ( والﺗي ﺗقوم بمواجهة المشكلة سوا ًء عل ى‬
‫المسﺗوى الوقائي أو العﻼجي‪ ،‬وﻟما ﻟها من دور في تحصين اﻟفكر ﻟدى اﻟفرد واﻟمجتمع ومن أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬أن ﺗهﺗم اﻷسرة بغرس الق يم الديني ة واﻷخﻼقي ة الس ليمة م ع اﻻعﺗ دال ف ي ﺗأدي ب أبنائه ا وﺗ ربيﺗهم عل ى‬
‫المناقش ة والح وار وإرش ادهم واﻹش راف عل ى س لوكهم ومناقش ة مش اكلهم بﺗف اهم وود وأن يس عى رب‬
‫اﻷسرة إلى ﺗكوين اﻻﺗجاهات الفكرية اﻹيجابية ﻷفراد اﻷسرة وخاصة الشباب‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن ﺗغرس المؤسسات الﺗعليمية في فكر الطالب القيم الديني ة والع دل والمحب ة والعف ة والنزاه ة وﺗحم ل‬
‫المسؤولية واحﺗرام القوانين واﻻنﺗماء القوي للوطن وﺗفضيل الصالح العام على المصالح الشخصية‪.‬‬
‫‪ -٣‬اﻻهﺗم ام بالﺗربي ة ف ي الم دارس والمس اجد بإرس اء أس س الفك ر الص حيح ال ذي يعص م م ن اﻻنح راف‬
‫والزلل وهو ﺗدبير وقائي قبل أن يكون عﻼجي بﺗعزيز الﺗربية القرآنية‪.‬‬
‫‪ -٤‬قيام المسجد بدور الﺗوعية والﺗنوير وﺗوضيح كافة المفاهيم الغامضة في الشرائع السماوية‪.‬‬
‫الصفحة ‪ ١٤‬من ‪٢٩‬‬
‫إقرار مبدأ الوسطية واﻻعﺗدال فالمنهج القرآني يرفض الﺗشدد والﺗفريط‪.‬‬ ‫‪-٥‬‬
‫دراس ة واق ع الش باب وح ل مش كﻼﺗهم بط رق علمي ة س ليمة‪ ،‬وم لء أوق ات الف راغ واس ﺗيعاب الطاق ات‬ ‫‪-٦‬‬
‫المكنونة وﺗوظيفها في إطار برامج هادفة‪.‬‬
‫إعداد مناهج الﺗربية والﺗعليم بحيث ﺗكون قادرة على بناء شخصية اﻹنسان المسﺗقيم‪.‬‬ ‫‪-٧‬‬
‫ابﺗعاد القنوات الفضائية الﺗلفزيونية عن بث البرامج واﻷفﻼم المثيرة للغرائز والﺗ ي ﺗش جع عل ى العن ف‬ ‫‪-٨‬‬
‫والرذيلة والجريمة‪ ،‬والﺗي ﺗظهر المنحرفين بالصورة البطولية مما يدفع الشباب إلى ﺗقليدهم‪.‬‬
‫ﺗركي ز وس ائل اﻹع ﻼم عل ى القض ايا الﺗ ي ﺗه ﺗم بنش ر ج وهر ال دين وإش اعة اﻷم ان والب ر والﺗع اون‬ ‫‪-٩‬‬
‫والرحمة والﺗواصل واﻻعﺗدال الفكري وكل ما يفيد اﻹنسان ليحيى حياة طيبة صالحة‪.‬‬
‫من الﺗحصين الفكري أيضا ً أن نأخذ حذرنا في نقل الثقافة اﻷجنبية إلى بﻼدنا‪ ،‬فينبغي على المﺗرجمون لهذه‬
‫الثقافات أﻻ يعرضوا أو ينقلوا لنا في مج ال الثقاف ة والفك ر إﻻ م ا ه و مﺗواف ق م ع دينن ا وفكرن ا‪ ،‬إذ يج ب عل ى‬
‫اﻷمة أﻻ ﺗقع في مزالق الﺗغريب فﺗطمس هوية المسلم وﺗفقد ﺗوازنه فاﻷمن على العقول ﻻ يق ل أهمي ة ع ن أم ن‬
‫اﻷرواح‪ ،‬كما يلزم ﺗرسيخ عقيدة اﻹيمان با وأن اﻹسﻼم منهج شامل للحياة من جميع جوانبها‪.‬‬

‫عاشرا ً ‪ :‬اﻷمن اﻟثقافي‬


‫إن اﻷمن الثقافي ﻷي بلد يُعد ض رورة اجﺗماعي ة ﻷن ثقاف ة البل د ه ي حض ارﺗه الﺗ ي اكﺗس بها عل ى م ر‬
‫السنين وص ارت ج زءا ً ﻻ يﺗج زأ م ن كيان ه‪ ،‬ل ذا ف إن ال دفاع ع ن الثقاف ة دفاع ا ً ع ن المجﺗم ع وبنيﺗ ه اﻷساس ية‪،‬‬
‫وت ُع رف اﻟثقاف ﺔ بأنه ا "مجموع ة اﻷفك ار والق يم والمعﺗق دات والﺗقالي د والع ادات واﻷخ ﻼق وال نظم والمه ارات‬
‫وطرق الﺗفكير وأسلوب الحياة والعرف والف ن والنح ت وال رقص الش عبي واﻵدب والرواي ة والفلس فة والﺗ اريخ‬
‫وكل ما صنعﺗه يد اﻹنسان وأنﺗجه عقله من نﺗاج مادي ومعنوي فكري أو ﺗوارثه من اﻷجيال السابقة أو أضافه‬
‫ﺗراثه نﺗيجة عيشه في مجﺗمع معين"‪.‬‬
‫نﻼح ظ أن الثقاف ة ش املة ك ل ش ؤون الحي اة‪ ،‬غي ر أنه ا ﺗخﺗل ف م ن مجﺗم ع ﻵخ ر‪ ،‬ﻷن لك ل مجﺗم ع‬
‫خصائصه الثقافية الﺗي يﺗباهى بها عن المجﺗمعات اﻷخرى‪ ،‬كما ينبغي هنا أﻻ نغف ل الﺗ زود بالثقاف ات الجدي دة‪،‬‬
‫من خﻼل الﺗبادل الثقافي والمعرفي بين الشعوب‪ ،‬حﺗى ﻻ ﺗكون ثقافﺗنا منغلقة‪ ،‬لكن يجب أن يك ون الﺗ زود وفق ا ً‬
‫للرؤية اﻹسﻼمية‪ ،‬حيث نأخذ منها ما هو ﻻزم دون أن ﺗ ُصاب البنية الثقافية لنا بأي أثر سلبي‪.‬‬
‫ه ذا وﺗﺗمث ل المقوم ات الفكري ة لﻸم ن الثق افي ف ي اﻹس ﻼم )بﺗعاليم ه وأحكام ه ومض امينه الثقافي ة‬
‫واﻻجﺗماعية(‪ ،‬وهي مقومات ﻻ ﺗﺗوفر لدى أغلب الفلسفات واﻷديان اﻷخرى‪ ،‬ولم ا للثقاف ة اﻹس ﻼمية م ن دورا ٌ‬
‫هام في ﺗحقيق اﻷمن للفرد والمجﺗم ع اﻹس ﻼمي‪ ،‬نﻼح ظ اس ﺗهداف الع دو الغرب ي لﺗعاليم ه وللحض ارات والق يم‬
‫والﺗقاليد أيضا ً قبل اسﺗهدافهم للقوة العسكرية‪ ،‬سعيا ً منهم لﺗحطيم المجﺗمع وﺗفكيك نسيجه وﺗرابطه‪ ،‬عبر غ رس‬
‫قيم اﻻنحطاط اﻷخﻼقي واﻻنحﻼل في أوساط المجﺗمع ات العربي ة‪ ،‬مم ا يص نع مجﺗم ع ش هوانيا ٌ ض عيف‪ ،‬وﻷن‬
‫النفوس إذا ذلت وخضعت لن ﺗكون قادرة على حمل السﻼح وﺗحمل مشقة الدفاع والمواجهة والقﺗال‪.‬‬
‫كما نﻼح ظ س عيهم إل ى ف رض ثق افﺗهم عل ى الش عوب اﻷخ رى ﻻعﺗق ادهم ب أنهم ق ادة الع الم‪ ،‬واﻵخ رين‬
‫مجرد ﺗابعين لهم‪ ،‬لذا يج ب عل ى اﻷم ة اﻹس ﻼمية أن ﺗك ون ق ادرة عل ى الﺗعام ل م ع الثقاف ات اﻷخ رى خاص ة‬
‫الغربية‪ ،‬والعمل على الﺗحصين الثقافي‪ ،‬فهو ﺗحص ين أمن ي بالدرج ة اﻷول ى‪ ،‬ف اﻷمن والثقاف ة ﻻ ينفص ﻼن ب ل‬
‫يﺗف اعﻼن‪ ،‬إم ا س لبا ً فﺗنه ار الق يم والمب ادئ وينه ار المجﺗم ع‪ ،‬أو إيجابي ا ً لبن اء اﻷم ة ونموه ا وﺗحص ين أف راد‬
‫المجﺗم ع‪ ،‬ف اﻷمن الثق افي والحض اري ه و أم ن ال روح الﺗ ي ﺗس ري ف ي المجﺗم ع وانهياره ا ه و انهي ار للهوي ة‬
‫الوطنية والحضارية وبالﺗالي انهيار اﻷمن اﻻجﺗماعي الشامل‪.‬‬
‫الصفحة ‪ ١٥‬من ‪٢٩‬‬
‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﳋﺎﻣﺲ ﺃﺳﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬
‫أوﻻ ً ‪ :‬اﻟعقيدة اﻟدينيﺔ‬
‫إن عقيدة الﺗوحيد وما لها من أثر في أمن الفرد والمجﺗمع‪ ،‬هي فطرة أصيلة في النفوس‪ ،‬ﻻ يغني عنه ا‬
‫ﻻ قانون وﻻ فلسفة وﻻ ﺗثقيف‪ ،‬ﻷنها ﺗمنح اﻹنسان ثقة بربه‪ ،‬ثقةً ﺗحرره أوﻻً من خوف الخلق‪ ،‬ث م ﺗح رره ثاني ا ً‬
‫من هم الرزق‪ ،‬ليكون قويا ً فﻼ يقع فريسة لﻺغراءات وﻻ أسير لمط امع نفس ه البش رية‪ ،‬وإنم ا ﺗجعل ه ف ي حال ة‬
‫من الﺗوازن يعيش بها مﺗصالحا ً مع نفسه ومجﺗمعه‪ ،‬ثم إنها ﺗوجه طاقاﺗ ه وجه ة رش يدة‪ ،‬ﺗجع ل م ن دين ه رقيب ا ً‬
‫علي ه‪ ،‬فه و محاس ب ﻻ يمك ن أن يص در من ه ش يء يض ر اﻹنس ان ف ردا ً أو مجﺗمع ا ً أو دول ة‪ ،‬ف ﻼ ﺗوج د عقي دة‬
‫ربطت بين ال دنيا واﻵخ رة‪ ،‬ومزج ت ب ين ع الم الغي ب وع الم الش هادة‪ ،‬ونظم ت عﻼق ات اﻷف راد واﻷم م مثلم ا‬
‫فعلت العقيدة اﻹسﻼمية‪.‬‬
‫العقيدة الدينية ﺗعد أحد اﻷسس الرئيسية لﻸمن اﻻجﺗماعي‪ ،‬ﻷنها ﺗجم ع ب ين أف راد المجﺗم ع وﺗجم ع ب ين‬
‫شعوب مﺗباعدة أيضا ً‪ ،‬ﻷنها ﺗربطهم با رب البشرية جمعاء‪ ،‬كذلك هي عنص ر أساس ي ف ي الﺗماس ك ال داخلي‬
‫للمجﺗم ع ﻷنه ا ﺗغ رس الق يم اﻷخﻼقي ة والﺗ راحم وﺗنب ذ الﺗعص ب فالعقي دة ﺗ أمر ب المعروف وﺗنه ى ع ن المنك ر‬
‫وﺗحصن اﻹنسان بالﺗقوى ومخافة ﷲ‪ ،‬كما ﺗفرض الحدود لﺗحمي بها حركة الفرد وحركة المجﺗم ع‪ ،‬مم ا يك ون‬
‫له اﻷثر البالغ في اﻷمن العام‪.‬‬
‫وإذا كان الخوف على الحياة يشكل المصدر اﻷول واﻷكبر في هموم اﻹنسان فإن القرآن جاء مؤكدا ً بش كل‬
‫حاسم أن الحياة والموت بيد ﷲ وحده‪ ،‬لقوله ﺗعالى )و‪‬م‪‬ا كَان‪ ‬ل‪‬ـن‪‬فْسٍ أَن‪َ ‬تم‪‬ـوت‪ ‬إِلَّـا بِـإِذْنِ اللَّـه‪ ‬ك‪‬تَاب‪‬ـا ‪‬مؤ‪‬ج‪ّ‬لًـا(‪ ،‬وك ذلك مس ألة‬
‫الخوف من ضيق الرزق فقد جاء اﻹسﻼم ليغرس في عقول البشر أن العطاء والمنع والسعة والض يق م ن ح ق‬
‫الخالق فقط لقوله جل سبحانه )و‪‬لَا تَقْتُلُوا أَو‪‬لَاد‪‬كُم‪ ‬خ‪‬ش‪‬ي‪‬ةَ إِم‪‬لَاق‪ ‬نَّح‪‬ن‪ ‬نَر‪‬زُقُه‪‬م‪ ‬و‪‬إِي‪ّ‬اكُم‪ ‬إِن‪ ّ‬قَتْلَه‪‬م‪ ‬كَان‪ ‬خ‪‬طْئًا كَبِﲑ‪‬ا(‪ ،‬كما أكد‬
‫ض ر والنف ع بي د ﷲ س بحانه وﺗع الى فق ط‪ ،‬وأن المخل وق ﻻ يمل ك لنفس ه ﻻ نفع ا ً وﻻ‬ ‫الق رآن الك ريم أن قض ية ال ُ‬
‫ضرا ً‪ ،‬فقال ﺗعالى )قُل لَّا أَم‪‬ل‪‬ك‪ ‬ل‪‬ن‪‬فْس‪‬ي نَفْع‪‬ا و‪‬لَا ضَر‪ّ‬ا إِلَّا م‪‬ا ش‪‬اء‪ ‬اللَّه‪.(‬‬

‫فالعقيدة اﻹسﻼمية‪ ،‬ﺗغرس في النفس اﻷمن والطمأنين ة بم ا ﺗبث ه فيه ا م ن ﺗص ور ش امل لل دنيا واﻵخ رة‬
‫والحياة والموت‪ ،‬لذلك رك ز الم اوردي عل ى ه ذا اﻷث ر كقاع دة جعله ا اﻷول ى لص ﻼح ال دين حي ث ق ال )دي ٌن‬
‫مﺗبع(‪ ،‬كما أن العقيدة اﻹس ﻼمية ﺗ ُع د المق وم اﻷساس ي ﻷم ن المجﺗم ع المعيش ي والسياس ي واﻻجﺗم اعي ‪..‬إل خ‪،‬‬
‫ﻷنها ﺗأمر بالﺗقوى والعدل واﻹحس ان والﺗ راحم والﺗع اطف والﺗع اون ‪...‬إل خ‪ ،‬فه ي ﺗح رر اﻹنس ان م ن الخ وف‬
‫وﺗهبه نعمة اﻷمن ليعيش سعيدا ً ومطمئنا ً‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬اﻟعدل‬
‫العدل عك س الظل م والع دل ف ي اللغ ة ض د الج ور والع دل م ا ق ام ف ي النف وس أن ه مس ﺗقيم‪ ،‬والع دل ف ي‬
‫الش رع اﻻس ﻼمي فريض ة واجب ة وض رورة اجﺗماعي ة وإنس انية‪ ،‬وق د أثبﺗ ت ﺗج ارب الﺗ اريخ أن ﺗع دد مع ايير‬
‫العدال ة كان ت س ببا ً مباش را ً ف ي ه ﻼك أم م وس قوط حض ارات‪ ،‬ل ذلك ك ان خط اب ﷲ س بحانه وﺗع الى واض حا ً‬
‫وصريحا ً في دعوﺗه لرعاية العدالة المطلقة‪ ،‬وأن القرابات والمحسوبيات اﻻجﺗماعية ﻻ يجوز أن ﺗخل بموازين‬
‫العدالة‪ ،‬وإﻻ فقد القانون مصداقيﺗه وهيبﺗه ويﺗجرأ الناس على اﻻسﺗهانة به ومخالفﺗه‪ ،‬فاﻹسﻼم يأمر بالعدل ف ي‬
‫اﻷقوال واﻷفعال واﻷحكام واﻷخﻼق‪ ،‬فبالعدل ﺗصلح شؤون الناس‪ ،‬فهو ركن من أركان العمران وأساس الملك‬
‫قال ﺗعالى )‪. ..‬و‪‬إِذَا ح‪‬كَم‪‬تُم ب‪‬ي‪‬ن‪ ‬الن‪ّ‬اسِ أَن تَح‪‬كُم‪‬وا بِالْع‪‬د‪‬لِ‪ ،(...‬وقال جل شأنه ) إِن‪ ّ‬اللَّه‪ ‬ي‪‬أم‪‬ر‪ ‬بِالع‪‬دلِ و‪‬اﻹِحسانِ‪.(..‬‬

‫الصفحة ‪ ١٦‬من ‪٢٩‬‬


‫وقد فرض ﷲ سبحانه وﺗعالى العدل على كافة الناس وعلى رس له ودعاﺗ ه‪ ،‬فع ن عب دﷲ ب ن عم ر ق ال‪ :‬أن‬
‫رسول ﷲ )ص( قال )أﻻ كلك م راع وكلك م مس ؤول ع ن رعيت ه‪ ،‬فاﻹم ام اﻟ ذي عل ى اﻟن اس راع وه و مس ؤول ع ن‬
‫رعيته‪ ،‬واﻟرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته واﻟمرأة راعي ﺔ عل ى أه ل بي ت زوجه ا ووﻟ ده وه ي‬
‫مسؤوﻟﺔ عنهم‪ ،(...،‬وجوب شمول العدل لكل الميادين حﺗى عدل اﻹنسان في بيﺗه‪ ،‬فالع دل ف ي اﻹس ﻼم ه و مب رر‬
‫وجود المؤسسات واﻷجهزة وأساس شرعية كافة القوانين واﻷحكام وهو غاية كل شيء في الدولة‪.‬‬

‫والعدل يبدأ بعدل اﻹنس ان ف ي نفس ه‪ ،‬ث م بعدل ه م ع غي ره‪ ،‬فع دل اﻹنس ان ف ي نفس ه يك ون بحمله ا عل ى‬
‫المصالح وكفها عن القبائح‪ ،‬ثم بالوقوف في أحوالها على أعدل اﻷمرين فﻼ تتجاوز أو تقصر فإن الﺗجاوز فيها‬
‫جور والﺗقصير فيه ظلم‪ ،‬ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم‪ ،‬ومن جار عليها فهو لغيره أج ور‪ ،‬أم ا ع دل اﻹنس ان‬
‫مع غيره فهو عدل اﻹنسان فيمن دونه‪ ،‬كالسلطان في رعيﺗه والرئيس مع صحابﺗه‪.‬‬
‫وقد ﺗحدث المفكرون المسلمون عن العدل وأهميﺗ ه‪ ،‬ﻷن ه يُعﺗب ر م ن الق يم العلي ا ف ي اﻹس ﻼم وب ه يكث ر‬
‫المال والعمارة وبه يصلح الراعي والرعية فيقول ابن خلدون )إن العدل ه و المي زان المنص وب(‪ ،‬كم ا اعﺗب ره‬
‫الماوردي أحد قواعد صﻼح الدنيا الست‪ ،‬الﺗي ﻻ ﺗنﺗظم الحياة إﻻ به ا وفيه ا وق ال )ع دل ش امل(‪ ،‬ول يس ش يء‬
‫أسرع في خراب اﻷرض وﻻ أفسد لضمائر الخلق من الجور‪ ،‬والعدل أشرف منزلة‪ ،‬وما من أمة سبقت مسلمة‬
‫كانت أو مسيحية أو يهودية إﻻ وﺗحدثت عن فضله وثماره‪ ،‬وكانت وﺗوصي من بعدها به‪.‬‬
‫واﻷم ن اﻻجﺗم اعي ي رﺗبط ارﺗباط ا وثيق ا ً بالع دل‪ ،‬ف اﻷجهزة القض ائية ﺗ ُطب ق اﻷنظم ة والق وانين بح ق‬
‫المخالفين وﺗقرر لهم ما يسﺗحقونه من العقاب‪ ،‬فالقضاء يقوم بالدور الوقائي واﻹصﻼحي وهو من أركان اﻷمن‬
‫اﻻجﺗماعي‪ ،‬فعن اب ن عم ر أن رس ول ﷲ )ص( ق ال )إن الس لطان ظ ل ﷲ ف ي اﻷرض ي أوي إلي ه ك ل مظل وم(‪،‬‬
‫وغياب العدل يؤدي للظلم‪ ،‬ومن نﺗائج الظلم انﺗشار الفس اد ب ين اﻷم ة‪ ،‬وﺗﺗمث ل ص ور الفس اد ف ي انﺗه اك حري ة‬
‫اﻹنسان والرشوة والعموﻻت وسرقة المال العام ومحاباة اﻷنصار وأخ ذ أم وال الن اس بغي ر ح ق ‪...‬إل خ‪ ،‬وه ذا‬
‫من نﺗائج غياب اﻷمن المﺗمثل بالظلم‪ ،‬قال ﺗعالى ) و‪‬م‪‬ن‪ ‬لَم‪ ‬ي‪‬ح‪‬كُم‪ ‬بِم‪‬ا أَنْز‪‬لَ اللَّه‪ ‬فَأُولَئ‪‬ك‪ ‬ه‪‬م‪ ‬الظَّال‪‬م‪‬ون‪.(‬‬
‫فأي مجﺗمع لن يسوده الﺗقدم والﺗطور مالم يسود العدل بين أفراده‪ ،‬العدل الذي يوج د اﻹخ اء والعﻼق ات‬
‫الطيبة والﺗكافل والﺗعاون الذي يسهم في إنشاء ما يسد احﺗياجاﺗهم م ن المأك ل والمش رب والمل بس‪ ،‬فالدول ة ف ي‬
‫ظل بسط العدل على جميع أراض يها‪ ،‬ﺗﺗج ه نح و ﺗحقي ق مش اريع الﺗنمي ة اﻻقﺗص ادية واﻻجﺗماعي ة الﺗ ي ﺗه دف‬
‫للﺗقدم واﻻزدهار‪ ،‬لذا فإن العدل ركن أساسي في بناء المجﺗمع واسﺗقرار‪.‬‬

‫ثاﻟثا ً ‪ :‬اﻟحريﺔ واﻟمساواة‬


‫أكد اﻹسﻼم على هذان اﻷمرين في حقوق اﻻنﺗفاع بما سخر ﷲ لﻺنسان‪ ،‬ﻷنهما أس اس الع دل ف ي المجﺗم ع‬
‫ومصدر ﺗحقيق عزة اﻹنسان وكرامﺗه فﻼ ﺗ ُهدر وﻻ ﺗهان وﻻ يلحقها ضرر أو يحط من مكانﺗها الﺗي منحها ﷲ‪.‬‬
‫‪ -١‬اﻟحريﺔ‬
‫الحرية ضد العبودية‪ ،‬وهي )اﻹباح ة الﺗ ي ﺗ ُمك ن اﻹنس ان م ن الفع ل ال ُمعب ر ع ن إرادﺗ ه ف ي أي مي دان م ن‬
‫ميادين العمل أو الﺗرك‪ ،‬بغض النظر عن شكل الﺗعبير‪ ،‬والحرية في نظر اﻹسﻼم ﺗﺗجاوز نطاق الحرية الفردية‬
‫إلى نطاق الحري ة اﻻجﺗماعي ة وحري ة اﻷم م(‪ ،‬فالحري ة ه ي حري ة اﻹنس ان ﺗج اه أخي ه اﻹنس ان م ن جه ة وبم ا‬
‫يصدر عنه باخﺗياره من جهة أخرى فاﻹنسان حر في نفسه‪ ،‬غير مملوك ﻷحد في ماله أو في بلده أو ف ي قوم ه‬
‫وأمﺗه‪ ،‬وفي هذا يقول عمر بن الخطاب لعمرو ابن العاص )مﺗى اسﺗعبدﺗم الناس وقد ولدﺗهم أمه اﺗهم أح رارا ً(‪،‬‬
‫وحرية اﻹنسان أيضا ً في عقيدﺗه بحيث يُمنع اﻹكراه عليها‪ ،‬لقول ﷲ ﺗعالى )لَا إِكْر‪‬اه‪ ‬ف‪‬ي الد‪ّ‬ينِ(‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ١٧‬من ‪٢٩‬‬


‫وكذا حرية العلم‪ ،‬والحرية السياسية كحري ة اخﺗي ار ال رئيس وحري ة اب داء ال رأي والمش ورة وحري ة ال ﺗظلم‬
‫إلى رئيس الدولة من ﺗصرف الوزراء‪ ،‬والحرية المدنية وهي حرية الفرد في اخﺗيار العمل ال ذي يري ده لكس ب‬
‫معيشﺗه وحرية اخﺗيار الزوجة وحرية المرأة في الموافقة على الزوج ‪...‬إلخ‪ ،‬فالحرية ﺗُعﺗر م ن أنج ح الوس ائل‬
‫في ﺗحقيق اﻷمن واﻻسﺗقرار‪ ،‬ﻷنها من أهم حقوق اﻹنسان الﺗي شرعﺗها اﻷديان السماوية والدساﺗير والق وانين‪،‬‬
‫لكن حرية اﻹنسان ليست مطلقة‪ ،‬بل )نسبية( ﺗنﺗهي عندما ﺗبدأ بمس حق وق وحري ات اﻵخ رين‪ ،‬كم ا أنه ا ﺗﺗقي د‬
‫باﻷنظمة والقوانين‪ ،‬ويجدر اﻹشارة إلى أن ه ﻻ ينبغ ي لﻸم ن الحم ائي أن يطغ ى عل ى حري ة اﻷف راد‪ ،‬والحري ة‬
‫هي اﻷخرى ﻻ ينبغي أن ﺗﺗفلت من قيودها دون حدود‪ ،‬وإﻻ كانت سببا ً لﻺخﻼل باﻷمن فاﻹنسان الحر هو الذي‬
‫يضبط نفسه ويسيطر على إرادﺗه عند الغضب‪.‬‬
‫‪ -٢‬اﻟمساواة‬
‫المساواة ه ي ﺗش ابه المكان ة اﻻجﺗماعي ة والحقوقي ة والمس ؤوليات والف رص للن اس ف ي المجﺗم ع عل ى النح و‬
‫الذي ﺗقوم به الحالة المﺗماثلة فيما بينهم‪ ،‬وميادين المساواة عادة م ا يُ ذكر منه ا المس اواة السياس ية واﻻقﺗص ادية‬
‫والمدنية واﻻجﺗماعية ‪...‬إلخ‪ ،‬فﻼ أمن وﻻ أمان إذا ساد الﺗمييز بين الفئات أو الطبقات في المجﺗمع عل ى أس اس‬
‫اللون أو العرق أو العقيدة‪ ،‬وﻻ اطمئنان في المجﺗم ع إذا ك ان هن اك ﺗفاض ﻼً ب ين الن اس عل ى أس اس الفئوي ة أو‬
‫الشللية أو بنا ًء على انﺗمائه لعلية القوم أو لقربه من مركز السلطة‪.‬‬
‫واﻹسﻼم يعﺗبر المس اواة حقً ا طبيعي ـًا لﻺنس ان بمقﺗض ى الفط رة اﻹنس انية ف ي الحق وق والواجب ات‪ ،‬ق ال ﷲ‬
‫سبحانه وﺗعالى ) ي‪‬ا أَي‪‬ه‪‬ا الن‪‬اس‪ ‬إِنﱠا خ‪‬لَقْن‪‬اكُم م‪‬ن ذَكَرٍ و‪‬أُنثَىٰ و‪‬ج‪‬ع‪‬لْن‪‬اكُم‪ ‬ش‪‬ع‪‬وب‪‬ا و‪‬قَب‪‬ائ‪ ‬لَ ل‪‬تَع‪‬ار‪‬فُوا إِن‪ ‬أَكْر‪‬م‪‬كُم‪ ‬ع‪‬ند‪ ‬اللﱠه‪ ‬أَتْقَاكُم‪(‬‬
‫فالن اس سواس ية أم ام ق انون رب الس موات واﻷرض‪ ،‬وعن دما يش عر اﻷف راد ف ي المجﺗم ع ب أنهم مﺗس اوون ف ي‬
‫الحقوق والواجبات فإن هذا يؤدي إلى دعم وﺗعزيز اﻷمن واﻻسﺗقرار اﻻجﺗماعي والعك س عن دما يُم ايز النظ ام‬
‫القائم في أي بلد ب ين أف راد المجﺗم ع أو فئ ة أو منطق ة ف ي الواجب ات والحق وق فإن ه ي ؤدي إل ى خل ل ف ي اﻷم ن‬
‫واﻻسﺗقرار‪ ،‬كحصول منطقة معينة على المصالح الخدمية )المياه والكهرباء والطرق ‪..‬إلخ( دون غيرها‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬اﻻستقرار اﻟسياسي واﻻجتماعي‬


‫يُقصد باﻻسﺗقرار السياسي )ﺗوفر الحياة العام ة للمجﺗم ع‪ ،‬وﺗمﺗ ع أف راد المجﺗم ع بك ل حق وقهم اﻷساس ية‬
‫والسياسية واﻻقﺗص ادية ‪..‬إل خ وممارس ﺗهم له ذه الحق وق ف ي ظ ل اﻷنظم ة والق وانين الﺗ ي ﺗس هر عل ى ﺗطبيقه ا‬
‫أجهزة الحكم القادرة والفاعلة في ﺗنفيذها(‪ ،‬فاﻻسﺗقرار السياسي هو الذي يهي ئ المن اخ المﻼئ م للمجﺗم ع لوض ع‬
‫وﺗنفيذ خطط الﺗنمية اﻻقﺗصادية واﻻجﺗماعية والسياسية‪ ،‬بحيث ﺗسود القناعة والرضا غالبية أفراد المجﺗمع بم ا‬
‫يﺗم ﺗخطيطه وﺗنفيذه من برامج ﺗنموية وانﺗاجية‪ ،‬باﻹضافة إلى القناعة في سﻼمة ﺗسيير الشؤون العامة وﺗوجيه‬
‫الموارد المادية والبشرية‪.‬‬
‫لذا فإن اﻻسﺗقرار السياسي ﻷي مجﺗمع من المجﺗمعات ﻻ ي ﺗم إﻻ عب ر حك م ع ادل وواع يرع ى ش ؤون‬
‫أف راد المجﺗم ع واﻷم ة‪ ،‬ويعم ل عل ى ﺗ وفير أس باب الطمأنين ة واﻻس ﺗقرار الحي اﺗي واﻻجﺗم اعي واﻻقﺗص ادي‪،‬‬
‫والعكس من ذلك فالفوضى ﺗؤدي إلى عدم اﻻسﺗقرار وهذا يولد الفرقة والﺗباعد بين الن اس حﺗ ى أنه م يش عرون‬
‫بالخوف والقلق على حياﺗهم وحاضرهم ومسﺗقبلهم‪.‬‬
‫ه ذا وق د أق ام اﻻس ﻼم قواع د اﻻس ﺗقرار عل ى الع دل والش ورى والمس اواة والحري ة واﻹحس ان وص لة‬
‫اﻷرحام واﻷمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر والظلم والبغ ي وإقام ة الح دود لﺗص ون كي ان المجﺗم ع‬
‫وﺗحميه من الﺗفكك والﺗشرد والضياع‪ ،‬هذا وسنعرض لكم أهم دعائم وقواعد اﻻستقرار باختصار كما يلي‪:‬‬

‫الصفحة ‪ ١٨‬من ‪٢٩‬‬


‫‪ -١‬اﻟعدل‪ ،‬وهو من أهم دعائم وقواعد اﻻسﺗقرار فاﻻسﺗقرار السياس ي ن اﺗج ع ن اقام ة الع دل ف ي ك ل ش أن‬
‫من شؤون اﻷمة‪ ،‬بما في ذلك ﺗوزيع اﻷموال العام ة واﻷج ور وﺗولي ة الوظ ائف بحس ب الكف اءات‪ ،‬ق ال‬
‫كم‪‬تُم ب‪‬ي‪‬ن‪ ‬الن‪ ّ‬اسِ أَن تَح‪‬كُم‪‬وا بِا ْلع‪‬د‪‬لِ(‪ ،‬وقال ﷻ )و‪‬م‪‬ن‪ ‬لَم‪ ‬ي‪‬ح‪‬كُم‪ِ ‬بم‪‬ا أَنْز‪‬لَ اللَّه‪ ‬فَأُولَئ‪‬ك‪ ‬ه‪‬م‪ ‬الظَّال‪‬م‪‬ون‪.(‬‬
‫ﺗعالى )و‪‬إِذَا ح‪َ ‬‬
‫‪ -٢‬اﻟش ورى‪ ،‬أن يق وم الحك م عل ى الش ورى ويُﺗ رجم ذل ك عملي ا ً م ن خ ﻼل اسﺗش ارة الح اكم أه ل الخب رة‬
‫والكفاءة قال ﺗعالى ) وشاوِر‪‬هم ﰲ اﻷم‪‬رِ(‪ ،‬ﻷن اﻻنفراد في الرأي اسﺗبداد‪ ،‬يؤدي إلى عدم اﻻسﺗقرار‪.‬‬
‫‪ -٣‬اﻟحريﺔ اﻻنسانيﺔ‪ ،‬وهي ضد العبودية فﻼ اسﺗقرار بدونها‪.‬‬
‫‪ -٤‬اﻟمساواة‪ ،‬بين الناس‪ ،‬فالناس جميعا ً سواسية أمام القانون اﻹلهي سوا ًء أكان الواحد منهم أمي را ً أو قائ دا ً‬
‫أو غنيا ً ‪..‬إلخ‪ ،‬فﻼ أمن وﻻ اسﺗقرار بدون المساواة في الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫‪ -٥‬اﻹحسان‪ ،‬والﺗناهي بين الناس ﻹزال ة المنك ر ال ذي يحص ل ف ي المجﺗم ع م ن ال بعض ومحارب ة اﻵف ات‬
‫الفكرية واﻻجﺗماعية المنحرفة‪ ،‬قال ﷻ) كُنتُم‪ ‬خ‪‬ي‪‬ر‪ ‬أُم‪ّ‬ة‪ ‬أُخ‪‬رِج‪‬ت‪ ‬ل‪‬لن‪ّ‬اسِ تَأْم‪‬ر‪‬ون‪ ‬بِالْم‪‬ع‪‬ر‪‬و ف‪ ‬و‪‬تَن‪‬ه‪‬و‪‬ن‪ ‬ع‪‬نِ الْم‪‬نكَر(‪.‬‬
‫‪ -٦‬إقامﺔ اﻟحدود‪ ،‬الﺗي ﺗصون كيان وحياة اﻷمة وﺗحميها من الﺗفك ك‪ ،‬وﺗ ردع المج رمين ب إنزال العقوب ات‬
‫عليهم‪ ،‬ففيها قال ﺗعالى )) و‪‬لَكُم‪ ‬ف‪‬ي الْق‪‬ص‪‬اصِ ح‪‬ي‪‬اة‪ ‬ي‪‬ا أُول‪‬ي الْأَلْب‪‬ابِ لَع‪‬لَّكُم‪ ‬تَتَّقُون‪.((‬‬
‫لذا فاﻻسﺗقرار السياسي واﻻجﺗماعي من نﺗائج الع دل والمس اواة والحري ة‪ ،‬فالنظ ام السياس ي الع ادل يخل ق ل دى‬
‫أفراد المجﺗمع طاعة الحكام وﺗنفيذ القوانين بقناعة وطمأنينة‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬اﻟترابط بين أفراد اﻟمجتمع‬
‫إن ﺗرابط وﺗماسك المجﺗمع يُعد شرطا ً ضروريا ً لﺗفاعل أفراد المجﺗم ع واس ﺗقراره واس ﺗمرار ديمومﺗ ه‪،‬‬
‫ويكون ذلك بشعور كل منهم بانﺗمائه إلى مجﺗمعه ووطنه‪ ،‬انﺗما ًء وثيقا ً ويﺗفاعل معه‪ ،‬فاﻻنﺗماء ركن أساسي في‬
‫الحياة اﻻجﺗماعية كاﻻنﺗماء إل ى اﻷرض )ال وطن( ويش عر بأن ه مس ؤول ع ن س ﻼمﺗه وحياﺗ ه وأن ل ه دورا ً ف ي‬
‫مجﺗمعه وأنه جزءا ً ﻻ يﺗجزأ منه‪ ،‬وشعور اﻹنسان بالدور الوظيفي الذي يقوم به في مجﺗمع ه يعطي ه اﻹحس اس‬
‫باﻻنﺗماء واﻻنﺗساب إلى هذا المجﺗمع‪ ،‬فﺗشﺗد الرابطة الﺗي ﺗربطه بأعضائه مما ي وفر الﺗماس ك فيم ا بي نهم‪ ،‬ه ذا‬
‫وﺗوجد عدة عوامل ﺗؤدي إلى ﺗرابط وﺗماسك المجﺗمع أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬إشباع حاجات اﻷف راد‪ ،‬كلم ا ش عروا ب أن حاج اﺗهم يمك ن إش باعها ع ن طري ق اﻻنض مام للجماع ة‪ ،‬كلم ا‬
‫كانت الجماعة أكثر جاذبية لهم وزاد ﺗماسكهم وﺗرابطهم‪.‬‬
‫‪ -٢‬اﻟمكانﺔ اﻻجتماعيﺔ‪ ،‬كلما زادت مكانﺗهم داخل الجماعة زادت جاذبية الجماعة وزاد ﺗرابطها‪.‬‬
‫‪ -٣‬اﻟتعاون‪ ،‬يؤدي إلى ﺗماسك الجماعة وزيادة جاذبيﺗهم بل إنه يزيد من الود بينهم‪.‬‬
‫‪ -٤‬ازدياد اﻟتفاعل بين أفراد اﻟجماعﺔ‪ ،‬كلما زاد زادت جاذبية اﻷفراد فيما بينهم وزاد ﺗرابطهم‪.‬‬
‫فﺗرابط أفراد المجﺗمع يُعد من اﻷسس أو العوام ل الﺗ ي ﺗحق ق اﻷم ن واﻻس ﺗقرار اﻻجﺗم اعي‪ ،‬ق ال ﺗع الى‬
‫))و‪‬اع‪‬تَص‪‬م‪‬وا بِح‪‬ب‪‬لِ اللﱠه‪ ‬ج‪‬م‪‬يعاً و‪‬لَا تَفَر‪‬قُوا و‪‬اذْكُر‪‬وا ‪‬نع‪ ‬م‪‬ت‪ ‬اللﱠه‪ ‬ع‪‬لَ ‪‬يكُم‪ ‬إِذْ كُنتُم‪ ‬أَع‪‬د‪‬اء‪ ‬فَـأَلﱠف‪ ‬ب‪‬ـي‪‬ن‪ ‬قُلُـوبِكُم‪ ‬فَأَص‪‬ـ ب‪‬ح‪‬تُم بِن‪‬ع‪‬م‪‬ت‪‬ـه‪ ‬إِ ‪‬خو‪‬انًـا((‬
‫اﻻجﺗماع والﺗآلف قوة والفرقة واﻻخﺗﻼف ضعف فإذا اجﺗمع الناس صلحوا وملكوا وإذا ﺗفرقوا فسدوا وهلكوا‪.‬‬
‫كم ا ﻻ يمك ن إغف ال دور المؤسس ات الديني ة وبال ذات المس اجد وم ا له ا م ن أث ر ق وي ودور رئيس ي ف ي‬
‫ﺗعزيز رابطة الﺗآلف والﺗآخي بين المسلمين‪ ،‬إذ ﺗﺗكرر رؤي ة بعض هم ال بعض والﺗف افهم ف ي مك ان واح د‪ ،‬حي ث‬
‫يﺗبادلون ﺗحية اﻹسﻼم‪ ،‬ويقفون جميعا ً الغني والفقير والكبير والص غير ح اكم ومحك وم ف ي ص ف واح د‪ ،‬وله ذا‬
‫السبب يعﺗبر الجامع من أهم الوسائل الﺗي ﺗع زز العﻼق ات ب ين المس لمين فالج امع ه و المك ان ال ذي ﺗ زول في ه‬
‫الفوارق الزائفة الﺗي ﺗفﺗت المجﺗمع‪ ،‬ويعزز المحبة والﺗآلف واﻻنسجام بين أفراد المجﺗمع‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ١٩‬من ‪٢٩‬‬


‫إن قيم الﺗعاون والﺗكافل ﺗ ُعد من أهم أسس ﺗرابط المجﺗمع وبناءه وﺗقدمه فعن رسول ﷲ ﷺ أنه قال ))مث ل‬
‫المؤمنين في ﺗوادهم وﺗراحمهم وﺗعاطفهم‪ ،‬مث ل الجس د إذا اش ﺗكى من ه عض و‪ ،‬ﺗ داعى ل ه س ائر الجس د بالس هر‬
‫والحمى((‪ ،‬وجاء عنه ﷺ أنه قال ))المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ً((‪ ،‬فالمجﺗمع كله جس د واح د يح س‬
‫إحساسا ً واحدا ً وما يصيب عضوا ً منه يشﺗكي له سائر اﻷعضاء‪ ،‬ويؤكد الرسول ﷺ على الﺗرابط والﺗكاف ل ب ين‬
‫أف راد المجﺗم ع ب ل والﺗ أثير المﺗب ادل فيم ا بي نهم‪ ،‬ووج وب اﻷخ ذ عل ى ي د ك ل منح رف وفاس د وظ الم ﻹنق اذ‬
‫المجﺗم ع‪ ،‬ل ذا فال دين اﻹس ﻼمي يح ث عل ى الﺗ رابط ب ين أف راد المجﺗم ع م ن خ ﻼل الﺗع اون والﺗكاف ل وف رض‬
‫العقوبات على من يعﺗدي على حياة اﻹنسان أو عرضه أو ماله بأش د العقوب ات حفاظ ا ً عل ى كي ان اﻹنس ان م ن‬
‫ناحية ومن ناحية ثانية حفاظا ً على ﺗرابط وﺗماسك المجﺗمع وأمنه اﻻجﺗماعي واسﺗقراره‪.‬‬

‫سادسا ً ‪ :‬اﻷجهزة اﻟحمائيﺔ‬


‫إن دعامة المجﺗمع المنظم هي ﺗلك )اﻷجهزة والمؤسسات الﺗي ﺗعمل في سبيل ﺗلبية المواطنين‪ ،‬وﺗ أمين‬
‫العدالة اﻻجﺗماعي ة والطمأنين ة والنم و واﻻزده ار ف ي المي ادين الثقافي ة واﻻقﺗص ادية واﻻجﺗماعي ة ‪..‬إل خ‪ ،‬وم ن‬
‫ضمن هذه اﻷجهزة والمؤسسات ﺗلك المسؤولة عن اﻷمن بصورة عامة وعن س ﻼمة الم واطن بص ورة خاص ة‬
‫ﻷنه مهما بلغت درج ة رق ي اﻹنس ان والمجﺗم ع كك ل يبق ى بحاج ة إل ى ع ين س اهرة عل ى حمايﺗ ه وأمن ه حي ث‬
‫ﺗﺗدخل بقوﺗها لمنع حصول الشر كاﻻنحراف واﻻجرام‪ ،‬حﺗى إذا حدث ﺗﻼحق كل مرﺗكبيه لينالوا عقابهم‪.‬‬
‫لذا يقصد باﻷجهزة الحمائية اﻷجهزة الرسمية وم ا يﺗبعه ا م ن اﻷجه زة والمؤسس ات اﻷمني ة الﺗ ي ﺗق وم‬
‫بحماية الفرد والمجﺗمع من خﻼل حماية دمائهم وأموالهم وأعراضهم‪ ،‬وحماية اﻷموال الخاصة والعامة وضبط‬
‫المنحرفين والجناة‪ ،‬كما ﺗقوم بعملي ة الوقاي ة م ن اﻻنح راف والج رائم أي ا ً ك ان نوعه ا ومكافحﺗه ا‪ ،‬وغيره ا م ن‬
‫اﻷعمال الﺗي ﺗحافظ على اﻷمن العام والسكينة العامة‪.‬‬
‫ولعل من أهم اﻷدوار الﺗي ﺗناط باﻷجهزة اﻷمنية هو الحفاظ على أمن المجﺗمع فعلى س بيل المث ال نج د‬
‫قانون هيئة الشرطة اليمنية رقم )‪ (١٥‬لعام ‪٢٠٠٠‬م نص في المادة )‪ (٧‬بهذا الدور حيث )ﺗعمل هيئة الش رطة‬
‫على حفظ النظام واﻷمن العام واﻵداب العامة والسكينة العامة وعلى وج ه الخص وص العم ل عل ى الوقاي ة م ن‬
‫الجريم ة ومكافحﺗه ا والبح ث ع ن مرﺗكبيه ا والق بض عل يهم وفق ا ً للق انون‪ ،‬وحماي ة اﻷرواح واﻷع راض‬
‫والممﺗلك ات‪ ،‬وكفال ة اﻷم ن والطمأنين ة للم واطنين المقيم ين ‪ ،(...‬وهن اك أعم ال ﺗﺗص ل بالض بطية القض ائية‬
‫وﺗشمل البحث عن الجرائم والكشف عنها وضبط مرﺗكبيه ا وجم ع الﺗحري ات وعم ل اﻻس ﺗدﻻﻻت الموص لة أو‬
‫المؤدية ﻹجراء الﺗحقيق م ن أج ل ﺗحري ك النياب ة لل دعوى أم ام المحكم ة‪ ،‬وعل ى ذل ك فعم ل رج ل الش رطة ذو‬
‫شقين عمل إداري وقائي مانع وعمل قضائي وهو قامع‪.‬‬
‫فرج ال اﻷم ن ه م الي د الرادع ة لل ذين ﺗس ول له م أنفس هم العب ث ب أمن المجﺗم ع والخ روج عل ى النظ ام‬
‫والق انون‪ ،‬وه م الي د القوي ة لوق ف المنك ر وإزالﺗ ه وه م مظه ر هيب ة الدول ة والدعام ة لﻺص ﻼح‪ ،‬وه م أص دقاء‬
‫الشعب وليسوا أعداءه‪ ،‬وينبغي أن يﺗعاون معه م الجمي ع لمحارب ة أي ب ؤرة م ن ب ؤر الفس اد ومحارب ة الع ابثين‬
‫بمقدرات اﻷمة عمﻼً بقول رسول ﷲ ﷺ )م ن رأى م نكم منك را ً فليغي ره بي ده‪ ،‬ف إن ل م يس ﺗطع فبلس انه‪ ،‬ف إن ل م‬
‫يسﺗطع فبقلبه وذلك أضعف اﻹيمان(‪ ،‬وﻻشك أن اﻷجهزة اﻷمنية القادرة عل ى القي ام بواجبه ا ه ي الﺗ ي ﺗحظ ى‬
‫باهﺗم ام الح اكم والعناي ة الكامل ة وذل ك برف دها بك ل م ا ﺗحﺗ اج إلي ه م ن الك ادر البش ري‪ ،‬وﺗأهيل ه ﺗ أهيﻼً علمي ا ً‬
‫وعملي ا ً بم ا يواك ب العص ر م ن الوس ائل واﻵلي ات الﺗ ي ﺗ ُس اعد عل ى المواجه ة والوقاي ة م ن الجريم ة وك ذلك‬
‫اﻻهﺗمام برجال اﻷمن ماديا ً ومعنويا ً لكي يؤدوا واجباﺗهم عل ى أكم ل وج ه‪ ،‬وف ي المقاب ل ﻻب د أن يك ون رج ال‬
‫اﻷجهزة اﻷمنية يقظين وساهرين وأمناء على حفظ دماء الناس وأعراضهم وممﺗلكاﺗهم من اﻻعﺗداء‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٢٠‬من ‪٢٩‬‬


‫ولضبط المنحرفين والمفسدين ﻻبد من الﺗعاون والﺗكافل بين أف راد اﻷم ة وب ين رج ال اﻷم ن عل ى الب ر‬
‫والمعروف والﺗقوى في كشف المجرمين والعابثين باﻷمن ومﺗابعﺗهم وإبﻼغ السلطات عنهم‪ ،‬فاﻹسﻼم يريد من ا‬
‫أن نكون يدا ً واحدة‪ ،‬مﺗكاﺗفين لنصرة هذا الدين‪ ،‬قال ﺗعالى ) و‪‬تَع‪‬او‪‬نُوا ع‪‬لَى الْبِر‪ ‬و‪‬التﱠقْو‪‬ى و‪‬لَا َتع‪‬او‪‬نُوا ع‪‬لَى الْإِثْمِ و‪‬ا ْلع‪ ‬دو‪‬انِ(‪.‬‬

‫والﺗعاون بين اﻷجهزة اﻷمنية وأفراد المجﺗمع ﻻ يﺗم إﻻ من خﻼل الﺗنسيق ونشر الﺗوعية وإرش اد أف راد‬
‫المجﺗمع ف ي إيج اد دور فع ال للوق وف أم ام المنح رفين والمج رمين‪ ،‬وم ن ناحي ة أخ رى لوقاي ة أف راد المجﺗم ع‬
‫بﺗوضيح مخاطر الﺗعرض لﻼنحراف والجريمة والفساد وﺗوعيﺗهم ببعض أنماط السلوك الذي ي ؤدي لﻼنح راف‬
‫والجريم ة‪ ،‬وك ذا ﺗ وعيﺗهم كي ف يحم ون أنفس هم م ن الﺗع رض ﻷي ع دوان أو انح راف وك ذلك ﺗ وعيﺗهم كي ف‬
‫يحم ون من ازلهم وأم والهم م ن اﻻعﺗ داء عليه ا‪ ،‬وﺗك ون الﺗوعي ة واﻹرش اد م ن خ ﻼل إلق اء المحاض رات ف ي‬
‫المؤسسات المخﺗلفة كالمدارس والجامعات وغيره ا م ن المؤسس ات الحكومي ة واﻷهلي ة‪ ،‬فب الوعي اﻷمن ي ل دى‬
‫الفرد والمجﺗمع ﺗسﺗطيع اﻷجهزة اﻷمنية أن ﺗحقق الكثير من مهامها بمساعدة المجﺗمع مثل ‪:‬‬
‫‪ -١‬قيام الفرد والمجﺗمع بالﺗعاون مع رجال اﻷمن بإبﻼغهم عن أي معلومات ﺗفيد في كش ف الجريم ة وك ذا‬
‫عند حدوث أي انحراف أو سلوك شاذ عن القيم والمعايير واﻷنظمة اﻻجﺗماعية‪.‬‬
‫‪ -٢‬ش عور الف رد والمجﺗم ع بال دور ال ذي ﺗق وم ب ه اﻷجه زة اﻷمني ة ف ي الحف اظ عل ى حي اﺗهم وأرواحه م‬
‫وأعراضهم وأموالهم ‪..‬إلخ يجعلهم يبذلون كل ما في وسعهم في سبيل ﺗحقيق اﻷمن واﻻسﺗقرار‪.‬‬
‫فاﻷمن أساس كل مجﺗمع صالح ول وﻻه لم ا ﺗحقق ت النش اطات اﻻجﺗماعي ة والثقافي ة واﻻقﺗص ادية وغيره ا‪،‬‬
‫فهو حجر الزاوية الﺗي ﺗ ُبنى عليها المجﺗمعات واﻷمم ففي ظل اﻷمن ﺗﺗوضح الهوية الثقافية والحضارية للوطن‬
‫واﻷم ة وف ي ال وعي اﻷمن ي الش امل ﺗﺗض اعف ق درات البل د وطاقاﺗ ه اﻹنﺗاجي ة واﻷم ن مس ؤولية ك ل ف رد ف ي‬
‫المجﺗمع‪ ،‬وليس الشرطة فقط ‪ ،‬فكﻼً يعمل حسب قدرﺗه واسﺗطاعﺗه‪.‬‬

‫سـابعا ً ‪ :‬اﻟمؤسسات اﻟتربويﺔ‬


‫إن ﺗربية الفرد الصالح في المجﺗمع ﺗﺗعاون فيه مؤسسات ﺗربوية كثيرة رس مية وغي ر رس مية كاﻷس رة‬
‫والمسجد والمدرسة والجامعة والمعهد ويجب على هذه المؤسسات أن ﺗهﺗم بالﺗربية الدينية وﺗعميقه ا ف ي أذه ان‬
‫وعقول اﻷطفال والشباب وأن ﺗكون هذه الﺗنشئة عملية مسﺗمرة من ذ وﻻدة اﻹنس ان حﺗ ى وفاﺗ ه‪ ،‬ﻷنه ا ﺗ ُع د أح د‬
‫اﻷس س لﻸم ن اﻻجﺗم اعي‪ ،‬وذل ك ﻻنﺗش ارها داخ ل المجﺗم ع بش كل واس ع وأن أي ﺗقص ير يف ﺗح ب اب واس ع‬
‫لﻼنحراف والعنف والﺗطرف واﻹرهاب‪ ،‬سنذكر بعض ﺗلك المؤسسات أو أهمها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -١‬اﻷسرة‬
‫هي الخلية واللبنة اﻷولى في المجﺗمع وهي الﺗي يقوم عليها المجﺗمع فمنها ﺗﺗشكل مخﺗلف الﺗجمع ات وه ي‬
‫المسؤولة عن ﺗوحيد المجﺗمع وﺗنظيم سلوك الفرد بما يﺗﻼءم مع القيم السائدة‪ ،‬فاﻷسرة هي البيئة اﻷولى لﺗربي ة‬
‫اﻹنسان‪ ،‬فيها يﺗلقى معارفه ودينه وعاداﺗه وﺗقاليده‪ ،‬فه ي رم ز الﺗ رابط أو الﺗفك ك ورم ز البن اء أو اله دم‪ ،‬وله ا‬
‫دور مهم في ﺗحقيق اﻷمن اﻻجﺗماعي الذي يُعد من أهم اﻷمور في اﻹسﻼم‪ ،‬فالبيت المسلم يُعﺗبر قلعة من ق ﻼع‬
‫العقيدة‪ ،‬فمن المهم ﺗعليم اﻷبناء العبادات وﺗعليمهم الﺗمييز بين الخير والشر والحﻼل والحرام‪.‬‬
‫فاﻷسرة هي خط الدفاع اﻷول عن أمن المجﺗمع حيث ﺗوفر اﻻسﺗقرار النفسي وﺗشبع الجوع العاطفي ال ذي‬
‫ﻻ يقل أهمية عن الغذاء الجسدي‪ ،‬كما أن اﻷسرة ﺗوثق صلة الف رد بمجﺗمع ه‪ ،‬وح ين ﺗﺗع رض اﻷس رة للص راع‬
‫ﺗنفﺗح على المجﺗمع أبواب الشر والفساد ﻷنها نواة المجﺗمع‪ ،‬وﻷن خبرات الطفولة ﺗﺗرك بصمﺗها في الشخصية‬
‫لباقي العمر‪ ،‬لذلك يجب غرس القيم الدينية واﻷخﻼقية السليمة واﻹيجابي ة ومنه ا ح ب ال وطن والمحافظ ة عل ى‬
‫الﺗقاليد والﺗعاليم السوية وعدم اﻻعﺗداء على أعراض ودماء الغير وك ذا ﺗربي ة الش باب عل ى الش ورى والح وار‬
‫الصفحة ‪ ٢١‬من ‪٢٩‬‬
‫وشغل أوقاﺗهم بما يفيد‪ ،‬فعن رسول ﷲ )ص( أنه قال )كل مولود يولد عل ى الفط رة‪ ،‬ف أبواه يهودان ه أو ينص رانه‬
‫أو يمجسانه(‪ ،‬لذا فالمسؤولية كبيرة على عاﺗق اﻷسرة‪ ،‬وأي خلل قد يؤدي إلى خلل في اﻷمن اﻻجﺗماعي‪.‬‬
‫‪ -٢‬اﻟمؤسسات اﻟتربويﺔ اﻟتعليميﺔ‬
‫ﺗ ُعد المدرسة المؤسسة الثاني ة بع د اﻷس رة ف ي ﺗربي ة وﺗعل يم اﻹنس ان‪ ،‬أسس ها المجﺗم ع لﺗربي ة أبنائ ه‬
‫فهي ﺗقوم بﺗنمية شخصية الطف ل م ن جمي ع جوانبه ا الجس دية والعقلي ة والفكري ة واﻻجﺗماعي ة والعقائدي ة‬
‫وﺗطهي ر الﺗ راث الثق افي م ن الش وائب الﺗ ي علق ت ب ه كالخراف ات واﻷس اطير‪ ،‬فمن اهج الﺗعل يم ﺗق وم ببن اء‬
‫شخصية اﻹنسان وﺗنشئﺗه على قيم اﻻسﺗقامة وروح المسؤولية وقيم الحب وكراهية الش ر والفس اد‪ ،‬كم ا ﺗغ رس‬
‫فيه احﺗرام حقوق الغير والرقابة الذاﺗية ليكون مؤهﻼً ﻷداء واجباﺗه في ميادين الحياة‪.‬‬
‫لهذا فالمدارس والجامعات والمعاهد وغيرها م ن المؤسس ات الﺗربوي ة ﺗغ رس مب ادئ الش رف واﻷمان ة‬
‫وﺗحمل مسؤولية غرس قيم اﻻخاء والمساواة في اﻷشخاص‪ ،‬كما ﺗقوم بﺗنمية اﻷبناء منذ نعومة أظافرهم نفسي ـا ً‬
‫وجسديا ً وعقليا ً‪ ،‬وﺗقوم هذه المؤسسات وخاصة الجامع ات عل ى غ رس الثقاف ة والﺗوعي ة اﻷمني ة ل دى الط ﻼب‪،‬‬
‫ويﺗحقق ذلك بإلقاء المﺗخصصون في اﻷجهزة اﻷمنية بعض المحاضرات ذات العﻼق ة بالثقاف ة اﻷمني ة وعﻼق ة‬
‫الفرد مع المؤسسات اﻷمنية وعقد الندوات والمؤﺗمرات اﻷمنية والحث على احﺗرام القوانين واللوائح واﻷنظمة‬
‫وحثهم على الوقاية من الجريم ة‪ ،‬له ذا ف إن المؤسس ات الﺗعليمي ة له ا دور كبي ر ف ي الﺗنش ئة والﺗحص ين ال ذاﺗي‬
‫للفرد من اﻻنحراف والﺗطرف والﺗشدد من خﻼل غرس القيم النبيلة‪.‬‬
‫‪ -٣‬اﻟمؤسسات اﻟدينيﺔ‬
‫لقد جعل اﻹسﻼم المساجد بيوت ﷲ في اﻷرض‪ ،‬وخصصها لعبادﺗه‪ ،‬يﺗم فيها إرشاد وﺗوعي ة وﺗربي ة‬
‫اﻹنسان ليكون صالحا ً في المجﺗمع‪ ،‬فالمسجد هو الجامعة لكل معاني الحياة‪ ،‬من مح راب للعب ادة ومن ارة‬
‫للعلم والمعرفة‪ ،‬إلى دار للقضاء والصلح والدفاع عن اﻷم ة وكرامﺗه ا‪ ،‬له ذا ف إن للمس اجد دورا ً كبي ر وفع ال‬
‫في إقامة بنيان المجﺗمع‪ ،‬بنيانا ً قويا ً على ﺗقوى من ﷲ وفي إشاعة اﻷمن‪.‬‬
‫ولهذا الدور العظيم في حياة اﻷمة كان أول عمل قام به الرسول بعد هجرﺗه من مكة إلى المدينة هو بناء مسجد‬
‫قباء‪ ،‬ليلفت اﻷنظار ويوجه القلوب إلى أهمية هذا المكان‪.‬‬

‫ثامنا ً ‪ :‬مساهمﺔ اﻟجمعيات اﻟخيريﺔ‬


‫يُقصد بالجمعيات أو المؤسسات الخيرية واﻻﺗحادات والنوادي‪ ،‬ﺗلك المؤسسات غير الرسمية الﺗي ﺗق وم‬
‫بالعمل الخيري الﺗطوعي الذي يساهم ويعزز في أمن واسﺗقرار الفرد والمجﺗمع وهي اﻷعمال الخيرية المنبثق ة‬
‫من قول المولى عز وجل )و‪َ ‬تع‪‬او‪‬نُوا ع‪‬لَى الْبِر‪ ‬و‪‬التﱠ ْقو‪‬ى و‪‬لَا تَع‪‬او‪‬نُوا ع‪‬لَى الْإِثْمِ و‪‬ا ْلع‪‬د‪‬و‪‬انِ(‪.‬‬

‫والجمعيات المحلي ة أو الوطني ة ه ي الﺗ ي ﺗنش أ ف ي إط ار ونط اق الدول ة فق ط ول يس له ا أي ارﺗباط ات‬


‫خارجي ة م ع أي دول ة م ن ال دول‪ ،‬الجمعي ات له ا ﺗ أثير إيج ابي للف رد والمجﺗم ع‪ ،‬حي ث ﺗق وم برعاي ة اﻷيﺗ ام‬
‫ومساعدة الشباب على مواصلة الﺗعليم والسعي لخلق فرص عم ل للش باب الع اطلين‪ ،‬كم ا أن له ا ﺗ أثير إيج ابي‬
‫لدى الفرد والمجﺗمع‪ ،‬وﺗقوم أيضا ً بﺗمويل المش اريع اﻹنﺗاجي ة الص غيرة والمش اريع الثقافي ة‪ ،‬ومس اعدة الش باب‬
‫الغير قادرين على ﺗكاليف الزواج‪ ،‬وإقامة المساجد والمدارس والمراكز الصحية‪.‬‬
‫ومن نشاطاﺗها ﺗوعية الناس بﺗسامح اﻹسﻼم والوسطية الدينية واﻻعﺗدال وﺗوعية الشباب بمخاطر وآثار‬
‫اﻻنحراف وﺗحذير الشباب من ﺗعاطي المحرمات كالكحوليات والمخدرات والمنبهات ‪ ...‬الخ‪ ،‬وﺗنشط أيضا ً من‬
‫خ ﻼل مل ئ أوق ات ف راغ الش باب بإقام ة المناس بات والب رامج والمحاض رات الديني ة والثقافي ة به دف ﺗحص ين‬
‫الشباب من اﻻنحراف‪ ،‬وذلك لكي ﻻ ينشغل الشباب بما يجرهم إلى سبيل الفساد‪.‬‬
‫الصفحة ‪ ٢٢‬من ‪٢٩‬‬
‫كما ﺗقوم بعمل فعاليات ﺗوعوية لﻶباء حول الﺗربية الصحيحة ﻷبنائهم‪ ،‬وكذا ﺗوعية اﻷبناء عن مخ اطر‬
‫أفﻼم العنف واﻷفﻼم المنافية لﻸخﻼق والقيم اﻹسﻼمية‪ ،‬وكل ذلك يسهم في ﺗحقيق اﻷمن اﻻجﺗماعي‪ ،‬ﻷن فش ل‬
‫الشباب في مواصلة الدراسة يُعد سببا ً من أسباب شيوع اﻻنحراف واﻹجرام‪ ،‬مما يجعلهم عالة على المجﺗمع‪.‬‬
‫وﺗ ُساهم أيضا ً في مقاومة ظاهرة أطفال الش وارع الﺗ ي م ن مخاطره ا امﺗه ان عملي ات الس لب والس رق‬
‫والﺗسول‪ ،‬وهذه الظواهر ﺗنﺗشر في الغالب في المدن الكبرى‪ ،‬فه ؤﻻء يحﺗ اجون إل ى مس اعدة ل دفعهم لمواص لة‬
‫الﺗعليم بدﻻً من وضعهم خارج المؤسسات الﺗعليمية‪ ،‬الذي يجعلهم يﺗش ردون ف ي الش وارع ﻷن مﺗابع ة رع ايﺗهم‬
‫ﺗ ُعد إسهاما ً في ﺗحقي ق اﻷم ن اﻻجﺗم اعي‪ ،‬وﺗخفي ف مخ اطر الفق ر ع ن اﻷف راد واﻷس ر‪ ،‬وﺗق وم ه ذه الجمعي ات‬
‫برعاية حم ﻼت ص حية لمعالج ة اﻷم راض المسﺗعص ية مث ل )اﻹي دز(‪ ،‬وال ذي يُع د م ن اﻷم راض اﻷكث ر فﺗك ا ً‬
‫وﺗهديد لﻸمن اﻻجﺗماعي‪.‬‬
‫وﻻ شك في أن الجمعيات والمؤسس ات الخيري ة له ا ﺗ أثير إيج ابي ل دى الف رد والمجﺗم ع ﻷن ه دفها ه و‬
‫المساهمة الفعالة في عمل الخي ر‪ ،‬وﺗ زداد فاعليﺗه ا ف ي قيامه ا ب ﺗلمس احﺗياج ات اﻷف راد واﻷس ر الفقي رة الﺗ ي‬
‫ﺗحﺗاج إلى المساعدة‪ ،‬وﻻ يقﺗص ر دوره ا ف ي اﻷي ام العادي ة‪ ،‬ب ل له ا أدوار فعال ة ف ي مس اعدة المحﺗ اجين أثن اء‬
‫الكوارث أو الحوادث الﺗي قد ﺗﺗعرض لها اﻷسر كالحرائق وفيضانات السيول‪ ،‬كما يك ون له ا الس بق ف ي كثي ر‬
‫من اﻷحيان في إغاثة المﺗضررين والمنكوبين من جراء الكوارث أو الحوادث الﺗي يﺗعرض ون له ا‪ ،‬وذل ك م ن‬
‫خ ﻼل ﺗق ديم الم واد الغذائي ة والمﻼب س واﻷث اث واﻷوان ي المنزلي ة والخي ام لﻺي واء ‪ ..‬ال خ‪ ،‬وبﺗظ افر الجه ود‬
‫الشعبية المﺗمثلة في الجمعيات والمؤسسات الخيرية إلى جانب الجهد الرسمي المﺗمث ل ف ي أجه زة الدول ة ي ؤدي‬
‫إلى ﺗوطيد دعائم اﻷمن واﻻسﺗقرار اﻻجﺗماعي‪.‬‬

‫تاسعا ً ‪ :‬مساهمﺔ اﻟمجتمع في إصﻼح اﻷوضاع‬


‫إن أي مجﺗم ع م ن المجﺗمع ات ﻻب د أن يعﺗري ه بع ض المش اكل اﻻجﺗماعي ة والمجﺗم ع المح افظ عل ى‬
‫ﺗوازنه ه و المجﺗم ع الق ادر عل ى المس اهمة ف ي معالج ة المش اكل الﺗ ي يﺗع رض له ا أف راده حﺗ ى ﻻ ﺗ ؤدي إل ى‬
‫واﻻقﺗصادية والمجﺗمع المحافظ على ﺗوازنه واسﺗقراره ه و المجﺗم ع الق ادر عل ى اﻻنح راف والعب ث باﻷنظم ة‬
‫والقوانين وبالقيم اﻻجﺗماعية‪ ،‬فاﻷمن اﻻجﺗم اعي م رﺗبط بش كل كبي ر بس ﻼمة المجﺗم ع م ن اﻵف ات واﻷم راض‬
‫اﻻجﺗماعي ة وبمقدرﺗ ه ف ي معالجﺗه ا ح ين ﺗب دو بوادره ا اس ﺗدراكا ً لﺗفاعﻼﺗه ا الس لبية‪ ،‬أي قب ل اس ﺗفحالها‬
‫وانعكاساﺗها السلبية على الفرد والمجﺗمع‪.‬‬
‫ل ذا ف المجﺗمع ال ذي يم ارس أف راده اﻹص ﻼح ب ين المﺗخاص مين والمراجع ة والﺗق ويم والنق د ال ذاﺗي‬
‫ويبادرون إلى إصﻼح مك امن الخل ل ومحاص رة الفس اد‪ ،‬ه و المجﺗم ع ال ذي يحق ق اﻻس ﺗقرار والطمأنين ة‪ ،‬ق ال‬
‫ﺗعالى ) فَم‪‬نِ اتﱠقَى و‪‬أَص‪‬لَح‪ ‬فَلَا ‪‬خو‪‬ف‪ ‬ع‪‬لَي‪‬هِم‪ ‬و‪‬لَا ه‪‬م‪ ‬ي‪‬ح‪‬ز‪‬نُون‪. ( ‬‬
‫فﻼ سبيل لوقاية المجﺗمع من الفﺗن العامة الﺗي ﺗزعزع اﻷمن واﻻسﺗقرار وﺗشيع الفوضى واﻻضطراب‬
‫والخراب إﻻ بممارسة اﻹصﻼح واﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر واﻷخ ذ بي د المنح رفين والمفس دين‪ ،‬ق ال‬
‫ﺗعالى )و‪‬لْتَكُن م‪‬نكُم‪ ‬أُم‪‬ةٌ ي‪‬د‪‬ع‪‬ون‪ ‬إِلَى الْخَي‪‬رِ وي‪‬أْم‪‬ر‪‬ون‪ ‬بِالْ ‪‬مع‪‬ر‪‬وف‪ ‬وي‪‬ن‪‬ه‪‬و‪‬ن‪ ‬ع‪‬نِ ا ْلم‪‬نكَرِ و‪‬أَو‪‬لَي‪‬ك‪ ‬ه‪ ‬م‪ ‬الْم‪‬فْل‪‬ح‪‬ون‪. (‬‬
‫لهذا فالمجﺗمع المحافظ عل ى أمن ه واس ﺗقراره ه و المجﺗم ع ال ذي يس عى إل ى ح ل الخ ﻼف أو الن زاع أو‬
‫الص راع ال ذي يحص ل ب ين أف راده‪ ،‬وأن يق وم بحس مه ف ي البداي ة قب ل أن يﺗوس ع ف ي المجﺗم ع‪ ،‬وك ذلك يس عى‬
‫المجﺗمع إلى وقاية أفراده من اﻻنحراف والفساد والفﺗن الﺗ ي ﺗزع زع أمن ه واس ﺗقراره‪ ،‬ومعاقب ة ك ل م ن س عى‬
‫إلى ذلك حفاظا ً على أمن واسﺗقرار المجﺗمع من أي اضطراب أو فوضى قد ﺗؤدي إلى عدم اﻻسﺗقرار‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٢٣‬من ‪٢٩‬‬


‫عاشرا ً ‪ :‬اﻟمؤسسات اﻟعقابيﺔ واﻹصﻼحيﺔ‬
‫إن اﻷمن اﻻجﺗم اعي يخﺗ ل إذا ُوج د ف ي المجﺗم ع م ن ه و ن اقم عل ى ال نظم وراف ض للمب ادئ الس لوكية‬
‫المق ررة‪ ،‬يع ادي أبن اء قوم ه ويناهض هم ف ي م واقفهم ويعﺗ دي عل ى حق وقهم ويه دد أم نهم وح ريﺗهم‪ ،‬له ذا ﺗُع د‬
‫المؤسسات العقابية واﻹصﻼحية الجهاز الفاع ل ف ي إنج از ك ل م ا يق رره القض اء م ن ﺗ دابير الف رد والمجﺗم ع‪،‬‬
‫والمؤسسات العقابية ﻻ ﺗعني السجن فقط‪ ،‬بل ﺗعني كل أنواع العقوب ات المالي ة كالغرام ات أو الﺗع ويض‪ ،‬وك ذا‬
‫المعنوية مثل منعه من ممارسة اﻻنﺗخابات أو منعه من مزاولة مهنة أو إخضاعه لدورات ﺗهذيبية أو ﺗربوية أو‬
‫ﺗوجيهية ‪..‬إلخ‪ ،‬أما المؤسسات اﻹصﻼحية فيُقصد بها السجن أو دور اﻹصﻼح فهي ﺗوفر للمحك وم علي ه إع ادة‬
‫ﺗأهيله مهنيا ً واجﺗماعيا ً وأخﻼقياً‪ ،‬وﺗعطيه من اﻻهﺗمام ما يساعده في ﺗربيﺗه ﺗربي ة مدني ة ص حيحة‪ ،‬ك ﻼٌ حس ب‬
‫وضعه الشخصي وحاجﺗه الذاﺗية واسﺗعداده النفسي والذهني‪.‬‬
‫وه ذه المؤسس ات ﺗس اهم بص ورة مباش رة ف ي ﺗ وفير اﻷم ن اﻻجﺗم اعي‪ ،‬إذ ﺗح ول دون ﺗك رار الم ذنب‬
‫لذنوب ه والمنح رف ﻻنحراف ه بم ا ﺗ زوده ب ه م ن الوس ائل واﻹمكاني ات الﺗ ي ﺗ ُبع ده ع ن اﻻﺗج اه نح و اﻻنح راف‬
‫والجريمة‪ ،‬وﺗوجيهه نحو حياة شريفة ﺗنفعه كما ﺗنفع أقران ه ومجﺗمع ه بص ورة عام ة‪ ،‬ل ذا فالمؤسس ات العقابي ة‬
‫ﺗلعب دورا ً في ﺗوفير وﺗرسيخ اﻷمن واﻻسﺗقرار‪ ،‬ﻷنه ا ﺗق وم بﺗنفي ذ العقوب ة الﺗ ي يقره ا القض اء بحك م ش رعي‬
‫عل ى المنح رف والمج رم‪ ،‬وإن زال العقوب ة ب المجرم ﺗ ُع د ردع ا ً لغي رهم‪ ،‬ل ذلك فالمؤسس ات اﻻص ﻼحية ه ي‬
‫اﻷخرى ﺗلعب دورا ً في ﺗرسيخ اﻷمن‪ ،‬كونها رادعة للمجرمين‪ ،‬وﻷنها ﺗقوم بﺗأهيل الفرد المنحرف أو المجرم‪،‬‬
‫ﺗأهيﻼً أخﻼقيا ً ونفسيا ً واجﺗماعيا ً ومهنيا ً حيث يﺗم ﺗعليمه أي حرفة ليزاولها بعد خروج ه ويع يش أو ينخ رط ف ي‬
‫المجﺗم ع بش كل إيج ابي وفع ال‪ ،‬وﺗعين ه ف ي س د حوائج ه اﻻقﺗص ادية‪ ،‬فيفي د نفس ه وأس رﺗه ومجﺗمع ه‪ ،‬له ذا‬
‫فالمؤسسات اﻹصﻼحية ﺗقوم بدور فعال في ﺗغيير س لوك الف رد المنح رف وﺗحويل ه م ن عض و ك ان فاس دا ٌ إل ى‬
‫عضو صالح في المجﺗمع‪ ،‬فخير الفرد خير للجماعة وشره شر على الجماعة والمجﺗمع‪.‬‬

‫حادي عشر‪ :‬قبول اﻟمجتمع ﻟمن صلح من اﻟمنحرفين‬


‫إن المجﺗمع الذي يرفض ان دماج الج انح بع د إص ﻼحه يُع د م ن الس لوكيات الس لبية ﻷنه ا ﺗزي د الش عور‬
‫باﻹحباط لدى هذا اﻹنسان مما قد يجعله ع دوا ً أش د حق دا ً م ن ذي قب ل‪ ،‬والعك س م ن ذل ك إذا س اد الﺗع اون ب ين‬
‫المجﺗمع والجانح ال ذي أب دى اس ﺗعداد ﻹص ﻼح نفس ه‪ ،‬يش كل وس يلة م ن وس ائل ض مان اﻷم ن اﻻجﺗم اعي م ن‬
‫اﻻضطراب الذي يؤدي إلى انﺗقام الجانح من كل من حط من منزلﺗه بين قومه‪ ،‬أو ينظ ر إليه ا بدوني ة م ن قب ل‬
‫مجﺗمعه‪ ،‬لهذا فاﻹنسان بحاجة إلى اﻻعﺗراف بوجوده كشريك فاعل في حياة المجﺗمع‪ ،‬أما إذا رفضت مشاركﺗه‬
‫فقد يثبت حقه بوسائل غير شرعية‪ ،‬وهو اﻻﺗجاه نحو اﻻنحراف وربما الجريمة ﻷنه ق د ينظ ر إل ى زمﻼئ ه م ن‬
‫المجرمين باعﺗبارهم اﻷشخاص الذين يعاملونه باحﺗرام ورفق‪ ،‬ولذلك فقد يصبح الجانح الذي يريد أن يعود إلى‬
‫حظيرة مجﺗمعه عدوا ً للمجﺗمع ويزداد ميﻼً أكثر من ذي قبل إلى مواصلة اﻻنحراف واﻹجرام لذا فإن المجﺗم ع‬
‫يدرك أهمية الﺗسامح والعفو عن الماضي للجانح والﺗطلع إلى مسﺗقبل الجانح‪.‬‬
‫لذا فالمجﺗمع ﻻبد أن يعﺗرف بحق الفرد الذي أب دى اس ﺗعدادا ً ك امﻼً ب اﻹقﻼع ع ن انحراف ه وأن يُعﺗ رف‬
‫بكيانه وأن يﺗعاون معه وأن ينظ ر إلي ه بنظ رة ود واحﺗ رام وﺗق دير وأن ل ه مكان ة ب ين جماعﺗ ه والمجﺗم ع‪ ،‬ﻷن‬
‫احﺗضان المجﺗمع للفرد بع د إص ﻼحه ي ؤدي إل ى اطمئنان ه من ه‪ ،‬ويجعل ه يس لك الس لوك الس وي واﻹيج ابي ف ي‬
‫المجﺗمع‪ ،‬بل يجعله يﺗناسى سلوكه الماضي وقد يحﺗقر في ذات نفسه ما قام به في الماضي ويندم على ذلك‪ ،‬أما‬
‫إذا وجد المجﺗمع ينفر منه فإنه سيلجأ إلى من يحﺗض نه ويق دره وه م المنحرف ون والمجرم ون‪ ،‬فيح دث رد فع ل‬
‫عكسي يعود بهذا الشخص إلى ممارسة سلوكه المنحرف الذي اعﺗاد على ممارسﺗه في السابق‪ ،‬وقد يكون أكثر‬
‫انحرافا ً وإجراما ً من ذي قبل انﺗقاما ً من المجﺗمع‪ ،‬وهذا يؤدي إلى الخلل في أمن واسﺗقرار المجﺗمع‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٢٤‬من ‪٢٩‬‬


‫ثاني عشر ‪ :‬اﻟتعليم‬
‫إن الﺗعليم من اﻷسس المهم ة ف ي ﺗك وين هوي ة المجﺗمع ات ف إذا ك ان ص الحا ً ومبني ا عل ى أس س علمي ة‬
‫سليمة فإنه يساهم إلى حد كبير في أم ن واس ﺗقرار المجﺗم ع‪ ،‬وله ذا ﺗب ذل اﻷم م جه دا ً كبي را ً ف ي ﺗثقي ف أفراده ا‬
‫وﺗعل يمهم حﺗ ى يص بحوا ن واة ص الحة لبن اء مجﺗمع اﺗهم‪ ،‬إذ يُق اس رق ي اﻷم م وﺗق دمها بم ا ﺗ ؤدي مدارس ها‬
‫وجامعاﺗه ا ومؤسس اﺗها الثقافي ة ف ي مج ال العل م والبح ث العلم ي واﻻبﺗك ار‪ ،‬ومم ا ﻻ ش ك في ه أن أداء ه ذه‬
‫المؤسسات يلعب دورا ً كبيرا ً وفعاﻻً في محاربة الجريمة ومحاصرﺗها في أضيق الحدود الممكنة وب العلم يس هل‬
‫))‬
‫ب‬‫على اﻹنسان فهم العقيدة‪ ،‬وﻷهمية العل م فق د جعل ه اﻹس ﻼم فريض ة عل ى ك ل مس لم فع ن رس ول ﷲ ﷺ طل ُ‬
‫ال ِع ْلم فريضة على ُكل ُمس ِلم((‪ ،‬لذا فإن طلب العلم لم ن ﻻ يع رف واج ب‪ ،‬ﻷن للجه ل عواق ب س لبية عل ى الف رد‬
‫نفس ه وم ن ث م ي نعكس عل ى المجﺗم ع بأجمع ه‪ ،‬والوقاي ة م ن الجه ل ﻻ ﺗعن ي الﺗعل يم فحس ب ب ل أيض ا ً إﺗ ﻼف‬
‫ومحاربة ما من شأنه ﺗشويه الشريعة اﻹسﻼمية وما من شأنه اﻹضرار باﻵخرين‪.‬‬
‫ف الﺗعليم يق وم بنق ل المعرف ة وﺗط وير ق درة اﻹنس ان عل ى اﻻس ﺗنباط اﻻس ﺗدﻻل المنطق ي‪ ،‬أي أن للﺗعل يم‬
‫أثرين عقل ي ومنهج ي‪ ،‬وأث ر أخﻼق ي وكﻼهم ا ب الغ اﻷهمي ة ف ي ﺗش كيل المجﺗم ع ودف ع عجل ة الﺗنمي ة‪ ،‬سياس يا ً‬
‫واقﺗصاديا ً واجﺗماعيا ً وثقافيا ً ‪..‬إل خ‪ ،‬وأن اﻹنس ان الم ﺗعلم يك ون أكث ر اس ﺗعدادا ً لﺗقب ل اﻵراء واﻷفك ار‪ ،‬والﺗعل يم‬
‫ﻻبد أن يعم ويشمل عامة المجﺗمع‪ ،‬حيث ﺗقوم الدولة بنشره من خﻼل المدارس والجامعات والمؤسسات العلمية‬
‫اﻷخرى‪ ،‬الﺗعليم الذي يقضي على الجهل‪ ،‬ويعلم اﻹنسان ما له من حقوق وما عليه من واجبات أمام ﷲ سبحانه‬
‫وﺗعالى وأمام نفسه وﺗجاه أسرﺗه ومجﺗمعه ووطنه‪ ،‬وعﻼقﺗه ب ا س بحانه وﺗع الى‪ ،‬الﺗعل يم ال ذي يغ رس العقي دة‬
‫اﻹسﻼمية والقيم اﻷخﻼقية النبيلة في نفس الفرد والمجﺗمع واﻷمة‪ ،‬الﺗعليم الذي يغرس ويعمق في نفس اﻹنس ان‬
‫والمجﺗمع الحب والﺗراحم والﺗآلف والﺗآزر والﺗعاون ويغرس ق يم الخي ر وينب ذ ويح ارب الق يم الفاس دة والمنحل ة‬
‫الﺗي ﺗﺗنافى مع قيمنا وعقيدﺗنا اﻹسﻼمية بل ويحارب اﻻنحراف والجرائم‪.‬‬
‫الﺗعليم الذي يبين لﻺنسان طرق الحﻼل في كسب الرزق ويبعده عن جميع المحرمات الﺗعليم الذي يعل م‬
‫اﻹنسان كيف يﺗعامل مع اﻵخرين بالود واﻻحﺗرام‪ ،‬وكيف يحارب كل رذيلة وجريم ة وفس اد‪ ،‬الﺗعل يم ف ي ش ﺗى‬
‫مج اﻻت العل وم النافع ة لﻺنس ان ك العلوم الش رعية والطبي ة والهندس ية ‪ ...‬ال خ‪ ،‬له ذا ل ه أهميﺗ ه ف ي اﻷم ن‬
‫اﻻجﺗماعي‪ ،‬حيث يُعد العلم س ياج لﻸم ن اﻻجﺗم اعي ف ي الجان ب الص حي والغ ذائي واﻻقﺗص ادي واﻻجﺗم اعي‬
‫والثقافي‪ ،‬فإذا كان الﺗعليم هو جوهر الﺗنمية فإن العلم هو الركيزة اﻷساسية لﻸمن اﻻجﺗماعي في شﺗى مجاﻻﺗ ه‬
‫أو عناصره‪ ،‬وفي اﻷخير صدق من قال‪:‬‬
‫والجهل يهدم بيوت العز والكرم‬ ‫العلم يرفع بيوﺗا ً ﻻ عماد لها‬

‫الصفحة ‪ ٢٥‬من ‪٢٩‬‬


‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻣﻌﻮﻗﺎﺕ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬

‫أوﻻ ً ‪ :‬اﻟفقر وأثره على أمن اﻟمجتمع‬


‫يُعد الفقر من المشاكل اﻻجﺗماعي ة الﺗ ي ﻻ يخل وا منه ا أي مجﺗم ع م ن المجﺗمع ات وﻻ دول ة م ن ال دول‬
‫الغنية والفقيرة إﻻ ويوجد بين سكانها أفرادا ً وأسرا ً يعانون من الفقر‪ ،‬والفقر يُعد من أس وء المح ن الﺗ ي يص اب‬
‫بها اﻹنسان أو المجﺗمع‪ ،‬وذلك لما ل ه م ن آث ار س لبية عل ى أم ن الف رد والمجﺗم ع‪ ،‬الفق ر ف ي اللغ ة ض د الغن ى‪،‬‬
‫فقير من المال‪ ،‬والجمع فقراء‪ ،‬وقال ابن اﻷعرابي الفقير هو "الذي ﻻ شيء له"‪ ،‬والفقر الحاج ة‪ ،‬ويق ال‬ ‫ورجل ُ‬
‫الفقير المحﺗاج‪ ،‬ويُفهم مما سبق بأن الفقير في اللغة ال ُمحﺗاج إلى المال وهو ضد الغنى الذي ﻻ يحﺗاج إلى المال‬
‫ومعنى الفقر اصطﻼحا ً قال الماوردي أن الفقير ه و " اﻟ ذي ﻻ ش يء ﻟ ـه"‪ ،‬ويُع رف الفق ر "باﻟ دخل اﻟمت دني"‪،‬‬
‫ونظ را ً لﺗع دد ﺗعري ف الفق ر يس ﺗخلص المؤل ف الﺗعري ف اﻹجرائ ي الﺗ الي للفق ر ه و "عج ز أو نق ص اﻟم وارد‬
‫اﻟماﻟيﺔ واﻟعينيﺔ اﻟتي تلبي وتشبع احتياجات اﻹنسان اﻟض روريﺔ ب ل ومعان اتهم وحرم انهم حت ى ف ي اﻟجوان ب‬
‫اﻷخرى اﻟصحيﺔ واﻟتعليميﺔ واﻟثقافيﺔ وغيرهما"‪.‬‬
‫ه ذا وم ن اﻷس باب الﺗ ي ﺗ ؤدي إل ى الفق ر قل ة الم وارد اﻻقﺗص ادية‪ ،‬أو انخف اض مس ﺗوى ال دخل بس بب‬
‫البطالة وذلك بسبب محدودية فرص العمل‪ ،‬أو انعدام الخبرة المهنية أو الكسل أو المرض أو العجز‪ ،‬أو ارﺗفاع‬
‫اﻷسعار مقابل انخفاض اﻷجر‪ ،‬أو بسبب اﻹسراف في اﻹنفاق‪ ،‬أو بس بب ع دم اﻻس ﺗقرار السياس ي أو اﻷمن ي‪،‬‬
‫أو بس بب الك وارث الطبيع ة ك الزﻻزل أو فيض انات اﻷمط ار أو اﻷعاص ير أو الجف اف أو الح وادث كح وادث‬
‫النقل أو الحرائق‪ ،‬أو بسبب الحروب أو غيرها من اﻷسباب الﺗي قد ﺗؤدي إلى الفقر‪ ،‬لهذا فالفقر ل ه آث ار س لبية‬
‫على الفرد واﻷسرة والمجﺗمع‪ ،‬حيث يعيش اﻹنسان وهو في حالة خوف لما يعاني من القلة والعوز‪.‬‬
‫ولما لﻶثار السلبية على الفرد وعلى المجﺗمع معا ً اسﺗعاذ منه الرسول ﷺ فقال )اللهم إني أع وذ ب ك م ن‬
‫الكفر والفقر( وقال )اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن(‪ ،‬كما وصف الم اوردي الفق ر بأن ه‬
‫من أسباب الفساد وأنه يعم الناس جميعاً‪ ،‬وكذلك الغنى ه و اﻵخ ر يع م الن اس جميع اً‪ ،‬حي ث يق ول ‪) :‬فالخص ب‬
‫يؤدي إلى الغنى والغنى يُورث اﻷمانة والسخاء‪ ،‬والجدب )الفقر( يحدث من أسباب الفساد‪ ،‬وق د عب ر مال ك ب ن‬
‫نبي عن الفقر بقوله )كيف أصلي وأنا جائع(‪ ،‬لذا فإنه ﻻ ﺗسﺗقيم العقيدة وﺗنموا اﻷخﻼق إذا لم يطمئن المرء ف ي‬
‫معيشﺗه ويشعر أن الدولة والمجﺗمع يقف معه ويؤمنه عند الحاجة‪.‬‬
‫فالفقر قد يكون له آثارا ً سلبية على أمن الفرد واﻷمن المجﺗمعي‪ ،‬وذلك لما قد يﺗرك من آثار سلبية على‬
‫سلوك الفرد‪ ،‬حيث قد يؤدي إلى اﻻنحراف في سلوك الفرد بما ﻻ ﺗرضاه الفضيلة وال ُخل ق الك ريم‪ ،‬وله ذا ق الوا‬
‫صوت المعدة أقوى من صوت الضمير وقد يؤثر الفق ر عل ى الﺗفكي ر فاﻹنس ان الفقي ر ال ذي ﻻ يج د ض رورات‬
‫الحياة له وﻷهله وأوﻻده كيف يسﺗطيع أن يفكر ﺗفكيرا ً سليما ً ودقيقا ً‪ ،‬كما أن الفقر قد يكون له انعكاساﺗه الس لبية‬
‫على اﻷسرة من ن واحي عدي دة عل ى ﺗكوينه ا واس ﺗمرارها وﺗماس كها‪ ،‬فف ي ﺗك وين اﻷس رة نج د الفق ر ق د يك ون‬
‫مانعا ً من أكبر الموانع الﺗي ﺗح ول ب ين الش باب وب ين ال زواج وم ا وراءه م ن أعب اء المه ر والنفق ة واﻻس ﺗقﻼل‬
‫اﻻقﺗصادي وفي اسﺗمرار اﻷسرة نرى ضغط الفقر ربما يؤدي إلى الﺗفرقة ب ين الم رء وزوجﺗ ه عل ى ك ره من ه‬
‫وربما على كره منها لعجزه عن النفقة‪ ،‬وقد يؤدي إلى ﺗفكك اﻷسرة وﺗشرد اﻷطفال‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٢٦‬من ‪٢٩‬‬


‫ومن أسباب الفقر سوء ﺗوزيع الثروة وبغي بعض الناس عل ى بع ض‪ ،‬وﺗ رف أقلي ة ف ي المجﺗم ع عل ى‬
‫حساب اﻷكثرية‪ ،‬فهذا هو الفقر الذي يثير النفوس ويحدث الفﺗن واﻻضطراب ويق وض أرك ان المحب ة واﻹخ اء‬
‫بين الناس‪ ،‬والفقر له آثار سلبية على سيادة اﻷمة وحريﺗها واسﺗقﻼلها‪ ،‬فالب ائس المحﺗ اج ق د ﻻ يج د ف ي ص دره‬
‫حماس ة ال دفاع ع ن وطن ه وال ذود ع ن حرم ات الرف اع أمﺗ ه‪ ،‬ﻷن وطن ه ل م يطعم ه م ن الج وع ول م يؤمن ه م ن‬
‫الخوف وأمﺗه لم ﺗمد إليه يد العون لﺗنﺗشله من الشقاء‪.‬‬
‫وللفقر أخطار سيئة أخرى على الصحة العامة‪ ،‬ولما يﺗبعه عادة من س وء الﺗغذي ة وس وء الس كن وس وء‬
‫الﺗهوية وعلى الصحة النفسية‪ ،‬لم ا يﻼزم ه ع ادة م ن الض جر والقل ق والس خط وف ي ذل ك كل ه آث ار س لبية عل ى‬
‫اﻹنﺗاج واﻻقﺗصاد إل ى غي ر ذل ك م ن اﻷض رار واﻵث ار الس لبية عل ى الف رد والمجﺗم ع‪ ،‬وأيض ا ً م ن آث ار الفق ر‬
‫انخفاض مسﺗوى الﺗعليم لدى أفراد اﻷسر الفقيرة‪ ،‬وذلك بسبب عدم قدرﺗها على اﻹنفاق على ﺗعليم اﻷبن اء‪ ،‬مم ا‬
‫يؤدي إلى انخفاض المهارات العلمية والفنية والمسﺗوى الثقافي بين أفراد اﻷسرة‪.‬‬
‫فاﻷمن من الفقر يﺗطلب وجود دخل أساسي مضمون للفرد من خﻼل العمل الذي يقوم به‪ ،‬أو من خ ﻼل‬
‫الضمان اﻻجﺗماعي الممول من الدولة وهذا يُعد المﻼذ اﻷخير كما أن اﻷمن من الفقر يﺗطلب الﺗع اون والﺗكاف ل‬
‫بين أفراد المجﺗمع عمﻼً بقوله ﺗعالى )و‪‬تَع‪‬او‪‬نُوا ع‪‬لَى الْبِر‪ ‬و‪‬التﱠقْو‪‬ى و‪‬لَا َتع‪‬او‪‬نُوا ع‪‬لَى اﻹِثْمِ و‪‬ا ْلع‪‬د‪‬و‪‬انِ(‪ ،‬فالﺗعاون والﺗكافل بين أبناء‬
‫المجﺗمع وﺗعاضده أساس بناء المجﺗمع وﺗقدمه فعن رسول ﷲ ﷺ أنه قال )مثل اﻟمؤمنين في توادهم وتراحمهم‬
‫وتعاطفهم‪ ،‬مثل اﻟجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى ﻟه سائر اﻟجسد باﻟسهر واﻟحمى(‪.‬‬
‫كما ﺗﺗم معالجة الفقر م ن خ ﻼل العم ل فه و الس ﻼح اﻷول لمحارب ة الفق ر‪ ،‬ف إن عل ى اﻹنس ان أن يعم ل‬
‫ليغني نفسه بنفسه‪ ،‬فالعمل هو أساس الثروة في اﻷرض وعلى اﻹنسان أن يسعى ليحصل على ه ذه الث روة م ن‬
‫اﻷرض ويكﺗشف خيراﺗها قال ﺗعالى )ه‪‬و‪ ‬الﱠذ‪‬ي ‪‬جع‪‬لَ لَكُم‪ ‬ويعمر الْأَر‪‬ض‪ ‬ذَلُوﻻ فَام‪‬ش‪‬وا ف‪‬ي م‪‬ن‪‬اك‪‬بِه‪‬ا و‪‬كُلُوا م‪‬ـن رِزْق‪‬ـه‪ .(‬وك ذا‬

‫ﺗرشيد اﻹنفاق قال ﺗعالى )و‪‬كُلُوا و‪‬اش‪‬ر‪‬ب‪‬وا و‪‬لَا تُس‪‬رِفُوا إِنﱠه‪ ‬لَا ي‪‬ح‪‬ب‪ ‬ا ْلم‪‬س‪‬رِف‪‬ﲔ‪.( ‬‬

‫وقد حث اﻹسﻼم اﻹنسان على عدم اﻹسراف في اﻹنفاق ويدعو إلى الﺗوسط واﻻعﺗدال في اﻹنفاق عم ﻼً‬
‫بقوله ﺗعالى ) و‪‬لَا تَ ‪‬جع‪‬لْ ي‪‬د‪‬كَ م‪‬غْلُولَةً إِلَى عنقك‪ ‬و‪‬لَا نَبس‪‬طها كُلﱠ الْب‪‬س‪‬ط‪ ،( ... ‬وقال ﺗعالى ) و‪‬الﱠذ‪‬ين‪ ‬إِذَا أَنفَقُ وا لَم‪ ‬ي‪‬س‪‬رِقُوا و‪‬لَـم‪ ‬ي‪‬قْتُـر‪‬وا ( ‪،‬‬
‫واﻹسراف ليس مﺗعلق بالمال فقط بل في كل ش يء حﺗ ى اﻻقﺗص اد بالم اء ف ي الوض وء ﻷداء الص ﻼة‪ ،‬كم ا ق د‬
‫وضع اﻻسﻼم حلول ﺗشريعية لﺗجنب مشكلة الفقر ووضع الحلول العﻼجية للفقراء والوقائية للمجﺗمع من خ ﻼل‬
‫نظام اﻷجور ومصارف الزكاة وح رم اﻻحﺗك ار والرب ا واﻻكﺗن از واﻹس راف‪ ،‬ف الفقر ع ائق م ن عوائ ق اﻷم ن‬
‫الفردي والمجﺗمعي‪ ،‬وحصول الفرد على الدخل اﻻقﺗصادي الك افي يش عره ب اﻷمن والطمأنين ة وي ؤدي لﺗحس ين‬
‫اﻷوضاع في شﺗى المجاﻻت‪ ،‬صحي وﺗعليمي وثقافي ‪...‬إلخ‬

‫الصفحة ‪ ٢٧‬من ‪٢٩‬‬


‫ثــانيا ً ‪ :‬اﻻنحراف وأثره على أمن اﻟمجتمع ‪:‬‬
‫إن اﻻنحراف ظاهرة اجﺗماعية وﻻ يخلوا منها أي مجﺗمع م ن المجﺗمع ات الغني ة والفقي رة ب ل وﻻ دول ة‬
‫من الدول الغنية أو الفقيرة‪ ،‬وأن كل مجﺗمع له معاييره أو قواعده وقوانينه الﺗي ﺗقوم عليه الحياة اﻻجﺗماعية في‬
‫العﻼقات أفراد المجﺗمع وأن أي انحراف عنها من أي فرد أو جماعة فإن ه س يﻼقي الل وم والﺗف اعﻼت والﺗع اون‬
‫والﺗرابط والﺗكافل والﺗكامل‪ ،‬ويلﺗزم بها جميع أو العق اب والج زاء بحس ب اﻻنح راف أو الجريم ة ح ين اقﺗرفه ا‬
‫على غيره من أفراد المجﺗمع أو على جماعة أو على المجﺗمع ككل أو على ممﺗلكاﺗهم أو ممﺗلكات اﻷمة ‪.‬‬
‫الﺗعريف اﻹجرائي لﻼنحراف اﻻجﺗماعي بأنه )السلوك المنحرف الذي ينﺗهك المع ايير والقواع د والق يم‬
‫اﻻجﺗماعية الﺗي اﺗفق عليها المجﺗمع في ﺗنظيم حياﺗه واسﺗمرارها واسﺗقرارها س واء م ن قب ل ف رد أو مجموع ة‬
‫من اﻷفراد‪ ،‬وأي خروج عنها يؤدي إلى الفوضى وزعزعة أمن واسﺗقرار الفرد والمجﺗمع(‬
‫وﺗعد البيئ ة المحيط ة باﻹنس ان م ن أه م اﻷس باب المؤدي ة إل ى اﻻنح راف حي ث ﺗلع ب دورا ً ف ي ﺗش كيل‬
‫الس لوك الس وي أو المنح رف ابﺗ دا ًء م ن البيئ ة الداخلي ة‪ ،‬وه ي بيئ ة اﻷس رة‪ ،‬ف إذا كان ت اﻷس رة يس ودها الق يم‬
‫اﻷخﻼقي ة واخ ﺗﻼل المع ايير اﻻجﺗماعي ة داخ ل اﻷس رة أو جه ل اﻷس رة باﻷس اليب الﺗربوي ة‪ ،‬ﻻ ش ك أن ه ذه‬
‫اﻷسباب سيكون لها انعكاساﺗها الﺗفكك وعدم اﻻسﺗقامة وانع دام الس لبية عل ى س لوك الف رد والعك س وك ذا البيئ ة‬
‫الخارجية الﺗي ﺗﺗمثل في المؤسسات الﺗعليمية كالمدرسة وغيرها‪ ،‬والبيئة الﺗي يعيش فيها‪ ،‬وبيئ ة العم ل والبيئ ة‬
‫الﺗرويحية الﺗي يقضي فيها الفرد وقت الفراغ ‪ ..‬إلخ‪ ،‬له ا أث ر عل ى س لوك الف رد نفع ا ً أو ض را ً ‪ ،‬فك ل بيئ ة له ا‬
‫دور في ﺗشكيل سلوك الفرد‪ ،‬فإذا كان أي من هذه البيئات يوجد فيها من ذوي السلوك الفاسد بﻼ شك أنها ﺗ ؤثر‬
‫سلبا ً على سلوك الفرد وقد ﺗؤدي إلى انحرافه‪ ،‬باﻹضافة إلى البيئة اﻻقﺗصادية والسياسية والثقافية ‪..‬الخ‪.‬‬
‫وكذا وسائل اﻹعﻼم وما قد يبث فيها من برامج ﻻ ﺗليق باﻵداب والقيم اﻷخﻼقية والدينية وك ذا أص دقاء‬
‫السوء‪ ،‬فعن رسول ﷺ أنه قال ‪" :‬مثل الجليس الصالح والسوء‪ ،‬كحامل المسك ونافخ الكير‪ ،‬فحام ل ْال ِمس ِك إم ا‬
‫ِيك‪ ،‬وإما أن ﺗَبَﺗاع ِمنهُ‪ ،‬وإما أن ﺗجد منه ريحا ً طيبة ونافخ الكير إما أن يُحرق ثيابك‪ ،‬وإم ا أن ﺗج د من ه‬
‫أن يُحذ َ‬
‫ريحا ً خبيثة"‪.‬‬
‫وكذا ضعف أو فقدان الوازع الديني ل دى الش خص المنح رف ي ؤدي ﻹقدام ه عل ى ارﺗك اب جريم ة م ن‬
‫الجرائم‪ ،‬فاﻻنحراف وليد عامل أو عدة عوامل أو هو حصيلة كل هذه العوامل الﺗي ﺗﺗفاعل فيما بينها‪.‬‬
‫لذا فاﻷسباب السالفة الذكر قد ﺗؤثر سلبا ً في سلوك الفرد مما قد ﺗؤدي إل ى اﻻنح راف والجريم ة‪ ،‬وه ذه‬
‫لها انعكاساﺗها السلبية على اﻷمن واﻻس ﺗقرار‪ ،‬له ذا ف اﻻنحراف يﺗ رك آث ار س لبية نظ را ً لم ا ي ؤدي م ن انﺗش ار‬
‫العديد من الجرائم الﺗي ﺗؤثر على اﻷمن الفردي واﻷمن المجﺗمعي‪ ،‬سوا ًء كان ت ج رائم اقﺗص ادية أو اجﺗماعي ة‬
‫أو ثقافية ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫فاﻻنحراف قد يؤدي إلى الروع وزعزعة اﻷمن والسكينة لدى الفرد والمجﺗمع‪ ،‬وهذا مما قد يؤدي إل ى‬
‫الﺗفكك اﻻجﺗماعي إﻻ إذا كان هذا اﻻنحراف لعدد كبير من الناس ولكن المجﺗمع المنظم يسﺗطيع أن يﺗحمل عدد‬
‫من المنحرفين دون أن يحدث به اضطراب اجﺗماعي‪.‬‬
‫واﻻنحراف قد يكون سببا ً في إفساد النظام الوظيفي للمجﺗمع‪ ،‬ولك ن موق ف انحراف ي واح د أو انح راف‬
‫شخص ما من النادر أن يؤثر على وظائف المجﺗمع ﻷن المجﺗمع يسﺗطيع امﺗص اص ع دد م ن المنح رفين دون‬
‫مﻼحظة ﺗأثير يُذكر‪ ،‬ولكن اﻻنحراف المسﺗمر والمنﺗشر قد يكون سببا ً ﻻخﺗﻼل المجﺗمع‪ ،‬ف اﻻنحراف ق د يع وق‬
‫النسق اﻻجﺗماعي واﻻقﺗصادي وكل النظم ﺗحﺗاج إلى ﺗعاون اﻷفراد فيما بينهم ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ ٢٨‬من ‪٢٩‬‬
‫ف اﻻنحراف ف ي الجماع ة ق د يحط م دواف ع الﺗكي ف والﺗواف ق عن د اﻵخ رين‪ ،‬فم ثﻼً عن دما يق وم ش خص‬
‫منحرف أو أشخاص منحرفون بأداء أعمال منحرفة عن القيم والقوانين المﺗع ارف عليه ا ف ي المجﺗم ع‪ ،‬خاص ة‬
‫إذا نجح المنحرف في ﺗنفيذ جرعﺗه أو عمله غير السوي ولم يُعاقب وحقق ما يريده بﻼ ش ك أن ذل ك سيض عف‬
‫اسﺗجابة اﻵخرين لﻼمﺗثال للمعايير والقوانين‪ ،‬أم ا إذا عوق ب المنح رف م ثﻼً ال ذي يغ ش ف ي اﻻمﺗح ان بعقوب ة‬
‫الرس وب‪ ،‬وك ذلك الس ارق والزان ي وش ارب الخم ر والقاﺗ ل ‪ ...‬ال خ إذا ُ‬
‫طب ق ف ي حقه م الح دود الش رعية الﺗ ي‬
‫حددها اﻹسﻼم‪ ،‬فإن ذلك سوف يعزز من قيمة العقوبات الشرعية والقانونية‪ ،‬وس ﺗكون رادع ا ً وعب رة لﻶخ رين‬
‫ممن ﺗسول لهم نفوسهم الضعيفة بالشروع في اﻹجرام‪.‬‬
‫وفيما سبق ﺗأكيد على أن اﻻنحراف يشكل خطرا ً عل ى أم ن الف رد والجماع ة والمجﺗم ع وبال ذات عن دما‬
‫يصبح اﻹنسان يعيش في حالة خوف من أي اعﺗداء عل ى حياﺗ ه‪ ،‬وعل ى ممﺗلكاﺗ ه بالس رق أو الس لب أو النه ب‬
‫إل خ‪ ،‬وعن دما يص بح ﻻ يس ﺗطيع أن يﺗ رك منزل ه أو س يارﺗه أو مزرعﺗ ه أو مﺗج ره ب دون حماي ة خوف ا ً م ن‬
‫المنحرفين وكلما زاد عدد المنحرفين كلم ا زادت نس بة اﻷخط ار‪ ،‬ل ذا ينبغ ي وقاي ة الف رد م ن اﻻنح راف وذل ك‬
‫بغرس كل القيم الفاضلة المسﺗمدة من ﺗعاليم الدين اﻹسﻼمي الحنيف والقيم واﻷعراف اﻻجﺗماعية ونبذ ك ل ق يم‬
‫الشر والرذيلة‪.‬‬
‫ويجب ﺗفعيل دور اﻷسرة في ﺗحصين الفرد من اﻻنحراف‪ ،‬ف إذا ﺗش بع بك ل الق يم الفاض لة من ذ الطفول ة‬
‫فقد ﻻ يسﺗطيع أحد أن يخﺗرقه أو يسﺗميله إلى اﻻنحراف‪ ،‬أما الخ ط الوق ائي الث اني فيﺗمث ل ف ي البيئ ة الخارجي ة‬
‫كالمؤسسات الﺗعليمية والبيئة اﻻجﺗماعية الﺗي يعيش فيها الفرد وبيئة العمل وجماعة الصحبة والبيئة الﺗرويحي ة‬
‫ووس ائل اﻹع ﻼم واﻹرش اد نح و ق يم الخي ر والفض يلة ‪..‬إل خ‪ ،‬باﻹض افة إل ى ذل ك فوس ائل الض بط اﻻجﺗم اعي‬
‫الرسمية والغير رسمية أن ﺗكون قادرة وفاعلة في ردع كل من ﺗسول له نفسه في اﻻنحراف واﻹجرام أي ا ً ك ان‬
‫نوعه ومصدره حفاظا ً على اﻷمن الفردي واﻷمن اﻻجﺗماعي الشامل‪.‬‬

‫الصفحة ‪ ٢٩‬من ‪٢٩‬‬

You might also like