Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 260

‫ﺩ‪ .

‬ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻏﻮﺭﺩﻭ‬

‫ﺍﻟﺤﻜﺎﻣﺔ ﺍﻟﺠﻴﺪﺓ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻱ‬
‫ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ‬
‫(‬
‫(‬
‫‪E-KUTUB‬‬
‫الحكامة الجيدة‬
‫في النظام الدستوري المغربي‬
‫د‪ .‬عبد العزيز غوردو‬

‫‪1‬‬
2
‫الحكامة الجيدة‬
‫في النظام الدستوري المغربي‬

‫د‪ .‬عبد العزيز غوردو‬

‫إصدارات إي‪-‬كتب‬
‫لندن‪ ،‬نوفمبر ‪2015‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Good Governance in Moroccan Constitutional Order‬‬
‫‪By: Abdelaziz Ghourdou‬‬
‫‪Copyright E-kutub Ltd 2015‬‬
‫‪Published by E-Kutub.com‬‬
‫‪ISBN: 9781780581835‬‬
‫*****‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬لندن‪ ،‬تشرين االول‪-‬نوفمبر ‪2015‬‬
‫المؤلف‪ :‬د‪ .‬عبد العزيز غوردو‬
‫الناشر‪ ،E-kutub Ltd :‬شركة بريطانية مسجلة في انجلترا برقم‪:‬‬
‫‪7513024‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلف‪.‬‬
‫ال تجوز إعادة طباعة أي جزء من هذا الكتاب ألكترونيا أو على ورق‪ .‬كما‬
‫ال يجوز االقتباس من دون اإلشارة الى المصدر‪.‬‬
‫أي محاولة للنسخ أو إعادة النشر تعرض صاحبها الى المسؤولية القانونية‪.‬‬
‫إذا عثرت على نسخة عبر أي وسيلة اخرى غير موقع الناشر (إي‪ -‬كتب)‬
‫أو غوغل بوكس‪ ،‬نرجو اشعارنا بوجود نسخة غير مشروعة بالكتابة الينا‪:‬‬
‫‪ekutub.info@gmail.com‬‬
‫يمكنك الكتابة الى المؤلف على العنوان التالي‪:‬‬
‫‪ghourdou.abdelaziz@voila.fr‬‬

‫‪4‬‬
‫الفهرس‬
‫مقدمة‪11....‬‬
‫الفصل األول‪ :‬المفاهيم واألصول‪21....‬‬
‫المبحث األول‪ :‬النظام الدستوري المغربي‪23....‬‬
‫المطلب األول‪" :‬النظام الدستوري" والمفاهيم المجاورة‪23....‬‬
‫الفرع األول‪ :‬في الفصل بين "النظام السياسي" و"النظام الدستوري"‪24....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬جدلية العالقة بين "النظام الدستوري" و"القانون‬
‫الدستوري"‪32....‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طبيعة النظام الدستوري المغربي‪38....‬‬
‫الفرع األول‪ :‬قبل ‪ :2011‬نظام دستوري تقليداني‪39....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬دستور ‪ 2011‬والتأسيس لنظام دستوري جديد‪49....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المضمون الجديد للمؤسسة الملكية‪"/‬إمارة المؤمنين"‪53....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة المؤسسة الملكية بالسلطتين التشريعية والتنفيذية‪57....‬‬
‫أوال‪ :‬الوظيفة التشريعية‪ :‬الملك؛ البرلمان؛ الحكومة‪68....‬‬
‫ثانيا‪ :‬سلطة تنفيذية برأسين‪59....‬‬
‫ثالثا‪ :‬اختراق الطابق العلوي للسلطة‪61....‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الحكامة الجيدة‪ :‬مفهومها؛ أركانها؛ حركيتها في‬
‫التاريخ‪68....‬‬
‫المطلب األول‪ :‬إيتيمولوجيا الحكامة الجيدة وأركانها‪69....‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الحكامة‪ :‬المفهوم ومكوناته‪69....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬رصد المفهوم‪69....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الحكامة الجيدة‪ :‬المعايير؛ المبادئ؛ الخصائص‪77....‬‬
‫أوال‪ :‬المبادئ العامة للحكامة الجيدة‪78....‬‬
‫ثانيا‪ :‬خصائص الحكامة ومعاييرها‪79....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحكامة الجيدة‪ :‬متابعة تاريخية‪81....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مصادفة القرنين ‪ 6‬و‪ 5‬ق‪ .‬م‪ :‬الصين واإلغريق‪81....‬‬
‫أوال‪ :‬الصين الكونفوشية‪82....‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلغريق‪ :‬فيتاغورس؛ سقراط؛ واآلخرين‪85....‬‬

‫‪5‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلسالم والطموح إلى الحكم الرشيد‪88....‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحكامة الجيدة في المغرب قبل دستور‪92....2011‬‬
‫الفرع األول‪ :‬قبل تداول المفهوم‪92....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ظهور المفهوم وانتشاره‪99....‬‬
‫أوال‪ :‬نهج سياسة االنفتاح‪103....‬‬
‫ثانيا‪ :‬مالءمة النصوص القانونية والتشريعية‪103....‬‬
‫خاتمة الفصل األول‪108....‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬محورية الحكامة الجيدة في النظام الدستوري‬
‫المغربي‪111....‬‬
‫المبحث األول‪ :‬دسترة الحكامة الجيدة (‪112.... )2011‬‬
‫المطلب األول‪ :‬موقع الحكامة الجيدة من الهندسة الدستورية‪112....‬‬
‫الفرع األول‪ :‬وصف مورفولوجي‪ :‬السياق والهيكلة‪113....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬سياق دسترة الحكامة من سياق التعديل الدستوري‪113....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الحكامة الجيدة في دستور ‪ :2011‬مقاربة إحصائية‪116....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬انتظام مؤسسات وهيئات الحكامة الجيدة ضمن المتن‬
‫الدستوري‪121....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الطرح الفقهي المتداول ومناقشته‪122....‬‬
‫أوال‪ :‬الطرح الفقهي‪122....‬‬
‫ثانيا‪ :‬مناقشة الطرح الفقهي وتقويمه‪125....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اقتراح نموذج بديل‪132....‬‬
‫أوال‪ :‬التحديد الدستوري الضيق‪132....‬‬
‫ثانيا‪ :‬التحديد الدستوري الواسع‪132....‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الغاية من دسترة الحكامة الجيدة والديمقراطية‬
‫المنشودة‪137....‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الغاية من دسترة الحكامة الجيدة‪ :‬تحليل المضمون‪138....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحكامة الجيدة‪ :‬آفاق مستقبلية لتثوير النظام الدستوري‬
‫المغربي‪147....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الحكامة الجيدة من مقدمات التحديث الدستوري‪147...‬‬
‫أوال‪ :‬اعتماد المقاربة التشاركية‪148....‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحكامة مبدأ يعني الجميع‪149....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬إرساء نظام دستوري انتقالي‪151....‬‬

‫‪6‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬في طبيعة العالقة بين الحكامة الجيدة والنظام الدستوري‬
‫المغربي‪163....‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المؤسسة الملكية والسلطة التنفيذية‪164....‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المؤسسة الملكية‪164....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تداخل األدوار في شخص الملك‪ /‬أمير المؤمنين‪165....‬‬
‫أوال‪ :‬السلطة التنفيذية وقيادة الجيش‪165....‬‬
‫ثانيا‪ :‬االختصاص التشريعي والقضائي‪167....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تغيير تدريجي على أدوار المؤسسة الملكية‪169....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬السلطة التنفيذية‪/‬الحكومة‪174....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬النصوص المؤطرة للحكامة الجيدة‪175....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬وزارة الشؤون العامة والحكامة‪185....‬‬
‫أوال‪ :‬على المستوى الشكلي‪187....‬‬
‫ثانيا‪ :‬على مستوى المضمون‪189....‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬السلطتان التشريعية والقضائية‪193....‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السلطة التشريعية‪193....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ االستقاللية‪194....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ التمثيلية والمشاركة؛ ومبدأ األداء والنزاهة‪202....‬‬
‫أوال‪ :‬مبدأ التمثيلية والمشاركة‪202....‬‬
‫ثانيا‪ :‬مبدأ األداء والنزاهة‪206....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬السلطة القضائية‪214....‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الواقع والطموحات قبل التعديل الدستوري األخير‪215....‬‬
‫أوال‪ :‬استقالل القضاء‪215....‬‬
‫ثانيا‪ :‬النزاهة‪218....‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مستجدات الوثيقة الدستورية ‪219....2011‬‬
‫أوال‪ :‬تجليات الحكامة القضائية من خالل الدستور‪219....‬‬
‫ثانيا‪ :‬شروط التنزيل السليم لمبادئ الحكامة القضائية التي جاء بها‬
‫الدستور‪225....‬‬
‫خاتمة الفصل الثاني‪231....‬‬
‫خاتمة عامة‪233....‬‬
‫قائمة المراجع المعتمدة‪237....‬‬

‫‪7‬‬
8
‫تصدير‬
‫«ال ينبغي النظر إلى اضطرابات الحاضر فقط‪ ،‬ولكن إلى ما‬
‫سيقع منها في المستقبل‪ ،‬والتأهب له قبل وقوعه‪ .‬فما يمكن‬
‫التنبؤ به يمكن عالجه بسهولة‪ ،‬أما إذا انتظرنا إلى أن تداهمنا‬
‫المخاطر‪ ،‬فسيصبح العالج متأخرا عن موعده وتستعصي‬
‫العلة؛ ويحدث هنا مثلما يحدث في ال ُح ّميات غير المستقرة‪،‬‬
‫فاألطباء يقولون إنها في بدايتها تكون صعبة التشخيص‬
‫وسهلة العالج‪ ،‬بينما تكون سهلة التشخيص وصعبة العالج‬
‫وهي في نهايتها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وهذا هو الحال في أمور الدولة‪».‬‬
‫مكيافيللي ‪Nicolas MACHIAVEL‬‬

‫‪ -1‬نيقوال مكيافيللي‪ :‬األمير‪ ،‬ترجمة أكرم مؤمن‪ ،‬مكتبة ابن سينا‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،2004‬ص‪.28 – 27 .‬‬
‫‪9‬‬
10
‫مقدمة‬
‫دخل مفهوم "الحكامة" – أو "الحكامة الجيدة"– مؤخرا‬
‫قاموسنا السياسي واالجتماعي واالقتصادي‪ ...‬وقد تداولته أقالم‬
‫كثيرة‪ ،‬وتم الزج به‪ ،‬بمناسبة ومن دون مناسبة‪ ،‬في الكتابات‬
‫الصحفية‪ ،‬والدراسات األكاديمية‪ ،‬والخطب السياسية‪...‬‬
‫وفي نظرنا إن لجدة كل مفهوم دخيل سحرا وإغراء يجعل‬
‫االختيار يقع عليه‪ ،‬ويوقع به‪ ،‬في أحيان كثيرة‪ ،‬خاصة عندما ال‬
‫يتم حصر إطاره الذي نشأ فيه‪ ،‬وحقله المفهومي الدال عليه‪،‬‬
‫وسياقه التداولي المناسب له‪.‬‬
‫والحكامة‪ ،‬أو الحكامة الجيدة‪ ،‬مفهوم أشكل على الباحثين‬
‫إيجاد تعريف جامع مانع له‪ ،‬حيث يرد تارة بمعنى «الرقابة‬
‫على المنظمات والهيئات من طرف الذين أوكلوا إليهم‬
‫إدارتها»‪2‬؛ ويرد تارة أخرى بوصفه تعبيرا «عن ممارسة‬
‫السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية‬
‫والمالية والبشرية»‪3‬؛ بينما يرد تارة ثالثة بمعنى الحكم الذي‬
‫«تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفؤة لتحسين‬
‫وتجويد نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم وتأمينهم من‬

‫‪ -2‬عبد العزيز أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة (الدولية ‪ -‬الوطنية ‪ -‬الجماعية) ومتطلبات‬


‫اإلدارة المواطنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2009 ،‬ص‪.28 .‬‬
‫‪ -3‬محمد المصطفى اإلدريسي‪ :‬في الحاجة إلى الحكامة الجيدة‪ ،‬ضمن مجلة فكر‬
‫ونقد‪ ،‬السنة ‪ ،10‬عدد ‪ ،93‬ديسمبر‪ ،2007 ،‬ص‪.21 .‬‬
‫‪11‬‬
‫الخوف والفقر وتنمية قدراتهم وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم‬
‫ودعمهم‪ 4».‬ويرد في تعريفات أخرى بصيغ ومضامين مختلفة‪،‬‬
‫سنعرض لها في حينها‪ ،‬مما يجعلنا ننتهي إلى أن ضبطه بالحد‬
‫أو الماهية أمر متعذر للغاية ويحسن تعريفه في ضوء شبكة من‬
‫المفاهيم المرتبطة به‪ ،‬والمعايير والمؤشرات المكونة له‪ ،‬والتي‬
‫تجعله يشتغل من خاللها‪.‬‬
‫من الناحية التاريخية الصرف‪ ،‬نحن مدينون للحضارة‬
‫اإلغريقية التي نحتت المفهوم‪ ،‬منذ أواسط القرن الخامس (‪)5‬‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬لكن استعمال مضامينه (المرتبطة بتخليق الحياة العامة‪،‬‬
‫والعدالة‪ ،‬والحكم الفاضل أو الرشيد‪ ،‬واقتران المسؤولية‬
‫بالمحاسبة‪ )...‬ظهر عند حضارات أخرى قبل اإلغريق أنفسهم‪،‬‬
‫كما ظهر عند حضارات أخرى عاصرتهم أو جاءت بعدهم؛‬
‫ورغم هذا التوغل في القدم فإن بناء مكتبة وظفت المفهوم‬
‫وربطته بمضامينه السياسية واالقتصادية واالجتماعية يعتبر‬
‫أمرا جديدا نسبيا‪ ،‬حيث ال يعود إلى أكثر من أربعة عقود خلت‪،‬‬
‫لكن ينبغي اإلقرار بأنه منذ إعادة إحيائه (أواخر ثمانينيات القرن‬
‫الماضي) فإنه لم يتوقف عن اكتساب أراض جديدة كل يوم على‬
‫المستويين النظري والملموس‪.5‬‬
‫وهكذا فإن البيبليوغرافيا المعاصرة التي تناولت موضوع‬
‫الحكامة الجيدة‪ 6‬رحبة جدا‪ ،‬خاصة على المستوى العالمي‪ ،‬حيث‬

‫‪ -4‬كريم لحرش‪ :‬مغرب الحكامة – التطورات‪ ،‬المقاربات والرهانات‪ ،‬ط‪،2 .‬‬


‫طوب بريس‪ ،‬الرباط‪ ،2011 ،‬ص‪.13 .‬‬
‫‪ -5‬سيتم تخصيص فرع كامل ضمن هذا الكتاب للمتابعة التاريخية لمفهوم الحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬كما سيتم تأصيلها إيتيمولوجيا في فرع آخر مواز له‪.‬‬
‫‪ -6‬دون إثارة المواضيع التي تناولت مضامين المفهوم دون استعماله باللفظ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫تناولته أقالم كثيرة إلى درجة تجعل ادعاء اإلحاطة بها أمرا‬
‫ وتتضاعف هذه االستحالة عندما يتم استحضار كون‬،7‫مستحيال‬
‫ باتت تراهن‬،‫ وبالذات المعاصرة منها‬،‫معظم المجتمعات والدول‬
‫عليه للمرور إلى تدبير الشأن العام بما ال يعرض عورتها‬
‫ فأصبح بالتالي مقترنا بمبدأي الشرعية‬،‫السياسية لالنكشاف‬
.‫والمشروعية ضمن تنزيل التصور الديمقراطي في الحكم‬
‫أما على المستوى الوطني فقد راجت الكتابة حول الموضوع‬
‫ – بالفرنسية أوال ثم باللغة العربية بعد‬2000 ‫بكثافة بعد سنة‬
‫ – حتى إن بعض المؤسسات التابعة للجامعات المغربية قد‬8‫ذلك‬

7 - ATLANI (Laetitia) : Les ONG à l’heure de la bonne


gouvernance, institut de recherche pour le développement, n° 35,
2005.
- BAIL (Christophe): Environmental governance reducing risks in
democratic societies, EEC, Future studies unit, 1996.
- BETH (Alodie) et HRUBI (Aniko) : Renforcer l’intégrité dans les
marches publics : Etude d’apprentissage mutuel au Maroc, direction
de la gouvernance publique et de développement territorial, OCDE,
Paris, 2008.
- BARON (Catherine) : La gouvernance: débats autour d’un concept
polysémique, CAIRN, Droit et société, n° 54, 2003/2.
- World Bank: The manner in wich is exercised in the management
of a country’s economic and social resources for development, in
governance and development, World Bank publication, Washington
DC, 1992.
- World Bank: Governance and development, World Bank
publication, Washington DC, 1994.
- KIM (Pan Suk): Rapport introductif : Développement de la
gouvernance démocratique dans le cyberespace et modelage de la
gouvernance pour la qualité de vie, REMALD, N° 56 (Mai - Juin
2004). Etc…
:‫ منها على سبيل العد ال الحصر‬-8
13
‫ مما يعني‬،9‫فتحت وحدة بحث أو ماستر خاصة بالحكامة المحلية‬
،‫أن عشرات رسائل الماستر تكون قد نوقشت حول الموضوع‬
.10‫بل وأطاريح دكتوراه أيضا‬

- BIROUK (Mohamed): Rationalisation des structures et bonne


gouvernance, REMALD, N° 34 (Septembre – Octobre 2000).
- DJAOUAHDOU (Reda) et BENOSMANE (Mahfoud):
Gouvernance corporate et processus de privatisation en Algérie,
REMALD, N° 54-55, (Janvier - Avril 2004).
- ZARROUK (Najat): A propos de l'article 28 de la charte
communale (loi n° 78-00) ou de la difficulté de concilier entre la
démocratie et les exigences de la bonne gouvernance, REMALD, N°
57-58 (Juillet - Octobre 2004).
- ZACRAOUI (Mokhtar): Gouvernance et démocratie, REMALD,
N° 57-58 (Juillet - Octobre 2004).
- M’HAMDI (Mohamed): Gouvernance territoriale et
environnement, REMALD N° 65 (Novembre - Décembre 2005).
- BOUAZZA (Abdelatif): Gouvernance, économie sociale et
développement durable au Maroc, REMALD N° 65 (Novembre -
Décembre 2005). Etc…
‫ رقم‬، REMALD :‫ ضمن‬،‫ المبادئ الكبرى للحكامة المحلية‬:‫ محمد اليعكوبي‬-
.‫ مرجع سابق‬،65
:‫ ضمن‬،‫ الحكامة المحلية على ضوء الميثاق الجماعي الجديد‬:‫ أحمد بوعشيق‬-
.‫ مرجع سابق‬،65 ‫ رقم‬،REMALD
‫وغيرها من المراجع التي يمكن الرجوع إليها ضمن قائمة البيبليوغرافيا التي‬
.‫رجعنا إليها إلعداد هذا العمل‬
‫ كلية العلوم القانونية‬:‫ ماستر الحكامة المحلية المحدث بكل من‬:‫ المقصود هنا‬-9
‫ انظر الموقع الرسمي‬،‫واالقتصادية واالجتماعية بجامعة الحسن األول بسطات‬
‫ تاريخ‬http://www.fsjes-settat.ac.ma/hm.html :‫للكلية على الرابط‬
‫؛ وكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بجامعة‬2014/01/15 :‫الزيارة‬
:‫الرابط‬ ‫ينظر‬ ،‫بالمحمدية‬ ‫الثاني‬ ‫الحسن‬
http://www.univh2m.ac.ma/index.php?option=com_content&v
.)2014/01/15 :‫ (تاريخ الزيارة‬iew=article&id=121&Itemid=69
‫ "الحكامة الجيدة والمجتمع‬:‫ منها أطروحة الباحث محمد البكوري بعنوان‬-10
،‫ أكدال‬،‫ التي نوقشت بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬،"‫المدني‬
14
‫لكن ينبغي التنبيه – رغم كل هذا الكم من الكتابة واالهتمام‬
‫– إلى أنه ليس هناك‪ ،‬فيما نعلم‪ ،‬من تناول الحكامة الجيدة في‬
‫عالقتها مع النظام الدستوري المغربي‪ ،11‬موضوع هذه‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫وربما يرجع تزايد هذا االهتمام إلى طبيعة الموضوع‬
‫وراهنيته‪ ،‬التي تتكئ على القيمة العملية للحكامة الجيدة بما هي‬
‫مبدأ بات يهيمن على تدبير جميع المرافق‪ ،‬العامة والخاصة‪،‬‬
‫عبر االحتكام إلى معاييرها ومؤشراتها‪ ...‬الشيء الذي جعل‬
‫المشرع الدستوري المغربي‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬ينتهي إلى االقتناع‬
‫بجعلها إحدى األسس‪ ،‬أو المرتكزات‪ ،‬التي يقوم عليها النظام‬
‫الدستوري المغربي‪ ،‬عندما ض ّمنها في دستور فاتح يوليو‬
‫‪ 2011‬بالتنصيص عليها في الفصل األول‪ ...« :‬يقوم النظام‬
‫الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازنها‬
‫وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية المواطنة والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ‬
‫‪12‬‬
‫الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة‪».‬‬

‫الرباط‪ ،‬بتاريخ ‪ 06‬دجنبر ‪2013‬؛ وأطروحة الباحث عادل غفال‪" :‬الحكامة الجيدة‬
‫ورهانات التنمية المحلية بالمغرب"‪ ،‬التي نوقشت بكلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬مراكش‪ ،‬بتاريخ ‪ 28‬دجنبر‬
‫‪.2013‬‬
‫‪ -11‬النظام الدستوري المغربي الحالي موضوع يحتاج بدوره إلى إعادة بحث‪،‬‬
‫ومن ثم تصنيف‪ ،‬في ضوء مستجدات الوثيقة الدستورية لفاتح يوليو ‪ ،2011‬وهو‬
‫ما حاولنا تدشينه هنا‪ ،‬على أن يبقى مفتوحا أمام القراءة وبالذات النقدية منها‪.‬‬
‫‪ -12‬دستور فاتح يوليو ‪ ،2011‬صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪1.11.91‬‬
‫بتاريخ ‪ 27‬شعبان ‪ 29( 1432‬يوليو ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 5964‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 30( 1432‬يوليو ‪ .)2011‬والمبادئ المشار‬
‫إليها‪ ،‬في هذا الفصل‪ ،‬هي التي تشكل مرتكزات النظام الدستوري المغربي الحالي‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫وعليه فهذا الموضوع ال يكتسب أهميته فقط من جدته‪ ،‬أي‬
‫من حيث قيمته العلمية‪ ،‬بما يمكن أن يقدمه من إضافات نوعية‬
‫للبحث الدستوري والعلوم السياسية عامة‪ ،‬وبما أن مجال البحث‬
‫فيه – على ضوء المستجدات الدستورية – ما زال خصبا؛ لكن‬
‫أيضا من حيث األهمية العملية‪ :‬حيث بات ضروريا حضور‪،‬‬
‫وتفعيل‪ ،‬آليات الحكامة الجيدة بما هي ركيزة من ركائز‬
‫المؤسسات الدستورية المكونة للدولة‪.‬‬
‫غير أن الحديث عن الحكامة الجيدة كإحدى ركائز هذا النسق‬
‫يستوجب استدعاء شبكة من المفاهيم المرتبطة به‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الشفافية؛ والنجاعة؛ وربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وتكريس دولة‬
‫الحق والقانون‪ ...‬ويستوجب قبل ذلك كله توفير مناخ ديمقراطي‬
‫لتفعيل مضامين هذه المفاهيم‪ ،‬وتنزيلها تنزيال سليما؛ بينما نعلم‬
‫بأن النظام الدستوري‪ ،‬والسياسي‪ ،‬المغربي جرى توصيفه منذ‬
‫مدة طويلة بأنه تقليداني‪ !13‬فكيف يمكن استنبات الحكامة الجيدة‬
‫في نظام دستوري بهذا الوصف؟‬

‫‪ -13‬نظام دستوري تقليداني هي الخالصة التي انتهت إليها كتابات عدد من‬
‫الباحثين المغاربة مثل‪ :‬محمد معتصم ومصطفى قلوش وعبد اللطيف أكنوش‬
‫ومحمد ضريف‪ .‬انظر محمد معتصم‪ :‬النظام السياسي الدستوري المغربي‪ ،‬مؤسسة‬
‫إيزيس للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1992 ،‬ص‪ 24 .‬وما يليها؛ وكذا‪ :‬التطور التقليداني‬
‫للقانون الدستوري المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1988 ،‬وحيث العنوان‬
‫خير معبر عن مثل هذه الخالصة؛ وكذا مصطفى قلوش‪ :‬النظام الدستوري‬
‫المغربي – المؤسسة الملكية‪ ،‬شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪ ،1997‬ص‪14-13 .‬؛ وكذا عبد اللطيف أكنوش‪ :‬تاريخ المؤسسات والوقائع‬
‫االجتماعية بالمغرب‪ ،‬دار أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1987 ،‬ص‪ 154 .‬وما‬
‫بعدها؛ ومحمد ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬المجلة‬
‫‪16‬‬
‫إن الحديث عن الحكامة في هذا المستوى‪ ،‬وفي الظرفية التي‬
‫نعيشها راهنا‪ ،‬يجعلنا نقف على مشارف فقدان الثقة بين الحكام‬
‫والمحكومين‪ ،‬بمعنى أن الحديث يجري هنا ليس عن مستوى‬
‫سطحي من باب الترف الفكري و"الكماليات" الدستورية‪ ،‬بل‬
‫عن جوهر السلطة في عالقتها بالشرعية والمشروعية‪ :‬إذ إن‬
‫تآكل مؤسسات النظام الدستوري (كمقدمة لتآكل النظام السياسي‬
‫عموما) يعني أنها لم تعد قادرة على استيعاب تمثالت المواطنين‬
‫للسلطة وانتظاراتهم منها‪ ...‬وبالتالي تتزعزع ثقتهم في‬
‫مؤسسات الدولة مما قد يفضي إلى الوضع الذي انتهت إليه‬
‫مجموعة من األنظمة السياسية العربية (تونس؛ مصر؛ ليبيا؛‬
‫سوريا‪ )...‬فهل تتدخل الحكامة الجيدة لتصلح بعض ما أفسدته‬
‫الممارسة السياسية طيلة عقود؟‬
‫قطعا يتطلب فحص‪ ،‬وتحليل‪ ،‬هذه اإلشكالية تحديد مفهوم‬
‫الحكامة الجيدة (حصر مضامينه ونموذج الحكم الذي يقترحه) ثم‬
‫مقاربة ذلك في ضوء النظام الدستوري المغربي‪ ،‬ومضارعته‬
‫مع ما يجري في المغرب (بعد التعديل الدستوري األخير)‪ ،‬مما‬
‫تثار معه مجموعة من التساؤالت‪:‬‬
‫هل أسس دستور فاتح يوليو ‪ 2011‬لتعديل حقيقي في النظام‬
‫الدستوري المغربي بالقدر الكافي الذي يمكنه من تجاوز مرحلة‬
‫التقليدانية ويجعله بالتالي مستعدا لتبني نظام في الحكم وفق ما‬

‫المغربية لعلم االجتماع السياسي‪ ،‬ع‪ ،2 .‬س‪ ،1 .‬مارس ‪ ،1987‬ص‪ 82 .‬وما‬


‫بعدها‪...‬‬

‫‪17‬‬
‫يقترحه نموذج الحكامة الجيدة؟ وإذا لم يكن األمر كذلك فلماذا‬
‫تمت هذه الدسترة‪ 14‬أصال؟‬
‫ماذا تعني دسترة الحكامة الجيدة؟ وإلى أين يمكن أن تفضي؟‬
‫وما هي اآلليات التي وفرها المشرع الدستوري لتنزيل حكامة‬
‫جيدة للمؤسسات الدستورية الكبرى (أو السلط الثالث)؟‬
‫فأما شبكة األسئلة المرتبطة بالسؤال المحوري‪ :‬لماذا عمد‬
‫المشرع الدستوري المغربي إلى دسترة الحكامة الجيدة؟ فإنها‬
‫تجعلنا نقف على األهداف والغايات؛ فيما تردنا األسئلة المرتبطة‬
‫بكيفية التنصيص عليها في المتن الدستوري؛ إلى طرائق‬
‫الصياغة وكيفية االشتغال والعمل‪ ،‬وتجعلنا نلج إلى باب‬
‫الوظيفة‪ ،‬وبالتالي مقاربة موضوع الحكامة الجيدة في أبعاده‬
‫المختلفة المرتبطة بمجموع مؤسسات النظام الدستوري‪،‬‬
‫المفترض فيها أن تنضبط لمعاييرها ومؤشراتها‪ ،‬مما يتطلب‬
‫متابعة وفحص كل مؤسسة على حدة‪ ،‬في ضوء ما تستلزمه‬
‫الحكامة الجيدة من مبادئ‪ ،‬ومعايير‪ ،‬ومؤشرات‪.‬‬
‫على المستوى المنهجي تطلبت منا مقاربة إشكالية الحكامة‬
‫الجيدة في النظام الدستوري المغربي‪ ،‬أوال‪ ،‬استحضار المنهج‬
‫التاريخي‪ ،‬خاصة التاريخ المقارن – مع الذات ومع اآلخر –‬
‫لتفكيك مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالمفهومين معا (الحكامة‬
‫الجيدة والنظام الدستوري المغربي)‪ ،‬واستكشاف حركيتهما في‬

‫‪ -14‬سنقصد بـ"دسترة" الحكامة الجيدة في هذه الدراسة تخصيص باب مستقل لها‬
‫ضمن دستور فاتح يوليوز ‪ ،2011‬مع التنبيه إلى أن الدساتير المغربية السابقة قد‬
‫تكون تضمنت إشارات ضمنية لبعض مضامين ومفاهيم الحكامة الجيدة‪ ،‬دون أن‬
‫تتبني المفهوم ودون أن تخصص له بابا مستقال‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫الزمن وفي المكان‪ ،‬إلى أن وصل الوضع إلى ما استقر عليه‬
‫أخيرا مع مرحلة الدسترة‪.‬‬
‫ثم تطلب األمر‪ ،‬ثانيا‪ ،‬االستنجاد بالمنهج االستداللي‪ ،‬عند‬
‫فحص السياسة التشريعية المغربية المفضية إلى دسترة الحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬أو المتولّدة عنها‪ ،‬انطالقا من فلسفة النظام االجتماعي‬
‫والسياسي القائم‪ ،‬والتي تؤطر توجهات الدولة وتلزمها بمحدداتها‬
‫عند رسم هذه السياسة ومالمحها المستقبلية‪.‬‬
‫كما تم اللجوء‪ ،‬ثالثا‪ ،‬إلى مناهج أخرى كالمنهج‬
‫االستقرائي‪ ،15‬والمنهج الجدلي‪ ،16‬والمنهج البنيوي‪ ،17‬وغيرها‬
‫من المناهج كلما كان ذلك ضروريا‪ ،‬أو مناسبا‪ ،‬لتطوير النقاش‬
‫حول قضية من القضايا المعروضة للتحليل‪ ،‬وحيث كان‬
‫استدعاء هذا المنهج‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬مناسبا أكثر من غيره لبسط‬
‫الحديث حولها أو تفسيرها أو نقدها‪...‬‬
‫واجتهد البحث‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬لصياغة ذلك كله في تحليل‬
‫يحترم طبيعة الدراسات القانونية عند معالجة كل ظاهرة‪ ،‬أو‬
‫قضية‪ ،‬بعرضها على النصوص التشريعية والقانونية المنظمة‬
‫لها للخروج بتصورات أو استنتاجات نأمل أن تكون قد حققت‬
‫الحد األدنى من الوضوح‪ ،‬وخرجت في النهاية كما رجوناه‪.‬‬

‫‪ -15‬مثال أثناء القيام بمقاربة ورود مفهوم الحكامة الجيدة في المتن الدستوري‪،‬‬
‫حيث تم االعتماد باألساس على مقاربة استقرائية إحصائية‪.‬‬
‫‪ -16‬تم اللجوء للمنهج الجدلي في عدة مناسبات أبرز مثال عنها أثناء مناقشة‬
‫أطروحة األستاذ كريم لحرش بخصوص اعتماده على تصنيف المؤسسات‬
‫الدستورية المعنية بالحكامة وفق مقاربة التحديد الضيق والتحديد الواسع‪.‬‬
‫‪ -17‬الشا ِهدُ على ذلك ما تم تقديمه كاقتراح للتحديد الواسع المقارب لمؤسسات‬
‫وهيئات الحكامة الجيدة في النظام الدستوري المغربي‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫إن إدماج الحكامة الجيدة ضمن النظام الدستوري المغربي‬
‫لما بعد ‪ 2011‬يؤشر ضمنيا على قصور‪ ،‬وعطب‪ ،‬نظامنا‬
‫الدستوري والسياسي‪ 18‬السابق‪ ،‬وبالتالي ضرورة إعادة تأهيله‪،‬‬
‫مما يستدعي المرور عبر تفكيك وتحليل مكوناته‪ ،‬للكشف عن‬
‫عمق أو ضحالة التعديالت التي طرأت عليه في المتن‬
‫الدستوري الجديد‪ ،‬قبل المرور لفحص فرضية إمكانية استيعابه‬
‫لمضامين الحكامة الجيدة‪ ،‬مع ما يستلزمه ذلك من تفكيك هذه‬
‫المضامين أيضا (الفصل األول من هذه الدراسة)‪.‬‬
‫وإعادة التأهيل هذه راهنّا عليها حتى تفتح أمامنا الباب إلتمام‬
‫تحليل مؤسسات النظام الدستوري المغربي‪ ،‬وتعميق النقاش‬
‫حول سيرورتها نحو الديمقراطية المنشودة‪ ،‬عبر تطبيقات‬
‫الحكامة الجيدة – القائمة والممكنة – على مكونات هذا النظام‪،‬‬
‫وأساسا السلط الثالثة فيه‪ :‬التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬وهو‬
‫ما يؤلف الفصل الثاني من هذا الموضوع‪.‬‬

‫‪ -18‬رسم موضوع هذه الدراسة لنفسه حدودا تتوقف عند "النظام الدستوري"‪،‬‬
‫رغم التداخل الوارد بينه وبين النظام السياسي بل واالجتماعي أيضا‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫الفصل األول‬

‫المفاهيم واألصول‬
‫تستدعي دراسة وفحص إشكالية الحكامة الجيدة في النظام‬
‫تعرف ماهية‬
‫الدستوري المغربي بداية تمهيد أرضية النقاش ب ّ‬
‫المفاهيم الكبرى المؤطرة لها‪ ،‬وأساسا مفهومي‪ :‬النظام‬
‫الدستوري المغربي والحكامة الجيدة؛ مع ما يتطلبه ذلك من‬
‫تفكيك لمجموعة من المفاهيم المرتبطة بهما‪ ،‬واستكشاف‬
‫حركيتهما في الزمن وفي المكان‪ ،‬إلى أن وصل الوضع إلى ما‬
‫استقر عليه أخيرا مع مرحلة الدسترة في المغرب‪.‬‬
‫فالكتابات التي كتبت حولهما كثيرة‪ ،‬واآلراء مختلفة وتصل‬
‫حد التضارب أحيانا‪ ،‬وسنحاول من خالل استعراض جملة منها‬
‫إرساء ضوابط محددة للمفهومين‪ ،‬كما انتهينا إلى استخالصها‪،‬‬
‫وهذه الضوابط هي التي سنعتمدها في موضوعنا هنا‪.‬‬
‫ذلك أنه دون تدقيق مجال اشتغال "النظام الدستوري"‬
‫عموما‪ ،‬ودون تدقيق المضمون الجديد "للنظام الدستوري"‬
‫المغربي الذي حاول دستور ‪ 2011‬إرساء قواعده‪ ،‬فإنه يصبح‬
‫من المتعذر فحص اإلشكالية التي تم اقتراحها في مقدمة هذا‬
‫العمل‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫فتحديد مفهوم "النظام الدستوري" سيحدد مجال اشتغال هذه‬
‫الدراسة حتى ال تنزلق إلى مجاالت مجاورة‪.‬‬
‫وتحديد المضمون الجديد للنظام الدستوري المغربي لما بعد‬
‫فاتح يوليو ‪ 2011‬سيمكن من توفير أرضية تسمح بفحص ما‬
‫إن كان قد جرى تطور على النظام الدستوري السابق‬
‫الموصوف بالتقليداني‪ ،‬بما يسمح بتطبيق مفردات الحكامة الجيدة‬
‫على مؤسساته الكبرى‪.‬‬
‫كما أن متابعة مفهوم "الحكامة الجيدة" إيتيمولوجيا وتاريخيا‬
‫ستسمح بالحكم إن كان تضمينها ضمن النص الدستوري الجديد‬
‫يشكل قطيعة فعلية مع ما سبق‪ ،‬أم أنها قفزة نوعية كبيرة لكن‬
‫ضمن تراكمات سابقة‪ .‬وفي الحالتين فإن ضبط مبادئها‬
‫ومعاييرها ومؤشراتها يبقى ضروريا إلجراء قراءة تجريبية‬
‫على النظام الدستوري المغربي الجديد‪.‬‬
‫وعليه فإننا نقترح تقسيم الفصل األول إلى مبحثين يتناول‬
‫األول منهما موضوع النظام الدستوري المغربي‪ ،‬فيما ينصرف‬
‫الثاني إلى محاصرة مفهوم الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫المبحث األول‪ :‬النظام الدستوري المغربي‬

‫إن تنزيل معايير ومؤشرات الحكامة الجيدة على النظام‬


‫الدستوري المغربي‪ ،‬في ضوء اإلشكالية التي اقترحناها في‬
‫مقدمة هذا العمل‪ ،‬يفرض علينا فحص طبيعة هذا النظام من‬
‫حيث إمكانية قابليته الستيعاب هذه المعايير والمؤشرات‪،‬‬
‫ويفرض بالتالي استدعاء مجموعة من المعطيات التي تسمح‬
‫بالمقارنة بين النظام الدستوري الموصوف بالتقليداني‪ ،‬وهو‬
‫النظام الذي سبق التعديل الدستور األخير‪ ،‬ثم النظام الذي تال‬
‫هذا التعديل‪ ،‬والذي شكل دستور ‪ 2011‬مدخله الطبيعي‪ ،‬وهو‬
‫ما سنحاول فحصه في المطلب الثاني‪.‬‬
‫لكن العبور للقيام بالمقارنة أعاله ال يمكن أن يتحقق دون‬
‫التقديم له بمجموعة من التحديدات المتعلقة بشبكة مفاهيمية‬
‫متداخلة وهي‪ :‬النظام السياسي‪ ،‬والنظام الدستوري‪ ،‬والقانون‬
‫الدستوري؛ وذلك لضبط مجال االشتغال (أي النظام‬
‫الدستوري)‪ ،‬أوال‪ ،‬ثم لتعيين مكونات النظام الدستوري‪ ،‬التي‬
‫سننصرف الحقا لتنزيل معايير الحكامة الجيدة عليها‪ ،‬ثانيا‪ ،‬وهو‬
‫ما سنقوم به في مطلب أول‪.‬‬

‫المطلب األول‪" :‬النظام الدستوري" والمفاهيم المجاورة‬


‫يتداخل مفهوم "النظام الدستوري" مع مفهومين مجاورين‬
‫هما‪" :‬النظام السياسي" و"القانون الدستوري"‪ ،‬في كتابات‬
‫متعددة‪ ،‬إلى درجة أن بعض هذه الكتابات ترد هذه المفاهيم‬
‫جميعا إلى مضمون واحد‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫والواقع أن المفاهيم الثالثة متداخلة فعال إلى درجة كبيرة‪،‬‬
‫لكن ذلك ال يمنع من وجود اختالفات جوهرية بينها‪ ،‬وهو ما‬
‫سنحاول االشتغال عليه من خالل فرع أول نخصصه للتمييز‬
‫بين "النظام السياسي" و"النظام الدستوري"؛ قبل أن نعمل على‬
‫رصد حدود التداخل بين مفهومي "النظام الدستوري" و"القانون‬
‫الدستوري" في فرع ثان‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬في الفصل بين "النظام السياسي" و"النظام‬


‫الدستوري"‬
‫يقابل لفظة "نظام" العربية في اللغة الفرنسية ثالث مفردات‬
‫هي‪Régime :‬؛ و‪Système‬؛ و‪Ordre‬؛ يقول ابن منظور‪:‬‬
‫«النظم التأليف نظمه ينظمه نظما ونظاما ونظمه فانتظم‬
‫وتنظم‪ ،‬ونظمت اللؤلؤ أي جمعته في السلك‪ ،‬والتنظيم مثله‬
‫ومنه نظمت الشعر ونظمته‪ ،‬ونظم األمر على المثل وكل شيء‬
‫قرنته بآخر‪ ،‬أو ضممت بعضه إلى بعض‪ ،‬فقد نظمته‪ ...‬والنظام‬
‫ما نظمت فيه الشيء من خيط وغيره وكل شعبة منه‪...‬‬
‫‪19‬‬
‫واالنتظام االتساق‪»...‬‬
‫وعندما نعود إلى االستقصاء اللغوي لكلمة "االتساق"‪،‬‬
‫الواردة أعاله‪ ،‬نجد أن مصدرها‪/‬النسق يرد بنفس المعنى‬
‫والداللة التي للنظام‪« :‬النسق من كل شيء ما كان على طريقة‬
‫نظام واحد عام في األشياء وقد نسقته تنسيقا‪ .‬ويخفف ابن‬

‫‪ -19‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬أعاد بناءه يوسف خياط‪ ،‬دار الجيل ‪ -‬دار لسان‬
‫العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬مادة‪ :‬نظم‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫سيده نسق الشيء ينسقه نسقا‪ ،‬ونسقه نظمه على السواء‪...‬‬
‫‪20‬‬
‫واالسم النسق‪ ...‬والتنسيق التنظيم»‪.‬‬
‫النظام بهذا المعنى يفترض وجود عدة عناصر ينبغي التنظيم‬
‫بينها‪ ،‬والناظم بينها هو النظام أو النسق؛ لكن وبما أن بحثنا‬
‫يتجاوز االستقصاء اللغوي إلى ما هو اصطالحي فإن النعت‬
‫"السياسي" هو ما يميز هذا النظام الذي نبحث له عن معنى؛ فما‬
‫"النظام السياسي"؟‬
‫يرى دافيد إستون ‪ David EASTON‬بأن "النظام‬
‫السياسي" ليس إال جزءا من نظام أشمل هو النظام االجتماعي‪،‬‬
‫وأن هناك عالقة تفاعل متبادلة (تأثير وتأثر) قائمة بين‬
‫النظامين‪ ،‬علما بأن محور النظام االجتماعي هو النظام السياسي‬
‫‪21‬‬
‫الذي يعتبر أكثر األجزاء تطورا وتأثيرا في حياة كل دولة‪.‬‬
‫ويعرف روبرت دال ‪" Robert DAHL‬النظام السياسي" بأنه‬
‫«نمط مستمر للعالقات اإلنسانية يتضمن التحكم والنفوذ‪،‬‬
‫والقوة‪ ،‬أو السلطة بدرجة عالية»‪22‬؛ وهذا التعريف كما هو‬
‫مالحظ يغلب عليه طابع العمومية ألن أنظمة أخرى دينية‬
‫واقتصادية واجتماعية‪ ...‬تعمل أيضا على تنظيم العالقات‬

‫‪ -20‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬مادة‪ :‬نسق‪.‬‬


‫‪21 - EASTON (David): The Political System- an inquiry into‬‬
‫‪the state of political science, New York: Alfred A. Knopf,‬‬
‫‪1953, p. 87. Voir aussi: MILLER (Eugene F.): David‬‬
‫‪EASTON’S political theory, close associates of Easton at‬‬
‫‪the University of Chicago and later at‬‬ ‫‪the MentalHealth‬‬
‫‪Research Institute of the University of Michigan. 22, p.195( .‬‬
‫‪ -22‬روبرت دال‪ :‬التحليل السياسي الحديث‪ ،‬ترجمة عالء أبو زيد‪ ،‬مركز األهرام‬
‫للترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1993 ،‬ص‪.10.‬‬
‫‪25‬‬
‫اإلنسانية وتتميز بكونها تتضمن سمات التحكم والقوة والنفوذ‬
‫والسلطة‪.‬‬
‫وهكذا نرى بأن تعريف مفهوم "النظام السياسي" انطالقا من‬
‫التعريفات الحدية‪ ،‬يبدو أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد‪ ،‬نظرا‬
‫لتداخله مع مجموعة من األنظمة واألنساق االجتماعية األخرى‪،‬‬
‫وربما لهذا السبب لجأ جان لوي كيرمون ‪QUERMONNE‬‬
‫‪ Jean-Louis‬في تعريفه للنظام السياسي إلى االنطالق من‬
‫العناصر التي تكونه‪ ،‬بدل محاولة التعريف بالجوهر أو الحد‪،‬‬
‫حيث نظر إلى "النظام السياسي" على أنه «مجموعة من‬
‫العناصر ذات الطبيعة اإليديولوجية والمؤسساتية‬
‫والسوسيولوجية التي تؤلف في النهاية حكومة دولة معينة‪،‬‬
‫وخالل مرحلة محددة»؛‪ 23‬فلجأ إلى ربط العناصر المكونة‬
‫للنظام السياسي بوظيفتها النهائية التي تلتقي عند تأليف حكومة‬
‫دولة ما‪ ،‬في زمن ما؛ وهي صيغة تنطوي على مكونات رئيسة‬
‫ينبغي استحضارها وهي‪ :‬طبيعة السلطة القائمة؛ وبنية‬
‫المؤسسات االجتماعية (ومن ضمنها السياسية طبعا)؛ ثم مبدأ‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫غير أن هذا التعريف‪ ،‬وإن كان قد نجح في ربط النظام‬
‫السياسي بغايته المركزية‪ ،‬وهي إقامة حكومة دولة ما‪ ،‬إال أنه‬
‫يظل عاما وغير محدد بدقة؛ كما أنه اختزل النظام السياسي في‬
‫غايته‪ ،‬وهي إقامة الحكومة‪ ،‬وهو ما ال يوافق عليه عدد من‬

‫‪23 - QUERMONNE (Jean-Louis): Les Régimes politiques‬‬


‫‪occidentaux, Paris, 5ème édit., Seuil, 2006, p. 9.‬‬
‫‪- ONDO (Télesphore): Plaidoyer pour un nouveau régime‬‬
‫‪politique au Gabon, édit. Publibook, Paris, 2012, p. 10.‬‬
‫‪26‬‬
‫المشتغلين بالعلوم السياسية؛ حيث اقترح عبد الغني بسيوني‬
‫مثال – واعتمادا على مجموعة من الكتابات التي بحثت في‬
‫الموضوع – تعريفا يقوم على التمييز بين مستويين للمفهوم؛‬
‫األول يختزل النظام السياسي في «شكل الدولة ونوع‬
‫الحكومة»‪ ،24‬وهو تعريف متجاوز في رأيه‪ ،‬ألن مجاالت‬
‫السلطة العامة التقليدية أصبحت تستغرق أيضا «المنظمات‬
‫الموجودة في الواقع‪ ...‬كاألحزاب السياسية وجماعات‬
‫الضغط»‪ 25‬مما يدعو إلى االنتقال بالمفهوم إلى مستواه الثاني‪،‬‬
‫حيث المعنى الموسع‪ ،‬الذي يشمل فلسفة النظام االقتصادي‬
‫واالجتماعي للدولة‪ ،‬ويجعلنا نخلص إلى أن مدلول النظام‬
‫السياسي «أصبح أكثر اتساعا من مدلول القانون الدستوري‪،‬‬
‫الذي تتركز الدراسة فيه على نظام الحكم في الدولة من الناحية‬
‫‪26‬‬
‫القانونية المجردة‪».‬‬
‫‪27‬‬
‫هذا التقسيم‪ ،‬المقترح هنا‪ ،‬هو الذي شدد عليه علي المتيت‬
‫أيضا‪ ،‬عندما حاصر المفهوم من زاوية تطوره في الزمن‪،‬‬
‫وانتهى إلى أنه «في الماضي كان يقصد بالنظم السياسية شكل‬
‫الحكومات التي تمارس السلطة في مجموعة سياسية معينة»‪،‬‬
‫‪ -24‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ :‬النظم السياسية ‪ -‬أسس التنظيم السياسي‪ :‬الدولة ‪-‬‬
‫الحكومة ‪ -‬الحقوق والحريات العامة‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1985 ،‬ص‪.9 .‬‬
‫‪ -25‬عبد الغني بسيوني‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫‪ -26‬عبد الغني بسيوني‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .10 .‬وهذا ما سماه‬
‫ثامر الخزرجي بالمفهوم الضيق للنظام السياسي (وهو مرادف للقانون‬
‫الدستوري)؛ والمفهوم الواسع (المرتبط باالقتصاد والمجتمع والثقافة‪ .)...‬انظر‬
‫ثامر كامل محمد الخزرجي‪ :‬النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة‪ ،‬دار‬
‫مجدالوي‪ ،‬عمان – األردن‪ .2004 ،‬ص‪.22-21 .‬‬
‫‪ -27‬علي المتيت أبو اليزيد‪ :‬النظم السياسية والحريات العامة‪ ،‬منشورات المكتب‬
‫الجامعي الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪ ،1984 ،4 .‬ص‪.5.‬‬
‫‪27‬‬
‫أما اليوم فقد «اتسع مضمون فكرة النظام السياسي إذ امتد‬
‫أيضا إلى األنظمة االجتماعية واالقتصادية»‪28‬؛ وإن كان يجعل‬
‫من الدستور محور العملية داخل النظام السياسي حيث يقول‪:‬‬
‫«والنظام السياسي الذي يميز كل دولة عن األخرى يمكن‬
‫التعرف عليه من دستورها‪ ،‬فالدستور هو الذي يبين نظام‬
‫الحكم فيها ووسائل ممارسة السلطة ومركز الفرد منها‪ ،‬ومدى‬
‫‪29‬‬
‫حقوقه والتزاماته‪».‬‬
‫وهكذا يرتبط بدراسة "النظام السياسي" دراسة ظواهر‬
‫أساسية عديدة‪ ،‬منها‪ :‬ظاهرة الدولة‪ ،‬وظاهرة السلطة – التي‬
‫يحضر معها باالستتباع موضوع الحقوق والحريات العامة أيضا‬
‫– وأشكال الحكومات‪ ...30‬علما بأن «أشكال الحكومات ال تمثل‬
‫إال وجها واحدا من حقيقة النظام السياسي»‪ 31‬الذي يضم عمليا‬
‫«مجموعة من الوحدات قد تشارك في الحكم ونطلق عليها‬
‫األجهزة الرسمية‪ ،‬كما أنها قد تكون خارج الحكم لكنها تؤثر‬
‫عليه بما تقدمه من مطالب‪ ،‬وبما تمارسه من ضغوط‪ ،‬وبما‬
‫تعبر عنه من تأييد‪ ...‬ونطلق عليها اسم األجهزة غير‬
‫‪32‬‬
‫الرسمية‪».‬‬

‫‪ -28‬عبد الغني بسيوني‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬


‫‪ -29‬عبد الغني بسيوني‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫‪ -30‬يحي الجمل‪ :‬األنظمة السياسية المعاصرة‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1969 ،‬ص‪.14 .‬‬
‫‪ -31‬محمود خيري عيسى‪ :‬النظم السياسية المقارنة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ .1963 ،‬ص‪.5 .‬‬
‫‪ -32‬نيفين مسعد‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬سلسلة المعارف رقم ‪ ،5‬المكتب العربي‬
‫للمعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،1995 ،‬ص‪.3 .‬‬
‫‪28‬‬
‫وبهذا فالنظام السياسي «ليس هو نظام الحكم‪ ،‬كما أنه ليس‬
‫هو الدولة‪ .‬فنظام الحكم هو جزء من النظام السياسي ألنه‬
‫يشمل األجهزة الرسمية فقط (السلطات الثالث) دون األجهزة‬
‫غير الرسمية (األحزاب وجماعات المصالح)‪ .‬أما الدولة فتشمل‬
‫عناصر أخرى مثل اإلقليم والشعب والسيادة»‪33‬؛ كما أن‬
‫المفهوم يتداخل بدرجة كبيرة مع "النظام الدستوري" بالمعنى‬
‫القانوني المجرد‪ ،‬لكن وجب التنبيه إلى أنه إذا كان النظام‬
‫السياسي «لبلد ما هو عبارة عن مبادئ نظام الحكم المطبقة في‬
‫الدولة من الناحية القانونية النظرية ومن الناحية الواقعية‬
‫والتطبيقية‪ ...‬إال أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بظروف كل دولة‪،‬‬
‫وبالعقيدة أو الفلسفة التي تعتنقها الدولة أو القوى الفكرية‬
‫فيها‪ ...‬كما أنه ال يمكن تفسيره أو تقديره والحكم عليه إال‬
‫‪34‬‬
‫بالرجوع إلى الواقع السياسي الذي تحياه الدولة‪».‬‬
‫هذا التداخل بين المفهومين هو ما جعل جانبا من الفقه يرى‬
‫أن تعبير "النظام السياسي" يرادف «تعبير القانون الدستوري‪،‬‬
‫فالنظام السياسي لبلد ما يقصد به نظام الحكم الموجود فيها‬
‫والذي يتناول شرحه علم القانون الدستوري‪ 35».‬غير أن‬
‫الجانب اآلخر من الفقه الدستوري يرى أن مدلول النظام‬
‫السياسي «أوسع وأرحب من مدلول القانون الدستوري‪ ،‬ألن‬
‫علم القانون الدستوري ينظر إلى نظام الحكم من خالل قواعده‬
‫القانونية النظرية المجردة‪ ،‬أما النظم السياسية فإنها تنظر إلى‬

‫‪ -33‬نيفين مسعد‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.4 .‬‬


‫‪ -34‬عاصم أحمد عجيلة ومحمد رفعت عبد الوهاب‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬مؤسسة‬
‫األهرام للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1998 ،4 .‬ص‪.3 .‬‬
‫‪ -35‬عاصم أحمد عجيلة‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5 .‬‬
‫‪29‬‬
‫مختلف الجوانب التي تحيط بنظام الحكم كالنظام االجتماعي أو‬
‫النظام االقتصادي‪ ،‬فضال عن الجوانب القانونية الخاصة بنظام‬
‫الحكم»‪.36‬‬
‫هكذا نالحظ أن معظم الكتابات تتفق على أن المفهوم الضيق‬
‫"للنظام السياسي"‪ ،‬والذي كان يحصره في الجانب الشكلي‪ ،‬أو‬
‫االرتباط العضوي بمجال القانون الدستوري على المستوى‬
‫النظري‪ ،‬قد تراجع لصالح مدلول أوسع بالنظر إلى أهداف‬
‫السلطة وأنشطة ممارستها‪ ،‬بينما أصبح شكل الدولة مجرد‬
‫عنصر من عناصر دراسة النظام السياسي‪ .37‬علما بأن‬
‫موضوع السلطة ذاته لم يعد مقترنا فقط بآليات الضغط والعنف‬
‫والقهر ومنطق الغُلب‪ ...‬بل أصبح مقترنا باآلليات الهادئة التي‬
‫تتخذ من المشروعية مبدأها األساس للوصول إلى الحكم‪ ،‬ومن‬
‫تحقيق األمن والرفاء االجتماعي واالقتصادي هدف الحكم‬
‫وغايته‪ .‬وال يكفي الرجوع إلى القانون الدستوري‪ ،‬بما هو نص‬
‫قانوني نظري‪ ،‬لتفسير نظام سياسي‪« ،‬فالقانون الدستوري‬
‫يقتصر على دراسة النصوص‪ ...‬التي تنظم طريقة الحكم في‬
‫دولة ما‪ ،‬بينما تذهب النظم السياسية إلى أبعد من ذلك‪ ،‬إنها‬
‫تعالج كيفية سير المؤسسات الدستورية في الظروف‬
‫‪38‬‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية المحيطة بها‪».‬‬

‫‪ -36‬عاصم أحمد عجيلة‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.5 .‬‬


‫‪ -37‬ثروت بدوي‪ :‬النظم السياسية‪ -‬النظرية العامة للنظم السياسية‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪.6-5 .‬‬
‫‪ -38‬سعاد الشرقاوي‪ :‬النظم السياسية في العالم المعاصر‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،1988 ،3 .‬ص‪.6 .‬‬
‫‪30‬‬
‫وعليه يمكن االنتهاء إلى أن النظام الدستوري يتناول‬
‫الوصف الميداني‪ ،‬والقانوني‪ ،‬في شقه المرتبط مباشرة‬
‫بالمؤسسات الدستورية المحددة بنص الدستور‪ ،‬الشيء الذي‬
‫يسمح للباحث من جمع معطياته‪ ،‬إما داخل الميدان‪/‬المؤسسات‬
‫الدستورية موضوع الدراسة‪ ،‬أو داخل المتن القانوني المرتبط‬
‫بها عندما يتعلق األمر بمعطيات قانونية صرف (دستور؛ قوانين‬
‫تنظيمية‪/‬عضوية؛ أنظمة داخلية‪)...‬‬
‫أما بالنسبة للنظام السياسي فإن النظام الدستوري ال يمثل إال‬
‫خطوة أولى نحو تركيب المفهوم مع مفاهيم اجتماعية – سياسية‬
‫أكثر رحابة‪ ،‬أي أن النظام السياسي يشتمل بالضرورة على‬
‫النظام الدستوري‪ ،‬باعتباره أحد مساراته التمهيدية‪ ،‬كما أنه‬
‫يشكل امتدادا له في نفس اآلن‪.‬‬
‫فلفظ النظام السياسي يحيل على مرحلة ثانية ومستوى آخر‬
‫من تطور الدراسة‪ ،‬تأتي بعد النظام الدستوري‪ ،‬ويتناول‬
‫بالدراسة المجتمع البشري منظورا إليه من زاوية كل ما هو‬
‫سياسي‪.‬‬
‫وبهذا المعنى فإن النظام الدستوري والنظام السياسي ال‬
‫يؤلفان فرعين علميين مختلفين‪ ،‬وال حتى مفهومين مختلفين عن‬
‫دراسات واحدة‪ ،‬بل هما في الواقع مرحلتين‪ ،‬أو لحظتين‪ ،‬من‬
‫بحث واحد‪ ،‬لكن بمستويين‪ .‬وإثارة هذا اللفظ أو ذاك يعبر فقط‬
‫عن اهتمام معين يتجه نحو نمط من البحث ال يستبعد النمط‬
‫اآلخر بأية حال‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬جدلية العالقة بين "النظام الدستوري"‬
‫و"القانون الدستوري"‬

‫انتهينا‪ ،‬في تحليلنا السابق‪ ،‬إلى أن المؤسسات السياسية ال‬


‫‪39‬‬
‫تتفرع عن القانون الدستوري‪ ،‬بل «تتجاوزه وتهيمن عليه»‪،‬‬
‫وتشكل امتدادا له‪.‬‬
‫فنعت "الدستوري" المضاف إلى "النظام" – لتصبح الصيغة‪:‬‬
‫"النظام الدستوري" – يحيل على‪ :‬النظام المدستر‪ ،‬أو الذي تمت‬
‫دسترته‪ ،‬وكأن المعنى هنا يخفي نظاما آخر مغايرا‪ ،‬أي ما هو‬
‫غير مدستر‪ ،‬أو ما لم تتم دسترته بعد؛ أما "النظام السياسي"‬
‫فمفتوح على كل ما هو سياسي (بل ويضمر خلفه ما هو‬
‫اجتماعي أيضا)‪.40‬‬
‫وبطبيعة المعنى سيكون السياسي أكثر اتساعا ورحابة من‬
‫الدستوري؛ أو إن شئنا القول – مع بعض المجازفة – إن‬
‫المشرع الدستوري ينتقي مما هو "سياسي" ما يريد ترقيته إلى‬
‫مستوى الدستور‪ ،‬عبر الدسترة‪ ،‬فيصير أكثر انضباطا للقواعد‬
‫القانونية‪ ،‬التي يسموها البناء الدستوري في النهاية (الدستورانية‬
‫‪ ،)Constitutionnalité‬بما أن لفظ "الدستور" يحيل‪ ،‬من بين ما‬
‫يحيل عليه‪ ،‬على البناء والتأسيس والتكوين حتى في األصلين‬

‫‪ -39‬موريس دوفيرجي‪ :‬المؤسسات السياسية والقانون الدستوري – األنظمة‬


‫السياسية الكبرى‪ ،‬ترجمة جورج سعد‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،1992 ،‬ص‪.7 .‬‬
‫‪ -40‬كما رأينا مع تعريف دافيد إستون للنظام السياسي‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫اللغويين‪ :‬الفارسي‪/‬دستور؛ والفرنسي‪ ،Constitution /‬حيث‬
‫يصبح "الدستور" مقابال لـ«النظام األساسي للدولة»‪.41‬‬
‫هذا "النظام األساسي للدولة"‪/‬الدستور‪ ،‬حسب جورج بيردو‬
‫‪« Georges BURDEAU‬له مضمون مزدوج‪ ،‬فهو من‬
‫ناحية يحدد الهيئات الحاكمة ويبين اختصاصاتها وكذلك‬
‫ممارستها‪ ،‬ويحدد من ناحية أخرى مذهب التنظيم االجتماعي‬
‫والسياسي الذي تمثله السلطات الحاكمة ويحدد االتجاه‬
‫القانوني أو اإليديولوجي الذي ينبغي أن تعمل في إطاره‬
‫مؤسسات الدولة»‪.42‬‬
‫بهذا المعنى فالدستور هو الذي يحدد مالمح وشكل النظام‬
‫الدستوري القائم‪ ،‬وهو أساس امتيازات الحكام وناظم ممارستها‪،‬‬
‫بحيث ال يمكن ألي كان أن يتمتع بالسلطة اآلمرة إال بموجب‬
‫نص قانوني وتنصيب شرعي‪ .‬ومن هنا كان اعتبار الدستور‬
‫بأنه القانون األسمى في الدولة‪.‬‬
‫ويضعنا كل هذا أمام استنتاجات مفصلية داخل أي نظام‬
‫دستوري أهمها‪:‬‬
‫إن الدستور هو الذي يبين شرعية الحكام بحيث ال يمكن أن‬
‫تفرض قراراتهم على الجماعة إال لكونها تمثل قرارات الدولة‪،‬‬
‫أوال‪ ،‬وأنه هو الذي يقيم سلطة الحكام‪ ،‬فال وجود لهم إال به‪،‬‬

‫‪ -41‬ثروت بدوي‪ :‬القانون الدستوري وتطور األنظمة الدستورية في مصر‪ ،‬دون‬


‫ناشر‪ ،1971 ،‬ص‪ .8-7 .‬حيث أفرد المؤلف بسطا وافيا للداللة اللغوية في اللغتين‬
‫الفارسية والفرنسية‪.‬‬
‫‪BURDEAU (Georges) : Droit constitutionnel et‬‬ ‫‪-42‬‬
‫‪institutions politiques, p. 68-69‬؛ ومصطفى قلوش‪ :‬المبادئ العامة‬
‫للقانون الدستوري‪ ،‬شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‪،1995 ،4 .‬‬
‫ص‪.80 .‬‬
‫‪33‬‬
‫ثانيا‪ ،‬ثم إنه هو الذي يحدد اختصاصاتهم‪ ،‬فال يمكن لسلطتهم أن‬
‫تظهر إال بالقدر الذي يحددها لهم‪ ،‬ثالثا‪.43‬‬
‫وتأسيسا عليه ننتهي إلى التقاطع‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬بين السياسي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬حتى داخل الوثيقة الدستورية الواحدة‪ .‬وربما لهذا‬
‫السبب ذهب الفقيه الفرنسي موريس هوريو ‪HAURIOU‬‬
‫‪ Maurice‬إلى وجود دستورين داخل كل نظام سياسي‪ ،‬هما‪:‬‬
‫الدستور السياسي والدستور االجتماعي‪ .44‬األول هو الدستور‬
‫السياسي (أو العادي) وهو يبين نظام الحكم في الدولة‪ ،‬وينظم‬
‫طبيعة وأسس نشاط السلطات العامة بها‪ .‬أما الثاني (الدستور‬
‫االجتماعي) فهو ينصرف إلى رصد الحقوق والحريات العامة‬
‫التي تلتزم الدولة بتوفيرها للمواطن‪ ،‬وبالتالي يحدد العالقة التي‬
‫يفترض أن تنشأ بين الحكام والمحكومين‪ ،‬وغني عن البيان –‬
‫حسب موريس هوريو ‪ M. HAURIOU‬دائما – أن الدستورين‬
‫معا لهما نفس القوة اإللزامية‪ ،‬التي ينبغي على الجميع احترامها‪.‬‬
‫من هنا نفهم‪ ،‬من جهة‪ ،‬لماذا يحيل نعت "الدستوري" على‬
‫نظام الحكم في الدولة من الناحية القانونية المجردة‪ ،45‬حيث‬
‫يصبح النظام الدستوري مرادفا للقانون الدستوري‪ ،‬بما هو نص‬
‫قانوني مجرد‪ ،‬تماما كقولنا‪ :‬النظام الداخلي لمجلس النواب‪ ،‬أو‬
‫النظام الداخلي لمجلس المستشارين‪ ،‬أو النظام الداخلي للمجلس‬
‫االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪...‬‬

‫‪ -43‬قلوش‪ :‬المبادئ العامة للقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77 .‬‬


‫‪44 - HAURIOU (Maurice): Précis élémentaire de droit‬‬
‫‪constitutionnel, 2ème édition, librairie du Recueil Sirey, Paris,‬‬
‫‪1930, p. 73.‬‬
‫‪ -45‬كما اتفقت عليه معظم التعريفات التي أوردناها للنظام السياسي‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫كما نفهم‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬بأن المجال القابل للدسترة يبقى‬
‫مفتوحا أبدا‪ ،‬حيث بات األمر يتعدى مجرد الوظائف التقليدية‬
‫للحكم‪ ،‬أو السلطات الثالث المعروفة‪ :‬تشريعية؛ تنفيذية؛‬
‫قضائية‪ ،‬بعد أن دخلت مؤسسات جديدة مجال الدستور واخترقت‬
‫هندسته‪ .‬فما هو اجتماعي – سياسي يمكن أن تتقرر ترقيته إلى‬
‫ما هو دستوري في أية لحظة‪ ،‬وتبعا لمجموعة من المتغيرات‬
‫التي تحكم والدة‪ ،‬أو تعديل‪ ،‬النظام الدستوري‪ ،‬يهمنا في المغرب‬
‫مثال‪ :‬المجلس الدستوري (منذ الدستور المراجع لـ‪ 4‬سبتمبر‬
‫‪46)1992‬؛ الغرفة الثانية للبرلمان (الدستور المراجع لـ ‪13‬‬
‫سبتمبر ‪47)1996‬؛ المحكمة الدستورية (دستور فاتح يوليو‬
‫‪)2011‬؛ الحكامة الجيدة (التي التحقت بالمعمار الدستوري‬
‫‪48‬‬
‫المغربي أيضا سنة ‪ )2011‬الخ‪...‬‬

‫‪ -46‬قبل ذلك كانت هناك الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى‪.‬‬


‫‪ -47‬علما بوجود تجربة سابقة في هذا اإلطار‪ ،‬أسس لها دستور ‪ ،1962‬لكنها لم‬
‫تعمر طويال‪.‬‬
‫‪ -48‬فضال عن أن القانون الدولي قد أصبح يخترق التشريعات الوطنية‪ ،‬عبر سمو‬
‫المعاهدات واالتفاقيات الدولية (حتى لو تم ذلك بشروط)؛ بل إن الدول األوربية‬
‫اليوم تعيش مفارقة كبيرة بين ما هو "وطني" وما هو "أوربي"‪ ،‬حيث يبدو أن‬
‫تشريعات االتحاد األوربي تعمل على ابتالع التشريعات القُطرية الضيقة‪ ،‬مع ما‬
‫طرأ على مفهوم "السيادة" من تحوالت‪ .‬انظر‪ ،‬في هذا الصدد‪ ،‬الخالصات التي‬
‫انتهت إليها أطروحة بولين مورتيي حول التحوالت التي طرأت على مفهوم‬
‫السيادة‪ ،‬بعد تراجع مفهوم الدولة الوطنية في أوربا لصالح االتحاد األوربي‪:‬‬
‫‪MORTIER (Poline): Les métamorphoses de la souveraineté,‬‬
‫‪Thèse de doctorat en droit public, Ecole doctorale Pierre‬‬
‫‪Couvrat, Université d’Angers, France, Année 2011. p. 413-‬‬
‫‪414.‬‬

‫‪35‬‬
‫لكن يالحظ بأن والدة الدساتير‪ ،‬أو تعديلها‪ ،‬يأتي دائما في‬
‫إطار سياق اجتماعي – سياسي معين‪ ،‬يقع على األرض‪ ،‬مما‬
‫يثير انتباهنا إلى ضرورة إبداء المالحظات المنهجية التالية حول‬
‫طبيعة العالقة بين "النظام الدستوري" و"القانون الدستوري"‪:‬‬
‫النظام الدستوري يفترض وجود عناصر ومؤسسات متعددة‪،‬‬
‫مما يستدعي تنظيم كل عنصر أو مؤسسة على حدة داخليا‪ ،‬ثم‬
‫تنظيم العالقة البينية (بين مؤسسة وأخرى)‪ ،‬أوال‪.‬‬
‫النظام الدستوري‪ ،‬ثانيا‪ ،‬هو الطريقة التي تمكن من تحويل‬
‫المتصور (عند أمة معينة وفي زمان‬
‫َّ‬ ‫"الحكم" من إطاره النظري‬
‫ومكان معينين) إلى ممارسة واقعية فعلية داخل المجتمع الذي‬
‫أفرزه عبر عوامل متداخلة تاريخيا‪.‬‬
‫بهذا نكون‪ ،‬ثالثا‪ ،‬أمام نتيجتين جوهريتين‪ :‬نظام دستوري‬
‫بمعناه القانوني‪ ،‬على المستوى النظري المجرد (أو بناء فوقي)‪،‬‬
‫ونظام دستوري واقعي أو ملموس‪ ،‬يمارس فعال داخل المجتمع‬
‫(على مستوى البناء التحتي)‪ ،‬والعالقة بين البناءين جدلية‬
‫تفاعلية‪ ،‬حيث إنه بالقدر الذي يعمل فيه البناء األول‪/‬الفوقي على‬
‫تنظيم‪ ،‬وضبط‪ ،‬آليات الممارسة على مستوى البناء‬
‫التحتي‪/‬الواقعي‪ ،‬بقدر ما يعمل الثاني‪ ،‬عبر مستويات الحراك‬
‫االجتماعي‪ ،‬على التأثير في األول وتغييره‪ ،‬أو على األقل تعديله‬
‫في مناسبات معينة‪ ،‬إلى درجة أنه قد يغيره جذريا مع االنقالبات‬
‫والثورات وغيرها‪...‬‬
‫النظام الدستوري‪ ،‬بمعنى البناء التحتي الذي أوردناه‪ ،‬أي‬
‫المؤسسات واألنساق الدستورية القائمة فعال‪ ،‬ينضبط لقواعد‬
‫القانون الدستوري حتى لو كانت هذه القواعد ال تؤدي مباشرة‬

‫‪36‬‬
‫إلى توقيع جزاء مادي على المؤسسات العليا في الدولة‪ ،‬فالدولة‬
‫– كما يقول العميد ليون دوغي‪ –Léon Duguit 49‬ال‬
‫يمكنها أن توقع جزاء ماديا‪ ،‬بمعنى اإلكراه‪ ،‬على نفسها‪ ،‬لكن‬
‫ذلك ال يعني إفالتها عند مخالفتها للقواعد الدستورية من رد‬
‫الفعل االجتماعي ‪ ،Réaction sociale‬على األقل‪ ،‬ناهيك عن‬
‫الجزاءات األخرى التي تترتب عن تنظيم العالقة بين السلطات‪:‬‬
‫كالمسؤولية السياسية للحكومة‪ ،‬وحق حل البرلمان‪ ،‬والعقوبات‬
‫المترتبة عن إهدار الحقوق والحريات العامة‪ ...‬وصوال إلى‬
‫الحكامة الجيدة وما باتت تفرضه على السلطات العامة من‬
‫قواعد والتزامات لتدبير الشأن العام‪.‬‬
‫فبما أن القانون الدستوري هو الذي يؤسس‪ ،‬وينظم‪ ،‬السلطة‬
‫في الدولة ويحدد آليات ممارستها وكيفية انتقالها‪ ،‬وطبيعة العالقة‬
‫بين مكوناتها بغض النظر عن النظام السياسي القائم فيها‪50‬؛‬
‫وبما أن موضوع ممارسة السلطة يتقاطع دائما مع موضوع‬
‫الحقوق والحريات العامة‪ ،‬فإن القانون الدستوري يصبح عندها‬
‫معنيا بهذا الموضوع أيضا‪ ،‬بل يتحول إلى تقنية ومهارة للحرية‬
‫‪ ،La technique de la liberté‬أي متابعة إنجازها واقعيا‪،‬‬
‫‪51‬‬
‫وضمان حمايتها دستوريا (دون أن تنقلب إلى فوضى)‪.‬‬

‫‪49 - DUGUIT (Léon): Traité du droit constitutionnel, 3ème‬‬


‫‪édit., Paris, 1927, T.I, p. 710-711.‬‬
‫‪50 - HAURIOU (Maurice): Précis élémentaire de droit‬‬
‫‪constitutionnel, op. cit. p. 1-2.‬‬
‫‪51 - HAURIOU (André) et GICQUEL (Jean): droit‬‬
‫‪constitutionnel et institutions politiques, Paris, 1975, p. 32.‬‬
‫ومحمد رضا بن حماد‪ :‬المبادئ األساسية للقانون الدستوري واألنظمة السياسية‪،‬‬
‫دون ناشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ط ‪ ،2010 ،2‬ص‪).53 .‬‬
‫‪37‬‬
‫فالقانون الدستوري إذن جاء لينظم العالقة القائمة بين‬
‫مؤسسات وأنساق "دستورية" موجودة فعال‪ ،‬باعتبارها نتيجة‬
‫حتمية لما يفرزه المجتمع تاريخيا؛ لكنه أيضا قد يُدخل إلى هذا‬
‫المجتمع مؤسسات وأنساق "دستورية" أخرى حادثة‪ ،‬أو حتى‬
‫مستوردة‪ ،‬عبر المثاقفة الدستورية التي تتم بين المجتمعات‬
‫المختلفة‪ ،‬ومن مجموع هذا النتاج يتكون "النظام الدستوري"‪.‬‬
‫وبقدر ما يكشف الواقع (البناء التحتي أو النظام الدستوري‬
‫القائم فعال) عن قصور التشريع النظري (القانون الدستوري‬
‫المجرد أو النظري) ويسعى إلى تجاوزه‪ ،‬بالدعوة إلى ملء‬
‫ثغراته‪ ،‬بقدر ما يعمل البناء النظري‪/‬الفوقي على ترويض الواقع‬
‫الدستوري وضبط انفالته‪ ،‬ذلك أن العالقة بينهما جدلية‬
‫بالضرورة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬طبيعة النظام الدستوري المغربي‬


‫وجب التنبيه‪ ،‬أوال‪ ،‬إلى أن بعض الكتابات الدستورية‬
‫المغربية ال تقيم تمييزا حقيقيا بين مفهومي "النظام الدستوري"‬
‫و"القانون الدستوري"‪ 52،‬حيث يرد المفهومان بنفس المعنى‬
‫والداللة‪.‬‬
‫وجب التنبيه‪ ،‬ثانيا‪ ،‬إلى أن مجموعة من هذه الكتابات تتفق‬
‫على أن "النظام الدستوري" المغربي كان "تقليدانيا" قبل التعديل‬
‫الدستوري األخير (وهذا ما سنثيره في فرع أول)؛ قبل أن يأتي‬

‫‪ -52‬كما هو الشأن عند األستاذ معتصم‪ ،‬مثال‪ ،‬حيث يرد مفهوم "النظام‬
‫الدستوري" كمرادف لمفهوم "القانون الدستوري"‪ ،‬على اعتبار أنهما يحيالن على‬
‫مضمون واحد‪ .‬انظر محمد معتصم‪ :‬النظام السياسي الدستوري المغربي‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪...19 ،15 ،11 ،10 .‬‬
‫‪38‬‬
‫دستور ‪ 2011‬بإجراءات كثيرة متقدمة على الدساتير المغربية‬
‫السابقة‪ ،‬مما يستوجب فحص هذه اإلجراءات قبل الحكم إن كنا‬
‫قد انتقلنا إلى نظام دستوري جديد أم ال‪ ،‬وهذا سيكون موضوع‬
‫الفرع الثاني‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬قبل ‪ :2011‬نظام دستوري تقليداني‬


‫‪53‬‬

‫تاريخيا كانت "النواة الصلبة" للنظام الدستوري المغربي‬


‫تتمحور دائما حول المقدس الديني‪ ،‬وتختزلها مؤسسة "إمارة‬
‫المؤمنين" كحقل مؤثر فاعل‪ ،‬في حين تظل المؤسسات‬
‫الدستورية األخرى تدور في الهامش باعتبارها مجرد حقل‬
‫منفعل يتحمل سيرورة الوقائع دون أن يشارك في صناعتها في‬
‫األساس ومكتفيا بإدارتها فقط (ممارسة وظائف وليس‬
‫سلطات)‪.54‬‬
‫ففي الفترة التي كان فيها كلود باالزولي ‪PALAZZOLI‬‬
‫‪ Claude‬يكتب عن نمط الحكم بالمغرب‪ ،‬ويدرجه ضمن‬
‫التصور التيوقراطي العام الذي عرفته األنساق العربية‬

‫‪ -53‬حول تقليدانيية النظام الدستوري المغربي يراجع على سبيل العد ال الحصر‪:‬‬
‫محمد معتصم سواء في كتابه‪ :‬النظام السياسي الدستوري المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪ 24 .‬وما يليها؛ أو في أطروحته‪ :‬التطور التقليداني للقانون الدستوري‬
‫المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬حيث العنوان خير معبر عن مثل هذه الخالصة؛ وكذا‬
‫مصطفى قلوش‪ :‬النظام الدستوري المغربي – المؤسسة الملكية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪14-13‬؛ وعبد اللطيف أكنوش‪ :‬تاريخ المؤسسات والوقائع االجتماعية بالمغرب‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 154 .‬وما بعدها؛ ومحمد ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق‬
‫السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 82 .‬وما بعدها‪...‬‬
‫‪ -54‬محمد ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.92 .‬‬
‫‪39‬‬
‫‪56‬‬
‫اإلسالمية‪ ،55‬كان ميشال روسي ‪Michel ROUSSET‬‬
‫يتحدث عن ملكية معتدلة‪ ،‬أقامها دستور ‪ 7‬دجنبر ‪ ،571962‬لم‬
‫تلبث أن تحولت إلى ملكية حصرية ‪Monarchie exclusive‬‬
‫بعد تعليق الدستور سنة ‪1965‬؛ فهل كان دستور ‪ ،1962‬ثم‬
‫الدساتير التي أعقبته‪ ،‬تلخص فعال نظاما دستوريا ملكيا معتدال‪،‬‬
‫أم أن "إمارة المؤمنين"‪ 58‬احتكرت وحدها ممارسة السلطة‬
‫خالل العقود الخمسة التي أعقبت دستور ‪1962‬؟‬
‫لقد كانت إمارة المؤمنين دائما في التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫والمغربي‪ ،‬أحادية المرجعية‪ ،‬بما أنها كانت تستند إلى‬
‫الدين‪/‬الشريعة؛ ولذلك لم يثر حولها نقاش سياسي نظري بهذا‬
‫الصدد‪ ،‬ألن السلطة والمجتمع كانا دائما متطابقين حول ذلك‪ .‬أما‬
‫بعد صدمة الحداثة الناتجة عن االستعمار فقد اختلف األمر‬
‫جذريا بعد أن أصبحت هناك مشروعية مناقضة للدين‪ ،‬وتنادي‬

‫‪55 - PALAZZOLI (Claude): Existe-t-il une spécifité du‬‬


‫‪pouvoir dans les pays arabes, in: Mélanges offerts à G.‬‬
‫‪Burdeau: "Le pouvoir", L.G.D.J, Paris, 1977, p. 728.‬‬
‫‪LAVOREL (Sabine): Les constitutions Arabes et l’islam- les‬‬
‫‪enjeux du pluralisme juridique, Presses de l’université du‬‬
‫‪Québec, 1977, p. 192.‬‬
‫‪56 - ROUSSET (Michel): Changements institutionnels et‬‬
‫‪équilibre des forces politiques au Maroc – un essai‬‬
‫‪d'interprétation, A.A.N, XVI, 1977, Edit. C.N.R.S, Paris,‬‬
‫‪1978, p.192.‬‬
‫‪ -57‬دستور ‪ 7‬دجنبر ‪ ،1962‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ ‪17‬‬
‫رجب ‪ 14( 1382‬دجنبر ‪ ،)1962‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2616‬مكرر‪،‬‬
‫بتاريخ ‪ 22‬رجب ‪ 19( 1382‬دجنبر ‪.)1962‬‬
‫‪ - 58‬أفردنا كتابا كامال للموضوع بعنوان‪ :‬إمارة المؤمنين – التاريخ السياسي‬
‫والثقافة الدستورية‪ ،‬مطبوعات الهالل‪ ،‬وجدة‪.2013 ،‬‬
‫‪40‬‬
‫باالستناد إلى ما هو دنيوي (السيادة للشعب)‪59‬؛ وقد تم حسم‬
‫النزاع في عدد من الدول العربية واإلسالمية لصالح هذه‬
‫المرجعية (وفي مقدمة هذه الدول تركيا التي كانت قلعة الخالفة‬
‫اإلسالمية ووريثها التاريخي)‪.60‬‬
‫في المغرب برز تنازع المشروعيتين عمليا مباشرة بعد‬
‫االستقالل‪ 61‬حيث جرى نقاش حاد حول السلطة التأسيسية‪ ،‬ليس‬
‫بالمعنى األكاديمي فقط‪ ،‬بل – وأيضا – بمعنى الخالف السياسي‬
‫حول «أسس المشروعية‪ ،‬والدعائم اإليديولوجية للنظام‪،‬‬
‫وتحديد أسمى سلطة فيه؛ وذلك ما بين أنصار السيادة الوطنية‬
‫الداعين لوضع دستور من طرف جمعية تأسيسية منتخبة‪،‬‬
‫ودعاة السيادة الملكية المدافعين على وضع الملك للدستور‬
‫وامتالكه للسيادة الوطنية»‪ 62‬وقد تمثل أنصار التيار األول‬
‫أساسا في كل من الحزب الشيوعي المغربي (الذي طالب‬
‫بجمعية تأسيسية منذ ‪ ،1946‬وجدد مطلبه سنوات ‪1950‬؛‬
‫‪1952‬؛ ‪1956 – 1955‬؛ قبل أن يضمنه ديباجة نظامه‬

‫‪ -59‬يميز ماكس فيبر بين ثالثة أنواع من المشروعيات‪ :‬المشروعية التقليدية (كما‬
‫هو الحال في األنظمة الملكية التقليدية)؛ والمشروعية الكارزماتية (القائمة على‬
‫أساس الزعامة السياسية)؛ والمشروعية العقالنية (المستندة إلى القواعد القانونية)‪.‬‬
‫‪WEBER (Max): Le savant et la politique, Paris, Plon, 2ème‬‬
‫‪édit. 1997, p. 10-18.‬‬
‫‪ -60‬كان ذلك سنة ‪ 1924‬عندما وضع أتاتورك حدا للخالفة العثمانية واستعاض‬
‫عنها بدولة تركيا الالئيكية‪.‬‬
‫‪ -61‬يمكن اعتبار فترة االستعمار بأنها كانت من طبيعة خاصة بما أنها لم تحافظ‬
‫على شكل السلطة التقليدي‪ ،‬لكنها لم تقطع معه بالمرة لتؤسس للمشروع الحداثي‬
‫بمعناه الغربي‪ ،‬أي كما طبق في المركز‪/‬فرنسا‪.‬‬
‫‪ -62‬محمد معتصم‪ :‬الحياة السياسية المغربية (‪ ،)1991 – 1962‬مؤسسة إيزيس‬
‫للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ .1992 ،‬ص‪.13 .‬‬
‫‪41‬‬
‫األساسي)؛ ثم االتحاد الوطني للقوات الشعبية (غداة إقالة حكومة‬
‫عبد هللا إبراهيم سنة ‪)1960‬؛ أما حزبا الحركة الشعبية‬
‫والشورى واالستقالل فقد جاء انضمامهما لهذا التيار على خلفية‬
‫قطع الطريق أمام احتكار حزب االستقالل للحياة السياسية‬
‫المغربية «وسرعان ما سيتخليان عن هذا الموقف التكتيكي‬
‫لينضما للمجلس الدستوري المعين سنة ‪ .63»1960‬أما‬
‫الموقف االستقاللي فكان «يقترب من موقف محمد الخامس‬
‫الرافض النتخاب جمعية تأسيسية‪ ،‬والميال لتعيين مجلس‬
‫تمثيلي يضع دستورا بموافقته على أن يعرض على االستفتاء‪،‬‬
‫لكي ال يكون منحة»‪.64‬‬
‫وقد كان الملك الراحل الحسن الثاني أكثر حسما عندما‬
‫اعتبر أن وضع الدستور ال ينبغي أن يعود للسيادة الوطنية‪ ،‬أو‬
‫السيادة الشعبية‪ ،‬بل إلى «سيادة األمة‪ ،‬بما تعنيه في المفهوم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬من تفويض للملك عن طريق البيعة‪ ،‬وبما تنطق به‪،‬‬
‫على الصعيد الدستوري‪ ،‬من ممارستها لها مباشرة‬
‫باالستفتاء‪ ...‬وبصفة غير مباشرة عن طريق المؤسسات‬
‫‪65‬‬
‫الدستورية‪ ،‬التي تعد الملكية أسماها‪».‬‬
‫فدستور ‪ 1962‬لم يكن يشكل قطيعة مع اإلرث التقليدي‪،‬‬
‫ألنه لم يقم بتنصيب العقالنية الحداثية على النظام الدستوري‬

‫‪ -63‬محمد معتصم‪ :‬الحياة السياسية المغربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .14 .‬وقد انسحب‬
‫حزبا الحركة الشعبية والشورى واالستقالل من المجلس الدستوري بعد سيطرة‬
‫حزب االستقالل على رئاسته وأجهزته‪.‬‬
‫‪ -64‬محمد معتصم‪ :‬الحياة السياسية المغربية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.15 – 14 .‬‬
‫‪ -65‬محمد معتصم‪ :‬الحياة السياسية المغربية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.15 .‬‬
‫‪42‬‬
‫المقترح‪ ،‬ومن اعتقد غير ذلك كان واهما‪ 66.‬أما األحزاب‬
‫فاكتفت بلعب دور ال يختلف كثيرا عن جماعات المصالح‬
‫‪ ،groupes d'intérêts‬حيث ظلت تخدم السلطة وال تمارسها‪،‬‬
‫أو باألحرى ال يمكنها أن تمارسها‪ ،‬ألن «السلطة ال توجد في‬
‫حقل "الملكية الدستورية"‪ ،‬بل توجد في حقل "إمارة‬
‫‪67‬‬
‫المؤمنين"‪».‬‬
‫وهكذا فـ"الملكية الدستورية"‪ ،‬التي تم إلحاقها بدستور‬
‫‪ ،1962‬لم ت ْع ُد أن تكون تحديثا شكليا على المستوى السياسي‪،‬‬
‫ومعروف أن الدستور هو منتوج غريب عن الثقافة العربية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وتم استيراده من أوربا بعد الفترة االستعمارية‪،‬‬
‫وفوق ذلك هو غير ذي معنى إذا لم يعمل على الحد من سلطات‬
‫الحكام‪ ،‬على رأي جورج بيردو ‪،68Georges BURDEAU‬‬
‫وبما أن "أمير المؤمنين" كان يعلو على جميع المؤسسات‪ ،‬جاز‬
‫القول باالستتباع بأن "الملكية الدستورية" كانت مجرد ظل‬
‫"إلمارة المؤمنين"‪ ،‬ليس فقط ألن هذه هي األصل‪ ،‬وهي‬
‫المترسخة تاريخيا ووجدانيا‪ ،‬وإنما‪ ،‬وهذا هو األهم‪ ،‬ألن مجالها‬

‫‪ -66‬من الذين اعتبروا دستور ‪ 1962‬حدثا عظيما وشكل قطيعة مع الماضي‬


‫السياسي واالجتماعي والنفسي المغربي‪ ،‬نذكر‪AVEILLE (J.): Le Maroc :‬‬
‫‪se donne une monarchie constitutionnelle. Confluent, Vol. 27,‬‬
‫‪( Paris, 1963, p. 6-52.‬ورد عند محمد ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق‬
‫السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)83 .‬‬
‫‪ -67‬محمد ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.92‬‬
‫‪68 - BURDEAU (Georges): Méthode de la science politique,‬‬
‫‪Dalloz, Paris, 1959, p. 435.‬‬
‫(ورد عند محمد ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي المعاصر‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)91 .‬‬
‫‪43‬‬
‫يغطي مجال جميع المؤسسات التي أحدثها الدستور‪ ،‬فيخترقها‬
‫ويعلو عليها؛ وربما لهذا السبب انتهى محمد ضريف إلى أن‬
‫«الدستور المغربي‪ ،‬وبالتالي النسق السياسي المغربي‪ ،‬ال‬
‫يتضمن فصال أو توزيعا للسلطات‪ ،‬سواء كان هذا التوزيع أفقيا‬
‫أو عموديا؛ إن الدستور يتضمن توزيعا للوظائف ‪fonctions‬‬
‫‪69‬‬
‫ليس إال‪».‬‬
‫إن كل ما سيترتب الحقا في تاريخ المغرب‪ ،‬بعد ‪،1962‬‬
‫ويؤثث مشهده السياسي‪ ،‬ما هو في الواقع إال إعادة رسم حدود‬
‫المؤسسة الملكية‪/‬إمارة المؤمنين مع باقي هياكل النظام‬
‫الدستوري والسياسي المغربي (وأساسا السلطات الثالث) دون‬
‫أن يكون هناك‪ ،‬في العمق‪ ،‬أي تقليص لمجال نفوذ المؤسسة‬
‫الملكية؛ حيث ظلت منطقة النفوذ هذه (خالل الدساتير الالحقة‪:‬‬
‫‪701970‬؛ ‪711972‬؛ والمراجعة‪ )731996 ،721992 :‬قوية‪،‬‬

‫‪ -69‬ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬المرجع نفسه‪،‬‬


‫ص‪.91 .‬‬
‫‪ -70‬دستور ‪ 24‬يوليوز ‪ ،1970‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.70.177‬بتاريخ ‪ 27‬جمادى األولى ‪ 31( 1390‬يوليوز ‪ ،)1970‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 3013‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 28‬جمادى األولى ‪( 1390‬فاتح‬
‫غشت ‪.)1970‬‬
‫‪ -71‬دستور فاتح مارس ‪ ،1972‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.72.061‬بتاريخ ‪ 23‬محرم ‪ 10( 1392‬مارس ‪ ،)1972‬صادر بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ ،3098‬بتاريخ ‪ 28‬محرم ‪ 15( 1392‬مارس ‪.)1972‬‬
‫‪ -72‬دستور ‪ 04‬سبتمبر ‪ ،1992‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.92.155‬بتاريخ ‪ 11‬من ربيع اآلخر ‪ 9( 1413‬أكتوبر ‪ ،)1992‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،4172‬بتاريخ ‪ 16‬ربيع اآلخرة ‪ 14( 1413‬أكتوبر‬
‫‪.)1992‬‬
‫‪ -73‬دستور ‪ 13‬سبتمبر ‪ ،1996‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.96.157‬بتاريخ ‪ 23‬من جمادى األولى ‪ 7( 1427‬أكتوبر ‪ ،)1996‬صادر‬
‫‪44‬‬
‫يحرسها الفصل ‪ 19‬ويجسدها في اآلن نفسه‪ ،‬رغم اقتباس بعض‬
‫‪74‬‬
‫«التقنيات الدستورية لألنظمة الرئاسية‪».‬‬
‫‪75‬‬
‫إن «إمارة المؤمنين تشكل مفتاح فهم النظام المغربي»‬
‫ألن المفهوم حمال معان «قانونية تقليدانية جد مكثفة تجعل منه‬
‫الخزان السياسي واإليديولوجي للنظام؛ كما أن التمعن في‬
‫تموضعه ضمن الهندسة الدستورية يجعل منه مفتاح القانون‬
‫الرئيسي وحجره األساس»‪ 76‬ألنه يثير من خلفه نظرية الخالفة‬
‫بكل شحنتها الدينية والتاريخية العريقة؛ ولنفهم كيف أن‬
‫«المغرب هو ملكية أكثر منه "دولة" أو "أمة"‪ ،‬حيث الوحدة‬
‫تتمحور حول شخص "الملك" وليس حول "مؤسسات"‪ ،‬وهو‬
‫الذي يجعلنا نستوعب لماذا يوجد في قلب النسق السياسي‬
‫‪77‬‬
‫المغربي شخص واحد هو "الملك"‪».‬‬
‫أما استقرارية هذا النسق فترجع «باألساس إلى كون عناصر‬
‫الصراع السياسي ضمنه ال تتجرأ على االقتراب من حقل إمارة‬
‫المؤمنين»‪ 78‬الذي تم إثراؤه (في الفصل ‪« )19‬باستعمال‬
‫ألفاظ‪" :‬رمز"‪ ،‬و"حامي"‪ ،‬و"ضامن"‪ ،‬وهي العبارات التي‬
‫تحمل مغزى سياسيا ودينيا ورمزيا معبرا‪79»...‬؛ ضمن فصل‬

‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،4420‬بتاريخ ‪ 26‬من جمادى األولى ‪ 10( 1417‬أكتوبر‬


‫‪.)1996‬‬
‫‪ -74‬محمد معتصم‪ :‬النظام السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪64 .‬‬
‫‪ -75‬محمد معتصم‪ :‬النظام السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.72 .‬‬
‫‪ -76‬معتصم‪ :‬النظام السياسي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.74 .‬‬
‫‪ -77‬ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.87 .‬‬
‫‪ -78‬ضريف‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.95 .‬‬
‫‪ -79‬فصل فيها األستاذ معتصم‪ :‬النظام السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.76 – 75 .‬‬
‫‪45‬‬
‫ظل يحافظ على موقعه الذي شغله منذ دستور ‪ ،1962‬أي في‬
‫بداية الباب الثاني؛ وبذلك فهو يعتبر امتدادا ماديا للباب األول‬
‫ورابطا بين المبادئ األساسية للمجموعة السياسية الوطنية وبين‬
‫الملكية «التي تهيمن على مجموع البناء الدستوري‪ ...‬فإذا‬
‫كانت األمة ذات سيادة‪ ،‬وإذا كان القانون هو التعبير األسمى‬
‫ورمز وحدتها‪ ،‬وبالتأكيد على أن اإلسالم هو دين الدولة‪ ...‬فإن‬
‫الفصل ‪ 19‬يجيب بأن الملك هو أمير المؤمنين ضامن وحدة‬
‫واستمرار الدولة واحترام اإلسالم والدستور‪ ...‬وإذا كان الباب‬
‫األول قد تحدث عن حقوق وحريات مختلفة للمواطنين وللفئات‬
‫االجتماعية والمجموعات‪ ،‬فإن الملك هو حامي هذه‬
‫الحقوق‪ 80»...‬وهكذا فكل شيء في الدستور يجري «وكأن‬
‫الباب األول المخصص للمبادئ األساسية‪ ،‬ليس سوى تحضيرا‬
‫‪81‬‬
‫للفصل ‪».19‬‬
‫وتؤكد متابعة النصوص الدستورية أن «صالحيات الملك‬
‫الدستوري وقدسيته وعالقته بالحكومة والبرلمان ما هي إال‬
‫مجرد دسترة لحكم أمير المؤمنين المتموضع في قلب الهندسة‬
‫الدستورية المغربية من خالل الفصل ‪ ،82»19‬ليس فقط‬
‫بإضفاء مشروعية دينية على الحكم وعدم فصل الدين عن‬
‫الدولة‪ ،‬ولكن كذلك بتأكيد سمو الملكية على التمثيل البرلماني‪،‬‬

‫‪ -80‬عبد اللطيف المنوني‪ :‬اللجوء للفصل ‪ -19‬قراءة جديدة في الدستور‪ ،‬ترجمة‬


‫االتحاد االشتراكي (ضمن ملف العدد) جريدة االتحاد االشتراكي‪ ،‬ع‪9735 .‬‬
‫بتاريخ ‪ 20 – 19‬مارس ‪ ،2011‬ص‪.7 .‬‬
‫‪ -81‬عبد اللطيف المنوني‪ :‬اللجوء للفصل ‪ -19‬قراءة جديدة في الدستور‪،‬‬
‫المعطيات السابقة نفسها‪ ،‬ص‪.7 .‬‬
‫‪ -82‬يراجع بخصوص هذه الهندسة‪ ،‬وتموضع الفصل ‪ 19‬منها‪ ،‬محمد معتصم‪:‬‬
‫النظام السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 76 .‬ومايليها‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫وترجيح أولويتها على الدستور والدولة‪ 83...‬وحيث تقف مؤسسة‬
‫"إمارة المؤمنين" لتضفي على "الملكية الدستورية" حصانة‬
‫مطلقة ال يُعلى عليها‪.‬‬
‫بهذه الصفة هيمنت المؤسسة الملكية على باقي المؤسسات‬
‫الدستورية األخرى‪ ،‬ألنها تستمد عمقها من الفصل ‪ 19‬حيث‬
‫الملك هو الممثل األسمى لألمة‪ ،‬مما يعني أن سلطاته تمتاز‬
‫باالستمرارية والثبات وال رجعة فيها‪ ،‬في مقابل الهيئة التشريعية‬
‫– التي تمثل األمة أيضا – لكن سلطتها تبقى جزئية وظرفية‬
‫وقابلة للتجديد؛ ولكل هذا يمكن القول بأن «الملك يجسد سلطة‬
‫الدولة والشرعية الوطنية‪ ،‬في حين أن البرلمان يمثل التعبير‬
‫عن الحياة الديمقراطية»‪.84‬‬
‫أما الدساتير الموالية (الجديدة سنتي ‪1970‬؛ ‪1972‬؛‬
‫والمراجعة سنتي ‪1992‬؛ ‪ )1996‬فلم تعمل إال على ترسيخ‬
‫حقيقة تقليدانية النظام الدستوري المغربي‪ :‬فكل ما فعله دستور‬
‫‪ 1970‬هو أنه قنن نظرية الحكم‪/‬الخالفة كما جاءت في‬
‫اإلسالم‪ ،85‬وهو ما حافظ عليه دستور ‪ ،1972‬الذي جاء على‬
‫خلفية عدد من المحاوالت االنقالبية‪ ،‬مما أدخل المغرب في فترة‬
‫فراغ في المؤسسات الدستورية امتدت إلى غاية ‪1977‬؛ أما‬
‫التعديالن الدستوريان (‪ 1992‬و‪ )1996‬فرغم أنهما حاوال‬

‫‪ -83‬محمد معتصم‪ :‬النظام السياسي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.88 – 87.‬‬


‫‪ -84‬عبد اللطيف المنوني‪ :‬اللجوء للفصل ‪ -19‬قراءة جديدة في الدستور‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.3 .‬‬
‫‪85 - GUIBAL (Michel): La suprématie constitutionnelle au‬‬
‫‪Maroc, R.J.I.PC, N° 3, juil.- sept. 1978.‬‬
‫ومحمد ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.94 .‬‬
‫‪47‬‬
‫توسيع هامش تحرك البرلمان‪ ،‬والتأكيد على حقوق اإلنسان‬
‫(ومن ضمنها حقوق المرأة)‪ ،‬وإحداث المجلس الدستوري‪ ...‬إال‬
‫أن هيمنة مؤسسة "إمارة المؤمنين" ظلت حاضرة بقوة‪ ،‬إلى‬
‫درجة أنها تجعل من تحديث النظام الدستوري مجرد واجهة‬
‫تخفي مالمح النظام التقليدي بعمقه "الخالفي" (نسبة إلى‬
‫الخالفة)‪ ،86‬حيث إن لقب "أمير المؤمنين" ال يجب أن يُحمل‬
‫على مظهره البريء إذ إن تفعيله الجدي (والملك كما الشعب‬
‫يعلمون ذلك جيدا) كاف ألن يعصف بكل مظاهر التحديث‬
‫الشكلي للنظام الدستوري‪87‬؛ وهذا كله يقودنا إلى تناقضات‬
‫خطيرة بين مستوى الفكر النظري السياسي‪ ،‬ومن ضمنه التأطير‬
‫الدستوري‪ ،‬ومستوى الممارسة الميدانية للمؤسسات الدستورية‪،‬‬
‫ويفضي إلى خلط كبير بين تكييف ممارسة السلطة التقليدية‬
‫لإلسالم بتأويالتها المتعددة‪ ،‬وبين العناصر السياسية الحديثة‬
‫والديمقراطية‪ ،‬وإن كان المغاربة قد اعتادوا على مثل هذا‬
‫الخلط‪88‬؛ وليتأكد في النهاية بأن نموذج "الملكية الدستورية" في‬
‫المغرب ظل أبعد بكثير عن السقف الذي رفعته الحركة الوطنية‬
‫ذات يوم عندما كانت تريد لها مسارا على الطريقة البريطانية‪.‬‬

‫‪86 - WOLFF (Jürgen H.): La pensée politique dans l’Islam,‬‬


‫‪La légitimation du pouvoir et la démocratie moderne – le cas‬‬
‫‪du Maroc, Trad. Irène Von Strachwitz, in : Annuaire de‬‬
‫‪l’Afrique du nord, Tome XXXII, 1993, CNRS éditions, p. 363.‬‬
‫‪87 - WOLFF : La pensée politique dans l’Islam, op. cit., p.‬‬
‫‪369.‬‬
‫‪88 - WOLFF , Ibid. p. 372.‬‬

‫‪48‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬دستور ‪ 2011‬والتأسيس لنظام دستوري‬
‫جديد‬
‫إن النظام الدستوري الحالي لم تتم دراسته بعد بالعمق والقدر‬
‫الكافيين‪ ،‬والكتابات القليلة المتناثرة حوله – والتي يغلب عليها‬
‫الطابع الصحفي أو الحزبي السجالي – ال تكاد تستقر على رأي‬
‫واحد بخصوص توصيفه‪ ،‬وهو انعكاس طبيعي للجدل الذي‬
‫رافق الدستور في مراحل وسياق إعداده وإقراره‪ ،‬وما زال حتى‬
‫اليوم لم يحسم بعد‪.‬‬
‫ضمن هذا السجال يرى محمد الساسي بأن الوثيقة الجديدة‬
‫حملت مستجدا تجسد على مستوى تنظيم السلط لكنه رجح‬
‫السلطة الملكية؛ وهو ما يتوافق إلى حد بعيد مع ما ذهب إليه‬
‫أحمد بوز الذي خلص إلى أننا «إزاء دستور وضع لعبة‬
‫مفتوحة ظاهريا باعتبارها قواعد الديمقراطية البرلمانية‪ ،‬التي‬
‫ترتكز على االقتراع العام‪ ،‬لكنها قواعد تحتفظ باألوراق‬
‫الحاسمة في يد العب واحد غير خاضع للمحاسبة»؛ أما المنار‬
‫اسليمي فيعتقد بأننا ما زلنا أمام دستور سنة ‪ 1996‬الذي ال‬
‫يريد أن يموت مقابل دستور ‪ 2011‬الذي ال يريد أن يولد‪،‬‬
‫معتبرا أن الدستور أكبر من الفاعلين السياسيين؛ بينما تساءل‬
‫عبد العالي حامي الدين حول العوائق التي تقف وراء تنزيل‬
‫الدستور بنفس ديمقراطي‪ :‬هل يتعلق األمر بأزمة نص؟ أم‬
‫بأزمة فاعلين؟ معتبرا أن مسألة التأويل الديمقراطي للدستور تم‬
‫توظيفها لمأل الفراغات الحاصلة في الوثيقة التي ال ترقى‬
‫لالستجابة لجميع التطلعات الديمقراطية؛ أما موقف رقية‬
‫لمصدق فقد كان أكثر تطرفا‪ ،‬وتشاؤما‪ ،‬عندما اعتبرت دستور‬

‫‪49‬‬
‫‪ 2011‬وثيقة غير "جيدة" – كما يتم الترويج لها من طرف‬
‫الطبقة السياسية – وأنها تمثل تراجعا عن المسار الديمقراطي‬
‫الحقيقي‪ ،‬وأبدت تأسفها النخراط األحزاب في متاهتها‪ ،‬بل‬
‫وذهبت إلى اعتبار الدستور الجديد وثيقة ألغام لم تتم مناقشتها‬
‫بشكل سليم في أولها ويتم تجاوزها اليوم عبر ما يسمى "التأويل‬
‫الديمقراطي"‪.89‬‬
‫مثل هذا النقاش هو الذي يجعلنا ننتهي إلى صياغة عناوين‬
‫مفارقة من النوع الذي يبحث في جدلية الثابت والمتحول في‬
‫دستور ‪2011‬؛ أو البحث عن مفهوم الملكية البرلمانية في‬
‫النظام السياسي المغربي‪ ...90‬وهي عناوين توحي‪ ،‬من دون‬
‫شك‪ ،‬بأن النظام الدستوري المغربي الذي يؤسس له دستور‬
‫‪ 2011‬يختلف عن الملكيات البرلمانية في دول أخرى‪ ،‬حيث‬
‫تحضر بطريقة مبطنة المقارنة مع الملكيات في أوربا‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫ويغلب على الظن بأن مرد ذلك ال يرجع فقط إلى نوعية هذه‬
‫الكتابات بل ألن مالمح هذا النظام لم تتشكل بعد‪ ،‬وألن الذي‬
‫يساهم في تشكلها ليس المتن الدستوري وحده بل تأويله أيضا‪،‬‬
‫‪ -89‬هذه الفقرة تركيب لمجموعة من اآلراء التي وردت في ندوة لمرصد تحليل‬
‫السياسات‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪،‬‬
‫أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬على هامش تقديم كتاب "الدستور والديمقراطية‪ :‬قراءة في‬
‫التوترات المهيكلة لوثيقة ‪ "2011‬لمؤلفه حسن طارق‪ ،‬بتاريخ‪ 15 :‬نوفمبر ‪.2013‬‬
‫‪ -90‬ينظر بخصوص هذه العناوين‪ :‬محمد الغالي‪ :‬جدلية الثابت والمتحول في‬
‫دستور ‪ 2011‬في ضوء قراءة السياق والركائز واألهداف‪ ،‬ضمن‪ :‬دستور ‪2011‬‬
‫بالمغرب – مقاربات متعددة‪ ،‬منشورات مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة األعداد الخاصة‪،‬‬
‫رقم ‪ ،2012 ،5‬ص‪63 – 55 .‬؛ والعشوري محمد فؤاد‪ :‬مفهوم الملكية البرلمانية‬
‫في النظام السياسي المغربي من خالل دستور ‪ ،2011‬ضمن‪ :‬دستور ‪2011‬‬
‫بالمغرب – مقاربات متعددة‪ ،‬المعطيات السابقة‪ ،‬ص‪.109 – 95 .‬‬
‫‪50‬‬
‫والتأويل ال يتحكم فيه الفقه الدستوري‪ ،‬وال حتى نظام السلطة‪،‬‬
‫فقط‪ ،‬بل للشارع السياسي أيضا رأي في رسم مسار توجهه‬
‫وحدوده؛ وبما أن الظرفية التي يمر منها المغرب‪ ،‬كما باقي‬
‫الدول العربية‪ ،‬ظرفية لم تستقر بعد‪ ،‬فإن الممارسة وحدها هي‬
‫القادرة على تحديد طبيعة "التأويل الدستوري"‪ ،‬وبالتالي النظام‬
‫الذي سيستقر في نهاية المطاف‪ ،‬وبما أن النظام السياسي القائم‬
‫قارئ جيد للظروف المحيطة فإن تأويل الدستور‪ ،‬وبالتالي‬
‫ممارسة السلطة (تشددا أو ارتخاء)‪ ،‬ستتحدد بناء على هذه‬
‫القراءة‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬وبالعودة إلى الوثيقة الدستورية (لسنة ‪ )2011‬فإننا‬
‫نجدها تتحدث عن مفهوم "النظام الدستوري المغربي"‪،‬‬
‫بالحرف‪ ،‬في مناسبة واحدة يتيمة‪ ،‬هي التي وردت في فصله‬
‫األول‪ ،‬ثم نعبر باقي فصول الدستور إلى فصله األخير‪،180/‬‬
‫فال نجد ذكرا آخر للمفهوم‪ ،‬وكأن المشرع الدستوري يريد أن‬
‫ينبهنا إلى أن كل ما تم التأسيس له بين الفصلين‪ ،‬األول‬
‫واألخير‪ ،‬ما هو إال بسط لمضامين هذا "النظام الدستوري" الذي‬
‫يجري الحديث عنه؛ علما بأن الفصل ‪ 180‬ورد فيه‪« :‬يُنسخ‬
‫‪91‬‬
‫نص الدستور المراجع‪ »...‬مما يفيد بأننا بصدد دستور جديد‪،‬‬
‫فهل عبرنا نحو "نظام دستوري" جديد فعال؟‬
‫نقرأ في الفصل األول من دستور ‪ 2011‬ما يلي‪ ...« :‬يقوم‬
‫النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازنها‬
‫وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية المواطنة والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ‬

‫‪ -91‬علما بأن الخطاب الملكي (‪ 9‬مارس ‪ )2011‬أشار إلى مجرد تعديل للدستور‬
‫وليس إنتاج دستور جديد‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة»؛ حيث نالحظ بأن‬
‫السياق الدستوري هنا قد حشد مفاهيم سياسية مكثفة بشكل‬
‫متداخل‪ ،‬أما السياق العلمي فيستلزم التدخل إلعادة ترتيبها بشكل‬
‫مختلف بغية الفهم‪ ،‬ومن ثم الدراسة‪.‬‬
‫فالديمقراطية تحيل بالضرورة على توفير شروط المواطنة‬
‫واعتماد المقاربة التشاركية‪ ،‬كما أن اقتران المسؤولية بالمحاسبة‬
‫ما هو في الواقع إال مبدأ من مبادئ "الحكامة الجيدة" التي تعتبر‬
‫بدورها مجرد مبدأ من مبادئ الديمقراطية‪ ،‬تماما كمبدأ الفصل‬
‫بين السلط (الذي اختار منه المغرب النموذج المرن)‪ ،92‬علما‬
‫بأن الفصل بين السلط‪ ،‬ومن ثم الديمقراطية نفسها‪ ،‬ال يمكنها أن‬
‫تشتغل بشكل سليم بمعزل عن "الحكامة الجيدة"؛ فالمفاهيم‬
‫الواردة إذن تحيل على بعضها إحالة تفاعل وبناء وليس مجرد‬
‫صفات ونعوت‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫ال شك أن كل نسق دستوري هو نتاج ثقافة سياسية معينة‬
‫تختزنها الذاكرة الجمعية‪ ،‬وهي تتأسس على موروث تاريخي‬
‫يتم إغناؤه بالتدريج مع مرور الزمن وتطور المجتمع‬
‫ومؤسساته‪ .‬وفي الحالة المغربية فإن هذا النسق ارتبط بثقافة‬
‫تداخلت فيها الشريعة والشرافة والمقاومة‪ ،‬ثم مقارعة‬
‫المعارضة‪ ...‬عبر مسار تاريخي طويل‪ ،‬انتهى إلى تعايش‬
‫هجين بين "التقليدانية" و"الحداثة" حيث هيمنت األولى على‬
‫الثانية‪ ،‬وسمت على جميع مؤسساتها؛ لكن السؤال الذي حان‬

‫‪ -92‬الذي يفترض التوازن والتعاون بين السلط‪.‬‬


‫‪ -93‬حول مفهوم الثقافة السياسية يراجع محمد ضريف‪ :‬إشكالية الثقافة السياسية –‬
‫المفهوم والمقتربات‪ ،‬ضمن المجلة المغربية لعلم االجتماع السياسي‪ ،‬عدد مزدوج‪،‬‬
‫السنة ‪ ،2‬شتاء ‪ -‬ربيع ‪ ،1988‬ص‪ 5 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫الوقت لطرحه‪ ،‬هو‪ :‬هل يمكن لهذا التعايش (بالشكل الذي‬
‫هيمنت عليه التقليدانية) أن يستمر‪ ،‬وإلى متى؟ هذا السؤال‬
‫يفضي بنا إلى سؤال آخر‪ :‬ما الذي تنازل عنه حقل "إمارة‬
‫المؤمنين" لصالح المؤسسات الدستورية‪ ،‬وغيّر بالتالي من شكل‬
‫النظام الدستوري المغربي‪ ،‬وإلى أي حد؟‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المضمون الجديد للمؤسسة الملكية‪"/‬إمارة‬


‫المؤمنين"‬
‫مع التفصيالت الجديدة للباب األول‪/‬المبادئ العامة؛‬
‫وتخصيص الباب الثاني للحريات والحقوق األساسية‪ ،‬انتقل‬
‫الفصل ‪ ،19‬رمز النظام التقليداني‪ ،‬من موقعه ضمن الباب‬
‫الثاني (من الدستور القديم)‪ ،‬إلى الفصلين ‪ 41‬و‪ 42‬من الباب‬
‫الثالث المخصص للملكية (في الدستور الجديد)‪.‬‬
‫الفصالن ‪ 41‬و‪ ،42‬بالصيغة الجديدة‪ ،‬يجعالن أي قارئ‬
‫سياسي يدخل إلى قلب خصوصية الهوية المغربية‪ ،‬حيث ال‬
‫يوجد شبه لذلك في أي جهة أخرى من العالم؛ ومبدئيا ال ندري‬
‫مدى الحدود واآلفاق التي ينفتح عليها الفصالن؛ فالمفاهيم حمالة‬
‫معان‪ ،‬ويكفي أن نثير فقط عبارات مثل‪ :‬الممثل األسمى‪ ،‬ورمز‬
‫وحدة األمة‪ ،‬وضامن دوام الدولة واستمرارها‪ ...‬لينفتح المجال‬
‫على كل تأويل‪ ،‬وقد دلت الممارسة التاريخية على أن الفصل‬
‫‪ ،19‬الشهير‪ ،‬ظل خامدا مدة طويلة قبل أن ينتفض بقوة إبان‬
‫استعماله في وجه المعارضة مطلع ثمانينيات القرن الماضي؛‬
‫لكن رغم ذلك يمكن التأكيد على مالحظات مبدئية أساس‪،‬‬
‫بخصوص المؤسسة الملكية‪/‬إمارة المؤمنين‪ ،‬في عالقتها مع‬

‫‪53‬‬
‫باقي مؤسسات النظام الدستوري الجديد‪ ،‬خاصة السلطتين‪:‬‬
‫التشريعية والتنفيذية‪.‬‬
‫الفصل ‪ :41‬يحيل على إمارة المؤمنين ‪ +‬المجلس العلمي‬
‫األعلى‪.‬‬
‫الفصل ‪ :42‬يجعل للملك سلطات دستورية محددة‪ ،‬بما هو‬
‫ضامن للسير الديمقراطي للمؤسسات‪ ،‬ويمارس سلطاته بموجب‬
‫ظهائر توقع بالعطف من طرف الوزير األول‪ 94،‬وهي نقلة‬
‫نوعية تخرج بالمغرب من الصورة النمطية للفصل ‪.19‬‬
‫نعلم بأن مشروع الحكم الحداثي عموما يميز دائما بين الديني‬
‫والسياسي؛ وفي الفصلين ‪ 41‬و‪ 42‬وقف المشرع على‬
‫المستويين‪ :‬الزمني‪/‬الديني (من خالل إمارة المؤمنين)؛‬
‫والمدني‪/‬الدنيوي ‪( Profane‬باعتبار الملك رئيس دولة)؛ لكن‬
‫إلى أي حد؟‬
‫في السابق كانت "إمارة المؤمنين" – موحدة جسم المؤسسة‬
‫الملكية – تخترق جميع المؤسسات الحداثية الديمقراطية المدنية؛‬
‫أما اآلن فظاهر النص الدستوري‪ ،‬على األقل‪ ،‬قد يؤشر على‬
‫الفصل بين الفضاءين الدنيوي والزمني‪ .‬أما في مسألة القدسية‬
‫‪ Le sacré‬التي ظلت مطروحة في كل نقاش دستوري سابقا‪،‬‬
‫فعلينا أن نسجل أوال بأن المقدس يظل خارج المساءلة‪ ،‬وهو ما‬
‫كان حاصال منذ أول دستور انعقد بالمغرب؛ أما االتجاه الذي‬
‫طرحه الدستور الجديد فهو أنه أحال كثيرا من االختصاصات‬

‫‪ -94‬استثنى منها المشرع الدستوري عددا من الفصول حددها صراحة الفصل ‪42‬‬
‫من دستور ‪.2011‬‬
‫‪54‬‬
‫‪95‬‬
‫على سلطات أخرى؛ وبالتالي فبعد أن كان القديم‪"/‬المقدس"‬
‫يحيل على الديني والالهوتي‪ ،‬أصبح اآلن الجديد‪/‬المحترم يحيل‬
‫على الديونطولوجي واألخالقي‪ :‬الملك– المواطن‪96‬؛ لكن هل‬
‫أدخله المشرع الدستوري نطاق المساءلة‪ ،97‬بما أنه قد أزاح عنه‬
‫هالة المقدس‪ ،‬وبما أن القاعدة الفقهية الدستورية تنص على أن‬
‫"كل من يمتلك السلطة يتحمل مسؤوليته عنها"‪ ،‬وبما أن الفصل‬
‫األول من الدستور نفسه قرن المسؤولية بالمحاسبة؟ وعلما بأن‬
‫المسؤولية والمحاسبة وجهان لعملة واحدة‪ ،‬بل إن الدستور يعتبر‬
‫غير ذي معنى إذا لم يعمل على الحد من سلطات الحكام‬
‫ومحاسبتهم‪ ،‬على رأي جورج بوردو‪.98‬‬
‫قطعا ال يأتي الجواب على هذا السؤال‪ ،‬كما يدل على ذلك‬
‫النظام الدستوري (نظرية وممارسة) إال نفيا‪ ،‬يذكرنا بأنه ما زال‬
‫مشدودا إلى "التقليدانية"؛ ومع ذلك فعندما ننصرف إلى رصد‬
‫مؤشرات الحداثة فإنها تبدو قوية جدا‪ ،‬في التصدير الدستوري‬
‫وفي البابين األول والثاني منه حيث التشديد على‪ :‬المساواة؛‬
‫‪ -95‬الفصل ‪ 23‬من دستور المملكة المغربية للثالث عشر من سبتمبر ‪،1996‬‬
‫صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.96.157‬بتاريخ ‪ 23‬من جمادى‬
‫األولى ‪ 7( 1427‬أكتوبر ‪ ،)1996‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،4420‬بتاريخ‬
‫‪ 26‬من جمادى األولى ‪ 10( 1417‬أكتوبر ‪.)1996‬‬
‫‪ -96‬له واجب التوقير واالحترام وال تنتهك حرمته‪ ،‬كما جاء في الفصل ‪ 46‬من‬
‫دستور فاتح يوليو ‪.2011‬‬
‫‪ -97‬للمقارنة‪ :‬نصت الفقرة ‪ 3‬من الفصل ‪ 56‬من الدستور اإلسباني (لـ‪ 27‬ديسمبر‬
‫‪ )1978‬على أن شخص الملك ال تنتهك حرمته وال يساءل؛ لكننا نعلم بأن الملك في‬
‫إسبانيا‪ ،‬كما في باقي ملكيات أوربا (بريطانيا؛ هولندا؛ بلجيكا‪ ،)...‬يسود وال يحكم؛‬
‫وهو موضوع سنعود لمناقشته الحقا ضمن الفصل الثاني من هذا البحث‪.‬‬
‫‪98 - BURDEAU (Georges) : Méthode de la science politique,‬‬
‫‪Dalloz, Paris, 1959, p. 435.‬‬
‫ومحمد ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91 .‬‬
‫‪55‬‬
‫الحرية؛ الديمقراطية؛ االعتراف بالفرد كقيمة حضارية؛ سمو‬
‫المعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية (بعد المصادقة عليها‬
‫وتحت طائلة القيود التي ترد عليها)‪ ...‬مما يدل على أن الدستور‬
‫الجديد قد اقترب كثيرا من هذه القيم والمسها من دون لبس أو‬
‫مواربة‪ .‬فالتنصيص على أن الحريات مكفولة للمواطن‪ ،‬وقرينة‬
‫البراءة‪ ،‬والمحاكمة العادلة‪ ،‬والمساواة بين الجنسين‪ ،‬وحق‬
‫الحصول على المعلومات‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة‪،‬‬
‫والحكامة الجيدة‪ ...‬كل هذا يدل على المكانة التي أصبح يتمتع‬
‫بها الفرد‪ ،‬ضمن مؤسساته وبنياته االجتماعية‪ ،‬والتي أفرد لها‬
‫المشرع بابا كامال في الدستور الجديد يضاهي نظراءه في‬
‫الديمقراطيات العريقة؛ لكن ما يفجأنا في النهاية هو أننا لم نبتعد‬
‫كثيرا عن "الهندسة" الكالسيكية التي ظلت حاضرة في كل‬
‫الدساتير المغربية‪ ،‬فهنا أيضا‪ ،‬وبعد أن يتم استعراض جميع‬
‫المكتسبات من حقوق وحريات‪ ،‬يأتي الفصل‪/‬الضامن‪ ،‬الذي‬
‫انتقل من الرتبة ‪ ،19‬سابقا‪ ،‬إلى الرتبة ‪ ،42‬حاليا‪ ،‬بعد أن‬
‫أضيف إلى الدستور باب جديد‪/‬الثاني‪( :‬الحقوق والحريات‬
‫األساسية)‪ ،‬فهل أصبح محتوى هذا الباب أهم من محتوى الباب‬
‫الذي يليه‪/‬الملكية‪99‬؟ أم أن األمر ال يعدو أن يكون صيغة‬
‫هندسية ال مفر منها بما أن هذين البابين‪/‬األول والثاني‪ ،‬يصبحان‬
‫مجرد مقدمة ضرورية للباب الذي يليهما‪ ،‬بما أن الفصل ‪42‬‬
‫منه هو ضامن كل ما يحمالنه من محتوى‪ ،‬والساهر على‬
‫تنزيله‪ ،‬والحكم األسمى بين مؤسساته؟‬

‫‪ -99‬ألنه من المعروف أن ترتيب أبواب الدساتير‪ ،‬عامة‪ ،‬ال يكون بريئا بل يحيل‬
‫على أهميتها في ذهن المشرع الدستوري‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة المؤسسة الملكية بالسلطتين‬
‫التشريعية والتنفيذية‬
‫كان الفصل ‪ 19‬يرمز للطابع السلطوي للحكم في المغرب‪،‬‬
‫وكان يثير مشكال في الممارسة الدستورية حيث كان بإمكانه‬
‫التدخل في كل شيء؛ على اعتبار أن الملك‪/‬أمير المؤمنين هو‬
‫الممثل األسمى لألمة‪ ،‬وبالتالي فهو رمز السيادة العليا‪ ،‬من هنا‬
‫تقدمه على أي سلطة تأسيسية أخرى قد تطمح ألن تنازعه الحكم‬
‫أو التشريع‪ ...‬أما الدستور الجديد فقد جعل «السيادة لألمة‬
‫تمارسها مباشرة باالستفتاء‪ ،‬وبصفة غير مباشرة بواسطة‬
‫ممثليها‪ 100».‬وعندما نبحث عن معنى "ممثليها" نجد تتمة‬
‫الفصل الثاني تشير إلى ما نصه‪« :‬تختار األمة ممثليها في‬
‫المؤسسات المنتخبة باالقتراع الحر والنزيه والمنتظم»؛ لكن‬
‫هل هؤالء هم كل ممثلي "األمة"؟‬
‫ظاهر النص أن الملك لم يعد كما كان في الدستور القديم‬
‫ممثال أسمى لألمة‪ ،‬بل – وحسب الفصل ‪« – 42‬رئيس‬
‫الدولة‪ ،‬وممثلها األسمى‪ ،‬ورمز وحدة األمة‪ 101»...‬لكن باطن‬
‫النص‪ ،‬أو مساحته القابلة للتأويل‪ ،‬تثير مشكال ينعقد عندما نعلم‬

‫‪ -100‬الفصل الثاني من دستور ‪.2011‬‬


‫‪ -101‬للمقارنة‪ :‬عرف الفصل ‪ 5‬من الدستور الفرنسي رئيس الجمهورية بما يلي‪:‬‬
‫«يسهر رئيس الجمهورية على احترام الدستور‪ ،‬ويضمن عبر تحكيمه انتظام‬
‫سير السلطات العامة وكذلك استمرار بقاء الدولة‪ .‬وهو الضامن الستقالل الوطن‬
‫ووحدة األرض واحترام المعاهدات‪ ».‬انظر‪ :‬الدستور الفرنسي لعام ‪ 1958‬المعدل‬
‫في ‪ 23‬يوليو ‪ 2008‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.conseilconstitutionnel.fr/conseilconstitutionnel/roo‬‬
‫‪t/bank_mm/arabe/constitution_arabe_version_mai2009.pdf‬‬
‫(تاريخ الزيارة‪)2013/05/23 :‬‬
‫‪57‬‬
‫بأن الدولة تتضمن الشعب‪/‬األمة‪ ،102‬فضال عن السيادة واإلقليم‪،‬‬
‫فهل تم تضييق مجال "السمو" أم توسيعه؟‬

‫أوال‪ :‬الوظيفة التشريعية (الملك؛ البرلمان؛ الحكومة)‬


‫تتم عادة موقعة الظهائر الشريفة‪ ،‬في الكتلة الدستورية‪،‬‬
‫مباشرة دون الدستور‪ ،103‬لتسمو بذلك على ما عداها من‬
‫التشريعات‪ ،‬والمؤسسات‪ ،‬باستثناء األمة‪ ،‬ولتعكس بالتالي ما‬
‫يعرف في الفقه الدستوري بالمجال المحفوظ للملك؛ فهو يمكنه‬
‫أن يقتحم مجال التشريع من خالل الظهائر؛ أو من خالل الخطب‬
‫الملكية‪ ،‬وأهمها الخطاب االفتتاحي للدورة الخريفية للبرلمان‪،‬‬
‫وهو ما يحمل فكرة "اإليحاء التشريعي" للبرلمان‪ ،‬أو للحكومة‬
‫بما أنها تكون حاضرة في افتتاح الدورة الخريفية‪ ،‬ولها دور‬
‫بارز في التشريع (المجال التنظيمي)‪.‬‬
‫يساهم الملك أيضا في التشريع من خالل ضبط المسطرة‬
‫التشريعية‪ ،‬في محطتين أساسيتين هما‪ :‬التصديق واإلصدار‪104‬؛‬
‫وكذا من خالل حقه في إحالة القانون على القراءة الثانية؛ ومن‬
‫خالل رئاسته للمجلس الوزاري (الفصل ‪)49‬؛ كما له الحق في‬

‫‪ -102‬يُقصد بـ"األمة" هنا معناها الغربي المقابل في الترجمة الفرنسية لكلمة‬


‫‪ ،Nation‬بعيدا عن الداللة الدينية الواسعة لألمة اإلسالمية الممتدة من مضيق‬
‫ملـﭽا إلى مضيق جبل طارق‪ ،‬بل وحيث يشعر أي فرد آخر بأنه جزء منها؛‬
‫وبديهي أن "إمارة المؤمنين" المغربية ما كنت تمثل كل هذا المجال حتى في أوج‬
‫امتداد الدولة المغربية وعز قوتها‪.‬‬
‫‪ -103‬معروف أن الظهائر‪ ،‬كما الدستور‪ ،‬ال يخضعان للرقابة على دستورية‬
‫القوانين‪.‬‬
‫‪ -104‬يعتبر اإلصدار بمثابة شهادة ميالد للنص القانوني‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫المبادرة بتشكيل لجان تقصي الحقائق‪ ،‬والمبادرة لحل مجلسي‬
‫البرلمان‪ ،‬واقتراح تعديل الدستور نفسه‪.‬‬
‫لكن في مقابل ذلك وجب التنبيه إلى توسع المساحة‬
‫المخصصة للبرلمان‪ ،‬واعتبارها المؤسسة التشريعية الرسمية‬
‫األولى‪ ،‬والتي أصبحت تحمل اسم السلطة التشريعية في الدستور‬
‫الجديد؛ ويكفي أن نقارن بين الفصل ‪ 46‬من الدستور السابق‪،‬‬
‫والفصل ‪ 71‬من الدستور الحالي لنالحظ الفرق ومساحة هذا‬
‫التوسع‪.105‬‬

‫ثانيا‪ :‬سلطة تنفيذية برأسين‬


‫حيث الملك هو الرئيس الفعلي للجهاز التنفيذي‪ ،‬بما أن‬
‫الملكية المغربية تسود وتحكم‪ ،‬رغم أن الدستور الجديد نص‬
‫على إلزامية اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز في‬
‫انتخابات الغرفة األولى‪ ،‬ذلك أن المؤسسة الملكية ما زالت تبسط‬
‫نفوذها على الحكومة من خالل عدة مظاهر‪:‬‬
‫‪ –1‬مسؤولية الحكومة أمامها‪ ،‬وظيفيا وعضويا‪ ،106‬قبل‬
‫حتى أن تكون مسؤولة أمام البرلمان‪ ،‬ومن ثم الهيئة الناخبة‪ ،‬أو‬
‫الشعب؛ و هنا ال يجب أن يغيب عن البال بأن الملك ما زال هو‬
‫الذي يعين الحكومة‪ ،‬تماما كما في دستور ‪( 1996‬الفصل‬

‫‪ -105‬حيث انتقل العدد من ‪ 9‬مجاالت‪ ،‬في الفصل ‪ 46‬من دستور ‪ ،1996‬إلى ‪30‬‬
‫مجاال‪ ،‬في الفصل ‪ 71‬من دستور ‪.2011‬‬
‫‪ -106‬بما أن الملك هو «‪ ...‬ضامن دوام الدولة واستمرارها‪ ،‬والحكم األسمى بين‬
‫مؤسساتها‪ ،‬يسهر على احترام الدستور‪ ،‬وحسن سير المؤسسات الدستورية‪»...‬‬
‫(الفصل ‪)42‬؛ وله حق تعيينها وإعفائها من مهامها (الفصل ‪ )47‬من دستور‬
‫‪.2011‬‬
‫‪59‬‬
‫‪)24‬؛ وما جاء به دستور ‪ 2011‬من جديد هو فقط إلزامية‬
‫اختيار رئيسها من الحزب الفائز في انتخابات الغرفة األولى‪.107‬‬
‫‪ –2‬من خالل الرئاسة الفعلية للمجلس الوزاري‪ :‬فكلما‬
‫تطرقنا لمسألة المجلس الوزاري بالنظام الدستوري المغربي إال‬
‫وبدت ثنائية الجهاز التنفيذي واضحة المعالم أكثر‪ ،‬فالملك من‬
‫جهة يرأس المجلس الوزاري‪ ،108‬الذي يعتبر بمثابة حكومة‬
‫تحت الرئاسة الفعلية للملك؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن الحكومة ‪-‬‬
‫تعمل تحت سلطة رئيسها ‪ -‬على تنفيذ برنامجها وعلى ضمان‬
‫تنفيذ القوانين‪ ،‬كما تمارس اإلشراف والوصاية على المؤسسات‬
‫والمقاوالت العمومية‪ ،‬فضال عن وظيفتها التشريعية (المجال‬
‫التنظيمي)‪.‬‬
‫يظل الملك إذن – وكما كان منذ دستور ‪ – 1962‬هو الذي‬
‫يرأس المجلس الوزاري‪( ،‬مع مالحظة أن الدستور الحالي أتاح‬
‫له إمكانية تفويض رئيس الحكومة هذه الرئاسة بناء على جدول‬
‫أعمال محدد)‪ .109‬وعليه فهو‪/‬الملك‪ ،‬رئيس الدولة وممثلها‬
‫األسمى‪ ،‬يعد رئيس الجهاز التنفيذي المباشر‪ ،‬وهو ما يتيح له أن‬
‫‪110‬‬
‫يكون على علم بنشاطات الحكومة في مختلف المجاالت‪،‬‬
‫وبالتالي تبقى أعمال الحكومة األخرى التي تكون تحت رئاسة‬
‫رئيسها (أي رئيس الحكومة المسؤول أمام الملك) مجرد مشاريع‬
‫تحضيرية لن ترى النور إال بعد أن يؤشر عليها المجلس‬

‫‪ -107‬الفصل ‪ 47‬من دستور ‪.2011‬‬


‫‪ -108‬الفصل ‪ 48‬من دستور ‪.2011‬‬
‫‪ -109‬حسب الفقرة ‪ 3‬من الفصل ‪ 48‬من دستور ‪.2011‬‬
‫‪ -110‬في هذا الصدد ينص الفصل ‪( 92‬من دستور ‪ )2011‬في فقرته األخيرة على‬
‫ما يلي‪« :‬يُطلع رئيس الحكومة الملك على خالصات مداوالت مجلس الحكومة‪».‬‬
‫‪60‬‬
‫الوزاري بصفته أعلى هيئة تقريرية على مستوى الجهاز‬
‫التنفيذي‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك يرأس الملك عمليا عددا من المؤسسات‬
‫والمجالس الوطنية‪ ،‬بصفة مباشرة‪ ،‬ويراقب أعمالها ويتتبعها‬
‫(الملك هو القائد األعلى للقوات المسلحة‪/‬الفصل ‪53‬؛ ويرأس‬
‫المجلس األعلى لألمن‪/‬الفصل ‪54‬؛ ويرأس المجلس األعلى‬
‫للسلطة القضائية‪/‬الفصل ‪56‬؛ ويعتمد سفراء الدول‪/‬الفصل‬
‫‪ )...55‬وكل هذا انطالقا من الحفاظ على عملية التوازنات‬
‫باعتبار الملك هو ضامن التنوع اإلثني‪ ،‬والتعدد السياسي‪،‬‬
‫والحقوق والحريات األساسية‪ ،‬وحسن سير القضاء‪ ...‬مما ينتج‬
‫عنه تحييد المؤسسات الحساسة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اختراق الطابق العلوي السلطة‬


‫من يبحث في النظام الدستوري المغربي بذهنية بريطانية لن‬
‫يجد فيه قطعا ما يرضيه‪ ،‬ذلك أن النموذج المغربي يتأسس على‬
‫خصوصيات تاريخية ودينية واجتماعية خاصة بالمغرب‪ ،‬حيث‬
‫المؤسسة الملكية طرف أساس في السلطة والحكم‪ ،‬لذلك فال‬
‫مجال لطرح تساؤالت‪ ،‬حتى لو كانت من طبيعة استنكارية‪،‬‬
‫حول تدخل المؤسسة الملكية في توجيه المؤسسة التشريعية أو‬
‫في تشكيل الحكومة‪ ...‬ألن أبسط جواب دستوري على ذلك هو‬
‫أنها تمارس حقها الطبيعي الذي منحه إياها الدستور‪ ،‬بل سيكون‬
‫من غير الطبيعي أال تتدخل!‬
‫ومع ذلك وجب التنبيه إلى أن دستور ‪ 2011‬قد أحدث تقدما‬
‫ملموسا على مستوى توزيع األدوار والوظائف الدستورية‪ ،‬التي‬

‫‪61‬‬
‫جرى استحداث بعضها (الحكامة الجيدة والمحكمة‬
‫الدستورية‪ )...‬وتوسيع مجال اشتغال بعضها اآلخر (السلطة‬
‫التشريعية ومؤسسة رئاسة الحكومة‪...)...‬؛ لكن هل جرى فعال‬
‫اختراق جدي لبنية السلطة في النظام الدستوري السياسي الذي‬
‫يؤسس له الدستور الحالي؟‬
‫يُطرح هذا السؤال ألن جوهر ممارسة الحكم في‬
‫الديمقراطيات العريقة – التي تستند إلى المنظور الحداثي‬
‫المعاصر – تتأسس على مبدأ التمثيلية‪ ،‬الذي يتأسس بدوره على‬
‫النظم االنتخابية ومن ورائها اشتغال األحزاب السياسية؛ فما‬
‫الذي يمكن أن نالحظه من خالل قراءة تركيبية سريعة للعالقة‪:‬‬
‫األحزاب – السلطة في ضوء مستجدات الوثيقة الدستورية‬
‫الراهنة؟‬
‫جاء في تعريف القانون التنظيمي رقم ‪ 29.11‬المتعلق‬
‫باألحزاب السياسية‪ ،111‬المادة الثانية‪ ،‬ما يلي‪« :‬الحزب‬
‫السياسي هو تنظيم سياسي دائم‪ ،‬يتمتع بالشخصية االعتبارية‪،‬‬
‫يؤسس‪ ،‬طبقا للقانون‪ ،‬بمقتضى اتفاق بين أشخاص ذاتيين‪،‬‬
‫يتقاسمون نفس المبادئ‪ ،‬ويتمتعون بحقوقهم المدنية‬
‫والسياسية‪ ،‬وأنه يعمل‪ ،‬طبقا ألحكام الفصل ‪ 7‬من الدستور‪،‬‬
‫على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي‪ ،‬وتعزيز‬
‫انخراطهم في الحياة الوطنية‪ ،‬وفي تدبير الشأن العام‪ ،‬ويساهم‬

‫‪ -111‬قانون تنظيمي رقم ‪ 29.11‬متعلق باألحزاب السياسية‪ ،‬صادر بتنفيذه الظهير‬


‫الشريف رقم ‪ 1.11.166‬بتاريخ ‪ 24‬ذي القعدة ‪ 22( 1432‬أكتوبر ‪،)2011‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5989‬بتاريخ ‪ 26‬ذي القعدة ‪ 24( 1432‬أكتوبر‬
‫‪ ،)2011‬ص‪.5172 .‬‬

‫‪62‬‬
‫في التعبير عن إرادة الناخبين‪ ،‬ويشارك في ممارسة السلطة‪،‬‬
‫على أساس التعددية والتناوب‪ ،‬بالوسائل الديمقراطية‪ ،‬وفي‬
‫نطاق المؤسسات الدستورية‪».‬‬
‫هذا التعريف يتكئ كما هو مالحظ على الفصل ‪ 7‬من دستور‬
‫‪ ،2011‬وبالذات الفقرة ‪ 1‬منه‪ ،‬حيث ورد بأن األحزاب‬
‫السياسية تعمل «على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم‬
‫السياسي‪ ،‬وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية‪ ،‬وفي تدبير‬
‫الشأن العام‪ ،‬وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين‪،‬‬
‫والمشاركة في ممارسة السلطة‪ ،‬على أساس التعددية‬
‫والتناوب‪ ،‬بالوسائل الديمقراطية‪ ،‬وفي نطاق المؤسسات‬
‫الدستورية‪».‬‬
‫وواضح أن المشرع الدستوري قد قام هنا بنقلة نوعية كبيرة‬
‫مقارنة مع دستور ‪ ،1996‬الذي كان ينص في فصله الثالث‬
‫على أن‪« :‬األحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات‬
‫المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم‪.‬‬
‫ونظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع‪».‬‬
‫وهكذا نجد بأن تعريف دستور ‪ 2011‬يتقاطع بشكل كبير مع‬
‫التعريفات األكاديمية الفقهية الدستورية ‪ -‬السياسية المعروفة‪،‬‬
‫التي تناولت الظاهرة الحزبية بالدراسة‪.‬‬
‫فبالعودة إلى التعريف الشهير‪ ،‬لموريس دوفيرجيه‬
‫‪ ،Maurice DUVERGER‬لألحزاب السياسية نجده قد اعتمد‬
‫فيه على تتبع الهدف من ظهورها تاريخيا‪ ،‬حيث الحظ في هذا‬
‫اإلطار بأن الهدف المباشر الذي كان وراء قيام األحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬في البلدان التي توجهت نحو رسم معالم ديمقراطية‬

‫‪63‬‬
‫ألنظمتها‪ ،‬كان هو السعي إلى االستيالء على السلطة‪ ،‬أو على‬
‫األقل المشاركة فيها‪ ،‬بما أنها تشكل الوسيلة المثلى لتنزيل مبدأ‬
‫التمثيلية عمليا‪ ،‬بعد أن بات يصعب اعتماد التمثيلية المباشرة‪.112‬‬
‫وهو في هذا يتقاطع بشكل كبير مع الفقهاء الدستوريين‬
‫والسياسيين اآلخرين – أمثال هانز كيلسن ‪Hans KELSEN‬‬
‫ومارسيل بريلو ‪ Marcel PRELOT‬وليون دوغي ‪Léon‬‬
‫‪ –DUGUIT‬الذين رأوا بأن األحزاب السياسية تشكل داخل‬
‫الديمقراطيات البرلمانية وسيلة حاسمة للتعبير عن اإلرادة‬
‫الشعبية‪113‬؛ بل ال مجال للحديث عن تمثيلية وال عن مسؤولية‬
‫سياسية في غياب األحزاب‪114‬؛ حيث بات من الصعوبة بمكان‬
‫الحديث عن تمثيلية لألمة خارج األحزاب‪ ،‬ضمن مفهوم األمة‬
‫بمعناه المعاصر‪ ،‬رغم أن الظاهرة الحزبية ليست نهائية وال‬
‫‪115‬‬
‫مطلقة في الفكر‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬السياسي البشري‪.‬‬

‫‪112 - DUVERGER (Maurice): Introduction à la politique,‬‬


‫‪Paris, Gallimard, 1964, p. 183.‬‬
‫ثم تفصيل الحديث عن تاريخ وأدوار األحزاب السياسية في كتابه‪ :‬المؤسسات‬
‫السياسية والقانون الدستوري – األنظمة السياسية الكبرى‪ ،‬ترجمة جورج سعد‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنسر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،1992 ،‬ص‪ 70 .‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪113 - KELSEN (Hans): Théorie générale du droit et de l’Etat,‬‬
‫‪Trad. Par Béatrice Laroche, L.G.D.J, Paris, 1997, p.343.‬‬
‫‪114 - PRELOT (Marcel): Sociologie politique, Précis‬‬
‫‪DALLOZ, Toulouse, 1973, p. 434.‬‬
‫‪115 - DUGUIT (Léon): Traité du droit constitutionnel, 3ème‬‬
‫‪édit., Paris, 1928, T. II, p. 12.‬‬
‫‪64‬‬
‫فهل حقل السلطة الذي اتفق عدد كبير من الدارسين‬
‫المغاربة‪ 116‬على جعله ضمن "الطابق العلوي" في ظل النظام‬
‫الدستوري السابق‪ ،‬قد ّ‬
‫تنزل أخيرا إلى "الطابق السفلي"‪ ،‬بما أن‬
‫النظام الدستوري الجديد أحال على إمكانية مشاركة األحزاب‬
‫فيه؟‬
‫الجواب على ذلك يأتي من خالل قراءة المستجدات‬
‫الدستورية – انطالقا من الفصل ‪ 7‬المذكور – وعلى ضوء‬
‫مجموعة من المالحظات والتساؤالت؛ حيث يالحظ بأن النظام‬
‫الدستوري المغربي توقف‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬عند منتصف الطريق‪،‬‬
‫إذ ما دام أن األحزاب تشكل عماد المسؤولية السياسية‪ :‬فكيف‬
‫تستقيم التمثيلية الحقيقية‪ ،‬والمسؤولية السياسية‪ ،‬في ظل حكومة‬
‫تسمح بوجود التكنوقراط بينها‪117‬؟‬

‫‪ -116‬معتصم‪ :‬النظام السياسي الدستوري المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 24 .‬وما‬


‫يليها ؛ أكنوش‪ :‬تاريخ المؤسسات والوقائع االجتماعية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 154‬وما بعدها؛ ضريف‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي المعاصر‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .91 .‬وغيرهم‪...‬‬
‫‪ -117‬ناقش المرصد الوطني لحقوق الناخب موضوع وجود التكنوقراط داخل‬
‫الحكومة الحالية‪ ،‬ضمن ندوة بعنوان‪" :‬الديمقراطية التمثيلية تكامل أم تنافس؟"‬
‫حيث تباينت آراء المتدخلين بين من وجد بأن ذلك ال يتعارض مع الدستور‬
‫«باالتكاء على شرعيتين‪ :‬األولى تاريخية ‪ -‬دينية تستند إلى المؤسسة الملكية‪،‬‬
‫والثانية تلبس غطاء ديمقراطيا»‪ ،‬وهذا كان حال خالد الناصري‪ ،‬وبين من رأى‬
‫بأن ذلك «ال يساهم في بناء العملية الديمقراطية»‪ ،‬وهذا كان رأي عبد الحي‬
‫لمودن‪ .‬أما عبد اإلله بلقزيز فقد شبه الدولة الحديثة «بالشركة التي تقوم على‬
‫قاعدة االتفاق بين متعاقدين يتفقون على تفويض السلطة لجسم إما عن طريق‬
‫االقتراع أو عن طريق الكفاءة‪ ،‬مشيرا ألن الدولة ‪ -‬وإن كان جز ٌء منها يُبنى في‬
‫دائرة االنتخاب ‪ -‬فإن أجزاء أخرى ال تطالها هذه العملية ومن بينها الجيش‬
‫والشرطة والتكنوقراط‪ ».‬انظر ندوة المرصد الوطني لحقوق الناخب‪( ،‬بتعاون مع‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال – الرباط‪ ،‬وبشراكة مع‬
‫‪65‬‬
‫من جهة أخرى يمكن التساؤل‪ :‬هل األحزاب السياسية‬
‫المغربية‪ ،‬بوضعها الراهن‪ ،‬قادرة على استيعاب هذا الدور‪ ،‬أم‬
‫أنها على مستوى البنيات والتنظيم والذهنيات‪ ...‬ما زالت تشتغل‬
‫وفق آليات النظام الدستوري القديم؟‬
‫سؤال يعيد النقاش إلى حقل "النظام السياسي المغربي" وهو‬
‫ما يوجد خارج إطار هذه الدراسة‪ ،‬التي رسمت لها حدودا تنتهي‬
‫عند محددات النظام الدستوري‪ ،‬رغم أن التفاعل بين النظامين‬
‫(الدستوري والسياسي) يبقى واردا في كل لحظة‪ .‬لكننا نقنع من‬
‫خالل هذه القراءة األولية للنظام الدستوري الحالي إلى أنه إذا‬
‫كان المشرع الدستوري لم يحدث تغييرا جذريا على جوهر‬
‫النظام التقليداني؛ فإنه ينبغي القول‪ ،‬في قراءة موازية لباقي‬
‫المتن الدستوري‪ ،‬وقراءة ثالثة لمجريات السياق التاريخي بأنه‬
‫ألول مرة‪ ،‬في التاريخ الدستوري المغربي‪ ،‬يتم فيها اختراق‬
‫جدي لبنية نظامه الدستوري‪ ،‬بل ولحقل السلطة فيه‪.‬‬
‫من جهة أخرى يجب استيعاب بأن المغاربة يحكمون بنفس‬
‫الطريقة منذ عقود‪ ،‬وتغيير بنية ونمط تفكيرهم يحتاج إلى مساحة‬
‫زمنية‪ ،‬ألن الذهنيات تتغير ببطء؛ وعليه فإن السلطات الثالث‪،‬‬
‫بما هي ممثل دستوري لهذه المنظومة الذهنية‪ ،‬مدعوة إلى‬
‫التفكير بطريقة مغايرة للمعتاد‪ ،‬وتحتاج إلى جرأة أكبر في‬
‫التصرف والفعل‪ ،‬من داخل المساحة المحددة لها دستوريا‪ ،‬وما‬
‫ينبغي لها أن تستأذن عند كل فعل‪ :‬إن القيود المفروضة عليها‬
‫تكون في أحيان كثيرة قيودا ذاتية‪ ،‬مرتبطة ببنية التفكير‬

‫مؤسسة كونراد أدناور األلمانية) بعنوان‪ :‬الديمقراطية التمثيلية تكامل أم تنافس؟‬


‫الخميس ‪ 23‬يناير ‪.2014‬‬
‫‪66‬‬
‫والحواجز النفسية‪ ،‬أكثر منها قيودا موضوعية‪ ،‬مبنية على أسس‬
‫دستورية‪ ،‬وهو ما سنبينه في الفصل الموالي‪.‬‬
‫إن ما تم من إصالح دستوري جريء‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫نسبيته وعن كونه يحتاج تفعيال جريئا يواكبه واقعيا‪ ،‬ال يجب أن‬
‫يكون نهاية "المطاف الدستوري"؛ إنه خطوة تبين عن نية جادة‬
‫في اإلصالح‪ ،‬وتحتاج إلى من يدعمها من القوى الوطنية‪،‬‬
‫والسياسي الحصيف يفترض فيه أن يتمتع بقدر من الواقعية في‬
‫تقديم مشاريعه‪ ،‬كما يفترض فيه أن يتقن تنزيلها وأجرأتها بعد‬
‫قراءة دقيقة لموازين القوى‪ ،‬بعيدا عن منطق التشنج والمزايدة‪:‬‬
‫"إما كل شيء أو ال شيء"؛ فاإلصالح في النهاية يحتاج إلى‬
‫مواطنين "وطنيين" قمة وقاعدة؛ شريطة أن يكون الجميع على‬
‫وعي أين يريدون الوصول بهذا المنجز الدستوري في النهاية‪.‬‬
‫والحصيلة أن النظام الدستوري المغربي‪ ،‬الذي جرى‬
‫توصيفه منذ مدة طويلة بأنه "تقليداني" قد طرأ عليه تعديل‬
‫ملحوظ على مستوى توزيع‪ ،‬وممارسة‪ ،‬الوظائف واألدوار‬
‫الدستورية‪ ،‬بل وإمكانية المشاركة في السلطة التي ظلت حكرا‬
‫على المؤسسة الملكية طوال عقود‪ ،‬وهذا التعديل الذي جرى‬
‫على هذا النظام إن لم يكن بشكل جذري فعلى األقل يجعلنا‬
‫نقتنع‪ ،‬بما ال يدعو للشك‪ ،‬بأنه قد كف عن كونه تقليدانيا "صافيا"‬
‫كما جرى توصيفه أول األمر‪.‬‬
‫واألكيد أن هذه التغييرات قد تراكمت على مراحل متعاقبة‪،‬‬
‫ربما يكون التعديل الدستوري لسنة ‪ 1992‬من أهم محطاتها‬
‫الجادة؛ ثم تالحقت هذه التعديالت‪ ،‬وبجرعات متفاوتة بعد ذلك‪،‬‬
‫إلى أن جاءت محطة ‪ 2011‬التي اعتبرت نقلة نوعية متميزة‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫لكنها توقفت في منتصف الطريق بين "التقليدانية" و"الحداثة"‪،‬‬
‫مما يدعونا إلعادة التف ّكر بشكل جدي في إنتاج مفهوم ( َم ْف َه َمة)‬
‫‪ Conceptualisation‬يستوعب هذا النظام الدستوري‬
‫"الجديد" الذي يرنو إلى الحداثة بقدر ما هو مشدود إلى‬
‫التقليدانية‪ ،‬ولذلك بات يحسن نعته بـ"التقليداثي‬
‫‪."Traderniste‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحكامة الجيدة‪:‬‬


‫مفهومها؛ أركانها؛ حركيتها في التاريخ‬

‫إذا كانت الحكامة تتغيى‪ ،‬بمعنى من المعاني‪ ،‬تدبير أمور‬


‫الناس في معاشهم ومعامالتهم وتعامالتهم‪ ،‬فيما بينهم أو مع‬
‫السلطة الحاكمة‪ ،‬تدبيرا عقالنيا رشيدا ومسؤوال‪ ...‬فإنها إذن‬
‫مطلب إنساني يعني المجتمعات البشرية عامة‪ ،‬وال يختص به‬
‫جنس دون آخر‪.‬‬
‫لذلك فهي‪ ،‬بهذا المعنى‪ ،‬مطمح قديم في التاريخ‪ :‬ظهرت‬
‫بأشكال مختلفة وتطبيقات متفاوتة بين الشعوب والمجتمعات‪ ،‬قبل‬
‫تتنزل أخيرا بالشكل الذي نعرفه‪ ،‬في المجتمع المغربي‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫المعاصر‪ ،‬وقبل أن تتم دسترتها الفعلية سنة ‪.2011‬‬
‫وانسجاما مع ذلك نقترح مقاربة هذا المبحث من خالل‬
‫مطلبين يتناول األول منهما الرصد اإليتيمولوجي للمفهوم‬
‫وتطوره في التاريخ‪ ،‬من خالل تجارب بعض الشعوب؛ بينما‬
‫ينصرف المطلب الثاني للحديث عن الحكامة الجيدة في المغرب‬
‫قبل أن تتم عملية الدسترة سنة ‪.2011‬‬

‫‪68‬‬
‫المطلب األول‪ :‬إيتيمولوجيا الحكامة الجيدة وأركانها‬
‫لم يكن مفهوم "الحكامة" متداوال دائما‪ ،‬بل هو نتاج ظرفية‬
‫تاريخية معينة ساهمت في نحته وتشكله‪ ،‬قبل أن يشيع استعماله‬
‫تدريجيا مع الزمن‪ ،‬ينتشر تارة ويضمر ويختفي تارة أخرى‪.‬‬
‫وعليه فالمفهوم يحتاج إلى تفكيك مكوناته (الفرع األول)؛‬
‫فيما إرساؤه عمليا يتطلب متابعته تاريخيا (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الحكامة‪ :‬المفهوم ومكوناته‬


‫يستدعي الحديث عن الحكامة‪ ،‬كمفهوم‪ ،‬استدعاء الحديث عن‬
‫أركانها بالضرورة؛ ذلك أنه أمام صعوبة ضبط المفهوم بالحد أو‬
‫الماهية (الفقرة األولى)‪ ،‬يتم اللجوء إلى االستعانة بتحديده عن‬
‫طريق المعايير والمؤشرات والخصائص (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬رصد المفهوم‬


‫يثار مفهوم "الحكامة" عادة ضمن مقاربتين‪ :‬األولى تعتبره‬
‫مكتفيا بذاته‪ ،‬وترى أن إضافة لفظ "جيدة" هو من قبيل الزيادة‬
‫التي ال معنى لها‪ :‬فالحكامة ال يمكن أن تكون إال جيدة؛ أما‬
‫الثانية فتضيف كلمة "جيدة" لتميز بين نوعين من الحكامة‪:‬‬
‫إحداهما جيدة واألخرى سيئة‪ .‬وسنعتمد في هذا البحث مفهوم‬
‫"الحكامة الجيدة" لسببين‪:‬‬
‫أولهما أننا نقارب الموضوع من خالل النظام الدستوري‬
‫المغربي‪ ،‬فوجب إذن االنضباط للمفاهيم التي اعتمدها الدستور‪.‬‬
‫وثانيهما أن مفهوم "الحكامة" عندما تم بعثه للمرة األولى‬
‫بالثقافة الفرنسية القروسطية تم استعماله كمرادف للحكومة‪ ،‬في‬

‫‪69‬‬
‫ظل النظام القديم‪ ،‬وبهذا المضمون ظل مستعمال إلى أن تالشى‬
‫مطلع العصر الحديث‪ .‬أما إسقاطنا لكلمة "جيدة" في بعض‬
‫محطات هذا البحث فإنما جاء لتالفي التكرار أو مراعاة‬
‫لألسلوب أو األمانة في النقل من بعض المراجع‪...‬‬
‫وفائض عن الحاجة القول بأنه ال داعي الستقصاء أصول‬
‫لفظ الحكامة في القواميس والمعاجم العربية الكالسيكية‪ ،‬كون‬
‫اللفظ←المفهوم دخيل على اللغة العربية‪ ،‬حيث إنه يحيل على‬
‫مضمون واحد لغة واصطالحا‪ ،‬ويُع ّد في األصل ترجمة لكلمة‬
‫‪ ،Gouvernance‬لذا فإن كان ضروريا استقصاء أصله‬
‫اإليتميمولوجي فيجدر القيام بذلك في اللغات األجنبية‪.‬‬
‫إن مثل هذا االستقصاء يعود بنا إلى الكلمة اإلغريقية‬
‫‪Kubernan‬؛ التي انتقلت إلى الالتينية باشتقاق اللفظة‬
‫‪ ،Gubernare‬بمعنى توجيه وقيادة السفن‪ ،‬ومنها دخلت اللغة‬
‫الفرنسية القديمة في صيغة ‪ Governer‬والتي تطورت في اللغة‬
‫الحالية إلى ‪Gouverner‬؛ ثم انتقلت منها إلى االنجليزية‬
‫‪118‬‬
‫‪.Governance‬‬
‫ففي فرنسا – التي أعيد فيها إحياء مفهوم الحكامة منذ القرن‬
‫‪13‬م – ارتبط استعمال المفهوم بطريقة إدارة الحكومات لتدبير‬

‫‪MyEtymology.com – A‬‬ ‫‪ -118‬انظر المعجم اإليتيمولوجي العالمي‪:‬‬


‫‪universal etymology dictionary‬‬
‫ضمن موقع‪http://www.myetymology.com/greek/kubernan.html.‬‬
‫تاريخ الزيارة‪.2012/03/07 :‬‬
‫‪70‬‬
‫الشأن العام‪ ،‬أو فن الحكم‪119‬؛ وابتداء من ‪1478‬م تم استعماله‬
‫للتعيين اإلداري والقانوني في مدن الشمال الفرنسي التابعة‬
‫لهولندا‪ ،‬وظل مستعمال بنفس المعنى إلى غاية ‪1679‬م حيث‬
‫تالشى تدريجيا إلى أن اختفى تماما من التداول‪ ،‬ألنه اقترن‬
‫بالنظام القديم بكل ما يحمله من مساوئ‪120‬؛ قبل أن يبعث في‬
‫مجال زماني ومكاني مغاير من خالل أعمال االقتصاديين‬
‫األمريكيين‪ ،‬وبالذات رونالد كوز ‪ ،121Ronald COASE‬ثم‬
‫ليأخذ معناه الجديد في تقرير البنك الدولي الذي صدر سنة‬
‫‪1989‬م‪ ،122‬حيث أصبح المفهوم يحيل على الرقابة وربط‬
‫المسؤولية بالمحاسبة والتدبير الجيد لشؤون الحياة العامة‪123‬؛‬

‫‪ -119‬عبد العزيز أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة (الدولية ‪ -‬الوطنية ‪ -‬الجماعية)‬


‫ومتطلبات اإلدارة المواطنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2009 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.49‬‬
‫‪ -120‬وهو ما يفسر إعراض مفكري عصر األنوار عن استعماله الحقا؛ انظر‪:‬‬
‫‪PAYES (Olivier): La gouvernance – d’une notion‬‬
‫‪polysémique à un concept politologique, in études‬‬
‫‪internationales, vol. 36, 2005, p. 12.‬‬
‫‪ -121‬في مقال له بعنوان‪ "The nature of the firme" :‬الذي صدر سنة‬
‫‪ ،1937‬حيث تم القران بين مفهوم الحكامة والمقاولة " ‪Corporate‬‬
‫‪ "governance‬والذي يترجم غالبا في الفرنسية بـ‪Gouvernance de " :‬‬
‫‪ ."l’entreprise‬انظر‪ :‬غفال عادل‪ :‬الحكامة الجيدة ورهانات التنمية المحلية‬
‫بالمغرب‪ ،‬أطروحة دكتوراه نوقشت بكلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬مراكش‪ ،‬بتاريخ ‪ 28‬دجنبر ‪ ،2013‬ص‪.‬‬
‫‪.75‬‬
‫‪ -122‬كريم لحرش‪ :‬مغرب الحكامة – التطورات‪ ،‬المقاربات والرهانات‪ ،‬ط‪،2.‬‬
‫طوب بريس‪ ،‬الرباط‪ ،2011 ،‬ص‪.23 .‬‬
‫‪ -123‬عبد العزيز أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪50 .‬؛ وكريم لحرش‪:‬‬
‫مغرب الحكامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪24 .‬؛ بينما ذهب سعيد جفري إلى أن الحكامة‬
‫ما هي في النهاية إال شكل من أشكال التدبير‪ .‬انظر سعيد جفري‪ :‬الحكامة وأخواتها‬
‫‪71‬‬
‫بينما أصبح يحيل‪ ،‬في المنظور الليبرالي الجديد‪ ،‬على مستويين‬
‫للرقابة‪ :‬رقابة من أعلى (الدولة)‪ ،‬ورقابة من أسفل (المجتمع‬
‫المدني)؛ باالرتكاز على مبادئ أساسية أهمها‪ :‬المقاربة‬
‫التشاركية‪ ،‬وتفعيل ثقافة المحاسبة والمساواة‪ ،124‬بالمنظور‬
‫األمريكي الذي يجسد النظرة البراغماتية للمقاولة الناجحة‪،‬‬
‫والتي يجب نقل نموذجها إلى ميدان السياسات العامة‪.125‬‬
‫وعليه تغدو الحكامة‪ ،‬من ناحية‪ ،‬آلية مرتبطة ارتباطا وثيقا‬
‫بعملية صنع القرار داخل المجتمع ومؤسساته المختلفة‪ ،‬من‬
‫خالل عدد من التفاعالت الحاصلة في الحقل الممارس‬
‫للسلطة‪.126‬‬
‫لكنها‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬تجسد الحكم الذي تؤديه «قيادات‬
‫سياسية منتخبة وأطر إدارية لتحسين نوعية حياة المواطنين‬
‫وتحقيق رفاهيتهم‪ ،‬وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم‬
‫‪127‬‬
‫ودعمهم‪»...‬‬

‫– مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي‪ ،‬الشركة المغربية لتوزيع الكتاب‪،‬‬


‫الدار البيضاء‪ ،2010 ،‬ص‪ 16 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -124‬عبد العزيز أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50 .‬‬
‫‪ -125‬عبد العزيز أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .50 .‬علما بأن‬
‫نموذج الديمقراطية الذي تعمل أمريكا على تسويقه للعالم‪ ،‬حاليا‪ ،‬ال يخلو من فساد‬
‫سياسي خطير؛ انظر جريج باالست‪ :‬أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها‪،‬‬
‫ترجمة مركز التعريب والترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،2004 ،‬ص‪...111 ،94 ،17 ،9 .‬‬
‫‪ -126‬المهدي بنمير‪ :‬الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية‪ ،‬من‬
‫إصدارات المجلة المغربية لإلدارة والقانون والتنمية‪ ،‬دار وليلي للطباعة والنشر‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص‪.9 .‬‬
‫‪ -127‬المهدي بنمير‪ :‬الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.9 .‬‬
‫‪72‬‬
‫انتقال المفهوم‪ ،‬بمضامينه الجديدة‪ ،‬إلى الميدان السياسي‪،‬‬
‫يؤشر على منحى يسعى إلى ثني الدولة عن تصريف تصوراتها‬
‫التقليدية للسلطة‪ ،‬وإجبارها على مراجعة مواقفها حتى تصبح‬
‫متناغمة مع التطورات المجتمعية الجديدة‪ ،‬بما تعنيه من صعود‬
‫ملحوظ للفاعلين العموميين والخصوصيين‪ ،‬على السواء‪ ،‬والذين‬
‫يسعون إلى احتالل موقع لهم داخل مراكز التأثير‪ ،‬والمشاركة‬
‫في اتخاذ القرار السياسي؛ وبالوصول إلى هذه المرحلة فإن‬
‫الدولة ال تعود – كما كانت من قبل – مركز الثقل والتفاوض‬
‫والقيام بالتدخالت المختلفة باعتبارها صاحبة السيادة الشرعية‬
‫والنفوذ‪ ،‬ألن تزايد أزمات الدولة االجتماعية ونظرية التدخالت‬
‫أصبحت تدعو الدولة إلى تغيير أدوارها‪.128‬‬
‫هكذا أصبح مفهوم الحكامة‪ ،‬في الدولة الحديثة‪ ،‬يتقاطع مع‬
‫جميع مفاصل الحياة اليومية العامة والخاصة‪ ،‬نظرا لضرورته‬
‫وأهميته‪ .‬فهو يخترق جميع مجاالتها ويتلون بألوانها؛ وهذا‬
‫القول الذي جعله على هذا القدر من األهمية هو نفسه ما جعله‬
‫عصيّا على التعريف الحدّي‪ ،‬حيث يرد تارة بمعنى «الرقابة‬
‫على المنظمات والهيئات من طرف الذين أوكلوا إليهم‬
‫إدارتها»‪129‬؛ بينما يرد تارة أخرى بوصفه تعبيرا «عن‬
‫ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده‬
‫المادية والمالية والبشرية»‪130‬؛ ويرد تارة ثالثة بمعنى الحكم‬
‫الذي «تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفؤة‬

‫‪ -128‬أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51 .‬‬


‫‪ -129‬أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.28 .‬‬
‫‪ -130‬محمد المصطفى اإلدريسي‪ :‬في الحاجة إلى الحكامة الجيدة‪ ،‬ضمن مجلة‬
‫فكر ونقد‪ ،‬السنة ‪ ،10‬عدد ‪ ،93‬ديسمبر‪ ،2007 ،‬ص‪.21 .‬‬
‫‪73‬‬
‫لتحسين وتجويد نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم‬
‫وتأمينهم من الخوف والفقر وتنمية قدراتهم وذلك برضاهم‬
‫‪131‬‬
‫وعبر مشاركتهم ودعمهم‪».‬‬
‫وإذا كنا نالحظ بأن التعريف األول اختزل الحكامة في "حق‬
‫الرقابة"‪ ،‬األمر الذي ال يمكن االطمئنان إليه ألننا نعرف بأن هذا‬
‫الحق قد يأتي بعد "إفالس" المنظمة أو الهيئة المعنية بالرقابة‪،‬‬
‫في حين تهدف الحكامة أصال لتفادي هذا النوع من اإلفالس من‬
‫خالل التدبير الرشيد والعقالني والناجع؛ فإننا نالحظ بأن‬
‫التعريفين (الثاني والثالث) قد قصرا مضمون المفهوم على‬
‫مؤسسات الدولة العمومية فضال عن أنهما شددا على لفظة‬
‫الحكم‪ ،‬فخلطا بين مفهومي الحكم والحكامة‪.‬‬
‫وللخروج من هذا المأزق في التعريف لجأ بعض الباحثين‬
‫‪132‬‬

‫إلى اعتماد المقاربة المعيارية‪ ،‬حيث المعيار األساس لتعريف‬


‫الحكامة الجيدة «ال يتضح إال إذا كانت المؤسسات تسير آلياتها‬
‫بكيفية منتظمة ونظامية بعيدا عن مصالح المسيرين المكلفين‬
‫بتدبيرها أو تحقيق مصالحهم الخاصة»‪ .133‬غير أننا نالحظ‬
‫بأن هذا التعريف يظل ناقصا بدوره‪ ،‬ألنه اقتصر على معيار‬
‫القران بين الحكامة الجيدة والمصلحة الخاصة‪ :‬فالمؤسسة تكون‬
‫منضبطة لقواعد الحكامة الجيدة إذا كان المسؤول عن تسييرها‬
‫ال يهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة؛ وهو قول يمكن االعتراض‬
‫عليه من جهتين‪:‬‬

‫‪ -131‬لحرش‪ :‬مغرب الحكامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13 .‬‬


‫‪ -132‬أي التعريف بالماهية أو الحد‪.‬‬
‫‪ -133‬أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 .‬‬
‫‪74‬‬
‫أوال) إن أصحاب المؤسسات "الخصوصية" يهدفون إلى‬
‫تحقيق مصلحة خاصة‪ ،‬علما بأنهم أيضا يبحثون عن تسيير‬
‫مؤسساتهم‪ ،‬أو مقاوالتهم‪ ،‬بما تقتضيه الحكامة الجيدة؛‬
‫ثانيا) ال يكفي أن نفصل بين المصلحة الخاصة للمسيّر‬
‫وتسيير المؤسسة‪ ،‬حتى لو كانت عمومية‪ ،‬لنقول بأنها تشتغل‬
‫وفق آليات الحكامة الجيدة؛ فقد ال يكون للمسير أي مصلحة‬
‫خاصة من وراء تسييره للمؤسسة‪ ،‬وقد ال يستغل تسييرها‬
‫لتحقيق أي منفعة ذاتية‪ ،‬بل إن بعض الهيئات قد ال يكون الهدف‬
‫من إنشائها تحقيق أي ربح ألنها تقوم أصال على العمل‬
‫التطوعي‪ ...‬لكن رغم ذلك قد يفتقر التسيير للفعالية أو النجاعة‬
‫أو التدبير التشاركي‪ ...‬وبالتالي فالمؤسسة ال تسير وفق آليات‬
‫الحكامة الجيدة‪.‬‬
‫أخيرا نورد نماذج عن التعريفات المؤسساتية‪ – 134‬إن لم‬
‫يكن بهدف تجاوز التعريفات السابقة فعلى األقل لملء بعض‬
‫ثغراتها – ومنها‪:‬‬
‫تعريف الوكالة الكندية للتنمية الدولية ‪Agence‬‬
‫‪Canadienne‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪Développement‬‬
‫‪International‬‬
‫)‪ (ACDI‬الذي جاء فيه‪« :‬تعني (الحكامة) التدبير السليم‬
‫للشؤون العامة‪ ،‬مما يدل على ممارسة السلطة عبر مختلف‬
‫مستويات الحكومة والذي يجب أن يكون فعاال ومندمجا‪،‬‬

‫‪ -134‬علما بأن هناك تعريفات مؤسساتية كثيرة تطرقت لبعضها وثيقة السياسات‬
‫العامة التي أصدرتها األمم المتحدة بعنوان‪ :‬إدارة الحكم لخدمة التنمية البشرية‬
‫المستدامة‪ ،‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬يناير‪ ،1997 ،‬ص‪.11 – 8 .‬‬
‫‪75‬‬
‫وعادال‪ ،‬وشفافا‪ ،‬ويقدم الحساب عن األعمال التي تم القيام‬
‫بها»‪135‬؛‬
‫تعريف منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ‪Organisation‬‬
‫‪de Coopération et de Développement Economiques‬‬
‫)‪ :(OCDE‬التي ترى بأن الحكامة ما هي إال وسيلة إلضفاء‬
‫الشرعية على الحكومة والعناصر السياسية فيها‪ ،‬واحترام حقوق‬
‫اإلنسان وحكم القانون‪.136‬‬
‫فنكون قد انتهينا هنا‪ ،‬كما ابتدأنا‪ ،‬إلى أن التعريف األول‪ ،‬كما‬
‫الثاني‪ ،‬يظالن معيبين أيضا لثالثة أسباب‪:‬‬
‫ألنهما أقصيا القطاع الخاص ودور المجتمع المدني‪ ،‬أوال؛‬
‫وألنهما جعال الحكامة قضية الحكومة وحسب‪ ،‬ثانيا؛‬
‫ولم ينتبها إلى أن مفهوم الحكامة ليس هو الحكومة الجيدة‪،‬‬
‫ثالثا‪.‬‬
‫أما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فنظرا إلى الحكامة‬
‫من زاوية اقتصادية صرف‪ ،‬فهي بحسب المؤسسة األولى‪/‬البنك‬
‫الدولي‪ :‬الحالة التي من خاللها تتم إدارة الموارد االقتصادية‬
‫واالجتماعية للمجتمع بهدف التنمية‪.137‬‬

‫‪ -135‬أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪33-32 .‬؛ ويراجع أيضا في نفس‬
‫النقطة كريم لحرش‪ :‬مغرب الحكامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪26 .‬؛ وسعيد جفري‪:‬‬
‫الحكامة وأخواتها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .30 – 29 .‬علما بأن المقاربة المؤسساتية‬
‫لمفهوم الحكامة تعكس وجهة نظر الجهة التي أصدرتها‪ ،‬وبالتالي تتبنى التصور‬
‫األيديولوجي لهذه المؤسسات والمنظمات الدولية والوطنية‪ .‬انظر بهذا الصدد‪ :‬كريم‬
‫لحرش‪ :‬مغرب الحكامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.34 .‬‬
‫‪ -136‬ورد عند المهدي بنمير‪ :‬الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫‪ -137‬ورد عند المهدي بنمير‪ :‬الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫‪76‬‬
‫وهي حسب المؤسسة الثانية‪/‬صندوق النقد الدولي‪ :‬طريقة في‬
‫التسيير االقتصادي حيث تراعى معايير الشفافية والفعالية‬
‫‪138‬‬
‫واستقرار البيئة التنظيمية لنشاطات القطاع الخاص‪...‬‬
‫هكذا‪ ،‬وأمام صعوبة وضع تعريف دقيق ومتكامل للحكامة‪،‬‬
‫فإنه يتم اللجوء عادة إلى تبني مقاربة تستحضر المفهوم من‬
‫خالل مبادئه وخصائصه والمعايير المحددة له‪ ،‬وهو ما‬
‫سنعرض له في الفقرة الموالية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحكامة الجيدة‪:‬‬


‫المعايير؛ المبادئ؛ الخصائص‬
‫ال يمكن الحديث عن مفهوم الحكامة إال ضمن شبكة مفاهيمية‬
‫«من قبيل مفهوم التنمية‪ ،‬ومفهوم المجتمع المدني‪ ،‬ومفهوم‬
‫المواطنة‪ ،‬ومفهوم دولة الحق والقانون‪ 139»...‬وبهذا فإن‬
‫الحديث عن حكامة جيدة دون استحضار هذه الشبكة المفاهيمية‬
‫يصبح غير ذي معنى‪ ،‬حيث ال حكامة من دون مفردات مؤطرة‬
‫تستوعب مضمون المفهوم وتوجهه الوجهة السليمة‪ ،‬علما بأن‬
‫الفصل بين هذه المعايير والمبادئ والخصائص هو مجرد فصل‬
‫منهجي‪ ،‬أوال‪ ،‬كما أنها قد ترد في المراجع تحت هذا المسمى أو‬
‫‪140‬‬
‫ذاك‪ ،‬ثانيا‪.‬‬

‫‪ -138‬ورد عند المهدي بنمير‪ :‬الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .‬نفسها‪.‬‬
‫‪ -139‬محمد المصطفى اإلدريسي‪ :‬في الحاجة إلى الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.21 .‬‬
‫‪ -140‬وضعها كريم لحرش (في كتابه‪ :‬مغرب الحكامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪– 39 .‬‬
‫‪ )52‬تحت عنوان مؤشرات الحكامة؛ ووضعها مصطفى اإلدريسي في صيغة‬
‫‪77‬‬
‫أوال‪ :‬المبادئ العامة للحكامة الجيدة‪ ،‬نذكر من بينها‪:‬‬
‫‪ –1‬مبدأ العالمية‪ :‬ويعني االعتراف العالمي بحقوق اإلنسان‬
‫والحريات األساسية‪ ،‬بما هي حق لإلنسانية جمعاء‪ ،‬وبحيث‬
‫تلتزم الدول بحمايتها وتطويرها‪.‬‬
‫‪ –2‬المواطنة‪ :‬وهو مبدأ يرتبط بانتعاش الحرية والمسؤولية‬
‫وممارستها على أرض الواقع‪ ،‬ضمن اإلطار الذي ينظم عالقة‬
‫الفرد بالدولة كما يحددها القانون‪ ،‬فالمواطنة إذ تُم ِّ ّكن المواطن‬
‫من التمتع بحقوقه المختلفة‪ ،‬تُذ ِّ ّكره بأن عليه التزامات يتحملها‬
‫تجاه دولته‪.‬‬
‫‪ –3‬الديمقراطية‪ :‬بما يحيل عليه المبدأ من تعددية حزبية‬
‫وتمثيلية شعبية وتداول على السلطة وانتخابات حرة وشفافة‬
‫ونزيهة‪...‬‬
‫‪ –4‬الشمولية‪ :‬أي تذويب السيادة "المقدسة" للدولة الوطنية‪،‬‬
‫وخضوع حكامها لاللتزام والتنافسية في إطار يسعى إلى تحقيق‬

‫مؤشرات (انظر‪ :‬في الحاجة إلى الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 21 .‬وما‬
‫بعدها)؛ ووضعها أشرقي (في كتابه‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪– 37 .‬‬
‫‪ )68‬تحت مسميات‪ :‬معايير ومبادئ وخصائص؛ غير أنه إذ يفصل في هذه‬
‫الخصائص (ص‪ )68 – 63 .‬ال يقوم إال بإعادة ما كتبه تحت عنوان معايير‬
‫الحكامة الجيدة (ص‪)57 - 55 .‬؛ وما يسميه أشرقي بالمبادئ يسميه سعيد جفري‬
‫بالمرتكزات (انظر‪ :‬الحكامة وأخواتها‪ ،‬ص‪ 49 .‬وما بعدها) لكنه أعادها علينا‬
‫تحت عنوان‪ :‬معايير‪ ،‬تارة‪ ،‬وتحت عنوان‪ :‬مؤشرات‪ ،‬تارة أخرى‪ ،‬فالرؤية‬
‫االستراتيجية ذكرها ضمن المرتكزات (الحكامة وأخواتها‪ ،‬ص‪ ،)62 .‬ثم ذكرها‬
‫ضمن المعايير (الحكامة وأخواتها‪ ،‬ص‪ )69 .‬وذكرها مرة ثالثة ضمن المؤشرات‬
‫(الحكامة وأخواتها‪ ،‬ص‪)71 .‬؟ أما وثيقة السياسات العامة التي أصدرتها األمم‬
‫المتحدة (مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 9 .‬وما بعدها) فقد اختزلت ذلك كله تحت عنوان‪:‬‬
‫سمات الحكم الرشيد‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫التعاون الدولي ويفتح الحدود االقتصادية واإلعالمية والتجمعات‬
‫اإلقليمية وتنمية المؤسسات الدولية‪...‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص الحكامة ومعاييرها كثيرة أهمها‪:‬‬


‫– اعتبار القانون أسمى تعبير عن إرادة األمة؛‬
‫– االستقاللية التي تندرج ضمن مبدأ الفصل بين السلط؛‬
‫– فعالية الحكومة ونجاعتها‪141‬؛‬
‫– االستقرار السياسي؛‬
‫– اقتران المسؤولية بالمحاسبة؛‬
‫– التوافق والثقافة التشاركية القائمة على التماسك‬
‫والتعايش؛‬
‫– المساواة والعدالة؛‬
‫– التحكم في الفساد والعمل في إطار من الشفافية؛‬
‫– إنصاف المرأة ودعم حقوقها‪...‬‬
‫وبأسلوب المخالفة فإن أي تدبير يفشل في الفصل بين‬
‫المصلحة العامة والمصالح الخاصة‪ ،‬وال يطبق القانون‪ ،‬ويكرس‬
‫اقتصاد الريع‪ ،‬ويتعايش أو ينشر ثقافة الفساد‪ ،‬وال يعمل على‬

‫‪ -141‬يعرف ستيـﭭن كوﭭي ‪ Stephen R. COVEY‬الفعالية بأنها مبدأ «التوازن‬


‫بين اإلنتاج والقدرة على اإلنتاج‪ ».‬انظر‪ :‬العادات السبع للناس األكثر فعالية‪،‬‬
‫ترجمة مكتبة جرير‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ ،2003 ،5 .‬ص‪ .73 .‬وهي‪ ،‬أي الفعالية‪« ،‬ال‬
‫تعتمد على ما نبذله من جهد كبير‪ ،‬ولكن على ما إذا كان هذا الجهد يسير في‬
‫الطريق الصحيح‪( ».‬ستيـﭭن كوﭭي‪ :‬العادات السبع للناس األكثر فعالية‪ ،‬المرجع‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪ ،)142 .‬ولذلك فهي على ارتباط وثيق بمفهومي "القيادة" و"اإلدارة"‪،‬‬
‫وفي هذا يقول كل من "دراكار" و"واين بينس"‪« :‬اإلدارة هي أداء األشياء بشكل‬
‫صحيح بينما القيادة هي أداء األشياء الصحيحة‪( ».‬ستيـﭭن كوﭭي‪ :‬العادات السبع‬
‫للناس األكثر فعالية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.)141 .‬‬
‫‪79‬‬
‫التنمية‪ ،‬وتغيب عنه الشفافية في نشر المعلومات‪ ،‬وينتهك حقوق‬
‫اإلنسان‪ ...‬هو تدبير غير رشيد‪ ،‬بمنطق الحكامة الجيدة‪.‬‬
‫غير أن ما ينبغي إثارته‪ ،‬في هذا المقام‪ ،‬أن معايير الحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬على كثرتها‪ ،‬ليست على مرتبة واحدة من حيث القيمة‬
‫االعتبارية‪ ،‬فإذا أردنا مثال أن نبحث في آليات اشتغال الحكامة‬
‫القضائية‪ ،‬أي أن نطبق معايير الحكامة الجيدة على منظومة‬
‫العدالة‪ ،‬فإننا سنجد أن المعايير التي أدرجنا أمثلة عنها ال تكتسي‬
‫نفس األهمية‪ ،‬فمبدأ االستقاللية هنا ال يجب أن يوضع في نفس‬
‫المرتبة مع مبدأ إنصاف المرأة وضمان حقوقها في المناصفة في‬
‫تولي الوظائف‪ ،‬دون أن يعني ذلك أننا ال يجب أن نسعى إلى‬
‫ضمان حقوق المرأة‪ ،‬لكن فقط في إطار المقارنة أعاله‪ ،‬وداخل‬
‫المثال الذي قدمناه (الحكامة القضائية) فإن استقالل القضاء‬
‫يكتسي قيمة أكبر من السعي إلى تحقيق المناصفة في المناصب‬
‫القضائية‪ ،‬ألن استقالل القضاء‪ ،‬يمس جوهر العدالة‪ ،‬والقاضي‬
‫– بغض النظر عن كونه ذكرا أم أنثى – إذا لم يكن مستقال في‬
‫اتخاذ قراره‪ ،‬فال معنى لقراره ما دام أنه سيحيد عن تحقيق‬
‫العدالة في النهاية‪ ،‬التي تعتبر الضامن لتطبيق القانون‪ ،‬بما في‬
‫ذلك تطبيق مبادئ الحكامة نفسها‪.‬‬
‫فالهدف هو تحقيق العدالة أوال‪ ،‬ثم السعي إلى تحقيق‬
‫المناصفة ثانيا‪ ،‬علما بأن المناصفة نفسها جزء من منظومة‬
‫العدالة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحكامة الجيدة‪:‬‬
‫متابعة تاريخية‬
‫بغض النظر عن تداول مفهوم "الحكامة" كمفهوم‪ ،‬هل عرفت‬
‫الشعوب القديمة مضمونه حتى وإن لم تستعمله بلفظه‬
‫بالضرورة‪ ،‬وما مستويات هذا التداول بينها؟ سؤال نحاول‬
‫مقاربته من خالل فقرتين‪ ،‬نخصص األولى لنموذجي الصين‬
‫وبالد اإلغريق‪ ،‬بينما نفرد الثانية للتجربة اإلسالمية من خالل‬
‫الحكم الرشيد‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مصادفة القرنين ‪ 6‬و‪ 5‬ق‪ .‬م‪ :‬الصين‬


‫واإلغريق‬
‫يحمل القرن السادس قبل الميالد مصادفة غريبة في التاريخ‬
‫القديم‪ ،‬إذ في الوقت الذي كانت فيه الديانة الزرادشتية (نسبة إلى‬
‫زرادشت ‪ )ZARATHUSTRA‬تتشكل في بالد فارس وكان‬
‫كونفوشيوس ‪ CONFUCIUS‬يدبج أفكاره للمجتمع الصيني‪،‬‬
‫كان بوذا ‪ BUDDHA‬يعيد صياغة التجربة البراهمانية في ثوبها‬
‫الجديد وفيتاغورس ‪ PYTHAGORE‬يرسم معالم الفلسفة‬
‫اإلغريقية التي سيتوجها النموذج األثيني في القرن الموالي‪.‬‬
‫إن هذه التجارب الدينية والفلسفية ستغزو منطق الحكم‪ ،‬كل‬
‫في مجالها‪ ،‬لتبلور نماذجها الفاعلة الخاصة التي حملت‪ ،‬من بين‬
‫ما حملت‪ ،‬األفكار األولى المش ّكلة لما نعرفه اليوم بالحكامة‬
‫الجيدة‪ .‬لذلك ال بد لإلحاطة بمضمون المفهوم أن نتابعه منذ‬
‫بذرته األولى‪ ،‬في نماذج من هذه الحضارات التي بلورته في‬

‫‪81‬‬
‫صياغته األولى‪ ،‬وأساسا التجربة الصينية‪ ،‬أوال‪ ،‬ثم اإلغريقية‬
‫التي ابتدعت مفهوم الحكامة‪ ،‬ثانيا‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الصين الكونفوشية‬
‫قدم الشرق األقصى القديم تجربتين روحيتين متميزتين هما‪:‬‬
‫البوذية والكونفوشية؛ لكن إذا كان النموذج الروحي للهند "بوذا‬
‫‪ 567( "BUDDHA‬ق‪.‬م – ‪ 487‬ق‪.‬م) قد ترفع عن الحياة‬
‫السياسية‪ ،‬فإن معاصره األصغر سنا كونفوشيوس‬
‫‪ 551( CONFUCIUS‬ق‪.‬م – ‪ 479‬ق‪.‬م) «كان يرحب بأي‬
‫عمل سياسي يتاح له»‪142‬؛ بل ستصبح الفلسفة الكونفوشية بعد‬
‫وفاته‪ ،‬بـ‪ 350‬سنة‪ ،‬جوازا للتعيين في الوظائف العامة‪.143‬‬
‫فمنذ بداية عهد أسرة "تشو ‪ 1122 – "CHOU‬ق‪ .‬م –‬
‫انتشرت فكرة البحث عن الحكام الذين يعملون لمصلحة األمة‪،‬‬
‫والتي سيتأثر بها كونفوشيوس ‪ CONFUCIUS‬الحقا‪144‬؛ إال‬
‫أنه كان على يقين بأن أفكاره ستبقى دون تنزيل إذا لم ينجح في‬
‫الوصول إلى منصب عال في الدولة‪ ،‬وهو ما يفسر كثرة تجواله‬
‫بين المقاطعات الصينية وتوليه بعض المناصب كالقضاء‬
‫واألشغال العمومية‪ ...‬لكنها انتهت كلها إلى الفشل‪ ،‬مما أدى به‬
‫إلى اعتزال السياسة واالنصراف للتربية والتعليم‪ :‬المدخل‬
‫الحقيقي لكل إصالح سياسي في رأيه‪145‬؛ مخلفا في ذلك تراثا‬

‫‪ -142‬أرنولد توينبي‪ :‬تاريخ البشرية‪ ،‬ترجمة نقوال زيادة‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪ ،1988 ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.234 .‬‬
‫‪ -143‬أرنولد توينبي‪ :‬تاريخ البشرية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .‬نفسها‪.‬‬
‫‪ -144‬هالة أبو الفتوح أحمد‪ :‬فلسفة األخالق والسياسة – المدينة الفاضلة عند‬
‫كونفوشيوس‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2000 ،‬ص‪.19 .‬‬
‫‪ -145‬هالة أبو الفتوح أحمد‪ :‬فلسفة األخالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28-25 .‬‬
‫‪82‬‬
‫فكريا غنيا جدا‪ ،‬يهمنا منه الجزء المعروف بالتعليمات من كتاب‬
‫التاريخ‪ 146‬نظرا لتقاطعه مع مضمون الحكامة الجيدة‪ ،‬حيث تم‬
‫تخصيصه ألمور السياسة ومبادئ الحكم الرشيد وتنظيم العالقة‬
‫بين الحكام والمحكومين‪.147‬‬
‫وتتلخص هذه المبادئ في الخصال الحميدة التي ينبغي أن‬
‫يتمتع بها األباطرة‪ ،‬وفي ضرورة البحث عن األشخاص األكفاء‬
‫لتسيير شؤون الحكم والدولة‪ ،148‬مع التشديد على أن القوانين ال‬
‫يجب أن توضع لتلبية األهواء والنزوات بل "لتحقيق‬
‫العدالة"‪ ،149‬وذلك تحت قيادة الرجل الفاضل الشريف المحتد‬
‫الـ"تشن تسو"‪150‬؛ علما بأن كونفوشيوس ‪ CONFUCIUS‬كان‬
‫يرفض توريث الحكم‪ ،‬ألن ال ُملك يجب أن يقوم على أساس‬
‫الجدارة‪151‬؛ لكن وبما أن العادة درجت‪ ،‬في المجتمع الصيني‬
‫إذاك‪ ،‬على الوراثة فينبغي أن تسند أمور الدولة والحكم إلى‬
‫الوزراء وليس إلى الملوك‪152‬؛ وهكذا فالملك ينبغي أن يسود وال‬
‫يحكم‪( ،‬كما لو أننا نتحدث عن نظام برلماني أوربي بالمعايير‬
‫المعاصرة)؛ أما الحكومة فال تستمد ضرورتها من تنظيم‬
‫العالقات االجتماعية فقط بل وكذلك من حيث تحقيقها لمبدأين‬

‫‪ -146‬كتاب التاريخ أحد الكالسيكيات الخمس الجامعة للفلسفة الكونفوشية‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫كتاب التاريخ؛ وكتاب األغاني؛ وكتاب الطقوس؛ وحوليات الربيع والخريف؛‬
‫وكتاب التغيرات‪.‬‬
‫‪ -147‬فؤاد شبل‪ :‬حكمة الصين‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،1967 ،‬ص‪.34 .‬‬
‫‪ -148‬هالة أبو الفتوح‪ :‬فلسفة األخالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37-35 .‬‬
‫‪ -149‬هالة أبو الفتوح‪ :‬فلسفة األخالق‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.37 .‬‬
‫‪ -150‬أرنولد توينبي‪ :‬تاريخ البشرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.236 .‬‬
‫‪ -151‬هالة أبو الفتوح‪ :‬فلسفة األخالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.144 .‬‬
‫‪ -152‬هالة أبو الفتوح‪ :‬فلسفة األخالق‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.146 .‬‬
‫‪83‬‬
‫أساسين هما االستقرار االقتصادي واألمن القومي‪ ،‬وإذا تحقق‬
‫هذان المبدءان تحقق باالستتباع مبدأ ثالث هو الثقة في‬
‫السلطة‪ .153‬من هنا سيظهر نظام االمتحانات الختيار أجود‬
‫الموظفين‪ ،154‬الذين يشتغلون تحت مبدأ سيادة القانون‪ ،‬المتناغم‬
‫مع مبدأ الفضيلة‪155‬؛ وإن ذهب تالمذة كونفوشيوس (خاصة‬
‫"هسون تسو ‪ ،"Hsun TZU‬و"منشيوس ‪Meng TZU‬‬
‫(‪ )")MENCIUS‬أبعد من ذلك عندما قالوا بضرورة محاسبة‬
‫الحكام‪ ،‬بل وإعدام الظالمين منهم (مبدأ اقتران المسؤولية‬
‫بالمحاسبة)‪ ،156‬وإن كان األصل هو بناء الثقة بين الحكام‬
‫والمحكومين حتى ال يختل نظام العقوبة والجزاء وتضطرب‬
‫شؤون الدولة‪.157‬‬
‫وهكذا ورغم النزعة اليوتوبية المتضمنة في أفكار‬
‫كونفوشيوس ‪ ،‬إال أنها رسمت معالم واقعية يمكن تطبيقها‬
‫لتحسين شروط ممارسة الحكم والسلطة‪ .‬لنصل بالنتيجة إلى أن‬
‫كونفوشيوس سعى لنشر التربية والعلم على أوسع نطاق بين‬
‫العامة‪ ،‬وأن هذه العامة (المتسلحة بالعلم والمتنورة باألخالق)‬
‫لها الحق في الحصول على الوظائف بناء على الكفاءة‪ ،‬وأن من‬
‫بين هؤالء الموظفين يتم اختيار الوزراء األكفاء والفاضلين‬
‫لتسيير شؤون الدولة‪ ،‬القائمة على سيادة القانون‪ ،‬خدمة للعدالة‪،‬‬

‫‪ -153‬هالة أبو الفتوح‪ :‬فلسفة األخالق‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.138 .‬‬


‫‪ -154‬هالة أبو الفتوح‪ :‬فلسفة األخالق‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.148 .‬‬
‫‪155- DOEBLIN (Alfred): The living thoughts of Cofucius,‬‬
‫‪Cassell and Company, University Press, 1989, p. 18.‬‬
‫‪ -156‬هالة أبو الفتوح‪ :‬فلسفة األخالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.146 .‬‬
‫‪ -157‬فؤاد شبل‪ :‬حكمة الصين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 71 .‬وما يليها‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫ومحاسبة الحكام وتحقيق االستقرار األمني واالقتصادي‬
‫وتكريس الثقة بين الحكام والمحكومين مع اقتران المسؤولية‬
‫بالمحاسبة‪ ...‬أفال نكون هنا‪ ،‬في قلب منظومة المبادئ التي تدعو‬
‫إليها الحكامة الجيدة اليوم؟‬

‫ثانيا‪ :‬اإلغريق‪ :‬فيتاغورس ‪PYTHAGORE‬؛ سقراط‬


‫‪SOCRATE‬؛ واآلخرون‬
‫لم يتمكن فيتاغورس ‪ PYTHAGORE‬وال تالمذته من‬
‫تجنب دخول المعترك السياسي‪ ،‬واضعين بذلك البذرة األولى‬
‫لألسس النظرية المنظمة ألمور الحكم والدولة‪ .‬ففي العالم‬
‫‪158‬‬
‫الهليني في القرن السادس قبل الميالد‪ ،‬كان ال بد ألي أخوية‬
‫من الفالسفة من أن تكون لها سيطرة في إحدى المدن – الدول‬
‫إذا كانت تريد تجنب وقوعها ضحية؛‪ 159‬ونتيجة لذلك ستظهر‬
‫مجموعة من المفاهيم التي ما زلنا نستعملها إلى اليوم‪.‬‬
‫إننا ندين بمفهوم الحكامة‪ ،‬كما الديمقراطية‪ ،‬بمضمونهما‬
‫األول‪ ،‬للتجربة األثينية في الحكم؛ خاصة في القرن الخامس‬
‫(‪ )5‬ق‪.‬م؛ فمنذ سنة ‪ 467‬ق‪ .‬م‪ .‬استطاع بريكليس‬
‫‪ PERICLES‬أن يحسم الصراع بين الديمقراطية واألوليغاركية‬
‫لصالح األولى‪ ،‬مما سمح للمواطنين (بشروط المواطنة األثينية)‬

‫‪ - 158‬للمزيد من االطالع على هذه األخويات الفلسفية ‪ -‬الدينية يراجع‪:‬‬


‫‪LEVEQUE (Pierre): L’aventure Grecque, 3ème édit., Armand‬‬
‫‪Colin, Paris, S. D., p. 299-300.‬‬
‫‪ -159‬أرنولد توينبي‪ :‬تاريخ البشرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.234 .‬‬
‫‪85‬‬
‫أن يشاركوا في إدارة الشأن العام‪160‬؛ ومع حلول سنة ‪ 451‬ق‪.‬‬
‫م‪ .‬تم تحديد مفهوم المواطنة بمقتضى قانون‪.161‬‬
‫مع انبثاق فكرة الديمقراطية انبثقت بالتزامن معها بعض‬
‫مضامين الحكامة‪ ،‬مثل التداول على السلطة‪ ،‬والشفافية (اعتماد‬
‫القرعة الختيار مجلس الخمسمائة "البولي" ‪ )Boulé‬واقتران‬
‫المسؤولية بالمحاسبة‪ ...162‬وتدين أثينا في هذا اإلنجاز‬
‫لـبريكليس ‪ PERICLES‬الذي نجح في إدارتها لمدة ثالثين‬
‫سنة‪ ،‬حيث تمتع بسلطات واسعة‪ ،‬لكن ضمن مبدأ "المشروعية"‬
‫إذ كان يتم تجديد انتخابه كل مرة‪( 163‬وهنا يختفي مبدأ آخر من‬
‫مبادئ الحكامة الجيدة)‪.‬‬
‫إن هذه الدعائم هي التي سيعرضها علينا الحقا (في القرن‬
‫الموالي‪/‬الرابع (‪ )4‬ق‪.‬م) كل من أفالطون ‪PLATON‬؛ أرسطو‬
‫‪ARISTOTE‬؛ واآلخرين‪ ...‬دون أن ننسى بأن واحدا من دعائم‬
‫الفلسفة اليونانية‪/‬سقراط ‪ SOCRATE‬كان من أكبر ضحايا‬
‫اإلنجاز األثيني؛ لكن هذه الضحية‪/‬سقراط سيعلم أتباعه (أثناء‬
‫محاكمته وإعدامه) واحدة من أهم مبادئ الحكامة الجيدة أال وهي‬
‫احترام القانون والخضوع له‪ ،‬حتى لو كان ظالما؛ فضال عن‬

‫‪160 - LEVEQUE (Pierre): L’aventure Grecque, op. cit., p.263‬‬


‫‪ -161‬وردت تفاصيله عند‪LEVEQUE (Pierre): L’aventure :‬‬
‫‪ Grecque, op. cit., p. 264‬؛ ومن شروطه‪ :‬أن يكون المواطن من أبوين‬
‫أثينيين وأن يؤدي الضرائب ويساهم في الخدمة العسكرية؛ وفي المقابل يقصي‬
‫النساء واألجانب والعبيد من حقوق المواطنة‪.‬‬
‫‪162 - LEVEQUE (Pierre): L’aventure Grecque, op. cit., p.‬‬
‫‪264.‬‬
‫‪163 - LEVEQUE (Pierre): L’aventure Grecque, op. cit., p.‬‬
‫‪265.‬‬
‫‪86‬‬
‫المبادئ األخالقية الكبرى التي دعا إليها (الفضيلة والعدالة‬
‫والحق واحترام اإلنسان‪.164)...‬‬
‫هذا هو المناخ الذي نحت مفهوم الحكامة ‪ Kubernan‬ألول‬
‫مرة في التاريخ‪ ،‬ولم يكن له أن يحمل أكثر من معناه الضيق‬
‫والمحدود ضمن الشروط التاريخية التي ابتدعته‪ ،‬فالحديث‬
‫يجري هنا عن مجتمع عبودي في نهاية التحليل‪ ،‬أي مناقض‬
‫ألبسط مبادئ الحكامة الجيدة كما نفهمها اليوم‪ ،‬ولذلك كان ال بد‬
‫أن تنتهي "الحكامة" إلى اإلحالة على مفهوم اجتماعي أخالقي‬
‫يفضي إلى نقاش فلسفي‪ ،‬ومرتهن إلى حد كبير بالنسبية‪ ،‬بما أنه‬
‫ربطها بمفهوم أوسع كان يبحث فيه الفكر السياسي اإلغريقي‪،‬‬
‫ويعتبره المحدد األساس لكل نقاش سياسي‪ ،‬هو مفهوم‬
‫"العدالة"‪ ،165‬أوال؛ وبالنظر إلى التجربة الناقصة التي قدمها‬
‫النموذج األثيني للديمقراطية ومبادئها‪ ،‬ومن ضمنها الحكامة‪،‬‬
‫ثانيا؛ فما كان من آباء الفالسفة اإلغريق (سقراط ‪SOCRATE‬؛‬

‫‪164 - LEVEQUE (Pierre): L’aventure Grecque, op. cit., p.‬‬


‫‪307-309.‬‬
‫‪ -165‬نعلم بأن العدالة كانت أساس النقاش الفلسفي األول عند اإلغريق القدامى‪،‬‬
‫وقد وضع أفالطون الكتاب األول من جمهوريته بعنوان‪ :‬العدالة‪ .‬انظر أفالطون‪:‬‬
‫الجمهورية‪ ،‬ترجمة حنا خباز‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص‪.9 – 7 .‬‬
‫ومعروف أن أفالطون‪ ،‬شأن أستاذه سقراط‪ ،‬كان من أشد معارضي الديمقراطية‪،‬‬
‫ودعا إلى االستعاضة عنها بنظام "فكروقراطي"‪ ،‬يقوم على إسناد الحكم لفئة من‬
‫الناس تجمع بين الفضيلة‪/‬المعرفة وفن السياسة؛ أما أرسطو فقد وضع الديمقراطية‬
‫ضمن أشكال الحكم المنحرفة أو الفاسدة‪ .‬انظر أرسطو‪ :‬السياسة‪ ،‬ترجمة أحمد‬
‫لطفي السيد‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1947 ،‬ص‪.198 .‬‬
‫‪87‬‬
‫أفالطون ‪PLATON‬؛ اكزينوفون ‪XENOPHON‬؛ أرسطو‬
‫‪166‬‬
‫‪ )...ARISTOTE‬إال احتقار هذه الديمقراطية وإدانتها‪.‬‬
‫ولعل هذه اإلدانة هي ما جعل الكلمة تدخل‪ ،‬في الفترات‬
‫الالحقة‪ ،‬مرحلة من الضمور حيث اختفت تقريبا من التداول؛‬
‫وظل األمر كذلك إلى أن تم بعث المفهوم من جديد‪ ،‬في فرنسا‬
‫خالل القرن ‪13‬م كما أشرنا إلى ذلك من قبل‪ ،‬لكن البعث‬
‫الحقيقي للمفهوم هو الذي قام به البنك الدولي الذي يعتبر أول‬
‫من استعمله بكامل حمولته «كورقة ضغط في مواجهة عدة دول‬
‫إلرغامها على سياسات التقويم الهيكلي في مخططاتها‬
‫اإلصالحية‪ ...‬أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن‬
‫الماضي»‪167‬؛ بينما ترددت العلوم السياسية الفرنسية في‬
‫استعماله‪ ،‬في البداية‪ ،‬وتعاملت معه بحذر شديد‪ ،‬وشككت في‬
‫حياديته‪ ،‬وقدمته على أنه انعكاس للتصور األيديولوجي الغربي‬
‫بعد سقوط جدار برلين‪.168‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلسالم والطموح إلى الحكم الرشيد‬


‫درجت اإليسطوغرافيا العربية على نعت الفترة التي أعقبت‬
‫وفاة النبي (عليه السالم) والتي تولى خاللها الخلفاء األربعة (أبو‬

‫‪166 - LEVEQUE (Pierre): L’aventure Grecque, op. cit., p.‬‬


‫‪308.‬‬
‫‪ -167‬أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.36 .‬‬
‫‪168 - PAYES (Olivier): La gouvernance – d’une notion‬‬
‫‪polysémique à un concept politologique, op. cit. p. 19.‬‬
‫‪88‬‬
‫بكر؛ عمر؛ عثمان؛ علي) بفترة الخلفاء الراشدين‪ ،169‬أو الحكم‬
‫الراشد‪ ،‬تمييزا لها عن فترات الحكم التي أعقبتها‪ ،‬وغني عن‬
‫البيان أن التمييز هنا ال يقصد به فقط التمييز الكرونولوجي‪ ،‬أي‬
‫تتالي فترات الحكم‪ ،‬بقدر ما يقصد به اختالف في مضمون هذا‬
‫الحكم نفسه‪ ،‬فما الذي ميز هذه الفترة حتى استحقت أن تنعت‬
‫بالراشدة‪ ،‬بل وأصبحت‪ ،‬في الوجدان الجمعي اإلسالمي‪ ،‬نموذجا‬
‫يجب أن يحتذى؟ وما المقصود بالحكم الراشد؟ وأين يلتقي مع‬
‫مفهوم "الحكامة الجيدة" المعاصر؟‬
‫يقوم "الحكم الراشد" في المفهوم اإلسالمي على مبدأ‬
‫الحاكمية هلل‪( 170‬مراقبة هللا قبل مراقبة الشريعة‪/‬القانون‪ ،‬وقبل‬
‫مراقبة النفس اللوامة‪/‬الضمير)‪171‬؛ والحاكمية تعني‪ ،‬من ضمن‬
‫ما تعنيه‪ ،‬أن هللا يؤتي الملك والرزق من يشاء‪ ،‬وينزعه ممن‬
‫يشاء‪172‬؛ أما اإلنسان فهو مجرد مستخلف في ذلك من حكم‬

‫‪ -169‬قائمة البيبليوغرافيا حول تاريخ الخالفة الراشدة رحبة جدا‪ ،‬لكن من ناحية‬
‫السياسة الشرعية يمكن اعتماد المصادر الكالسيكية في الموضوع وهي‪:‬‬
‫الماوردي‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬تنسيق علي بن حمزة الشامي‪ ،‬مركز الشرق العربي‬
‫للدراسات الحضارية واالستراتيجية‪ ،‬لندن‪ ،‬دون تاريخ؛ وابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1992 ،‬؛ والفراء‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬صححه وعلق عليه‬
‫محمد حامد الفقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.2000 ،‬‬
‫‪ -170‬تعني الحاكمية «أن مصدر األحكام في الشريعة اإلسالمية هو هللا تعالى‬
‫وحده‪ ».‬انظر عبد الكريم زيدان‪ :‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬ط‪،6 .‬‬
‫‪ ،1976‬ص‪.69 .‬‬
‫‪ -171‬نشير إلى أن الضمير في التراث اإلسالمي هو الذي يقصد به "النفس‬
‫اللوامة"؛ قال تعالى‪( :‬ال أقسم بالنفس اللوامة) (القيامة‪ )2 /‬وقد كتب ابن القيم في‬
‫ذلك فصال خاصا؛ انظر كتابه‪ :‬الروح‪ ،‬تحقيق وتقديم محمد اسكندر يلدا‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ص‪ 302 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -172‬مصداقا لقوله تعالى‪( :‬قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع‬
‫الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء‬
‫‪89‬‬
‫ومال‪ ،‬وغيره؛ والخالفة نوعان‪ :‬عامة (خالفة اإلنسان في‬
‫األرض)‪ ،‬وخاصة (بالمعنى المعبر عن الحكم والسلطان‪ ،‬وقد‬
‫ترد بلفظ اإلمامة الكبرى)؛ ومصدرها جميعا هو‬
‫الشرع‪/‬الشارع‪.173‬‬
‫فالحاكمية بهذا المعنى حاكميتان‪ :‬واحدة ترد في إطار‬
‫المفهوم الواسع لمبدأ االستخالف في األرض‪ ،‬أي أنها موجهة‬
‫لإلنسان عامة في إطاره الكوني‪ ،‬بمعنى أن عمارة األرض‬
‫محكومة بقواعد وشروط تنظمها‪ ،‬وعلى اإلنسان أن يتحرك‬
‫داخلها حتى تتحقق هذه العمارة على الوجه السليم الذي أراده هللا‬
‫لها؛ أما الثانية فيراد منها تدبير أمور الحكم والدولة‪ ،‬وهي أيضا‬
‫مقيدة بأحكام الشريعة‪ ،‬وتتأسس على مبادئ عديدة فصلت فيها‬
‫كتب السياسة الشرعية‪ ،‬ومن أهمها‪ :‬الشورى؛ فاالختيار من‬
‫طرف أهل الحل والعقد؛ ثم البيعة (الخاصة والعامة)؛ وتطبيق‬
‫الشريعة‪...‬‬
‫أما الحكامة بمفهومها الغربي المعاصر فتتكئ على البعد‬
‫الحداثي‪ ،‬الذي قام أصال على أساس الخصومة مع الدين‪ ،‬والذي‬

‫قدير) (آل عمران‪ .)26 /‬لمزيد من االطالع حول مفهوم الحاكمية (نشأته وتطوره‬
‫ومضامينه‪ )...‬يراجع حسن لحساسنة‪ :‬الحاكمية في الفكر اإلسالمي‪ ،‬ضمن سلسلة‬
‫كتاب األمة رقم ‪ ،117‬منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬قطر‪ ،‬يناير‬
‫‪.2007‬‬
‫‪ -173‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪239 .‬؛ الماوردي‪ :‬األحكام‬
‫السلطانية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪71 .‬؛ الفراء‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪.20 -19 .‬‬
‫‪90‬‬
‫تشكل الالئيكية إحدى زواياه الحادة‪ ،‬بدعواها لفصل الدين عن‬
‫الدولة‪.174‬‬
‫واضح إذن أن الفهمين (الغربي واإلسالمي) لمسألة‬
‫الحكامة‪/‬الحكم الراشد يختلفان من حيث الجوهر واألصول‪ ،‬أي‬
‫من حيث موقفهما من الدين؛ لكن ذلك ال يمنع من تقاطعهما في‬
‫عدة مفاصل كالبحث عن تحقيق العدالة من خالل تطبيق‬
‫القانون‪/‬الشريعة؛ ومبدأ المساءلة (وإن أضاف الحكم الراشد‬
‫للمساءلة الدنيوية مساءلة أخروية أيضا)؛ والمساواة في األحكام؛‬
‫والنزاهة؛ والشفافية؛ والعمل على تحقيق المصلحة العامة‪...‬‬
‫فتكون الحضارة اإلسالمية قد أضافت إضافات نوعية مائزة‬
‫لمفهوم "الحكامة"‪ ،‬خاصة في العصور الوسطى التي تراجعت‬
‫فيها أوربا‪ ،‬وتراجعت معها تجاربها الديمقراطية على عالّتها‪،‬‬
‫بينما كانت الحضارة اإلسالمية تؤسس لنمط من الحكم (الراشد)‬
‫أبدعت فيه صيغا جديدة للرقابة على السلطة‪ ،‬وضبط‬
‫ممارساتها‪ ،‬وإن كانت تجربة لم تعمر طويال هي أيضا‪.175‬‬

‫‪ -174‬مع وضع سؤال كبير حول ما إذا كانت الالئيكية تعني فعال فصل الدين عن‬
‫الدولة‪ ،‬أم أنها اجتهدت فقط كي تفصل المؤسسة الكنسية‪ ،‬بمضمونها القروسطي‪،‬‬
‫عن الدولة؟‬
‫‪ -175‬استمرت الخالفة الراشدة كما هو معروف حوالي ‪ 30‬سنة فقط (من ‪11‬‬
‫هـ‪633/‬م إلى ‪ 40‬هـ‪653/‬م)‪ ،‬ليصير الحكم بعدها وراثيا في الدول اإلسالمية‬
‫المتعاقبة؛ التي وإن زعمت جميعا بأنها كانت تستند إلى الشريعة‪ ،‬إال أن فترة‬
‫"الخالفة الراشدة" ظلت راسخة في الوجدان الجمعي والذاكرة الجماعية اإلسالمية‬
‫باعتبارها نموذج الحكم الذي ينبغي االقتداء به‪ ،‬وإعادة إحيائه‪ ،‬وهو ما نالحظه‬
‫حتى لدى عدد كبير من التيارات والحركات اإلسالمية المعاصرة‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫الحكامة الجيدة في المغرب قبل دستور‪2011‬‬
‫إذا كانت الدولة المغربية اإلسالمية في تاريخها الطويل‪،‬‬
‫الذي امتد ألزيد من ‪ 12‬قرنا‪ ،‬قد عرفت بعض مظاهر "الحكامة‬
‫الجيدة"‪ ،‬من خالل تجليات الخالفة فيها (أي من خالل تطبيقات‬
‫الشريعة واستحضار نموذج الخالفة الراشدة في الوعي‬
‫الجمعي)‪ ،‬فإن المفهوم بمضمونه المعاصر لم يدخل المغرب إال‬
‫أواخر القرن العشرين‪ ،‬وبالذات في ثمانينيات القرن الماضي‪،‬‬
‫مع التأكيد على أن انخراط المغرب في استعمال أدوات الحكامة‬
‫الجيدة مر بمرحلتين‪ ،‬قبل دسترته نهائيا سنة ‪.2011‬‬
‫وهكذا تم استخدام هذه األدوات مقترنة بمسلسل الخوصصة‬
‫وبرنامج التقويم الهيكلي‪ ،‬أول األمر‪ ،‬دون استخدام المفهوم‬
‫صراحة‪ ،‬وهذا ما سنعرض له في فرع أول؛ ثم مرحلة ثانية ذاع‬
‫فيها المفهوم وانتشر‪ ،‬داخل المقاوالت والمؤسسات (في‬
‫القطاعين‪ :‬العام والخاص)‪ ،‬وفي مختلف النصوص التشريعية‬
‫والقانونية والكتابات الموازية لهذا االنتشار‪ ،‬وهو ما سنتطرق‬
‫إليه في فرع ثان‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬قبل تداول المفهوم‬


‫منذ االستقالل (‪ )1956‬اختار المغرب أن يتبنى توجها‬
‫ليبراليا رغم أن الدولة ظلت مهيمنة على مفاصل االقتصاد‪،176‬‬

‫‪176 - SAHIB EDDINE (Abdelhak): Investissement Etranger et‬‬


‫‪Privatisation au Maroc, Thèse de doctorat en Sciences‬‬
‫‪économiques de l’Université de Bourgogne, Dijon, 1996-1997.‬‬
‫…‪p.15‬‬
‫‪92‬‬
‫وهكذا عرف المغرب تعايشا بين القطاعين‪ :‬العام والخاص‪ ،‬لكن‬
‫الدولة لن تتأخر في اتخاذ منحى يشجع على االنفتاح على‬
‫اقتصاد السوق‪ ،‬وهو ما يفسر بداية تطبيق برنامج جديد‬
‫للخوصصة‪.177‬‬
‫والواقع أن الدولة المغربية التي انخرطت في عدة مشاريع‬
‫تنموية غداة االستقالل‪ ،‬وجدت نفسها كمعظم الدول السائرة في‬
‫طريق النمو ‪)PED( Pays en voie de développement‬‬
‫إذاك‪ ،‬ترزح تحت ثقل المديونية وعجز الميزان التجاري خاصة‬
‫منذ ‪ 1970‬بفعل وفرة السيولة النقدية في األسواق الدولية‪،‬‬
‫وانهيار سعر الفوسفاط سنة ‪ ،1975‬ليجد المغرب نفسه منذ‬
‫‪ 1980‬مضطرا إلى نهج سياسة التقشف‪ ،‬ولينخرط بعد ثالث‬
‫سنوات من ذلك (أي سنة ‪ )1983‬في برنامج التقويم الهيكلي‬
‫(المؤطر من قبل البنك الدولي ‪"BM" Banque mondiale‬؛‬
‫وصندوق النقد الدولي ‪Fonds monétaire international‬‬
‫"‪"FMI‬؛ ونادي باريس ‪"CP" Club de Paris‬؛ ونادي لندن‬

‫وأعمال الندوة الدولية التي انعقدت بكلية اآلداب‪ ،‬جامعة محمد األول‪:‬‬
‫‪Interv. De SAHIB EDDINE (Abdelhak) et KOUBAA (Salah):‬‬
‫‪L’entrepreneuriat migratoire, 11/11/2010, 14h. in : colloque‬‬
‫‪international sous thème : Migration et développement des‬‬
‫‪régions Maghrébines et sud – sahariennes, 11 – 12 Novembre‬‬
‫‪2010, Université Mohammed I, Centre d’études des‬‬
‫‪mouvements migratoires Maghrébins.‬‬
‫‪177 - BELKADI (Hicham): Le gouvernement d’entreprise au‬‬
‫‪Maroc, Mémoire du Diplôme d’Etudes Supérieures‬‬
‫‪Spécialisées en Ingénierie Financière, Université de Bretagne‬‬
‫‪Occidentale, France, Année Universitaire 2002-2003, p. 9.‬‬
‫‪93‬‬
‫‪ )."LC" London Club‬مما ساعد على إعادة التوازن‬
‫لالقتصاد الوطني وتخفيض حجم المديونية‪.178‬‬
‫وكان ضروريا أن يصاحب هذه التحوالت التي طرأت على‬
‫بنية االقتصاد الوطني تحوالت على مستوى تسيير المقاوالت‬
‫التي تمت خوصصتها‪ ،‬حيث لم يعد المسيرون‪ ،‬الذين يتم تعيينهم‬
‫لتدبير مرافقها‪ ،‬يتمتعون بنفس االمتيازات السابقة‪ ،‬من سلطة‬
‫ونفوذ وصالحيات انفرادية واسعة في اتخاذ القرارات‬
‫وتنفيذها‪ ...‬بل أصبحوا خاضعين لقواعد حكامة المقاوالت‬
‫الخاصة‪.179‬‬
‫إن هذه السياسة كانت تستدعي تنسيقا بين القطاعين العام‬
‫والخاص‪ ،‬مع مراعاة الظرفية الداخلية والخارجية التي ميزها‬
‫تباطؤ النمو‪ ،‬وعولمة األسواق‪ ،‬وتنامي المنافسة على المستويين‬
‫الداخلي والخارجي‪ ...‬مما كان يستدعي تكثيف الحاجة إلى‬
‫التضامن؛‪ 180‬مع المراهنة على أن تطوير المجال االقتصادي‬
‫يشكل رافعة أساسا لتطوير المجال االجتماعي‪ ،‬لكن في إطار‬

‫‪ -178‬انخفضت إلى ‪ 13,93‬مليار دوالر سنة ‪ 2002‬بعد أن كانت ‪ 20,5‬مليار‬


‫دوالر سنة ‪1990‬؛ انظر‪:‬‬
‫‪BELKADI (Hicham): Le gouvernement d’entreprise au‬‬
‫‪Maroc, op. cit. p. 8. et LAGHRISSI (Awatif): Gouvernance‬‬
‫‪au Maroc – Approche d’action publique, Imprimerie EL‬‬
‫‪Watanya, Marrakech, 2010, p. 84-86.‬‬
‫‪179 - EL AOUADI (Ahmed): Les stratégies d’enracinement‬‬
‫‪des dirigeants d’entreprises - Le cas marocain, Working Paper‬‬
‫…‪n° 599, CEROG, IAE Aix En province, mai 2001, p. 27‬‬
‫‪180 - LAGHRISSI (Awatif): Gouvernance au Maroc, op. cit.‬‬
‫‪p. 86.‬‬
‫‪94‬‬
‫يستحضر المتغيرات الدولية ويتفاعل مع شروطها‪ ،‬باعتبارها‬
‫رافدا يغني التجربة الوطنية عبر االستفادة من تجاربها‪.‬‬
‫وبالفعل فقد كان يسير بموازاة اإلصالحات التي اتخذها‬
‫المغرب‪ ،‬منذ ثمانينيات القرن الماضي‪ ،‬تغيرات عميقة على‬
‫المستوى العالمي‪ ،‬خاصة تلك التي حدثت باالتحاد السوفياتي‬
‫والتي انتهت بتفسخه‪ ،‬وانهياره سنة ‪ ،1991‬ومع هذه‬
‫المتغيرات ظهرت مفردات اقتصادية وسياسية جديدة سوف‬
‫تتقاطع بشكل واضح مع مضامين الحكامة الجيدة‪ ،‬وتثري‬
‫‪181‬‬
‫البريسترويكا ‪،Perestroïka‬‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫مفهومها‪،‬‬
‫والكالسنوست ‪ ،Glasnost‬والعلنية‪ ،‬والصراحة‪ ،‬والمشاركة‪...‬‬
‫التي دخلت قاموس العلوم االقتصادية والسياسية بعد عجز‬
‫المشروع االشتراكي عن تحقيق أهدافه التنموية‪ ،‬داخل االتحاد‬
‫السوفياتي وخارجه‪ ،‬نتيجة الفساد الذي ضرب بناه وهياكله‬
‫‪182‬‬
‫العامة‪ ،‬وأدى بها إلى التخلف‪.‬‬
‫لقد شملت سياسة اإلصالحات جميع مناحي الحياة االقتصادية‬
‫واالجتماعية والسياسية‪ ...‬باالتحاد السوفياتي‪ ،‬حيث اهتمت‬

‫‪ -181‬البريسترويكا كلمة روسية تعني حرفيا إعادة البناء‪ ،‬وتقترن بها بعض‬
‫التعابير المجاورة مثل‪ :‬الشفافية (الكالسنوست)؛ والعلنية؛ والصراحة‪ ...‬يقول‬
‫غورباتشوف‪ « :‬إن كلمة البيريسترويكا كلمة متعددة المعاني‪ ،‬ولكننا إذا أردنا‬
‫= انتقاء كلمة مرادفة واحدة أكثر تعبيرا النتقينا كلمة "الثورة"‪ ...‬إنها برنامج‬
‫إصالحي متكامل للحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ».‬انظر ميخائيل‬
‫غورباتشوف‪ :‬البريسترويكا والتفكير الجديد لبالدنا والعالم‪ ،‬ترجمة عدد من‬
‫الكتاب‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ص‪.6 .‬‬
‫‪182 - KORENEV (Léonid): L’Economie de l’URSS au‬‬
‫‪carrefour de la perestroïka, édit. Agence Novosti, Moscou,‬‬
‫‪1990, p.19. et SOBOLEV (Léonid): URSS Recensement‬‬
‫‪1989, édit. Agence Novosti, Moscou, 1990, p. 9.‬‬
‫‪95‬‬
‫بتأهيل اقتصاده إلدماجه في المنظومة العالمية عن طريق‬
‫التخلي عن اإلدارة المركزية وتحديد األولويات وإصالح نظام‬
‫األجور والسماح للقطاع الخاص باالنخراط في المشاريع‬
‫االقتصادية وتنظيم المنافسة وإصالح النظام النقدي ومناقشة‬
‫قضايا التعليم واالهتمام بالحريات العامة‪ ،183‬وفتح نقاش‬
‫عمومي حول العالقات بين القوميات التي كانت تعتبر مناقشتها‬
‫سابقا من المحظورات‪ ...‬وتوجت هذه اإلصالحات بالسماح بقيام‬
‫نظام حزبي تعددي ظهرت على إثره أحزاب جديدة‪ ،‬إلى جانب‬
‫‪184‬‬
‫الحزب الشيوعي السوفياتي‪.‬‬
‫إن تداعيات اإلصالحات التي دشنها ميخائيل غورباتشوف‬
‫‪ Mikhaïl GORBATCHEV‬داخل االتحاد السوفياتي‪ ،‬سرعان‬
‫ما تجاوزت حدودها السياسية لتخترق مجاالت متعددة في العالم‪،‬‬
‫ومع هذا االختراق دخلت مفردات‪ :‬إعادة البناء‪ ،‬والشفافية‪،‬‬
‫والصراحة‪ ،‬والفاعلية‪ ،‬والمشاركة‪ ...‬القاموس االقتصادي‬
‫والسياسي واالجتماعي لدول العالم عامة‪ ،‬ومن ضمنها المغرب‪،‬‬
‫الذي كان إذاك في قلب برنامج التقويم الهيكلي‪.‬‬
‫ورغم أن المغرب – كما تمت اإلشارة إلى ذلك من قبل –‬
‫كان قد نحا منذ البداية نحو التوجه الليبرالي‪ ،‬وآمن بالتعددية‬

‫‪ -183‬تجلى ذلك في إطالق سراح المنشق السياسي أندريه زاخاروف والسماح له‬
‫بالحديث للتلفزة األمريكية‪.‬‬
‫‪ -184‬منها‪ :‬حزب الديمقراطيين األحرار؛ واتحاد الديمقراطيين الدستوريين؛‬
‫واالتحاد الديمقراطي المسيحي‪ ...‬لمزيد من التفاصيل حول هذه اإلصالحات‬
‫يراجع‪STANKOVIC (Sergey): La perestroïka vue par un :‬‬
‫‪député du peuple, édit. Agence Novosti, Moscou, 1990, p.‬‬
‫…‪27‬؛ والمصطفى اجماهري‪ :‬سياسة اإلصالح الغورباتشوفية وأثرها في‬
‫المؤسسات السياسية السوفياتية‪ ،‬ضمن مجلة دراسات عربية‪ ،‬عدد ‪.1991 ،8- 7‬‬
‫‪96‬‬
‫الحزبية‪ ،‬إال أنه عرف مع ذلك عدة انتكاسات في تحقيق تجربة‬
‫تنموية ناجحة‪ ،‬مما يعني أنه كان مدعوا‪ ،‬حتى يسرع من وتيرة‬
‫اإلصالحات‪ ،‬ألن يتخذ مجموعة من التدابير إلصالح المنظومة‬
‫القانونية‪ ،‬والتي شملت في البداية تأهيل قطاع المقاوالت‬
‫والشركات المحدودة المسؤولية ‪Société à responsabilité‬‬
‫‪ )SARL( limitée‬على وجه الخصوص‪ ،‬قبل أن يتم تعميمها‪،‬‬
‫تدريجيا‪ ،‬على باقي المقاوالت والمؤسسات‪ ،‬ومن ضمنها‬
‫مؤسسات القطاع العمومي‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار تم اتخاذ تدابير عديدة ومتنوعة‪ ،‬وإصدار‬
‫مجموعة من التشريعات والقوانين‪ ،‬منها‪ :‬إحداث المحاكم‬
‫التجارية‪185‬؛ والمحاكم اإلدارية‪186‬؛ وإصدار القانون رقم‬
‫‪ 17.95‬المتعلق بالشركات المجهولة الهوية؛‪ 187‬وغيرها من‬
‫القوانين‪...188‬‬

‫‪ -185‬قانون رقم ‪ 53.95‬المحدث بموجبه محاكم تجارية‪ ،‬صادر بشأنه الظهير‬


‫الشريف رقم ‪ 1.97.65‬بتاريخ ‪ 4‬شوال ‪ 12( 1417‬فبراير ‪ ،)1997‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4482‬بتاريخ ‪ 8‬محرم ‪ 15( 1418‬ماي ‪ ،)1997‬ص‪.‬‬
‫‪.1141‬‬
‫‪ -186‬قانون رقم ‪ 41.90‬المحدث بموجبه محاكم إدارية‪ ،‬صادر بشأنه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.91.225‬بتاريخ ‪ 22‬ربيع األول ‪ 10( 1414‬شتنبر ‪،)1993‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4227‬بتاريخ ‪ 18‬جمادى األولى ‪ 3( 1414‬نوفمبر‬
‫‪ ،)1993‬ص‪.2168 .‬‬
‫‪ -187‬قانون رقم ‪ 17.95‬بشأن الشركات المجهولة الهوية‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.96.124‬بتاريخ ‪ 14‬من ربيع اآلخر ‪30( 1417‬أغسطس‬
‫‪ ،)1996‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4422‬بتاريخ ‪ 4‬جمادى اآلخرة ‪1417‬‬
‫(‪ 17‬أكتوبر ‪ ،)1996‬ص‪.3220 .‬‬
‫‪ -188‬من بينها القوانين المنظمة للبورصة‪ ،‬واألسعار والمنافسة‪ ،‬والمحاسبة‪ ...‬وقد‬
‫قام هشام بلقاضي بجمعها ومناقشتها‪ .‬انظر‪BELKADI (Hicham) :Le :‬‬
‫‪gouvernement d’entreprise au Maroc, op. cit. p. 8.‬‬
‫‪97‬‬
‫وإلى جانب ذلك تم إصدار عدد من القوانين التي شكلت‬
‫مدخال نحو تنزيل قواعد الحكامة الجيدة‪ ،‬ولو أنها لم تتضمن هذا‬
‫اللفظ بالضبط‪ ،‬ومن ذلك مثال‪ :‬القانون رقم ‪ 39.89‬المتعلق‬
‫بتحويل المنشآت العامة إلى القطاع الخاص‪189‬؛ والقانون رقم‬
‫‪ 77.03‬المتعلق باالتصال السمعي البصري‪ ،190‬الذي سمح‬
‫بتحرير المعلومة وتعميمها؛ والقانون رقم ‪ 54.05‬المتعلق‬
‫والمرسوم‬ ‫‪191‬‬
‫العامة؛‬ ‫للمرافق‬ ‫المفوض‬ ‫بالتدبير‬
‫رقم ‪ 2.98.482‬الخاص بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات‬
‫الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها‬
‫وتدبيرها؛‪ 192‬والمرسوم رقم ‪ 2.99.1087‬الخاص‬
‫بالمصادقة على دفتر الشروط اإلدارية العامة المطبقة على‬

‫‪ -189‬قانون رقم ‪ 39.89‬بتحويل المنشآت العامة إلى القطاع الخاص كما تم تغييره‬
‫وتتميمه بمقتضى القانون ‪ ،34.98‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.99.131‬بتاريخ ‪ 26‬من محرم ‪ 13( 1420‬ماي ‪ ،)1999‬صادر بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 4692‬بتاريخ ‪ 4‬صفر ‪ 20( 1420‬ماي ‪ ،)1999‬ص‪.1111 .‬‬
‫‪ -190‬قانون رقم ‪ 77.03‬متعلق باالتصال السمعي البصري‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.04.257‬بتاريخ ‪ 25‬من ذي القعدة ‪ 7( 1425‬يناير‬
‫‪ ،)2005‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5288‬بتاريخ ‪ 23‬ذي الحجة ‪3( 1425‬‬
‫فبراير ‪ ،)2005‬ص‪.404 .‬‬
‫‪ -191‬قانون رقم ‪ 54.05‬بالتدبير المفوض للمرافق العامة‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.06.15‬بتاريخ ‪ 15‬من محرم ‪ 14( 1427‬فبراير ‪،)2006‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5404‬بتاريخ ‪ 15‬صفر ‪ 16( 1427‬مارس‬
‫‪ ،)2006‬ص‪744 .‬؛ أعيد نشره ضمن كتاب‪ :‬المديرية العامة للجماعات المحلية‪،‬‬
‫وزارة الداخلية‪ ،‬منشورات مركز االتصال والنشر‪ ،‬الرباط‪.2009 ،‬‬
‫‪ -192‬مرسوم رقم ‪ 2.98.482‬متعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة‬
‫وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها‪ ،‬صادر بالجريدة الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 4654‬بتاريخ ‪ 19‬رمضان ‪ .)1999/01/07( 1419‬ونشير إلى أن‬
‫هذا المرسوم سيتم نسخه في مناسبتين‪ :‬األولى سنة ‪ 2007‬والثانية سنة ‪،2013‬‬
‫‪98‬‬
‫صفقات األشغال المنجزة لحساب الدولة؛‪ 193‬والقانون رقم‬
‫‪ 69.00‬المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة‬
‫وهيئات أخرى؛‪ 194‬والقانون رقم ‪ 15.97‬بمثابة مدونة تحصيل‬
‫الديون العمومية‪...195‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ظهور المفهوم وانتشاره‬


‫قبل أن تتم دسترة "الحكامة الجيدة" فعال بالمغرب‪ ،‬كان‬
‫المفهوم قد شق له طرقا واسعة االنتشار في مختلف الخطابات‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بحيث أصبح متداوال على‬
‫نطاق يصعب حصره؛ لذلك فإننا سنتوقف هنا فقط عند بعض‬
‫المحطات الكبرى الدالة على هذا االنتشار‪ ،‬من خالل أمثلة تحيل‬
‫عليه‪ ،‬وتؤسس لمرحلة الدسترة الفعلية التي تعتبر تتويجا لهذا‬

‫وسنعود لإلشارة إلى ذلك الحقا؛ لكننا نكتفي هنا باإلشارة إلى صيغته األولى التي‬
‫صدرت سنة ‪ 1999‬ألن موضوع فقرتنا هنا يتوقف عند القوانين التي صدرت قبل‬
‫ظهور مفهوم "الحكامة الجيدة" وتداوله‪ ،‬وسنعيد إثارة الموضوع في حينه (انظر‬
‫الهامش ‪ 204‬الحقا)‪.‬‬
‫‪ -193‬مرسوم رقم ‪ 2.99.1087‬بالمصادقة على دفتر الشروط اإلدارية العامة‬
‫المطبقة على صفقات األشغال المنجزة لحساب الدولة‪ ،‬صادر في ‪ 29‬من محرم‬
‫‪ 4( 1421‬ماي ‪ ،)2000‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4800‬بتاريخ ‪ 28‬صفر‬
‫‪( 1421‬فاتح يونيو ‪ ،)2000‬ص‪.1280 .‬‬
‫‪ -194‬قانون رقم ‪ 69.00‬بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات‬
‫أخرى‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.03.195‬بتاريخ ‪ 16‬من‬
‫رمضان ‪ 11( 1424‬نوفمبر ‪ ،)2003‬صادر بالجريدة رسمية عدد ‪ 5170‬بتاريخ‬
‫‪ 23‬شوال ‪ 18( 1424‬ديسمبر ‪ ،)2003‬ص‪.4240 .‬‬
‫‪ -195‬قانون رقم ‪ 15.97‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.00.175‬بتاريخ ‪ 28‬من محرم ‪ 3( 1421‬ماي‬
‫‪ ،)2000‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4800‬بتاريخ ‪ 28‬صفر ‪( 1421‬فاتح‬
‫يونيو ‪ ،)2000‬ص‪.1256 .‬‬
‫‪99‬‬
‫التدفق‪ ،‬في المعنى ودالالته ومحوريته‪ ،‬التي أصبح يكتسيها في‬
‫التداول اليومي على المستويين‪ :‬النظري والملموس‪.‬‬
‫ورغم أنه من الصعب الجزم بتحديد تاريخ دقيق لظهور‬
‫مفهوم الحكامة بالمغرب‪ ،‬إال أنه يمكن القول بأنه ما إن حل‬
‫"العهد الجديد"‪ 196‬حتى كان المفهوم قد عرف طريقه إلى‬
‫االستعمال والتداول‪ ،‬انطالقا من المبادئ التي حملتها بعض‬
‫النصوص القانونية ‪ -‬سواء لتسيير المؤسسات والهيئات‬
‫العمومية أو لتدبير المؤسسات والمقاوالت الخاصة – والتي‬
‫كانت مقدمة لهذا التداول‪ ،‬قبيل ذلك بسنوات‪.‬‬
‫فقد حملت القوانين التي صدرت في تسعينيات القرن‬
‫الماضي‪ ،‬بخصوص األنشطة المقاوالتية‪» ،‬كثيرا من مالمح‬
‫حكامة المقاوالت بالمغرب‪ ،‬كما دعت الجميع إلى احترام‬
‫معاييرها واالنخراط في تطبيق مبادئها‪ ،‬بما أن حكامة جيدة‬
‫للمقاولة تعني التأسيس لقدرة كبيرة على المنافسة‪ ،‬وتهيئ‬
‫‪197‬‬
‫بالتالي فرصة لتطوير األداء االقتصادي«‪.‬‬
‫وقع ذلك بتزامن مع تقارير عدد من المؤسسات الدولية (منها‬
‫تقرير البنك الدولي ‪ "BM" Banque mondiale‬حول التنمية‬
‫‪" -196‬العهد الجديد"‪ :‬مفهوم شاع تداوله مباشرة بعد وفاة الراحل الحسن الثاني‪،‬‬
‫واعتالء الملك محمد السادس حكم المغرب‪ ،‬سنة ‪1999‬م؛ وقد تزامن ذلك مع بداية‬
‫التداول الفعلي لمفهوم "الحكامة الجيدة"‪ ،‬حيث تتبعنا – على سبيل المثال ‪ -‬أعداد‬
‫مجلة ريمالد‪ ،‬منذ سنة ‪ ،1993‬فوجدنا أن أول مقال حمل عنوانه إشارة للحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬كان باللغة الفرنسية‪ ،‬ضمن العدد رقم ‪ 34‬لسنة ‪2000‬؛ انظر‪:‬‬
‫‪BIROUK (Mohamed): Rationalisation des structures et bonne‬‬
‫‪gouvernance, REMALD, N° 34 (Septembre – Octobre 2000),‬‬
‫‪p. 11 – 30.‬‬
‫‪197 - BELKADI (Hicham): Le gouvernement d’entreprise au‬‬
‫‪Maroc, op. cit., p. 23.‬‬
‫‪100‬‬
‫‪Le‬‬ ‫في المغرب‪ ،‬وتقرير برنامج األمم المتحدة للتنمية‬
‫‪Programme‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪Nations‬‬ ‫‪unies‬‬ ‫‪pour‬‬ ‫‪le‬‬
‫‪ "PNUD" développement‬سنة ‪ )2000‬التي الحظت بأن ما‬
‫بذل من جهود خالل العشرية األخيرة (أي تسعينيات القرن‬
‫الماضي) لم يكن كافيا لتحقيق التنمية المرجوة‪ ،‬ومن ثم دعت‬
‫الدولة المغربية إلى مزيد من العمل‪ ،‬واالنخراط الجدي إلرساء‬
‫وتفعيل إستراتيجية عميقة تهدف أساسا إلى إجراء إصالحات‬
‫بنيوية ‪ -‬خاصة على مستوى البنية التحتية واألداء اإلداري ‪-‬‬
‫تكون موجهة لتدعيم االقتصاد وتطوير آليات التضامن‬
‫االجتماعي‪.198‬‬
‫كما أن المفوضية السامية للتخطيط سلطت الضوء‪ ،‬في أحد‬
‫تقاريرها‪ ،‬على العالقة القوية القائمة بين النمو االقتصادي‬
‫والتنمية البشرية‪L'Indice de Développement Humain‬‬
‫"‪ ،"IDH‬ونصت بالحرف على أن العراقيل الكبرى التي تواجه‬
‫التنمية الحقيقية تتلخص أساسا في التعثر الحاصل في تطبيق‬
‫ميكنزمات (إواليات) الحكامة‪ ،‬وضعف مستوى الرأسمال‬
‫البشري في مجال التعليم والصحة‪ ،199‬على وجه الخصوص‪.‬‬
‫وقبلها كان برنامج األمم المتحدة للتنمية ‪Programme des‬‬
‫‪ )PNUD( Nations Unies pour le Développement‬سنة‬
‫‪ 2003‬قد قام بإعداد تقرير تحت عنوان‪" :‬الحكامة وتسريع‬

‫‪198 - LAGHRISSI (Awatif): Gouvernance au Maroc, op. cit.‬‬


‫‪op. cit., p. 86.‬‬
‫‪199 - Rapport du Haut Commissariat au Plan: Croissance‬‬
‫‪économique et développement humain – éléments pour une‬‬
‫‪planification stratégique 2007-2015, p. 5.‬‬
‫‪101‬‬
‫التنمية البشرية" خلص فيه إلى أن سبب تعثر النمو المغربي ال‬
‫يرجع إلى تغيير السياسات أو البرامج والنصوص‪ ،‬بقدر ما‬
‫يرجع إلى القدرة على التقدم في توجهين حاسمين‪:‬‬
‫األول يرتبط بعالقة المجتمع مع الدولة‪ ،‬المدعوة إلى تسهيل‬
‫مبادرات الخواص والمجتمع المدني‪.‬‬
‫والثاني يعود إلى ضرورة الرفع من الشعور بالمسؤولية لدى‬
‫جميع الفاعلين المتدخلين في مختلف أنواع القرارات‬
‫ومستوياتها‪ ،‬في الدولة والمجتمع‪ ،‬لتقوية الوظائف االستراتيجية‬
‫للتخطيط‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والضبط‪ ،‬والمتابعة‪ ،‬وتقويم السياسات‬
‫العمومية‪.200‬‬
‫وبناء على هذه التوصيات وفي أفق إقرار وتكريس‬
‫الممارسات الجيّدة »قامت "اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت"‪،‬‬
‫في مارس ‪ ،2008‬بإعداد الميثاق المغربي للممارسات الجيّدة‬
‫للحكامة‪ ،‬وكذا الملحقات الخاصة بالمقاوالت المتوسطة‬
‫والصغيرة‪ ،‬من جهة‪ ،‬والمؤسسات البنكية‪ ،‬من جهة أخرى‪،‬‬
‫‪201‬‬
‫على التوالي في دجنبر ‪ 2008‬وأبريل ‪«.2010‬‬
‫وفيما بين التاريخين‪ ،‬أي في يونيو ‪ ،2009‬تم إحداث‬
‫"المعهد المغربي للمدراء" الذي اعتبر رافعة قوية لتدعيم‬

‫– ‪200 - Programme des Nations Unies pour le développement‬‬


‫‪Rapport de développement humain 2003, gouvernance et‬‬
‫‪accélération du développement humain, p. 40.‬‬
‫)‪(http//www.pnud.org‬‬
‫‪ -201‬اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت‪ :‬الميثاق المغربي للممارسات الجيدة‬
‫لحكامة المنشآت والمؤسسات العامة‪ ،‬منشورات مديرية المنشآت العامة‬
‫والخوصصة – وزارة االقتصاد والمالية‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪ ،2012 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.5‬‬
‫‪102‬‬
‫التحسيس بالمسؤولية‪ ،‬ونشر الممارسات الجيّدة لحكامة‬
‫المقاوالت و»تتمثل المهمة األساسية لهذا المعهد في توفير‬
‫إمكانيات واسعة للتكوين في ميدان الحكامة لصالح المدراء‬
‫بهدف تنمية الكفاءات الالزمة لممارسة مهامهم ومساهمتهم‬
‫المهنية النشيطة في المجالس اإلدارية وتحسين حكامة الهيئات‬
‫‪202‬‬
‫المعنية‪«.‬‬
‫وقد جاء كل ذلك ليتماشى مع التصورات اإلستراتيجية‬
‫االقتصادية الجديدة للمغرب‪ ،‬واختياراته المتمثلة في‪:‬‬

‫أوال‪ :‬نهج سياسة االنفتاح‬


‫عن طريق تقديم جرعة قوية لتحرير االقتصاد الوطني‪ ،‬بغية‬
‫تأهيله حتى يصمد أمام شراسة المنافسة الخارجية‪ ،‬خاصة مع‬
‫اكتساح العولمة لألسواق الدولية‪ ،‬وما يتطلبه ذلك من تهيئ بنية‬
‫تحتية على الصعيد المالي والمواصالت واالتصاالت‪...‬‬

‫ثانيا‪ :‬مالءمة النصوص القانونية والتشريعية‬


‫حتى تكون في مستوى المعايير الدولية‪ ،‬وهو ما سمح‬
‫بتسجيل تطورات مهمة على المستوى المؤسساتي والقانوني‬
‫واالقتصادي للمقاولة المغربية‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬ومنشآت القطاع‬
‫العمومي‪ ،‬بصفة خاصة‪ ،‬الشيء الذي مكن المغرب من أن‬
‫يتوفر على إطار حكامة حديث وعصري تمثل – باإلضافة إلى‬

‫‪ -202‬اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت‪ :‬الميثاق المغربي للممارسات الجيدة‪،‬‬


‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6 .‬‬
‫‪103‬‬
‫الترسانة القانونية التي تراكمت منذ أواسط ثمانينيات القرن‬
‫الماضي – في‪:‬‬
‫‪203‬‬
‫مدونة التجارة؛‬
‫ّ‬
‫‪204‬‬
‫قانون شركات المساهمة؛‬
‫‪205‬‬
‫مرسوم متعلق بالصفقات العمومية؛‬
‫قانون األبناك‪ ،‬وفي مقدمته القانون األساسي لبنك‬
‫‪206‬‬
‫المغرب؛‬

‫‪ -203‬قانون رقم ‪ 15.95‬بمثابة مدونة التجارة‪( ،‬صادر بالجريدة الرسمية عدد‬


‫‪ 4418‬بتاريخ ‪ 19‬جمادى األولى ‪ 1417‬بتاريخ ‪ 3‬أكتوبر ‪ .)1996‬وقد تم تعديله‬
‫بموجب القانون ‪( 24.04‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5480‬بتاريخ ‪ 15‬ذو‬
‫القعدة ‪ 7 /1427‬ديسمبر ‪)2006‬؛ ثم بموجب القانون رقم ‪ ،32.10‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.147‬بتاريخ ‪ 16‬من رمضان ‪17( 1432‬‬
‫أغسطس ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5984‬بتاريخ ‪ 8‬ذو القعدة ‪1432‬‬
‫(‪ 6‬أكتوبر ‪ ،)2011‬ص‪.4930 .‬‬
‫‪ -204‬قانون رقم ‪ 17.95‬متعلق بشركات المساهمة‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.96.124‬بتاريخ ‪ 14‬ربيع اآلخر ‪ ،1417‬صادر بالجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 4419‬بتاريخ ‪ 4‬جمادى اآلخرة ‪ 17( 1417‬أكتوبر ‪.)1996‬‬
‫‪ -205‬مرسوم رقم ‪ 2.98.482‬بتاريخ ‪ 11‬رمضان ‪ 30( 1419‬ديسمبر ‪)1998‬‬
‫بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة‬
‫بمراقبتها وتدبيرها‪ ،‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4654‬بتاريخ ‪ 19‬رمضان‬
‫‪ 7( 1419‬يناير ‪)1999‬؛ وقد تم نسخه بناء على المرسوم رقم ‪ ،2.06.388‬صادر‬
‫في ‪ 16‬محرم ‪ 5( 1428‬فبراير ‪ ،)2007‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪5518‬‬
‫بتاريخ فاتح ربيع اآلخر ‪ 19( 1428‬أبريل ‪)2007‬؛ ثم نسخه المرسوم المتعلق‬
‫بالصفقات العمومية رقم ‪ ،2.12.349‬صادر في ‪ 8‬جمادى األولى ‪20( 1434‬‬
‫مارس ‪ ،)2013‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6140‬بتاريخ ‪ 23‬جمادى األولى‬
‫‪ 4( 1434‬أبريل ‪ ،)2013‬ص‪.3023 .‬‬
‫‪ -206‬نشرت األمانة العامة للحكومة بتاريخ ‪ 04‬سبتنبر ‪ 2012‬على موقعها‬
‫االلكتروني مشروع القانون البنكي الجديد‪ .‬وقد عرف المغرب قبل هذا المشروع‬
‫ثالث قوانين بنكية بدأت سنة ‪ 1967‬بإرساء قانون الممارسة البنكية بالمغرب الذي‬
‫عرف أول تعديل مهم سنة ‪1993‬؛ ثم عرف تعديال ثانيا سنة ‪1998‬؛ فتعديال ثالثا‬
‫وهو الجاري به العمل حاليا سنة ‪.)2005‬‬
‫‪104‬‬
‫مدونة الشغل؛‬
‫‪207‬‬

‫‪208‬‬
‫مدونة تحصيل الديون العمومية؛‬
‫مدونة المحاكم المالية وقانون تحديد مسؤولية اآلمرين‬
‫‪209‬‬
‫بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين؛‬
‫‪210‬‬
‫مجلس القيم المنقولة؛‬
‫قانون المراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات‬
‫‪211‬‬
‫أخرى‪...‬‬

‫‪ -207‬قانون رقم ‪ 65.99‬بمثابة مدونة الشغل‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير‬


‫الشريف رقم ‪ 1.03.194‬بتاريخ ‪ 14‬من رجب ‪ 11( 1424‬سبتمبر ‪،)2003‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5167‬بتاريخ ‪ 13‬شوال ‪ 8( 1424‬ديسمبر ‪،)2003‬‬
‫ص‪.3969 .‬‬
‫‪ -208‬قانون رقم ‪ 15.97‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.00.175‬بتاريخ ‪ 28‬من محرم ‪ 3( 1421‬ماي‬
‫‪ ،)2000‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4800‬بتاريخ ‪ 28‬صفر ‪( 1421‬فاتح‬
‫يونيو ‪ ،)2000‬ص‪.1256 .‬‬
‫‪ -209‬قانون رقم ‪ 61.99‬في شأن تحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين‬
‫والمحاسبين العموميين‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.25‬بتاريخ‬
‫‪ 19‬من محرم ‪ 3( 1423‬أبريل ‪ ،)2002‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪4999‬‬
‫بتاريخ ‪ 15‬صفر ‪ 29( 1423‬أبريل ‪ ،)2002‬ص‪.1168 .‬‬
‫‪ -210‬قانون مجلس القيم المنقولة صادر بشأنه ظهير شريف‪ ،‬معتبر بمثابة قانون‪،‬‬
‫رقم ‪ 1.93.212‬في ‪ 4‬ربيع اآلخر ‪ 21( 1414‬سبتمبر ‪ ،)1993‬صادر بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 4223‬بتاريخ ‪ 19‬ربيع اآلخر ‪ 6( 1414‬أكتوبر ‪)1993‬؛ وتم تعديله‬
‫عدّل مرة ثانية‬
‫ونشر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5207‬بتاريخ ‪ 26‬أبريل ‪2004‬؛ و ُ‬
‫وصدر األمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم ‪ 1.07.05‬بتاريخ ‪ 28‬من ربيع‬
‫األول ‪ 17( 1428‬أبريل ‪ ،)2007‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5519‬بتاريخ ‪5‬‬
‫ربيع اآلخر ‪ 23( 1424‬أبريل ‪ ،)2007‬ص‪.1286 .‬‬
‫‪ -211‬قانون رقم ‪ 69.00‬بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات‬
‫أخرى‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.03.195‬بتاريخ ‪ 16‬من‬
‫رمضان ‪ 11( 1424‬نوفمبر ‪ ،)2003‬صادر بالجريدة رسمية عدد ‪ 5170‬بتاريخ‬
‫‪ 23‬شوال ‪ 18( 1424‬ديسمبر ‪ ،)2003‬ص‪.4240 .‬‬
‫‪105‬‬
‫كل ذلك من أجل تقوية الشفافية ودعم دور هيئات الحكامة‬
‫في تسيير المنشآت العامة‪ ،‬التي ميزت بين ثالثة مهام كبرى‪،‬‬
‫متنافية وإن كانت متكاملة‪ ،‬مستوحاة من حكامة المقاوالت‪،‬‬
‫وهي‪» :‬مهمة التوجيه وتمارسها هيئة الحكامة‪ ،‬ومهمة‬
‫التسيير التي تزاولها اإلدارة‪ ،‬ومهمة المراقبة والتقييم التي‬
‫‪212‬‬
‫تؤمنها هيئات المراقبة‪«.‬‬
‫ومع هذه التطورات المتواترة لم يعد غريبا أن نجد مفهوم‬
‫الحكامة‪ ،‬أو الحكامة الجيدة‪ ،‬يتردد في التشريعات الوطنية طيلة‬
‫العشرية التي سبقت عملية الدسترة الفعلية سنة ‪ ،2011‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫المنشور رقم ‪ 13 / 2002‬المتعلق بالقواعد التي يجب‬
‫مراعاتها من قبل ممثلي الدولة في هيئات حكامة المؤسسات‬
‫والمنشآت العمومية؛‬
‫المنشور رقم ‪ 3/ 2005‬المتعلق بتحسين برمجة اجتماعات‬
‫هيئات الحكامة؛‬
‫المنشور رقم ‪ 3/ 2009‬بشأن تواريخ اجتماعات هيئات‬
‫حكامة للمؤسسات والمنشآت العامة لسنة ‪2009‬؛‬
‫المنشور رقم ‪ 12 / 1999‬بشأن منع أطر وموظفي الدولة‬
‫والمؤسسات والمنشآت العامة من االستفادة من تعويضات عن‬
‫الحضور في المجالس اإلدارية للمؤسسات والمنشآت العامة؛‬
‫الميثاق المغربي للممارسات الجيدة لحكامة المقاوالت‬
‫‪2008‬؛‬

‫‪ -212‬اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت‪ :‬الميثاق المغربي للممارسات الجيدة‪،‬‬


‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.7 .‬‬
‫‪106‬‬
‫المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية حول حكامة‬
‫الشركات والمنشآت العامة ‪2005‬؛‬
‫دليل خاص بمهام مراقب الدولة؛‬
‫ميثاق األخالق للمراقب المالي؛‬
‫‪213‬‬
‫دليل الخزنة المكلفين باألداء‪...‬‬
‫فهذه النصوص القانونية‪ ،‬فضال عن الكتابات األكاديمية التي‬
‫بحثت في موضوع الحكامة الجيدة‪ 214،‬دليل واضح على أن‬
‫المفهوم قد عرف انتشارا واسعا في السنوات القليلة التي سبقت‬
‫دسترته الفعلية‪ ،‬مما يعني أن المشرع الدستوري المغربي قد‬
‫انتبه إلى أهميته‪ ،‬وراهن عليه‪ ،‬لتحقيق تنمية سياسية شاملة‪،‬‬
‫تتجاوز مجرد التطبيق في مجال المقاوالت االقتصادية الصرف‪،‬‬
‫وهدف بالتالي إلى سحب مضامين الحكامة الجيدة على‬
‫المؤسسات الدستورية الكبرى المؤثثة للدولة المغربية‪ ،‬وذلك‬
‫للعمل على تقويم نظامها الدستوري‪ ،‬علما بأننا نستعمل هنا كلمة‬
‫"تقويم" بالمعنى األصلي الذي تحيلنا عليه في اللغة العربية‪ ،‬أي‬
‫إصدار الحكم على الشيء‪ ،‬وتقويم اعوجاجه‪.‬‬

‫‪ -213‬وردت هذه المناشير والمواثيق والدالئل ضمن‪ :‬اللجنة الوطنية لحكامة‬


‫المقاوالت‪ :‬الميثاق المغربي للممارسات الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.56 .‬‬
‫‪ -214‬وقد اعتمدنا بعضها ضمن قائمة مراجع هذا البحث‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫خاتمة الفصل األول‬
‫إن بسط الحديث حول النظام الدستوري المغربي‬
‫"الجديد‪/‬التقليداثي"‪ ،‬الذي دشن له دستور فاتح يوليو ‪،2011‬‬
‫يعتبر في رأينا مدخال ضروريا للحديث عن الحكامة الجيدة؛ فقد‬
‫أثرنا في مقدمة هذا البحث إشكالية محورية توجناها بالسؤال‬
‫المركزي التالي‪ :‬كيف يمكن استنبات الحكامة الجيدة في ظل‬
‫نظام دستوري تقليداني؟‬
‫هذا السؤال يقوم على مفارقة كما هو واضح‪ ،‬وكان البحث‬
‫عن جواب له سيصبح من قبيل تربيع الدائرة لو أنه تم الجمع –‬
‫في المتن الدستوري الجديد – بين متناقضي الحكامة‬
‫والتقليدانية؛ حيث ال مجال للحديث عن تطبيقات مفردات‬
‫الحكامة الجيدة من دون أن يكون قد حدث اختراق جدي وحقيقي‬
‫لبنية النظام الدستوري التقليداني‪ ،‬بل كان سيتم اعتبار إدماجها‬
‫(أي الحكامة الجيدة) ضمن الدستور األخير من باب المزايدات‬
‫السياسية ال أكثر‪ ،‬لو أن هذا النظام حافظ على جميع مالمحه‬
‫التقليدانية‪.‬‬
‫أما وأن أرضية النظام الدستوري قد عرفت عدة تغيرات –‬
‫بما فيها اختراق الطابق العلوي للسلطة ‪ -‬رغم أنها توقفت في‬
‫منتصف الطريق بين التقليدانية والحداثة (وهو ما نعتناه‬
‫بـالتقليداثية"‪ ،‬فإن المجال أصبح مفتوحا لمناقشة القضايا‬
‫الديمقراطية األخرى‪ ،‬وفي مقدمتها تنزيل مفردات الحكامة‬

‫‪108‬‬
‫الجيدة‪ ،‬التي تتطلب حدا أدنى من الشروط لتنزيل معاييرها‬
‫ومؤشراتها على مستويي القانون والممارسة‪ :‬فإلى أي حد يمكن‬
‫الحديث عن هذين المستويين في ضوء مالمح النظام الدستوري‬
‫الجديد؟‬
‫الجواب على هذا السؤال ال ينبغي أن يتم خارج استحضار‬
‫سيرورة النظام الدستوري الراهن‪ ،‬والتحوالت الحاصلة عليه؛‬
‫ويحضر معها باالستتباع أن الحكامة الجيدة جاءت لالرتقاء‬
‫بالنظام الدستوري المغربي السابق وتجاوز أعطابه‪ ،‬وعلى‬
‫مؤسسات هذا النظام – وفي مقدمتها السلطات الثالث – أن‬
‫تتعامل مع الدستور الجديد في أفق هذا التصور‪ ،‬أي أن ترتقي‬
‫بالنظام الموصوف بالتقليداني إلى نظام أكثر تطورا‪ ،‬ال أن‬
‫تنزلق بالدستور إلى تأويل تقليداني جاء أصال إلصالحه‪ ،‬وهذا‬
‫ما سنحاول تحليله في الفصل الثاني من هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪109‬‬
110
‫الفصل الثاني‬

‫محورية الحكامة الجيدة‬


‫في النظام الدستوري المغربي‬
‫أصبحت العالقة بين النظام الدستوري المغربي التقليداثي‪،‬‬
‫الذي أسس له دستور ‪ ،2011‬والحكامة الجيدة عالقة جدلية‬
‫ألنها أصبحت ركيزة أساسية من مرتكزاته؛ فمن خاللها راهن‬
‫المشرع الدستوري المغربي على التنزيل السليم للدستور‪،‬‬
‫وبالتالي العبور نحو وضع متقدم في المسار الديمقراطي‪.‬‬
‫فالحكامة عندما تضع معايير ومؤشرات للحكم فإنها ال‬
‫تضعها لمجرد األمر أو النهي‪ ،‬بل هي تهدف من ذلك إلى تحقيق‬
‫نموذج "أجود" من غيره في الحكم‪ ،‬في ظل الشروط التي‬
‫توفرها هذه المعايير والمؤشرات بالذات‪.‬‬
‫وسنحاول في دراستنا لمحورية الحكامة الجيدة في النظام‬
‫الدستوري التقليداثي متابعة‪ ،‬وبيان‪ ،‬محل الحكامة الجيدة من‬
‫المتن الدستوري في سياقها العام‪ ،‬الظرفي والتشريعي (المبحث‬
‫األول)‪ ،‬قبل االنتقال إلى إثبات طبيعة العالقة بينها وبين‬
‫مؤسسات النظام الدستوري المغربي (السلط الثالث) في مبحث‬
‫ثان‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫المبحث األول‪ :‬دسترة الحكامة الجيدة (‪)2011‬‬

‫يعتبر المغرب‪ ،‬فيما نعلم‪ ،‬أول بلد قام بتضمين دستوره مبدأ‬
‫الحكامة الجيدة‪ ،215‬واعتبرها ركيزة من ركائز نظامه‬
‫الدستوري‪ .‬وقد جاءت هذه الدسترة في سياق تاريخي اجتماعي‬
‫حافل بالمتغيرات الوطنية واإلقليمية‪ ،‬جعلت المشرع الدستوري‬
‫يقتنع بضرورة اعتبارها مدخال من مداخل اإلصالح الدستوري‬
‫األساس‪ ،‬لذلك سنعالج هذا المبحث ببسط الموقع الذي تحتله‬
‫الحكامة الجيدة من الهندسة الدستورية‪ ،‬في مطلب أول‪ ،‬فيما‬
‫سينصرف المطلب الثاني لفحص الغاية من دسترة الحكامة‬
‫الجيدة والبحث فيها كدينامية لتفعيل النظام الدستوري المغربي‬
‫والعبور به نحو شكل الديمقراطية التي ينشدها‪.‬‬

‫المطلب األول‪:‬‬
‫موقع الحكامة الجيدة من الهندسة الدستورية‬
‫الحديث عن موقع الحكامة الجيدة من الهندسة الدستورية‬
‫يقتضي تحليلها من خالل مستويين‪ :‬األول من حيث الهيكل‬
‫العام‪ ،‬والثاني من حيث انتظام المضامين؛ لهذا ارتأينا أن نتناول‬
‫هذا المطلب من خالل فرعين‪ :‬األول منهما بمثابة وصف‬
‫مورفولوجي يبحث في السياق والهيكلة‪ ،‬التي انتهت بدسترة‬

‫‪ - 215‬وقد قامت تونس بعد ذلك في دستورها الذي أعقب ثورة الياسمين‪ ،‬لسنة‬
‫‪ 26( 2014‬جانفي)‪ ،‬بإدراج الحكم الرشيد منذ التوطئة‪ ،‬حيث جاء‪" :‬وتأسيسا‬
‫لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي‪ ...‬بواسطة االنتخابات الحرة‪ ...‬والحكم‬
‫الرشيد‪"...‬؛ ثم خصص القسم الخامس من الباب السادس لما سماه‪ :‬هيئة الحوكمة‬
‫الرشيدة ومكافحة الفساد‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫الحكامة الجيدة‪ ،‬مع مقاربة إحصائية للمفهوم كما تبناه دستور‬
‫‪2011‬؛ بينما يبحث الثاني في الكيفية التي انتظمت بها‬
‫مؤسسات وهيئات الحكامة الجيدة ضمن هذا الدستور‪ ،‬لتشكيل‬
‫أرضية النظام الدستوري المغربي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬وصف مورفولوجي‪ :‬السياق والهيكلة‬


‫تقديم السياق الذي أفرز الحكامة الجيدة كركيزة من ركائز‬
‫النظام الدستوري المغربي‪ ،‬يقتضي تقديم السياق العام الذي أدى‬
‫إلى تعديل الدستور نفسه (الفقرة األولى)؛ قبل االنطالق إلتمام‬
‫الصورة الوصفية من خالل مقاربة إحصائية‪ ،‬تهدف إلى إبراز‬
‫مكانة الحكامة الجيدة ضمن دستور ‪ 2011‬دون تدخل الذات في‬
‫الموضوع بالتحليل أو التعليق أو النقد‪ ،‬وهذا سيكون موضوع‬
‫الفقرة الثانية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬سياق دسترة الحكامة من سياق التعديل‬


‫الدستوري‬
‫جاء دستور فاتح يوليو ‪ 2011‬بعد خمسة تجارب سبقته‪ ،‬منذ‬
‫استقالل المغرب إلى اآلن‪ ،‬وهي على التوالي‪ :‬دستور ‪ 7‬دجنبر‬
‫‪ ،1962‬ثم دستور ‪ 24‬يوليوز ‪ ،1970‬فدستور فاتح مارس‬
‫‪ ،1972‬ثم دستور ‪ 4‬سبتمبر ‪ 1992‬المراجع‪ ،‬وأخيرا دستور‬
‫‪ 13‬سبتمبر ‪ 1996‬المراجع كذلك‪.‬‬
‫والواقع أن السياق التاريخي – االجتماعي الذي أفرزه ال‬
‫يمكن عزله عن السياق العام الذي مرت منه البلدان العربية‪ ،‬منذ‬
‫أواسط دجنبر ‪ ،2010‬والذي ما زالت آثاره ممتدة إلى اليوم‪،‬‬

‫‪113‬‬
‫فيما عرف بـ"الربيع العربي"‪ ،‬إشارة إلى الثورات التي عمت‬
‫المنطقة انطالقا من تونس قبل أن تشمل باقي الدول؛ ونجحت‬
‫في اإلطاحة بعدد من أنظمتها‪ ،‬والالئحة ما زالت مفتوحة‪.‬‬
‫فالمغرب إذن لم يكن بمعزل عن مجريات األحداث المحيطة‪،‬‬
‫وقد تبنت االحتجاج فيه حركة ‪ 20‬فبراير‪ 216‬التي قادت الحراك‬
‫االجتماعي‪ ،‬وهي حركة ضمت مختلف أطياف االنتماءات‬
‫السياسية والفكرية واالجتماعية والثقافية والنقابية‪ ...‬التي اتفقت‬
‫جميعا على مطلب اإلصالح السياسي‪ ،‬وبالذات الدستوري‪ ،‬وإن‬
‫اختلفت حدّة ودرجة المطالب من طيف إلى آخر‪.‬‬
‫ويبدو أن النظام المغربي‪ ،‬عبر إنصاته الواقعي لنبض‬
‫الشارع وقراءته الحصيفة لمجريات األحداث في الواقع العربي‪،‬‬
‫قد جنب المغرب الدخول في حالة من الفتنة أو الفوضى أو حتى‬
‫االقتتال‪ ...‬عندما سارع إلى تقديم مجموعة من اإلصالحات‬
‫السياسية واالجتماعية شكل التعديل الدستوري مدخلها الطبيعي‬
‫ومحورها األساس‪.‬‬
‫وككل ورش إصالحي من هذا النوع فقد فتحت حوله‬
‫محطات للمناقشة‪ ،‬بما أن اآلراء قد تباينت واختلفت حول المتن‬
‫الدستوري بعد نشر مسودته‪ ،‬ما بين آراء مؤيدة للمشروع‪ ،‬رأت‬
‫فيه نقلة نوعية كبيرة على طريق الديمقراطية‪ ،‬وأخرى معارضة‬

‫‪ -216‬حركة ‪ 20‬فبراير حركة احتجاجية ظهرت بالمغرب سنة ‪( 2011‬في سياق‬


‫الربيع العربي) واتخذت من تاريخ انطالقها (يوم ‪ 20‬فبراير) اسما لها‪ ،‬ونظريا‬
‫هي غير منتمية سياسيا لفصيل بعينه‪ ،‬بل حركة احتجاجية طالبت بتحقيق مجموعة‬
‫من المطالب اإلصالحية (سياسية؛ اجتماعية؛ اقتصادية‪ )...‬وانخرطت فيها فعاليات‬
‫عديدة من تنظيمات حزبية ونقابية ودينية وثقافية ومجتمع مدني‪ ...‬وقد رد عليها‬
‫النظام من خالل خطاب ‪ 9‬مارس الذي أسس لدستور فاتح يوليو ‪ ،2011‬والذي‬
‫اعتبر مدخال لإلصالحات المفترض تنزيلها لالستجابة لمطالب هذه الحركة‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫لم تر فيه اختالفا يذكر عن سابقيه‪ ،‬وثالثة دعت إلى المقاطعة‬
‫على اعتبار أن الحقل السياسي المغربي يستدعي إصالحا‬
‫جوهريا ال يمر إال عبر الثورة؛ وأمام سجال من هذا النوع كان‬
‫ال بد من االرتهان إلى رأي الشارع للتصويت على المشروع‬
‫الجديد‪.‬‬
‫أجري التصويت‪/‬االستفتاء‪ ،‬حول الدستور‪ ،‬يوم الجمعة ‪28‬‬
‫رجب ‪( 1432‬فاتح يوليوز ‪ )2011‬وكان قد صدر في شأنه‬
‫ظهير شريف‪ ،‬رقم ‪ ،1.11.82‬في ‪ 14‬رجب ‪1432‬هـ (‪17‬‬
‫يونيو ‪2011‬م)‪.217‬‬
‫وقد بلغت نسبة المشاركة في االستفتاء المذكور‪ ،‬حسب‬
‫تقرير وزير الداخلية الذي قدمه يوم ‪:2011/07/02‬‬
‫‪73.46%‬؛ ‪ 98.50%‬منهم صوتوا بنعم للدستور الجديد‪ ،‬الذي‬
‫تكون من تصدير‪ 218،‬و مائة وثمانين فصال تم تبويبها في أربعة‬
‫عشر بابا‪.‬‬
‫أكد التصدير على أن الخيار الديمقراطي ال رجعة فيه‪ ،‬ومن‬
‫ثم جاء مخصصا للحديث عن روافد دولة الحق والقانون التي‬
‫يستمد منها المغرب تجربته؛ فيما خصص الباب األول لألحكام‬
‫العامة‪ ،‬أو المبادئ األساسية (وضم ‪ 18‬فصال)؛ أما الباب الثاني‬
‫(‪ 22‬فصال) فتم تخصيصه للحريات والحقوق األساسية؛ الباب‬

‫‪ -217‬صدر مشروع الدستور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5952‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪14‬‬


‫رجب ‪1432‬هـ (‪ 17‬يونيو ‪2011‬م) ص‪ ،2868 – 2837 .‬وذلك لالستفتاء بشأنه؛‬
‫ثم صدرت النسخة النهائية المعتمدة حاليا بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 5964‬مكرر‪،‬‬
‫صادر في ‪ 28‬شعبان ‪ 1432‬هـ (‪ 30‬يوليو ‪ ،)2011‬وقد تمت اإلحالة عليها في‬
‫مناسبات سابقة‪.‬‬
‫‪ -218‬جاء في نهاية التصدير الدستوري ما نصه‪« :‬يشكل هذا التصدير جزءا ال‬
‫يتجزأ من هذا الدستور‪».‬‬
‫‪115‬‬
‫الثالث (‪ 19‬فصال) تم إفراده للحديث عن الملكية‪ ،‬بينما حمل‬
‫الباب الرابع عنوان‪ :‬السلطة التشريعية (وجاء في ‪ 27‬فصال)؛‬
‫في حين تم تخصيص الباب الخامس (‪ 8‬فصول) للسلطة‬
‫التنفيذية؛ والسادس (‪ 12‬فصال) لعالقات السلط ببعضها‬
‫(وتحديدا عالقة كل من الملك والحكومة بالبرلمان)؛ ثم الباب‬
‫السابع (‪ 22‬فصال) وهو خاص بالسلطة القضائية‪ ،‬ونص منذ‬
‫العنوان على استقالل القضاء؛ والثامن (‪ 6‬فصول) خاص‬
‫بالمحكمة الدستورية؛ والتاسع (‪ 12‬فصال) للجهات والجماعات‬
‫الترابية األخرى؛ أما األبواب الخمسة األخيرة فقد تم تخصيصها‬
‫على التوالي‪ :‬العاشر (‪ 4‬فصول) للمجلس األعلى للحسابات‪،‬‬
‫والحادي عشر (‪ 3‬فصول) للمجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي‪ ،‬والثاني عشر (‪ 18‬فصال) للحكامة الجيدة‪ ،‬والثالث‬
‫عشر (‪ 4‬فصول) لمراجعة الدستور‪ ،‬وأخيرا الباب الرابع عشر‬
‫(‪ 5‬فصول) الذي عني باألحكام االنتقالية والختامية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬‬
‫الحكامة الجيدة في دستور ‪ :2011‬مقاربة إحصائية‬
‫إذا أردنا أن نقوم بمقاربة إحصائية لورود عبارة‬
‫"الحكامة‪/‬الحكامة الجيدة"‪ ،‬في المتن الدستوري‪ ،‬فإننا نجدها‬
‫ترددت في ست (‪ )6‬مناسبات‪ ،‬إضافة للباب الثاني عشر الذي‬
‫تم تخصيصه بالكامل لهذا المبدأ ومؤسساته وهيئاته؛ وهكذا‬
‫وردت اللفظة‪/‬الحكامة مقترنة ب"الجيدة" في أربع مناسبات‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫األولى في التصدير الدستوري‪219‬؛ ومرتين ضمن الباب األول‬
‫المخصص لألحكام العامة (في الفصل األول؛‪ 220‬وفي الفصل‬
‫الثامن عشر‪)221‬؛ ثم مرة رابعة في الفقرة الثانية من الفصل‬
‫‪( 222147‬ضمن الباب العاشر المنظم للمجلس األعلى‬
‫للحسابات)‪.‬‬
‫ووردت الحكامة مقترنة بالمجال األمني في مناسبة‬
‫واحدة‪ 223،‬هي التي أشارت إليها الفقرة األولى من الفصل ‪54‬‬
‫المحدث للمجلس األعلى لألمن؛ كما وردت في مناسبة يتيمة‬
‫أخرى عارية من كل إضافة‪ ،‬في آخر فقرة من الفصل ‪،146‬‬
‫الذي حدد شروط واختصاصات الجهات والجماعات الترابية‬
‫‪224‬‬
‫األخرى‪.‬‬

‫‪« -219‬إن المملكة المغربية‪ ...‬تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات‬
‫دولة حديثة‪ ،‬مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة‪»...‬‬
‫‪ -220‬حيث نقرأ في الفقرة الثانية منه‪« :‬يقوم النظام الدستوري للمملكة على‬
‫أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازنها وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية المواطنة والتشاركية‪،‬‬
‫وعلى مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة‪».‬‬
‫صه‪« :‬تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة‬ ‫‪ -221‬ون ّ‬
‫للمغاربة المقيمين في الخارج‪ ،‬في المؤسسات االستشارية‪ ،‬وهيئات الحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬التي يحدثها الدستور أو القانون‪».‬‬
‫‪« -222‬يمارس المجلس األعلى للحسابات مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم‬
‫الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة‪ ،‬بالنسبة للدولة واألجهزة العمومية‪».‬‬
‫‪ -223‬تقول الفقرة األولى من الفصل ‪ ،54‬ما يلي‪« :‬يحدث مجلس أعلى لألمن‪،‬‬
‫بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات األمن الداخلي والخارجي للبالد‪ ،‬وتدبير‬
‫حاالت األزمات‪ ،‬والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة األمنية الجيدة‪».‬‬
‫‪ -224‬حيث جاء في هذه الفقرة‪« :‬قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ‬
‫التدبير الحر‪ ،‬وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم األعمال وإجراءات‬
‫المحاسبة‪».‬‬
‫‪117‬‬
‫وأخيرا وجب التنبيه إلى الصيغة التي وردت بها الحكامة‬
‫مضمرة في الفصل ‪ ،179‬من الباب األخير (الرابع عشر) من‬
‫الدستور‪ ،‬حيث لم تتم إثارتها لفظا‪ ،‬لكنها تفهم من خالل السياق‪،‬‬
‫‪225‬‬
‫وذلك ألن هذا الفصل أحال على الباب الثاني عشر‪،‬‬
‫ومعروف بأن الباب الثاني عشر قد تم تخصيصه بالكامل لمبادئ‬
‫وهيئات الحكامة الجيدة‪ ،‬من خالل توزيعه إلى أربعة محاور‬
‫كبرى‪:‬‬
‫المحور األول‪ :‬وشمل سبعة فصول‪ ،‬من الفصل ‪ 154‬إلى‬
‫‪226‬‬
‫الفصل ‪ ،160‬تحت عنوان‪" :‬مبادئ عامة"‪.‬‬

‫‪ -225‬جاء في الفصل ‪ 179‬ما نصه‪« :‬تظل النصوص المتعلقة بالمؤسسات‬


‫والهيئات المذكورة في الباب الثاني عشر من هذا الدستور‪ ...‬سارية المفعول إلى‬
‫حين تعويضها‪»...‬‬
‫‪ -226‬الفصل‪« :154‬يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين‬
‫المواطنات والمواطنين في الولوج إليها‪ ،‬واإلنصاف في تغطية التراب الوطني‪،‬‬
‫واالستمرارية في أداء الخدمات‪.‬‬
‫تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية‪،‬‬
‫وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور‪».‬‬
‫الفصل‪« :155‬يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم‪ ،‬وفقا لمبادئ احترام‬
‫القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة‪».‬‬
‫الفصل‪« :156‬تتلقى المرافق العمومية مالحظات مرتفقيها‪ ،‬واقتراحاتهم‬
‫وتظلماتهم‪ ،‬وتؤمن تتبعها‪.‬‬
‫تقدم المرافق العمومية الحساب عن تدبيرها لألموال العمومية‪ ،‬طبقا للقوانين‬
‫الجاري بها العمل‪ ،‬وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم‪».‬‬
‫الفصل‪« :157‬يحدد ميثاق للمرافق العمومية قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة‬
‫بتسيير اإلدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية واألجهزة العمومية‪».‬‬
‫الفصل‪« :158‬يجب على كل شخص‪ ،‬منتخبا كان أو معينا‪ ،‬يمارس مسؤولية‬
‫عمومية‪ ،‬أن يقدم‪ ،‬طبقا للكيفيات المحددة في القانون‪ ،‬تصريحا كتابيا بالممتلكات‬
‫واألصول التي في حيازته‪ ،‬بصفة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬بمجرد تسلمه‬
‫لمهامه‪ ،‬وخالل ممارستها وعند انتهائها‪».‬‬
‫‪118‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬غطى الفصول الممتدة بين ‪ 161‬و‪( 164‬أي‬
‫أربعة فصول)‪ 227‬وجاء عنوانه كالتالي‪" :‬مؤسسات وهيئات‬
‫حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية‬

‫الفصل‪« :159‬تكون ال هيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة; وتستفيد من دعم‬


‫أجهزة الدولة؛ ويمكن للقانون أن يُحدث عند الضرورة‪ ،‬هيئات أخرى للضبط‬
‫والحكامة الجيدة‪».‬‬
‫الفصل‪« :160‬على المؤسسات والهيئات المشار إليها في الفصل ‪ 161‬إلى‬
‫الفصل‪ 170‬من هذا الدستور تقديم تقرير عن أعمالها‪ ،‬مرة واحدة في السنة على‬
‫األقل‪ ،‬الذي يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية‬
‫والمستدامة والديمقراطية التشاركية‪.‬‬
‫‪ -‬هيئات حماية حقوق اإلنسان والنهوض بها‪».‬‬
‫‪ -227‬الفصل‪« :161‬المجلس الوطني لحقوق اإلنسان مؤسسة وطنية تعددية‬
‫ومستقلة‪ ،‬تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق اإلنسان والحريات‬
‫وحمايتها‪ ،‬وبضمان ممارستها الكاملة‪ ،‬والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق‬
‫وحريات المواطنات والمواطنين‪ ،‬أفرادا وجماعات‪ ،‬وذلك في نطاق الحرص التام‬
‫على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال‪».‬‬
‫الفصل‪« :162‬الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة‪ ،‬مهمتها الدفاع عن‬
‫الحقوق في نطاق العالقات بين اإلدارة والمرتفقين‪ ،‬واإلسهام في ترسيخ سيادة‬
‫القانون‪ ،‬وإشاعة مبادئ العدل واإلنصاف‪ ،‬وقيم التخليق والشفافية في تدبير‬
‫اإلدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس‬
‫صالحيات السلطة العمومية‪».‬‬
‫الفصل‪« :163‬يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج‪ ،‬على الخصوص‪ ،‬إبداء‬
‫آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج‬
‫من تأمين الحفاظ على عالقات متينة مع هويتهم المغربية‪ ،‬وضمان حقوقهم‬
‫وصيانة مصالحهم‪ ،‬وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم‬
‫المغرب وتقدمه‪».‬‬
‫الفصل‪« :164‬تسهر الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز‪،‬‬
‫المحدثة بموجب الفصل ‪ 19‬أعاله من هذا الدستور‪ ،‬بصفة خاصة‪ ،‬على احترام‬
‫الحقوق والحريات المنصوص عليها في نفس الفصل المذكور‪ ،‬مع مراعاة‬
‫االختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪».‬‬
‫‪119‬‬
‫والمستدامة والديمقراطية التشاركية وهيئات حماية حقوق‬
‫اإلنسان والنهوض بها"‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬لم تتعد فصوله الثالث (من ‪ 165‬إلى‬
‫‪ ،228)167‬وقد تمت عنونتها بـ‪" :‬هيئات الحكامة الجيدة‬
‫والتقنين"‪.‬‬
‫أخيرا المحور الرابع‪ :‬بعنوان "هيئات النهوض بالتنمية‬
‫البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية"‪ ،‬وشمل الفصول‬
‫من ‪ 168‬إلى ‪.229171‬‬

‫‪ -228‬الفصل‪« :165‬تتولى الهيئة العليا لالتصال السمعي البصري السهر على‬


‫احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر‪ ،‬والحق في المعلومة في الميدان‬
‫السمعي البصري‪ ،‬وذلك في إطار احترام القيم الحضارية األساسية وقوانين‬
‫المملكة‪».‬‬
‫الفصل‪« :166‬مجلس المنافسة هيئة مستقلة‪ ،‬مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة‬
‫ومشروعة بضمان الشفافية واإلنصاف في العالقات االقتصادية‪ ،‬خاصة من خالل‬
‫تحليل وضبط وضعية المنافسة في األسواق‪ ،‬ومراقبة الممارسات المنافية لها‬
‫والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز االقتصادي واالحتكار‪».‬‬
‫الفصل‪« :167‬تتولى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها‪،‬‬
‫على الخصوص‪ ،‬مهام المبادرة والتنسيق واإلشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات‬
‫محاربة الفساد‪ ،‬وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال‪ ،‬والمساهمة في تخليق‬
‫الحياة العامة‪ ،‬وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وثقافة المرفق العام‪ ،‬وقيم‬
‫المواطنة المسؤولة‪».‬‬
‫‪ -229‬الفصل‪« :168‬يُحدث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪.‬‬
‫المجلس هيئة استشارية‪ ،‬مهمتها إبداء اآلراء حول كل السياسات العمومية‪،‬‬
‫والقضايا الوطنية التي تهم التعليم والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬وكذا حول أهداف‬
‫المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وتسييرها‪ .‬كما يساهم في تقييم‬
‫السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال‪».‬‬
‫الفصل‪« :169‬يتولى المجلس االستشاري لألسرة والطفولة‪ ،‬المحدث بموجب‬
‫الفصل ‪ 32‬من هذا الدستور‪ ،‬مهمة تأمين تتبع وضعية األسرة والطفولة‪ ،‬وإبداء‬
‫آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين‪ ،‬وتنشيط النقاش العمومي‬
‫حول السياسة العمومية في مجال األسرة‪ ،‬وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية‪،‬‬
‫المقدمة من قبل مختلف القطاعات‪ ،‬والهياكل واألجهزة المختصة‪».‬‬
‫‪120‬‬
‫هذه المحاور األربعة الكبرى هي التي تناولت أهم المؤسسات‬
‫والهيئات المعنية بالحكامة‪ ،‬ضمن الباب الثاني عشر‪ ،‬لكن هناك‬
‫مؤسسات وهيئات أخرى تطرق إليها المتن الدستوري من خارج‬
‫هذا الباب‪ ،‬فكيف يمكن تبويبها حتى تنتظم فعال ضمن بنية‬
‫النظام الدستوري المغربي؟‬
‫سؤال نحاول اإلجابة عنه من خالل الفرع الموالي من هذا‬
‫المطلب‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬انتظام مؤسسات‬


‫وهيئات الحكامة الجيدة ضمن المتن الدستوري‬
‫لمناقشة كيفية انتظام مؤسسات وهيئات الحكامة الجيدة ضمن‬
‫دستور ‪ 2011‬نقترح مدخال يمر عبر فقرتين؛ تركز األولى‬
‫منهما على عرض الطرح الفقهي المتداول في الموضوع‬
‫ومناقشته‪ ،‬أما الثانية فتنصرف إلى اقتراح نموذج بديل يحاول‬
‫تجاوز بعض الثغرات التي برزت أثناء مناقشة الطرح المتداول‬
‫حاليا‪.‬‬

‫الفصل‪« :170‬يعتبر المجلس االستشاري للشباب والعمل الجمعوي‪ ،‬المحدث‬


‫بموجب الفصل ‪ 33‬من هذا الدستور‪ ،‬هيئة استشارية في ميادين حماية الشباب‬
‫والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية‪ .‬وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم‬
‫هذه الميادين‪ ،‬وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي‪،‬‬
‫يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي‪ ،‬وتنمية طاقاتهم‬
‫اإلبداعية‪ ،‬وتحفيزهم على االنخراط في الحياة الوطنية‪ ،‬بروح المواطنة‬
‫المسؤولة‪».‬‬
‫الفصل‪« :171‬يحدد بقوانين تأليف وصالحيات وتنظيم وقواعد تسيير المؤسسات‬
‫والهيئات المنصوص عليها في الفصول ‪ 160‬إلى ‪ 170‬من هذا الدستور‪ ،‬وكذا‬
‫حاالت التنافي عند االقتضاء‪».‬‬
‫‪121‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الطرح الفقهي المتداول ومناقشته‬

‫أوال‪ :‬الطرح الفقهي‬


‫في موضوعه "مؤسسات الحكامة الجيدة في ضوء الدستور‬
‫الجديد للمملكة المغربية"‪ ،230‬اختار كريم لحرش أن يقسم هذه‬
‫المؤسسات بناء على استخدام مفهوم درج تداوله في الدراسات‬
‫الدستورية وهو‪" :‬التحديد الدستوري الضيق" و"التحديد‬
‫الدستوري الواسع"‪ ،‬مقدما لذلك باقتراح تعريف لهذه الهيئات‪.‬‬
‫ففي مدلول هيئات الحكامة الجيدة انتهى لحرش في تعريفها‬
‫إلى القول‪« :‬إذا كانت الهيئات الوطنية المستقلة تحيل على‬
‫الهيئات اإلدارية المستقلة ذات شخصية معنوية‪ ،‬التي تدير‬
‫مرفقا عموميا ما‪ ،‬نيابة عن الدولة وباسمها‪ ،‬وتحظى باستقالل‬
‫إداري ومالي عن السلطتين التشريعية والتنفيذية مع أحقية‬
‫الترافع أمام القضاء‪ ...‬فإن المشرع المغربي أسند للبعض من‬
‫هذه الهيئات صالحيات هامة ومتعددة‪ ،‬تمنحها مصداقية أمام‬
‫كل من الحكومة والبرلمان‪ ،‬أهمها اعتبارها سلطة ضبطية‬
‫منظمة للقطاع الحيوي‪ ،‬أو سلطة ترخيصية تجيز للفاعلين‬
‫االستفادة من القطاع‪ ،‬أو سلطة تحكيمية فيما بين المرتفقين‪،‬‬

‫‪ -230‬وهو الموضوع الذي نشر ضمن مؤلف جماعي بعنوان‪ :‬الحكامة الجيدة‬
‫بالمغرب‪ ،‬سلسلة الالمركزية واإلدارة الترابية‪ ،‬رقم ‪ ،20‬توزيع مكتبة الرشاد‪،‬‬
‫سطات‪ ،2013 ،‬ص‪.56 - 7 .‬‬
‫‪122‬‬
‫أو سلطة زجرية عقابية تحصينا للقوانين المنظمة للقطاع أو‬
‫‪231‬‬
‫المجال الذي تشتغل فيه‪».‬‬
‫وبما أن هذه الهيئات جاءت متفرقة على فصول المتن‬
‫الدستوري فقد جاز‪ ،‬حسب رأيه‪ ،‬تقسيمها وفق معيار التحديدين‪:‬‬
‫الضيق والواسع‪.‬‬
‫فأما "التحديد الدستوري الضيق" فقد أدرج فيه كل المؤسسات‬
‫والهيئات – المعنية بالحكامة – التي وردت داخل الباب الثاني‬
‫عشر‪ ،‬من الدستور‪.232‬‬
‫بينما أدرج ضمن "التحديد الدستوري الواسع" كل ما ورد‬
‫‪233‬‬
‫خارج هذا الباب من هيئات ومؤسسات‪.‬‬
‫أيضا وسع لحرش من مضمون "مؤسسات وهيئات الحكامة‬
‫الجيدة" حيث أصبح باإلمكان مثال اعتبار "المجلس العلمي‬
‫األعلى" و"المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية" من ضمن‬
‫هذه المؤسسات‪ ،‬وبناء عليه أصبح من الجائز الحديث عما سماه‬

‫‪ -231‬كريم لحرش‪ :‬مؤسسات الحكامة الجيدة في ضوء الدستور الجديد‪ ،‬مرجع‬


‫سابق‪ ،‬ص‪.11 .‬‬
‫‪ -232‬أفرد لها كريم لحرش ‪ 17‬صفحة عرض فيها بتفصيل لعشر هيئات‪ ،‬هي‬
‫المذكورة في الباب ‪ 12‬من الدستور‪ ،‬وحتى ال نعيد هنا ما ذكره فإننا نكتفي‬
‫باإلحالة على المرجع السابق ذكره (مؤسسات الحكامة الجيدة‪ ،)...‬ص‪.27 – 11 .‬‬
‫‪ -233‬لمراجعة ما كتبه كريم لحرش بخصوص الهيئات التي صنفها ضمن التحديد‬
‫الواسع يُنظر‪ :‬مؤسسات الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،53 – 28 .‬وهي في‬
‫رأيه هيئات ثمانية‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫«حكامة الشأن الديني بالمغرب»‪234‬؛ وحكامة «المسألة‬
‫اللغوية التي تستمد قوتها وشرعيتها من بعدها الثقافي»‪!235‬؟‬

‫‪ -234‬كريم لحرش‪ :‬مؤسسات الحكامة الجيدة في ضوء الدستور الجديد‪ ،‬مرجع‬


‫سابق‪ ،‬ص‪.29 .‬‬
‫‪ -235‬كريم لحرش‪ :‬مؤسسات الحكامة الجيدة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.52 .‬‬

‫‪124‬‬
‫ثانيا‪ :‬مناقشة هذا الطرح وتقويمه‬
‫‪ –1‬في مدلول "التحديد الدستوري الواسع"‬
‫فهم لحرش بأن المقصود بـ"التحديد الدستوري الواسع" فقط‬
‫ما يوجد خارج الباب الثاني عشر من الدستور‪ ،‬والحال أن‬
‫التحديد الواسع وجب أن يستوعب جميع المؤسسات والهيئات‬
‫المعنية بالحكامة الجيدة‪ ،‬سواء تلك التي وردت داخل الباب‬
‫الثاني عشر أو تلك التي وردت خارجه‪.‬‬
‫فورود هذه المؤسسة‪ ،‬أو الهيئة‪ ،‬داخل الباب الثاني عشر‪ ،‬ال‬
‫يضيف لها‪ ،‬أو ينقص منها‪ ،‬أي ميزة أو قيمة عن مؤسسة أو‬
‫هيئة أخرى‪ ،‬وردت خارجه؛ فكلها هيئات ُمدسترة في النهاية‪،‬‬
‫والمشرع إن كان يريد أن يميز إحداها عن األخرى فإنه‬
‫سيميزها من خالل اختصاصاتها وصالحياتها‪ ،‬وليس من حيث‬
‫تبويبها داخل المتن الدستوري‪.‬‬
‫أيضا لم ينتبه لحرش إلى أن هيئات الحكامة الجيدة‪،‬‬
‫المنصوص عليها في دستور ‪ ،2011‬هي ليست فقط تلك التي‬
‫ذكرت بالحرف ضمن فصول هذا الدستور؛ بما أن فصوال‬
‫أخرى منه أشارت إلى إمكانية إحداث هيئات أخرى بموجب‬
‫قوانين‪236‬؛ وبالتالي فإن الباب يبقى مفتوحا أمام "القانون"‬

‫صه‪« :‬تعمل السلطات العمومية على‬‫‪ -236‬جاء في الفصل ‪ ،18‬من الدستور‪ ،‬ما ن ّ‬
‫ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج‪ ،‬في المؤسسات‬
‫االستشارية‪ ،‬وهيئات الحكامة الجيدة‪ ،‬التي يحدثها الدستور أو القانون‪ ».‬وجاء‬
‫في الفصل ‪ 159‬ما يلي‪« :‬تكون الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة؛‬
‫وتستفيد من دعم أجهزة الدولة؛ ويمكن للقانون أن يُحدث عند الضرورة‪ ،‬هيئات‬
‫أخرى للضبط والحكامة الجيدة‪».‬‬

‫‪125‬‬
‫إلحداث هيئات تعنى بالحكامة‪ ،‬متى رأى المشرع ضرورة‬
‫لذلك‪ ،‬بما أن الدستور لم يضع على ذلك أي قيد‪.‬‬
‫عند لحرش إن "التحديد الواسع" هو ما خرج عن الباب‬
‫الثاني عشر فقط‪ ،‬وهو بهذا يكون قد أقصى المؤسسات‬
‫الدستورية الكبرى‪ ،‬بما أن الحديث يمكن أن يجري عن "حكامة‬
‫برلمانية" أو "حكامة قضائية" الخ‪ .‬فهذه المؤسسات يمكنها أن‬
‫تنضبط لقواعد الحكامة الجيدة من خالل آليات يمكنها أن‬
‫تحدثها‪ ،‬هي نفسها‪ ،‬لتنظيم عملها الخاص‪ ،‬أو حتى من خالل‬
‫آليات أو هيئات تتقاطع فيما بينها من حيث االختصاص‪.‬‬
‫كما أنه‪ ،‬في اعتقادنا‪ ،‬وفي إطار التحديد الواسع دائما‪ ،‬ال‬
‫يجب أن نتحدث عن الهيئات والمؤسسات وترتيبها فقط كما‬
‫جاءت في الدستور‪ ،‬بل يجب أن يتم ربطها بالمؤسسات‬
‫الدستورية التي تنتمي إليها‪ ،‬أو التي يمكن أن تؤثر فيها من حيث‬
‫طبيعة اشتغالها‪ ،‬بما أننا نتحدث عن نظام دستوري‪ ،‬وهكذا‬
‫فالحديث عن "المحكمة الدستورية" أو "المجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية"‪ ،‬مثال‪ ،‬ال يجب أن ينظر إليه فقط من خالل ترتيب‬
‫وروده في النص الدستوري‪ ،‬بل يجب أن يرتبط ارتباطا عضويا‬
‫بالحديث عن السلطة القضائية‪ ،‬وبالتالي الحكامة القضائية‪،‬‬
‫بالدرجة األولى‪.‬‬
‫‪ –2‬في مدلول "الهيئات الدستورية" المعنية بالحكامة الجيدة‬
‫بمناقشة التعريف الذي ذكره كريم لحرش‪ ،‬ومطابقته مع‬
‫نصوص الدستور‪ ،‬نجد أنه قد أقصى تماما مفهوم "المؤسسات"‬
‫من هذا التعريف‪ ،‬واكتفى بتعريف "الهيئات"؛ ومعلوم أن دستور‬
‫‪ 2011‬لم يأت فقط لمقاربة الهيئات الوطنية العمومية في ضوء‬

‫‪126‬‬
‫الحكامة الجيدة‪ ،‬بل تكلم أيضا عن بعض المؤسسات (مؤسسة‬
‫الوسيط مثال)‪ ،‬بل هناك مؤسسات غيرها ال يمكن إدراجها حتى‬
‫ضمن مفهوم النظام الدستوري ألنها تندرج ضمن مجال أوسع‬
‫منه‪ ،‬رغم أنه يتقاطع معه‪ ،‬ويتعلق األمر هنا بـ "األحزاب‬
‫السياسية" و"التنظيمات النقابية" وغيرها‪ ...‬مما يفترض أنه‬
‫ينضبط لقواعد الحكامة الجيدة‪ ،‬لكنه يندرج ضمن "النظام‬
‫السياسي" ككل‪.‬‬
‫لذلك فإننا ال نفهم كيف أغفل الباحث تماما إدراج مفهوم‬
‫"المؤسسات" في تعريفه؟ كما ال نفهم لماذا أقحم "المجلس‬
‫العلمي األعلى" ضمن ما سماه "حكامة الشأن الديني"؟ والحال‬
‫أن هذا المجلس‪ ،‬إن كان معنيا بالحكامة من خالل التدبير الرشيد‬
‫له بما هو مرفق عمومي‪ ،‬فإن ذلك ال يسمح لنا بتعميم القول‬
‫لتنسحب الحكامة الجيدة على الشأن الديني كممارسة حياتية‬
‫تختلط‪ ،‬وتتداخل‪ ،‬فيها الطقوس العقدية مع المذهبية مع‬
‫الطرقية‪...‬‬
‫فسحب مفهوم "الحكامة الجيدة" على الشأن الديني بإطالق –‬
‫انطالقا من مجرد التنصيص دستوريا على "المجلس العلمي‬
‫األعلى" – يبدو لنا مبالغا فيه‪ ،‬ذلك أن الحديث عن حكامة في‬
‫هذا المستوى يمكن أن يشمل هذا المجلس‪ ،‬كما يمكن أن يشمل‬
‫إدارات أخرى تعمل على تدبير بعض المرافق‪ ،‬أو األمالك‪،‬‬
‫الدينية مثل "النظارات" أو "مندوبيات الشؤون اإلسالمية" أو‬
‫غيرها‪ ...‬بما هي جزء من "وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية"‪ ،‬أي باعتبارها جزءا من السلطة التنفيذية‪ ،‬وليس‬

‫‪127‬‬
‫باعتبار الجانب الديني‪ ،‬الروحي العقدي‪ ،‬في أبعاده المركبة‬
‫والمعقدة‪.‬‬
‫فهذه الهيئات إن كان بإمكانها أن تنظم الجانب المادي‪ ،‬أو‬
‫الملموس‪ ،‬من الحقل الديني اإلسالمي (من حيث التدبير اليومي‬
‫للمرافق المعنية بتسييرها) فإنها ال تنظم‪ ،‬وال يمكنها أن تنظم‪،‬‬
‫الشأن الديني كله‪.‬‬
‫فضال عن ذلك فإن القول "بحكامة الشأن الديني" على إطالقه‬
‫قد يفهم منه أنه ينسحب حتى على الديانات األخرى‪ ،‬غير‬
‫اإلسالمية‪ ،‬التي قد يدين بها بعض المغاربة‪ ،‬بما أن الفصل ‪3‬‬
‫من الدستور قد نص على أن «اإلسالم دين الدولة‪ ،‬والدولة‬
‫تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية»؛ والحال أن‬
‫المجلس العلمي األعلى‪ ،‬بالصيغة التي جاء بها دستوريا‪ ،‬ال‬
‫يمكنه أن ينظم إال ما هو متعلق بالدين اإلسالمي‪ ،‬وبالطريقة‬
‫التي بيناها أعاله‪ ،‬أي ضمن ما هو مادي أو ملموس‪.‬‬
‫وما ينسحب على "المجلس العلمي األعلى" يمكن أن ينسحب‬
‫أيضا على "المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية"‪ ،‬حيث إن‬
‫إخضاعه لتطبيقات معايير ومؤشرات الحكامة الجيدة يبدو‬
‫صعب التحقق‪ ،‬بما أن األمر يرتبط بمجاالت غير ملموسة‪ ،‬اللهم‬
‫إال في الشق اإلداري أو المادي المحسوس‪.‬‬
‫والواقع أنه بإمكان دارس المتن الدستوري أن يالحظ بأن‬
‫الصيغة التي وردت بها المجالس‪ ،‬المعنية بالحكامة الجيدة في‬
‫دستور ‪ ،2011‬صيغة موسعة‪ ،‬إذ غطت في معظمها عددا من‬

‫‪128‬‬
‫الفصول‪ ،‬وبعضها غطى بابا بكامله‪ ،237‬يستثنى من ذلك‬
‫المجلس األمني الذي تطرق له فصل واحد‪ ،‬لكنه تكون من عدة‬
‫فقرات محددة وواضحة؛ بينما نالحظ بالنسبة للمجلس العلمي‬
‫األعلى‪ 238‬والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية‪ ،239‬أنهما‬
‫وردا بشكل مقتضب في فقرة أو فقرتين؟‬
‫لذلك نرى أنه ال يكفي تنصيص الدستور على هيئة ما حتى‬
‫نعتبرها معنية بصورة مباشرة بالحكامة الجيدة‪ ،‬بل ال بد من‬
‫آلية‪ ،‬دقيقة وواضحة‪ ،‬تمكن من ربطها فعال بمبادئ ومعايير‬
‫الحكامة‪ ...‬إذ يمكن للناظر هنا أن يسأل‪ :‬كيف يمكن إخضاع‬
‫الشأن الديني أو المسألة الثقافية‪ ،‬بما هما ممارسة يومية‪ ،‬لمعايير‬
‫من مثل‪ :‬الفعالية أو النجاعة أو الشفافية أو المناصفة‪...‬؟!‬
‫ولحرش نفسه‪ ،‬الذي اقترح علينا "حكامة دينية" و"حكامة‬
‫ثقافية"‪ ،‬لم يجبنا كيف يمكن أن نطبق معايير ومؤشرات الحكامة‬
‫الجيدة على هذين الحقلين‪ ،‬واكتفى بذكر مجال اشتغال‬

‫‪ -237‬والحديث هنا ينسحب على الباب ‪ 12‬فضال عن باقي الهيئات والمؤسسات‬


‫األخرى المعنية بالحكامة الجيدة‪ ،‬باستثناء المجلس العلمي األعلى والمجلس‬
‫الوطني للغات والثقافة المغربية اللذان وردا بالصيغة التي ذكرنا‪.‬‬
‫‪ -238‬جاء في الفصل ‪ ...« :41‬يرأس الملك‪ ،‬أمير المؤمنين‪ ،‬المجلس العلمي‬
‫األعلى‪ ،‬الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه‪.‬‬
‫ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة إلصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا‪ ،‬في‬
‫شأن المسائل المحالة عليه‪ ،‬استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين اإلسالمي الحنيف‪،‬‬
‫ومقاصده السمحة‪.‬‬
‫تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير‪».‬‬
‫‪ -239‬نقرأ في الفصل ‪ ،5‬الفقرة األخيرة‪« :‬يُحدث مجلس وطني للغات والثقافة‬
‫المغربية‪ ،‬مهمته‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬حماية وتنمية اللغتين العربية‬
‫واألمازيغية‪ ،‬ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيال وإبداعا‬
‫معاصرا‪ .‬ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجاالت‪ .‬ويحدد قانون تنظيمي‬
‫صالحياته وتركيبته وكيفيات سيره‪».‬‬
‫‪129‬‬
‫واختصاص كل مجلس من المجلسين المعنيين‪ ،‬معيدا عبارات‬
‫الدستور بأسلوب آخر ال غير‪ ،‬وعندما حاول ربطهما بالحكامة‬
‫الجيدة اكتفى بعبارات فضفاضة‪ ،‬قيمية‪ ،‬ال يمكن أجرأتها بشكل‬
‫مباشر؛ فقال مثال عن "الحكامة الدينية"‪« :‬إن إحداث المجلس‬
‫العلمي األعلى كمؤسسة دستورية دينية يندرج في إطار عقلنة‬
‫الحقل الديني بالمغرب‪ ،‬والتي تهدف إلى ضمان األمن الروحي‬
‫للمغاربة‪ ،‬وحراسة الثوابت الدينية لألمة المغربية والمتمثلة‬
‫في‪ :‬العقيدة األشعرية‪ ،‬والمذهب المالكي‪ ...‬كما يندرج في إطار‬
‫حكامة الشأن الديني بالمغرب‪ ،‬لكونه يرتبط بحماية الثوابت‬
‫الدينية لألمة المغربية‪ ،‬أي أن دوره ال يجب أن ينحصر في‬
‫حراسة الحرية الدينية للمسلمين المغاربة‪ ،‬بل يجب أن يمتد‬
‫كذلك إلى التصدي لكل ما من شأنه المس بحرية من هو غير‬
‫‪240‬‬
‫مسلم في ممارسة شعائره الدينية‪»...‬‬
‫وقال عن "حكامة المسألة اللغوية والثقافية"‪« :‬إن إحداث‬
‫المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية سيوفر للمغرب‬
‫الثقافي باب األمل والثقة‪ ،‬من منطلق دسترة اللغة األمازيغية‬
‫وترسيمها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء‪ ،‬آخذا‬
‫بعين االعتبار الوضع االعتباري للغة العربية ودواعي حمايتها‬
‫وتطويرها‪ ...‬وهي قضية تستمد قوتها وشرعيتها‪ ...‬من كونها‬
‫تتصل جوهريا بمقومات الدولة الديمقراطية الحديثة على‬
‫‪241‬‬
‫مستوى التعددية والتنوع والمشاركة والحكامة الجيدة‪»...‬‬

‫‪ -240‬كريم لحرش‪ :‬مؤسسات الحكامة الجيدة في ضوء الدستور الجديد‪ ،‬مرجع‬


‫سابق‪ ،‬ص‪.29 .‬‬
‫‪ -241‬كريم لحرش‪ :‬مؤسسات الحكامة الجيدة في ضوء الدستور الجديد‪ ،‬المرجع‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.52 .‬‬
‫‪130‬‬
‫فنحن يمكن أن نفهم بأن المجلس األعلى للحسابات يدقق في‬
‫أمور المعامالت المالية للدولة ويقرر‪ ،‬باالستناد إلى معايير‬
‫ومؤشرات الحكامة الجيدة من شفافية ونزاهة وغيرها‪ ،‬ما إن‬
‫كان هناك اختالس أو تبديد أو إهدار‪ ...‬للمال العام؛‬
‫ويمكن أن نفهم كيف أن المجلس األعلى لألمن يمكن أن‬
‫يشرف على حكامة أمنية‪ ،‬انطالقا من معايير مثل الفاعلية‬
‫والنجاعة ومحاربة الرشوة واألداء الجيد لكل المؤسسات المعنية‬
‫باألمن الداخلي والخارجي للوطن؛‬
‫ويمكن أن نفهم كيف يمكن للمحكمة الدستورية أن تعمل على‬
‫تصريف مبادئ الحكامة الجيدة ومعاييرها (كاعتبار القانون‬
‫أسمى تعبير عن إرادة األمة‪ ،‬أو االستقاللية التي تندرج ضمن‬
‫مبدأ الفصل بين السلط‪ ،‬أو المساواة والعدالة‪ ،‬أو الفاعلية‬
‫والنجاعة‪)...‬؛‬
‫لكننا ال نفهم كيف يمكن ربط "المجلس العلمي األعلى" أو‬
‫"المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية" بمعايير‪ :‬المناصفة‬
‫والنزاهة والشفافية والفعالية والنجاعة واقتران المسؤولية‬
‫بالمحاسبة‪...‬؟ إذا نحن ابتعدنا طبعا عن الجانب اإلداري‬
‫الصرف لهذين المجلسين؟‬
‫لذلك يبدو لنا الحديث عن "حكامة الشأن الديني" وحكامة‬
‫"المسألة اللغوية والثقافية"‪ ،‬يحتاج إلى شيء من الضبط‬
‫والتدقيق‪ ،‬حتى تتبين الغاية من استعماله‪ ،‬وكذا مستوى هذا‬
‫االستعمال‪ ،‬واألهم أن تتضح العالقة المباشرة بين هذين‬
‫المجلسين وكيفية تنزيل معايير ومؤشرات الحكامة الجيدة‪ ،‬على‬
‫مجال اشتغالهما‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اقتراح نموذج بديل‬

‫أوال‪ :‬التحديد الدستوري الضيق‬


‫يجب أن ينطلق من داخل المتن الدستوري كله‪ ،‬ويندرج‬
‫ضمنه جميع المؤسسات والهيئات المنصوص عليها صراحة في‬
‫الدستور‪ ،‬أي تلك التي ذُكرت بالحرف في أحد فصول الدستور‪،‬‬
‫‪242‬‬
‫أو في ديباجته‪ ،‬واقترن ورودها بلفظ الحكامة‪ ،‬سواء بإضافة‬
‫أو من دونها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحديد الدستوري الواسع‬


‫وهو يتسع ليستوعب المؤسسات والهيئات الواردة في‬
‫الدستور‪ ،‬سواء من داخل الباب الثاني عشر أو من خارجه‪،‬‬
‫شريطة أن تتضح عالقتها المباشرة بالحكامة الجيدة؛ فضال عن‬
‫تلك التي يمكن للمشرع أن يخرجها إلى الوجود مستقبال‪ ،‬بناء‬
‫على قوانين‪ ،243‬لذلك فإن حصرها عدديا أمر متعذر‪ ،‬وإن كنا‬
‫مبدئيا نعتمد ما اعتمده المخطط التشريعي برسم الوالية‬
‫التشريعية التاسعة‪ ،244‬بما أن معطياته صادرة عن مؤسسة‬
‫رسمية‪ ،‬لكن مع مالحظة أساس مفادها أنه ال يجب اعتباره نهاية‬
‫المطاف التشريعي بشأن مؤسسات وهيئات الحكامة الجيدة‪،‬‬

‫‪ -242‬مثال‪ :‬حكامة جيدة؛ حكامة أمنية‪...‬‬


‫‪ -243‬استنادا إلى الفصلين ‪ 18‬و‪ 159‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ -244‬المخطط التشريعي برسم الوالية التشريعية التاسعة‪ ،‬كما وافق عليه مجلس‬
‫الحكومة المنعقد بتاريخ ‪ 22‬نوفمبر ‪ ،2012‬صادر عن رئاسة الحكومة‪ ،‬يناير‪،‬‬
‫‪ .2013‬ضمن موقع مجلس النواب على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.parlement.ma/images/2011_2016/plan_legislatif.p‬‬
‫(تاريخ الزيارة‪df)2013/3/27 :‬‬
‫‪132‬‬
‫فالمخطط التشريعي خاص بمجلس النواب الحالي‪ ،‬في حين أن‬
‫التنصيص الدستوري قد ينسحب على عدة دورات تشريعية‪ ،‬ما‬
‫دام النص الدستوري الحالي معموال به‪ ،‬وبالتالي بإمكان مجالس‬
‫برلمانية مستقبلية أن تخرج إلى الوجود هيئات أو مؤسسات‬
‫تعنى بالحكامة الجيدة بناء على الفصل ‪ 18‬منه‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬ومع مراعاة المالحظة أعاله‪ ،‬نسجل بأن‬
‫دستور فاتح يوليوز ‪ 2011‬نص على دسترة سبع مؤسسات‬
‫للحكامة قائمة أصال‪ ،‬وأخرى تم النص على إحداثها‪ ،‬وهي‬
‫المؤسسات التي يتضمن المخطط التشريعي للحكومة في قسمه‬
‫الثاني ‪ 10‬قوانين تخصها‪ ،‬منها ‪ 7‬قوانين لمراجعة النصوص‬
‫القانونية الحالية‪ ،‬وتهم‪:‬‬
‫المجلس الوطني لحقوق اإلنسان؛‬
‫ومؤسسة الوسيط؛‬
‫ومجلس الجالية المغربية بالخارج؛‬
‫والهيئة العليا لالتصال السمعي البصري؛‬
‫‪245‬‬
‫ومجلس المنافسة؛‬
‫والهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها ؛‬
‫‪246‬‬

‫‪ -245‬صوتت لجنة المالية والتنمية االقتصادية بمجلس النواب على مشروع‬


‫القانون رقم ‪ 20.13‬المتعلق بمجلس المنافسة (بناء على المادتين ‪ 36‬و‪ 166‬من‬
‫الدستور) يوم الثالثاء ‪ 21‬يناير ‪ .2014‬ويؤكد المشروع أن المجلس يضطلع‬
‫باختصاصا ت تقريرية في مجال الممارسة المنافية لقواعد المنافسة‪ ،‬والمنافسة غير‬
‫المشروعة وعمليات التركيز االقتصادي‪ ،‬وله دور استشاري هام في جميع‬
‫القضايا المتعلقة بالمنافسة‪ .‬كما أقر المشروع للمجلس حق النظر بمبادرة منه في‬
‫كل الممارسات التي من شأنها المساس بالمنافسة الحرة وسلطة القيام باألبحاث‬
‫والتحقيق في القضايا وإصدار العقوبات‪ ،‬مشيرا إلى أن المجلس يتشكل من قضاة‬
‫وخبراء في القانون واالقتصاد وفي مجال المنافسة واالستهالك‪ ،‬وكذا شخصيات‬
‫من ذوي الخبرة في عالم األعمال‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫‪247‬‬
‫والمجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪.‬‬
‫فضال عن ‪ 3‬قوانين لمؤسسات جديدة هي هيئة المناصفة‬
‫ومكافحة كل أشكال التمييز‪ ،‬والمجلس االستشاري لألسرة‬
‫‪248‬‬
‫والطفولة‪ ،‬والمجلس االستشاري للشباب والعمل الجمعوي‪.‬‬
‫أما وظيفيا فيجب أن يُقرأ التحديد الواسع من خالل النظام‬
‫الدستوري كله‪ :‬فعند الحديث عن حكامة قضائية مثال‪ ،‬ال يجب‬
‫التوقف عند الهيئات المعنية مباشرة بالحكامة القضائية‪،‬‬
‫والمنصوص عليها دستوريا‪ ،‬بل تضاف إليها كل الهيئات التي‬
‫يمكن أن تسهم بطريقة أو بأخرى في تحقيق مبادئ الحكامة‬
‫الجيدة لهذه المؤسسة الدستورية الكبرى‪/‬السلطة القضائية‪.‬‬
‫وهو ما يمكن مقاربته من خالل مدخل بنيوي مركب‪،‬‬
‫يعرض تفعيل معايير ومبادئ الحكامة الجيدة داخل المؤسسة‬

‫‪ -246‬في سياق االستجابة لمقتضيات اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد التي‬
‫صادقت عليها المملكة المغربية بتاريخ ‪ 9‬ماي ‪ ،2007‬تم إحداث الهيئة المركزية‬
‫للوقاية من الرشوة بمقتضى مرسوم للوزير األول في ‪ 13‬مارس‪ ،2007‬والتي‬
‫أصبحت تحمل حاليا اسم الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها‪ .‬ويعرض‬
‫حاليا مشروع قانون على البرلمان للمصادقة عليه بشأن هذه الهيئة يؤكد المشروع‬
‫على أن «مهام االستشارة واالقتراح والتقييم والتنسيق والتعاون تصطدم إجماال‬
‫بصعوبة الحصول على المعلومات الالزمة‪ ،‬وبمحدودية االنخراط اإلرادي‬
‫لإلدارات والهيئات المعنية‪ ،‬وبهشاشة موقع الهيئة في مسار تنفيذ المقترحات‬
‫والتوصيات‪ ،‬وكذا بصعوبة الحصول على الوسائل المادية الكافية للتمكن من‬
‫توظيف الكفاءات النوعية المطلوبة"؛ أما عوامل نجاح هيئات مكافحة الفساد‬
‫فتظل "رهينة بوضوح المهام واإلطار الهيكلي وآليات اتخاذ القرار‪ ،‬مع التأكيد‬
‫على استقاللية التدبير واالنفتاح المتواصل على الجمهور‪ ،‬واعتماد حكامة‬
‫عمومية مترسخة‪».‬‬
‫‪ -247‬المخطط التشريعي برسم الوالية التشريعية التاسعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪31 .‬‬
‫– ‪.33‬‬
‫‪ -248‬المخطط التشريعي برسم الوالية التشريعية التاسعة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.34‬‬
‫‪134‬‬
‫الدستورية الكبرى (نورد أسفله نموذج السلطة القضائية)‪ ،‬وفي‬
‫عالقة تفاعلية مع مجموع الحكامات المكونة لبنية النظام‬
‫الدستوري‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫نظام دستوري مؤسس على الحكامة الجيدة‬
‫نماذج عن حكامات مكونة لبنية النظام الدستوري‬

‫حكامة بيئية‬ ‫حكامة أمنية‬


‫حكامة قضائية‬ ‫حكامة برلمانية‬
‫حكامة قضائية‬
‫محاكم االستئناف‬ ‫المجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية‬
‫(‪)...‬‬ ‫المحكمة الدستورية‬
‫محاكم االستئناف‬
‫مصلحة كتابة الضبط‬ ‫رئاسة المحكمة‬
‫(‪)...‬‬ ‫النيابة العامة‬
‫مصلحة كتابة الضبط‬
‫رئاسة كتابة الضبط‬ ‫مكتب الضبط واإلحصائيات‬
‫(‪)...‬‬ ‫المكتب اإلداري‬
‫رئاسة كتابة الضبط‬
‫المكتب الجنحي‬ ‫المكتب المدني‬
‫(‪)...‬‬ ‫مكتب الجنايات‬
‫المكتب الجنحي‬
‫شعبة حوادث السير‬ ‫الشعبة الجنحية‬
‫(‪)...‬‬ ‫شعبة األحداث‬

‫‪136‬‬
‫فنظام دستوري مؤسس على الحكامة الجيدة مدخل أساس‬
‫وضروري لنجاح جميع الحكامات األخرى – التي تؤلف جزءا‬
‫من البناء السياسي الذي يؤلف بدوره جزءا من البناء المجتمعي‬
‫ككل – حيث إن ذلك من شأنه أن يبني جسور الثقة بين الحكام‬
‫والمحكومين‪ ،‬بين الدولة والمجتمع‪ ،‬بين أجهزة الدولة فيما بينها‪،‬‬
‫وبينها وبين القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني‪...‬‬
‫وإذ تتأسس هذه العالقة على قواعد دستورية سليمة فإنها‬
‫تهيئ األرضية لباقي الحكامات األخرى لالشتغال في حقولها‬
‫المختلفة بآلية التدبير الجيد للشأن العام‪ ،‬وفي أفق تنمية هذه‬
‫الحقول أو القطاعات في نظام بنيوي يفضي في النهاية إلى تنمية‬
‫شاملة؛ والحصيلة أن انضباط النظام الدستوري لقواعد الحكامة‬
‫الجيدة يجب أن يستشعره المواطن العادي في معيشه اليومي‪ .‬فال‬
‫معنى للحديث عن حكامة قضائية مثال‪ ،‬إذا لم ير المواطن‬
‫تجلياتها في المحاكم واإلدارات التي تعنى بتدبير منظومة العدالة‬
‫في جميع مستوياتها‪ ،‬وال مجال للحديث عن حكامة برلمانية إذا‬
‫لم تعبر مؤسسة البرلمان عن رغبات المواطنين وتترجم‬
‫تطلعاتهم وانتظاراتهم‪...‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫الغاية من دسترة الحكامة الجيدة والديمقراطية المنشودة‬
‫ترافق التعديل الدستوري األخير‪ ،‬ومن ثم دسترة الحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬مع طموحات على مستويات عدة لالرتقاء بالمتن‬
‫الدستوري‪ ،‬مما يطرح عدة تساؤالت حول موقع الحكامة الجيدة‬
‫من هذه الغايات والمطامح (الفرع األول)؛ وهذا التعديل‪ ،‬بهذا‬

‫‪137‬‬
‫الطموح‪ ،‬يشكل مدخال لمناقشة اآلفاق المستقبلية المنفتحة أمام‬
‫النظام الدستوري المغربي وإمكانية تثويره في ضوء اآلليات‬
‫التي تقترحها الحكامة الجيدة (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬‬
‫الغاية من دسترة الحكامة الجيدة‪ :‬تحليل المضمون‬
‫يالحظ بأن دستور ‪ 2011‬الذي جعل من الحكامة الجيدة‬
‫إحدى مرتكزات النظام الدستوري المغربي منذ التصدير‪ ،‬ثم أكد‬
‫على هذا المبدأ في الفصل األول منه‪ ،‬لم يخصص له بعد ذلك‬
‫إال الباب الثاني عشر‪ ،‬بحيث لم يبق بعده إال الباب المخصص‬
‫لمراجعة الدستور والباب المتعلق باألحكام االنتقالية‪249‬؛ فهل‬
‫لذلك من داللة في ذهن المشرع الدستوري؟‬
‫بمعنى آخر‪ :‬أال يمكن أن يوحي ذلك بأن المكانة الحقيقية‬
‫للحكامة الجيدة هي دون ما يتبادر إلى الذهن عند القراءة األولى‬
‫للتصدير‪ ،‬وللفصل األول من الدستور‪ ،‬وأن إيرادها ضمن المتن‬
‫الدستوري أملته فقط ظرفية مشحونة باألحداث استلزمت‬
‫اإلجابة عن بعض األسئلة الكبرى‪ ،‬لالستهالك اإلعالمي ال‬
‫أكثر؟‬
‫إن اإلجابة على مثل هذا النوع من األسئلة قد تجعلنا نلج عالم‬
‫تقييم النوايا‪ ،‬وهو أبعد ما يكون عن الدراسة العلمية الرصينة؛‬
‫لذلك فنحن مدعوون إلى البحث عن معايير ومؤشرات دالة فعال‬
‫على هذا المنحى أو ذاك‪ ،‬ضمن المتن الدستوري نفسه‪ ،‬مع‬

‫‪ -249‬وهما على التوالي‪ :‬الباب ‪ 13‬لمراجعة الدستور؛ والباب ‪ 14‬لألحكام‬


‫االنتقالية‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫اإلشارة إلى أنه من شأن نشر الوثائق التحضيرية للجنة صياغة‬
‫الدستور أن تفيد في قراءة وتأويل الوثيقة الدستورية‪ ،‬وقد تكشف‬
‫عن بعض النوايا التي رافقت إعدادها‪ ،‬وهنا يثور التساؤل‪ :‬لماذا‬
‫ال يتم هذا النشر‪ ،‬كما يجري في عدد من الديمقراطيات الراهنة؟‬
‫نترك هذا السؤال عالقا لتجيب عنه الممارسة العملية للتنزيل‬
‫الدستوري‪ ،‬وننتقل الستقراء المؤشرات الدالة على الغاية من‬
‫دسترة الحكامة الجيدة‪ ،‬من خالل الهندسة المخصصة لها في‬
‫الوثيقة الدستورية‪.‬‬
‫فقد جاء في التصدير الدستوري بأن الحكامة الجيدة ركيزة‬
‫أساسية من ركائز الدولة المغربية‪ ،‬ثم تأكد ذلك في الفصل األول‬
‫الذي جعلها من مقومات النظام الدستوري المغربي‪ ،250‬وال شك‬
‫أن هذا القول يجعلها في مستوى متساو مع مبادئ الدولة‪ ،‬في‬
‫الديمقراطيات العريقة‪ ،‬من فصل للسلط‪ ،‬وتوازنها وتعاونها‪،‬‬
‫والمواطنة‪ ،‬والتشاركية‪ ،‬والحقوق والحريات األساسية‪ ...‬فربط‬
‫الحكامة في الدستور الجديد بهذه المبادئ يعتبر معيارا داال على‬
‫التوجه نحو الحداثة‪ ،‬والرغبة األكيدة في تقريب ال ُخطا باتجاه‬
‫الديمقراطيات العريقة «التي تعتبر خيار الحكامة ال محيد عنه‬
‫‪251‬‬
‫في بنائها المؤسساتي‪».‬‬
‫وال شك أن المشرع الدستوري انتبه إلى وجود خلل في سير‬
‫المؤسسات الكبرى للدولة‪ ،‬في نسقها الدستوري السابق‪ ،‬مما‬
‫استدعى استحضار الحكامة الجيدة‪ ،‬بما هي «تعبير عن الفلسفة‬
‫العامة التي أسسها‪ ،‬من أجل إحداث التغيير المنشود‪ ...‬وذلك‬

‫‪ -250‬وقد أحلنا على ذلك في عدة مناسبات‪.‬‬


‫‪ -251‬كريم لحرش وآخرين‪ :‬الحكامة الجيدة بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5 .‬‬
‫‪139‬‬
‫من خالل إضفاء طابع الدسترة على جملة من الهيئات الوطنية‬
‫المستقلة دفعة واحدة‪ ...‬كانت لوقت قريب غير معترف بها‪،‬‬
‫لكنه بفعل الدسترة ارتقى بها وأعاد لها االعتبار ومنحها‬
‫الحماية الدستورية»‪.252‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن مقارنة الدستور الحالي مع نظيره‬
‫لسنة ‪ ،1996‬أو مع دساتير دول أوربية أخرى – خاصة‬
‫األنظمة الملكية منها – تبرز بما ال يدع مجاال للشك بأن‬
‫المشرع الدستوري المغربي كان واعيا‪ ،‬تمام الوعي‪ ،‬بأهمية‬
‫إضافة تصدير مطول‪ ،‬نسبيا‪ ،‬تم تخصيص قسم كبير منه لرصد‬
‫مسار التوجه الذي اختاره المغرب‪ ،‬مع انفراده بالتنصيص على‬
‫مبدأ الحكامة الجيدة؛ حيث إنه إذا كانت الفقرة األولى من دستور‬
‫‪ ،1996‬التي دخلت مباشرة‪ ،‬ومنذ البداية‪ ،‬في تعريف الدولة‬
‫المغربية‪ ،‬دون إعالن النوايا الدستورية الكبرى‪ ،‬أو رسم مالمح‬
‫التوجه العام لمسار المملكة‪ ،253‬فإن الفقرة األولى من تصدير‬
‫دستور ‪ 2011‬شددت على مثل هذه األمور‪ ،‬حيث جاء فيها‪:‬‬
‫«إن المملكة المغربية‪ ،‬وفاء الختيارها الذي ال رجعة فيه‪ ،‬في‬
‫بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون‪ ،‬تواصل بعزم‬
‫مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة‪ ،‬مرتكزاتها‬
‫المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة‪ ،‬وإرساء دعائم مجتمع‬
‫متضامن‪ ،‬يتمتع فيه الجميع باألمن والحرية والكرامة‬
‫والمساواة‪ ،‬وتكافؤ الفرص‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬ومقومات‬

‫‪ -252‬كريم لحرش‪ :‬الحكامة الجيدة بالمغرب‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬


‫‪ -253‬حيث نقرأ في تصدير دستور ‪« :1996‬المملكة المغربية دولة إسالمية ذات‬
‫سيادة كاملة‪ ،‬لغتها الرسمية هي اللغة العربية‪ ،‬وهي جزء من المغرب العربي‬
‫الكبير‪».‬‬
‫‪140‬‬
‫العيش الكريم‪ ،‬في نطاق التالزم بين حقوق وواجبات‬
‫المواطنة‪»...‬‬
‫ولئن كان الدستور الفرنسي‪ ،‬الذي تأثر به الدستور المغربي‬
‫دائما‪ ،‬لم يذكر أي شيء عن غايات ونوايا مشرعه في رسم آفاقه‬
‫المستقبلية‪ ،‬حيث إن ديباجته شبيهة بتصدير الدستور المغربي‬
‫‪254‬‬
‫لسنة ‪1996‬؛‬
‫وإذا كانت دساتير كل من‪ :‬هولندا‪ ،‬وبلجيكا‪ ،‬والدانمرك‪،‬‬
‫والسويد‪ ،‬والنرويج؛ قد جاءت خلوا من كل تصدير (أو‬
‫‪255‬‬
‫ديباجة)؛‬
‫فإن الدستور البلجيكي‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬قد خص فصله السابع مكرر‬
‫لرسم مثل هذه األهداف والغايات‪ ،‬بل ووضعها تحت عنوان‬

‫‪ -254‬ديباجة الدستور الفرنسي‪« :‬يعلن الشعب الفرنسي رسميا تمسكه بحقوق‬


‫اإلنسان وبمبادئ السيادة الوطنية مثلما حددها إعالن ‪ ،1789‬وأكدتها وأتمتها‬
‫ديباجة دستور ‪ ،1946‬وكذا تمسكه بالحقوق والواجبات التي أقرها ميثاق البيئة‬
‫في عام ‪( ».2004‬الدستور الفرنسي لعام ‪ 1958‬المعدل في ‪ 23‬يوليو ‪،2008‬‬
‫مرجع سابق)‪ .‬وفائض عن الحاجة التذكير بأن التجربة الفرنسية قد راكمت رصيدا‬
‫ثريا في بنائها الديمقراطي‪ ،‬ربما يغنيها عن التذكير بمثل هذه األهداف‪ ،‬التي يحتاج‬
‫إلى ذكرها دستور مثل الدستور المغربي‪.‬‬
‫‪ -255‬رابط الدستور الهولندي على النت‪http://mjp.univ- :‬‬
‫‪( ،perp.fr/constit/pb1983.htm‬تاريخ الزيارة‪)2013/10/16 :‬؛ والشيء‬
‫نفسه يقال عن الدستور الدانمركي لـ ‪ 27‬مارس ‪ ،1953‬على الرابط‪:‬‬
‫‪( ،http://mjp.univ-perp.fr/constit/dan1953.htm‬تاريخ الزيارة‪:‬‬
‫‪)2013/10/15‬؛ والدستور السويدي‪ ،‬لـ ‪ 28‬فبراير ‪ ،1974‬على الرابط‪:‬‬
‫الزيارة‪:‬‬ ‫(تاريخ‬ ‫‪،http://mjp.univ-perp.fr/constit/se1974.htm‬‬
‫‪)2013/10/15‬؛ والدستور النرويجي‪ ،‬لـ ‪ 30‬يونيو ‪ ،1906‬على الرابط‪:‬‬
‫الزيارة‪:‬‬ ‫(تاريخ‬ ‫‪،http://mjp.univ-perp.fr/constit/no1905.htm‬‬
‫‪)2013/10/16‬؛ والدستور البلجيكي‪ ،‬لـ ‪ 17‬فبراير ‪ ،1994‬على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.uclouvain.be/cps/ucl/doc/drt/documents/Constitut‬‬
‫‪( .ion_belge‬تاريخ الزيارة‪.)2013/10/16 :‬‬
‫‪141‬‬
‫معبر عنها بشكل صريح‪« :‬أهداف السياسات العامة لبلجيكا‬
‫الفيدرالية‪ »...‬ذكر فيها المبادئ التي تغيى المشرع الدستوري‬
‫البلجيكي تحقيقها من رهان على التنمية المستدامة‪ ،‬في أبعادها‬
‫االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية والبيئية‪ ،‬مع مراعاة مبدأ التضامن بين‬
‫‪256‬‬
‫الجهات‪...‬‬
‫ورغم ذلك يمكن القول بأن أقرب دساتير الملكيات‬
‫األوربية‪ 257‬إلى الدستور المغربي الحالي‪ ،‬في هذه النقطة‪ ،‬يبقى‬
‫الدستور اإلسباني لسنة ‪ ،1978‬الذي أورد ديباجة مطولة‪ ،‬من‬
‫بين ما جاء فيها‪« :‬إن األمة اإلسبانية‪ ،‬رغبة منها في إرساء‬
‫العدالة والحرية واألمن وتعزيز الرفاء لجميع مكوناتها‪،‬‬
‫وباالعتماد على سيادتها‪ ،‬تعلن عن إرادتها في‪:‬‬

‫‪256- Art. 7bis: «Dans l’exercice de leurs compétences‬‬


‫‪respectives, l’Etat fédéral, les communautés et les régions‬‬
‫‪poursuivent les objectifs d’un développement durable ,‬‬
‫‪dans‬‬ ‫‪ses‬‬ ‫‪dimensions‬‬ ‫‪sociale,‬‬ ‫‪économique‬‬ ‫‪et‬‬
‫‪environnementale, en tenant compte de la solidarité entre‬‬
‫‪les générations».‬‬
‫كما أن الدستور السويدي تميز عن نظيريه‪ ،‬الدانمركي والنرويجي‪ ،‬بأن أفرد الفقرة‬
‫الثانية‪ ،‬من فصله الثاني‪ ،‬للحديث عن الهدف العام الذي ينبغي على السلطة العامة‬
‫أن تحققه وتضمنه للمواطنين؛ حيث جاء في هذه الفقرة‪:‬‬
‫‪«Le bien-être personnel, économique et culturel de chacun‬‬
‫‪constitue l’objectif fondamental des activités publiques. Il‬‬
‫‪incombe en particulier à l’autorité publique de garantir le‬‬
‫‪droit à la santé, au travail, au logement et à l’éducation et‬‬
‫‪d’œuvrer en faveur de la prévoyance et de la sécurité‬‬
‫»‪sociales et d’un environnement favorable à la vie.‬‬
‫‪ -257‬ونقصد طبعا الملكيات التي راجعنا دساتيرها وهي‪ :‬اإلسبانية‪ ،‬والبلجيكية‪،‬‬
‫والهولندية‪ ،‬والدانمركية‪ ،‬والنرويجية‪ ،‬والسويدية‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫ وفي‬،‫ في إطار الدستور والقوانين‬،‫ضمان حياة ديمقراطية‬
‫مطابقة مع نظام اقتصادي واجتماعي عادل؛‬
‫ بما هو تعبير‬،‫ التي تضمن سيادة القانون‬،‫تدعيم دولة الحق‬
258
».‫عن اإلرادة الشعبية‬
‫فهل أراد المشرع الدستوري المغربي أن يرسم لنظامه‬
‫الدستوري مسارا على الطريقة اإلسبانية؟ علما بأن الدستور‬
‫ وربما عن جميع الدساتير‬،‫المغربي تميز عن نظيره اإلسباني‬
!‫ بتنصيصه على مبدأ الحكامة الجيدة‬،‫فيما نعلم‬

258 - «La Nation espagnole, désireuse d’établir la justice,


la liberté et la sécurité et de promouvoir le bien de tous
ceux qui la composent, proclame, en faisant usage de sa
souveraineté, sa volonté de:
GARANTIR la vie en commun démocratique dans le cadre
de la Constitution et des lois, conformément à un ordre
économique et social juste;
CONSOLIDER un Etat de droit qui assurera le règne de la
loi, en tant qu’expression de la volonté populaire;
PROTÉGER tous les Espagnols et les peuples d’Espagne
dans l’exercice des droits de l’homme, de leurs cultures et
de leurs traditions, de leurs langues et de leurs
institutions ;
PROMOUVOIR le progrès de la culture et de l’économie
afin d’assurer à tous une digne qualité de vie;
ÉTABLIR une société démocratique avancée, et
COLLABORER au renforcement de relations pacifiques
et de coopération efficace avec tous les peuples de la terre.»
:‫ الرابط على النت‬،‫ينظر الدستور اإلسباني‬

http://www.boe.es/legislacion/enlaces/documentos/Constitucio
nFRANCES.pdf )‫(مرجع سابق‬

143
‫وهل كانت هذه الدسترة ضرورية لتحقيق انتقال ديمقراطي‬
‫سليم‪ ،‬أم أن الديمقراطية مكتفية بذاتها‪ ،‬ألن جهازها المفاهيمي‬
‫يتضمن بالضرورة مبادئ الحكامة الجيدة؟‬
‫إن الحديث عن الحكامة في هذا المستوى‪ ،‬وفي الظرفية التي‬
‫نعيشها راهنا‪ ،‬يجعلنا نقف على مشارف الحديث عن فقدان الثقة‬
‫بين الحكام والمحكومين‪ .‬بمعنى أن الحديث يجري هنا ليس عن‬
‫مستوى سطحي من باب الترف و"الكماليات" الدستورية‪ ،‬بل‬
‫عن جوهر السلطة في عالقتها بالشرعية والمشروعية‪ :‬إذ إن‬
‫تآكل مؤسسات النظام الدستوري (كمقدمة لتآكل النظام السياسي‬
‫عموما) يعني أنها لم تعد قادرة على استيعاب تمثالت المواطنين‬
‫وتطلعاتهم وحاجياتهم‪ ...‬وبالتالي تتزعزع ثقتهم في مؤسسات‬
‫الدولة مما قد يفضي إلى الوضع الذي انتهت إليه مجموعة من‬
‫األنظمة السياسية العربية (تونس؛ مصر؛ ليبيا؛ سوريا‪ )...‬فهل‬
‫تتدخل الحكامة الجيدة لتصلح بعض ما أفسدته الممارسة‬
‫السياسية طيلة عقود؟‬
‫الغاية من إدراج الحكامة الجيدة إذن‪ ،‬وبالذات في الباب‬
‫الثاني عشر‪ ،‬هي تصحيح مسار النظام الدستوري المغربي‪،‬‬
‫واختياراته في تنزيل ديمقراطية سليمة‪ .‬وربط الحكامة مع أسمى‬
‫المبادئ الدالة على الديمقراطية يجعلنا ننتهي إلى أنه إذا كانت‬
‫الديمقراطية تظل ناقصة من دون فصل حقيقي للسلط‪ ،‬فإننا نعتقد‬
‫بأنها تظل أكثر نقصا من دون حكامة جيدة‪ ،‬تستدعي في أبسط‬
‫مدلوالتها مبادئ الشفافية والفاعلية والنجاعة وتقرن المسؤولية‬
‫بالمحاسبة الحقيقية والصارمة‪ ،‬حتى ال يتم العبث بالشأن العام؛‬
‫ذلك أن المحاسبة السياسية وحدها ال تكفي‪ ،‬بل هي تفتح بابا‬

‫‪144‬‬
‫لالرتزاق السياسي ال أكثر‪ ،‬ودستور ‪ 2011‬جاء بالضبط‪ ،‬على‬
‫األقل من خالل ما صرح به منطوقه‪ ،‬لتحقيق هذه الغاية؛ ألن‬
‫‪259‬‬
‫أهم ما فيه الدعوة إلى تطبيق ما فيه‪.‬‬
‫وهكذا نجد أنفسنا هنا في موقف النقيض تماما من السؤال‬
‫االستنكاري‪ ،‬الذي افتتح موضوع هذا الفرع‪ ،‬عندما تمت إثارة‬
‫موضعة الباب الخاص بالحكامة الجيدة – وهو الباب الثاني‬
‫عشر – من الهندسة الدستورية‪ ،260‬مما قد يوحي بأن المكانة‬
‫الحقيقية للحكامة الجيدة هي دون ما يتبادر إلى الذهن عند‬
‫القراءة األولى للتصدير‪ ،‬وللفصل األول من الدستور‪ ،‬وأن‬
‫إيرادها ضمن المتن الدستوري أملته فقط ظرفية مشحونة‬
‫باألحداث استلزمت اإلجابة عن بعض األسئلة الكبرى‪،‬‬
‫لالستهالك اإلعالمي ال أكثر؟‬
‫فإدراج الحكامة الجيدة في الموقع المخصص لها‪ ،‬أي في‬
‫الباب الثاني عشر‪ ،‬يعتبر امتدادا ماديا لجميع األبواب السابقة‪،‬‬
‫وإسمنتا يمسك بجميع فسيفساء المبادئ األساسية للنظام‬
‫الدستوري السياسي المغربي‪ ،‬بجميع مكوناته‪ :‬فإذا كانت السيادة‬
‫لألمة‪ ،‬وإذا كان القانون هو التعبير األسمى عن إرادتها‪،‬‬
‫وبالتأكيد على الحقوق والحريات السياسية‪ ،‬والفصل بين السلط‬
‫وتوازنها وتعاونها‪ ،‬واستقالل السلطة القضائية‪ ...‬فإن الباب‬
‫الثاني عشر يجيب بأن الحكامة الجيدة هي القيم الحقيقي على‬

‫‪ -259‬وفي هذا الصدد أشارت الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 146‬إلى «قواعد‬


‫الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر‪ ،‬وكذا مراقبة تدبير الصناديق‬
‫والبرامج وتقييم األعمال وإجراءات المحاسبة‪».‬‬
‫‪ -260‬بحيث لم يبق بعده إال الباب ‪ 13‬المخصص لمراجعة الدستور؛ والباب ‪14‬‬
‫المتعلق باألحكام االنتقالية‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫تحقيق ذلك؛ وهكذا فكل شيء في الدستور يجري وكأن أبوابه‬
‫األحد عشر األولى تبقى مفككة من دون الباب الثاني عشر‪ ،‬ألنه‬
‫وبعد أن استعرضت الوثيقة الدستورية جميع مالمح النظام‬
‫الدستوري الذي رسمته‪ ،‬جاء هذا الباب أخيرا‪ ،‬وليس آخرا‪،‬‬
‫ليقول بأن ال شيء من ذلك كله سيستقيم من دون حكامة جيدة‪،‬‬
‫ولهذا فموضعها المعقول‪ ،‬والمنطقي‪ ،‬من الهندسة الدستورية هو‬
‫الباب الثاني عشر‪.‬‬
‫ال شك أننا نستوعب أكثر ‪ -‬بعد هذا العرض المقارن لديباجة‬
‫عدد من الدساتير مع تصدير الدستور المغربي‪ ،‬مع التركيز‬
‫على تحليل موقع الحكامة الجيدة من هندسته العامة ‪ -‬معنى رسم‬
‫غايات أو أهداف يسعى النظام الدستوري إلى تحقيقها من خالل‬
‫التنصيص على مبدأ الحكامة الجيدة؛ أما فعل األجرأة أو التنزيل‬
‫فال شك أنه يقع خارج الديباجة الدستورية‪ ،‬بل والدستور عامة‪،‬‬
‫ألنه يقع ضمن مجال الممارسة‪ ،‬أي مجال التأويل‪ ،‬ثم ترجمة‬
‫التأويل عمليا‪ ،‬وهو ما سنعرض له في مطلب الحق؛ لكننا نريد‬
‫أن نحتفظ قبل ذلك‪ ،‬ومن خالل هذا التحليل‪ ،‬بنتيجتين أساسيتين‪،‬‬
‫بخصوص الحكامة الجيدة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التأكيد على المكانة التي أولتها فصول الدستور‪ ،‬كما‬
‫وكيفا‪ ،‬للحكامة الجيدة‪ ،‬باعتبارها آلية ال غنى عنها لتحقيق‬
‫ديمقراطية حقيقية؛ وبالتالي ارتباطها العضوي بالنظام‬
‫الدستوري المغربي الذي أمل المشرع الدستوري‪ ،‬ومن ورائه‬
‫المغاربة جميعا (قمة وقاعدة) تحقيقه‪ ،‬في أفق منظور‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن كل حديث عن الحكامة الجيدة يفصلها عن مجال‬
‫الممارسة أو التطبيق‪ ،‬لن يعتبر إال ضربا من األيديولوجيا‪ ،‬زائد‬

‫‪146‬‬
‫كثرة الكالم‪ ،‬ألن الحكامة ال يمكن استيعابها إال ضمن الفعل‬
‫والممارسة‪ ،‬وموضعتها ضمن الباب الثاني عشر من البناء‬
‫الدستوري‪ ،‬ال يقوم في اعتقادنا دليال على هامشيتها في ذهن‬
‫المشرع‪ ،‬بل على العكس من ذلك تماما هو دليل على أهميتها‬
‫الكبرى بما هي تتويج لهذا البناء‪ ،‬بالنظر إلى دورها المحوري‬
‫في تنزيل نظام دستوري سليم‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الحكامة الجيدة‪ :‬آفاق مستقبلية لتثوير النظام‬


‫الدستوري المغربي‬
‫نناقش هذا الفرع من خالل فقرتين تعتبر األولى منهما‬
‫الحكامة الجيدة من مقدمات التحديث الدستوري األساس‪ ،‬فيما‬
‫تنصرف الثانية لتحليل عملية إرساء نظام دستوري انتقالي عبر‬
‫مدخل الحكامة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪:‬‬
‫الحكامة الجيدة من مقدمات التحديث الدستوري‬
‫كيف يمكن للحكامة أن تطبق في ظل نظام دستوري‬
‫"تقليداني"؟ سؤال‪/‬فرضية كان من أهم منطلقات هذا البحث‪،‬‬
‫انتهينا في صدد البحث له عن إجابة إلى أن النظام الدستوري‬
‫كف عن كونه تقليدانيا‪ ،‬كما كان يجري توصيفه به‬‫المغربي قد ّ‬
‫منذ مدة‪ ،‬على األقل من حيث المتن الدستوري الجديد‪ ،‬لكن‪ :‬هل‬
‫أصبح نظاما حداثيا بالمعنى الوارد في األنظمة البرلمانية‬
‫الغربية‪/‬األوربية تحديدا؟ قطعا الجواب ال يأتي إال نفيا؛ لذلك‬
‫الحظنا بأن نظامنا الدستوري قد توقف عند منتصف الطريق‬

‫‪147‬‬
‫بين "التقليدانية" و"الحداثة"‪ :‬فكيف يمكن للحكامة الجيدة أن‬
‫تعمل على تثوير هذا النظام؟‬

‫أوال‪ :‬اعتماد المقاربة التشاركية‬


‫يجب أن يكف النظام عن استيراد مفاهيم رنانة‪ ،‬لمجرد‬
‫التداول واالستهالك اإلعالمي؛ بعبارة أخرى يجب أال تتحول‬
‫الحكامة الجيدة إلى أيديولوجيا‪ ،‬بل يجب أن يكون تبنيها نابعا‬
‫عن قناعة ذاتية تسعى للقطع مع كل األساليب السلبية للحكم‬
‫والسلطة‪ ،‬وتعمل على تفعيل مضامينها‪.‬‬
‫ولتحقيق الغاية أعاله يجب‪ ،‬أوال‪ ،‬اعتماد المنطق التشاركي‬
‫في تدبير الشأن العام (الدولة عبر مؤسساتها المختلفة‪،‬‬
‫والمواطنون من خالل المؤسسات السياسية وتنظيمات المجتمع‬
‫المدني) وآليات التنفيذ والمراقبة يجب أن تكون متبادلة‪ ،‬ألن‬
‫الدولة ككل – مجتمعا وسلطة – معنية بمستقبلها‪ :‬فاالرتقاء‬
‫بالمجتمع هو ارتقاء بالسلطة كما أن االرتقاء بالسلطة هو ارتقاء‬
‫بالمجتمع ككل‪.‬‬
‫وكما يجب اعتماد المنطق التشاركي‪ ،‬ينبغي تفعيل مبدأ‬
‫اقتران المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬وهنا يحضر باالستتباع اعتماد‬
‫"الشفافية" – بما في ذلك حق المواطن في الحصول على‬
‫الوثائق والمستندات‪ ،‬والمعلومة‪ ،‬عموما – وتيسير المساطر‬
‫القانونية‪ ،‬والقضائية‪ ،‬للتظلم وإحقاق الحق‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحكامة مبدأ يعني الجميع‬
‫إن الحديث عن تطبيق حكامة جيدة على مستوى مؤسسات‬
‫الدولة‪ ،‬العمومية‪ ،‬ال يجب أن يعمينا عن ضرورة تفعيلها على‬
‫مستوى المؤسسات األخرى (األحزاب؛ الجمعيات؛ المقاوالت؛‬
‫النقابات‪ ،)...‬بل يجب‪ ،‬من باب أولى‪ ،‬وقبل مطالبة الدولة‬
‫كسلطة عمومية بتفعيل مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬أن يتم تفعيلها‬
‫على مستوى المؤسسات‪ ،‬والهيئات‪ ،‬األخرى المذكورة؛ إذ بذلك‬
‫فقط سيتم بناء جسر الثقة=>المصالحة بين المواطن والمؤسسات‬
‫التي تمثله‪ ،‬سواء أكانت خاصة أم عامة‪ ،‬وجو الثقة هذا‬
‫ضروري لتحقيق أي مشروع تنموي؛ وفضال عن ذلك فإن‬
‫العمل بهذه الطريقة سيكون فعاال وناجعا فضال عن كونه يحقق‬
‫مبدأ المشروعية‪ ،‬ألن تفعيل مضامين الحكامة الجيدة على‬
‫مستوى الحزب أو النقابة مثال‪ ،‬قد يرسخ الوعي بهذه المضامين‪،‬‬
‫فتصبح آلية يتم التعامل بها بصورة طبيعية عندما يصبح الحزب‬
‫أو النقابة يباشران الحكم‪ ،‬داخل مؤسسة تشريعية أو تنفيذية‪...‬‬
‫أي باعتبارهما جزءا من النظام الدستوري‪.‬‬
‫بعبارة أخرى ال يجب النظر إلى الحكامة الجيدة على أنها‬
‫مبدأ مفروض على السلطة العمومية وحدها‪ ،‬كما ال ينبغي لهذه‬
‫أن تقوم بفرض مفردات الحكامة الجيدة على القطاع الخاص‬
‫وجمعيات المجتمع المدني فقط؛ صحيح أن المساطر القانونية‬
‫ضرورية‪ ،‬لكن األمر يحتاج إلى أكثر من مساطر قانونية‪ ،‬إنه‬
‫محتاج إلى ثقافة "حكماتية"؛ إذ كلما كان األمر تعبيرا عن قناعة‬
‫ذاتية نابعة من الداخل إال وتم االشتغال في ظروف أيسر‬
‫وتحققت المشاريع بطرق أمثل؛ وقطعا يجب دائما استحضار أن‬

‫‪149‬‬
‫هناك من ليس في مصلحته أن تسير األمور على هذا النحو‪،‬‬
‫ألنه يفكر دائما بطريقة "أ َ ْوكار الفساد"‪.‬‬
‫ولقطع الطريق أمام هذا النوع من التفكير ما علينا إال أن‬
‫نعود إلى مبادئ الحكامة نفسها؛ فسواء تعلق األمر بإنتاج نص‬
‫قانوني مجرد أو إنجاز بناء مادي ضخم‪ ...‬فإن المعايير تظل‬
‫واحدة‪:‬‬
‫تحديد شروط "المنتوج" ومواصفاته وزمن إنجازه‪...‬؛‬
‫تحديد المهام واألدوار والمسؤوليات‪...‬؛‬
‫ثم ربط ذلك كله بالمحاسبة التي يحصنها القضاء في النهاية‪،‬‬
‫بما أن الجميع يشتغل ضمن دولة الحق والقانون‪.‬‬
‫إننا عندما نطالب بحكامة جيدة فإننا بذلك نعيد منطق السلطة‬
‫إلى صوابه‪ ،‬حيث نفرغه من محتواه السلطوي (بالمعنى‬
‫التقليدي) الذي يستأثر فيه الحاكم بالسلطة على حساب‬
‫المحكومين‪ ،‬ونستعيض عنه بالمضمون التشاركي بين الحكام‬
‫(من خالل المؤسسات الرسمية) والمحكومين (مؤسسات‬
‫المجتمع المدني والتنظيمات الحزبية والنقابية وغيرها‪.)...‬‬
‫من جهة أخرى إن الحكامة تسائل الديمقراطية نفسها –‬
‫وبجميع األشكال التي ظهرت بها تاريخيا لحد اآلن – لتعلن بأنها‬
‫(أي الديمقراطية) تبقى مجرد شعار مثالي حتى في أعرق‬
‫الديمقراطيات المعاصرة (مع تحالف اللوبيات‪ ،‬وشراء‬
‫األصوات‪ ،‬وتوجيه اإلعالم للكتلة الناخبة‪ ،‬والتوظيف المكثف‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫والمخاتل‪ ،‬آلليات التسويق السياسي‪ 261)...‬مما يفضي إلى‬
‫تداول سخيف على السلطة‪ ،‬همه األول واألخير تحقيق المصالح‬
‫الضيقة لعدد من األشخاص أو األحزاب أو الجماعات‪ ...‬لنخلص‬
‫إلى أن مفهوم "الديمقراطية"‪ ،‬نفسه‪ ،‬يبقى غير ذي معنى من‬
‫دون حكامة جيدة‪.‬‬
‫فعندما تنخرط فعاليات المجتمع المدني‪ ،‬والخواص‪ ،‬بل‬
‫وحتى األفراد‪ ،‬في هذه المنظومة نتساءل إذاك‪ :‬من الذي أصبح‬
‫يحكم بالفعل؟‬
‫بعيدا عن كل جواب يدعي االرتفاع عن النسبية نقول بأن‬
‫الحكامة ال يمكنها أن تقضي على جميع عيوب المجتمع‪،‬‬
‫وخصوصا جميع عيوب السلطة‪ ،‬لكنها على األقل تنهي احتكار‬
‫الدولة (بمضمونها التقليدي) للحكم‪ ،‬وتعمل على تقليص مساحة‬
‫السلطة السياسية للحكام "التقليديين" لصالح المساحة المخصصة‬
‫لألفراد والمجتمع المدني‪ ،‬بحيث أصبح الكل سياسيا‪ ،‬وال شيء‬
‫غير سياسي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إرساء نظام دستوري انتقالي‬


‫يحدث حاليا نوع من التراكم األولي على مستوى التداول‪،‬‬
‫على األقل بين النخبة السياسية والمعنيين بالشأن الدستوري‬
‫المغربي‪ ،‬على المستويين النظري والملموس‪ ،‬حول مفهوم‬
‫"النظام البرلماني" الذي يمكن للمغرب أن ينتقل إليه‪ ،‬علما بأن‬

‫‪ -261‬جريج باالست‪ :‬أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها‪ ،‬ترجمة مركز‬


‫التعريب والترجمة‪ ،‬بيروت‪ .2004 ،‬كل العمل مخصص للدفاع عن أطروحة‬
‫"إفالس الديمقراطية" على الطريقة األمريكية‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫الوثيقة الدستورية أدخلت تعديال جوهريا على الفصل األول‬
‫الذي كان نصه في دستور ‪« :1996‬نظام الحكم بالمغرب نظام‬
‫ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية»‪ ،‬من خالل إضافة كلمة‬
‫"برلمانية" على هذا الفصل ليصبح في دستور ‪ 2011‬كما يلي‪:‬‬
‫«نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية‪ ،‬برلمانية‬
‫ديمقراطية واجتماعية»‪ ،‬وال يمكن للكلمة المضافة هنا أن تكون‬
‫إال مقصودة لغاية معينة‪.‬‬
‫فالسؤال‪ :‬هل نظام الحكم بالمغرب نظام برلماني؟ غدا سؤاال‬
‫غير ذي معنى؛ والمطالبون "بنظام برلماني" لم يقرؤوا الوثيقة‬
‫الدستورية جيدا‪ ،‬ما دام أن األمر بات من قبيل تحصيل‬
‫الحاصل؛ لكن السؤال الذي ينبغي طرحه في اعتقادنا هو‪ :‬ما‬
‫طبيعة "البرلمانية" التي قصدها المشرع الدستوري؟‬
‫فبما أنها ليست برلمانية على الطريقة البريطانية‪ ،‬وال ملكيات‬
‫أوربا عموما‪ ،‬فهل هي من نوع "االستثناء المغربي" الذي‬
‫يجري تداوله عادة؟ وإذا كان ذلك كذلك فما شكل هذا‬
‫االستثناء"؟ وهل هو مجرد مرحلة انتقالية للمرور نحو مرحلة‬
‫الحقة‪ ،‬بما أن التعديل الدستوري ليس نهاية المطاف؟‬
‫إذا كان النظام الدستوري المغربي "بمعناه الفوقي" (كنص‬
‫قانوني مجرد) قد استوعب بعض مفردات التحديث على مستوى‬
‫النص الدستوري‪ ،‬حيث عمل المشرع على تضمينه بعض‬
‫النصوص والمواد المتقدمة جدا‪ ،‬فإن "البنية السفلى" للنظام‬
‫الدستوري المغربي (أي الممارسة على أرض الواقع) ما زالت‬
‫متصلبة ولم تستوعب ذلك بعد‪ ،‬أو لم تدرك حجم‪ ،‬وعمق‪،‬‬

‫‪152‬‬
‫التحديث بشكل سليم؛ وهو ما يالحظ من خالل عديد األمثلة على‬
‫مستوى السلطتين‪ :‬التشريعية والتنفيذية بل والممارسات الحزبية‪.‬‬
‫فحكامة برلمانية‪ 262‬مثال تقتضي اعتماد مضامينها وآلياتها‪،‬‬
‫من فعالية ونجاعة وشفافية‪ ...‬فإذا كان المشرع الدستوري مثال‬
‫قد منح للبرلمان (في شخص الغرفة األولى) آلية لتقديم ملتمس‬
‫الرقابة (في ظل عقلنة شبيهة إلى حد كبير بما يوجد في النظام‬
‫الدستوري الفرنسي) فإننا ال نفهم كيف أن هذه اآللية يتم تفعيلها‬
‫بشكل عاد وسلس في فرنسا‪ ،‬حتى إنها لتبدو من الممارسات‬
‫العادية والمألوفة في البرلمان الفرنسي‪ 263،‬بينما تبدو عندنا كما‬
‫لو أنها محطات تاريخية هامة وحاسمة في التاريخ الدستوري‬
‫المغربي؛‪ 264‬فمن يتحمل المسؤولية هنا‪ :‬الذات أم الموضوع؟‬
‫صحيح أن تمرير ملتمس الرقابة أمر معقد للغاية‪ ،‬ويجعل‬
‫بالتالي من إثارة المسؤولية السياسية للحكومة (بما هي األداة‬
‫المقابلة لسالح حل البرلمان الذي تملكه السلطة التنفيذية‪ ،‬وبما‬
‫هما معا ضامنان لتحقيق التوازن داخل النظام السياسي) مجرد‬

‫‪ -262‬وهو ما سنطور النقاش حوله في المبحث الموالي‪.‬‬


‫‪ -263‬ملتمسات الرقابة في التجربة الفرنسية عديدة‪ ،‬لكنها كانت دائما تنتهي‬
‫بالفشل‪( ،‬باستثناء الملتمس الذي أثير سنة ‪ 1962‬أيام كان الجنرال ديغول رئيسا‬
‫للدولة) ومن آخرها ما جرى في الوالية التشريعية األخيرة‪ :‬ملتمس ‪ 08‬أبريل‬
‫‪2008‬؛ وملتمس ‪ 27‬يناير ‪2009‬؛ وملتمس ‪ 08‬يوليوز ‪ .2009‬انظر تاريخ‬
‫التجربة التشريعية بفرنسا منذ ‪ ،1789‬ضمن موقع الجمعية الوطنية الفرنسية‪:‬‬
‫‪http://www.assemblee-nationale.fr/histoire/index.asp‬‬ ‫(تاريخ‬
‫الزيارة‪)2013/01/17 :‬‬
‫‪ -264‬ال يحتفظ تاريخ الممارسة البرلمانية في المغرب إال بتقديم ملتمسين للرقابة‪،‬‬
‫األول منهما كان سنة ‪ 1964‬والثاني سنة ‪.1990‬‬
‫‪153‬‬
‫ترتيب نظري ال أكثر؛‪ 265‬لكن هل يعني ذلك إسقاط هذا الحق‬
‫وعدم ممارسته من قبل أعضاء الغرفة األولى؟‬
‫واضح‪ ،‬من خالل التجربة‪ ،‬أن الممارسة دلت على أن‬
‫أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية كانوا دائما يتمسكون بهذا‬
‫الحق‪ ،‬ويُفعّلونه‪ ،‬حتى مع علمهم بأن التلويح به ال يؤدي‬
‫بالضرورة إلى إسقاط الحكومة‪ ،‬لكنهم كانوا يستعملونه لغايات‬
‫أخرى‪ ،266‬أي أن الحكومة قد تدخل في حساباتها المصلحة العليا‬
‫للحزب أحيانا‪ ،‬وهو أمر له حضوره القوي بالنسبة إلثارة‬
‫المسؤولية السياسية للحكومة‪ ،‬مما يجعل رئيس الوزراء قد‬
‫يستغني عن وزير في فريقه‪ ،‬أو حتى يعدل من سياسته‬
‫وتوجهاته خاصة في نظام حزبي ال يقوم على الثنائية الحزبية‪،‬‬
‫بل على بناء التحالفات كما هو الحال في فرنسا‪267‬؛ ومن ثم‬
‫لماذا ال ينحى مجلس النواب المغربي نفس المنحى؟‬
‫إن عدم التواني في استعمال هذا الحق ألغراض عديدة‪ ،‬ليس‬
‫أقلها تحقيق مكاسب سياسية حزبية أحيانا‪ ،‬أو المشاركة في‬
‫الحكم إن تهيأت الفرصة لذلك أحيانا أخرى‪ ...‬يدل على النضج‬
‫السياسي الذي يتمتع به عضو الجمعية الوطنية في البرلمان‬
‫الفرنسي‪ ،‬حيث إنه يستغل كل مساحة الهامش المسموح بها‬
‫دستوريا ويستنفذها‪ ،‬على األقل حتى يبعد عنه كل تقصير ذاتي‪،‬‬

‫‪ -265‬حيث «يتفق أحيانا أن يتخلى رئيس الحكومة عن وزير يعارضه البرلمان‬


‫بفعل أعماله الشخصية‪ ».‬انظر دوفيرجيه‪ :‬المؤسسات السياسية والقانون‬
‫الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.128 .‬‬
‫‪ -266‬دوفيرجيه‪ :‬المؤسسات السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.127‬‬
‫‪ -267‬دوفيرجيه‪ :‬المؤسسات السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.133-132‬‬
‫‪154‬‬
‫تاركا مساحة النقد توجه لما هو موضوعي‪ ،‬وهو ما يستدعي‬
‫قطعا مزيدا من االجتهاد الفقهي – الدستوري لتحقيق مبدأ‬
‫التوازن بين السلطتين‪ :‬التشريعية والتنفيذية‪ ،‬للوصول إلى آلية‬
‫قد تتجاوز عيوب "العصر الذهبي للبرلمانات" و"العقلنة‬
‫البرلمانية المفرطة" معا‪.‬‬
‫وهنا يأتي دور الحكامة الجيدة لتنصب نفسها بديال عن هذه‬
‫الرقابة المزدوجة (ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية) من‬
‫خالل بسط نوع مما يمكن نعته بـ"الرقابة الذاتية" التي تنسحب‬
‫أيضا على حقل السلطة القضائية‪.‬‬
‫"الرقابة الذاتية" للحكامة رقابة تأتي بين األخالق والقانون‪،‬‬
‫وهي تفرض على المؤسسة أو الهيئة – قبل أن تكون مسؤولة‬
‫أمام غيرها من المؤسسات أو الهيئات – أن تكون مسؤولة أمام‬
‫نفسها‪ :‬أخالقيا‪ ،‬أوال‪ ،‬وقانونيا‪ ،‬ثانيا‪.‬‬
‫فال يكفي التنطع لتحمل المسؤولية‪ ،‬بل يجب أن يقترن هذا‬
‫التحمل بمبادئ الحكامة الجيدة‪ :‬األداء الفعال‪ ،‬والناجع‪ ،‬والنزيه‪،‬‬
‫والشفاف‪ ...‬استحضارا لألخالق والضمير المهني‪ ،‬أوال وقبل‬
‫كل شيء‪ ،‬لكن في حال غياب األخالق والضمير يحضر القانون‬
‫بقوته اإللزامية‪ :‬فالمسؤولية تعني المحاسبة أيضا‪ ،‬المبدأ اآلخر‬
‫للحكامة الجيدة‪.‬‬
‫وما يصدق على المؤسسة التشريعية يصدق أيضا على‬
‫السلطة التنفيذية‪ ،‬في كثير من الجوانب؛ نختار منها بعض‬
‫األمثلة‪:‬‬

‫‪155‬‬
‫فالقانون التنظيمي ‪ 268،02.12‬مثال – وسنعود لمناقشته‬
‫بتفصيل الحقا – قد عمل على تمطيط وتوسيع معيار الطبيعة‬
‫االستراتيجية‪ ،‬لعدد من المؤسسات والمقاوالت العمومية‪ ،‬لكونه‬
‫لم يحدد بدقة مؤشرات هذا المعيار‪ ،‬مما نتج عنه أن جزءا من‬
‫الصالحيات ذات العالقة بالمجال الحصري للحكومة انزاح إلى‬
‫المجال المشترك‪ 269،‬وبالتالي انزاح القانون التنظيمي المذكور‬
‫عن التأويل الديمقراطي السليم للوثيقة الدستورية‪ ،‬وتكريس‬
‫صالحيات المجلس الوزاري بطبيعة إستراتيجية توجيهية‬
‫تحكيمية‪ ،‬في مقابل جعل الحكومة مسؤولة عن تنفيذ برنامجها‪،‬‬
‫وعن تدبير السياسات العمومية والقطاعية‪.270‬‬
‫وهو انزياح يكرسه أيضا مشروع القانون التنظيمي الذي‬
‫أعدته وزارة العدل إلخراج المجلس األعلى للسلطة القضائية‬
‫إلى الوجود‪ ،‬حيث أعطى للملك حق تعيين الرئيس المنتدب‬
‫للمجلس األعلى للسلطة القضائية‪271‬؛ كما أن مشروع القانون‬
‫الجديد للهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة خول للملك حق تعيين‬
‫‪ -268‬قانون تنظيمي رقم ‪ 02.12‬يتعلق بالتعيين في المناصب العليا‪ ،‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.12.20‬بتاريخ ‪ 27‬من شعبان ‪ 17( 1433‬يوليو‬
‫‪ ،)2012‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6066‬بتاريخ ‪ 29‬شعبان ‪19( 1433‬‬
‫يوليو ‪ ،)2012‬ص‪.4265 .‬‬
‫‪ -269‬أي بين المجال المحفوظ للملك والحصري للحكومة؛ انظر الهامش ‪330‬‬
‫الحقا‪.‬‬
‫‪ -270‬حسن طارق‪ :‬السياسات العمومية في الدستور المغربي الجديد‪ ،‬ضمن‬
‫المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،2012 ،92‬ص‪ 98 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -271‬في دستور ‪( 1996‬الفصالن ‪ 33‬و‪ )84‬كان للملك الحق في تعيين القضاة‬
‫باقتراح من المجلس األعلى؛ أما في دستور ‪( 2011‬الفصل ‪ )57‬فأصبحت‬
‫الصيغة‪« :‬يوافق الملك بظهير على تعيين القضاة من قبل المجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية‪».‬‬
‫‪156‬‬
‫رئيس هذه الهيئة‪ ،‬باقتراح من رئيس الحكومة‪ ،‬علما بأن هذه‬
‫الصالحيات لم ينص عليها القانون ‪27202.12‬؛ فلماذا تعجز‬
‫الحكومة على اتخاذ مبادرة لتوسيع صالحياتها‪ ،‬بما جاء به‬
‫الدستور نفسه؟‬
‫وفي نفس السياق لنا أن نتساءل‪ ،‬مثال‪ ،‬في أفق قراءة الفصل‬
‫األول من الدستور‪ :273‬لماذا يتم احترام مبدأ التوازن والتعاون‬
‫فيما يتعلق بين الحكومة والبرلمان‪ ،‬وال يتم ذلك عند الحديث عن‬
‫المؤسسة الملكية‪ ،‬بما أنها مكون أساس من النظام الدستوري‬
‫للمملكة؟‬
‫ولماذا فصل الدستور‪ ،‬في بابه السادس‪ ،‬في الحديث عن‬
‫العالقة بين الملك والمؤسسة التشريعية‪ 274،‬وفصل في الحديث‬
‫عن العالقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؛‪ 275‬ثم صام عن‬
‫الحديث فيما ينظم العالقة بين الملك والحكومة؟‬
‫ألم يكن من شأن تخصيص فصول لذلك أن يجنب الفقه‬
‫الدستوري كثيرا من النقاش؟ فلماذا أحجم المشرع الدستوري‬
‫عن ذلك؟ ولماذا ال يتم اختراق نمطية التأويل الدستوري‪،‬‬
‫الحاصل حتى اآلن‪ ،‬نحو بنية أكثر تقدمية؟‬
‫نعتقد بأن جميع المؤسسات الدستورية المغربية ال بد وأن‬
‫تتخذ خطوات أولى‪ ،‬أكثر جرأة‪ ،‬في تأويلها للمتن الدستوري‪،‬‬

‫‪ -272‬جريدة أخبار اليوم في عددها الصادر يوم الجمعة ‪ 28‬يونيو ‪ .2013‬وقمنا‬


‫بمقارنة ذلك فعال مع القانون التنظيمي المذكور‪ ،‬وهو ما خصصنا له قسما مهما‬
‫ضمن الحديث عن السلطة التنفيذية‪ ،‬في المبحث الموالي‪.‬‬
‫‪ -273‬ونص هذا الفصل‪« :‬يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل‬
‫السلط وتوازنها وتعاونها‪»...‬‬
‫‪ -274‬وخصص لذلك الفصول‪95 :‬؛ ‪96‬؛ ‪97‬؛ ‪98‬؛ ‪.99‬‬
‫‪ -275‬وخصص لذلك الفصول‪100 :‬؛ ‪101‬؛ ‪102‬؛ ‪103‬؛ ‪104‬؛ ‪105‬؛ ‪.106‬‬
‫‪157‬‬
‫يسرع الوتيرة نحو إرساء الديمقراطية‪ ،‬عبر المرتكزات‬ ‫باتجاه ّ‬
‫األربع التي أعلن عنها الدستور‪ ،‬وفي مقدمتها الحكامة الجيدة‪،‬‬
‫قياسا على ما جرى في األنظمة الملكية األوربية‪.‬‬
‫فاألنظمة الدستورية األوربية‪ ،‬التي اختارت أن تشتغل من‬
‫داخل أنظمة ملكية‪ ،‬لم تحقق إنجازاتها الحالية دفعة واحدة‪ ،‬كما‬
‫أنها لم تمر جميعا عبر ثورات دموية عنيفة‪ ،‬بل حدث ذلك عبر‬
‫تراكم تاريخي طويل وثورات هادئة في المعظم األعم؛‪ 276‬رغم‬
‫أن دساتيرها ما زالت تحتفظ بصالحيات واسعة لمؤسساتها‬
‫الملكية‪ ،‬لكنها أرست أنظمة دستورية جد متقدمة بالتوصل إلى‬
‫تحقيق ثقافة "حكماتية"‪ ،‬تنتظم لها جميع المؤسسات؛ بحيث باتت‬
‫معايير الفعالية والنجاعة والشفافية واقتران المسؤولية بالمحاسبة‬
‫وحقوق المرأة وترسيخ دولة الحق والقانون‪ ...‬من األمور المسلم‬
‫بها في جميع المؤسسات والهيئات‪ ،‬حتى لو لم تنص دساتيرها‬
‫على حكامة جيدة‪ ،‬ألنها عملت على إرساء أعراف دستورية في‬
‫هذا االتجاه‪ ،‬وهو ما تشهد عليه أمثلة عديدة من هذه األنظمة‬
‫الدستورية‪.‬‬
‫فحسب الدستور اإلسباني مثال‪ :‬الملك رئيس الدولة ورمز‬
‫وحدتها واستمراريتها‪ ،‬وهو الحكم والساهر على حسن سير‬
‫مؤسساتها؛ وهو أعلى ممثل للدولة اإلسبانية في العالقات‬
‫الدولية‪ ...‬وشخصه ال ينتهك (ف‪)56 .‬؛ وهو الذي يصدر‬
‫القوانين‪ ...‬ويستدعي الكورتيس العام؛ ويدعو إلى االنتخابات‬

‫‪ -276‬ال نسمع عن ثورات دموية عنيفة دانمركية أو نرويجية أو هولندية أو‬


‫سويدية‪ ...‬بل حتى الثورة البريطانية ‪ -‬التي بصمت التاريخ بقوة – تعرف بـ"الثورة‬
‫المجيدة"‪ ،‬وإسبانيا انتقلت في هدوء وسالسة‪ ،‬منذ منتصف سبعينيات القرن‬
‫الماضي‪ ،‬لتصنع لنفسها ديمقراطية أيضا‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫واالستفتاء‪ ...‬ويقترح مرشحا لرئاسة الحكومة‪ ...‬ويعيّنه وينهي‬
‫صالحياته‪ ،‬بناء على ما يحدده الدستور‪ ...‬ويعيّن في الوظائف‬
‫المدنية والعسكرية‪ ...‬ويمارس القيادة العليا للقوات المسلحة؛‬
‫ويحاط علما بما يدور في المجلس الوزاري؛ ويمارس حق‬
‫العفو‪( ...‬ف‪...277)62 .‬‬
‫وحسب الدستور البلجيكي‪ :278‬يمارس الملك السلطة‬
‫التشريعية الفيدرالية إلى جانب ممثلي مجلس الشيوخ (ف‪)36 .‬؛‬
‫وهو يمتلك السلطة التنفيذية الفيدرالية (ف‪)37 .‬؛ وباسمه تصدر‬
‫األحكام القضائية (ف‪)40 .‬؛ وله حق استدعاء الغرف‬
‫التشريعية لالجتماع (ف‪)44 .‬؛ وشخصه ال ينتهك (ف‪)88 .‬؛‬
‫ويعين الحكومة (ف‪...)88 .‬‬
‫وحسب الدستور النرويجي ‪ :‬شخص الملك مقدس (الفصل‬
‫‪279‬‬

‫‪ ،)5‬ويمتلك السلطة التنفيذية (الفصل ‪)3‬؛ وعليه أن يكون مؤمنا‬


‫بالديانة األنجليكانية اللوثرية ويعمل على رعايتها وحمايتها‬
‫(الفصل ‪)4‬؛ وله صالحيات واسعة تجعله يتدخل‪ ،‬ليس فقط في‬
‫تعيين كبار الموظفين‪ ،‬بل وحتى في إلغاء بعض الضرائب‪ ،‬أو‬

‫‪ -277‬الدستور اإلسباني (‪ 27‬ديسمبر ‪ ،)1978‬على الرابط‪:‬‬


‫‪http://www.boe.es/legislacion/enlaces/documentos/Constitucio‬‬
‫(مرجع سابق) ‪nFRANCES.pdf‬‬
‫‪ -278‬رابط الدستور البلجيكي‪:‬‬
‫‪https://www.uclouvain.be/cps/ucl/doc/drt/documents/Constitut‬‬
‫(مرجع سابق) ‪ion_belge.pdf‬‬

‫‪ - 279‬يراجع الدستور النرويجي على الرابط‪:‬‬


‫(مرجع سابق) ‪http://mjp.univ-perp.fr/constit/no1905.htm‬‬
‫‪159‬‬
‫الرفع من ضرائب أخرى‪( ...‬الفصول‪17 :‬؛ ‪18‬؛ ‪19‬؛ ‪20‬؛‬
‫‪ :)21‬لكن عمليا هل يمارس الملك النرويجي هذه الصالحيات؟‬
‫وهناك صالحيات مشابهة لهذه ضمنها الدستور الهولندي‬
‫لملك هولندا‪280‬؛ والدستور الدنمركي لملك الدنمرك‪...281‬‬
‫ما نريد قوله من خالل هذه المقارنة مع دساتير أنظمة ملكية‬
‫أخرى‪ ،‬أن صالحياتها تتقاطع في كثير من جوانبها مع‬
‫الصالحيات المخولة للمؤسسة الملكية في الدستور المغربي (وقد‬
‫أوردنا هنا فقط أمثلة عن المجاالت التي يحدث فيها بعض‬
‫التقاطع)؛ لكن مجال التأويل والتنزيل الدستوري مختلف كثيرا‬
‫بين المغرب وهذه البلدان‪ ،‬ونعتقد بأن السبب في ذلك ال يرجع‬
‫باألساس إلى ورود هذه الصالحيات‪ ،‬من عدمه‪ ،‬في الوثائق‬
‫الدستورية‪ ،‬بل يرجع إلى طبيعة المتلقي الذي يعمل على تحديد‬
‫مجال الفهم والتأويل ذاته‪ ،‬حيث يعمل من يقوم بالتأويل – في‬
‫المغرب ‪ -‬على تضييق المجال‪ ،‬وعدم القدرة على اإلبداع في‬
‫اتجاه التأويل الديمقراطي؛ بينما دلت الممارسة بالديمقراطيات‬
‫العريقة‪ ،‬على عكس ذلك تماما‪ ...‬وكل هذا يجعلنا نخلص إلى‪:‬‬
‫أن النظام الدستوري (المرتبط بالتأويل والعرف الدستوري) هو‬
‫ثقافة وممارسة قبل أن يكون مجرد نص قانوني‪.‬‬
‫وهكذا ننتهي في جوابنا على السؤال المثار في بداية هذه‬
‫الفقرة‪ :‬ما طبيعة "البرلمانية" التي قصدها المشرع الدستوري؟‬

‫‪ - 280‬في الفصول‪42 :‬؛ ‪43‬؛ ‪44‬؛ ‪46‬؛ ‪47‬؛ ‪48‬؛ ‪49‬؛ ‪73‬؛ ‪ ...74‬انظر الدستور‬
‫الهولندي على الرابط‪:‬‬
‫(مرجع سابق) ‪http://mjp.univ-perp.fr/constit/pb1983.htm‬‬
‫‪ - 281‬في الفصول‪3 :‬؛ ‪12‬؛ ‪13‬؛ ‪ ...14‬انظر الدستور الدنمركي على الرابط‪:‬‬
‫(مرجع سابق) ‪http://mjp.univ-perp.fr/constit/dan1953.htm‬‬
‫‪160‬‬
‫إلى أننا سنكون واهمين إذا اعتقدنا بأن "البرلمانية الحقيقية"‬
‫تعطى بمجرد تعديل يرد على نص جامد‪ ،‬حتى لو كان الدستور‬
‫نفسه‪ ،‬بل يجب أن تبعث الحياة في هذا النص‪ ,‬ألن الملكية‬
‫البرلمانية بكل بساطة ال يمكن «أن تنشأ في مجتمع يعاني من‬
‫نقص فادح في الثقافة الديمقراطية في نسيجه العام‪ ...‬ويعاني‬
‫من ثقل المواريث في األفكار والذهنيات وفي البنى‬
‫والمؤسسات‪ ...‬إنها بناء مستمر للسياسة واالجتماع‬
‫‪282‬‬
‫والثقافة‪»...‬‬
‫وعليه فجميع المؤسسات الدستورية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬المغربية‬
‫وتؤول‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يجب أن تعي جيدا عمق األدوار المنوطة بها؛ وتفهم‪،‬‬
‫نصوص الدستور في هذا االتجاه‪ ،‬وليس العكس‪ :‬إن المجتمع‬
‫المتخلف يفهم دستوره فهما متخلفا‪ ،283‬بينما تُفهم‪ ،‬وتُؤول‪،‬‬
‫الدساتير في األنظمة الديمقراطية العريقة دائما في االتجاه الذي‬
‫يكرس مزيدا من الحقوق والحريات‪ .‬ومعروف بأن عالقة‬
‫السلطة بين الحكام والمحكومين هي عالقة طردية‪ ،‬إذ كلما مال‬
‫الحكام إلى االستئثار بالحكم إال وتقلص هامش الحقوق‬
‫والحريات‪ ،‬وكلما اتسعت مساحة الحقوق والحريات إال وارتخت‬
‫قبضة الحكام عن السلطة‪.‬‬

‫‪ -282‬عبد اإلله بلقزيز‪ :‬ثورات وخيبات – في التغيير الذي لم يكتمل‪ ،‬منتدى‬


‫المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،2012 ،‬ص‪.217 – 216 .‬‬
‫‪ -283‬نموذج لجوء حزب االستقالل إلى االستنجاد بالفصل ‪ 42‬من الدستور‬
‫والمطالبة بالتحكيم الملكي في نزاع حزبي – حزبي (بعد قرار المجلس الوطني‬
‫لحزب االستقالل باالنسحاب من الحكومة في ‪ 11‬ماي ‪ ،)2013‬وهو ما يعد ردة‬
‫بالممارسة الدستورية إلى الوراء‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫إن الجواب عن الخالصة التي انتهى إليها بن دورو‪« :‬ال‬
‫فرق بين مغرب ما قبل التعديل الدستوري ومغرب ما بعد‬
‫التعديل‪ ،‬ألن ممارسة التسلط ما زالت حاضرة»‪ 284‬ال يقع دائما‬
‫في حقل الدولة العميقة‪ ،‬يجيب الحقوقي فؤاد عبد المومني‪،‬‬
‫فالتحوالت التي عرفها المجتمع المغربي «جعلت التسلط فعال‬
‫ينحسر‪ ...‬وإن كان ما يزال قائما»‪ ،285‬وجميع األطياف‬
‫مسؤولة عنه‪ ،‬وفي مقدمتها المنتمين «للصف الديمقراطي الذي‬
‫يكتفي فقط بالشعارات وال يقدم برامج قوية للتطبيق»‪.286‬‬
‫إننا أمام متن دستوري متقدم بشكل واضح عن كل ما سبقه‬
‫من دساتير؛ ومعنى ذلك أن ممارسة "النظام الدستوري" – بما‬
‫هو واقع يتم تصريفه على األرض – هي التي يجب أن ترتفع‬
‫لتسمو إلى النص الدستوري – بما هو قانون مكتوب – وليس‬
‫العكس؛ حيث إن االنزالق بالدستور (النص) إلى الواقع المعيب‪،‬‬
‫الذي جاء أصال إلصالحه‪ ،‬سيكرس طبيعة النموذج التقليداني؛‬
‫وعليه فإننا نحتاج إلى تثوير الذهنيات وليس فقط القوانين‬
‫الجامدة‪ ،‬ألن النظام الدستوري‪ ،‬كما أعلنا عن ذلك من قبل‪،‬‬

‫‪ -284‬عمر بن دورو‪ :‬مداخلة حول موضوع واقع الديمقراطية بالمغرب‪ ،‬ضمن‬


‫لقاء نظمه االئتالف المغربي لهيئات حقوق اإلنسان تحت شعار‪" :‬نضال مستمر‬
‫من أجل الديمقراطية وحقوق اإلنسان بالمغرب"‪ ،‬بنادي المحامين‪ ،‬الرباط‪21 ،‬‬
‫سبتمبر ‪.2013‬‬
‫‪ -285‬فؤاد عبد المومني‪ :‬مداخلة بعنوان "الديمقراطية في المغرب – ثنائيات‬
‫ومفارقات"‪ ،‬ضمن لقاء نظمه االئتالف المغربي لهيئات حقوق اإلنسان‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.‬‬
‫‪ -286‬فؤاد عبد المومني‪ :‬الديمقراطية في المغرب – ثنائيات ومفارقات‪ ،‬المعطيات‬
‫السابقة نفسها‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫يتألف من طابقين‪ ،‬وال فائدة من إجراء إصالح على الطابق‬
‫العلوي إذا كان الطابق السفلي ما زال يفكر بطريقة تقليدانية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫في طبيعة العالقة بين الحكامة الجيدة‬
‫والنظام الدستوري المغربي‬

‫إن مجال الحكامة الجيدة واسع جدا‪ ،‬وتمظهراته كثيرة‬


‫«ابتداء من الدستور والمؤسسات والهياكل الدستورية‬
‫والقوانين‪ ،‬مرورا باحترام مبدأ فصل السلط وتكريس دولة‬
‫الحق والقانون‪ ،‬وصوال إلى احترام الحريات األساسية الفردية‬
‫والجماعية للمواطنين وإشراك كل الفاعلين من مجتمع مدني‬
‫‪287‬‬
‫وجمعيات ومقاوالت ونقابات وغيرها في اتخاذ القرار»‬
‫والقول بأن النظام الدستوري المغربي يستجيب لشروط الحكامة‬
‫الجيدة يعني أن يوفر على األقل حدا أدنى من المواصفات‬
‫والشروط التي تحكم مؤسساته الدستورية الكبرى‪ ،‬ومن خاللها‬
‫باقي المؤسسات األخرى‪ ،‬بل وتسري في تنظيمات المجتمع كله‪،‬‬
‫وهذا ما سنعرض له في مطلب أول‪.‬‬
‫لكننا نعلم بأن نظامنا الدستوري‪ ،‬والسياسي عامة‪ ،‬ال يعدل‬
‫األنظمة الديمقراطية العريقة‪ ،‬والدستور المغربي نفسه‪ ،‬وكما‬
‫نصصنا على ذلك في مطلب سابق‪ ،‬انتبه إلى ذلك فرسم غايات‬
‫أو أهدافا مستقبلية‪ ،‬أراد من خاللها لنظامه الدستوري أن يسير‬

‫‪ -287‬أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.116 .‬‬


‫‪163‬‬
‫بثبات نحو ديمقراطية حقيقية‪ ،‬تؤطرها مبادئ ومعايير الحكامة‬
‫الجيدة (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المؤسسة الملكية والسلطة التنفيذية‬


‫إذا كانت األنظمة الدستورية الديمقراطية‪ ،‬عادة‪ ،‬تشتغل من‬
‫خالل مكوناتها الثالث الكبرى‪ ،‬أو السلطات الثالث (التشريعية؛‬
‫التنفيذية؛ القضائية) فإن النظام الدستوري المغربي يجبرنا‪،‬‬
‫فضال عن ذلك‪ ،‬على التوقف مليا أمام مؤسسة أخرى هي‬
‫المؤسسة الملكية‪.‬‬
‫وبناء عليه فإننا نقترح مقاربة وظيفة الحكامة الجيدة في‬
‫النظام الدستوري المغربي من خالل فحص مدى فعالية آليات‬
‫الحكامة الجيدة على المؤسسة الملكية في فرع أول؛ قبل أن نقوم‬
‫باستدعاء مؤسسة الحكومة‪ ،‬وتحديد أدوارها المسطرة لها‬
‫دستوريا‪ ،‬ثم مقاربتها على ضوء مفردات الحكامة ومعاييرها‪،‬‬
‫(الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المؤسسة الملكية‬


‫إن المؤسسة الملكية بموروثها التقليداني‪ ،‬خاصة المستند إلى‬
‫إمارة المؤمنين‪ ،‬كانت دائما تهيمن على جميع السلطات‬
‫(التشريعية؛ القيادة العليا للجيش؛ الرئاسة الفعلية للجهاز‬
‫التنفيذي؛ القضاء)؛ حيث نالحظ تاريخيا أن السلطان‪/‬أمير‬
‫المؤمنين كان يؤدي عمليا هذه األدوار جميعا‪ .‬هنا سنعرض‪،‬‬
‫بإيجاز شديد‪ ،‬لممارسته لهذه األدوار في فقرة أولى؛ قبل أن‬

‫‪164‬‬
‫نعرض لبسط الحديث عن بعض مالمح التحول الذي طرأ على‬
‫هذه الممارسة في فقرة ثانية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪:‬‬
‫تداخل األدوار في شخص الملك‪/‬أمير المؤمنين‬

‫أوال‪ :‬السلطة التنفيذية وقيادة الجيش‬


‫‪ –1‬على المستوى التنفيذي‬
‫لقد جرى اعتبار السلطان دائما بمثابة الرئيس األعلى‬
‫لإلدارة‪/‬المخزن‪ 288،‬بل إن ممارسة "السلطة التنفيذية" بالمفهوم‬
‫الدستوري المعاصر‪ ،‬كانت أهم وظيفة يحرص على‬
‫ممارستها‪ 289،‬خاصة فيما يتعلق بضبط األمن وجباية الضرائب‬
‫‪290‬‬
‫ومد اإلدارة عبر مختلف أرجاء الدولة‪.‬‬
‫ونظرا لتشعب هذه المهام‪ ،‬واألدوار‪ ،‬وتعقدها كان السلطان‬
‫يلجأ لتفويض بعض اختصاصاته إلى الوزراء‪ ،291‬الذين نادرا‬

‫‪ -288‬مصطفى الشابي‪ :‬النخبة المخزنية في مغرب القرن التاسع عشر‪ ،‬منشورات‬


‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط‪ ،‬رقم ‪ ،26‬مطبعة فضالة‪ ،‬المحمدية‪،1995 ،‬‬
‫ص‪ .21 .‬ومحمد لحبابي‪:‬‬
‫‪LAHBABI (Mohamed): Le gouvernement marocain à l’aube‬‬
‫‪du XXéme siècle, les éditions maghrébines, Casablanca, 1975,‬‬
‫‪P .24‬‬
‫‪289 - BENDOUROU (Omar): le pouvoir Exécutif au Maroc‬‬
‫‪depuis l'indépendance, Editions Publisud, Paris, 1986, P. 30.‬‬
‫‪ -290‬محمد أشركي‪ :‬الظهير الشريف في القانون العام المغربي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،1983 ،‬ص‪.17.‬‬
‫‪ -291‬كان يرأس الوزراء‪ ،‬في القرن ‪ ،19‬الصدر األعظم وهو مدير الديوان‪،‬‬
‫ويشرف على عدد من الوزراء أهمهم‪ :‬وزير البحر (الخارجية)؛ وأمين األمناء‬
‫‪165‬‬
‫ما كانوا يتمتعون بسلطة التقرير‪ ،292‬ألن سلطتهم كانت تتوقف‬
‫على إرادة السلطان‪.293‬‬
‫‪ –2‬قيادة الجيش‬
‫كانت قيادة الجيش أيضا من المهام التي التصقت بشخص‬
‫السلطان‪ ،294‬إلى درجة أنه أصبح من الصعوبة تصور جيش ال‬
‫يقوده بنفسه إال فيما ندر‪ ،‬سواء تعلق األمر بالحروب والنزاعات‬
‫"الحركات" التأديبية التي كان يجردها ضد القبائل‬
‫ْ‬ ‫الخارجية أو‬
‫الثائرة‪ ،‬فضال عن إشرافه المباشر على التداريب والعروض‬
‫العسكرية‪.295‬‬

‫(األمور المالية)؛ والعالف (الجيش)؛ والشكايات (العدل)‪ ...‬انظر الحسن السائح‪:‬‬


‫الحضارة اإلسالمية في المغرب‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪ ،1986‬ص‪422 .‬؛ ومحمد أزواغ‪ :‬اختصاصات رئيس الدولة في النظام‬
‫الدستوري المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬يونيو‬
‫‪ ،1984‬ص‪.71.‬‬
‫‪ -292‬وذلك أثناء بعض فترات تاريخ المغرب مثال‪ :‬ضعف المرينيين (الناصري‪:‬‬
‫االستقصا ألخبار دول المغرب األقصى‪ ،‬تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد‬
‫الناصري‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1954 ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪81 – 80 .‬؛ وابن‬
‫األحمر‪ :‬بيوتات فاس الكبرى‪ ،‬دار المنصور للطباعة والوراقة‪ ،‬الرباط‪،1972 ،‬‬
‫ص‪)59 - 58 .‬؛ أو بعد وفاة المولى إسماعيل‪( ...‬عبد هللا العروي‪ :‬مجمل تاريخ‬
‫المغرب‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.)...88 .‬‬
‫‪ -293‬محمد أشركي‪ :‬الظهير الشريف في القانون العام المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.16.‬‬
‫‪294- SHIMI (Mostapha): La notion de constitution, Thèse‬‬
‫‪Science politique, Faculté des Sciences Juridiques,‬‬
‫‪É conomiques et Sociales, Univ. Mohamed V, Rabat, 1984.,‬‬
‫‪p.47.‬‬
‫‪295- Laroui, Abdallah : Les origines sociales et culturelles du‬‬
‫‪nationalisme marocain, Maspero, 1980, p.114.‬‬
‫‪166‬‬
‫ثانيا‪ :‬االختصاص التشريعي والقضائي‬
‫‪ –1‬االختصاص التشريعي‬
‫أثير جدل كبير حول ممارسة السلطان لالختصاص‬
‫التشريعي بين من رأى بأن هذا االختصاص‪ ،‬الذي كان يمارس‬
‫عبر ظهائر‪ ،‬كان في الحدود الضيقة جدا‪ ،‬ومشروطا بموافقة‬
‫الفقهاء‪ ،296‬فضال عن أن الظهير نفسه لم يكن أكثر من إجراء‬
‫إداري صرف ذي طابع فردي غالبا‪ ،297‬وهو بالتالي يفتقد إلى‬
‫الميزة الجوهرية للقانون وهي العمومية‪298‬؛ مما يجعلنا ننتهي‬
‫إلى أن السلطان لم يكن يملك أبدا السلطة التأسيسية‪ ،‬وبالتالي‬
‫السلطة التشريعية الحقيقية‪.299‬‬
‫ومن رأى بأن الظهير هو عمل تشريعي صرف‪ ،‬لكن دون‬
‫المساس بمقتضيات الكتاب والسنة‪300‬؛ ويجد هذا الرأي سنده في‬
‫كون السلطان كان يلجأ فعال إلى التشريع في الحاالت التي سكت‬
‫عنها الشرع كإحداث ضرائب جديدة‪ ،‬غير منصوص عليها في‬
‫الشريعة‪ ،‬أو عقد اتفاقيات خارجية‪ ...‬وهي قرارات كانت تكتسي‬
‫‪301‬‬
‫طابع العمومية واإللزامية والتجريد‪.‬‬

‫‪296- LAHBABI (Mohamed), op.cit, p. 34.‬‬


‫‪297- LAHBABI (Mohamed), op.cit, p.36.‬‬
‫‪298- LAHBABI (Mohamed), op.cit, p .38.‬‬
‫‪299- LAHBABI (Mohamed), op.cit, p .39.‬‬
‫‪ -300‬ابن زيدان‪ :‬العز والصولة في معالم نظم الدولة‪ ،‬تحقيق عبد الوهاب بن‬
‫منصور‪ ،‬المطبعة الملكية‪ ،‬الرباط‪ ،1961 ،‬ص‪ 8 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -301‬محمد أشركي‪ :‬الظهير الشريف في القانون العام المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪ .24 .‬ويجد هذا القول أساسه التاريخي الذي يدعمه في عدد من المصادر منها‪:‬‬
‫ابن زيدان‪ :‬إتحاف أعالم الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس‪ ،‬الرباط‪-1929 ،‬‬
‫‪ ،1933‬ج‪ ،2 .‬ص‪390 – 389 .‬؛ ومصطفى بنعلة‪ :‬مجموعة ظهائر ورسائل‬
‫السعديين‪ ،‬مطبعة الرباط نيت‪ ،‬الرباط‪ ،2011 ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪ .61 – 60 .‬وخوسي‬
‫‪167‬‬
‫‪ – 2‬مارس السلطان أيضا االختصاص القضائي‬
‫مارس السلطان وظيفة القضاء باعتباره إماما وأميرا‬
‫للمؤمنين‪ ،302‬وكان عدد من سالطين المغرب يخصصون يوما‬
‫في األسبوع للنظر في المظالم‪ ،‬على عكس ما ذهب إليه بن‬
‫دورو‪ ،303‬حيث كان أبو الحسن المريني مثال يخصص يومي‬
‫االثنين والخميس من كل أسبوع للنظر في المظالم‬
‫والشكايات‪ ،304‬وكان المنصور السعدي يخصص لذلك يوم‬
‫األربعاء‪ ،305‬بينما خصص الحسن األول يومي األحد‬

‫أليماني‪ :‬الكتائب المسيحية في خدمة الملوك المغاربة‪ ،‬ترجمة أحمد مدينة‪ ،‬ضمن‬
‫مجلة دعوة الحق‪ ،‬العدد ‪ ،5‬السنة ‪ ،19‬ماي ‪ ،1978‬ص‪...37 .‬‬
‫‪ -302‬هناك اختالف بين المؤرخين حول أول من حمل لقب "أمير المؤمنين" في‬
‫التاريخ المغربي‪ ،‬فمنهم من أرجعه إلى علي بن يوسف بن تاشفين (ابن أبي زرع‪:‬‬
‫األنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس‪،‬‬
‫تعليق محمد الهاشمي الفياللي‪ ،‬المطبعة الوطنية‪ ،‬الرباط‪ ،1936 ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.‬‬
‫‪)117‬؛ وبين من ردّه إلى عبد المؤمن بن علي (ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬ضمن كتاب‬
‫العبر‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪)242 .‬؛ أما لقب اإلمامة‬
‫فمعروف بأن استعماله ذاع منذ األدارسة (السنوسي‪ :‬الدرر السنية في أخبار‬
‫الساللة اإلدريسية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬ص‪68 .‬؛ وابن أبي زرع‪ :‬األنيس‬
‫المطرب‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪ 16 .‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪ -303‬يرى األستاذ بن دورو بأنه إلى غاية أواسط القرن ‪19‬م لم يكن السلطان هو‬
‫الذي يمارس السلطة القضائية‪ ،‬بل كان دوره يقتصر على تعيين قاضي القضاة في‬
‫فاس الذي يختار كل القضاة العاملين في البالد‪...‬‬
‫‪BENDOUROU (Omar): le pouvoir exécutif au Maroc depuis‬‬
‫‪l'indépendance, p. 30.‬‬
‫‪ -304‬ابن مرزوق‪ :‬المسند الصحيح الحسن‪ ،‬مخطوط رقم ‪ 185‬تاريخ‪ ،‬مصور‬
‫بالميكروفيلم‪ ،‬الخزانة العامة‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص‪( .74 .‬نقال عن محمد عيسى الحريري‪:‬‬
‫تاريخ المغرب اإلسالمي واألندلس في العصر المريني‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪،2 .‬‬
‫‪ ،1987‬ص‪.)274 .‬‬
‫‪ -305‬وذلك على هامش انعقاد مجلس الديوان‪ .‬انظر الناصري‪ :‬االستقصا‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ج‪ ،5 .‬ص‪.188 .‬‬
‫‪168‬‬
‫والثالثاء‪ ...306‬وقد سبق البن خلدون أن نبه إلى أن القضاء‬
‫يعتبر «من الوظائف الداخلة تحت الخالفة‪ ...‬وكان الخلفاء في‬
‫صدر اإلسالم يباشرونه بأنفسهم‪ ...‬وإنما كانوا يقلدون القضاء‬
‫لغيرهم‪ ...‬لقيامهم بالسياسة العامة وكثرة أشغالها»‪ ،307‬ولذلك‬
‫ال نستغرب عندما نقرأ‪ ،‬أحيانا‪ ،‬بأن السلطان كان يحرص على‬
‫توفير العدالة بنفسه باعتباره قاضيا أسمى لألمة‪.308‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬‬
‫تغيير تدريجي على أدوار المؤسسة الملكية‬
‫إننا ونحن نسجل بأن السلطان كان يهيمن على جميع‬
‫الصالحيات الدستورية‪ ،‬ويمارسها فعليا‪ ،‬علينا أن نسجل أيضا‬
‫بأنه قد تخلى عن بعض هذه المهام كليا‪ ،‬بصفة مباشرة‪ ،309‬وعن‬
‫بعضها اآلخر جزئيا‪ ،‬بينما ظل متمسكا بقوة ببعضها الثالث‪،‬‬
‫خاصة في الفترة الممهدة للحماية‪ ،‬وما تالها بعد ذلك‪.‬‬

‫‪ -306‬كان السلطان الحسن األول‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬يقوم بتخصيص يومي األحد‬
‫والثالثاء من كل أسبوع من أجل النظر في مثل هذه الشكايات‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪LAROUI (Abdallah) : Les origines sociales et culturelles du‬‬
‫‪nationalisme marocain, Maspero, Paris, 1980, p.113.‬‬
‫‪ -307‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.233 – 232 .‬‬
‫‪ -308‬محمد أزواغ‪ :‬اختصاصات رئيس الدولة في النظام الدستوري المغربي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.85 .‬‬
‫‪ -309‬ال يسجل التاريخ بأن السالطين الذين خلفوا الحسن األول قد قادوا بأنفسهم‬
‫حركات" تأديبية‪ ،‬أو عمليات جهادية‪ ...‬ولم ينتصبوا شخصيا للنظر في القضاء‪.‬‬‫" ْ‬
‫‪169‬‬
‫فالمؤسسة الملكية تخلت عن القيادة الميدانية للجيش منذ مدة‬
‫طويلة‪ ،‬رغم أنها ظلت القائد األعلى للقوات المسلحة‪ ،310‬وبنفس‬
‫الطريقة تخلت عن الممارسة الفعلية للقضاء‪ ،‬رغم أن‬
‫صالحياتها في هذا المجال ما زالت واسعة‪ ،311‬بينما ما تزال‬
‫تتمسك جزئيا بحقها في التشريع‪ ،‬وتتمسك كليا بوظيفتها‬
‫التنفيذية؛ فلماذا إذن تجاوزت المؤسسة الملكية وظائفها التاريخية‬
‫بسالسة على مستوى قيادة الجيش والقضاء‪ ،‬بينما تبدو متشبثة‬
‫أكثر بحقيها التشريعي والتنفيذي؟‬
‫يجب أن نسجل أوال بأن تنازل المؤسسة الملكية عن‬
‫الممارسة الفعلية للقضاء وقيادة الجيش‪ ،‬لم يمس أبدا مكانتها‬
‫االعتبارية داخل النظام الدستوري‪ ،‬والسياسي‪ ،‬المغربي؛ من‬
‫جهة ثانية – ومنذ دستور ‪ 1992‬على األقل – أصبحنا نالحظ‬
‫بأن المؤسسة الملكية تنازلت عن تفعيل عدد كبير من أدوارها‬
‫التشريعية‪ ،‬رغم التنصيص عليها دستوريا‪ ،312‬فضال عما جاء‬
‫به دستور ‪ 2011‬الذي اعترف بأن السلطة التشريعية‬

‫‪ -310‬جاء في الفصل ‪ 53‬من الدستور ما يلي‪« :‬الملك هو القائد األعلى للقوات‬


‫المسلحة‪ ،‬وله الحق في التعيين في الوظائف العسكرية‪ ،‬كما له أن يفوض لغيره‬
‫ممارسة هذا الحق‪».‬‬
‫‪ -311‬يعزز ذلك مجموعة من فصول الدستور من بينها‪« :‬يرأس الملك المجلس‬
‫األعلى للسلطة القضائية» (الفصل ‪)56‬؛ و"يوافق الملك بظهير على تعيين‬
‫القضاة من قبل المجلس األعلى للسلطة القضائية» (الفصل ‪)57‬؛ و«يمارس‬
‫الملك حق العفو‪( ».‬الفصل ‪.)58‬‬
‫‪ -312‬من ذلك مثال أن الملك لم يفعّل أبدا حقه في إحالة القوانين على المجلس‬
‫الدستوري‪ ،‬ولم يطلب أبدا إعادة القراءة الثانية للنصوص القانونية‪ ،‬كما أن حل‬
‫البرلمان (يونيو ‪ )1965‬يعتبر حالة شاذة ويتيمة في التاريخ البرلماني المغربي‪...‬‬
‫‪170‬‬
‫اختصاص برلماني‪ ،‬قبل كل شيء‪313‬؛ بل إن مجرد دخول‬
‫المغرب عهده الدستوري (ابتداء من سنة ‪ )1962‬يعني ضمنيا‬
‫اقتطاع جزء من المساحة التشريعية التي كانت مخصصة‬
‫للسلطان‪ ،‬قبل الحماية وخاللها‪ ،‬لصالح مؤسسة أخرى هي‬
‫البرلمان‪.‬‬
‫في المقابل تبقى السلطة التنفيذية هي التي ما زالت تشكل‬
‫المساحة األوسع من مهام المؤسسة الملكية‪ ،‬رغم أن دستور‬
‫‪ 2011‬حقق بعض االختراقات في هذا المجال‪314‬؛ كما أن‬
‫المؤسسة الملكية بدأت في ترسيخ بعض األعراف الدستورية‪،‬‬
‫وهي أعراف ينبغي تحصينها وتكريسها وإغناؤها‪...‬‬
‫لهذا فإن المؤسسة الملكية مدعوة ألن تحافظ على مكانتها‬
‫االعتبارية في الوجدان والذاكرة الجمعية التاريخية‪ ،‬من خالل‬
‫االرتفاع عن ممارسة باقي األدوار التشريعية والتنفيذية – ولو‬
‫بالممارسة العرفية – وتخويلها للمؤسسات المختصة بها؛ حتى‬
‫ال تكون المؤسسة الملكية طرفا في أي سلطة‪ ،‬وبالتالي تحتفظ‬
‫بحق التحكيم بين باقي المؤسسات عندما تدعو الضرورة إلى‬

‫‪ -313‬نقرأ في الفقرة ‪ 1‬من الفصل ‪ 70‬من الدستور‪« :‬يمارس البرلمان السلطة‬


‫التشريعية‪».‬‬
‫‪ -314‬أصبح من الضروري تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز في انتخابات‬
‫الغرفة األولى (الفصل ‪ ،)47‬كما أصبح بإمكانه أن يترأس المجلس الوزاري‪،‬‬
‫ويبادر بالدعوة إلى انعقاده (الفصل ‪ ،)48‬كما أصبح له (أي رئيس الحكومة) الحق‬
‫في حل مجلس النواب (الفصل ‪ ،)104‬وبالتالي الحكومة‪ ،‬واقتراح التعيين في‬
‫المناصب السامية على الملك (الفصل ‪ ،)49‬بل وحق التعيين في مناصب سامية‬
‫أخرى (الفصل ‪ ،)91‬وتوسيع مجال القانون (الفصل ‪ ،)71‬والمبادرة باقتراح‬
‫مراجعة الدستور (الفصل ‪...)172‬‬
‫‪171‬‬
‫ذلك‪ ،‬خاصة وأن التحكيم الملكي كان يمارس على سبيل العرف‬
‫الدستوري سابقا‪ ،‬أما اآلن فقد تمت دسترته فعال‪.315‬‬
‫أكيد أن "الدولة العميقة" ما زالت حاضرة بقوة في مالمح‬
‫النظام الدستوري المغربي (وهو ما يجعله مشدودا إلى التقليدانية‬
‫كما قلنا من قبل)‪ ،‬وهو أمر طبيعي بالنظر إلى تجذرها في‬
‫التاريخ المغربي على امتداد ‪ 12‬قرنا‪ ،‬لكن ما ينبغي إثارته‬
‫أيضا هو أن حوارا هادئا وعميقا يدور بين النظام والمجتمع‬
‫حتى قبل التعديل الدستوري األخير‪ ،‬وإن كان ليس بالسرعة‬
‫التي يريدها البعض‪ ،‬يدل عليه االنخراط في ترسيخ منظومة‬
‫الحقوق والحريات األساسية‪ ،‬والمصالحة مع الماضي (سنوات‬
‫الجمر والرصاص)؛ ثم االستجابة التي رد بها النظام على حركة‬
‫‪ 20‬فبراير‪ ،‬وإقرار دستور ‪...2011‬‬
‫ومن بين هذه اإلشارات أنه بعد أن كان الدستور القديم يحيل‬
‫على الديني والالهوتي "المقدس"‪ ،316‬فإن الجديد يحيل على‬
‫الديونطولوجي واألخالقي‪ :‬الملك‪-‬المواطن‪317‬؛ بما يتقاطع‬
‫ومفردات الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫‪ -315‬وهو ما ينص عليه الفصل ‪ 42‬من الدستور‪« :‬الملك رئيس الدولة‪ ،‬وممثلها‬
‫األسمى‪ ،‬ورمز وحدة األمة‪ ،‬وضامن دوام الدولة واستمرارها‪ ،‬والحكم األسمى‬
‫بين مؤسساتها‪ ،‬ويسهر على احترام الدستور‪ ،‬وحسن سير المؤسسات‬
‫الدستورية‪ ،‬وعلى صيانة االختيار الديمقراطي‪ ،‬وحقوق وحريات المواطنين‬
‫والمواطنات والجماعات‪ ،‬وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة‪».‬‬
‫‪ -316‬الفصل ‪ 23‬من دستور ‪.1996‬‬
‫‪ -317‬له واجب التوقير واالحترام وال تنتهك حرمته‪/‬الفصل ‪ ،46‬من دستور‬
‫‪.2011‬‬
‫‪172‬‬
‫وقد أبانت واقعة "دانييل ‪ "DANIEL‬الشهيرة‪ ،318‬بأن بعض‬
‫قرارات المؤسسة الملكية نفسها لم تعد محصنة من ردود الفعل‬
‫االجتماعية‪ ،319‬فمعايير الحكامة (من شفافية ومحاسبة ونحوها)‬
‫قد تطالها أيضا‪ ،‬وإن لم يتم ذلك عبر قنوات دستورية‪ ،‬بل‬
‫مباشرة من قبل الشارع ومنظمات المجتمع المدني الذي لم يعد‬
‫غير معني بالقرارات التي تتخذ من أعلى سلطة في الدولة‪ ،‬كما‬
‫كان األمر قبل دستور ‪ ،2011‬بل على العكس من ذلك أصبح‬
‫مراقبا فعليا لما يجري أمامه من أحداث‪ ،‬ولئن كان يصمت عن‬
‫بعض محطات الفساد السياسي أو الحزبي أو االنتخابي‪ ...‬فإن‬
‫ذلك ال يعني بأنه ال يعي‪ ،‬وال يقيّم‪ ،‬ما يجري تحت ناظريه من‬
‫أحداث‪ ،‬وهذا مكسب كبير من مكاسب حراك الربيع العربي‪،‬‬
‫والذي كرسته الوثيقة الدستورية المغربية األخيرة‪.‬‬
‫غير أن ما ينبغي التنويه به أن رد فعل المؤسسة الملكية على‬
‫االحتجاجات‪ ،‬التي أعقبت "قضية دانييل"‪ ،‬كان إيجابيا جدا‪،‬‬
‫مما رفع من رصيدها ورأسمالها الشعبي‪ ،‬إذ بقدر ما أشعل العفو‬
‫المذكور من غضب لدى المغاربة‪ ،‬بقدر ما كان تقديرهم كبيرا‬

‫‪ -318‬وهي قضية المجرم "دانييل" الذي توبع‪ ،‬وأدين‪ ،‬في قضايا اغتصاب أطفال‬
‫بثالثين سنة سجنا سنة ‪2011‬؛ ثم استفاد من عفو ملكي ضمن قائمة شملت ‪48‬‬
‫إسبانيا‪ ،‬بمناسبة الذكرى ‪ 14‬الحتفاالت عيد العرش‪ ،‬قبل أن يتم التراجع عن هذا‬
‫العفو وإلغاؤه يوم ‪ 4‬غشت ‪.2013‬‬
‫‪ -319‬يتطابق ذلك تماما مع رأي العميد دوغي الذي أوردناه سابقا ونحن بصدد‬
‫تعريف النظام الدستوري‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪DUGUIT (Léon): Traité du droit constitutionnel, 3ème édit.,‬‬
‫‪Paris, 1927, T.I, p. 710-711.‬‬
‫‪173‬‬
‫للطريقة التي حاول بها النظام ترميم تبعات هذا العفو‪ 320‬؛ وهو‬
‫ما يؤكد ما ذهبنا إليه من كون تنازل المؤسسة الملكية عن بعض‬
‫أدوارها ال يعني بالضرورة المساس بمكانتها االعتبارية داخل‬
‫النظام الدستوري‪ ،‬والسياسي‪ ،‬المغربي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬السلطة التنفيذية‪/‬الحكومة‬


‫إذا كان البرلمان مطالبا‪ ،‬عموما‪ ،‬بعدد معين من المبادئ‬
‫العامة حتى يتطابق تشكيله وأداؤه مع مقتضيات الحكامة الجيدة؛‬
‫وإذا كان القضاء مطالبا بعدد آخر من المبادئ حتى يؤدي‬
‫أدواره بتوافق مع هذه المقتضيات؛‬
‫فإن السلطة التنفيذية تبدو أكثر ارتهانا‪ ،‬من غيرها‪ ،‬بمفردات‬
‫الحكامة‪ ،‬ألنها تتعلق مباشرة بتدبير الشأن العام‪ ،‬ومسؤولة عن‬
‫تنفيذ البرامج والمشاريع‪ ،‬بما يحيل عليه ذلك من ارتباط‬
‫بالميزانية العامة للدولة وطرق تحصيلها وصرفها‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالمبادئ التي تحكمها تكون أكثر اتساعا ورحابة من تلك التي‬
‫تضبط مجالي السلطتين‪ :‬التشريعية والقضائية؛ فكيف أطر‬
‫الدستور‪ ،‬والنصوص التشريعية األخرى‪ ،‬ذلك؟ (فقرة أولى) وما‬
‫جدوى إحداث وزارة خاصة بالحكامة؟ (فقرة ثانية)‬

‫‪ -320‬تجلت محاولة ترميم العفو المذكور في إعادة المطالبة بمتابعة المجرم‪،‬‬


‫واستقبال أسر الضحايا‪ ،‬وتعديل مهم في أعلى هرم إدارة السجون‪ ،‬والشروع في‬
‫التفكير جديا لتغيير بنود مسطرة العفو‪...‬‬
‫‪174‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬النصوص المؤطرة للحكامة الجيدة‬
‫إضافة للفصول المشتركة التي وردت في الدستور‪ ،‬والتي‬
‫توجهت إلى مختلف مؤسساته الدستورية الكبرى‪ ،321‬فإننا نقرأ‬
‫في آخر فصول الباب الخامس‪ ،‬المخصص للسلطة التنفيذية‪ ،‬ما‬
‫يعضد مفهوم الحكامة الجيدة ويقويه؛ إذ بعد أن استعرض‬
‫المشرع الدستوري هيكلة الحكومة وكيفية تنصيبها وآلية‬
‫اشتغالها‪ ...‬ختم ذلك كله بالفصل ‪ 94‬الذي نص على أن‪:‬‬
‫«أعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة‪ ،‬عما‬
‫يرتكبون من جنايات وجنح‪ ،‬أثناء ممارستهم لمهامهم‪» ...‬؛‬
‫هذا فضال عن مسؤوليتهم أمام البرلمان‪.‬‬
‫ففي الباب السادس‪ ،322‬نجد في القسم الخاص بالعالقة بين‬
‫السلطة التشريعية والتنفيذية‪( ،‬الفصول من ‪ 100‬إلى ‪ )106‬ما‬
‫يندرج ضمن مفردات الحكامة الجيدة؛ حيث تم التنصيص على‬
‫آليات مراقبة الحكومة‪ ،‬بما ال يستوجب إثارة مسؤوليتها‬
‫السياسية في الفصول‪ 323100 :‬و‪ 324101‬و‪ ،325106‬ومعلوم‬

‫‪ -321‬كما ورد في التصدير الدستوري وفي الفصول‪ :‬األول‪ ،‬والسادس‪ ،‬والثالث‬


‫عشر‪ ،‬والتاسع عشر‪...‬‬
‫‪ -322‬ال نعلم لماذا أفرد المشرع الدستوري فصوال خاصة بالعالقة بين الملك‬
‫والسلطة التشريعية‪ ،‬ولم يتعامل بالمثل مع الملك والسلطة التنفيذية؟ األمر الذي‬
‫كان من شأنه أن يجنبنا كثيرا من السجاالت‪ ،‬العقيمة أحيانا‪ ،‬التي تثور في هذا‬
‫السياق؛ علما بأن صالحيات الملك التنفيذية تبدو أقوى‪ ،‬في المتن الدستوري‪ ،‬من‬
‫صالحياته التشريعية‪.‬‬
‫‪ -323‬نص الفصل ‪« :100‬تخصص باألسبقية جلسة في كل أسبوع ألسئلة‬
‫أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة‪.‬‬
‫تدلي الحكومة بجوابها خالل العشرين يوما الموالية إلحالة السؤال‬
‫إليها‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫في الفقه الدستوري أن إثارة هذا النوع من الرقابة قد يقصد منه‬
‫أغراض كثيرة منها‪ :‬إحراج الحكومة‪ ،‬أو انتزاع التزام بتنفيذ‬
‫وعد ما‪ ،‬أو تنوير المجلس – ومن خالله الرأي العام – حول‬
‫قضية معينة‪ ،‬أو حتى الحصول على استشارة قانونية مجانية في‬
‫موضوع معين‪ ...‬بينما حدد الفصالن ‪ 326103‬و‪ 327105‬متى‬

‫تقدم األجوبة على األسئلة المتعلقة بالسياسات العامة من قبل رئيس‬


‫الحكومة‪ ،‬وتخصص لهذه األسئلة جلسة واحدة كل شهر‪ ،‬وتقدم األجوبة عنها‬
‫أمام المجلس الذي يعنيه األمر خالل الثالثين يوما الموالية إلحالة األسئلة إلى‬
‫رئيس الحكومة‪».‬‬
‫‪ -324‬نص الفصل ‪« :101‬يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة‬
‫المرحلية لعمل الحكومة‪ ،‬إما بمبادرة منه‪ ،‬أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس‬
‫النواب‪ ،‬أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين‪.‬‬
‫ت ُخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها‪».‬‬
‫‪ - 325‬نص الفصل ‪« :106‬لمجلس المستشارين أن يُسائل الحكومة بواسطة‬
‫ملتمس يوقعه على األقل ُخمس أعضائه؛ وال يقع التصويت عليه‪ ،‬بعد مضي‬
‫ثالثة أيام كاملة على إيداعه‪ ،‬إال باألغلبية المطلقة ألعضاء هذا المجلس‪.‬‬
‫يبعث رئيس مجلس المستشارين‪ ،‬على الفور‪ ،‬بنص ملتمس المساءلة‬
‫إلى رئيس الحك ومة؛ ولهذا األخير أجل ستة أيام ليعرض أمام هذا المجلس جواب‬
‫الحكومة‪ ،‬يتلوه نقاش ال يعقبه تصويت‪».‬‬
‫‪ -326‬نص الفصل ‪« :103‬يمكن لرئيس الحكومة أن يربط‪ ،‬لدى مجلس النواب‪،‬‬
‫مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به‬
‫في موضوع السياسة العامة‪ ،‬أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه‪.‬‬
‫ال يمكن سحب الثقة من الحكومة‪ ،‬أو رفض النص‪ ،‬إال باألغلبية‬
‫المطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب‪.‬‬
‫ال يقع التصويت إال بعد مضي ثالثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة‬
‫الثقة‪.‬‬
‫يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية‪».‬‬
‫‪ -327‬نص الفصل ‪« :105‬لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة‬
‫تحمل مسؤوليتها‪ ،‬بالتصويت على ملتمس للرقابة؛ وال يقبل هذا الملتمس إال إذا‬
‫وقعه على األقل خمس األعضاء الذين يتألف منهم المجلس‪.‬‬
‫ال تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب‪ ،‬إال‬
‫بتصويت األغلبية المطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫تكون الحكومة مسؤولة سياسيا أمام مجلس النواب‪ ،‬ويالحظ في‬
‫هذا الباب أن هناك تغييرا جذريا حصل على دستور ‪1996‬‬
‫المراجع‪ ،‬عندما لم يعد لمجلس المستشارين حق إسقاط الحكومة‪،‬‬
‫عبر إثارة مسؤوليتها السياسية‪ ،‬وهو أمر منطقي إذا كنا نبغي‬
‫تحقيق ديمقراطية حقيقية بالنظر إلى أن ممثلي األمة المنتخبين‬
‫بصورة مباشرة هم المتواجدون في الغرفة األولى‪ ،‬وبالتالي فمن‬
‫حقهم وحدهم إثارة المسؤولية السياسية التي قد يترتب عنها‬
‫إسقاط الحكومة؛ كما تم تخصيص الفصل ‪ 328102‬إلى إمكانية‬
‫لجان تقصي الحقائق‪ ،‬مساءلة موظفي اإلدارات والمؤسسات‬
‫والمقاوالت العمومية‪...‬‬
‫في مقابل هذه اآلليات التي وضعها المشرع الدستوري بين‬
‫يدي ممثلي األمة‪ ،‬فإنه وضع بين يدي رئيس الحكومة إمكانية‬
‫حل مجلس النواب (الفصل ‪ ،329)104‬ليكرس مبدأ التوازن بين‬
‫السلطتين‪ ،‬وليؤكد على أن مبدأ اقتران المسؤولية بالمحاسبة أحد‬
‫المداخل األساس التي تحكم النظام الدستوري المغربي‪ ،‬إلى‬

‫ال يقع التصويت إال بعد مضي ثالثة أيام كاملة على إيداع الملتمس؛‬
‫وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية‪.‬‬
‫إذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة‪ ،‬فال يقبل بعد ذلك‬
‫تقديم أي ملتمس رقابة أمامه‪ ،‬طيلة سنة‪».‬‬
‫‪ -328‬نص الفصل ‪« :102‬يمكن للجان المعنية في كال المجلسين أن تطلب‬
‫االستماع إلى مسؤولي اإلدارات والمؤسسات والمقاوالت العمومية‪ ،‬بحضور‬
‫الوزراء المعنيين‪ ،‬وتحت مسؤوليتهم‪».‬‬
‫‪ -329‬نص الفصل ‪« :104‬يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب‪ ،‬بعد‬
‫استشارة الملك ورئيس المجلس‪ ،‬ورئيس المحكمة الدستورية‪ ،‬بمرسوم يتخذ في‬
‫مجلس وزاري‪.‬‬
‫يقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تصريحا يتضمن‪ ،‬بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬دوافع قرار الحل وأهدافه‪».‬‬
‫‪177‬‬
‫جانب اآلليات األخرى التي تندرج ضمن مكونات الحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬والتي تجد امتدادها في فصول أخرى من الدستور‪،‬‬
‫نستدعي منها هنا الفصالن ‪ 49‬و‪ ،92‬لما لهما من عالقة وطيدة‬
‫بالسلطة التنفيذية‪.‬‬
‫فالفقرة األخيرة من الفصل ‪ ،49‬المتعلق بالمجلس الوزاري‪،‬‬
‫أشارت إلى أن هذا المجلس يتداول في «‪ ...‬التعيين باقتراح من‬
‫رئيس الحكومة‪ ،‬وبمبادرة من الوزير المعني‪ ،‬في الوظائف‬
‫المدنية التالية‪ :‬والي بنك المغرب‪ ،‬والسفراء والوالة والعمال‪،‬‬
‫والمسؤولين عن اإلدارات المكلفة باألمن الداخلي‪،‬‬
‫والمسؤولين عن المؤسسات والمقاوالت العمومية‬
‫االستراتيجية‪ .‬وتحدد بقانون تنظيمي الئحة هذه المؤسسات‬
‫والمقاوالت االستراتيجية»‪.‬‬
‫فيما أشارت الفقرة ما قبل األخيرة من الفصل ‪ 92‬إلى أن‬
‫المجلس الحكومي يتداول في «‪ ...‬تعيين الكتاب العامين‪،‬‬
‫ومديري اإلدارات المركزية باإلدارات العمومية‪ ،‬ورؤساء‬
‫الجامعات والعمداء‪ ،‬ومديري المدارس والمؤسسات العليا‪.‬‬
‫وللقانون التنظيمي المشار إليه في الفصل ‪ 49‬من هذا‬
‫الدستور‪ ،‬أن يتمم الئحة الوظائف التي يتم التعيين فيها في‬
‫مجلس الحكومة‪ .‬ويحدد هذا القانون‪ ،‬على وجه الخصوص‪،‬‬
‫مبادئ ومعايير التعيين في هذه الوظائف‪ ،‬السيما منها مبادئ‬
‫تكافؤ الفرص واالستحقاق والكفاءة والشفافية‪».‬‬

‫‪178‬‬
‫فأحال الفصل ‪ 49‬على المجلس الوزاري‪ ،‬وبالتالي المجال‬
‫المحفوظ للملك‪ ،‬فيما أحال الفصل ‪ 92‬على المجلس الحكومي‪،‬‬
‫‪330‬‬
‫وبالتالي رئيس الحكومة‪.‬‬
‫ورغم أن القيمة االعتبارية للمجلس الوزاري ال غبار عليها‬
‫في النظام الدستوري المغربي‪ ،‬إال أن دستور ‪ 2011‬جاء بقيمة‬
‫مضافة كبيرة عندما أصبح بإمكان رئيس الحكومة ترأس‬
‫أشغاله‪ ،‬أو الدعوة إلى انعقاده‪ ،331‬وبالتالي عدم تعطيل أشغال‬
‫الحكومة أو البرلمان‪ ،‬كما كان يحدث في التجارب الدستورية‬
‫السابقة؛ فضال عن أن المجلس الحكومي أصبح يتمتع‬
‫بصالحيات واسعة‪ ،‬ليس على المستوى التداولي فقط‪ ،‬بل وعلى‬
‫المستوى التقريري أيضا‪ ،‬ومن بينها اختصاصات ال تعرض‬
‫وجوبا على المجلس الوزاري‪ ،‬كالسياسات العمومية‪ ،‬والسياسات‬
‫القطاعية‪ ،‬والقضايا الراهنة المرتبطة بحقوق اإلنسان وبالنظام‬
‫‪332‬‬
‫العام‪...‬‬
‫ولتنزيل مفردات الحكامة الجيدة على اإلدارة العمومية‬
‫المغربية العليا‪ ،‬من حيث األهداف والمبادئ والمحددات‬

‫‪ -330‬من المعلوم في النظام الدستوري المغربي أنه يقيم تمييزا بين ثالث مجاالت‬
‫رئيسة هي‪ :‬المجال المحفوظ للملك‪ ،‬والذي يتم التداول بشأنه في المجلس الوزاري؛‬
‫والمجال الحصري لرئيس الحكومة‪ ،‬حيث يمتلك المجلس الحكومي حق التداول‬
‫والتقرير؛ والمجال المشترك بينهما حيث مساحة مشتركة بين المجلسين وحيث‬
‫تتولى الحكومة حق االقتراح والتداول بينما يرجع البت للمجلس الوزاري‪ ،‬وهو ما‬
‫سنعمق النقاش حوله عند تحليل القانون التنظيمي ‪.02.12‬‬
‫‪ -331‬جاء في الفصل ‪ ...« :48‬ينعقد المجلس الوزاري بمبادرة من الملك‪ ،‬أو‬
‫بطلب من رئيس الحكومة‪.‬‬
‫للملك أن يفوض لرئيس الحكومة‪ ،‬بناء على جدول أعمال محدد‪ ،‬رئاسة مجلس‬
‫وزاري‪».‬‬
‫‪ -332‬مما نص عليه الفصل ‪.92‬‬
‫‪179‬‬
‫والمعايير ومسطرة االنتقاء والتعيين‪ ...‬جاء القانون التنظيمي‬
‫رقم ‪ 33302.12‬لتطبيق أحكام الفصلين ‪ 49‬و‪ ،92‬سابقي‬
‫الذكر‪ ،‬حيث حصر هذا القانون قائمة المؤسسات والمقاوالت‬
‫العمومية االستراتيجية في ‪ 20‬مؤسسة و‪ 17‬مقاولة‪ ،‬وهو‬
‫المجال الذي يتداول فيه المجلس الوزاري‪ ،‬فيما حدد عدد‬
‫المؤسسات والمقاوالت العمومية‪ ،‬التي تكون موضوع مداولة‬
‫في المجلس الحكومي‪ ،‬في ‪ 51‬مؤسسة‪ ،‬و‪ 16‬من المناصب‬
‫العليا التي تهم المقاوالت العمومية‪.‬‬
‫وإذا كان يؤخذ على هذا التصنيف أنه افتقد إلى معيار واضح‬
‫لتحديد طبيعة المؤسسة أو المقاولة "اإلستراتيجية"‪ ،‬حيث إن‬
‫المفهوم بدا مطاطا وقابال للتأويل‪ ،334‬فإن القانون التنظيمي‬
‫‪ ،02.12‬والمرسوم الملحق به‪ 335،‬كانا واضحين على األقل في‬
‫تحديد مبادئ وشروط التعيين في المناصب العليا‪ ،‬بما ينضبط‬
‫عموما لقواعد الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫‪ -333‬قانون تنظيمي رقم ‪ 02.12‬متعلق بالتعيين في المناصب العليا‪ ،‬صادر األمر‬


‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.12.20‬بتاريخ ‪ 27‬من شعبان ‪ 17( 1433‬يوليو‬
‫‪ ،)2012‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6066‬بتاريخ ‪ 29‬شعبان ‪19( 1433‬‬
‫يوليو ‪ ،)2012‬ص‪.4265 .‬‬
‫‪ -334‬حسن طارق‪ :‬السياسات العمومية في الدستور المغربي الجديد‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.98 .‬‬
‫‪ -335‬مرسوم رقم ‪ 2.12.412‬بتطبيق أحكام المادتين ‪ 4‬و‪ 5‬من القانون التنظيمي‬
‫رقم ‪ 02.12‬فيما يتعلق بمسطرة التعيين في المناصب العليا التي يتم التداول في‬
‫شأن التعيين فيها في مجلس الحكومة‪ ،‬صادر في ‪ 24‬من ذي القعدة ‪11( 1433‬‬
‫أكتوبر ‪ ،)2012‬صادر بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 6091‬بتاريخ ‪ 28‬ذو القعدة‬
‫‪ 15( 1433‬أكتوبر ‪ ،)2012‬ص‪.5404 .‬‬
‫‪180‬‬
‫وفي هذا اإلطار نصت المادة ‪ 4‬من القانون التنظيمي‬
‫‪ 02.12‬على المبادئ والمعايير التي ينبغي مراعاتها عند‬
‫التعيين في المناصب العليا‪ ،336‬كما يلي‪:‬‬
‫«أوال‪ :‬مبادئ التعيين‬
‫‪ -‬تكافؤ الفرص واالستحقاق والشفافية والمساواة في وجه‬
‫جميع المرشحات والمرشحين؛‬
‫‪ -‬عدم التمييز بجميع أشكاله في اختيار المرشحات‬
‫والمرشحين للمناصب العليا‪ ،‬بما فيها التمييز بسبب االنتماء‬
‫السياسي أو النقابي أو بسبب اللغة أو الدين أو الجنس أو‬
‫اإلعاقة أو أي سبب آخر يتعارض مع مبادئ حقوق اإلنسان‬
‫وأحكام الدستور؛‬
‫‪ -‬المناصفة بين النساء والرجال‪ ،‬باعتبارها مبدأ تسعى‬
‫الدولة لتحقيقه طبقا ألحكام الفقرة الثانية من الفصل ‪ 19‬من‬
‫الدستور‪ ،‬مع مراعاة المبادئ والمعايير المنصوص عليها في‬
‫هذه المادة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬معايير التعيين‬
‫‪ -‬التمتع بالحقوق المدنية والسياسية؛‬
‫‪ -‬التوفر على مستوى عال من التعليم والكفاءة الالزمة؛‬
‫‪ -‬التحلي بالنزاهة واالستقامة؛‬
‫‪ -‬التوفر على تجربة مهنية بإدارات الدولة أو الجماعات‬
‫الترابية أو المؤسسات أو المقاوالت العمومية أو في القطاع‬
‫الخاص‪ ،‬داخل الوطن أو خارجه‪».‬‬

‫‪ -336‬قانون تنظيمي رقم ‪ ،02.12‬صادر بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ ،6066‬مرجع‬


‫سابق‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫ولتطبيق هذه المبادئ والمعايير ألحت المادة الخامسة‪ 337‬من‬
‫القانون التنظيمي ‪ 02.12‬على ضرورة إخراج نص تنظيمي‬
‫يدقق في إجراءات مسطرة الترشيح وتقديم الملفات والتداول‬
‫بشأنها؛ وهو ما تكفل به المرسوم رقم ‪ ،3382.12.412‬الذي‬
‫‪339‬‬
‫تألف من ‪ 14‬مادة‪ ،‬وألحق به القرار رقم ‪،3448.12‬‬
‫المتعلق بتوحيد المطبوع الذي يتعين على المرشحين تعبئته‪.‬‬
‫ورغم أن المرسوم ‪ 2.12.412‬قد المس أهم مبادئ‬
‫ومعايير الشفافية والنزاهة والموضوعية‪ ،‬سواء في تنزيل‬
‫مسطرة إيداع ملفات الترشيح أو انتقاء الملفات ودراستها وكذا‬
‫في تعيين المستحقين‪ ،‬حتى يتم اختيار أنسب المرشحين وأكفئهم‬
‫لتسيير المرفق المتبارى عليه؛ إال أنه ترك الباب مواربا لتسجيل‬
‫مجموعة من المالحظات‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫إذا كان المرسوم قد نص على إحداث لجان خاصة بدراسة‬
‫الترشيحات‪ ،‬كما جاء في مادته الرابعة‪ ،340‬إال أنه لم يحدد‬
‫معايير ومؤشرات اختيار هذه اللجان نفسها‪.‬‬

‫‪ -337‬ونصها كاآلتي‪" :‬من أجل تطبيق أحكام المادة الرابعة أعاله‪ ،‬تحدد بنص‬
‫تنظيمي مسطرة اقتراح المرشحات والمرشحين لشغل المناصب العليا‪ ،‬من قبل‬
‫السلطات المعنية‪ ،‬وتقديم ملفاتهم وعرضها‪ ،‬من قبل رئيس الحكومة على مداوالت‬
‫مجلس الحكومة‪".‬‬
‫‪ -338‬وهو المرسوم رقم ‪ 2.12.412‬بتطبيق أحكام المادتين ‪ 4‬و‪ 5‬من القانون‬
‫التنظيمي رقم ‪ ،02.12‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -339‬صادر في ‪ 25‬من ذي القعدة ‪ 12( 1433‬أكتوبر ‪ )2012‬بتحديد المطبوع‬
‫النموذجي الموحد المنصوص عليه في المادة ‪ 3‬من المرسوم رقم ‪.2.12.412‬‬
‫‪ -340‬فقد جاءت صيغة هذه المادة كالتالي‪« :‬ت ُحدث بمقرر للسلطة الحكومية‬
‫المعنية‪ ،‬بمناسبة كل عملية انتقاء وبعد إطالع رئيس الحكومة‪ ،‬لجنة لدراسة‬
‫الترشيحات‪»...‬‬
‫‪182‬‬
‫إن المادة ‪ 6‬تركت هامشا من الصالحيات لرئيس الحكومة‬
‫للنظر في تقديم الترشيحات‪ ،341‬وهو ما يمكن أن يفهم منه فسح‬
‫المجال لتدخل الرأي الشخصي‪ ،‬أو حتى السياسي‪ ،‬في موضوع‬
‫التعيينات‪.‬‬
‫كما أن المادة ‪ 7‬استثنت من تطبيق المسطرة‪ ،‬التي نصت‬
‫عليها‪ ،‬عددا من المناصب العليا‪ ،342‬مما قد يعني تعارضا‬
‫صريحا مع بعض فصول الدستور‪ ،‬أو حتى المبادئ الدستورية‬
‫العامة‪ ،‬حيث المفروض أن كل المغاربة سواء كما أن كل‬
‫المناصب العليا سواء‪ ،‬ليس في األهمية أو الخطورة أو المكانة‬
‫االستراتيجية‪ ...‬ولكن من حيث المعايير والمؤشرات التي يجب‬
‫أن تضبط مسطرة الولوج إليها‪.‬‬
‫تنصيص المادة ‪ ،11‬على إمكانية إعفاء الموظفين حتى بعد‬
‫نجاحهم وتعيينهم‪ ،‬وذلك قبل انقضاء مدة انتدابهم‪ ،‬باقتراح معلل‬
‫من السلطة الحكومية المعنية‪343‬؛ وهذه المالحظة يمكن أن‬

‫‪ -341‬نصت الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ ،6‬المذكورة أعاله‪ ،‬على ما يلي‪« :‬ولرئيس‬


‫الحكومة أن يعرض الترشيحات المذكورة على مجلس الحكومة إذا رأى ذلك‬
‫مالئما‪ ،‬وإال طلب من السلطة الحكومية المعنية تقديم ترشيح جديد يقترحه‬
‫الجهاز التداولي للمقاولة المعنية‪ ،‬داخل أجل خمسة عشر (‪ )15‬يوما‪».‬‬
‫‪ -342‬جاء في المادة ‪ 7‬ما يلي‪« :‬تقترح السلطة الحكومية المعنية‪ ،‬على صعيد كل‬
‫قطاع وزاري على حدة‪ ،‬على رئيس الحكومة المرشحات والمرشحين لشغل‬
‫المناصب العليا المشار إليها في البند (ج) من الملحق رقم ‪ 2‬المرفق بالقانون‬
‫التنظيمي رقم ‪ 02.12‬المستوفين للشروط المنصوص عليها في األنظمة‬
‫األساسية الخاصة بهم‪ ،‬مرتبين حسب االستحقاق‪ ،‬وذلك قصد عرضها على‬
‫مداوالت مجلس الحكومة‪.‬‬
‫ويستثنى من تطبيق أحكام هذه المادة المفتش العام للمالية والمفتش العام لإلدارة‬
‫الترابية والمفتشون العامون للوزارات ومديرو المراكز الجهوية لالستثمار‪».‬‬
‫‪ -343‬فقد جاء في الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪« :11‬ويعفى بمرسوم األشخاص المعينون‬
‫في أحد هذه المناصب‪ ،‬إما بناء على طلبهم‪ ،‬أو إثر تعيين من يخلفهم في‬
‫‪183‬‬
‫تضاف إلى رصيد المكتسبات في مجال تثبيت معايير الحكامة‬
‫الجيدة في مجال الوظائف العليا‪ ،‬إذا نحن فهمنا منها أنه في حال‬
‫ثبوت عدم كفاءة الموظف‪ ،‬أو تقصيره‪ ...‬يمكن االستغناء عنه‬
‫بقرار معلل‪ ،‬مما سيعمل على «تعزيز الحكامة الجيدة وتوطيد‬
‫‪344‬‬
‫العالقة بين المسؤولية العمومية والمحاسبة‪».‬‬
‫وما ينطبق على المناصب العمومية العليا وجب أن ينطبق‬
‫على باقي المناصب األخرى‪ ،‬ما دام أن األمر يتعلق بمؤسسات‬
‫تابعة للدولة‪ ،‬مهما اختلفت األدوار التي تلعبها‪ ،‬سواء كموجه‬
‫استراتيجي‪345‬؛ أو كمراقب‪346‬؛ أو كمساهم‪347‬؛ بما أنها في‬
‫جميع هذه األدوار والمستويات مدعوة لتحمل مسؤولياتها‪ ،‬فيما‬
‫يتعلق بإحداث المؤسسات أو المقاوالت وتمويلها ورسم غاياتها‬

‫مهامهم‪ ،‬أو باقتراح معلل من السلطة الحكومية المعنية‪ ،‬يرفع إلى رئيس‬
‫الحكومة للبت فيه‪».‬‬
‫‪ -344‬اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت‪ :‬الميثاق المغربي للممارسات الجيدة‬
‫لحكامة المنشآت والمؤسسات العامة‪ ،‬منشورات مديرية المنشآت العامة‬
‫والخوصصة – وزارة االقتصاد والمالية‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪ ،2012 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.5‬‬
‫‪ -345‬الدولة كموجه استراتيجي (في القطاعات االستراتيجية واالقتصادية الكبرى‬
‫والبنيات التحتية‪ )...‬مما يستلزم خلق مناخ من الثقة وإيجاد الظروف المواتية‬
‫للتطور االقتصادي واالجتماعي والتنمية الجهوية‪ ،‬على أساس تحديد األهداف‬
‫وانسجام التدخالت والتتبع الديناميكي والمحاسبة والفعالية والنجاعة‪ ...‬انظر اللجنة‬
‫الوطنية لحكامة المقاوالت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12 – 11 .‬‬
‫‪ -346‬الدولة المراقبة خاصة في المجال المالي‪ ،‬وتقييم الفاعلية واألداء‪ ،‬في إطار‬
‫يتسم بالشفافية والوضوح والمسؤولية‪ ...‬انظر اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت‪،‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14 – 12 .‬‬
‫‪ -347‬الدولة المساهمة في مختلف القطاعات والمنشآت وتمارس حقها في‬
‫الملكية‪ ...‬انظر اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.16 – 15 .‬‬
‫‪184‬‬
‫وتدبير أدائها وتقييمه‪ ...‬مما يندرج كله في إطار تفعيل آليات‬
‫الحكامة الجيدة‪.348‬‬
‫لكن هل هذا كله مبرر كاف إلحداث وزارة خاصة بالشؤون‬
‫العامة والحكامة؟ أو بصياغة أخرى‪ :‬هل من الحكامة إحداث‬
‫وزارة خاصة بالحكامة؟‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬وزارة الشؤون العامة والحكامة‬


‫‪349‬‬

‫إن تخصيص وزارة خاصة بالشؤون العامة والحكامة‪ ،‬في‬


‫ظل الحكومة الحالية‪ 350،‬قد يفهم منه توفير‪ ،‬وتنظيم‪ ،‬جهاز قوي‬
‫يشرف على التطبيق السليم لمضامين الحكامة الجيدة‪ ،‬لكن‬
‫شريطة تحديد مهامها بدقة ووضوح‪ ،‬وهنا يثور السؤال‪:‬‬
‫هل لهذه الوزارة مهام واضحة محددة فعال؟ أم أن الحكامة‬
‫تستلزم بالضرورة أن تكون مدمجة ضمن جميع المؤسسات‪ ،‬بما‬
‫فيها السلط الثالث‪ ،‬وال داعي لتخصيص وزارة قائمة بذلك؟‬
‫إن قراءة سريعة في المعطيات التي تحكم سير هذه المؤسسة‬
‫كافية لتعطينا نظرة عن محدودية إمكانياتها وظروف ومجاالت‬

‫‪ -348‬اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.18 – 17 .‬‬


‫‪ -349‬الحظ أن المشرع استعمل هنا كلمة الحكامة دون إضافة‪ ،‬بينما استعمل‬
‫المشرع الدستوري لفظ الحكامة مضافا إليها النعت "الجيدة"؟!‬
‫‪ -350‬ونقصد الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية‪ ،‬خاصة في نسختها‬
‫الثانية التي خرجت يوم ‪ ،2013/10/10‬وكان من أهم المآخذ عليها توسيع الوعاء‬
‫الحكومي الذي أصبح يضم ‪ 39‬شخصا بعد أن كان في النسخة األولى ‪ 31‬فقط؟!‬
‫حيث فشل رئيس الحكومة‪ ،‬ووزير الدولة عبد هللا باها‪ ،‬حتى في إقناع نواب‬
‫حزبهما بوجاهة هذا العدد‪ ،‬كما تسرب عن اجتماع نواب العدالة والتنمية مع رئيس‬
‫الحكومة مساء الجمعة ‪ 2013/10/11‬بمقر الحزب‪ ،‬ضمن موقع هسبريس‪ ،‬رابط‬
‫الموضوع‪ ، http://hespress.com/politique/91255.html :‬تاريخ‬
‫الزيارة‪.6h ،2013/10/13 :‬‬
‫‪185‬‬
‫اشتغالها‪ ،‬مما يفتح المجال للتساؤل ليس فقط حول آليات‬
‫االشتغال ومجاالته‪ ،‬بل وحول جدوى إحداثها أصال‪.‬‬
‫فمن بين ‪ 24340‬منصب توظيف وفرها قانون المالية لسنة‬
‫‪ 2013‬فإنه لم يخصص للوزارة المكلفة بالشؤون العامة‬
‫والحكامة إال ‪ 10‬مناصب؛‪ 351‬وللمقارنة فإنه خصص للمندوبية‬
‫السامية لقدماء المقاومة وأعضاء جيش التحرير ‪ 15‬منصبا‪،‬‬
‫وللمندوبية السامية للتخطيط ‪ 20‬منصبا‪ ...‬ناهيك عن الوزارات‬
‫الكبرى في الدولة التي خصصت لها مناصب باآلالف أو‬
‫المئات‪352‬؟‬
‫وفيما يتعلق بأرقام المعامالت المالية فإن القانون المذكور لم‬
‫يخصص لهذه الوزارة سوى ‪ 90.914.000‬د‪ .‬من مجموع‬
‫ميزانية الدولة المخصصة للتسيير والمقدرة ب‪:‬‬
‫‪ 199.260.123.000‬د‪.‬؛ بينما خصص لها ‪19.500.000‬‬
‫د‪ .‬لالستثمار مما مجموعه‪ 87.053.155.000 :‬د‪ .‬من‬
‫الميزانية العامة للدولة لسنة ‪2013‬؛ وفائض عن الحاجة التذكير‬
‫بأن هذه األرقام المخصصة للوزارة المكلفة بالشؤون العامة‬
‫والحكامة ال تساوي حتى ميزانية بعض المديريات الكبرى داخل‬
‫‪353‬‬
‫وزارات أخرى!‬

‫‪ -351‬قانون المالية لسنة ‪ ،2013‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬


‫‪ 1.12.57‬بتاريخ ‪ 14‬من صفر ‪ 28( 1434‬ديسمبر ‪ ،)2012‬صادر بالجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 6113‬بتاريخ ‪ 17‬صفر ‪ 31( 1434‬ديسمبر ‪.6635 ،)2012‬‬
‫‪ -352‬قانون المالية لسنة ‪ ،2013‬صادر بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ ،6113‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.6718 .‬‬
‫‪ -353‬قانون المالية لسنة ‪ ،2013‬صادر بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪،6113‬‬
‫المعطيات نفسها‪ ،‬ص‪6752 .‬؛ وص‪.6756 – 6755 .‬‬
‫‪186‬‬
‫أما قراءة مضامين المرسوم‪ 354‬الذي عمل على تفويض‬
‫بعض االختصاصات والسلط إلى هذه الوزارة‪ ،‬فتكشف لنا عن‬
‫مالحظات عدة على مستويي الشكل والمضمون‪.‬‬

‫أوال‪ :‬على المستوى الشكلي‬


‫‪ –1‬نسجل بأن عدد مواد المرسوم المذكور كان ضئيال‬
‫بالنظر إلى مؤسسة بحجم وزارة‪ ،‬حيث لم يتجاوز هذا العدد‬
‫‪355‬‬
‫سبعة مواد‪.‬‬
‫‪ –2‬من بين المواد السبعة الواردة في المرسوم لم تخصص‬
‫إال مادتان لحصر المهام واالختصاصات فعال‪ ،‬فيما انصرفت‬
‫باقي المواد للحديث عن إجراءات شكلية ومسطرية‪ ،‬رغم أن‬
‫المادتين األولى والثانية منه‪ ،‬أحالتا على هذه الوزارة بعض‬
‫االختصاصات القليلة؛ لكننا ال نعتبرها اختصاصات ذات طبيعة‬
‫مميزة تجعلها من صميم مهام وزارة تعنى بشؤون الحكامة‬
‫الجيدة‪.‬‬
‫‪ -354‬مرسوم رقم ‪ ،2.12.44‬صادر في ‪ 14‬من ربيع اآلخر ‪ 7( 1433‬مارس‬
‫‪ )2012‬بتفويض بعض االختصاصات والسلط إلى الوزير المنتدب لدى رئيس‬
‫الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة؛ وقد تم العمل به ألزيد من سنة قبل أن‬
‫يصدر المرسوم رقم ‪ ،2.13.253‬بشأن تحديد اختصاصات ومهام وزارة الشؤون‬
‫العامة والحكامة‪ ،‬صادر في ‪ 11‬من شعبان ‪ 20( 1434‬يونيو ‪ ،)2013‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،6164‬بتاريخ في ‪ 18‬شعبان ‪ 27( 1434‬يونيو ‪،)2013‬‬
‫ص‪ ،4843 .‬حيث أصبح عدد مواده اثنا عشر مادة‪.‬‬
‫‪ -355‬رغم أنه تمت زيادة عدد من المواد في المرسوم رقم ‪ ،2.13.253‬إال أنها لم‬
‫تحدث تغييرا جوهريا على االختصاصات‪ ،‬حيث نالحظ بأن المادة ‪ 4‬اكتفت في‬
‫سطر واحد باإلشارة إلى مهام الكاتب العام للوزارة‪ ،‬فيما اكتفت المادة ‪ 5‬باإلشارة‬
‫إلى اختصاصات المفتش العام‪ ،‬بينما استغرقت المواد ‪ 6‬و‪ 7‬و‪ 8‬في توزيع‬
‫االختصاصات على المديريات الثالث للوزارة (مديرة الحكامة؛ ومديرية المنافسة‬
‫واألسعار‪...‬؛ ومديرية إنعاش االقتصاد االجتماعي)‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫فقد أحالت المادة األولى من المرسوم ‪ 2.12.44‬على وزارة‬
‫الشؤون العامة والحكامة «االختصاصات المتعلقة باالقتصاد‬
‫االجتماعي المنصوص عليها في المرسوم رقم‬
‫‪»...2.02.638‬؛ ومن المعلوم أن هذه االختصاصات كانت‬
‫تدخل‪ ،‬زمن حكومة األستاذ عبد الرحمن اليوسفي‪ ،‬ضمن مجال‬
‫وزارة االقتصاد االجتماعي والمقاوالت الصغرى والمتوسطة‬
‫والصناعة التقليدية‪ ،‬والتي سيرها إذاك السيد أحمد الحليمي‬
‫علمي؛ فهل مجال هذه الوزارة ووزارة الشؤون العامة‬
‫والحكامة‪ ،‬الحالية‪ ،‬مجال واحد؟ بمعنى آخر إذا كان المجال‬
‫واحدا فما الداعي إلى تغيير أسماء الوزارات؟‬
‫أما المادة الثانية (من المرسوم ‪ )2.12.44‬فقد أحالت ما‬
‫سمته «وضع تصور عام لسياسة الحكومة في مجال تنمية‬
‫االستثمار والمقاولة» على هذه الوزارة أيضا‪ ،‬لكنها اشترطت‬
‫قبل ذلك «االتصال مع الوزراء المعنيين وبتنسيق معهم»‪ ،‬مما‬
‫يثار معه التساؤل حول مدى إمكانية هذا االتصال‪ ،‬المفترض‬
‫بين الوزارات‪ ،‬وحدود التنسيق وضوابطه وآليات تفعيله؟ مما‬
‫يمكن أن يثير حفيظة بعض الوزراء حول ما قد يعتبرونه تدخال‬
‫في صميم اختصاصاتهم‪ ،‬علما بأنهم يفترضون مسبقا بأنهم‬
‫معنيون بتنزيل مفردات الحكامة الجيدة داخل القطاعات التي‬
‫يسهرون على تدبيرها دونما حاجة إلى تدخل وزارة وصية!‬

‫‪188‬‬
‫ثانيا‪ :‬على مستوى المضمون‬
‫بالعودة إلى االختصاصات التي حددها المرسوم ‪2.02.638‬‬
‫أعاله‪ ،356‬فإن المادة ‪ 2‬منه عهدت إلى هذه الوزارة باآلتي‪:‬‬
‫– إعداد برامج لتنمية قطاعي االقتصاد االجتماعي‬
‫والمقاوالت الصغرى والمتوسطة وتتبع تنفيذها؛‬
‫– العمل على مالءمة اإلطار التشريعي والتنظيمي لهذين‬
‫القطاعين‪ ،‬مع التحوالت االقتصادية واالجتماعية والمؤسساتية‬
‫بتشاور مع اإلدارات والفاعلين المعنيين‪ ،‬وتحديد مناهج تفعيله؛‬
‫– تيسير كل أشكال تنظيم القطاعات المعنية وذلك عبر‬
‫مختلف أنواع الشبكات‪ ،‬لتجميع وتعاضد وسائلها المتوفرة قصد‬
‫تحسين تنافسيتها وضمان استمراريتها؛‬
‫– تحديد سياسة التكوين وتنمية الكفاءات المتوفرة لديها‬
‫بتشاور مع القطاعات الوزارية المعنية والمهنيين والفاعلين‬
‫اآلخرين والسهر على تنفيذها؛‬
‫– تنشيط عمل الشركاء المتدخلين في إنعاشها وتتبعه‬
‫وتقييمه؛‬
‫– العمل على تعميم اعتماد المواصفات والجودة واالبتكار؛‬
‫– إعداد برامج القطاع الوزاري لالقتصاد‬
‫االجتماعي والمقاوالت الصغرى والمتوسطة في ميدان التعاون‬

‫‪ -356‬مرسوم رقم ‪ 2.02.638‬بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة االقتصاد‬


‫االجتماعي والمقاوالت الصغرى والمتوسطة والصناعة التقليدية (قطاع االقتصاد‬
‫االجتماعي والمقاوالت الصغرى والمتوسطة وقطاع الصناعة التقليدية)‪ ،‬صادر‬
‫في ‪ 9‬رجب ‪ 17( 1423‬سبتمبر‪ ،)2002‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪5044‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 25‬رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪ ،)2002‬ص‪.2831 .‬‬
‫‪189‬‬
‫بتنسيق مع اإلدارات والقطاعات المعنية والعمل على تنفيذها‬
‫وتتبعها؛‬
‫– إعداد الدراسات ذات الطابع العام المتعلقة بمجال أنشطة‬
‫القطاع الوزاري لالقتصاد االجتماعي والمقاوالت الصغرى‬
‫والمتوسطة وتتبع تطور القطاعات التابعة له وتجميع وتعميم‬
‫المعلومات المتصلة به‪.‬‬
‫أما االختصاصات والمهام التي جاءت بها المادة‬
‫الثالثة‪ 357،‬من المرسوم رقم ‪ ،2.12.44‬فهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ –1‬اقتراح كل التدابير من أجل توطيد قيم النزاهة‬
‫والشفافية والحكامة وتحسين مناخ األعمال ومحاربة الرشوة في‬
‫تدبير الشأن العام وتتبع تنفيذها؛‬
‫‪ –2‬وضع آليات لتتبع وتقييم مدى نجاعة السياسات‬
‫والبرامج العمومية ودرجة تكاملها وانسجامها والتقائيتها؛‬
‫‪ –3‬تتبع مختلف التقارير الصادرة عن مؤسسات‬
‫المراقبة العمومية وكذا عن المؤسسات والهيئات الدولية المتعلقة‬
‫بمناخ األعمال والحكامة ومتابعة تنفيذها‪.‬‬
‫تضاف إليها االختصاصات الواردة في المادة الرابعة‬
‫منه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫– المساهمة في إعداد السياسة االقتصادية والبرامج القطاعية‬
‫للحكومة‪ ،‬باتصال مع الوزارات المعنية‪ ،‬وتتبع تنفيذها؛‬

‫‪ -357‬لكن هذه المادة (الثالثة) اشترطت‪ ،‬تماما كالمادة الثانية (من المرسوم‬
‫‪" ) 2.12.44‬التعاون مع السلطات الحكومية والهيئات المعنية"‪ ،‬مما يثير‬
‫التساؤالت نفسها التي سبق طرحها أعاله‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫– البحث في كل قضية من القضايا التي يحيلها إليها رئيس‬
‫الحكومة؛‬
‫– إعداد وتتبع السياسة الحكومية في مجال المنافسة‪ ،‬بتنسيق‬
‫مع الوزارات والمهيآت المعنية؛‬
‫– مزاولة االختصاصات المسندة إلى رئيس الحكومة فيما‬
‫يتعلق بصندوق المقاصة‪ ،‬عمال بالظهير الشريف المشار إليه‬
‫أعاله المعتبر بمثابة قانون رقم ‪1.74.403‬؛‬
‫– تنسيق وتتبع السياسة الحكومية في مجال العالقات مع‬
‫المؤسسات التابعة لمجموعة البنك الدولي وهي‪ :‬البنك الدولي‬
‫لإلنشاء والتعمير والشركة المالية الدولية والوكالة المتعددة‬
‫األطراف لضمان االستثمارات ووكالة التنمية الدولية؛‬
‫– تنسيق وتتبع العالقات مع منظمة التعاون والتنمية‬
‫االقتصادية (‪)OCDE‬؛‬
‫– المساهمة في إعداد اتفاقات التعاون االقتصادي والمالي‪،‬‬
‫الثنائية والمتعددة األطراف وفي المفاوضات المتعلقة بها؛‬
‫– تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة باألسعار‬
‫والمدخرات االحتياطية‪ ،‬مع مراعاة السلط المفوضة إلى وزراء‬
‫آخرين؛‬
‫– ممارسة الوصاية على مكتب تنمية التعاون؛‬
‫– إصدار األوامر بصرف النفقات الخاصة بالمكافآت‬
‫والنفقات المتعلقة بالمعدات المنصوص عليها في الجانب المدين‬
‫بالحساب الخاص للخزينة المسمى «صندوق الدعم المقدم‬

‫‪191‬‬
‫والمدخرات‬ ‫األسعار‬ ‫ومراقبة‬ ‫المنافسة‬ ‫لمصالح‬
‫االحتياطية»‪.358‬‬
‫وإذا استثنينا ما أشرنا إليه من تداخل مهام وزارة الحكامة مع‬
‫وزارة سابقة‪ ،‬إلى حد التساؤل حول الجدوى من تغيير األسماء‪،‬‬
‫فإن معظم االختصاصات والمهام المنوطة بهذه الوزارة تبقى‬
‫غير ذي معنى‪:‬‬
‫فكثير منها جاءت مشروطة بالتنسيق وبعد استشارة وزارات‬
‫أخرى (كما هو الحال بالنسبة للفقرة األولى والثالثة والسابعة‬
‫‪359‬‬
‫والثامنة من المادة الرابعة من المرسوم)‪.‬‬
‫ومنها ما جاء في صيغة اقتراح آليات تشريعية (كالفقرة‬
‫السابعة من المادة الرابعة) مما يحيل على التداخل مع مهام‬
‫واختصاصات السلطة التشريعية‪ ،‬أو وزارات أخرى‪ ،‬ألن كل‬
‫وزارة أدرى بشؤونها الخاصة‪ ،‬وكما يمكن لها أن تقترح‬
‫مشاريع قوانين في هذه األمور الخاصة‪ ،‬فمن حقها أيضا أن‬
‫تقترح مشاريعها في مجال الحكامة التي تؤطر إداراتها الداخلية‪،‬‬
‫وبالتالي فلن يبقى أمام وزارة الحكامة إال اقتراح مشاريع قوانين‬
‫لحكامة إداراتها التي تخصها‪.‬‬
‫ومنها ما جاءت عباراته غامضة وفضفاضة‪ ،‬أو أقرب إلى‬
‫التوجيهات األخالقية‪ ،‬منها إلى األمور التنفيذية أو حتى القانونية‬
‫(كالفقرة األولى من المادة الثالثة)‪.‬‬

‫‪ -358‬وهو الحساب المحدث بموجب المادة ‪ 30‬من قانون المالية رقم ‪84.03‬‬
‫للسنة المالية ‪ ،2004‬وذلك تطبيقا ألحكام المرسوم رقم ‪ 2.87.608‬الصادر في‬
‫‪ 10‬ربيع اآلخر ‪ 2( 1408‬ديسمبر ‪.)1987‬‬
‫‪ -359‬ونقصد طبعا المرسوم رقم ‪ 2.12.44‬المشار إليه سابقا‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫بينما جاءت لتتداخل مع اختصاصات البرلمان الرقابية (لجان‬
‫تقصي الحقائق) في فقرات غيرها (كما هو الشأن بالنسبة للفقرة‬
‫الثانية من المادة الثالثة)‪.‬‬
‫فهل ما تبقى من اختصاصات يستحق فعال أن تقوم بشأنه‬
‫‪360‬‬

‫‪361‬‬
‫وزارة خاصة؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬السلطتان التشريعية والقضائية‬


‫ال يمكن االنتقال بالنظام الدستوري المغربي نحو نموذج‬
‫ديمقراطي تلعب فيه الحكامة الجيدة دورا مركزيا باالتكاء فقط‬
‫على تطبيق مبادئها على الجهاز التنفيذي‪ ،‬إذ ال بد أن تنضبط‬
‫المؤسسة التشريعية لذلك أيضا (الفرع األول)‪ ،‬تماما كما ينبغي‬
‫أن تنضبط له السلطة القضائية (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬السلطة التشريعية‬


‫إن الوظيفة التشريعية‪ ،‬في النظام الدستوري المغربي‪ ،‬ليست‬
‫حكرا على البرلمان‪ ،‬ألن جهات أخرى تتنازعها هذا‬
‫االختصاص‪ ،‬تماما كما هو الشأن بالنسبة للسلطة التنفيذية‪ ،‬لذلك‬
‫فإن ما نعنيه هنا بالسلطة التشريعية إنما نقصد به البرلمان فقط‪،‬‬
‫على اعتبار أننا أفردنا فقرات خاصة لمختلف السلط األخرى‪.‬‬

‫‪ -360‬كتتبع التقارير الصادرة عن مؤسسات المراقبة العمومية أو المؤسسات‬


‫والهيئات الدولية المتعلقة بمناخ األعمال والحكامة ومتابعة تنفيذها؛ والبحث في‬
‫القضايا التي يحيلها إليها رئيس الحكومة؛ وممارسة الوصاية على مكتب تنمية‬
‫التعاون؛ وإصدار األوامر بصرف النفقات الخاصة بالمكافآت والنفقات المتعلقة‬
‫ببعض المعدات‪...‬‬
‫‪ -361‬خاصة بالنظر إلى الظرفية االقتصادية واالجتماعية الحرجة التي تمر منها‬
‫البالد!‬
‫‪193‬‬
‫ولذلك فإننا سننصرف هنا إلى تحديد المداخل القائمة‪ ،‬والممكنة‪،‬‬
‫لتنزيل آليات الحكامة الجيدة على هذه المؤسسة الدستورية‪.‬‬
‫فقد أكد البرلمانيون المجتمعون في مؤتمرهم الدولي السادس‪،‬‬
‫المنعقد بالدوحة سنة ‪ ،2006‬على ضرورة أداء عملهم بطريقة‬
‫تعمل على إنعاش وتقوية الديمقراطية‪ ،‬وأن يتقيدوا‪ ،‬لتحقيق هذه‬
‫الغاية‪ ،‬بخمسة شروط‪ ،‬وهي‪ :‬التمثيلية؛ والشفافية؛ والفاعلية؛‬
‫وسهولة االتصال بين المواطنين وممثليهم؛ وتقديم البرلمانيين‬
‫لحساب عن أنشطتهم‪.362‬‬
‫ولم تبتعد توصيات تقرير الجمعية المغربية لمحاربة‬
‫الرشوة‪/‬ترانسبارنسي المغرب عن ذلك‪ ،‬عندما اعتبرت بأن‬
‫الحكامة البرلمانية تستند إلى عدد من المبادئ المرجعية الرئيسة‪،‬‬
‫أهمها ثالثة‪ :‬االستقاللية (وهو ما سنعرض له في فقرة أولى)؛‬
‫ثم التمثيلية والمشاركة؛ واألداء والنزاهة (موضوع الفقرة‬
‫الثانية)‪.363‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ االستقاللية‬


‫إن مبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬بالمفهوم النظري الضيق الذي‬
‫ساد الدراسات السياسية والدستورية في وقت من األوقات‪( ،‬أي‬
‫واحدة للتشريع؛ وأخرى للتنفيذ؛ وثالثة للقضاء) بات متجاوزا‬
‫ومستحيل التطبيق حتى في األنظمة الرئاسية‪ ،‬أو شبه الرئاسية‪،‬‬
‫ذات الدساتير الجامدة‪.‬‬

‫‪ -362‬أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.121 – 118 .‬‬


‫‪ -363‬صدر هذا التقرير بتعاون مع منظمة الشفافية الدولية تحت عنوان‪ :‬دراسة‬
‫حول النظام الوطني للنزاهة – المغرب‪ ،2009 ،‬ص‪.17 – 16 .‬‬
‫‪194‬‬
‫ففي الواليات المتحدة األمريكية تمت إعادة النظر في هذا‬
‫المبدأ مباشرة بعد الحرب العالمية األولى‪ ،‬حيث أصبح الرئيس‬
‫يتدخل في إعداد الميزانية العامة للدولة‪ ،‬وفي اقتراح‬
‫القوانين‪ ،364‬رغم أن دﺴﺘور االتحاد لم يرد فيه أي ﻨص ﻴﺒﻴح له‪،‬‬
‫أو يحظر عليه‪ ،‬ذلك‪365‬؛ كما لم ترد فيه الطريقة التي يمكن‬
‫للرئيس أن يقدم بها اقتراحاته وتوجيهاته التشريعية‪.366‬‬
‫رغم ذلك استقر العرف على أن يوجه الرئيس الجهاز‬
‫التشريعي من خالل أسلوبين رئيسين‪ :‬أسلوب مباشر (بتقديم‬
‫خطاب أو رسالة سنوية إلى الكونغرس يوجه فيها العملية‬
‫التشريعية)‪367‬؛ أو أسلوب غير مباشر (إعداد مشروع القانون‬
‫من مكتب تابع للجهاز التنفيذي على أن يقدمه إلى أحد مجلسي‬
‫الكونغرس عضو مقرب من الرئيس)‪.368‬‬

‫‪ -364‬رمضان محمد بطيخ‪ :‬تزايد دور السلطة التنفيذية وأثره على الديمقراطية‪،‬‬
‫دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،1988 ،‬ص‪94‬؛ ومحمود عاطف البنا‪ :‬الوسيط في‬
‫النظم السياسية‪ ،‬دار النشر للجامعات؛ القاهرة‪ ،2001-2000 ،‬ص‪.477‬‬
‫‪ -365‬سعيد السيد علي‪ :‬حقيقة الفصل بين السلطات في النظام السياسي‬
‫والدستوري للواليات المتحدة‪ ،‬أطروحة دكتوراه نوقشت بجامعة عين شمس‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،1999 ،‬ص‪.332‬‬
‫‪ -366‬سعد عصفور‪ :‬المبادئ األساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية‪،‬‬
‫منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1980 ،‬ص‪.238.‬‬
‫‪ -367‬مثال الخطاب الذي وجهه الرئيس الحالي باراك أوباما ‪Barak OBAMA‬‬
‫إلى الكونغرس‪ ،‬والذي تحدث فيه عن أوضاع االتحاد يوم ‪ 28‬يناير ‪ ،2010‬حيث‬
‫وجهه فيها إلى عدد من األمور التي تستدعي تغطية تشريعية في مجاالت سياسية‬
‫واقتصادية واجتماعية‪ ...‬انظر‪ :‬صحيفة الدستور األردنية‪ ،‬عدد ‪ ،1528‬الجمعة‬
‫‪ 29‬يناير ‪.2010‬‬
‫‪ -368‬سام سليمان دلة‪ :‬مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية‪ ،‬مديرية الكتب‬
‫والمطبوعات الجامعية‪ ،‬دمشق‪ ،2002 ،‬ص‪.424 .‬‬
‫‪195‬‬
‫أما في فرنسا فمعروف أن مسؤولية الحكومة أمام البرلمان‪،‬‬
‫أو العكس‪ ،369‬تظل حاضرة في النظام الدستوري السياسي‬
‫الفرنسي على األقل منذ دستور ‪1958‬؛ بعد أن عرفت العالقة‬
‫بين السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬مرحلة عصيبة من تاريخها‬
‫زمن الجمهوريتين‪ :‬الثالثة والرابعة‪ ،370‬إلى درجة جعلت فقهاء‬
‫القانون والسياسة يطالبون بمراجعتها والدعوة إلى "العقلنة‬
‫البرلمانية"‪371‬؛ ألن اإلفراط في توسيع صالحيات الجهاز‬
‫التشريعي قد يؤدي إلى تغوله في النهاية‪ ،‬وبالتالي عدم‬
‫االستقرار الحكومي؛ وهنا نكون في الواقع أمام مفارقة‪ :‬إما‬
‫تغول الجهاز التشريعي على حساب التنفيذي‪ ،‬أو العكس؛ والحل‬
‫األنسب الذي انتهت إليه عدة دساتير – ومنها الدستور الفرنسي‬

‫‪ -369‬موريس دوفيرجي‪ :‬المؤسسات السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬


‫ص‪ 125 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -370‬فقد فشلت الجمهورية الرابعة (التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية على‬
‫خلفية دستور ‪ 27‬أكتوبر ‪ )1946‬بسبب عدم االستقرار الحكومي؛ حيث إنه خالل‬
‫‪ 12‬سنة فقط ‪ -‬عمر هذه التجربة التي امتدت بين ‪ 1946‬و‪ - 1958‬تعاقبت ‪22‬‬
‫حكومة؛ مما بات يعني ضرورة تلجيم العمل البرلماني‪ ،‬وضبط انفالته‪ ،‬وهو ما‬
‫هدف إليه دستور ‪.1958‬‬
‫‪371 - BURDEAU (Georges): Droit constitutionnel et‬‬
‫‪institutions politiques, Paris, Libr. Générale de droit et de‬‬
‫‪jurisprudence, 19ème édit., 1980.‬‬
‫والكتاب كله دعوة إلى العقلنة البرلمانية وهو ما يؤكده تصميمه العام الذي جاء‬
‫على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪I) Une tentative de rationalisation insuffisante‬‬
‫‪A. L'abondance des crises ministérielles‬‬
‫‪B. L'absence de majorité cohérente‬‬
‫‪II) Une domination du Parlement trop importante‬‬
‫‪A. Le pouvoir de la Chambre‬‬
‫‪B. La responsabilité préventive‬‬
‫‪196‬‬
‫الذي يتأثر به النظام الدستوري المغربي إلى حد بعيد‪ – 372‬هو‬
‫اللجوء إلى مبدأ التوازن والتعاون بين السلطتين‪ ،‬وهو ما حاول‬
‫دستور ‪ 2011‬مقاربته من خالل عدد من الفصول‪.373‬‬
‫فمبدأ االستقاللية إذن يجب أن ينظر إليه في هذا اإلطار‪ ،‬لكن‬
‫مع توفير ضمانات قانونية توفر حقوق البرلمانيين وتضمن‬
‫حصانتهم واستقالليتهم – أثناء أداء مهامهم – وهو ما نص عليه‬
‫الفصل ‪ 64‬من الدستور‪374‬؛ وكذا ضمان حقوق المعارضة‪ ،‬وقد‬
‫نصت عليها عدة فصول من الدستور‪375‬؛ حتى يؤدوا مهامهم‬
‫التشريعية والرقابية‪ ،‬وحتى الدبلوماسية‪ ،‬أحسن أداء؛ أما خارج‬
‫هذه المهام‪ ،‬فالبرلمانيون يتم اعتبارهم كباقي المواطنين‪.‬‬

‫‪ -372‬علما بأن الدستور الفرنسي (الباب الرابع) ما زال يحتفظ بلفظ "البرلمان"‬
‫(الذي يسمح باستيعاب وظائف متعددة كالرقابة والدبلوماسية) ولم يعوضها بلفظ‬
‫السلطة التشريعية؛ فهل أخطأ المشرع الدستوري المغربي عندما غير لفظة‬
‫"البرلمان" الواردة في دستور ‪ ،1996‬بعبارة "السلطة التشريعية" في النص‬
‫الدستوري الجديد؟‬
‫‪ -373‬منها الفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪« :1‬يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس‬
‫فصل السلط‪ ،‬وتوازنها وتعاونها‪»...‬؛ ثم قام الدستور بتفصيل ذلك في عدد من‬
‫فصول األبواب‪ :‬الرابع‪ ،‬والخامس‪ ،‬والسادس‪.‬‬
‫‪« -374‬ال يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان‪ ،‬وال البحث عنه‪ ،‬وال إلقاء‬
‫القبض عليه‪ ،‬وال اعتقاله‪ ،‬وال محاكمته‪ ،‬بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت‬
‫خالل مزاولته لمهامه‪ ،‬ماعدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي‬
‫أو الدين اإلسالمي‪ ،‬أو يتضمن ما يخل باالحترام الواجب للملك‪».‬‬
‫‪ -375‬فقد جاء في الفصل ‪« :10‬يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية حقوقا‪ ،‬من‬
‫شأنها تمكينها من النهوض بمهامها‪ ،‬على الوجه األكمل‪ ،‬في العمل البرلماني‬
‫والحياة السياسية‪»...‬؛ وجاء في الفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪« :60‬المعارضة مكون‬
‫أساسي في المجلسين‪ ،‬وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة‪»...‬؛ وفي الفقرة‬
‫‪ 2‬من الفصل ‪« :82‬يخصص يوم واحد على األقل في الشهر لدراسة مقترحات‬
‫القوانين‪ ،‬ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة»؛ والحظ أنه قد تحدث‬
‫حاالت تصبح فيها المعارضة في موقع قوي جدا‪ ،‬كما حصل بعد انسحاب حزب‬
‫االستقالل من الحكومة التي قادها حزب العدالة والتنمية في نسختها األولى‪.‬‬
‫‪197‬‬
‫وفي هذا اإلطار نُذ ّكر بأن المجلس الدستوري سبق له أن نبه‬
‫مجلس النواب – أثناء نظره في النظام الداخلي للغرفة األولى –‬
‫إلى عدم مطابقة الفقرة الثانية من المادة ‪ 37690‬من نظامه‬
‫الداخلي ألحكام الدستور «لما فيها من إخالل بمبدأ مساواة‬
‫الجميع‪ ،‬بمن فيهم أعضاء البرلمان‪ ،‬أمام القانون‪ ،‬وبمبدأ‬
‫استقالل السلطة القضائية»‪377‬؛ كما أقر بعدم مطابقة المواد من‬
‫‪ 93‬إلى ‪ ،98‬المتعلقة بالحصانة‪ ،‬ألن «الدستور لم يقر‬
‫ألعضاء البرلمان سوى حصانة موضوعية بموجب ما ينص‬
‫عليه الفصل ‪ ،»...64‬بينما ذهبت هذه المواد إلى إعطاء‬
‫أعضاء المجلس صالحيات أوسع مما حدده الدستور‪.378‬‬
‫في ضوء هذه التحديدات‪ ،‬التي تؤطر مبدأ االستقاللية‪،‬‬
‫يمارس البرلمانيون أنشطتهم المعتادة التي منحها إياهم الدستور‪،‬‬
‫خاصة في مجال التشريع وكذا مراقبة أعمال الحكومة‪ :‬من‬
‫تكوين لجان دائمة‪ ،‬أو أسئلة كتابية أو شفوية‪ ،‬وتشكيل لجان‬
‫تقصي الحقائق‪ ،‬أو حتى تقديم ملتمس الثقة أو الرقابة‪ ...‬مما‬
‫‪ -376‬ونصها‪ ...« :‬وفي حالة ما إذا ارتكب نائب أو نائبة جريمة داخل بناية‬
‫المجلس يرفع الرئيس الجلسة في حال انعقادها‪ ،‬ويجتمع المكتب ليقترح على‬
‫المجلس اإلجراءات التي يرى ضرورة تطبيقها في حق العضو المخالف‪».‬‬
‫‪ -377‬انظر قرار المجلس الدستوري رقم ‪ ،829/12‬صادر بتاريخ ‪ 11‬من ربيع‬
‫األول ‪ 4( 1433‬فبراير ‪ )2012‬بشأن المادة ‪ 90‬من النظام الداخلي لمجلس‬
‫النواب‪ ،‬الذي تمت المصادقة عليه في ‪ ،2012/02/13‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -378‬من ذلك ما جاء في المادة ‪« :93‬تودع طلبات رفع الحصانة لدى رئيس‬
‫المجلس من لدن وزير العدل‪».‬؛ والمادة ‪« :94‬يشكل في بداية الفترة النيابية‬
‫لجنة تسمى "لجنة الحصانة البرلمانية"‪ ،‬يعهد إليها بالنظر في طلبات اعتقال‬
‫أحد النواب أو التدابير الرامية إلى حرمانه أو الحد من حريته ومتابعته‪»...‬؛‬
‫والمادة ‪« :95‬يجب على اللجنة أن تستمع إلى النائبة أو النائب المعني باألمر‪،‬‬
‫الذي له الحق في أن ينيب عنه أحد النواب لتمثيله وإبداء وجهة نظره أمام‬
‫اللجنة‪...».‬‬
‫‪198‬‬
‫ضمنه الدستور‪ ،‬وفصل فيه النظام الداخلي لكل مجلس‪ ،‬وقد‬
‫سبق الحديث عن ذلك ضمن الفرع المخصص للحكومة من هذا‬
‫البحث‪.‬‬
‫مع ذلك يبقى من الضروري اإلشارة إلى أن النظام الداخلي‬
‫لمجلس النواب‪ ،‬قد خصص بابا من أبوابه‪ ،‬وهو الباب‬
‫الثالث‪ ،379‬للحديث عن عالقة مجلس النواب بمؤسسات وهيئات‬
‫حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية‬
‫والمستدامة والديمقراطية التشاركية‪ ،‬يهمنا منه المادة ‪،182‬‬
‫التي جاء فيها‪:‬‬
‫«تقدم أمام مجلس النواب وجوبا مرة واحدة على األقل في‬
‫السنة تقريرا عن أعمالها‪ ،‬المؤسسات والهيئات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬المجلس الوطني لحقوق اإلنسان؛‬
‫‪ -‬مؤسسة الوسيط؛‬
‫‪ -‬مجلس الجالية المغربية بالخارج؛‬
‫‪ -‬الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز؛‬
‫‪ -‬الهيئة العليا لالتصال السمعي البصري؛‬
‫‪ -‬مجلس المنافسة؛‬
‫‪ -‬الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها؛‬
‫‪ -‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛‬

‫‪ -379‬علما بأن النظام الداخلي لمجلس النواب قد خصص قسما كبيرا من جزئه‬
‫الخامس (المعنون ب‪ :‬مقتضيات عامة) للحديث عن عالقة مجلس النواب مع‬
‫بعض المجالس األخرى المعنية بالحكامة الجيدة؛ وهكذا جاء الباب األول منه تحت‬
‫عنوان‪ :‬عالقة مجلس النواب بالمحكمة الدستورية؛ وجاء الباب الثاني بعنوان‪:‬‬
‫عالقة مجلس النواب بالمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي؛ فيما خصص‬
‫الباب الرابع لعالقة مجلس النواب بالمجلس األعلى للحسابات‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫‪ -‬المجلس االستشاري لألسرة والطفولة؛‬
‫‪ -‬المجلس االستشاري للشباب والعمل الجمعوي‪.‬‬
‫تودع التقارير لدى مكتب المجلس الذي يحيلها على اللجان‬
‫الدائمة المختصة‪ ،‬التي تتولى مناقشتها بحضور رؤساء‬
‫المؤسسات والهيئات المعنية‪ ،‬وإعداد تقارير تحال على الجلسة‬
‫العامة لمناقشتها‪».‬‬
‫غير أن المجلس الدستوري رأى أن الفقرة األولى‪ ،‬والفقرة‬
‫األخيرة‪ ،‬من هذا الباب غير مطابقتين للدستور‪ ،380‬مشيرا في‬
‫حيثيته األولى إلى أن الفقرة األولى تنص على أن المؤسسات‬
‫والهيئات (المنصوص عليها في الفصول من ‪ 161‬إلى ‪170‬‬
‫من الدستور) «تقدم أمام مجلس النواب» وجوبا‪ ،‬مرة واحدة‬
‫على األقل في السنة‪ ،‬تقريرا عن أعمالها‪ ،‬وتنص الفقرة األخيرة‬
‫على أنه «تودع التقارير لدى مكتب المجلس الذي يحيلها على‬
‫اللجان الدائمة المختصة التي تتولى مناقشتها بحضور رؤساء‬
‫المؤسسات والهيئات المعنية‪ ،‬وإعداد تقارير تحال على الجلسة‬
‫العامة لمناقشتها‪».‬‬
‫ومنوها في الحيثية الثانية بأن الفصل ‪ 160‬من الدستور إن‬
‫ّ‬
‫كان يوجب على المؤسسات والهيئات المشار إليها تقديم تقرير‬
‫عن أعمالها مرة في السنة على األقل‪ ،‬فإنه ينص على أن هذا‬
‫التقرير يكون «موضوع مناقشة من قبل البرلمان» وال ينص‬
‫على أن هذه المؤسسات تقدم تقريرها «أمام مجلس النواب»‬
‫كما تقتضي ذلك الفقرة األولى من هذه المادة‪ ،‬مما يعني أن‬

‫‪ -380‬وذلك في قراره رقم ‪ 829/12‬صادر بتاريخ ‪ 11‬من ربيع األول ‪4( 1433‬‬
‫فبراير ‪ ،)2012‬في شأن المادة ‪ ،182‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫مناقشة هذا التقرير‪ ،‬داخل مجلسي البرلمان‪ ،‬تكون بين أعضاء‬
‫كل منهما فيما بينهم وبمشاركة الحكومة‪ ،‬وليس مباشرة مع‬
‫المسؤولين عن هذه المؤسسات والهيئات‪.‬‬
‫بينما نبهت الحيثية الثالثة إلى أن المؤسسات والهيئات المعنية‬
‫بتقديم تقريرها السنوي‪ ،‬تعد مؤسسات وهيئات مستقلة‪ ،‬إما بحكم‬
‫ما ينص عليه الفصل ‪ 159‬من الدستور‪ ،381‬وإما بموجب‬
‫الفصول الدستورية الخاصة بها‪ ،‬مما يجعلها ال تخضع ال‬
‫للسلطة الرئاسية لوزير معين وال لوصايته‪ ،‬األمر الذي يمتنع‬
‫معه تطبيق ما ينص عليه الفصل ‪ 102‬من الدستور‪.382‬‬
‫وعليه فإن العالقة التي رسمها المشرع الدستوري لمجلسي‬
‫البرلمان مع هيئات الحكامة الجيدة‪ ،‬وباقي المؤسسات الدستورية‬
‫األخرى المعنية في هذه المادة‪ ،‬يجب أن تتأسس على احترام‬
‫استقاللية هذه المؤسسات‪ ،‬أوال؛ وأال يفهم من مساءلة البرلمان‬
‫لها أنها مساءلة شبيهة بما تنضبط له الحكومة‪ ،‬ثانيا‪ ،‬ألن من‬
‫طبيعة أدوار مؤسسات وهيئات الحكامة الجيدة أن تجعل من‬
‫السلطتين‪ :‬التشريعية والتنفيذية‪ ،‬نفسيهما موضوع مساءلة‪.‬‬

‫‪ -381‬ونصه‪« :‬تكون الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة‪».‬‬


‫‪ -382‬ونصه‪« :‬يمكن للجان المعنية في كال المجلسين أن تطلب االستماع إلى‬
‫مسؤولي اإلدارات والمؤسسات والمقاوالت العمومية‪ ،‬بحضور الوزراء المعنيين‬
‫وتحت مسؤوليتهم‪».‬‬
‫‪201‬‬
‫الفقرة الثانية‪:‬‬
‫مبدأ التمثيلية والمشاركة؛ ومبدأ األداء والنزاهة‬

‫أوال‪ :‬مبدأ التمثيلية والمشاركة‬


‫معروف‪ ،‬في كل األنظمة الديمقراطية‪ ،‬بأن البرلمان يمثل‬
‫األمة (مصدر جميع السلط)؛ وال يمكن لذلك أن يتحقق إال إذا‬
‫كانت هذه "التمثيلية" صحيحة وقائمة على أسس سليمة‪ ،‬قوامها‬
‫انتخابات شفافة ونزيهة‪ ،‬تسودها الحرية والنزاهة‪ ،‬بعيدا عن كل‬
‫أشكال الضغوط وخصوصا تدخل السلطة (بما فيها الحياد‬
‫السلبي لإلدارة)‪ ،383‬حتى تسمح بتكافؤ الفرص بين المترشحين‪،‬‬
‫وبحضور مراقبين وطنيين وأجانب‪ ،‬وترسانة قانونية تنظم‬
‫جميع مراحلها بما يجعل جميع الهيئات والتنظيمات تطمئن إلى‬
‫نتائجها‪384‬؛ وهذا يتطلب توسيع وعاء المشاركة في بلورة‬
‫القرار السياسي (الشيء الذي يفترض االشتغال من داخل‬
‫مقاربة تقوم على المساواة والشفافية وعدم اإلقصاء‪ )...‬مع تعبئة‬
‫جميع الموارد والطاقات لالستفادة منها‪.385‬‬
‫وقد عمل الدستور المغربي على مالمسة كثير من هذه‬
‫الجوانب من خالل عدد من فصوله التي أكدت على مبدأ السيادة‬
‫لألمة‪ ،‬والتعددية‪ ،‬وحماية حقوق المعارضة‪ ،‬والشفافية‪،‬‬

‫‪383 - BENDOUROU (Omar): Le parlement et la démocratie,‬‬


‫‪in REMALD, série Actuel, N° 23, 2000, p. 31.‬‬
‫‪ -384‬لمزيد من المعلومات حول هذه النقطة يمكن العودة إلى عبد العزيز أشرقي‪:‬‬
‫الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪116 .‬؛ وكريم لحرش‪ :‬مغرب الحكامة‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ 56 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -385‬محمد األنصاري‪ :‬الحكامة ومتطلبات الجودة التشريعية‪ ،‬ضمن المجلة‬
‫المغربية للتدقيق والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،2007 ،24/23‬ص‪.44 .‬‬
‫‪202‬‬
‫والنزاهة‪ 386...‬فضال عن ترسانة من القوانين المنظمة لألحزاب‬
‫واالنتخابات‪ 387...‬التي عملت جميعا على تكريس هذه الحقوق‪.‬‬
‫مع ذلك لوحظ‪ ،‬في انتخابات ‪ 25‬نوفمبر ‪ ،2011‬بأن عددا‬
‫من األحزاب والقوى السياسية الوطنية واإلسالمية قد قاطعت‬

‫‪ -386‬من بينها الفصل ‪« :2‬السيادة لألمة‪ ،‬تمارسها مباشرة باالستفتاء‪ ،‬وبصفة‬


‫غير مباشرة بواسطة ممثليها‪»...‬؛ والفصل ‪« :7‬تعمل األحزاب السياسية‪،...‬‬
‫وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين‪ ،‬والمشاركة في ممارسة السلطة‪»...‬؛‬
‫والفصل ‪« :11‬االنتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل‬
‫الديمقراطي‪»...‬؛ إضافة إلى الفصول‪ ،17 :‬و‪ ،30‬و‪ ،62‬و‪ ،63‬و‪ ،135‬و‪ 146‬من‬
‫دستور ‪.2011‬‬
‫‪ -387‬قانون تنظيمي رقم ‪ 27.11‬متعلق بمجلس النواب‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.165‬بتاريخ ‪ 16‬من ذي القعدة ‪ 14( 1432‬أكتوبر‬
‫‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5987‬بتاريخ ‪ 19‬ذو القعدة ‪17( 1432‬‬
‫أكتوبر ‪ ،)2011‬ص‪5053 .‬؛ وقانون تنظيمي رقم ‪ 29.11‬متعلق باألحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.166‬بتاريخ ‪ 24‬من ذي‬
‫القعدة ‪ 22( 1432‬أكتوبر ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5989‬بتاريخ‬
‫‪ 26‬ذو القعدة ‪ 24( 1432‬أكتوبر ‪ ،)2011‬ص‪5172 .‬؛ وقانون تنظيمي رقم‬
‫‪ 28.11‬متعلق بمجلس المستشارين‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.11.172‬بتاريخ ‪ 24‬من ذي الحجة ‪ 22( 1432‬نوفمبر ‪ ،)2011‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 9597‬مكرر بتاريخ ‪ 25‬ذو الحجة ‪ 22( 1432‬نوفمبر‬
‫‪ ،)2011‬ص‪5520.‬؛ وقانون تنظيمي رقم ‪ 59.11‬متعلق بانتخاب أعضاء مجالس‬
‫الجماعات الترابية‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.173‬بتاريخ‬
‫‪ 24‬من ذي الحجة ‪ 21( 1432‬نوفمبر ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 5997‬مكرر بتاريخ ‪ 25‬ذو الحجة ‪ 22( 1432‬نوفمبر ‪ ،)2011‬ص‪5537 .‬؛‬
‫وقانون رقم ‪ 30.11‬بتحديد شروط وكيفيات المالحظة المستقلة والمحايدة‬
‫لالنتخابات‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.162‬بتاريخ فاتح ذي‬
‫القعدة ‪ 29( 1432‬سبتمبر ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،5984‬بتاريخ‬
‫‪ 8‬ذي القعدة ‪ 6( 1432‬أكتوبر ‪ ،)2011‬ص‪4931 .‬؛ وقانون رقم ‪ 9.97‬بمثابة‬
‫مدونة االنتخابات‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.97.83‬بتاريخ ‪23‬‬
‫من ذي القعدة ‪ 2( 1417‬أبريل ‪ ،)1997‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪،4470‬‬
‫بتاريخ ‪ 24‬ذي القعدة ‪ 3( 1417‬أبريل ‪ ،)1997‬ص‪570 .‬؛ فضال عن عدد كبير‬
‫من القوانين العادية والمراسيم والقرارات التي سارت في نفس االتجاه‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫هذه االستحقاقات‪ ،‬إما ألنها اعتبرت هذه الضمانات غير‬
‫كافية‪388‬؛ وإما ألن هذه القوى تعارض النظام أصال‪ ،‬وال ترى‬
‫في أي مبادرة إصالحية تأتي منه إال ضربا من ذر الرماد في‬
‫العيون‪.389‬‬
‫لكن ما ينبغي تسجيله أنه رغم تخوف بعض الجهات‪ ،‬التي‬
‫انخرطت في الورش اإلصالحي‪ ،‬من تالعب قد يحصل على‬
‫النتائج بناء على المعطيات األولية التي تسربت عشية االقتراع؛‬
‫إال أن اإلعالن الرسمي عن النتائج فاجأ الجميع باكتساح حزب‬
‫المصباح‪ ،‬الذي كان أول المتخوفين‪ !390‬فهل تخوف القوى التي‬
‫عارضت المسلسل "اإلصالحي"‪ ،‬من أساسه‪ ،‬كان تخوفا غير‬
‫مبرر؟‬
‫أيضا نسجل على مستوى مبدأ "التمثيلية والمشاركة" اختراقا‬
‫جديا لـ"حقل السلطة" في بنية النظام الدستوري المغربي؛ كنا قد‬
‫عالجناه بشيء من التفصيل في معرض حديثنا عن النظام‬
‫الدستوري الجديد واالختراق الذي أحدثه دستور ‪ 2011‬على‬
‫‪ -388‬الحديث هنا عن حزب البديل الحضاري‪ ،‬وحزب األمة‪ ،‬والنهج‬
‫الديمقراطي‪ ،‬وحزب الطليعة الديمقراطي االشتراكي‪ ،‬والحزب االشتراكي الموحد‪،‬‬
‫وحزب المؤتمر الوطني االتحادي‪.‬‬
‫‪ -389‬هذا موقف حركة العدل واإلحسان غير المرخصة‪.‬‬
‫‪ -390‬حيث اشتكى حزب العدالة والتنمية‪ ،‬في موقعه الرسمي قبيل إعالن النتائج‬
‫الرسمية‪ ،‬من عدة تجاوزات شابت العملية االنتخابية تمثلت في عدم احترام بعض‬
‫رؤساء مكاتب التصويت للمقتضيات القانونية المنظمة لعملية االقتراع‪ ،‬وقيام عدد‬
‫من رجال وأعوان السلطة ورؤساء المكاتب بتوجيه الناخبين للتصويت على‬
‫مرشحين بعينهم‪ ،‬كما أن عددا من المرشحين استعملوا وسائل النقل العمومية لنقل‬
‫مسانديهم إلى مكاتب االقتراع مع توجيه تصويتهم‪ ...‬وقد وجدت شكوى الحزب‬
‫صدى بعد إعالن النتائج في بيانات "منتدى الكرامة" و"المجلس الوطني لحقوق‬
‫اإلنسان"؛ لكن هذا التشكيك‪ ،‬بمبرراته‪ ،‬سرعان ما تم إهماله بعد إعالن النتائج‬
‫الرسمية‪.‬‬
‫‪204‬‬
‫مستوى "الطابق العلوي" للنظام الدستوري المغربي‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل الفصل ‪ 7‬من الدستور الذي سمح‪ ،‬ألول مرة في التاريخ‬
‫المغربي المعاصر‪ ،‬بإمكانية مشاركة األحزاب في السلطة‪.‬‬
‫حيث نصت الفقرة ‪ 1‬من هذا الفصل على أن األحزاب‬
‫السياسية تعمل «على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم‬
‫السياسي‪ ،‬وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية‪ ،‬وفي تدبير‬
‫الشأن العام‪ ،‬وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين‪،‬‬
‫والمشاركة في ممارسة السلطة‪ ،‬على أساس التعددية‬
‫والتناوب‪ ،‬بالوسائل الديمقراطية‪ ،‬وفي نطاق المؤسسات‬
‫الدستورية‪ ».‬بينما كانت الدساتير السابقة تسند إلى األحزاب‬
‫فقط وظيفة المساهمة في تنظيم المواطنين وتأطيرهم‪ ،‬كما هو‬
‫الحال بالنسبة للفصل الثالث من دستور ‪.3911996‬‬
‫فيكون الدستور الجديد قد سمح لألحزاب بإمكانية أداء نفس‬
‫األدوار التي تؤديها نظيرتها في األنظمة الديمقراطية‪ ،‬مع‬
‫احترام الخصوصية المغربية (ونقصد بالذات المجال المحفوظ‬
‫للمك)‪ ،‬فهل األحزاب السياسية المغربية‪ ،‬بوضعها الراهن‪،‬‬
‫قادرة على استيعاب هذا الدور‪ ،‬أم أنها على مستوى البنيات‬
‫والتنظيم والذهنيات‪ ...‬ما زالت تشتغل وفق آليات النظام‬
‫الدستوري القديم؟ وبالتالي أال ينعكس ذلك مباشرة على مبدأ‬
‫التمثيلية والمشاركة لما له من عالقة مباشرة مع اختيار‬

‫‪ -391‬نُذ ّكر بأن الفصل ‪ 3‬من دستور ‪ 1996‬لم يضف أي جديد إلى الفصل الثالث‬
‫من دستور ‪ 1992‬بل أعاده بحذافيره‪ .‬يراجع دستور ‪ 1992‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.92.155‬بتاريخ ‪ 11‬من ربيع اآلخر ‪ 9( 1413‬أكتوبر‬
‫‪ ،)1992‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4172‬بتاريخ ‪ 16‬ربيع اآلخر (‪ 14‬أكتوبر‬
‫‪.)1992‬‬
‫‪205‬‬
‫المترشحين ومنح التزكية‪ ،‬وهي أمور ما زال يتحكم فيها النفوذ‪،‬‬
‫والعالقات الشخصية‪ ،‬واالنتماءات القبلية‪ ...‬مما يستدعي مزيدا‬
‫من الحزم والصرامة في تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مبدأ األداء والنزاهة‬


‫يقاس عمل البرلمان بأداء مهامه‪ ،‬لكن الحكامة الجيدة تشترط‬
‫أن يقترن األداء بالنزاهة؛ والنزاهة معيار قيمي يصعب‬
‫مالحظته في ذاته‪ ،‬لكن يمكن مالحظته من خالل تجلياته‪ ،‬في‬
‫مجال التشريع أو الرقابة أو الدبلوماسية‪ ،‬ومن هذه التجليات‪:‬‬
‫حضور البرلمانيين إلى الجلسات العمومية؛‬ ‫‪‬‬
‫نشاطهم داخل اللجان؛‬ ‫‪‬‬
‫سرعة أو بطء المخطط التشريعي؛‬ ‫‪‬‬
‫العوائق النفسية (نالحظ مثال في تقديم ملتمس‬ ‫‪‬‬
‫الرقابة فرقا بين أداء البرلماني المغربي ونظيره الفرنسي)؛‬
‫استغالل السلطة والنفوذ؛‬ ‫‪‬‬
‫االلتزام بالمعايير األخالقية؛‬ ‫‪‬‬
‫تفعيل القانون لمحاسبة البرلمانيين أنفسهم عن‬ ‫‪‬‬
‫خرقهم أحد هذه المعايير والمؤشرات (تفعيال لمبدأ اقتران‬
‫المسؤولية بالمحاسبة)؛‬
‫الفصل بين المصلحة الخاصة والعمل البرلماني‬ ‫‪‬‬
‫(لتحقيق مكاسب مادية مثال‪ ،‬أو تفويت بعض األسرار أو‬
‫المعلومات إلى جهات معينة الستغاللها لمصلحتها‪)...‬‬
‫شفافية أعمال البرلمان مما يتطلب تيسير‬ ‫‪‬‬
‫الحصول على المعلومة‪ ،‬ووضعها رهن إشارة الرأي العام –‬
‫‪206‬‬
‫بما ال يتعارض مع سرية أداء المهام وأسرار الدولة – وهو ما‬
‫يسهل مراقبة معايير مثل النزاهة واألداء‪ ،‬حيث من شأن نشر‬
‫المعطيات أن تساعد على التقييم الجيد لألداء‪.‬‬
‫وكمدخل دستوري لتنزيل مبادئ الحكامة الجيدة في هذا‬
‫المستوى‪ ،‬ألزم دستور ‪ 2011‬البرلمان عند صياغة النظام‬
‫الداخلي لكل غرفة‪ ،‬بالتنصيص على هذه المبادئ كالتنسيق‬
‫والتكامل بين الغرفتين‪ ،‬والعمل على تحقيق النجاعة البرلمانية‪،‬‬
‫واحترام حقوق المعارضة وتضمين الجزاءات المطبقة‪392‬؛‬
‫وبالفعل استجاب النظام الداخلي للغرفة األولى ألحكام‬
‫الدستور‪ ،393‬حيث تضمن الفرع الثالث منه‪ ،‬والمخصص‬
‫للحضور في الجلسات العامة‪ ،‬مادتين للتنصيص على بعض هذه‬
‫المبادئ؛ فالمادة ‪ 67‬أكدت على ضرورة حضور النواب وضبط‬
‫مسطرة تغيبهم عن الجلسات العامة‪ ،‬ونشر الئحة المتغيبين في‬
‫النشرة الداخلية للمجلس وفي موقعه االلكتروني‪ ،‬حيث يالحظ‬

‫‪ -392‬حيث جاء في الفصل ‪ ...« :69‬يتعين على المجلسين‪ ،‬في وضعهما‬


‫لنظاميهما الداخليين‪ ،‬مراعاة تناسقهما وتكاملهما‪ ،‬ضمانا لنجاعة العمل‬
‫البرلماني‪.‬‬
‫يحدد النظام الداخلي بصفة خاصة‪:‬‬
‫‪ -‬قواعد تأليف وتسيير الفرق والمجموعات البرلمانية واالنتساب إليها‪ ،‬والحقوق‬
‫الخاصة المعترف بها لفرق المعارضة؛‬
‫‪ -‬واجبات األعضاء في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة‪،‬‬
‫والجزاءات المطبقة في حالة الغياب؛‬
‫‪ -‬عدد اللجان الدائمة واختصاصها وتنظيمها‪ ،‬مع تخصيص لجنة أو لجنتين‬
‫للمعارضة‪ ،‬على األقل‪»...‬‬
‫‪ -393‬نعرف بأن الغرفة العليا للبرلمان ما زالت تشتغل بالنظام القديم نظرا لتأخر‬
‫إجراء انتخاب أعضائها‪ ،‬المرتبط بدوره بانتخاب أعضاء المجالس الجماعية‬
‫والهيئات النقابية‪...‬‬

‫‪207‬‬
‫هنا احترام مبدأ آخر من مبادئ الحكامة الجيدة وهو مبدأ‬
‫الشفافية‪ ،‬وتعميم المعلومة ونشرها؛ فيما نصت المادة ‪ 68‬على‬
‫بعض العقوبات المترتبة عن التغيب بدون مبرر‪ ،‬والتي تتضمن‬
‫توجيه تنبيه كتابي واالقتطاع من مبلغ التعويضات الشهرية بما‬
‫يتناسب وعدد األيام المتغيب فيها‪.‬‬
‫جدير بالذكر أن هذه ليست كل العقوبات التي نص عليها‬
‫النظام الداخلي لمجلس النواب‪ ،‬بما أنه قد أفرد بابا كامال‪ ،‬هو‬
‫الباب الرابع‪ ،‬للتنبيهات والتأديبات توزعت على ستة مواد (من‬
‫المادة ‪ 86‬إلى المادة ‪ ،)91‬لكن المجلس الدستوري أقر بعدم‬
‫دستورية المادة ‪ ،90‬كما سبق أن حللنا في مناسبة سابقة‪ ،‬وهكذا‬
‫ركزت المادة ‪ 86‬على العقوبات التالية‪ :‬التذكير بالنظام؛ التنبيه؛‬
‫التنبيه مع اإلبعاد المؤقت‪.‬‬
‫فيما بينت المادة ‪ 87‬حيثيات التذكير بالنظام‪ ،‬وجعله من‬
‫صالحيات رئيس المجلس يوجهه لكل نائبة أو نائب قام بعرقلة‪،‬‬
‫أو تشويش‪ ،‬مخل بالنظام‪ ،‬أو تناول الكلمة بدون إذن الرئيس‪.‬‬
‫أما التنبيه فيوجه إلى النائبة أو النائب في حالتين (نصت‬
‫عليهما المادة ‪ :)88‬إذا ذكر بالنظام مرتين؛ وإذا سب أو قذف أو‬
‫هدد عضوا أو أكثر من أعضاء المجلس‪ ،‬ويترتب عنه اقتطاع‬
‫ربع التعويض الممنوح له لمدة شهر واحد‪.‬‬
‫في حين حصرت المادة ‪ 89‬الحاالت الثالث التي يترتب‬
‫عنها تنبيه النائبة أو النائب مع إبعاده مؤقتا‪ :‬إذا لم يمتثل للعقوبة‬
‫المتخذة في حقه؛ أو إذا استخدم العنف أثناء الجلسة؛ أو إذا‬
‫صدرت عنه تصرفات مهينة للمجلس أو لرئيسه‪ .‬ويترتب عن‬
‫التنبيه مع اإلبعاد المؤقت اقتطاع نصف التعويض لمدة شهرين‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫وقد جاءت المادة ‪ 91‬أخيرا لتنظم مسطرة التنبيه مع اإلبعاد‬
‫المؤقت‪ ،‬حيث نصت على أن المجلس يصدرها بالتصويت بدون‬
‫مناقشة‪ ،‬بناء على اقتراح رئيس المجلس‪ ،‬ومن حق النائب الذي‬
‫يتخذ ضده هذا اإلجراء أن يتناول الكلمة للتعبير عن وجهة‬
‫نظره‪ ،‬أو ينيب عنه أحد زمالئه للقيام بذلك‪ ،‬في حدود عشر‬
‫دقائق‪.‬‬
‫يبدو إذن أن التشريعات الوطنية (دستور؛ قوانين؛ أنظمة‬
‫داخلية‪ )...‬تحاول أن تالمس مبدأ األداء والنزاهة‪ ،‬لكن هذا المبدأ‬
‫ال يرى إال من خالل تجلياته‪ ،‬وهنا ال بد من استحضار نقطتين‬
‫جوهريتين لتقييم هذا المبدأ‪:‬‬
‫‪ –1‬مناقشة المعطيات الرقمية‬
‫مبدئيا يبدو أن الحصيلة التشريعية إيجابية في مجملها‪ ،‬بناء‬
‫على تصريحات وزير االتصال‪ 394،‬حيث بلغت هذه الحصيلة‬
‫‪ 363‬نصا ما بين القوانين والمراسيم (إلى غاية منتصف‬
‫سبتمبر ‪ )2013‬من بينها إخراج ‪ 5‬قوانين تنظيمية إلى الوجود‪.‬‬
‫غير أننا ال نطمئن لهذا التصريح اطمئنانا كامال ألن المتتبع‬
‫للمعطيات يعرف بأن أربعة من هذه القوانين التنظيمية‪ 395‬قد‬
‫صدرت في نهاية والية حكومة عباس الفاسي‪ ،‬بل وقبل‬
‫انتخابات الغرفة األولى التي جرت في ‪ 25‬نونبر ‪ ،2011‬مما‬
‫يعني أن المخطط التشريعي ما زال يتسم بالبطء الشديد‪ ،‬خاصة‬

‫‪ -394‬بناء على تصريحات السيد وزير االتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة‬
‫لصحيفة هسبريس االلكترونية‪ ،‬يوم االثنين ‪.2013/09/16‬‬
‫‪ - 395‬وهي المتعلقة ب‪ :‬مجلس النواب؛ ومجلس المستشارين؛ واألحزاب‬
‫السياسية؛ وانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية‪ ،‬وقد تم تفصيل الحديث‬
‫حولها في مناسبة سابقة‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫إذا علمنا بأن عدد القوانين التنظيمية التي حددها الدستور الحالي‬
‫يصل حوالي ‪ 20‬قانونا‪ ،‬لهذا فإن البرلمان‪ ،‬كما الحكومة‪،‬‬
‫مدعوان لتسريع أدائهما‪.‬‬
‫إن تسريع وتيرة المخطط التشريعي تستدعي بالضرورة‬
‫استحضار مبادئ الحكامة الجيدة ومنها تدبير الموارد‬
‫واإلمكانات المتاحة – المطبوعة أصال بالندرة – تدبيرا رشيدا‬
‫وعقالنيا حتى تؤدي اللجان البرلمانية عملها على أحسن‬
‫وجه‪.396‬‬
‫وإذا كنا نسجل‪ ،‬في هذا اإلطار‪ ،‬بأن عدد اللجان الدائمة يبدو‬
‫لنا معقوال جدا (‪ 8‬لجان بالنسبة للغرفة السفلى و‪ 6‬لجان بالنسبة‬
‫للغرفة العليا) ‪ ،397‬كما أن المشرع وضع بين أيديها صالحيات‬
‫عديدة في مجال المبادرة التشريعية أو مناقشة القوانين أو الرقابة‬
‫على السلطة التنفيذية‪...‬‬
‫فإننا نسجل‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أنه يجب االنتباه عند تشكيل هذه اللجان‬
‫إلى مراعاة نوع من العدالة‪ ،‬حتى ال يصبح عمل بعضها ظرفيا‬
‫فقط‪ ،‬في حين يشتغل بعضها اآلخر دون انقطاع؛ كما يجب‬
‫استحضار إمكانات األعضاء‪ ،‬عند تشكيل اللجان‪ ،‬خاصة تلك‬
‫التي تحتاج إلى القدرة على اإلبداع والمبادرة االقتراحية‪ ،‬فضال‬

‫‪ -396‬عبد الكريم الحديكي‪ :‬التأثير المتبادل بين الحكومة والبرلمان في النظام‬


‫الدستوري المغربي – دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪– 2002 ،‬‬
‫‪ ،2003‬ص‪.195 .‬‬
‫‪ -397‬بناء على المادة ‪ 35‬من النظام الداخلي لمجلس النواب؛ والمادة ‪ 48‬بالنسبة‬
‫لمجلس المستشارين؛ وللمقارنة‪ :‬يبلغ عدد اللجان الدائمة في الجمعية الوطنية‬
‫الفرنسية حاليا ‪ 8‬لجان‪ .‬انظر ذلك في الموقع الرسمي للجمعية على الرابط‪:‬‬
‫‪( http://www.assemblee-nationale.fr/#‬تاريخ الزيارة‪)2013/11/27 :‬‬
‫‪210‬‬
‫عن ضرورة استحضار الجدية في السلوك وضرورة التنسيق‬
‫‪398‬‬
‫بين غرفتي البرلمان‪...‬‬
‫أيضا – ولتحقيق أداء برلماني فعال يستجيب لمبادئ الحكامة‬
‫الجيدة – ال بد من توفير مجموعة من الشروط منها توفير‬
‫مكتبة خاصة مجهزة بما تحتاجه الفرق واللجان البرلمانية ألداء‬
‫مهامها‪ ،‬مع تحيين هذه المكتبة باستمرار؛ وتوفير تغطية إعالمية‬
‫كافية (من هنا فإن إحداث قناة تلفزيونية برلمانية بات مطلبا‬
‫ملحا جدا)؛ هذا فضال عن توفير الموارد البشرية الكافية‬
‫والمدربة والبنيات المادية واللوجستيكية األساسية والضرورية‬
‫‪399‬‬
‫لألداء الجيد‪...‬‬
‫إن توفير الحد األدنى من الشروط الموضوعية الضرورية‬
‫لألداء البرلماني الفعال والناجع‪ ،‬سيجعل الساهرين على تقويم‬
‫هذا األداء يركزون على ما هو ذاتي – أي خاص بالبرلمانيين‬
‫في ذواتهم – بحيث ال تعود هناك إمكانية إللقاء تبعات كل‬
‫تقصير على شماعة الظروف الموضوعية؛ وبالتالي سيساعد‬
‫ذلك بالتأكيد على تفعيل مبدأ اقتران المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬دون‬
‫أن يعني ذلك تجميد تفعيل هذا المبدأ حتى إشعار آخر‪ ،‬بل يجب‬
‫تفعيله‪ ،‬في اعتقادنا‪ ،‬حتى قبل أن يصبح البرلماني عضوا فعال‬
‫في المؤسسة التشريعية‪ ،‬بحيث يمكن مثال التنصيص في قانون‬

‫‪ -398‬نعيمة البوزيدي‪ :‬الحكامة البرلمانية بالمغرب‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫وجدة‪ ،2012 – 2011 ،‬ص‪.47 – 46 .‬‬
‫‪ -399‬نعيمة البوزيدي‪ :‬الحكامة البرلمانية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14 .‬‬
‫‪211‬‬
‫األحزاب على عقوبات في حال اإلخالل بمبادئ الحكامة الجيدة‪،‬‬
‫وبحيث تلتزم األحزاب بتطبيقها فعال‪.400‬‬

‫‪ –2‬بعيدا عن القانون قريبا من أخالقيات المهنة‬


‫دعا العاهل المغربي محمد السادس – في الخطاب الذي ألقاه‬
‫أمام البرلمان –‪ 401‬جميع ممثلي األمة «إلى االنكباب على‬
‫بلورة مدونة أخالقية ذات بعد قانوني‪ ،‬تقوم على ترسيخ قيم‬
‫الوطنية وإيثار الصالح العام‪ ،‬والمسؤولية والنزاهة‪ ،‬وااللتزام‬
‫بالمشاركة الكاملة والفعلية في جميع أشغال البرلمان‪ ،‬واحترام‬
‫الوضع القانوني للمعارضة البرلمانية ولحقوقها الدستورية‪»...‬‬
‫فأين وصلت توجيهات هذا الخطاب؟ وما الذي يمكن رصده‬
‫على مستوى الممارسة؟‬
‫أ – تفعيل الخطاب الملكي‬
‫لتفعيل مضامين الخطاب الملكي المذكور‪ ،‬السيما في شقه‬
‫المتعلق ببلورة مدونة أخالقية للعمل البرلماني‪ ،‬انعقد بمقر‬
‫البرلمان‪ ،‬يوم األربعاء ‪ 14‬نوفمبر ‪ ،2012‬ورشة حول‬
‫موضوع "مدونة قواعد السلوك البرلمانية"‪ ،‬وذلك بشراكة مع‬
‫مؤسسة "ويستمنستر للديمقراطية"‪402‬؛ وقد أجمع المشاركون في‬

‫‪ -400‬يالحظ بأن القانون التنظيمي رقم ‪ 29.11‬المتعلق باألحزاب السياسية‪،‬‬


‫مرجع سابق‪ ،‬قد خصص بابه السادس لـ"مبادئ تنظيم األحزاب السياسية‬
‫وتسييرها" تطرق فيه لعدد كبير من مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬لكنه لم يخصص‪،‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬في بابه السادس المتعلق بـ"الجزاءات" ألي عقوبات مترتبة عن اإلخالل‬
‫بهذه المبادئ‪.‬‬
‫‪ -401‬وذلك بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الثانية من الوالية التشريعية التاسعة‬
‫‪.2013 – 2012‬‬
‫‪ -402‬انظر تفاصيلها ضمن موقع مجلس النواب على الرابط‪:‬‬
‫‪212‬‬
‫هذه الورشة على أن مدونة من هذا النوع من شأنها أن تعمل‬
‫على تطوير أداء المؤسسة التشريعية وتحسين صورتها أمام‬
‫الرأي العام‪ ،‬لكن بعد مرور سنة من ذلك ظل يالحظ بأن هذه‬
‫المدونة «ليست عصا موسى أو وصفة سحرية»‪ 403‬لتحقيق‬
‫األهداف التي رصدت لها‪.404‬‬
‫ب – على مستوى الممارسة‬
‫إذا كان البرلمان مطالبا بمراقبة تطبيقات الحكامة الجيدة على‬
‫مؤسسات الدولة والحكومة‪ ،‬من خالل أشكال الرقابة التي منحه‬
‫إياها القانون (المساءلة‪ ،‬تشكيل لجان تقصي الحقائق‪ )...‬فهو‬
‫مطالب‪ ،‬من باب أولى‪ ،‬بتطبيق مبادئ الحكامة داخل قبته‪ ،‬وهنا‬
‫يلعب نشر المعلومة دورا هاما لتحقيق هذه الغاية‪ ،‬كما أشرنا في‬
‫مناسبة سالفة‪ ،‬لكننا نسجل بهذا الصدد أن بعض الممارسات التي‬
‫تسيء إلى العمل البرلماني ما زالت تطفو على السطح بين الفينة‬
‫واألخرى؛ فقد كتبت جريدة الصباح في عددها الصادر يوم‬

‫‪http://www.parlement.ma/_sitenation.php?filename=20121218‬‬
‫‪( 0921297716‬تاريخ الزيارة يوم ‪.)2013/09/12‬‬
‫‪ -403‬التعبير هنا لمحمد حنين (القيادي في حزب التجمع الوطني لألحرار) ضمن‬
‫المؤتمر الذي نظمته مؤسسة الشركاء الدوليين للحكامة ‪Governance Global‬‬
‫‪ ،Partners‬األردن‪ ،‬يومي ‪ 13‬و‪ 14‬دجنبر ‪ ،2013‬ضمن موقع هسبريس‬
‫الرابط‬ ‫على‬ ‫(‪)2013/12/16‬‬
‫(تاريخ الزيارة يوم‬ ‫‪http://hespress.com/politique/96522.html‬‬
‫‪.)2013/12/19‬‬
‫‪ -404‬شكلت "مدونة السلوك واألخالق البرلمانية" الجزء السادس من النظام‬
‫الداخلي لمجلس النواب‪ ،‬وتكونت من ثالثة أبواب‪ :‬الباب األول بعنوان‪ :‬المبادئ‬
‫األخالقية العامة؛ والباب الثاني‪ :‬قواعد السلوك واألخالقيات البرلمانية؛ والباب‬
‫الثالث‪ :‬مقتضيات إجرائية‪ .‬انظر النظام الداخلي لمجلس النواب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.74-72 .‬‬
‫‪213‬‬
‫‪ ،2013/10/14‬عن اتهامات وجهتها النقابة المستقلة لموظفي‬
‫مجلس المستشارين‪ ،‬في مراسلة إلى رئيس المجلس‪ ،‬بخرق‬
‫سافر لإلجراءات والمساطر المعمول بها في المؤسسات‬
‫العمومية‪ ،‬على إثر عدم إعالن المباراة في الموقع العمومي‬
‫(الوظيفة العمومية)‪ ،‬وال بالموقع الرسمي للمجلس‪ .‬مضيفة أن‬
‫المباراة تم تهريبها في يوم عطلة‪ ،‬بإعالن مجهول الهوية‪ ،‬وذلك‬
‫في مباراة شملت ‪ 20‬منصب شغل‪ ،‬قالت النقابة إن بعض‬
‫أعضاء المجلس المقربين من صناع القرار في الغرفة الثانية‬
‫يبحثون عن ضمان فرص شغل لمقربيهم‪ ،‬خارج إطار النزاهة‬
‫والشفافية؛ مما يضع عالمة استفهام كبيرة حول "الحكامة‬
‫البرلمانية"‪ ،‬بين ما يؤسس له الدستور وينظمه القانون‪ ،‬من‬
‫جهة‪ ،‬وما يجري على أرض الواقع والممارسة‪ ،‬من جهة ثانية؟‬

‫الفرع الثاني‪ :‬السلطة القضائية‬


‫تقتضي الحكامة الجيدة في مجال القضاء أن تكون سلطته‬
‫مستقلة فعال عن باقي السلط‪ ،‬وفي هذا اإلطار يعتبر دستور‬
‫‪ 2011‬شهادة ميالد حقيقية لهذه السلطة التي جاءت لتعمل على‬
‫تجاوز إكراهات واقع مرير شهدته منظومة العدالة طيلة عقود‬
‫(الفقرة األولى)؛ وكمدخل لتجاوز هذه اإلكراهات عكف المشرع‬
‫الدستوري على خلق إطار قوي لالرتقاء بهذه المنظومة من‬
‫خالل فصول بابه السابع‪ ،‬لكن ترسيمها كنصوص قانونية يبقى‬
‫غير كاف دون تنزيل سليم لمضامينها (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫الفقرة األولى‪:‬‬
‫الواقع والطموحات قبل التعديل الدستوري األخير‬

‫أوال‪ :‬استقالل القضاء‬


‫رغم أننا انتهينا‪ ،‬في الفرع السابق‪ ،‬إلى أن الفصل الفعلي بين‬
‫السلطتين‪ :‬التشريعية والتنفيذية صعب التحقق‪ ،‬إال أننا انتهينا‬
‫أيضا إلى أنه يمكن تفهم تداخل اختصاصاتهما استنادا إلى‬
‫تجارب تاريخية في هذا المجال‪ ،‬مما يجعلنا نقتنع‪ ،‬إلى حد ما‪،‬‬
‫بضرورة األخذ بمبدأ التعاون والتوازن‪ ،‬في نظام دستوري شبيه‬
‫بالنظام المغربي‪.‬‬
‫لكن إذا كان األمر كذلك في مجال التشريع والتنفيذ فإنه‬
‫يستحيل الحديث عن ديمقراطية في نظام يفرض وصاية على‬
‫الجهاز القضائي‪ ،‬من أي جهة كانت‪ ،‬وبحيث يصبح مبدأ الفصل‬
‫بين السلط ال غنى عنه في هذا المستوى‪ ،‬ألنه ال يمكن الحديث‬
‫عن اشتغال جيد لمؤسسات الدولة العامة أو الخاصة‪،‬‬
‫وأشخاصها الطبيعيين والمعنويين‪ ،‬دون استقالل حقيقي للجهاز‬
‫القضائي‪.‬‬
‫فمبدأ دولة الحق والقانون الذي تلح عليه أبجديات الحكامة‬
‫الجيدة يستوجب‪ ،‬فضال عن دستور يحقق الحد األدنى من‬
‫الحقوق والحريات العامة والخاصة‪« ،‬سن قوانين تحدد‬
‫ممارسة تلك الحقوق وأداء الواجبات‪ ...‬مع استقالل حقيقي‬
‫للسلطة القضائية‪ ،‬كما يقتضي‪ ...‬خضوع الدولة نفسها‬
‫‪405‬‬
‫للقانون»‪.‬‬

‫‪ -405‬أشرقي‪ :‬الحكامة الجيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.117 .‬‬


‫‪215‬‬
‫من هنا فإن أول مبدأ تفرضه الحكامة الجيدة في مجال‬
‫القضاء هو استقالله عما سواه من سلط‪ ،‬ثم تأتي مبادئ أخرى‬
‫تتمم مبدأ االستقاللية وتحصنه‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬الكفاءة والفاعلية‬
‫والنزاهة‪...‬‬
‫ورغم أن الحديث يجري عادة عن استقالل القضاء عن‬
‫السلطتين‪ :‬التشريعية والتنفيذية‪ ،‬فإن الواقع والممارسة دالّ –‬
‫خاصة في التجربة المغربية – على أن المعني بالدرجة األولى‬
‫هو استقالل القضاء عن السلطة التنفيذية‪ ،‬وبالذات وزارتي‬
‫العدل والداخلية اللتان ظلتا تفرضان عليه كثيرا من الوصاية‪،‬‬
‫علما بأن المشرع الدستوري المغربي انتبه أيضا إلى إمكانية‬
‫تدخل السلطة التشريعية في استقاللية القضاء وحاول تحصينه‬
‫في هذا الجانب أيضا‪ ،‬من خالل ما نص عليه الفصل ‪ 67‬من‬
‫الدستور‪.406‬‬
‫والحديث عن استقالل القضاء‪ ،‬كما هو الشأن في كل نقاش‬
‫دستوري‪ ،‬ينبغي النظر إليه في مستويين‪:‬‬
‫استقالل القضاء‪ :‬باعتباره مؤسسة مستقلة عن‬ ‫‪‬‬
‫الجهازين التشريعي والتنفيذي‪ ،‬حيث يبقى لوزارة العدل مجرد‬
‫تدبير األمور اإلدارية الصرف‪.‬‬
‫استقالل القاضي‪ :‬ويقصد به عدم التدخل في‬ ‫‪‬‬
‫مهمة القاضي بالضغط‪ ،‬أو التأثير سواء باإلغراء أو اإلكراه‪...‬‬

‫‪ -406‬فقد جاء في الفقرة الثالثة من هذا الفصل‪« :‬وال يجوز تكوين لجان تقصي‬
‫الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية‪ ،‬ما دامت هذه المتابعات‬
‫جارية؛ وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق‪ ،‬سبق تكوينها‪ ،‬فور فتح تحقيق‬
‫قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها‪».‬‬
‫‪216‬‬
‫وفي المستويين معا يثار طبعا السؤال عن الكيفية التي تمكن‬
‫من تحقيق ذلك؟ وسؤال الكيفية يشير بالضرورة إلى الشروط‬
‫والضمانات الدستورية والقانونية لضمان المحاكمة العادلة؛ إذ‬
‫في النهاية فالغاية أو المطلب هو تحقيق العدالة حتى ال تضيع‬
‫الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫وقد الحظ األستاذ لحرش بأن القضاء المغربي كان يعاني‬
‫من عدد كبير من المعوقات التي كانت تقف دون تحقيق‬
‫المحاكمة العادلة‪ ،407‬قبل اإلصالح الدستوري الحالي‪ ،‬منها‪:‬‬
‫– احتكار المؤسسة الملكية للتعيين في المناصب القضائية‪،‬‬
‫خارج رأي المجلس األعلى للقضاء؛‬
‫– تدخل الملك في األحكام القضائية‪ ،‬أو حتى إيقاف المسلسل‬
‫القضائي‪ ،‬عن طريق ممارسة حق العفو؛‬
‫– افتقار المجلس األعلى للقضاء ألي استقالل إداري أو‬
‫مالي عن وزارة العدل؛‬
‫– اكتفاؤه بلعب الدور االستشاري دون تحديد أدوار حقيقية؛‬
‫– يلعب وزير العدل دورا حاسما في كل القرارات المتعلقة‬
‫بأوضاع القضاة؛‬
‫– مشاكل كثيرة في سير المحاكم‪ ،‬منها‪ :‬ضعف كفاءة عدد‬
‫من القضاة في بعض المجاالت (كالتجارة الدولية‪ ،‬والحقوق‬
‫والحريات‪)...‬؛ والوضعية المزرية التي يعيشها كتاب الضبط‪،‬‬
‫ونقص في عدد القضاة مما يؤدي إلى تراكم القضايا وتأخر‬
‫صدور األحكام‪...‬‬

‫‪ -407‬كريم لحرش‪ :‬مغرب الحكامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.74-70 .‬‬


‫‪217‬‬
‫– مشاكل مرتبطة بالحياة المهنية للقضاة‪ ،‬منها‪ :‬عدم‬
‫استقاللية جهاز النيابة العامة عن وزارة العدل‪ ،‬ومراقبة هذه‬
‫الوزارة لمسلسل ولوج القضاء والتكوين‪ ،‬وترأس وزير العدل‬
‫للمجلس التأديبي‪ ،‬وعدم حصر‪ ،‬ووضوح‪ ،‬معايير تقييم أداء‬
‫القضاة في جودة األحكام‪ ،‬وضعف مشاركتهم في إغناء االجتهاد‬
‫القضائي والبحث القانوني‪...‬‬
‫– فضال عن عدم إمكانية انخراط القضاة في العمل النقابي‪،‬‬
‫والتضييق على حقهم في تأسيس الجمعيات‪ ،‬ومنعهم من اإلشارة‬
‫إلى صفتهم القضائية في مؤلفاتهم وأعمالهم األدبية والعلمية‪ ،‬إال‬
‫بإذن من وزير العدل‪ ،‬الذي له الحق أيضا في الترخيص لهم‬
‫بالمشاركة في التظاهرات العلمية والفكرية‪...‬‬

‫ثانيا‪ :‬النزاهة‬
‫رغم أنه يصعب التأكد من مبدأ النزاهة‪ ،‬نظرا الرتباطه‬
‫بمنظومة القيم واألخالقيات‪ ،‬إال أنه يمكن مع ذلك وضع‬
‫مجموعة من المعايير والمؤشرات ألجرأة هذا المبدأ ومراقبته‪،‬‬
‫منها مثال‪:‬‬
‫– وضع حدود للحصانة القضائية؛‬
‫– التمييز‪ ،‬في ممارسات القاضي‪ ،‬بين تلك التي يتصرف‬
‫فيها باعتباره يمثل العدالة‪ ،‬واألخرى التي تجعل منه‬
‫اإلنسان‪/‬المواطن؛‬
‫– ضمان حق القضاة في تكوين جمعيات خاصة بهم‪ ،‬تكون‬
‫بمثابة قنوات للتعبير عن آرائهم؛‬
‫– التصريح بالممتلكات؛‬

‫‪218‬‬
‫– الشفافية‪ :‬ويقصد بها علنية الجلسات والحق في الحصول‬
‫على المعلومات وتداولها؛‬
‫– إمكانية الطعن في األحكام القضائية‪.‬‬
‫مع التنصيص على أن مثل هذه األمور‪ ،‬يجب أن تكون‬
‫مؤطرة بنصوص قانونية وتنظيمية واضحة‪ ،‬تبين للقاضي ما‬
‫هو له وما هو عليه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬‬
‫مستجدات الوثيقة الدستورية ‪2011‬‬

‫أوال‪ :‬تجليات الحكامة القضائية من خالل الدستور‬


‫هل عمل المشرع الدستوري‪ ،‬من خالل دستور ‪،2011‬‬
‫على توفير أرضية صلبة لتجاوز المعوقات‪ ،‬أو البقع السوداء‪،‬‬
‫التي اقترنت طويال بصورة القضاء الوطني ولطخت سمعته؟‬
‫أكيد أن عددا من األمور أعاله ما تزال عالقة‪ ،408‬لكن أمورا‬
‫كثيرة أخرى قد تم تجاوزها من دون شك‪ ،‬لعل أهمها بروز‬
‫القضاء كسلطة مستقلة ضمن المتن الدستوري نفسه‪ ،409‬بعد أن‬
‫كان يأتي دائما بصفة الجهاز‪/‬الوظيفة فقط‪ ،‬في الدساتير السابقة‪،‬‬

‫‪ -408‬إما بسبب تأخر صدور نصوص منظمة (مثال القانون التنظيمي الخاص‬
‫بالنظام األساسي للقضاة‪ ،‬والقانون التنظيمي الخاص بالمجلس األعلى للقضاء)‪ ،‬أو‬
‫بطبيعة تداخل المجال المحفوظ للملك مع تنظيم واختصاصات السلطة القضائية؛ أو‬
‫حتى بفعل طبيعة البنية الذهنية المجتمعية الحاضنة للمؤسسات الدستورية‪ ،‬ومن‬
‫ضمنها السلطة القضائية‪...‬‬
‫‪ -409‬تنص الفقرة ‪ 1‬من الفصل ‪ 107‬على أن «السلطة القضائية مستقلة عن‬
‫السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية‪».‬‬
‫‪219‬‬
‫ثم توسع صالحيات المجلس األعلى للقضاء‪410‬؛ فضال عن‬
‫الباب الثاني المكرس للحقوق والحريات في مطلع دستور‬
‫‪.2011‬‬
‫فقد سعى الدستور الجديد إلى توفير أرضية قوية للتشريعات‬
‫القانونية التي ستصدر بعده‪ ،‬لضمان شروط استقالل القضاء‪،‬‬
‫من خالل ضمان حقوق وحريات القضاة‪ ،‬وفي مقدمة ذلك نقلهم‬
‫وعزلهم‪ ،‬فقد جاء في الفصل ‪ 108‬من الدستور‪« :‬ال يعزل‬
‫قضاة األحكام وال ينقلون إال بمقتضى القانون"‪ ،‬مما "يعني‬
‫عدم ترك الفصل في عزل القاضي من عدمه بيد السلطة‬
‫التنفيذية‪ .‬وذلك ال يعني عصمة القاضي لكن يضمن إحاطة‬
‫عزله بضمانات تكفل له أداء مهامه بأمان واطمئنان‪ ،‬علما بأن‬
‫هذا المبدأ ال يتعارض تماما مع مبدأ إمكانية مساءلة القاضي‬
‫‪411‬‬
‫تأديبيا أو حتى جزائيا‪».‬‬
‫كما أن المشرع الدستوري ذهب إلى حد تجريم أي تدخل من‬
‫شأنه أن يؤثر على مسار العدالة‪ ،‬من خالل التأثير في مسار‬
‫القضايا المعروضة على القضاء‪ ،‬حيث جاء في الفصل ‪109‬‬
‫منه‪« :‬يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ وال‬
‫يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات وال‬
‫يخضع ألي ضغط‪.‬‬

‫‪ -410‬فبعد أن كان دستور ‪ 1996‬قد خصص فصال واحدا من فصوله‬


‫الختصاصات هذا المجلس‪ ،‬هو الفصل ‪« :87‬يسهر المجلس األعلى للقضاء على‬
‫تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم‪».‬؛ نجد الدستور‬
‫الحالي قد أفرد لذلك مقطعا كامال ضمن الباب المخصص للسلطة القضائية‪ ،‬وقد‬
‫تضمن هذا المقطع الفصول من ‪ 113‬إلى ‪.116‬‬
‫‪ -411‬توفيق بوخروف‪ :‬استقاللية السلطة القضائية في التجربة المغربية‪ ،‬ضمن‬
‫الحكامة الجيدة بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.180 .‬‬
‫‪220‬‬
‫يجب على القاضي‪ ،‬كلما اعتبر أن استقالله مهدد‪ ،‬أن يحيل‬
‫األمر إلى المجلس األعلى للسلطة القضائية‪.‬‬
‫يعد كل إخالل من القاضي بواجب االستقالل والتجرد خطأ‬
‫مهنيا جسيما‪ ،‬بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة‪.‬‬
‫يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير‬
‫مشروعة‪».‬‬
‫ونالحظ بأن الدستور المغربي هنا سار في تناغم كبير مع‬
‫توجيهات "الميثاق العالمي للقضاة"‪412‬؛ ألن المطلوب من‬
‫القضاء‪ ،‬ومن القاضي‪ ،‬في النهاية أن يضع في صلب اهتمامه‬
‫تحري العدل وال شيء غيره‪ ،‬يتساوى في ذلك القضاء الجالس‬
‫مع القضاء الواقف؛ وهو ما شدد عليه الفصل ‪ 110‬من الدستور‬
‫الذي جاء فيه‪« :‬ال يلزم قضاة األحكام إال بتطبيق القانون‪ .‬وال‬
‫تصدر أحكام القضاء إال على أساس التطبيق العادل للقانون‪.‬‬
‫يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون‪ ،‬كما يتعين‬
‫عليهم االلتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن‬
‫السلطة التي يتبعون لها‪».‬‬
‫ويفترض في القاضي الذي يلتزم بالمبادئ الدستورية‪،‬‬
‫والكونية‪ ،‬في تحري العدل‪ ،‬أن يتنحى بنفسه إذا قدّر بأن حياده‬
‫أو استقالله سيكون موضوع طعن‪ ،‬بما يعنيه مفهوم "التنحي‬

‫‪ -412‬الميثاق العالمي للقضاة الذي وافق عليه باإلجماع المجلس المركزي لالتحاد‬
‫الدولي للقضاة في ‪ 17‬تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪ ،1999‬المعروف ب‪ :‬المبادئ الدولية‬
‫المتعلقة باستقالل ومسؤولية القضاة والمحامين وممثلي النيابة العامة – دليل‬
‫الممارسين‪ ،‬منشورات اللجنة الدولية للحقوقيين‪ ،‬جنيف‪ ،2007 ،‬ص‪ 15 .‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫الذاتي للقضاة" من داللة قوية على حياد القاضي واستقالله‬
‫‪413‬‬
‫ونزاهته‪...‬‬
‫وفي إطار احترام مبادئ الحياد والتجرد واالستقاللية‪ ...‬قام‬
‫المشرع الدستوري المغربي بدسترة حق القضاة في التعبير‬
‫وحقهم في تشكيل جمعيات مهنية «بما أنهم جزء ال يتجزأ من‬
‫المجتمع القانوني‪ ،‬ويتوجب أن تتاح لهم الفرصة الكاملة‬
‫للمشاركة في المناقشات حول اإلصالحات القانونية‬
‫والقضائية‪ 414».‬لكن دون أن ينزاح األمر إلى درجة االنخراط‬
‫في األحزاب السياسية والمنظمات النقابية؛ جاء في الفصل ‪111‬‬
‫من الدستور‪« :‬للقضاة الحق في حرية التعبير‪ ،‬بما يتالءم مع‬
‫واجب التحفظ واألخالقيات القضائية‪.‬‬
‫يمكن للقضاة االنخراط في جمعيات‪ ،‬أو إنشاء جمعيات‬
‫مهنية‪ ،‬مع احترام واجبات التجرد واستقالل القضاء‪ ،‬وطبقا‬
‫للشروط المنصوص عليها في القانون‪.‬‬
‫يمنع على القضاة االنخراط في األحزاب السياسية‬
‫والمنظمات النقابية‪».‬‬
‫فإذا كان قد تقرر بموجب النص الدستوري إعطاء مجموعة‬
‫من الحقوق للقضاة‪ ،‬في التعبير وفي تنظيم أنفسهم في جمعيات‪،‬‬
‫فإنه قد تقرر أيضا كما نالحظ بأن هذه الحقوق محاطة بمجموعة‬
‫من القيود والضوابط التي تفرضها طبيعة الوظيفة القضائية‪،‬‬
‫«ألن ممارسة القضاة لهذا الحق بدون قيود قد يعرض أو ينال‬

‫‪ -413‬يتمثل مفهوم "التنحي الذاتي للقضاة" في تنحي هؤالء عن القضايا التي‬


‫يرون فيها أنفسهم غير قادرين على أداء مهامهم بنزاهة‪ ،‬أو يخشون تعرض‬
‫حيادهم الفعلي للخطر‪ ...‬انظر‪ :‬الميثاق العالمي للقضاة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25 .‬‬
‫‪ -414‬بوخروف‪ :‬استقاللية السلطة القضائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.181 .‬‬
‫‪222‬‬
‫من استقاللهم ونزاهتم‪ ،‬كأن يكشفوا عن مالبسات قضية ما أو‬
‫معلومات معينة إلى أحد أطراف النزاع أو إلى وسائل اإلعالم‪،‬‬
‫لذلك يجب على القضاة أن يمتنعوا عن تقويض الحق في‬
‫محاكمة عادلة‪ ،‬ويشمل ذلك افتراض البراءة‪ ،‬خصوصا في‬
‫القضايا التي تكون قيد النظر»‪415‬؛ أما كيفية تنزيل كل هذه‬
‫المعطيات‪ ،‬في نظام أساسي‪ ،‬فقد عهد بها الفصل ‪ 112‬من‬
‫دستور ‪ 2011‬إلى قانون تنظيمي لم يصدر بعد‪.‬‬
‫إلى جانب الحقوق والضمانات التي منحها الدستور للقضاة‪،‬‬
‫نجده قد أفرد ‪ 12‬فصال من فصوله لما سماه‪ :‬حقوق المتقاضين‬
‫وقواعد سير العدالة‪416‬؛ من أهم ما جاء فيها دسترة حقوق‬
‫المتقاضين‪417‬؛ ثم رسم مسار المحاكمة العادلة‪418‬؛ حيث يبرز‬
‫دور السلطة القضائية في حماية الحقوق والحريات األساسية‪،‬‬
‫والحق في المحاكمة العادلة‪ ،‬وقرينة البراءة‪ ،‬وعلنية الجلسات‪...‬‬
‫علما بأن الدستور الجديد أضاف ضمانة جديدة لمنظومة‬
‫العدالة بالمغرب من خالل دسترة الرقابة الالحقة‪ ،‬وبالذات في‬
‫مجال الحقوق والحريات األساسية‪ ،‬حيث قام بانقالب جذري‬
‫على المنظومة السابقة باإلعالن عن المحكمة الدستورية‪.419‬‬
‫فقبل ‪ 2011‬كان يمنع على الجهات القضائية أن تنظر في‬
‫دستورية القوانين‪ ،‬وكان من الواجب على القاضي أن يلتزم‬
‫بتطبيق القانون فقط‪ .‬حيث جاء في الفصل ‪ 237‬من القانون‬

‫‪ -415‬الميثاق العالمي للقضاة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32.‬‬


‫‪ -416‬هي الفصول الممتدة بين الفصل ‪ 117‬والفصل ‪ 128‬من دستور ‪.2011‬‬
‫‪ -417‬في الفصول‪117 :‬؛ ‪118‬؛ ‪119‬؛ ‪.120‬‬
‫‪ -418‬الفصول‪121 :‬؛ ‪122‬؛ ‪123‬؛ ‪124‬؛ ‪125‬؛ ‪126‬؛ ‪127‬؛ ‪.128‬‬
‫‪ -419‬خصص لها الباب الثامن من الدستور‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫الجنائي المغربي‪ 420‬ما يلي‪« :‬يعاقب بالتجريد من الحقوق‬
‫الوطنية كل من ارتكب من رجال القضاء أو ضباط الشرطة أحد‬
‫األفعال اآلتية‪:‬‬
‫‪ )1‬التدخل في أعمال السلطة التشريعية‪ ،‬وذلك إما بإصدار‬
‫نظم تشتمل على نصوص تشريعية‪ ،‬وإما بتعطيل أو توقيف‬
‫تنفيذ قانون أو أكثر‪.‬‬
‫‪ )2‬التدخل في المسائل المخولة للسلطة اإلدارية وذلك إما‬
‫بإصدار نظم متعلقة بهذه المسائل وإما بمنع تنفيذ أوامر‬
‫اإلدارة‪».‬‬
‫وجاء في الفقرة الثانية من الفصل ‪ 25‬من قانون المسطرة‬
‫المدنية‪ ...« :421‬وال يجوز للجهات القضائية أن تبث في‬
‫دستورية القوانين‪».‬‬

‫‪ -420‬انظر‪ :‬مديرية التشريع‪ ،‬وزارة العدل والحريات‪ :‬مجموعة القانون الجنائي‬


‫– صيغة محينة بتاريخ ‪ 12‬أغسطس ‪ ،2013‬ص‪ .77 .‬على الرابط‪( :‬تاريخ‬
‫الزيارة‪)2014/01/21 :‬‬
‫‪http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/ar/Nouveaut‬‬
‫‪es/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88‬‬
‫‪%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%‬‬
‫‪A7%D8%A6%D9%8A.pdf‬‬
‫‪ -421‬مديرية التشريع‪ ،‬وزارة العدل والحريات‪ :‬قانون المسطرة المدنية – صيغة‬
‫محينة بتاريخ ‪ 26‬أكتوبر ‪ ،2011‬ص‪ .13 .‬على الرابط‪( :‬تاريخ الزيارة‪:‬‬
‫‪)2014/01/21‬‬
‫‪http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/ar/Nouveaut‬‬
‫‪es/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8‬‬
‫‪%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%B7%D8%B1%D8%‬‬
‫‪A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9‬‬
‫‪%8A%D8%A9%20.pdf‬‬
‫‪224‬‬
‫أما في المنظومة الجديدة فقد أصبح باإلمكان فحص دستورية‬
‫القوانين أثناء التقاضي (الرقابة الالحقة) حيث جاء في الفقرة‬
‫األولى من الفصل ‪ 133‬من الدستور‪« :‬تختص المحكمة‬
‫الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون‪،‬‬
‫أثير أثناء النظر في قضية‪ ،‬وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن‬
‫القانون‪ ،‬الذي سيطبق في النزاع‪ ،‬يمس بالحقوق والحريات‬
‫التي يضمنها الدستور»؛ غير أن الفقرة الثانية من الفصل نفسه‬
‫أحالت ذلك على قانون تنظيمي يحدد شروط وإجراءات تنظيم‬
‫هذا الفصل‪ ،‬وهو القانون الذي لم يصدر بعد‪ ،‬بما أن المحكمة‬
‫الدستورية نفسها لم تحدث عمليا بعد‪ ،‬حيث ما زال المجلس‬
‫الدستوري يواصل مهامه إلى غاية تشكيل المحكمة الدستورية‪،‬‬
‫وهو ما يتوقف بالضرورة على إعادة انتخاب مجلس‬
‫المستشارين‪.422‬‬

‫ثانيا‪ :‬شروط التنزيل السليم لمبادئ الحكامة القضائية التي‬


‫جاء بها الدستور‬
‫ال تكفي مبادئ الحكامة القضائية (من استقاللية وشفافية‬
‫ونزاهة‪ )...‬التي حفلت بها فصول دستور ‪ 2011‬حتى تتحقق‬
‫العدالة‪ ،‬بما أن هذه المبادئ‪ ،‬بل والدستور نفسه‪ ،‬ليس غاية في‬
‫حد ذاته بل مجرد وسيلة لتحقيق الديمقراطية والعدالة وضمان‬

‫‪ -422‬جاء في الفصل ‪ 177‬من الدستور ما يلي‪« :‬يستمر المجلس الدستوري‬


‫القائم حاليا في ممارسة صالحياته‪ ،‬إلى أن يتم تنصيب المحكمة الدستورية‬
‫المنصوص عليها في هذا الدستور‪».‬‬
‫‪225‬‬
‫الحقوق والحريات‪ ...‬مما ينتهي بنا إلى أن "النص القانوني"‬
‫كيفما كانت جودته يحتاج إلى تنزيل سليم حتى تتحقق الغاية منه‪.‬‬
‫والتنزيل السليم في مجال الحكامة القضائية يستدعي الفهم‬
‫الجيد لنصوص الدستور المعنية‪ ،‬والسهر على تحقّقها في أرض‬
‫الواقع والممارسة‪ ،‬خاصة تلك التي يشوبها بعض الغموض‪:‬‬
‫فقد جاء في الفقرة الثانية من الفصل ‪ 110‬من الدستور‪:‬‬
‫«يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون‪ .‬كما يتعين‬
‫عليهم االلتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن‬
‫السلطة التي يتبعون لها‪ ».‬وهنا يمكن أن تثار شبكة من‬
‫التساؤالت عن طبيعة هذه "التعليمات الكتابية"؟ وعن معنى‬
‫‪423‬‬
‫االلتزام بها؟ وبالتالي عن استقاللية النيابة العامة؟‬
‫مثل هذا الغموض أيضا نجده في الفقرة األخيرة من الفصل‬
‫‪ 116‬من دستور ‪ ،2011‬حيث ورد‪« :‬يراعي المجلس األعلى‬
‫للسلطة القضائية‪ ،‬في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة‬
‫تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها‪».‬‬
‫ووجه الغموض هنا مرتبط‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬بطبيعة هذه‬
‫‪424‬‬
‫السلطة؟‬
‫بالرجوع إلى فصول الدستور نالحظ بأن المشرع الدستوري‬
‫لم يميز بين القضاء الجالس والقضاء الواقف‪ ،‬واعتبرهما معا‬
‫ملزمين بتطبيق القانون‪ ،‬مما يفترض استقالال عن كل جهة‬
‫يمكن أن تؤثر في مجرى العدالة وتحقيقها‪ ،‬وهو ما يعني أن‬

‫‪ -423‬بوخروف‪ :‬استقاللية السلطة القضائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.187 .‬‬


‫‪ -424‬حيث إن المشرع الدستوري لم يستعمل هذه الصيغة إال بالنسبة لقضاة النيابة‬
‫العامة ولم يستعملها بالنسبة لقضاة الحكم‪ .‬انظر بوخروف‪ :‬استقاللية السلطة‬
‫القضائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.188 .‬‬
‫‪226‬‬
‫«قرارات النيابة العامة قرارات قضائية وليست إدارية‬
‫وبالتالي‪ ...‬تبدو الحاجة ملحة إلى ضرورة فصل النيابة العامة‬
‫عن الجهاز التنفيذي ممثال في وزير العدل‪ 425».‬وأي منحى‬
‫آخر يحاول أن يؤثر على مجرى العدالة يجب أن يخضع‬
‫للضوابط التي جاء بها الفصل ‪ 109‬من الدستور‪.426‬‬
‫من جهة أخرى نالحظ بأن الدستور استبعد وزير العدل من‬
‫تركيبة المجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ،427‬كما أنه لم ينص‬
‫مباشرة على تبعية القضاء الواقف ألي جهاز تنفيذي‪ ،‬وأعطى‬
‫قيمة مضافة للسياسة الجنائية‪ ،‬من خالل إحداث المجلس األعلى‬
‫لألمن‪ ،‬المرتبط بدوره بالحكامة األمنية‪ ،‬وجعل في عضوية هذا‬
‫المجلس كال من الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية ووزير العدل‪ ،‬فساوى المشرع الدستوري بينهما‪،‬‬
‫وجعل باإلمكان تنوير «المجلس بشأن كل ما يتعلق بوضعية‬
‫السجون وما يعتري مسطرة االعتقال االحتياطي‪ ...‬إذ أن‬
‫السياسة التي كانت منتهجة من قبل اتضح فشلها‪ ...‬نتيجة‬
‫المنهجية التي كانت تتبع في رسم معالم السياسة الجنائية‪ ،‬في‬
‫غياب تام للسلطة القضائية ممثلة في النيابة العامة‪ ...‬وقد‬
‫يكون مفيدا تصور وجود مجلس موحد للنيابات العامة‪ ،‬شبيها‬
‫‪428‬‬
‫إلى حد كبير بمجمع الوكالء العامين ببلجيكا‪».‬‬
‫فمن المهم جدا إشراك جميع مكونات الجسم القضائي في‬
‫وضع تصور سليم لتنزيل مقتضيات الحكامة القضائية‪ ،‬وفي هذا‬

‫‪ -425‬بوخروف‪ :‬استقاللية السلطة القضائية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.188 .‬‬


‫‪ -426‬وقد تم تحليل هذا الفصل في مناسبة سابقة‪.‬‬
‫‪ -427‬بمقتضى الفصل ‪ 115‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ -428‬بوخروف‪ :‬استقاللية السلطة القضائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190 .‬‬
‫‪227‬‬
‫اإلطار يمكن االستهداء بالمعايير المعمول بها دوليا‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتها‪:‬‬
‫احترام القضاء كسلطة مستقلة‪ ،‬بعيدا عن أي‬ ‫‪‬‬
‫شكل من أشكال تدخل السلطتين‪ :‬التشريعية والتنفيذية‪.‬‬
‫اإلسراع بإخراج النصوص القانونية المنظمة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وفي مقدمتها القانون التنظيمي الخاص بالنظام األساسي للقضاة‪،‬‬
‫والقانون التنظيمي الخاص بالمجلس األعلى للقضاء‪.‬‬
‫أن تتوافق هذه القوانين مع المبادئ الدولية التي‬ ‫‪‬‬
‫‪429‬‬
‫تضمن استقالل القضاء ونزاهته وحياده‪.‬‬
‫تدعيم الموارد البشرية كما ونوعا‪ ،‬وتأهيلها‬ ‫‪‬‬
‫ابتداء من فترة التكوين بالمعهد العالي للقضاء‪ ،‬وإلى غاية‬
‫ممارستها الميدانية‪ ،‬مع وضع جدولة زمنية للتكوين المستمر‬
‫لمواكبة المستجدات التي تعرفها منظومة العدالة‪.‬‬
‫تمكين السلطة القضائية من األدوات‬ ‫‪‬‬
‫اللوجستيكية والمالية حتى تتمكن من االضطالع بالمهام‬
‫‪430‬‬
‫الموكولة إليها‪.‬‬
‫تفعيل أدوار االجتهادات القضائية والعمل على‬ ‫‪‬‬
‫نشرها تعميما للفائدة‪.‬‬
‫الوعي بأن استقالل السلطة القضائية ليس شأن‬ ‫‪‬‬
‫أجهزة الدولة ومؤسساتها الكبرى‪ ،‬بل هو شأن ينبغي استشعاره‬
‫في الوعي الجمعي العام‪ ،‬خاصة من خالل المحاكم التي تعتبر‬

‫‪ -429‬وقد فصل فيها الميثاق العالمي للقضاة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 116 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -430‬بوخروف‪ :‬استقاللية السلطة القضائية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.191 .‬‬
‫‪228‬‬
‫الترجمة الفعلية لهذه االستقاللية‪ ،‬وعنها يمكن للمواطن أن يلمسه‬
‫بصورة مباشرة‪.‬‬
‫فتغير واقع العدالة يقتضي العمل وفق مقاربة تضع في أفقها‬
‫مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وفي مقدمتها‪ :‬الفعالية والنجاعة والشفافية‬
‫والحياد‪ ...‬وتسعى إلى تطبيقها‪ ،‬مستحضرة في نفس اآلن‬
‫الضمير المهني وأخالقيات المهنة من جهة‪ ،‬واقتران المسؤولية‬
‫بالمحاسبة‪ ،‬من جهة ثانية‪.431‬‬

‫‪ -431‬ففي سابقة من نوعها‪ ،‬أقدمت وزارة العدل والحريات‪ ،‬من على بوابتها‬
‫الرقمية‪ ،‬على نشر األسباب الكامنة وراء تأديب عدد من القضاة بعقوبات تصل إلى‬
‫اإلحالة على التقاعد وكذا العزل‪ ،‬وذلك يوم االثنين ‪.213/09/02‬‬
‫الالئحة التي ت ّم الكشف عنها ضمت ‪ 9‬من القضاة مشتغلين بـ‪ 6‬من المحاكم‬
‫المغربيّة‪ ،‬وقد طال العزل قاضيّين في الحين‪ ،‬بينما عُزل اثنان آخران مقابل اإلبقاء‬
‫على حقوقهم في التقاعد‪ ،‬والبقية أحيلت على التقاعد بشكل مباشر‪.‬‬
‫أقرت بكون أسباب التأديبات التي خلص إليها المجلس األعلى للقضاء‬ ‫ذات الالئحة ّ‬
‫تنبني على أفعال منها تلك التي صنفت ماسة بسمعة القضاء وشرفه‪ ،‬وأخرى ذات‬
‫صلة باالرتشاء والنصب واستغالل النفوذ‪.‬‬

‫‪229‬‬
230
‫خاتمة الفصل الثاني‬
‫إلدراج الحكامة الجيدة ضمن الباب الثاني عشر من الدستور‬
‫ما يبرره‪ ،‬أال وهو تصحيح مسار النظام الدستوري المغربي‪،‬‬
‫واختياراته في تنزيل ديمقراطية سليمة‪.‬‬
‫ولئن كان االنتقال بالحكامة من مجال التداول العادي‪ ،‬قبل‬
‫‪ ،2011‬إلى مستوى الدسترة جعلها تضغط بقوة على جميع‬
‫مؤسسات النظام الدستوري لتنضبط إلى قواعدها‪ ،‬بحيث بتنا‬
‫نالحظ على مستوى الممارسة مدى تردد هذه المفردة في‬
‫الخطاب المتداول يوميا؛ فإننا نعتقد مع ذلك بأن هذه المؤسسات‬
‫مدعوة التخاذ خطوات أكثر جرأة‪ ،‬في تأويلها للمتن الدستوري‪،‬‬
‫يسرع الوتيرة نحو إرساء الديمقراطية‪ ،‬قياسا على ما‬ ‫ّ‬ ‫باتجاه‬
‫جرى في األنظمة الملكية األوربية‪.‬‬
‫فالقراءة األولية للمعطيات التي أفرزها دستور ‪ ،2011‬على‬
‫مستوى النصوص القانونية وعلى مستوى التداول اليومي للسلط‬
‫الثالث – مع تحفظنا على تخصيص وزارة خاصة بالحكامة –‬
‫تؤشر بقوة على حضور الحكامة الجيدة في هذه الممارسة‪.‬‬
‫صحيح ليس بمستوى الطموح الذي يأمله الجميع ‪ -‬ليس لقيود‬
‫قانونية أو موضوعية دائما – لكن ذلك ال ينبغي أن يعمينا عن‬
‫التقدم الحاصل في الواقع‪ ،‬وهو ما ينبغي تكريسه للتسريع بجعل‬
‫المرحلة االنتقالية التي يعبر منها المغرب تمر في أقصر مدة‬
‫ممكنة‪ ،‬حيث يتم القطع مع جميع سلبيات تقليدانية نظامه‬

‫‪231‬‬
‫الدستوري‪ ،‬وحيث يصبح االشتغال بمبادئ الحكامة مندمجا‬
‫ضمن الممارسة اليومية العادية للمؤسسات الدستورية‪ ،‬ومن‬
‫خاللها لباقي المؤسسات والهيئات‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫خاتمة عامة‬
‫يحدث حاليا نوع من التراكم األولي على مستوى التداول –‬
‫على األقل بين النخبة السياسية والمعنيين بالشأن الدستوري‬
‫المغربي على المستويين النظري والملموس – حول مفهوم‬
‫"النظام البرلماني" الذي يمكن للمغرب أن ينتقل إليه‪ ،‬علما بأن‬
‫الوثيقة الدستورية أدخلت تعديال جوهريا على الفصل األول‬
‫الذي كان نصه في دستور ‪« :1996‬نظام الحكم بالمغرب نظام‬
‫ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية»‪ ،‬من خالل إضافة كلمة‬
‫"برلمانية" على هذا الفصل ليصبح في دستور ‪ 2011‬كما يلي‪:‬‬
‫«نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية‪ ،‬برلمانية‬
‫ديمقراطية واجتماعية»‪ ،‬وال يمكن للكلمة المضافة هنا أن تكون‬
‫إال مقصودة لغاية معينة؛ فكيف تساهم الحكامة الجيدة في تشكيل‬
‫مالمح هذا النظام؟ وهل دسترتها تفترض انضباط جميع‬
‫مؤسسات النظام الدستوري المغربي‪ ،‬بما في ذلك المؤسسة‬
‫الملكية‪ ،‬لمبادئها؟‬
‫الجواب نفيا لن يردنا إال إلى خانة النموذج التقليداني في‬
‫الحكم‪ ،‬وبالتالي إعادة جميع األسئلة إلى المربع األول‪ :‬ما الفائدة‬
‫من إدراج الحكامة الجيدة في المتن الدستوري إذا لم ينضبط لها‬
‫الجميع؟‬
‫نعتقد بأن جوهر عملنا يكمن في الجواب على السؤال أعاله‪،‬‬
‫وهو جواب ال يمكنه أن يتعارض مع المنطقي والضروري‬

‫‪233‬‬
‫لدستور يزعم أنه يطمح إلى تعديل نظامه الدستوري‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يمكن أن يكون إال إيجابا‪ ،‬مما يعني أن جميع مؤسسات النظام‬
‫الدستوري – بما فيها المؤسسة الملكية – باتت معنية بمبادئ‬
‫الحكامة ألسباب ثالث‪:‬‬
‫األول‪ :‬ألن الدستور بما هو نص قانوني هو ملزم للجميع‪،‬‬
‫وفي مقدمة هذا الجميع المؤسسة الملكية التي تعتبر طرفا أساسا‬
‫في الحكم والسلطة‪ ،‬بل هي مفتاح النظام الدستوري والسياسي‬
‫المغربي‪ ،‬وعليه فالدستور يجب أن يجري عليها كما يجري على‬
‫غيرها من المؤسسات الدستورية (بل والسياسية أيضا)‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ألن المؤسسة الملكية ذاتها – من خالل الممارسة‬
‫التي ترجع في الواقع إلى ما قبل التعديل الدستوري األخير –‬
‫تطمح إلى االرتقاء بالنظام الدستوري نحو إرساء قواعد‬
‫ديمقراطية ‪ -‬لم يكتمل تشكل مالمحها النهائية بعد ‪ -‬يتم الترويج‬
‫لها حاليا على أنها جزء من "االستثناء" المغربي‪"/‬التقليداثي"‪،‬‬
‫لكن ما ينبغي التنبيه إليه هو أن هذا االستثناء ذاته ال بد وأن‬
‫يلتزم بالحد األدنى المتعارف عليه في األعراف الديمقراطية‬
‫حتى لو تم تلقيحه بما يميز خصوصيات الهوية الوطنية (تمثيلية‬
‫حقيقية؛ وشفافية؛ ونزاهة؛ واقتران المسؤولية بالمحاسبة‪)...‬‬
‫وهي كلها أمور تتقاطع كما هو مالحظ مع مبادئ الحكامة‬
‫الجيدة ومعاييرها ومؤشراتها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ألن إرساء قواعد الحكامة الجيدة على مستوى‬
‫المؤسسة الملكية (بثقلها في الوعي والجدان الجمعي العام)‬
‫سيجعل باقي مؤسسات النظام الدستوري تنضبط بالضرورة لهذه‬
‫المبادئ‪ ،‬وكل ما يبقى إنجازه هو تفتيت‪ ،‬وتذويب‪ ،‬اإلرسابات‬

‫‪234‬‬
‫الذاتية التي اقترنت بالممارسة طيلة عقود ومحوها تدريجيا‪،‬‬
‫لتحل محلها ممارسة تشريعية وتنفيذية وقضائية تنضبط تلقائيا‬
‫إلى مبادئ الحكامة الجيدة‪.‬‬
‫إن الحديث عن تطبيق حكامة جيدة على مستوى المؤسسات‬
‫الدستورية الكبرى‪ ،‬ال يجب أن يعمينا عن ضرورة تفعيلها على‬
‫مستوى باقي المؤسسات األخرى (األحزاب؛ الجمعيات؛‬
‫المقاوالت؛ النقابات‪ ،)...‬بل يجب‪ ،‬من باب أولى‪ ،‬وقبل مطالبة‬
‫الدولة كسلطة عامة بتفعيل مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬أن يتم تفعيلها‬
‫على مستوى المؤسسات‪ ،‬والهيئات‪ ،‬األخرى المذكورة؛ إذ بذلك‬
‫فقط سيتم بناء جسر الثقة←المصالحة بين المواطن والمؤسسات‬
‫التي تمثله‪ ،‬سواء أكانت خاصة أم عامة‪ ،‬وجو الثقة هذا‬
‫ضروري لتحقيق أي مشروع تنموي؛ وفضال عن ذلك فإن‬
‫العمل بهذه الطريقة سيكون فعاال وناجعا فضال عن كونه يحقق‬
‫مبدأ المشروعية‪ ،‬ألن تفعيل مضامين الحكامة الجيدة على‬
‫مستوى الحزب أو النقابة مثال‪ ،‬قد يرسخ الوعي بهذه المضامين‪،‬‬
‫فتصبح آلية يتم التعامل بها بصورة طبيعية عندما يصبح الحزب‬
‫أو النقابة يباشران الحكم‪ ،‬داخل المؤسسات الدستورية الكبرى‪،‬‬
‫أي باعتبارهما جزءا من النظام الدستوري‪.‬‬
‫هكذا وإذا كان الحديث يجري ابتداء‪ ،‬من خالل هذه الدراسة‪،‬‬
‫عن عالقة الحكامة الجيدة بالنظام الدستوري المغربي – في‬
‫محاولة تركيبية للجمع بين الماكروسكوبي والميكروسكوبي –‬
‫فإن هذا الحديث ال يمكنه أن يرسو انتهاء إال عند اعتبار مبادئ‬
‫الحكامة الجيدة تتجاوز مؤسسات النظام الدستوري‪ ،‬لتؤسس‬
‫لقناعة يفترض أن تحكم سلوك المؤسسات السياسية واالجتماعية‬

‫‪235‬‬
‫عامة‪ ،‬مما يجعلنا ننفتح على أعمال أخرى تبحث في مدى‬
‫جاهزية هذه المؤسسات الستيعاب مفردات الحكامة الجيدة‪،‬‬
‫أوال؛ ثم ما يستدعيه ذلك من إنجاز بحوث واجتهادات دستورية‬
‫وسياسية تتجاوز األطاريح التي ابتدعت مفهوم "التقليدانية"‬
‫بالتنظير أو "المفهمة" ‪La conceptualisation‬‬
‫لمضامين أطروحتنا "الجديدة‪/‬التقليداثية"‪ ،‬بما يستوعب النظام‬
‫الدستوري الذي يعيشه المغرب راهنا‪ ،‬في ضوء دستور‬
‫‪ ،2011‬ثانيا؛ والطموح للتسريع بإرساء القواعد المؤسساتية‬
‫كاملة كما تفترضه الحكامة الجيدة‪ ،‬أي أال تطول الفترة‬
‫االنتقالية‪/‬التقليداثية‪ ،‬واألهم أال تحدث ردة رجعية نحو‬
‫التقليدانية‪ ،‬ثالثا‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫قائمة المراجع المعتمدة‬
‫أوال‪ :‬باللغة العربية‬
‫المصادر والمراجع العامة‬
‫‪ -‬ابن أبي زرع أبو الحسن علي‪ :‬األنيس المطرب بروض القرطاس في‬
‫أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس‪ ،‬تعليق محمد الهاشمي الفياللي‪ ،‬المطبعة‬
‫الوطنية‪ ،‬الرباط‪.1936 ،‬‬
‫‪ -‬ابن األحمر إسماعيل بن يوسف‪ :‬بيوتات فاس الكبرى‪ ،‬دار المنصور‬
‫للطباعة والوراقة‪ ،‬الرباط‪.1972 ،‬‬
‫‪ -‬ابن خلدون عبد الرحمن‪ :‬المقدمة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.1992 ،‬‬
‫‪ -‬ابن زيدان عبد الرحمن‪ :‬العز والصولة في معالم نظم الدولة‪ ،‬تحقيق عبد‬
‫الوهاب بن منصور‪ ،‬المطبعة الملكية‪ ،‬الرباط‪.1961 ،‬‬
‫‪ -‬ابن زيدان عبد الرحمن‪ :‬إتحاف أعالم الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس‪،‬‬
‫الرباط‪.1933-1929 ،‬‬
‫‪ -‬ابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر‪ :‬الروح‪ ،‬تحقيق وتقديم محمد اسكندر‬
‫يلدا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.1982 ،‬‬
‫‪ -‬ابن منظور محمد بن مكرم‪ :‬لسان العرب‪ ،‬أعاد بناءه يوسف خياط‪ ،‬دار‬
‫الجيل ‪ -‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬أرسطو‪ :‬السياسة‪ ،‬ترجمة أحمد لطفي السيد‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.1947‬‬
‫‪ -‬أفالطون‪ :‬الجمهورية‪ ،‬ترجمة حنا خباز‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬أكنوش عبد اللطيف‪ :‬تاريخ المؤسسات والوقائع االجتماعية بالمغرب‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬دار أفريقيا الشرق‪.1987 ،‬‬
‫‪ -‬أبو الفتوح هالة أحمد‪ :‬فلسفة األخالق والسياسة – المدينة الفاضلة عند‬
‫كونفوشيوس‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.2000 ،‬‬
‫‪ -‬باالست جريج‪ :‬أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها‪ ،‬ترجمة مركز‬
‫التعريب والترجمة‪ ،‬بيروت‪.2004 ،‬‬

‫‪237‬‬
‫‪ -‬بدوي ثروت‪ :‬النظم السياسية‪ -‬النظرية العامة للنظم السياسية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪.1964 ،‬‬
‫‪ -‬بدوي ثروت‪ :‬القانون الدستوري وتطور األنظمة الدستورية في مصر‪ ،‬دون‬
‫ناشر‪.1971 ،‬‬
‫‪ -‬بسيوني عبد الغني‪ :‬النظم السياسية ‪ -‬أسس التنظيم السياسي‪ :‬الدولة ‪-‬‬
‫الحكومة ‪ -‬الحقوق والحريات العامة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الدار الجامعية‪.1985 ،‬‬
‫‪ -‬ﺒطﻴخ رﻤﻀان ﻤﺤﻤد‪ :‬ﺘزاﻴد دور الﺴلطة الﺘﻨفﻴذﻴة وأﺜره على الدﻴﻤقراطﻴة‪،‬‬
‫دار الفﻜر العرﺒي‪ ،‬القاهرة‪.1988 ،‬‬
‫‪ -‬بلقزيز عبد اإلله‪ :‬ثورات وخيبات – في التغيير الذي لم يكتمل‪ ،‬منتدى‬
‫المعارف‪ ،‬بيروت‪.2012 ،‬‬
‫‪ -‬الﺒﻨا ﻤﺤﻤود عاطف‪ :‬الوﺴﻴط في الﻨظم الﺴﻴاﺴﻴة‪ ،‬دار الﻨﺸر للﺠاﻤعات‪،‬‬
‫القاهرة‪.2000 ،‬‬
‫‪ -‬بن حماد محمد رضا‪ :‬المبادئ األساسية للقانون الدستوري واألنظمة‬
‫السياسية‪ ،‬تونس‪ ،‬ط ‪.2010 ،2‬‬
‫‪ -‬بنعلة مصطفى‪ :‬مجموعة ظهائر ورسائل السعديين‪ ،‬مطبعة الرباط نيت‪،‬‬
‫الرباط‪.2011 ،‬‬
‫‪ -‬توينبي أرنولد‪ :‬تاريخ البشرية‪ ،‬ترجمة نقوال زيادة‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪.1988 ،‬‬
‫‪ -‬الجمل يحي‪ :‬األنظمة السياسية المعاصرة‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪.1969 ،‬‬
‫‪ -‬الحريري محمد عيسى‪ :‬تاريخ المغرب اإلسالمي واألندلس في العصر‬
‫المريني‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪.1987 ،2 .‬‬
‫‪ -‬الخزرجي ثامر كامل محمد‪ :‬النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة‪ ،‬دار‬
‫مجدالوي‪ ،‬عمان – األردن‪.2004 ،‬‬
‫‪ -‬دال روبرت‪ :‬التحليل السياسي الحديث‪ ،‬ترجمة عالء أبو زيد‪ ،‬مركز‬
‫األهرام للترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1993 ،1 .‬‬
‫‪ -‬دلة سام سليمان‪ :‬مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية‪ ،‬مديرية الكتب‬
‫والمطبوعات الجامعية‪ ،‬دمشق‪.2002 ،‬‬
‫‪ -‬دوفيرجي موريس‪ :‬المؤسسات السياسية والقانون الدستوري – األنظمة‬
‫السياسية الكبرى‪ ،‬ترجمة جورج سعد‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.1992 ،‬‬

‫‪238‬‬
‫‪ -‬زيدان عبد الكريم‪ :‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬ط‪،6 .‬‬
‫‪.1976‬‬
‫‪ -‬السائح الحسن‪ :‬الحضارة اإلسالمية في المغرب‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪.1986 ،‬‬
‫‪ -‬السنوسي محمد بن علي‪ :‬الدرر السنية في أخبار الساللة اإلدريسية‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬بيروت‪.1986 ،‬‬
‫‪ -‬الشابي مصطفى‪ :‬النخبة المخزنية في مغرب القرن التاسع عشر‪ ،‬منشورات‬
‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط‪ ،‬رقم ‪ ،26‬مطبعة فضالة‪ ،‬المحمدية‪،‬‬
‫‪.1995‬‬
‫‪ -‬شبل فؤاد‪ :‬حكمة الصين‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.1967 ،‬‬
‫‪ -‬الشرقاوي سعاد‪ :‬النظم السياسية في العالم المعاصر‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪.1988 ،3 .‬‬
‫‪ -‬عجيلة عاصم أحمد ومحمد رفعت عبد الوهاب‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬ط‪،4 .‬‬
‫‪( ،1991‬دون مكان للنشر) أعادت نشره مؤسسة األهرام للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪.1998 ،‬‬
‫‪ -‬العروي عبد هللا‪ :‬مجمل تاريخ المغرب‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬عﺼفور ﺴعد‪ :‬الﻤﺒادئ األﺴاﺴﻴة في القاﻨون الدﺴﺘوري والﻨظم الﺴﻴاﺴﻴة‪،‬‬
‫ﻤﻨﺸأة الﻤعارف‪ ،‬اإلﺴﻜﻨدرﻴة‪.1980 ،‬‬
‫‪ -‬غورباتشوف ميخائيل‪ :‬البريسترويكا والتفكير الجديد لبالدنا والعالم‪ ،‬ترجمة‬
‫عدد من الكتاب‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪.1988 ،‬‬
‫‪ -‬الفراء أبو يعلى‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬صححه وعلق عليه محمد حامد الفقي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.2000 ،‬‬
‫‪ -‬قلوش مصطفى‪ :‬المبادئ العامة للقانون الدستوري‪ ،‬شركة بابل للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة ‪.1995 ،4‬‬
‫‪ -‬كوﭭي ستيـﭭن‪ :‬العادات السبع للناس األكثر فعالية‪ ،‬ترجمة مكتبة جرير‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪.2003 ،5 .‬‬
‫‪ -‬لحساسنة حسن‪ :‬الحاكمية في الفكر اإلسالمي‪ ،‬ضمن سلسلة كتاب األمة‬
‫رقم ‪ ،117‬منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬قطر‪ ،‬يناير ‪.2007‬‬

‫‪239‬‬
‫‪ -‬الماوردي أبو الحسن علي‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬تنسيق علي بن حمزة‬
‫الشامي‪ ،‬لندن‪ ،‬مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية واالستراتيجية‪ ،‬دون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬المتيت علي‪ :‬النظم السياسية والحريات العامة‪ ،‬منشورات المكتب الجامعي‬
‫الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪.1984 ،4 .‬‬
‫‪ -‬محمود خيري عيسى‪ :‬النظم السياسية المقارنة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪.1963 ،‬‬
‫‪ -‬مسعد نيفين‪ :‬النظم السياسية‪ ،‬سلسلة المعارف رقم ‪ ،5‬المكتب العربي‬
‫للمعارف‪ ،‬القاهرة‪.1995 ،‬‬
‫‪ -‬معتصم محمد‪ :‬الحياة السياسية المغربية (‪ ،)1991 – 1962‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬مؤسسة إيزيس للنشر‪.1992 ،‬‬
‫‪ -‬الناصري أحمد بن خالد‪ :‬االستقصا ألخبار دول المغرب األقصى‪ ،‬تحقيق‬
‫وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪.1954 ،‬‬

‫المراجع المتخصصة‬
‫‪ -‬أشرقي عبد العزيز‪ :‬الحكامة الجيدة (الدولية ‪ -‬الوطنية ‪ -‬الجماعية)‬
‫ومتطلبات اإلدارة المواطنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.2009 ،‬‬
‫‪ -‬أشركي محمد‪ :‬الظهير الشريف في القانون العام المغربي‪ ,‬دار الثقافة‪ ,‬الدار‬
‫البيضاء‪.1983 ,‬‬
‫‪ -‬بنمير المهدي‪ :‬الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية‪ ،‬من‬
‫إصدارات المجلة المغربية لإلدارة والقانون والتنمية‪ ،‬دار وليلي للطباعة والنشر‪،‬‬
‫‪.2010‬‬
‫‪ -‬بوخروف توفيق‪ :‬استقاللية السلطة القضائية في التجربة المغربية‪ ،‬ضمن‬
‫الحكامة الجيدة بالمغرب‪ ،‬سلسلة الالمركزية واإلدارة الترابية‪ ،‬رقم ‪ ،20‬توزيع‬
‫مكتبة الرشاد‪ ،‬سطات‪.2013 ،‬‬
‫‪ -‬جفري سعيد‪ :‬الحكامة وأخواتها – مقاربة في المفهوم ورهان الطموح‬
‫المغربي‪ ،‬الشركة المغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪.2010 ،‬‬
‫‪ -‬غوردو عبد العزيز‪ :‬إمارة المؤمنين – التاريخ السياسي والثقافة الدستورية‪،‬‬
‫مطبوعات الهالل‪ ،‬وجدة‪.2013 ،‬‬
‫‪ -‬قلوش مصطفى‪ :‬النظام الدستوري المغربي – المؤسسة الملكية‪ ،‬شركة بابل‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪.1997 ،‬‬

‫‪240‬‬
‫‪ -‬لحرش كريم‪ :‬مغرب الحكامة – التطورات‪ ،‬المقاربات والرهانات‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ ،2‬طوب بريس‪ ،‬الرباط‪.2011 ،‬‬
‫‪ -‬لحرش كريم‪ :‬مؤسسات الحكامة الجيدة في ضوء الدستور الجديد للمملكة‬
‫المغربية‪ ،‬ضمن الحكامة الجيدة بالمغرب‪ ،‬سلسلة الالمركزية واإلدارة الترابية‪،‬‬
‫رقم ‪ ،20‬توزيع مكتبة الرشاد‪ ،‬سطات‪.2013 ،‬‬
‫‪ -‬معتصم محمد‪ :‬النظام السياسي الدستوري المغربي‪ ،‬مؤسسة إيزيس للنشر‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪.1992 ،‬‬
‫‪ -‬األمم المتحدة‪ :‬وثيقة السياسات العامة التي أصدرتها بعنوان‪ :‬إدارة الحكم‬
‫لخدمة التنمية البشرية المستدامة‪ ،‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬يناير‪.1997 ،‬‬
‫‪ -‬اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت‪ :‬الميثاق المغربي للممارسات الجيدة‬
‫لحكامة المنشآت والمؤسسات العامة‪ ،‬منشورات مديرية المنشآت العامة‬
‫والخوصصة – وزارة االقتصاد والمالية‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪.2012 ،‬‬
‫‪ -‬المجلس المركزي لالتحاد الدولي للقضاة ‪ :‬الميثاق العالمي للقضاة‬
‫المعروف بالمبادئ الدولية المتعلقة باستقالل ومسؤولية القضاة والمحامين وممثلي‬
‫النيابة العامة – دليل الممارسين‪ ،‬منشورات اللجنة الدولية للحقوقيين‪ ،‬طبعة ‪،1‬‬
‫جنيف ‪.2007‬‬
‫‪ -‬منظمة الشفافية الدولية‪ :‬تقرير تحت عنوان‪ :‬دراسة حول النظام الوطني‬
‫للنزاهة – المغرب‪.2009 ،‬‬

‫األطاريح والرسائل‬
‫‪ -‬الحديكي عبد الكريم‪ :‬التأثير المتبادل بين الحكومة والبرلمان في النظام‬
‫الدستوري المغربي – دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪.2003 – 2002‬‬
‫‪ -‬الﺴﻴد علي ﺴعﻴد‪ :‬ﺤقﻴقة الفﺼل ﺒﻴن الﺴلطات في الﻨظام الﺴﻴاﺴي‬
‫والدﺴﺘوري للوالﻴات الﻤﺘﺤدة‪ ،‬أطروحة دكتوراه نوقشت بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة‬
‫عين شمس‪ ،‬القاهرة‪.1999 ،‬‬
‫‪ -‬غفال عادل‪ :‬الحكامة الجيدة ورهانات التنمية المحلية بالمغرب‪ ،‬أطروحة‬
‫دكتوراه نوقشت بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة القاضي‬
‫عياض‪ ،‬مراكش‪ ،‬بتاريخ ‪ 28‬دجنبر ‪.2013‬‬

‫‪241‬‬
‫‪ -‬معتصم محمد‪ :‬التطور التقليداني للقانون الدستوري المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل‬
‫دكتوراه الدولة في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬الدار البيضاء‪.1988 ،‬‬
‫‪ -‬أزواغ محمد‪ :‬اختصاصات رئيس الدولة في النظام الدستوري المغربي‪،‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬الرباط‪ ،‬يونيو‪.1984 ،‬‬
‫‪ -‬البوزيدي نعيمة‪ :‬الحكامة البرلمانية بالمغرب‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر‬
‫في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪.2012 – 2011 ،‬‬

‫المجالت والدوريات والجرائد‬


‫‪ -‬اإلدريسي محمد المصطفى‪ :‬في الحاجة إلى الحكامة الجيدة‪ ،‬ضمن مجلة‬
‫فكر ونقد‪ ،‬السنة ‪ ،10‬عدد ‪ ،93‬ديسمبر‪.2007 ،‬‬
‫‪ -‬األنصاري محمد‪ :‬الحكامة ومتطلبات الجودة التشريعية‪ ،‬ضمن المجلة‬
‫المغربية للتدقيق والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪.2007 ،24/23‬‬
‫‪ -‬اجماهري المصطفى‪ :‬سياسة اإلصالح الغورباتشوفية وأثرها في المؤسسات‬
‫السياسية السوفياتية‪ ،‬ضمن مجلة دراسات عربية‪ ،‬عدد ‪.1991 ،8- 7‬‬
‫‪ -‬أليماني خوسي‪ :‬الكتائب المسيحية في خدمة الملوك المغاربة‪ ،‬ترجمة أحمد‬
‫مدينة‪ ،‬ضمن مجلة دعوة الحق‪ ،‬العدد ‪ ،5‬السنة ‪ ،19‬ماي ‪.1978‬‬
‫‪ -‬طارق حسن‪ :‬السياسات العمومية في الدستور المغربي الجديد‪ ،‬ضمن‬
‫المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية‪ ،‬العدد‬
‫‪.2012 ،92‬‬
‫‪ -‬ضريف محمد‪ :‬قراءة أولية في النسق السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬المجلة‬
‫المغربية لعلم االجتماع السياسي‪ ،‬ع‪ ،2 .‬س‪ ،1 .‬مارس ‪.1987‬‬
‫‪ -‬ضريف محمد‪ :‬إشكالية الثقافة السياسية – المفهوم والمقتربات‪ ،‬ضمن‬
‫المجلة المغربية لعلم االجتماع السياسي‪ ،‬عدد مزدوج‪ ،‬س‪ ،2 .‬شتاء ربيع‬
‫‪.1988‬‬
‫‪ -‬العشوري محمد فؤاد‪ :‬مفهوم الملكية البرلمانية في النظام السياسي المغربي‬
‫من خالل دستور ‪ ،2011‬ضمن‪ :‬دستور ‪ 2011‬بالمغرب – مقاربات متعددة‪،‬‬
‫منشورات مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة األعداد الخاصة‪ ،‬رقم ‪ ،2012 ،5‬دار اآلفاق‬
‫المغربية للنشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫‪ -‬الغالي محمد‪ :‬جدلية الثابت والمتحول في دستور ‪ 2011‬في ضوء قراءة‬
‫السياق والركائز واألهداف‪ ،‬ضمن‪ :‬دستور ‪ 2011‬بالمغرب – مقاربات متعددة‪،‬‬
‫منشورات مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة األعداد الخاصة‪ ،‬رقم ‪ ،2012 ،5‬دار اآلفاق‬
‫المغربية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -‬المنوني عبد اللطيف‪ :‬اللجوء للفصل ‪ -19‬قراءة جديدة في الدستور‪،‬‬
‫ترجمة االتحاد االشتراكي (ضمن ملف العدد) جريدة االتحاد االشتراكي‪ ،‬ع‪.‬‬
‫‪ 9735‬بتاريخ ‪ 20 – 19‬مارس ‪.2011‬‬
‫‪ -‬جريدة أخبار اليوم في عددها الصادر يوم الجمعة ‪ 28‬يونيو ‪.2013‬‬
‫‪ -‬جريدة الصباح في عددها الصادر يوم ‪.2013/10/14‬‬
‫‪ -‬صحيفة الدستور األردنية‪ ،‬عدد ‪ ،1528‬الجمعة ‪ 29‬يناير ‪.2010‬‬

‫نصوص قانونية (دساتير؛ قوانين تنظيمية؛ قوانين عادية؛ مراسيم؛‬


‫قرارات‪)...‬‬
‫‪ -‬دستور المملكة المغربية للسابع من دجنبر ‪ ،1962‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف بتاريخ ‪ 17‬رجب ‪ 14( 1382‬دجنبر ‪ ،)1962‬صادر بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 2616‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 22‬رجب ‪ 19( 1382‬دجنبر ‪.)1962‬‬
‫‪ -‬دستور المملكة المغربية للرابع والعشرين من يوليوز ‪ ،1970‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.70.177‬بتاريخ ‪ 27‬جمادى األولى ‪31( 1390‬‬
‫يوليوز ‪ ،)1970‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 3013‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪28‬‬
‫جمادى األولى ‪( 1390‬فاتح غشت ‪.)1970‬‬
‫‪ -‬دستور المملكة المغربية دستور لفاتح مارس ‪ ،1972‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.72.061‬بتاريخ ‪ 23‬محرم ‪ 10( 1392‬مارس‬
‫‪ ،)1972‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،3098‬بتاريخ ‪ 28‬محرم ‪15( 1392‬‬
‫مارس ‪.)1972‬‬
‫‪ -‬دستور المملكة المغربية للرابع من سبتمبر ‪ ،1992‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.92.155‬بتاريخ ‪ 11‬من ربيع اآلخر ‪ 9( 1413‬أكتوبر‬
‫‪ ،)1992‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،4172‬بتاريخ ‪ 16‬ربيع اآلخرة ‪1413‬‬
‫(‪ 14‬أكتوبر ‪.)1992‬‬
‫‪ -‬دستور المملكة المغربية للثالث عشر من سبتمبر ‪ ،1996‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.96.157‬بتاريخ ‪ 23‬من جمادى األولى ‪1427‬‬

‫‪243‬‬
‫(‪ 7‬أكتوبر ‪ ،)1996‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،4420‬بتاريخ ‪ 26‬من‬
‫جمادى األولى ‪ 10( 1417‬أكتوبر ‪.)1996‬‬
‫‪ -‬دستور المملكة المغربية لفاتح يوليوز ‪ ،2011‬صادر األمر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.11.91‬بتاريخ ‪ 27‬من شعبان ‪ 29( 1432‬يوليو ‪،)2011‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪30( 1432‬‬
‫يوليو ‪.)2011‬‬
‫‪ -‬الدستور التونسي لـ ‪ 26‬جانفي ‪ ،2014‬المطبعة الرسمية للجمهورية‬
‫التونسية‪.2014 ،‬‬
‫‪ -‬قانون تنظيمي رقم ‪ 27.11‬المتعلق بمجلس النواب‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.165‬بتاريخ ‪ 16‬من ذي القعدة ‪ 14( 1432‬أكتوبر‬
‫‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5987‬بتاريخ ‪ 19‬ذو القعدة ‪1432‬‬
‫(‪ 17‬أكتوبر ‪ ،)2011‬ص‪.5053 .‬‬
‫‪ -‬قانون تنظيمي رقم ‪ 29.11‬المتعلق باألحزاب السياسية‪ ،‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.166‬بتاريخ ‪ 24‬من ذي القعدة ‪22( 1432‬‬
‫أكتوبر ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5989‬بتاريخ ‪ 26‬ذو القعدة‬
‫‪ 24( 1432‬أكتوبر ‪ ،)2011‬ص‪.5172 .‬‬
‫‪ -‬قانون تنظيمي رقم ‪ 28.11‬المتعلق بمجلس المستشارين‪ ،‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.172‬بتاريخ ‪ 24‬من ذي الحجة ‪22( 1432‬‬
‫نوفمبر ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 9597‬مكرر بتاريخ ‪ 25‬ذو‬
‫الحجة ‪ 22( 1432‬نوفمبر ‪ ،)2011‬ص‪.5520.‬‬
‫‪ -‬قانون تنظيمي رقم ‪ 59.11‬المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.173‬بتاريخ ‪ 24‬من‬
‫ذي الحجة ‪ 21( 1432‬نوفمبر ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪5997‬‬
‫مكرر بتاريخ ‪ 25‬ذو الحجة ‪ 22( 1432‬نوفمبر ‪ ،)2011‬ص‪.5537 .‬‬
‫‪ -‬قانون تنظيمي رقم ‪ 02.12‬المتعلق بالتعيين في المناصب العليا‪ ،‬صادر‬
‫األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.12.20‬بتاريخ ‪ 27‬من شعبان ‪17( 1433‬‬
‫يوليو ‪ ،)2012‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6066‬بتاريخ ‪ 29‬شعبان ‪1433‬‬
‫(‪ 19‬يوليو ‪ ،)2012‬ص‪.4265 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 41.90‬محدث بموجبه محاكم إدارية‪ ،‬صادر بشأنه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.91.225‬بتاريخ ‪ 22‬ربيع األول ‪ 10( 1414‬سبتمبر ‪،)1993‬‬

‫‪244‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4227‬بتاريخ ‪ 18‬جمادى األولى ‪3( 1414‬‬
‫نوفمبر ‪ ،)1993‬ص‪.2168 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 17.95‬بشأن الشركات المجهولة الهوية‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.96.124‬بتاريخ ‪ 14‬من ربيع اآلخر ‪1417‬‬
‫(‪30‬أغسطس ‪ ،)1996‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4422‬بتاريخ ‪ 4‬جمادى‬
‫اآلخرة ‪ 17( 1417‬أكتوبر ‪ ،)1996‬ص‪.3220 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 9.97‬بمثابة مدونة االنتخابات‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.97.83‬بتاريخ ‪ 23‬من ذي القعدة ‪ 2( 1417‬أبريل ‪،)1997‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،4470‬بتاريخ ‪ 24‬ذي القعدة ‪ 3( 1417‬أبريل‬
‫‪ ،)1997‬ص‪.570 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 53.95‬محدث بموجبه محاكم تجارية‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.97.65‬بتاريخ ‪ 4‬شوال ‪ 12( 1417‬فبراير ‪،)1997‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4482‬بتاريخ ‪ 8‬محرم ‪ 15( 1418‬ماي‬
‫‪ ،)1997‬ص‪.1141 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 39.89‬بتحويل المنشآت العامة إلى القطاع الخاص كما تم‬
‫تغييره وتتميمه بمقتضى القانون ‪ ،34.98‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف‬
‫رقم ‪ 1.99.131‬بتاريخ ‪ 26‬من محرم ‪ 13( 1420‬ماي ‪ ،)1999‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4692‬بتاريخ ‪ 4‬صفر ‪ 20( 1420‬ماي ‪ ،)1999‬ص‪.‬‬
‫‪.1111‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 15.97‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.00.175‬بتاريخ ‪ 28‬من محرم ‪ 3( 1421‬ماي‬
‫‪ ،)2000‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4800‬بتاريخ ‪ 28‬صفر ‪( 1421‬فاتح‬
‫يونيو ‪ ،)2000‬ص‪.1256 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 61.99‬في شأن تحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين‬
‫والمحاسبين العموميين‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪1.02.25‬‬
‫بتاريخ ‪ 19‬من محرم ‪ 3( 1423‬أبريل ‪ ،)2002‬صادر بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 4999‬بتاريخ ‪ 15‬صفر ‪ 29( 1423‬أبريل ‪ ،)2002‬ص‪.1168 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 65.99‬بمثابة مدونة الشغل‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.03.194‬بتاريخ ‪ 14‬من رجب ‪ 11( 1424‬سبتمبر ‪،)2003‬‬
‫صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5167‬بتاريخ ‪ 13‬شوال ‪ 8( 1424‬ديسمبر‬
‫‪ ،)2003‬ص‪.3969 .‬‬

‫‪245‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 69.00‬بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات‬
‫أخرى‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.03.195‬بتاريخ ‪ 16‬من‬
‫رمضان ‪ 11( 1424‬نوفمبر ‪ ،)2003‬صادر بالجريدة رسمية عدد ‪5170‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬شوال ‪ 18( 1424‬ديسمبر ‪ ،)2003‬ص‪.4240 .‬‬
‫‪ -‬القانون رقم ‪ 77.03‬المتعلق باالتصال السمعي البصري‪ ،‬صادر األمر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.04.257‬بتاريخ ‪ 25‬من ذي القعدة ‪7( 1425‬‬
‫يناير ‪ ،)2005‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5288‬بتاريخ ‪ 23‬ذي الحجة‬
‫‪ 3( 1425‬فبراير ‪ ،)2005‬ص‪.404 .‬‬
‫‪ -‬قانون مجلس القيم المنقولة صادر بشأنه ظهير شريف‪ ،‬معتبر بمثابة قانون‪،‬‬
‫رقم ‪ 1.93.212‬في ‪ 4‬ربيع اآلخر ‪ 21( 1414‬سبتمبر ‪ ،)1993‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4223‬بتاريخ ‪ 19‬ربيع اآلخر ‪ 6( 1414‬أكتوبر‬
‫‪)1993‬؛ وتم تعديلهه ونشر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5207‬بتاريخ ‪ 26‬أبريل‬
‫عدّل مرة ثانية وصدر األمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم‬ ‫‪2004‬؛ و ُ‬
‫‪ 1.07.05‬بتاريخ ‪ 28‬من ربيع األول ‪ 17( 1428‬أبريل ‪ ،)2007‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5519‬بتاريخ ‪ 5‬ربيع اآلخر ‪ 23( 1424‬أبريل‬
‫‪ ،)2007‬ص‪.1286 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 54.05‬بالتدبير المفوض للمرافق العامة‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.06.15‬بتاريخ ‪ 15‬من محرم ‪ 14( 1427‬فبراير‬
‫‪ ،)2006‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5404‬بتاريخ ‪ 15‬صفر ‪16( 1427‬‬
‫مارس ‪ ،)2006‬ص‪744 .‬؛ أعيد نشره ضمن كتاب‪ :‬المديرية العامة للجماعات‬
‫المحلية‪ ،‬وزارة الداخلية‪ ،‬منشورات مركز االتصال والنشر‪ ،‬الرباط‪.2009 ،‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 30.11‬بتحديد شروط وكيفيات المالحظة المستقلة والمحايدة‬
‫لالنتخابات‪ ،‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.162‬بتاريخ فاتح‬
‫ذي القعدة ‪ 29( 1432‬سبتمبر ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪،5984‬‬
‫بتاريخ ‪ 8‬ذي القعدة ‪ 6( 1432‬أكتوبر ‪ ،)2011‬ص‪.4931 .‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 15.95‬بمثابة مدونة التجارة‪ ،‬صادر بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 4418‬بتاريخ ‪ 19‬جمادى األولى ‪ 3( 1417‬أكتوبر ‪ .)1996‬وقد تم تعديله‬
‫بموجب القانون ‪( 24.04‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5480‬بتاريخ ‪ 15‬ذو‬
‫القعدة ‪ 7 /1427‬ديسمبر ‪)2006‬؛ ثم بموجب القانون رقم ‪ ،32.10‬صادر‬
‫األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.147‬بتاريخ ‪ 16‬من رمضان ‪1432‬‬

‫‪246‬‬
‫(‪ 17‬أغسطس ‪ ،)2011‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5984‬بتاريخ ‪ 8‬ذو‬
‫القعدة ‪ 6( 1432‬أكتوبر ‪ ،)2011‬ص‪.4930 .‬‬
‫‪ -‬قانون المالية لسنة ‪ ،2013‬صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.12.57‬بتاريخ ‪ 14‬من صفر ‪ 28( 1434‬ديسمبر ‪ ،)2012‬صادر بالجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 6113‬بتاريخ ‪ 17‬صفر ‪ 31( 1434‬ديسمبر ‪.6635 ،)2012‬‬
‫‪ -‬مرسوم رقم ‪ 2.99.1087‬بالمصادقة على دفتر الشروط اإلدارية العامة‬
‫المطبقة على صفقات األشغال المنجزة لحساب الدولة‪ ،‬صادر في ‪ 29‬من محرم‬
‫‪ 4( 1421‬ماي ‪ ،)2000‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4800‬بتاريخ ‪28‬‬
‫صفر ‪( 1421‬فاتح يونيو ‪ ،)2000‬ص‪.1280 .‬‬
‫‪ -‬مرسوم رقم ‪ 2.02.638‬بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة االقتصاد‬
‫االجتماعي والمقاوالت الصغرى والمتوسطة والصناعة التقليدية‪ ،‬صادر في ‪9‬‬
‫رجب ‪ 17( 1423‬سبتمبر‪ ،)2002‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪5044‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 25‬رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪ ،)2002‬ص‪.2831 .‬‬
‫‪ -‬مرسوم رقم ‪ 2.98.482‬بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا‬
‫بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها‪ ،‬صادر في ‪ 11‬من رمضان‬
‫‪ 30( 1419‬ديسمبر ‪ ،)1998‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4654‬بتاريخ ‪19‬‬
‫رمضان ‪ 7( 1419‬يناير ‪)1999‬؛ وقد تم تعديله بناء على المرسوم رقم‬
‫‪ ،2.06.388‬صادر في ‪ 16‬من محرم ‪ 5( 1428‬فبراير ‪ ،)2007‬صادر‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5518‬بتاريخ فاتح ربيع اآلخرة ‪ 19( 1428‬أبريل‬
‫‪ ،)2007‬ص‪.1235 .‬‬
‫‪ -‬مرسوم رقم ‪ 2.12.412‬بتطبيق أحكام المادتين ‪ 4‬و‪ 5‬من القانون‬
‫التنظيمي رقم ‪ 02.12‬فيما يتعلق بمسطرة التعيين في المناصب العليا التي يتم‬
‫التداول في شأن التعيين فيها في مجلس الحكومة‪ ،‬صادر في ‪ 24‬من ذي القعدة‬
‫‪ 11( 1433‬أكتوبر ‪ ،)2012‬صادر بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 6091‬بتاريخ ‪28‬‬
‫ذو القعدة ‪ 15( 1433‬أكتوبر ‪ ،)2012‬ص‪.5404 .‬‬
‫‪ -‬مرسوم رقم ‪ 2.12.349‬يتعلق بالصفقات العمومية‪ ،‬صادر في ‪ 8‬جمادى‬
‫األولى ‪ 20( 1434‬مارس ‪ ،)2013‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪6140‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬جمادى األولى ‪ 4( 1434‬أبريل ‪ ،)2013‬ص‪.3023 .‬‬
‫‪ -‬مرسوم رقم ‪ 2.13.253‬بشأن تحديد اختصاصات ومهام وزارة الشؤون‬
‫العامة والحكامة‪ ،‬صادر في ‪ 11‬من شعبان ‪ 20( 1434‬يونيو ‪ ،)2013‬صادر‬

‫‪247‬‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،6164‬بتاريخ في ‪ 18‬شعبان ‪ 27( 1434‬يونيو‬
‫‪ ،)2013‬ص‪.4843 .‬‬
‫‪ -‬قرار رقم ‪ 3448.12‬بشأن تحديد المطبوع النموذجي الموحد المنصوص‬
‫عليه في المادة ‪ 3‬من المرسوم رقم ‪ ،2.12.412‬صادر في ‪ 25‬من ذي القعدة‬
‫‪ 12( 1433‬أكتوبر ‪.)2012‬‬

‫ملتقيات وندوات غير منشورة‬


‫‪ -‬بن دورو عمر‪ :‬مداخلة حول موضوع "واقع الديمقراطية بالمغرب"‪ ،‬ضمن‬
‫لقاء نظمه االئتالف المغربي لهيئات حقوق اإلنسان تحت شعار‪" :‬نضال مستمر‬
‫من أجل الديمقراطية وحقوق اإلنسان بالمغرب‪ ،‬بنادي المحامين‪ ،‬الرباط‪21 ،‬‬
‫سبتمبر ‪.2013‬‬
‫‪ -‬عبد المومني فؤاد‪ :‬مداخلة بعنوان "الديمقراطية في المغرب – ثنائيات‬
‫ومفارقات"‪ ،‬ضمن لقاء نظمه االئتالف المغربي لهيئات حقوق اإلنسان‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪.‬‬
‫‪ -‬لمصدق رقية‪ ،‬وآخرين‪ ،‬ضمن ندوة لمرصد تحليل السياسات‪ ،‬بكلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬على هامش تقديم كتاب "الدستور‬
‫والديمقراطية‪ :‬قراءة في التوترات المهيكلة لوثيقة ‪ "2011‬لمؤلفه حسن طارق‪،‬‬
‫بتاريخ‪ 15 :‬نوفمبر ‪.2013‬‬
‫‪ -‬عبد اإلله بلقزيز‪ ،‬وآخرين‪ ،‬ضمن ندوة المرصد الوطني لحقوق الناخب‪،‬‬
‫(بتعاون مع كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال – الرباط‪،‬‬
‫وبشراكة مع مؤسسة كونراد أدناور األلمانية) بعنوان‪ :‬الديمقراطية التمثيلية تكامل‬
‫أم تنافس؟ الخميس ‪ 23‬يناير ‪.2014‬‬

‫‪248‬‬
‫ باللغات األجنبية‬:‫ثانيا‬

Ouvrages généraux
- BURDEAU Georges : Méthode de la science
politique, Dalloz, Paris, 1959.
- BURDEAU G. : Droit constitutionnel et institutions
politiques, Paris, Libr. Générale de droit et de
jurisprudence, 19ème édit., 1980.
- DOEBLIN Alfred : The living thoughts of Cofucius,
Cassell and Company, University Press, 1989.
- DUGUIT Léon : Traité du droit constitutionnel, 3ème
édit., Paris, T. I, 1927 et T. II, 1928.
- DUVERGER Maurice : Introduction à la politique,
Paris, Gallimard, 1964.
- EASTON David : The Political System- an inquiry
into the state of political science, New York: Alfred A.
Knopf, 1953.
- HAURIOU Maurice : Précis élémentaire de droit
constitutionnel, 2ème édition, librairie du Recueil Sirey,
Paris, 1930.
- HAURIOU André et GICQUEL Jean : droit
constitutionnel et institutions politiques, Paris, 1975.
- KELSEN Hans : Théorie générale du droit et de
l’Etat, Trad. Par Béatrice Laroche, L.G.D.J, Paris, 1997.
- KORENEV Léonid : L’Economie de l’URSS au
carrefour de la perestroïka, édit. Agence Novosti,
Moscou, 1990.
- LEVEQUE Pierre : L’aventure Grecque, 3ème édit.,
Armand Colin, Paris, S. D.
- MILLER Eugene F. : DAVID EASTON’S POLITICAL
THEORY, close associates of Easton at

249
the University of Chicago and later at the Mental Health
Research Institute of the University of Michigan 22.
- ONDO Télesphore : Plaidoyer pour un nouveau
régime politique au Gabon, édit. Publibook, Paris, 2012.
- PRELOT Marcel : Sociologie politique, Précis
DALLOZ, Toulouse, 1973.
- QUERMONNE Jean-Louis : Les Régimes
politiques occidentaux, Paris, 5ème édit., Seuil, 2006.
- SOBOLEV Léonid : URSS Recensement 1989,
édit. Agence Novosti, Moscou, 1990.
- STANKOVIC Sergey : La perestroïka vue par un
député du peuple, édit. Agence Novosti, Moscou, 1990.
- WEBER Max : Le savant et la politique, Paris, Plon,
2ème édit. 1997.

Ouvrages spécialisés
- BENDOUROU Omar : le pouvoir Exécutif au Maroc
depuis l'indépendance, Editions Publisud, Paris, 1986.
- El AOUADI Ahmed : Les stratégies d’enracinement
des dirigeants d’entreprises : Le cas marocain, Working
Paper n° 599, CEROG, IAE Aix En province, mai 2001.
- LAGHRISSI Awatif : Gouvernance au Maroc –
Approche d’action publique, Imprimerie EL Watanya,
Marrakech, 2010.
- LAHBABI Mohamed : Le gouvernement marocain
à l’aube du XXéme siècle, les éditions maghrébines,
Casablanca, 1975.
- Laroui Abdallah : Les origines sociales et
culturelles du nationalisme marocain, Maspero, 1980.

250
- LAVOREL Sabine : Les constitutions Arabes et
l’islam- les enjeux du pluralisme juridique, Presses de
l’université du Québec, 1977.
- PALAZZOLI Claude : Existe-t-il une spécifité du
pouvoir dans les pays arabes, in: Mélanges offerts à G.
Burdeau: "Le pouvoir", L.G.D.J, Paris, 1977.

Thèses et mémoires
- BELKADI Hicham : Le gouvernement d’entreprise
au Maroc, Mémoire du Diplôme d’Etudes Supérieures
Spécialisées en Ingénierie Financière, Université de
Bretagne Occidentale, France, Année Universitaire
2002-2003.
- MORTIER Poline : Les métamorphoses de la
souveraineté, Thèse de doctorat en droit public, Ecole
doctorale Pierre Couvrat, Université d’Angers, France,
Année 2011.
- SAHIB EDDINE Abdelhak : Investissement
Etranger et Privatisation au Maroc, Thèse de doctorat
en Sciences économiques de l’Université de
Bourgogne, Dijon, 1996-1997.
- SHIMI Mostapha : La notion de constitution, Thèse
Science politique, Faculté des Sciences Juridiques,
Économiques et Sociales, Univ. Mohamed V, Rabat,
1984.

Articles
- ATLANI Laetitia : Les ONG à l’heure de la bonne
gouvernance, institut de recherche pour le
développement, n° 35, 2005.

251
- BAIL Christophe : Environmental governance
reducing risks in democratic societies, EEC, Future
studies unit, 1996.
- BARON Catherine : La gouvernance: débats autour
d’un concept polysémique, CAIRN, Droit et société, n°
54, 2003/2.
- BENDOUROU Omar : Le parlement et la
démocratie, in REMALD, série Actuel, N° 23, 2000.
- BETH Alodie et HRUBI Aniko : Renforcer l’intégrité
dans les marches publics : Etude d’apprentissage
mutuel au Maroc, direction de la gouvernance publique
et de développement territorial, OCDE, Paris, 2008.
- BIROUK Mohamed : Rationalisation des structures
et bonne gouvernance, REMALD, N° 34 (Septembre –
Octobre 2000).
- BOUAZZA Abdelatif : Gouvernance, économie
sociale et développement durable au Maroc, REMALD
N° 65 (Novembre - Décembre 2005).
- DJAOUAHDOU Reda et BENOSMANE Mahfoud :
Gouvernance corporate et processus de privatisation en
Algérie, REMALD, N° 54-55, (Janvier - Avril 2004).
- GUIBAL Michel : La suprématie constitutionnelle au
Maroc, R.J.I.PC, N° 3, juil.- sept. 1978.
- M’HAMDI Mohamed : Gouvernance territoriale et
environnement, REMALD N° 65 (Novembre - Décembre
2005).
- KIM Pan Suk : Rapport introductif : Développement
de la gouvernance démocratique dans le cyberespace et
modelage de la gouvernance pour la qualité de vie,
REMALD, N° 56 (Mai - Juin 2004).

252
- ROUSSET Michel : Changements institutionnels et
équilibre des forces politiques au Maroc – un essai
d'interprétation, A.A.N, XVI, 1977, Edit. C.N.R.S, Paris,
1978.
- PAYES Olivier : La gouvernance – d’une notion
polysémique à un concept politologique, in études
internationales, vol. 36, 2005.
- WOLFF Jürgen H. : La pensée politique dans
l’Islam, La légitimation du pouvoir et la démocratie
moderne – le cas du Maroc, Trad. Irène Von Strachwitz,
in : Annuaire de l’Afrique du nord, Tome XXXII, 1993,
CNRS éditions.
- ZARROUK Najat : A propos de l'article 28 de la
charte communale (loi n° 78-00) ou de la difficulté de
concilier entre la démocratie et les exigences de la
bonne gouvernance, REMALD, N° 57-58 (Juillet -
Octobre 2004).
- ZACRAOUI Mokhtar : Gouvernance et démocratie,
REMALD, N° 57-58 (Juillet - Octobre 2004).

Colloques
- SAHIB EDDINE Abdelhak et KOUBAA Salah :
L’entrepreneuriat migratoire, 11/11/2010, 14h. in
Université Mohammed I Oujda, Centre d’études des
mouvements migratoires Maghrébins, colloque
international sous thème : Migration et développement
des régions Maghrébines et sud – sahariennes, 11 – 12
Novembre 2010.
- Rapport du Haut Commissariat au Plan, Croissance
économique et développement humain – éléments pour
une planification stratégique 2007-2015.

253
‫‪- World Bank : The manner in wich is exercised in‬‬
‫‪the management of a country’s economic and social‬‬
‫‪resources for development, in governance and‬‬
‫‪development, World Bank publication, Washington DC,‬‬
‫‪1992.‬‬
‫‪- World Bank : Governance and development, World‬‬
‫‪Bank publication, Washington DC, 1994.‬‬

‫ثالثا) مواقع الكترونية‬

‫‪ -‬الخطاب الملكي ليوم ‪ 9‬مارس ‪ 2011‬على الرابط‪:‬‬


‫‪http://www.youtube.com/watch?v=dVgBOKd6T0c‬‬
‫‪ -‬الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الثانية من الوالية‬
‫التشريعية التاسعة ‪ .2013 – 2012‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.maroc.ma/ar/%D9%86%D8%B5%D8%A7‬‬
‫‪%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8%D8%A‬‬
‫‪7%D9%84%D8%B0%D9%8A%D8%A3%D9%84%D9%‬‬
‫‪82%D8%A7%D9%87-‬‬
‫‪ -‬تصريح وزير االتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد مصطفى‬
‫الخلفي بشأن الحصيلة التشريعية (إلى غاية منتصف سبتمبر ‪ ،)2013‬لصحيفة‬
‫هسبريس االلكترونية‪ ،‬يوم االثنين ‪.2013/09/16‬‬
‫‪ -‬اجتماع نواب العدالة والتنمية مع رئيس الحكومة مساء الجمعة‬
‫‪ 2013/10/11‬بمقر الحزب‪ ،‬ضمن موقع هسبريس‪ ،‬رابط الموضوع‪:‬‬
‫‪http://hespress.com/politique/91255.html‬‬
‫‪ -‬محمد حنين‪ :‬تصريح بشأن المؤتمر الذي نظمته مؤسسة الشركاء الدوليين‬
‫للحكامة ‪ ،Governance Global Partners‬األردن‪ ،‬يومي ‪ 13‬و‪14‬‬
‫دجنبر ‪ ،2013‬ضمن موقع هسبريس (‪ )2013/12/16‬على الرابط‬
‫‪http://hespress.com/politique/96522.html‬‬
‫‪ -‬أعداد الجريدة الرسمية متوفرة على موقع األمانة العامة لحكومة المملكة‬
‫المغربية‪ ،‬على الرابط‪:‬‬

‫‪254‬‬
http://www.sgg.gov.ma/arabe/L%C3%A9gislations/Bul
letinsOfficielsAns.aspx
‫ بشأن النظر في النظام الداخلي‬829/12 ‫ قرار المجلس الدستوري رقم‬-
)2012 ‫ فبراير‬4( 1433 ‫ من ربيع األول‬11 ‫ صادر بتاريخ‬،‫لمجلس النواب‬
:‫على الرابط‬
http://www.parlement.ma/_sitenation.php?filename=2
01212180921297716
‫ على‬،‫ مجموعة القانون الجنائي‬:‫ وزارة العدل والحريات‬،‫ مديرية التشريع‬-
:‫الرابط‬
http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/ar/N
ouveautes/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%
86%D9%88%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%
D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A.pdf
‫ على‬،‫ قانون المسطرة المدنية‬:‫ وزارة العدل والحريات‬،‫ مديرية التشريع‬-
:‫الرابط‬
http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/ar/N
ouveautes/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%
86%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%B7%
D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8
%AF%D9%86%D9%8A%D8%A9%20.pdf
‫ صادر عن رئاسة‬،‫ المخطط التشريعي برسم الوالية التشريعية التاسعة‬-
:‫ ضمن موقع مجلس النواب على الرابط‬،2013 ‫الحكومة في يناير‬
http://www.parlement.ma/images/2011_2016/plan_leg
islatif.pdf
:‫ موقع الجمعية الوطنية الفرنسية على الرابط‬-
http://www.assemblee-nationale.fr/#
‫ رابط الدستور‬.2008 ‫ يوليو‬23 ‫ المعدل في‬1958 ‫ الدستور الفرنسي لعام‬-
:‫الفرنسي على الرابط‬
http://www.conseilconstitutionnel.fr/conseilconstitution
nel/root/bank_mm/arabe/constitution_arabe_version_mai
2009.pdf

255
:‫ الرابط على النت‬،‫ الدستور الهولندي‬-
http://mjp.univ-perp.fr/constit/pb1983.htm
:‫ الرابط على النت‬،1953 ‫ مارس‬27 ‫ الدستور الدانمركي لـ‬-
http://mjp.univ-perp.fr/constit/dan1953.htm.
:‫ الرابط على النت‬،1974 ‫ فبراير‬28 ‫ الدستور السويدي لـ‬-
http://mjp.univ-perp.fr/constit/se1974.htm
:‫ الرابط على النت‬،1906 ‫ يونيو‬30 ‫ لـ‬،‫ الدستور النرويجي‬-
http://mjp.univ-perp.fr/constit/no1905.htm
:‫ الرابط على النت‬،1994 ‫ فبراير‬17 ‫ لـ‬،‫ الدستور البلجيكي‬-
https://www.uclouvain.be/cps/ucl/doc/drt/documents/Con
stitution_belge
:‫النت‬ ‫على‬ ‫الرابط‬ ،‫اإلسباني‬ ‫الدستور‬ -
http://www.boe.es/legislacion/enlaces/documentos/Const
itucionFRANCES.pdf
:‫ موقع مجلس النواب المغربي على الرابط‬،‫ النظام الداخلي لمجلس النواب‬-
http://www.parlement.ma/_sitenation.php?filename=201
212180921297716
- MyEtymology.com – A universal etymology
dictionary
http://www.myetymology.com/greek/kubernan.html
:‫على الرابط‬
- Programme des Nations Unies pour le
développement – Rapport de développement humain
2003, gouvernance et accélération du développement
humain. (http//www.pnud.org)

256
257
258
‫ﻫﺬﺍ ﻋﻤﻞ‪ ،‬ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻧﻪ ﺭﺍﻓﻌﺔ ﺑﺼﻴﺮﺓ ﻋﻠﻤﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺗﺰﻳﺪ ﺍﻟﺪﺭﺍﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺆﺩﻱ ﺩﻭﺭﺍ ﺗﻨﻮﻳﺮﻳﺎ ﻓﺎﺋﻖ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪﺍ‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﺎﻣﺔ ﺍﻟﺠﻴﺪﺓ‪،‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻱ‪ ،‬ﺷﺄﻧﺎ ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻪ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪،‬‬
‫ﻭﻳﻌﻨﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﺟﺎﻧﺐ ﻏﻴﺮ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﻌﺘﺮﻙ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻱ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻭﺣﺪﻩ‪،‬‬
‫ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﻌﺘﺮﻙ ﺩﺳﺘﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ‪،‬‬
‫ﻳﺨﺪﻡ ﻛﻞ ﻣﺴﻌﻰ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﺭﺳﺎﺀ ﺍﻟﺤﻜﺎﻣﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﻣﺘﺤﻀﺮﺓ‪ ،‬ﺗﻔﻬﻢ ﻭﺍﻗﻌﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻭﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮﻩ‪ ،‬ﻟﺘﺴﻌﻰ ﻧﺤﻮ ﺍﻷﻓﻀﻞ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‬
‫ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩﻩ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‬
‫‪UU‬‬

‫ﺁﻻﻑ ﺍﻟﻜﺘﺐ‪ ،‬ﻟﻜﻞ ﻭﻗﺖ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺃﻱ ﻣﻜﺎﻥ‬


‫‪e-kutub.com‬‬

You might also like