Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫اعتلى اإلسكندر الثالث ‪ ،‬الذي عرف باألكبر فيما بعد ‪ ،‬عرش مقدونيا ‪ ،‬وكان يبلغ من العمر عشرين عاما

ً ‪ ،‬وكان قد أظهر منذ صباه‬


‫المبكر نبوغا ً ‪ ،‬يدل على أنه سيصبح حاكما قديراً ‪.‬‬
‫وتلقى العلم على يد الفيلسوف المشهور أرسطو وظل شديد العرفان لهذا األستاذ ‪ ،‬وأشاد به قائالً‪ " :‬إن أبي هو الذي وهبني الحياة ‪،‬‬
‫لكن أرسطو هو الذي علمني كيف أحيا "‪.‬‬
‫أظهر اإلسكندر منذ صباه شجاعة وثقة كبيرة في النفس ‪ .‬وكان على ثقة من أنه سيرتقي عرش مقدونيا ‪ ،‬ويروى عنه أنه عندما كان‬
‫في عامه الثاني عشر‪ ،‬وافته األنباء بأن والده فيليب انتصر في معركة كبيرة ‪ ،‬فتضايق قائالً ‪:‬‬
‫" إذا ظل أبي يكسب مزيدا من المعارك ‪ ،‬فلن يتبقى لي بالد أفتحها " ‪.‬‬
‫حياته السياسية في حياة والده‪:‬‬
‫‪ - 1‬أسند إليه والده مهمة تصريف األمور في مقدونيا عندما اضطر إلى التوجه جنوبا ً في بالد اليونان‪.‬‬
‫‪ - 2‬تولى قيادة الفرسان في معركة خايرونيه التي دحر فيها فيليب المدن اإلغريقية في عام ‪ ٣٣٨‬ق‪.‬م‪ .‬وكان عمره ثمانية عشر عاما ً ‪،‬‬
‫وأظهر بسالة نادرة خالل المعركة ‪.‬‬
‫تربع اإلسكندر على عرش مقدونيا في عام ‪ ٣٣٦‬ق‪.‬م‪ ، .‬وعمره عشرين عاما ً ‪ ،‬وما أن ترامى إلى المدن اإلغريقية نبأ وفاة فيليب‬
‫حتى هبت ثائرة ‪ ،‬رغبة في التخلص من مقدونيا‪ ،‬وكانوا يعتقدون أن اإلسكندر شاب صغير ال تتوفر لديه قوة فيليب وال خبرته ‪.‬‬
‫حربه ضد الفرس‬
‫بعد أن اطمأن اإلسكندر إلى هدوء األحوال ‪ ،‬في بالد اليونان ‪ ،‬شرع في القيام بالحملة‪ ،‬التي كان يتأهب أبوه فيليب للقيام بها ‪ ،‬ضد‬
‫اإلمبراطورية الفارسية‪.‬‬
‫وبعد عامين من اعتالئه العرش ؛ أي في عام ‪ ٣٣٤‬ق‪.‬م‪ .‬عبر بقواته مضيق الهلسبونت‪ ،‬وقام بزيارة سهل طروادة ‪ ،‬وهو المكان‬
‫الذي شهد أحداث حرب طروادة‬
‫توغل اإلسكندر بعد ذلك في آسيا الصغرى ‪ ،‬وكانت من ممتلكات اإلمبراطورية الفارسية ‪ .‬وكان جيشه يبلغ ثالثين ألفا ً من المشاه‪،‬‬
‫وأربعة آالف من الفرسان‪ .‬وهو جيش صغير إذا ما أخذنا في االعتبار ما كانت تتمتع به اإلمبراطورية الفارسية‪ ،‬من قدرة على إعداد‬
‫قوات كبيرة ‪ .‬وأحرز اإلسكندر أول إنتصاراته على الفرس ‪ ،‬عند نهر صغير يسمى جرانيكوس ‪ Granicos‬مما أتاح له فرصة‬
‫االستيالء على باقي أقاليم آسيا الصغرى ‪ ،‬وكذلك الجزر المتاخمة للشاطئ‪.‬‬

‫واصل اإلسكندر سيره متجها ً صوب الجنوب ‪ ،‬فوصل إلى إسوس ‪ ( Issos‬طرسوس الحالية ) ‪ .‬وفي هذا الموقع دارت رحى معركة‬
‫كبيرة ؛ حيث كان الجيش الفارسي‪ ،‬بقيادة الملك دارا الثالث مرابطا ً عند هذا المكان ‪ ،‬وأحرز اإلسكندر نصراً باهراً ‪ ،‬فر على أثره الملك‬
‫دارا الثالث ‪ ،‬تاركا ً والدته وزوجته وبناته ‪ ،‬الالتي وقعن في أسر اإلسكندر فأكرمهن وعاملهن معاملة طيبة ‪ .‬وأمر اإلسكندر ببناء‬
‫مدينة في هذا الموقع احتفاال بالنصر‪ ،‬حملت أسم اإلسكندرية ( اإلسكندرونة فيما بعد( ‪.‬‬
‫عقب الهزيمة فر دارا إلى الشرق ‪ ،‬وكان من المتوقع أن يسير اإلسكندر في إثره ؛ إال أنه رأى أنه من األصوب أن يقوم باالستيالء‬
‫على قواعد األسطول الفارسي في البحر المتوسط أوالً ‪ ،‬لذلك قرر السير إلى الجنوب ‪.‬‬
‫فتح مصر‬
‫في خريف عام ‪ 332‬ق‪.‬م‪ .‬تقدم اإلسكندر نحو مدينة غزة ‪ ،‬فسلمت له بعد أن حاصرها لمدة شهرين ‪ ،‬وأصبح على مشارف مصر‪ ،‬فبلغ‬
‫مدينة بيلوزيون ‪(Pelosion‬تل الفرما الحالية ‪ ،‬شرقي بورسعيد) وهي بوابة مصر الشرقية ‪.‬‬

‫ولما كانت مصر تحت االحتالل الفارسي وكانت أنباء إنتصارات اإلسكندر قد سبقته ؛ فسارع الوالي الفارسي باالستسالم للفاتح‬
‫المقدوني‪ ،‬كما رحب به المصريون ترحيبا ً حاراً ‪ .‬خاصة بعد رواج شائعات حول ارتباط اإلسكندر باإلله آمون ‪ ،‬وأنه جاء لكي يحرر‬
‫مصر من االحتالل الفارسي ‪.‬‬
‫أبحر اإلسكندر في الفرع البلوزي لنهر النيل ‪ ،‬ووصل مدينة منف مقر عبادة اإلله بتاح‪ ،‬وحرص على‪:‬‬
‫توج فرعونا ً طبقا ً‬
‫‪ -1‬إظهار احترامه للديانة المصرية‪ ،‬فقدم القرابين لإلله‪ ،‬وحرص على إبداء احترامه للكهنة ومن المرجح أنه ِّ‬
‫للطقوس المصرية‪.‬‬
‫‪ -2‬أراد أن يؤكد كونه رسول الحضارة اإلغريقية إلى الشرق ؛ فأقام مهرجانا ً رياضيا ً وموسيقيا ً في منف ‪ ،‬على الطريقة اإلغريقية ‪.‬‬
‫وفي أثناء سير اإلسكندر بمحاذاة شاطئ البحر المتوسط ‪ ،‬لفت انتباهه موقع قرية صغيرة يسكنها الصيادون المصريون ‪ ،‬تدعى راقودة‬
‫‪ ، Rhacotis‬وتقع قبالتها في البحر جزيرة صغيرة تسمى فاروس ‪ Pharos‬؛ فقرر إقامة مدينة في هذا الموقع ‪.‬‬

‫ويأتي ذلك في إطار رغبته في ‪:‬‬


‫‪ -1‬تخليد اسمه من خالل إقامة المدن‪.‬‬
‫‪ -2‬إقامة ميناء يكون قادراً على أن يسلب مدينة صور األهمية التي تتمتع بها من الناحية التجارية ‪ ،‬وعهد إلى مهندس يدعى‬
‫دينوكراتيس ‪ Deinocratis‬بأن يقوم بتخطيط المدينة ‪ ،‬وتم إقامة جسر يصل ما بين اليابسة و جزيرة فاروس ‪ ،‬وقد حملت المدينة‬
‫الجديدة اسم اإلسكندرية ‪.‬‬
‫وبعد أن قام اإلسكندر بوضع حجر األساس لمدينته الجديدة ‪ ،‬واصل سيره في اتجاه الغرب ‪ .‬وعندما بلغ مدينة برايتونيون‬
‫‪ ( Paraetonion‬مرسى مطروح الحالية ) التقى وفداً من مدينة قوريني جاء لمبايعته وتقديم الهدايا له ‪.‬‬

‫بعدها قرر االسكندر أن يخترق الصحراء جنوبا ً إلى واحة سيوة ؛ حيث يوجد معبد اإلله آمون ‪ .‬وهو معبد نال شهرة عالمية آنذاك‬
‫باعتباره من أشهر معابد الوحي في العالم ‪ .‬وعلى الرغم من أن رحلة اإلسكندر ورفاقه إلى واحة سيوة كانت محفوفة بالمخاطر خاصة‬
‫وان اإلغريق لم تكن لديهم خبرة بالسير في دروب الصحراء ‪.‬‬
‫إال أن اإلسكندر أراد من خالل هذه الرحلة أن يحقق عدة أهداف‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬إثبات انتسابه لإلله آمون ‪،‬‬
‫ثانيهما‪ :‬سؤال الوحي عن مدى نجاح خططه المستقبلية ‪.‬‬
‫عندما بلغ الركب نهاية الرحلة ‪ ،‬تقدم اإلسكندر نحو معبد اإلله آمون فاستقبله كبير الكهنة قائالً ‪:‬‬
‫" أهالً بابن آمون " ‪ ،‬وكان اإلسكندر يرغب في سماع هذا االعتراف من كبير الكهنة ‪ ،‬ثم دلف بعد ذلك إلى قاعة قدس األقداس بمفرده‬
‫‪ .‬وافهمه كبير الكهنة بأن ما دار داخل قدس األقداس ؛ هو نوع من األسرار ال ينبغي البوح به لآلخرين ‪.‬‬
‫بعد أن فرغ اإلسكندر من زيارة سيوة ‪ ،‬عاد إلى وادي النيل ‪ ،‬وقام بعدد من اإلجراءات ‪:‬‬
‫‪-‬اإلعالن للجميع عن دخول الحضارة اإلغريقية إلى مصر‬
‫اإلبقاء على النظم اإلدارية المصرية القديمة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عهد ب اإلدارة المالية إلى اإلغريق ‪ ،‬وجعل على رأس هذه اإلدارة مواطن إغريقي من مدينة نقراطيس ‪ ،‬ويدعى كليومينيس‬ ‫‪-‬‬
‫‪. cleomenes‬‬

‫أبقي على منف عاصمة لمصر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫قسم مصر إداريا ً إلى قسمين هما ‪ :‬الوجه البحري ‪ ،‬والوجه القبلي ‪ .‬وجعل على كل قسم منها حاكما ً من أبناء البالد ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫بعد أن فرغ اإلسكندر من تنظيم أحوال مصر؛ غادرها في عام ‪ 331‬ق‪.‬م‪.‬متجها ً إلى مدينة صور ‪ ،‬تمهيداً للزحف إلى قلب‬ ‫‪-‬‬
‫اإلمبراطورية الفارسية ‪ ،‬و لم يكن أمام الملك الفارسي بعد أن رفض اإلسكندر عرضه السخي ‪ ،‬سوى أن يستعد للمواجهة‬
‫العسكرية ‪.‬‬

‫التقي جيش اإلسكندر مع الجيش الفارسي في عام ‪ 331‬ق‪.‬م‪ .‬عند جاو جميال ‪Gaugamela‬‬ ‫‪-‬‬
‫( بالقرب من أربيل عند الموصل الحإلي ة ) ‪ .‬وفي هذه المعركة أحرز اإلسكندر نصرا باهراً على الملك دارا الثالث ‪ ،‬الذي ولى‬ ‫‪-‬‬
‫األدبار صوب الشرق‪ ،‬ويعتبر المؤرخون هذه المعركة واحدة من أهم المعارك في تاريخ البشرية ‪.‬‬
‫أدرك اإلسكندر أن هذا النصر ليس كافيا ً إلعالن سقوط اإلمبراطورية الفارسية ‪ ،‬ما دام دارا الثالث على قيد الحياة ‪ ،‬فقرر أن‬ ‫‪-‬‬
‫يتتبعه إللقاء القبض علي ه ‪ ،‬إال أن رجال دارا تخلو عنه ‪ ،‬وطعنه أحدهم تاركين إياه وحيداً يعاني آالم الموت والذل ‪ ،‬وعثر‬
‫عليه جنود اإلسكندر وهو ُي ْح َت ضر في عربته الملكية ‪ ،‬فطلب منهم أن يشكروا اإلسكندر للمعاملة الطبية التي قدمها ألسرته‬
‫التي وقعت في األسر بعد معركة أسوس‪.‬‬
‫وعندما وصل اإلسكندر إلى الموقع كان الملك الفارسي قد فارق الحياة ‪ ،‬فحرص على إظهار احترامه لعدوه حتى اللحظات‬ ‫‪-‬‬
‫األخيرة ‪ ،‬وألقى عباءته الملكية على جثمان دارا‪ ،‬وأمر بدفنه بطريقة تليق بالملوك ‪ ،‬كما أمر بإلقاء القبض على القتلة‬
‫لمعاقبتهم‪.‬‬

‫هكذا سقطت اإلمبراطورية الفارسية ‪ ،‬ودخل اإلسكندر مدن الفرس العظيمة مثل سوسة وبرسبوليس ‪ . Perspolis‬وصار‬ ‫‪-‬‬
‫وهو في سن السادسة والعشرين سيداً على العالم ‪ ،‬ولم ينس اإلسكندر وهو في غمرة انتصاراته الهدف الذي خرج من أجله‬
‫من بالد اإلغريق ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫االنتقام لشرف اإلغريق الذي دنسه الفرس عند غزوهم لبالد اليونان وإحراقهم لمدينة أثينا أعظم مدن اإلغريق ‪ ،‬فأمر‬ ‫‪-‬‬
‫بإضرام النار في مدينة برسبوليس‪.‬‬
‫واصل اإلسكندر تقدمه في اإلمبراطورية الفارسية ‪ ،‬التي كانت حدودها تمتد إلى الهند شرقا ً ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وفي إقليم باكتريا ( أفغانستان الحإلية ) تزوج من روكسانا ‪ Roxana‬ابنة حاكم هذا اإلقليم ‪ ،‬ثم واصل سيره حتى وصل إلى‬ ‫‪-‬‬
‫إقليم البنجاب ووادي نهر السند ‪ ،‬وعند هذا الحد أدركت رجاله حالة من الملل واإلعياء ؛ فرفضوا أن يطيعوا قائدهم ‪،‬‬
‫وطالبوه بالعودة لبالدهم ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من حالة اإلحباط التي سيطرت على اإلسكندر من جراء طلب رجاله ؛ فإنه اضطر إلى اإلذعان لهم ‪ .‬وقرر‬ ‫‪-‬‬
‫تقسيم قواته في طريق العودة إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ -1‬األول يعود عن طريق البر تحت قيادته ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -2‬الثاني يعود بحراً ‪ ،‬وعهد إلى أحد رجاله ويدعى نيارخوس ‪ Nearchos‬بمهمة قيادة األسطول الذي أعد لهذا الغرض ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وجعل الهدف الرئيسي لهذه المهمة اكتشاف طريق للربط بين الغرب والشرق عن طريق البحر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولم تكن أهداف اإلسكندر تقتصر على إيجاد طرق اإلتصال بين الشرق والغرب فقط؛ بل كان يهدف إلى إقامة جسور المحبة‬ ‫‪-‬‬
‫والتفاهم بين الشعوب ؛ فتزوج من سيدة شرقية‪ ،‬وأمر رجاله بالزواج من سيدات فارسيات ‪.‬‬
‫مكث اإلسكندر في بابل التي كان يخطط ل جعلها عاصمة إلمبراطوريته ‪ ،‬وأخذ يتطلع إلى سماع أخبار األسطول ‪ ،‬وكانت‬ ‫‪-‬‬
‫االتصاالت مع نيارخوس ورجاله قد انقطعت تماما ً ‪ ،‬وظن اإلسكندر أن األسطول قد هلك في غياهب المحيط الهندي ‪.‬‬
‫ولكنه فوجئ بوصول نيارخوس إلى بابل ‪ ،‬وفرح بهذا النبأ فرحا ً غامراً ‪ ،‬واستقبل نيارخوس بحفاوة بالغة‪ ،‬وراح يستمع‬ ‫‪-‬‬
‫باهتمام إلى المعلومات التي جمعها األسطول خالل الرحلة ‪ .‬وشجعه ذلك على االستمرار في استكشاف المزيد من المناطق ‪.‬‬
‫وكانت بالد العرب على رأس البالد التي حظيت باهتمام اإلسكندر ‪ .‬فقد أسهبت بعض المصادر في الحديث عن ثروة هذه‬ ‫‪-‬‬
‫البالد ‪.‬‬
‫كما جاء ذكر الخليج العربي عند المؤرخ هيكاتيه في حوإلى عام ‪ 500‬ق‪.‬م‪.‬؛ إال أن فكرة اإلغريق عن هذا الخليج ظلت‬ ‫‪-‬‬
‫محدودة ‪ ،‬وكانوا يطلقون عليه اسم " الخليج الفارسي" ‪ ، Persikos Kolpos‬نظراً لخضوع هذا الخليج للنفوذ الفارسي في‬
‫تلك اآلونة ‪.‬‬
‫وقد قام االسكندر في عامه األخير بإعداد خطة لاكتشاف بالد العرب‪،‬ولتحقيق هذا الهدف ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -1‬أمر ببناء أسطول في قبرص وفينيقيا ‪،‬و تم نقل السفن براً إلى ثابساكوس ‪( Thapsacus‬بالقرب من دير الزور‬ ‫‪-‬‬
‫الحإلية ) ‪ ،‬في طريقها إلى بابل ‪.‬‬
‫‪ -2‬أمر بإقامة ميناء في بابل التخاذه قاعدة للعمليات ‪ .‬وكان هذا الميناء من الضخامة بحيث أنه كان يتسع لما يقرب من ألف‬ ‫‪-‬‬
‫سفينة ‪.‬‬
‫‪ -3‬إيفاد ثالث حمالت استكشافية في عام ‪ 324‬ق‪.‬م‪ .‬من بابل وكان هدف هذه الحمالت جمع المعلومات عن شواطئ بالد‬ ‫‪-‬‬
‫العرب و الجزر المتاخمة لها وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬الحملة األولى بقيادة أرخياس ‪ ، Archias‬وهو أحد رجال حملة نيارخوس ‪ .‬والذي وصل حتى جزيرة تيلوس ‪Tylos‬‬ ‫‪-‬‬
‫(البحرين) ‪.‬‬

‫ب‪ -‬الحملة الثانية بقيادة أندروسثينس ‪ ،Androthenes‬وقطعت هذه البعثة شوطا ً أطول من سابقتها ‪ ،‬فوصلت إلى تيلوس‬ ‫‪-‬‬
‫وأرادوس ‪ ، Arados‬وأعد قائدها كتابا ً ظل يشكل مرجعا ً أساسيا ً للبحارة على نطاق واسع ‪.‬‬

‫جـ ‪ -‬الحملة الثالثة بقيادة ” هيرون“ وبدأت هذه الحملة رحلتها من جنوب بابل وتمكنت من الطواف حول الجزيرة العربية‬ ‫‪-‬‬
‫والوصول إلى ميناء هيروبوليس في مصر حيث استدارت عائدة لتقديم التقارير إلى االسكندر‪.‬‬
‫د‪ -‬أمر االسكندر بقيام حملة من االتجاه المقابل بقيادة اناكسيسكراتيس من ميناء هيروبوليس في مصر للدوران حول بالد‬ ‫‪-‬‬
‫العرب ‪ ،‬إال أن هذه الحملة لم تتجاوز باب المندب في مدخل البحر األحمر ‪ ،‬إال أنها تمكنت من جمع معلومات ال بأس بها عن‬
‫الشواطئ الغربية لبالد العرب‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬إنشاء مستعمرة في شمال شرق الجزيرة العربية ‪ ،‬على حدود بالد الرافدين ‪ ،‬وحسب رواية اثنان من الكتاب القدماء‬ ‫‪-‬‬
‫أن اإلسكندر دخل إلى بالد العرب ‪ ،‬وأقام مدينة حصينة أعدها لسكنى جنوده الذين انتهت من خدمتهم ‪ .‬إال أننا ال نستطيع‬
‫تحديد موقع هذه المدينة ‪ ،‬و من المرجح أنه أطلق عليها اسم اإلسكندرية‪.‬‬
‫وكان اإلسكندر يرمي من خالل إقامة هذه المدينة ‪ ،‬إلى تحقيق عدة أهداف ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬إقامة مركز دفاعي ضد إغارات العرب ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -2‬إقامة ميناء يمكن اتخاذه قاعدة للعمليات لألسطول الكبير ‪ ،‬الذي كان يجري بنائه لغزو بالد العرب ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -3‬خلق مركز تجاري على رأس الخليج العربي الستقبال البضائع الوافدة من الشرق ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وعلى الرغم من أن غزو اإلسكندر لبالد العرب لم يتم ‪ ،‬إال أننا نجد إصراراً من بعض ال ُك ّتاب القدامى على وقوع هذا الغزو ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وربما جاء هذا الخلط بسبب ‪:‬‬
‫الغزوة الخاطفة التي قام بها اإلسكندر أثناء حصاره لمدينة صور ‪ ،‬وأرسل بعدها هدية إلى معلمة ليونيداس من بخور بالد‬ ‫‪-‬‬
‫العرب ‪.‬‬
‫و بينما كانت االستعدادات إلرسال الحملة الكبرى لبالد العرب تجري على قدم وساق‪ ،‬جرى إقامة حفل كبير في شهر يونيه ‪/‬‬ ‫‪-‬‬
‫حزيران من عام ‪ 322‬ق‪.‬م‪ .‬على شرف نيارخوس ‪ ،‬الذي تقرر إسناد قيادة الحملة إليه ‪.‬‬
‫و في اليوم التالى للحفل أصيب اإلسكندر بالحمى‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وعلى الرغم من هذا لم تتوقف االستعدادات إلرسال الحملة ‪ ،‬وحرص اإلسكندر على الرغم من مرضه على مناقشة تفاصيل‬ ‫‪-‬‬
‫الخطة مع نيارخوس‪.‬‬
‫وفي مساء إليوم العاشر من شهر يونيه ‪ /‬حزيران عام ‪ 322‬ق‪.‬م‪ .‬توفى االسكندر و لم يكن قد بلغ الثالثة والثالثين من‬ ‫‪-‬‬
‫عمره ‪ ،‬بعد أن حكم لمدة اثني عشر عاما ً ونصف ‪ ،‬تعد بحق من أخصب سنوات تاريخ البشرية ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫اإلسكندر الثالث المقدونيـ‬
‫المعروف بأسماء عديدة اإلسكندر األكبر واإلسكندر المقدوني‪ .‬وُ لد اإلسكندر في مدينة‪ ‬پيال‪ ‬قرابة سنة ‪ 356‬ق‪.‬م‪ ،‬وتتلمذ على يد‬
‫الفيلسوف والعالم الشهير‪ ‬أرسطو‪ ‬حتى بلغ ربيعه السادس عشر‪ .‬وبحلول عامه‪ 7‬الثالثين‪ ،‬كان قد أسس إحدى أكبر وأعظم‬
‫اإلمبراطوريات التي عرفها‪ 7‬العالم القديم‪ ،‬والتي امتدت من سواحل‪ ‬البحر األيوني‪ ‬غر ًبا‪ 7‬وصوالً إلى‪ ‬سلسلة جبال الهيمااليا‪ ‬شرقا‪ .‬يُعد‬
‫ً‬
‫أحد أنجح القادة العسكريين في مسيرتهم‪ ،‬إذ لم يحصل أن هُزم في أي‪ ‬معركة‪ 7‬خاضها على اإلطالق‪.‬‬
‫الحملة البلقانية‬

‫انطلق اإلسكندر من مدينة «آمفيپوليس» في ربيع سنة ‪ 335‬ق‪.‬م متجهًا شر ًقا إلى بالد «التراقيين المستقلين»‪ ،‬وعلى سفوح‪ ‬جبال‬
‫البلقان‪ 7‬هزم قواتهم ‪ ،‬ثم تابع طريقه إلى مناطق قبائل التريباليين‪ 7،‬وتغلب عليهم بالقرب من نهر اليگينوس‪ .‬ثم اتجه إلى الفرع‬
‫الرئيسي للنهر حيث لقي قبيلة‪ ‬الغيتيون‪ ‬على الضفة المقابلة‪ ،‬فأمر اإلسكندر رجاله بالعبور ليالً تحت جنح الظالم‪ ،‬فُأخذ الغيتيون‬
‫على حين غرّ ة وأجبرهم على التراجع بعد أوّ ل مناوشة بين الفرسان‪ 7.‬بعد ذلك وصله أن كليتوس ملك‪ ‬أليريا‪ ،‬وگلوكياس ملك‬
‫التولنتيين قد أشهرا العصيان‪ 7‬عليه‪ ،‬فحوّ ل اإلسكندر سير جيشه غربًا ناحية أليريا‪ ،‬حيث هزم الملكان تبا ًعا‪ 7‬وفرق جيوشهما‪ ،‬وبتمام‬
‫هذا النصر كان‪ 7‬اإلسكندر قد أمّن الحدود الشمالية لمملكته‪.‬‬

‫ثار الطيبيون واألثينيون على الحكم المقدوني مجد ًدا‪ ،‬أثناء حملة اإلسكندر الشمالية‪ ،‬ولمّا علم األخير بذلك‪ ،‬اتجه جنوبًا بأقصى‬
‫سرعة إلخماد نار الثورة قبل امتدادها‪ .‬كما في الثورات السابقة‪ ،‬ترددت جميع المدن اليونانية في مقارعة‪ 7‬اإلسكندر لمّا علمت‬
‫بقدومه‪ ،‬إال طيبة‪ ،‬التي قررت المواجهة‪ .‬كانت مقاومة الطيبيين غير مجدية على اإلطالق‪ ،‬فقد اكتسحهم اإلسكندر وجيشه كالعاصفة‪7‬‬
‫الهوجاء‪ ،‬وسوّ ى مدينتهم باألرض‪ ،‬وقسّم أراضيها بين باقي‪ ‬المدن البيوتيّة‪ .‬كان لنهاية طيبة أثر مروّ ع في نفوس األثينيين‪،‬‬
‫فخضعوا لمقدونيا خو ًف ا من أن يصيبهم ذات المصير‪ ،‬األمر الذي كان من شأنه إحالل السالم في جميع بالد اإلغريق ولو‬
‫مؤق ًتا‪ .‬بهذا تفرّ غ اإلسكندر تمامًا لحملته اآلسيوية‪ ،‬فجمع الجند والعتاد وانطلق شر ًقا‪ ،‬تار ًكا‪ 7‬أحد القادة العسكريين‪ ،‬وهو‪ ‬أنتيپاتر‪،‬‬
‫وصيًا على العرش‪.‬‬

‫آسيا الصغرى‬
‫عبر اإلسكندر‪ ‬مضيق الدردنيل‪ ‬سنة ‪ 334‬ق‪.‬م بجيش قوامه ‪ 48,100‬جندي من‪ ‬المش‪77‬اة‪ ،‬و‪ 6,100‬من الفرس‪77‬ان‪ ، 7‬وأس‪77‬طول س‪77‬فن‬
‫مكوّ ن من ‪ 120‬سفينة‪ ‬بلغ عدد أفراد طاقمها ‪ 38,000‬نفر‪،‬أحضروا من‪ ‬مق‪77‬دونيا‪ ‬ومختل‪7‬ف الم‪77‬دن اليوناني‪77‬ة‪ .‬كم‪77‬ا ض‪ّ 7‬م الجيش ع‪77‬دد‬
‫من‪ ‬المرتزقة‪ ‬والمحاربين اإلقطاعيين‪ 7‬من‪ ‬تراقيا‪ ،‬وپايونيا‪ ،‬وأليريا‪  .‬اشتبك المقدونيون مع الفرس في أوّ ل معرك‪77‬ة على ض‪77‬فاف‪ ‬نه‪77‬ر‬
‫گرانیکوس‪ ،‬المعروف حاليًا باسم «نهر بیگا»‪ ،‬شمال غرب‪ ‬آسيا الصغرى‪ 7‬بالقرب من موقع مدين‪77‬ة‪ ‬ط‪77‬روادة‪ ،‬حيث انه‪77‬زم الف‪77‬رس ‪،‬‬
‫ثم تابع تقدمه على طول ساحل‪ ‬البحر األيوني‪ .‬حاصر اإلسكندر مدينة‪ ‬هاليكارناسوس‪ ‬الواقعة في‪ ‬إقليم كاريا‪ ،‬لتكون بذلك أوّ ل مدين‪77‬ة‬
‫يحاصرها‪ ،‬وقد كان الحصار ناجحً ا لدرجة أن المقيم بالمدينة‪،‬مما‪ 7‬اض‪77‬طر قائ‪77‬د المرتزق‪77‬ة في المدين‪77‬ة‪ ،‬الم‪77‬دعو «ممن‪77‬ون الرودس‪7‬ي»‬
‫وح‪7777‬اكم اإلقليم الفارس‪7777‬ي «ُأران‪7777‬دباد» إلى االنس‪7777‬حاب منه‪7777‬ا عن طري‪7777‬ق البح‪7777‬ر‪.‬ثم اتج‪7777‬ه إلى منطق‪7777‬ة‪ ‬ليكيا‪ ‬الجبلي‪7777‬ة في‬
‫جنوب‪ ‬األناضول‪ ‬فسهل‪ ‬پامفيليا‪ ،‬فاتحً ا كل المدن الساحلية ولمّا وصل مدينة ترمسوس‪ ‬الپيس‪77‬يديّة‪ ،‬ع‪77‬دل عن اقتحامه‪77‬ا بع‪77‬د أن ش‪77‬بهها‬
‫بعش‪ ‬عقاب‪ ،‬الطائر المجسد لكبير اآللهة‪ ‬زيوس ‪ ،‬حيث خاف أن يؤدي عمله ذلك إلى غضب زيوس عليه وعدم توفيقه في حملته‪.‬بعد‬
‫ترمسوس كانت‪ ‬گورديوم‪ ‬المحطة التالية لإلسكندر وجيشه‪ ،‬وفيها قام بحل‪ ‬العقدة الگوردية‪. ‬‬
‫تابع اإلسكندر وجيشه زحفهم جنوبًا وعبروا بوابات‪ ‬قيليقية‪ ‬سنة ‪ 333‬ق‪.‬م‪ ،‬فالتقوا بالفرس ثانية عند‪ ‬إسوس‪ ‬يقودهم الشاه‪ ‬دارا‬
‫الثالث‪ ‬بنفسه‪،‬فاشتبك الجيشان في‪ ‬معركة‪ 7‬حامية الوطيس‪  ‬أسفرت عن تحقيق اإلسكندر لنصر حاسم‪ ،‬وانكسار الجيش الفارسي وفرار‬
‫الشاه ناجيًا بحياته‪ ،‬ووقعت في األسر زوجته وابنتيه وأمه «سيسيگامبيس»‪ ،‬وغنم المقدونيون ً‬
‫كنزا عظيمًا كان قد حمله معه‪،‬‬
‫وكميات هائلة من المؤن واألسلحة‪ .‬عرض الشاه إبرام‪ ‬معاهدة سالم‪ ‬مع اإلسكندر يحتفظ األخير بموجبها بما فتحه من األراضي‪،‬‬
‫وأن يطلق سراح عائلته مقابل ‪ 10,000‬طالن‪ .‬ر ّد اإلسكندر على هذا المقترح بأنه هو وحده من لديه الحق بتقسيم أراضي آسيا‪،‬‬
‫بما أنه استحال سيدها‪ ،‬فال يحق لدارا أو أي كان‪ 7‬أن يحدد له ما يحتفظ به وما يتركه‪.‬‬

‫خلّد اإلسكندر نصره هذا‪ ،‬الذي فتح له أبواب‪ ‬الشام‪ ‬على مصراعيها‪ ،‬بأن أنشأ مدينة في شمال البالد على حدود‪ ‬األناضول‪،‬‬
‫هي‪« ‬اإلسكندرونة »‪ .‬وكان أمام اإلسكندر‪ ،‬اآلن‪ ،‬أن يختار إحدى خطتين‪ :‬إما أن يتعقب‪ ‬الفرس‪ ‬إلى‪ ‬بالدهم‪ ‬نفسها‪ ،‬وإما أن يزحف‬
‫جنوبًا لفتح‪ ‬المدن الفينيقية‪ ‬ومصر‪  ‬قبل أن ينقض على فارس‪ .‬وقد وقع اختيار اإلسكندر على الخطة الثانية لكي يصون خطوط‬
‫مواصالته‪ ،‬ولكي يُحبط كل محاولة قد يقوم بها األسطول الفارسي لتحريك‪ ‬اليونان‪ ‬إلى الثورة عليه‪ .‬وكانت المدن الفينيقية رازحة‬
‫تحت نير االستعمار‪ 7‬الفارسي الثقيل‪ ،‬ففتحت أبوابها لإلسكندر واستقبلته كمنقذ مخلّص‪.‬‬

‫ورغب اإلسكندر في أن يُقدّم الذبائح إلله‪ ‬صور‪« ‬ملقارت»‪ ،‬فأبى الصوريّون عليه ذلك‪ ،‬إذ كانوا يعتبرون هذا العمل ح ًقا من حقوق‬
‫ملكهم دون غيره‪ .‬فع ّد اإلسكندر رفضهم هذا إهانة شخصية له‪ ،‬وعزم على تأديب المدينة العنيدة‪ ]81[.‬وكانت صور تنقسم آنذاك إلى‬
‫قسمين‪ :‬صور البرية وصور الجزيرة‪ .‬فارتأى اإلسكندر أن يفتح المدينة البرية أوالً‪ ،‬ثم يبني س ًدا يربطها بالجزيرة فيعبر البحر‬
‫عليه‪ ،‬ويحاصر الجزيرة فتسقط في يديه‪ .‬وهكذا استولى في سهولة فائقة على صور البرية‪ ،‬ثم أمر رجاله بهدم مبانيها‪ 7‬وإلقاء‬
‫أنقاضها في البحر‪ ،‬وبقطع‪ ‬األشجار‪ ‬من‪ ‬الغابات‪ 7‬المجاورة الستخدامها في أعمال الطمر الجبّارة‪ ]81[.‬ولكن الصوريّون قاوموا الفاتح‬
‫ببسالة عجيبة‪ ،‬حتى كاد اليأس يتسرب إلى فؤاده‪ .‬وأخيرً ا استطاع اإلسكندر أن يجمع قوة بحرية هائلة حاصر بها الجزيرة فسقطت‬
‫في يده‪ ،‬في شهر يوليو سنة ‪ 332‬ق‪.‬م‪ ،‬بعد حصار دام سبعة أشهر‪ ‬وانتقم اإلسكندر من صور‪ ،‬فقتل‪ ‬ستة آالف من‬
‫أهلها‪ ،‬وصلب‪ ‬ألفين‪ ،‬وسبى‪ ‬ثالثين أل ًفا‪ ]84[.‬ثم دخل هيكل ملقارت وق ّدم الذبائح إلى إله صور‪ ،‬وأقام حفلة ألعاب ابتهاجً ا بنصره‬

‫بعد تدمير صور‪ ،‬خضعت معظم المدن والبلدات الشامية لإلسكندر دون قتال‪ ،‬أثناء مروره بها متج ًها‪ 7‬إلى مصر‪ ،‬إال‪ ‬غزة‪ ،‬فقد‬
‫رفض حاكم المدينة الفارسي فتح أبوابها للقائد المقدوني‪ ،‬وأعلن عزمه مقاومته‪ .‬وكانت غزة من أكثر مدن الشام تحصي ًنا‪ ،‬وكان‬
‫موقعها على تلة يفرض على أي جيش ضرب الحصار عليها كي يتمكن من فتحها‪ ]85[.‬حاول المقدونيون اقتحام المدينة ثالث مرات‬
‫متتالية‪ ،‬فلم ينجحوا‪  ]86[،‬وفي المرة الرابعة وفقوا بعد أن استخدموا أدوات حصار أحضروها خصي ً‬
‫صا من صور‪ ،‬غير أن اإلسكندر‬
‫دفع ثمن الحصار غال ًي ا‪ ،‬فقد أصيب بجرح خطير في كتفه‪ .‬وكما فعل في صور‪ ،‬انتقم اإلسكندر من أهل المدينة شر انتقام‪،‬‬
‫فطال‪ ‬سيفه‪  ‬رقاب كل الرجال القادرين على حمل السالح‪ ،‬وبيعت النساء واألوالد عبي ًدا‪ ،‬كما جعل الحاكم عبرة‪ 7‬لمن ال يعتبر‪ ،‬فربط‬
‫[‪]87‬‬
‫قائمتيه‪ ‬بعربة‪ ‬ثم جرّ ه تحت أسوار المدينة‪ ،‬واستمر يجرّ ه حتى مات متأثرً ا بجراحه‪.‬‬
‫كانت مدينة‪ ‬القدس‪ ‬قد فتحت أبوابها سل ًم ا لإلسكندر‪ ،‬فدخلها دون مقاومة‪ ،‬ويذكر المؤرخ اليهودي الروماني‪ ،‬المدعو‪ ‬يوسف بن‬
‫ماتيتياهو‪ ،‬والشهير باسم يوسيفوس فالڤيوس‪ ،‬أن‪ ‬األحبار‪ ‬عرضوا على اإلسكندر اإلصحاح الثامن من‪ ‬سفر دانيال‪ ،‬الذي يتحدث عن‬
‫ما أخبره النبي‪ ‬دانيال‪ ‬من أن مل ًكا إغريقيًا عظيمًا سوف يغزو أراضي‪ ‬االمبراطورية الفارسية‪ 7‬وأن شاه فارس صاحب القرنين‪ 7‬عظيم‬
‫ض َو َل ْم‬ ‫ب َعلَى َوجْ ِه ُك ِّل اَألرْ ِ‬ ‫ْس م َِن ْال َمعْ ِز َجا َء م َِن ْال َم ْغ ِر ِ‬ ‫ت ُم َتَأ ِّمالً ِإ َذا ب َتي ٍ‬ ‫الشأن لن يقوى على الوقوف في دربه‪َ  :‬و َب ْي َن َما ُك ْن ُ‬
‫ض ِإلَ ْي ِه‬‫ْن الَّذِي َرَأ ْي ُت ُه َواقِ ًفا عِ ْندَ ال َّنه ِْر َو َر َك َ‬ ‫ب ْال َقرْ َني ِ‬
‫صا ِح ِ‬‫ْش َ‬ ‫ْس َقرْ نٌ مُعْ َت َب ٌر َبي َْن َع ْي َن ْيهِ‪َ .‬و َجا َء ِإلَى ْال َكب ِ‬ ‫ض‪َ ،‬ولِل َّتي ِ‬ ‫َيمَسَّ اَألرْ َ‬
‫ْش َو َك َس َر َقرْ َن ْيهِ‪َ ،‬فلَ ْم َت ُكنْ ل ِْل َكب ِ‬
‫ْش قُوَّ ةٌ َعلَى‬ ‫ب ْال َكب َ‬ ‫ض َر َ‬ ‫ْش‪َ ،‬فاسْ َت َش َ‬
‫اط َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ب ْال َكب ِ‬ ‫ص َل ِإلَى َجا ِن ِ‬ ‫ِبشِ َّد ِة قُوَّ ِتهِ‪َ .‬و َرَأ ْي ُت ُه َق ْد َو َ‬
‫ْش ُم ْنق ٌِذ مِنْ َي ِد ِه‪[.‬دانيال‪ ]8 ‬ويظهر بأن اإلسكندر طرب عند سماعه‪7‬‬ ‫اسهُ‪َ ،‬و َل ْم َي ُكنْ ل ِْل َكب ِ‬ ‫ض َودَ َ‬ ‫ْالوُ ُقوفِ َأ َما َمهُ‪َ ،‬و َط َر َح ُه َع َلى اَألرْ ِ‬
‫نبوءة تتعلق به‪ ،‬فأكرم المقدسيين‪ ،‬ومكث فترة في المدينة زار خاللها هيكل حيرود‪ ،‬ثم غادر وتابع طريقه جنوبًا‪.‬‬

‫وصل اإلسكندر إلى‪ ‬الفرما‪ ،‬بوابة‪ ‬مصر‪ ‬الشرقية‪ ،‬في خريف عام ‪ 332‬ق‪.‬م‪ ،‬ولم يجد أي مقاومة من المصريين‪ 7‬وال من الحامية‬
‫الفارسية‪ 7‬عند الحدود ففتحها بسهولة‪ ،‬ثم عبر‪ ‬النيل‪ ‬ووصل إلى العاصمة‪ ‬منف‪ ،‬فاستقبله أهلها كمحرر‪ 7‬منتصرثم أقام مهرجا ًنا‪ 7‬ثقافيًا‬
‫ترفيهيًا على النمط اإلغريقي احتفاالً بهذا الفوز العظيم‪ .‬بعد ذلك سار بقواته بحذاء الفرع الكانوبي للنيل‪ ،‬متجهًا إلى ساحل‪ ‬البحر‬
‫المتوسط‪ ،‬وحط رحاله بالقرب من‪ ‬بحيرة مريوط‪ ،‬وراعه أهمية المكان‪ 7‬المحصور بين البحيرة والبحر المتوسط‪ ،‬خاصة إن المكان‬
‫قريب من نهر النيل الذي يمده‪ ‬بالمياه العذبة‪ .‬لقد وجد في المكان‪ 7‬جزيرة صغيرة قريبة من الشاطيء ُتسمى «فاروس»‪ ،‬ومن ثم‬
‫كلف أحد معاونيه ويدعى «دينوقراطيس» لكي يشرف على بناء مدينة في هذا ووصل الشاطيء بالجزيرة بطريق من الحجارة‬
‫والرمل ‪ ،‬على أن تحمل المدينة الجديدة اسم القائد المقدوني‪ ،‬أال وهي‪ ‬اإلسكندرية؛ التي قُدّر لها أن تصبح عاصمة مصر الح ًقا‬
‫خالل عهد‪ ‬البطالمة‪ ‬خلفاء اإلسكندر‪  .‬بعد ذلك رجع اإلسكندر إلى منف‪ ،‬وقبل مغادرته مصر حرص على أن ينظم البالد تنظيمًا‬
‫دقي ًقا‪ .‬فقد حرص على اإلبقاء‪ 7‬على النظم المصرية‪ 7‬القديمة‪ ،‬وتنويع الحكم بين المصريين واإلغريق الذين وضع بين أيديهم السلطة‬
‫العسكرية‪ 7‬والمالية‪ ،‬وأبقى للمصريين‪ 7‬السلطة اإلدارية‪ ،‬ووزع السلطات بالتساوي‪ ،‬ثم ش ّد الرحال واتجه بجيشه شر ًقا مجد ًدا‪.‬‬
‫سار اإلسكندر بجيشه متجهًا إلى عقر دار الفرس معتز ًما‪ 7‬القضاء‪ 7‬على قوتهم العسكرية‪ ،‬فوصل‪ ‬بالد ما بين النهرين‪ ،‬حيث كان‬
‫الشاه‪ ‬دارا الثالث‪ ‬قد حشد جي ًشا جرّ ارً ا وصل تعداد أفراده بحسب المصادر القديمة إلى ما بين ‪ 200,000‬و‪ 250,000‬جندي‪ ،‬‬
‫بينما وصل عدد أفراد الجيش المقدوني إلى ‪ 47,000‬جندي فقط‪ .‬اختار الشاه موقع المعركة الفاصلة بعناية‪ 7‬مدروسة‪ ،‬فجعله سهالً‬
‫مكشو ًفا مسطحً ا بحيث يتمكن من إفراز كامل قواته المتفوقة عدديًا بحيث يضمن النصر‪ .‬اتجه الجيش المقدوني إلى ساحة المعركة‬
‫ليجدوا الفرس مصطفين‪ 7‬وبانتظارهم‪ ،‬وقد ظهر بين صفوفهم الكثير من‪ ‬العجالت الحربية‪ ‬وخمسة عشرة‪ ‬فيالً‪ ‬حربيًا أحضرت‬
‫خصيصًا من‪ ‬الهند ‪ .‬أظهر اإلسكندر نبوغه العسكري عند بداية المعركة‪ ،‬فقام بالعدو على موازاة الجناح األيمن للجيش الفارسي‪،‬‬
‫يرافقه ثلّ ة من أفضل فرسانه‪ ،‬فتبعه قسم من الجيش‪ ،‬حتى إذا ظهرت فجوة بين صفوفهم‪ ،‬دخلها اإلسكندر بسرعة فائقة ووصل إلى‬
‫حيث تخفق راية الشاه‪ ،‬الذي راعه رؤية المقدونيين وقد اخترقوا صفوف جيشه‪ ،‬ففر هاربًا مع بعض قادته‪ ،‬تار ًكا جيشه يتضعضع‬
‫تحت وطأة ضربات اإلسكندر وجيشه‪  ..‬الحق اإلسكندر فلول الجيش الفارسي رغبة منه بالقبض على الشاه‪ ،‬فتتبعه‬
‫حتى‪ ‬أربالء‪ ‬شماالً‪ ،‬لكنه لم يتمكن من اإلمساك به‪ ،‬بسبب عبوره‪ ‬جبال زاغروس‪ ‬ولجوئه إلى‪ ‬همدان‪ .‬بعد ذلك دخل اإلسكندر‪ ‬بابل‪،‬‬
‫عاصمة‪ 7‬الفرس‪ ،‬مكلالً بالظفر‪ ،‬واستقبله أهلها بالترحاب‪ ،‬وأعطى األمان للناس ومنع جنوده من دخول البيوت دون إذن أصحابها أو‬
‫أن يسلبوا شيًئ ا‪.‬‬
‫بعد فتحه بابل‪ ،‬انطلق اإلسكندر باتجاه مدينة‪ ‬سوسة‪ ،‬إحدى العواصم األخمينية المهمة‪ ،‬ف‪7‬دخلها واس‪7‬تولى على خزائنه‪7‬ا‪ .‬ثم س‪7‬ار م‪7‬ع‬
‫القسم األعظم من جيشه إلى‪ ‬پرسپولیس‪ ،‬العاصمة‪ 7‬الدينية للفرس‪ ،‬عبر‪ ‬الطريق الملكي‪ ،‬ويُقال أنه انتقى الجنود شخصيًا‪ ،‬ك‪ٌ 7‬ل باس‪77‬مه‪،‬‬
‫ً‬
‫جيش‪7‬ا ص‪7‬غيرً ا بانتظ‪7‬ارهم يق‪7‬وده ح‪7‬اكم‪ ‬اإلقليم‪ ‬الم‪7‬دعو‬ ‫للقيام بهذه المهمة‪ ،‬ولمّا وصل المقدونيون إلى معبر «بوابات فارس» وج‪7‬دوا‬
‫«آریوبرزن»‪ ،‬فهزموه وشتتوه‪ ،‬ثم أسرعوا إلى المدينة قبل أن تقوم حاميتها بالسطو على خزينتها والفرار‪ .‬س‪77‬مح اإلس‪77‬كندر لرجال‪77‬ه‬
‫أن ينهب‪77‬وا پرس‪77‬پوليس طيل‪77‬ة أيّ‪77‬ام ع‪77‬دّة بع‪77‬د أن دخله‪77‬ا‪،‬ومكث فيه‪77‬ا خمس‪77‬ة أش‪77‬هر‪  .‬وخالل ف‪77‬ترة إقامت‪77‬ه‪ ،‬ش‪77‬بّ حري‪77‬ق هائ‪77‬ل في‬
‫يع م‪77‬ا يفع‪77‬ل‪ ،‬أو أن‬
‫قصر‪ ‬خشايارشا‪  7‬الشرقي‪ ،‬وانتشر إلى باقي أنحاء المدينة‪ ،‬ويُحتمل أن يكون هذا الحادث سبّبه شخص مخمور لم ِ‬
‫أحدهم أشعل النار عم ًدا بقصد إحراق معلم فارسي مهم‪ ،‬ر ًدا على حرق الفرس‪ ‬ألكروپوليس أثينا‪ ‬خالل‪ ‬الحرب الفارسية الثانية‪.‬‬

You might also like