Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫البراغماتية‬

‫البراغماتية هي حركة فلسفية تتضمن أولئك الذين يزعمون أن األيديولوجيا أو االق تراح ص حيح إذا ك ان يعم ل بش كل‬
‫م رض ‪ ،‬وأن مع نى االق تراح موج ود في النت ائج العملي ة لقبوله ا ‪ ،‬وأن األفك ار غ ير العملي ة يجب رفض ها‪ .‬نش أت‬
‫البراغماتية في الواليات المتحدة خالل الربع األخير من القرن التاسع عش ر‪ .‬على ال رغم من أن ه ق د أث ر بش كل كب ير‬
‫على غير الفالسفة ‪ -‬ال سيما في مجاالت القانون والتعليم والسياسة وعلم االجتم اع وعلم النفس والنق د األدبي ‪ -‬إال أن‬
‫هذا المقال ال يتعامل معه إال كحركة داخل الفلسفة‪.‬‬

‫تم استخدام مصطلح "البراغماتية" ألول مرة في المطبوعات لتعيين وجهة نظر فلسفية منذ ق رن مض ى عن دما ض غط‬
‫ويليام جيمس (‪ )1910-1842‬على الكلمة في الخدمة خالل عنوان ع ام ‪ 1898‬بعن وان "المف اهيم الفلس فية والنت ائج‬
‫العملية" ‪ ،‬والذي تم تسليمه في جامعة كاليفورنيا (بيركلي)‪ .‬أقسم جيمس بدقة ‪ ،‬مع ذلك ‪ ،‬أن المصطلح قد ص اغه من ذ‬
‫صا على التمييز‬ ‫ما يقرب من ثالثة عقود من قبل مواطنه وصديقه سي إس بيرس (‪( .)1914-1839‬كان بيرس حري ً‬
‫بين عقائده واآلراء التي أصدرها جيمس ‪ ،‬ثم أعاد تسمية موقفه بـ "البراغماتي ة" ‪ -‬وه و اس م ‪ ،‬كم ا ق ال ‪" ،‬ق بيح بم ا‬
‫يكفي ليكون في مأمن من الخاطفين‪ )".‬الشخصية الرئيسية الثالثة في البانثيون البراغماتي الكالسيكي هو جون ديوي (‬
‫‪ ، )1952-1859‬الذي كان لكتاباته الواسعة ت أثير كب ير على الحي اة الفكري ة األمريكي ة لم دة نص ف ق رن‪ .‬لكن بع د‬
‫ديوي ‪ ،‬فقدت البراغماتية الكثير من زخمها‪.‬‬

‫ك ان هن اك تج دد االهتم ام م ؤخرً ا بالبراغماتي ة ‪ ،‬حيث ق ام العدي د من الفالس فة الب ارزين باستكش اف الموض وعات‬
‫واألفكار وتخصيصها بش كل انتق ائي في التقالي د الغني ة لب يرس وجيمس ودي وي‪ .‬في حين أن ريتش ارد رورتي أش هر‬
‫هؤالء وأكثرهم إثارة للجدل من بين هؤالء "البراغماتيين الجدد" المزعومين ‪ ،‬فإن الفالسفة المعاصرين الت اليين غال ًب ا‬
‫م ا يُعت برون براغم اتيين‪ :‬هيالري بوتن ام ونيك والس ريش ر وي ورجن هابرم اس وس وزان ه اك وروب رت بران دوم‬
‫وكورنيل الغرب‪.‬‬

‫يحت وي القس م األول من المقال ة على م وجز لت اريخ البراغماتي ة‪ .‬والث اني ‪ ،‬مس ح انتق ائي لمواض يع وأطروح ات‬
‫البراغماتيين‪.‬‬

‫‪ .1‬براغماتي من‪ :‬نظرة تاريخية‬


‫أ‪ .‬البراغماتية الكالسيكية‪ :‬من بيرس إلى ديوي‬
‫في البداية كان "النادي الميتافيزيقي" ‪ ،‬وهو مجموعة من عشرات الرجال المتعلمين في جامع ة هارف ارد ال ذين التق وا‬
‫في مناقشات فلسفية غير رسمية خالل أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر في كامبريدج ‪ ،‬ماساتشوستس‪ .‬ضم أعض اء‬
‫النادي الوضعي البدائي تشونسي رايت (‪ ، )1875-1830‬قاضي المحكم ة العلي ا المس تقبلي أوليف ر وين دل ه ولمز (‬
‫‪ ، )1935-1841‬واث نين من الفالس فة الولي دين ال ذين أص بحوا أول براغم اتيين واعين‪ :‬تش ارلز س اندرز ب يرس (‬
‫‪ ، )1914- )1839‬منطقي وعالم رياضيات وعالم ؛ وويلي ام جيمس (‪ ، )1910-1842‬ع الم نفس وأخالقي مس لح‬
‫بدرجة الطب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لخص ب يرس مس اهماته الخاص ة في اجتماع ات الن ادي الميت افيزيقي في مق التين تعت بران اآلن وث ائق تأسيس ية‬
‫للبراغماتية‪" :‬تثبيت اإليمان" (‪ )1877‬و "كيفية جعل أفكارنا واض حة" (‪ .)1878‬تب ع جيمس ب يرس بمقال ه الفلس في‬
‫األول ‪" ،‬مالحظات حول تعريف سبنسر للعقل كمراس لة" (‪ .)1878‬بع د ظه ور مب ادئ علم النفس (‪ ، )1890‬ذهب‬
‫جيمس لنش ر إرادة اإليم ان ومق االت أخ رى في الفلس فة الش عبية (‪ ، )1896‬أص ناف التجرب ة الديني ة (‪، )1902‬‬
‫البراغماتية‪ :‬اسم جدي د لبعض الط رق القديم ة في الفلس فة‪ .‬التفك ير (‪ ، )1907‬ومع نى الحقيق ة‪ :‬تكمل ة للبراغماتي ة (‬
‫‪ .)1909‬لسوء الحظ ‪ ،‬لم ينجح بيرس أب ًدا في نشر مؤلفات رائعة تم فيها شرح وجهات نظ ره الفلس فية الدقيق ة بش كل‬
‫منهجي‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬قام بالنشر ‪ ،‬على الرغم من أنه ترك وراءه جباًل من شظايا المخطوطات ‪ ،‬والتي تم طباعة العديد‬
‫منها فقط بعد عقود من وفاته‪.‬‬

‫سافر بيرس وجيمس في مسارات مختلفة ‪ ،‬فلسفيًا وكذلك مهنيًا‪ .‬أصبح جيمس ‪ ،‬األق ل ص رامة ولكن ه أك ثر ص البة ‪،‬‬
‫ً‬
‫(وأستاذا في جامعة هارفارد) بفض ل نطاق ه الفك ري وتعاطف ه الواس ع وعبقريت ه اإليمرس ونية‬ ‫شخصية عامة محترمة‬
‫لتعميمه‪ .‬لقد أدرك مواهب بيرس اإلبداعية الهائلة وفعل ما في وسعه لتق دم ص ديقه على المس توى المه ني ؛ ولكن في‬
‫النهاية دون جدوى‪ .‬استعصى النجاح المهني داخل األكاديمية على بيرس ؛ بعد إقالته بسبب الفضيحة من جامعة جونز‬
‫هوبكنز (‪ - )1884-1879‬تعيينه األكاديمي الوحيد ‪ -‬كافح في عزلة في ريف بنسلفانيا‪ .‬ص حيح أن ب يرس لم ينقط ع‬
‫تمامًا‪ :‬لقد تراسل مع زمالئ ه ‪ ،‬وراج ع الكتب ‪ ،‬وألقى المحاض رة الفردي ة ال تي تمت دعوته ا‪ .‬وم ع ذل ك ‪ ،‬نم ا عمل ه‬
‫الفلسفي بشكل متزايد ‪ ،‬وظل إلى حد كبير غير محل تقدير من قب ل معاص ريه‪ .‬على النقيض من ذل ك ‪ ،‬اس تمد جيمس‬
‫المرتبط جي ًدا اإللهام والتحفيز من مجموعة متنوعة من زمالئه المسافرين والمتعاطفين والنقاد الحادين‪ .‬وش مل ه ؤالء‬
‫أعضاء في مدرسة ش يكاغو للبراغم اتيين ‪ ،‬بقي ادة ج ون دي وي (ومنهم اآلن أك ثر من ذل ك) ؛ األيقون ات الالذع ة في‬
‫أكس فورد ‪ .F.C.S‬ش يلر (‪ ، )1937-1864‬يص ف نفس ه بروت اجوري و "إنس اني" ؛ جيوف اني ب ابيني (‪-1881‬‬
‫‪ ، )1956‬زعيم خلي ة من البراغم اتيين اإليط اليين ؛ واث نين من زمالء جيمس األص غر س نا ً في جامع ة هارف ارد ‪،‬‬
‫المثالي المطلق يوشيا رويس (‪ )1916-1855‬وعالم الطبيعة الشعري جورج س انتايانا (‪ ، )1952-1864‬وكالهم ا‬
‫تحديا البراغماتية أثناء تأثرهما بها‪( .‬تجدر اإلشارة ‪ ،‬مع ذلك ‪ ،‬إلى أن رويس تأثر بشكل كبير ببيرس)‪.‬‬

‫العضو األخير في الثالثية البراغماتية الكالسيكية هو جون ديوي (‪ ، )1952-1859‬الذي ك ان ط الب دراس ات علي ا‬
‫في جامعة جونز هوبكنز خالل فترة بيرس القصيرة هناك‪ .‬في حياته المهنية الالمعة ال تي امت دت لس بعة عق ود ‪ ،‬فع ل‬
‫ً‬
‫شخص ا غ ير‬ ‫ديوي الكثير لجعل البراغماتية (أو "الذرائعية" كما أسماها) محترمة بين الفالسفة المحترفين‪ .‬كان بيرس‬
‫مرغوب فيه في العالم األكاديمي ؛ جيمس ‪ ،‬وهو شخص مطلع ولكن ليس متحذلق ‪ ،‬ك ان يمقت "أخطب وط ال دكتوراه"‬
‫وكتب عظات بليغة‪ .‬لكن ديوي كان أستاذاً كتب الفلسفة كما كان من المفترض أن يفعلها أس اتذة ‪ -‬أي ألس اتذة آخ رين‪.‬‬
‫أعماله الناضجة ‪ -‬إعادة اإلعمار في الفلسفة (‪ ، )1920‬التجربة والطبيعة (‪ ، )1925‬والبحث عن اليقين (‪- )1929‬‬
‫تفكك بجرأة الثنائيات واالنقسامات التي ‪ ،‬بش كل أو ب آخر ‪ ،‬ض منت الفلس فة من ذ اإلغري ق‪ .‬وف ًق ا ل ديوي ‪ ،‬بمج رد أن‬
‫يتخلى الفالسفة عن هذه الفروق العريقة ‪ -‬بين المظهر والواقع ‪ ،‬والنظرية والممارس ة ‪ ،‬والمعرف ة والفع ل ‪ ،‬والحقيق ة‬
‫والقيمة ‪ -‬سوف يرون من خالل المشاكل غير الموضوعة لنظرية المعرف ة التقليدي ة والميتافيزيقي ا‪ .‬فب دالً من محاول ة‬
‫مسح العالم الفرعي من نوع ‪ ، aeternitatis‬فإن فالسفة ديويان يكتف ون بالحف اظ على أق دامهم مغروس ة في األرض‬
‫الثابتة ومعالجة "مشاكل الرجال"‪.‬‬

‫برز ديوي كشخصية رئيسية خالل عق ده في جامع ة ش يكاغو ‪ ،‬حيث ك ان زميل ه البراغم اتي ج‪ .‬ك ان مي د (‪-1863‬‬
‫‪ )1931‬زمياًل ومتعاو ًن ا‪ .‬بع د مغادرت ه ش يكاغو إلى جامع ة كولومبي ا في ع ام ‪ ، 1904‬أص بح دي وي أك ثر إنتاجً ا‬

‫‪2‬‬
‫وتأثيرً ا‪ .‬نتيجة لذلك ‪ ،‬أصبحت البراغماتية س مة مهم ة للمش هد الفلس في في ال داخل والخ ارج‪ .‬ك ان ل ديوي في الواق ع‬
‫الكثير من التالميذ والمقلدين‪ .‬ما كان ينقصه هو خليفة حسن النية ‪ -‬شخص ما ‪ ،‬يمكن أن يق ف أم ام دي وي وه و يق ف‬
‫أمام جيمس وبيرس‪ .‬لذلك ليس من المستغرب أنه بحلول األربعينيات ‪ -‬بعد وقت قصير من نشر منطق ديوي‪ :‬نظري ة‬
‫التحقيق (‪ - )1938‬فقدت البراغماتية الكثير من زخمها ومكانتها‪.‬‬

‫منقرض ا ؛ س ي آي ل ويس (‪ )1964-1883‬وس يدني ه وك (‪-1902‬‬ ‫ً‬ ‫ه ذا ال يع ني أن البراغم اتيين أص بحوا نوعً ا‬
‫‪ ، )1989‬على سبيل المثال ‪ ،‬ظلوا بارزين ومنتجين‪ .‬لكن بالنسبة للكثيرين ‪ ،‬ال بد أنه بدا أنه لم يعد هن اك ج دوى من‬
‫وصف المرء نفسه بأن ه براغم اتي ‪ -‬خاص ة م ع وص ول تل ك الفلس فة التحليلي ة الص ارمة الواعي ة ب ذاتها‪ .‬بينم ا ق رأ‬
‫الفالسفة األمريكيون المزيد والمزيد من مور ‪ ،‬ورسل ‪ ،‬وفتجنشتاين ‪ ،‬ودائرة فيينا ‪ ،‬وج د العدي د منهم دي وي وجيمس‬
‫استفزازا في السابق غامضًا وضبابيًا بشكل مثير للغضب‪ .‬كان عصر الفلسفة السينوبتيكية الكبرى يق ترب بس رعة من‬ ‫ً‬
‫نهايته‪ .‬كان عصر حل المشكالت الجزئي والحجج العنيفة في طريقه‪.‬‬
‫ب‪ .‬براغماتية ما بعد ديويان‪ :‬من كوين إلى رورتي‬
‫وهكذا تراجعت ق وة ديوي ان عن نفس ها من خالل الق وة ال تي اس تطاعت أن تحاف ظ عليه ا ‪ ،‬أي االح تراف الت دريجي‬
‫للفلس فة كنظ ام أك اديمي متخص ص‪ .‬البراغماتي ة ‪ ،‬ال تي وُ ص فت ذات م رة على أنه ا هدي ة أمريك ا المم يزة للفلس فة‬
‫الغربية ‪ ،‬سرعان ما سخرت ظلما من قبل العديد من المحللين الع اديين على أنه ا قديم ة‪ .‬من بين الثالثي ة البراغماتي ة‬
‫األصلية ‪ ،‬كان بيرس األفضل على اإلطالق‪ .‬في الواقع ‪ ،‬أعجب بعض الفالسفة التحليليين بإسهاماته الفنية في المنطق‬
‫وفلسفة العلم لدرجة أنهم دفعوا له مجامل ة (مش كوك فيه ا) إلع ادة ص نعه على ص ورتهم الخاص ة‪ .‬لكن س معة جيمس‬
‫وديوي ع انت بش دة وتض اءل ت أثير البراغماتي ة كفص يل‪ .‬ص حيح ‪ .W.V.O ،‬تح دت مقال ة كوي نز (‪)2000-1908‬‬
‫التاريخية "عقيدتان من التجريبية" (‪ )1951‬العقيدة الوضعية باالعتماد على تراث البراغماتية‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬على الرغم‬
‫من حماس كواين المؤهل ألج زاء من ه ذا اإلرث ‪ -‬حم اس مش ترك ب درجات متفاوت ة من قب ل ل ودفيج فيتجنش تاين (‬
‫‪ ، )1951-1889‬رودولف كارناب (‪ ، )1970-1891‬ه انز ريتش ينباخ (‪ ، )1953-1891‬ك ارل ب وبر (‪-1902‬‬
‫‪ ، )1994‬ف‪ .‬رمزي (‪ ، )1930-1903‬ونيلسون جودمان (‪ ، )1999-1906‬وويلفريد سيالرز (‪)1989-1912‬‬
‫‪ ،‬وتوماس كون (‪ - )1996-1922‬مال الفالسفة التحليليون الرئيسيون إلى تجاهل البراغماتية حتى أوائل الثمانينيات‪.‬‬

‫ما جعل الفالسفة يتحدثون عن البراغماتية مرة أخرى هو نشر فلسفة ريتشارد رورتي ومرآة الطبيعة ( ‪ - )1979‬وهو‬
‫كتاب مثير للجدل رفض االفتراضات األساسية للفلسفة الحديثة بحماسة وحيوية وتعلم‪ .‬بعد أن أعلن أن نظرية المعرفة‬
‫قضية خاسرة ‪ ،‬وجد رورتي اإللهام والتشجيع في ديوي‪ .‬بالنسبة إلى ديوي ‪ ،‬قال رورتي ‪ ،‬كان ق د رأى بص راحة أن‬
‫الفلسفة يجب أن تصبح أقل أفالطوني ة وأق ل كانطي ة ‪ -‬أق ل اهتما ًم ا ‪ ،‬أي بالكش ف عن األس س المعياري ة الض رورية‬
‫وغير التاريخية لممارسات ثقافتنا‪ .‬بمجرد أن نفهم ثقافتنا ليس كصرح ثابت ولكن كمحادث ة مس تمرة ‪ ،‬يتغ ير الوص ف‬
‫ال وظيفي الرس مي للفيلس وف من طبق ة أساس ية إلى م ترجم ف وري‪ .‬في غي اب نقط ة أرخمي دس ‪ ،‬يمكن للفلس فة أن‬
‫تستكشف ممارساتنا ومفرداتنا فقط من الداخل ؛ ال يمكن أن تؤسس هم على ش يء خ ارجي وال تق ييمهم من أج ل الدق ة‬
‫التمثيلية‪ .‬وبالتالي تصبح فلسفة ما بعد المعرفية هي فن الفهم‪ .‬إنه يستكشف الطرق التي ترتبط بها تلك األص وات ال تي‬
‫تشكل تلك المحادثة المتغيرة التي نطلق عليها ثقافتنا ‪ -‬أصوات العلم والفن واألخالق والدين وما شابه‪.‬‬

‫في الكتابات الالحقة ‪ -‬النتائج البراغماتي ة (‪ ، )1982‬الط وارئ ‪ ،‬الس خرية ‪ ،‬والتض امن (‪ ، )1989‬تحقي ق بالدن ا (‬
‫‪ ، )1998‬الفلسفة واألمل االجتماعي (‪ ، )1999‬وثالثة مجلدات من األوراق الفلسفية (‪)1998 ، 1991 ، 1991‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬ع ّرف رورتي نفسه بحماس بأنه براغماتي‪ .‬باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬فق د حث على أن ه ذه الص فة يمكن أن ُتمنح بش كل‬
‫مفيد لمجموعة من الفالسفة المشهورين اآلخرين ‪ -‬وال س يما دونال د ديفيدس ون (‪ .)2003-1917‬على ال رغم من أن‬
‫رورتي هو البطل المعاصر األك ثر وض وحً ا وص و ًتا للبراغماتي ة ‪ ،‬إال أن العدي د من الشخص يات المعروف ة األخ رى‬
‫ساهمت بشكل كبير في عودة هذه الحركة متعددة الجوانب‪ .‬من بين أنصار اإلحياء البارزين ك ارل أوت و أبي ل (موالي د‬
‫‪ ، )1922‬إس رائيل ش يفلر (موالي د ‪ ، )1923‬جوزي ف م ارغوليس (موالي د ‪ ، )1924‬هيالري بوتن ام (موالي د‬
‫‪ ، )1926‬نيك والس ريش ر (موالي د ‪ ، )1928‬ي ورغن هابرم اس (ب‪ ، )1929 .‬وريتش ارد بيرنش تاين (موالي د‬
‫‪ ، )1932‬وستيفن ستيتش (مواليد ‪ ، )1944‬وسوزان هاك (مواليد ‪ ، )1945‬وروبرت بران دوم (موالي د ‪، )1950‬‬
‫وكورنيل ويس ت (موالي د ‪ ، )1953‬وش يريل ميس اك (موالي د ‪ .) )1961‬وم ع ذل ك ‪ ،‬هن اك الكث ير من الخالف بين‬
‫هؤالء الكتاب ‪ ،‬لذلك سيكون من المضلل بشكل كبير تقديمهم كأعضاء موقعين لبيان من طائفة أو زمرة واحدة‪.‬‬

‫‪ .‬بعض الموضوعات واألطروحات البراغماتية‬


‫ما الذي يجعل هؤالء الفالسفة براغماتيين؟ ليس هناك ‪ ،‬لألسف ‪ ،‬إجابة بسيطة على هذا السؤال‪ .‬ألن ه ال توج د عقي دة‬
‫براغماتية‪ .‬أي عدم وجود قائمة مرتبة بالمقاالت أو المبادئ األساسية المعتم دة من قب ل جمي ع البراغم اتيين وفق ط من‬
‫قب ل البراغم اتيين‪ .‬وم ع ذل ك ‪ ،‬من الممكن تحدي د بعض األفك ار ال تي ك انت تل وح في األف ق بش كل كب ير في التقلي د‬
‫البراغماتي ‪ -‬على الرغم من أن هذا ال يعني أن هذه األفكار هي ملكية حصرية للبراغم اتيين ‪ ،‬وال يتم تبنيه ا من قب ل‬
‫جميع البراغماتيين‪.‬‬
‫هنا ‪ ،‬إذن ‪ ،‬بعض الموضوعات واألطروحات التي ارتبط بها العديد من البراغماتيين‪.‬‬

‫أ‪ .‬طريقة وحكمة‬


‫يمكن تقديم البراغماتية كطريقة لتوضيح (وفي بعض الحاالت حل) الخالفات الميتافيزيقية والمعرفية المستعصية‪ .‬وف ًقا‬
‫للبراغم اتي ال واقعي ‪ ،‬يجب أن يعت اد علم اء الميتافيزيقي ا المتش احن على ط رح الس ؤال الت الي‪" :‬م ا الف رق العملي‬
‫الملموس الذي يمكن أن يحدثه إذا كانت نظريتي صحيحة ومنافستها (نظرائها) خاطئة؟" في حالة عدم وجود مث ل ه ذا‬
‫االختالف ‪ ،‬ال يوجد خالف حقيقي (أي غير لفظي) ‪ ،‬وبالتالي ال توجد مشكلة حقيقية‪.‬‬
‫ً‬
‫ارتباطا وثي ًقا بما يسمى "المب دأ البراغم اتي" ‪ ،‬ال ذي ص اغ ب يرس وجيمس نس ًخا مختلف ة من ه في‬ ‫ترتبط هذه الطريقة‬
‫محاوالتهما لتوضيح معنى المفاهيم أو األفكار المجردة‪ .‬يشير هذا المب دأ إلى المفه وم التحققي الواس ع للمع نى اللغ وي‬
‫والذي وف ًقا له ال يمكن فهم فكرة أن هناك حقائق غير معروفة من حيث المبدأ (أي الحقائق التي ال يمكن ألحد أن يبرر‬
‫تأكيدها والتي يمكن أن يكون لها مطل ًقا‪ .‬ال ي ؤثر على س لوكنا أو خبرتن ا)‪ .‬من وجه ة النظ ر ه ذه ‪ ،‬ف إن الح ديث عن‬
‫أشياء كانط ال يمكن الوصول إليها في حد ذاتها ‪ -‬عن "عالم حقيقي" (نيتشه) مختبئ إلى األبد خلف حجاب الظ واهر ‪-‬‬
‫هو كالم عديم الفائدة أو عاطل‪ .‬بمعنى من المعاني ‪ ،‬إذن ‪ ،‬يتف ق البراغم اتي ص احب المث ل م ع أوس كار وايل د‪ :‬فق ط‬
‫األشخاص الضحلون ال يحكمون من خالل المظاهر‪.‬‬
‫عالوة على ذلك ‪ ،‬يجب الحكم على النظريات والنماذج في المق ام األول من خالل ثماره ا ونتائجه ا ‪ ،‬وليس من خالل‬
‫أصولها أو عالقتها بالبيانات أو الحقائق الس ابقة‪ .‬يتم تق ديم الفك رة األساس ية بش كل مج ازي من قب ل جيمس ودي وي ‪،‬‬
‫اللذين تعتبر النظريات العلمية بالنسبة لهما أدوات أو أدوات للتأقلم مع الواقع‪ .‬كما أكد دي وي ‪ ،‬ف إن فائ دة النظري ة هي‬

‫‪4‬‬
‫مسألة قوتها في حل المشكالت ؛ يجب أال يُعادل التأقلم البراغماتي مع ما يقدم ع زاءًا عاطف ًي ا أو راح ة ذاتي ة‪ .‬م ا ه و‬
‫أساسي هو أن تدفع النظريات طريقها على المدى الطويل ‪ -‬بحيث يمكن االعتماد عليها مرارً ا وتكرارً ا لحل المشكالت‬
‫الملحة وتوضيح الصعوبات الكبيرة التي تواجه المستفسرين‪ .‬إلى الحد الذي تعمل فيه النظري ة أو "تعم ل" عمل ًي ا به ذه‬
‫الطريقة ‪ ،‬فمن المنطقي االستمرار في استخدامها ‪ -‬على الرغم من أنه يجب علينا دائمًا السماح بإمكاني ة اس تبدالها في‬
‫النهاية بنظرية تعمل بشكل أفضل‪( .‬انظر القسم ‪ 2‬ب أدناه ‪ ،‬لمزيد من المعلومات عن عدم الخطأ‪ ).‬يمكن العث ور على‬
‫متغير مثير لالهتمام حول هذا الموضوع في فلسفة بوبر الكاذبة للعلم‪ :‬على الرغم من عدم تبريرها بشكل إيجابي ‪ ،‬إال‬
‫أن النظريات (التي ُتفهم على أنها تخمينات أو تخمين ات جريئ ة) ق د تظ ل مقبول ة منطق ًي ا بش رط تكراره ا‪ .‬مح اوالت‬
‫تزويرها باءت بالفشل‪.‬‬

‫ب‪ .‬مكافحة الديكارتية‬


‫من بيرس وجيمس إلى رورتي وديفيدسون ‪ ،‬سعى البراغماتيون باستمرار إلى تنقية التجريبية من آثار الديكارتي‪ .‬لق د‬
‫أصروا ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬على أن التجريبية تجرد نفسها من هذا الفهم للعقل الذي ورث ه ل وك وب يركلي وهي وم من‬
‫ديكارت‪ .‬وف ًقا لمثل هذه الديكارتيّة ‪ ،‬فإنّ العقل هو مجال ق ائم بذات ه ومحتويات ه ‪" -‬األفك ار" أو "االنطباع ات" ‪ -‬ذاتي ة‬
‫وخاصّة بشكل ال يمكن إصالحه ‪ ،‬ومنفصلة تمامًا عن العالم العام والموضوعي الذي يزعم أنه يمثله‪ .‬بمج رد أن نقب ل‬
‫هذه الصورة للعقل كعالم في حد ذاته ‪ ،‬يجب أن نواجه مجموع ة من المش كالت المعق دة ‪ -‬ح ول االنغم اس والتش كيك‬
‫والواقعية والمثالية ‪ -‬التي كافح معها التجريبيون لفترة طويلة‪ .‬وق د ع بر البراغم اتيون عن معارض تهم له ذه الص ورة‬
‫الديكارتية بعدة طرق‪ :‬وجهة نظر بيرس القائل ة ب أن المعتق دات هي قواع د للعم ل‪ .‬فهم جيمس الغ ائي للعق ل‪ .‬ت أمالت‬
‫ديوي الداروينية على التجربة ؛ استهزاء بوبر بـ "نظرية الجرافة للعقل" ؛ حجة فيتجنش تاين اللغوي ة الخاص ة ؛ رفض‬
‫رورتي اعتب ار العق ل م رآة الطبيع ة ؛ ونق د ديفيدس ون "ألس طورة ال ذات"‪ .‬في ه ذه الح االت وغيره ا ‪ ،‬تك ون الني ة‬
‫تحررية‪ :‬يرى البراغماتيون أنفسهم على أنهم تحرير الفلسفة من االفتراضات االختيارية التي ولدت مشاكل غ ير قابل ة‬
‫للحل وغير حقيقية‪.‬‬

‫ضا أن "البحث عن اليقين" الديكارتي خيالي‪ .‬بيس ديكارت ‪ ،‬ال يوجد بيان أو حكم عن العالم مؤكد‬ ‫يجد البراغماتيون أي ً‬
‫تما ًم ا أو ال يمكن إصالحه‪ .‬يتم التعامل مع جميع المعتقدات والنظريات بشكل أفضل على أنها فرضيات عمل قد تحتاج‬
‫إلى تعديل ‪ -‬صقلها أو تنقيحها أو رفضها ‪ -‬في ضوء االستفسار والتجربة المستقبلية‪ .‬لقد داف ع البراغم اتيون عن مث ل‬
‫هذه الظواهر الخاطئة عن طريق الحجج المختلفة‪ .‬هنا اسكتشات من خمسة‪ )1( :‬هن اك حج ة من ت اريخ البحث‪ :‬ح تى‬
‫أفضل نظرياتنا وأكثرها إثارة لإلعجاب ‪ -‬الهندس ة اإلقليدي ة والفيزي اء النيوتوني ة ‪ ،‬على س بيل المث ال ‪ -‬احت اجت إلى‬
‫مراجعات مهمة وغير متوقعة‪ )2( .‬إذا كانت النظريات العلمي ة مقي دة بش كل كب ير بالبيان ات ‪ ،‬فهن اك نظري ات بديل ة‬
‫تناسب البيانات المذكورة‪ .‬كيف إذن يمكننا أن نكون متأكدين تمامًا من أننا اخترنا النظرية الصحيحة؟ ( ‪ )3‬إذا قلنا (مع‬
‫بيرس) أن الحقيقة هي ما سيتم قبوله في نهاية التحقي ق ‪ ،‬فيب دو أنن ا ال نس تطيع أن نك ون متأك دين تما ًم ا من أن رأين ا‬
‫صحيح ما لم نعلم يقي ًنا أننا وصلنا إلى نهاية سؤال‪ .‬لكن كيف لنا أن نعرف ذل ك؟ (انظ ر القس م ‪ 2‬هـ أدن اه لمزي د من‬
‫المعلومات حول نظرية بيرس للحقيقة‪ )4( ).‬هناك حجة منهجية أيضً ا‪ :‬تعوق وصفات اليقين طريق التحقيق ‪ ،‬ألنها قد‬
‫تمنعنا من إحراز تقدم (أي العثور على رؤية أفضل أو النظرية) يجب أن يكون التقدم ممك ًنا‪ )5( .‬أخيرً ا ‪ ،‬هن اك حج ة‬
‫سياسية‪ .‬يقال إن النزعة الخاطئة هي البديل العقالني الوحيد لعقيدة الدوغماتية ‪ ،‬وللتعصب وعدم التسامح والعنف الذي‬
‫يمكن أن تؤدي إليه مثل هذه الدوغمائية بسهولة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫لقد انتقد البراغماتيون أيضً ا الفكرة الديكارتية القائلة بأن الفلسفة يجب أن تبدأ بشك عالمي جريء ‪ -‬أي أن الش ك ق ادر‬
‫على هدم كل معتقداتنا القديمة‪ .‬بيرس ‪ ،‬وجيمس ‪ ،‬وديوي ‪ ،‬وكواين ‪ ،‬وبوبر ‪ ،‬ورورتي ‪ ،‬على سبيل المث ال ‪ ،‬أنك روا‬
‫جمي ًعا بشكل قاطع أنه يجب علينا مسح الصفحة وإيجاد نقطة انطالق محايدة أو ض رورية أو غ ير مفترض ة للتحقي ق‪.‬‬
‫التحقيق ‪ ،‬البراغماتيون مقتنعون ‪ ،‬ال يمكن أن يبدأ إال عندما يكون هناك بعض الشك الفعلي أو الحي ؛ لكنهم يش يرون‬
‫إلى أنه ال يمكننا أن نشك بصدق في كل شيء دفعة واحدة (على الرغم من أنهم يسمحون ‪ ،‬كما يجب أن يكون مخطئو‬
‫الخطأ الجيدون ‪ ،‬أنه ال يوجد شيء قد ال نشكك فيه في سياق تحقيقاتنا)‪ .‬يتلخص هذا الموقف المن اهض لل ديكارتي في‬
‫االستعارة الشهيرة ألوتو نيورات للمخطط المفاهيمي كطوف‪ :‬المستفسرون هم البحارة الذين يجب أن يصلحوا ألواحهم‬
‫الخش بية عن طري ق الل وح الخش بي ‪ ،‬ويهرب ون ط وال ال وقت في ع رض البح ر ؛ ألنهم ال يس تطيعون أب ًدا ال نزول‬
‫والتدقيق في مركبتهم في الحوض الجاف من وجهة نظر خارجية‪ .‬باختصار ‪ ،‬يجب أن نب دأ في الدق ة اإلعالمي ة ‪ -‬في‬
‫منتصف األشياء ‪ -‬ونعترف ب أن نق اط البداي ة ل دينا هي موروث ات مش روطة ومش روطة تاريخ ًي ا‪ .‬ك ان أح د األخالق‬
‫الفوقية الفلسفية التي رسمها ديوي (وأعاره كواين) هو أننا يجب أن نتب نى الم ذهب الط بيعي‪ :‬فك رة أن الفلس فة ليس ت‬
‫سابقة على العلم ‪ ،‬ولكنها مستمرة معها‪ .‬وبالتالي ال توج د طريق ة خاص ة ومم يزة يمكن للفالس فة كطبق ة أن يفتخ روا‬
‫بها ؛ ال توجد هيئة تدريس متعالية للعقل البحت أو الحدس ؛ ال توجد حقيق ة (غ ير قابل ة للتغي ير أو غ ير ذل ك) يتع ذر‬
‫الوصول إليها للعلم بالنسبة للفلسفة‪ .‬عالوة على ذلك ‪ ،‬ال يخترع الفالسفة المعايير أو يش ّرعونها من األعلى ؛ ب دالً من‬
‫ذلك ‪ ،‬فإنها توضح القواعد واألساليب المتضمنة في أفضل ممارساتنا الحالية‪.‬‬

‫أخيرً ا ‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن البراغماتيين غير خائفين من المشككين الديكارتيين العالميين ‪ -‬أي نوع المش ككين ال ذين‬
‫يؤكدون أننا ال نستطيع معرفة أي شيء عن العالم الخارجي ألننا ال نستطيع أب ًدا أن نع رف أنن ا لس نا مج رد حلم‪ .‬لق د‬
‫حثوا على أن مثل هذا الشك‬
‫ج‪ .‬الوراثة الكانطية‬
‫يعتم د نق د البراغماتي ة للديكارتيزمي ة والتجريبي ة بش كل كب ير ‪ -‬وإن لم يكن بش كل غ ير نق دي ‪ -‬على كان ط‪ .‬يعتق د‬
‫البراغماتيون ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬أن كانط ك ان مح ًق ا في قول ه إن ه يجب تفس ير الع الم بمس اعدة مخط ط من الفئ ات‬
‫األساسية ؛ لكنهم يضيفون أنه كان مخطًئ ا للغاية عندما اقترح أن هذا اإلطار مقدس أو غير قابل للتغيير أو ض روري‪.‬‬
‫مقوالتن ا ونظرياتن ا هي في الواق ع إب داعاتنا‪ .‬إنه ا تعكس دس تورنا وتاريخن ا المم يزين ‪ ،‬وال يتم قراءته ا ببس اطة من‬
‫العالم‪ .‬لكن يمكن تغيير األطر واستبدالها‪ .‬وكما أن هناك أكثر من طريق ة لجل د قط ة ‪ ،‬فهن اك أك ثر من طريق ة س ليمة‬
‫لتصور العالم ومحت واه‪ .‬أي إط ار أو مف ردات تفس يرية يجب أن نس تخدمها ‪ -‬مث ل الفيزي اء ‪ ،‬على س بيل المث ال ‪ ،‬أو‬
‫الفطرة السليمة ‪ -‬ستعتمد على أغراضنا واهتماماتنا في سياق معين‪.‬‬
‫حصيلة كل هذا هو أن العالم ال يفرض علين ا بعض الوص ف الفري د ؛ ب ل نحن من نخت ار كيفي ة وص ف الع الم‪ .‬على‬
‫الرغم من أن هذه الفكرة موجودة بقوة في جيمس ‪ ،‬إال أنه ا ب ارزة ً‬
‫أيض ا في البراغماتي ة الالحق ة‪ .‬إن ه يوض ح تمي يز‬
‫كارن اب بين األس ئلة الداخلي ة والخارجي ة ‪ ،‬وادع اء رورتي ب أن الطبيع ة ليس له ا وص ف مفض ل لنفس ها ‪ ،‬وح ديث‬
‫غودمان عن صنع العالم وعن النسخ العالمي ة الص حيحة ولكن غ ير المتوافق ة ‪ ،‬وإص رار بوتن ام على وج ود األش ياء‬
‫بالنسبة إلى المخططات أو األطر المفاهيمية‪.‬‬
‫ثم هناك مسألة مناشدة التجربة الخام كمصدر للدليل على معتقداتنا‪ .‬وف ًقا لتقليد التجريبية السائدة من لوك إلى آير ‪ ،‬ف إن‬
‫معتقداتنا حول الع الم تس تمد في النهاي ة تبريره ا من اإلدراك‪ .‬م ا ال ذي ي برر بع د ذل ك اعتق اد الم رء أن القط ة على‬
‫السجادة؟ ليس اعتقا ًدا أو حكمًا آخر ‪ ،‬ولكن ببساطة تجربة بصرية للمرء‪ :‬يرى الم رء قط ة ق ال تتماي ل على الس جادة‬
‫المذكورة ‪ -‬وهذا كل شيء‪ .‬نظرً ا ألن التجربة ببساطة " ُتعطى" للعقل من الخارج ‪ ،‬فيمكنها تبرير المعتقدات األساس ية‬
‫للف رد (أي ‪ ،‬المعتق دات الم بررة ولكن تبريره ا ال ينب ع من أي معتق دات أخ رى)‪ .‬ربم ا يك ون س يالرز ورورتي‬

‫‪6‬‬
‫وديفيدسون وبوتنام وجودمان أشهر المعارضين البراغماتيين لهذه الصورة التأسيسية‪ .‬استلهامًا من مقولة كان ط القائل ة‬
‫بأن "الحدس بدون مفاهيم عمياء" ‪ ،‬فهم يعتقدون أن اإلدراك هو في الحقيقة تفس ير وبالت الي تص نيف‪ .‬ولكن إذا ك انت‬
‫المالحظة محملة بالنظرية ‪ -‬إذا كان الوصول المعرفي إلى الواقع يتم بالض رورة بواس طة المف اهيم واألوص اف ‪ -‬فال‬
‫يمكننا التحقق من النظريات أو وجهات النظر العالمية من خالل مقارنتها ببعض "المعطى" الحسي الخام غير الملوث‪.‬‬
‫ومن ثم فإن التجريبيين القدامى كانوا مخطئين بشكل أساسي‪ :‬ال يمكن أن تكون التجرب ة مص درً ا أساس يًا ومس تقاًل عن‬
‫المعتقد للتبرير‪.‬‬
‫بشكل أكثر عمومية ‪ ،‬كان البراغماتيون من بيرس إلى رورتي يشككون في النظريات التأسيسية للتبرير التي وف ًق ا له ا‬
‫تستند المعرفة التجريبية في نهاية المطاف على أساس امتياز معرفي ‪ -‬أي على فئة من المعتقدات التأسيسية التي تبرر‬
‫أو تدعم جميع المعتقدات األخ رى ولكنه ا ال تعتم د على أي‪ .‬معتق دات أخ رى لتبريره ا‪ .‬اعتراض اتهم على مث ل ه ذه‬
‫النظريات كثيرة‪ :‬أن ما يسمى بالمعرفة "الفورية" (أو غ ير االس تنتاجية) هي خي ال مش وش‪ .‬أن المعرف ة تش به ش بكة‬
‫متماسكة أكثر من كونها مب نى منظم بش كل ه رمي ؛ أن ه ال توج د أس س معين ة للمعرف ة (بم ا أن الخط أ في الخطيئ ة‬
‫صحيح) ؛ أن المعتقدات األساسية ال يمكن تبريره ا من خالل مناش دة التجرب ة اإلدراكي ة (ألن "المعطى" أس طورة) ؛‬
‫وهذه المعرفة ليس لها هيكل شامل أو غير سياقي على اإلطالق‪.‬‬
‫د‪ .‬ضد نظرية المتفرج للمعرفة‬
‫يشبه البراغماتيون كانط من ناحية أخرى‪ :‬فهم أي ً‬
‫ضا يرفضون بش دة فك رة لوكي ان القائل ة ب أن العق ل يش به إم ا لوح ة‬
‫فارغة (تؤثر عليها الطبيعة نفسها) أو غرفة مظلمة (يتدفق فيها ضوء التجربة)‪ .‬ما يب دو أن ه ذه االس تعارات المهيب ة‬
‫تهدف إلى نقله (من بين أشياء أخرى) هو فكرة أن المالحظة هي استقبال خالص ‪ ،‬وأن العقل بشكل أساس ي س لبي في‬
‫اإلدراك‪ .‬من وجه ة النظ ر البراغماتي ة ‪ ،‬ه ذا مج رد تجس يد مؤس ف آخ ر لم ا أطل ق علي ه دي وي "نظري ة المش اهد‬
‫للمعرفة"‪ .‬وف ًقا لمنظري المتفرجين (الذين يتراوحون من أفالطون إلى التجريبيين المعاص رين) ‪ ،‬ف إن المعرف ة أق رب‬
‫إلى الرؤية أو النظر‪ .‬هنا ‪ ،‬بعبارة أخرى ‪ ،‬يُنظر إلى العارف على أنه نوع غريب من المتلصص‪ :‬هدفه ه و عكس أو‬
‫تكرار العالم دون تغييره ‪ -‬لمسح األشياء أو التفكير فيها من وجهة نظر عمليا غير مهتمة وغير مهتمة‪.‬‬

‫ليس األمر كذلك ‪ ،‬كما يقول ديوي‪ .‬بالنسبة إلى ديوي ‪ ،‬وبيرس ‪ ،‬والبراغماتيين المتشابهين في التفكير ‪ ،‬ف إن المعرف ة‬
‫(أو التأكيد المبرر) هي نتاج التحقيق ‪ ،‬وهي عملية حل المشكالت التي ننتق ل بواس طتها من الش ك إلى االعتق اد‪ .‬وم ع‬
‫ذلك ‪ ،‬ال يمكن أن يستمر التحقيق بشكل فع ال م ا لم نج رب ‪ -‬أي ‪ ،‬التالعب ب الواقع أو تغي يره بط رق معين ة‪ .‬بم ا أن‬
‫المعرفة تنمو بهذه الطريقة من خالل محاوالتنا لدفع العالم حول العالم (ومعرفة ما سيحدث نتيجة لذلك) ‪ ،‬فإن ه ي ترتب‬
‫على ذلك أن يكون العلماء على هذا النحو وكالء ؛ نتيجة لذلك ‪ ،‬يجب أن تم ر الثنائي ة القديم ة بين النظري ة والتط بيق‬
‫من قبل المجلس‪ .‬هذه البصيرة هي مركزية "للنظرية التجريبية للمعرفة" ‪ ،‬وهي بديل ديوي لمفهوم المتفرج المشوه‪.‬‬
‫هذا التنصل من سلبية المالحظة هو موضوع رئيسي في نظرية المعرفة البراغماتية‪ .‬وف ًقا لجيمس وديوي ‪ ،‬على سبيل‬
‫متيقظا لشيء ما ‪ ،‬سواء ك ان ذل ك إلب رة في كوم ة قش أو وج ه ودود في‬ ‫ً‬ ‫المثال ‪ ،‬المالحظة هي االختيار ‪ -‬أن تكون‬
‫حشد من الناس‪ .‬ومن ثم فإن تصوراتنا ومالحظاتنا ال تعكس الطبيع ة بحيادي ة س لبية ؛ أوالً ‪ ،‬ألن المراق بين ملزم ون‬
‫بالتمييز ‪ ،‬مسترشدين باالهتمام والتوقع والنظرية ؛ ثانيا ً ‪ ،‬ألننا ال نستطيع أن نالح ظ م ا لم نتص رف‪ .‬ولكن إذا ك انت‬
‫التجربة ال يمكن تصورها بصرف النظر عن المصالح البشرية والفاعلية ‪ ،‬فإن الم دركين هم ح ًق ا مستكش فين للع الم ‪-‬‬
‫وليسوا مرآة إلعادة إنتاجه بشكل زائد عن الحد‪ .‬وإذا كان قبول نظرية ما أو غيرها يسبق المالحظ ة ويوجهه ا دائ ًم ا ‪،‬‬
‫يجب أن نقطع عن االفتراض التجريبي الكالسيكي القائ ل ب أن النظري ات مش تقة من بيان ات أو حق ائق مكتش فة بش كل‬
‫مستقل‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مرة أخرى‪ ،‬من المقبول أن الحقائق أشياء مستعصية‪ .‬إذا أردنا معرف ة كي ف تس ير األم ور ح ًق ا‪ ،‬فإنن ا ننص ح ب الحس‬
‫الس ليم الك ئيب لفتح أعينن ا (ب المعنى الح رفي والمج ازي) والترك يز على الع الم؛ الحق ائق ال تي يمكن الوص ول إليه ا‬
‫للمالحظة ستثير إعجابنا بعد ذلك‪ ،‬وتشق طريقها إلى أذهاننا سواء كنا مستعدين لتقديمها ترحي ًب ا ح ارً ا أم ال‪ .‬الحق ائق‪،‬‬
‫المفهومة على هذا النحو‪ ،‬هي ترياق التحيز وعالج التحيز ؛ سلطتهم المعرفي ة قوي ة لدرج ة أن ه ال يمكن تجاوزه ا أو‬
‫مقاومتها‪ .‬هذه الفكرة قوية ومطمئنة‪ ،‬لكنها عرضة للتضليل‪ .‬وف ًق ا لمؤم ني الكلي ات مث ل جيمس وش يلر‪ ،‬ف إن الوض ع‬
‫التبريري للمعتقدات هو جزئيًا وظيفة لمدى انسجامها أو مالءمته ا للمعتق دات أو النظري ة الراس خة‪ .‬نظ رً ا ألن نط اق‬
‫"الحقائق" الذي يمكننا قبوله أو االعتراف به مقيد وف ًقا ل ذلك من قب ل جس دنا من المعتق دات المكتس بة س اب ًقا‪ ،‬فال يمكن‬
‫قبول أي "حقيقة" في أذهاننا ما لم يتم استيعابها بشكل متماس ك أو مواءمته ا م ع المعتق دات ال تي نتمس ك به ا بالفع ل‪.‬‬
‫يرقى هذا إلى رفض اقتراح لوك بأن العقل هو لوحة بيضاء‪ ،‬أي أنه يتقبل الصبر والصبر بحتة‪.‬‬

‫ه‪ .‬ما وراء نظرية المطابقة الحقيقة‬


‫وف ًقا لتقليد قديم يمتد من أفالطون إلى يومنا هذا‪ ،‬فإن الحقيقة هي مسألة تطابق أو اتف اق م ع الواق ع (أو م ع "الحق ائق"‬
‫المذكورة أعاله)‪ .‬لكن البراغماتيين يقولون إن هذه النظرة الموقرة غامضة ومليئة بالمشاكل‪ .‬فيما يلي أربعة فقط‪)1( :‬‬
‫كيف يمكن فهم هذه العالقة الغامضة المسماة "التوافق" أو تفسيرها؟ ليس كنسخ‪ ،‬بالتأكيد ؛ ولكن كي ف بع د ذل ك؟ (‪)2‬‬
‫تجعل نظرية المطابقة لغزا ممارساتنا في التحقق والتحقيق‪ .‬ألننا ال نستطيع معرفة م ا إذا ك انت معتق داتنا ص حيحة أم‬
‫ال‪ :‬إذا كانت "المعطاة" أسطورة ‪ ،‬فال يمكنن ا ت برير النظري ات بمقارنته ا بواق ع غ ير مفه وم‪ )3( .‬لق د ب دا للبعض أن‬
‫نظريات التطابق التقليدية ملتزمة بالص ورة الديكارتي ة ال تي عف ا عليه ا ال زمن للعق ل باعتب اره م رآة الطبيع ة ‪ ،‬حيث‬
‫ضا على عدم وجود حقيقة لغوية إض افية‬ ‫تتشكل التمثيالت الداخلية الذاتية لنظام خارجي موضوعي‪ )4( .‬لقد تم حثنا أي ً‬
‫يمكنن ا تمثيله ا ‪ -‬ال يوج د ع الم مس تقل عن العق ل تك ون معتق داتنا مس ؤولة عن ه‪ .‬إذن ‪ ،‬م ا ه و المع نى ال ذي يمكن‬
‫استخالصه من االقتراح القائل بأن األفكار الحقيقية تتوافق مع األشياء المستقلة عن الفكر؟‬
‫خلص بعض البراغماتيين إلى أن نظري ة المطابق ة خاطئ ة بش كل إيج ابي ويجب التخلي عنه ا‪ .‬بينم ا يص ر آخ رون ‪،‬‬
‫األكثر حذرً ا ‪ ،‬على أن الصياغات القياسية للنظرية غير مفيدة أو غ ير كامل ة‪ .‬يمكن الق ول إن ك ل من ش يلر ورورتي‬
‫وبوتنام ينتمون إلى المجموعة السابقة‪ .‬بيرس وجيمس وديوي وريشر وديفيدسون إلى األخير‪.‬‬

‫بصرف النظر عن انتقاد نظرية التطابق ‪ ،‬ما الذي قاله البراغماتيون عن الحقيقة؟ هنا يجب ذك ر ثالث وجه ات نظ ر‪:‬‬
‫(‪ )1‬غالبًا ما يقال إن جيمس وديوي قد تمسك بالرأي القائل بأن الحقيقة هي م ا "يعم ل"‪ :‬الفرض يات الحقيقي ة مفي دة ‪،‬‬
‫والعكس صحيح‪ .‬من السهل رسم هذه النظرة الكاريكاتورية والت داول فيه ا — ح تى ينتب ه الق ارئ بعناي ة إلى التأوي ل‬
‫البراغماتي الخفي للمنفعة‪( .‬ما ك ان ي دور في ذهن جيمس ودي وي هن ا تمت مناقش ته أعاله في القس م ‪ 2‬أ‪ )2( ).‬وف ًق ا‬
‫لب يرس ‪ ،‬ف إن اآلراء الحقيقي ة هي تل ك ال تي س يقبلها المستفس رون في نهاي ة التحقي ق (أي اآلراء ال تي لم نتمكن من‬
‫تحس ينها ‪ ،‬ال بغض النظ ر عن م دى الض غط على االستفس ار ح ول ه ذا الموض وع أو دفع ه)‪ .‬لق د ألهم نهج ب يرس‬
‫األساسي البراغماتيين في وقت الح ق مث ل بوتن ام (ال ذي تخفي "الواقعي ة الداخلي ة" الحقيق ة باعتباره ا قب واًل عقالن ًي ا‬
‫مثاليًا) وكذلك أبيل وهابرماس (الذين ساوىوا الحقيقة مع ما يمكن أن يقبله الجميع في حالة الكالم المثالية)‪ )3 ( .‬بحسب‬
‫رورتي ‪ ،‬الحقيقة ليس لها طبيعة أو ج وهر ؛ ومن ثم كلم ا ق ل الح ديث عن ه ‪ ،‬ك ان ذل ك أفض ل‪ .‬إن تس مية معتق د أو‬
‫نظرية ما بـ "صحيح" ال يعني إسناد أي خاص ية له ا ؛ ه و مج رد أداء بعض الكالم (على س بيل المث ال ‪ ،‬للتوص ية ‪،‬‬
‫والحذر ‪ ،‬وما إلى ذلك)‪ .‬وكما يرى رورتي ‪ ،‬فإن زمالئه البراغم اتيين ‪ -‬جيمس ودي وي وب يرس وبوتن ام وهابرم اس‬
‫وأبل ‪ -‬يخطئون جمي ًعا في االعتقاد بأن الحقيقة يمكن توضيحها أو تفسيرها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ - 3‬الخالصة‬
‫بالنسبة للجزء األكبر ‪ ،‬اعتبر البراغم اتيون أنفس هم على أنهم يص لحون تقلي د التجريبي ة ‪ -‬على ال رغم من أن البعض‬
‫ذهب إلى أبعد من ذلك وأوصى بإلغاء هذا التقليد‪ .‬كما يوحي هذا االختالف في الرأي ‪ ،‬فإن البراغم اتيين ال يص وتون‬
‫في كتلة واحدة‪ .‬ال يوجد شيء مثل الخط الحزبي البراغماتي‪ :‬لم يقتصر األمر على اتخ اذ البراغم اتيين وجه ات نظ ر‬
‫مختلفة حول القضايا الرئيس ية (على س بيل المث ال ‪ ،‬الحقيق ة والواقعي ة والش ك واإلدراك والت برير والخط أ والواقعي ة‬
‫والمخططات المفاهيمية ووظيفة الفلسفة ‪ ،‬إلخ‪ ، ) .‬فقد اختلف وا ً‬
‫أيض ا ح ول ماهي ة القض ايا الرئيس ية‪ .‬في حين أن ه ذا‬
‫التنوع قد يبدو جديرً ا بالثناء تمشيا مع التزام البراغماتية المعلن بالتعددي ة ‪ ،‬إال أن المنتق دين ق د حث وا على أن ه ي ذهب‬
‫فقط إلظهار أن البراغماتية تعني القليل أو ال شيء على وجه الخصوص‪ .‬يؤدي هذا إلى طرح سؤال مح رج بق در م ا‬
‫ال مفر منه ‪ -‬أي ما مدى فائدة مصطلح "البراغماتية"؟ هذا السؤال مفتوح على مصراعيه‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like