Professional Documents
Culture Documents
رهوان
رهوان
رهوان
المقدمة التشويقية التي قام بها المخرج أثناء تتر بداية الفيلم تحكي الكثير وكأنها flash
forwardلما حدث للبطل بعد استخدامه للرجل الصناعية من تحول عكسي عكس كل شي ء في
حياته فأصبح البطء الشديد والتوتر والخوف هو المسيطر عليه على عكس ما كان قبل ذلك
ثم يستطرد المخرج عائدا من ال flash forwardليرينا حالة البطل الحقيقية بما لها من
طالت وتأثيرات على المحيطين به فعندما تسير الحياه ببطء نجده يسرع النشاط في قوة
الحظنا ذلك من مشهد الجنازة حيث البطء الشديد في حركة الناس حاملي النعش ادعاءا منهم أن
النعش أو المتوفي ال يريد التحرك وهذا موروث شعبي معروف في بعض المناطق ولكن عندما
جاء البطل وكأن النعش يجري جريا وهذا تأثير النشاط الذي فعله ظهور البطل
التمهيد لظهور البطل هذا يفسر ويشير بشكل واضح إلى داللة االسم اسم الفيلم وهو رهوان .عند
الوقوف على اسم رهوان نجده أيضا من االسماء ذات الدالالت الموروثة في بعض المناطق
الشعبية فهو يعني التحرك سريعا إلنجاز الشي ء المطلوب ففي بعض المناطق يقال عندما يطلب
االب مثال أول الكبير من ابنه طلب ما على وجه السرعة فيجيب االبن او الصغير عليه بسعادة
حاضر رهوان بما يعني انه سينفذه أقصى سرعه وبكل سعادة
نخرج من الجنازة إلى مشهد مركب ومعقد يقص الكثير من القراءات gالتي يحويها الفيلم فنجد
نظرات الناس للبطل وكأنه شخص متفرد فعل ما عجز عنه األصحاء gدونما اي عناء بل على
العكس بكل هدوء وثقة وراحة ظهر هذا في حالة االرهاق التي ظهرت على الكثيرين عند
وصولهم المقابر
ثانيا صوت طلقات الرش التي سمعناها والتي أخذتنا في هدوء تام لالنتباه الشديد والتركيز على
صراع خفي ظهر اول ما ظهر في ذروته تخيلوا معي
الحمامة البيضاء gفي السماء والتي تشير إلى كثير من معاني السالم والحرية والنقاء والصفاءg
الطلقات التي تطاردها والتي تخبرنا بأن كل نقي مسالم محبوب له من يتربص به بغية اصطياده
والتخلص منه حتى ولو لمجرد أنه نقي صاف محبوب
1
ثم يظهر الصياد لتكتمل الصورة الحمامة والصياد الفريسة والمعتدي مشهد يحمل خالصة الحكاية
وكل الحكايات وهذا هو االبداع الذي نراه بمفردات بسيطة ولكن الدالالت واضحة
وكأن كل مشهد هو قصة في حد ذاته به على قصره الحبكة والصراع والعقدة والحل
المشهد التالي هو مشهد صامت ولكنه يحكي قصة الصراع اإلنساني فدائما ما ينظر اإلنسان إلى
غيره ويري فيه ما ينقصه ثم يضمر له الخير أو الشر وهنا بين رهوان والصياد نجد صراع من
نوع خاص فهما ليسا متكافئين ولكنك ال تكاد تدرك من األفضل ظاهريا وجسمانيا وماديا ينتصر
الصياد بشكل واضح ولكن معنويا واجتماعيا نجد رهوان في مكان آخر والمقارنات كثيرة بين
ابتسامة رهوان الصافية المسالمة ونظرة الصياد الحانقة الساخطة بين هدوء النفس وعنفوان الكره
بين الثقة في العقل والثقة في السالح دونما تفكير او عقل تصل ذروة الصراع هنا الى تمنى الصياد
أن يتحول رهوان الي حمامة حقيقية ليصطادها ويفتك بها ويفضي عليها
طريقة التنقل بين المشاهد تتحدث عليها اللقطة األخيرة في كل مشهد فهي تمهيد للمشهد التالي
او للقصة الجديدة التي ستراها بعد قليل فبعد الوقوف على الصراع بين رهوان والصياد وكأنه
صراع على كل شيء حب الناس والثقة التي يضعوها في رهوان والصدق الذي يظهر دائما عليه
إلى الصراع األبدي على الحبيبة تلك التي تري في رهوان فارسها دون أي شخص آخر تنقلنا
األحداث بعد ذلك لتحكي لنا قصة ذلك الحب gالبريء الصافي الذي يملگ القلوب gبين رهوان
والفالحة الجميلة في صورة ما أبدعها حيث أتقن صانع العمل استخدام وتوظيف كل أدوات
التصوير المتاحة من كرين وشريو وستيدي كام وعدسات واسعة وأخرى ضيقه فنجد لقطات
متابعة وأخرى ثابته وأحجام لقطات معبره جدا عن الموضوع
تراك الصوت
من الضروري ان نؤكد أن تراك الصوت وخاصة في فيلم رهوان يمثل حالة تفاعليه بين الصوت
والصورة فكما نستشعر أن األديب الكبير يوسف إدريس يصور لنا المشاهد وكأنه يراها من خالل
عدسة الكاميرا برع صانع العمل في توظيف كل مفردات تراك الصوت حتى تشعر وأن تراك
الصوت جزء ال يتجزأ من الصورة يتماشى ويتناغم مع اللقطات gلقطة لقطه تجده يعزف علي
وتر السعادة في لحظات السعادة ويأن ألما في لحظات األلم .ينبغي أيضا أن نشير إلى لحظات
الصمت في الفيلم ذلك الصمت الذي هو أبلغ من الكالم
2
استطاع تراك الصوت أن يذهب بنا إلى الواقع واقع األحداث فتجد صوت الخطوات وكأنك تسمعها
فعال لحظات الصمت ممهدة لما بعدها وفي لحظات السعادة تجد الموسيقى ترقص مع
الراقصين
وفي اللقطات المتباينة من ردود األفعال تجد الموييق٦وكأنها تلعب مع الحالة النفسية لكل لقطة
فحالة رهوان المسالمة الحالمة تختلف عن حالة الصياد القاسية العنيفة المتآمرة عن حالة الفالحة
العاشقة المحبة
حتى أصوات الطبيعة بما بها من حيوانات تسمعها .ضفادع الليل تسمعها وكأنك أيضا تسمع
صوت الصمت حين يجب الصمت
من بداية الفيلم تعبر الموسيقى عن الحالة النفسية ببراعة وهي ال تتنقل فقط بين المشاهد بل تتنقل
بين لقطات المشهد الواحد في تناغم رائع وكأنها تأخذك لتفسر لك مكنون الصورة وما يخفى وراء
.داللتها
استطاع تراك الصوت أن يصنع حالة خاصة للفيلم وكأنه ينقل لك ما تشعر به ال ما تراه فأنت
تتعاطف مع رهوان في وقت ما وتفرح معه في وقت آخر وتقلق من أجله في وقت ثالث .هكذا فعل
.تراك الصوت
اإليقاع :عندما تشاهد هذا الفيلم تجد نفسك أمام حالة من اإليقاعات المختلفة فتجد أوال اإليقاع
داخل المشهد الواحد فكل لقطة داخل المشهد لوحد تتناغم مع اللقطة التي قبلها وتمهد وكأنها
تفصح عما بعدها مما يجعل كل مشهد وكأنه وحدة مستقله عن الفيلم فلو مثال اقتطعت مشهد الغزل
الصامت من الدقيقة ٤و الثانية ٢٨تجد له عمال متكامال وكأنه قصة مستقله عن الفيلم لها بداية
ووسط ونهاية بدايتها نظرات الغزل والتي تدعو رهوان ليسرق لحظات السعادة من هذه الحياة
ووسطها أن لبى الدعوة وسار وراء خطى المحبوبة لتبوح لنا اللقطات gعن مدى نقاء وطهارة هذا
الحب البريء وعفويته منتهيا بإعالنه أنه سيفعل كل ما يمكن أن يسعدها معبرا عن ذلك بصعوده
.النخلة والطريقة التي بدأ يهز بها البلح ليتساقط أمام حبيبته
الجمل في المشهد معدودة ولكنه مشهد يحكى لنا قصة كاملة ال ينقصها أي شيء بل ونستمتع معها
.بالنظرات الخجولة واألخرى السعيدة ولحظات السعادة التي تغرد معها الموسيقى لتزيدها سعادة
3
هناك أيضا اإليقاع الموسيقى فالموسيقى أحيانا هي البطل وأحيانا تتحدث نيابة عنه وأحيانا تمهد
لنا ما سيحدث وأحيانا أخري صامته لتدعونا للترقب واالنتظار .لحظات الصمت أحيانا أكثر
.تعبيرا من كل الجمل الكالمية والموسيقية
أما اإليقاع على مستوى المشاهد فهو حالة تدعوك للتأمل فكثر من المشاهد تشعر وكأنها أفالم
كاملة في حد ذاتها ولكنك تجد أخر لقطة في كل مشهد وكنها تصلح لتكون نهاية هذا المشهد وبداية
المشهد الذي يليه مما يدلل على براعة المخرج gوالمونتير في أن واحد فلقد صنع حالة من التواصل
.والتسلسل مع مشاهد وأحداث قد ال يربطها معا رابط
الحبكة :عندما يسجن اإلنسان في فكرة تسيطر عليه واليدرك أنها سجنه إال عندما يستقر بداخله.
قصه من ثالثة مشاهد تمثل كل شيء في الفيلم بل فى السينما بشكل أعم مشهد التعاطف مع
الحمامة واستضافتها ثم مشهد اطالقها وتحريرها فمشهد اصطيادها من قبل الصياد والذي يمثل
ذروة الصراع الخارجي gوالداخلي وأخيرا مشهد ظهوره بعد أن أجرى عملية الرجل الصناعية
وحياته التي تحولت بعدها تحولت من الحرية إلى السجن من االنطالق إلى القيد من الفرح
والسرور إلى الوجوم والحزن .قمة إتقان الحبكة الدرامية .مشاهد تكاد تخلو من الجمل الحوارية
ولكنها ال تخلو أبدا من اإلحساس والتفسير لكل شيء لعبت الموسيقى والمؤثرات الصوتية دور
البطولة المطلقة حتى وكأنك تسمع حوارا صادقا ترويه الجمل الموسيقية في سياق متصل يؤكد
.قراءتك الصحيحة للجمل الموسيقية
اإلخراج :عندما نقرأ نص القصة التي كتبها األديب يوسف إدريس ونقارنها بالفيلم نقف على
بعض النقاط :أوال :برع األديب في وصف رهوان فجعلنا نراه من خالل الجمل الوصفية الوافية
فكان لدى المخرج من التفاصيل gالكافية ليقدم لنا رهوان بشكل كامل في بدايات مشاهده ولكنه لم
يفعل بل ترك لنا أن نستكشف هذه الشخصية من خالل المشاهد المتتالية والتصاعد الدرامي
.لألحداث ونجح في ذلك بشكل جيد
الربط الجيد بين المشاهد واألحداث بما يجعلك تخرج من حالة إلى حالة أخرى مختلفة تماما وأنت
في غاية االندماج ودون أن تشعر باختالف القصص فكلها ترسم شخصية البطل الذي أحببته
وتعاطفت معه من بداية ظهوره .الصعود والهبوط في األحاسيس والمشاعر المختلفة كان يسير
بشكل مرسوم بدقة فرشاة فنان تشكيلي ال تخطئ وهذا جعل من وحدة الموضوع وترابطه يبدوا
وكأنك تشاهد فيلما حواريا طويال مع أنه بال حوار تقريبا وهو أيضا فيلما قصيرا .ولكن هناك
بعض المالحظات gالبد من الوقوف عندها :في مشهد انقطاع التيار الكهربائي عن المسجد تشعر
وأن عودة الكهرباء هو شيء مصيري قد تتوقف عنده الحياة من هذا االصطفاف الطويل من
4
الرجال حاملي لمبات الجاز .ثم عبارة الشيخ ( ها تلحق ) وكأن عدم لحاقه سيتسبب في كارثة ثم
.بعد عودة التيار نالحظ أنه لم يقم مع الناس بالصالة على الرغم من وجد الصياد في الصفوف
ـ في مشهد التحدي بينه وبين الصياد قام الصياد بضربه ضربة في كتفه وعندما وقع أرضا رأينا
.أثر الضربة على وجهه وهذا أدى إلى وجود خلل في استمرارية المشهد
حبكة المحبوبة في بداية األمر كان الحال مقبوال على اعتبار أن هذا األمر أمر واقع وأن الحاجة
إلى معرفة تاريخه (الحب بين رهوان والبنت) أو دوافعه التي تكاد تكون واضحة ولكن بعد عودة
رهوان بالرجل الصناعية تبدل حال المحبوبة بشكل مفاجئ في كسر واضح لحبكتها الدرامية فمن
المفترض أن رهوان ظاهريا قد تحسن لشكل أفضل وكنا ننتظر أن تشاركه معاناته النفسية ضد
.هذه الرجل الغريبة عليه
النهاية :لم تكن مفاجئة بل كانت طبيعية في سياق األحداث الدرامية متماشية مع التسلسل المنطقي
.للخط الدرامي والحالة النفسية للبطل
5