Professional Documents
Culture Documents
التقنية والعلم م1- م2
التقنية والعلم م1- م2
التقنية والعلم
تمهيد:
إن ما يميز حياة اإلنسان المعاصر هو االعتماد الكبير على اآلالت والمعدات التقنية ،التي يستخدمها باستمرار ،والتي أصبحت
تشكل جزءا من وجوده .وقد ارتبطت التقنية دائما بالمعرفة العلمية .فليس هناك من العلماء من يقوم بالبحث العلمي بشكل
خالص ومجرد عن المنفعة ،فاألمر يتعلق في أغلب األحيان ببحث تطبيقي في مجاالت متعددة .ومن جهة أخرى يقتضي العلم
االعتماد على آالت وتقنيات جديدة .لذلك فقد ساهم التطور التقني والتكنولوجي في تقدم وتطور العلوم .فما طبيعة العالقة التي
تجمع التقنية بالعلم؟ وهل تمكن اإلنسان بفضل التقنية من السيطرة على الطيعة؟ وما إيجابيات وسلبيات التقدم التقني؟
المحور األول :التقنية والعلم.
.1المستوى المفاهيمي:
التقنية :يستعمل التقنية بالمعاني التالية:
-من الناحية االشتقاقية يرجع مفهوم التقنية إلى اللفظ اإلغريقي technéوالذي يعني الصنع واإلنتاج والنشاط
الفعال.
-تدل التقنية على اإلتقان والمهارة والتفنن في إنجاز عمل ما أو صنع شيء من األشياء ،نقول مثال العب له تقنيات
عالية.
-ما ينتمي إلى مجال محدد ومتخصص في الممارسة والمعرفة ،بهذا المعنى نقول مصطلحات تقنية.
-مجموع اإلجراءات المستعملة قصد إنتاج شيء ما أو الحصول على نتيجة محددة .مثال :تقنيات المسرح ،تقنيات
السينما ،تقنيات فنون الحرب... ،
-مجموع اإلجراءات المنهجية المؤسسة على معرفة علمية والمستعملة في اإلنتاج.
-مجموع اآلالت واألجهزة وما يمثل التقدم الصناعي.
-وفي المعجم النقدي والتقني للفلسفة يقدم أندري الالند التعريف التالي للتقنية« :مجموعة من العمليات واإلجراءات
المحددة تحديدا دقيقا ،والقابلة للنقل والتحويل والرامية إلى تحقيق بعض النتائج التي تعتبر نافعة».
يتبين من هذا التعريف أن التقنية هي :أوال ،عمليات وإجراءات محددة بدقة وهادفة إلى تحقيق غرض معين وجدت
دروس األستاذ بنمحمد الحسين مقرر السنة األول ى باكالوريا
من أجله .وهي ثانيا ،قابلة للتعليم والتعلم والتطوير والتداول واالنتشار داخل وسط ما ومن هنا طابعها االجتماعي.
وهي أخيرا ،تحقيق ألهداف عملية نفعية معينة ،بمعنى أن التقنية ليست ترفا بل هي سد لحاجة أو نقص ما لدى
اإلنسان.
التكنولوجيا :مجموع التقنيات واإلجراءات التي تمكن من صنع منتوج معين باالعتماد على تطبيق المعرفة العلمية
على مهام عملية (مثال تكنولوجيا الفضاء) .ويدل كذلك هذا المفهوم على مبحث يهتم بالتفكير في التقنيات.
.2المستوى اإلشكالي:
هل التقنية مجرد تطبيق للعلم أم أنها مستقلة بشكل كامل عن العلم؟
هل العلم هو الجزء النظري للتقنية ،وهذه األخيرة هي الجزء العملي والتطبيقي للعلم؟
هل العلم يبني على التقنية أم أن التقنية تبنى على العلم؟
هل التقنية سابقة على العلم ام أنها الحقة عليه؟
هل التقنية والعلم أمران مستقالن من حيث طبيعتهما؟
.3تحليل نص بول فيريليو :الصفحة 68من كتاب منار الفلسفة ،الشعبة العلمية.
❖ صاحب النص :بول فيريليو ) (Paul Virilioهو فيلسوف فرنسي ولد سنة 1932وتوفي سنة .2018اشتهر بشكل
أساسي بكتاباته حول التكنولوجيا والسرعة.
❖ المرجع :الحرب ،السرعة والصورة.
أفكار النص: ❖
❖ إشكال النص :ما عالقة التقنية بالحادثة؟ وما هي اآلثار المترتبة عنها؟
❖األساليب الحجاجية:
• أسلوب العرض :وظف الفيلس وف في بداية نصه فكرة أساسية مضمونها أن اختراع التقنيات يكشف عن حوادث لها
خصوصية.
• أسلوب المثال :استدل صاحب النص بمجموعة من األمثلة من أجل توضيح وتوسيع فكرته ،وهي:
-اختراع الباخرة هو اختراع لغرقها ،واختراع القطار هو اختراع لخروجه عن السكة ،واختراع الطائرة هو اختراع
لسقوطها ،واختراع الكهرباء هو اختراع للصعق بها ،والغرض من ذلك أن يبين ارتباط ظهور التقنيات بحوادث لها
خصوصية.
-إن اختراع السكة الحديدية ارتبط بالحاجة لهندسة الجسور والطرقات وكذلك لهندسة اآللة البخارية وهندسة حركة
المرور من أجل تطوير التقنية وجعلها مسايرة للحياة اإلنسانية.
• أسلوب التبرير :يبرر صاحب النص فكرة أن الحوادث المرتبطة بشبكات االتصال كاالنترنت وغيرها ال نرى فيها سيارات
دروس األستاذ بنمحمد الحسين مقرر السنة األول ى باكالوريا
عنه في تنمية المجتمعات المختلفة على جميع المستويات .فعلى الرغم من أن المعنى الشائع لمفهوم التقنية في اللسان
العربي نجده يقابل العلم ،كما تقابل الممارسة النظرية والتطبيق المعرفة ،فهناك تفاعل بينهما ألن التقنية هي مجموع الوسائل
واألدوات التي يخترعها اإلنسان اعتمادا على العلم .وهذا ما يدفعنا لطرح اإلشكاالت التالية :ما طبيعة العالقة التي تجمع بين
التقنية والعلم؟ هل التقنية كانت قائمة قبل العلم؟ أم أن هذا األخير ظهر بشكل متأخر مقارنة مع التقنية؟
يؤكد معظم الفالسفة واألنثربولوجيون أن البعد التقني سابق أو على األقل مالزم للبعد المعرفي في اإلنسان ،وأن اإلنسان
نفسه كائن صانع قبل أن يكون كائنا عارفا ،بمعنى أن المهارات العملية لإلنسان سابقة بل متفوقة على مهاراته النظرية أو
المعرفية .وهذا ما يبينه الفيلسوف الفرنسي أالن الذي اعتبر أن اإلنسان القديم كان ماهرا في القنص رغم امتالكه معلومات
خاطئة عن هذه العملية ،لذلك فالتقنية لم تنشأ عن معرفة علمية مسبقة .وإذا كانت التقنية قد تطورت عبر تاريخ اإلنسانية
تطورا بطيئا عبر عشرات القرون :الحجر ،الحديد ،البروز ،فإنها أخذت تتحول نوعيا من التقنية اليدوية إلى التقنية المعتمدة
على اآلالت مع ظهور العلم الحديث ابتداء من القرن السابع عشر في أوربا .فقد تالحقت الثورات التقنية تباعا :الثورة
البخارية ،المحرك االنفجاري ،اكتشاف الكهرباء ونتائجه ،الثورة اإللكترونية ،المعلوميات ،الثورة الجينية ،وهي تحوالت
تحكمها معايير التسارع والميل إلى االستقالل الذاتي والكونية والتطور العلمي بعيدا عن أي منظور غائي ،وذلك في إطار
تصور جديد للعلم ذاته .ولم يعد العلم في الف ترة الحديثة والمعاصرة كما كان في العصور القديمة معرفة نظرية شاملة متقابلة
مع التقنيات كصناعات وممارسات علمية ،بل أصبح العلم مرتبطا عضويا بالتقنية .وقد كشف الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو
عن هذه العالقة الوثيقة من خالل تحليله لعالقة الحوادث بتطور التقنيات .فاكتشاف الحوادث المتعلقة بالتقنيات الحديثة
وتحليلها وفهمها يؤدي إلى تطوير التقنيات وتحسينها وإعطائها بعدا اجتماعيا وإنسانيا .وقد تحدث الفيلسوف الفرنسي
موسكوفيتشي عن هذه العالقة الوثيقة كذلك من خالل تأكيده على أن المهندس الذي يصمم ويخطط لتطوير التقنيات يشترط
فيه أن يلم بالعلم الرياضي لتكميم الوقائع وتحويلها إلى حسابات رياضية .وبهذا يصبح صنع اآلالت والتقنيات الميكانيكية
مرهونا بتكوين معرفة نظرية قبلية ،تتمثل في الحساب الرياضي الذي يجريه المهندس .وقد استشهد موسكوفيتشي بالعالم
اإليطالي الكبير ليوناردو دافنشي الذي كان يلجأ إلى الهندسة والحساب الرياضي لصياغة التقنيات التي توصل إليها ،كالعجلة
المسننة مثال ،وذلك لتأكيده على جدلية العلم والتقنية .وهذا التفاعل الموجود بينهما وضحه الفيلسوف الفرنسي إدغار موران
حينما اعتبر أن التجريب العلمي يؤدي إلى ابتكار آالت تقنية ،وتساهم هذه األخيرة بدورها في إجراء التجارب العلمية
وتطويرها ،ويرتبط كل هذا بالمصالح االقتصادية والسياسية للمجتمع.
خالصة القول ،فعالقة التقنية بالعلم هي عالقة إشكالية ،ففي العصور اليونانية القديمة نالحظ أن الرياضيات تطورت
بمعزل عن أي اهتمام تقني ،كما أن هناك تقنيات ظهرت قبل أن يظهر التفسير العلمي لها (البوصلة الشمسية مثال) .ولكن
على الرغم من ذلك ال يبدو أن التقنية تطورت بمعزل عن العلم ،كما أنه ال يمكن أن يتطور العلم إال بفضل تقدم األدوات
التقنية ،لذلك فهما يتفاعالن .فالتقنية نشاط إنساني أساسي تقوم عليه باقي األنشطة اإلنسانية األخرى ،وهو جزء من نسيج
العالقات االجتماعية ،باعتبارها تطبيقات عملية للمعرفة العلمية مثل المفاعالت النووية واالستنساخ والطاقة الحرارية... ،
دروس األستاذ بنمحمد الحسين مقرر السنة األول ى باكالوريا
-يدعو ديكارت إلى اإلفصاح عن مبادئ العلم الطبيعي ألنه يحقق فائدة لإلنسان .فقيمة هذه المبادئ عملية وليست
نظرية ،وبالتالي تمكن من تحقيق المصالح وجلب الخير للناس.
-يدعو ديكارت إلى البحث عن بديل للفلسفة التأملية وليس نبذها وعدم االهتمام واالكتراث بها.
-يعتبر صاحب النص أن العلم الطبيعي يقدم معرفة بقوانين الطبيعية تسمح لإلنسان بالسيطرة على الطبيعة
وتسخيرها لمصالحه واستغالل ثرواتها وجلب المنافع.
❖ موضوع النص :الفلسفة العملية والفلسفة النظرية.
❖ إشكال النص :ما العالقة التي أقامها اإلنسان بالطبيعة؟ وإلى أي حد تمكن من السيطرة عليها بواسطة التقنيات؟
إن العلم الطبيعي (الفلسفة العملية) يمكننا من معرفة القوانين التي تخضع لها الظواهر الطبيعية ،وهو األمر الذي يجعل
اإلنسان قادرا على السيطرة على الطبيعة وتسخيرها لما يحقق مصالحه ،فيصبح مالكا لها وسيدا عليها.
األساليب الحجاجية: ❖
▪ أسلوب العرض :يبدأ النص بفكرة عامة وهي أن مبادئ العلم الطبيعي توفر الخير للجميع.
▪ أسلوب المثال :وظف الفيلسوف أمثلة لظواهر طبيعية :النار ،الماء ،الهواء ،الكواكب ،السماوات ،والغرض من ذلك هو
توضيح أن معرفة مكوناتها والقوانين المتحكمة فيها ،يؤدي إلى السيطرة عليها وتسخيرها لخدمة مصالح اإلنسان ،وهذا
فيه تبيان فائدة العلم الطبيعي.
▪ أسلوب التفسير :يوضح صاحب النص فكرته األساسية من خالل تأكيده على أن الفلسفة العملية تمكن من جعل الناس
سادة للطبيعة ومالكيها وتحقق حفظ الصحة وضمان أسباب الراحة.
▪ أسلوب التبرير :برر الفيلسوف فكرته من خالل اعتباره أن معرفة قوانين الطبيعة تجلب منفعة عظيمة في الحياة (...
دروس األستاذ بنمحمد الحسين مقرر السنة األول ى باكالوريا
ألن هذه المبادئ أبانت لي أنه يمكن الوصول إلى معارف عظيمة النفع في الحياة .)...
▪ أسلوب التضاد :نظرية/عملية.
▪ أسلوب الدحض :يدحض ديكارت الفلسفة التأملية النظرية التي كانت سائدة في القرون السابقة ،ألنها فلسفة عقيمة،
وغير اختبارية ،وغير مفيدة ،وال تؤدي إلى السيطرة على الطبيعة ،ويتبين هذا في الجملتين التاليتين:
« ...ومبلغ اختالفها عن المبادئ التي استخدمت إلى اآلن»...
« ...أنه يمكننا أن نجد بدال من هذه الفلسفة النظرية ...فلسفة عملية»...
تعليق حول النص: ❖
إن موقف ديكارت من الفلسفة التأملية النظرية هو موقف تجاوز وقطيعة ورفض ،ألنها في نظره فلسفة عقيمة وجوفاء ،وال
تنتج عنها أية منافع ملموسة على المستوى العملي .فبدل االهتمام بشكل نظري بالمبادئ التي ترتكز عليها الفلسفة
السكوالئية التي كانت سائدة في القرون الوسطى ،دعا ديكارت إلى تعميق البحث في الشق العملي من الفلسفة والعلوم ،وذلك
يتم عن طريق فهم ومعرفة القوانين التي تتحكم في الظواهر ،وهي خطوة أساسية للسيطرة عليها وتحويلها إلى منتوجات
صناعية وثقافية يستفيد منها اإلنسان .فإذا أحاط اإلنسان بمبادئ التقنية ،فإنه يتمكن من فهم قوى الطبيعة وتسخيرها
لصالحه ،وبالتالي التحكم فيها ،والتملص من التبعية للظروف الطبيعية .فالتوصل إلى طرق تسخير قوى الطبيعة ،سيجعل
اإلنسان مالكا لها وسيدا بعدما كان عبدا ذليال لها.
.4موقف سيرج موسكوفيتشي )(Serge Moscovici 1925 – 2014
يؤكد هذا الفيلسوف الفرنسي ذو األصل الروماني أن التقنية ال تتعارض مع الطبيعة ،وإنما تؤدي إلى تطوير العالم
الطبيعي .فهو يعترض بشدة على القول الذي يذهب إلى اعتبار التقنية الحديثة معارضة ومناقضة للطبيعة ،سواء كانت
طبيعتنا كبشر (مشاهد التدمير الذي تخلفه الصواريخ مثال) أو تعلقت بالوسط الطبيعي (المدن التي تقصي األشجار
والحيوانات مثال) .فالتقنية في نظره تسهم في اختراع قوى مادية أخرى تنضاف إلى القوى الطبيعية ،فهي لم تقلص الطبيعة
ولم تدمرها ،ولكن غيرتها وأضفت عليها طابعا تقنيا وصناعيا .فالعالم الطبيعي لم يعد عالما تقنيا ،ولكن التقنية أسهمت في
تطوره وتغييره .فإذا كانت األدوات المصنوعة هي امتداد لجسم اإلنسان ومتكيفة معه ،فإن اآللة بدورها ستكون متكيفة معه
ومع الوسط الطبيعي .فالممارسات اإلنسانية ال يتولد عنها بالضرورة ما مضاد للطبيعة ،وإنما تندرج في إطار سيرورة
تتوافق مع حركة السير الطبيعي للكون.
.5موقف هنري برجسون )(Henri Bergson 1849 – 1941
يعتبر الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون أن ذكاء اإلنسان يستعمل الطبيعة وموادها ويبتكر منها أشياء صناعية
وأدوات وتقنيات ،تستعمل هي األخرى في صنع أشياء أخرى .فهناك عالقة تأثير وتأثر وتفاعل بين الذكاء اإلنساني وابتكار
األدوات المصنوعة .فإذا كانت التكنولوجيا تؤثر في الذكاء اإلنساني وتؤدي إلى تطويره ،فهذا األخير يتجلى في األشياء
الصناعية .والتصنيع بطبيعة الحال يتطلب استعمال مواد طبيعية خام ،غير أنه يتم النظر إلى هذه األخيرة كمواد جامدة دون
االهت مام بطبيعتها الحيوية .ومعنى ذلك أن التدخل التقني في الطبيعة نزع عنها جانبها الحيوي ،وحولها لمجرد أدوات ال حياة
لها ،وأهمل طبيعتها الحية.
.6خالصة المحور
إن ما يميز التقنية هو كونها خاصية إنسانية ضاعفت قوة اإلنسان وغيرت نمط تعامله مع الطبيعة ومكنته من توسع
مجاالت نشاطه وتنويعها .وقد سعى اإلنسان من خالل استعماله للتقنية إلى ترويض الطبيعة من أجل استعمالها والتحكم فيها.
أي أن التقنية وسيلة يسعى اإلنسان من خاللها ممارسة سلطته على الطبيعة .فما عالقة التقنية بالطبيعة؟
إن التقنية كما قال أريسطو إما أن تحاكي الطبيعة أو تقوم بما تعجز الطبيعة عن فعله .فالتقنية تصنع شيئا ما ،وليس
دروس األستاذ بنمحمد الحسين مقرر السنة األول ى باكالوريا
هناك شيء في الطبيعة يماثل المطرقة وآلة الكتابة .لقد ارتبطت التقنية دائما باعتبارها مهارة بالعمل اليدوي .فاإلنسان هو
الكائن الوحيد بين الكائنات الطبيعية الذي يستخدم يديه كأدوات ،ويقدر على استخدام أدوات بيديه .فتطور اليد كأداة جاء
نتيجة وضعية االنتصاب التي تميز اإلنسان وكذلك بفضل تطور الدماغ وتمفصل اللغة .فالتقنية عند اإلنسان هي استراتيجية
وخطة للحياة بهدف التخلص من سيطرة الطبيعة .وقد اعتبر فرانسيس بيكون أنه ال يمكن السيطرة على الطبيعة إال
بالخضوع لها ،وذلك يقتضي فهمها عن طريق اكتشاف القوانين التي تحكمها وابتكار األدوات التقنية األولية وصنع اآلالت
التقنية الحديثة .من هنا يمكن تلخيص طبيعة العالقة من خالل التصور الديكارتي .فقد دافع ديكارت عن علم الطبيعة ،وعن
الفلسفة العملية المرتبطة به ،ألنهما أثبتا فائدتهما على مستوى الواقع الفعلي .فعلم الطبيعة يضع المبادئ النظرية والقوانين
التي تحكم الظواهر الطبيعية .وتمكن معرفة مكونات هذه األخيرة اإلنسان من أن يصبح سيدا على الطبيعة ومالكا لها .وفي
هذا الصدد يؤكد الفيلسوف الفرنسي موسكوفيشي أن التقنية ليست مضادة للطبيعة كما هو الشأن بالنسبة لديكارت ،بل هي
جزء منها ،أي هي الوجه اآلخر للتطور الذي حصل في العالم الطبيعي ككل ،فاألشياء التي حولها اإلنسان إلى صناعات آالت
هي جزء ال يتجزأ من الطبيعة وليست غريبة عنها .فكل ممارسة إنسانية ،بما هي إنسانية ،ال يتولد عنها ما هو مصطنع أو
ما هو مضاد للطبيعة ،بل إنها تنخرط بشكل توافقي في حركة الكون المادي نفسه.
لقد أدى الحلم الديكارتي بأن يكون اإلنسان سيدا للطبيعة ومالكا لها إلى إلحاق أضرار بالغة بالطبيعة واإلنسان مادام أن هدفه
هو اإلنتاج .وفي هذا الصدد يؤكد الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون أن التدخل التقني في الطبيعة نزع عنها ما يتعلق
بالحياة واالندفاع الحيوي .فاإلنسان بتغييره لمواد الطبيعة بهدف صنع أدوات وأشياء نزع عنها طابعها الحيوي وحولها إلى
مواد جامدة خالية من الحياة .فاستعمال اإلنسان لذكائه يقتضي جعل الطبيعة موضوعا جامدا ال حياة فيه.
في الختام ،يتبين أن عالقة التقنية بالطبيعة يحكمها التناقض ،ففي القديم كان اإلنسان خاضعا للطبيعة وفي حاجة
ماسة إليها لتلبية ضرورياته البيولوجية ،ولتحويل موادها إلى أدوات صناعية ،لذلك فقد كان سعيه دائما التحكم فيها
لتسخيرها لمصلحته .أما اليوم فيمكن الحديث عن خضوع من نوع ثاني لإلنسان تجاه الطبيعة حيث أصبح ضعيفا أمامها
وتهدده وتتملكه ،وذلك بسبب إفراطه في التحكم فيها بواسطة العلم والتقنية.