Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
مقدمة
مقدمة
:
1
تكون األصالة ،وأنه كان أوالً وأخيراً ،شخصا ً صادقا ً مع نفسه كأنقى ما يكون الص دق ،وإنس انا ً
مخلصا ً للحقيقة كأنقى ما يكون اإلخالص (.)3
فهذا ” برتراند رسل ” يصفه ” بأنه كان على قدر كبير من التأثير لم ا ل ه من ص فاء عق ل إلى
درجة غير مألوفة على اإلطالق “ويقول ” إن بداية معرفتي ب فتجنشتين كانت أكثر مغ امراتي
العقلية إثارة طوال حياتي كله ا “… أم ا ” ج ورج م ور” ،فيق ول عن ه ” إن ني تع رفت على ”
فتجنشتين ” في كمبردج إذ كان في السنة األولى اللتحاقه بالجامعة يحض ر محاض راتي في علم
النفس ،ولكني لم أعرفه جيداً إال في السنتين التاليتين وحينما عرفته جي داً أدركت أن ه ك ان اك ثر
ذكا ًء مني في الفلسفة ،وال أقول أكثر ذكاء فقط ،بل كان أك ثر عمق ا ً ك ذلك “ ..وك ان ” م ور “،
فيما بعد يتردد على محاضرات ” فتجنشتين “ ،وقد ق ام م ور بطب ع بعض ها في كتاب ه ” أوراق
فلس فية” ..والج دير بال ذكر أن ” فتجنش تين ” ك ان ق د أملى على “ج ورج م ور” بعض ا ً من
محاضراته ،فكان له الفضل في الحفاظ على تراث الفيلسوف النمسوي الكبير (.)4
لم تكن مؤلفات ” فتجنشتين” كثيرة متعددة ،حتي أن ه لم ينش ر في حيات ه إال كتاي ا ً واح د ه و ”
رس الة منطقي ة فلس فية ” Tractatus Logicus Philosphicusومق االً ل ه بعن وان ”
بعض مالحظات على الصورة المنطقية “ ،وبقية ما نشر بعد ذلك كان كله بع د وفات ه ،وك ل م ا
نشر من كتابات ” فتجنشتين” لم يكن كثيرا ،بقدر م ا ك ان عميق ا يص عب فهم ه وتفس يره ح تي
بالنسبة لتالميذه الذين كانوا يستمعون إلى محاضراته ويناقشونه فيما يكتب أو يقول ،األمر ال ذي
أدى إلى ظهور كثير من الكتب كشرح لما قاله أو كتبه ” فتجنشتين” في مؤلفاته القليلة (.)5
ويؤكد بعض الباحثين أن عمل ” فتجنشتين ” الفلسفي ينقسم إلى ف ترتين ،ف ترة مبك رة وأخ ري
مت أخرة ..وتج د الف ترة المبك رة ص ياغة دقيق ة له ا في ” الرس الة المنطقي ة الفلس فية “ ..ولكن
فتجنشتين لم ينشر شيئا عن فترته المتأخرة ،وإن كان لدينا صورة أولي عنها ،وذلك في كتابيه ”
األزرق” و” البني” نسبة للون غالف كل منهما ،ثم صورة ثاني ة في كتاب ه :البح وث الفلس في”
).Philosophical Investigations (6
وهذا هو الرأي الذي يتفق عليه معظم الشراح والباحثين ،حتي أن بعضهم ال يقتصر على تأكي د
الفروق األساسية بين المرحلتين ،وإنما يذهب إلى حد الكالم عن فلسفة ” أولي ” وفلسفة ” ثانية
“ ،مث ل االس تاذ فولفج انج اش تيجمولر في كتاب ه عن التي ارات األساس ية في فلس فة العص ر
الحاضر ..غير أن فيهم من يكتفي ببيان األفكار التي عدل عنها في فلسفته المتأخرة ،والتعديالت
ال تي أدخله ا على آرائ ه ومواقف ه ال تي تبناه ا في الرس الة نتيج ة للتوس ع في منهج التحلي ل،
واختالف تطبيق ه ،وتغ ير مفهوم ه عن اللغ ة ،مث ل “ألفري د آي ر في كتاب ه عن “فلس فة الق رن
العشرين” ..وفيهم كذلك من يحاول أن يثبت أن فلسفة ” فتجنشتين ” ظلت في جوهرها وغايته ا
واحدة لم تتغير ،وأن الهدف منها – على الرغم من التوسع والتنوي ع في اس تخدام منهج التحلي ل
اللغوي والمنطقي – هو نفي الفلسفة نفسها ودفعها إلى النهاية وإجبارها على ” االنتحار” وتقديم
األدلة والمسوغات لبيان أن عباراتها إن لم تكن لغوا هاما ً ( كما قال في الرسالة) فهي في أفضل
األحوال تحاول أن تقول ما ال يمكن أن يقال ،وإنما يظه ر نفس ه أو يتجلى بنفس ه ( كم ا ق ال في
2
البحوث الفلسفية) . ..وكأن الهدف من ” فاعلية ” الفلسفة هو في النهاية تأكيد أن قض ايا الفلس فة
ال معني لها ،ومن أراد أن يبحث عن المع نى فلي ذهب إلى العل وم الطبيعي ة أو فل يرجع إلى لغ ة
الحياة اليومية ” الجارية” التي هي صورة من صور الحياة (.)7
وهنا يجيئ دورنا في هذا البحث لنؤكد أن دراسة فكر ” فتجنشتين ” في المرحل ة األولى يب دو
وكانه مقطوع الجذور عن تطوره في المرحلة الثانية ؛ بمعنى أن فكر ” فتجنشتين ” المتأخر هو
س لب أو نفي لفك رة فتجنش تين المبك ر .وبالت الي ف إن هن اك قط ائع ابس تمولوجية في فلس فة ”
فتجنش تين “ ،وه ذه القط ائع تنبث ق من منطل ق أن ” ت اريخ العلم يتخلل ه الكث ير من القف زات
والوثبات والتحوالت الفجائية والجذرية وأن التق دم في ت اريخ العلم ال يش به اب دأ درج ات الس لم
التي يصعد عليها العلماء درجة بعد درجة للوصول إلى الغاية المنشودة وهي التقدم ،وإنما التقدم
كما يشهد عليه تاريخ العلم ال يسير وفقا ً لخطي متصلة مس تمرة ،وإنم ا يح دث من خالل قط ائع
وانفص االت” ( .)8وه ذه القط ائع نح اول هن ا في ه ذه الدراس ة إلق اء الض وء عليه ا ،وتحلي ل
عناصرها األساسية في ضوء أهمية دراسة االبستمولوجيا في الفكر الفلسفي المعاصر..
لذلك فقد إرتأينا اختيار نموذج فلسفي يتمث ل في فك ر ” فتجنش تين ” نح اول من خالل ه أن نلقي
الضوء على تجليات القطيعة االبستمولوجية في فكره ؛ بمعني أننا لم نختار هذا الفيلس وف لنق دم
عرضا ً عاما ً لفلسفته ،وإنما اخترناه لنكشف عما ينط وي علي ه فك رة من مض امين فلس فية تب دو
للوهلة األولي في موقع التعارض مع التيار العام الذي ينتمي إليه.
وقد اعتمدنا في هذه المهمة على منهجين ،هما المنهج التاريخي والمنهج النقدي ..وقد اس تخدمنا
المنهج التاريخي بمعنيين :أوالً بمعني الرجوع للوقائع التاريخية ال تي يعتم د عليه ا ” فتجنش تين
“ ،وثانيا بمعني تتبع تطور فكر ” فتجنشتين ” عبر مراحل ه الزمني ة ..واس تخدمنا ك ذلك المنهج
النقدي بمعنيين :قصدنا بالمعني األول فحص وتحلي ل النت ائج ال تي انتهي إليه ا ” ” على أس اس
األه داف ال تي ح ددها في فلس فته ،وقص دنا ب المعني الث اني محاول ة تق ييم أفك اره ” في ض وء
االنتق ادات الفلس فية ال تي تعرض ت له ا ،وفي ض وء إمك ان تط وير ه ذه األفك ار وح دود ه ذا
التطوير.
ويمكن أن إبراز تلك التحوالت الفلسفية في فكر فتجنشتين في العناصر التالية:
نقد فكرة االتصال في فلسفة فتجنشتين.
اقتفى فيلس وف اللغ ة النمس اوي ل ودفيج فيتجنش تاين 1889-1951( Wittgenesteinم) أث ر
فريجه ،فانتق د مب ادئ (الوض عانية المنطقي ة) وانض م إلى فالس فة أكس فورد بقص د دراس ة اللغ ة
الطبيعية ،مؤسسًا التجاه فلسفي جديد س ماه( فلس فة اللغ ة العادي ة) ،وقوامه ا الح ديث عن طبيع ة
3
اللغة وطبيعة المعنى في كالم الرجل العادي ،وأن المعنى ليس ثابتًا وال محددًا والدعوة إلى تفادي
البحث في المعنى المنطقي الصارم ،وتعتمد هذه الفلس فة على ثالث ة مف اهيم أساس ية هي :الدالل ة,
القاعدة ,ألعاب اللغة .Languag games/ Jeux du langage
وقد نبه فيتجنشتاين Wittgenesteinإلى أن اللغة ق د تس تخدم لوص ف الع الم من حولن ا بي د أن
هناك حشدًا من االستعماالت األخرى للغة ال تصف وقائع العالم ،ك األمر ،واالس تفهام ،والش كر،
واللعن ،والتحي ة ،وال دعاء ،وق دم ثبتً ا طويً ا به ذه االس تعماالت المختلف ة للغ ة ،وأطل ق عليها
،Language gamesوأسمى كل استعمال لعبة؛ ألن له قواعد يتفق عليه ا مس تعملو اللغ ة كم ا
يتفق الالعبون على قواعد اللعبة ،ورأى أن كل نوع من ألعاب اللغة محكوم بنوع مخص وص من
الس ياق االجتم اعي ومح دد ب أعراف اجتماعي ة معين ة ،من ثم ف إن ك ل لعب ة من ألع اب اللغ ة أو
استخدام من استخداماتها يستحق اهتما ًما مساويًا ألي استخدام آخر.
وقد مر فكر فيتجنشتاين بمرحلتين:
المرحل ة األولى :وال تي يع بر عنه ا كتاب ه "رس الة منطقي ة فلس فية Trachtatus Logico-
االنتقال من نظرية الصورة إلى نظرية األلعاب اللغوية ,ومن اللغة االصطناعية إلى اللغة العادية,
ومن الجانب التركيبي الداللي للقضايا إلى الوظ ائف الفعلي ة للغ ة وكيفي ة اس تعمالها ,إن فهم لف ظ
معين هو فهم معنى استعماالته الفعلية في سياقات مختلفة ،وبالتالي التأكيد على العالقة بين الداللة
اللغوية واأللعاب والممارسات اللغوية ,وأهمية ذلك نابعة من أن هناك ألفاظ ا كث يرة كألف اظ ال ُكليَّة
ال يوجد مقابل له ا في الوج ود الخ ارجي ،وأرس ى ب ذلك مب دأ مث يرًا للج دل عن د الفالس فة وه و
"المعنى هو االستعمال ."Meaning is use
وهذا قريب جدا مما استقرت عليه نظرية األفعال الكالمية ألوستن وسيرل.
4