Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
مجهول المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم وبه استعين الحمدلله رب العالمين واشهد ان ل اله ال الله وحده لشريك له
واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى اله وازواجه وذريته كما صليت على ابراهيم
وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اما بعد فهذا مجموع في علم الطب نافع ان شاء الله تعالى جمعته
تذكرة لنفسي ولمن الله الله تعالى من ابناء جنسي واعلم ان علم الطب على قسمين القسم الول
يبحث فيه عن امور كلية الثاني يبحث فيه عن امور جزئية وهذا المجموع انما كنت قصدت فيه الى
القسم الثاني ولكنني احببت ان ابتدأه بجملة من القسم الول تتعلق بتحقيق بعض مسائله وايضاح
مطالبه وربما احوجني طلب اليضاح واتمام المقاصد وكشف التعرض لما ليس من هذا العلم ولكن له
به ارتباط وتعلق في الجملة ثم ان الكلم انجر معي وطال فيما يتعلق بنفس النسان وبدنه حتى يخرج
بي عن المقصود فرأيت ان اسمي هذا الكتاب كتاب النسان لذلك وللمناسبة المشار اليها في حد هذا
العلم والله سبحانه وتعالى هو الملهم والموفق لرب سواه ول نعبد ال اياه ول بد من اشارة لطيفة
ان حد كل شيئ هو القول الشارح لمعناه الكاشف عن الى حد هذا العلم وموضعه وغايته .اعلم
حقيقته وان موضوع كل علم مايبحث في ذلك العلم عنه وغايته مايحصل لمتعلمه بعد علمه وقد حد
بعضهم هذا العلم بانه علم يبحث فيه عن بدن النسان من جهة مايصح ويمرض للتماس حفظ الصحة
وازالة المرض قلت وليس هذا الحد شامل لما ذكروه في الكليات من العناصر فالقوى النفسية وغير
ذلك فالتحقيق على مقتضى ماذكروه ان يقال هو علم يتعرف به ذات النسان نشوا وصحة ومرضا
وكيفية حفظ الصحة عليها وردها اليه فموضوعه ذات النسان ومباديها وغايته العلم بكيفية حفظ
الصحة عليه وردها اليه ولما كان النسان جملة مجموعة من جسد جسماني ونفس روحاني وكان
محتاجا في بقائه الى مايغذو بدنه ويخلف عليه عوض مايتحلل منه جعلت هذا الكتاب قسمين القسم
الول ثلثة مقاصد المقصد الول في تحقيق النفس ومبدأها على رأي بعض الراسخين مستغفرا الله
تعالى من الخوض في ذلك مفوضا علمه اليه ومعتقدا ان تحقيقه لديه المقصد الثاني في تحقيق الجسد
ومباديه وتشريح اعضائه والرواح المنبثة فيه التي هي متعلق النفس وكيفية ادراك النفس للمحسوسات
بواسطة تلك الرواح المقصد الثالث في كيفية انطباخ الطعام في البدن ووصوله الى اعضائه عضوا
عضوا وتغذيتها به بالقوى التي اعدها الله سبحانه وتعالى لذلك وافاضها على البدن من النفس وانما
قدمت الكلم على النفس ومبدأها لكونها اقدم من الجسام كما سعرفه ولن في الكلم على الجساد
مايحتاج الى معرفة النفوس واما القسم الثاني من الكتاب ففي العلوم الجزئية التي كنت قاصدا
اليها اول فاقول اما المقصد الول من القسم الول فاعلم ان نفس النسان نور روحاني وجوهر
رباني حي بالذات علم بالقوة فعال بالطبع افاضه الباري تعالى من النفس الكلية على البدن بعد اصلح
قوامه وتعديل مزاجه ليدبره ويقوم بمصالحه قال الله تعالى ) ثم سواه ونفخ فيه من روحه ( وفي اية
اخرى ) فاذا سويته ونفخت فيه من روحي ( وقيد الباري جل وعل النفس بالبدن وربطها به بعلقة
عشقية وحكمة الهية نشير الى شيئ منها في المقصد الثاني ان شاء الله تعالى فمالت اليه واقبلت عليه
تدبر وتقوم بمصالحه واستغرقت في احواله حتى نسيت ذاتها واغفلت حقيقتها واعتقدت انها عين البدن
ليس لها حقيقة غبره فتعينت النفوس الجزئية وتغايرت وتكثرت بابدانها وتكيفت بما اكتسبته من اعمالها
حتى اذا فارقت البدان بالموت فارقتها متعينةبتلك الكيفيات حاملة لما اكتسبته من الهيئات ان خيرا
فخير وان شرا فشر ولشدة ارتباط النفس بالبدن واتحادها به واستغراقها فيه صار كل منهما ينفعل عن
انفعال الخر ويتاثر بتاثره حتى ان النفس امرا يسوٌءها وتخافه خوفا شديدا فان بدنها يتاثر وتحدث له
الرعشة وتغير اللون ونحو ذلك وربما حدث بسبب ذلك المراض الشديدة المزمنة وان البدن اذا عرض
كان قدماء الحكماء يستعملون في له مرض شديد فان نفسه تتاثر وتضعف قواها وافعالها ولهذا
مداواة البدان اللت المؤثرة في النفوس خاصة كالموسيقى واستخرجوا لذلك الة تسمى العود وجعلوا
لها اربعة خيطان على الطبائع الربع مختلفة الغلظ والصوات بحسب النسبة التي بين الركان الربع
على ماقيل فاخذ تلك الخيطان وهو ادقها يسمى الزير وصوته حار يابس فهو مماثل لركن النار ونغمته
مناسبة لحرارتها وحدتها فهي تفعل في النفوس وتؤثر فيها الحرارة واليبوسة فتقوي خلط الصفراء وتزيد
في قوتها وتاثيرها والخيط الثاني يسمى المثنى مثل الول وثلثه في الغلظ والصوت وصوته حار
رطب فهو مماثل لركن الهواء ونغمته مناسبة لرطوبة الهواء ولينه فتقوي خلط الدم وتزيد في قوته
وتاثيره والخيط الثالث ويسمى المثلث مثل الثاني وثلثه في الغلظ والصوت وصوته بارد رطب فهو
مماثل لركن الماء ونغمته مناسبة لرطوبة الماء وبتريده فهي تقوي خلط البلغم وتزيد في قوته وتاثيره
وتضاد خلط الصفراء وتكسر حدتها والخيط الرابع ويسمى البم مثل الثالث وثلثه في الغلظ والصوت
وصوته بارد يابس فهو مماثل لركن الرض ونغمته مناسبة لثقل الرض وغلظها فهي تقوي خلط السوداء
فاذا الفت هذه النغمات في اللحان وتزيد في قوته وتاثيره وتضاد خلط الدم وتسكن فورانه
المشاكلة لها واستعملت تلك اللحان في اوقات الليل والنهار للمراض المضادة لطبيعتها واصغت نفوس
المرضى اليها وتاثرت عن طباعها تاثرت ابدانهم ايضا عن تاثر نفوسهم ورجع مزاجها الى العتدال
ان سائر النفوس الحيوانية واعلم لنكسار صورة المراض وسكونها والله سبحانه وتعالى اعلم
متعلقة بابدانها مرتبطة بها مستغرقة في تدبيره متحدة بها على النحو المذكور في النفوس النسانية
لنها كلها قوى افاضها الله تعالى من النفس الكلية فينبغي لنا ان نتكلم على النفس الكلية ونبين
مبداها وافعالها على رأي بعض الراسخين من العلماء الربانيين والحكماء المتألهين وانا استغفر الله
تعالى من الخوض في ذلك معتقدا انه ليعلم ذلك على الحقيقة ال الله تعالى ومن شاء الله تعالى من
خلقه وان جميع العالم وما اشتمل عليه فعله وتكوينه يتصرف فيه وبه ومنه بقواه وكلماته على مقتضى
مراده وحكمته فاقول بناء على ذلك ان النفس الكلية جوهر بسيط روحاني حي بالذات علم بالقوة
محرك للهيولي فعال بقوة الله تعالى السارية فيه من العقل فهو الملك العظم الذي افاضه الباري جل
وعل من العقل وهو قابل للصور والفضائل والقوى من العقل دفعة واحدة بل زمان لكن على الترتيب
المحكم والوجه الحكم بارادة الله عزوجل وكلمته المطاعة واما العقل فهو جوهر بسيط روحاني
ابسط من النفس حي بالذات علم بالفعل مقبل على الله تعالى وليغفل عنه طرفة عين وهو نور
مجسطي في غاية التمام والكمال ابتدعه الباري جل وعل بكلمته المكونة من غير شيئ وفيه صور جميع
الشياء كما يكون في فكر العالم صور المعلومات وهو اول موجود ابتدعه الباري تعالى عند جميع
الحكماء وغيرهم من الخائضين في ذلك ال بعض الصوفية ثم بعده النفس الكلية فهي دونه في الرتبة
وبعد النفس الكلية ودونها في الرتبة نور اخر روماني افاضه الله تعالى منها يقال له الهيولي الول وهو
جوهر بسيط روحاني ليس بعالم ول فاعل بل قابل لتاثير النفس منفعل لها قابل منها بالصور والشكال
بالزمان شيئا بعد شيئ بارادة الله تعالى وقوته السارية وكلمته المكونة كما يقبل التلميذ من الستاذ
وهذا الجوهر بمنزلة الظل للنفس وفيه يظهر الصور الروحانية اذا حلت فيه لنقصان جوهره بخلف جوهر
العقل والنفس واول صورة قبلها الهيولي الول من النفس صورة البعاد والطول والعرض والعمق فكان
بذلك جسما مطلقا عاريا عن سائر الكيفيات وهو الهيولي وهو محل العالم ومكانه الذي تحدد به وهو
حامل لجميع الصور الجسمية محمول للهيولي الول والهيولي الول محمول للنفس الكلية ظل لها
والنفس الكلية محمولة للعقل والعقل محمول لكلمة الله تعالى فالموجودات منسوبة الى الله تعالى
نسبة الكلم الى المتكلم وقيل نسبة العلم الى العالم وقيل نسبة العدد الى الواحد وقيل نسبة الصنعة
الى الصناع والصح الول ولما دام الفيض بكلم الباري تعالى على العقل ومن العقل على النفس علقت
النفس على الجسم المطلق بارادة الله تعالى ففعل الله تعالى بها فيه الكيفيات والعناصر وصور فيه
ا ُ
لكر والصور حتى اكمله ثم حرك افلكه فمخض اركانه فكون منها المولودات الثلث كل ذلك بالقوة
التي اظهرها من النفس الكلية وانما علقت حركة الفلك باستواء الله تعالى وتجليه على العرش بناء
على ظاهر القران قال الله تعالى ) الذي خلق السموات والرض ومابينهما في ستة ايام ثم استوى على
الله ( وقال تعالى ) ان ربكم الذي خلق السموات والرض ومابينهما في ستة ايام ثم استوى على
العرش يدبر المر ( والعرش محيط بسائر الفلك بدليل حديث ابي ذر الثابت في الصحيحين ان
الشمس حين تغرب تذهب حتى تسجد تحت العرش ثم تستاذن في الطلوع ولعل سجودها عند غاية
ان الباري جل وعل ايد انحطاطها بالنسبة الى الظاهر من الرض والله سبحانه وتعالى اعلم واعلم
النفس الكلية وامدها بقوتين ساريتين منها في جميع الجسام من لدن الفلك المحيط الى منتهى مركز
الرض احدى القوتين فعالة والخرى علمة فبالقوة الفعالة يصور الله تعالى في الهيولي الذوات
الجسمية ويكملها ويهيئها القبول لقبول القوة العلمة وبالقوة العلمة يكمل ذواتها بما يظهر من
فضائلها من حد القوة الى حد الفعل من العلوم والخلق وبحسب قبول شخص شخص وليست واحدة
من القوتين مفارقة للخرى بل ساريتان سريانا واحدا في العالم ولكن قبول العلمة ل يكون ال بعد
تمهيد الفعالة وامدادها الجسم لقبول العلمة بالتدريج غالب فللنفس بارادة الله تعالى في كل شخص
من اشخاص الفلك وماتحت الفلك الى مركز الرض قوة مختصة به مدبرة له مظهرة فيه افعاله افعالها
كما ان افعالها مظهرة لفعال العقل فافعال العقل مظهرة لفعال الله تعالى وتلك القوة تسمى نفسا
جزئية لذلك الشخص قال الله تبارك وتعالى ) وان من شيئ ال ويسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم
( وقال تعالى ) الم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الرض ( الى غير ذلك وتسبيح كل
شيئ وسجوده وجميع اوصافه على حسب حقيقته والفلسفة والطباء يقولون ان تلك النفوس المتعلقة
بالفلم هم الروحانيون الموكلون بحفظ العالم وتدبير الخلئق وادارة الفلك وجريان الكواكب وتصاريف
ماتحت الفلك من تلك النفوس والقوى طبيعة الكون والفساد وحكماء الدهور والزمان ويسمون
السلم يقولون ان تلك النفوس السماوية هم المعنيون في الكتب اللهية بالملئكة والمل العلى وعند
الله ) الذين ليعصون الله ما امرهم ويفعلون مايؤمرون ( ويقولون ان طبيعة الكون والفساد الملئكة
ايضا موكلون بالكون والفساد واعلم ان جميع النوار العقلية والشخاص الجسمية وماتعلق بها من
القوى والنفوس ومايظهر فيها وبها ومنها انما هي تاثيرات الله تعالى اوجدها عن ارادته بكلماته والله جل
وعل واحد كامل من كل وه على الطلق فكما ليعجز عن شيئ ول يخفى عليه مسموع ول مبصر ول
شيئ من المحسوسات ول من المعقولت لنها كلها افعاله وهو الفاعل لها وفيها وبها ومنها فل يغيب عنه
شيئ منها ول هو يغيب عنها وليغفل طرفة عين لن العوارض محال اذ لفاعل غيره وذاته غير قابلة
للنقائص فلزمته اوصاف الكمالت كلها بل حد ول غاية لن متقابلتها نقائص فكماله مطلق من كل وجه
وبذلك تعينت الذات الكاملة لللوهية فالله سبحانه وتعالة واحد ل حد لكماله فل نهاية لفعاله ومع علو
قدرته وعظم سلطانه يدنو ويتجلى لعباده في الخرة لكن في صورة ثبت في الصحيحين وغيرهما فان
حقيقته ليبقى مع ظهورها بذاتها شيئ اصل كما ثبت ايضا انه لو كشف الحجب لحرقت سبحات وجهه ما
انتهى اليه بصره من خلقه لكن سبحانه وتعالى يتجى كما يريد لمن يريد على حسب قابليته ومايليق
بحقيقته فسبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون والجاهلون علوا كبيرا لرب سواه ول نعبد ال اياه
وليكن هذا خاتمة المقصد الول المقصد الثاني من القسم الول في تحقيق جسد النسان
ومباديه وتشريح اعضائه والرواح المنبثة فيه التي هي متعلق النفس وكيفية ادراك النفس للمحسوسات
بواسطة تلك الرواح جسد النسان جسم حيواني على مزاج صالح لتعلق النفس النسانية به فخرج
جسم المعدن والنبات وباقي الحيوانات فانها غير صالحة لتعلق النفس النسانية بها بل صالحة لتعلق
النفس المعدنية والنباتية والحيوانية لن التعلق بحسب القابل الذي كونه الله تعالى بالقوة الفعالة نقصا
وكمال ولذلك تعينت النفوس واختلفت اسماؤها وان كان الصل واحد وسيأتي في التشريح بيان اجزاء
جسد النسان العظام والعصاب والعروق وغير ذلك واما مباديه التي تكون منها فاقربها الخلط
الربعة الصفراء فالدم فالبلغم والسوداء وهذه الخلط الربعة متكونة عن العناصر الربعة النار والهواء
والماء والتراب والركان الربع بل جميع اجزاء العالم متكونة عن الكيفيات الربع الحرارة والرطوبة
والبرودة واليبوسة والكيفيات الربع هن حركة الهيولي الحامل للعالم الجسمي وسكونه فاذا تحركت
اجزاء الهيولي جميعا تولدت الحرارة واليبوسة واذا سكنت كلها تولدت البرودة واليبوسة واذا تحرك
البعض وسكن البعض تولدت الرطوبة واذا اجتمعت الحرارة واليبوسة في محل واحد كانت صورة النار
والحرارة والرطوبة فصورة الهواء والبرودة والرطوبة فصورة الماء والبرودة واليبوسة فصورة الرض
واذا نزعت هذه الصورة من الهيولي صارت الهيولي ساذجة لكيفية فيها فلنوضح ذلك على رأي
بعض الراسخين فاقول ان الحق سبحانه وتعالى اذا حرك الهيولي بالقوة الفعالة السارية فيها من النفس
الكلية لحركة الغليان بأن أفاض عليها تلك الصورة الغليانية واحلها فيها بتلك القوة فان الصورة النارية
تتقوم بها وتحل في الهيولي فصورة النار المقومة لها على هذا هي حركة اجزاء هيولتها الحامل
لجرمها دفعة واحدة حركة الغليان ويتبع ذلك الصورة النارية ويتممها صورة الحرارة ويتبع الحرارة صورة
اليبوسة ويتبع اليبوسة تماسك الجزاء ولكن من لطف الله تعالى بعباده ورحمته لهم ان جعل الهواء
مانعا للنار من الفراط في اليبوسة لئل تتماسك اجزائها وتجف كما يجف نار الصاعقة ولو جفت النار
التي عندنا لماسرت في الجسام وانضجتها ولقل النتفاع بها فلله تعالى الحمد دائما وابدا ومن الصورة
المتممة لذات النار ايضا اللطافة والتي تولد فيها الحرارة ويتلو اللطافة سرعة النفوذ في الجسام ومن
الصور المتممة لذات النار ايضا النور ويتلوه الشراق فقد اجتمع في جرم النار عدة صور وهي تفعل
بكل صورة منها خلف ماتفعله بغيرها فبالحركة تتعلق بالجسام وتثبت فيها وباللطافة تنفذ فيها
وبالحرارة تسخنها وتحيلها الى ذاتها وباليبوسة تنشفها وبالنور تضيئ ماحولها واما الصورة المقومة
فهي سكون جميعاجزاء هيولتها الحامل لجرمها دفعة واحدة ويتبع صورة السكون لذات الرض
ويتممها صورة البرودة ويتبع البرودة صورة اليبوسة ويتبع اليبوسة صورة تماسك الجزاء رحمة من الله
للمولودات الكائنات من المعدن والنبات والحيوان لتثبت على ظهورها واعلم ان اليبوسة نوعان يبوسة
تابعة للحرارة فجة غير نضيجة ولهذا كانت يبوسة الياقوت ونحوه فاضلة لتتغير ول تستحيل لنها تابعة
للحرارة المعدنية التي طبختها وانضجتها بخلف يبوسة الثلج والجليد والملح ونحو ذلك فانها رذلة
مستحيلة متغيرة لنها تابعة للبرودة ومن اجل هذا صار تماسك الجرام الفلكية في غاية الشدة لن
تماسك اجزائها من شدة يبوستهاويبوستها لغلبة اليبوسة عليها وصار تماسك الجزاء الرضية الترابية
يستحيل ويتغير ويفسد بادنى سبب لنه من اليبوسة الرذلة الغير نضيجة المتولدة من البرودة المتولدة
الهواء وذات الماء جميعا فهي حركة بعض الجزاء وأما الصورة المقومة لذات من السكون
وسكون بعضها دفعة واحدة ال ان الجزاء المتحركة في الهواء اكثر من الساكنة وفي الماء بالعكس
ويتبع صورة المتزاج المذكور ويتولد عنها صورة الرطوبة لن اليبوسة لما كانت متولدة من تحرك
الجزاء كلها او سكونها كلها دل ذلك على ان الرطوبة متولدة من امتزاج الجزاء المتحركة بالساكنة لن
الرطوبة ضد اليبوسة فقد تبين بما ذكر ان الهواء مشاكل للنار بكثرة اجزائه المتحركة اللطيفة وقلة
اجزائه الساكنة الغليظة فحرارته غالبة على رطوبته ولذلك صار مركزه مما يلي مركز النار وان الماء
مشاكل للرض بكثرة اجزائه الساكنة الغليظة وقلة اجزائه المتحركة اللطيفة فبرودته غالبة على رطوبته
ولذلك صار مركزه مما يلي مركز الرض وانه يصح ان يقال عنصر النار حار يابس وعنصر الهواء حار
رطب وعنصر الرض بارد يابس وعنصر الماء بارد رطب واعلم ان هذه العناصر الربعة يستحيل
بعضها الى بعض ويتركب بعضها مع بعض على وجوه كثيرة ويكون من اختلف تراكيبها صور كثيرة ل
تنحصر حتى قيل ان صورة العالم الجسمي علويها وسفليها جميعها من هذه الركان الربعة ويتبع تلك
الصور الثابتة الجوهرية صور اخر عرضية ل تنحصر وقوى نفسية على حسب مايليق بذلك المركب
وماتقتضيه صورته ويقبله مزاجه من الفيض النفسي الساري في العالم من النفس الكلية باذن الله
تعالى فان تعلقه بالجسام انما يكون على حسب قبولها وماتقتضيه صورها ولهذا تعينت النفوس المتعلقة
بها واختلفت اسماؤها وان كان اصلها واحدا فقد تبين واتضح ان جميع اجزاء العالم انما هو صور
روحانية متركبة متحاملة بعضها على بعض الصورة الحاملة وهيولي للمحمولة والمحمولة صورة في
الحاملة وكلها كيفيات حالة في الكمية المعبر عنها بالجسم المطلق وبالهيولي الثاني والكمية صورة
روحانية حالة في الهوية المعبر عنها بالهيولي الول والهوية ظل النفس الكلية وهو ظل روحاني وظلمة
تزد النوار والصور التي تشرق عليها من النفس الكلية والنفس الكلية نور أفاضه الله تعالى من العقل
والعقل نور ابتدعه الله تعالى واوجده بكلمته المكونة واذا اراد الله تعالى تحليل تلك الصور وقبضها
وانتزاعها من الهيولي الولي وابطل العالم الجسمي ال المبادئ المجردات وسيكون ذلك اذا اراد الله
تعالى خراب العالم كما قال الله تعالى) يدبر المر من السماء الى الرض ثم يعرج اليه في يوم كان
مقداره الف سنة مما تعدون ( وقال تعالى ) وكانت الجبال كثيبا مهيل ( وقال تعالى ) واذا الجبال
نسفت ( وقال تعالى ) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( وقال تعالى ) فكانت هباًء منبثا ( وقال )
وسيرت الجبال فكانت سرابا ( الى غير ذلك فهذه اليات ونحوه تدل على تحليل العالم الجسمي بانتزاع
صورة صورة بعد صورة والمثال في ذلك ان القميص صورة في الثوب فالثوب هيولي حامل صورة في
القطن والقطن هيولي حامل له والقطن صورة في النبات والنبات هيولي حامل له والنبات صورة في
الركان الربعة التي هي النار والهواء والماء والرض والركان هيولها له وكل من الركان صورة في
الجسم المطلق المعبر عنه بالكمية والهيولي الثاني والكمية صورة في الهيولي الول المعبر عنه بالهوية
وبالظل والهيولي الول نور روحاني قابل لظهور الصور افاضه الله تعالى من النفس الكلية كما ان
النفس الكلية نور افاضه الله تعالى من العقل فالعقل نور اوجده الله بكلمته المطاعة وكذلك الخبز
صورة في العجين والعجيبن هيولي حامل له والعجين صورة في الدقيق والدقيق هيولي حامل له
والدقيق صورة في الحب والحب هيولي حامل له والحب صورة في النبات والنبات هيولي حامل له
والنبات صورة في الركان الربعة والركان هيولي حاامل له وكل من الركان صورة في الجسم المطلق
والجسم المطلق هيولي حامل له والجسم المطلق هيولي حامل له والجسم المطلق صورة في الهيولي
الول وكذلك السكين صورة في الحديد والحديد هيولي حامل له والحديد صورة في الزئبق والكبريت
والزئبق والكبريت هيولي حامل له وكل من الزئبق والكبريت صورة في الركان الربعة والركان هيولي
حامل له وكل من الركان الربعة صورة في الجسم المطلق والجسم المطلق صورة في الهيولي الول
وكذلك الحيوان صورة مركبة من نفس روحاني وبدن حيواني فنفسه قوة من النفس الكلية وبدنه صورة
في اجزائه التي تركب منها كالعظام فالعصب ونحو ذلك وتلك الجزاء هيولي حامل لهاوالعظام ونحوها
صورة في الخلط الربعة التي هي الصفراء والدم والبلغم والسوداء والخلط هيولي حامل لها وكل من
الخلط الربعة صورة في الركان الربعة والركان هيولي حامل له وكل من الركان صورة في الجسم
فقس المطلق والجسم المطلق هيولي حامل لها والجسم المطلق صورة في الهيولي الول
ماقصدته من تحقيق امر العناصر وجميع المبادئ على رأي بعض الراسخين وفي ذكر ذلك كلم كثير
واقاويل متقاربة ومتباعدة لرغبة لي في ذكر شيئ منها ال ماذهب اليه الحكيم بيناس صاحب الطلسمات
والعجائب فانه جعل حدوث العناصر وتحولها بالزدواج والتوالد فاحببت ايراد كلمه على المبادئ
والعناصر مختصرا لما فيه من زيادة الحكمة قال بيناس رحمه الله تعالى الخالق جل وعل فرد ثم
مبدأ المخلوق فجعله زوجا لتعرف وحدانيته وربوبيته ولبد للمخلوق من علة وال كان فردا وعلته ليست
متصلة به وال كانت مخلوقة مثله ول منفصل عنه وال فليت اذا ً بعلة و ل يجوز ان يكون الخالق تعالى
علة ماخلق لن العلة لبد ان تشبه المعلول من وجه تخالفه من وجه والخالق تعالى ل يشبه المخلوق
بشيئ فالعلة غيره لمحالة وهي على ماوصفنا من شبه الخلق في نحو وخلف في نحو وكلم الله تعالى
اعلى واعظم واجل من ان يكون شيئا مما تدركه الحواس لنه ليس بطبيعة ول جوهر ول حار ول بارد
ولرطب وليابس ولكن به كان ذلك كله فالعلة اذا كلم الله تعالى وامره وقد عجز الخلئق ان يدركوا
كلم الله تعالى وماليش في هذا العالم وانما قويت عقولهم ان يدركوا ما اتصل بهم في خلقتهم من
جميع العالم لنهم من العالم والعالم منهم فهم ينالون منه بقدر مافيهم من الفعل والعقل واقول ان
خلق من قول الله تبارك وتعالى ليكن كذا وكذا فكانت هذه الكلمة علة الخلق كله وسائر
خلق ُ
اول ما ُ
الخلق معلول فهذا ابتداء الزواج وهي الخلق والعلة وقال قبل ذلك في باب معرفة الخالق قد ذكرنا
نحن معاشر الحكماء ان الخالق جل وعل خلق العداد وسأذكر من ذلك ماينبغي ذكره فنخبر ان الخالق
تبارك وتعالى كان ازليا قبل فاراد ان يخلق الخلق فقال ليكن كذا فكان ما اراد بكلمته فأول الحدث
كلمة الله تعالى المطاعة التي كانت بها الحركة فكانت الكلمة على المخلوق التام بل سبب يعني بل
مادة ثم قال متصل بكلمه الول واول ما احدث بعد كلم الله عزوجل العقل فدل العقل على الحركة
ودلت الحركة على الحرارة فكان هذا هو البتداء الول في الخلق المعلولة ثم لما انقضت الحركة جاء
السكون فدل السكون على البرد تنبيه قد يتوهم ان كلم بليناس مخالف لما قدمته عن بعض الراسخين
والحقيقة لمخالفة وعالم المر متقدم على عالم الخلق وكلم بليناس رحمه الله يدل على ذلك فانه قال
ان اول ما احدث الله عزوجل فكلمه العقل فبحدوث العقل حدثت النفس والهيولي الول كلمح البصر
لن النفس فائضة عن العقل فهي نور منعكس منه والهيولي مع النفس كالنفس مع العقل لنها ظله
فبمجرد حدوث العقل حدثت النفس والهيولي بغير زمان كالضوء مع الشمس والظل مع الشخص قال
الله تعالى ) وما امرنا ال واحدة كلمح بالبصر ( ولما حدثت الحركة التي دل عليها العقل قبلها الهيولي
الول فظهرت للحس فكان مبلغ ما انتهت اليه الحركة وارتفعت اليه عن الوسط ووقعت عنده حد
الجسم العالم ومنتهاه فان بليناس ذكر ان الحركة اخذت صعدا يعني عن الوسط الذي صار مركزا للعالم
قال لجل الحرارة التي حدثت فيها كان يعني ان الحامل للحركة حدث فيه حرارة والحامل هو الهيولي
الول الذي هو صورة للوجود وهويته فقد ظهر انه لمخالفة وان مبدأ عالم المر العقل الول وان مبدأ
عالم الخلق الذي هو عالم الجسام كلها الحركة التي تولدت عنها الحرارة ولما كان العرش منتهى
الجسام كلها ومحدودها ظهر لنا مما تقرر ان الحاجز بين الروحانيات العالية وبين الجسمانيات وقد صرح
بعض الراسخين ان بعضه روحاني وبعضه جسماني فهو مظهر لما يفاض على الهيولي من اسرار
الملكوت ومهيئها في عالم الجبروت وفي كلم بليناس ايضا ان الحر لما صار له اعلى واسفل خارجه
في المافي جوفه فبرد فدل هذا الكلم على ان العرش كان على الماء قبل خلق السموات والرض كما
ذكر الله تعالى وان العرش متقدم على الماء بالزمان والله سبحانه وتعالى اعلم بفعله ومراد بليناس
بهذا الماء الماء الذي من الجوهر الول الذي ليس فيه تركيب خلقة كما يتضح قريبا ان شاء الله تعالى
قم قال ان التقطيع الذي كان في الجوهر الول كان يعني مبلغ ما انتهت اليه الحركة ارتفاعا عن الوسط
لم يكن فيه تركيب وكان شبه الولدة الحقية فلما فلما وقع التركيب الثاني وقع ولدة الخلقة وكان ذلك
في مقدار ثمانية واربعين ساعة وكان البتداء الول في مثل ذلك وذلك ان الحر في الجوهر الول
عطف على البردكان من ذلك ازدواج فدل الحر على التذكير ودل البرد على التانيث لن الحر فاعل
والبرد مفعول به فلما ازدوجا ولد بينهما مولودان هما اللين واليبس فانزع اليبس الى البرد وانزع اللين
الى الحر فدخل اليبس في البرد لشبهه به ودخل اللين ف يالحر لشبهه به فحصل بذلك ازدواج اخر
فكان اليبس ذكرا للبرد والبرد انثى له وكان الحر ذكر اللين واللين انثى له وذلك ان الحر ذكر ابدا
حيثما كان والبرد انثى ابدا حيثما كان فلما ولدا ولدا ولدين مختلفين فدل انهما ذكر وانثى ايضا فلم
يذهب الذكر الى الذكر ول النثى الى النثى ولكن ذهب الذكر الى النثى والنثى الى الذكر لما تعرفه
قريبا فصار هذا باردا يابسا وهذا حارا لينا ولم يحدث لهما ولدة لن تزويجهما عقيم وانما يكون التزويج
الذي منه تكون الولدة اذا كان مثل تزويج الحر والبرد فهما مختلفان متفقان لن كل واحد منهما يطال
الخر ويستغيث به من نفسه كما يستغيث الرجل بالمراة م نفسه وتستغيث المراة بالرجل من نفسها
فاما اليبس فليس فيه من طباع البرد ال ماخفي وكذلك اللين من الحر بهذه المنزلة وانما خرج هذان
من حر ومن برد لن الحر الرجل والبرد المرأة فلما جامعها حص انحلل فكان من ذلك النحلل لين
فدخل في الحر فلما مضى كل اللين من البرد فدخل في الحر بقى البرد يابسا فصار فيه اليبس وكان
ذلك بمنزلة الولدة لن اللين واليبس كانا باطنيين خفيين حتى اظهر معهما الحر والبرد ثم جات مجامعة
اخرى وهي مجامعة الحر اللين للبارد اليابس فلما جامع الحر اللين البارد اليابس ولدا ولدين فكان
احدهما باردا والخر حارا يابسا وذلك ان الحار اللين والبارد اليابس لما اجتمعا واختلطا صارا شيئا واحدا
فيه حر وبرد ولين ويبس واختلطا اختلطا شديدا ثم انفصل لن النقطاع في اصل السوس ) اي الطبع (
فلما انفصل لم ينقطعا اجزاء ولكن تقطع ذلك الشيئ بولدة التفصيل لنه كان تزويجا تاما فلما وجد
البارد الرطب والحار اليابس والبارد اليابس والحار الرطب قامت اربعة ازواج من ذلك كله واستقرت
الولدة فلم تزد ولم تنقص لن في الربعة تمام الضداد كلها فلما زوجت وصارت طبائع وملك كل واحد
منها نفسه وحصره حده بخلفه اخذت في التعادي والتباين لتمام الخلقة واستمام بناء هذا العالم الكبير
وقال بليناس ايضا في الكلم على امتزاج المهات انما امتزجت الشياء بالقرابة التي بينها وتنافرت
وتباينت بالتضاد وان الطبائع الربع انما امتزت وتمت بمعونة بعضها بعضها وذلك ان الحر استعان باللين
على اليبس واستعان اليبس بالبرد على الحر فاستكن الحر بالبرد فلما تقاوما التحما فدخل كل واحد
منهما في صاحبه وائتلف به فظهر الحر واليبس على اعله بلطافته ودقته فصار نارا فهذه علة النار
فاما علة الهواء فاستعان اللين بالبرد على الحر واستعان الحر باليبس على اللين فتقاوما والتحما فكان
منهما الهواء وظهر اللين فهذه علة الهواء فاما علة الماء فاستعان اللين بالحر على البرد واستعان البرد
ياليبس على اللين فلما تقاوما التحما فصار من اجتماعهما الماء وصار برده ظاهرا فهذه علة الماء واما
علة الرض فاستعان اليبس بالحر على البرد فكسره واستعان البرد باللين على اليبس فكسره فلما
تقاوما التحما فصار من اجتماعما ارض وصار ظاهرها يابسا فهذه علة الرض وقال ايضا في اول
الكتاب ان كل شيئ في العالم فمن الطبائع الربع التي هي الحر والبرد والرطوبة واليبوسة وطبائع
الشياء كلها متصلة بعضها ببعض تدور في مدار واحد يجمعها نظام واحد يدور بها فلك واحد فاعلها
متصل باسفلها وادناها متصل باقصاها لنها كلها كانت من جوهر واحد يجمعها طبع واحد لختلف فيه
فلما عرضت فيه العراض وتباينت اجزاء ذلك الجوهر وتفرقت الخلق باختلف تركيب الطبائع اختلفت
الجواهر ووقعت عليها السماء المختلفة لختلف العيان والصور فالجواهر وان كانت مختلفة بالتراكيب
ومنفصل بعضها عن بعض فانها متصلة قابل بعضها بعض متقلب بعضها الى بعض بائتلفها واختلفها
مستدعية اشكالها باتصالها ودافعة اضدادها بخلفها هذا سر العالم ومعرفة اصول الطبائع وقال ايضا
في الكلم على النبات في كون المواليد الثلثة عن العناصر الربعة البسيطة ان ذلك كان عن اجتمعها
على تمام بعد الفتراق وذلك ان النار دخلت في الماء بمعونة الهواء ودخل الهواء في الرض بمعونة
الماء وانحلت الرض بلين الهواء وسخن الماء بحر النار ثم ائتلفت فتولد من اجتماعها وتالفها المواليد
الثلثة وقال ايضا في سبب تزاود هذه العناصر وامتزاج بعضها ببعض اما امتزاج النار الحار اليابس
بالماء البارد الرطب فبواسطة الهواء الحار اللين فقال فيه قد ذكرنا ان سوس النار اللطافة والرقة
وسوس الماء الغلظ والسواد فلما اصابت النار الماء تشبث الماء بها فحصرهافيه فتعلقت حركة النار
بغلظ الماء وتحرك الماء بلطافة النار فصار لطيفا وانقلب عن كيانهما جميعا فصارت النار ماء والماء نارا
وذهبت العداوة التي كانت بينهمابمعونة الهواء المصلح بينهما واعتدل فتولدت من بيهما المواليد على قدر
امتزاج الهواء الحار الرطب بالرض البارد اليابس بواسطة الماء ما امتزجا من القلة والكثرة واما
البارد الرطب فذكر فيه ان الهوائية حركة وخفة دون الرض فاذا اصاب الهواء التراب فخف ثقل الرض
من حركة الهواء وثقل الهواء بالرض ليبسها فحصرته فلما تقاوما امتزجا وذهبت العداوة التي كانت
بينهما فتولدت من بينهما المواليد على قدر ما امتزجا من القلة والكثرة واما امتزاج الهواء بالماء فان
الهواء اذا اصاب الماء حركه وامتزج به فصار الهواء لزما بالماء وصار الماء لزما بالريح وحال كلهما عن
كيانهما فثقل الهواء وخف الماء فكانت ولدة هي اثقل من حركة الهواء واخف من الماء ثم انعقدت
جميعا بطبائعها واستمد كل واحد منها الى نفسه من شكل طبيعته على قدر جوهره فكان ذلك مادة له
وغذاء ليقوى به على ثباته في نشوه في الماء وفي الهواء وفي الرض وعلى تولده حيثما تولد من
الماكن يقوى بما استمد الى طبيعته فيدفع ضد طبيعته ويقاومه بالمادة التي يستمد من طبيعته والطبائع
الربع موصولة بعضها ببعض ظاهرها بباطنها واعلها باسفلها فالباطن من الطبائع يستمد من ظاهره او
ظاهره يستمد من باطنها وكل ذلك على قدر جوهرها وكيانها لئل تتلف فيكون من تلف احدى الطبائع
فساد على الحيوان والنبات والمعادن وقد لخص هذا القول بعض المتاخرين فقال ان الركان اذا
اختلطت جواهرها تقابلت بكيفياتها لنها بموادها منفعلة وبصورها اي كيفياتها فاعلة بعضها في بعض فان
قهرت الواحدة منها ضدها كان القاهر كائنا والمقهور فاسدا كالماء الذي يسخن فيصير هواء والهواء الذي
يبرد فيصير ماء وقال ابو علي ابن سينا ان العناصر الربعة اذا تصغرت اجزاؤها وتماست فعلت
كيفياتها المتضادة بعضها في بعض وكسر كل واحد منها سورة الخر فاذا انتهى لفعل والنفعال الى حد
ما حدث لذلك المركب كيفية مفردة لم تكن في واحد من الركان فتسمى تلك الكيفية الحادثة مزاج
المركب وقال بعضهم ان العناصر الربع ذكران وهما االنار والهواء وانثيان وهما الماء والرض فالنار
ذكر الماء والهواء ذكر الرض والولدة لتكون ال باجتماع ذكر وانثى من الذكر اللقاح ومن النثى الولدة
فتارة تغلب الذكورية فيكون الغالب على المزاج المتولداحد مزاجي الذكرين اما النار واما الهواء تارة
تغلب النوثة فيكون الغالب على المتولد احد مزاجي الثنين اما الماء واما الرض واذا انطبخ الطعام
والشراب في باطن الحيوان تكونت صور الخلط الربعة وقد يحيل الله تعالى الركان بقوته ويكون
منها الخلط كما صنع في ابتداء خلقة الحيوان وخلقة ادم ابي البشر صلى الله تعالى عليه وسلم فلله
الحمد رب الولين والخرين ل رب سواه ول نعبد ال اياه واعلم ان الخلط جواهر سيالة منها كونت
العضاء الول وبها تغتذي وهي اربعة الدم والبلغم والصفراء والسوداء وتولدها في الكبد من صفو
الكيلموس ولطيفه عن الحرارة الطبيعية المعتدلة والكيموس هو الجسم الشبيه بماء الكشك الثخين
المتولد عن فضل قوة المعدة الهاضمة في الماكولت والدم متولد من اجود صفو الكيموس جوهرا
من الطفه جوهرا واحره واحله والصفراء من ابرده وارطبه وألزجه والبلغم واعذبه مزاجا
وادسمه والسوداء من اغلظه جوهرا واقله رطوبة والدم حار رطب في نفسه فهو نظير الهواء من
الستقصات ) السطقسات ( والبلغم بارد رطب في نفسه فهو نظير الماء وهو ابراد من السوداء
وارطب من الدم فهو ابرد من الخلط وارطبها والصفراء حار في نفسه يابس بقياسه الى البلغم والدم
فهو نظير النار وهو احر من الدم فهو احر الخلط والسوداء بارد في نفسه يابس بقياسه الى سائر
الخلط فهو نظير الرض والدم تام النضج معتدل القوام حلو الطعم جدا احمر اللون حمرة قانية ليس
برديئ الرائحة والبلغم نضجه ناقص التام وهو ارق قواما من الدم واقل حلوة واميل الى البياض كانه
دم لم يكمل والصفراء نضجه متجاوز الى التمام الى جانب الفراط قليل وجوهره الطف من جوهر
الدم قليل وقوامه ارق وطعمه حلو الى الحدة والحرافة ولونه احمر حمرة ناصعة وكانه رغوة الدم
وطافيه واسوداء جوهره اغلظ من جوهر الدم وقوامه اثخن وطعمه حلو الى الحموضة ولونه اقتم
واقهب وكانه عكر الدم ودرديه والربعة الخلط متجمعة في تجاويف العروق غير متميز بعضها ن
بعض واكثرها مقدارا الدم يسمى جملة المصبوب في تجاويف العروق دما لنه الكثر ويتلوه في الكثر
البلغم ثم الصفراء ثم السوداء والدم يغذو العضاء اما بمفرده واما مع حصة من خلط اما بلغم كالدماغ
واما صفراء كالرئة واما سواد كالعظام ولذلك صار الدم اذا تولد في الكبد مع سائر الخلط وانفصل عنها
صاعدا في العرق الثابت من محدبها صحبه من كل واحد منها جزء لهذه الضرورة ولمنفعة اخرى اما
الصفراء فتسخن الدم وتلطفه وترقه وتجريه في المنافذ والمسالك الضيقة حيث يحتاج الى ذلك واما
السوداء فتغلظه وتثبطه حيث يحتاج الى ذلك البلغم فليقاوم برطوبته ماتوحيه المحركات العنيفة في
المفاصل ونحوها من الجفاف والذي يفضل منها من القدر الكافي لتلك الضرورات والمنافع اعد الخالق
سبحانه وتعالى لفضل الصفراء منه المرارة ولفضل السوداء الطحال وجعل في كل واحد منهما قوة
جاذبة له لينقي الدم فيسلم من مضار كثيرة فيه ويغتذي كل منهما بما يوافقه منه ومافضل عنه اندفع
اما الصفراء فالى قعر المعدة والمعاء ليجلو ويغسل بحدته مال بد ان يتخلف فيها عن الهظم من
اللزوجات وبقايا الفعال ويحرك بلذعه المعاء وعضل المقعدة للبراز واما السوداء فالى فم المعدة
ليشده ويقويه ويقبضه ويدغدغه بحموضته فينبه قوة الشهوة للطعام واما فضل الخلط البلغمي فلنه
دم بالقوة القريبة لم يعد الخالق له عضوا ينقيه كما اعد للصفراء والسوداء بل اجراه مع الدم ليكون
قريبا من العدا حتى متى انقطع عنها مدد الغذاء الواصل اليها اقبلت عليه بقواها الغريزية فهضمته
القول في واحالته دما صالحا وتغذت به وهذه المنفعة ليشركه فيها واحد من الخلطين الخرين
تشريح بدن النسان عضوا عضوا والرواح والقوى المنبثة فيه وكيفية ادراك النفس
للمحسوسات بواسطة تلك الرواح ..
وهو الجوهر الرطب اللين الذي يحيط به عظام الرأس وهو عضو رئيس منه مبدأ القوى *الدماغ
والفعال النفسية المحركة والمدركة كما ان القلب عضو رئيس مبدأ القوى الحيوانية التي بها الحياة
فمن فسد زاج دماغه بطل ادراكه وعقله ومن فسد مزاج قلبه بطلت حياته ويحيط بالدماغ غشاءان
احدما رقيق لين يلي الدماغ ويغذوه بما فيه من العروق والوراد والخر غليظ صلب يلي العظم كما
سنشرحه ان شاء الله تعالى ويتخلل الدماغ نوعا العروق الساكنة والضاربة لتغذو ولنسخنه وتوصل اليه
الروح الحيواني وينبت من الدماغ النخاع والعصاب المودية عنه قوى التحريك والحساس الى سائر
البطن العضاء وبعض العصابينبت من النخاع لنه نابت من الدماغ والدماغ مقسوم ثلثة بطون
المقدم لتخيل صور المحسوسات بالحواس الخمس وحفظها ومنه تنشئ اعصاب سائر الحواس ومن
القوة المتعلقة به تنبعث سائر القوى الحساسة وفيه منبت الزائدتين التين يشبهان حلمتي الثدي وبهما
والبطن المؤخر لتوهم معاني تلك الصور المحسوسات يكون الشم وهما اصلب من الدماغ قليل
وحفظ تلك المعاني والبطن الوسط لتامل مافي البطنين والتفكر فيه والقوى والفعال النفسية
الصادرة عن الدماغ تكون بصعود الروح الحيواني اليه من القلب وجولنه فيه حتى يتعدل برطوبته ثم
يسرى منه في تلك العصاب الى سائر اجزاء البدن ويتعدل في كل محل بمزاجه الذي اعده الله تعالى
لقبول مايهيئ واعلم ان الكبد اذا طبخت الغذاء ارتقى من لطيف دمه ونقيه وخالصه بخار فعمدت
الطبيعة فهذبت ذلك البخار وجعلته من نوع الروح الطبيعية التي مسكنها الكبد فتمدها وتنفذ في الوردة
مع الدم الى سائر العضاء التي تتصل بها حامل للقوى الطبيعية معه ثم تعمد الطبيعة فتاخذ صافي هذا
البخار الذي هو الروح الطبيعي فتبعث به الى القلب صحبة القلب المنجذب من الكبد الى القلب في
الوريد المتصل به وذلك صافي الدم وخلصته ولطيفه فاذا تعدل ذلك الروح الطبيعي في القلب صار من
نوع الروح الحيوانية التي مسكنها القلب وهي بخار حار لطيفشفاف منبعه التجويف اليسر من القلب
بسر اودعه الله تعالى هناك وذلك ان الدم الحامل للروح الطبيعية اذا انجذب الى التجويف اليمن من
القلب عملت فيه حرارته فيلطف ذلك الدم وتلك الروح فاذا نفذ الى التجويف اليسر وعملت فيهما
حرارة اليسر ايضا وخاصيته زاد لطفهما وصار ذلك البخار روحا حيوانيا قابل لقوة الحياة المنبعثة من
القلب حامل لها ويتغذ بواسطة الشرايين صحبة الدم الى جميع البدن قالوا وهذا الروح الحيواني هو
القابل الول للقوى النفسية ومهما عدم عضو من العضاء هذه الروح صار ميتا وعرض له مايعرض
لبدان الموتى من العفونة والفساد بخلف الروح النفسي كما سيجيئ والقوة المتعلقة به هي التي
تحرك القلب والشرايين بسطا وقبضا قال ابو علي في القانون وتنسب اليها العراض النفسية
مثل الغضب والفرح والغم وما اشبهها لجل مايظهر من حركات حاملها عندها انتهى ثم يبعث القلب
ايضا بصافي هذا الروح الحيواني الممتزج بالهواء الواصل الى القلب من الرئة الى الدماغ في عرقين
بان يصعدان الى الدماغ صحبة الدم فاذا صار الى قلة الدماغ اي اعله انقسم العرقان اقساما شتى ثم
اتصلت تلك القسام وانظم بعضها الى بعض فصار منها غشاًء شبيها بالمشيمة ثم يتفرع من ذلك الغشاء
الى بطنه عروق مما فيه واكثر ثم تنقسم تلك العروق ايضا باقسام شتى ثم يشتبك بعضها ببعض فيصير
منها غشاء شبيه بشبكة الصياد ولهذا يسمى الشبكي ومنفعة الغشاء الغليظ المشيمي ان يقي الدماغ
من العظم وان يلطف فيه تلك الروح ومنفعة الغشاء الرقيق الشبكي ان يغذو الدماغ وان يلطف فيه
تلك الروح ايضا وذلك ان الروح الحيواني يدور في الغشاء المشيمي ويلطف فيه ويرق ثم يهبط الى
الغشاء الشبكي الذي دونه فيدور فيه ايضاحتى يلطف هناك ثانيا ثم يهبط الى الوعائين الذين في مقدم
الدماغ ويمكث هناك حينا حتى يلطف ثالثا وتنقي الطبيعة منه مالطه من الفضول فترمي به الى
المنخرين ويقال لهذا الروح الروح النفسي ولهذا السبب قال جالينوس ان اخلق النفس تابعة لمزاج
البدن ثم ينفذ هذا الروح النفسي بواسطة العصاب النابتة من الدماغ الى اطراف البدن وكل جزء من
البدن ليس فيه شيئ من العصب الذي هو مجرى هذا الروح فل حس له ول حركة كاللحم الخالص
والعظام ومهما عرض لعصاب عضو من اعضاء البدن سدة منعت سريان هذا الروح فان ذلك العضو
يصير افلج لحس له ول حركة وان كان حيا مغتذيا واعلم ان بين هذا الروح والنفس مناسبات لطيفة
فلذلك جعله الله تعالى واسطة لتصرف النفوس اللطيفة النورانية في الجسام الكثيفة الظلمانية قال
صاحب حكمة الشراق والشارح السهروردي مامعناه ملخصان ان النوار المجردة في غاية اللطافة
والنورانية فل تتصرف في ماهو في غاية الكثافة والظلمانية ال بتوسط مناسب ما وذلك المناسب هو
الروح المذكور فان شابه الجرام السماوية في اللطف والشفافة والنورية والقرب من العتدال والبعد
عن التضاد وفيه من الكثافة مايرد النوار ويظهر المثال كالماء فان الروح الحيواني اذا صعد الى الدماغ
وتردد في تجاويفه الباردة اعتدل مزاجه وقل شفيفه وحدث فيه صقالة مرائية بها يصلح لظهور العالم
المثالي والشبح الخيالي كما يظهر ذلك في الماء بل قد شارك العناصر ايضا في كثير من صفاته فشابه
النار والهواء في اللطف والشفافة والحرارة والحركة وشابه الماء في اظهار المثال كما ذكر وشابه
الرض في حفظ الشكال والصور المثالية والخيالية وقد شابه النوار الجسمانية ايضا في اللطافة
والحرارة والحركة فكان هذا الروح جامعا وماكان اكثر جمعا كان اكثر سرا ولما كان هذا الروح اكثر
العنصريات مناسبة للنوار وكان ايضا متوسطا في المرتبة الوسطى بين اللطائف والكثايف لجمعه
صفاتهما صلح لتعلق النور المجرد ولظهور العالم المثالي والشبح الخيالي ولو كان لطيفا في الغاية او
كثيفا في الغاية لما ظهر فيه المثال ولهذا لم يظهر في الهواء مع ان مناسب للنور بالحرارة وسرعة
قبول الحركة ول في الرض مع انها ترد النور وتحفظه واما المتوسط وو الماء فانه يحفظ الشعاع
ويظهر المثال المنير والمستنير ولكنه وان ناسب النور من هذين الوجهين فقد خالفه بالبرد والكثافة فلم
انه لم يناسب النوار شيئ من العنصريات مثل مناسبة هذا الروح يقبل النوار المجردة والحاصل
ومثال الروح الحيوانية في النورانية والشتعال كسراج موضوع في التجويف اليسر من القلب فيتلقى
قلت فعلىة هذا البخارات السارية اليه من اليمن ودهنه الدم المنجذب اليه من الكبد وضوء الحياة
يكون متعلقالنفخ اللهي واثره وسره في التجويف اليسر وكل بخار نفذ اليه من اليمن مع لطيف الدم
الذي هناك اصابه اثره وخاصيته فزادت لطافته فاشتعل لوقته وساعته فصار كالسراج وانتشر ضوءه في
جميع البدن فصار البدن حيا واستمرت حياته باشتعال ذلك البخار ودام اشتعاله بدوام المدد الواصل اليه
من التجويف اليمن وترويحه بالهواء الواصل اليه من الرئة او برطوبة الماء في الحيوانات البحرية والله
تعالى اعلم وكل جزء من هذا الروح في اي عضو كان فانه كسراج هناك ايضا يشعل ولكن لشدة اتصال
النفس بالبدن واتحدها به وغلبة نورها على النوار البدنية ل يحصل لها شعور تام بكل شعلة بل لتصال
النوار بعضها ببعض تخيل ان جميع تلك السرج والشعل سراج واحد وشعلة واحدة وو يميل الى النوار
ويفرح بها للمناسبة وينفر من الظلمات ويستوحش منها للمضادة كما هو شأن النفوس لترى ان
الفراش وغيره من الحشرات تلقي بانفسها الى النار من فرحها بالنور في الظلمة وفي بعض البلدان
يصيدون الوحوش في الليالي المظلمة بانوار شعل يشعلونها فتقصدها كل الوحوش من فرحها بالنور
فيمسكونها قبضا باليد في حال فرحها وغفلتها ودهشتها فلهذه المناسبات والسباب والله تعالى اعلم
لما رأت النفس الحيوانية ضوء سراج البدن تعلقت به للوقت والساعة فصار البدن حيا باذن الله تعالى
مع ان البدن وقواه من اعدى عدوه وليس ذلك باعجب من تحرك الحديد للمغناطيس بالعلقة العشقية
التي بينهما قلت وهذا ل ينافي كون ظهور النفس بالبدن وتدبيرها له تدريجيا بان يكون هناك ميل
واعتماد وارتباط سابق بواسطة قوة النفس الفعالة المهيئة لقوتها العلمة على ماقدمته اول الكتاب
والله سبحانه وتعالى اعلم ولما كان هذا الروح منتشرا في جميع البدن بواسطة الشرايين وتعدل منه
ماتعدل في الدماغ وانتشر ايضا في جميع البدن بواسطة العصاب صارت قوى النفس المدركة
والمحركة منتشرة في جميع البدن لنها محمولة له في الروح وهو الحامل لها فبواسطته تتصرف انفس
في الدن وتعطيه النور وجميع ماتقبله النفس من الجواهر العالية القدسية فانه ينعكس منه على هذا
الروح سر واثر لن هيئات النفس والبدن متنازلة متصاعدة متعد من لك واحد منهما الى صاحبه مايليق
به لشدة الرتباط بينهما والذي به الحس والحركة من هذا الروح هو الذي يصعد منه الى الدماغ ويعتدل
ببرده ويكتسب من النفس السلطان النوري الذي يحس ويحرك ويرجع في العصاب الى جميع العضاء
المدركة والمحركة حامل لتلك القوى فيحصل لها بواسطته الحس والحركة وتصير النفس حاملة للبدن
متصرفة فيه تقيمه وتقعده تدبره وتدرك به صور المحسوسات كل ذلك بتلك القوى وتعرض لها ايضا
العراض من اللذات بتلك القوى وتعرض ل ايضا العراض من اللذات واللم والفراح والحزان ونحو
ذلك لشدة اقبالها عليه وغفلتها عن ذاتها وحقيقة جوهرها حتى اتخذت به وهما فصارت بعد علمها جاهلة
وبعد اطلقها مقيدة لتسمع ال به ول تبصر ال به ول تدرك شيئا من الشياء ال به فلنذكر كيفية ذلك
بهذا الشأن للنفس تعلق شديد بالبدن شبيه بالعشق يفيض منها على العضاء ثلثة قال العلماء
ومنبعها الكبد ويسري في الوردة الى سائر اجزاء البدن اجناس من القوى وهي القوى الطبيعية
والحيوانية ومنبعها القلب ويسري في الشرايين الى سائر اجزاء البدن والنفسية ومنبعها الدماغ
ويسري في العصاب الى سائر اجزاء البدن قلت كلمهم قد يوهم ان القوى الطبيعية انما تفيدها
النفس بعد تعلقها بالروح الحيواني وليس كذلك فان القوى الطبيعية تكون في النطفة بل في النبات
والمعادن فالتحقيق ان تعلق قوى النفوس بالبدان وتدبيرها اياها انما هو تدريجي لما اشرت اليه قريبا
وتقدم بيانه في اول الكتاب واعلم ان كل فعل فعله فاعل قريب منه لمحالة ويسمى قوة وهذا
معنى قولهم القوة سدا الفعل فلنذكر القوى التي في النسان ول نية لي باعادة بعض ماتقدم وابدأ
بالقوى الطبيعية وهي ثمان القوى الجاذبة تجذب مايصلح لغذاء العضو والماسكة تمسكه حتى ينطبخ
والهاشمة تطبخه حتى يصلح لن يكون جزأ ً منه والغاذية تلصق به ليخلف ماتحلل منه والنامية
والمصورة تقدر نهايات البدن مثل الشكال قال ابوعلي تزيد في اقطاره على نسبة مخصوصة
والدافعة تدفع مايفضل من غذائه وماليصلح والمولدة تفصل اجزاء من الغذاء بعد الهضم الخير
فتهيئه لن يكون مادة لشخص اخر ومن الناس من جعل القوى المحركة الختيارية بنوعها من الغضبية
والشهوانية من قسم الطبيعية والمختار انها من قبيل النفسية كما ذكره ابوعلي في القانون وسيأتي
فهي التي تعد البدن لقبول الحياة وافعالها وهي قوة تنبعث من القلب واما القوى الحيوانية
ويحملها جسم لطيف متولد في القلب من لطيف الخلط وبخاراتها وذلك الجسم هو القابل الول
المقوي النفسية ويسمى روحا وقد تقدم شرحه وانه ينفذ بتوسط الشرايين الى جميع البدن ومما عدم
عضو من العضاء هذه الروح لم يستعد لقبول قوة اخرى طبيعية ول حيوانية ول نفسانية بل يصير ميتا
لعل قلت ويعرض له مايعرض لبدان الموتى من العفونة والفساد ذكر ذلك ابو علي في القانون
مراده بعدم هذه الروح ان تعدم بعد وجودها لما قدمته من ان القوى الطبيعية تكون في النطفة بل
تكون في عقد النبات وبزوره وفي احجار المعادن والله تعالى اعلم وتقدم ايضا ان هذه القوى الحيوانية
تحرك القلب والشرايين بسطا وقبضا وتذب اليها العراض النفسانية مثل الغضب والفرح والغمر وما
اشبهها لجل مايظهر من حركات عندها فاما القوى النفسية فتنقسم الى مدركة ومحركة والمدركة
منها حسي وعقلي والحسي ينقسم الى الحس الظاهر والحس الباطن فاما قوى الحس الظاهر
فخمس اتفاقا وهي القوة اللمسة ومجراها في عامة سطح بدن الحيوان بين الجلدين في العصاب
الذائقة ومجراها في الفم وهي في رطوبة اللسان والحلق في العصاب المنفرشة هناك والقوة
ومجراها في المنخرين وهي مستبطنة في الخياشيم الشامة المنفرشة على سطحها والقوة
والزائدتين اللتين بمقدم الدماغ في العصاب المنفرشة على سطحها والقوة الباصرة ومجراها في
العينين وهي مستبطنة داخل الحدقتين في الرطوبة الجلدية وقيل في ملتقى العصبتين المجوفتين
والقوة السامعة ومجراها في الذنين وهي مستبطنة في الصماخين في العصاب المنفرشة على
سطحه واما قوى الحس الباطن فخمس ايضا على المشهور فمنها القوة المتعلقة بمقدم البطن
المقدم من الدماغ وتسمى الحس المشترك يكونها ينبوع سائر القوى الحساسة وجامعة لها منها تنشأ
تلك القوى وفيها تجتمع اخبارها وتنطبع اثارها انطباعا روحانيا بغير زمان ويسميها بعضهم المتخيلة
وخزانتها التي تحفظ ماينطبع فيها من صور المحسوسات تتعلق بمؤخر هذا البطن وتسمى القوة
المصورة والخيال ومنها القوة المتعلقة بمقدم البطن المؤخر وقال ابوعلي بمؤخر الوسط وتسمى
الوهمية لنها تدرك من المحسوسات المصورة في البطن المقدم معاني غير محسوسة كما تدرك
الشاة عداوة الذئب وهي للبهائم كالعقل للنسان وخزانتها التي تحفظ تلك المعاني تتعلق بمؤخر هذا
البطن وتسمى الحافظة ويتعلق بالبطن الوسط قوة واحدة على المشهور وهي اشرف تلك القوى
المفكرة لن شأنها دائما الحركة والتفكر فيما البطنين الخرين تارة بالتركيب كانسان ذي تسمى
والمتفكر في رأسين وتارة بالتخليل كبدن بل رأس الى غير ذلك فهي ل تفتر ول في حالة النوم
الحقيقة هو العقل وهذه الته في التفكر ومن طبيعتها سرعة النتقال من الشيئ الى مايناسبه والمحاكاة
والتمثيل وبها يتذكر النسان مانسي فانها لتزال تفتش في الخزانتين وتنتقل من صورة الى صورة
تقاربها حتى تعثر على الصورة التي منها ادراك المعنى المنسي فيتذكر بواسطتها مانسيه وتكون نسبة
تلك الصورة الى حضور مايقاربها ويتعلق بها نسبة الحد الوسط الى النتيجة اذ بحضوره تستعد لقبول
النتيجة والله اعلم فهذه جملة ماذكره في القوى الظاهرة والباطنة وبعض حكماء السلم انكر
الخزانتين بالدماغ والقوة الوهمية فرجع القوى المتعلقة بالدماغ الى اثنتين فقط الحس المشترك
والمفكرة وقال ان المفكرة هي التي تتوهم المعاني وانه لحقيقة لما زعموه من تفتيشها في الخزانتين
وقال وانما يحصل بافاضة العقول العالية على النفوس الجزئية والله سبحانه وعالى اعلم واعلم انك
اذا بحثت عن هذه القوى كلها وجدتها كلها الت لطلب المنافع ودفع المضار والتجسس على الخبار فل
آلة له وتجتمع اليه وتكون مسخرة له وبسببه ويعبر عن ذلك الصل الذي هذه
بد من اصيل تكون هذه ً
القوى والعضاء الة له بالنفس فلنذكر كيفية ادراك النفس لصور المحسوسات واعلم ان
الت للنفس في البدن المحسوسات اعراض حالة في الجسام مغيرة لمزجة الحواس والحواس
كالذن والنف والعين والحس تغير امزجة تلك اللت وكيفياتها عن مباشرة المحسوسات والحساس
قوى للنفس متعلقة بتلك اللت تنبعث عن القوة المتعلقة بمقدم الدماغ وتسري الى تلك اللت محمولة
للرواح التي في العصاب النابتة من هناك والحساس شعور تلك القوى الحساسة بتغير امزجة تلك
اللت وكيفياتها اذ بشعورها شعور النفس لن جميع تلك القوى ليست شيئا مغايرا للنفس بل فرض انها
عين النفس وحقيقتها وتجمع تلك القوى كلها قوى واحد ةفي البطن المقدم من الدماغ وهي الحس
المشترك الذي تقدم ذكره وذلك ان اللت التي تتعلق بها تلك القوى متصلة كلها بهذا البطن باعصاب
لطيفة لينة ممتلة من الروح النفساني الحامل للقوى النفسية فكل الة تغير مزاجها وتكيف بكيفية من
كيفيات المحسوسات احست القوة المتعلقة بها بذلك التغير فتنطبع صورته الروحانية في الحس
المشترك بغير زمان وتحفظها المصورة مثال ذلك ان القوة اللمسة مجراها سطح بدن الحيوان
الرقيق الجلد فيما بين الجلدين كما تقدم وسطح البدن ليخلو عن قدر مامن الحرارة والبرودة والرطوبة
واليبوسة وغير ذلك من الكيفيات العشرة التي نشير اليها فاذا لقى سطح البدن جسم اخر فان كان
الجسم الملقي للبدن اشد حرارة منه زاده سخونة ما واشد بروده زادة برودة ما فيتغير مزاج سطح
البدن ويتصل ذلك التغير وتلك الستحالة بالقوة اللمسة فتحس به وتنطبع صورته الروحانية في الحس
المشترك فتدركه النفس كل ذلك في لمحة بغير زمان لمتلء العصاب من الرواح الحاملة لقوى النفس
واتصال القوى بمبدئها وينبوعها الجامع لها كاره وهو الحس المشترك حتى كانه المدرك ابتدأ لول ان
ادراكه روحاني لحسي بخلف ادراك تلك القوى المنبعثة منه فانه حسي بدليل ان لتحس شيئا اذا غاب
المحسوس والحس المشترك يدرك الصورة الروحانية المنطبعة فيه ولو غاب المحسوس لن خزانته
المسماة بالمصورة تحفظ تلك الصور الروحانية التي تطبعت فيه فتبقى بصورها محفوظة فيه بعد غيبوبة
المحسوس ومما يجب استحضاره هنا ايضا ماقدمناه من ان جميع الظاهرة والباطنة ليست شيئا مغايرا
للنفس بل تعرض انها عين النفس وحقيقتها ففي الحقيقة المدركة هو النفس لشيئ اخر مغاير لها وان
كان ذلك الجسم مساويا لسطح البدن في الحرارة جميعا فان مزاجه ليغير مزاج البدن ول يؤثر فيه فل
تحس القوة اللمسة بشيئ اصل لن اختلف ادراك القوى الحساسة امر نسبي يتعلق بتغير مزاج البدن
ال ترى ان داخل الحمام يحس بحرارة والبيت الول عند خوله فاذا دخل بيت الحرارة واقام فيه ثم خرج
منه الى البيت الول احس فيه ببرودة ولو انتقل الى كل اخر من بيت الحرارة او دخل شخص الى
المسجد او داره لم يحس بحرارة ذلك المكان ول برودته لنه مساو لمزاجه في ذلك ولكن ل يخلو ايضا
ذلك الجسم الملقي للبدن من ان يكون ارطب منه او ايبس او انشف فان كان ارطب منه زاده رطوبة
ونداوة او ايبس نشف من رطوبته ونداوته وزاده يبسا فتحس القوة اللمسة بذلك التغيير وتلك الستحالة
وتطبع صورته الروحانية في الحس المشترك فتدركه النفس لذلك وان كان ذلك الجسم مساويا للبدن
في هاتين الصفتين فان مزاجه ليؤثر في مزاجه رطوبة وليبوسة فل تحس القوة اللمسة بشيئ من
ذلك اصل ولكن ليخلو ايضا ذلك الجسم الملقي للبدن من ان يكون املس بان يكون وضع الجزاء التي
في ظاهر سطحه كلها في سطح واحد كالمرآة او خشنا بان يكون وضعها متفاوتان بعضها مرتفع وبعضها
منخفض كالمبرد فان كان املس فان اجزائه ترد ماكان من اجزاء البدن ثانيا الى داخل فيصير سطح
البدن املس وان كان خشنا فان اجزائه المختلفة تغوص في البدن فيصير سطح البدن مثلها خشنا
فتحس القوة اللمسة بذلك التغير وتنطبع صورته الروحانية في الحس المشترك فتدركه النفس ويمكن
ان يقال ان النفس ل تدرك الملمسة والخشونة ال اذا حصلت من حركة سطحي البدن والجسم الملقي
له وتحس القوة اللمسة بالجزاء الناتئة من سطح ذلك الجسم الملصق سطح البدن والسطح الملس
ليحصل منه ذلك وقد تقدم قريبا ان ادراك القوة الحساسة امر نسبي يتعلق بتغير مزاج البدن ال ترى
ان النسان اذا وقع يده على ثوب فوجده لينا ثم مسحه على خده فانه يجده خشنا لن خد النسان غالبا
الين مسا من يده وكذلك لو مسح يده على مسح فوجده خشنا ثم مسحه على اسفل رجله فانه يجده
لينا لن الرجل اخشن من اليد واذا صدم بدن النسان جسم اخر فان كان اشد صلبة منه كالحديد فانه
يغمز البدن ويغيره وان كان اشد رخاوة منه كالعجين فان البدن يغمزه ويقعره فتحس القوة اللمسة
بذلك التغير والتقعير وتنطبع صورته الروحانية في الحس المشترك فتدركه النفس كما تقدم وان كان
واما الثقل ذلك الجسم مساو للبدن في الصلبة والرخاوة لم تحس القوة اللمسة بشيئ منهما
والخفة فاعلم ان الله سبحانه وتعالى جعل لكل واحد من العناصر الربعة موضعا مخصوصا ليخرج
منه ال بقاسر يقسره ويخرجه منه فاذا خلي رجع الى مكانه فان منعه مانع وقع التنازع بينهما فان كان
النزوع نحو مركز العالم سمي ثقيل او نحو المحيط سمي خفيفا فالقوة اللمسة تدرك الثقيل بميله
على البدن وغمزه له الى نحو المركز وتدرك الخفيف بميله الى فوق ولكن اذا كان ذلك الجسم في
مكانه الذي خصه الله تعالى به لم تدرك القوة المسة له خفة ول ثقل فانك اذا نفخت قربة وغمزتها في
الماء وجدتها تنازعك بسبب الصعود فاذا ارتفعت على وجه الماء وزالت الممانعة لوصول الهواء الذي
فيها الى مكانه الذي خصه الله تعالى به فلم تدرك القوة لها خفة ول ثقل ولكن يصير الماء مقعرا بالقربة
تقعيرا اما على حسب ثقل الجلد وخفته ويكون ملئ التقعير مايساوي ثقل الجلد وكذلك كل جسم وضع
على سطح الماء كالمركب فان ملئ التقعير ماء مساو لثقل المركب ويختلف ذلك بحسب كيفية الماء
فان السخن اخف من البارد واللطيف اخف من الكثيف والعذب اخف من المالح ال ترى ان البيضة اذا
وضعت في اناء ملن ماء عذبا بلغت القرار لن قدر حجمها من ذلك الماء ل يساوي ثقلها فاذا وضع في
الماء ملح عامت البيضة بنسبة مخصوصة فاذا انطبق سطحها العلى على سطح الماء كان قدر حجمها
من ذلك الماء مساويا لوزنها فاذا وضع في الماء ملح اكثر من ذلك طفت البيضة وظهر منها اكثر مما
كان ظاهرا او هكذا يتزايد ظهورها ويصغر التقعير الذي في الماء بزيادة ملح كل ذلك بالنسبة المذكورة
واما اذا اردت ان ترفع شيئا ثقيل وتعادل بينه وبين شيئ خفيف فابعد الخفيف عن المركز مقدارا زائدا
على بعد الثقيل بنسبة زيادة وزن الشيئ الثقيل على وزن الشيئ الخفيف وعلى هذا عملة الميزان
واما كيفية ادراك القوة الذائقة والله سبحانه وتعالى اعلم المعروفة بالفرسطون وبالقبان
لمحسوساتها التي هي الطعوم التسعة فاعلم ان الجسم الحامل للطعم اذا اتصل برطوبة ما فان ذلك
الجسم يتحلب منه الطعم في تلك الرطوبة وينتشر فيها فيصير مزاج تلك الرطوبة بحسب ذلك الطعم
ان كان حلوا فحلو وان كان مرا فمر وان كان مالحا فمالح وان كان دسما فدسم او حامضا فحامض او
حريفا فحريف او عفصا فعفص او عذبا فعذب او قابضا فقبض فاذا اتصل احد هذه الطعوم برطوبة
اللسان غيرها وصير مزاجها بحسب ذلك الطعم فيتصل ذلك التغير بالعصاب المفروشة على سطح
اللسان والحلق التي هي مجرى القوة الذائقة فيتغير مزاج تلك العصاب فتحس القوة الذائقة بذلك
التغير وتلك الستحالة وتتصل صورته الروحانية بالحس المشترك وتنطبع فيه فيدركها النفس وليس
الحس شيئا اكثر من ان يصير مزاج الحاس مثل المحسوس بالكيفية حسب ول الحساس شيئا سوى
شعور قوى النفض بتغير تلك المزجة واما كيفية ادراك القوة الشامة لمحسوساتها التي هي
الروائح الطيبة والمنتنة اعلم ان الجساد الحاملة للروائح يتخلل منها في دائم الوقات بخارات لطيفة
فتمتزج بالهواء مزجا لطيفا روحانيا فيصير الهواء مثلها في الكيفة طيبا او منتنا والحيوانات التي لها
الرئات تستنشق الهواء دائما لترويح الحرارة الغريزية في القلب فيدخل ذلك الهواء المتكيف في منخريه
ويبلغ الى خياشيمه ويتصل بالزائدتين التين يشبهان حلمتي الثدي في مقدم الدماغ فيصير الهواء الذي
هناك ايضا مثله في الكيفية فيتصل ذلك التغير بالعصاب التي في الخياشيم وفي الزائدتين فيتغير مزاج
تلك العصاب فتحس بذلك التغير القوة الشامة التي مجراها تلك العصاب وتصل صورته الروحانية
بالحس المشترك وتنطبع فيه فتدركه النفس واما كيفية ادراك القوة السامعة لمحسوساتها التي
هي الصوات فاعلم ان الهواء لشدة لطافته وخفة جوهر وسرعة حركات اجزائه يتخلل جميع الجسام
التي في عالمنا وهي فيه كالسمك في الماء فاذا صدم جسم جسما اخر نسل ذلك الهواء من بينهما
يتدافع ويتموج الى جميع الجهات وحصل من حركته شكل كري صغير ال انه ليزال يتسع كما تتسع
القاروة بنفخ الزجاج فيها وكلما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته وتموجه الى ان يسكن ويضمحل فمن
كان حاضرا من الناس وسائر الحيوانات التي لها اذان بالقرب من ذلك المكان تموج ذلك الهواء بحركته
ودخل في اذنه وبلغ الى صماخه في مؤخر الدماغ فيتموج الهواء الذي هناك فيتصل ذلك التموج
بالعصاب المفروشة هناك فتحس بذلك التموج والتغير القوة السامعة التي مجراها تلك العصاب
وتتصل صورته الروحانية بالحس المشترك وتنطبع فيه فتدركه النفس واعلم بان كل صوت فيه نسمة
وان الهواء من شرف جوهره ولطافة عنصره يحمل كل صوت بهيئته وصيغته وخفة وهيئة روحانية
وكذلك صور اللفاظ وصيغها وهيئاتها فيحمل ذلك كله ويحفظه ويصونه من الختلط وفساد الهيئات حتى
يبلغ به الى اقصى مدى غاياته عند القوة السامعة ذلك تقدير العزيز العليم ) الذي جعل السمع والبصار
لمحسوساتها العشرة النوار والظلم واما كيفية القوة الباصرة والفئدة قليل ماتشكرون (
واللوان وسطوح الجسام والجسام انفسها واشكالها وابعادها وحركاتها وسكونها واوضاعا واعلم ان
حسب ال ان الظلمة شيئ يرى ول يرى به غيره والنور ُيرى
ُ المدركة بالحقيقة والذات النور والظلمة
و ُيرى به اشياء اخر اولها اللوان ولما كانت اللوان ل توجد ال في سطوح الجسام صارت السطوح ايضا
مرئية بها ولما كانت السطوح ايضا ل توجد ال في الجسام صارت الجسام ايضا مرئية بتوسط سطوحها
ولما كانت الجسام ل تخلو عن الشكال والوضاع والبعاد والحركة والسكون صارت هذه كلها مرئية
ان النور والظلمة لونان روحانيان وانهما يسريان في الجسام المشفة واعلم بالعرض ل بالذات
كسريان الرواح في الجساد وينسلن منها بغير زمان ولكن الضوء اذا سرى في الجسام المشفة حمل
معه في اشعته الوان الجسام الحاضرة هناك التي منها سرى حمل روحانيا لن كل نور وضوء في العالم
فان اشعته متلونة بلون الجسم الذي يخرج منه وتحمل تلك اللوان معها ايضا اشكال سطوح تلك
الجسام واوصافها التي تقدم ذكرها حمل روحانيا وتحفظ هيئاتها لئل تختلط بعضها ببعض فتفسد هيئاتها
كما يحمل الهواء الصوات والحروف والكلمات كما تقدم حتى يبلغها الى اقصى مدى غاياتها عند القوة
ان الطريقتين المذكورتين من واعلم الباصرة المستبطنة في الرطوبة الجليدية داخل الحدقتان
الجسام المشفة وهما مرآة الجسد وذلك انهما نقطتان من الماء صافيتان محبوستان في غشائين
شفافين فاذا سرى الضوء في الجسام المشفة حمل معه الوان الجسام الحاضرة هناك واتصل
بالرطوبتين المذكورتين داخل حدقتي الحيوان وسرى فيها كسريان في سائر الجسام المشفة انصبغتا
بتلك اللوان كما ينصبغ الهواء بالضياء فعند ذلك تحس القوة الباصرة بذلك التغير وتتصل صورته
الروحانية بالحس المشترك وتننطبع فيه فتدركه النفس كما ادركت ماعند سائر القوى الحساسة من
اخبار محسوساتها ولسيما اذا كانت النفس متوجهة الى طلب الدراك مقبلة على المحسوسات فان
الطباع صور المحسوسات الروحانية في الحس المشترك وادراك النفس لها يحصل بنفس الحس لن
تلك القوى الحساسة ليست مغايرة للنفس ول اجزاء منها ولكن قدر كل قوة من تلك القوى انها النفس
بعينها وانما وقت عليها السماء المختلفة من اجل اختلف افعالها كما قدمت الشارة الى ذلك وكذلك
سائر القوى الطبيعية والحيوانية والنفسية قد رأتها النفس بعينها وانما وقعت عليها السماء المختلفة من
اجل اختلف افعالها فان النفس اذا فعلت في الجسم النمو مثل سميت النابتة والطبيعية واذا فعلت
الحركة الختيارية سميت الحيوانية واذا فعلت الحس والفكر والتميز سميت الناطقة وعلى هذا القياس
والله تعالى اعلم اما اختلف المرئيات بالقرب والبعد فسببه ان الرطوبة الجليدية كرية ومقابلة الكرة
انما يكون بالمركز فاذا قابلها جسم مستدير مثل كالترس فان الشعة التي تخرج منه اليها تكون بشكل
مخروط قاعدته الترس ورأسه مركزها وبالضرورة يحدث في سطح الجليدية دائرة صغيرة تضيق ببعد
الترس وتتسع بقربه لن المخروط يقصر اذا قرب الترس ويتسطيل اذا بعد والزاوية التي عند مركز
الجليدية تابعة لتلك الدائرة التي في وسطهما وهي الدالة على كبر الترس وصغره فكلما اتسعت الدائرة
انفرجت الزاوية فاتسعت فيعظم المرئي وكلما ضاقت الدائرة حدت الزاوية وضاقت فيصغر المرئي واذا
تناهى المرئي في الصغر الى حد ل تقوى القوة الباصرة على ادراكه لشدة ضيق الدائرة وحدة الزاوية
غاب المرئي عن الدراك تنبيه اعلم ان الشعاع اذا وقع على سطح ما ولم يكن عمودا عليه بل مائل
عن عموده الى جهة من الجهات فانه يقاطعه على زاوية ما وينعكس منه الى الجهة المقابلة لها على
زاوية مساوية للزاوية الولى مثال ذلك شعاع الشمس اذا طلعت من المشرق فانه يقع على سطح
الرض ويقاطعه من جهة المشرق على زاوية حادة فيما بين سطح الرض والشمس وينعكس من سطح
الرض الى جهة المغرب مرتفعا الى السماء بقدر ارتفاع الشمس فيكون بينه وبين اسطح الرض من
جهة الغرب زاوية مساوية للزاوية التي من جهة الشرق وكلما ارتفعت الشمس انفرجت الزاويتان
ويتفاوت الشعاعان فيشتد الحر لن المولودات الثلثة مقرهم فيما بين الشعاعين فكلما ضاقت الزاوية
التي بينهما اشتد الحر فان سامتت الشمس الرؤوس اختلط الشعاعان وصارا واحدا وقعدت الزاوية التي
بينهما واتحدا بعمود الرتفاع فيبلغ الحر غايته اذا مالت الشمس الى جهة الغرب تحول كل من الشعاعين
وكل من الزاويتين الى الجهة الخرى مع حفظ المساواة بينهما وكلما انحطت الشمس الى المغرب
ضاقت الزاويتين وانفرجت مابين الشعاعين فيخف الحر ويبرد النسيم فاذا انتهت الشمس الى المغرب
عدمت الزاويتين وصار الشعاعان خطا واحدا على سطح الرض ومما يدل على تساوي الزاويتين دائما
انك اذا وقع بصرك على مثال الشمس او كوكب او غيرهما في سطح الماء او المرآة او نحوهما من
السطوح الصقيل ثم تقدمت او تاخرت او انحرفت الى احد حاجبيك اوقعت او قمت او املت ذلك
السطح حيث امكن او قدمته اليك او اخرته وحدرفته الى احدى الجهات فان تلك الصورة الممثلة فيه
يختلف مكانها لتبدل الشعة الحاملة لهاوقد يتغير وصفها فتستطيل بعد الستدارة ونحو ذلك والعلة
في ذلك ان الصورة الممثلة في الماء مثل محمولة للشعة الواقعة على سطحه فيما بينها وبين الكوكب
ونحوه هي الشعة الولى وهي خطوط مستقيمة فيما بين الكواكب والمثال والتقاطع الذي بين تلك
الشعة وبين سطح الماء من جهة الكوكب وهي الصورة الممثلة فيه هي الزاوية الولى ومابين تلك
الصورة وبين بصرك هي الشعة الثانية المنعكسة من سطح الماء مرتفعة منه الى السماء وهي خطوط
مستقيمة فيما بين بصرك والمثال والتقاطع الذي بينهما وبين سطح من جهتك وهي الصورة الممثلة ايضا
هي الزاوية الثابتة وهي مساوية للزاوية الولى دائما فلذلك يختلف مكان المثال حفظا للتساوي الذي
بين الزاويتين بان تتبدل الشعة الحاملة للصورة عند اختلف مكان البصر باشعة تساوي زاويتها زاوية
اشعتهواذا كان وقع الشعة المساوية لشعة بصر كخارجها عن سطح الماء فقدت الصورة التالية من
سطح الماء والله تعالى اعلم تكميل وتتميم وايضاح لما تقدم ايضا
اعلم ان النفس محتاجة في ادراك ا لمحسوسات الى انطباع صورها في الحس المشترك الذي بمقدم
الدماغ لن النفس لما اقبلت على ابدن تقيدت واتحدت به فصارت معتقرة لنها هو فل تتوجه الى ادراك
شيئ من المحسوسات ال به ومنه ول تدرك شيئا ال بعد انطباع صورته بمحل منه قابل لنطباع صورته
درددد الدىد فيهدا د ول تريددد
دسدد فهدي د ل تنظ
دندد الدددماغ فداددنه كداددلمرآة بيدند يدددي النف
ددددم م
دنددد المق
فيدهد وذلدكد فدي د البط
ادراك كيفية من كيفيات المحسوسات ال بالناظر اليها فهي ينبوع قواها الحساسة ومحل ادراكها وقد
نبهت على ذلك فيما سبق وعلى كيفية وصول اثار المحسوسات وصورها الروحانية الى هناك وذكرت
ان مقدم الدماغ يحتوي على عصبات لطيفة لينة تنتشر حتى تتصل باصول الحواس فتفترق هناك
وتنتسج في اجرام الحواس كنسج العنكبوت فاذا باشرت الحواس المحسوسات وتغيرت كيفيات امزجتها
عن كيفياتها سرى ذلك التغير في تلك العصبا تالى مقدم الدماغ لن انتشاءها من هناك وهي ملئى من
الروح الحامل للقوى النفسية المنبثة من هناك ايضا ول سيما عند التوجه الى المحسوسات وقصد ادراك
كيفياتها فان تلك القوى تصير اذ ذلك كقوة واحدة لتصال بعضها ببعض بل نفسا واحدة لن تلك القوى
هي النفس بعينها عند التحقيق كما تقدم ايضا فاذا اجتمعت اثار المحسوسات وصورها الروحانية في
الحس المشترك وانطبعت فيه وحفظتها القوة المصورة كان ذلك بمنزلة اجتماع رسائل احصاب الخبار
عند صاحب الخريطة وكما ان صاحب الخريطة يضع تلك الرسائل كلها بين يدي الملك ثم ان الملك
يتولى قرائتها والوقوف على ماتشتمل عليه من المعاني ثم يسلمها الى خازنه فيحفظها الى وقت
الحاجة اليها فهكذا حكم القوة الجامعة لثار المحسوسات المسماة بالحس المشترك اذا اجتمعت
عندها اثار المحسوسات وصورها الروحانية التي ادتها الى القوى الحساسة وانطبعت فيها وتصورت في
القوة المصورة بين يدي القوة المفكرة التي مسكنها وسط الدماغ فان القوة المفكرة تنظر فيها
وتتروى في معانيها وتعرف حقائقها وخواصها ومنافعها ومضارها ثم تدفع تلك المعاني الى القوة الحافظة
التي بمؤخر الدماغ فتحفظها الى وقت التذكار كما حفظت القوة المصورة التي بمقدم الدماغ صور
ذواتها فهاتان الخزانتان كمرآتين بين يدي القوة المفكرة فهي ل تنظر ال فيها ول تتفكر ال فيما هو
منطبع مصور فيهما فلذلك حجبت عن ماخرج عنهما ولم ينطبع فيهما فهما مرآتاها واذا اردت ان توصل
شيئا مما فيهما الى غيرها من النفوس القت من حروف المعجم الفاظا وكلمات تؤدي تلك المعاني ثم
اخرجتها الى الهوى بالقوة الناطفة التي مجراها اللسان والشفتان فيحفظ الهواء تلك اللفاظ والكلمات
حتى يوصلها الى اذان الحاضرين كما تقدم وان كان غائبا صورت تلك اللفاظ بالقوة الكاتبة التي في
النامل واودعتها صفحات الوراق واللواح وبطون المطامير ليكون العلم مفيدا فائدة من الولين
والخرينوخطابا من الماضيين للغابرين والله سبحانه وتعالى هو المدبر الحكيم لرب سواه ول نعبد ال
اياه كيفية ادراك النفوس اللذة واللم والراحة والتعب اعلم ان الحيوانات في دائم الوقات
لتخلو من اللذة واللم والراحة والتعب لن ابدانها مركبة من اجسام الخلط الربعة التي هي الدم
والبلغم والمرتان وهي متضادة الطباع من الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وهي دائما في التغير
والستحالة بين الزيادة في بعض الخلط والنقصان في بعضها وهما يخرجان المزاج تارة من العتدال
وتارة الى العتدال فاللم مايحصل للنفس عند شعور القوى الحساسة بخروج المزاج عند العتدال
الى الزيادة في بعض الخلط فالطبائع والكيفيات والى النقصان في ذلك خوفا من الفساد ورغبة في
واللذة فهي مايحصل لها عند شعورها برجوع المزاج الى العتدال بعدما كان خارجا عنه البقاء
والراحة مايحصل لها عند شعورها بالثبات على الصحة والعتدال والتعب مايحصل لها عند شعورها
بالتردد بين اللم واللذة كل ذلك من شدة اقبالها على البدن واتحادها به فما يخرج مزاج البدن عن
العتدال ويؤلم النفس الجوع والعطش والحروالبرد وكثرة المني في اوعيته وثقله في اماكنه ومحاله
وثقل العذرة في المصران المعروف وعلى عضلة المقعدة وكذلك البول واشياء اخر فاذا زالت هذه
المؤلمات وادركت النفس رجوع المزاج الى العتدال استلذت وفرحت ول سيما عند خروج المني فانه
مع خفته عن اماكنه واوعيته يدغدغ في مجاريه ويلدع لدعا تستلذ له النفس كما يستلذ صاحب الحكة
والجرب لتحرك المادة اذا حركها وهيجها بتحريك يده على بدنه واما لذتها والمها بما ليس متصل
بالبدن كرؤية الخضرة والنهار والصور الحسان وكروية الكيمان والسنجات والصور القبيحة ونحو ذلك
فلسباب طبقها الله تعالى في البدن وغرسها في النطف واقتضتها الروحانيات التي ربطها الله سبحانه
بالبدان عند سقوط النطف في الرحام وعند الخروج منها الى هذا العالم فان تلك الشياء المرئية
كالطلسم فتحرك ماطبع في الذوات وماهو مضمر في الروحانيات التي طلب التحاد بها ان كانت
ملئمة لها والى البعد عنها والنفار منها ان كانت مضادة لها وفيما ذكرته هنا اشارة الى بعض اسباب
احدها ماذكرته من تحرك الروحانية العشق وله ثلثة اسباب فيما تحرر عند بعد الفحص والتتبع
الملئمة للمعشوق المغروسة في طبع العاشق الثاني ماذكرته قبله من كثرة المني وثقله على اوعيته
ومحاله الثالث مايحصل للعاشق من الوهم واستعظام المعشوق واستدامة ذكره والتوجه اليه وبهذا
السبب يحصل الجنون ونحوه مما هو مشهور من اخبار العشاق فان كل من توجه على شيئ وادام قباله
عليه وتوجهه اليه والزمنة وانفعلت له روحانية من روحانيته ونفسه من نفسه وصار مطيعا له محبا
عاشقا ومن هنا يستدل على كيفية السلوك والتصال بالمل العلى فان التوجه اليها يقضتي اشراق
انوارها وانطباع اثارها كما جاء في الحديث الصحيح ) ومن تقرب الي شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب
الي ذراعا تقربت منه باعا ( الحديث وغاية ذلك اتصال روحانية العاشق بروحانية المعشوق وباشعة
انواره ان كان غالبا عن الروحانية وهذا التصال يطلق عليه التحاد عرفا وتجري افعال المعشوق على بد
العاشق وتظهر منه اوصافه واثاره وقد اشار الله تعالى الى ذلك بقوله تعالى ) ليزال عبدي يتقرب الى
بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كمت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطس بها
ورجله التي يمشي بها ( الحديث وطوائف السلوك جميعهم من اخل الخبر واهل الشر والموحدين
والمشركين حتى اهل الوقوفات النجومية لينكر احد منهم شيئا مما قلته لنه المعتمد عند رؤسائهم
والشرط العظم عند ائتمهم والله سبانه وتعالى هو الموفق لرب سواه ول نعبد ال اياه وللنفس لذة
اخرى ليست جسمانية ول متعلقة بالجسام وهي اعظم من سائر اللذات وهي مايحصل للنفس عند
شعورها بشيئ مما يتعلق بعاملها ومركزها العلوي كاللذة التي تحصل لها عند سماع اللحان المطربة
والصوات الحسنة وكاللذة التي تحصل لها عند انتعاشها بالعلوم والمعارف وقد يكون سبب هذه اللذة
زوال الجهل وذهاب المه وليكن هذا القول في القسم الحسي من قسمي القوة المدركة والله تعالى
اعلم واما القسم العقلي من قسمي قوة النفس المدركة فهي القوة التي تقبل بها النفس
مايفيضه الله تعالى عليها من عالم الغيب وذلك على مرتبتين الولى ماتقبله من العلوم البرهانية بعد
الفكر والروية وتقديم المقدمات اليقينية الثانية ماتقلبه عند انتقالها عن البدن الى الجوهر الشريفة
المنتقش فيها صور جميع الشياء ومقابلتها لها كما تقابل المرآة المرآة وحاصل ماوقفت عليه في كلم
الخائضين في ذلك ان النفس لما كانت معتمدة على البدن في جميع تصرفاتها وادركاتها لتبصر ول
تسمع ول تدرك شيئا من الشياء ال به ومنه لقبالها عليه وشغلها بتدبيره وبالتفكر فيما تورده الحواس
عليها مع ان اصلها وحقيقة جوهرها من تلك الجواهر لن مبدأ النفوس كلها وينبوعها هو النفس الكلية
المحيطة بالعالم الجسمي واللوح المحفوظ فل جرم اذا ركدت الحواس وتفرغت النفوس بعض الفراغ
والتفتت عن بدنها بعض اللتفات ربما توجهت الى تلك الجواهر بعض التوجه فينطبع فيها منها ماشاء الله
بحسب المواجهة والمقابلة وقوة النفس وضعفها وضعف القوة المفكرة كما تقابل المرآة المرآة بغير
ان لدراك واعلم حائل فينطبع فيها مافي الخرى من الصور بحسب مواجهتها وصقالتها وصفائها
النفس النسانية مافي عالم النفس اسبابا الول المنام وذلك ان الحواس اذا ركدت وتفرغت من
الشغل بما تورده عليها ربما التفتت الى ذاتها وعالمها فتبصر مافي تلك الجواهر فينطبع فيها ماشاء الله
بحسب ماقلناه ول سيما مايناسب اغراضها وهو مهم لها ولكن القوة المفكرة تمثل تلك الصور وتلقيها
في المصورة وقال بعضهم تقع من النفس المصورة فان المفكرة لتقدر على تصور شيئ والتفكر فيه
حتى يكون مصورا بين يديها وتنطبع تلك الصور في الحس المشترك بطريق السراية لتصاله بالمصورة
فانها خزانته كما سبق ثم تسري تلك الصور من الحس المشترك الى سائر القوى الحساسة لنه ينبوعها
كلها ومبدأها وهي متصلة به بواسطة الروح الحامل لها الجاري في العصاب الواصلة منها اليها فتصير
تلك الصور محسوسة بالحواسبعد ان كانت في عالم الغيب وقال بعضهم بانطباع الصور في الحس
المشترك تصير محسوسة لن الحساس وقوع الصورة في الحس المشترك والخارج يسمى محسوسا
بمعنى اخر ول فرق بين ان تقع الصورة في الحس المشترك من خارج او من داخل فكيف مايسمى
محسوسا لن الصورة الموجودة خارجا ليست محسوسة بل سبب لنطباع صورة تمايلها في الحس
المشترك انتهى ومعنى هذا الخير ان النفس ل تدرك الخارج وانما تدرك ما انطبع في الحس المشترك
وهي صورة روحانية على مثال الصورة الخارجية لعينها كما اليه بطليموس رحمة الله تعالى عليه في
الكلمة الثانية من كتاب الثمرة والله تعالى اعلم قد تبين ان الذي تراه النفس في المنام انما هو
صور العيان الجسمانية الخارجية لعينها ولهذا ليشعر المرئي الحي الوقائع التي تجري بينه وبين الرائي
في المنام تمثيل تلك الصور المرئية وتشكيلها في تلك الصور انما هو من تصريف القوة المفكرة
ومحاكاتها لما في عالم الغيب بما هو مخزون في خزانتها من صور عالم الشهادة والمعاني المتعلقة بها
للمفكرة احوال الولى ان تكون ضعيفة لتعبر المرئي ول تحاكيه بصورة مخالفة للصورة ولكن
الخارجية بل يقع المرئي في القوة المصورة على مثال المطبوع في تلك الجواهر الموافق للصورة
الخارجية وتحفظه الحافظة على وجهه وهذه الرؤيا تكون صادقة مطابقة للواقع ول تحتاج الى التعبير
الحال الثاني ان تكون المفكرة قوية غالبة او يكون ادراك النفس لما في تلك الجواهر ضعيفا وتسارع
الفكرة الى تبديل مارأته النفس بمثال كتبديل الرجل بشجرة والعدو وبحية او بما يشبهه ويناسبه مناسبة
او بما يضاده ونحو ذلك وهذه الرؤيا تحتاج الى التعبير وهو التحليل والنتقال من اللوازم الى الملزومات
وبالعكس ومن الضداد الى اضدادها حتى تعبر على الصورة المطابقة لما رأته النفس في تلك الجواهر
الحال الثالث ان يضطرب وتشتد قوتها وحركتها ومحاكاتها وانتقالتها وتكون النفس ضعيفة فتبقى
مشغولة بمحاكاتها كما تبقى في اليقظة مشغولة بالحواس فل تلتفت الى عالم الغيب لشغلها بما تحاكيه
المفكرة وتخترعه ول تزال المفكرة تحاكي وتخترع صورا ل وجود لها وتبقى تلك الصور في المصورة
متصلة بالحس المشترك كما تقدم حتى تستقيظ وقد يكون لمحاكاتها ايضا اسباب من احوال البدن
ومزاجه فانه ان غلب على مزاجه الصفراء حاكتها الشياء الصفراء والحرارة حاكتها بالنار والحمام او
البرودة حاكتها بالثلج والشتاء او السوداء حاكتها بالشياء السود والمور الهائلة وان كانت النفس
مشغولة بشيئ فان المفكرة ل تزال تتردد فيه وتجول فيما يتعلق بالهمة منه وتصوره في المصورة
وتتوهم فيه التوهمات المختلفة حتى يستيقظ النسان وتلك الصور مطبوعة في مصورته متصلة بالحس
لدراك النفس مافي عالم الغيب ان يغلب على مزاج البدن اليبوسة السبب الثاني المشترك
والحرارة بحيث تصرف النفس عن التوجه الى موارد الحواس لغلبة السوداء فيصير النسان مع فتح
العينين يقظة كالمبهوت الغائب الغافل عن مايرى ويسمع وذلك اضعف خروج الروح الى الظاهر فهذا
ايضا ربما انكشف لنفسه من الجواهر الروحانية في هذه اللة شيئ من الغيب فيتحدث به ويجري على
لسانه وكانه ايضا غافل عما يحدث به قالوا وهذا يوجد في بعض المجانين والمصروعين وبعض الكهنة
ان تقوى النفس بحيث يتحدثون بما يكون موافقا لما سيكون وهذا نوع نقصان السبب الثالث
لتشغلها الحواس حالة اليقضة كل الشغل عن التوجه الى عالم الغيب بل يتسع بقوتها النظر الى عالم
الشهادة والى عالم الغيب جميعا كما تقوى بعض النفوس فتجمع في حالة واحدة من ان يكتب ويتكلم
ويسمع بمثل هذه النفس يجوز ان تشرف الى عالم الغيب فيظهر لها منه باذن الله تعالى بعض المور
فتكون مثل البرق الخاطف قالوا وهذا نوع من النبوة ثم ان كان ادراك النفس قويا والمفكرة ضعيفة
بحيث ل تستولي على ما ادركته النفس ول تشتغل بمحاكاته بقي في الحفظ ما انكشف من الغيب بعينه
وكان وحيا صريحا وان ضعف ادراك النفس وقويت المفكرة اشتغلت بطبيعة المحاكاة وافتقر ذلك
الوحي الى التاويل كما افتقرت تلك الرؤيا الى التعبير وقد تشتد قوة النفس وصفاؤها فتتصل في اليقظة
بعالم الغيب كما سب وتحاكي المفكرة ما ادركته النفس بصور جميلة واصوات منظومة فيرى ويسمع
في اليقظة ماكان يراه ويسمعه في النوم للسبب الذي ذكرنا فتكون الصور المحاكية للجواهر الشريفة
صورة عجيبة في غاية الحسن وهو الملك الذي يراه النبي او الولي وتتمثل تلك المعارف التي تصل الى
النفس من اتصالها بالجواهر الشريفة بالكلم الحسن المنظم الواقع في الحس المشترك فيكون
مسموعا واعلم ان للنفس خواص وذلك انها قد تصفو وتقوى وتستعد للتصال بالمل العلى فتدرك ما
ذكرناه وتفاض عليها المعارف والعلوم من العقل الفعال عند اتصالها به وانها في قوتها وجوهرها ان
تؤثر في هيولي العالم بازالة صورة وايجاد صورة وافعاله صورة الى صورة قال بعض السلميين قد
ثبت في العلم اللهي ان الهيولي مطيفعة للنفوس ومتاثرة بها وان هذه الصور تتعاقب عليها من اثار
النفوس الفلكية والنفس النساني من جوهر تلك النفوس شديد الشبه بها ال ان نسبته اليها نسبة
السراج الى الشمس وذلك ليمنع المشابهة في كون السراج مؤثرا في التسخين والضاءة كالشمس
فكذلك نفس النسان تؤثر في هيولي العالم ولكن الغالب ان يقتصر اثره على عالمه الخاص وهو بدنه
ولذلك اذا حصل في النفس صورة مكروهة استحال مزاج البدن وحدثت رطوبة العرف واذا حصل في
النفس صورة الغلبة حمى مزاج البدن واحمر الوجه واذا وقعت صورة مشتهاة في النفس حدثت في
اوعية المني حرارة مبخرة مهيجة للريح حتى تمتلئ به عروق آلة الوقاع فتستعد له وهذه الحرارة
والرطوبة والبرودة التي تحدث في البدن من هذه التصورات ليست من حرارة وبرودة ورطوبة اخرى بل
عن مجرد التصور فاذا كان مجرد التصور سبب لحدوث هذه التغيرات في هيولي البدن مع ماثبت ان
النفس ليست منطبعة فيه فكان ينبغي ان يؤثر في بدن غيره وفي هيولي العالم مثل هذا التاثير ولكن
لها علقة طبيعية مع بدنها الخاص وعشق ونزوع اليه فلذلك كان تاثيرها مقورا على بدنها غالبا ول ينكر
مثل هذا العشق الطبيعي اذا تولد من وقع في نار او ماء فالم قد تلقي نفسها في الحال ورائه فاذا لم
يبعد عشق نفسها لبدن اخر هو فرع بدنها فل يبعد عشقها لبدنه بالطبع وان لم تكن حاله فيه قلت قد
تقدم سبب اخر للعلقة العشقية بين النفس والبدن وهو الروح البخاري الذي شرحنا اوصفاه فيما تقدم
واما العلقة الطبيعية التي ذكرت هنا فهي اقدم كما اشرت عليها فيما سبق وذكرت هناك ان تعلق
النفس بالبدن تدريجي لن احوال نفس تابعة لحوال البدن فبحسب احوال البدن وصلح مزاجه وقبوله
تكون نفسه الفائضة عليه من النفس الكلية وليختص ذلك ببدن النسان بل سائر الحيوانات والنباتات
والجمادات كلها لها نفوس تقوى على حسبها وهي قوى فائضة عليها من النفس الكلية على حسب
قبولها وهي المدبرة ويسميها المحققون نفوسها كما تقدم اول الكتاب فماكان من الجسام اصلح مزاجا
فانه يقبل من النفس الكلية اشرف مما يقبله مادونه ومثال ذلك نور الشمس الفائض على اسطحة
الجسام فان الجسم النير الصافي كالماء في المراي يقبل منه مالم يقبله الرض ونحوه والله تعالى
يتعدى اثر بغض النفوس بدنها فتؤثر في هيولي العالم كما تقدم وقد تؤثر نفوس بعض اعلم وقد
البدان في ابدان غيرها فتغيرها وتفسد امزجتها وارواحها بالتوهم والحسد وربما قتلته ويعبر عن ذلك
بالصابة بالعين ومعنى ذلك ان الرائي يستحسن المرئي ويتعجب منه وتكون نفسه خبيثة شديدة الحسد
فتتوهم سقوط المرئي ومرضه او موته فينفعل جسم المرئي عن توجهم جسم الرائي ويسقط في
الحال او يمرض او يموت قلت فقد ذكروا في السحر نوعا يقرب من هذا والله تعالى اعلم فاذا
هذا كله ممكنا فل يبعد ان تقوى نفس من النفوس على النذور قوة شديدة زائدة على ماذكر كان
فتؤثر في هيولي العالم باحداث حرارة او برودة او حركة وجميع تغاير العالم السفلي يتشعب عن
الحرارة والبرودة والحركة ومثل هذا يعبر عنه بالكرامة والمعجزة والله تعالى اعلم واما سبب رؤية
النسان في اليقظة صور لوجود لها في الخارج فقال بعض السلميين اعلم ان النفس قد
تدرك الغيب ادراكا قويا فيبقى غير ما ادركته في الحفظ كما سبق في السبب الثالث وقد يقبله قبول
ضعيفا تستولي عليه المفكرة فتحاكيه بصورة محسوسة فاذا وقعت تلك الصورة من المفكرة في
الصورة استتبع الحس المشترك وانطبعت الصورة في الحس المشترك سارية اليه من المصورة
والبصار انما وقوع صورة في الحس المشترك فالمحسوس بالحقيقة هو ذلك يعني الصورة الواقعة في
الحس المشترك فالخارج يسمى محسوسا بمعنى اخر ول فرق بين ان تقع الصورة في الحس من
الخارج او من داخل فان الصورة الموجودة من الخارج ليست محسوسة بل سبب لظهور صورة تماثلها
في الحس المشترك من الخارج يعني ان النفس لتدرك الخارج كالنار وانما تدرك ماوقع في الحس
المشترك وهي صورة روحانية ممثالة للصورة الخارجية في الحس وفي الحقيقة كما اشار اليه
بطليموس وقد تقدم ذلك كله فالمحسوس انما هو الواقع في الحس المشترك كيف ماكان وقوته … .
من خارج او من داخل ويكون حصوله في الحس المشترك ابصارا فيما وقعت الصورة في الحس
المشترك صار مافيه مبصرا وان الجفان مغمضة او في ظلمة وانما لم ينطبع مايتخيله النسان يقظة
في الحس المشترك حتى يصير مبصرا لن الحس المشترك يكون مشغول بما تؤدي اليه الحواس
الظاهرة وهي اغلب ولن العقل يكسر على المتخيلة اختراعها ويكذبها فل يبقى تصرفها في الحقيقة
فمهما ضعف العقل فمن الزور والتكذيب بسبب مرض من المراض لم يبعد ان تنطبع تلك المخيلت في
الحس المشترك فيرى المريض صورا لوجود لها اذا غلب الخوف الشديد واشتد توهم المخوف وتخيله
وضعفت النفس والعقل المكذب ربما تمثل للحس صورة المخوف حتى يشاهد ويبصر مايخافه ولهذا
يرى الخائف صورا هائلة والغول الذي يتحدث به في الصحارى ومايسمع من كلمه هذا سببه وقد
تشتد شهوة العليل الضعيف فيشاهد مايشتهيه ويمد اليه يده كانه ياكله وهو يرى صورا لوجود لها كل
ذلك سببه ماذكر وليكن هذا اخر القول في القوى المدركة واما القسم الثاني من قوى النفس فهي
للقوى المحركة فتنقسم الى قوة باعثة للنفس على الفعل والى قوى فاعلة فالقوة الباعثة هي التي
تدعو الى الحركة نحو النافع والى الحركة عن الضار والقوى المحركة الفاعلة هي القوى المستعملة
للعضل وهي مطيعة للباعثة للفنس والقوى المحركة لها والله اعلم
والحمدلله رب
العالمين