العـقلانية التواصلية عند هابرماس PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

ISSN :1112-4377 ‫مجلة المعيار‬

5252 :‫ السنة‬25:‫ عدد‬52:‫مجلد‬

‫العـقالنية التواصلية عند هابرماس‬


The communicative rationality of Habermas
1
‫بن لحرش زينة‬
1‫جامعة باتنة‬
‫مخبر حوار الحضارات والعولمة‬
zina.benlahreche@univ-batna.dz

2621/12/15 ‫ النشر على الخط‬2621/60/65 ‫ القبول‬2621/61/60 ‫تاريخ الوصول‬


Received 60/61/2621 Accepted 65/60/2021 Published online 15/12/2021

:‫ملخص‬
‫ وانطالاقا م هذا‬،‫ وهذا العقل أدانته كل التيارات املضادة للمشروع احلداثي‬، ‫انتهت احلداثة األوروبية حسب هابرماس إىل ما يعرف بالعقل األدايت‬
‫ هدفه الوصول إىل املساواة داخل فضاء عام ينتزع فيه الفرد جانبا‬،‫ بعيدا ع الضغط والتعسف‬،‫حاول هابرماس تأسيس عقل جديد يقوم على االتفاق‬
‫ وهنا يتحول البحث م جمال العقالنية األداتية القائمة على السيطرة إىل جمال العقالنية التواصلية القائمة على احلوار‬،‫م ذاتيته ويدجمها يف اجلماعة‬
‫وتكم أمهية هذا البحث يف أن هابرماس أراد تفجري الطااقة اإلبداعية لعصر التنوير مؤكدا أن‬، ‫ م أجل احرتام اجلوانب االنسانية‬،‫والتقرب م اآلخر‬
.‫احلداثة مشروع مل ينته بعد‬
‫ وينبغي إكمال فلسفة احلداثة بالعقل التواصلي‬،‫ أن فلسفة الوعي كانت متمركزة على الذات وأمهلت اآلخر‬: ‫ولقد توصلنا إىل جمموعة م النتائج منها‬
.‫ وللغة دور أساسي يف عملية التواصل‬،‫الذي يقوم على التواصل واحلوار واالتفاق‬
. ‫ الفعل التواصلي؛ احلوار؛ اللغة؛ فلسفة احلداثة‬:‫الكلمات المفتاحية‬

Abstract:
European modernity, according to Habermas, ended in what is known as instrumental reason, and this mind
was condemned by all counter-currents of the modernist project, and on this basis Habermas tried to
establish a new mind based on agreement, away from pressure and arbitrariness, whose goal is to reach
equality within a public space in which the individual takes away from his personality And he merges them
in the group, and here the research turns from the field of instrumental rationality based on control to the
field of communicative rationality based on dialogue and getting closer to the other, in order to respect the
human aspects, and the importance of this research lies in the fact that Habermas wanted to explode the
creative energy of the Enlightenment, affirming that modernity is an endless project. distance.
We have reached a set of conclusions, including: that the philosophy of consciousness was self-centered and
neglected the other, and the philosophy of modernity should be complemented by the communicative mind
that is based on communication, dialogue and agreement, and language has a fundamental role in the
communication process.
Keywords: communicative action; Discussion; Language; philosophy of modernity.

zina.benlahreche@univ-batna.d :‫الربيد اإللكرتوين‬ ‫ ب حلرش زينة‬:‫ املؤلّف املراسل‬-1

227
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن الدارس للفلسفة املعاصرة يالحظ أن كثريا م فالسفتها يعتربون الفلسفة اليت سبقتهم جمرد فلسفة تأملية ذاتية جتاوزها الفكر‪،‬‬
‫وذلك لعدم اقدرهتا على مسايرة التطور احلاصل يف جمال العلم والوااقع ‪ ،‬واعتربوها عائقا وجب جتاوزه واقطع الصلة به ‪ ،‬ولذلك‬
‫اهتمت الفلسفة املعاص رة باإلنسان كثريا ‪ ،‬م خالل تفسري أزمته ومعاناته ‪ ،‬وااقرتاح بدائل متكنه م فهم ذاته والتعايش مع وااقعه‬
‫والنظر إىل مستقبله‪ ،‬وم بني هؤالء الفالسفة جند يورغ هابرماس* الذي يعترب م أبرز أعالم النظرية النقدية ملدرسة فرانكفورت ‪،‬‬
‫الذي اختذ م النقد مبدأ أساسيا يف مشروعها الفلسفي ‪ ،‬إال ان نظرية هابرماس النقدية أخذت طابعا جديدا هو التواصل أو ما‬
‫يسميه بالعقالنية التواصلية ‪ ،‬اليت حتمل يف طياهتا معايري أخالاقية وسياسية اقصد تكوي عقالنية متوازنة بني العقالنية األداتية‬
‫والعقالنية التواصلية وعلى هذا األساس نتساءل‪:‬‬
‫كيف استخدم هابرماس طابع التواصل إلمتام مشروع احلداثة الغريب؟‬
‫وما هو دور اللغة يف هذا املشروع؟‬
‫أوال‪ .‬من العقالنية األداتية إلى العقالنية التواصلية‪:‬‬
‫يشخص هابرماس احلداثة األوربية يف ضوء حتديدات ماكس فيرب بأهنا عقالنية أداتية‪ ،‬واقد خلص هذا األخري مميزات أوربا حتت‬
‫مفهوم العقلنة والعقالنية اليت جتلت يف ازدياد احلسابية والبحث ع الربح‪ ،‬السيطرة املنظمة على كل جوانب احلياة اإلنسانية على‬
‫أساس اقواعد اقللت م االعتماد على القيم املتوارثة‪ ،‬فقد ّبني فيرب وجود تفاعل بني األخالق الدينية الربوتستانتية ونشأة الرأمسالية‪،1‬‬
‫فالرأمسالية ليست فقط نتيجة لفعل الرتاكم املادي ع طريق اقوى اإلنتاج بل أيضا نتيجة للتحرر الديين‪.‬‬
‫اختذ ماكس فيرب مواقفا ش ّكيا م مظاهر احلداثة األوربية‪ ،‬وم مث م إشكالية العقالنية باعتبارها دعامة حمورية م دعائم التفكري‬
‫الفلسفي‪ ،‬فإذا كانت العقالنية اقد م ّكنت اإلنسان م أن ميارس راقابة ناجحة على الطبيعة‪ ،‬فإهنا مل متكنه م ذلك بل أغراقته يف‬
‫عامل احلس فقط‪ ،‬إذ أهنا مل تستطع ملء الفراغ الذي نتج ع استبعادها لألسطورة واملقدس‪ ،‬فالعامل اخلايل م اإلحساس يؤدي‬
‫حبسب فيرب للتخلي ع القيم‪.2‬‬

‫) يعترب م أهم علماء االجتماع والسياسة يف عاملنا املعاصر‪ ،‬يعد م أهم‬ ‫* يورغن هابرماس فيلسوف وعامل اجتماع أملاين معاصر (‪- 9191‬‬
‫منظري مدرسة فرانكفورت النقدية له ازيد م مخسني مؤلفا يتحدث ع مواضيع عديدة يف الفلسفة وعلم االجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي‪.‬‬
‫م أهم مؤلفاته‪:‬‬
‫‪ -‬التحوالت البنيوية لألوضاع االجتماعية ‪ - 911‬منطق العلوم االجتماعية ‪9111‬‬
‫‪-‬التكنولوجيا والعلم كايديولوجية‪9111‬‬ ‫‪ -‬حنو جمتمع عقالين ‪9111‬‬
‫‪ " -‬التواصل وتطور اجملتمع ‪9111‬‬ ‫‪ -‬املعرفة واملصاحل البشرية‪9111‬‬
‫‪-‬اخلطاب الفلسفي للحداثة ‪9111‬‬ ‫‪ -‬الوعي األخالاقي والفعل التواصلي ‪9111‬‬
‫‪ 1‬حممد عابد اجلابري‪ ،‬نظريات التواصل‪ ،‬دار الشبكة العربية لألحباث والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬ط‪ ،9292 ،9‬ص‪.941‬‬
‫‪ 2‬عمر مهيبل‪ ،‬إشكالية التواصل يف الفلسفة العربية املعاصرة‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،9221، 9‬ص‪.141‬‬
‫‪228‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫وم هنا انطلق هابرماس إىل مفهوم جديد للعقالنية‪ ،‬فإذا كانت احلداثة األوربية اقد انتهت إىل ما يعرف بالعقل األدايت الذي أدانته‬
‫كل التيارات الفلسفية املضادة للحداثة‪ ،‬وتعالت الصيحات للتخلي ع العقل والفلسفة يف موضوعها األساسي العقل‪ ،‬وعليه‬
‫جاءت دعوة هابرماس لتفعيل دور الفلسفة لتحقيق مصاحل وغايات معينة‪ ،‬فالعقل التواصلي يبىن على فعل خالق يقوم على‬
‫يعرب ع املساواة داخل فضاء عام ينتزع فيه الفرد جانبا م ذاتيته ويدجمها‬
‫االتفاق وبعيدا ع الضغط والتعسف هدفه بلورة إمجاع ّ‬
‫إىل اجملموع اجلمعي الذي يقوم على التفاهم والتواصل* العقلي‪.1‬‬
‫يظهر هابرماس كيفية حتويل جماالت البحث م العقالنية األداتية إىل العقالنية التواصلية واليت تظهر م خالل العالاقة اليت يقيمها‬
‫الناس القادري على الكالم وعلى الفاعلية عندما يتفقون على شيء معني‪" ،‬فالعقل التواصلي هو درب آخر للخروج م فلسفة‬
‫الذات"‪.2‬‬
‫فالعقالنية التواصلية هي عقالنية جديدة لغتها احلوار والتقرب م اآلخر‪ ،‬عكس العقالنية األداتية اليت ال حترتم اجلوانب اإلنسانية‬
‫ألهنا تؤّكد على مجع األموال والفوز بالسلطة‪ ،‬وم مثة ينعتها هابرماس باالنغالق الدوغمائية‪ ،3‬يقول هابرماس يف كتابه القول‬
‫الفلسفي للحداثة " إن منوذج فلسفة الذات اقد أهنك متام اإلهناك وأصبح غري اقادر على مواكبة ما يشهده العصر م حتوالت يف‬
‫شىت اجملاالت‪ ...‬مما يعين أنه آن األوان بتغبريه بنموذج آخر اقادر على مواكبة حتوالت الفكر‪ ...‬مما يعين االنتقال إىل منوذج البينذاتية‬
‫حىت ختتفي أعراض اإلهناك أو التعب فل تكون هناك دعوة إىل صفاء العقل إال داخل العقالنية التواصلية"‪.4‬‬
‫إن هابرماس يريد للعقل أن ينتقل م الذاتية ليفتح آفاق البينذاتية والتواصل مع اآلخر‪ ،‬إنه عقل ينبذ كل أنواع الفردانية والتسلط‪،‬‬
‫والتأكيد على أمه ية العقل باعتباره املنطلق األساسي ألي نظرية يف اجملتمع‪ ،‬لذلك أراد هابرماس تفجري الطااقة اإلبداعية لعصر التنوير‬
‫باعتبار أن احلداثة مشروع مل يكتمل بعد‪ ،‬فإذا كان التطور احلديث كشف ع سلبيات العقالنية األداتية‪ ،‬فإن هذا ليس مربرا كافيا‬
‫للتخلي ع مشروع احلداثة‪ ،‬بل البد أن تواصل اجملتمعات احلديثة تطورها باستكمال هذا املفهوم األدايت بإدخال البعد التواصلي يف‬
‫مفهوم العقالنية‪.5‬‬
‫وبذلك " فالعقالنية التواصلية هي النموذج الذي يريد هابرماس ع طريقه إثبات أن احلداثة مشروع مل يكتمل بعد وال يزال اقادرا‬
‫على االستمرار"‪ ،6‬فهو يهدف م العقالنية التواصلية إىل وضع نظرية نقدية للمجتمع تقوم على أسس عقالنية ‪.‬‬

‫* التواصل‪ :‬عملية نقل معلومة أو خطاب م مرسل إىل مستقبل أو م باعث إىل متلق‪ ،‬الغاية منها تبليغ معلومة أو رسالة معينة إىل متلق معني‪ ،‬وتتم بواسطة‬
‫اقناة اتصال معينة‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 1‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪،‬منشأة املعارف‪،‬ط‪ ،9‬ص‪.11‬‬
‫‪ 2‬يورغ هابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ترمجة‪ :‬فاطمة اجليوشي‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص ص‪.111-119‬‬
‫‪ 3‬فريدة غيوة‪ ،‬تأمالت يف القضايا اإلنسانية املعاصرة والراهنة‪ ،‬منشورات جامعة منتوري‪ ،‬اقسنطينة‪،‬ط‪ ،9224 ،9‬ص‪.911‬‬
‫‪ 4‬يورغ هابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ص ص‪.111-119‬‬
‫‪ 5‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬ط‪ ،9229 ،9‬ص‪.11‬‬
‫‪ 6‬أشرف منصور‪ ،‬نقد هابرماس لتيار ما بعد احلداثة‪ ،‬كتاب دوري‪ ،‬الكتاب ‪ ،91‬يصدر ع اقضايا فكرية للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،9111 ،‬ص‪.411‬‬
‫‪229‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫إذن هابرماس اقام بتطوير مفهوم جديد للعقل مفهوم أكثر اقوة وكفاءة وحداثة وهو العقل التواصلي‪ ،‬هذا العقل الذي يرتبط باحلداثة‬
‫وتنتجه ويستفيد م معطيات العقل األدايت ويطرح نفسه كبديل للممارسات العقلية واإلجرائية‪.1‬‬
‫وم هنا يؤكد هابرماس على أن هذا العقل يتجاوز العقالنية الغربية اليت أعلنت األولوية املطلقة للعقل الغائي الذي يهدف للتفاعل‬
‫والتفاهم االجتماعي الذي أهنكه العقل األدايت بطابعه الغائي احلسايب‪ ،‬هلذا ال جيب االكرتاث بإدانة العقل وحتطيمه وإعالن موته‪،‬‬
‫بل جيب إعالن منوذج البينذاتية القادر وحده على جتاوز سيطرة العقل احلسايب‪ ،‬العقل املتمركز‪ ،‬لصاحل "عقل تواصلي تتجاوز فيه‬
‫الذات الضيقة‪ ...‬ليكون نسيجا م الذوات املتواصلة اليت تتجاوز ذاتيتها‪ ،‬وتعل انتمائها للمجتمع م خالل اقابليتها للحوار‬
‫والتفاهم والنقاش العقالين"‪.2‬‬
‫وهذا ما يقره كل م كارل أتو آبل* وهابرماس " النتيجة املباشرة هلذا املنعرج هو إزاحة نقطة أرمخيدس ع مركزها اليت أعلنها‬
‫‪3‬‬
‫يسميه‬
‫ّ‬ ‫فيما‬ ‫هابرماس‬ ‫يطرحه‬ ‫الذي‬ ‫البديل‬ ‫ويتلخص‬ ‫‪.‬‬ ‫احملدثون‪ ،‬حيث يستبدل مركز جاذبية الصالحية م الذاتية إىل البينذاتية"‬
‫بـ" العقالنية التواصلية واليت يتجاوز فيها فالسفة ما بعد احلداثة‪ ،‬أو فالسفة القرن العشري النابذة لكل حوار مع اآلخر‪ ،‬مثل فلسفة‬
‫سارتر** ‪ ،‬لذلك دعى هابرماس إىل العقالنية التواصلية بدل العقالنية العدائية السارترية"‪ ،4‬فهابرماس رغم انتمائه لزم ما بعد‬
‫احلداثة إال أنه كان خمالفا هلم م الناحية الفكرية‪.‬‬
‫يرى هابرماس أنه " بدال م التخلي ع احلداثة وع مشروعها جيب علينا استخالص الدروس م الضياع الذي مر به هذا‬
‫املشروع‪ ،‬وم األخطاء اليت واقع فيها م جراء مشاريع جتاوز مفرط"‪ ،5‬وبذلك فإن هابرماس حياول أن يعيد الثفة ملشروع احلداثة‬
‫التنويري وذلك بإعطائه فرصة أخرى‪ ،‬متكننا م مل شتاته وإعادة بعثه م جديد‪ ،‬وم هذا يقرتح هابرماس إعادة استثمار وإحياء‬
‫مشروع احلداثة يف منوذج جديد‪ ،‬منوذج الفهم املتبادل املمك بواسطة فلسفة اللغة‪ ،‬والتأكيد على أمهية العقل باعتباره املنطلق‬
‫األساسي ألي نظرية يف اجملتمع‪.‬‬

‫‪ 1‬أبو النور محدي أبو النور حس ‪ ،‬األخالق والتواصل دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،9299 ،9‬ص‪.911‬‬
‫‪ 2‬عبد اهلل إبراهيم‪ ،‬املركزية الغربية‪ ّ،‬إشكالية التكون والتمركز حول الذات ‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،999111‬ص‪.449‬‬
‫* كارل أتو آبل‪ ) 9291-9199( :‬فيلسوف أملاين معاصر زيل هابرماس يف مدرسة فرانكفورت‪ ،‬مؤسس ما يعرف بالتداولية الرتانسندنتالية (كارل أتو آبل‪،‬‬
‫التفكري مع هابرماز ضد هابرماز‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ ،‬عمر مهيبل‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪،‬ط‪ ،9221 ،9‬ص‪).1‬‬
‫‪ 3‬جان مارك فريي‪ ،‬فلسفة التواصل‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ :‬عمر مهيبل‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬لبنان‪،‬ط‪ ،9224 ،9‬ص‪.11‬‬
‫** جان بول سارتر‪ )9112-9121( :‬فيلسوف ورياضي وكاتب مسرحي فرنسي‪ ،‬ذو نزعة وجودية (فؤاد كامل‪ ،‬املوسوعة الفلسفة املختصرة‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪ ،9111 ،9‬ص‪.)911‬‬
‫‪ 4‬فريدة غيوة‪ ،‬تأمالت يف الفلسفة الغربية املعاصرة‪ ،‬ص‪.911‬‬
‫‪ 5‬يورغ هابرماس‪ ،‬احلداثة مشروع نااقص‪ ،‬ترمجة‪ :‬بسام الربكة ‪ ،‬جملة الفكر العريب املعاصر ‪ ،‬العدد‪ ،11‬مركز االمناء القومي‪ ،‬بريوت ‪ ،9111،‬ص‪.41‬‬
‫‪230‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫ثانيا‪ .‬شروط تحقق التجربة التواصلية‪:‬‬


‫ال يريد هابرماس للنشاط التواصلي أن يتخبط يف العشوائية‪ ،‬وإمنا هو منظم البد أن حتكمه شروط جيب أن تتوفر يف املشاركني يف‬
‫التفاعل‪ ،‬ذلك أن الفعل التواصلي ال يكون جمرد فعل تتوجه به ذات منعزلة ولكنه منااقشة وحوار يتم بني خمتلف الذوات الفاعلة أو‬
‫بني ذاتني فاعلتني على األاقل‪ ،‬فالنشاط التواصلي هو حوار ومنااقشة تدور بني ذوات فاعلة خمتلفة‪ ،‬حوار حتكمه عدة شروط هي‪:‬‬
‫‪ -9‬أن النشاط التواصلي ل يتم إال م خالل عالاقة تفاعل بني فردي أو أكثر‪ ،‬لذلك فم حق كل شخص له القدرة على‬
‫الكالم والفعل أن يشارك يف التجربة التواصلية‪ ،1‬حيث "إن ما هو أساسي يف منوذج التفاهم هو أن تدخل األنا يف عالاقة بينذاتية‬
‫تسمح بأن تنسب إىل ذاهتا متبنية منظور اآلخر بقدر ما تشارك يف تفاعل"‪ ،2‬فاملواقف يولّد تداخال بني املشاركني يف التفاعل يف‬
‫فهم ال مي ّكنهم جتنب اختاذ موااقف‪ ،‬إما باإلجياب أو السلب‪ ...‬ذلك ألنه ال ميكنهم الوصول إىل إمجاع ما إال على أساس‬
‫االعرتاف التذوايت الدعاءات الصالحية‪.3‬‬
‫‪ -9‬أن تتم عملية التواصل م خالل اللغة اليت تتم بواسطتها عالاقة بني املشاركني يف التفاعل وبني الذوات األخرى باعتبارها‬
‫الوسيط األساسي يف النشاط التواصلي وع طريقها يتم الوصول إىل نوع م التفاهم بتوظيف العبارات باجلمل والتعبريات اليت‬
‫يتلفظها أعضاء اجلماعة املشاركة يف التواصل سواءً كانوا متحدثني أو مستمعني‪ ،4‬يؤكد هابرماس أن التواصل باعتباره يقوم على‬
‫اللغة فإنه يفرتض سالمة لغة املتحدثني ووحدهتا‪ ،‬وهذا ما أبرزه يف كتابه املعرفة واملصلحة حيث يقول‪" :‬االلتزام املشرتك للرموز ذاهتا‬
‫بالنسبة إىل جمموعة م الذوات اليت تتواصل مع بعضها البعض يف اللغة ذاهتا"‪.5‬‬
‫‪ -1‬أن هتدف التجربة التواصلية إىل اتفاق بني الذوات املشاركة يف التفاعل‪ ،‬ويفرتض هذا االتفاق وجود معرفة مشرتكة بينهم أو‬
‫على األاقل وجود نوع م التقارب يف وجهات النظر وأن يتم االعرتاف املتبادل على ادعاءات الصالحية م أجل الوصول إىل‬
‫إمجاع‪ ،6‬وادعاءات الصالحية اليت يقرتحها هابرماس هي‪:‬‬
‫ويعرب عنها بواسطة فضية ملفوظة‪.‬‬
‫‪ -‬املعقولية‪ :‬تدخل على املعىن التداويل للعالاقة املتداخلة بني األشخاص ّ‬
‫‪ -‬احلقيقة‪ :‬أن نعرتف حبقيقة امللفوظ الناتج ع أفعال كالم املتحدثني‪.‬‬
‫‪ -‬الداقة‪ :‬أن نعرتف بداقة املعيار أي أن يكون استخدام الكلمات والعبارات متفقا مع السياق املعياري املتعارف عليه بواسطة فعل‬
‫الكالم‪.‬‬
‫‪ -‬الصدق‪ :‬جيب أن ال نشك يف صدق الذوات املشاركة يف التفاعل‪.7‬‬

‫‪ 1‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪ ،‬ص‪.921‬‬


‫‪ 2‬يورغ هابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ص ص‪.411-411‬‬
‫‪3‬‬
‫‪J. Habermas, Logique des sciences sociales et autres essais, trad. Rainer Rochlitz, Puf, 6 ème édition, Paris,‬‬
‫‪1998, p17.‬‬
‫‪ 4‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪ ،‬ص‪.924‬‬
‫‪ 5‬يورغ هابرماس‪ ،‬املعرفة واملصلحة‪ ،‬ص‪.919‬‬
‫‪ 6‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪ ،‬ص‪.924‬‬
‫‪7‬‬
‫‪J. Habermas, Logique des sciences sociales et autres essais, p286.‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫‪ -4‬إذا تشكك أحد املشاركني يف التواصل يف الداقة املعيارية لتعبري ما‪ ،‬أو إذا تعرض أحد مزاعم الصدق للشك‪ ،‬أو مل يستطع‬
‫املشاركون يف التواصل تربيره أو الدفاع عنه حبجج عقلية‪ ،‬فإن ادعاءات الصالحية نفسها تصبح موضع تساؤل ورمبا خيتل التواصل‪،‬‬
‫أو يتواقف‪ ،‬ويف هذه احلالة البد للمشاركني يف التواصل م إعادة فحص تلك االدعاءات م جديد ومراجعتها مراجعة نقدية‬
‫لتصحيح أخطائها‪ ،‬ومعىن هذا أن العملية التواصلية ختضع ملا يسمى دميقراطية احلوار‪.1‬‬
‫لذلك أكد هابرماس أن هذه االدعاءات اقابلة للنقد ألهنا متيّز خمتلف مقوالت معرفة متجسدة رمزيا يف عبارات‪ ،‬وميك أن حتلل‬
‫هذه العبارات على حنو أدق‪ ،‬وذلك م ناحيتني‪ ،‬أوال م ناحية الطريقة اليت ميك أن تربرها هذه العبارات وثانيا م ناحية الطريقة‬
‫اليت يستند الفاعلون إىل شيء ما يف العامل عندما يستعملون هذه العبارات‪.2‬‬
‫‪ -1‬أن يتحرر احلوار م كل أشكال السيطرة والضغط اليت ميك أن متارس عليه م اخلارج‪ ،‬أي أن يكون حوارا حرا بني ذوات‬
‫حرة ومتكافئة يف املكانة واملستوى لضمان مواقف متباي للحديث‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬أن يتاح لكل مشارك يف احلوار الفرصة املتساوية ل سائر املشاركني يف التواصل‪ ،‬وأن يتمتع كل منهم حبق التأكيد والدفاع أو‬
‫التساؤل حول ما يراه م اقبول أو رفض االدعاءات الصالحية وفق املعايري املعرتف هبا‪.3‬‬
‫ثالثا‪ .‬النظرية السوسيولوجية للفعل‪:‬‬
‫أراد هابرماس بناء نظرية للمجتمع تعرف بالنظرية السوسيولوجية للفعل اليت هتتم بالتنسيق بني األفعال وتدعو إىل ضرورة التحرر‬
‫واالبتعاد ع فلسفة الوعي‪ ،‬وانطالاقا م ذلك كان ضروريا بالنسبة هلابرماس أن يقرتح أربعة مفاهيم للفعل لتكوي نظريته يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬واليت حيللها يف العالاقات اليت تربط بني الفاعل والعامل‪.4‬‬
‫واقبل احلديث ع األفعال اليت أ اقرها هابرماس جيدر بنا اإلشارة إىل مفهوم أو معىن الفعل عند هابرماس حيث ميك فهمه‪" ،‬باعتباره‬
‫حتقيق ملشروع عملي ما‪ ،‬يتحكم الفاعل يف وضعية الفعل تشكل جزءا م حميط الفاعل وهذا اجلزء يتكون يف ضوء إمكانيات‬
‫‪5‬‬
‫يقسم هابرماس الفعل إىل أربعة‬
‫الفعل‪ ،‬ذات الداللة بالنسبة للمشروع العملي واملدرجة باعتبارها كذلك م طرف الفاعل" ‪ّ ،‬‬
‫مفاهيم هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الفعل الغائي‪ :‬حيث " ميتد منوذج الفعل الغائي إىل النموذج االسرتاتيجي عندما يدخل الفاعل فبحساب النتائج وانتظار‬
‫اقرار فاعل إضايف على األاقل يتصرف يف سبيل هدف مقصود‪ ،‬وغالبا ما يفسر منوذج الفعل هذا مبعىن نفعي"‪ 6‬فهذا الفعل إذن‬
‫خيتار الوسائل والغايات م أجل حتقيق أكثر اقدر م املنفعة‪.‬‬

‫‪ 1‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪ ،‬ص‪.924‬‬


‫‪ 2‬يورغ هابرماس‪ :‬العالاقة بالعامل ومظاهر عقالنية الفعل يف أربعة مفاهيم سوسيولوجية للفعل‪ ،‬ترمجة جورج أيب صاحل‪ ،‬جملة الفكر العريب املعاصر‪ ،‬العدد ‪،41‬‬
‫مركز اإلمناء القومي‪ ،‬بريوت‪ ،9111 ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 3‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪ ،‬ص‪.924‬‬
‫‪ 4‬يورغ هابرماس‪ :‬العالاقة بالعامل ومظاهر عقالنية الفعل يف أربعة مفاهيم سوسيولوجية للفعل‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 5‬حممد نور الدي أفاية‪ ،‬احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة ‪ ،‬هابرماس منوذجا‪ ،‬افريقيا الشرق‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،9‬ص‪.911‬‬
‫‪ 6‬يورغ هابرماس‪ :‬العالاقة بالعامل ومظاهر عقالنية الفعل يف أربعة مفاهيم سوسيولوجية للفعل‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪232‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫‪ -2‬الفعل الذي توجهه وتنظمه المعايير‪:‬‬


‫وهو ال يشري إىل سلوك أفراد منعزلني يتلقون مصادفة بأفراد آخري يف حميطهم‪ ،‬وإمنا يشري إىل سلوك مجاعة مكونة م جمموعة‬
‫أعضاء يشرتكون يف جمموعة م القيم‪ ،‬فالفرد الفاعل يعمل وفق معيار حمدد‪ ،‬أو خيرق هذا املعيار‪ ،‬ويكون ذلك عندما تتوفر يف‬
‫مواقف ما شروط معينة ميك أن ينطبق فيها ذلك املعيار‪ ،‬واملعيار هو عبارة ع اتفاق يهدف داخل مجاعة معينة‪ ،1‬حيث أن كل‬
‫أعضاء اجلماعة يعتقدون بصدق معيار ما آليا يت واقع كل واحد منهم أن يقوم بتنفيذ األفعال املطلوبة أو االمتناع عنها عندما حتكم‬
‫بذلك موااقف معينة حيث‪ " :‬يتعلق مفهوم الفعل املضبوط مبعايري بسلوك فاعل منعزل مبدئيا‪ ،‬جيد فاعلني آخري يف عامله احمليط به‪،‬‬
‫إمنا هو يعين بالعكس أعضاء فئة اجتماعية توجه فعلها حسب اقيم مشرتكة"‪.2‬‬
‫‪ -3‬الفعل المسرحي أو الدارامي‪:‬‬
‫ويتمثل يف جمموعة م املسامهني يف فعل مشرتك‪ ،‬ويشرتط يف هؤالء املسامهني أن يكون هلم مجهورا يعرضون عليه أنفسهم‪ ،‬فالفاعل‬
‫هنا يثري يف مجهوره صورة معينة‪ ،‬أو إحساسا معينا ويكون بالتعبري ع ذاتيته سواءً كان ذلك مقصودا أو غري مقصود يستغلون‬
‫أفعاهلم بإتاحة الفرصة للتعبري عما يريدون تبليغه أي التعرف على عوامل الذاتية وبالتايل فتقدمي الذات ال يعين السلوك التلقائي‬
‫التعبريي‪ ،‬بل التعبري املنظم ع جتربة الشخص الفردية‪ ،3‬حيث "إن مفهوم الفعل املسرحي ال يعين يف البدء ال الفاعل املنعزل وال‬
‫عضو فئة اجتماعية معينة بل املشاركني يف تفاعل ما‪ ،‬الذي يش ّكلون بالتبادل بالنسبة ألنفسهم مجهورا يظهرون أمامه‪ ،‬فالفاعل يولّد‬
‫لدى مجهوره انطباعا معينا‪ ،‬وصورة معينة ع نفسه يكشف ذاتيته عمدا تقريبا"‪.‬‬
‫الفعل التواصلي‪ :‬وهو يتعلق "بالفاعل بني شخصني على األاقل اقادري على التكلم والتصرف‪ ،‬يرتبطان بعالاقة بينشخصية‪ ...‬يسعى‬
‫الفاعلون وراء تفاهم حول مواقف عملي لكي ينسقوا بصورة توافقية‪ ،‬خطط عملهم وبالتايل أفعاهلم"‪ ،4‬ومعىن هذا أنه فعل مشرتك‬
‫بني ذاتني على األاقل اقادري على الكالم والفعل وإاقامة عالاقة بينشخصية مشرتكة لغوية كانت أو غري لغوية‪ ،‬فاللغة إذن تلعب دورا‬
‫أساسيا يف نظرية الفعل التواصلي‪ ،‬حيث يعترب هذا األخري (الفعل التواصلي) الفعل العقالين الوحيد الذي يهدف إىل فهم حقيقي‬
‫غالّ أن الفرق الوحيد املميز ع الفعل االسرتاتيجي هو أن هذا الفعل غري تنافسي ألنه عقالين الصيغة اقائم على التواضع ومدفوع‬
‫بالفهم التعاوين البينذايت اخلايل م كل أنانية أو مصلحة ذاتية‪ ،5‬ففعل التواصل هو فعل ال أدايت يرمي إىل الفهم‪ ،‬فكل واحد م‬
‫أصحاب هذا الفعل يسعى إىل فهمه وذلك م أجل تنسيق األفعال بالرتاضي واالتفاق فيما بينهم‪.‬‬

‫‪ 1‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪ ،‬ص‪.921‬‬


‫‪ 2‬يورغ هابرماس‪ :‬العالاقة بالعامل ومظاهر عقالنية الفعل يف أربعة مفاهيم سوسيولوجية للفعل‪،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 3‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪ ،‬ص‪.921‬‬
‫‪ 4‬يورغ هابرماس‪ :‬العالاقة بالعامل ومظاهر عقالنية الفعل يف أربعة مفاهيم سوسيولوجية للفعل‪ ،‬ص ص‪.91-99‬‬
‫‪ 5‬عادل مصطفى‪ ،‬فهم الفهم‪ ،‬مدخل إىل اهلريمينوطيقا نظرية التأويل م أفالطون إىل غادامري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪،9‬لبنان‪ ،9221 ،‬ص‪.129‬‬
‫‪233‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫رابعا‪ .‬اللغة والتواصل‪:‬‬


‫لقد تزايد اهتمام الفالسفة املعاصري باللغة‪ ،‬ليس فقط الفالسفة التحليليني* اإلجنليز م فالسفة اللغة يف أكسفورد وكمربدج‪ ،‬بل‬
‫أيضا التيارات الفلسفية املختلفة‪ ،‬خاصة لدى فالسفة الوجودية واهلريمينوطيقا مارت هيدجر** وهانز جورج جادامري***‪ ،‬الذي‬
‫دخل معهم هابرماس يف نقاش جاد حول الع ديد م القضايا‪ ،‬حيث جند للغة دورا رئيسيا يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬فهي الشرط‬
‫األساسي لكل شيء ميك أن يوجه إليه الفهم بنفسه بوجه عام‪.1‬‬
‫لقد جعل هابرماس م مسألة اللغة أهم هاجس نظري وفلسفي وم احلداثة العقالنية هدفا ومشروع حياة‪ ،‬لذلك فإنه اضطر إىل‬
‫احلديث ع اقضية ا لتفاهم واملنااقشة مع العلم أن هذه املستويات م التواصل اقد حيصل فيها عكس ذلك مبعىن آخر أن ممارسة‬
‫اللغة تفتح آفااقا يصعب تكه حدوثها أحيانا‪ ،‬وبالتايل فإن اللغة حتتوي يف ذاهتا على إمكانية املعىن‪ ،‬كما حتتوي على احتمال‬
‫التشويش عليه‪.2‬‬
‫لذلك اشتغل هابرماس باللغة والقضايا اللسانية ألنه كما اقال‪" :‬بدراسة التأويل والقضايا اللسانية ااقتنعت بأن النظرية النقدية‬
‫للمجتمع جيب أن تقطع مع الفلسفة الوعي اليت ترفع مفاهيمها األساسية إىل تراث كل م كانط وهيجل" أي أن هابرماس م‬
‫أجل تأسيسه لنظرية جديدة للمجتمع حاول االنفصال مع فلسفة الوعي‪ ،‬كما أنه يؤكد أن فلسفة اللغة تع ّد األساس الذي بنيت‬
‫عليه نظريته يف الفعل التواصلي بقوله‪ " :‬أنا مدي لكل م النزعات التداولية والتحليلية للنظرية اللغوية‪ ،‬فإن غاية الفهم املتبادل‬
‫مغروسة يف االتصال اللغوي"‪.3‬‬
‫لذلك يؤكد هابرماس أن البعد املنسي أو ا لالمفكر فيه هو اللغة وبالضبط يف بعدها التواصلي‪ ،‬والذي جيب أن يعاد له االعتبار‪،‬‬
‫طورها هيجل حتت عنوان‬ ‫وهذا ما أمهلته الفلسفة املثالية اليت انتهت إىل منوذج التواصل املشوه "إن ديالكتيك العالاقة األخالاقية اليت ّ‬
‫م أجل اعرتاف بعيد تكوي القمع والعنف‪ ،‬إنه تواصل مشوه م خالل العنف"‪.4‬‬

‫* الفلسفة التحليلية‪ :‬التحليل هو فك املركب إىل أجزائه‪ ،‬والفلسفة التحليلية تعتمد على التحليل يف معاجلتها للقضايا الفلسفية (زكريا إبراهيم‪ ،‬دراسات يف‬
‫الفلسفة املعاصرة‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،9111 ،9‬ص‪.)921‬‬
‫** هيدجر مارت ‪ )9119-9111( :‬فيلسوف أملاين وجودي (بيرت كونزمان وفرانز فيدمان‪ :‬أطلس الفلسفة ‪ ،‬ترمجة ‪ :‬جورج كتورة‪،‬ط‪ ،9‬املكتبة‬
‫الشراقية‪ ، 9221،‬ص‪.)921‬‬
‫*** هانز جورج جادامري‪ )9229-9122( :‬يعترب أب التأويلية احلديثة‪ ،‬م أهم مؤلفاته احلقيقة واملنهج‪ ،‬دخل مع هابرماس يف جماالت كثرية أثرت على‬
‫الفلسفة املعاصرة (هابرماس وآخرون‪ ،‬مسارات فلسفية‪ ،‬ترمجة حممد ميالد‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،999224‬ص‪.)911‬‬
‫‪ 1‬أبو النور محدي أبو النور حس ‪ ،‬األخالق والتواصل‪ ،‬ص‪.911‬‬
‫‪ 2‬حممد نور الدي أفاية‪ ،‬احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪3‬‬
‫‪J. Habermas, Op.cit, p3.‬‬
‫‪ 4‬يورغ هابرماس‪ ،‬العلم والتقنية كإيديولوجيا‪،‬ترمجة ‪ :‬حس اقص‪ ،‬منشورات اجلمل ‪ ،‬سوريا ‪ ،‬ط‪ ،9221 ،9‬ص‪.94‬‬
‫‪234‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫وميك القول بأن نظرية النشاط التواصلي بسبب تركيزها على اللغة واملنطق واخلطاب فإهنا حتمل يف طياهتا فلسفة للغة على أساس‬
‫أن مفهوم العقالنية التواصلية ينطبق ويرجع إىل التجربة املركزية لقوة اخلطاب الربهاين القادر على خلق اتفاق وإمجاع بدون ضغوط أو‬
‫إكراه‪.1‬‬
‫وهذا ما أصبح يعرف باسم التداولية الشاملة فالعنصر احملوري هلذه اللتداولية هو اللغة‪ ،‬اللغة يف بعدها احلواري‪ ،‬اخلطايب واإلدراكي‬
‫الذي جيعل منها األداة األساسية للتواصل البينذايت وم مثة أداة الفهم البينذايت‪ 2‬لذلك‪.‬‬
‫حيث اعترب اللغة هي الوسيط األساسي الذي يتحقق فيه التفاهم "إننا إذا أردنا أن نفهم الفعل التواصلي علينا أن نفرتض اللغة‬
‫بوصفها الوسيط الذي ميك أن يتحقق فيه نوع م التفاهم"‪ ،3‬وهذا ما أكده هابرماس بقوله‪" :‬إن اللغة تبقى الواسطة البينذاتية‬
‫الوحيدة اليت ميك أن تتجسد يف كل حلظة"‪.4‬‬
‫لذلك يؤكد أن فهم اللغة جيب أن يكون وفقا لنموذج اجتماعي للقواعد‪ ،‬فالصفة املميزة واملضبوطة للغة هي السماح للتواصل بأن‬
‫حيدث‪ ،‬أما عندما خيفق التواصل فإن هذا معناه أن هناك شكال مرضيا الستخدام اللغة‪.5‬‬
‫‪ -1‬التداولية الكونية‪:‬‬
‫ااقرتح هابرماس شروط للفعل التواصلي يف منظومة جت ريبية يطلق عليها اسم التداولية الكونية أو الربامجاتيقا العامة‪ ،‬فهي كونية ألهنا‬
‫تصف معايري كونية شاملة‪ ،‬وهي تداولية مبعىن ما يتداوله ويستعمله الناس يف تفاعلهم ونشاطهم االجتماعني وبالتايل جيب فهم‬
‫اللغة وفق منوذج إمجاعي للقواعد‪.6‬‬
‫وم مهام الربامجاتيقا العامة يؤكد هابرماس أنه جيب إعادة بناء الشروط العاملية إلمكان التفاهم‪ ،‬إهنا عبارة ع فرضيات مسبقة‬
‫عامة للتواصل‪ ،‬وهو م جهته كما يقول بفضل احلديث ع فرضيات مسبقة عاملية للنشاط التواصلي ألنه يعترب أساسا منوذج‬
‫النشاط التواصلي الذي يهدف إىل التفاهم البينذايت‪.7‬‬
‫لذلك ي رى ضرورة تأسيس تداولية كونية عامة حتدد شروط صالحية التبادل والتواصل‪ ،‬واالهتمام باللغة بوصفها فعال لغويا تبادليا‬
‫جبملة العالاقات االجتماعية‪ ،‬مما يعين االهتمام باجلوانب التعبريية التواصلية للغة‪.8‬‬
‫الربامجاتيقا العامة ع ّدة مالمح وهي‪ :‬القدرة على الكالم‪ ،‬الصورة املعيارية لفعل الكالم‪ ،‬الكالم املثايل‪ ،‬وميك أن نعرضها كالتايل‪:‬‬

‫‪ 1‬حممد نور الدي أفاية‪ ،‬احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا ‪ ،‬ص‪.999‬‬
‫‪ 2‬جان مارك فريي‪ ،‬فلسفة التواصل‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 3‬أبو النور محدي أبو النور حس ‪ ،‬األخالق والتواصل‪ ،‬ص‪.914‬‬
‫‪ 4‬يورغ هابرماس‪ ،‬ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ :‬عمر مهيبل‪ ،‬ط‪ ،9‬منشورات االختالف‪ ،‬املغرب‪ ،9292 ،‬ص ص‪.19-19‬‬
‫‪ 5‬جون ليشتة‪ ،‬مخسون مفكرا معاصرا‪ ،‬ترمجة فات البستاين ‪ ،‬بيت النهضة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،999221‬ص‪.119‬‬
‫‪ 6‬جون ليشتة‪ ،‬مخسون مفكرا معاصرا‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪7‬‬
‫‪J. Habermas, Op.cit, p911.‬‬
‫‪ 8‬ابو النور محدي أبو احلس ‪ ،‬األخالق والتواصل‪ ،‬ص‪.919‬‬
‫‪235‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫أ‪ -‬صحة أساس الكالم‪ :‬حيث يؤكد هابرماس أن اللغة والكالم خيضعان للتحليل الصوري وأن أي شخص يفعل بصورة‬
‫تواصلية جيب عليه تأدية أي فعل م أفعال الكالم أن يثري دعاوي صحة عامة‪ ،‬أي جيب على املتحدث أن خيتار تعبريا مفهوما‬
‫حىت يفهمه املستمع وأيضا جيب أن يكون لديه اقصد توصيل اقضية صاداقة وأن يكون املتحدث خملص يف حديثه مع اختيار تعبري‬
‫صحيح‪ ، 1‬م أجل أن يفهم املتلقي أو املستقبل خطاب الباعث أو املرسل‪ ،‬وأن يفرتض يف خطابه إرادة أو نية طيبة أو خربة وأن‬
‫يقتنع حبقيقة اجلمل أو العبارات املقرتحة عليه‪.2‬‬

‫ب‪ -‬مفهوم القدرة واألداء‪ :‬لقد اهتم هابرماس بدراسة اللغة يف بعدها التواصلي‪ّ ،‬‬
‫وطور مفهوم الكفاءة اللغوية إىل مفهوم‬
‫الكفاءة التواصلية حبيث يؤكد على أن هذا يتطلب م املتحدث جبانب القدرة اللغوية اقدرة أخرى وهي القدرة التواصلية‪.3‬‬
‫ﺟ‪ -‬الصورة المعيارية لفعل الكالم‪ :‬يرى هابرماس أن األساس الذي يرتكز عليه استخدام أفعال الكالم هو القدرة املنتجة‬
‫ألفعال الكالم‪ ،‬ففعل الكالم ينجح إذا حدثت عالاقة بني املتحدث واملستمع‪ ،‬أي أن فعل الكالم يهدف إىل تأسيس عالاقة‬
‫تواصلية إجيابية بينهما‪ ،4‬حيث "إن املتحد ث ميك يف تأدية فعل م أفعال الكالم أن يؤثر على املستمع بطريقة جتعله ؤيبين عالاقة‬
‫شخصية معه"‪.5‬‬
‫د‪ -‬الكالم المثالي‪ :‬يرى هابرماس أن املواقف املثايل للكالم يتميز بعدم وجود مانع‪ ،‬مثل الضغط الذي ميك أن يكون عائقا يف‬
‫عملية التواصل‪ ،‬وأن هناك تكافؤ بني الناس املشاركني يف الكالم لفرض االختيار واحلديث‪ ،‬فاملساواة يف تطبيق أفعال الكالم‬
‫التواصلية هي أن مجيع الناس املشاركني يف اخلطاب لديهم فرصا لتدعيم احلوار‪ ،6‬أي أن هابرماس يتعامل مع منوذج فيه متكلم باللغة‬
‫باللغة مثايل وسامع مثايل‪.7‬‬
‫‪ -2‬التأويل والتواصل‪:‬‬
‫التأويل هو إيضاح مقاطع غامضة وغري مستوعبة م النصوص ألن املعىن الواضح ال حيتاج إىل تفسري أو تأويل‪ ،‬وفد حيتاج إىل‬
‫التأويل ليكون معقوال‪ ،‬فنظرية التأويل تدور أساسا حول إيضاح وتفسري األشياء لتصبح مفهومة ومعقولة‪ ،‬وهدف نظرية التأويل هو‬
‫فهم صحيح للتجربة اإلنسانية ككل‪.8‬‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.911‬‬


‫‪ 2‬الزواوي بغورة‪ ،‬نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬ط‪ ،9‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،9221 ،‬ص‪.992‬‬
‫‪ 3‬حس مصدق‪ ،‬يورغ هابرماس ومدرسة فرانكفورت‪ ،‬النظرية النقدية التواصلية‪ ،‬ط‪ ،9‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،9221 ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ 4‬الزواوي بغورة‪ ،‬نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬ص‪.921‬‬
‫‪ 5‬أبو النور محدي أبو النور حس ‪ ،‬األخالق والتواصل‪ ،‬ص‪.911‬‬
‫‪ 6‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.911‬‬
‫‪ 7‬جون ليشتة‪،‬مخسون مفكرا معاصرا ‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪ 8‬عادل مصطفى‪ ،‬فهم الفهم‪ ،‬ص ص‪.91-91‬‬
‫‪236‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫إن مفهوم التأويل الذي حتدث عنه هابرماس ارتبط حبديثه ع التعبري بني أنواع املصاحل اليت تتحكم يف عمليات املعرفة‪ ،‬ويتعلق‬
‫األمر هنا باملصلحة العملية اليت حتدد تفاعل البشر فيما بينهم أي تأويل أفعالنا جتاه البعض‪.1‬‬
‫يعترب هابرماس أن بنية اللغة هي أساسا تأويلية‪ ،‬إهنا تدعو املشاركني إىل اإلهناك يف التفسري وبذلك ترفع درجة الفهم الذايت لكل‬
‫شخص‪ ،‬إذ أن الفهم يستمد م تفاعله مع اآلخري ‪ ،‬وهذه هي غاية اللغة بالذات كما يعتقد هابرماس‪.2‬‬
‫فاللغة تربر اهتمام كل م املتكلم واملستمع يف فهم أحدمها اآلخر أثناء التواصل "إنه م الواضح أن اللغة املتداولة متلك نية تسمح‬
‫فعليا جبعل ما هو فردي اقابال للفهم يف العالاقة احلوارية م خالل مقو الت عامة‪ ،‬وعلى الفهم اهلريمينوطيقي أن يكون يف خدمة‬
‫‪3‬‬
‫هذه البنية املماثلة اليت ترعى بصورة منهجية التجربة التواصلية اليومية لفهم الذات واآلخر"‪.‬‬
‫فالتأويل هو جماوزة الوظيفة املباشرة للغة بغرض البحث ع احلقيقة الكامنة وسط حقائق متعددة‪ ،‬فكل نص يف احملصلة نسيج م‬
‫العالمات والرموز املنضوية داخل صريورة اقابلة للتأويل اجملدد على الدوام‪ ،4‬فالتأويل إذن هو القدرة اليت نكتسبها ملا نتعلم التحكم‬
‫يف اللغة الطبيعية‪ ،‬وبالتايل فإنه يتعلق بالفعل‪ ،‬يعين تفهم املعىن القابل للتوصيل‪ ،‬وتوضيح هذا املعىن ملا يكون التواصل خمتال‪.5‬‬
‫خامسا‪ .‬التواصل والعالم المعيش‪:‬‬
‫م أجل تعميق مفهوم ال نشاط التواصلي ودعمه نظريا جلأ هابرماس إىل إدخال مفهوم العامل املعيش‪ ،‬الذي يزود الفعل التواصلي‬
‫باملادة األولية الطبيعية اليت متارس م خالهلا العملية التواصلية‪ ،‬إنه يزودها باللغة املادية اليت هي عند هابرماس اقيام التواصل‪ ،‬فال‬
‫ميك أن حيدث التفاهم إالّ داخل حدود العامل املعيش وال ميك أن يولد إال م رمحه ليكون بذلك العامل املعيش هو الوسيط املالئم‬
‫الذي تتفاعل فيه الذوات مع بعضها البعض وتتضام وتتكافل م أجل هدف واحد هو البحث ع احلقيقة‪.6‬‬
‫مكمل‬
‫ومعىن ذلك أن نظرية الفعل التواصلي تستمد شرعيتها م العامل املعيش باعتباره يشكل عملية التفاهم بني الذوات ألنه ّ‬
‫ملفهوم العقل التواصلي فهو عبارة ع خلفية النشاط التواصلي‪ ،7‬فالعامل املعيش يشكل عند هابرماس السياق الذي تستند إليه‬
‫سريورة التفاهم وتتزود مبوارده وعطاءاته‪ ،‬فهو األفق والذخرية اليت حتتفل بالبداهات الثقافية واليت ينهل منها الذي يشاركون يف‬
‫التواصل‪ .8‬وعليه نستطيع القول أن العامل املعيش ميثل أرضية الفعل التواصلي هذا م جهة وم جهة أخرى فإن الفعل التواصلي‬
‫يساهم يف بناء العامل املعيش‪.9‬‬

‫‪ 1‬إيان كريب‪ ،‬النظرية االجتماعية م بارسونز إىل هابرماس‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد حسني غلوم‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ ،9111 ،9‬ص‪.441‬‬
‫‪ 2‬جون ليشتة‪ ،‬مخسون مفكرا معاصرا‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪ 3‬يورغ هابرماس‪ ،‬املعرفة واملصلحة‪ ،‬ص‪.911‬‬
‫‪ 4‬يورغ هابرماس‪ ،‬ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪5‬‬
‫‪J. Habermas, Op.cit, p911.‬‬
‫‪ 6‬يورغ هابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪ 7‬حممد نور الدي أفاية‪ ،‬احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا‪ ،‬ص‪.911‬‬
‫‪ 8‬يورغ هابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ص‪.411‬‬
‫‪ 9‬الزواوي بغورة‪ ،‬نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة‪،‬ص‪.992‬‬
‫‪237‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫واقد ّبني هابرماس أن هذا العامل مرتبط بثالث بىن أو ثالث مكونات يسميها املكونات البنيوية للعامل املعيش‪ ،‬حيث يرى أن‬
‫مسامهة الفعل التواصلي يف بناء العامل م جهته ميك رصدها م خالل حتديد ثالث وظائف أساسية للفعل التواصلي وسط العامل‬
‫يقسمه هابرماس إىل ثقافة‪ ،‬جمتمع‪ ،‬شخص إنساين‪.‬‬ ‫املعيش الذي ّ‬
‫يعرف هابرماس الثقافة " أمسى ثقافة املعرفة املتاحة حيث تستمد الفاعلية التواصلية تفسريات‪ ،‬يفرتض توافقها يف السعي إىل التفاهم‬‫ّ‬
‫حول أمر م األمور املوجودة يف العامل" فالثقافة هبذا املعىن متثل الذخرية املتوفرة للمعرفة اليت يستمد منها املشاركون يف التواصل‬
‫تأويالهتم حينما يتفامهون حول شيء ما ينتمي إىل العامل‪.‬‬
‫عرفه‬
‫وإىل جانب الثقافة يعمل النشاط التواصلي على تنسيق األفعال وتنظيم أساليب احلوار والنقاش بني أفراد اجملتمع الذي ّ‬
‫املكون لنظم الشرعية حيث تستمد ذوات الفاعلية التواصلية تضامنا يقوم على انتماءات‬‫هابرماس "أمسي جمتمعنا باملعىن الضيق ّ‬
‫فئات بعقد عالاقات بني شخصية"‪ ،1‬ومعىن ذلك أن اجملتمع هو تلك األنظمة املشروعة اليت ينظم بواسطتها املشاركون يف التواصل‬
‫انتماءهم حيث ينظمون بذلك تضامنهم‪.2‬‬
‫أما فيما يتصل بالشخصية فهي لفظة تعين الكفاءات اليت تكتسب الذات بفضلها ملكيت الكالم والعمل وبالتايل املشاركة‬
‫بسريورات تفاهم يف سياق يعطى كل مرة وهي م جانب آخر كفاءات جعلها اقادرة على تأكيد هويتها اخلاصة يف شروط تبادل‬
‫خمتلفة يف كل مرة‪ ،‬فهي تلك الكفاءات ال يت بفضلها تكتسب الذات اقدرهتا على الكالم والفعل وبالتايل على املشاركة يف عمليات‬
‫التفاهم وعلى تأكيد هويتها اخلاصة يف شروط تبادل خمتلفة يف كل مرة‪.3‬‬
‫والتداخل والتذوات الذي يتم يف ظل املمارسة التواصلية هو الذي يشكل إعادة إنتاج واستمرار العناصر املكونة للعامل املعاش‬
‫(الثقافة‪ ،‬اجملتمع‪ ،‬الشخص) " إن هذا العامل املعاش املفسر بينذاتيا يشكل جوهر النشاط التواصلي‪ ...‬كأنه‪ ...‬أفق يتحرك يف وسطه‬
‫بآن معا املشاركون يف التواصل‪ ،‬عندما يستندون موضوعيا إىل شيء ما يف العامل"‪.4‬‬
‫أوال‪ .‬ايتيقا المناقشة‪:‬‬
‫إن فلسفة التواصل كما تصورها هابرم اس مل تعد تبين انطالاقا م اقيم علوية مستلهمة م عوامل اخلري والشر كما بلورها‬
‫امليتافيزيقيون‪ ،‬بل تبىن انطالاقا م مقاربة نسبية يسميها "ايتيقا املنااقشة"‪ ،‬ايتيقا ليست متنااقضة مع األخالق ولكنها متولدة عنها‪.5‬‬
‫عنها‪.5‬‬
‫واقبل احلديث ع أخالاقيات النقاش جيدر بنا اإلشارة إىل أن هابرماس مل يأت هبذه النظرية م العدم بل هلا جذور متتد إىل كانط*‪،‬‬
‫حيث تأثر بأخالق هذا األخري وهو نفسه يعرتف بذلك كونه ميثل إحدى املرجعيات الكربى لألخالق النظرية يف عصرنا‪ ،‬ويظهر‬

‫‪ 1‬يورغ هابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ص ص‪.191-194‬‬


‫‪ 2‬حممد نور الدي أفاية‪ ،‬احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا ‪ ،‬ص ص‪.912-911‬‬
‫‪ 3‬يورغ هابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪ 4‬يورغ هابرماس‪ ،‬العالاقة بالعامل ومظاهر عقالنية الفعل يف أربعة مفاهيم سوسيولوجية‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ 5‬جان مارك فريي‪ ،‬فلسفة التواصل‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪238‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫يقر بأن هناك عقال عمليا متضمنا اقاعدة التخلق‪ ،‬عقال مستقال استقالال صارما ع العقل النظري فالعقل العملي‬ ‫ذلك عندما ّ‬
‫‪1‬‬
‫أاقر‬
‫ّ‬ ‫حيث‬ ‫املعاصرة‪،‬‬ ‫ية‬
‫ر‬ ‫النظ‬ ‫األخالق‬ ‫حقل‬ ‫فتح‬ ‫م‬ ‫كانط‬ ‫متك‬ ‫هذا‬ ‫خالل‬ ‫وم‬ ‫‪،‬‬ ‫احملض ينص على املبدأ القبلي للفاعلية األخالاقية‬
‫كل م هابرماس وكارل أتو آبل "العقل‬ ‫كل ممارسة نظرية‪ ،‬وهبذه الفكرة ع العقل العملي تأثر ّ‬‫مبا ينبغي فعله بصرف النظر ع ّ‬
‫العملي يف النهاية هو ملكة املعرفة اإلدراكية األخالاقية دون متثالت"‪ ،2‬لذا فإن املنااقشة تتجلى يف إهاب عقل عملي يفتح السبيل‬
‫أمام ما يبدو صاحلا للجميع‪ ،‬فالعقالنية االتصالية هي حافز العقل العملي‪ ،‬إال أن األخالق الكانطية ال تعدو أن تكون يف نظرمها‬
‫"جمرد إعالن نوايا واجبات صورية م طرف مونولوج أحادي لذات عارفة تناجي العامل املتعايل"‪.3‬‬
‫وانطالاقا م ذلك‪ ،‬فقد توسع هابرماس يف نظرية الفعل التواصلي وااقرتح نظرية يف أخالق املنااقشة معتمدا يف ذلك على مسامهة‬
‫زميله كارل أتو آبل القائمة على تناولية متعالية‪ ،4‬فاملنااقشة احلجاجية حبسب آيل ليست لعبة اقوامها اللغة يكون االخنراط فيها م‬
‫عدمه سيان‪ ،‬بل إهنا تع ّد عماد النشاط التواصلي مبا هو ماهية أساسية ذاتية وبينذواتية يف الواقت ذاته‪ ،‬وهو ما ينطبق حصرا على‬
‫أنواع النشاط اليت كان اقد حددها هابرماس كالنشاط املتعلق باستجالء املعىن‪ ،‬أو ذلك اخلاص بالبحث ع احلقيقة أو ع‬
‫جمرد‬
‫االنضباط‪ ،‬أو ع الصدق‪ ،‬هذه املتطلبات األساسية للنشاط الب ّد أن تكون ترانسندنتالية كما يرى آبل وإال ستختزل إىل ّ‬
‫سوسيو ثقافية ذات وجود نسبوي ال ميك االطمئنان إليها اقصد بعث تأسيس شكل إجرائي فلسفي هنائي‪.‬‬
‫إن ايتيقا املن ااقشة كما تصورها آبل ال هتدف إىل تأسيس معايري مؤسسة بطريقة اقبلية‪ ،‬إمنا هتدف عكس ذلك إىل تأسيس شكل‬
‫إجرائي يستهل إنسانية م النقاش واحلوار بغرض الوصول إىل نتائج حمددة تلخص يف اقرارات مع مالحظة يف غاية األمهية‪ ،‬وهي أن‬
‫هذا النقاش نقاش حقيقي‪ ،‬وااقعي يدور حول مصاحل حقيقية‪ ،‬متس حياة البشر كما هي متجلية يف وااقعهم االجتماعني وهنا يكم‬
‫اخلالف بني نزعة هابرماس التواصلية والنزعة الرتانسندانتالية عند آبل‪.5‬‬
‫إن هابرماس يعتقد بأن اإلنسان كائ ايتيقي تواصلي انطالاقا م أن التواصل مبختلف جتلياته املادية والداللية هو رمز دال م رموز‬
‫املرحلة املعاصرة‪ ، 6‬فثمة نظام أخالاقي ضمين حياول هابرماس الكشف عنه وهي األخالق الكلية أو اإلجرائية الذي ال يهتم بتحليل‬
‫مضمون املعايري بقدر توجهه واهتماماته بكيفية أو طريقة التوصل إليها‪ ،‬ويتم التوصل إىل تلك املعايري األخالاقية انطالاقا م نقاش‬
‫عقالين‪ ،‬تبحث فيه نتائج كل معيار م املعايري األخالاقية انطالاقا م خاصيته الكلية أي القول والرضا العام ع طريق اإلاقناع‬

‫* كانط إميانويل‪ )9124-9194( :‬فيلسوف مثايل أملاين ذو نزعة نقدية م أهم مؤلفاته نقد العقل احملض (بيرت بروكر وفرانز فيدمان‪ ،‬أطلس الفلسفة‪،‬‬
‫ص‪.)911‬‬
‫‪ 1‬جاكلني روس‪ ،‬الفكر األخالاقي املعاصر‪ ،‬عويدات للنشر والطباعة‪ ،‬لبنان‪،‬ط‪ ،9229 ،9‬ص‪.91‬‬
‫‪ 2‬يورغ هابرماس‪ ،‬ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة‪،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 3‬حس مصدق‪،‬ي وغ هابرماس ومدرسة فرانكفورت‪ ،‬ص‪.941‬‬
‫‪ 4‬الزواوي بغورة‪ ،‬نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬ص‪.992‬‬
‫‪ 5‬كارل أتو آبل‪،‬التفكري كهابرماز ضد هابرماز‪ ،‬ترمجة ‪ :‬عمر مهيبل ‪ ،‬منشورا ت االختالف ‪ ،‬اجلزائر‪ ،9221،‬ص ص‪.92-91‬‬
‫‪ 6‬يورغ هابرماس‪ ،‬ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪239‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫العقلي ال القوة والقهر‪ ، 1‬ومعىن هذا أن هابرماس سعى إىل حتقيق عقلنة جديدة هي العقالنية التواصلية يف مقابل العقالنية األداتية‪،‬‬
‫عقلنة تواصلية تضع على رأس أولوياهتا ربط صلة الفرد الواحد باآلخر الشريك دون ضغوط أو إكراه بغية تشكيل حلمة النسيج‬
‫االجتماعي وفق منوذج ايتيقا املنااقشة‪..‬‬
‫هلذا جند هابرماس يدعو إىل ضرورة تأسيس أخالق تواصلية تضبط تدخالت الناس وتعاملهم مع بعضهم حيث تنظم أساليب‬
‫تبادهلم وهي أخالاقيات جتد يف العقل مرتكزها ومرجعها‪ ،‬أي أنه يبين أخالاقيات التواصل على مبادئ عقلية تستمد بعض عناصرها‬
‫م التداوليات الكلية ألن هذه التداوليات هي اليت تسمح بالتفكري يف األساس الذي جيعل م التلفظات أو أفعال الكالم حقيقية‬
‫أو داقيقة‪ ،‬فاالنتقال م التداوليات إىل األخالاقيات يكشف ع استمرار النشاط التواصلي بني األفراد‪ ،‬الذي يكون م دون شك‬
‫كل زيف أو ضغط أو سيطرة‪ 2‬ومعناه أن صدق نية املتكلم عند احلديث والتحاور مع اآلخر إىل الوصول إىل أفضل‬ ‫متحررا م ّ‬
‫برهان إلنتاج حقيقة ما بطريقة سليمة‪ ،‬يعين حصول تواصل اجتماعي‪ ،‬وبالتايل االستمرار يف النشاط التواصلي‪.‬‬
‫تستند هذه النظرية أي نظرية أخالاقيات النقاش إىل مبدأ احملاججة أو الربهان كنقطة انطالق أوالنية لكل ما ميك أن تفضي إليه‪،‬‬
‫واملنااقشة عند هابرماس هي الصورة اجلديدة ألية بنية عقلية منطقية ميكنها الركون إىل احملاججة والربهان لبلوغ صيغة تواصلية مثلى‬
‫ب ني أفراد جمتمع معني‪ ،‬وم مثة إمكانية بعث اقواعد ممكنة متينة ألي تواصل مستقبلي "فاملتحاوري يعتمدون يف خطاباهتم املتبادلة‬
‫‪3‬‬
‫احملاور البد أن يدعم أفكاره بالربهان الذي جيعله يتفق‬
‫َ‬ ‫يقنع‬ ‫لكي‬ ‫ر‬‫ِ‬
‫و‬ ‫احملا‬ ‫أن‬ ‫يعين‬ ‫وهذا‬ ‫‪،‬‬ ‫على اقوة الربهنة اليت تتمتع هبا األفكار"‬
‫معه دون اللجوء إىل العنف والسيطرة وبذلك يتشكل النسيج التواصلي‪ ،‬ولذلك خيلص هابرماس إىل أن "احلقيقة تتحدد بالربهنة"‪،4‬‬
‫بالربهنة"‪ ،4‬وما نفهمه م هذا القول أن الربهان هو معيار كل فكرة أو حقيقة تكون حمل اتفاق وتفاهم بني الذوات‪.‬‬
‫ولذلك جند هابرماس يلّح اقبل كل شيء على ضرورة تكوي "أخالق اتصالية" تنمو وتتطور بفضل هتيئة جماالت أصيلة وواسعة‬
‫حر‪ ،‬حيث تقوم هذه األخالق على اقاعدتني أساسيتني مها‪ :‬القاعدة‬ ‫احلوارات مفتوحة‪ ،‬تساعد على نشوء خطاب عقالين ّ‬
‫الدميقراطية ومضموهنا " أي اقاعدة أو معيار ال ميلك الصالحية‪ ،‬إال إذا كان املعنيون به على اتفاق فيما بينهم أو ميك هلم االتفاق‬
‫عليه بوصفهم شركاء يف احملاثة العملية ويرمز هلا باحلرف ‪ ،D‬والقاعدة الكونية ومنطواقها "أن كل اقاعدة لكي تكون صاحلة جيب أن‬
‫تستويف الشروط سواءً م حيث نتائجها أو م حيث آثارها اجلانبية‪ ،‬وأن تلقى بالقبول "م كطل األشخاص الذي هلم عالاقة‬
‫هبا"‪ ،‬وهو ما يسميه بالقاعدة الكونية ورمزها ‪. 5 U‬‬

‫‪ 1‬إيان كريب‪ ،‬النظرية اجلتماعية م بارسونز إىل هابرماس‪ ،‬ص‪.119‬‬


‫‪ 2‬حممد نور الدي أفاية‪ ،‬احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا ‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪ 3‬فريدة غيوة‪ ،‬تأمالت يف القضايا االنسانية املعاصرة والراهنة‪ ،‬ص‪.991‬‬
‫‪ 4‬حممد نور الدي أفاية‪ ،‬احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا ‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ -5‬الزواوي بغورة ‪ ،‬نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة ‪ ،‬ص‪.999‬‬
‫‪240‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫إن املشروع النقدي اهلابرماسي للحداثة الغربية امتد إىل أبعد احلدود‪ ،‬أي البعد اإلنساين‪ ،‬الذي حاول م خالله تقدمي نظرية‬
‫اجتماعية نقدية هتدف إىل حتقيق التواصل ع طريق احلوار واملنااقشة واليت تعطي للحداثة الغربية أوج تطورها‪ ،‬فالعقالنية التواصلية‬
‫القائمة على نقد ما يتوجب نقده يف مسار التقدم‪ ،‬هو البديل األجنع الذي أعطاه هابرماس للحداثة الغربية‪ ،‬الذي يقوم على اللغة‬
‫العادية كأساس للتواصل واملستوحاة م الوسط االجتماعي والعامل املعيش‪.‬‬
‫فالعقالنية التواصلية هي نظرية جديدة ورؤية عاملية هتدف إىل احلوار‪ ،‬يف مقابل العقالنية األداتية اليت متيزت هبا احلداثة األوربية‪.‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬أبو النور محدي أبو النور حس ‪ ،‬األخالق والتواصل دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪2112 ،1‬‬
‫‪ .2‬أشرف منصور‪ ،‬نقد هابرماس لتيار ما بعد احلداثة‪ ،‬كتاب دوري‪ ،‬الكتاب ‪ ،22‬يصدر ع اقضايا فكرية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫مصر‪1222 ،‬‬
‫‪ .3‬إيان كريب‪ ،‬النظرية االجتماعية م بارسونز إىل هابرماس ‪ ،‬ترمجة ‪ :‬حممد حسني غلوم ‪ ،‬الكويت ‪،‬ط‪.1222 ،1‬‬
‫بيرت كونزمان وفرانز فيدمان‪ :‬أطلس الفلسفة ‪ ،‬ترمجة ‪ :‬جورج كتورة‪،‬ط‪ ،2‬املكتبة الشراقية‪2112،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫جاكلني روس‪ ،‬الفكر األخالاقي املعاصر‪ ،‬عويدات للنشر والطباعة‪ ،‬لبنان‪،‬ط‪2111 ،1‬‬ ‫‪.5‬‬
‫جان مارك فريي‪ ،‬فلسفة التواصل‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ :‬عمر مهيبل‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬لبنان‪،‬ط‪2114 ،1‬‬ ‫‪.6‬‬
‫جون ليشتة‪ ،‬مخسون مفكرا معاصرا‪ ،‬ترمجة فات البستاين ‪ ،‬بيت النهضة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1،2111‬‬ ‫‪.2‬‬
‫حس مصدق‪ ،‬يورغ هابرماس ومدرسة فرانكفورت‪ ،‬النظرية النقدية التواصلية‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪2115 ،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫زكريا إبراهيم‪ ،‬دراسات يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬دار مصر‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الزواوي بغورة‪ ،‬نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪2112 ،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫عادل مصطفى‪ ،‬فهم الفهم‪ ،‬مدخل إىل اهلريمينوطيقا نظرية التأويل م أفالطون إىل غادامري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪.11‬‬
‫لبنان‪2113 ،‬‬
‫‪ .12‬عبد اهلل إبراهيم‪ ،‬املركزية الغربية‪ ّ،‬إشكالية التكون والتمركز حول الذات ‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪1،1222‬‬
‫‪ .13‬عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪،‬منشأة املعارف‪،‬ط‪.2112 ،1‬‬
‫عمر مهيبل‪ ،‬إشكالية التواصل يف الفلسفة العربية املعاصرة‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪2115، 1‬‬ ‫‪.14‬‬
‫فريدة غيوة‪ ،‬تأمالت يف القضايا اإلنسانية املعاصرة والراهنة‪ ،‬منشورات جامعة منتوري‪ ،‬اقسنطينة‪،‬ط‪.2114 ،1‬‬ ‫‪.15‬‬
‫فؤاد كامل ‪ :‬املوسوعة الفلسفية املختصرة ‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1222 ،1‬‬ ‫‪.16‬‬
‫كارل أتو آبل‪ ،‬التفكري مع هابرماز ضد هابرماز‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ ،‬عمر مهيبل‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪،‬ط‪2115 ،1‬‬ ‫‪.12‬‬
‫‪241‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫مجلد‪ 52:‬عدد‪ 25:‬السنة‪5252 :‬‬

‫‪ .11‬كارل أتو آبل‪،‬التفكري كهابرماز ضد هابرماز‪ ،‬ترمجة ‪ :‬عمر مهيبل ‪ ،‬منشورا ت االختالف ‪ ،‬اجلزائر ‪2115،‬‬
‫هابرماس وآخرون‪ ،‬مسارات فلسفية‪ ،‬ترمجة حممد ميالد‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪2114 ،1‬‬ ‫‪.12‬‬
‫حممد عابد اجلابري‪ ،‬نظريات التواصل‪،‬دار الشبكة العربية لألحباث والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬ط‪.2111 ، 1‬‬ ‫‪.21‬‬
‫حممد نور الدي أفاية‪ ،‬احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة ‪ ،‬هابرماس منوذجا ‪ ،‬افريقيا الشرق ‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪. 2‬‬ ‫‪.21‬‬
‫يورغ هابرماس‪ :‬العالاقة بالعامل ومظاهر عقالنية الفعل يف أربعة مفاهيم سوسيولوجية للفعل‪ ،‬ترمجة جورج أيب صاحل‪ ،‬جملة‬ ‫‪.22‬‬
‫الفكر العريب املعاصر‪ ،‬العدد ‪ ،46‬مركز اإلمناء القومي‪ ،‬بريوت‪1212 ،‬‬
‫‪ .23‬يورغ هابرماس‪ ،‬احلداثة مشروع نااقص‪ ،‬ترمجة‪ :‬بسام الربكة‪ ،‬جملة الفكر العريب املعاصر‪ ،‬العدد‪ ،32‬مركز االمناء القومي‪،‬‬
‫بريوت ‪1226،‬‬
‫هابرماس‪ ،‬العلم والتقنية كإيديولوجيا‪ ،‬ترمجة‪ :‬حس اقص‪ ،‬منشورات اجلمل‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪2113 ،1‬‬ ‫‪ .24‬يورغ‬
‫هابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ترمجة‪ :‬فاطمة اجليوشي‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪ .25‬يورغ‬
‫هابرماس‪ ،‬ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ :‬عمر مهيبل‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات االختالف‪ ،‬املغرب‪2111 ،‬‬ ‫‪ .26‬يورغ‬
‫‪27. J. Habermas, Logique des sciences sociales et autres essais, trad.‬‬ ‫‪Rainer‬‬
‫‪Rochlitz, puf, 6ème édition, Paris, 1998‬‬

‫‪ .21‬إيان كريب‪ ،‬النظرية االجتماعية م بارسونز إىل هابرماس‬


‫زكريا إبراهيم‪ ،‬دراسات يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.1221 ،1‬‬ ‫‪.22‬‬
‫عطيات أبو السعود‪ ،‬احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ‪،‬منشأة املعارف‪،‬ط‪1‬‬ ‫‪.31‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)231‬‬ ‫‪.31‬‬
‫جمموعة م الكتاب‪ ،‬مسارات فلسفية‪ ،‬ترمجة حممد ميالد‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪2114 ،1‬‬ ‫‪.32‬‬

‫‪242‬‬

You might also like