Professional Documents
Culture Documents
العـقلانية التواصلية عند هابرماس PDF
العـقلانية التواصلية عند هابرماس PDF
العـقلانية التواصلية عند هابرماس PDF
:ملخص
وانطالاقا م هذا، وهذا العقل أدانته كل التيارات املضادة للمشروع احلداثي، انتهت احلداثة األوروبية حسب هابرماس إىل ما يعرف بالعقل األدايت
هدفه الوصول إىل املساواة داخل فضاء عام ينتزع فيه الفرد جانبا، بعيدا ع الضغط والتعسف،حاول هابرماس تأسيس عقل جديد يقوم على االتفاق
وهنا يتحول البحث م جمال العقالنية األداتية القائمة على السيطرة إىل جمال العقالنية التواصلية القائمة على احلوار،م ذاتيته ويدجمها يف اجلماعة
وتكم أمهية هذا البحث يف أن هابرماس أراد تفجري الطااقة اإلبداعية لعصر التنوير مؤكدا أن، م أجل احرتام اجلوانب االنسانية،والتقرب م اآلخر
.احلداثة مشروع مل ينته بعد
وينبغي إكمال فلسفة احلداثة بالعقل التواصلي، أن فلسفة الوعي كانت متمركزة على الذات وأمهلت اآلخر: ولقد توصلنا إىل جمموعة م النتائج منها
. وللغة دور أساسي يف عملية التواصل،الذي يقوم على التواصل واحلوار واالتفاق
. الفعل التواصلي؛ احلوار؛ اللغة؛ فلسفة احلداثة:الكلمات المفتاحية
Abstract:
European modernity, according to Habermas, ended in what is known as instrumental reason, and this mind
was condemned by all counter-currents of the modernist project, and on this basis Habermas tried to
establish a new mind based on agreement, away from pressure and arbitrariness, whose goal is to reach
equality within a public space in which the individual takes away from his personality And he merges them
in the group, and here the research turns from the field of instrumental rationality based on control to the
field of communicative rationality based on dialogue and getting closer to the other, in order to respect the
human aspects, and the importance of this research lies in the fact that Habermas wanted to explode the
creative energy of the Enlightenment, affirming that modernity is an endless project. distance.
We have reached a set of conclusions, including: that the philosophy of consciousness was self-centered and
neglected the other, and the philosophy of modernity should be complemented by the communicative mind
that is based on communication, dialogue and agreement, and language has a fundamental role in the
communication process.
Keywords: communicative action; Discussion; Language; philosophy of modernity.
227
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
مقدمة:
إن الدارس للفلسفة املعاصرة يالحظ أن كثريا م فالسفتها يعتربون الفلسفة اليت سبقتهم جمرد فلسفة تأملية ذاتية جتاوزها الفكر،
وذلك لعدم اقدرهتا على مسايرة التطور احلاصل يف جمال العلم والوااقع ،واعتربوها عائقا وجب جتاوزه واقطع الصلة به ،ولذلك
اهتمت الفلسفة املعاص رة باإلنسان كثريا ،م خالل تفسري أزمته ومعاناته ،وااقرتاح بدائل متكنه م فهم ذاته والتعايش مع وااقعه
والنظر إىل مستقبله ،وم بني هؤالء الفالسفة جند يورغ هابرماس* الذي يعترب م أبرز أعالم النظرية النقدية ملدرسة فرانكفورت ،
الذي اختذ م النقد مبدأ أساسيا يف مشروعها الفلسفي ،إال ان نظرية هابرماس النقدية أخذت طابعا جديدا هو التواصل أو ما
يسميه بالعقالنية التواصلية ،اليت حتمل يف طياهتا معايري أخالاقية وسياسية اقصد تكوي عقالنية متوازنة بني العقالنية األداتية
والعقالنية التواصلية وعلى هذا األساس نتساءل:
كيف استخدم هابرماس طابع التواصل إلمتام مشروع احلداثة الغريب؟
وما هو دور اللغة يف هذا املشروع؟
أوال .من العقالنية األداتية إلى العقالنية التواصلية:
يشخص هابرماس احلداثة األوربية يف ضوء حتديدات ماكس فيرب بأهنا عقالنية أداتية ،واقد خلص هذا األخري مميزات أوربا حتت
مفهوم العقلنة والعقالنية اليت جتلت يف ازدياد احلسابية والبحث ع الربح ،السيطرة املنظمة على كل جوانب احلياة اإلنسانية على
أساس اقواعد اقللت م االعتماد على القيم املتوارثة ،فقد ّبني فيرب وجود تفاعل بني األخالق الدينية الربوتستانتية ونشأة الرأمسالية،1
فالرأمسالية ليست فقط نتيجة لفعل الرتاكم املادي ع طريق اقوى اإلنتاج بل أيضا نتيجة للتحرر الديين.
اختذ ماكس فيرب مواقفا ش ّكيا م مظاهر احلداثة األوربية ،وم مث م إشكالية العقالنية باعتبارها دعامة حمورية م دعائم التفكري
الفلسفي ،فإذا كانت العقالنية اقد م ّكنت اإلنسان م أن ميارس راقابة ناجحة على الطبيعة ،فإهنا مل متكنه م ذلك بل أغراقته يف
عامل احلس فقط ،إذ أهنا مل تستطع ملء الفراغ الذي نتج ع استبعادها لألسطورة واملقدس ،فالعامل اخلايل م اإلحساس يؤدي
حبسب فيرب للتخلي ع القيم.2
) يعترب م أهم علماء االجتماع والسياسة يف عاملنا املعاصر ،يعد م أهم * يورغن هابرماس فيلسوف وعامل اجتماع أملاين معاصر (- 9191
منظري مدرسة فرانكفورت النقدية له ازيد م مخسني مؤلفا يتحدث ع مواضيع عديدة يف الفلسفة وعلم االجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي.
م أهم مؤلفاته:
-التحوالت البنيوية لألوضاع االجتماعية - 911منطق العلوم االجتماعية 9111
-التكنولوجيا والعلم كايديولوجية9111 -حنو جمتمع عقالين 9111
" -التواصل وتطور اجملتمع 9111 -املعرفة واملصاحل البشرية9111
-اخلطاب الفلسفي للحداثة 9111 -الوعي األخالاقي والفعل التواصلي 9111
1حممد عابد اجلابري ،نظريات التواصل ،دار الشبكة العربية لألحباث والنشر ،بريوت،ط ،9292 ،9ص.941
2عمر مهيبل ،إشكالية التواصل يف الفلسفة العربية املعاصرة ،منشورات االختالف ،اجلزائر ،ط ،9221، 9ص.141
228
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
وم هنا انطلق هابرماس إىل مفهوم جديد للعقالنية ،فإذا كانت احلداثة األوربية اقد انتهت إىل ما يعرف بالعقل األدايت الذي أدانته
كل التيارات الفلسفية املضادة للحداثة ،وتعالت الصيحات للتخلي ع العقل والفلسفة يف موضوعها األساسي العقل ،وعليه
جاءت دعوة هابرماس لتفعيل دور الفلسفة لتحقيق مصاحل وغايات معينة ،فالعقل التواصلي يبىن على فعل خالق يقوم على
يعرب ع املساواة داخل فضاء عام ينتزع فيه الفرد جانبا م ذاتيته ويدجمها
االتفاق وبعيدا ع الضغط والتعسف هدفه بلورة إمجاع ّ
إىل اجملموع اجلمعي الذي يقوم على التفاهم والتواصل* العقلي.1
يظهر هابرماس كيفية حتويل جماالت البحث م العقالنية األداتية إىل العقالنية التواصلية واليت تظهر م خالل العالاقة اليت يقيمها
الناس القادري على الكالم وعلى الفاعلية عندما يتفقون على شيء معني" ،فالعقل التواصلي هو درب آخر للخروج م فلسفة
الذات".2
فالعقالنية التواصلية هي عقالنية جديدة لغتها احلوار والتقرب م اآلخر ،عكس العقالنية األداتية اليت ال حترتم اجلوانب اإلنسانية
ألهنا تؤّكد على مجع األموال والفوز بالسلطة ،وم مثة ينعتها هابرماس باالنغالق الدوغمائية ،3يقول هابرماس يف كتابه القول
الفلسفي للحداثة " إن منوذج فلسفة الذات اقد أهنك متام اإلهناك وأصبح غري اقادر على مواكبة ما يشهده العصر م حتوالت يف
شىت اجملاالت ...مما يعين أنه آن األوان بتغبريه بنموذج آخر اقادر على مواكبة حتوالت الفكر ...مما يعين االنتقال إىل منوذج البينذاتية
حىت ختتفي أعراض اإلهناك أو التعب فل تكون هناك دعوة إىل صفاء العقل إال داخل العقالنية التواصلية".4
إن هابرماس يريد للعقل أن ينتقل م الذاتية ليفتح آفاق البينذاتية والتواصل مع اآلخر ،إنه عقل ينبذ كل أنواع الفردانية والتسلط،
والتأكيد على أمه ية العقل باعتباره املنطلق األساسي ألي نظرية يف اجملتمع ،لذلك أراد هابرماس تفجري الطااقة اإلبداعية لعصر التنوير
باعتبار أن احلداثة مشروع مل يكتمل بعد ،فإذا كان التطور احلديث كشف ع سلبيات العقالنية األداتية ،فإن هذا ليس مربرا كافيا
للتخلي ع مشروع احلداثة ،بل البد أن تواصل اجملتمعات احلديثة تطورها باستكمال هذا املفهوم األدايت بإدخال البعد التواصلي يف
مفهوم العقالنية.5
وبذلك " فالعقالنية التواصلية هي النموذج الذي يريد هابرماس ع طريقه إثبات أن احلداثة مشروع مل يكتمل بعد وال يزال اقادرا
على االستمرار" ،6فهو يهدف م العقالنية التواصلية إىل وضع نظرية نقدية للمجتمع تقوم على أسس عقالنية .
* التواصل :عملية نقل معلومة أو خطاب م مرسل إىل مستقبل أو م باعث إىل متلق ،الغاية منها تبليغ معلومة أو رسالة معينة إىل متلق معني ،وتتم بواسطة
اقناة اتصال معينة ،املرجع نفسه ،ص.91
1عطيات أبو السعود ،احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ،منشأة املعارف،ط ،9ص.11
2يورغ هابرماس ،القول الفلسفي للحداثة ،ترمجة :فاطمة اجليوشي ،منشورات وزارة الثقافة ،دمشق ،ص ص.111-119
3فريدة غيوة ،تأمالت يف القضايا اإلنسانية املعاصرة والراهنة ،منشورات جامعة منتوري ،اقسنطينة،ط ،9224 ،9ص.911
4يورغ هابرماس ،القول الفلسفي للحداثة ،ص ص.111-119
5عطيات أبو السعود ،احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ،منشأة املعارف ،ط ،9229 ،9ص.11
6أشرف منصور ،نقد هابرماس لتيار ما بعد احلداثة ،كتاب دوري ،الكتاب ،91يصدر ع اقضايا فكرية للنشر والتوزيع ،مصر ،9111 ،ص.411
229
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
إذن هابرماس اقام بتطوير مفهوم جديد للعقل مفهوم أكثر اقوة وكفاءة وحداثة وهو العقل التواصلي ،هذا العقل الذي يرتبط باحلداثة
وتنتجه ويستفيد م معطيات العقل األدايت ويطرح نفسه كبديل للممارسات العقلية واإلجرائية.1
وم هنا يؤكد هابرماس على أن هذا العقل يتجاوز العقالنية الغربية اليت أعلنت األولوية املطلقة للعقل الغائي الذي يهدف للتفاعل
والتفاهم االجتماعي الذي أهنكه العقل األدايت بطابعه الغائي احلسايب ،هلذا ال جيب االكرتاث بإدانة العقل وحتطيمه وإعالن موته،
بل جيب إعالن منوذج البينذاتية القادر وحده على جتاوز سيطرة العقل احلسايب ،العقل املتمركز ،لصاحل "عقل تواصلي تتجاوز فيه
الذات الضيقة ...ليكون نسيجا م الذوات املتواصلة اليت تتجاوز ذاتيتها ،وتعل انتمائها للمجتمع م خالل اقابليتها للحوار
والتفاهم والنقاش العقالين".2
وهذا ما يقره كل م كارل أتو آبل* وهابرماس " النتيجة املباشرة هلذا املنعرج هو إزاحة نقطة أرمخيدس ع مركزها اليت أعلنها
3
يسميه
ّ فيما هابرماس يطرحه الذي البديل ويتلخص . احملدثون ،حيث يستبدل مركز جاذبية الصالحية م الذاتية إىل البينذاتية"
بـ" العقالنية التواصلية واليت يتجاوز فيها فالسفة ما بعد احلداثة ،أو فالسفة القرن العشري النابذة لكل حوار مع اآلخر ،مثل فلسفة
سارتر** ،لذلك دعى هابرماس إىل العقالنية التواصلية بدل العقالنية العدائية السارترية" ،4فهابرماس رغم انتمائه لزم ما بعد
احلداثة إال أنه كان خمالفا هلم م الناحية الفكرية.
يرى هابرماس أنه " بدال م التخلي ع احلداثة وع مشروعها جيب علينا استخالص الدروس م الضياع الذي مر به هذا
املشروع ،وم األخطاء اليت واقع فيها م جراء مشاريع جتاوز مفرط" ،5وبذلك فإن هابرماس حياول أن يعيد الثفة ملشروع احلداثة
التنويري وذلك بإعطائه فرصة أخرى ،متكننا م مل شتاته وإعادة بعثه م جديد ،وم هذا يقرتح هابرماس إعادة استثمار وإحياء
مشروع احلداثة يف منوذج جديد ،منوذج الفهم املتبادل املمك بواسطة فلسفة اللغة ،والتأكيد على أمهية العقل باعتباره املنطلق
األساسي ألي نظرية يف اجملتمع.
1أبو النور محدي أبو النور حس ،األخالق والتواصل دار التنوير للطباعة والنشر ،لبنان ،ط ،9299 ،9ص.911
2عبد اهلل إبراهيم ،املركزية الغربية ّ،إشكالية التكون والتمركز حول الذات ،املركز الثقايف العريب ،املغرب ،ط ،999111ص.449
* كارل أتو آبل ) 9291-9199( :فيلسوف أملاين معاصر زيل هابرماس يف مدرسة فرانكفورت ،مؤسس ما يعرف بالتداولية الرتانسندنتالية (كارل أتو آبل،
التفكري مع هابرماز ضد هابرماز ،ترمجة وتقدمي ،عمر مهيبل ،منشورات االختالف ،اجلزائر،ط ،9221 ،9ص).1
3جان مارك فريي ،فلسفة التواصل ،ترمجة وتقدمي :عمر مهيبل ،منشورات االختالف ،لبنان،ط ،9224 ،9ص.11
** جان بول سارتر )9112-9121( :فيلسوف ورياضي وكاتب مسرحي فرنسي ،ذو نزعة وجودية (فؤاد كامل ،املوسوعة الفلسفة املختصرة ،دار القلم،
لبنان ،ط ،9111 ،9ص.)911
4فريدة غيوة ،تأمالت يف الفلسفة الغربية املعاصرة ،ص.911
5يورغ هابرماس ،احلداثة مشروع نااقص ،ترمجة :بسام الربكة ،جملة الفكر العريب املعاصر ،العدد ،11مركز االمناء القومي ،بريوت ،9111،ص.41
230
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
-4إذا تشكك أحد املشاركني يف التواصل يف الداقة املعيارية لتعبري ما ،أو إذا تعرض أحد مزاعم الصدق للشك ،أو مل يستطع
املشاركون يف التواصل تربيره أو الدفاع عنه حبجج عقلية ،فإن ادعاءات الصالحية نفسها تصبح موضع تساؤل ورمبا خيتل التواصل،
أو يتواقف ،ويف هذه احلالة البد للمشاركني يف التواصل م إعادة فحص تلك االدعاءات م جديد ومراجعتها مراجعة نقدية
لتصحيح أخطائها ،ومعىن هذا أن العملية التواصلية ختضع ملا يسمى دميقراطية احلوار.1
لذلك أكد هابرماس أن هذه االدعاءات اقابلة للنقد ألهنا متيّز خمتلف مقوالت معرفة متجسدة رمزيا يف عبارات ،وميك أن حتلل
هذه العبارات على حنو أدق ،وذلك م ناحيتني ،أوال م ناحية الطريقة اليت ميك أن تربرها هذه العبارات وثانيا م ناحية الطريقة
اليت يستند الفاعلون إىل شيء ما يف العامل عندما يستعملون هذه العبارات.2
-1أن يتحرر احلوار م كل أشكال السيطرة والضغط اليت ميك أن متارس عليه م اخلارج ،أي أن يكون حوارا حرا بني ذوات
حرة ومتكافئة يف املكانة واملستوى لضمان مواقف متباي للحديث.
ّ
-1أن يتاح لكل مشارك يف احلوار الفرصة املتساوية ل سائر املشاركني يف التواصل ،وأن يتمتع كل منهم حبق التأكيد والدفاع أو
التساؤل حول ما يراه م اقبول أو رفض االدعاءات الصالحية وفق املعايري املعرتف هبا.3
ثالثا .النظرية السوسيولوجية للفعل:
أراد هابرماس بناء نظرية للمجتمع تعرف بالنظرية السوسيولوجية للفعل اليت هتتم بالتنسيق بني األفعال وتدعو إىل ضرورة التحرر
واالبتعاد ع فلسفة الوعي ،وانطالاقا م ذلك كان ضروريا بالنسبة هلابرماس أن يقرتح أربعة مفاهيم للفعل لتكوي نظريته يف
اجملتمع ،واليت حيللها يف العالاقات اليت تربط بني الفاعل والعامل.4
واقبل احلديث ع األفعال اليت أ اقرها هابرماس جيدر بنا اإلشارة إىل مفهوم أو معىن الفعل عند هابرماس حيث ميك فهمه" ،باعتباره
حتقيق ملشروع عملي ما ،يتحكم الفاعل يف وضعية الفعل تشكل جزءا م حميط الفاعل وهذا اجلزء يتكون يف ضوء إمكانيات
5
يقسم هابرماس الفعل إىل أربعة
الفعل ،ذات الداللة بالنسبة للمشروع العملي واملدرجة باعتبارها كذلك م طرف الفاعل" ّ ،
مفاهيم هي:
-1الفعل الغائي :حيث " ميتد منوذج الفعل الغائي إىل النموذج االسرتاتيجي عندما يدخل الفاعل فبحساب النتائج وانتظار
اقرار فاعل إضايف على األاقل يتصرف يف سبيل هدف مقصود ،وغالبا ما يفسر منوذج الفعل هذا مبعىن نفعي" 6فهذا الفعل إذن
خيتار الوسائل والغايات م أجل حتقيق أكثر اقدر م املنفعة.
* الفلسفة التحليلية :التحليل هو فك املركب إىل أجزائه ،والفلسفة التحليلية تعتمد على التحليل يف معاجلتها للقضايا الفلسفية (زكريا إبراهيم ،دراسات يف
الفلسفة املعاصرة ،مكتبة مصر ،مصر ،ط،9111 ،9ص.)921
** هيدجر مارت )9119-9111( :فيلسوف أملاين وجودي (بيرت كونزمان وفرانز فيدمان :أطلس الفلسفة ،ترمجة :جورج كتورة،ط ،9املكتبة
الشراقية ، 9221،ص.)921
*** هانز جورج جادامري )9229-9122( :يعترب أب التأويلية احلديثة ،م أهم مؤلفاته احلقيقة واملنهج ،دخل مع هابرماس يف جماالت كثرية أثرت على
الفلسفة املعاصرة (هابرماس وآخرون ،مسارات فلسفية ،ترمجة حممد ميالد ،دار احلوار ،سوريا ،ط ،999224ص.)911
1أبو النور محدي أبو النور حس ،األخالق والتواصل ،ص.911
2حممد نور الدي أفاية ،احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا ،ص.19
3
J. Habermas, Op.cit, p3.
4يورغ هابرماس ،العلم والتقنية كإيديولوجيا،ترمجة :حس اقص ،منشورات اجلمل ،سوريا ،ط ،9221 ،9ص.94
234
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
وميك القول بأن نظرية النشاط التواصلي بسبب تركيزها على اللغة واملنطق واخلطاب فإهنا حتمل يف طياهتا فلسفة للغة على أساس
أن مفهوم العقالنية التواصلية ينطبق ويرجع إىل التجربة املركزية لقوة اخلطاب الربهاين القادر على خلق اتفاق وإمجاع بدون ضغوط أو
إكراه.1
وهذا ما أصبح يعرف باسم التداولية الشاملة فالعنصر احملوري هلذه اللتداولية هو اللغة ،اللغة يف بعدها احلواري ،اخلطايب واإلدراكي
الذي جيعل منها األداة األساسية للتواصل البينذايت وم مثة أداة الفهم البينذايت 2لذلك.
حيث اعترب اللغة هي الوسيط األساسي الذي يتحقق فيه التفاهم "إننا إذا أردنا أن نفهم الفعل التواصلي علينا أن نفرتض اللغة
بوصفها الوسيط الذي ميك أن يتحقق فيه نوع م التفاهم" ،3وهذا ما أكده هابرماس بقوله" :إن اللغة تبقى الواسطة البينذاتية
الوحيدة اليت ميك أن تتجسد يف كل حلظة".4
لذلك يؤكد أن فهم اللغة جيب أن يكون وفقا لنموذج اجتماعي للقواعد ،فالصفة املميزة واملضبوطة للغة هي السماح للتواصل بأن
حيدث ،أما عندما خيفق التواصل فإن هذا معناه أن هناك شكال مرضيا الستخدام اللغة.5
-1التداولية الكونية:
ااقرتح هابرماس شروط للفعل التواصلي يف منظومة جت ريبية يطلق عليها اسم التداولية الكونية أو الربامجاتيقا العامة ،فهي كونية ألهنا
تصف معايري كونية شاملة ،وهي تداولية مبعىن ما يتداوله ويستعمله الناس يف تفاعلهم ونشاطهم االجتماعني وبالتايل جيب فهم
اللغة وفق منوذج إمجاعي للقواعد.6
وم مهام الربامجاتيقا العامة يؤكد هابرماس أنه جيب إعادة بناء الشروط العاملية إلمكان التفاهم ،إهنا عبارة ع فرضيات مسبقة
عامة للتواصل ،وهو م جهته كما يقول بفضل احلديث ع فرضيات مسبقة عاملية للنشاط التواصلي ألنه يعترب أساسا منوذج
النشاط التواصلي الذي يهدف إىل التفاهم البينذايت.7
لذلك ي رى ضرورة تأسيس تداولية كونية عامة حتدد شروط صالحية التبادل والتواصل ،واالهتمام باللغة بوصفها فعال لغويا تبادليا
جبملة العالاقات االجتماعية ،مما يعين االهتمام باجلوانب التعبريية التواصلية للغة.8
الربامجاتيقا العامة ع ّدة مالمح وهي :القدرة على الكالم ،الصورة املعيارية لفعل الكالم ،الكالم املثايل ،وميك أن نعرضها كالتايل:
1حممد نور الدي أفاية ،احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا ،ص.999
2جان مارك فريي ،فلسفة التواصل ،ص.91
3أبو النور محدي أبو النور حس ،األخالق والتواصل ،ص.914
4يورغ هابرماس ،ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة ،ترمجة وتقدمي :عمر مهيبل ،ط ،9منشورات االختالف ،املغرب ،9292 ،ص ص.19-19
5جون ليشتة ،مخسون مفكرا معاصرا ،ترمجة فات البستاين ،بيت النهضة ،لبنان ،ط ،999221ص.119
6جون ليشتة ،مخسون مفكرا معاصرا ،ص.119
7
J. Habermas, Op.cit, p911.
8ابو النور محدي أبو احلس ،األخالق والتواصل ،ص.919
235
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
أ -صحة أساس الكالم :حيث يؤكد هابرماس أن اللغة والكالم خيضعان للتحليل الصوري وأن أي شخص يفعل بصورة
تواصلية جيب عليه تأدية أي فعل م أفعال الكالم أن يثري دعاوي صحة عامة ،أي جيب على املتحدث أن خيتار تعبريا مفهوما
حىت يفهمه املستمع وأيضا جيب أن يكون لديه اقصد توصيل اقضية صاداقة وأن يكون املتحدث خملص يف حديثه مع اختيار تعبري
صحيح ، 1م أجل أن يفهم املتلقي أو املستقبل خطاب الباعث أو املرسل ،وأن يفرتض يف خطابه إرادة أو نية طيبة أو خربة وأن
يقتنع حبقيقة اجلمل أو العبارات املقرتحة عليه.2
ب -مفهوم القدرة واألداء :لقد اهتم هابرماس بدراسة اللغة يف بعدها التواصليّ ،
وطور مفهوم الكفاءة اللغوية إىل مفهوم
الكفاءة التواصلية حبيث يؤكد على أن هذا يتطلب م املتحدث جبانب القدرة اللغوية اقدرة أخرى وهي القدرة التواصلية.3
ﺟ -الصورة المعيارية لفعل الكالم :يرى هابرماس أن األساس الذي يرتكز عليه استخدام أفعال الكالم هو القدرة املنتجة
ألفعال الكالم ،ففعل الكالم ينجح إذا حدثت عالاقة بني املتحدث واملستمع ،أي أن فعل الكالم يهدف إىل تأسيس عالاقة
تواصلية إجيابية بينهما ،4حيث "إن املتحد ث ميك يف تأدية فعل م أفعال الكالم أن يؤثر على املستمع بطريقة جتعله ؤيبين عالاقة
شخصية معه".5
د -الكالم المثالي :يرى هابرماس أن املواقف املثايل للكالم يتميز بعدم وجود مانع ،مثل الضغط الذي ميك أن يكون عائقا يف
عملية التواصل ،وأن هناك تكافؤ بني الناس املشاركني يف الكالم لفرض االختيار واحلديث ،فاملساواة يف تطبيق أفعال الكالم
التواصلية هي أن مجيع الناس املشاركني يف اخلطاب لديهم فرصا لتدعيم احلوار ،6أي أن هابرماس يتعامل مع منوذج فيه متكلم باللغة
باللغة مثايل وسامع مثايل.7
-2التأويل والتواصل:
التأويل هو إيضاح مقاطع غامضة وغري مستوعبة م النصوص ألن املعىن الواضح ال حيتاج إىل تفسري أو تأويل ،وفد حيتاج إىل
التأويل ليكون معقوال ،فنظرية التأويل تدور أساسا حول إيضاح وتفسري األشياء لتصبح مفهومة ومعقولة ،وهدف نظرية التأويل هو
فهم صحيح للتجربة اإلنسانية ككل.8
إن مفهوم التأويل الذي حتدث عنه هابرماس ارتبط حبديثه ع التعبري بني أنواع املصاحل اليت تتحكم يف عمليات املعرفة ،ويتعلق
األمر هنا باملصلحة العملية اليت حتدد تفاعل البشر فيما بينهم أي تأويل أفعالنا جتاه البعض.1
يعترب هابرماس أن بنية اللغة هي أساسا تأويلية ،إهنا تدعو املشاركني إىل اإلهناك يف التفسري وبذلك ترفع درجة الفهم الذايت لكل
شخص ،إذ أن الفهم يستمد م تفاعله مع اآلخري ،وهذه هي غاية اللغة بالذات كما يعتقد هابرماس.2
فاللغة تربر اهتمام كل م املتكلم واملستمع يف فهم أحدمها اآلخر أثناء التواصل "إنه م الواضح أن اللغة املتداولة متلك نية تسمح
فعليا جبعل ما هو فردي اقابال للفهم يف العالاقة احلوارية م خالل مقو الت عامة ،وعلى الفهم اهلريمينوطيقي أن يكون يف خدمة
3
هذه البنية املماثلة اليت ترعى بصورة منهجية التجربة التواصلية اليومية لفهم الذات واآلخر".
فالتأويل هو جماوزة الوظيفة املباشرة للغة بغرض البحث ع احلقيقة الكامنة وسط حقائق متعددة ،فكل نص يف احملصلة نسيج م
العالمات والرموز املنضوية داخل صريورة اقابلة للتأويل اجملدد على الدوام ،4فالتأويل إذن هو القدرة اليت نكتسبها ملا نتعلم التحكم
يف اللغة الطبيعية ،وبالتايل فإنه يتعلق بالفعل ،يعين تفهم املعىن القابل للتوصيل ،وتوضيح هذا املعىن ملا يكون التواصل خمتال.5
خامسا .التواصل والعالم المعيش:
م أجل تعميق مفهوم ال نشاط التواصلي ودعمه نظريا جلأ هابرماس إىل إدخال مفهوم العامل املعيش ،الذي يزود الفعل التواصلي
باملادة األولية الطبيعية اليت متارس م خالهلا العملية التواصلية ،إنه يزودها باللغة املادية اليت هي عند هابرماس اقيام التواصل ،فال
ميك أن حيدث التفاهم إالّ داخل حدود العامل املعيش وال ميك أن يولد إال م رمحه ليكون بذلك العامل املعيش هو الوسيط املالئم
الذي تتفاعل فيه الذوات مع بعضها البعض وتتضام وتتكافل م أجل هدف واحد هو البحث ع احلقيقة.6
مكمل
ومعىن ذلك أن نظرية الفعل التواصلي تستمد شرعيتها م العامل املعيش باعتباره يشكل عملية التفاهم بني الذوات ألنه ّ
ملفهوم العقل التواصلي فهو عبارة ع خلفية النشاط التواصلي ،7فالعامل املعيش يشكل عند هابرماس السياق الذي تستند إليه
سريورة التفاهم وتتزود مبوارده وعطاءاته ،فهو األفق والذخرية اليت حتتفل بالبداهات الثقافية واليت ينهل منها الذي يشاركون يف
التواصل .8وعليه نستطيع القول أن العامل املعيش ميثل أرضية الفعل التواصلي هذا م جهة وم جهة أخرى فإن الفعل التواصلي
يساهم يف بناء العامل املعيش.9
1إيان كريب ،النظرية االجتماعية م بارسونز إىل هابرماس ،ترمجة :حممد حسني غلوم ،الكويت ،ط ،9111 ،9ص.441
2جون ليشتة ،مخسون مفكرا معاصرا ،ص.119
3يورغ هابرماس ،املعرفة واملصلحة ،ص.911
4يورغ هابرماس ،ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة ،ص.1
5
J. Habermas, Op.cit, p911.
6يورغ هابرماس ،القول الفلسفي للحداثة ،ص.191
7حممد نور الدي أفاية ،احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة هابرماس امنوذجا ،ص.911
8يورغ هابرماس ،القول الفلسفي للحداثة ،ص.411
9الزواوي بغورة ،نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة،ص.992
237
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
واقد ّبني هابرماس أن هذا العامل مرتبط بثالث بىن أو ثالث مكونات يسميها املكونات البنيوية للعامل املعيش ،حيث يرى أن
مسامهة الفعل التواصلي يف بناء العامل م جهته ميك رصدها م خالل حتديد ثالث وظائف أساسية للفعل التواصلي وسط العامل
يقسمه هابرماس إىل ثقافة ،جمتمع ،شخص إنساين. املعيش الذي ّ
يعرف هابرماس الثقافة " أمسى ثقافة املعرفة املتاحة حيث تستمد الفاعلية التواصلية تفسريات ،يفرتض توافقها يف السعي إىل التفاهمّ
حول أمر م األمور املوجودة يف العامل" فالثقافة هبذا املعىن متثل الذخرية املتوفرة للمعرفة اليت يستمد منها املشاركون يف التواصل
تأويالهتم حينما يتفامهون حول شيء ما ينتمي إىل العامل.
عرفه
وإىل جانب الثقافة يعمل النشاط التواصلي على تنسيق األفعال وتنظيم أساليب احلوار والنقاش بني أفراد اجملتمع الذي ّ
املكون لنظم الشرعية حيث تستمد ذوات الفاعلية التواصلية تضامنا يقوم على انتماءاتهابرماس "أمسي جمتمعنا باملعىن الضيق ّ
فئات بعقد عالاقات بني شخصية" ،1ومعىن ذلك أن اجملتمع هو تلك األنظمة املشروعة اليت ينظم بواسطتها املشاركون يف التواصل
انتماءهم حيث ينظمون بذلك تضامنهم.2
أما فيما يتصل بالشخصية فهي لفظة تعين الكفاءات اليت تكتسب الذات بفضلها ملكيت الكالم والعمل وبالتايل املشاركة
بسريورات تفاهم يف سياق يعطى كل مرة وهي م جانب آخر كفاءات جعلها اقادرة على تأكيد هويتها اخلاصة يف شروط تبادل
خمتلفة يف كل مرة ،فهي تلك الكفاءات ال يت بفضلها تكتسب الذات اقدرهتا على الكالم والفعل وبالتايل على املشاركة يف عمليات
التفاهم وعلى تأكيد هويتها اخلاصة يف شروط تبادل خمتلفة يف كل مرة.3
والتداخل والتذوات الذي يتم يف ظل املمارسة التواصلية هو الذي يشكل إعادة إنتاج واستمرار العناصر املكونة للعامل املعاش
(الثقافة ،اجملتمع ،الشخص) " إن هذا العامل املعاش املفسر بينذاتيا يشكل جوهر النشاط التواصلي ...كأنه ...أفق يتحرك يف وسطه
بآن معا املشاركون يف التواصل ،عندما يستندون موضوعيا إىل شيء ما يف العامل".4
أوال .ايتيقا المناقشة:
إن فلسفة التواصل كما تصورها هابرم اس مل تعد تبين انطالاقا م اقيم علوية مستلهمة م عوامل اخلري والشر كما بلورها
امليتافيزيقيون ،بل تبىن انطالاقا م مقاربة نسبية يسميها "ايتيقا املنااقشة" ،ايتيقا ليست متنااقضة مع األخالق ولكنها متولدة عنها.5
عنها.5
واقبل احلديث ع أخالاقيات النقاش جيدر بنا اإلشارة إىل أن هابرماس مل يأت هبذه النظرية م العدم بل هلا جذور متتد إىل كانط*،
حيث تأثر بأخالق هذا األخري وهو نفسه يعرتف بذلك كونه ميثل إحدى املرجعيات الكربى لألخالق النظرية يف عصرنا ،ويظهر
يقر بأن هناك عقال عمليا متضمنا اقاعدة التخلق ،عقال مستقال استقالال صارما ع العقل النظري فالعقل العملي ذلك عندما ّ
1
أاقر
ّ حيث املعاصرة، ية
ر النظ األخالق حقل فتح م كانط متك هذا خالل وم ، احملض ينص على املبدأ القبلي للفاعلية األخالاقية
كل م هابرماس وكارل أتو آبل "العقل كل ممارسة نظرية ،وهبذه الفكرة ع العقل العملي تأثر ّمبا ينبغي فعله بصرف النظر ع ّ
العملي يف النهاية هو ملكة املعرفة اإلدراكية األخالاقية دون متثالت" ،2لذا فإن املنااقشة تتجلى يف إهاب عقل عملي يفتح السبيل
أمام ما يبدو صاحلا للجميع ،فالعقالنية االتصالية هي حافز العقل العملي ،إال أن األخالق الكانطية ال تعدو أن تكون يف نظرمها
"جمرد إعالن نوايا واجبات صورية م طرف مونولوج أحادي لذات عارفة تناجي العامل املتعايل".3
وانطالاقا م ذلك ،فقد توسع هابرماس يف نظرية الفعل التواصلي وااقرتح نظرية يف أخالق املنااقشة معتمدا يف ذلك على مسامهة
زميله كارل أتو آبل القائمة على تناولية متعالية ،4فاملنااقشة احلجاجية حبسب آيل ليست لعبة اقوامها اللغة يكون االخنراط فيها م
عدمه سيان ،بل إهنا تع ّد عماد النشاط التواصلي مبا هو ماهية أساسية ذاتية وبينذواتية يف الواقت ذاته ،وهو ما ينطبق حصرا على
أنواع النشاط اليت كان اقد حددها هابرماس كالنشاط املتعلق باستجالء املعىن ،أو ذلك اخلاص بالبحث ع احلقيقة أو ع
جمرد
االنضباط ،أو ع الصدق ،هذه املتطلبات األساسية للنشاط الب ّد أن تكون ترانسندنتالية كما يرى آبل وإال ستختزل إىل ّ
سوسيو ثقافية ذات وجود نسبوي ال ميك االطمئنان إليها اقصد بعث تأسيس شكل إجرائي فلسفي هنائي.
إن ايتيقا املن ااقشة كما تصورها آبل ال هتدف إىل تأسيس معايري مؤسسة بطريقة اقبلية ،إمنا هتدف عكس ذلك إىل تأسيس شكل
إجرائي يستهل إنسانية م النقاش واحلوار بغرض الوصول إىل نتائج حمددة تلخص يف اقرارات مع مالحظة يف غاية األمهية ،وهي أن
هذا النقاش نقاش حقيقي ،وااقعي يدور حول مصاحل حقيقية ،متس حياة البشر كما هي متجلية يف وااقعهم االجتماعني وهنا يكم
اخلالف بني نزعة هابرماس التواصلية والنزعة الرتانسندانتالية عند آبل.5
إن هابرماس يعتقد بأن اإلنسان كائ ايتيقي تواصلي انطالاقا م أن التواصل مبختلف جتلياته املادية والداللية هو رمز دال م رموز
املرحلة املعاصرة ، 6فثمة نظام أخالاقي ضمين حياول هابرماس الكشف عنه وهي األخالق الكلية أو اإلجرائية الذي ال يهتم بتحليل
مضمون املعايري بقدر توجهه واهتماماته بكيفية أو طريقة التوصل إليها ،ويتم التوصل إىل تلك املعايري األخالاقية انطالاقا م نقاش
عقالين ،تبحث فيه نتائج كل معيار م املعايري األخالاقية انطالاقا م خاصيته الكلية أي القول والرضا العام ع طريق اإلاقناع
* كانط إميانويل )9124-9194( :فيلسوف مثايل أملاين ذو نزعة نقدية م أهم مؤلفاته نقد العقل احملض (بيرت بروكر وفرانز فيدمان ،أطلس الفلسفة،
ص.)911
1جاكلني روس ،الفكر األخالاقي املعاصر ،عويدات للنشر والطباعة ،لبنان،ط ،9229 ،9ص.91
2يورغ هابرماس ،ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة،ص.11
3حس مصدق،ي وغ هابرماس ومدرسة فرانكفورت ،ص.941
4الزواوي بغورة ،نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة ،ص.992
5كارل أتو آبل،التفكري كهابرماز ضد هابرماز ،ترمجة :عمر مهيبل ،منشورا ت االختالف ،اجلزائر ،9221،ص ص.92-91
6يورغ هابرماس ،ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة ،ص.12
239
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
العقلي ال القوة والقهر ، 1ومعىن هذا أن هابرماس سعى إىل حتقيق عقلنة جديدة هي العقالنية التواصلية يف مقابل العقالنية األداتية،
عقلنة تواصلية تضع على رأس أولوياهتا ربط صلة الفرد الواحد باآلخر الشريك دون ضغوط أو إكراه بغية تشكيل حلمة النسيج
االجتماعي وفق منوذج ايتيقا املنااقشة..
هلذا جند هابرماس يدعو إىل ضرورة تأسيس أخالق تواصلية تضبط تدخالت الناس وتعاملهم مع بعضهم حيث تنظم أساليب
تبادهلم وهي أخالاقيات جتد يف العقل مرتكزها ومرجعها ،أي أنه يبين أخالاقيات التواصل على مبادئ عقلية تستمد بعض عناصرها
م التداوليات الكلية ألن هذه التداوليات هي اليت تسمح بالتفكري يف األساس الذي جيعل م التلفظات أو أفعال الكالم حقيقية
أو داقيقة ،فاالنتقال م التداوليات إىل األخالاقيات يكشف ع استمرار النشاط التواصلي بني األفراد ،الذي يكون م دون شك
كل زيف أو ضغط أو سيطرة 2ومعناه أن صدق نية املتكلم عند احلديث والتحاور مع اآلخر إىل الوصول إىل أفضل متحررا م ّ
برهان إلنتاج حقيقة ما بطريقة سليمة ،يعين حصول تواصل اجتماعي ،وبالتايل االستمرار يف النشاط التواصلي.
تستند هذه النظرية أي نظرية أخالاقيات النقاش إىل مبدأ احملاججة أو الربهان كنقطة انطالق أوالنية لكل ما ميك أن تفضي إليه،
واملنااقشة عند هابرماس هي الصورة اجلديدة ألية بنية عقلية منطقية ميكنها الركون إىل احملاججة والربهان لبلوغ صيغة تواصلية مثلى
ب ني أفراد جمتمع معني ،وم مثة إمكانية بعث اقواعد ممكنة متينة ألي تواصل مستقبلي "فاملتحاوري يعتمدون يف خطاباهتم املتبادلة
3
احملاور البد أن يدعم أفكاره بالربهان الذي جيعله يتفق
َ يقنع لكي رِ
و احملا أن يعين وهذا ، على اقوة الربهنة اليت تتمتع هبا األفكار"
معه دون اللجوء إىل العنف والسيطرة وبذلك يتشكل النسيج التواصلي ،ولذلك خيلص هابرماس إىل أن "احلقيقة تتحدد بالربهنة"،4
بالربهنة" ،4وما نفهمه م هذا القول أن الربهان هو معيار كل فكرة أو حقيقة تكون حمل اتفاق وتفاهم بني الذوات.
ولذلك جند هابرماس يلّح اقبل كل شيء على ضرورة تكوي "أخالق اتصالية" تنمو وتتطور بفضل هتيئة جماالت أصيلة وواسعة
حر ،حيث تقوم هذه األخالق على اقاعدتني أساسيتني مها :القاعدة احلوارات مفتوحة ،تساعد على نشوء خطاب عقالين ّ
الدميقراطية ومضموهنا " أي اقاعدة أو معيار ال ميلك الصالحية ،إال إذا كان املعنيون به على اتفاق فيما بينهم أو ميك هلم االتفاق
عليه بوصفهم شركاء يف احملاثة العملية ويرمز هلا باحلرف ،Dوالقاعدة الكونية ومنطواقها "أن كل اقاعدة لكي تكون صاحلة جيب أن
تستويف الشروط سواءً م حيث نتائجها أو م حيث آثارها اجلانبية ،وأن تلقى بالقبول "م كطل األشخاص الذي هلم عالاقة
هبا" ،وهو ما يسميه بالقاعدة الكونية ورمزها . 5 U
خاتمة:
إن املشروع النقدي اهلابرماسي للحداثة الغربية امتد إىل أبعد احلدود ،أي البعد اإلنساين ،الذي حاول م خالله تقدمي نظرية
اجتماعية نقدية هتدف إىل حتقيق التواصل ع طريق احلوار واملنااقشة واليت تعطي للحداثة الغربية أوج تطورها ،فالعقالنية التواصلية
القائمة على نقد ما يتوجب نقده يف مسار التقدم ،هو البديل األجنع الذي أعطاه هابرماس للحداثة الغربية ،الذي يقوم على اللغة
العادية كأساس للتواصل واملستوحاة م الوسط االجتماعي والعامل املعيش.
فالعقالنية التواصلية هي نظرية جديدة ورؤية عاملية هتدف إىل احلوار ،يف مقابل العقالنية األداتية اليت متيزت هبا احلداثة األوربية.
قائمة المصادر والمراجع:
.1أبو النور محدي أبو النور حس ،األخالق والتواصل دار التنوير للطباعة والنشر ،لبنان ،ط2112 ،1
.2أشرف منصور ،نقد هابرماس لتيار ما بعد احلداثة ،كتاب دوري ،الكتاب ،22يصدر ع اقضايا فكرية للنشر والتوزيع،
مصر1222 ،
.3إيان كريب ،النظرية االجتماعية م بارسونز إىل هابرماس ،ترمجة :حممد حسني غلوم ،الكويت ،ط.1222 ،1
بيرت كونزمان وفرانز فيدمان :أطلس الفلسفة ،ترمجة :جورج كتورة،ط ،2املكتبة الشراقية2112، .4
جاكلني روس ،الفكر األخالاقي املعاصر ،عويدات للنشر والطباعة ،لبنان،ط2111 ،1 .5
جان مارك فريي ،فلسفة التواصل ،ترمجة وتقدمي :عمر مهيبل ،منشورات االختالف ،لبنان،ط2114 ،1 .6
جون ليشتة ،مخسون مفكرا معاصرا ،ترمجة فات البستاين ،بيت النهضة ،لبنان ،ط1،2111 .2
حس مصدق ،يورغ هابرماس ومدرسة فرانكفورت ،النظرية النقدية التواصلية ،ط ،1الدار البيضاء ،املغرب2115 ، .1
زكريا إبراهيم ،دراسات يف الفلسفة املعاصرة ،دار مصر ،مصر. .2
الزواوي بغورة ،نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة ،ط ،1دار الطليعة ،بريوت2112 ، .11
عادل مصطفى ،فهم الفهم ،مدخل إىل اهلريمينوطيقا نظرية التأويل م أفالطون إىل غادامري ،دار النهضة العربية ،ط،1 .11
لبنان2113 ،
.12عبد اهلل إبراهيم ،املركزية الغربية ّ،إشكالية التكون والتمركز حول الذات ،املركز الثقايف العريب ،املغرب ،ط1،1222
.13عطيات أبو السعود ،احلصاد الفلسفي يف القرن العشري ،منشأة املعارف،ط.2112 ،1
عمر مهيبل ،إشكالية التواصل يف الفلسفة العربية املعاصرة ،منشورات االختالف ،اجلزائر ،ط2115، 1 .14
فريدة غيوة ،تأمالت يف القضايا اإلنسانية املعاصرة والراهنة ،منشورات جامعة منتوري ،اقسنطينة،ط.2114 ،1 .15
فؤاد كامل :املوسوعة الفلسفية املختصرة ،دار القلم ،لبنان ،ط.1222 ،1 .16
كارل أتو آبل ،التفكري مع هابرماز ضد هابرماز ،ترمجة وتقدمي ،عمر مهيبل ،منشورات االختالف ،اجلزائر،ط2115 ،1 .12
241
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52:عدد 25:السنة5252 :
.11كارل أتو آبل،التفكري كهابرماز ضد هابرماز ،ترمجة :عمر مهيبل ،منشورا ت االختالف ،اجلزائر 2115،
هابرماس وآخرون ،مسارات فلسفية ،ترمجة حممد ميالد ،دار احلوار ،سوريا ،ط2114 ،1 .12
حممد عابد اجلابري ،نظريات التواصل،دار الشبكة العربية لألحباث والنشر ،بريوت،ط.2111 ، 1 .21
حممد نور الدي أفاية ،احلداثة والتواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة ،هابرماس منوذجا ،افريقيا الشرق ،املغرب ،ط. 2 .21
يورغ هابرماس :العالاقة بالعامل ومظاهر عقالنية الفعل يف أربعة مفاهيم سوسيولوجية للفعل ،ترمجة جورج أيب صاحل ،جملة .22
الفكر العريب املعاصر ،العدد ،46مركز اإلمناء القومي ،بريوت1212 ،
.23يورغ هابرماس ،احلداثة مشروع نااقص ،ترمجة :بسام الربكة ،جملة الفكر العريب املعاصر ،العدد ،32مركز االمناء القومي،
بريوت 1226،
هابرماس ،العلم والتقنية كإيديولوجيا ،ترمجة :حس اقص ،منشورات اجلمل ،سوريا ،ط2113 ،1 .24يورغ
هابرماس ،القول الفلسفي للحداثة ،ترمجة :فاطمة اجليوشي ،منشورات وزارة الثقافة ،دمشق. .25يورغ
هابرماس ،ايتيقا املنااقشة ومسألة احلقيقة ،ترمجة وتقدمي :عمر مهيبل ،ط ،1منشورات االختالف ،املغرب2111 ، .26يورغ
27. J. Habermas, Logique des sciences sociales et autres essais, trad. Rainer
Rochlitz, puf, 6ème édition, Paris, 1998
242