Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫المتدخلون في صنع الﺴياسات العامة في المغرب‬ ‫موالي هشام المراني‬

‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫‪Those involved in making public policies in Morocco‬‬


‫‪ )1‬د‪ .‬موالي هشام المراني‪ ،‬باحث في القانون العام والعلوم الﺴياسية‪ ،‬أستاذ زائر بجامعة ابن زهر بأكادير‪ ،‬المغرب‪.‬‬

‫الملخص‪ :‬يتدخل في عملية صنع السياسات العامة فاعلون رسميون (المؤسسة الملكية والبرلمان والسلطة التنفيذية والجهاز‬
‫اإلداري والقضائي) وفاعلون ثانويون (األحزاب السياسية والمواطنين وجماعات الضغط الوطنية والدولية‪.)...‬‬
‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬تسعى هذه الدراسة إلى رصد أوجه تدخل مختلف هؤالء الفاعلين في مسلسل صناعة السياسات العامة‬
‫في المغرب وفق ما تنص عليه الوثيقة الدستورية‪ ،‬وما ترسخ بحكم العرف الدستوري والواقع‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬السياسات العامة‪ -‬صناعة السياسات العامة‪ -‬الفاعلون في صنع السياسات العامة‪ -‬النظام السياسي ‪-‬‬
‫الدستور المغربي‪.‬‬

‫‪Abstract: Public actors (the Royal Institution, Parliament, the executive branch, the‬‬
‫‪administrative and judicial system) and secondary actors (political parties, citizens, national and‬‬
‫‪international pressure groups ...) are involved in public policy making.‬‬
‫‪From this standpoint, this study seeks to monitor the interference of these various actors in the‬‬
‫‪series of public policy-making in Morocco, according to the provisions of the constitutional‬‬
‫‪document and what is established by virtue of the constitutional custom and reality.‬‬
‫‪Key words: public policy, policy making, Actors in public policy making, political system,‬‬
‫‪Moroccan constitution‬‬

‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل‪ -‬المجلد الرابع – العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪271‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تتعدد تعاريف مصطلح السياسات العامة‪ ،‬وتختلف أحيانا بسبب اختالف زوايا النظر إلى هذا‬
‫المصطلح والمنطلقات الفكرية لعلماء السياسة والمفكرين والباحثين‪ .‬وكذا المداخيل المستخدمة لدراسة هذا‬
‫المفهوم‪.‬‬
‫ورغم تعدد التعاريف‪ ،‬فإن المشترك بينها هو كون كل تعريف يتضمن أحد العناصر التالية‪:‬‬
‫الفاعلين‪/‬األنشطة‪ ،‬والمشاكل‪ ،‬والحلول (‪.)1‬‬
‫وتبعا لذلك يمكن تقسيم تعريف مصطلح السياسات العامة إلى ثالثة اتجاهات؛ اتجاه أول يركز على‬
‫الفاعلين واألنشطة‪ ،‬ومن بين المعبرين عن هذا االتجاه ‪ ،‬نجد كال من المتخصص في مجال السياسات‬
‫العامة األمريكي "‪" Tomas R.Dye‬والذي يعرف السياسة العامة بأنها « كل ما تختار الحكومة القيام‬
‫به أو عدم القيام به»)‪ .(2‬و "‪ "IRA .SHARKANSKY‬الذي يعرف السياسات العامة‪ ،‬بـ «كل األنشطة‬
‫التي تقوم بها الحكومة»)‪ (3‬وكذلك مولر "‪ Muller‬الذي ذهب في نفس االتجاه حيث اعتبر أن السياسات‬
‫)‪(4‬‬
‫العامة «تأخذ شكل برنامج خاص ومحدد تضعه السلطات الحكومية »‬
‫وبالنسبة لالتجاه الثاني الذي يركز على المشاكل فنجد على سبيل المثال "جيمس أندرسون" الذي‬
‫عرف السياسة العامة بكونها «برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو‬
‫قضية ما أو موضوع ما» (‪.)5‬‬
‫وفيما يتعلق باالتجاه الثالث الذي يركز على الحلول‪ ،‬فنجد المختصين في مجال السياسات العامة‬
‫تشارلز كوشران "‪ "Charles Cochran‬والويس مالو "‪ "Eloisse. F. Malo‬اللذين عرّ فا السياسات‬
‫العامة بأنها «تشتمل على قرارات سياسية لتنفيذ برامج عامة بغرض تحقيق أهداف اجتماعية» (‪.)6‬‬
‫ويمكن أن نورد تعريفا تركيبيا يلخص مختلف عناصر السياسات العامة‪ ،‬حيث «تشير السياسات‬
‫العامة إلى حصيلة ما ينتجه النظام داخل مؤسسة الدولة‪ ،‬فهي مخرج (‪ )output‬النظام السياسي‪ ،‬تتولد‬
‫نتيجة ظروف بيئية؛ بل إنها‪ ،‬باعتبارها فعال (‪ ،)action‬تستنبط جوابا ُممأسسا ًّ عن مشكلة معينة‪ .‬فالسياسة‬
‫العامة ال تتعلق بالدولة في حد ذاتها‪ ،‬بل بما تفعله وتقوم به عبر مؤسساتها الدستورية في المجاالت‬
‫التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ .‬وباعتبارها علم الفعل أو العمل (‪ ،)science de l’action‬كما ت ّم‬
‫ص اناعها يكونون مجبرين على اعتماد مكاتب وبيوت‬ ‫تعريفها في دوائر البحوث األمريكية‪ ،‬فإن ُمع ِّديها و ُ‬

‫‪ 1‬فانسون لوميو‪ ،‬دراسة السياسات العامة‪ :‬الفاعلون وسلطتهم‪ ،‬ترجمة عبد المالك احزرير وفريد خالد‪ ،‬منشورات كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬عدد ‪ ،36‬سنة ‪ ،2004‬ص‪.10:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R Dye (T) et Le SAGE (J) : « La révolution tranquille » Saint-Laurent, édition du trépané, 1984, P :1.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪SHARKANSKY (I) :«Policy analyses in political science», Chicago Markham, 1970,P:1‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Jean Claude Thoeening :« Politique publiques, dans : laure Bousagnet, Sophie Jacquet, Pouline Ravient,‬‬
‫‪dictionnaire des politique publiques ; 2émé édition, Paris ; presse de science Po, 2006, P :331.‬‬
‫(‪-)5‬جيمس اندرسون‪ ،‬صنع السياسات العامة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عامر الكبيسي‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1999‬ص‪.14:‬‬
‫)‪ - (6‬أحمد مصطفى الحسين‪ ،‬مدخل إلى تحليل السياسات العامة‪ ،‬سلسلة الكتاب العلمي التدريسي في العلوم السياسية (‪ ،)1‬المركز العربي للدراسة‬
‫السياسية‪ ،‬مطبعة الجامعة األردنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2002‬ص‪.9:‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪272‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫الخبرة (‪ )Think Tanks‬العامة أو الخاصة‪ ،‬على الصعيد المحلي أو الفيدرالي» (‪.)7‬‬


‫ويسهر على وضع السياسات العامة أجهزة رسمية؛ تتمثل في مؤسسات النظام السياسي الرسمي‪.‬‬
‫وأخرى غير رسمية تعمل على التأثير في صناعة السياسات العامة عبر تمرير بعض متطلبات المجتمع‬
‫إلى األجهزة الرسمية‪.‬‬
‫وتختلف هذه األجهزة من بلد إلى آخر‪ ،‬حسب النصوص الدستورية المؤطرة للسياسات العامة‬
‫إشكالية الدراسة‪:‬‬
‫تتلخص اإلشكالية التي سنعمل على اإلجابة عنها في السؤال المركزي التالي‪ :‬ما هي األجهزة الفاعلة‬
‫(الرسمية والثانوية) المتدخلة في صناعة السياسات العامة في المغرب؟‬
‫ولمعالجة هذه اإلشكالية سنعتمد التصميم التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األجهزة الرسمية في صنع السياسات العامة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األجهزة الثانوية في صنع السياسات العامة‪.‬‬
‫الفرضية الرئيسية للدراسة‪:‬‬
‫رغم المكانة البارزة التي باتت تحظى بها الحكومة‪ ،‬بفضل دستور ‪ ،2011‬في رسم السياسات‬
‫العامة بالمغرب‪ ،‬يظل الملك المتحكم الرئيس في األجندة العامة لهذه السياسات واالختيارات االستراتيجية‬
‫للبالد‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األجهزة الرسمية في صنع السياسات العامة‪:‬‬
‫تتمثل هذه األجهزة في النظام السياسي المغربي في المؤسسة الملكية والسلطة التنفيذية والسلطة‬
‫التشريعية والقضائية والجهاز اإلداري‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المؤسسة الملكية‬
‫تلعب المؤسسة الملكية دورا بارزا في توجيه السياسات العامة (‪ ،)8‬فالدستور الحالي للمغرب يكرس‬
‫الدور الرئيسي للمؤسسة في تحديد أجندة السياسة العامة للبالد‪ ،‬واختياراتها االستراتيجية‪ .‬وذلك عبر‬
‫مجموعة من اآلليات الدستورية‪ ،‬نورد بعضا منها فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬رئاسة المجلس الوزاري‪:‬‬
‫يرأس الملك بموجب الفصل ‪ 48‬من الدستور المجلس الوزاري الذي يتألف من رئيس الحكومة‬

‫(‪ -( 7‬دليل تحليل السياسات العامة‪ ،‬المنجز من طرف مركز جامعة والية نيويورك للتنمية الدولية‪ ،‬المتعاقد مع الوكالة األمريكية للتنمية الدولية إلدارة‬
‫مشروع دعم أعمال البرلمان‪ ،‬سنة ‪ ،2007‬ص‪.10 :‬‬
‫(‪ -)8‬ظلت المؤسسة الملكية فاعلة بقوة في مجال السياسات العامة حتى منذ ما قبل االستقالل وبعده‪ ،‬وذلك بفضل المكانة االعتبارية البارزة التي تتمتع‬
‫بها في النسق السياسي المغربي وبفضل االختصاصات الواسعة التي تمنحها الدساتير السابقة للمغرب (دساتير‪-1992 -1972 -1970 -1962 :‬‬
‫‪.)1996‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪273‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫والوزراء‪ .‬وحسب الفصل ‪ 49‬من الدستور‪ ،‬يضطلع هذا المجلس الوزاري بصالحيات التداول في‬
‫التوجهات االستراتيجية لسياسة الدولة ومشاريع مراجعة الدستور ومشاريع القوانين التنظيمية والتوجهات‬
‫العامة لمشروع قانون المالية وغيرها من الصالحيات األخرى (‪ )9‬التي تبرز بشكل واضح سمو المؤسسة‬
‫الملكية ودورها الرئيسي في تحديد االختيارات الكبرى للبالد‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬سلطة مخاطبة األمة والبرلمان (‪:)10‬‬
‫يعتبر الخطاب الملكي سواء الموجه إلى البرلمان أو األمة‪ ،‬مصدرا أساسيا للقانون الدستوري‬
‫المغربي وللثقافة الحقوقية والحياة السياسية واالقتصادية ككل (‪.)11‬‬
‫لقد حافظ دستور ‪ 2011‬على نفس المكانة الدستورية السامية للملك‪ ،‬باعتباره أمير المؤمنين وحامي‬
‫الملّة والدين‪ ،‬والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية (‪ .)12‬وهو أيضا الممثل األسمى ورمز وحدة األمة‪،‬‬
‫وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم األسمى بين المؤسسات الدستورية‪.)13( ...‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬فالتعليمات المتضمنة في الخطب الملكية سواء الموجهة إلى األمة أو البرلمان تحظى‬
‫بأهمية جوهرية؛ أوال في تصور الوزراء للوظيفة الحكومية‪ ،‬ويتم استحضارها دائما سواء في البرامج‬
‫الحكومية أو خالل تنفيذ السياسات العامة (‪ .)14‬وثانيا في تأطير الوظيفة التشريعية للبرلمان في الميادين‬
‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬ممارسة الصالحيات الدبلوماسية‪:‬‬
‫يضطلع الملك بموجب الفصل ‪ 55‬من الدستور بمهام تعيين الممثلين الدبلوماسيين‪ ،‬وكذا تلقي أوراق‬
‫اعتماد الممثلين الدبلوماسيين األجانب‪.‬‬
‫كما أنه يوقع المعاهدات ويصادق عليها‪ ،‬إال أنه ال يوقع تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية‬
‫الدولة‪ ،‬أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية‪ ،‬أو تمس بحقوق وحريات المواطنين والمواطنات‪ ،‬العامة‬
‫أو الخاصة‪ ،‬إال بعد الموافقة عليها بقانون‪.‬‬
‫ويضطلع الملك‪ ،‬في الواقع‪ ،‬بدور بارز في وضع السياسة الخارجية للمغرب ورسم معالمه‬
‫وتوجهاتها‪ ،‬أهم بكثير مما تضمنته نصوص القانون العام المغربي‪ .‬وذلك من خالل خطبه ومن خالل‬
‫الرسائل التي يوجهها إلى مجلس النواب (‪.)15‬‬
‫رابعا‪ -‬رئاسة المجلس األعلى للسلطة القضائية والمجلس األعلى لألمن‪:‬‬

‫(‪ -)9‬يرجى الرجوع إلى الفصل ‪ 49‬من الدستور المغربي‪.‬‬


‫(‪ -)10‬يخول الفصل ‪ 52‬من الدستور للملك حق مخاطبة األمة والبرلمان ويتلو خطابه أمام كال المجلسين وال يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش‬
‫داخلها‪.‬‬
‫(‪ -)11‬إسماعيل سفالي‪ ،‬دور الخطب الملكية في اإليحاء التشريعي قانون األسرة واألحزاب السياسية نموذجا‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬الموسم الجامعي‪ ،2012-2011 ،‬ص‪.24:‬‬
‫(‪ -)12‬الفصل ‪ 41‬من الدستور المغربي‪.‬‬
‫(‪ -)13‬الفصل ‪ 42‬من الدستور المغربي‪.‬‬
‫(‪ -)14‬محمد الرضواني‪ ،‬التنمية السياسية في المغرب‪ :‬تشكل السلطة التنفيذية وممارستها من سنة ‪ ،2000‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،2011‬ص‪.194:‬‬
‫(‪ -)15‬فاطمة الزهراء هيرات‪ "،‬الملكية المغربية والسياسة الخارجية"‪ ،‬مجلة مسالك‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،22-21‬سنة ‪ ،2012‬مطبعة النجاح الجديدة الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬ص‪.44:‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪274‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫يرأس الملك بموجب الفصل ‪ 115‬من الدستور المجلس األعلى للسلطة القضائية والذي يضطلع‬
‫بمهام تدبير المسار المهني للقضاء‪ ،‬ووضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة القضاء‪ ،‬ويصدر‬
‫التوصيات المالئمة بشأنها‪ .‬كما يقوم بوظيفة التفتيش والتأديب (‪.)16‬‬
‫ويضطلع الملك كذلك‪ ،‬بمهمة رئاسة المجلس األعلى لألمن والذي يقوم بموجب الفصل ‪ 54‬بمهمة‬
‫استشارية في مسألة األمن الداخلي والخارجي للبالد‪ ،‬وتدبير حاالت األزمات‪ ،‬ويسهر كذلك على مؤسسة‬
‫ضوابط الحكامة األمنية الجيّدة‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬إمارة المؤمنين والضامن لحرية الشؤون الدينية‪:‬‬
‫يعتبر الملك الفاعل الرئيس في إقرار السياسة الدينية للبالد‪ ،‬فتأسيسا على الفصلين ‪ 41‬و‪ 42‬من‬
‫الدستور‪ ،‬يمارس الملك الوظيفة التشريعية في المجال الديني بصفة مستقلة وحصرية‪ ،‬وال يتقاسم هذا‬
‫االختصاص مع أية سلطة أخرى رسمية أو غير رسمية (‪.)17‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه وبموجب إمارة المؤمنين والتي تضمنها الفصل ‪ 19‬من دستور ‪،1996‬‬
‫بإمكان الملك أن يتولى التشريع ليس في المجال الديني فقط‪ ،‬ولكن في سائر فروع التشريع التي يختص‬
‫بها البرلمان‪ ،‬في ظل وجوده أو في غيابه (‪ .)18‬وهو االختصاص الذي مارسه الملك محمد السادس في سنة‬
‫‪ 2011‬بمناسبة أحداث مؤسسة الوسيط‪ ،‬والمجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪ ،‬والهيئة العليا لالتصال السمعي‬
‫‪-‬البصري بمقتضى ظهائر تأسيسا على الفصل ‪ 19‬من دستور ‪.)19(1996‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬السلطة التشريعية (البرلمان)‪:‬‬
‫يعتبر البرلمان السلطة المكلفة بصياغة التشريع‪ ،‬باعتباره مؤسسة تجسد سيادة األمة (‪ .)20‬فقد نصا‬
‫الفصل ‪ 70‬من الباب الثاني للدستور على أن البرلمان يصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم‬
‫السياسات العمومية‪.‬‬
‫البرلمان مؤسسة تمارس داخلها الديمقراطية التي ليست حكم األغلبية فقط‪ ،‬بل تسمح كذلك بوجود‬
‫قانوني ومؤسساتي للمعارضة‪ .‬لذا‪ ،‬فإن صياغة السياسة العامة على المستوى البرلماني تخضع للنقاش‬
‫المفيد كثيرا في عملية تدبير االختالف‪ ،‬الذي يفرضه منطق التعددية (‪.)21‬‬
‫وبهدف دعم صالحيات البرلمان وتعزيز المنظومة الديمقراطية ببالدنا‪ ،‬وسعت الوثيقة الدستورية‬
‫لعام ‪ 2011‬من مجال القانون‪ ،‬حيث أصبح البرلمان مكلفا بالتشريع في مجاالت أكبر من السابق وهو ما‬

‫(‪ -)16‬الفصل ‪ 113‬من الدستور المغربي‪.‬‬


‫(‪-)17‬مصطفى بن شريف‪ ،‬التشريع ونظم الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬منشورات الزمن‪ ،‬سلسلة الوعي القانوني‪ ،‬العدد األول‪ ،‬مطبعة بني أزناس‪-‬‬
‫سال‪ ،‬المغرب‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2015‬ص‪.20:‬‬
‫(‪ -)18‬الفصل ‪ 72‬الفقرة الثانية من دستور ‪.1996‬‬
‫(‪ -)19‬مصطفى بن شريف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20:‬‬
‫(‪ -)20‬ينص الفصل الثاني من الدستور والوارد في الباب األول المتعلق بأحكام عامة‪ ،‬أن‪« :‬السيادة لألمة‪ ،‬تمارسها مباشرة باالستفتاء‪ ،‬وبصفة غير‬
‫مباشرة بواسطة ممثليها»‪.‬‬
‫(‪ -)21‬دليل تحليل السياسات العامة‪ ،‬المنجز من طرف مركز جامعة والية نيويورك للتنمية الدولية‪ ،‬المتعاقد مع الوكالة األمريكية للتنمية الدولية إلدارة‬
‫مشروع دعم أعمال البرلمان‪ ،‬سنة ‪ ،2007‬ص‪.42:‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪275‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫يعني تعزيز إمكانية تأثيره القانوني على دائرة أكبر من السياسات العمومية (‪ .)22‬كما عملت على تقوية‬
‫مهمته الرقابية عبر تثمين وظيفة المعارضة‪ ،‬وتيسير إمكانية اللجوء إلى اآلليات الرقابية األكثر قوة (اللجان‬
‫النيابية لتقصي الحقائق‪.)23( )...‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬السلطة التنفيذية‬
‫تمارس السلطة التنفيذية في المغرب بموجب الفصل ‪ 89‬من الدستور من طرف الحكومة‪ ،‬والتي‬
‫تتكون من رئيس الحكومة والوزراء‪ ،‬ويمكن أن تضم كتابا للدولة (‪.)24‬‬
‫تمثل الحكومة محور السياسات العامة‪ ،‬فهي التي تقوم بتنفيذ القوانين وإدارة المرافق العامة‬
‫(السياسات العامة) (‪.)25‬‬
‫وبفضل التعديالت الدستورية لسنة ‪ 2011‬التي أعادت النظر في مؤسسة رئيس الحكومة ومؤسسة‬
‫الحكومة ذاتها‪ ،‬أعيدت لهذه األخيرة المكانة الالئقة بها‪ ،‬وأصبحت الجهاز الفعلي المسؤول بشكل مباشر‬
‫عن القطاع العام والسياسات العامة‪.‬‬
‫تتمتع السلطة التنفيذية في المغرب كما هو الشأن في عدة نظم سياسية أخرى‪ ،‬بصالحيات واسعة‬
‫على حساب السلطة التشريعية في مجال إعداد السياسات العامة (‪ .)26‬فالعالم اليوم كما عبر عن ذلك جيمس‬
‫أندرسون يعيش «مرحلة هيمنة التنفيذية» (‪ ،) 27‬وفيها تكون الهيمنة للسلطة التنفيذية في رسم وتنفيذ‬
‫السياسات العامة‪.‬‬
‫وعودة إلى دستور ‪ 2011‬نجد أنه يميز بين ثالث اختصاصات؛ األولى تتعلق برئيس الحكومة‪،‬‬
‫والثانية بالحكومة ككل‪ ،‬والثالثة تلك التي يتعين عرضها على مجلس الوزراء‪.‬‬
‫فالفصل ‪ 91‬يمنح لرئيس الحكومة حق التعيين في الوظائف المدنية في اإلدارات العمومية‪ .‬وكذا‬
‫الوظائف السامية بالمؤسسات والمقاوالت العمومية‪ .‬لكن مع عرض هذه التعيينات على أنظار المجلس‬

‫(‪-)22‬حسب الفصل ‪ 71‬من الدستور يختص البرلمان بالتشريع في ميادين عديدة‪ :‬الحقوق والحريات األساسية المنصوص عليها في التصدير‪ ،‬ونظام‬
‫األسرة‪ ،‬والحالة المدنية‪ ،‬ومبادئ وقواعد المنظومة الصحية‪ ،‬ونظام الوسائط السمعية البصرية والصحافة بمختلف أشكالها‪ ،‬والعفو العام‪ ،‬والجنسية‪،‬‬
‫ووضعية األجانب‪ ،‬وتحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها‪ ،‬والتنظيم القضائي وأحداث أصناف جديدة من المحاكم‪ ،‬والمسطرة المدنية والمسطرة‬
‫الجنائية‪ ،‬ونظام السجون‪ ،‬والنظام األساسي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬والضمانات األساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين‪ ،‬ونظام مصالح‬
‫قوات حفظ األمن‪ ،‬ونظام الجماعات الترابية‪ ،‬ومبادئ تحديد دوائرها الترابية‪ ،‬والنظام االنتخابي للجماعات الترابية‪ ،‬والنظام الضريبي‪ ،‬والنظام القانوني‬
‫إلصدار العملة ونظام البنك المركزي‪ ،‬ونظام الجمارك‪ ،‬ونظام االلتزامات المدنية والتجارية‪ ،‬وقانون الشركات والتعاونيات‪ ،‬والحقوق العينية وأنظمة‬
‫الملكية العقارية العمومية الخاصة والجماعية‪ ،‬ونظام النقل‪ ،‬وعالقات الشغل والضمان االجتماعي‪ ،‬وحوادث الشغل واألمراض المهنية‪ ،‬ونظام األبناك‬
‫وشركات التأمين والتعاضديات‪ ،‬ونظام تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت‪ ،‬والتعمير وإعداد التراب‪ ،‬والقواعد المتعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد‬
‫الطبيعية والتنمية المستدامة‪ ،‬ونظام المياه والغابات والصيد‪ ،‬وتحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني‪ ،‬وإحداث‬
‫المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من إشخاص القانون العام‪ ،‬وتأميم المنشآت ونظام الخوصصة‪.‬‬
‫(‪-)23‬حسن طارق‪ ،‬السياسات العمومية في الدستور المغربي الجديد‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال‬
‫جامعية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2012 ،‬ص‪-‬ص‪.37-36 :‬‬
‫(‪ -)24‬الفصل ‪ 87‬من دستور فاتح يوليوز ‪.2011‬‬
‫(‪-)25‬أحمد مصطفى الحسين‪ ،‬مدخل إلى تحليل السياسات العامة‪ ،‬سلسلة الكتاب العلمي التدريسي في العلوم السياسية (‪ ،)1‬المركز العربي للدراسة‬
‫السياسية‪ ،‬مطبعة الجامعة األردنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2002‬ص‪.43 :‬‬
‫(‪ -)26‬كما أسلفنا إليه آنفا‪ ،‬يعتبر مجال السلطة التنظيمية في المغرب أكثر اتساعا من مجال القانون الذي تختص به السلطة التشريعية‪.‬‬
‫(‪ -)27‬جيمس أندرسون‪ ،‬صنع السياسات العامة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عامر الكبيسي‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة األولى ‪،1999‬‬
‫ص‪.58:‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪276‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫الوزاري من أجل التداول فيها (‪.)28‬‬


‫وبخصوص قضايا السياسات العامة التي تبت فيها الحكومة بشكل حصري فهي (‪ :)29‬السياسات‬
‫العمومية والسياسات القطاعية‪ ،‬وطلب الثقة من مجلسي النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها‪،‬‬
‫والقضايا الراهنة المرتبطة بحقوق اإلنسان وبالنظام العام‪ ،‬ومشاريع القوانين (‪ ،) 30‬ومراسم القوانين‪،‬‬
‫ومشاريع المراسيم التنظيمية ومشاريع المراسيم المشار إليها في الفصول ‪ 65‬و‪ 66‬و‪ 70‬من الدستور(‪.)31‬‬
‫وفيما يتعلق بالقضايا التي يتعين عرضها على أنظار مجلس الوزراء قصد المصادقة عليها فهي‬
‫كالتالي (‪:)32‬‬
‫‪-‬السياسات العامة للدولة‪.‬‬
‫‪-‬التوجهات العامة لمشروع قانون المالية‪.‬‬
‫‪-‬المعاهدات واالتفاقيات الدولية‪.‬‬
‫وختاما‪ ،‬يسمح التدقيق في مقتضيات دستور ‪ ،2011‬ذات الصلة بمجال السلطة التنفيذية‪ ،‬بمالحظة‬
‫أن هذا المجال بالضبط هو الذي يعرف أكبر تداخل وتدافع بين سلطات رئيس الدولة وسلطات رئيس‬
‫الحكومة‪.‬‬
‫فرغم أن رئيس الحكومة يعد من الناحية الدستورية المسؤول األول عن تدبير الشأن الحكومي‪ ،‬مما‬
‫يفترض معه مبدئيا‪ ،‬أن تكون صالحياته في مجال السلطة التنفيذية واسعة بالقدر الذي يمكنه من إدارة‬
‫الشأن العام وفق قناعاته السياسية الحرّ ة‪ ،‬فإن‪ ،‬الواقع الدستوري يؤكد أن سلطات رئيس الحكومة في المجال‬
‫التنفيذي‪ ،‬واقعة تحت سلطة أعلى منها‪ ،‬يمكن اعتبارها سلطة ضبط ومراقبة لعمل الحكومة (‪.)33‬‬
‫الفقرة الرابعة‪ :‬األجهزة اإلدارية‪:‬‬
‫ويقصد بها تلك المنظمات اإلدارية والمؤسسات العامة واإلدارات الحكومية البيروقراطية‪ ،‬التي تضم‬
‫أعدادا من المواطنين الحكوميين الذين يمتلكون بها مهارات وخبرات مرتبطة بتأدية مهام الخدمات المدنية‬
‫والمصلحة العامة في المجتمع (‪.)34‬‬

‫(‪ -)28‬الفصل ‪ 49‬من الدستور المغربي‪.‬‬


‫(‪ -)29‬الفصل ‪ 92‬من الدستور المغربي‪.‬‬
‫(‪ -)30‬ما عدا مشاريع القوانين التي يفرض الفصل ‪ 49‬ضرورة التداول بشأنها في إطار المجلس الوزاري ويتعلق األمر بـ‪ :‬مشاريع مراجعة الدستور‪،‬‬
‫ومشاريع القوانين التنظيمية‪ ،‬والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية‪ ،‬ومشاريع القوانين اإلطار‪ ،‬ومشروع قانون العفو الملكي العام‪ ،‬ومشاريع‬
‫النصوص المتعلقة بالمجال العسكري‪.‬‬
‫(‪ -)31‬يتعلق األمر بمراسيم‪ :‬ختم الدورة البرلمانية (الفصل‪ ،)65‬وجمع البرلمان في دورة استثنائية‪ ،‬ثم ختم هذه الدورة (الفصل ‪ ،)66‬واتخاذ‪ ،‬في ظرف‬
‫محدود من الزمن ولغاية معينة‪ ،‬تدابير يختص القانون عادة باتخاذها (الفصل‪.)70‬‬
‫(‪-)32‬الفصل ‪ 92‬من الدستور المغربي‪.‬‬
‫(‪-)33‬سمير بلمليح‪"،‬رئيس الدولة ورئيس الحكومة في دستور ‪ ،"2011‬مجلة مسالك‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،20-19‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،2012‬ص‪.16:‬‬
‫(‪-)34‬فهمي خليفة الفهداوي‪ ،‬السياسة العامة منظور كلي في البنية والتحليل‪ ،‬عمان‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2001‬ص‪:‬‬
‫‪.217‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪277‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫وعلى الرغم من النظرة التقليدية التي كانت شائعة في العلوم السياسية حول الدور اآللي أو اإلجرائي‬
‫للنظام اإلداري في تنفيذ السياسات العامة وعدم مشاركة اإلدارة في صنعها‪ ،‬فإن هناك إجماعا على تدخل‬
‫البيروقراطيين والمؤسسات اإلدارية في صياغة ومناقشة السياسات وبطرق مختلفة‪ ،‬بل أن هناك من يرى‬
‫بأن اإلدارة قادرة على صنع السياسة مثلما هي قادرة على إعاقتها (‪.)35‬‬
‫ويرجع الدور البارز للجهاز اإلداري في صنع السياسات العامة إلى‪:‬‬
‫‪ -‬كونه الجهة التي تملك المعلومات عن قضايا السياسات والجوانب الفنية المتعلقة بتنفيذ تلك السياسات (‪.)36‬‬
‫‪ -‬نقص الخبرة الفنية ألفراد السلطة التشريعية‪ ،‬الذين غالبا ما يفوضون األجهزة اإلدارية صالحيات واسعة‬
‫تمكنها من رسم سياسات واتخاذ قرارات مهمة لها مفعول من حيث التأثير واألهمية والنطاق مثل القضايا‬
‫المتعلقة بالدفاع‪ ،‬والتلوث‪ ،‬والطرق السريعة‪ ،‬والسكك الحديدية‪ ،‬والعالقات الخارجية وغيرها (‪.)37‬‬
‫وباإلضافة إلى الدور المباشر في صنع السياسات العامة خاصة التنفيذية منها‪ ،‬تمثل األجهزة اإلدارية‬
‫مصدرا أساسيا لمقترحات التشريعات (السياسات) في األنظمة السياسية مثل الواليات المتحدة وبريطانيا‬
‫(وكثير من الدول النامية) التي تعتمد على خبراء اإلدارة بدرجة كبيرة (‪.)38‬‬
‫الفقرة الخامسة‪ :‬السلطة القضائية‬
‫يتباين دور الجهاز القضائي في عملية صنع السياسات العامة من نظام سياسي إلى آخر بحسب‬
‫األهمية التي تعطى لهذا الجهاز ودرجة استقالليته (‪.)39‬‬
‫وبالنسبة للمغرب‪ ،‬يتدخل القضاء في صنع السياسات العامة من خالل األدوار التالية‪:‬‬
‫أوال‪ -‬دور الرقابة على دستورية القوانين‪ :‬تحال على المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية بموجب الفصل‬
‫‪ ،132‬قبل إصدار األمر بتنفيذها‪ ،‬واألنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل‬
‫الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور‪.‬‬
‫كما تب ّ‬
‫ت هذه المحكمة‪ ،‬في مطابقة القوانين واالتفاقيات الدولية للدستور‪ ،‬إذا تمت إحالتها عليها من‬
‫طرف الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين‪ ،‬أو خمسة أعضاء‬
‫من مجلس النواب أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين (‪.)40‬‬
‫ويضاف إلى كل هذا‪ ،‬إمكانية الدفع بدستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية‪ ،‬وذلك إذا دفع أحد‬

‫(‪ -)35‬جيمس أندرسون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60:‬‬


‫(‪ -)36‬أحمد مصطفى الحسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.235 :‬‬
‫(‪-)37‬جيمس أندرسون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60:‬‬
‫(‪-)38‬أحمد مصطفى الحسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.237 :‬‬
‫(‪ -)39‬من المعلوم أنه ال توجد دولة يلعب فيها القضاء دورا في رسم السياسة العامة كما هو الحال في أمريكا‪ .‬فالقضاة يلعبون دورا كبيرا في تفسير‬
‫السياسات العامة أو من خالل مراجعة النصوص أو تعديلها حين تفرض عليهم لتقديم المشورة‪ ،‬سواء تعلق األمر بمضمون السياسة العامة أو تطبيقها‪.‬‬
‫لمزيد من التوضيح حول دور القضاء األمريكي في رسم السياسات العامة في الواليات المتحدة األمريكية راجع‪ :‬جيمس اندرسون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪ 61‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ -)40‬الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 132‬من الدستور‪.‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪278‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫األطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع‪ ،‬يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور (‪.)41‬‬
‫وبنا ًّء على هذه اإلحالة يمكن إحداث تعديلها على مضمون السياسات العامة (القوانين‪ ،‬االتفاقيات‪)...‬‬
‫أو إلغائها حسب طبيعة هذه االستشارة‪.‬‬
‫إن السلطة القضائية بهذا المعنى تعتبر بمثابة رقيب قضائي على السياسة العامة من خالل قيامها‬
‫بالمراجعة الدائمة والمنتظمة للقوانين المعبرة عنها لضمان شرعيتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬تفسير وتوضيح المقصود من السياسات العامة‪ :‬يلعب القضاء بمختلف أنواعه دور الوسيط بين‬
‫واضعي السياسة العامة وبين مطبقيها من خالل التوضيح والتفسير السليم والقانوني للمقصود من السياسات‬
‫العامة‪.‬‬
‫وبالتالي يغدو رأي المحاكم والقضاء‪ ،‬إما متجاوبا أو معرقال أو مبطال لبعض السياسات اإلدارية‬
‫والقرارات التنفيذية‪ ،‬من خالل أحكام القضاء وقرارات المحاكم الصادرة نحوها (‪.)42‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الفاعلون غير الرسميين‬
‫ال تنحصر عملية صنع السياسات العامة في مشاركة األطراف الرسمية‪ ،‬بل هناك أطراف أخرى‬
‫(غير رسمية) تشارك وتؤثر في هذه العملية مثل جماعات الضغط‪ ،‬واألحزاب السياسية والمواطنين (الرأي‬
‫العام) ووسائل اإلعالم وغيرها‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬جماعات الضغط‪:‬‬
‫تسمى كذلك بالجماعات المصلحية‪ ،‬وتعرف بأنها‪« :‬مجموعة من األفراد يلتقون في أهداف‬
‫وخصائص معينة يسعون إلحداث التأثيرات المطلوبة في السلوك الذي يتخذه صانع القرار تجاه قضاياهم‬
‫ومطالبهم‪ ،‬وتوجيهه لتحقيق مصالحهم المشتركة» (‪.)43‬‬
‫وتشمل جماعات الضغط (المصلحية) مكونات عديدة من قبيل‪ ،‬النقابات العمالية والجمعيات‬
‫االجتماعية والدينية واالتحادات المهنية وغيرها‪ .‬إذ تسعى هذه الجماعات للتأثير على أطراف صنع القرار‬
‫لالهتمام بقضاياها ومشاكلها ودفعها التخاذ مواقف أو قرارات لها صفة السياسات العامة لخدمة أهدافها‬
‫وتحقيق مصالحها‪ ،‬لما تتمتع به من القوة المستمدة من العالقات المتنوعة والمتداخلة مع راسمي السياسات‬
‫العامة (‪.)44‬‬
‫وترتهن قدرة هذه الجماعات على التأثير في السياسات العامة بعوامل عديدة مثل‪ :‬حسن التنظيم‬
‫ومهارة قادتها‪ ،‬وحجم مواردها المالية والمادية‪ ،‬ومكانتها االجتماعية‪ ،‬وحضور أو غياب الجماعات‬

‫(‪ -)41‬الفصل ‪ 133‬من الدستور المغربي‪.‬‬


‫(‪ -)42‬غزالن بن موسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.123 :‬‬
‫(‪ -)43‬إبراهيم درويش‪ ،‬النظام السياسي‪ :‬دراسة فلسفية تحليلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1968‬ص‪.201:‬‬
‫(‪ -)44‬العزاوي‪ ،‬وصال نجيب‪ ،‬السياسات العامة‪ :‬حقل معرفي جديد‪ ،‬مركز الدراسات الدولية بجامعة بغداد‪ ،2001 ،‬ص‪.62:‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪279‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫المعارضة أو المنافسة لها‪ ،‬ونمط اتخاذ القرارات في النظام السياسي بوجه عام (‪.)45‬‬
‫وتعتمد جماعات الضغط على وسائل عديدة إليصال مطالبها وإدراجها ضمن األجندة السياسية‬
‫لصناع السياسات العامة الرسميين‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬التأثير على الرأي العام‪ ،‬واستمالته للضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالحها‪ ،‬أو‬
‫تحييده على األقل لتمرير مشاريعها بدون معارضة تذكر (‪)46‬؛‬
‫‪ -‬وجود من يمثلها لدى الجهات الرسمية عند مناقشتها للوائح ومشاريع السياسات العامة (‪)47‬؛‬
‫‪ -‬التفاوض والمساومة مع السلطة السياسية بهدف الوصول إلى حلول مقبولة؛‬
‫‪ -‬التحريض على اإلضرابات والمظاهرات‪ ،‬حسب الظروف السياسية وقوة هذه الجماعات وإمكانياتها (‪.)48‬‬
‫ويعتبر البعض وجود هذه الجماعات دليال على انبثاق النظام الديمقراطي في دولة معينة‪ ،‬بحيث ال‬
‫تخلو أية دولة‪ ،‬تحسب على الصف الديمقراطي‪ ،‬من هذه الجماعات‪ ،‬الهادفة إلى التخلص من كل العقبات‬
‫المسطرية التي تضعها القوانين في وجهها؛ فهي تركز على قضايا محددة أو ترتبط بقطاعات واضحة‪،‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تكتسب القدرة على توفير المعلومات لصناعة السياسات‪ ،‬وطرح البدائل للوصول إلى الحلول (‪.)49‬‬
‫أما بالنسبة للمغرب‪ ،‬فإن جماعات المصلحة لم تصل إلى المستوى الذي وصلته في الدول الغربية‪،‬‬
‫وإن كان تأثيرها باديا ًّ للعيان‪ ،‬يتضح من خالل مالحظة بسيطة للنظام االقتصادي الذي تهيمن عليه شبكة‬
‫من المالك التقليديين المهيمنين على القطاعات الحيوية كالفالحة‪ ،‬والصناعة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬إضافة إلى جماعات‬
‫أخرى ذات طبيعة مصلحية‪ ،‬جهوية أو عرقية‪ ،‬أضحت تعرف تطورا مهما‪ ،‬ومرشحة ألن تصبح أكثر‬
‫قوة‪ ،‬وأكثر تأثيرا في الحياة االقتصادية والسياسية (‪.)50‬‬
‫ومن بين جماعات المصلحة في المغرب نسوق مثال االتحاد العام لمقاوالت المغرب الذي يمثل‬
‫النخبة االقتصادية‪ ،‬والذي استطاع أن يفرض نفسه في عملية صناعة السياسات العامة ببالدنا‪ ،‬خاصة تلك‬
‫المتعلقة بالسياسة الجبائية؛ حيث استطاع أن يعرقل عدة إصالحات جبائية تمس بمصلحته‪ ،‬وفي اآلن نفسه‬
‫الضغط في اتجاه إعمال التعديالت التي تخدم مصلحة المقاوالت والشركات‪ ،‬وذلك بفضل قوة تنظيمه وقوة‬
‫تمثيليته داخل البرلمان وتأثيره على البرلمانيين وأيضا داخل الدواوين الوزارية (‪ .)51‬ويضاف إلى ذلك أنه‬
‫عندما تتم المصادقة على مشروع قانون المالية من طرف البرلمان فإن إجراءات تطبيقه تعود للمجال‬
‫(‪ -)45‬جيمس أندرسون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.64 :‬‬
‫(‪-)46‬عبد القوي خيري‪ ،‬دراسة السياسة العامة‪ ،‬منشورات ذات السالسل‪ ،‬الكويت‪ ،1989 ،‬ص‪.116:‬‬
‫(‪-)47‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.116 :‬‬
‫(‪ -)48‬عزيزة ضميري‪ "،‬الفواعل السياسة ودورها في صنع السياسات العامة في الجزائر"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫الحاج لخضر باتنة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2008-2007‬ص‪.29 :‬‬
‫(‪ -)49‬الطاهر القور‪" ،‬األجهزة الموازية لصناعة القرار االستراتيجي المغربي في مجال الدبلوماسية االقتصادية"‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪ ،‬طنجيس‪،‬‬
‫العدد ‪ ،12‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‪ ،‬طنجة‪ ،‬سنة ‪ ،2013‬ص‪.102:‬‬
‫(‪-)50‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.106 :‬‬
‫(‪ -)51‬يتوفر االتحاد على لجان مختصة للدراسات واالستثمارات االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬تؤهله هذه اإلمكانية ألن يجعل الحصول على كل ما يتعلق‬
‫بالمعلومات اإلحصائية والتقنية الدقيقة التي تقوي مرجعيته في التشاور وإقناع الحكومة والفرق البرلمانية بمواقفه‪ .‬أنظر‪ :‬زكرياء الجزولي‪" :‬مقتربات‬
‫وموضوعات صنع السياسات العامة وآليات تقييمها‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬رسالة لنيل الماستر في العلوم السياسية والقانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سال‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2016-2015 :‬ص‪71:‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪280‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫التنظيمي وفي هذه المرحلة يبرز دور المجموعات المالية واالقتصادية عبر عدة مساطر من المفاوضة‬
‫لتحوير القانون الجبائي‪ .‬وعادة يستفيد بعض الخاضعين للضريبة‪ ،‬باإلضافة إلى دفاع منظماتهم التمثيلية‪،‬‬
‫من دعم حلفائهم داخل اإلدارة التي يمكنها أن تؤول بحرية المقتضيات الضريبية لقانون المالية (‪.)52‬‬
‫وتخضع عملية صنع السياسات العمومية‪ ،‬باإلضافة لجماعات الضغط الداخلية‪ ،‬لمراكز الضغط‬
‫الخارجية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إذ إن هاتين المؤسستين في إطار العالقات المالية التي‬
‫تربطهما بالدولة‪ ،‬تقومان بتصريف توجهاتهما إلى داخل النطاق الجغرافي للبالد‪ ،‬وذلك عن طريق الربط‬
‫بين المساعدات المقدمة للدولة على شكل قروض ميسرة بتنفيذ أجندتها‪ ،‬وهي مدفوعة بطبيعة الحال بمصالح‬
‫لوبيات اقتصادية عالمية (‪.)53‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬األحزاب السياسية‪:‬‬
‫تؤثر األحزاب السياسية في صناعة السياسات العامة سواء كانت داخل السلطة أو خارجها؛ ففي‬
‫الحالة األولى تعمل على رسم السياسة العامة طبقا للتوجهات الفكرية والفلسفية التي تؤمن بها‪ .‬وفي الحالة‬
‫الثانية تعمل على تبني المطالب الشعبية وتقديم البدائل والحلول الملبية لها من أجل كسب التأييد الجماهيري‬
‫والرفع من حظوظها في الوصول إلى السلطة في االنتخابات المقبلة‪.‬‬
‫وعموما فإن األحزاب السياسية سواء كانت خارج السلطة أو داخلها‪ ،‬ترتبط فعاليتها في التأثير في‬
‫السياسة العامة تبعا لنوعية األنظمة السياسية التي تعكس للبنية الشكلية للنظام الحزبي القائم في المجتمع‪،‬‬
‫حيث هناك ثالثة نظم حزبية شائعة وهي (‪:)54‬‬
‫‪ -‬نظام التعدد الحزبي‪ :‬أي السماح بوجود أحزاب سياسية أخرى متعددة القوى والتيارات‪.‬‬
‫‪ -‬نظام الحزبين‪ :‬أي هناك حزبان رئيسيان‪ ،‬تنضوي فيهما بقية األحزاب األخرى‪ ،‬مثلما هو موجود في‬
‫بريطانيا وو‪.‬م‪.‬أ‪.‬‬
‫‪ -‬نظام الحزب الواحد‪ :‬أي عدم السماح بوجود أحزاب أخرى سوى الحزب الحاكم‪.‬‬
‫وفي المغرب بعد أن ظلت وظيفة األحزاب تتحدد في تكوين النخب الشعبية التي ال يطلب منها تحمل‬
‫مسؤوليات السلطة‪ ،‬ولكن التعاون مع العرش الذي يعتبر أسمى سلطة لألمة (‪ ،)55‬أصبحت بموجب التعديل‬
‫الدستوري لسنة ‪ 2011‬تضطلع بمهام تدبير الشأن العام والمساهمة في التعبير عن إدارة الناخبين‬
‫والمشاركة في ممارسة السلطة‪ ،‬على أساس التعددية والتناوب‪ ،‬بالوسائل الديمقراطية‪ .‬وفي نطاق‬
‫المؤسسات الدستورية (‪.)56‬‬
‫(‪ -)52‬يمكن الرجوع في هذا الموضوع لـ‪ :‬محمد عبد الرحمان النوى‪" :‬الجماعات الضاغطة بالمغرب‪ ،‬االتحاد العام لمقاوالت المغرب نموذجا"‪ ،‬رسالة‬
‫لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬عين الشق الدار البيضاء‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪ ،2002-2001‬ص‪ -‬ص‪.57-53:‬‬
‫(‪-) 53‬محمد الصابري‪ ،‬إشكاالت صناعة القرار العمومي بالمغرب‪ ،‬سلسلة الدراسات السياسية والدستورية (‪ ،)1‬إشكاالت صناعة القرار العمومي‬
‫بالمغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2018‬الرباط‪ ،‬ص‪.433:‬‬
‫(‪ -)54‬عبد المعطي عساف‪ ،‬مقدمة إلى علم السياسة‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬عمان ‪ ،1999‬ص‪ -‬ص‪.205-204 :‬‬
‫)‪(55‬‬
‫‪-Dahaibi Mustafa: «évaluation du système politique et élections au Maroc depuis l’indépendance» ، thèse du‬‬
‫‪doctorat du 3 cycle en sociologie électorale, université Lyon II, novembre 1981,P:83.‬‬
‫(‪ -)56‬الفصل ‪ 7‬من دستور فاتح يوليوز ‪.2011‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪281‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫وستتعزز المكانة الدستورية كذلك‪ ،‬لألحزاب السياسية المغربية‪ ،‬بموجب الفصل ‪ 47‬من الدستور‬
‫الذي بنص على أن رئيس الحكومة يعين من طرف الملك من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات‬
‫أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها‪.‬‬
‫والمالحظ أنه بالرغم من محاولة دستور ‪ 2011‬إعادة هيكلة مجال اشتغال األحزاب السياسية‬
‫بخالف الدستور السابق؛ إال أنه يبقى مكرسا لخطاطة التراتبية القائمة على التمثيلية األسمى للمؤسسة‬
‫الملكية التي ال تقبل أي وسيط بين الملك ورعيته‪ .‬والتي من المفترض أن تقوم بها األحزاب السياسية التي‬
‫رسمت لها أدوارا في مستوى أدنى من ذلك (‪.)57‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬المواطنون‬
‫يتمثل دور المواطنين في صنع السياسات العامة من خالل التأثير في مجرى السياسات العامة؛‬
‫فالفاعلون الرسميون يكونون مضطرين في كثير من األحيان لضمان شعبيتهم وضمان تصويت المواطنين‬
‫لهم‪ ،‬عبر االهتمام بالتوجهات العامة أو ما يعرف بالرأي العام‪.‬‬
‫وال يمثل الرأي العام بالضرورة رأي األغلبية‪ ،‬بل يمكن أن يمثل رأي الفرد أو مجموعة من األفراد‬
‫تجاه قضية معينة‪ ،‬ليتطور ويتسع بالتفاعل واالتصال ليكون رأيا عاما لشريحة واسعة من المجتمع (‪.)58‬‬
‫يستطيع الرأي العام (المواطنون) التأثير في السياسات الحكومية من خالل العديد من اآلليات التي‬
‫تعبر عن توجهاته وأولوياته من بينها‪ :‬األحزاب السياسية‪ ،‬الجماعات الضاغطة‪ ،‬جماعات المصالح‬
‫واإلعالم‪...‬إلخ‪ .‬إضافة إلى استعمال آلية االنتخابات للضغط على صناع القرار وإجبارهم على تغيير‬
‫سياساتهم أو تبني سياسات يفضلها الجمهور الناخب (‪.)59‬‬
‫وباإلضافة إلى الدور الترافعي الذي يقوم به المواطنون في دفع الصناع الرسميين للسياسات العامة‬
‫في تبني هذه السياسة أو تلك‪ ،‬عملت الدول على تضمين دساتيرها آليات تشاركية تمكن المواطن من‬
‫المساهمة في صناعة السياسات العامة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للمغرب الذي خول دستوره لفاتح يوليوز‬
‫‪ 2011‬للمواطنين إمكانية حق تقديم‪:‬‬
‫‪ -‬ملتمسات في مجال التشريع (‪.)60‬‬
‫‪ -‬عرائض إلى السلطات العمومية (‪.)61‬‬
‫كما يمكن للمواطنين تقديم عرائض إلى مجالس الجهات‪ ،‬والجماعات الترابية األخرى‪ ،‬تهدف إلى‬

‫(‪ -)57‬عبد اإلله السطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪130:‬‬


‫(‪ -)58‬صادق األسود‪ ،‬الرأي العام‪ :‬ظاهرة اجتماعية وقوة سياسية‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار الحرية للطباعة والنشر‪ ،1993 ،‬ص‪.79:‬‬
‫(‪ -)59‬هشام زغاشو‪"،‬صنع السياسات العامة من منظور توزيع السلطة وعالقتها بالرأي العام في األنظمة المفتوحة"‪ ،‬مجلة البحوث والدراسات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،10‬سنة ‪ ،2015‬ص‪.94 :‬‬
‫(‪-)60‬بموجب الفصل ‪ 14‬من دستور ‪ 2011‬وذلك وفق الشروط والكيفيات التي يحددها القانون التنظيمي رقم ‪.64-14‬‬
‫(‪-)61‬بموجب الفصل‪ 15‬من دستور فاتح يوليوز ‪ 2011‬وذلك وفقا للشروط والكيفيات التي يحددها القانون التنظيمي رقم ‪.44-14‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪282‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫مطالبة هذه المجالس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصاتها ضمن جدول أعمالها (‪.)62‬‬
‫ويساهم المواطنون كذلك في صنع السياسات العامة عبر هيئات للتشاور تحدثها السلطات العمومية‬
‫بغرض إشراك مختلف الفاعلين االجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها (‪.)63‬‬
‫في الختام نخلص إلى أن عملية صنع السياسات العمومية‪ ،‬والتي تمر بعدة مراحل بدءا باإلعداد‬
‫وانتها ًّء بالتقييم‪ ،‬تخضع لتدخل عدة فاعلين ينتمون ألجهزة وقطاعات مجتمعية متعددة (سياسية وإدارية‬
‫وقضائية‪ ،‬قطاع خاص‪ ،‬مجتمع مدني ‪ .)...‬كما أن السياسات العمومية المنتجة هي استجابة مباشرة للمشاكل‬
‫المجتمعية‪ ،‬وهو ما يفرض ضرورة إيالء عملية بلورتها األهمية الالئقة لضمان إنتاج سياسات عمومية‬
‫ناجعة وقابلة للتنزيل على أرض الواقع‪ ،‬وقادرة على تجاوز المعضالت التي يعانيها المجتمع‪.‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪-‬الكتب‪:‬‬
‫‪-‬إبراهيم درويش النظام السياسي‪ :‬دراسة فلسفية تحليلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1968 ،‬‬
‫‪-‬أحمد مصطفى الحسين‪ ،‬مدخل إلى تحليل السياسات العامة‪ ،‬سلسلة الكتاب العلمي التدريسي في العلوم السياسية (‪ ،)1‬المركز‬
‫العربي للدراسة السياسية‪ ،‬مطبعة الجامعة األردنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2002‬‬
‫‪-‬أحمد مصطفى الحسين‪ ،‬مدخل إلى تحليل السياسات العامة‪ ،‬سلسلة الكتاب العلمي التدريسي في العلوم السياسية (‪ ،)1‬المركز‬
‫العربي للدراسة السياسية‪ ،‬مطبعة الجامعة األردنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2002‬‬
‫‪-‬العزاوي‪ ،‬وصال نجيب السياسات العامة‪ :‬حقل معرفي جديد‪ ،‬مركز الدراسات الدولية بجامعة بغداد‪2001 ،‬‬
‫‪-‬جيمس أندرسون‪ ،‬صنع السياسات العامة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عامر الكبيسي‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.1999‬‬
‫‪--‬حسن طارق‪ ،‬السياسات العمومية في الدستور المغربي الجديد‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة‬
‫مؤلفات وأعمال جامعية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة‪.2012‬‬
‫‪ -‬دليل تحليل السياسات العامة‪ ،‬المنجز من طرف مركز جامعة والية نيويورك للتنمية الدولية‪ ،‬المتعاقد مع الوكالة األمريكية‬
‫للتنمية الدولية إلدارة مشروع دعم أعمال البرلمان‪ ،‬سنة ‪.2007‬‬
‫‪-‬صادق األسود‪ ،‬الرأي العام‪ :‬ظاهرة اجتماعية وقوة سياسية‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار الحرية للطباعة والنشر‪1993 ،‬‬
‫‪-‬عبد القوي خيري‪ ،‬دراسة السياسة العامة‪ ،‬منشورات ذات السالسل‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪-‬عبد المعطي عساف‪ ،‬مقدمة إلى علم السياسة‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬عمان ‪.1999‬‬
‫‪-‬فانسون لوميو‪ ،‬دراسة السياسات العامة‪ :‬الفاعلون وسلطتهم‪ ،‬ترجمة عبد المالك احزرير وفريد خالد‪ ،‬منشورات كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬عدد ‪ ،36‬سنة ‪.2004‬‬
‫‪-‬فهمي خليفة الفهداوي‪ ،‬السياسة العامة منظور كلي في البنية والتحليل‪ ،‬عمان‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪،2001‬‬
‫‪ -‬مصطفى بن شريف‪ ،‬التشريع ونظم الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬منشورات الزمن‪ ،‬سلسلة الوعي القانوني‪ ،‬العدد األول‪،‬‬
‫مطبعة بني أزناس‪ -‬سال‪ ،‬المغرب‪ ،‬سبتمبر ‪.2015‬‬
‫‪-R Dye (T) et Le SAGE (J): «La révolution tranquille» Saint-Laurent, édition du trépané , 1984‬‬

‫(‪ -)62‬الفصل ‪ 139‬من دستور فاتح يوليوز ‪.2011‬‬


‫(‪ -)63‬الفصل ‪ 13‬من دستور فاتح يوليوز ‪.2011‬‬
‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪283‬‬
‫المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب‬

‫‪SHARKANSKY (I): «Policy analyses in political science», Chicago Markham, 1970.‬‬


‫‪-‬القوانين‬
‫‪-‬الدستور المغربي لفاتح يوليوز‪.2011‬‬
‫‪-‬القانون التنظيمي رقم ‪ 44-14‬بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية‪.‬‬
‫‪-‬المقاالت‬
‫‪-‬سمير بلمليح‪"،‬رئيس الدولة ورئيس الحكومة في دستور ‪ ،"2011‬مجلة مسالك‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،20-19‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬سنة ‪،2012‬‬
‫‪-‬فاطمة الزهراء هيرات‪ "،‬الملكية المغربية والسياسة الخارجية"‪ ،‬مجلة مسالك‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،22-21‬سنة ‪ ،2012‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة الدار البيضاء‬
‫‪-‬محمد الصابري‪ ،‬إشكاالت صناعة القرار العمومي بالمغرب‪ ،‬سلسلة الدراسات السياسية والدستورية (‪ ،)1‬إشكاالت صناعة‬
‫القرار العمومي بالمغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪.2018‬‬
‫‪-‬هشام زغاشو‪"،‬صنع السياسات العامة من منظور توزيع السلطة وعالقتها بالرأي العام في األنظمة المفتوحة"‪ ،‬مجلة البحوث‬
‫والدراسات اإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،10‬سنة ‪2015‬‬
‫‪-Jean Claude Thoeening :«Politique publiques, dans: laure Bousagnet, Sophie Jacquet, Pouline‬‬
‫‪Ravient, dictionnaire des politique publiques ; 2émé édition, Paris ;presse de science Po, 2006,‬‬
‫‪-‬األطروحات والرسائل الجامعية‪:‬‬
‫‪ -‬إسماعيل سفالي‪ ،‬دور الخطب الملكية في اإليحاء التشريعي قانون األسرة واألحزاب السياسية نموذجا‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬الموسم الجامعي‪.2012-2011 ،‬‬
‫‪ -‬زكرياء الجزولي‪" ،‬مقتضبات وموضوعات صنع السياسات العامة وآليات تقييمها‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬رسالة لنيل الماستر في‬
‫العلوم السياسية والقانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سال‪ ،‬السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪2016-2015‬‬
‫‪ -‬عزيزة ضميري‪ "،‬الفواعل السياسة ودورها في صنع السياسات العامة في الجزائر"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في‬
‫العلوم السياسية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر باتنة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2008-2007‬‬
‫‪ -‬محمد عبد الرحمان النوى‪" ،‬الجماعات الضاغطة بالمغرب‪ ،‬االتحاد العام لمقاوالت المغرب نموذجا"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬عين الشق الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2002-2001‬‬
‫‪-‬الطاهر القور‪" ،‬األجهزة الموازية لصناعة القرار االستراتيجي المغربي في مجال الدبلوماسية االقتصادية"‪ ،‬مجلة القانون‬
‫واالقتصاد‪ ،‬طنجيس‪ ،‬العدد ‪ ،12‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‪ ،‬طنجة‪ ،‬سنة ‪2013‬‬
‫‪-Dahaibi Mustafa: «évaluation du système politique et élections au Maroc depuis‬‬
‫‪l’indépendance» , thèse du doctorat du 3 cycle en sociologie électorale, université Lyon II,‬‬
‫‪novembre 1981.‬‬

‫مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل– المجلد الرابع– العدد الثامن‪ -‬ماي ‪2020‬م‬

‫‪284‬‬

You might also like