Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 313

‫ﭽﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﭼ‬

‫[إبراهيم‪]52 :‬‬

‫الكشاف اجللي‬
‫يف بيان‬
‫أكثر من مـ‪100‬ـائة مفسدة‬
‫يف ثورات الربيع العريب‬
‫أتليف‬
‫العبد الفقري إىل مواله الغين القدير‬
‫أيب عمار حممد بن عبد هللا ابموسى‬
‫القائم على دار احلديث ومركز السالم العلمي للعلوم الشرعية‬
‫اليمن ‪-‬احلديدة‬
‫عفا هللا عنه وعن والديه ومشايه ومجيع املسلمني‬
‫تقريظ‬
‫فضيلة الشيخ احملدث الدكتور‬ ‫فضيلة الشيخ الدكتور‬
‫وصي هللا عباس‬ ‫صاحل بن سعد السحيمي‬
‫املدرس ابملسجد احلرام‬ ‫مفوض اإلفتاء ابملدينة النبوية وعضو هيئة‬
‫وجامعة أم القرى‬ ‫التدريس ابجلامعة اإلسالمية(سابقا) واملدرس‬
‫ابملسجد النبوي وموجه الدعاة بفرع وزارة‬
‫الشؤون اإلسالمية ابملدينة النبوية‬
‫‪‬‬
‫الطبعة األوىل‬
‫‪2202 -1444‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور‬


‫صاحل بن سعد السحيمي حفظه اهلل‬

‫الحمد هلل وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى‬
‫بهداه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد قرأت الكتاب الموسوم بـ‪:‬‬
‫(الكشاف الجلي يف بيان أكثر من مـ(‪ )100‬ـائة مفسدة‬
‫يف ثورات الربيع العربي)‪.‬‬
‫تأليف فضيلة الشيخ محمد بن عبد اهلل باموسى‪،‬‬
‫القائم على دار الحديث ومركز السالم العلمي للعلوم الشرعية بالحديدة‪.‬‬
‫فألفيته كتابا نفيسا وافيا بالغرض الذي كتب فيه‪ ،‬وضع فيه النقاط على‬
‫الحروف‪ ،‬وبين فيه المفاسد الخطيرة المترتبة على الثورات مع العناية باألدلة من‬
‫الكتاب والسنة وأقوال سلف األمة‪ ،‬على خطورة تلك المفاسد بأسلوب قوي‬
‫رصين‪ ،‬مع سالمة اللغة وحسن التنسيق والترتيب‪.‬‬
‫وأرى أن هذا الكتاب صالح للنشر بين المسلمين عامة‪ ،‬وطالب العلم‬
‫خاصة؛ لما فيه من فوائد جمة‪ ،‬ومنافع كثيرة‪ ،‬لعل اهلل أن ينفع به اإلسالم‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫والمسلمين‪ ،‬وأن يزيل به الغبش والظلمة عن المخدوعين بهذه الثورات‪ ،‬وأن‬


‫السفر المبارك‪.‬‬
‫يجزي الشيخ محمد ابن عبد اهلل باموسى خيرا على هذا ِّ‬
‫وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫أماله الفقير لعفو ربه‬
‫صالح بن سعد السحيمي‬
‫مفوض اإلفتاء بالمدينة النبوية‬
‫وعضو هيئة التدريس بالجامعة اإلسالمية(سابقا) والمدرس بالمسجد النبوي‬
‫وموجه الدعاة بفرع وزارة الشؤون اإلسالمية بالمدينة النبوية‪.‬‬
‫‪1443/4/3‬هـ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫تقريظ فضيلة الشيخ احملدث الدكتور‬


‫َ‬
‫صي اهلل بن حممد عباس حفظه اهلل‬
‫و ِ‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على خير خلقه محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فقد رغب إلي األستاذ الفاضل الشيخ محمد بن عبد اهلل با موسى‪ ،‬سلمه‬
‫اهلل‪ ،‬أن أقرأ تأليفه "الكشاف الجلي يف بيان أكثر من (‪ )100‬مائة مفسدة يف ثورات‬
‫الربيع العربي"‪.‬‬
‫فعليه قرأت الكتاب‪ ،‬وهذا الموضوع قد تكلم فيه العلماء قديما وحديثا‪،‬‬
‫وخاصة يف هذه األيام‪ ،‬ويف السنين القريبة الماضية المعاصرة المتزامنة للثورات‪.‬‬
‫وجزى اهلل المؤلف "با موسى"؛ فقد جمع الموضوع ورتبه بهذا العنوان‬
‫الجديد ترتيبا جيدا‪ ،‬أبان فيه عن علم جم‪ ،‬وجهد كبير‪ ،‬ووضح فيه منهج السلف‬
‫الصالح يف األمر بالمعروف عامة‪ ،‬ويف مناصحة الحكام وأولياء األمور خاصة‪،‬‬
‫وذكر مفاسد الثورات التي قام بها الناس‪ ،‬وقادها رؤساء األحزاب المستحدثة‬
‫وقوادها يف بعض البالد اإلسالمية‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقد رأى الناس بل واكتووا بنار هذه المفاسد بحيث ال يبقى بعده مجال‬
‫للشك أن منهج الدين الخالص الذي هو منهج السلف الصالح هو الضامن لحفظ‬
‫األمن واإليمان يف العالم ك ِّله‪.‬‬
‫وما جاءت هذه الثورات إال إلسقاط الحكام وأولياء أمور بعض البالد‬
‫اإلسالمية التي قاموا بها فيها‪.‬‬
‫وقد شهد التاريخ أن كلما خرج الناس على أولياء األمور ونزعوا يد الطاعة‬
‫بزعم اإلصالح فابتلوا بمفاسد أعظم مما زعموا درءها ودفعها‪.‬‬
‫ألم يأن لهؤالء الذين يدعون الناس إلى إشعال نار الثورات أن يخافوا اهلل‬
‫عز وجل يف عباده وال يتسببوا إلراقة الدماء‪ ،‬وهتك األعراض‪ ،‬ونهب األموال‪،‬‬

‫وضياع األمن‪ ،‬وال يكونوا من الذين قال اهلل فيهم‪ :‬ﱡ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲳ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ ‪.‬‬
‫ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱﲲ ﲴ‬

‫وقال النبي ‪ ...« :‬ومن دعا إلى ضاللة فعليه وزرها ووزر من عمل‬
‫بها»‪.‬‬

‫ﱦﱠ‪ ،‬واهلل‬
‫ﱧ‬ ‫ودعواتي للمسلمين إلى ما دعا اهلل ‪ :‬ﱡ ﱡﱢﱣﱤﱥ‬

‫الموفق‪.‬‬

‫وكتبه‪ :‬وص ُّي اهلل بن محمد عباس‪.‬‬


‫المدرس بالمسجد الحرام وجامعة أم القرى‪.‬‬
‫‪1444/1/3‬هـ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫مقدمة‬

‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده تعالى‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمد ًا عبده ورسوله‪.‬‬
‫ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [آل‬
‫عمران‪.]1٠٢:‬‬

‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [النساء‪.]1:‬‬

‫ﮋﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ [األحزاب]‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫‪ ‬فإن من ينظر إلى العالم اإلسالمي اليوم‪ :‬يرى أ ً‬
‫هواال عظا ًما ونكبات‬
‫وترجف لها األفئدة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ُ‬ ‫جسا ًما تتصدَّ ع لها القلوب‪،‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫يسمى بالربيع العربي( ‪،»)2‬‬ ‫( ‪)1‬‬


‫«ثورات ما ّ‬
‫‪ ‬والتي اندلعت يف بداية «‪143٢‬هـ» وأواخر «‪٢٠1٠‬م» وبداية «‪٢٠11‬م»‪،‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫وكانت الشـرارة األولى لهذه الثورات يف تونس‪ .‬ثم انتشـرت عدوى ِ‬
‫الهيَاج‬
‫بشكل أعدى من الجرب‪ :‬يف ليبيا ومصر واليمن وسوريا‪ ،‬والذين باتوا وإلى حين‬
‫كتابة هذا الكتاب بين حاذف وقاذف‪ ،‬ومقتول وخائف‪.‬‬
‫‪ّ ‬‬
‫وإن الناظر بعين البصر والبصيرة يف‪ :‬الثورات على حكام المسلمين‪ ،‬على‬
‫مر العصور والدهور‪ ،‬ال يرى إال الهالك والدمار‪ ،‬والعار والشنار‪.‬‬
‫ّ‬

‫ٍ‬
‫دولة َّما‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫(‪ )1‬الثَّ ْو َرة‪ :‬تغيير أساسي يف األوضاع السياسية واالجتماعية يقوم به الشعب يف‬
‫«المعجم الوسيط» (‪ .)1٠٢/1‬وأقسامها ثالثة‪ :‬ثورة شعبية‪ ،‬وثورة سياسية‪ ،‬وثورة عسكرية‪.‬‬
‫وكلها جاءت من الغرب‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف «لسان العرب» (‪ ) 1٠3/8‬الربيع هو زمان الورود والخصوبة والغيث‪ ،‬ويف الحديث «‪...‬أ ْن‬
‫ت ْجعل الْق ْرآن ربيع ق ْلبي‪ »...‬صحيح رواه «أحمد» (‪ )4318‬عن عبد اهلل بن مسعود ‪،‬‬
‫وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» تحت حديث رقم (‪ ،)199‬ألن اإلنسان يرتاح‬
‫قلبه يف الربيع ويميل إليه‪.‬‬
‫وأما سبب تسمية الربيع العربي بالربيع العربي‪:‬‬
‫فهو أن هناك ثورات هاجت يف هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا‪ ،‬هن أخوات لثورتنا التي ولدت يف أرضنا‪،‬‬
‫فسمت أميركا ثورة هنغاريا على السوفييت مطلع‬
‫ّ‬ ‫فسماها «الذين هناك» باسم «الربيع»‪،‬‬
‫وسمت أميركا ثورة تشيكوسلوفاكيا على السوفييت مطلع‬
‫ّ‬ ‫(‪1956‬م) باسم «ربيع بودابست»‪،‬‬
‫(‪1968‬م) باسم «ربيع براغ»‪ ،‬ذلك أن الثورتين كانتا ربي ًعا حقيقيًا ألميركا وغرب أوروبا ـ هكذا‬
‫قالوا ـ إذ أخذ عدوهم السوفييتي يضعف ويرتاجع‪ .‬انظر‪ :‬صحيفة األنباء الكويتية ‪٢٠16/1/6‬م‪.‬‬
‫هاج‪ ،‬وهي حالة االنفعال التي تدعو إلى نشاط يظهر يف صورة حركات اندفاعيّة‪« .‬معجم‬
‫(‪ )3‬مصدر َ‬
‫اللغة العربية المعاصرة» (‪.)٢38٢/3‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬فالمظاهرات(‪ )1‬والثورات‪ :‬هي الجمرة الخبيثة التي أحرقت البالد والعباد‪.‬‬


‫الزعاف(‪ ،)2‬وكانت طعام األثيم‪ .‬فو اهلل‬
‫السم ّ‬
‫ّ‬ ‫وهي الشجرة الملعونة التي أثمرت‬
‫وباهلل وتاهلل‪ ،‬لو ق َّلبت ناظريك يف التاريخ الغابر‪ ،‬والواقع المعاصر المرير‪ ،‬لوجدت‬
‫يف الثورات العجب العجاب‪ ،‬وما يعجز عن حصـره هذا الكتاب‪.‬إهنا مصائب‬
‫قاهرة‪ .‬ودواهي فاقرة‪ .‬وكوارث ظاهرة‪ .‬يشيب لها رأس الوليد‪ ،‬ويحار فيها الذكي‬
‫قبل البليد‪.‬‬
‫‪ ‬إهنا معركة الربيع العربي‪ :‬معركة باردة ساخنة‪ .‬باردة على أعداء اإلسالم‪،‬‬
‫ساخنة على المسلمين وبلداهنم‪ .‬خطط لها أعداء اإلسالم من اليهود وغيرهم‬
‫باسم الشرق األوسط الجديد‪.‬فحصد الكفار ثمارها‪ ،‬وتحمل المسلمون عارها‬
‫وشنارها‪.‬‬
‫‪ ‬فهي المعركة الوحيدة يف تاريخ المسلمين‪ :‬التي ُقتِ َل فيها أكثر من مليون‬
‫مسلم ولم يقتل فيها واحد من الصهاينة وأعداء اإلسالم‪.‬‬
‫‪ ‬إن معركة الربيع العربي‪ :‬هي المعركة الوحيدة التي دمرت أسلحة‬
‫المسلمين وجيوشهم عن بكرة أبيها دون أن يخسر الكفار وأعداء اإلسالم طلقة‬
‫واحدة‪.‬‬

‫المعي ُن‪.‬‬ ‫اه ُر‪ :‬التعاون‪ ،‬وال َّظ ُ‬


‫هير‪ُ :‬‬ ‫اه َر ُة يف اللغة‪ :‬المعاونة‪ ،‬والتَّ َظ ُ‬
‫الم َظ َ‬
‫(‪ُ )1‬‬
‫وقال مجمع اللغة العربية بالقاهرة بأهنا‪ :‬إعالن رأ ٍي‪ ،‬أو إظهار عاطفة يف صورة جماعية‪.‬‬
‫الحا‪ :‬هي خروج الناس إلى ّ‬
‫الشارع لمطالبة الحاكم (بأمر ما)‪.‬‬ ‫واصط ً‬
‫انظر‪ :‬مادة‪( :‬ظهر) يف «معجم الصحاح»‪ ،‬و«القاموس المحيط»‪ ،‬و«المعجم الوسيط»‪.‬‬
‫(‪ )2‬سم زعاف‪ :‬سريع ا ْل َقتْل‪ .‬انظر‪« :‬المعجم الوسيط» (‪.)394/1‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫تشرد فيها ماليين‬


‫‪ ‬إن معركة الربيع العربي‪ :‬هي المعركة الوحيدة التي ّ‬
‫يتشرد فيها واحد من الصهاينة‪.‬‬
‫المسلمين ولم ّ‬
‫‪ ‬إن معركة الربيع الغربي العربي‪ :‬هي المعركة الوحيدة يف تاريخ المسلمين‬
‫التي َتدَ َّم َر فيها اقتصاد المسلمين‪ ،‬فقد دمرت‪ :‬الممتلكات‪ ،‬والمنازل‪ ،‬والمرافق‬
‫الحكومية‪ ،‬والبنى التحتية‪ ،‬وأصبح القصر المشيد والبناء الجديد يف بعض البالد‪:‬‬

‫ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ [طه‪ ،]1٠7-1٠6:‬بينما لم‬


‫ُتدَ َّمر حظيرة حيوانات يف بالد اليهود والنصارى وأعداء اإلسالم‪.‬‬
‫‪ ‬إن معركة الربيع العربي‪ :‬هي المعركة الوحيدة التي قادها اليهود‬
‫والنصارى‪ :‬بمقاتلين من ّ‬
‫سذج وجهلة المسلمين‪ ،‬وبأسلحة المسلمين‪ ،‬ومنابر‬
‫ومساجد وإعالم المسلمين‪.‬‬
‫‪ ‬لقد َج َّرت هذه المظاهرات والثورات‪ :‬على بالدنا اإلسالمية الباليا‬
‫والرزايا يف الدِّ ين والدنيا‪،‬‬
‫‪ ‬لقد ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ [إبراهيم‪ .]٢8:‬فقد‬
‫أشرارا‪ ،‬وباألمن خو ًفا‪،‬‬
‫ً‬ ‫بالسنَّة بدعةً‪ ،‬وبالعلماء ُج ّه ًاال‪ ،‬وبالصالحين‬
‫ُّ‬ ‫استبدلوا‬
‫ِ‬
‫وبالس ْلم حربًا‪ ،‬وبالغنى ً‬
‫فقرا‪ ،‬وبالشبع جو ًعا‪ ،‬وبالرخص غال ًء‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وبالطمأنينة قل ًقا‪،‬‬
‫وبالعزة ً‬
‫ذال‪ ،‬وباالجتماع‬ ‫ّ‬ ‫مرضا‪ ،‬وبالعمل والوظيفة فرا ًغا‪ ،‬وبالبناء خرابًا‪،‬‬
‫وبالصحة ً‬
‫سفرا‬ ‫فرقةً‪ ،‬وباأللفة عداوةً‪ ،‬وبالصلة انقطا ًعا‪ ،‬وبالقوة ضع ًفا‪ ،‬وبالتقدم ً‬
‫تأخرا‪ ،‬وباإلقامة ً‬
‫وهر ًبا‪ ،‬وبالحرية سجنًا‪ ،‬وبالسعة ضي ًقا‪ ،‬وباالستقرار زعزعةً‪،‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫خضم هذه الثورات‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬لقد هاجت الفتن‪ ،‬وكثرت البالبل والمحن‪ ،‬سقط يف‬
‫وتقزم العمالقة‪َ ،‬ف َع َال من كان يف‬
‫ّ‬ ‫األفاضل‪ ،‬وارتفع األراذل‪ ،‬وتعملق األقزام‪،‬‬
‫الهر واستنوق الجمل (‪ ،)1‬وا َّ‬
‫حتل الوضيع مكان الرفيع‪ ،‬وأصبح‬ ‫األسفل‪ ،‬واستأسد ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ودوى فوق رأسه فحيح‬
‫ضجع للذبح الربيء‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫األذناب فوق السحاب‪ ،‬و ُأ‬
‫الشقي!‬
‫(‪)3‬‬
‫مطلو ًبا‪ ،‬والمأمون مرهو ًبا‪،‬‬ ‫‪ ‬لقد غدا المفروض مرفو ًضا‪ ،‬والمعطوب‬
‫والمبغوض محبو ًبا‪ ،‬والمستقيم مقلو ًبا‪ ،‬لقد تسلط األصاغر وخطب الشيطان فوق‬
‫المنابر‪ ،‬وامتألت بدم العمالة واسعات المحابر‪ ،‬واختلطت بجثامين ا ِ‬
‫لعظام عظام‬
‫فاجرا‪ ،‬والنقي ماك ًرا‪ ،‬والتقي‬
‫ً‬ ‫صاغرا‪ ،‬والعفيف‬
‫ً‬ ‫آخرا‪ ،‬والعزيز‬
‫المقابر‪ ،‬وغدا األول ً‬
‫جرا‪ ،‬وأصبح األجرب يف ساحة السليم بجرمه يفاخر‪،‬‬
‫فا ً‬
‫‪ ‬أفما لهذا الربيع من آخر؟!‬
‫وي لم يستفق الغبي‪ ،‬ويتبين له حقيقة الربيع العربي‪.‬‬
‫‪ ‬أوبَ ْعدَ كل هذا الدَّ ّ‬
‫‪ ‬إنه واهلل‪ :‬ربيع األغبياء‪ ،‬وبالء األشقياء‪ ،‬أصحاب النظارات الخضـراء‪،‬‬
‫برسيما والتبن ربي ًعا‪ .‬إن ربيعهم‪ :‬أشبه بربيع المسيح الدجال‪،‬‬
‫ً‬ ‫الذين يرون الهشيم‬

‫(‪( )1‬استنوق) ا ْلجمل َصار كالناقة فِي ذلها َو ُي َقال لمن ذل بعد عز (استنوق ا ْلجمل)‪ .‬انظر‪« :‬المعجم‬
‫الوسيط» (‪.)964/٢‬‬
‫(‪ )2‬الفحيح‪ :‬صوت األفعى‪« .‬هتذيب اللغة» (‪.)316/9‬‬
‫ِ‬
‫ب‪ ،‬بِ َض َر ٍر‪ .‬انظر‪« :‬معجم الغني» (‪.)٢5٢56‬‬ ‫(‪َ )3‬م ْع ُطو ٌب يف ِر ْجلِه‪ُ :‬م َص ٌ‬
‫اب بِ َع َط ٍ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ونارا فيما يظهر للناس(‪ ،)1‬فمن آمن به‪ ،‬واستجاب لباطله‪ :‬ألقاه يف‬
‫فإن معه جنة ً‬
‫جنته‪ ،‬التي هي يف الحقيقة نار‪ ،‬هذا ربيع الدجال ومن كفر به ولم يستجب له‪ :‬ألقاه‬
‫يف النار التي هي يف الحقيقة جنة اهلل‪ ،‬فنار الصرب كانت للمؤمنين المتمسكين بالسنة‬
‫نارا‪.‬‬
‫بوابة إلى الجنة التي يظنها الجهال ً‬
‫‪ ‬هذه خالصة‪ :‬الربيع ِ‬
‫العربي أو الربيع الغربي‪ ،‬أو الخريف الغربي‪ ،‬أو‬
‫سمه ما شئت‪.‬‬
‫الحريق العربي‪ِّ ،‬‬
‫‪ ‬هذا‪ :‬ومن قرأ كتابي هذا الذي سميته‪:‬‬
‫‪« ‬الكشاف الجلي‬
‫‪ ‬يف بيان أكثر من مـ(‪)100‬ـائة مفسدة يف ثورات الربيع العربي»‬
‫بتجرد وإنصاف‪ ،‬ف سينبذ فكرة الثورات كما‪ :‬ينبذ‬
‫خيرا‪ ،‬وقرأه ّ‬
‫‪ ‬إن أراد اهلل به ً‬
‫الحذاء من قدمه‪ ،‬والنواة من فمه‪ ،‬وإال فسيكون أحمق من ماضغ الماء( ‪.)2‬‬
‫‪ ‬وختاما أقول‪ :‬يا علماء اإلسالم‪ :‬أنتم ورثة األنبياء‪ ،‬وقدوة األتقياء‪ ،‬أنتم يف‬
‫األرض كالنجوم يف السماء‪ ،‬والدواء للداء‪ ،‬والضياء يف الظلماء‪ ،‬فضلكم ظاهر‪،‬‬
‫وسلطانكم قاهر‪ ،‬ودليلكم باهر‪ ،‬ولكن ما أسوأ المصير‪ :‬لمن لم يراقب منكم‬
‫الخالق ويحرتم الميثاق الذي أخذه اهلل عليكم ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬قال ×‪« :‬الدجال أ ْعور الْع ْين الْي ْسرى‪ ،‬جفال الشعر‪ ،‬معه جن ٌة ون ٌار‪ ،‬فناره جن ٌة وجنته ن ٌار» رواه‬
‫«مسلم» (‪ )٢934‬عن حذيفة ‪.‬‬
‫(‪« )2‬جمهرة األمثال» (‪.)34٢/1‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [آل عمران]‪.‬‬

‫‪ ‬فاتقوا اهلل‪ ،‬وع ّلموا الناس الكتاب والسنة بفهم سلف األمة‪ ،‬بيِّنوا لألمة‬
‫أخطار وأضرار هذه الثورات والمظاهرات‪ ،‬وأهنا مخالفة للكتاب والسنة‪« ،‬وأنه ال‬
‫أصلح أولها» كما قال اإلمام مالك ‪.)1 ( ‬‬
‫ي ْصلح آخر هذه األمة إال ما ْ‬
‫‪ ‬ويا حكام المسلمين‪ :‬إن اهلل قد رفعكم فاعرفوا قدر نعمته عليكم‪ .‬فإن‬
‫النعم تدوم بالشكر‪ ،‬فال يحسن أن تقابل بالمعاصي‪ ،‬واعلموا أن مقصود الوالية‬
‫‪،‬‬ ‫والسلطة إصالح دين الناس ودنياهم‪ ،‬فح ّكموا يف الناس كتاب اهلل وسنة نبيه‬
‫وال تح ّكموا الديمقراطية‪:‬التي جلبت عليكم وعلى شعوبكم‪ :‬الخراب والدمار‪،‬‬
‫ومنها هذه المظاهرات والثورات التي جاءت‪ :‬لضربكم وضرب شعوبكم وضرب‬
‫اإلسالم والمسلمين‪.‬‬
‫‪ ‬ويا وجهاء وعقالء وحكماء البالد‪ :‬إن الوجاهة االجتماعية مطلب يكاد‬
‫الجميع يتفق على أهميته‪ ،‬كون هذه الصفة ستعطي الفرد مجموعة من المميزات‬
‫يصبح من خاللها ذا نفوذ وسلطة اجتماعية تحمل يف طياهتا مجموعة من‬
‫الصالحيات التي توصل صاحبها إلى تحقيق مراده بمشيئة اهلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪« :‬المبسوط» للجهضمي (‪« ،)88/٢‬المدخل» البن الحاج (‪« ،)٢6٢/1‬اقتضاء الصراط‬
‫المستقيم» (‪« ،)٢85/٢‬الفتاوى الكربى» البن تيمية (‪.)4٢8/٢‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪« :‬أقيلوا ذوي‬ ‫‪ ‬وقد جعل اإلسالم ألهل الوجاهة مكانة خاصة‪ ،‬فقال‬
‫الْه ْيئات عثراته ْم»(‪.)1‬‬
‫‪ ‬فمن هذا المنطلق نقول للوجهاء‪ :‬اتقوا اهلل‪ ،‬وكونوا أعوانًا لألمراء والعلماء‬
‫يف الخير‪ ،‬وال تكونوا أعوانًا للباطل وأهله‪ ،‬قفوا ضد هذا اإلعصار المدمر للبالد‬
‫‪ُ « :‬ك ُّلك ُْم َراعٍ‪َ ،‬و ُك ُّلك ُْم َم ْسئُول َع ْن‬ ‫والعباد‪ .‬وأذكركم جميعا‪ :‬بقول النبي‬
‫َر ِعيَّتِ ِه‪.)2(»...‬‬
‫‪ ‬ويف نهاية هذا الموضوع‪ :‬ال أستطيع القول بأنني قد وفيت الموضوع حقه‬
‫ومستحقه‪ ،‬ولكنني بذلت جهدي وأخرجت عصارة أفكاري يف هذا البحث‬
‫الخطير‪ ،‬واهلل أسأل‪ :‬أن أكون قد وفقت يف عرض العناصر والمحاور األساسية‬
‫لهذا الموضوع‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪ ،‬وهو أعز وأكرم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه البخاري يف «األدب المفرد» (‪ ،)465‬و«أحمد» (‪ ،)٢5474‬و«أبو داود» (‪،)4375‬‬
‫عن عائشة ‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)638‬و«صحيح‬
‫الجامع» (‪.)1185‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)893‬مسلم» (‪ )18٢9‬عن ابن عمر ‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة األول‬
‫خمالفة القرآن الكريم الذي أمر بطاعة ويل األمر‬

‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﮊ [النساء‪]59:‬‬

‫والمراد بأولي األمر يف اآلية الكريمة‪:‬‬


‫األمراء والعلماء عند الجمهور( ‪،)1‬‬
‫فطاعة العلماء تبع لطاعة اهلل ورسوله ‪ ،‬وطاعة األمراء تبع لطاعة العلماء‪،‬‬
‫فإن باب الخروج على األمراء والحكام هو العلماء‪ ،‬فإن ُأ ِضيع حق العلماء ضاع‬
‫حق األمراء‪ ،‬وإذا ضاع حق العلماء واألمراء خرج الناس عليهم‪ ،‬فحياة العالِم‬
‫وصالحه حياة العا َلم وصالحه‪.‬فإذا ضاعت حقوق العلماء ضاعت حقوق‬
‫األمراء‪ ،‬وإذا ضاعت حقوق العلماء واألمراء فسد العالم( ‪.)2‬‬
‫ألنه من المتقرر عند العلماء‪:‬‬
‫أنه ال إسالم بال جماعة‪ ،‬وال جماعة بال أمير‪ ،‬وال أمير بال طاعة(‪.)3‬‬

‫(‪« )1‬تفسير القرطبي» (‪.)٢59/5‬‬


‫(‪« )2‬إعالم الموقعين» البن القيم (‪ )8/1‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء هذا األثر عن عمر بن الخطاب ‪ ‬لكنه ال يثبت‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ويف اآلية نكتة لطيفة‪:‬‬

‫نبّه عليها أهل العلم‪ ،‬وتلك النكتة أن العامل ﮋ ﯺ ﮊ لم يتكرر مع والة‬


‫األمر‪ ،‬فاهلل ‪ ‬قال‪ :‬ﮋ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﮊ ولم يقل أطيعوا‬
‫اهلل‪ ،‬وأطيعوا الرسول‪ ،‬وأطيعوا أولي األمر‪.‬‬
‫والسر يف ذلك‪ ،‬والحكمة من ذلك ‪-‬كما نبه على هذا جمع من أهل العلم‪ ،‬كــ‪:‬‬
‫ابن القيم‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬وابن باز ‪ ،‬وغيرهم(‪:-)1‬‬
‫بل هي‬ ‫أن طاعة والة األمور ال تخرج عن طاعة اهلل ‪ ‬وطاعة رسوله‬
‫‪.‬‬ ‫تابعة لطاعة اهلل وطاعة رسوله‬

‫شبهة واجلواب عنها‪:‬‬

‫قد يقول قائل‪ :‬المظاهرات والثورات السلمية أذن بها ولي األمر‪.‬‬
‫والجواب أن يقال‪:‬‬
‫إن المظاهرات والمسيرات واإلضرابات واالعتصامات‪:‬‬
‫▪ من األمور المخالفة لمنهج اإلسالم يف السياسة والحكم‪،‬‬
‫▪ وليست من أعمال المسلمين‪،‬‬
‫▪ وال من وسائل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫▪ وال هي من الدين اإلسالمي الذي شرعه اهلل لعباده‪،‬‬
‫بل المظاهرات وأخواهتا‪:‬‬

‫(‪« )1‬إعالم الموقعين» (‪« ،)38/1‬تفسير ابن كثير» (‪« ،)3٠4/٢‬مجموع فتاوى ابن باز» (‪.)141/٢‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫جالبة للفتن والمفاسد واألضرار‪:‬‬


‫▪ من سفك الدماء‪،‬‬
‫▪ وتخريب المنشآت‪،‬‬
‫▪ وتضييع األموال‪،‬‬
‫▪ وتعطيل العمل‪،‬‬
‫▪ وإشاعة الفوضى‪،‬‬
‫وغيرها من موجات الفساد والشـرور التي تأباها الفطرة السليمة وينهى عنها‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫سوغ‬ ‫وإن َط َل َ‬
‫ب تحصيل حقوق المتظاهرين والمضـربين وإدراك غاياهتا ال ُي ِّ‬ ‫َّ‬
‫وسائلها وطرقها؛‬
‫▪ ألن اإلسالم يرفض النظرية القائلة‪« :‬الغاية تب ِّرر الوسيلة»‬
‫التي ُت ِّ‬
‫جوز للفرد التوصل إلى الغايات النبيلة والمقاصد المشـروعة بأي وسيلة‬
‫وإن كانت ممنوعة يف الشـرائع ومذمومة يف ِ‬
‫الف َطر السليمة واألخالق الفاضلة‬
‫توصل إليها بالمطالبة الشرعية‪ ،‬وذلك بتحصيل‬ ‫واألعراف‪ .‬وإنما الحقوق ُي َّ‬
‫الوسائل المشروعة أو إيجاد البدائل الصحيحة التي ُت ْغنِي عن الوسائل المنهي‬
‫عنها‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)1( ‬‬


‫مباحا‪ ،‬وإنما يكون‬
‫«ليس كل سبب نال به اإلنسان حاجته يكون مشرو ًعا وال ً‬
‫مشـرو ًعا إذا غلبت مصلحته على مفسدته مما أذن فيه الشرع»‪.‬‬
‫وقال الشيخ ابن عثيمين ‪ ‬يف الرد على هذه الشبهة( ‪:)2‬‬
‫«عليك باتباع السلف‪،‬‬
‫إن كان هذا موجو ًدا عند السلف فهو خير‪ ،‬وإن لم يكن موجو ًدا فهو شر‪،‬‬
‫وال شك أن المظاهرات شر‪:‬‬
‫▪ ألهنا تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن اآلخرين‪،‬‬
‫▪ وربما يحصل فيها اعتداء‪:‬‬
‫إما على األعراض‪ .‬وإما على األموال‪ .‬وإما على األبدان‪.‬‬
‫ألن الناس يف خضم هذه الفوضوية قد يكون اإلنسان كالسكران ال يدري ما‬
‫يقول وال ما يفعل‪ ،‬فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن‪.‬‬
‫وإذن بعض الحكام هبا ما هي إال دعاية‪ ،‬وإال لو رجعت إلى ما يف قلبه لكان‬
‫يكرهها أشد كراهة‪ ،‬لكن يتظاهر بأنه كما يقول‪ :‬ديمقراطي وأنه قد فتح باب‬
‫الحرية للناس‪ ،‬وهذا ليس من طريقة السلف» اهـ‬
‫قلت‪ :‬بل قد رأينا حكام الدول التي حصل فيها الربيع العربي يصرخون من‬
‫هذه الثورات والمظاهرات وال يريدوهنا‪ ،‬ولكن لم يستجب لهم المتظاهرون‪،‬‬

‫(‪« )1‬مجموع الفتاوى» (‪.)177/٢7‬‬


‫(‪« )2‬لقاء الباب المفتوح» لقاء رقم (‪.)179‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وعلى فرض إذهنم هبا فإن الشرع لم يأذن هبا‪،‬‬


‫ِ‬
‫ً‬
‫حالال بمجرد إذنه له‪.‬‬ ‫فإذا َأذن الحاكم بما َّ‬
‫حرم اهلل ال يكون‬
‫ً‬
‫حالال ألن الحاكم أذن به‪.‬‬ ‫فإذا أذن الحاكم بالزنا يف البالد مثال‪ ،‬ال يكون الزنا‬
‫ً‬
‫حالال‪،‬‬ ‫وإذا أذن الحاكم ببيع الخمر وشربه يف البالد ال يكون الخمر‬
‫ً‬
‫حالال‪.‬‬ ‫وإذا أذن الحاكم بالربا ال يكون الربا‬
‫وهكذا يقال يف هذه الوسائل المحرمة المستوردة‪.‬‬
‫قال ابن رشد ‪:)1(‬‬
‫ً‬
‫حالال» اهـ‬ ‫يحرم‬ ‫«أجمعوا على أن حكم الحاكم ال ّ‬
‫يحل حرا ًما وال ّ‬
‫جمة‪:‬‬
‫ومن العجب والعجائب ّ‬
‫أن بعض من يتمسك هبذه الشبهة هو نفسه من يتعلق بشماعة تحكيم الشريعة‬
‫وتغيير المنكر وإزالة الفساد والقوانين الوضعية ويستدل بقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ[النساء‪،]65:‬‬
‫وبقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ [األنعام‪،]57:‬‬
‫وبقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ‬
‫[المائدة‪ ،]5٠:‬وغيرها من اآليات القرآنية واألحاديث النبوية الصحيحة‪.‬‬

‫(‪« )1‬بداية المجتهد» (‪.)٢44/4‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية‬
‫خمالفة السنة الصحيحة الصرحية املتواترة‬

‫مخالفة السنة الصحيحة الصريحة المتواترة‪ :‬التي بلغت أكثر من مائة حديث‬
‫صحيح يف تحريم الخروج على ولي األمر المسلم وإن جار‪.‬‬

‫منها حديث‪« :‬ت ْسمع وتطيع ل ْْلمير‪ ،‬وإ ْن ضرب ظ ْهرك‪ ،‬وأخذ مالك‪ ،‬ف ْ‬
‫اسم ْع‬
‫وأط ْع»(‪.)1‬‬
‫‪« :‬م ْن خلع يدا م ْن طاعة لقي اهلل ي ْوم الْقيامة ال حجة له‪ ،‬وم ْن مات‬ ‫وقال‬
‫وليْس في عنقه بيْع ٌة مات ميتة جاهلية»(‪.)2‬‬
‫قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ‪:)3(‬‬
‫«قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ‬

‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﮊ‬
‫[النساء]‪ .‬فهذه اآلية نص يف وجوب طاعة أولي األمر‪ ،‬وهم‪ :‬األمراء‪ ،‬والعلماء‪.‬‬
‫تب ّين أن هذه الطاعة الزمة‪ ،‬وهي‬ ‫وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول اهلل‬
‫فريضة يف المعروف‪ .‬والنصوص من السنة تبيِّن المعنى وتقيد إطالق اآلية بأن‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )1847‬عن حذيفة بن اليمان ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪ )1851‬عن عبد اهلل بن عمر ‪.‬‬
‫(‪« )3‬مجموع فتاوى ابن باز» (‪.)٢٠4-٢٠٢/8‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫المراد طاعتهم يف المعروف ال يف المعاصي‪ ،‬فإذا أمروا بالمعصية فال يطاعون يف‬
‫المعصية‪ ،‬لكن ال يجوز الخروج عليهم بأسباهبا‪:‬‬
‫‪« :‬أال م ْن ولي عليْه وال‪ ،‬فرآه يأْتي شيْئا م ْن م ْعصية اهلل‪ ،‬ف ْليكْر ْه ما‬ ‫لقوله‬
‫يأْتي م ْن م ْعصية اهلل‪ ،‬وال ينْزعن يدا م ْن طاعة»(‪.)1‬‬
‫‪« :‬على الْم ْرء الْم ْسلم الس ْمع والطاعة فيما أحب وكره‪ ،‬إال أ ْن ي ْؤمر‬ ‫وقال‬
‫بم ْعصية‪ ،‬فإ ْن أمر بم ْعصية فال س ْمع وال طاعة»(‪.)2‬‬
‫‪« :‬إنك ْم ستر ْون ب ْعدي أثرة وأمورا تنْكرونها» قالوا‪ :‬فما تأْمرنا يا‬ ‫وقال‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬أ ُّدوا إل ْيه ْم حقه ْم‪ ،‬وسلوا اهلل حقك ْم»(‪.)3‬‬
‫على الس ْمع والطاعة‬ ‫وقال عبادة بن الصامت ‪ :‬باي ْعنا رسول اهلل‬
‫في منْشطنا ومكْرهنا‪ ،‬وع ْسرنا وي ْسرنا‪ ،‬وأثرة عليْنا‪ ،‬وأ ْن ال ننازع ْاأل ْمر أ ْهله وقال‪:‬‬
‫«إال أ ْن تر ْوا ك ْفرا بواحا عنْدك ْم من اهلل فيه ب ْرها ٌن»(‪.)4‬‬
‫فهذا يدل‪ :‬على‪:‬‬
‫▪ أنه ال يجوز لهم منازعة والة األمور‪،‬‬
‫بواحا عندهم من اهلل فيه برهان‪،‬‬
‫كفرا ً‬
‫▪ وال الخروج عليهم إال أن يروا ً‬
‫عظيما‪،‬‬
‫ً‬ ‫وشرا‬
‫كبيرا ً‬
‫وما ذاك إال ألن الخروج على والة األمور يسبب فسا ًدا ً‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )1855‬عن عوف بن مالك األشجعي ‪.‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)7144‬مسلم» (‪ )1839‬عن عبد اهلل بن عمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)7٠5٢‬مسلم» (‪ )1843‬عن ابن مسعود ‪.‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)7٠56‬مسلم» (‪.)17٠9‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫▪ فيختل به األمن‪،‬‬
‫▪ وتضيع الحقوق‪،‬‬
‫▪ وال يتيسر ردع الظالم‪،‬‬
‫▪ وال نصر المظلوم‪،‬‬
‫▪ وتختل السبل وال تأمن‪،‬‬
‫▪ فيرتتب على الخروج على والة األمور فساد عظيم وشر كثير‪،‬‬
‫▪ إال إذا رأى المسلمون‪:‬‬
‫كفرا‬
‫‪ً -1‬‬
‫بواحا‬
‫ً‬ ‫‪-٢‬‬
‫‪ -3‬عندهم من اهلل فيه برهان‪،‬‬
‫▪ فال بأس أن يخرجوا على هذا السلطان إلزالته‪:‬‬
‫‪ -4‬إذا كان عندهم قدرة‪،‬‬
‫▪ أما إذا‪ :‬لم يكن عندهم قدرة فال يخرجوا‪،‬‬
‫شرا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية‬
‫‪ -5‬أو كان الخروج يسبب ً‬
‫للمصالح العامة(‪.)1‬‬
‫قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬هذه شروط الخروج على الحاكم الكافر‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫والقاعدة الشرعية المجمع عليها‪:‬‬


‫«أنه ال يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه‪ ،‬بل يجب درء الشر بما يزيله أو‬
‫يخففه»‪ ،‬أما درء الشر بشر أكثر فال يجوز بإجماع المسلمين‪ ،‬فإذا كانت هذه‬
‫بواحا عندها قدرة تزيله هبا‪،‬‬
‫كفرا ً‬
‫الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل ً‬
‫صالحا طي ًبا من دون أن يرتتب على هذا فساد كبير على المسلمين‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتضع إما ًما‬
‫وشر أعظم من شر هذا السلطان فال بأس‪ ،‬أما إذا كان الخروج يرتتب عليه فساد‬
‫كبير‪ ،‬واختالل األمن‪ ،‬وظلم الناس‪ ،‬والقتال فيما بينهم‪ ،‬إلى غير ذلك من الفساد‬
‫العظيم‪ ،‬فهذا ال يجوز‪،‬‬
‫بل يجب‪:‬‬
‫▪ الصرب‪،‬‬
‫▪ والسمع والطاعة يف المعروف‪،‬‬
‫▪ ومناصحة والة األمور‪،‬‬
‫▪ والدعوة لهم بالخير‪،‬‬
‫▪ واالجتهاد يف تخفيف الشـر وتقليله وتكثير الخير‪،‬‬
‫هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛‬
‫▪ ألن يف ذلك مصالح للمسلمين عامة‪،‬‬
‫▪ وألن يف ذلك تقليل الشـر وتكثير الخير‪،‬‬
‫▪ وألن يف ذلك حفظ األمن وسالمة المسلمين من شر أكثر‪،‬‬
‫نسأل اهلل للجميع التوفيق والهداية» اهـ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة‬
‫خمالفة اإلمجاع املستقر‬

‫إن الخروج على ولي األمر المسلم الظالم مخالف لإلجماع المستقر‪،‬‬
‫الذي نقله جمع كبير من علماء المسلمين( ‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬نقل اإلجماع على حرمة الخروج على الحاكم المسلم الجائر جمع من أهل العلم‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫اإلمام أحمد بن حنبل ‪« ‬جالء العينين يف محاكمة األحمدين» (‪.)٢٢6‬‬ ‫‪)1‬‬
‫أبو زرعة الرازي ‪« ‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (‪.)138-137/1‬‬ ‫‪)٢‬‬
‫اإلمام المزني ‪« ‬شرح السنة» للمزين (‪.)84‬‬ ‫‪)3‬‬
‫محمد بن إسماعيل البخاري ‪« ‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (‪.)136-134/1‬‬ ‫‪)4‬‬
‫أبو حاتم الرازي ‪« ‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (‪.)138-137/1‬‬ ‫‪)5‬‬
‫ابن المنذر ‪« ‬فتح الباري» (‪ ،)1٢4/5‬و«سبل السالمِ» (‪.)379/٢‬‬ ‫‪)6‬‬
‫الحسن األَ ْش َع ِري (‪.)168‬‬
‫َ‬ ‫األشعري ‪« ‬رسالة أله ِل الثغور» ِألَبِي‬
‫أبو الحسن ْ‬ ‫‪)7‬‬
‫ابن أبي حاتم ‪« ‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (‪.)138-137/1‬‬ ‫‪)8‬‬
‫أبو بكر اإلسماعيلي ‪« ‬اعتقاد أئمة الحديث» لإلسماعيلي (‪.)55‬‬ ‫‪)9‬‬
‫‪ )1٠‬ابن أبي زيد القيرواين ‪« ‬الجامع يف السنن واآلداب‪ »...‬له (‪.)117-1٠7‬‬
‫‪ )11‬ابْن بطة ‪« ‬اإلبانة الصغرى» (ص‪.)٢79 :‬‬
‫‪ )1٢‬أبو عثمان الصابوين ‪« ‬عقيدة السلف وأصحاب الحديث» (‪.)68‬‬
‫‪ )13‬ابن بطال ‪« ‬فتح الباري» البن حجر ‪.)13/7( ‬‬
‫‪ )14‬ابن عبد البر ‪« ‬التمهيد» (‪.)٢79/٢3‬‬
‫=‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقد كان لبعض السلف اجتهاد يف مسألة الخروج على الحاكم الظالم أو‬
‫الفاسق الذي ال يظهر منه الكفر البواح‪ ،‬ثم آل األمر الح ًقا إلى االتفاق على‬
‫اجتناب الخروج على الحاكم الظالم وترك مقاتلته‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ ‬يف ترجمة الحسن بن صالح( ‪:)1‬‬
‫«وقولهم كان يرى السيف يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور‪،‬‬
‫استقر األمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى‬
‫ّ‬ ‫وهذا مذهب للسلف(‪ )2‬قديم‪ ،‬لكن‬
‫الح ّرة ووقعة ابن االشعث وغيرهما عظة لمن تدبر» اهـ‬
‫إلى أشد منه‪ ،‬ففي وقعة َ‬
‫وقال النووي ‪:)3(‬‬

‫=‬
‫‪ )15‬القاضي عياض ‪« ‬شرح صحيحِ مسلم» (‪.)٢٢9/1٢‬‬
‫‪ )16‬ابن القطان الفاسي ‪« ‬اإلقناع يف مسائل ِ‬
‫اإلجماعِ» (‪.)61/1‬‬
‫‪ )17‬النووي ‪« ‬شرح صحيحِ مسلم» (‪.)٢٢9/1٢‬‬
‫‪ )18‬شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪« ‬منهاج السنة النبوية» (‪.)5٢9/4‬‬
‫ِ‬
‫السنن» (‪.)18٢-181/7‬‬ ‫‪ )19‬الطِّيبي ‪« ‬الكاشف عن حقائق‬
‫‪ )٢٠‬ابن قيم الجوزية ‪« ‬حادي األرواح» (‪.)٢89‬‬
‫‪ )٢1‬ابن حجر ‪« ‬هتذيب التهذيب» (‪.)399/1‬‬
‫وعلى هذا جميع أئمة الدعوة السلفية يف هذا العصر كالباز واأللباين والعثيمين والوادعي والع ّباد‬
‫والفوزان واللجنة الدائمة وهيئة كبار العلماء رحمة اهلل على الجميع‪...‬‬
‫(‪« )1‬هتذيب التهذيب» (‪.)٢88/٢‬‬
‫استقر اإلجماع على تحريم الخروج‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬أي‪ :‬لبعض السلف اجتهاد منهم‪ ،‬ثم‬
‫(‪« )3‬شرح صحيح مسلم» (‪.)٢٢9/1٢‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«قال القاضي‪ :‬وقيل‪ :‬إن هذا الخالف كان ً‬


‫أوال ثم حصل اإلجماع على منع‬
‫الخروج عليهم» اهـ‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)1(‬‬
‫«ولهذا استق ّر أمر أهل السنة على ترك القتال يف الفتنة‪ ،‬لألحاديث الصحيحة‬
‫»‪.‬‬ ‫الثابتة عن النبي‬
‫قلت‪:‬‬
‫وهذا ال يعني أن األحاديث ليست صريحة يف حرمة الخروج على أئمة الجور‪،‬‬
‫بل هي صريحة غاية الصراحة‪ ،‬وال يعني أن اإلجماع بعد الخالف ال يرفع الخالف‬
‫بل يرفعه على القول الصحيح(‪.)2‬‬

‫(‪« )1‬منهاج السنة النبوية» (‪.)529/4‬‬


‫(‪ )2‬ملزيد الفائدة يف هذه املسألة انظر‪« :‬احلاوي الكبري» للاموردي (‪.)115/16‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة‬
‫عدم الرجوع إل العلماء الراسخني يف مثل هذه القضايا الكربى‬

‫إن من حكمة اهلل تعالى ورحمته أن يصطفي من الناس أئمة هدى‪ ،‬وعلم‬
‫وصالح وحكمة يهتدي هبم الناس يف ظلمات الجهل والشبه والضالل‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ‬

‫ﮄﮅ ﮊ [السجدة]‪،‬‬
‫فإذا فقد الناس هؤالء األئمة ض ّلوا الطريق المستقيم‪ ،‬وببقائهم بقاء العلم‬
‫والخير والصالح للناس أجمعين‪ ،‬فإذا ذهبوا وقع الناس يف الضالل‪ ،‬كما يف‬
‫الصحيحين(‪ )1‬من حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪َ ‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت‬
‫ول‪« :‬إن اهلل ال ي ْقبض الع ْلم انْتزاعا ينْتزعه من العباد‪ ،‬ولك ْن ي ْقبض‬
‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬
‫َر ُس َ‬
‫الع ْلم بق ْبض العلماء‪ ،‬حتى إذا ل ْم ي ْبق عالما اتخذ الناس رؤوسًا جهاال‪ ،‬فسئلوا‬
‫فأ ْفت ْوا بغ ْير ع ْلم‪ ،‬فض ُّلوا وأض ُّلوا»‪.‬‬
‫والعلماء يف األرض كمثل النجوم يف السماء ُيهتدى هبا يف ظلمات الرب والبحر‪،‬‬
‫ِ‬
‫فإذا ُطم َست النجوم أوشك أن َت ِض َّل ُ‬
‫الهداة‪.‬‬
‫▪ فهم زينة األرض‪،‬‬

‫(‪« )1‬البخاري» (‪« ،)1٠٠‬مسلم» (‪.)٢673‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫▪ وهبم يهتدي الناس يف الظلمات‪،‬‬


‫▪ وهم رجوم للشياطين الذين يخلطون الحق بالباطل ويدخلون يف‬
‫الدين ما ليس منه من أهل األهواء‪،‬‬
‫ولما كان العلماء هبذه المنزلة كان والبد من معرفة قدرهم ومكانتهم يف‬
‫ونصحا وتوجي ًها‪ ،‬خاصة أيام‬ ‫الشريعة ويف المجتمع‪ِ ،‬‬
‫وع َظم شأهنم يف الخلق نف ًعا‬
‫ً‬
‫الفتن والمحن‪ ،‬وما ذلك إال ألهنم «ورثة ْاألنْبياء‪ ،‬وإن ْاألنْبياء ل ْم يو ِّرثوا دينارا وال‬
‫د ْرهما‪ ،‬إنما ورثوا الْع ْلم‪ ،‬فم ْن أخذه أخذ بحظ وافر»( ‪.)1‬‬
‫والعلماء هم أهل الخشية هلل كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ‬

‫[فاطر‪.]28 :‬‬

‫جعلهم اهلل مرجع األمة يف السؤال عن دينهم وعند وقوع الفتن والمحن‬
‫والنوازل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮊ [النساء‪]83 :‬‬

‫قال الحسن ‪:)2( ‬‬


‫«الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم‪ ،‬وإذا أدبرت عرفها كل جاهل» اهـ‬
‫وقال أيوب السختياين ‪:)3(‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)٢1715‬و«أبو داود» (‪ ،)3641‬و«الرتمذي» (‪ ،)٢68٢‬و«ابن ماجه»‬


‫(‪ )٢٢3‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪ ،)6٢97‬و«صحيح‬
‫الرتغيب» (‪.)7٠‬‬
‫(‪« )2‬التاريخ الكبير» للبخاري (‪.)3٢٢/4‬‬
‫(‪ )3‬حسن رواه الدنيوري يف «المجالسة وجواهر العلم» (‪.)٢4٠7‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫َان ا ْل َح َس ُن َي ْب ُص ُر مِ َن ا ْل ِف ْتن َِة إِ َذا َأ ْق َب َل ْت ك ََما َن ْب ُص ُر ن َْح ُن مِنْ َها إِ َذا َأ ْد َب َر ْ‬


‫ت»‪.‬‬ ‫«ك َ‬
‫وإنما أمر اهلل تعالى بالرجوع ألهل العلم والفقه أيام الفتن والمحن؛ ألن من‬
‫أعظم مكائد الشيطان ألهل الهوى‪:‬‬
‫▪ أنه ُيز ِّين لهم الباطل‪،‬‬
‫▪ وركوب رؤوسهم‪،‬‬
‫▪ وسوء الفهم يف الدِّ ين‪،‬‬
‫زهدهم يف الرجوع إلى أهل العلم؛‬
‫▪ و ُي ِّ‬
‫بصـِروهم و ُيرشدوهم إلى الصواب‪ ،‬وليبقوا يف غ ِّيهم وضاللهم‪،‬‬
‫لئال ُي ّ‬
‫واهلل تعالى يقول‪ :‬ﮋ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ [ص‪]٢6 :‬‬

‫وقال‪ :‬ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ[القصص‪.]5٠:‬‬


‫وقال‪ :‬ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮊ‬

‫[فاطر‪.]8:‬‬
‫وقال‪ :‬ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ [آل عمران‪]7:‬‬

‫وعند البخاري ومسلم(‪ )1‬من حديث عائشة ‪:‬‬


‫تال هذه اآلية فقال‪« :‬إذا رأ ْيتم الذين يتبعون ما تشابه منْه‪ ،‬فأولئك‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬
‫احذروه ْم»‪.‬‬
‫الذين سمى اهلل ف ْ‬

‫(‪« )1‬البخاري» (‪« ،)4547‬مسلم» (‪.)٢665‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ولبيان فضل الرجوع للعلماء‪ ،‬وأثره يف الوقاية من الفتن‪ ،‬وخطر الزهد‬


‫علي‬
‫والوقيعة فيهم‪ ،‬نذكر ما حصل للخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين ٍّ‬
‫فهما خاطئًا مخال ًفا لفهم‬
‫‪ ‬وقاتلوه‪ ،‬فإهنم فهموا النصوص الشرعية ً‬
‫الصحابة ‪.‬‬
‫ولهذا َل َّما ناظرهم ابن عباس ‪ ،‬بيَّن لهم الفهم الصحيح للنصوص‪،‬‬
‫فرجع منهم إلى الحق «ألْفان»‪ ،‬وبقي من لم يرجع على ضالله « َف َقتَ َل ُه ُم ا ْل ُم َه ِ‬
‫اج ُرو َن‬
‫َو ْ َ‬
‫األن َْص ُار»‪.)1 ( .‬‬
‫ويف ذلك دليل على أن الرجوع إلى أهل العلم فيه السالمة من الشرور والفتن‪،‬‬

‫وقد قال اهلل ‪:‬ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ [النحل]‪.‬‬

‫ومما يدل على أن الرجوع إلى أهل العلم خير للمسلمين يف أمور دينهم‬
‫ودنياهم‪ ،‬ما رواه مسلم يف «صحيحه»(‪ )2‬عن يزيد الفقير‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ي م ْن ر ْأي الْخوارج ـ يعني أنهم يرون أن أصحاب الكبائر‬
‫«كنْت قدْ شغفني ر ْأ ٌ‬
‫يخلدون يف النار وال يخرج منها من دخلها ـ قال‪ :‬فخر ْجنا في عصابة ذوي عدد نريد‬
‫أ ْن نحج‪ ،‬ثم نخْ رج على الناس‪ ،‬قال‪ :‬فمر ْرنا على الْمدينة‪ ،‬فإذا جابر بْن عبْد اهلل‬

‫(‪ )1‬قصة مناظرة ابن عباس ‪ ‬للخوارج أخرجها «أحمد» (‪ ،)656‬و«النسائي» (‪،)85٢٢‬‬
‫و«الحاكم» (‪ ،)٢657‬وصححها شيخ اإلسالم ابن تيمية يف «منهاج السنة النبوية» (‪،)53٠/8‬‬
‫واأللباين يف «اإلرواء» (‪ ،)٢459‬وشيخنا الوادعي يف «الصحيح المسند» (‪ )694‬رحمة اهلل على‬
‫الجميع‪.‬‬
‫(‪« )2‬مسلم» (‪.)191‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ،‬قال‪ :‬فإذا هو قدْ‬ ‫‪ ‬يحدِّ ث الْق ْوم‪ ،‬جال ٌس إلى سارية‪ ،‬ع ْن رسول اهلل‬
‫ذكر الْجهنم ِّيين ـ يعني أهل النار ـ قال‪ :‬فق ْلت له‪ :‬يا صاحب رسول اهلل‪ ،‬ما هذا الذي‬
‫تحدِّ ثون؟ واهلل يقول‪ :‬ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ [آل عمران‪،]19٢:‬‬
‫و ﮋﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﮊ [السجدة‪ ،]٢٠:‬فما هذا الذي تقولون؟‬
‫قال‪ :‬فقال‪ :‬أت ْقرأ الْق ْرآن؟ ق ْلت‪ :‬نع ْم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فه ْل سم ْعت بمقام محمد‪ ‬ـ ي ْعني الذي يبْعثه اهلل فيه ـ؟‬
‫الْم ْحمود الذي يخْ رج اهلل به م ْن يخْ رج‪،‬‬ ‫ق ْلت‪ :‬نع ْم‪ ،‬قال‪ :‬فإنه مقام محمد‬

‫قال‪ :‬ثم نعت و ْضع ِّ‬


‫الصراط‪ ،‬ومر الناس عل ْيه‪ ،‬وذكر أن ق ْوما يخْ رجون من النار‬
‫ب ْعد أ ْن يكونوا فيها‪ ،‬قال‪ :‬ـ ي ْعني ـ فيخْ رجون كأنه ْم عيدان السماسم‪ ،‬قال‪ :‬فيدْ خلون‬
‫نهرا م ْن أنْهار الْجنة‪ ،‬فيغْتسلون فيه‪ ،‬فيخْ رجون كأنهم الْقراطيس‪ ،‬فرج ْعنا ق ْلنا‪:‬‬
‫؟ فرج ْعنا فال واهلل ما خرج منا غيْر‬ ‫و ْيحك ْم أتر ْون الشيْخ يكْذب على رسول اهلل‬
‫رجل واحد»‪.‬‬
‫فهذا الحديث يدل على أن هذه العصابة‪:‬‬
‫ابتُليت باإلعجاب برأي الخوارج يف تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده يف النار‪،‬‬
‫ابرا ‪ ‬وبيانه لهم صاروا إلى ما أرشدهم إليه‪ ،‬وتركوا‬
‫وأهنم بلقائهم ج ً‬
‫الباطل الذي فهموه‪.‬‬
‫فما تقدم من ذكر األدلة‪ ،‬يبيّن أعظم البيان أهمية الرجوع إلى العلماء‬
‫الراسخين خاصة زمن الفتن والمحن‪ ،‬فقد جعلهم اهلل مرجع األمة يف السؤال‪،‬‬
‫وعند وقوع الفتن والمحن‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وما حدث يف هذه السنوات األخيرة بما يسمى بالربيع العربي‪ ،‬والخروج على‬
‫والة أمر المسلمين‪ ،‬بالمظاهرات‪ ،‬واالعتصامات‪ ،‬والثورات‪ ،‬والشغب يف‬
‫الشوارع‪ ،‬إنما هو بسبب تجاهلهم ألهل العلم‪:‬‬
‫▪ الراسخين من العلماء الربانيين‪،‬‬
‫▪ الموثوق بعلمهم ودينهم‪،‬‬
‫ولو أهنم رجعوا إليهم يف هذه األمور التي حصلت منهم فإن العلماء‬
‫سيبصروهنم‪.‬‬
‫‪ o‬فإن كان الحاكم مسلما ظالما جائرا‪ ،‬أمرهم العلماء بالصرب عليه‪ ،‬وهذا‬
‫بالنص واإلجماع‪.‬‬
‫بواحا فيه من اهلل برهان نظروا يف تقدير المصالح‬
‫ً‬ ‫كفرا‬
‫‪ o‬وإن كان كافرا ً‬
‫والمفاسد ووجود الشروط وانتفاء الموانع‪.‬‬
‫من شروط الخروج على الحاكم‪:‬‬
‫افرا‬
‫‪ -1‬أن يكون ك ً‬
‫بواحا‬
‫كفرا ً‬
‫‪ً -٢‬‬
‫‪ -3‬عندنا فيه من اهلل برهان‪.‬‬
‫‪ -4‬وأن يكون عند المسلمين القدرة على الخروج عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬وأن يكون يف الخروج على الحاكم الكافر مصلحة راجحة‪،‬‬
‫إلى غير ذلك من الشروط‪.‬‬
‫بشر مستطير؛ ألن‬
‫لكن الثوار لم يرجعوا إلى العلماء‪ ،‬وهذا أمر خطير ينذر ٍّ‬
‫الناس إذا لم يصدروا عن أقوال العلماء الراسخين فسوف يصدرون عن أقوال‪:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫▪ المتعالمين‪،‬‬
‫▪ وأصحاب األهواء‬
‫▪ وحدثاء األسنان‪،‬‬
‫▪ وسفهاء األحالم‪،‬‬
‫وال يخفى خطر ذلك على البالد والعباد‪.‬‬
‫‪ ‬فعلى المرء المسلم‪:‬‬
‫• أن يتقي اهلل تعالى‬
‫• ويلزم غرز العلماء الكبار‪،‬‬
‫خاصة يف زمن الفتن والمحن‪ ،‬والتي تعج ببالد المسلمين يف هذا الزمن‪ ،‬فال‬
‫يصدر إال عن قول العلماء الراسخين الربانيين‪.‬‬
‫• ويلزم جماعة المسلمين‪،‬‬
‫ألن من أعظم أسباب النجاة يف زمن الفتن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم‪،‬‬
‫• ويجب عليه السمع والطاعة لهم بالمعروف‪،‬‬
‫يف حديث حذيفة ‪ .‬ومن المعلوم أن اإلسالم‬ ‫كما بيّن ذلك النبي‬
‫ال يقوم إال بجماعة‪ ،‬وال جماعة إال بإمامة‪ ،‬وال إمامة إال بسمع وطاعة‪ ،‬فعلى‬
‫الجميع السمع والطاعة إلمام المسلمين‪ ،‬ولزوم الجماعة يف أيام الفتن‪ ،‬حمانا اهلل‬
‫وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه اهلل( ‪:)1‬‬

‫(‪ )1‬محاضرة «أمن البالد ووسائل تحقيقه» بتصرف‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«إن من أسباب تحقيق األمن والمحافظة عليه هو أن يرجع الناس يف الفتن‬


‫والمدلهمات والنوازل وفيما يمس مصالح األمة يف أمنها أو يف خوفها إلى العلماء‬
‫المحققين‪ ،‬واألئمة الراسخين‪ ،‬أهل االستنباط وأهل الفقه وأهل البصيرة يف دين‬
‫ودب‪.‬‬
‫هب َّ‬
‫اهلل‪ ،‬أهل القدم الراسخة‪ ،‬وأن ال يرجعوا إلى كل أحد‪ ،‬وال إلى كل من َّ‬
‫ولهذا قال اهلل تبارك وتعالى‪ :‬ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ‬

‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ[النساء‪]83:‬‬

‫وعندما يرجع الناس إلى غير العلماء الراسخين تحدث الفتن‪ ،‬والشقاق‬
‫والشرور‪ ،‬والمهالك‪ ،‬ويتحقق الردى يف الناس؛ ألهنم ُيفتوهنم بغير علم‪،‬‬
‫ويستعجلون يف الفتوى‪ ،‬واإلجابة على سؤاالت الناس عن غير بصيرة‪ ،‬وعن غير‬
‫مرت األمة بمحن كثيرة‪ ،‬وكان من أسباهبا‪ :‬تصدُّ ر‬
‫استنباط وعن غير تدبّر‪.‬وقد ّ‬
‫بعض الناس ممن ال دراية له‪ ،‬وال رسوخ له يف العلم‪ ،‬والفقه يف دين اهلل تبارك‬
‫أضر معه من عامة الناس‪ .‬بينما العلماء الراسخون‬
‫أضر َم ْن َّ‬
‫فأضر نفسه‪ ،‬و َّ‬
‫َّ‬ ‫وتعالى‪،‬‬
‫عندما ُتطرح عليهم مثل هذه المسائل يجتمعون‪ ،‬ويتأنَّون‪ ،‬ويتدارسون‪ ،‬ويتب َّصرون‬
‫تعجل‬
‫بدون ُّ‬ ‫يف األمر‪ ،‬ثم ُيبدون لهم ما ظهر لهم من كالم اهلل وكالم رسوله‬
‫تسرع» اهـ‬
‫وبدون ُّ‬
‫وقال الشيخ ابن عثيمين ‪:)1(‬‬
‫«‪...‬وليس لعامة الناس أن يلوكوا ألسنتهم بسياسة والة األمور‪،‬‬

‫(‪« )1‬شرح رياض الصالحين» (‪.)٢٢5/6‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫السياسة لها أناس والصحون والقدور لها أناس آخرون‪،‬‬


‫ولو أن السياسة صارت تالك بين ألسن عامة الناس فسدت الدنيا؛ ألن العامي‪:‬‬
‫▪ ليس عنده علم‪،‬‬
‫▪ وليس عنده عقل‪،‬‬
‫▪ وليس عنده تفكير‪،‬‬
‫▪ وعقله وفكره ال يتجاوز قدمه‪،‬‬
‫ويدل لهذا قول اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮊ‬

‫أي‪ :‬نشـروه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬

‫ﮞ ﮟ ﮊ [النساء‪،]83:‬‬
‫دل هذا على أن العامة ليسوا كأولي األمر وأولي الرأي والمشورة‪،‬‬
‫فليس الكالم يف السياسة من المجاالت العامة‪،‬‬
‫ومن أراد أن تكون العامة مشاركة لوالة األمور يف سياستها‪ ،‬ويف رأيها وفكرها‪،‬‬
‫ً‬
‫ضالال بعيدً ا‪ ،‬وخرج عن هدي الصحابة‪ ،‬وهدي الخلفاء‬ ‫فقد ضل‬
‫الراشدين وهدي سلف األمة‪.»‬‬
‫أيضا ‪:)1(‬‬
‫وقال ً‬
‫«وال شك أن المظاهرات شر‪:‬‬
‫▪ ألهنا تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن اآلخرين‪،‬‬

‫(‪« )1‬لقاء الباب املفتوح» لقاء رقم (‪.)179‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫▪ وربما يحصل فيها اعتداء‪:‬‬


‫‪ ‬إما على األعراض‪،‬‬
‫‪ ‬وإما على األموال‪،‬‬
‫‪ ‬وإما على األبدان؛‬
‫ألن الناس يف خضم هذه الفوضوية قد يكون اإلنسان كالسكران ال يدري ما‬
‫يقول وال ما يفعل‪ ،‬فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن‪ »..‬اهـ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة‬
‫مل يأتوا البيوت من أبوابها‬

‫كثير من الناس والجماعات واألحزاب والتنظيمات لم يأتوا البيوت من أبواهبا‬


‫يف أمور كثيرة‪ ،‬منها إرادة تغيير بعض المنكرات‪.‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ [البقرة‪.]189:‬‬


‫‪« :‬م ْن رأى منْك ْم منْكرا ف ْليغ ِّي ْره بيده‪ ،‬فإ ْن ل ْم ي ْستط ْع فبلسانه‪ ،‬فإ ْن ل ْم‬ ‫وقال‬
‫ي ْستط ْع فبق ْلبه‪ ،‬وذلك أ ْضعف ْاإليمان»(‪.)1‬‬
‫فنص الحديث على‪:‬‬
‫▪ أن من أراد تغيير المنكر فإن عليه أن يسلك المسلك الذي رسمه‬
‫الشرع يف التعامل مع المنكر‪،‬‬
‫▪ ومن هنا وجب أن ُيرا َعى يف التغيير جميع ما يراعى يف التعامل مع‬
‫المنكر من الشـروط‪،‬‬
‫▪ وأن يكون وفق الدرجات الثالث المعروفة يف عالج المنكر‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )49‬عن أبي سعيد الخدري ‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ o‬إن استأثر الحاكم باألموال والثروات ومنع أهل الحق حقهم‪ ،‬هذا منكر‪،‬‬
‫فكيف نأتي البيوت من أبوابها يف تغيير المنكر يف هذه المسألة؟‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫أجاب على ذلك النبي‬
‫اصبروا حتى ت ْلق ْوني على الْح ْوض»(‪.)1‬‬
‫«إنك ْم ست ْلق ْون ب ْعدي أثرة ف ْ‬
‫اصبروا»‪.‬‬
‫‪« :‬ف ْ‬ ‫فتنبه لقوله‬
‫وتنبه مرة أخرى أنه لم يقل اصربوا َسنة‪ ،‬أو سنتين‪ ،‬أو مائة سنة‪ ،‬بل قال‪« :‬حتى‬
‫ت ْلق ْوني على الْح ْوض»‪.‬‬
‫وسنته‪ ،‬ويجور على‬ ‫‪ o‬وإن كان الحاكم ال يهتدي وال يستن بهدي النبي‬
‫الناس فيضربهم ويأخذ أموالهم‪ ،‬وهذا منكر‪،‬‬
‫فكيف نأتي البيوت من أبوابها يف تغيير المنكر يف هذه المسألة؟‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫أجاب النبي‬
‫«يكون ب ْعدي أئم ٌة ال ي ْهتدون بهداي‪ ،‬وال ي ْستنُّون بسنتي‪ ،‬وسيقوم فيه ْم رج ٌال‬
‫قلوبه ْم قلوب الشياطين في جثْمان إنْس»‪ ،‬قال حذ ْيفة ‪ :‬ك ْيف أ ْصنع يا‬
‫رسول اهلل إ ْن أ ْدر ْكت ذلك؟ قال‪« :‬ت ْسمع وتطيع ل ْْلمير‪ ،‬وإ ْن ضرب ظ ْهرك‪ ،‬وأخذ‬
‫اسم ْع وأط ْع»(‪.)2‬‬
‫مالك‪ ،‬ف ْ‬
‫‪ o‬وإن كان الحاكم من شرار الخلق‪،‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)3792‬مسلم» (‪ )1845‬عن أسيد بن حضير‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪ )1847‬عن حذيفة ‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫فكيف نأتي البيوت من أبوابها يف تغيير المنكر يف هذه المسألة؟‬


‫بقوله‪:‬‬ ‫أجاب النبي‬
‫«خيار أئمتكم الذين تحبُّونه ْم ويحبُّونك ْم‪ ،‬وتص ُّلون عليْه ْم ويص ُّلون عليْك ْم‪،‬‬
‫وشرار أئمتكم الذين ت ْبغضونه ْم وي ْبغضونك ْم‪ ،‬وت ْلعنونه ْم وي ْلعنونك ْم»‪ ،‬قالوا‪ :‬ق ْلنا‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬أفال ننابذه ْم عنْد ذلك؟ قال‪« :‬ال‪ ،‬ما أقاموا فيكم الصالة‪ ،‬ال‪ ،‬ما أقاموا‬
‫فيكم الصالة‪ ،‬أال م ْن ولي عل ْيه وال‪ ،‬فرآه يأْتي ش ْيئا م ْن م ْعصية اهلل‪ ،‬ف ْليكْر ْه ما يأْتي‬
‫م ْن م ْعصية اهلل‪ ،‬وال ينْزعن يدا م ْن طاعة»(‪.)1‬‬
‫وهكذا لم يأتوا البيوت من أبواهبا يف باب مناصحة والة األمور‪ ،‬وإزالة ما‬
‫عندهم من منكرات بالطرق الشرعية‪ ،‬والضوابط المرعية(‪.)2‬‬
‫قال تعالى لموسى وهارون ‪ ‬حين أمرهما بالذهاب إلى فرعون‪:‬‬

‫ﮋﯭ ﯮ ﮊ [الشعراء‪.]16:‬‬

‫وقال يف سورة طه‪ :‬ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ [طه]‪.‬‬

‫فانظر رحمك اهلل‪:‬‬

‫* إلى قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﯭ ﯮ ﮊ‪ ،‬ولم يقل فأتيا الشوارع فجوبوها‬


‫بالمظاهرات!! فالحكم هلل وليس للشوارع والغوغاء‪.‬‬

‫* وانظر نظرة أخرى حين قال سبحانه وتعالى‪ :‬ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮊ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )1855‬عن عوف بن مالك األشجعي ‪.‬‬


‫(‪ )2‬كام سيأيت بياهنا يف املفسدة السادسة‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* وتأمل ثالثة‪ :‬أن فرعون كافر ووالة أمور المسلمين ليسوا بكفار‪ ،‬فيا ليت‬

‫قومي يعلمون ويسألون عن دينهم‪« ،‬فإنما شفاء الْع ِّي ُّ‬


‫السؤال»( ‪.)1‬‬
‫‪« :‬أ ْفضل الْجهاد‪ :‬كلمة حق عنْد س ْلطان جائر»(‪.)2‬‬ ‫وقال‬
‫‪« :‬عنْد»‪ ،‬ولم يقل‪ :‬يف الشوارع‪ ،‬وال على‬ ‫فانظر رحمك اهلل‪ :‬إلى قوله‬
‫المنابر‪ ،‬وال يف الصحف‪ ،‬والمجالت‪ ،‬والقنوات‪ ،‬وشبكات التواصل االجتماعي‪،‬‬
‫والمجالس الخاصة والعامة‪.‬‬
‫فيا ليت قومي يفقهون‪« :‬فم ْن يرد اهلل به خ ْيرا يف ِّق ْهه في الدِّ ين»(‪.)3‬‬
‫مثال آخر يف عدم إتيان البيوت من أبوابها‪:‬‬
‫وذلك بأهنم أرادوا تغيير الرأس‪ ،‬وهو الحاكم‪ ،‬قبل تغيير القاعدة واألساس‪،‬‬
‫وهم الشعب‪ .‬وكان الواجب عليهم البداية بما بدأ به األنبياء والمرسلون‪:‬‬
‫* من دعوة الناس إلى التوحيد‪ ،‬ومحاربة الشـرك بجميع أنواعه‪.‬‬
‫* والدعوة إلى السنة ومحاربة البدعة‪.‬‬
‫* والدعوة إلى الطاعة ومحاربة المعصية‪.‬‬

‫(‪ )1‬قطعة من حديث رواه «أحمد» (‪ ،)3٠56‬و«أبو داود» (‪ ،)337‬و«ابن ماجه» (‪ ،)57٢‬و«الحاكم»‬
‫(‪ )63٠‬عن ابن عباس‪ ،‬وحسنه األلباين‪ ‬يف «صحيح سنن أبي داود» (‪،)364‬‬
‫و«صحيح الجامع» (‪.)4363‬‬
‫(‪ )2‬صحيح رواه الطرباين يف «الكبير» (‪ )8٠81‬عن أبي أمامه ‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪ ،)491‬و«المشكاة» (‪ ،)37٠5‬و«صحيح الجامع» (‪ ،)11٠٠‬وشيخنا‬
‫الوادعي ‪ ‬يف «الصحيح المسند مما ليس يف الصحيحين» (‪.)518‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)71‬مسلم» (‪ )1٠37‬عن معاوية بن أبي سفيان‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* والدعوة إلى العلم الشـرعي ومحاربة الجهل‪.‬‬


‫* والدعوة إلى توحيد الكلمة ونبذ الفرقة‪.‬‬
‫* والدعوة للتمسك بالكتاب والسنة على فهم سلف األمة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ‬

‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [البقرة‪.]٢٠8:‬‬

‫هذه هي طريقة التغيير الصحيحة عند األنبياء والمرسلين‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬


‫ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ [الرعد‪ ،]11:‬ولم يقل حتى‬
‫يغيروا ما بحاكمهم(‪.)1‬‬
‫والخالصة‪ :‬أنه إذا صلح القلب صلح الجسد‪ ،‬وإذا صلح الجسد صلحت‬
‫جميع الجوارح‪ ،‬وإذا صلحت الجوارح صلحت األسرة‪ ،‬والبيت المكون من‬
‫الزوجة واألوالد‪ ،‬وإذا صلح البيت صلح الجيران‪ ،‬وإذا صلح الجيران صلح‬
‫الحي‪ ،‬وإذا صلح الحي صلحت األحياء المجاورة له‪ ،‬وإذا صلحت األحياء‬
‫المجاورة صلحت المدينة‪ ،‬وإذا صلحت المدينة صلحت المدن المجاورة لها‪،‬‬
‫‪:‬‬ ‫وإذا صلحت المدن صلحت البالد كلها‪ ،‬ومصداق ذلك قول النبي‬
‫ت صلح الجسد ك ُّله‪ ،‬وإذا فسد ْ‬
‫ت فسد‬ ‫«أال وإن في الجسد م ْضغة‪ :‬إذا صلح ْ‬
‫الجسد ك ُّله‪ ،‬أال وهي الق ْلب»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر كتابي‪« :‬السطور الذهبية يف بيان أهداف وثمار ُدور الحديث السلفية يف الديار اليمنية» تحت‬
‫عنوان «السعي نحو تحقيق حياة إسالمية راشدة على منهاج النبوة» فقد ذكرت أسباب سقوط‬
‫الخالفة اإلسالمية وأسباب عودهتا بالطرق الشرعية‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)5٢‬مسلم» (‪ )1599‬عن النعمان بن بشير‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫والحاكم من الشعب وليس من كوكب آخر‪.‬‬


‫وكما قيل يف المثال الصحيح‪> :‬كيفما تكونوا َّ‬
‫يول عليكم»(‪.)1‬‬
‫صالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫حاكما‬
‫ً‬ ‫‪ o‬فإذا كان الشعب صالحا و ّلى اهلل عليهم‬
‫ظالما‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫حاكما ً‬
‫ً‬ ‫‪ o‬وإذا كان الشعب ظالما و ّلى اهلل عليهم‬
‫ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ [األنعام]‪.‬‬
‫فيجب على المسلم أن ينتبه لهذه المسألة الخطيرة‪:‬‬
‫* التي زلت فيها أقدام‪.‬‬
‫* وحارت فيها أفهام‪.‬‬
‫* وطاشت فيها أقالم‪.‬‬
‫وهي مسألة المطالبة بالتغيير‪ ،‬والتي أصبحت ظاهرة عامة تحيط بالمتابع‬
‫شعارا يهتف به‬
‫ً‬ ‫لألحداث يف كل وسيلة إعالمية‪ ،‬وصار التبشير بالتغيير القادم‬
‫الفرقاء على اختالف اتجاهاهتم‪.‬‬
‫وذلك يستوجب‪:‬‬

‫(‪ )1‬البعض يجعل هذا الكالم حديثًا‪ ،‬وهذا لم يثبت عن النبي ﷺ كما بينت ذلك يف كتابي «إسعاف‬
‫األخيار بما اشتهر ولم يصح من األحاديث واآلثار والقصص واألشعار» (‪ )489/1‬رقم (‪)127‬‬
‫عظيما أبدع فيه غاية‬
‫ً‬ ‫إال أن معناه صحيح‪ .‬وللفائدة‪ :‬ذكر ابن القيم ‪ ‬يف مسألة التغيير كال ًما‬
‫اإلبداع وصور القضية أحسن تصوير وبينها أجمل بيان يف كتابه «مفتاح دار السعادة» (‪-177/2‬‬
‫‪.)178‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫واضحا للتغيير من الوجهة الشرعية‪ ،‬وبيان ما جاءت به النصوص من‬


‫ً‬ ‫تأصيال‬
‫ً‬
‫معيار دقيق للتغيير ليبني المسلم موقفه من التغيير على أساس علمي سليم‪ ،‬ال‬
‫على أساس عاطفي جامح يرفض التغيير من حيث المبدأ‪ ،‬أو يقبل التغيير لمجرد‬
‫الرغبة يف تبدل الواقع الذي يعيشه وتجريب واقع سواه‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة‬
‫اإلنكار العلني والتشهري بويل األمر‬

‫‪ ‬النصيحة الصحيحة لولي األمر مشروعة‪:‬‬


‫بالكتاب‪.‬‬ ‫*‬
‫والسنة‪.‬‬ ‫*‬
‫وإجماع األمة‪.‬‬ ‫*‬
‫ألن من مقتضيات البيعة النصح لوالة األمر‪.‬‬
‫أما دليل القرآن على المناصحة‪:‬‬
‫فقوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ [األعراف]‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬

‫ﮆ ﮇ ﮊ [المائدة]‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ [آل عمران‪.]11٠:‬‬
‫وأما دليل السنة على مناصحة والة األمور‪:‬‬
‫َق َال‪« :‬الدِّ ين النصيحة» ق ْلنا‪ :‬لم ْن؟‬ ‫َف َع ْن َت ِم ٍ‬
‫يم الدَّ ِار ِّي ‪َ ‬أ َّن النَّبِ َّي‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال‪« :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة الْم ْسلمين وعامته ْم»(‪.)1‬‬


‫وأما اإلجماع على مناصحة والة األمور‪:‬‬
‫فقد قال ابن عبد البر‪« :)2 (‬مناصحة والة األمر لم يختلف العلماء يف‬
‫وجوهبا إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها» اهـ‬

‫كيفية مناصحة ويل األمر‪:‬‬

‫نرجع يف كيفية نصيحة ولي األمر إلى َف ْهم السلف الصالح‪َ ،‬ف ُهم المصلحون‬
‫األولون‪،‬وهم األئمة المهتدون‪،‬هم ورثة األنبياء‪،‬ونور لمن يمشي يف الظلماء‪،‬‬
‫فالسير على طريقهم أمر حميد ورأي سديد؛ ألنه طريق األنبياء الذي يرضاه اهلل‬
‫َّ‬
‫‪ ،‬فطريقة السلف أعلم وأسلم وأحكم‪.‬‬
‫كيفية مناصحة ولي األمر أوضح بيان فقال‪:‬‬ ‫وقد بيّن النبي‬
‫«م ْن أراد أ ْن ينْصح لس ْلطان بأ ْمر‪ ،‬فال ي ْبد له عالنية‪ ،‬ولك ْن ليأْخ ْذ بيده‪ ،‬فيخْ لو‬
‫به‪ ،‬فإ ْن قبل منْه فذاك‪ ،‬وإال كان قدْ أدى الذي عل ْيه له»(‪.)3‬‬
‫فهذا الحديث نص يف محل النزاع يف كيفية مناصحة والة األمر‪.‬‬
‫وع ْن أسامة بْن ز ْيد ‪‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪.)55‬‬


‫(‪« )2‬االستذكار» (‪.)579/8‬‬
‫(‪ )3‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)15333‬وابن أبي عاصم يف «السنة» (‪ )1٠96‬عن عياض بن غنم‬
‫‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «تخريج كتاب السنة» (‪.)1٠98‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«أنه‪ :‬قيل له‪ :‬أال تدْ خل على عثْمان ‪ ‬فتك ِّلمه؟‬


‫فقال‪ :‬أتر ْون أ ِّني ال أك ِّلمه إال أ ْسمعك ْم؟‬
‫واهلل لقدْ كل ْمته فيما بيْني وبيْنه‪ ،‬ما دون أ ْن أ ْفتتح أ ْمرا ال أح ُّ‬
‫ب أ ْن أكون أول م ْن‬
‫فتحه»(‪.)1‬‬
‫موضحا قصد أسامة ‪:)2(‬‬
‫ً‬ ‫قال النووي ‪‬‬
‫قوله‪« :‬أ ْفتتح أ ْمرا ال أح ُّ‬
‫ب أ ْن أكون أول م ْن فتحه» يعني المجاهرة باإلنكار‬
‫على األمراء يف المأل‪.‬‬
‫وقال ابن حجر ‪:)3(‬‬
‫«قال عياض‪ :‬مراد أسامة أنه ال يفتح باب المجاهرة بالنكير على اإلمام لما‬
‫يخشى من عاقبة ذلك‪ ،‬بل يتلطف به وينصحه سرا فذلك أجدر بالقبول‪.‬‬
‫وقال اإلمام األلباين ‪:)4 (‬‬
‫جهارا ما‬
‫ً‬ ‫«يعني المجاهرة باإلنكار على األمراء يف المأل؛ ألن يف اإلنكار‬
‫جهارا إذ نشأ عنه قتله» اهـ‬
‫ً‬ ‫يخشى عاقبته‪ ،‬كما اتفق يف اإلنكار على عثمان‬
‫وع ْن سعيد بْن جبيْر‪ ‬قال‪:‬‬
‫قال رج ٌل ال ْبن عباس‪ :‬آمر أميري بالْم ْعروف؟ قال‪:‬‬
‫«إ ْن خ ْفت أ ْن ي ْقتلك فال تؤنِّب ْاإلمام فإ ْن كنْت ال بد فاعال فيما ب ْينك وب ْينه»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ ،)3٢67‬و«مسلم» (‪ )٢989‬واللفظ له‪.‬‬


‫(‪« )2‬شرح صحيح مسلم» (‪.)118/18‬‬
‫(‪« )3‬فتح الباري» (‪.)5٢/13‬‬
‫(‪« )4‬تحقيق مختصر صحيح مسلم» (‪.)335/٢‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وعن سعيد بن ج ْمهان قال‪:‬‬


‫أت ْيت ع ْبد اهلل ْبن أبي أ ْوفى‪ ‬وهو م ْحجوب الْبصر‪ ،‬فسل ْمت عل ْيه‪،‬‬
‫قال لي‪ :‬م ْن أنْت؟ فق ْلت‪ :‬أنا سعيد بْن ج ْمهان‪،‬‬
‫قال‪ :‬فما فعل والدك؟‬
‫قال‪ :‬ق ْلت‪ :‬قتلتْه ْاألزارقة‪،‬‬
‫قال‪ :‬لعن اهلل ْاألزارقة‪ ،‬لعن اهلل ْاألزارقة‪،‬‬
‫«أنه ْم كالب النار»‪،‬‬ ‫حدثنا رسول اهلل‬
‫قال‪ :‬ق ْلت‪ْ :‬األزارقة و ْحده ْم أم الْخوارج ك ُّلها؟‬
‫قال‪« :‬بل الْخوارج ك ُّلها»‪.‬‬
‫الس ْلطان يظْلم الناس‪ ،‬وي ْفعل به ْم‪،‬‬
‫قال‪ :‬ق ْلت‪ :‬فإن ُّ‬
‫قال‪ :‬فتناول يدي فغمزها بيده غ ْمزة شديدة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫«و ْيحك يا ابْن ج ْمهان عليْك بالسواد ْاأل ْعظم‪ ،‬عليْك بالسواد ْاأل ْعظم‬
‫الس ْلطان ي ْسمع منْك‪ ،‬فأْته في ب ْيته‪ ،‬فأ ْخب ْره بما ت ْعلم‪ ،‬فإ ْن قبل منْك‪ ،‬وإال‬
‫إ ْن كان ُّ‬
‫فد ْعه‪ ،‬فإنك ل ْست بأ ْعلم منْه»(‪.)2‬‬

‫=‬
‫(‪ )1‬حسن رواه ابن أبي شيبة يف مصنفه (‪ ،)373٠7‬والبيهقي يف «شعب اإليمان» (‪ ،)759٢‬وسعيد‬
‫بن منصور يف سننه (‪ ،)846‬وحسنه محقق «سنن سعيد بن منصور»‪.‬‬
‫(‪ )2‬حسن رواه «أمحد» (‪ ،)19415‬وحسنه شيخنا الوادعي يف «الصحيح املسند مما ليس يف‬
‫الصحيحي» (‪ ،)545‬وحسن األلباين يف حتقيقه عىل «السنة» البن أيب عاصم (‪ )905‬اجلزء األول‬
‫اْل َوا ِر ُج ُك ُّل َها»‪.‬‬
‫من احلديث إىل قوله « َب ِل خ َ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫والخالصة من مجموع األحاديث النبوية حول موقفنا من ولي األمر المسلم‬


‫الظالم ثالثة أمور‪:‬‬
‫* األول‪ :‬الصرب عليه‪.‬‬
‫* الثاين‪ :‬الدعاء له‪.‬‬
‫* الثالث‪ :‬المناصحة له‪.‬‬
‫وتكون المناصحة سرا برفق ولين‪ ،‬بزيارته والجلوس معه إن تيسر ذلك‪ ،‬وإن‬
‫لم يتيسر فبالمهاتفة‪ ،‬وإن لم يتيسر فبالمكاتبة‪ ،‬وإال فبإرسال من له تأثير عليه يكلمه‬
‫يف األمر‪.‬‬
‫كل ذلك من النصيحة بالتي هي أحسن للتي هي أقوم‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪:)1(‬‬
‫« ومن دقيق الفطنة‪ :‬أنك ال ترد على المطاع خطأه بين المأل‪ ،‬فتحمله رتبته‬
‫على نصرة الخطأ‪ ،‬وذلك خطأ ثان‪ ،‬ولكن تلطف يف إعالمه به حيث ال يشعر به‬
‫غيره» اهـ‬

‫فائدة‪ :‬النصيحة لويل األمر هلا أربع صور‪:‬‬

‫واحدة مشروعة‪ ،‬وثالث ممنوعة‪.‬‬


‫سرا‪ ،‬وهذه النصيحة هي‬
‫* األولى‪ :‬نصيحة ولي األمر فيما بينه وبين الناصح ً‬
‫النصيحة المشروعة؛ لألدلة المتقدمة الصحيحة‪.‬‬

‫(‪« )1‬الطرق الحكمية» (ص‪.)54:‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* الثانية‪ :‬نصيحة ولي األمر أمام الناس عالنية بحضـرته مع إمكان نصحه‬
‫سرا‪ ،‬وهذه النصيحة غير صحيحة؛ لمخالفتها لألدلة المتقدمة الصريحة‪.‬‬
‫* الثالثة‪ :‬نصيحة ولي األمر فيما بينه وبين الناصح سرا ثم يخرج من عنده‬
‫وينشرها بين الناس‪ ،‬وهذا الفعل غير صحيح؛ ألنه مخالف لحديث عياض بن غنم‬
‫‪ ‬المتقدم؛ وألن الغرض والمقصود من اإلسرار يف النصيحة لولي األمر‬
‫عدم التشهير به؛ لما يرتتب على ذلك من مفاسد‪ ،‬ثم إعالن النصيحة مخالف‬
‫لهدي السلف مع ولي األمر‪.‬‬
‫* الرابعة‪ :‬اإلنكار على السلطان يف غيبته من خالل المجالس والمواعظ‬
‫والخطب والدروس ونحوها‪ ،‬وهذه فضيحة وليست بنصيحة‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة والثامنة‬


‫أهانوا السلطان فأهانهم اهلل‬

‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات‪ ،‬والثورات‪ ،‬واالعتصامات‪:‬‬


‫إهانة السلطان بالقول وبالفعل‪:‬‬
‫‪ o‬أما القول‪ :‬فبسبه‪ ،‬وشتمه‪ ،‬واحتقاره‪ ،‬وتقليد صوته على سبيل االستهزاء‬
‫والسخرية به‪.‬‬
‫‪ o‬وأما بالفعل‪ :‬فالسخرية به بالرسومات الكاريكاتيرية المضحكة‪ ،‬وبتمثيل‬
‫حركاته على سبيل السخرية‪ ،‬وغير ذلك من محاكاته يف أقواله وأفعاله‪ ،‬وقد قال‬
‫ب َأنِّي َح َك ْي ُت إِن َْسانًا َو َأ َّن ل ِي ك ََذا َوك ََذا»( ‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫‪َ « :‬ما ُأح ُّ‬
‫وقد عاقب اهلل كثيرا من هؤالء المتظاهرين‪ ،‬وأهانهم غاية اإلهانة(‪.)2‬‬
‫‪ o‬إما بقتلهم‪.‬‬
‫‪ o‬أو بسجنهم‪.‬‬
‫‪ o‬أو بضرهبم‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أبو داود» (‪ ،)4875‬و«الرتمذي» (‪ )٢5٠٢‬عن عائشة ‪ ،‬وصححه األلباين‬
‫يف «صحيح سنن أبي داود» (‪ ،)4٠8٠‬و«المشكاة» (‪ ،)4857‬حكيت‪ :‬أي ق ّلدت‪.‬‬
‫(‪ )2‬إهانة اهلل لهم هي مفسدة بالنسبة لهم‪ ،‬وأما فعل اهلل فال يقال عنه أنه مفسدة بل عاملهم سبحانه‬
‫وتعالى بعدله فتن ّبه‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ o‬أو بطردهم خارج بلداهنم‪.‬‬


‫‪ o‬أو بأخذ أموالهم وممتلكاهتم‪.‬‬
‫‪ o‬أو بأي إهانة من اإلهانات التي ال حدّ لها‪.‬‬
‫هذا يف الدنيا‪ ،‬ومن لم يهنه اهلل يف الدنيا فقد يهينه يوم القيامة أمام الخالئق‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮊ [الحج‪.]18:‬‬
‫‪« :‬م ْن أهان س ْلطان اهلل في ْاأل ْرض أهانه اهلل»(‪.)1‬‬ ‫وقال‬
‫قال العالمة ابن عثيمين ‪:)2(‬‬
‫‪« :‬م ْن أهان س ْلطان اهلل في ْاأل ْرض أهانه اهلل»‪.‬‬ ‫قال‬
‫وإهانة السلطان لها عدة صور‪:‬‬
‫* منها‪ :‬أن يسخر بأوامر السلطان‪ ،‬فإذا أمر بشيء قال‪ :‬انظروا ماذا يقول؟‬
‫* ومنها‪ :‬إذا فعل السلطان شيئًا ال يراه هذا اإلنسان‪ .‬قال‪ :‬انظروا‪ ،‬انظروا ماذا‬
‫يفعل؟ يريد أن يهون أمر السلطان على الناس؛ ألنه إذا هون أمر السلطان على‬
‫الناس استهانوا به‪ ،‬ولم يمتثلوا أمره‪ ،‬ولم يجتنبوا هنيه‪.‬‬
‫ولهذا فإن الذي يهين السلطان بنشر معايبه بين الناس‪ ،‬وذمه والتشنيع عليه‬
‫والتشهير به‪ ،‬يكون عرضة ألن يهينه ‪‬؛ ألنه إذا أهان السلطان بمثل هذه‬

‫(‪ )1‬حسن رواه «الرتمذي» (‪ )٢٢٢4‬عن أبي بكرة ‪ ،‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع»‬
‫(‪.)6111‬‬
‫(‪« )2‬شرح رياض الصالحين» (‪.)673/3‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫األمور‪ ،‬تمرد الناس عليه فعصوه‪ ،‬وحين ٍ‬


‫ئذ يكون هذا سبب شر فيهينه اهلل ‪،‬‬
‫فإن أهانه يف الدنيا فقد أدرك عقوبته‪ ،‬وإن لم يهنه يف الدنيا فإنه يستحق أن يهان يف‬
‫حق‪« :‬م ْن أهان س ْلطان اهلل في ْاأل ْرض‬ ‫اآلخرة‪ ،‬والعياذ باهلل؛ ألن كالم الرسول‬
‫أهانه اهلل» اهـ‬
‫قال اإلمام القرايف ‪:)1 (‬‬
‫«ضبط المصالح العامة واجب‪ ،‬وال ينضبط إال هبيبة األئمة يف نفوس الرعية‪،‬‬
‫ومتى اخت َل َفت عليهم أو ُأهينوا َّ‬
‫تعذ َرت المصلحة»‪.‬‬
‫قال أنس‪:)2(‬‬
‫ب ْاألمراء»‪.‬‬
‫ينْه ْونا ع ْن س ِّ‬ ‫«كان ْاألكابر م ْن أ ْصحاب رسول اهلل‬
‫قال‪« :‬ال تسبُّوا أمراءك ْم‪،‬‬ ‫ويف رواية‪« :‬نهانا كبراؤنا م ْن أ ْصحاب رسول اهلل‬
‫ب»( ‪.)3‬‬ ‫وال تغ ُّشوه ْم‪ ،‬وال ت ْبغضوه ْم‪ ،‬واتقوا اهلل و ْ‬
‫اصبروا؛ فإن ْاأل ْمر قري ٌ‬
‫وقال أبو الدرداء‪:)4 (‬‬
‫«وإن أول نفاق الْم ْرء ط ْعنه على إمامه»‪.‬‬
‫وقال أبو إدريس الخوالين ‪:)1 (‬‬

‫(‪« )1‬الذخيرة» (‪.)٢34/13‬‬


‫(‪ )2‬رواه الداين يف «السنن الواردة يف الفتن» (‪ ،)141‬وابن عبد الرب يف «التمهيد» (‪.)٢87/٢1‬‬
‫وجود‬
‫َّ‬ ‫(‪ )3‬جيد رواه البيهقي يف «شعب اإليمان» (‪ ،)7117‬وابن أبي عاصم يف «السنة» (‪،)1٠15‬‬
‫إسناده األلباين‪ ‬يف تعليقه على «السنة» البن أبي عاصم (‪.)1٠15‬‬
‫(‪ )4‬صحيح رواه البيهقي يف «شعب اإليمان» (‪.)8959‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«إياك ْم والط ْعن على ْاألئمة؛ فإن الط ْعن عل ْيه ْم هي الْحالقة‪ ،‬حالقة الدِّ ين ل ْيس‬
‫حالقة الش ْعر‪ ،‬إال أن الطعانين هم الْخائبون‪ ،‬وشرار ْاأل ْشرار»‪.‬‬
‫وقال حذيفة‪:)2(‬‬
‫«ال ي ْمشين رج ٌل منْك ْم ش ْبرا إلى ذي س ْلطان ليذله‪،‬فال واهلل ال يزال ق ْو ٌم أذلُّوا‬
‫ال ُّس ْلطان أذالء إلى ي ْوم الْقيامة»‪.‬‬

‫=‬
‫(‪« )1‬األموال» البن زنجويه (‪.)38‬‬
‫(‪« )2‬مصنف ابن أبي شيبة» (‪.)386٠3‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التاسعة والعاشرة‬


‫ذهاب هيبة الدولة ومواطنيها يف الداخل واخلارج‬

‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات‪ ،‬والثورات‪ ،‬والسخرية بالحاكم والحكومات‪:،‬‬


‫ذهاب هيبة الدولة وأهلها‪ ،‬وإذا ذهبت هيبة الدولة ذهب األمن واألمان‪،‬‬
‫وضاعت الشعوب ومكتسبات األمة ومقدراهتا‪ ،‬وهذه حقيقة ال يمكن إغفالها‬
‫والتحايل عليها باسم الديمقراطية‪ ،‬أو باسم الثورة‪ ،‬أو الحرية التي هي رأس كل‬
‫بلية‪ ،‬والتي يلتف حولها كبار البلطجية(‪.)1‬‬
‫إن ذهاب هيبة الدولة كارثة كربى‪ ،‬تعصف بعدد من الشعوب العربية‬
‫واإلسالمية‪ ،‬كل ذلك باسم رياح التغيير‪ ،‬وهو تغيير إلى األسوأ‪ ،‬وإلى األخطر‪،‬‬
‫وتغييرا إلى المجهول‪...‬‬
‫ً‬ ‫فقرا‪،‬‬
‫وإلى األكثر ً‬
‫إن العقل والمنطق وكل مقومات الوعي‪ ،‬تؤكد أن رب األسرة حين يكون‬
‫فاشال وفاقدً ا لهيبته فإنه لن يكون هناك استقامة للعائلة يف أمور حياهتا‪ ،‬هكذا هي‬
‫ً‬
‫الدولة حين تفقد مقوماهتا وهيبتها‪ ،‬فإن انفالت الشعوب نحو الممارسة التي تنال‬

‫قهرا وبدون وجه‬


‫خص‪ :‬اعتدى على اآلخرين ً‬ ‫بلطج َّ‬
‫الش ُ‬ ‫َ‬ ‫بلطج يبلطج‪ ،‬بَ ْلطجةً‪ ،‬فهو ُمبَلطِج‪.‬‬
‫َ‬ ‫(‪ )1‬من‬
‫حق مرتك ًبا أعما ً‬
‫ال منافية للقانون والعرف‪ .‬انظر‪« :‬معجم اللغة العربية المعاصرة» (‪.)٢4٠/1‬‬ ‫ّ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫من المكتسبات وأمن األمة تفرض هذه الفوضى يف ظل وجود حكومة فاشلة يف‬
‫أي أرض‪ ،‬أو تحت أي سماء‪.‬‬
‫لذلك فإن من أهم المصالح التي قررهتا الشـريعة اإلسالمية المحافظة على‬
‫ضعف قوهتا‪ ،‬أو يذهب شوكتها‪ ،‬وقد‬ ‫هيبة الدولة‪ ،‬وحسم كل ما من شأنه أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫نظرت الشريعة إلى هذا األمر على أنه ضرورة تتحقق معها مصالح الدين والدنيا؛‬
‫ألن بقاء الدولة مهابة الجانب يوفر للناس االستقرار يف معايشهم ويحافظون على‬
‫ضرورات بقائهم‪ ،‬وبافتقاد الدولة لهيبتها فإن هذا ُم ْؤذِ ٌن بفساد عريض‪ ،‬وشر‬
‫مستطير من تعطل الحدود‪ ،‬ونجوم الفتن‪ ،‬وتشـرذم الناس‪ ،‬واضطراب األحوال‪،‬‬
‫وهناك ترخص الدماء‪ ،‬وتنهب األموال‪ ،‬وتربز العصبيات‪ ،‬وتعلو النعرات‪ ،‬ويتجرأ‬
‫العدو‪ ،‬و ُيبدل الناس بعد األمن خو ًفا‪ ،‬ويف استشهاد التاريخ واستنطاق الواقع عظة‬
‫وعربة لمن ألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬
‫ولذلك تظافرت وتكاثرت واتحدت النصوص يف الكتاب والسنة تصـري ًحا‬
‫وتلويح ا على وجوب المحافظة على هذه المصلحة وتقويتها وإبقائها‪ ،‬وقطع كل‬
‫ً‬
‫الذرائع التي تفضـي إلى اإلخالل هبا‪ ،‬ولعل من أقرب األمثلة التي تؤكد قيمة‬
‫الدولة وضرورة بقائها مهابة محرتمة عند جمهور الناس ما يتعلق بقضية الحدود‪،‬‬
‫فإن إقامتها مناط بالدولة‪ ،‬مِ ْن قتل القاتل‪ ،‬وقطع يد السارق الخاتل‪ ،‬ورجم الزاين‬
‫المحصن‪ ،‬وجلد الداعر‪ ،‬وغيرها من الحدود والتعزيرات المعلومة‪ ،‬فليس آلحاد‬
‫الناس وأفرادهم توليها؛ ألن إقامتها يحتاج إلى قوة‪ ،‬وهذه موجودة يف جانب والة‬
‫صال بين الحالل والحرام‪ ،‬ولو ُترك األمر لكل أحد‬
‫األمور الذين جعلهم اهلل في ً‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ألصبحت األرض رجراجة‪ ،‬والبالد متكفئة‪ ،‬والدماء رخيصة‪ ،‬ولتسلط القوي على‬
‫الضعيف‪ ،‬ولخربت األوطان‪ ،‬وحل الدمار‪.‬‬
‫نص الفقهاء أن على ولي األمر أن يولي القضاء والمظالم‬
‫وألجل ما سبق فقد ّ‬
‫أصحاب الهيبة والحشمة والقوة؛ ألجل مصلحة مجموع األمة‪.‬‬
‫قال الماوردي ‪ ‬يف متولي والية المظالم( ‪:)1‬‬
‫«ال بد أن يكون عظيم الهيبة»‪.‬‬
‫وقال ‪ ‬يف الهيبة(‪:)2‬‬
‫«إهنا قاعدة الملك‪ ،‬وأساس السلطنة‪ ،‬وذلك ال يكون إال لمن خيف غضبه‪،‬‬
‫وخشيت سطوته» اهـ‬
‫بل إن الدعوة إلى جعل الدولة مهابة الجانب‪ ،‬محشومة المقدار يف نفوس‬
‫الرعية أمر معروف يف جميع الملل‪ ،‬ومتعارف عليه يف األواخر واألُول‪.‬‬
‫قال ابن مسكويه ‪:)3(‬‬
‫«ومن حسن سياسة الملوك أن يجعلوا خا َّصتهم كل ّ‬
‫مهذب األفعال‪ ،‬محمود‬
‫الخصال‪ ،‬موصو ًفا بالخير والعقل‪ ،‬معرو ًفا بالصالح والعدل‪ ،‬فإ َّن الملك ال‬
‫خواصه‪ ،‬فإن كانت طرائقهم سديدة‬
‫ّ‬ ‫تخالطه العا َّمة وال أكثر الجند‪ ،‬وإنما يرون‬

‫(‪« )1‬األحكام السلطانية» ص (‪ ،)13٠‬وله ‪ ‬كالم نفيس يف كتابه «درر السلوك يف سياسة‬
‫الملوك» (ص‪ )91:‬حيث بين أن أصل ما تبنى عليه السياسة العادلة الرغبة والرهبة‪.‬‬
‫(‪« )2‬تسهيل النظر وتعجيل الظفر يف أخالق الملك» (ص‪.)79:‬‬
‫(‪« )3‬تجارب األمم وتعاقب الهمم» (‪.)٢٢4/7‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وأفعالهم رشيدة عظمت هيبة الملك يف نفس من يبعد عنه؛ الستقامة طريقة من‬
‫يقرب منه»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬للمزيد يف هذا الموضوع انظر كتاب‪« :‬هيبة الدولة» لفضيلة الشيخ الدكتور عزيز بن فرحان‬
‫العنزي حفظه اهلل‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية عشرة‬


‫كشف أسرار الدولة‬

‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات‪ ،‬والثورات‪ ،‬والصـراعات بين الشعوب‬


‫والحكومات إخراج أسرار الدولة‪ ،‬عرب وسائل اإلعالم‪ ،‬ممن كان ينتسب لهذه‬
‫الدولة‪ ،‬وربما كان بعضهم قد أقسم عند توليه لهذا المنصب أن ال يبوح بسـر من‬
‫أسرار الدولة‪ ،‬ثم إذا شعر بقرب غرق سفينة الحكومة قفز إلى سفينة الثوار‪،‬‬
‫وتغيرت الوالءات وسقطت األقنعة‪ ،‬فهتك عند ذلك عوار الدولة وكشف أسرارها‬
‫وهذا ال يجوز؛ ألن األسرار من األمانات‪ ،‬وهي كذلك من العهود التي يجب‬
‫الحفاظ عليها‪ ،‬ويجب التغليظ على من يفشيها ويخون األمانة وينقض العهد‪.‬‬
‫‪ ‬واألسرار تتفاوت فيما بينها من حيث التغليظ يف إفشائها‪ ،‬إذ منها ما يكون‬
‫وعظيما‪ ،‬كإفشاء سر المسلمين والدول المسلمة إلى الكفار‪ ،‬ويكون‬
‫ً‬ ‫ضرره عاما‬
‫إفشاء السر سببًا لهزيمة المسلمين‪ ،‬أو فوات النصر على الكفار أو الضرر‬
‫بالمسلمين‪ ،‬وهذا النوع من إفشاء السـر اصطلح عليه حديثًا باسم الخيانة العظمى‪،‬‬
‫خاصا وليس عاما‪،‬‬
‫ومن إفشاء السـر ما هو دون ذلك‪ ،‬كأن يكون ضرر إفشاء السر ً‬
‫وكلها تشرتك يف كوهنا خيانة لألمانة وإخال ًفا للعهد‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [اإلسراء]‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ[النساء‪ ،]58:‬وإذا‬


‫كان الحفاظ على السر واجبًا فإن إفشاء السر حرام‪.‬‬
‫إلى عائشة وحفصة ‪ ‬بحديث وائتمنهما عليه‪،‬‬ ‫أسر النبي‬
‫‪ ‬وقد َّ‬
‫‪ ،‬فعاتبهما اهلل تعالى على ذلك‪،‬‬ ‫سره‬
‫فأظهرتا َّ‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬

‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ‬
‫[التحريم]‪ ،‬ثم قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ[التحريم]‪.‬‬
‫شهرا من أجل الحديث الذي أفشته حفصة لعائشة‬
‫أزواجه ً‬ ‫فاعتزل النبي‬
‫‪.)1 (‬‬
‫قال ابن حجر‪ ‬عن هذا الحديث( ‪:)2‬‬
‫«فيه المعاقبة على إفشاء السر بما يليق بمن أفشاه» اهـ‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)5191‬مسلم» (‪ )1479‬عن ابن عباس ‪.‬‬
‫(‪« )2‬فتح الباري» (‪.)٢93/9‬‬
‫قلت‪ :‬اختلف العلماء يف سبب هجر النبي × لنسائه على أقوال‪ :‬فقيل بسبب إفشاء السر‪ ،‬وقيل‬
‫بسبب التوسع يف المطالبة بالنفقة‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫قال الحافظ ‪ ‬يف «الفتح» (‪« :)٢9٠/9‬ويحتمل أن يكون مجموع هذه األشياء كان سب ًبا‬
‫العتزالهن‪ ،‬وهذا هو الالئق بمكارم أخالقه × ‪ ،‬وسعة صدره‪ ،‬وكثرة صفحه‪ ،‬وأن ذلك لم يقع‬
‫منه حتى تكرر موجبه منهن‪ .‬اهـ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬ويف السنة النبوية نجد الرتهيب من االطالع على أسرار الغير‪ ،‬وكذلك‬
‫الرتهيب من نشر ما ال ينبغي نشره من األسرار‪.‬‬
‫‪ ‬فمن ذلك التغليظ على من أراد االطالع على عورات اآلخرين‪،‬‬
‫َق َال‪« :‬ل ْو أن رجال‬ ‫ففي الحديث َعن َأبِي هرير َة ‪َ ‬أ َّن رسو َل اهللِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫ْ‬
‫اطلع عل ْيك بغ ْير إ ْذن فخذ ْفته بحصاة ففقأْت ع ْينه ما كان عل ْيك م ْن جناح»(‪.)1‬‬
‫قال ابن حجر ‪ ‬يف شرح الحديث(‪:)2‬‬
‫وقع عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة‪ ‬بلفظ‪:‬‬

‫«م ْن اطلع في بيْت ق ْوم بغيْر إ ْذ ْ‬


‫نهم فقدْ حل له ْم أ ْن ي ْفقئوا عيْنه»‬
‫أخرجه من رواية أبي صالح عنه‪ ،‬وفيه رد على من حمل الجناح هنا على‬
‫اإلثم‪.‬‬
‫وورد من وجه آخر عن أبي هريرة ‪ ‬أصرح من هذا عند أحمد‪ ،‬وابن‬
‫أبي عاصم‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وصححه ابن حبان‪ ،‬والبيهقي بلفظ‪:‬‬

‫«م ْن اطلع في ب ْيت ق ْوم بغ ْير إ ْذ ْ‬


‫نهم ففقئوا ع ْينه فال دية وال قصاص»‪.‬‬
‫ويف رواية من هذا الوجه‪« :‬فهو هدر»‪ .‬اهـ‬
‫أيضا‪ :‬الوعيد يف حق من َت َس َّم َع ألسرار غيره‪:‬‬
‫‪ ‬ومثله ً‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫س ‪َ ‬ع ْن النَّبِ ِّي‬
‫َع ْن ا ْب ِن َع َّبا ٍ‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)69٠٢‬مسلم» (‪.)٢158‬‬


‫(‪« )2‬فتح الباري» (‪.)٢44/1٢‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫استمع إلى حديث ق ْوم وه ْم له كارهون‪ ،‬أ ْو يف ُّرون منْه صب في أذنه‬


‫«‪...‬وم ْن ْ‬
‫اآلنك ي ْوم الْقيامة»(‪.)1‬‬
‫«واآلنك»‪ :‬هو الرصاص المذاب‪.‬‬
‫‪ ‬ومن الرتهيب من نشر ما ال يحل نشره‪ :‬ما جاء يف ذ ِّم من نشر سر الزوجية‪،‬‬
‫وجعله من أشر الناس عند اهلل منزلة‪ ،‬فكيف بمن نشـر أسرار الدولة المسلمة!!‬
‫‪:‬‬ ‫فعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي‬
‫«إن م ْن أش ِّر الناس عنْد اهلل منْزلة ي ْوم الْقيامة‪ ،‬الرجل ي ْفضي إلى ْامرأته‪ ،‬وت ْفضي‬
‫إل ْيه‪ ،‬ثم ينْشر سرها»(‪.)2‬‬
‫ويف رواية أخرى‪« :‬إن م ْن أ ْعظم ْاألمانة عنْد اهلل ي ْوم الْقيامة‪ ،‬الرجل ي ْفضي إلى‬
‫ْامرأته‪ ،‬وت ْفضي إليْه‪ ،‬ثم ينْشر سرها»‪.‬‬
‫ومعنى «م ْن أ ْعظم ْاألمانة» أي‪ :‬من أعظم خيانة األمانة‪.‬‬
‫س ‪َ ‬ق َال‪:‬‬ ‫ت َع ْن َأنَ ٍ‬‫و َعن َثابِ ٍ‬
‫َ ْ‬
‫وأنا ألْعب مع الْغ ْلمان‪ ،‬قال‪ :‬فسلم عل ْينا‪ ،‬فبعثني إلى‬ ‫أتى علي رسول اهلل‬
‫حاجة‪ ،‬فأبْطأْت على أ ِّمي‪ ،‬فلما جئْت قال ْ‬
‫ت‪ :‬ما حبسك؟ ق ْلت بعثني رسول اهلل‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪.)7٠4٢‬‬


‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪.)1437‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ت‪ :‬ما حاجته؟ ق ْلت‪ :‬إنها س ٌّر‪ ،‬قال ْ‬


‫ت‪ :‬ال تحدِّ ثن بس ِّر رسول اهلل‬ ‫لحاجة‪ ،‬قال ْ‬
‫أحدا‪ .‬قال أن ٌس‪ :‬واهلل ل ْو حد ْثت به أحدا لحد ْثتك يا ثابت(‪.)1‬‬
‫‪ ‬وإفشاء األسرار من عالمات النفاق‪:‬‬
‫َق َال‪« :‬أ ْرب ٌع م ْن كن فيه كان منافقا‬ ‫َف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َع ْم ٍرو ‪َ ‬أ َّن النَّبِ َّي‬
‫ت فيه خ ْصل ٌة من النِّفاق حتى يدعها‪ :‬إذا‬ ‫ت فيه خ ْصل ٌة منْهن كان ْ‬ ‫خالصا‪ ،‬وم ْن كان ْ‬
‫اؤْ تمن خان‪ ،‬وإذا حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر»(‪.)2‬‬
‫سر فال‬
‫السامع بأن هذا الكالم ٌّ‬
‫َ‬ ‫المتكلم‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬وليس من شرط األمانة أن يخرب‬
‫تخرب به أحدً ا‪ ،‬بل يكفي أن َّ‬
‫تدل القرينة على ذلك‪ ،‬كما لو أخذه بعيدً ا عن الناس‬
‫ليحدِّ ثه‪ ،‬أو جعل يحدِّ ثه وهو يتل َّفت خو ًفا من أن يسمع الناس حديثه‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقد روى أحمد وأبو داود والرتمذي بسند حسن‬
‫َق َال‪« :‬إذا حدث الرجل الْحديث‬ ‫َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد اهللِ ‪َ ‬ع ْن النَّبِ ِّي‬
‫ثم الْتفت فهي أمان ٌة»‪.‬‬
‫قال يف «تحفة األحوذي»(‪:)4‬‬
‫وشماال احتيا ًطا‬
‫ً‬ ‫«ثم الْتفت» أي‪ :‬يمينًا‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪.)٢48٢‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)34‬مسلم» (‪.)58‬‬
‫(‪« )3‬مسند أحمد» (‪« ،)14514‬سنن أبي داود» (‪« ،)4868‬سنن الرتمذي» (‪ ،)1959‬وحسنه األلباين‬
‫‪ ‬يف «صحيح الجامع» (‪.)486‬‬
‫(‪« )4‬تحفة األحوذي» (‪.)79/6‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«فهي» أي‪ :‬ذلك الحديث وأنث باعتبار خربه‪،‬‬


‫وقيل ألن الحديث بمعنى الحكاية‪،‬‬
‫وقيل أي‪ :‬الكلمة التي حدث هبا «أمان ٌة» أي‪ :‬عند من حدثه‪ ،‬أي حكمه حكم‬
‫األمانة فيجب عليه كتمه‪.‬‬
‫قال ابن رسالن‪:‬‬
‫ألن التفاته إعالم لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه‬
‫قائما مقام اكتم هذا عني‪ ،‬أي‪ :‬خذه عني واكتمه وهو عندك‬
‫سره‪ ،‬فكان االلتفات ً‬
‫أمانة» اهـ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية عشرة‬


‫نقص الدين وعدم القيام بشرائع اإلسالم‬
‫على الوجه املطلوب‬

‫‪ ‬كثير من الناس ال يستطيع القيام ببعض أركان الدين يف أيام الفتن‪ ،‬فقد ال‬
‫يستطيع السفر للحج‪ ،‬أو صيام رمضان‪ ،‬وال يستطيع القيام بكثير من الواجبات‬
‫والمستحبات يف ظل هذه الفتن والمتغيرات‪ ،‬من الخروج‪ ،‬والمظاهرات‪،‬‬
‫والصـراعات‪ ،‬والحروب‪ ،‬وخروج الناس من بلداهنم وبيوهتم‪...‬‬
‫ِ‬
‫‪ ‬فالفتن من أعظم المؤ ِّثرات على الدِّ ين‪ ،‬وهي ال تعرف سنا وال ً‬
‫جنسا وال‬
‫محص القلوب و ُتظ ِهر ما فيها من صدق أو ريب‪ ،‬فتتعرض لكل قلب‬
‫بلدً ا‪ ،‬وهي ُت ِّ‬
‫فيسقط فيها أقوام وينجو آخرون‪،‬‬
‫ي ق ْلب أ ْشربها‬
‫‪« :‬ت ْعرض الْفتن على الْقلوب كالْحصير عودا عودا‪ ،‬فأ ُّ‬ ‫قال‬
‫ي ق ْلب أنْكرها نكت فيه نكْت ٌة ب ْيضاء‪ ،‬حتى تصير على‬
‫نكت فيه نكْت ٌة س ْوداء‪ ،‬وأ ُّ‬
‫ق ْلب ْين‪ ،‬على أ ْبيض مثْل الصفا فال تضـ ُّره فتْن ٌة ما دامت السماوات و ْاأل ْرض‪ ،‬و ْاآلخر‬
‫أ ْسود م ْربادا كالْكوز‪ ،‬مجخِّ يا ال ي ْعرف م ْعروفا‪ ،‬وال ينْكر منْكرا‪ ،‬إال ما أ ْشرب م ْن‬
‫هواه»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )144‬عن حذيفة ‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪« :‬بادروا ب ْاأل ْعمال فتنا كقطع الل ْيل الْمظْلم‪ ،‬ي ْصبح الرجل م ْؤمنا‬ ‫وقال‬
‫وي ْمسي كافرا‪ ،‬أ ْو ي ْمسي م ْؤمنا وي ْصبح كافرا‪ ،‬يبيع دينه بعرض من الدُّ نْيا»(‪.)1‬‬
‫‪« :‬بادروا ب ْاأل ْعمال فتنا»‪ :‬أي سابقوا وسارعوا بأعمالكم الصالحة قبل‬ ‫قوله‬
‫مجيء الفتن التي تمنعكم منها وتصدكم عنها‪.‬‬
‫‪ ‬والفتن‪ :‬هي االبتالء واالختبار بالمحن‪ ،‬والمنكرات والشدائد‪ ،‬التي تحول‬
‫بين العبد وبين العمل الصالح‪.‬‬
‫‪ ‬وهي قسمان‪:‬‬
‫* فتن شبهات‪ :‬وعالجها العلم‪.‬‬
‫* وفتن شهوات‪ :‬وعالجها اإليمان والصرب‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬كقطع الليْل الْمظْلم»‪:‬‬
‫هذا تشبيه للفتن بأجزاء الليل المظلمة الشديدة يف سوادها وظلمتها؛ ألن‬
‫وصف الليل بالمظلم تأكيد لهذه الشدة‪ ،‬ويف هذا كناية عن شدة الفتن‪ ،‬وانبهامها‬
‫وعظم الخوف منها‪ ،‬وضعف الوصول للحق فيها‪ ،‬وكثرة الوقوع يف الباطل‪ ،‬واهلل‬

‫المستعان‪ ،‬وهذا يف غاية التشبيه كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬

‫ﭻ ﭼﭽ ﮊ [يونس‪.]٢7:‬‬
‫وقوله‪« :‬وي ْمسي كافرا»‪:‬‬
‫يحتمل كفر النعمة‪ ،‬ويحتمل الكفر الحقيقي‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )118‬عن أبي هريرة ‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫مرج ًحا الكفر الحقيقي(‪:)1‬‬


‫قال القرطبي ‪ّ ‬‬
‫« وال إحالة وال بعد يف حمل هذا الحديث على ظاهره؛ ألن المحن والشدائد‬
‫إذا توالت على القلوب أفسدهتا بغلبتها عليها‪ ،‬وبما تؤثر فيها من القسوة والغفلة‬
‫التي هي سبب الشقوة» اهـ‬
‫وقوله‪« :‬يبيع دينه بعرض من الدُّ نْيا»‪:‬‬
‫جملة تعليلية لتحوله إلى الكفر‪ ،‬و َع َرض الدنيا ما ُيعرض فيها وكل ما يف الدنيا‬
‫وسمي بذلك ألنه يعرض ويزول إما أن تزول أنت قبله أو هو يزول‬
‫ّ‬ ‫فهو عرض‪،‬‬

‫قبلك‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﮊ [األنفال‪.]67:‬‬

‫(‪« )1‬المفهم» (‪.)3٢6/1‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة عشرة‬


‫سفك الدماء وقتل األنفس املعصومة‬

‫‪ ‬إن المتأمل يف المفاسد التي أحدثتها ثورات الربيع العربي يجد ما يفوق‬
‫الوصف‪،‬‬
‫ومن كربيات هذه المفاسد جريمة سفك الدماء وقتل األنفس المعصومة‪،‬‬
‫فقد قتل وجرح يف ثورات الربيع العربي خالل الفرتة من (‪٢٠11‬م) إلى‬
‫(‪٢٠14‬م) ما يزيد على مليون ونصف مسلم ومسلمة(‪!!)1‬‬
‫بل بلغ الحال ببعض الثوار أن قتل نفسه بإحراق جثته أمام الناس‪،‬‬
‫وال شك أن قتل األنفس المعصومة كبيرة من كبائر الذنوب‬
‫بنص القرآن والسنة وإجماع األمة‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬

‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ [النساء]‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬منشور للدكتور سعيد بن سالم الدرمكي (حصاد ثورات الربيع العربي المر)‪ ،‬ونشرت‬
‫صحيفة المدينة يف تاريخ ‪٢٠17/6/14‬م هذه الخسائر يف الربيع العربي‪ ،‬واستند التقرير‬
‫المذكور يف الصحيفة على بيانات صادرة من عدة منظمات دولية‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪« :‬فإن دماءك ْم وأ ْموالك ْم وأ ْعراضك ْم عليْك ْم حرا ٌم‪ ،‬كح ْرمة ي ْومك ْم‬ ‫وقال‬
‫هذا‪ ،‬في بلدك ْم هذا‪ ،‬في ش ْهرك ْم هذا»( ‪.)1‬‬

‫الماوردي‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬والعمراين‪ ،‬والمرغيناين‪ ،‬وابن قدامة‪ ،‬والقرايف‪،‬‬


‫والزيلعي‪ ،‬وابن مفلح‪ ،‬والبهويت‪ ،‬وابن قاسم وغيرهم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)7٠78‬مسلم» (‪ )1679‬عن أبي بكرة ‪.‬‬
‫(‪« )2‬الحاوي» (‪« ،)6/1٢‬مراتب اإلجماع» (ص‪« ،)137:‬البيان» (‪ ٢95/11‬و‪« ،)٢97‬الهداية‬
‫شرح البداية» (‪« ،)44٢/4‬المغني» (‪« ،)٢59/8‬الذخيرة» (‪« ،)3/1٠‬تبيين الحقائق»‬
‫(‪« ،)98/6‬المبدع» (‪« ،)19٠/7‬دقائق أولي النهى يف شرح المنتهى» (‪« ،)٢53/3‬حاشية‬
‫الروض المربع» (‪.)164/7‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة عشرة‪:‬‬


‫ترميل النساء‬
‫املفسدة اخلامسة عشرة‪:‬‬
‫تيتيم األوالد‬
‫املفسدة السادسة عشرة‪:‬‬
‫حتزين الوالدين واألقربني‬
‫‪ ‬إن مما ال يشك فيه عاقل أن المظاهرات والثورات من أسباب القتل‬
‫والقتال وسفك الدماء كما تقدم‪،‬‬
‫وما حصل يف الوطن العربي الذي حصل فيه الربيع العربي خير شاهد على‬
‫القتل والقتال الذي نتج عنه‪:‬‬
‫‪ o‬ترميل النساء‪،‬‬
‫‪ o‬وتيتيم األوالد‪،‬‬
‫‪ o‬وتحزين الوالدين واألقربين وغيرهم‪.‬‬
‫‪ ‬فإن من مقاصد الشيطان إدخال الحزن على المؤمنين‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ [المجادلة]‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال العالمة ابن عثيمين ‪:)1(‬‬


‫«إن الشيطان قد يسلط على المرء يف إدخال األحزان عليه وإدخال التحسر‬
‫عليه وتشتيته يف أمور ال أصل لها وتخيله أمو ًرا ال حقيقة لها‪ ،‬كل ذلك من أجل‬
‫إدخال الحزن على اإلنسان» اهـ‬
‫‪ ‬ومن مقاصد أولياء الشيطان إدخال الحزن كذلك على المؤمنين‪،‬‬

‫قال تعالى فيهم‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﭼ [آل عمران]‪،‬‬


‫أي‪ :‬يتمنون لكم العنت والمشقة والتعب والحزن والنكد‪.‬‬
‫قال العالمة ابن عثيمين ‪:)2(‬‬
‫إدخال الحزن على أخيك المسلم حرام؛ ألن الحزن إيذاء وإيذاء المسلم‬
‫حرام‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ [األحزاب]‪ .‬اهـ‬
‫‪ ‬واألمر الذي ندب إليه الشرع هو إدخال السرور على عباد اهلل المؤمنين‪،‬‬
‫ب ْاأل ْعمال إلى اهلل سرو ٌر تدْ خله على م ْسلم‪.)3 (»...‬‬
‫‪...« :‬وأح ُّ‬ ‫قال‬

‫(‪« )1‬فتح ذي الجالل واإلكرام بشرح بلوغ المرام» (‪.)٢35/6‬‬


‫(‪« )2‬فتح ذي الجالل واإلكرام بشرح بلوغ المرام» (‪.)٢5٠/6‬‬
‫(‪ )3‬حسن رواه الطرباين يف «المعجم األوسط» (‪ )6٠٢6‬عن ابن عمر ‪ ،‬وحسنه األلباين يف‬
‫«صحيح الرتغيب» (‪ ،)٢6٢3‬و«صحيح الجامع» (‪.)176‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة عشرة‬


‫استباحة أموال املسلمني وغريهم بغري وجه حق‬
‫‪ ‬وهذه كبيرة من كبائر الذنوب بنص القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [البقرة‪.]188:‬‬
‫‪« :‬فإن دماءك ْم وأ ْموالك ْم وأ ْعراضك ْم عل ْيك ْم حرا ٌم‪.)1(»...‬‬ ‫وقال‬
‫وقد نقل القرطبي ‪ :‬اإلجماع( ‪ )2‬على تحريم أكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫‪ ‬فالمظاهرات واالعتصامات الهمجية ال شك أهنا هتلك الحرث والنسل‪،‬‬
‫وتأكل األخضر واليابس‪ ،‬وتدمر األموال والممتلكات والمنشآت‪ ،‬ويحصل‬
‫بسببها السلب والنهب والسـرقة‪ ،‬وقطع الطريق‪ ،‬وأخذ أموال الناس بالباطل‬
‫بجميع الوجوه‪،‬‬
‫‪ ‬حيث قد بلغت األموال المنهوبة يف الربيع العربي من (‪٢٠11‬م) إلى‬
‫(‪٢٠14‬م) ما يزيد على (‪ )834‬مليار دوالر تقريبًا(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬تقدم تخريجه‪.‬‬


‫(‪« )2‬تفسير القرطبي» (‪« ،)341/٢‬الكبائر» للذهبي الكبيرة رقم (‪.)٢8‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬منشور للدكتور سعيد بن سالم ا لدرمكي (حصاد ثورات الربيع العربي المر)‪ ،‬ونشرت صحيفة‬
‫المدينة يف تاريخ ‪٢٠17/6/14‬م هذه الخسائر يف الربيع العربي‪ ،‬واستند التقرير المذكور يف‬
‫الصحيفة على بي انات صادرة من عدة منظمات دولية‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثامنة عشرة‬


‫انتهاك احملارم واألعراض‬
‫‪ ‬إن انتهاك األعراض ومنها الزنا كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬بالكتاب‪ ،‬والسنة‪،‬‬
‫وإجماع األمة‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ[اإلسراء]‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وقال‬
‫«فإن دماءك ْم وأ ْموالك ْم وأ ْعراضك ْم عل ْيك ْم حرا ٌم‪.)1(»...‬‬
‫قال ابن بطال‪:‬‬
‫«أجمعت األمة على أن الزنا من الكبائر»( ‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬تقدم تخريجه‪.‬‬


‫(‪« )2‬شرح صحيح البخاري» (‪ .)4٢9/8‬وممن نقل اإلجماع كذلك‪ :‬ابن المنذر يف «اإلجماع» ص‬
‫(‪ ،)11٢‬والماوردي يف «الحاوي الكبير» (‪ ،)٢٢٠/13‬وابن قدامة يف «المغني» (‪ ،)٢1/9‬وأبو‬
‫الربكات ابن تيمية يف «المحرر يف الفقه» (‪ ،)167/٢‬والقرطبي يف «تفسيره» (‪،)٢53/1٠‬‬
‫والنووي يف «روضة الطالبين» (‪ ،)667/1‬والقرايف يف «الذخيرة» (‪ ،)47/1٢‬والفاكهاين كما نقله‬
‫عنه النفراوي يف «الفواكه الدواين» (‪ ،)٢٠5/٢‬وابن رجب يف «جامع العلوم والحكم» ص‬
‫(‪ ،)44٢‬وابن الهمام يف «فتح القدير» (‪ ،)٢57/5‬وزكريا األنصاري يف «أسنى المطالب»‬
‫(‪ ،) 1٢5/4‬وابن حجر الهيتمي يف «الزواجر عن اقرتاف الكبائر» (‪ ،)٢٢4/٢‬والرملي يف «تحفة‬
‫المحتاج» (‪ ،)4٢٢/7‬والمناوي يف «فيض القدير» (‪ ،)3٢9/5‬والبهويت يف «دقائق أولي النهى»‬
‫=‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬وال يشك عاقل أن هذه الجريمة تزداد بسبب الثورات‪ ،‬وما ينتج عنها من‬
‫حروب وذهاب لألمن واألمان‪ ،‬وخروج األمور من يد الحاكم والمحكوم‪ ،‬ويبقى‬
‫الناس يف أمر مريج‪ ،‬وعندها تنتهك األعراض الشريفة يف كل مكان‪ ،‬يف البيوت‪ ،‬أو‬
‫يف الطرقات‪ ،‬أو يف األسواق‪ ،‬أو يف الفيايف والقفار‪ ،‬أو يف المالجئ‪ ،‬أو يف السجون‪،‬‬
‫أو عند الهجرة والخروج من البالد واألوطان أو غير ذلك‪ ،‬وال يخفاكم ما حصل‬
‫للمسلمات العراقيات حين حصلت الحروب والفتن يف بالدهم‪ ،‬وكانوا قبل ذلك‬
‫يف أمن وأمان وعزة واطمئنان‪.‬‬

‫=‬
‫(‪ ،)343/3‬والخرشي يف «شرح مختصـر خليل» (‪ ،)75/8‬وابن قاسم يف «حاشية الروض‬
‫المربع» (‪ ،) 31٢/7‬وحكى اإلجماع على هذه المسألة جمع من أهل العلم يطول استقصاؤهم‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التاسعة عشرة‬


‫ذهاب العقول‬
‫‪ ‬ال شك أن العقول تطيش يف الفتن‪ ،‬والفتن تدع الحليم حيرانًا‪،‬‬
‫ومصداق ذلك ما ثبت عن أبي موسى األشعري ‪ ‬قال‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫حدثنا رسول اهلل‬
‫«إن بيْن يدي الساعة له ْرجا»‪ ،‬قال‪ :‬ق ْلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما الْه ْرج؟ قال‪:‬‬
‫«الْقتْل»‪ ،‬فقال ب ْعض الْم ْسلمين‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنا ن ْقتل ْاآلن في الْعام الْواحد من‬
‫‪« :‬ليْس بقتْل الْم ْشركين‪ ،‬ولك ْن ي ْقتل‬ ‫الْم ْشركين كذا وكذا‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫ب ْعضك ْم ب ْعضا‪ ،‬حتى ي ْقتل الرجل جاره‪ ،‬وا ْبن ع ِّمه وذا قرابته»‪ ،‬فقال ب ْعض الْق ْوم‪ :‬يا‬
‫‪« :‬ال‪ ،‬تنْزع عقول أكْثر‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬ومعنا عقولنا ذلك الْي ْوم؟ فقال رسول اهلل‬
‫ذلك الزمان‪ ،‬ويخْ لف له هبا ٌء من الناس ال عقول له ْم»(‪.)1‬‬
‫‪ ‬فهذه الضروريات الخمس‪:‬‬
‫تضررت بالخروج على والة أمور المسلمين‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والمال‪ ،‬والعرض‪ ،‬والعقل‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)19636‬و«ابن ماجه» (‪ ،)3959‬وصححه األلباين يف «السلسلة‬


‫الصحيحة» (‪.)168٢‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬وقد جاء اإلسالم‪:‬‬


‫✓ بحفظ هذه الكل ّيات الخمس‪،‬‬
‫وح َمى ِحماها‪،‬‬
‫✓ وأوجب حفظها َ‬
‫✓ َو َحدَّ الحدود وشرع التعزيرات للحيلولة دون النيل منها‪،‬‬
‫‪ ‬بكل هذه الحقوق جاءت الشريعة‪:‬‬
‫✓ وعنها دافع اإلسالم‪،‬‬
‫✓ وألجلها أوجب فعل الواجبات َو ُحت َِّم االنتهاء عن المنهيات‪،‬‬
‫‪َ ‬ومِ ْن َث َّم فإنه ال ُم َس ِّو َغ بل وال مجال للتفريق بينها يف اهتمام المك َّلفين‪،‬‬
‫✓ بل ال بد من حمايتها كلها على َحدٍّ سواء‪،‬‬
‫أي منها ومحاربته ومنعه واألخذ على يده‬ ‫ٍ‬
‫✓ وتأثيم كل ُم ْعتَد على ٍّ‬
‫وصدِّ ه‪.‬‬
‫َ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة العشرون‬
‫زعزعة األمن واختالله‬
‫‪ ‬لقد امتن اهلل على قريش باألمن‪،‬‬
‫فقال تعالى‪ :‬ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ [قريش]‪.‬‬
‫‪ ‬واألمن ركن من أركان النعيم يف الجنة‪،‬‬

‫كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ [الدخان]‪،‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ [سبأ]‪.‬‬


‫‪ ‬فاألمن‪:‬‬
‫✓ ليس طعا ًما يجاوزه َمن ال يشتهيه إلى ما يشتهيه‪.‬‬
‫لباسا ينزعه العبد ليستبدل به غيره من اللباس‪،‬‬
‫✓ وليس ً‬
‫فإنه واهلل إن انتُزع فال لباس يخلفه إال لباس الجوع والخوف‪.‬‬
‫‪ ‬فاألمن من أعظم النعم‪ .‬واختالل األمن‪:‬‬
‫يعرض حياة الناس للخطر‪.‬‬
‫✓ ّ‬
‫✓ وأموالهم للنهب‪.‬‬
‫✓ وأعراضهم للهتك‪.‬‬
‫✓ ويم ِّكن للعصابات وللمجرمين العابثين من رقاب العباد وأموالهم‬
‫وأعراضهم‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫✓ فال أقسام شرطة يف البالد‪.‬‬


‫✓ وال مراكز أمن لضبط المفسدين‪.‬‬
‫✓ وال سجون للمجرمين‪.‬‬
‫✓ وال يستطيع المسافر أن يسافر‪ ،‬وال التاجر أن يتاجر‪،...‬‬
‫وهذه من أعظم مفاسد المظاهرات والثورات‪.‬‬
‫‪ ‬فزعزعة األمن واختالله‪ ،‬وانتشار الفوضى يف أوساط المسلمين‪ ،‬وفقدان‬
‫وطمت‬
‫ّ‬ ‫عمت‬
‫األمان يف األوطان من أعظم الباليا والرزايا والمصائب التي ّ‬
‫يسمى بالربيع العربي‪ ،‬فإنه‬
‫وغربت يف بالد المسلمين التي حصل فيها ما ّ‬
‫وشرقت ّ‬
‫ّ‬
‫واهلل وباهلل وتاهلل ال طعم للحياة مع الخوف‪ ،‬وال لذة للحياة مع القلق وعدم‬
‫االستقرار‪.‬‬
‫‪ ‬حتى إن بعض المتظاهرين ذاقوا مرارة هذه المظاهرات وهذه الثورات‪،‬‬
‫وتمنّوا من صميم قلوهبم أن يحكم البالد كافر من الكفار حتى يعيد األمن للبالد‬
‫والعباد كما كان قبل هذه الثورات والمظاهرات‪ ،‬وهذا قد حصل والعياذ باهلل‪،‬‬

‫وال يعرف فضل النعمة إال من ُح ِر َم منها‪ ،‬وال يعرف فضل األمن إال من َ‬
‫اكتوى‬
‫بنار الخوف والرعب والفوضى والتشـريد وال ُغربة‪:‬‬
‫‪ o‬اسألوا ال ُقرى من حولِكم‪.‬‬
‫‪ o‬اسألوا الغريب عن وطنه‪.‬‬
‫المشرد عن أهله‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ o‬واسألوا‬
‫‪ o‬واسألوا الالجئ عند اآلخرين‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وأنتم تشاهدون ما تنقله إليكم وسائل اإلعالم وما ح َّل يف بالد المسلمين التي‬
‫وزورا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ظلما‬
‫يسمى بالربيع العربي ً‬
‫حصل فيها ما ّ‬
‫✓ إهنا بالد تجتاحها فتن وحروب‪.‬‬
‫✓ ومجاعات وقالقل‪.‬‬
‫✓ يحيط هبم الخوف والجوع‪.‬‬
‫✓ واليأس والقلق‪.‬‬
‫✓ سلب وهنب‪ ،‬يف فوضى عارمة‪.‬‬
‫✓ وغابة م ِ‬
‫وحشة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫✓ دماء ُتراق‪.‬‬
‫✓ ورقاب إلى الموت ُتساق‪ ،‬يف أعمال نكراء‪.‬‬
‫✓ وفتن عمياء؛ بسبب ذهاب األمن وغياب ولي األمر الذي غ ّيبته‬
‫المظاهرات والثورات واالعتصامات‪ ،‬فهذا الحريق العربي وليس‬
‫الربيع العربي‪.‬‬
‫‪ ‬فيا أيها المسلمون‪:‬‬
‫حافظوا على أمن البالد والعباد بالتمسك بالكتاب والسنة وطاعة ولي األمر يف‬
‫غير معصية اهلل‪،‬‬
‫وحل الخوف؛ تو ّلدت الفتن‪ ،‬وتش ّعبت اآلراء‪،‬‬
‫فو اهلل ثم واهلل إذا ُرفع األمن‪َّ ،‬‬
‫وعظم االفرتاق‪ ،‬وأعجب كل ذي رأي برأيه‪ ،‬حتى يكون الخالف والصـراع يف‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫البيت الواحد‪ ،‬ويعادي األخ أخاه ويقاتله بسبب قناعة كل واحد منهما بفكر‬
‫يعارض فكر اآلخر‪ ،‬ومنهج يفارق منهج اآلخر‪ ،‬ومعتقد يفارق معتقد اآلخر‪.‬‬
‫كما ابتلي بذلك التابعي المحدّ ث الجليل سالم بن أبي الجعد ‪ ‬تعالى‬
‫إذ كان له ستة بنين‪:‬‬
‫✓ فاثنان شيعيان‪،‬‬
‫✓ واثنان مرجئان‪،‬‬
‫✓ واثنان خارجيان‪،‬‬
‫فكان أبوهم ـ وهو من أهل السنة ـ يقول‪ :‬قد خالف اهلل بينكم(‪.)1‬‬
‫‪ ‬وإذا ما وقع االفرتاق‪ ،‬واشتعلت الفتن‪:‬‬
‫اندرس الدين‪ ،‬وتعطلت الحدود‪ ،‬واختلط األمر‪ ،‬وانتهكت األعراض‪،‬‬
‫فيم ُقتل‪ ،‬وال يدري‬
‫وانتهبت األموال‪ ،‬وسفكت الدماء؛ حتى ُيقتل الرجل ال يدري َ‬
‫فيم قتله‪ ،‬وحينها «يمر الرجل بقبْر الرجل فيقول‪ :‬يا ليْتني مكانه» كما صح‬
‫قاتله َ‬
‫( ‪.)2‬‬ ‫ذلك عن رسول اهلل‬
‫قال عثمان بن حيان ‪ ‬ـ وكان واليًا على المدينة ـ للوليد بن عبدالملك‬
‫شعارا قط مثل األمن‪ ،‬وال رأينا ِح ْل ًسا قط شرا‬
‫ً‬ ‫‪« :‬أيها الناس‪ ،‬واهلل ما رأينا‬
‫من الخوف‪ ،‬فالزموا الطاعة‪ ،‬فإن عندي يا أهل المدينة خربة من الخالف‪ ،‬واهلل ما‬

‫(‪« )1‬سير أعالم النبالء» (‪.)1٠9/5‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه عن أبي هريرة ‪« ‬البخاري» (‪« ،)7115‬مسلم» (‪.)157‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫عضوا على النواجذ‪ ...‬فإن‬


‫أنتم بأصحاب قتال‪ ،‬فكونوا من أحالس بيوتكم‪ ،‬و ّ‬
‫األمر إنما ُينقض شيئًا شيئًا حتى تكون الفتنة‪ ،‬وإن الفتنة من البالء‪ ،‬والفتن تذهب‬
‫بالدِّ ين وبالمال والولد(‪ »)1‬اهـ‬

‫(‪« )1‬تاريخ دمشق» (‪.)344/38‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية والعشرون‪:‬‬


‫إخافة املسلمني وترويعهم‬
‫‪ ‬ال شك أن يف المظاهرات واالعتصامات وما يتبعها من حرق إلطارات‬
‫السيارات واالعتداء على المحالت والمنشآت الحيوية ورمي السيارات بالحجارة‬
‫وغير ذلك فيه ترويع للمسلمين‪ ،‬وترويع المسلمين حرام بكل حال‪ ،‬يف الجد‬
‫والهزل‪.‬‬
‫قال المناوي ‪:)1(‬‬
‫«ترويع المسلم حرام شديد التحريم» اهـ‬
‫وقد عدَّ ه بعض أهل العلم يف الكبائر‪ ،‬كابن حجر الهيتمي ‪ ‬يف كتابه‬
‫«الزواجر عن اقرتاف الكبائر» وغيره‪،‬‬
‫‪« :‬م ْن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الْمالئكة ت ْلعنه حتى يدعه وإ ْن‬ ‫وقد قال‬
‫كان أخاه ألبيه وأ ِّمه»(‪.)2‬‬
‫قال النووي ‪ ‬يف شرح هذا الحديث(‪:)3‬‬

‫(‪« )1‬فيض القدير» (‪.)٢11/6‬‬


‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪ )٢616‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪« )3‬شرح النووي على صحيح مسلم» (‪.)17٠/16‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما‬
‫‪« :‬وإ ْن كان أخاه ألبيه وأ ِّمه» مبالغة يف إيضاح عموم النهي يف‬ ‫قد يؤذيه‪ .‬وقوله‬
‫كل أحد‪ ،‬سواء من يتهم فيه ومن ال يتهم‪ ،‬وسواء كان هذا ً‬
‫هزال ولعبًا أم ال؛ ألن‬
‫ترويع المسلم حرام بكل حال» اهـ‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‪:‬‬
‫‪ ،‬فنام رجل‬ ‫‪ ،‬أهنم كانوا يسيرون مع النبي‬ ‫حدَّ ثنا أصحاب محمد‬
‫‪:‬‬ ‫ففزع‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫َ‬ ‫بعض ُهم إلى َح ْب ٍل معه فأخذه‪،‬‬
‫فانطلق ُ‬
‫َ‬ ‫منهم‪،‬‬
‫«ال يح ُّل لمسلم أن ير ِّوع م ْسلما»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)٢3٠64‬و«أبو داود» (‪ ،)5٠٠4‬وصححه الشيخ األلباين ‪ ‬يف‬
‫«صحيح الرتغيب» (‪ ،)٢8٠5‬و«صحيح الجامع» (‪ ،)7658‬وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف‬
‫«الصحيح المسند» (‪.)1456‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية والعشرون‬


‫القلق وذهاب الطمأنينة والسكينة والراحة‬
‫من قلوب الناس يف الصالة وغريها‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫كثرة الفتن والمحن يف البالد والعباد‪ ،‬والتي تجلب بدورها القلق والخوف‬
‫واالنزعاج واألرق والتشنج المستمر‪ ،‬وتذهب بالطمأنينة والسكينة والراحة من‬
‫القلب يف النوم ويف اليقظة‪ ،‬يف الليل ويف النهار‪ ،‬يف الصالة وغيرها‪،‬‬
‫‪ ‬وال شك أن أسباب القلق كثيرة‪:‬‬
‫‪ o‬منها‪ :‬الخوف من الموت بسبب الحروب والصراعات الموجودة يف بلده‪،‬‬
‫فإنه يخاف على نفسه وعلى أهله وماله يف كل لحظة‪ ،‬وكذلك الخوف على رزقه‬
‫ودخله وقوته وقوت أوالده‪.‬‬
‫‪ o‬وهكذا من أسباب القلق‪ :‬كثرة المصائب التي تحيط بالمؤمن من كل‬
‫جانب‪ ،‬من موت قريب‪ ،‬أو خسارة مالية‪ ،‬أو مرض عضال‪ ،‬أو حادث‪ ،‬أو غير ذلك‬
‫من الفتن‪،‬‬
‫ولو أن اإلنسان توكل على اهلل حق التوكل ورضي بالقضاء والقدر وحافظ‬
‫على دينه واستقامته يف خضم الفتن لعاش مطمئنًا بعيدً ا عن القلق‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫البن عباس ‪« :‬يا غالم إ ِّني أع ِّلمك كلمات‪ْ ،‬‬


‫احفظ اهلل‬ ‫قال‬
‫استع ْن‬
‫استعنْت ف ْ‬
‫اسأل اهلل‪ ،‬وإذا ْ‬ ‫ي ْحفظْك‪ْ ،‬‬
‫احفظ اهلل تجدْ ه تجاهك‪ ،‬إذا سألْت ف ْ‬
‫ت على أ ْن ينْفعوك بش ْيء ل ْم ينْفعوك إال بش ْيء قدْ‬
‫اجتمع ْ‬
‫باهلل‪ ،‬وا ْعل ْم أن األمة ل ْو ْ‬
‫اجتمعوا على أ ْن يض ُّروك بش ْيء ل ْم يض ُّروك إال بش ْيء قدْ كتبه اهلل‬
‫كتبه اهلل لك‪ ،‬ول ْو ْ‬
‫الصحف»( ‪.)1‬‬
‫ت ُّ‬‫عل ْيك‪ ،‬رفعت األ ْقالم وجف ْ‬
‫‪ ‬فالمؤمن يف هذه الفتن والصراعات والحروب يحتاج لزيادة إيمانه وثقته‬
‫بربه تعالى وكثرة دعائه وصالته‪ ،‬فإذا فعل ذلك كان القلق أبعد ما يكون عنه‪،‬‬
‫وانشـراح الصدر والقلب بالطاعات له أعظم األثر على النفس يف طردها لكثير من‬
‫األمراض النفسية‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ‬

‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ [النحل]‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وقال رسول اهلل‬
‫«عجبا أل ْمر الْم ْؤمن‪ ،‬إن أ ْمره كله خيْ ٌر‪ ،‬وليْس ذاك ألحد إال ل ْلم ْؤمن‪ ،‬إ ْن أصابتْه‬
‫سراء شكر‪ ،‬فكان خ ْيرا له‪ ،‬وإ ْن أصابتْه ضراء صبر‪ ،‬فكان خ ْيرا له»(‪.)2‬‬
‫‪ ‬فال ينبغي للمسلم أن تكون الدنيا هي أكرب همه‪ ،‬وال يجعل للقلق على‬
‫ً‬
‫مجاال للوصول إلى قلبه وعقله‪ ،‬وإال زاد ذلك من مرضه وقلقه‪.‬‬ ‫رزقه‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)٢669‬و«الرتمذي» (‪ ،)٢516‬وصححه األلباين‪ ‬يف «المشكاة»‬


‫(‪ ،)53٠٢‬وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف «الصحيح المسند» (‪.)685‬‬
‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪ )٢999‬عن صهيب ‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪« :‬م ْن كانت اآلخرة همه جعل اهلل غناه في ق ْلبه وجمع له ش ْمله‪،‬‬ ‫قال النبي‬
‫وأتتْه الدُّ نْيا وهي راغمةٌ‪ ،‬وم ْن كانت الدُّ ْنيا همه جعل اهلل ف ْقره ب ْين ع ْين ْيه‪ ،‬وفرق عل ْيه‬
‫ش ْمله‪ ،‬ول ْم يأْته من الدُّ نْيا إال ما قدِّ ر له»(‪.)1‬‬
‫قال ابن القيم‪:)2 (‬‬
‫تحمل اهلل عنه سبحانه‬
‫«إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إال اهلل وحده ّ‬
‫وفرغ قلبه لمحبته‪ ،‬ولسانه لذكره‪،‬‬
‫حوائجه كلها‪ ،‬وحمل عنه كل ما أهمه‪ّ ،‬‬
‫حمله اهلل همومها وغمومها‬
‫وجوارحه لطاعته‪ ،‬وإن أصبح وأمسى والدنيا همه ّ‬
‫وأنكادها وو َك َله إلى نفسه‪ ،‬فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق‪ ،‬ولسانه عن ذكره‬
‫بذكرهم‪ ،‬وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم‪ ،‬فهو يكدح كدح الوحوش يف‬
‫خدمة غيره‪ ...‬فكل من أعرض عن عبودية اهلل وطاعته ومحبته بُلِ َي بعبودية‬
‫المخلوق ومحبته وخدمته‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ [الزخرف]‪ .‬اهـ‬
‫قلت‪:‬‬
‫‪« :‬إن ر ْوح الْقدس نفث في روعي‪:‬‬ ‫وقد قال‬
‫أن ن ْفسا ل ْن تموت حتى ت ْستكْمل أجلها وت ْست ْوعب رزْقها»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «الرتمذي» (‪ )٢389‬عن أنس ‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة‬
‫الصحيحة» (‪ ،)95٠-949‬و«صحيح الجامع» (‪.)651٠‬‬
‫(‪« )2‬الفوائد» ص (‪.)84‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫مؤكِّد‪ :‬أنه لن‬


‫مؤكَّدة بأكثر من َ‬
‫ففي هذا الحديث الشريف‪ :‬ضمانات نبوية َ‬
‫تموت نفس حتى تستويف رزقها وأجلها‪ ،‬فاتقوا اهلل ربكم حق تقواه‪ ،‬وع ّظموه‬
‫أحسن تعظيم‪ ،‬وأج ّلوه أكرب إجالل‪ ،‬وطمئنوا أنفسكم وأريحوها بأن الرزق من عند‬
‫اهلل ربكم ال من غيره‪ ،‬وأن ما كُتب لكم منه آت‪ ،‬لن يضيع منه دينار وال درهم وال‬
‫أقل‪.‬‬
‫✓ أعاش أجدادكم من غير رزق؟‬
‫ال‪ ،‬واهلل‪.‬‬
‫✓ أعاش آباؤكم من غير رزق؟‬
‫ال‪ ،‬واهلل‪.‬‬
‫✓ أفتعيشون بعدهم من غير رزق؟‬
‫ال‪ ،‬واهلل‪.‬‬

‫قال اهلل ‪ :‬ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﮊ‬


‫[الروم‪.]4٠:‬‬

‫وقال ‪ : ‬ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ [العنكبوت‪.]17:‬‬


‫‪ ‬أال فلتهدأ النفوس‪ ،‬ولتربد األكباد‪ ،‬ولتطب الخواطر‪ ،‬فإنه ما من دابة يف‬
‫األرض وال يف السماء إال على اهلل رزقها‪ ،‬وعليه هدايتها إلى أسباب الرزق‪ ،‬وعليه‬

‫=‬
‫(‪ )1‬صحيح رواه أبو نعيم يف «حلية األولياء» (‪ )٢6/1٠‬عن أبي أمامه‪ ،‬وصححه األلباين يف‬
‫«صحيح الجامع» (‪ ،)٢٠85‬و«المشكاة» (‪.)53٠٠‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫إعانتها يف تحصيله‪ ،‬وال تخافوا من الفقر يف المستقبل‪ ،‬ال على النفس‪ ،‬وال على‬
‫األهل والعيال‪ ،‬حتى ولو أرهف أهل االقتصاد والسياسة واإلعالم بضعف‬
‫االقتصاد‪ ،‬وغالء األسعار‪ ،‬وقلة الوظائف‪ ،‬وانخفاض الرواتب‪ ،‬وتزايد البطالة‪،‬‬
‫وارتفاع نسبة الفقر‪ ،‬وذلك ألن أرزاق العباد مكتوبة‪ ،‬ولن يعيش أحد إال برزق‬
‫كامال غير منقوص‪.‬‬
‫يقتات منه شاء أم أبى‪ ،‬ولن يغادر الدنيا إال وقد أخذ رزقه ً‬
‫✓ وإن كنتم خائفين فال تخافوا من الفقر‪،‬‬
‫✓ وإن كنتم يف قلق فال تقلقوا من الفقر‪،‬‬
‫‪ ‬ولكن خافوا واخشوا من الدنيا أن تبسط عليكم فتنافسوها فتلتهوا هبا‬
‫ألصحابه ‪:‬‬ ‫وهتلكوا فقد قال النبي‬
‫«فأبْشـروا وأ ِّملوا ما يس ُّرك ْم‪ ،‬فواهلل ال الف ْقر أخْ شى عليْك ْم‪ ،‬ولك ْن أخشى عليْك ْم‬
‫ت على م ْن كان ق ْبلك ْم‪ ،‬فتنافسوها كما تنافسوها‬
‫أ ْن ت ْبسط عل ْيكم الدُّ نْيا كما بسط ْ‬
‫وت ْهلكك ْم كما أ ْهلكتْه ْم»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)3158‬مسلم» (‪ )2961‬عن عمرو بن عوف األنصاري ‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة والعشرون‪:‬‬


‫انتشار الفوضى يف أوساط املسلمني‬
‫‪ ‬إن من يشاهد ما حصل يف الربيع العربي يف سوريا‪ ،‬أو يف ليبيا‪ ،‬أو يف اليمن‪،‬‬
‫أو يف غيرها من بالد المسلمين‪ ،‬يرى العجب العجاب من انفالت األمن‪ ،‬وحصول‬
‫وغربت وضربت بأطناهبا‪ ،‬من قتل‪ ،‬وهنب‪،‬‬
‫شرقت ّ‬
‫الهرج والمرج‪ ،‬والفوضى التي ّ‬
‫وسلب‪ ،‬وسرقة‪ ،‬وانتهاك األعراض وقطع السبل وغير ذلك‪ ،‬وإذا خرج األمر من‬
‫يد العقالء إلى يد السفهاء حصل الشر والبالء‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)1(‬‬
‫«والفتنة إذا وقعت عجز العقالء فيها عن دفع السفهاء‪ ،‬فصار األكابر عاجزين‬
‫عن إطفاء الفتنة وكف أهلها‪ .‬وهذا شأن الفتن كما قال تعالى‪:‬‬

‫ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ [األنفال‪.]٢5 :‬‬
‫وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث هبا إال من عصمه اهلل» اهـ‬
‫‪ ‬وقد جاء يف األثر عن عمرو بن العاص ‪ ‬أنه‪ :‬قال البنه عبد‬
‫اهلل‪:‬‬
‫«يا بني‪... :‬سلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم»( ‪ )1‬اهـ‬

‫(‪« )1‬منهاج السنة النبوية» (‪.)343/4‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ب ‪:‬‬ ‫‪ ‬و َقا َل َعلِي ْب ُن َأبِي َطال ِ ٍ‬


‫ُّ‬
‫ف‬ ‫اج ٌر»‪ .‬قالوا‪َ :‬يا َأمِ َير ا ْل ُم ْؤمِنِي َن‪َ ،‬ه َذا ا ْل َب ُّر َف َك ْي َ‬
‫َّاس إِ َّال َأمِ ٌير َب ٌّر َأ ْو َف ِ‬
‫« َال ُي ْصلِ ُح الن َ‬
‫اهدُ بِ ِه ا ْل َعدُ َّو‪َ ،‬و َي ْجبِي بِ ِه‬ ‫اجر ي َؤم ُن اهلل ‪ ‬بِ ِه السبُ َل‪َ ،‬وي َج ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫اج ِر؟ قال‪« :‬إِ َّن ا ْل َف ِ َ ُ ِّ‬ ‫بِا ْل َف ِ‬

‫يه ا ْل ُم ْسلِ ُم آمِنًا َحتَّى َي ْأتِ َي ُه‬ ‫ا ْل َفيء‪ ،‬و ُت َقام بِ ِه ا ْلحدُ ود‪ ،‬ويحج بِ ِه ا ْلبي ُت‪ ،‬ويعبدُ اهلل فِ ِ‬
‫َ‬ ‫ََُْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ُ َ ُ َ ُّ‬ ‫ْ َ َ ُ‬
‫َأ َج ُل ُه»(‪.)2‬‬

‫‪ ‬وهذه اآلثار السلفية يوردها أهل العلم يف التدليل على ضرورة إقامة‬

‫اإلمامة العظمى‪ ،‬التي ُت َ‬


‫حمى هبا حوزة الدين‪ ،‬وتقام هبا حدوده‪ ،‬وتظهر هبا شعائره‪،‬‬
‫وتحفظ هبا معايش الناس‪ ،‬وتؤ َّمن هبا سبلهم وبالدهم‪.‬‬
‫فمثل هذه اإلمامة وإن حصل من صاحبها ظلم فهو خير من حصول فتنة تدوم‬
‫يف الناس بسبب الفوضى التي تضعف فيها معالم الديانة وشعائر الملة‪ ،‬وتعطل‬
‫فيها الحدود‪ ،‬وال يأمن فيها الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)3(‬‬
‫«فإن امللك الظامل‪ :‬ال بد أن يدفع اهلل به من الرش أكثر من ظلمه‪ .‬وقد قيل‪ :‬ستون‬
‫سنة بإمام ظامل‪ :‬خري من ليلة واحدة بال إمام‪.»...‬‬

‫=‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن عساكر يف «تاريخ دمشق» (‪ ،)184/46‬وذكره المناوي يف «فيض القدير» (‪،)441/1‬‬
‫وابن مفلح يف «اآلداب الشرعية» (‪.)176/1‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي يف «شعب اإليمان» (‪.)71٠٢‬‬
‫(‪« )3‬مجموع الفتاوى» (‪.)٢68/14‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة والعشرون‪:‬‬


‫فتح السجون وهروب املسجونني منها أحيانا‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫ما حصل يف بعض دول الربيع العربي من فتح بعض السجون يف بعض‬
‫المحافظات وهروب المسجونين‪ ،‬وذلك عند اشتداد الصـراع والمصادمات بين‬
‫المتظاهرين والحكومات‪ ،‬فيقوم بعض المتظاهرين‪ ،‬أو بعض المسؤولين يف‬
‫السجن المؤيدين للمظاهرات بفتح السجون؛ لتعم الفوضى يف البالد‪ ،‬والمراد من‬
‫ذلك زيادة الضغط على الحكومات‪ ،‬وهذه مفسدة عظيمة‪.‬‬
‫فالسجن وسيلة من وسائل التعزير المشـروعة‪ ،‬وقد ُشرع يف اإلسالم لتأديب‬
‫ربما‬ ‫العصاة والخارجين عن النظام‪ ،‬وقد كان األسرى يف عهد رسول اهلل‬
‫دارا خاصة للسجن‪،‬‬
‫ُيربطون يف المسجد‪ ،‬ويف الخالفة الراشدة اتخذ عمر ‪ً ‬‬
‫وذو القرنين سجن المفسدين يف األرض ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ [الكهف]‪.‬‬
‫‪ ‬فالسجن‪ :‬مذكور يف القرآن‪ ،‬واإلسالم كما هو معلوم دين عقيدة وشريعة‬
‫ودولة وخالفة‪.‬‬
‫والسجن‪ :‬يعترب نو ًعا من العالج؛ إلصالح المجرمين ومنعهم عن إجرامهم‬
‫وفسادهم‪ ،‬من قتل وهنب وقطع طريق وترويع المسلمين وسرقة وغير ذلك من‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫الجرائم‪ ،‬ويعترب وسيلة من الوسائل الرتبوية يف الشـريعة اإلسالمية‪ ،‬وهو من‬


‫أمما وشعو ًبا وأفرا ًدا وجماعات‪ ،‬من خالل خدمة‬
‫األمور المهمة يف حياة الناس ً‬
‫المجتمع وترسيخ العدالة بين الناس‪ ،‬ونصرة المظلوم‪ ،‬ورد الحقوق ألهلها‪،‬‬
‫وإصالح النفس‪ ،‬وغير ذلك من المصالح الكثيرة‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة والعشرون‬


‫كثرة املعتقلني والسجناء‬
‫بسبب الفوضى حبق أو بغري حق‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫كثرة االضطرابات‪ ،‬والتي ينتج عنها كثرة االعتقاالت والمداهمات للبيوت‬
‫والمنازل‪ ،‬يف الليل ويف النهار‪ ،‬لألبرياء ولغيرهم‪.‬‬
‫فتمتلئ السجون بحق أو بباطل لمجرد االشتباه وعدم وضوح الرؤية‪.‬‬
‫* فكم من بريء ُسجن‪.‬‬
‫* وكم من نزيه اعتُقل‪.‬‬
‫* وكم من امرأة تنتظر زوجها ال تعلم عن مصيره‪.‬‬
‫* وكم من ابن ينتظر أباه ال يعلم عن مصيره‪.‬‬
‫* وكم من أم تنتظر ابنها‪.‬‬
‫* وكم من حبيب ينتظر غائبه وحبيبه ال يعلم عن مصيره‪ ،‬وال يعلم أنه يف‬
‫بطون السجون‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫التي تسببت هبا هذه المظاهرات‬ ‫الخالقة‬
‫ّ‬ ‫وكل هذا بسبب هذه الفوضى‬
‫والثورات‪،‬‬
‫‪ ‬وكم من مفسد بقي ُحرا طلي ًقا‪ ،‬وقد تسبب يف سجن األبرياء بأفعاله‬
‫الشيطانية وأعماله الصبيانية‪ ،‬ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ [يوسف‪.]٢1 :‬‬

‫الخالقة‪ :‬كتاب‬
‫(‪ )1‬انظر للفائدة‪ :‬عن الفوضى ّ‬
‫الخالقة‪ ،‬الربيع العربي بين الثورة والفوضى‪،‬‬
‫«الفوضى ّ‬
‫السيناريو األمريكي لتفتيت الشرق األوسط والنظرية الصهيونية التي تبنتها أمريكا لشرذمته»‪.‬‬
‫خالقة؟‬
‫ماهي قصة ومصطلح الفوضى ال ّ‬
‫قال الكفار الذين ال يؤمنون باهلل وال باليوم اآلخر‪:‬‬
‫إن وجود الشمس والقمر والليل والنهار والحر والربد والغنى والفقر والوالدة والموت إلى غير ذلك‪،‬‬
‫هذه كلها تدل على أن الكون فوضوي غير مرتب‪ ،‬وال بد أن نقابل هذه الفوضى بالفوضى‪ ،‬فإذا‬
‫قابلنا الفوضى بالفوضى خلقت لنا وأوجدت لنا هذه الفوضى الحضارة والتقدم‪ ،‬وعليه فال بد‬
‫من محاربة وإسقاط خمسة أمور حتى تكون هناك فوضى‪ ،‬وهذه األمور هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬اإلسالم‪ )٢( .‬الدولة‪ )3( .‬اللغة العربية‪ )4( .‬األسرة‪ )5( .‬الموروث الطيب‪ ،‬مثل‪ :‬األخالق‬
‫واآلداب واألمور الموروثة الطيبة‪.‬‬
‫الخالقة مهندس غساالت‪ ،‬أول ما صنع‬
‫ّ‬ ‫ومن لطائف ما يذكر يف هذا أن أول من بدأ يف تطبيق الفوضى‬
‫الغسالة قال ال بد أن تكون الغسالة فوضوية‪ ،‬تشتغل يمين وشمال وفوق وتحت‪ ،‬فبعد صنعها على‬
‫هذه الكيفية وضع المالبس والماء والصابون فيها ثم اشتغلت الغسالة على الكيفية التي صنعها‬
‫الخالقة ينتج عنها النظافة‬
‫ّ‬ ‫فخرجت المالبس بيضاء نقية‪ ،‬فنشر هذا األمر يف السياسيين أن الفوضى‬
‫واألمور الطيبة‪ ،‬فبعدها أحدثوا الثورات والمظاهرات واالعتصامات واالنقالبات حتى يخلقوا هبذه‬
‫جيال جديدً ا فاسدً ا‪( .‬علي جمعة‪ .‬مفتي األزهر) صويت بتصرف مختصر‪.‬‬
‫الخالقة ً‬
‫الفوضى ّ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة والعشرون‬


‫انتشار بيع السالح‬
‫‪ ‬إن من مبادئ اإلسالم العظيمة التي ينعم يف ظلها المجتمع المسلم‪:‬‬
‫الحث على التعاون على الرب والتقوى‪ ،‬والنهي والتحذير من التعاون على‬
‫اإلثم والعدوان‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [المائدة‪،]٢:‬‬

‫‪« :‬م ْن دل على خ ْير فله مثْل أ ْجر فاعله» رواه مسلم عن أبي‬ ‫وقال النبي‬
‫مسعود األنصاري ‪،)1 (‬‬
‫‪:‬‬ ‫وعند البزار بسند صحيح عن ابن مسعود ‪ )2(‬قال‪ :‬قال‬
‫«الد ِّال على الْخ ْير كفاعله»‪،‬‬
‫أيضا أن الدال على الشر كفاعله؛‬
‫فإنه يفهم من هذا الحديث ً‬
‫ألن من القواعد المقررة يف الشريعة اإلسالمية أن‪:‬‬
‫«اإلعانة على المعصية معصية»‪،‬‬
‫واهلل ‪ ‬يقول‪ :‬ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ‬

‫(‪« )1‬مسلم» (‪.)1893‬‬


‫(‪« )2‬مسند البزار» (‪ ،)174٢‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3399‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬وعند حصول الفتن‪ ،‬والثورات‪ ،‬واالنقالبات‪ ،‬والقتل والقتال بين الحاكم‬


‫والمحكوم‪:‬‬
‫ينتشر بين الناس بيع السالح بكل يسر وسهولة‪ ،‬بنوايا مختلفة خفية ال يعلم هبا‬
‫إال رب الربية‪،‬‬
‫وقد تقرر باإلجماع( ‪ )1‬يف الشريعة اإلسالمية النهي عن بيع السالح للمسلمين‬
‫بعضا‪ ،‬أو للعدو ليقتل به المسلمين‪.‬‬
‫أيام الفتن ليقتل بعضهم ً‬
‫قال ابن القيم ‪:)2 (‬‬
‫«وقد تظاهرت أدلة الشرع وقواعده على أن القصود يف العقود معتربة‪ ،‬وأهنا‬
‫تؤثر يف صحة العقد وفساده‪ ،‬ويف حله وحرمته‪...‬فالسالح يبيعه الرجل لمن يعرف‬
‫مسلما حرام باطل‪ ،‬لما فيه من اإلعانة على اإلثم والعدوان‪ ،‬كذلك ال‬
‫ً‬ ‫أنه يقتل به‬
‫يجوز بيع السالح لمن يحاربون المسلمين أو يقطعون به الطريق؛ ألنه إعانة على‬
‫معصية» اهـ‬
‫قلت‪:‬‬
‫ويتأكد النهي عن بيع السالح يف زمن الفتنة للفئتين المتقاتلتين من المسلمين؛‬
‫لما يف ذلك من تذكية الفتنة‪ ،‬وتأجيج نار العداوة وزيادة الهرج‪ ،‬وما يتبع ذلك من‬
‫وقوع قتلى وازدياد عدد الضحايا ممن ال ُجرم منه وال ذنب له من األطفال‬

‫(‪ )1‬نقل اإلجماع على ذلك‪ :‬النووي ‪ ‬يف «المجموع» (‪.)43٢/9‬‬


‫(‪« )2‬إعالم الموقعين» (‪.)9٠-89/3‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫والشيوخ والنساء‪ .‬وألن بيع السالح يف الفتنة يشجع على االقتتال‪ ،‬مما يؤدي إلى‬
‫عكس مقصود الشارع الذي أمر بوأد الفتنة‪ ،‬وإقامة الصلح بين الفئتين المتقاتلتين‪،‬‬
‫قال ‪:‬‬

‫ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ[الحجرات]‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة والعشرون‬


‫اغتيال العلماء والدعاة واملصلحني‬
‫‪ ‬إن من أعظم الشرور التي تحدثها المظاهرات والثورات واالنقالبات‪:‬‬
‫تسلل أيادي آثمة ظالمة يف غياهب ظلمة الفتن وغياب األمن الغتيال خير‬
‫الربية‪ ،‬وحملة الرسالة المحمدية‪ ،‬من العلماء والدعاة والمصلحين‪ ،‬وإلى وقت‬
‫كتابة هذه األسطر والكثير من العلماء والدعاة يف المحافظات اليمنية الجنوبية‬
‫يحبسون أنفاسهم وهم يشاهدون رصاصات الغدر تنطلق يف رؤوس الدعاة‬
‫والعلماء‪ ،‬من األشقياء الذين أعمى اهلل بصائرهم‪ ،‬فانبعثوا إلطفاء نور اإلسالم‪،‬‬

‫قال ‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ[الشمس]‬

‫ويقول ‪ :‬ﮋ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬

‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ‬

‫ﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ‬
‫ﯳ ﮊ [آل عمران]‪.‬‬
‫فالمراد باألشقى يف اآلية هو عاقر ناقة صالح‪ُ :‬قدَ ار بن سال ِ ٍ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ُ ْ ُ َ‬
‫وكان أشقى قومه‪ ،‬و ُيضـرب به المثل‪ ،‬فيقال‪( :‬أشأم من قدار)‪،‬‬
‫ل ِ َعلِ ٍّي ‪:‬‬ ‫قال النبي‬
‫«يا عل ُّي‪ ،‬تدْ ري م ْن أ ْشقى ا ْألولين؟»‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ق ْلت‪ :‬اهلل ورسوله أ ْعلم‪،‬‬


‫قال‪« :‬عاقر الناقة»‪،‬‬
‫قال‪« :‬تدْ ري م ْن أ ْشقى ْاآلخرين؟»‬
‫ق ْلت‪ :‬اهلل ورسوله أ ْعلم‪ ،‬قال‪« :‬قاتلك»(‪.)1‬‬
‫فقاتل علي ‪( ‬عبد الرحمن بن ملجم) أشقى البشر بشهادة خير البشر‪.‬‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫ول اهللِ‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪َ ‬أ َّن َر ُس َ‬
‫«أشدُّ الناس عذابا ي ْوم الْقيامة‪ ،‬رج ٌل قتله نب ٌّي‪ ،‬أ ْو قتل نبيا»(‪.)2‬‬
‫أيضا َم ْن َقت ََل ورثة األنبياء‪،‬‬
‫‪ ‬وال شك أن من أعظم الناس جر ًما ً‬
‫فعاقر الناقة أو قاتل األنبياء أو قاتل علي أو قاتل دعاة الحق والعدل من‬
‫العلماء والمصلحين كلهم قد باءوا بإثم عظيم‪ ،‬وهم حين يفعلون هذه األفعال‬
‫يظنون أهنم سيوقفون مسيرة الدعوة والخير والبناء‪،‬‬
‫‪ ‬وقد ُقتل أنبياء وعلماء ودعاة ومصلحون يف كل زمان ومكان‪ ،‬وبقيت‬
‫الدعوة‪ ،‬وبقي العلم يشع ويضيء للناس طريقهم‪ ،‬ويسمو يف السماء‪ ،‬وخسأت‬
‫و ُبرتت و ُفضحت تلك األيدي اآلثمة القاتلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه أحمد يف «فضائل الصحابة» (‪ ،)953‬والبزار يف مسنده (‪ ،)14٢4‬والطرباين يف‬
‫«الكبير» (‪ ،)7311‬وابن سعد يف «الطبقات» (‪ ،)35/3‬وصححه األلباين يف «الصحيحة»‬
‫(‪.)1٠88‬‬
‫(‪ )2‬حسن رواه «أحمد» (‪ ،)3868‬وحسنه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)٢81‬و«صحيح‬
‫الجامع» (‪ ،)1٠٠٠‬وشيخنا الوادعي يف «الصحيح المسند» (‪.)8٢5‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬إن قتل العلماء والدعاة مخطط جهنمي تقوم به أيادي خبيثة غادرة‪ ،‬عميلة‬
‫الستخبارات دولية ماسونية‪ ،‬تتبع اليهود الصهاينة‪ ،‬والنصارى الصليبيين أحفاد‬
‫المجرمين قتلة األنبياء والعلماء والصالحين‪.‬‬
‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﮊ [التوبة]‪.‬‬

‫‪ ‬إهنا ُسنَّة الطواغيت من الفراعنة‪ ،‬وغيرهم يف كل زمان ومكان‪،‬‬


‫حين يفلسون فكر ًيا وعقد ًيا وعلم ًيا وال يجدون من الحجج والرباهين ما‬
‫يدفعون هبا الدعوة اإلصالحية الصحيحة‪ ،‬فيبحثون عن وسائل لتكميم أفواه‬
‫العلماء والدعاة والمصلحين‪،‬‬
‫✓ فبالتهديد تارة‪،‬‬
‫✓ وبالحمالت اإلعالمية الظالمة تارة‪،‬‬
‫✓ والمطاردة والنفي والتشويه والتغريب تارة أخرى‪،‬‬
‫وحين يستنفذون كل الوسائل يف الدفاع عن باطلهم‪ ،‬وعن أهوائهم‪ ،‬ولم ِ‬
‫يجد‬
‫ذلك يلجئون إلى أسلوب التصفية الجسدية‪،‬‬

‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ [غافر‪،]٢6:‬‬
‫ظنًا منهم أن بقتلهم تقتل الدعوة وينطفئ النور‪،‬‬
‫وما علموا أن باستشهاد العلماء وبدمائهم الزكية تزكو شجرة الدعوة‪ ،‬فتضـرب‬
‫جذورها يف أعماق النفوس‪ ،‬وأغصاهنا يف شغاف القلوب كالشجرة المروية بالماء‬
‫تضـرب جذورها يف أعماق األرض‪ ،‬وتبسق أغصاهنا يف كبد السماء‪،‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﮊ[إبراهيم‪.]٢5:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثامنة والعشرون‬


‫انتشار املخدرات‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫االنفالت األمني والذي يؤدي بدوره إلى عدم مراقبة المجرمين والمفسدين‬
‫من بياعي المخدرات ومتعاطيها‪ ،‬فتكثر المخدرات وتدخل للبالد من كل مكان‪،‬‬
‫عظيما يف جميع طبقات‬
‫ً‬ ‫ويجاهر أصحاب المخدرات بمخدراهتم‪ ،‬وتنتشـر انتشارا‬
‫المجتمع بسبب دخول البالد يف الحروب والصـراعات‪ ،‬والمخدرات تعد إحدى‬
‫األخطار الكبار التي هتدد المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬وتزعزع كياهنا واستقرارها‪ ،‬لما‬
‫لها من نتائج سلبية وعميقة يف حياة المجتمعات‪ ،‬سواء كان ذلك يف مدة الحرب أم‬
‫فيما بعدها‪.‬‬
‫‪ ‬ولما كانت الحروب بطبيعتها مقوضة لألمن واالستقرار‪ ،‬تمثل مسار فزع‬
‫وتشتت‪ ،‬وهجرة وتشـرد‪ ،‬فإن مثل هذه البيئة الضعيفة المحتدمة بالصـراعات‬
‫والنزاعات تكون مواتية لربوز أنماط عديدة من اآلفات واألمراض االجتماعية ويف‬
‫مقدمتها ظاهرة المخدرات‪.‬‬
‫‪ ‬وقد انتشرت المواد المخدرة يف كل بلدان العالم انتشارا لم يكن متوق ًعا‪،‬‬
‫وقد ساعد على انتشارها الحروب التي أصبحت مسؤولة عن انتشار الزراعة‬
‫التقليدية للمخدرات وتصنيعها يف المختربات السـرية‪ ،‬بسبب الحروب ازدادت‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫أساسا القلق‬
‫ً‬ ‫األزمات التي يتعرض لها اإلنسان يف حياته االجتماعية‪ ،‬والتي تشكل‬
‫الذي يؤدي لعدم االتزان النفسـي‪ ،‬ومن ثم سوء توافقه مع نفسه ومجتمعه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬لمزيد من الفائدة يف هذا الموضوع انظر كتاب‪« :‬أثر الحروب يف انتشار المخدرات» للدكتور‬
‫عايد بن علي الحميدان‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التاسعة والعشرون‬


‫انتشار املنظمات التنصريية‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫إضعاف البالد من جميع النواحي مما يتيح الفرصة للمنظمات التنصيرية‬
‫الدخول كمنقذ رحيم كريم للبالد المنكوبة‪ ،‬ولهؤالء المساكين الذين فقدوا‬
‫مقومات الحياة األساسية‪ ،‬فيقدمون لهم بعض المساعدات المادية من المواد‬
‫الغذائية كالرب والدقيق واألرز والزيت والدواء‪ ،‬فيظن البسطاء من الناس أنه الشهد‬
‫ويف أحشائه السم الزعاف‪ ،‬ولكنه الفقر المدقع‪ ،‬والغالء الفاحش‪ ،‬والبطالة التي‬
‫تخنق المسلمين يف بالد الربيع العربي وغيرها‪ ،‬والتي وصلت إلى ذروهتا‪ ،‬مما دفع‬
‫البعض ربما إلى االنتحار‪ ،‬أو قتل األطفال؛ لعدم القدرة على إطعامهم‪ ،‬أو شيوع‬
‫هم للعامة سوى‬
‫يسمى أخالقيات الفقر والعنوسة‪ ،‬وأصبح ال ّ‬
‫البغاء والسـرقة وما ّ‬
‫الحصول على المال للبقاء على قيد الحياة‪ ،‬بكل وسيلة ممكنة‪ ،‬دون النظر إلى‬
‫شرعية الوسيلة أو عواقبها‪ ،‬فإذا جاء هؤالء الكفار وقدّ موا له حفنة من الطعام ظن‬
‫أهنم أرحم الناس بالناس‪ ،‬وأهنم خير من المسلمين وأهنم وأهنم‪.‬‬
‫‪ ‬وهذه موجة جديدة من الهجمات الصليبية‪ ،‬التي تتخذ أشكاال وصورا‬
‫حديثة‪ ،‬ال تتوقف عند حدّ الغزو العسكري لبالد المسلمين بل تتعدّ اه إلى‪:‬‬
‫* الغزو الفكري‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* والغزو االقتصادي‪.‬‬
‫* والغزو السياسي‪.‬‬
‫* والغزو االجتماعي للعقل والمجتمعات المسلمة‪.‬‬
‫‪ ‬وانتشار التنصير يف بالد المسلمين يعود إلى‪:‬‬
‫✓ جهل المسلمين بدينهم‪،‬‬
‫✓ وجهلهم بحقيقة التنصير‪،‬‬
‫✓ ونشاط المنصـّرين يف مختلف المجاالت‪،‬‬
‫✓ وفقر بعض البلدان اإلسالمية‪،‬‬
‫حيث يدخلون عليهم عن طريق مختلف المساعدات المادية‪ ،‬من بناء مدارس‬
‫ومستشفيات ودور حضانة وبيوت للشباب‪ ،‬وحفر آبار‪ ،‬وبناء مراكز تثقيفية‪ ،‬ـ‬
‫يسموهنا ـ واإلسهام يف كثير من المشاريع األهلية‪ ،‬والحكومية‪ ،‬والقروض‬
‫كما ّ‬
‫المالية‪...،‬إلخ( ‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬لمزيد من الفائدة يف هذا الموضوع انظر كتاب‪« :‬تأثير األموال يف نفوذ التنصير بين المسلمين»‬
‫للشيخ محمد بن عبد اهلل اإلمام‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثون‬
‫زيادة انتشار التشيع‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫زيادة انتشار التشيع؛ ألن من مخططات الشيعة إيجاد القالقل والفتن‬
‫بالمظاهرات والثورات وغيرها‪ ،‬ومن خاللها يكون االعتداء واالغتياالت‬
‫للقيادات اإلسالمية ولعموم المسلمين إذا حانت لهم فرصة يف ذلك‪ ،‬فإيران هي أم‬
‫الثورات والمظاهرات‪ ،‬وهي من الدول التي شاركت يف تصدير الربيع العربي‪،‬‬
‫وحتى البلد الحرام يف الشهر الحرام لم يسلم من شغب إيران بنشـر المظاهرات يف‬
‫الحج‪ ،‬وهكذا كل بلد تثور فيه الثورات فإن الشيعة يستغلون هذه الثغرات‬
‫خطيرا لنشر معتقداهتم الهدّ امة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استغالال‬
‫انظر مثال‪ :‬قبل الربيع العربي‪ ،‬حصلت ثورات يف دول مختلفة منها روسيا على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬عندما سقطت وتفكك االتحاد الروسي إلى دويالت‪ ،‬هذه‬
‫كبيرا لنشـر التشيع؛ ألهنا دويالت ناشئة فقيرة‬ ‫ً‬
‫استغالال ً‬ ‫الدويالت استغلتها إيران‬
‫جاهلة‪ ،‬وإيران تضـرب بقوة على مجموعة أوتار‪ ،‬وتر الجهل‪ ،‬ووتر الفقر‬
‫والحاجة‪ ،‬وتستغل هذا الجانب يف نشـر التشيع‪،‬وهكذا كان لها انتشار قوي يف‬
‫كبيرا‪ ،‬كل هذا كان‬
‫البوسنة والهرسك‪ ،‬وكذلك يف دول أفريقيا انتشر التشيع انتشارا ً‬
‫قبل الربيع العربي‪ ،‬واآلن تتكرر نفس العملية‪ ،‬فالتشيع ينتشر يف مصر وليبيا وتونس‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وسوريا وغيرهم من الدول‪ ،‬بسبب المظاهرات والثورات‪ ،‬والربيع العربي الذي‬


‫ينتج عنه الجهل والفقر والضعف يف جميع الجوانب‪،‬فالرافضة استغلوا هذه‬
‫ظاهرا‪ ،‬خاصة أن الذي يدعم نشر التشيع دولة تملك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استغالال‬ ‫الجوانب‬
‫المليارات‪ ،‬وتملك قناعات عقدية وفكرية مع العزم واإلصرار‪ ،‬ففي هذه الحالة‬
‫تجد أن األمر سيكون لصالحهم‪ ،‬وهذا ولألسف الشديد هو الذي نراه اآلن‬
‫واض ًحا جليا‪.‬‬
‫فإيران تخطط إلنشاء الهالل الشيعي الذي يمتد من إيران على العراق على‬
‫سوريا على لبنان؛ ليكون هو البداية للدولة الشيعية العظمى التي ستتحقق عام‬
‫(‪145٠‬هـ) كما وعد بذلك الهالك آية اهلل مطهراين عام (‪14٠٠‬هـ)‪ ،‬فعندما بدأوا‬
‫يشاهدون الحلم يتفكك من خالل بدايات سقوط الدولة النصيرية يف سوريا ضربوا‬
‫بكل قوة فأرسلوا ألو ًفا مؤ ّلفة من الجند اإليرانيين لتقاتل مع بشار األسد‪ ،‬وحليفة‬
‫إيران روسيا بدأت ترسل اآلن مجموعة كبيرة من الجنود الروس ومثلهم من‬
‫حزب اهلل اللبناين‪ ،‬وربما من روافض الخليج بدأوا يتوافدون على بالد الشام‪ ،‬وقد‬
‫‪« :‬إذا فسد أ ْهل الشام فال خ ْير فيك ْم»(‪.)1‬‬ ‫قال‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)15597‬و«الرتمذي» (‪ ،)٢19٢‬و«ابن حبان» (‪ )73٠٢‬عن قرة بن‬
‫إياس ‪ ،‬وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)4٠3‬و«المشكاة» (‪)6٢9٢‬‬
‫وشيخنا الوادعي يف «الصحيح المسند مما ليس يف الصحيحين» (‪.)1٠79‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية والثالثون‪:‬‬


‫ظهور اجلماعات اإلرهابية وقوتها‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪ ،‬وإشعال البالد بالفتن والحروب‬
‫والصـراعات‪:‬‬
‫ظهور الجماعات اإلرهابية من جحورها‪ ،‬مع أن ظاهرة الخوارج ظاهرة قديمة‬
‫يسمى بالربيع العربي‪ ،‬هناك‬ ‫ِ‬
‫قدم التاريخ‪ ،‬لكن اآلن مع هبوب رياح التغيير وما ّ‬
‫تساؤالت وبإلحاح عن أسباب ظهور هذه الجماعات اإلرهابية كـ «القاعدة»‬
‫و«داعش» و«النصـرة» وغيرها من الجماعات اإلرهابية‪ ،‬وظهور هذا العنف‬
‫األهوج الذي بات يهدد منطقتنا العربية واإلسالمية‪ ،‬والذي أصبح يسيطر على‬
‫مناطق واسعة يف سوريا والعراق واليمن‪ ،‬وتمكن من إيجاد موطئ قدم له يف سيناء‪.‬‬
‫والجواب على هذه التساؤالت‪:‬‬
‫هو أن أهم أسباب ظهور هذه التنظيمات اإلرهابية الدموية أحداث الربيع‬
‫العربي ومخلفاته التي نشـرت الفوضى والخلل األمني‪ ،‬ووجدت التنظيمات‬
‫اإلرهابية مال ًذا آمنًا يف كل من سوريا‪ ،‬واليمن‪ ،‬وليبيا‪ ،‬والعراق‪ ،‬وسيناء‪ ،‬وتوس ًعا يف‬
‫مناطق أفريقيا‪ ،‬ورجوع داعش والقاعدة مجد ًدا إلى أفغانستان‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقد تطرأ تنظيمات أخرى إرهابية؛ إذا بقيت أمور المنطقة تسير يف هذا االتجاه‬
‫الذي تسير فيه اآلن‪ ،‬من المظاهرات والثورات واالنقالبات والصراعات‬
‫والحروب‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية والثالثون‬


‫انتشار السرقة‬
‫‪ ‬السرقة كبيرة من كبائر الذنوب‪ :‬بالكتاب والسنة وإجماع األمة‪.‬‬
‫وقد ذم اهلل تعالى هذا الفعل الشنيع‪ ،‬وجعل له عقوبة تناسبه‪ ،‬فجعل حد‬
‫السارق أن تقطع يده‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﮊ[المائدة]‪.‬‬
‫‪« :‬ت ْقطع اليد في ربع دينار فصاعدا»(‪.)1‬‬ ‫وقال النبي‬
‫السارق؛ ألنه عنصـر فاسد يف المجتمع‪ ،‬إذا ُترك سرى فساده‬ ‫ولعن النبي‬
‫وتعدّ ى إلى غيره يف جسم األمة‪،‬‬
‫‪« :‬لعن اهلل السارق‪ ،‬ي ْسرق الب ْيضة فت ْقطع يده‪ ،‬وي ْسرق الحبْل فت ْقطع‬ ‫فقال‬
‫يده»(‪.)2‬‬
‫ونقل اإلجماع‪ :‬على أن السرقة كبيرة من كبائر الذنوب جمع كبير من أهل‬
‫العلم‪ ،‬منهم‪:‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)6789‬مسلم» (‪ )1684‬عن عائشة ‪.‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)6783‬مسلم» (‪ )1687‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* الرتمذي ‪.‬‬
‫* وابن عبد الرب ‪.‬‬
‫* والنووي ‪ .‬وغيرهم(‪.)1‬‬
‫‪ ‬هذا ومنذ اندالع الثورات يف الوطن العربي‪ ،‬أصبح المجتمع يعيش على‬
‫إيقاع جديد فيه الكثير والكثير من السلبيات والتوترات‪ ،‬ومن هذه السلبيات التي‬
‫ّ‬
‫تفشت يف عالمنا العربي بعد الثورات‪ ،‬والتي تدق ناقوس الخطر‪ ،‬هي جريمة‬
‫السرقة‪ ،‬والنهب‪ ،‬والسطو‪ ،‬وقطع الطريق؛ بسبب اختالل األمن‪ ،‬وانتشار الفوضى‪،‬‬
‫والفقر‪ ،‬والبطالة‪ ،‬التي تسببت فيها هذه الثورات‪ ،‬فأصبح السارق يتفنن يف تنفيذ‬
‫وجهارا‪ ،‬من‬
‫ً‬ ‫سرا‬
‫وهنارا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫ليال‬
‫سرقته دون أدنى خوف أو رقابة‪ ،‬فانتشرت السرقة ً‬
‫البيوت والمحالت التجارية‪ ،‬وسرقة السيارات والدراجات النارية‪ ،‬بل ُس ِر َق‬
‫المتحف األثري يف القاهرة يف الثورة المصرية على حسني مبارك(‪.)2‬‬

‫(‪« )1‬سنن الرتمذي» (‪« ،)٢55٠‬االستذكار» (‪« ،)٢9/3‬شرح النووي على صحيح مسلم»‬
‫(‪.)41/٢‬‬
‫(‪ )2‬وزادت معدالت سرقة اآلثار بنسبة ‪ ،% 9٠‬نتيجة االضطراب األمني الذي شهدته مصر عقب‬
‫ثورة الـ‪ ٢5‬من يناير ‪ ،٢٠11‬بحسب تصريحات صحفية سابقة ليوسف خليفة‪ ،‬رئيس اإلدارة‬
‫المركزية للمضبوطات والمقتنيات األثرية واألحراز يف وزارة اآلثار المصرية‪( .‬موقع إرم نيوز)‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة والثالثون‪:‬‬


‫قطع الطريق وانقطاع السبل‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪ :‬قطع الطرق وانقطاع السبل‪،‬‬
‫وهي كبيرة من كبائر الذنوب بالنص واإلجماع‪.‬‬
‫قال ‪:‬‬
‫ﮋﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ[المائدة]‪.‬‬

‫قال الواحدي‪:)1(‬‬
‫ﮋ ﭾ ﭿ ﮀﮊ يعصوهنما وال يطيعوهنما‪ ،‬كل من عصاك فهو محارب‬
‫لك‪ ،‬ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ أي‪ :‬بالقتل والسرقة وأخذ األموال‪ ،‬وكل من أخذ‬
‫السالح على المؤمنين فهو محارب هلل ورسوله‪ ،‬وهذا قول مالك واألوزاعي‬
‫والشافعي‪ ...‬فبمجرد قطع الطريق وإخافة السبيل قد ارتكب الكبيرة‪ ،‬فكيف إذا‬
‫أخذ المال‪ ،‬أو جرح‪ ،‬أو قتل‪ ،‬فقد فعل عدّ ة كبائر‪ ،‬مع ما غالبهم عليه من ترك‬
‫الصالة‪ ،‬وإنفاق ما يأخذونه يف الخمر‪ ،‬والزنا‪ ،‬واللواطة‪ ،‬وغير ذلك» اهـ‬

‫(‪« )1‬الكبائر» للذهبي (ص‪.)1٠٠-99:‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقال ابن عبد الرب‪:)1(‬‬


‫«أجمع العلماء على أن من شق العصا‪ ،‬وفارق الجماعة‪ ،‬وشهر على‬
‫المسلمين السالح‪ ،‬وأخاف السبيل‪ ،‬وأفسد بالقتل والسلب‪ ،‬فقتلهم وإراقة دمائهم‬
‫واجب؛ ألن هذا من الفساد العظيم يف األرض‪ ،‬والفساد يف األرض موجب إلراقة‬
‫الدماء بإجماع» اهـ‬
‫فالطريق لها حقوق مشهورة منشورة يف دواوين السنة‪ ،‬وليس قطع الطريق على‬
‫الناس من هذه الحقوق‪ ،‬بل هو من العقوق‪ ،‬وداخل يف ضد هذه الحقوق‪ ،‬فهو بال‬
‫شك أذى للمسلمين‪ ،‬ومنكر عظيم‪ ،‬وخاصة إذا حصل فيه تخريب للمنشآت‬
‫العامة‪ ،‬وسرقة لألموال سواء كانت عامة أو خاصة‪ ،‬وتخويف للمارة‪ ،‬وضرب‬
‫وجرح؛ وربما قتل أو جرح لبعض رجال األمن أو بعض من يعارضهم من الناس‪،‬‬
‫فإذا كان قطع الطريق كذلك فقد ألحقه بعض العلماء بالحرابة‪.‬‬
‫جاء يف «موسوعة الفقه اإلسالمي»(‪:)2‬‬
‫«فصل‪ :‬حكم قطع الطريق «الحرابة»‪ :‬هي التعرض للناس وهتديدهم بالسالح‬
‫يف الصحراء أو البنيان‪ ،‬يف البيوت أو وسائل النقل‪ ،‬من أجل سفك دمائهم‪ ،‬أو‬
‫انتهاك أعراضهم‪ ،‬أو غصب أموالهم ونحو ذلك‪ .‬ويدخل يف حكم الحرابة كل ما‬
‫يقع من ذلك يف الطرق والمنازل‪ ،‬والسيارات والقطارات‪ ،‬والسفن والطائرات‪،‬‬

‫(‪« )1‬التمهيد» (‪.)339/٢3‬‬


‫(‪« )2‬موسوعة الفقه اإلسالمي» للتويجري (‪.)166/5‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫سواء كان هتديدً ا بالسالح‪ ،‬أو زر ًعا للمتفجرات‪ ،‬أو نس ًفا للمباين‪ ،‬أو حر ًقا بالنار‪،‬‬
‫أو ً‬
‫أخذا لرهائن‪ ،‬وكل ذلك محرم‪ ،‬ومن أعظم الجرائم؛ لما فيه من ترويع الناس‪،‬‬
‫واالعتداء على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق‪ ،‬ولهذا كانت عقوبتها من‬
‫أقسى العقوبات» اهـ‬
‫ويستوي يف ذلك قطع الطريق داخل البلد أو خارجه‪.‬‬
‫جاء يف «أحكام القرآن»(‪:)1‬‬
‫«ولما كان قوله‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮊ [المائدة‪،]33 :‬‬
‫على ما يف الصحراء أو البلد‪ ،‬استوى حكم قطع الطريق يف البلد والمصـر جمي ًعا‪،‬‬
‫ومن فرق فإنما يفرق ال بحكم اللفظ‪ ،‬بل بمعنى يتوهمه فار ًقا وهو غالط فيه» اهـ‬

‫(‪« )1‬أحكام القرآن» للكيا هرايس (‪.)70/3‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة والثالثون‪:‬‬


‫أذية املسلمني‬
‫‪ ‬إن المظاهرات واالعتصامات‪ :‬أذية للحاكم والمحكوم‪ ،‬والراعي والرعية‪،‬‬
‫والصغير والكبير‪ ،‬والرجال والنساء‪ ،‬وإرهاب شديد ال يعلم به إال اهلل‪.‬‬
‫قال ‪:‬‬
‫ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ [األحزاب]‪.‬‬

‫فالمتظاهرون والمعتصمون آذوا الناس‪ ،‬وأرهبوا الحكام‪ ،‬والحكومات‪،‬‬


‫والمارين يف الطرقات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والشعوب‪ ،‬ورجال األمن‪ ،‬والتجار‪ ،‬واألطفال‪ ،‬والنساء‪،‬‬
‫والمجاورين لهم يف البيوت‪ ،‬باألقوال واألفعال‪.‬‬
‫‪« :‬م ْن آذى الْم ْسلمين في طرقه ْم وجب ْ‬
‫ت عل ْيه ل ْعنته ْم»(‪.)1‬‬ ‫وقد قال‬
‫واألدلة كثيرة يف الرتغيب يف إزالة األذى من الطريق‪ ،‬والرتهيب من أذية‬
‫المسلمين يف طرقهم تبيّن بجالء أن هذا الفعل من كبائر الذنوب‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسن رواه الطرباين يف «الكبير» (‪ )3٠5٠‬عن حذيفة بن أسيد ‪ ،‬وحسنه األلباين ‪‬‬
‫يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)٢٢94‬و«صحيح الجامع» (‪.)59٢3‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة والثالثون‬


‫ﮋﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات واالعتصامات والثورات التي ال تخفى على من‬
‫لديه أدنى عقل‪ :‬أهنا تسببت يف شرور كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* أهنم قطعوا ما أمر اهلل به أن يوصل‪ ،‬مثل‪ :‬صلة األرحام‪ ،‬وكل من له حق يف‬
‫الصلة‪.‬‬
‫* وقطعوا المصلي من الذهاب إلى المساجد‪.‬‬
‫* والداعي من الذهاب إلى دعوته‪.‬‬
‫* والدارس من الذهاب إلى مدرسته‪.‬‬
‫* والمريض من الذهاب للمستشفى‪ ،‬وقد يموت يف الطريق بسبب قطع‬
‫الطريق بالمظاهرات‪ ،‬واالعتصامات يف الشوارع‪.‬‬
‫* وقطعوا التاجر عن تجارته‪ ،‬وبيعه وشرائه‪ ،‬وأمواله‪.‬‬
‫* والمزارع عن مزرعته‪ ،‬من أجل حرثها‪ ،‬وزراعتها‪ ،‬ومتابعتها‪ ،‬وحراستها‪،‬‬
‫واالعتناء هبا‪.‬‬
‫* وقطعوا المدير عن إدارته‪.‬‬
‫* والموظف عن وظيفته‪.‬‬
‫وغير ذلك من المفاسد الكثيرة‪ ،‬وأعظم من ذلك أهنم شغلوا المسلمين عن‬
‫عباداهتم وطاعة رهبم‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة والثالثون‪:‬‬


‫زيادة انتشار اجلهل بني املسلمني‬
‫‪ ‬ال يشك عاقل أن من مفاسد هذه الثورات والمظاهرات واالعتصامات‬
‫حس ًيا أو معنو ًيا بجميع مستوياهتا‪ ،‬االبتدائي‬
‫واالنقالبات‪ :‬خراب المدارس ّ‬
‫والمتوسط (اإلعدادي) والثانوي والجامعي‪ ،‬والدروس والمحاضرات التي تلقى‬
‫يف المس اجد وغيرها‪ ،‬إما بخراب المدرسة‪ ،‬أو ذهاب المدرس‪ ،‬أو ذهاب الطالب‪،‬‬
‫أو ذهاب الجميع‪ ،‬أو عدم وجود مر ّتبات المدرسين‪ ،‬أو غير ذلك من األسباب‬
‫الصارفة عن العلم‪.‬‬
‫‪ ‬وال شك أن ظهور الجهل وانتشاره بين األمة من عالمات قرب الساعة‪،‬‬
‫‪« :‬إن ب ْين يدي الساعة ألياما‪ ،‬ينْزل فيها الج ْهل‪ ،‬وي ْرفع فيها الع ْلم‪،‬‬ ‫قال‬
‫اله ْر ُج‪ :‬ال َق ْت ُل( ‪.)1‬‬
‫ويكْثر فيها اله ْرج» َو َ‬
‫‪« :‬إن م ْن أ ْشراط الساعة‪ :‬أ ْن ي ْرفع الع ْلم ويثْبت الج ْهل‪ ،‬وي ْشرب‬ ‫وقال‬
‫الخ ْمر‪ ،‬ويظْهر الزِّنا»( ‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪ 7٠63‬و‪« ،)7٠64‬مسلم» (‪ )٢67٢‬عن ابن مسعود وأبي موسى‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)8٠‬مسلم» (‪ )٢671‬عن أنس‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫على قلة العلم ورفعه وظهور الجهل وكثرته كثرة وقوع المحرمات‬ ‫فر ّتب‬
‫وانتهاكها‪ ،‬ومن أعظمها‪ :‬القتل‪ ،‬وهو الهرج‪ ،‬وهذا القتل الذي يقع هو بين‬
‫المسلمين بعضهم البعض‪ ،‬وهو دليل على تفرقهم‪ ،‬ففي الحديث عن رسول اهلل‬
‫قال‪« :‬إن ب ْين يدي الساعة له ْرجا»‪ ،‬قال‪ :‬ق ْلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما الْه ْرج؟ قال‪:‬‬
‫«الْقتْل»‪ ...‬ثم قال‪« :‬ل ْيس بقتْل الْم ْشركين‪ ،‬ولك ْن ي ْقتل ب ْعضك ْم ب ْعضا‪.)1(»...‬‬

‫‪ ‬ومن صور الجهل الذي يقع فيه أصحاب المظاهرات‪:‬‬


‫اجلهل باحلقائق الرشعية واملسميات الرشعية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫تسمية من ُق ِت َل ف املظاهرات بالشهداء‪ ،‬وهذا تغرير بالعوام‪،‬‬
‫فالشهيد هو الذي ُي ْقتَل ف قتال مع الكفار أو البغاة‪ ،‬مقبالً غري مدبر‬
‫لتكون كلمة اهلل هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفىل دون غرض من‬
‫أغراض الدنيا‪،‬‬
‫الر ُج ُل ُي َقاتِ ُل‬
‫ملا جاءه رجل يستفهم‪َّ :‬‬ ‫وهذا يؤكده حديث النبي‬
‫الر ُج ُل ُي َقاتِ ُل لِ ُ َريى َمكَا ُن ُه‪َ ،‬ف َم ْن ِف َس ِب ِ‬
‫يل‬ ‫لذك ِْر‪َ ،‬و َّ‬‫الر ُج ُل ُي َقاتِ ُل لِ ِّ‬ ‫ِ‬
‫ل ْل َم ْغ َن ِم‪َ ،‬و َّ‬
‫يل اهللِ»(‪.)2‬‬ ‫اهللِ؟ َق َال ‪َ « :‬م ْن َقات ََل لِتَ ُكو َن كَلِ َم ُة اهللِ ِه َي ال ُع ْليَا َف ُه َو ِف َسبِ ِ‬

‫(‪ )1‬تقدم تخريجه‪.‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)2810‬مسلم» (‪ )1904‬عن أيب موسى ‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة والثالثون‬


‫احلط من العلماء السلفيني الناصحني‬
‫ورفع دعاة الضاللة‬
‫‪ ‬إن من المفاسد العظيمة التي يتجرأ عليها أصحاب المظاهرات والثورات‬
‫حرموا‬
‫واالعتصامات هي الحط من العلماء السلفيين الناصحين ال لشيء إال ألهنم ّ‬
‫المظاهرات والثورات وبيّنوا خطرها وخطر الخروج على والة أمور المسلمين‬
‫باألدلة من الكتاب والسنة وإجماع األمة‪.‬‬
‫‪ ‬فنال أصحاب المظاهرات‪:‬‬
‫من أعراض العلماء‪ ،‬واهتموهم يف دينهم وأمانتهم‪ ،‬بأهنم علماء السلطان‪،‬‬
‫وشياطين ُخ ْرس‪ ،‬ليس لهم َه ٌّم إال المناصب والمساكن والمراكب والزوجات‬
‫والتطلع إلى الدنيا‪ ،‬وغير ذلك من االهتامات التي تكال منذ قديم الزمن إلى يومنا‬
‫هذا للعلماء الصادقين‪ ،‬من أجل إسقاطهم وتزهيد الناس فيهم‪ ،‬ثم يجعلون‬
‫المرجعية لهم ال لغيرهم‪ ،‬كما فعلوا يف االتحاد العالمي لعلماء المسلمين‪.‬‬
‫تعرض للعلماء الصادقين الناصحين بالسوء‬
‫‪ ‬ومن المعلوم أن من ّ‬
‫والتنقيص وعاداهم فقد آذنه اهلل بالحرب‪ ،‬قال اهلل يف الحديث القدسي‪« :‬م ْن عادى‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫لي وليا فقدْ آذنْته بالح ْرب‪ .)1(»...‬واهلل ‪ ‬لم يعلن الحرب على أحد إال على‬
‫من عادى أولياءه من العلماء والصالحين‪ ،‬وعلى آكل الربا‪ ،‬قال تعالى يف آكل الربا‪:‬‬

‫ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ [البقرة‪.]٢79:‬‬
‫‪ ‬ومن المتقرر أن لحوم العلماء مسمومة ‪-‬كما قال ابن عساكر ‪،)2( ‬‬
‫وعادة اهلل يف هتك أستار منتقصيهم معلومة‪ ،‬ومن وقع فيهم بالثّلب ابتاله اهلل قبل‬
‫موته بموت القلب‪.‬‬
‫وقد قال اإلمام الطحاوي‪:)3(‬‬
‫«وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير واألثر وأهل‬
‫الفقه والنظر ال ُيذكرون إال بالجميل‪ ،‬ومن َذكرهم بسوء فهو على غير السبيل» اهـ‬
‫‪ ‬وذلك أن القدح يف العلماء يرجع عند العامة إلى الشـريعة وحملتها‪،‬‬
‫فالقدح فيهم قدح يف الشريعة وتشكيك للناس بحملة الشريعة وبالشريعة‬
‫السمحاء‪ ،‬فيضعف عند ذلك حب الناس للدين وأهله‪ ،‬فالطعن يف العلماء الربانيين‬
‫هو طعن يف الدين‪.‬‬
‫قال ابن أبي العز الحنفي‪:)4 (‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ )65٠٢‬عن أبي هريرة ‪.‬‬


‫(‪« )2‬تبيين كذب المفرتي» البن عساكر (ص‪.)٢9:‬‬
‫(‪« )3‬الطحاوية» (ص‪.)83-8٢:‬‬
‫(‪« )4‬شرح الطحاوية» (‪.)5٠3‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫« يجب على كل مسلم بعد مواالة اهلل ورسوله مواالة المؤمنين‪ ،‬كما نطق به‬
‫خصوصا الذين هم ورثة األنبياء‪ ،‬الذين جعلهم اهلل بمنزلة النجوم‪ ،‬يهتدى‬
‫ً‬ ‫القرآن‪،‬‬
‫هبم يف ظلمات الرب والبحر‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم‪ ،‬إذ كل‬
‫علماؤها شرارها إال المسلمين فإن علماءهم خيارهم‪،‬‬ ‫أمة قبل مبعث محمد‬
‫فإهنم خلفاء الرسول من أ ّمته‪ ،‬والمحيون لما مات من سنّته‪ ،‬فبهم قام الكتاب وبه‬
‫قاموا‪ ،‬وهبم نطق الكتاب وبه نطقوا‪ ،‬وكلهم متفقون اتفا ًقا يقينًا على وجوب اتباع‬
‫» اهـ‬ ‫الرسول‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثامنة والثالثون‬


‫رفع اجلهال وتصديقهم يف هذه األهوال‬
‫‪ ‬ال شك أنه عندما تتغير األحوال‪ ،‬وتتبدل المفاهيم‪ ،‬وتنقلب الموازين‪،‬‬
‫تجد أن الذي يتك ّلم يف أمور العامة وقضاياهم هو الرجل الفاسق السفيه‪ ،‬فهذه‬
‫المظاهرات واالعتصامات والثورات‪ ،‬أنطقت الرويبضة يف كثير من أمور األمة‪،‬‬
‫وجعلتهم يتحدثون عن مصير أ ّمة بأكملها دون فهم‪ ،‬أو علم‪ ،‬أو عقل‪ ،‬أو حلم‪،‬‬
‫وفتحت الباب على مصـراعيه ألهل الشر‪ ،‬والشذوذ‪ ،‬والعقائد الفاسدة‪.‬‬
‫فباهلل عليكم‪:‬‬
‫من أفتى الناس بالمظاهرات والثورات واالنقالبات واالعتصامات؟!‬
‫أليس هم هؤالء الجهال؟!‬
‫على من أفتى بغير علم فكانت فتواه سب ًبا لهالك نفس واحدة‪،‬‬ ‫وقد دعا‬
‫فقال‪« :‬قتلوه قتلهم اهلل‪.)1 (»...‬‬
‫فكيف بمن أفتى بغير علم فأهلك أ ّمة بأسرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسن رواه «أحمد» (‪ ،)3٠56‬و«أبو داود» (‪ ،)337‬و«ابن ماجه» (‪ )57٢‬عن ابن عباس‬
‫‪ ،‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪ ،)4363‬و«صحيح سنن أبي داود» (‪،)365‬‬
‫و«المشكاة» (‪.)531‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وأقبل الناس على أقوالهم وفتاويهم كالسيل الجرار؟!‪،‬‬


‫بينما صرخ علماء الحق والسنة من كل مكان فلم يستجيبوا لهم ولم‬
‫يصدقوهم‪.‬‬
‫يف وصف أهل السنة‪ ،‬والطائفة المنصورة‪،‬‬ ‫وصدق الصادق المصدوق‬
‫حين قال‪:‬‬
‫«طوبى ل ْلغرباء»‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬من الْغرباء يا رسول اهلل؟‬
‫اس صالحون‪ ،‬في أناس سوء كثير‪ ،‬م ْن ي ْعصيه ْم أكْثر مم ْن‬
‫قال‪« :‬أن ٌ‬
‫يطيعه ْم»(‪.)1‬‬
‫‪:‬‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫«إنها ستأْتي على الناس سنون خداعةٌ‪ ،‬يصدق فيها الْكاذب‪ ،‬ويكذب فيها‬

‫الصادق‪ ،‬وي ْؤتمن فيها الْخائن‪ ،‬ويخون فيها ْاألمين‪ ،‬وينْطق فيها ُّ‬
‫الرو ْيبضة»‬
‫قيل‪ :‬وما ا ُّلرو ْيبضة يا رسول اهلل؟‬
‫قال‪« :‬السفيه يتكلم في أ ْمر الْعامة»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)665٠‬والطرباين يف «األوسط» (‪ )8986‬عن ابن عمرو ‪،‬‬
‫وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)1619‬و«صحيح الجامع» (‪.)39٢1‬‬
‫(‪ )2‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)791٢‬و«ابن ماجه» (‪ ،)4٠36‬و«الحاكم» وصححه (‪،)8439‬‬
‫وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)1887‬و«صحيح الجامع» (‪،)365٠‬‬
‫وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف «الصحيح المسند» (‪.)33‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪:‬‬ ‫وقال‬
‫«ال تقوم الساعة حتى يكون أ ْسعد الناس بالدُّ نْيا لكع ْبن لكع(‪.)2 (»)1‬‬
‫أن ه‬ ‫وأخرج الحاكم بسند صحيح(‪ )3‬ع ْن أبي هر ْيرة ‪ ‬ع ْن رسول اهلل‬
‫قال‪:‬‬
‫«والذي ن ْفس محمد بيده ال تقوم الساعة حتى يظْهر الْف ْحش والْبخْ ل‪ ،‬ويخون‬
‫ْاألمين وي ْؤتمن الْخائن‪ ،‬وي ْهلك الْوعول‪ ،‬ويظْهر التُّحوت»‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل وما الْوعول وما التُّحوت؟‬
‫قال‪« :‬الْوعول وجوه الناس وأ ْشرافه ْم‪ ،‬والتُّحوت الذين كانوا ت ْحت أ ْقدام‬
‫الناس ال ي ْعلم به ْم»‪.‬‬
‫وقد ظهرت هذه العالمة وال تزال تتتابع‪ ،‬حيث يموت العلماء والعقالء‬
‫يبق إال حثالة من الناس ُي ْر َف ُعون على األعناق‪ ،‬ويشار لهم بالبنان‪،‬‬
‫والحكماء‪ ،‬ولم َ‬
‫و ُت َس َّلط عليهم األضواء‪ ،‬ويتك ّلمون يف أمور العامة‪ ،‬وهذا من عالمات الساعة‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬

‫(‪ )1‬قال يف «لسان العرب»‪ :‬اللكع‪ :‬هو العبد أو اللئيم‪ ،‬وقيل‪ :‬الوسخ‪ ،‬وقيل‪ :‬األحمق الجاهل‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫هو ضيق الصدر‪ ،‬قليل الغناء‪ ،‬الذي يؤخره الرجال عن أمورهم‪ ،‬فال يكون له موقع‪ ،‬ويقال‬
‫للرجل‪« :‬لكع»‪ ،‬وللمرأة‪« :‬لكاع»‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)٢33٠3‬و«الرتمذي» (‪ )٢٢٠9‬عن حذيفة ‪ ،‬وصححه األلباين‬
‫‪ ‬يف «صحيح الجامع» (‪ ،)7431‬و«المشكاة» (‪.)5365‬‬
‫(‪« )3‬مستدرك الحاكم» (‪ ،)8644‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)3٢11‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«فال رأي أعظم ذما من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين‪ ،‬ولم‬
‫يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين‪ ،‬ال يف دينهم وال يف دنياهم‪ ،‬بل نقص الخير عما‬
‫( ‪)1‬‬
‫كان‪ ،‬وزاد الشر على ما كان» اهـ‬

‫(‪« )1‬منهاج السنة النبوية» (‪.)113-11٢/6‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التاسعة والثالثون‪:‬‬


‫ذل العزيز‬
‫املفسدة األربعون‪:‬‬
‫عز الذليل‬

‫‪ ‬إن ظهور الفتن والمحن والقالقل والبالبل‪ ،‬واختالل األمن يف البالد‬


‫وكثرة الصـراعات والحروب تتقلب فيها األمور‪:‬‬
‫خضمها األفاضل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫* فيسقط يف‬
‫* ويرتفع األراذل‪،‬‬
‫* ويتعملق األقزام‪،‬‬
‫* ويتقزم العمالقة‪،‬‬
‫والواقع خير شاهد يف بالد الربيع العربي وغيرها‪:‬‬
‫* فكم من غني افتقر‪،‬‬
‫* وكم من فقير اغتنى‪،‬‬
‫* وكم من مسؤول كريم سقط وحل مكانه لئيم‪،‬‬
‫* وكم من عادل سقط وحل محله ظالم‪،‬‬
‫* وكم من عالم رباين حل محله عالم شيطاين‪،‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* وكم من صادق ك ُِّذب‪ ،‬وكم من كاذب ُصدِّ ق‪،‬‬


‫* وكم من أمين ُخ ِّون‪ ،‬وكم من خائن اؤ ُت ِمن‪،‬‬
‫ص النبالء‪ ،‬و ُف ِس َح المجال للسفهاء والجهالء‪،‬‬
‫* ُس ِّك َت العقالء‪ ،‬و ُأ ْخ ِر َ‬
‫هل انقلبت الدنيا‪ ،‬وتبدَّ لت الموازين‪ ،‬وتغ َّيرت المقاييس؟!‬

‫ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ [األنعام]‪.‬‬
‫الهر واستنوق الجمل‪،‬‬
‫* لقد عال من كان يف األسفل‪ ،‬واستأسد ُّ‬
‫َّ‬
‫واحتل الوضيع مكان الرفيع‪ ،‬وأصبح األذناب فوق السحاب‪،‬‬ ‫*‬
‫ودوى فوق رأسه فحيح الشقي!‬
‫ضجع للذبح الربيء‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫* و ُأ‬
‫‪ ‬لقد غدا‪:‬‬
‫مرفوضا‪ ،‬والمعطوب مطلو ًبا‪ ،‬والمأمون مرهو ًبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫* المفروض‬
‫والمبغوض محبو ًبا‪،‬‬
‫* وشانت صادقات المشاعر‪ ،‬وخطب الشيطان فوق المنابر‪ ،‬وامتألت‬
‫بدم العمالة واسعات المحابر‪ ،‬واختلطت بجثامين ِ‬
‫العظام عظام المقابر‪،‬‬
‫ماكرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فاجرا‪ ،‬والنقي‬
‫ً‬ ‫صاغرا‪ ،‬والعفيف‬
‫ً‬ ‫آخرا‪ ،‬والعزيز‬
‫* وغدا األول ً‬
‫فاجرا‪ ،‬وأصبح األجرب يف ساحة السليم بجرمه يفاخر‪،‬‬
‫والتقي ً‬
‫أفما لهذا الليل من آخر؟!‬
‫القائل‪:‬‬ ‫وصدق النبي‬
‫«والذي ن ْفس محمد بيده ال تقوم الساعة حتى يظْهر الْف ْحش والْبخْ ل‪ ،‬ويخون‬
‫ْاألمين وي ْؤتمن الْخائن‪ ،‬وي ْهلك الْوعول‪ ،‬ويظْهر التُّحوت»‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل وما الْوعول وما التُّحوت؟‬


‫قال‪« :‬الْوعول وجوه الناس وأ ْشرافه ْم‪ ،‬والتُّحوت الذين كانوا ت ْحت أ ْقدام‬
‫الناس ال ي ْعلم به ْم»(‪.)1‬‬
‫‪:‬‬ ‫وعن عبد اهلل بن عمرو ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫«إن م ْن أ ْشراط الساعة أ ْن ت ْرفع ْاأل ْشرار وتوضع ْاأل ْخيار‪ ،‬وأ ْن يخْ زن الْف ْعل‬
‫والْعمل»(‪.)2‬‬
‫‪:‬‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫«إنها ستأْتي على الناس سنون خداعةٌ‪ ،‬يصدق فيها الْكاذب‪ ،‬ويكذب فيها‬

‫الصادق‪ ،‬وي ْؤتمن فيها الْخائن‪ ،‬ويخون فيها ْاألمين‪ ،‬وينْطق فيها ُّ‬
‫الرو ْيبضة»‬
‫الرو ْيبضة يا رسول اهلل؟‬
‫قيل‪ :‬وما ُّ‬
‫قال‪« :‬السفيه يتكلم في أ ْمر الْعامة»(‪.)3‬‬
‫فانظر إلى هذا التصوير البديع يف هذا الحديث النبوي الشريف‪:‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «الحاكم» (‪ )8644‬عن أبِي هريرة ‪ ،‬وصححه األلباين يف «الصحيحة»‬
‫(‪.)3٢11‬‬
‫(‪ )2‬صحيح رواه «الحاكم» (‪ ،)8661‬والبيهقي يف «شعب اإليمان» (‪ ،)4834‬وصححه األلباين يف‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪.)٢8٢1‬‬
‫(‪ )3‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)791٢‬و«ابن ماجه» (‪ ،)4٠36‬و«الحاكم» وصححه (‪،)8439‬‬
‫وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)1887‬و«صحيح الجامع» (‪.)365٠‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫حيث يوضح لنا عمق المأساة‪ ،‬وضراوة الضيم‪ ،‬وضنك العيش قبيل الساعة‪،‬‬
‫مره صباح مساء‪ ،‬ونتجرعه وال نكاد نسيغه‪ ،‬أال‬
‫وهذا واهلل نراه ونعيشه‪ ،‬بل نذوق ّ‬
‫وهو رجحان كفة الرويبضة‪.‬‬
‫والرويبضة‪ :‬هو الرجل الفاجر الفاسق التافه‪ ،‬عديم األخالق والقيم والمروءة‪،‬‬
‫الذي يعتلي ويربز بين َع ّشية وضحاها يف غفلة عن أعين الناس وانتباههم‪ ،‬حيث‬
‫يأيت به أسياده وأربابه ليجعلوا منه ً‬
‫منقذا بزعمهم‪ ،‬فيرفع الشعارات الربّاقة ويلقي‬
‫الرنَّانة التي ظاهرها فيها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب‪.‬‬
‫الخطب َّ‬
‫ِ‬
‫ُّحوت!!‬ ‫فيا نفس مويت فقد جدَّ األسى مويت‪ ،‬فهذا زمان الت‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية واألربعون‪:‬‬


‫توسيد األمر إل غري أهله‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫توسيد األمر إلى غير أهله‪ ،‬وذلك عند إسقاط الحاكم‪ ،‬أو من أرادوا إسقاطه‬
‫شخصا منهم وإن كان ليس ُك ْفئًا لهذه‬
‫ً‬ ‫من المسؤولين‪ ،‬فإهنم يضعون مكانه‬
‫‪« :‬إذا و ِّسد األ ْمر إلى غ ْير أ ْهله فانْتظر الساعة»(‪.)1‬‬ ‫المسؤولية‪ ،‬وقد قال‬
‫فالواجب أن يوضع الشخص المناسب يف المكان المناسب يف جميع‬
‫مؤسسات الدولة‪ ،‬من قبل الثورات ومن بعد الثورات؛ ألن إسناد األمور إلى أهلها‬
‫أمانة‪ ،‬فإذا أسندوها إلى غير أهلها مع وجود أهلها فقد خانوا تلك األمانة‬
‫وضيعوها‪.‬‬

‫وقد أمر اهلل‪ ‬بأداء األمانات فقال‪ :‬ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬

‫ﯠ ﮊ [النساء‪.]58:‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:)2(‬‬
‫أما أداء األمانات ففيه نوعان‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ )59‬عن أبي هريرة ‪.‬‬


‫(‪« )2‬مجموع الفتاوى» (‪.)٢46/٢8‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫لما فتح مكة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫أحدهما الواليات‪ :‬وهو كان سبب نزول اآلية‪ ،‬فإن النبي‬
‫وتس ّلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة‪ ،‬طلبها منه العباس؛ ليجمع له بين سقاية الحاج‬
‫وسدانة البيت‪ ،‬فأنزل اهلل هذه اآلية‪ ،‬فدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة‪ ،‬فيجب على‬
‫ولي األمر أن يو ّلي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك‬
‫العمل» اهـ‬
‫‪ ‬وكما أمر اهلل ‪ ‬بأداء األمانة إلى أهلها فإنه هنى عن الخيانة التي‬
‫ضمن إسناد األمر إلى غير أهله‪ ،‬كما قال‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫تت ّ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [األنفال]‪.‬‬
‫‪ ‬ومن أعظم الخيانات‪ :‬إسناد األمور إلى غير أهلها؛ لما يف ذلك من ال ّظلم‬
‫بعدم وضعهم يف مواضعهم وإسناد األمر إليهم‪ ،‬ولغير األَ ْك َفاء الذين‬ ‫( ‪)1‬‬
‫لألَ ْك َفاء‬
‫ُأسندت إليهم األمور وهم غير قادرين على القيام هبا‪ ،‬ولأل ّمة التي تصطلي بنار‬
‫يتحمل إثم‬
‫ّ‬ ‫التدابير السيئة الصادرة من غير األَ ْك َفاء‪ ،‬ومن َأسند األمر إلى غير أهله‬
‫إسنادها إلى غير أهلها‪ ،‬وإثم حرمان ال ُك ْ‬
‫فء مما يجب أن ُيسند إليه‪ ،‬وإثم ضرر‬
‫األ ّمة من تدبير غير الكفء الس ِّيئ‪.‬‬

‫ُف ٍء بضم أوله وسكون الفاء بعدها‬


‫(‪ْ )1‬األَ ْك َفاء بفتح الهمزة والفاء المخففة وتسكين الكاف‪ ،‬جمع ك ْ‬
‫همزة‪ ،‬وهو ِ‬
‫المثْل والنَّظير‪.‬‬
‫ويف «شرح سنن أبي داود» (‪ )3/٢4٢‬لشيخنا الع ّباد حفظه اهلل‪« :‬والكفؤ‪ :‬هو المثيل والنظير‪ ،‬وجمعه‪:‬‬
‫أكفاء‪ ،‬كما بوب المصنف‪ ،‬وبعض الناس قد يخطئ فيجمعه على ( َأكِ َّفاء) وهو خطأ؛ ألن َأكِ َّفاء‬
‫جمع كفيف‪ ،‬وإنما جمع كفؤ أ ْك َفاء»‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬وإن السبب الرئيس يف كل ما يخالف أمر اهلل تعالى‪ :‬هو اتباع الهوى الذي‬
‫رجح عند فاقد اإليمان‪ ،‬أو ضعيفه ما يهواه هو‪ ،‬على ما يحبه اهلل ورسوله‪ ،‬كما قال‬
‫ُي ِّ‬
‫تعالى‪ :‬ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬

‫ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [القصص]‪.‬‬

‫‪ ‬وإذا غلب على المرء اتباع هواه أرداه يف مهاوي الهالك وهو يظن أنه يبني‬
‫لنفسه المجد الشامخ‪ ،‬ومظاهر اتباع الهوى تتجلى يف اختيار قريبه لمنصب ال‬
‫جاهال ضعي ًفا خائنًا‪ ،‬كابنه وأخيه ونحوهما‪ ،‬أو صديقه‬
‫ً‬ ‫يستحقه فيضعه فيه وإن كان‬
‫مجاملة له وتعاو ًنا معه على محاباة كل منهما اآلخر‪ ،‬أو التفاق يف الهوى‬
‫والصفات والحزبية المقيتة‪ ،‬وقد يكون اختياره لغير الكفء ألنه من بلده أو من‬
‫جنسه‪ ،‬أو يتكلم بلغته‪ ،‬أو يوافقه يف مذهبه أو طريقه‪ ،‬وقد يرتك الكفء حسدً ا له‪،‬‬
‫أو لما بينهما من عدم االنسجام‪ ،‬أو لعدم موافقته له يف الفسق من أجل أن يعينه‬
‫على فسقه‪ ،‬أو لعدم موافقته له يف الظلم من أجل أن يعينه على ظلمه‪ ،‬أو غير ذلك‬
‫من األسباب‪ ،‬وكلها أسباب ال تخوله أن يختار غير الكفء ويرتك الكفء لما يف‬
‫ذلك من الخيانة‪.‬‬
‫ولهذا قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:)1(‬‬
‫«فإن عدل عن األحق األصلح إلى غيره؛ ألجل قرابة بينهما‪ ،‬أو والء‪ ،‬أو‬
‫عتاقة‪ ،‬أو صداقة‪ ،‬أو موافقة يف بلد‪ ،‬أو مذهب‪ ،‬أو طريقة‪ ،‬أو جنس كالعربية‪،‬‬

‫(‪« )1‬مجموع الفتاوى» (‪.)٢48/٢8‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫والفارسية والرتكية‪ ،‬والرومية‪ ،‬أو لرشوة يأخذها منه من مال‪ ،‬أو منفعة‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك من األسباب‪ ،‬أو لضغن يف قلبه على األحق‪ ،‬أو عداوة بينهما‪ ،‬فقد خان اهلل‬
‫ورسوله والمؤمنين‪ ،‬ودخل فيما هني عنه يف قوله‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬

‫ﭫﭬﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ [األنفال]‪.‬‬
‫فإن الرجل لحبه لولده‪ ،‬أو لعتيقه‪ ،‬قد يؤثره يف بعض الواليات‪ ،‬أو يعطيه ما ال‬
‫يستحقه‪ ،‬فيكون قد خان أمانته‪ ،‬وكذلك قد يؤثره يف ماله أو حفظه بأخذ ما ال‬
‫يستحقه‪ ،‬أو محاباة من يداهنه يف بعض الواليات‪ ،‬فيكون قد خان اهلل ورسوله‬
‫وخان أمانته» اهـ‬
‫قال ابن رجب ‪ ‬تحت شرح حديث جربيل الطويل(‪:)1‬‬
‫«مضمون ما ُذكر من أشراط الساعة يف هذا الحديث َي ِ‬
‫رجع إلى أن األمور‬
‫لمن سأله عن الساعة‪« :‬إذا و ِّسد األ ْمر إلى‬ ‫ُت َو َّسد إلى غير أهلها‪ ،‬كما قال النبي‬
‫غيْر أ ْهله فانْتظر الساعة»(‪ )2‬فإنه إذا صار الحفاة العراة رعاء الشاء ـ وهم أهل الجهل‬
‫والجفاء ـ رؤوس الناس‪ ،‬وأصحاب الثروة واألموال‪ ،‬حتى يتطاولوا يف البنيان‪ ،‬فإنه‬
‫عائال‪ ،‬فصار‬
‫فقيرا ً‬
‫الناس َم ْن كان ً‬
‫َ‬ ‫يفسد بذلك نظام الدين والدنيا‪ ،‬فإنه إذا َر َأ َس‬
‫مل ًكا على الناس‪ ،‬سواء كان ُملكه عاما أو خاصا يف بعض األشياء‪ ،‬فإنه ال يكاد‬

‫(‪« )1‬جامع العلوم والحكم» (‪.)143/1‬‬


‫(‪ )2‬رواه «البخاري» (‪ )59‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫يعطي الناس حقوقهم‪ ،‬بل يستأثر عليهم بما استولى عليه من المال‪ ،‬فقد قال بعض‬
‫ألن تمد يدك إلى فم التِّنين في ْقضمها خير لك من أ ْن تمدها إلى يد غني‬
‫السلف‪ْ « :‬‬
‫جاهال جافيًا فسد بذلك الدين؛ ألنه ال يكون له‬
‫ً‬ ‫قد عالج الفقر»‪ ،‬وإذا كان مع هذا‬
‫همة يف إصالح دين الناس وال تعليمهم‪ ،‬بل همته يف جباية المال واكتنازه‪ ،‬وال‬
‫يبالي بما فسد من دين الناس‪ ،‬وال بمن ضاع من أهل حاجاهتم‪ ،‬وإذا صار ملوك‬
‫الناس ورؤوسهم على هذه الحال انعكست سائر األحوال‪« ،‬فصدِّ ق الكاذب‪،‬‬
‫وك ِّذب الصادق‪ ،‬واؤتمن الخائن‪ ،‬وخ ِّون األمين‪ ،‬وتكلم الجاهل‪ ،‬وسكت العالم‪،‬‬
‫أو عدم بالكلية» اهـ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية واألربعون‪:‬‬


‫ضعف الدعوة إل اهلل‬
‫وضعف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬
‫‪ ‬إن الناظر بعين البصيرة إلى ما َّ‬
‫حل يف بالد المسلمين التي حصل فيها ما‬
‫ورا وهبتانًا يرى الفساد العريض‪ ،‬ومن هذا الفساد‪ :‬ضعف‬
‫يسمى بالربيع العربي ز ً‬
‫ّ‬
‫الدعوة إلى اهلل‪ ،‬المتمثلة يف الخطب والمحاضرات والدروس وتعليم المسلمين‬
‫الخير بكل وسيلة شرعية ممكنة‪ ،‬فضعفت الدعوة يف هذه البالد المنكوبة؛ بسبب‬
‫الخوف‪ ،‬وقطع الطريق‪ ،‬وقلة ذات اليد‪ ،‬ونزوح الناس من بلداهنم‪ ،‬وعدم وجود‬
‫المواصالت‪...‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫التحرك‬ ‫ِ‬
‫وانحسار‬ ‫فضعف الدعوة وتراجعها يف بالد الربيع العربي أمر ملحوظ‪،‬‬
‫ُّ‬
‫وتق ُّلص مساحة الحرية الدعوية ظاهر‪ ،‬بل أصبح اإلسالم ذاته متَّ َه ًما من أكثر من‬
‫ث ِز ً‬
‫لزاال نفسيا على مستوى العمل الدعوي عند كثير‬ ‫جهة‪ ،‬وهذا يف حد ذاته أحدَ َ‬
‫من الناس‪.‬‬
‫وال شك أن ضعف الدعوة له نتائج وخيمة‪ ،‬فإذا ضعفت الدعوة انصرف‬
‫الخبَث‪ ،‬وإذا كثر ال َخبَث‬
‫الناس عن الخير‪ ،‬وإذا انصـرف الناس عن الخير كثر َ‬
‫س َّلط اهلل العدو على بالد المسلمين‪ ،‬ثم آذهنم اهلل بالهالك‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫َد َخ َل َع َل ْي َها َف ِز ًعا َي ُق ُ‬


‫ول‪« :‬ال إله‬ ‫ش ‪َ ‬أ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َعن َزينَب بِن ِ‬
‫ْت َج ْح ٍ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫إال اهلل‪ ،‬و ْي ٌل ل ْلعرب م ْن شر قد ا ْقترب‪ ،‬فتح الي ْوم م ْن ر ْدم يأْجوج ومأْجوج مثْل‬
‫ت ز ْينب بنْت ج ْحش‪ :‬فق ْلت يا رسول‬
‫هذه» وحلق بإ ْصبعه اإلبْهام والتي تليها‪ ،‬قال ْ‬
‫اهلل‪ ،‬أن ْهلك وفينا الصالحون؟ قال‪« :‬نع ْم إذا كثر الخبث»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)3346‬مسلم» (‪.)٢88٠‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة واألربعون‪:‬‬


‫العبث برسالة املسجد‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات واالعتصامات والثورات والحزبيات‪:‬‬
‫تحويل المساجد إلى خطابات سياسية موافقة لمآرهبم الحزبية‪ ،‬وإخراج‬
‫المسجد عن أداء رسالته الشرعية الصحيحة من الجهات المتصارعة‪ٌّ ،‬‬
‫فكل يريد‬
‫المسجد منربًا لحزبه وألفكاره ولمآربه السياسية‪ ،‬وكان الواجب على الجميع‬
‫إبعاد رسالة المسجد الشريفة عن الصراعات السياسية الخبيثة‪.‬‬
‫كل باب يخرج المسجد عن رسالته السامية‪ ،‬فنهى عن‬ ‫وقد أغلق النبي‬
‫إنشاد الضا ّلة فيه‪ ،‬وعن البيع فيه‪ ،‬وعن القيل والقال يف أمور الدنيا‪ ،‬كل ذلك من‬
‫أجل بقاء المسجد لألمر الذي وجد من أجله‪.‬‬
‫تخرج منها‬
‫فالمسجد له دور عظيم يف حياة المؤمن؛ فهو المدرسة األولى التي َّ‬
‫الصحابة ‪ ،‬فكان لهم كبير األثر يف جميع المجاالت العلمية والدعوية‬
‫والقضائية واألدبية وغيرها؛ ذلك أن المسجد أ ّدى دوره وقام برسالته التي جاء من‬
‫أجلها؛ فلم يكن يف عهود اإلسالم األولى دار صالة فحسب‪ ،‬بل كان مع ذلك دار‬
‫ومركزا إلرسال السرايا والجيوش‪ ،‬ومنه ينطلق الدعاة‬
‫ً‬ ‫اجتماع لكل المسلمين‪،‬‬
‫إلى اهلل يجوبون األرض يع ِّلمون الناس التوحيد والسنة والعلم الشـرعي والخير‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ّ‬
‫ويحذروهنم من الشـر بجميع أنواعه‪ ،‬بعيدين عن التعصبات‬ ‫بجميع أنواعه‪،‬‬
‫المذهبية والصراعات الحزبية الضيقة‪.‬‬
‫فرسالة المسجد كبيرة جدً ا‪ ،‬ففي المسجد تقام خطب الجمعة‪ِ ،‬‬
‫وح َلق تحفيظ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬والدروس الشـرعية‪ ،‬والدورات العلمية‪ ،‬وإلقاء المحاضرات‬
‫والندوات النافعة‪ ،‬وإلقاء بعض الكلمات والمواعظ الموجزة‪ ،‬وإنكار المخالفات‬
‫نصحا لعامة المسلمين‪ ،‬وإماتة البدع وإحياء السنن وغير ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫الشرعية‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة واألربعون‪:‬‬


‫تأويل النصوص والبحث وراء الرخص‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات واالنقالبات والخروج على حكام‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫تأويل النصوص َو َل ّي أعناقها من أجل االستدالل هبا على أفعالهم المخالفة‬
‫أساس خراب الدين‬ ‫للكتاب والسنة‪ ،‬والتأويل الباطل لكالم اهلل وكالم رسوله‬
‫والدنيا يف تاريخ البشرية كلها‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم‪:)1(‬‬
‫«فأصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم ِيرده اهلل ورسوله‬
‫بكالمه وال ّ‬
‫دل عليه أنه مراده‪ ،‬وهل اختلفت األمم على أنبيائهم إال بالتأويل؟‬
‫وهل وقعت يف األمة فتنة كبيرة‪ ،‬أو صغيرة إال بالتأويل؟‬
‫فمن بابه دخل إليها‪ ،‬وهل أريقت دماء المسلمين يف الفتن إال بالتأويل؟‬
‫وليس هذا مختصا بدين اإلسالم فقط‪ ،‬بل سائر أديان الرسل لم تزل على‬
‫االستقامة حتى دخلها التأويل‪ ،‬فدخل عليها من الفساد ما ال يعلمه إال رب العباد»‬
‫اهـ‬

‫(‪« )1‬إعالم الموقعين» (‪.)19٢/4‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقال ابن أبي العز‪« :)1(‬فهل قتل عثمان ‪ ‬إال بالتأويل الفاسد!‬

‫وكذا ما جرى يف يوم الجمل وص ّفين‪ ،‬ومقتل الحسين ‪َ ‬‬


‫والح َّرة؟‬
‫وهل خرجت الخوارج‪ ،‬واعتزلت المعتزلة‪ ،‬ورفضت الروافض‪ ،‬وافرتقت‬
‫األمة على ثالث وسبعين فرقة إال بالتأويل الفاسد؟» اهـ‬
‫لقد كان التأويل باب شر كبير‪ ،‬ولج منه الذين يريدون هدم اإلسالم‪ ،‬فما تركوا‬
‫أولوه‪ ،‬ولوال حماية اهلل ورعايته لهذا الدين لدرست معالمه وضاعت‬
‫شيئًا إال ّ‬
‫حدوده‪.‬‬
‫‪ ‬ومن أمثلة تأويل أصحاب المظاهرات والثورات للنصوص الصحيحة‬
‫الصريحة‪ :‬تأويل حديث‪« :‬ت ْسمع وتطيع ل ْْلمير‪ ،‬وإ ْن ضرب ظ ْهرك‪ ،‬وأخذ مالك‪،‬‬
‫اسم ْع وأط ْع»(‪.)2‬‬
‫ف ْ‬
‫قالوا‪ :‬المراد به إن ضرب ظهرك بحق وأخذ مالك بحق؛ ألن اهلل قال‪:‬‬

‫ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [المائدة‪.]٢:‬‬
‫قال الشيخ صالح الفوزان حفظه اهلل‪:‬‬
‫«فقد جاء يف «صحيح مسلم» يف حديث حذيفة بن اليمان ‪ ‬يف الفتن وما‬
‫يجب على المسلم عند حدوثها‪ ،‬خصو ًصا ما يحصل من بعض والة المسلمين من‬
‫يف هذا الحديث‪« :‬ت ْسمع وتطيع ل ْْلمير‪ ،‬وإ ْن‬ ‫الجور والظلم‪ ،‬حتى قال النبي‬

‫(‪« )1‬شرح الطحاوية» (ص‪.)154:‬‬


‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪ )1847‬عن حذيفة ‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ضرب ظ ْهرك‪ ،‬وأخذ مالك»‪ ،‬فأشكل هذا على بعض اإلخوان حتى قال بعضهم‬
‫عن هذا الحديث‪ :‬إنه خطاب للفرد يف بيئة عربية تأنف من الطاعة‪ ،‬وتأبى الضيم‪،‬‬
‫وربما حملها ذلك على رفض الطاعة بالمعروف‪ ،‬أو التحضير لالنشقاق‪ ،‬أو‬
‫التصعيد للقتال‪ .‬وصاروا يؤولونه بغير معناه ليصرفوه عن ظاهره‪ ،‬ولما اعرتض‬
‫عليهم يف ذلك نسبوا هذا إلى اإلمام النووي ‪ ،‬وعند مراجعة «شرح اإلمام‬
‫النووي على صحيح مسلم» على هذا الحديث وجدناه يقول يف شرح حديث‬
‫‪ :‬كيف أصنع يا رسول اهلل إن أدركت‬ ‫حذيفة ‪ :‬لما قال لرسول اهلل‬
‫ذلك؟ ـ يعني ما يقع من جور الوالة وظلمهم ـ قال‪« :‬ت ْسمع وتطيع ل ْْلمير‪ ،‬وإ ْن‬
‫ضرب ظ ْهرك‪ ،‬وأخذ مالك»‪.‬‬
‫ظلما‪« .‬وأخذ مالك»‪ :‬بغير حق‪،‬‬
‫قال النووي ‪« :‬وإ ْن ضرب ظ ْهرك»‪ً :‬‬
‫اسم ْع وأط ْع» له يف غير‬
‫ببناء الفعل للمجهول يف الموضعين وهما‪ :‬شرط جوابه‪« :‬ف ْ‬
‫معصية‪ .‬اهـ هذا نص شرح النووي ‪ ‬على هذا الحديث‪ ،‬حيث أجراه على‬
‫ظاهره ومدلوله‪ ،‬ولم يؤوله إلى ما قاله هؤالء اإلخوة‪.‬‬
‫عظيما من أصول اعتقاد أهل السنة‬
‫ً‬ ‫أصال‬
‫ً‬ ‫وهذا الحديث وأمثاله‪ :‬يتضمن‬
‫والجماعة يف لزوم جماعة المسلمين‪ ،‬والصرب على جور الوالة وظلمهم‪ ،‬لما‬
‫يرتتب على ذلك من المصالح العظيمة‪ ،‬من حقن دماء المسلمين‪ ،‬وحماية‬
‫أعراضهم‪ ،‬وأمنهم‪ ،‬واستقرارهم‪ ،‬وهي مصالح تفوق بكثير ما يلحق من الضـرر يف‬
‫ضررا الخروج وشق عصا الطاعة‪ ،‬وهذا من‬
‫ً‬ ‫الصرب على جورهم‪ ،‬وأشد منها‬
‫ارتكاب أخف الضـررين لدفع أعالهما‪ ،‬وهي قاعدة عظيمة من قواعد اإلسالم‪،‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وألجل التنبيه على ما حصل يف هذا الموضوع من خطأ من بعض اإلخوة كتبت‬
‫( ‪)1‬‬
‫ذلك» اهـ‬
‫قلت‪ :‬ومما ردوا به حديث حذيفة ‪ ‬كذلك‪:‬‬
‫سالم وحذيفة ‪.‬‬
‫االنقطاع بين أبي ّ‬
‫قال الدارقطني‪« :)2(‬وهذا عندي مرسل‪ ،‬أبو ّ‬
‫سالم لم يسمع من‬
‫حذيفة»‪.‬‬
‫ويجاب عن هذا اإلشكال بما يلي‪:‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫بسند متصل‬ ‫‪ )1‬أن أصل حديث حذيفة ‪ ‬ثابت يف «الصحيحين»‬
‫عن الخ ْير‪.»...‬‬ ‫ولفظه‪ :‬قال حذيفة ‪« :‬كان الناس ي ْسألون رسول اهلل‬
‫‪ )٢‬وخرجه مسلم( ‪ )4‬متابعة من طريق ممطور أبي ّ‬
‫سالم عن حذيفة ‪‬‬
‫بنحوه مختصـ ًرا ويف آخره الزيادة المذكورة‪« :‬يكون ب ْعدي أئم ٌة ال ي ْهتدون بهداي»‬

‫إلى قوله «ت ْسمع وتطيع ل ْْلمير‪ ،‬وإ ْن ضرب ظ ْهرك‪ ،‬وأخذ مالك‪ ،‬ف ْ‬
‫اسم ْع وأط ْع»‪.‬‬
‫خرجه ‪ ‬يف صحيحه‪ :‬هبذه الزيادة‪ ،‬وإن كان ظاهر سنده االنقطاع‪ ،‬جر ًيا‬
‫وقد َّ‬

‫(‪ )1‬الموقع الرسمي لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد اهلل الفوزان عضو اللجنة الدائمة‬
‫لإلفتاء وعضو هيئة كبار العلماء‪.‬‬
‫(‪« )2‬اإللزامات والتتبع» (ص‪.)18٢-181:‬‬
‫(‪« )3‬البخاري» (‪« ،)36٠6‬مسلم» (‪.)1847‬‬
‫(‪« )4‬مسلم» (‪.)1847‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫على قاعدته والتزا ًما بشـرطه يف االكتفاء بمجرد المعاصرة وعدم اشرتاط ال ّلقي بين‬
‫سالم معاصر لحذيفة قط ًعا فزال اإلشكال والحمد هلل‪.‬‬
‫الراو َي ْين‪ ،‬وأبو ّ‬
‫‪ )3‬ثم هذه الزيادة ثابتة من حديث عبادة بن الصامت ‪ ‬عند ابن أبي‬
‫(‪)1‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫وغيرهم‪ ،‬ولفظه‪ :‬أن النبي‬ ‫عاصم وأبي سعيد الشاشي وابن حبان‬
‫اسم ْع وأط ْع‪ ،‬في ع ْسرك وي ْسرك‪ ،‬ومنْشطك ومكْرهك‪ ،‬وأثرة عل ْيك‪ ،‬وإ ْن أكلوا‬
‫« ْ‬
‫مالك‪ ،‬وضربوا ظ ْهرك» وهو حديث صحيح‪ ،‬صححه الشيخ األلباين ‪ ‬يف‬

‫تخريجه للسنة(‪.)2‬‬
‫فال يلزم من كون الدارقطني ‪ّ ‬‬
‫أعل هذه الزيادة التي عند مسلم‬
‫باإلرسال‪ ،‬أن يكون متن الحديث عنده أو عند غيره ضعي ًفا‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن الصالح ‪ ‬يف «صيانة صحيح مسلم»(‪:)3‬‬
‫«وهذا االستدراك من الدارقطني‪ ،‬مع أكثر استدراكاته على الشيخين قدح يف‬
‫أسانيدها غير مخرج لمتون األحاديث من حيّز الصحة» اهـ‬
‫ومما ردوا به حديث حذيفة ‪ ‬كذلك‪:‬‬
‫‪« :‬م ْن قتل دون ماله فهو شهيدٌ »(‪.)4‬‬ ‫أنه معارض لقوله‬
‫والرد عليهم أن يقال‪:‬‬

‫(‪« )1‬السنة» البن أبي عاصم (‪« ،)1٠٢6‬المسند» للشاشي (‪« ،)1٢٢1‬صحيح ابن حبان» (‪.)456٢‬‬
‫(‪« )2‬ظالل الجنة» (‪.)1٠٢6‬‬
‫(‪( )3‬ص‪.)177:‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)٢48٠‬مسلم» (‪ )141‬عن عبد اهلل بن عمرو‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫إن حديث «م ْن قتل دون ماله فهو شهيدٌ » عام مخصوص بما دلت عليه هذه‬
‫الزيادة‪ ،‬فيكون السلطان مستثنى منه؛ لألمر بالصرب على جوره‪ ،‬وهذا أمر مجمع‬
‫عليه‪ ،‬كما حكى اإلجماع ابن المنذر ‪.)1 (‬‬
‫ومما ردوا به حديث حذيفة ‪ ‬كذلك‪ ،‬قولهم‪ :‬كيف يقول هذا من أنزل‬
‫عليه قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬

‫ﮊ [آل عمران‪ ،]159:‬وأي فظاظة أشد من سلب األموال وجلد الظهور‪.‬‬


‫والجواب‪ :‬أن هذه علة عقالنية لم يقل هبا أحد من السلف‪ ،‬وهي مبنية على‬
‫حين أمر بالصرب على جور السلطان لم يأمر به‬ ‫سوء فهم للنص‪ ،‬فإن النبي‬
‫إقرارا له وإنما لدفع أعلى المفسدتين وتحصيل أدنى المصلحتين‪ ،‬وهذا من تمام‬
‫ً‬
‫رحمته بأمته وشفقته عليها‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:)2(‬‬
‫عن قتال األئمة إذا كان فيهم ظلم؛ ألن قتالهم فيه فساد أعظم‬ ‫«هنى النبي‬
‫من فساد ظلمهم» اهـ‬

‫(‪« )1‬فتح الباري» البن حجر (‪.)153/5‬‬


‫(‪« )2‬االستقامة» (ص‪.)٢4:‬‬
‫ولمزيد الفائدة انظر‪« :‬كشف شبه كتاب أسئلة الثورة» لبابطين (ص‪ ،)66-6٠:‬وكتاب «أسئلة الثورة»‬
‫لسلمان العودة كتاب سيء مليء بالمغالطات‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة واألربعون‬


‫رد احلق وعدم قبوله‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات والتحزبات‪:‬‬
‫رد الحق الواضح ال َب ِّين من هؤالء المتظاهرين والثوار إذا خالف أهوائهم‬
‫وماهم عليه سائرون‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫* قد بين العلماء لهم تحريم التحزبات والتكتالت بدليل الكتاب والسنة‬
‫وإجماع األمة فلم يقبلوا منهم ذلك‪.‬‬
‫* وبينوا لهم تحريم المظاهرات والثورات والخروج على والة أمور‬
‫المسلمين ومغبة ذلك بالدليل من القرآن والسنة وإجماع األمة فلم يقبلوا منهم‬
‫ذلك‪.‬‬
‫* وبينوا لهم كيفية مناصحة والة األمور وكيفية تغيير المنكر بالضوابط‬
‫الشرعية والقواعد المرعية ومراعات المصالح والمفاسد يف هذا الباب فلم‬
‫يقبلوا منهم ذلك‪ ،‬حتى قال بعض الثوار يف حديث «ت ْسمع وتطيع ل ْْلمير‪ ،‬وإ ْن‬
‫ضرب ظ ْهرك‪ ،‬وأخذ مالك»(‪ :)1‬أنا كافر هبذا الحديث وإن كان يف صحيح مسلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬تقدم تخريجه‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫لقد ب ّين لهم األلباين‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين‪ ،‬والوادعي‪ ،‬والفوزان‪ ،‬والع ّباد‪،‬‬
‫واللجنة الدائمة‪ ،‬وهيئة كبار العلماء‪ ،‬وأكثر من مائة عالِم من علماء أهل السنة‬
‫السلفيين يف العا َلم باطل ما هم عليه فلم يستجيبوا لذلك‪.‬‬

‫وجهارا‪ ،‬لكنهم لألسف الشديد ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬


‫ً‬ ‫لقد نصحوا لهم سرا‬

‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ [نوح‪.]7:‬‬
‫‪ ‬ور ّد الحق أيها العقالء ليس بالشيء الجديد‪ ،‬بل هو أمر مالزم ألغلب‬
‫البشرية منذ القدم‪ ،‬وال أدل على ذلك من رفض مشركي قريش اإليمان باهلل‬
‫مع قناعتهم بأن ما جاء به هو الحق‪ ،‬بل قبل ذلك عدم استجابة‬ ‫ورسوله‬
‫الشيطان ألمر ربه مع تيقنه بأن اهلل جل وعال حكيم عليم‪ ،‬ولذا كان لزا ًما أن نتعرف‬
‫على هذا الداء الخطير الذي الزم البشرية طول هذه المدة من الزمن والذي سيبقى‬
‫إلى أن يرث اهلل األرض ومن عليها‪ ،‬وهو داء رد الحق‪ ،‬فقد بين لنا اإلمام ابن القيم‬
‫‪ ‬بعض األسباب التي تؤدي إلى رفض الحق‪ ،‬حيث قال ‪:)1 (‬‬
‫«ومن أسباب رد الحق‪:‬‬
‫‪ .1‬الجهل وعدم العلم‪ ،‬وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس‪ ،‬فإن من‬
‫جهل شي ًئا عاداه وعادى أهله‪،‬‬
‫‪ .٢‬فإن انضاف إلى هذا السبب بغض من أمره بالحق ومعاداته له وحسده كان‬
‫المانع من القبول أقوى‪،‬‬

‫(‪« )1‬هداية الحيارى» (‪.)٢46-٢44/1‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ .3‬فإن انضاف إلى ذلك ألفه وعادته ومرباه على ما كان عليه آباؤه ومن يحبه‬
‫ويعظمه قوى المانع‪،‬‬
‫‪ .4‬فإن انضاف إلى ذلك توهمه أن الحق الذي دعي إليه يحول بينه وبين جاهه‬
‫وعزه وشهواته وأغراضه قوى المانع من القبول جدً ا‪،‬‬
‫‪ .5‬فإن انضاف إلى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله‬
‫ازداد‬ ‫وجاهه‪ ،‬كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول اهلل‬
‫وهم بالدخول يف اإلسالم فلم‬
‫المانع من قبول الحق قوة‪ ،‬فإن هرقل عرف الحق ّ‬
‫يطاوعه قومه وخافهم على نفسه‪ ،‬فاختار الكفر على اإلسالم بعد ما تبين له‬
‫الهدى‪.‬‬
‫‪ .6‬ومن أعظم هذه األسباب كذلك الحسد‪ ،‬فإنه داء كامن يف النفس‪ ،‬ويرى‬
‫الحاسد المحسود قد فضل عليه وأويت ما لم يؤت نظيره‪ ،‬فال يدعه الحسد أن‬
‫ينقاد له ويكون من أتباعه‪ ،‬وهل منع إبليس من السجود آلدم إال الحسد‪ ،‬فإنه لما‬
‫رآه قد فضل عليه ورفع فوقه غص بريقه‪ ،‬واختار الكفر على اإليمان‪ ،‬بعد أن كان‬
‫بين المالئكة‪ ،‬وهذا الداء هو الذي منع اليهود من اإليمان بعيسى ابن مريم‪ ،‬وقد‬
‫علما ال شك فيه أنه رسول اهلل جاء بالبينات والهدى‪ ،‬فحملهم الحسد على‬
‫علموا ً‬
‫أن اختاروا الكفر على اإليمان‪ ،‬وأطبقوا عليه وهم أمة فيهم األحبار والعلماء‬
‫والزهاد والقضاة واألمراء‪ .‬وهذا السبب كذلك جعل كفار قريش ال يؤمنون‪ .‬وقد‬
‫قال المسور بن مخرمة وهو ابن أخت أبي جهل ألبي جهل‪ :‬يا خالي هل كنتم‬
‫تتهمون محمدً ا بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال‪ :‬يا ابن أختي واهلل لقد كان‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫محمد فينا وهو شاب يدعى األمين فما جربنا عليه كذ ًبا قط‪ .‬قال‪ :‬يا خال فما لكم‬
‫ال تتبعونه؟ قال يا ابن أختي تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف‪ ،‬فأطعموا وأطعمنا‬
‫وسقوا وسقينا وأجاروا وأجرنا‪ ،‬حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬منا نبي‪ .‬فمتى ندرك مثل هذه‪ .‬وقال األخنس بن شريق يوم بدر ألبي جهل‪:‬‬
‫يا أبا الحكم أخربين عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش‬
‫أحد غيري وغيرك يسمع كالمنا‪ ،‬فقال أبو جهل‪ :‬ويحك واهلل إن محمدً ا لصادق‬
‫وما كذب محمد قط‪ ،‬ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية‬
‫والنبوة فماذا يكون لسائر قريش»‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪:)1 ( ‬‬
‫«فلم يزل يف الناس من يختار الباطل‪:‬‬
‫جهال وتقليدً ا لمن يحسن الظن به‪،‬‬
‫‪ .1‬فمنهم من يختاره ً‬
‫وعلوا‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ .٢‬ومنهم من يختاره مع علمه ببطالنه كربًا‬
‫‪ .3‬ومنهم من يختاره طم ًعا ورغبة يف مأكل أو جاه أو رياء‪،‬‬
‫‪ .4‬ومنهم من يختاره حسدً ا وبغ ًيا‪،‬‬
‫‪ .5‬ومنهم من يختاره محبة يف صورة وعش ًقا‪،‬‬
‫‪ .6‬ومنهم من يختاره خشية‪،‬‬
‫‪ .7‬ومنهم من يختاره راحة ودعة» اهـ‬

‫(‪« )1‬هداية الحيارى» (‪.)٢56/1‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة واألربعون‪:‬‬


‫ترك السنة وإحياء البدعة‬
‫‪ ‬تقدم معنا كيفية مناصحة والة األمور يف تغيير المنكرات‪ ،‬لكن من انشغلوا‬
‫الم ْحدَ َثة ظنوا أهنم قد أنكروا‬
‫بالمظاهرات واالعتصامات والثورات البدعية ُ‬
‫المنكر وأدوا الواجب فيكتفون بذلك‪ ،‬وال يتخذون الوسائل الشرعية النافعة‬
‫المجدية لتغيير المنكرات المنتشـرة يف بالد اإلسالم‪ ،‬فهم هبذه األفعال أحيوا‬
‫الم ْحدَ َثة‪،‬‬
‫البدعة وأماتوا السنة‪ ،‬وزهد الناس يف الوسائل المشروعة وانصرفوا إلى ُ‬
‫فيتحقق قول ابن عباس ‪« :‬ما يأْتي على الناس ْ‬
‫من عام إال أ ْحدثوا فيه بدْ عة‬
‫وأماتوا فيه سنة حتى ت ْحيا الْبدع وتموت ال ُّسنن»(‪.)1‬‬
‫تعطيال للنصوص‬
‫ً‬ ‫وصدق ‪ ،‬وذلك أن يف استخدام المظاهرات‬
‫الشرعية اآلمرة بالصرب والنصيحة بالطرق الشرعية‪.‬‬
‫قال اإلمام الشيخ عبدالعزيز بن باز‪:)2(‬‬
‫«لكن األسباب الشرعية المكاتبة والنصيحة والدعوة إلى الخير بطرق سليمة‪،‬‬
‫وأتباعهم بإحسان‪،‬‬ ‫الطرق التي سلكها أهل العلم وسلكها أصحاب النبي‬

‫(‪ )1‬رواه الطرباين يف «المعجم الكبير» (‪ ،)٢6٢/1٠‬وابن بطة يف «اإلبانة الكربى» (‪ ،)3٠/1‬وقال‬
‫الهيثمي يف «مجمع الزوائد» (‪« :)447/1‬رجاله موثقون»‪.‬‬
‫(‪« )2‬الفتاوى الشرعية يف القضايا العصرية» (ص‪.)181:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫بالمكاتبة والمشافهة له دون التشهير يف المنابر وغيرها‪ ،‬بأنه فعل كذا‪ ،‬وصار منه‬
‫كذا‪ ،‬واهلل المستعان» اهـ‬
‫‪ ‬وقد يقول قائل‪ :‬ما وجه البدعة يف هذه المظاهرات؟‬
‫والجواب على ذلك من وجوه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن هذه المظاهرات أقيمت لنصـر الدين –زعموا‪ -‬وإلعالء كلمة‬
‫المسلمين‪ ،‬فهي عبادة يف نظر المقيمين لها‪ ،‬بل وباب من أبواب الجهاد عندهم‪،‬‬
‫ومن المعلوم أن العبادة األصل فيها الحظر والتوقف إال ما دل عليه الدليل‪ ،‬لذا‬
‫‪« :‬م ْن أ ْحدث في أ ْمرنا هذا ما‬ ‫كان فعلها من هذا الباب بدعة ُم ْحدَ َثة‪ ،‬وقد قال‬
‫ل ْيس فيه فهو ر ٌّد»(‪ ،)1‬ولمسلم‪« :‬م ْن عمل عمال ل ْيس عل ْيه أ ْمرنا فهو ر ٌّد»‪.‬‬
‫تعرض للفتن والمحن‪ ،‬وهكذا أصحابه من بعده كما يف‬
‫ّ‬ ‫ثانيا‪ :‬أن النبي‬
‫الر َّدة‪ ،‬وهكذا أمته على مر العصور فلم يعمدوا إلى هذه المظاهرات‪ ،‬ولو‬
‫حروب ِّ‬
‫خيرا لسبقونا إليه‪.‬‬
‫كان ً‬
‫فهي وسيلة ُم ْحدَ َثة‪ ،‬وبدعة منكرة‪ ،‬ما درج عليها سلفنا الصالح من الصحابة‬
‫الكرام‪ ،‬وال التابعين‪ ،‬وال أتباع التابعين من القرون المفضلة‪ ،‬فلم نعهد اإلمام‬
‫الشافعي قام بمظاهرة وال اإلمام مال ًكا‪ ،‬وال اإلمام أحمد‪ ،‬وال اإلمام أبا حنيفة‪ ،‬وال‬
‫غيرهم من أهل الحديث‪ ،‬على ما حصل لكثير منهم من بالء ومحنة حتى مات‬
‫بعضهم يف بطون السجون‪ ،‬ولم ِ‬
‫يفت أحد منهم على مر العصور والدهور إلى‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)٢697‬مسلم» (‪ )1718‬عن عائشة ‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫عصرنا هذا بمثل هذه المظاهرات واالعتصامات‪ ،‬التي تخالف شريعتنا اإلسالمية‬
‫السمحة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن فيها تشبّ ًها بالكفار كما بيّنا يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫وأما ما استدلوا به على جواز المظاهرات فإنه ال يثبت منه شيء‪ ،‬كما ب ّينا ذلك‬
‫يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫والخالصة‪:‬‬
‫* أن من العلماء من حكم على هذه المظاهرات بالبدعة‪.‬‬
‫* ومن العلماء من قال‪ :‬هي من باب التشبّه بالكفار‪.‬‬
‫* ومن العلماء من قال‪ :‬هي وسيلة من وسائل اإلنكار‪ ،‬ووسائل اإلنكار‬
‫توقيفية‪.‬‬
‫* ومن العلماء من قال‪ :‬هي من الخروج على ولي األمر‪ ،‬والخروج على ولي‬
‫محرم‪.‬‬
‫األمر ّ‬
‫* ومن العلماء من قال‪ :‬ال تخلو المظاهرات من مخالفات‪ ،‬ويرتتب عليها‬
‫مفاسد كبيرة‪.‬‬
‫وكل هذه األقوال تؤدي إلى منع المظاهرات‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة واألربعون‪:‬‬


‫قد يستجاب للسفهاء مبا خيالف الشرع‬
‫‪ ‬إن المظاهرات واالعتصامات والثورات قد تجعل للسفهاء والجهال من‬
‫الرجال والنساء رأ ًيا‪ ،‬فقد ُي َل ِّبي ولي أمر المسلمين مطالب هؤالء سدا للذريعة‬
‫ودف ًعا للفتنة أو غير ذلك‪ ،‬ولو كانت هذه المطالب التي جاؤوا هبا تخالف الكتاب‬
‫كثيرا من المتظاهرين والمعتصمين يحمل شعارات‬
‫والسنة‪ ،‬وهذا أمر مشاهد‪ ،‬فإن ً‬
‫الكفر واإللحاد والفسوق والفجور وينادي هبا ويطالب‪ ،‬وهم الذين يتصدرون هذه‬
‫المظاهرات ويرفعون الالفتات واللوائح‪ ،‬وهم الذين يهتفون بالناس ويشجعوهنم‪.‬‬
‫‪« :‬إن أ ْعظم الْم ْسلمين في الْم ْسلمين ج ْرما‪ ،‬م ْن سأل ع ْن ش ْيء ل ْم‬ ‫قال‬
‫يحر ْم على الْم ْسلمين‪ ،‬فح ِّرم عليْه ْم م ْن أ ْجل م ْسألته»(‪.)1‬‬
‫قال النووي ‪:)2(‬‬
‫«قال صاحب التحرير وغيره‪ :‬فيه دليل على أن من عمل ما فيه إضرار بغيره‬
‫آثما» اهـ‬
‫كان ً‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)7٢89‬مسلم» (‪ )٢358‬عن سعد بن أبي وقاص‪.‬‬
‫(‪« )2‬شرح النووي على صحيح مسلم» (‪.)111/15‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثامنة واألربعون‪:‬‬


‫انتشار الفقر واجلوع‬
‫‪ ‬الفقر مصيبة ضررها عظيم على الدِّ ين‪ ،‬فكم من إنسان انسلخ من دينه‬
‫وخرج عن عقيدته بحثًا عن المال؛ ألجل أن يسد فقره‪ ،‬ويدفع حاجته‪ ،‬وكم من‬
‫مسلم َتن ََّصر‪ ،‬وكم من ُسنِّي َت َشيَّع‪ ،‬وكم من إنسان خالف مبادئه وقيمه وخرج عن‬
‫إيمانه؛ ألجل حفنة من المال‪ ،‬ما دفعه إليها إال الفقر والحاجة‪ ،‬فالفقر من أهم‬
‫أسباب الجهل‪ ،‬ومن أهم أسباب التخلف‪ ،‬وسبب لمعظم المشاكل التي يعيشها‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ ‬وإن من أهم أسباب انتشار الفقر يف هذا الزمن‪:‬‬
‫ما ابتليت به األمة من المظاهرات والثورات واالنقالبات والحروب التي زادت‬
‫الطين بِ َّلة‪ ،‬فكم من غني افتقر بإتالف ممتلكاته؛ بالحرق والسلب والنهب‬
‫مشر ًدا‪.‬‬
‫ذليال ّ‬
‫فقيرا ً‬
‫والسـرقة‪ ،‬فأصبح ً‬
‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬

‫ﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸ‬


‫ﭹ ﭺ ﭼ [النحل]‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال العالمة عبد العزيز بن باز ‪:)1(‬‬


‫«وإن للمعاصي والذنوب من اآلثار القبيحة المضرة بالقلب‪ ،‬والبدن‪،‬‬
‫والمجتمع‪ ،‬والمسببة لغضب اهلل وعقابه يف الدنيا واآلخرة ما ال يعلم تفاصيله إال‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬فهي تحدث يف األرض أنوا ًعا من الفساد يف الماء والهواء والثمار‬
‫والمساكن‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ [الروم]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﮋ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬

‫ﯽ ﯾ ﮊ [األعراف‪ »]13٠:‬اهـ‬

‫(‪« )1‬مجموع فتاوى ابن باز» (‪.)16٠-159/9‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التاسعة واألربعون‬


‫الغالء الفاحش وارتفاع األسعار‬
‫‪ ‬إن من أسباب الغالء الفاحش وارتفاع األسعار‪ ،‬بل وانعدام السلع أحيانًا؛‬
‫هو الخروج على والة أمر المسلمين الذي يبدأ بالمظاهرات واالعتصامات‬
‫عمت الفتنة‬
‫والثورات‪ ،‬التي تنادي برخص األسعار وتحسين المعيشة‪ ،‬فإذا ّ‬
‫وطمت وحصل الصـراع بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬وأصبحت البالد حلبة للصـراع‬
‫ّ‬
‫والمصارعة‪ ،‬وحصل االنفالت األمني‪ ،‬فال رقيب وال عتيد حصل عندها الفساد‬
‫عمت به البلوى‪ ،‬وخاصة يف بالد الربيع‬
‫العريض‪ ،‬ومنه غالء األسعار الذي ّ‬
‫العربي‪.‬‬

‫‪ ‬وهذا كله بسبب الذنوب والمعاصي‪:‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﮊ‬

‫[النساء‪.]79:‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬

‫ﰇ ﮊ[الشورى]‪.‬‬

‫وقال ‪ :‬ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ [الروم]‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬وظاهرة الغالء الفاحش من الظواهر الخطيرة‪ ،‬إذا لم تعالج أدت إلى‬


‫كوارث ونتائج سيئة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ ‬انتشار الفقر يف المجتمعات‪.‬‬


‫‪ ‬وظهور األمراض الخطيرة االجتماعية من البطالة‪ ،‬والسـرقة‪،‬‬
‫واإلجرام‪.‬‬
‫المتضررين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬وكثرة‬
‫‪ ‬واتساع الطبقة الفقيرة‪.‬‬
‫‪ ‬وإلحاق كثير من أفراد الطبقة المتوسطة بالفقراء‪.‬‬
‫‪ ‬ويشيع العنت‪.‬‬
‫‪ ‬ويعم الغم والهم والحزن البالد والعباد‪.‬‬
‫وهذه الموجة من الغالء التي تجتاح أسواق بالد الربيع العربي‪ ،‬ارتفعت فيها‬
‫ً‬
‫فاحشا‪ ،‬وتضاعفت أسعار‬ ‫أسعار المواد الغذائية‪ ،‬حتى األساسية ارتفا ًعا‬
‫الخضروات يف بعض الحاالت إلى ‪ %٢٠٠‬أو ‪،%3٠٠‬‬
‫مس هذا االرتفاع حليب األطفال‪ ،‬ومواد البناء‪ ،‬وأسالك الكهرباء‪،‬‬
‫وهكذا ّ‬
‫والحديد‪ ،‬واإلسمنت‪ ،‬ثم األراضي والعقارات وارتفاع اإليجارات‪ ،‬وفواتير‬
‫الخدمات‪ ،‬والنواحي الصحية‪ ،‬وتكاليف التعليم والنقل ونحوها‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫حاصال يف بعض مراحلها بسبب‬


‫ً‬ ‫وقد كان غالء األسعار يف تاريخ هذه األمة‬
‫الذنوب والمعاصي‪ ،‬فقد حكى صاحب «النجوم الزاهرة»( ‪: )1‬‬
‫يف أواخر عهد بني العباس عظم الغالء ببغداد يف شعبان‪ ،‬حتى أكلوا الجيف‬
‫والروث‪ ،‬وماتوا على الطرق‪ ،‬و ُأكلت الكالب‪ ،‬وبيع العقار بالرغفان ـ أرغفة الخبز‬
‫ـ‪ ،‬وهرب الناس إلى بلدان أخرى‪ ،‬فماتوا يف الطريق‪.‬‬
‫وضرب الغالء أي ًضا يف القرن الخامس بعض بلدان المسلمين كمصـر‪،‬‬
‫وحصل بذلك هالك كثير‪ ،‬و ُأكلت الدواب التي ال تؤكل كالكالب وغيرها‪،‬‬
‫وكانت األقوات يف غاية القلة والغالء‪ ،‬ومات كثير من الناس حتى مات يف شهر‬
‫صفر وحده مائة وثالثون أل ًفا‪.‬‬

‫(‪« )1‬النجوم الزاهرة يف ملوك مصر والقاهرة» (‪ )٢86/3‬بتصرف يسير‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلمسون‬
‫احتكار التجار للسلع‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات واالعتصامات‪:‬‬
‫غياب الرقابة السلطانية على التجار‪ ،‬فيقومون برفع األسعار‪ ،‬أو باحتكار‬
‫السلع التي يحتاج إليها الناس‪ ،‬وإذا غابت الرقابة من السلطان ومراقبة الملك‬
‫‪« :‬ال ي ْحتكر إال خاط ٌئ»(‪ ،)1‬أي‪ :‬آثم‬ ‫العالم فعلى األسعار السالم‪ ،‬يقول‬
‫ﮀﮁ‬ ‫وعاصي‪ ،‬ال تظن أن كلمة خاطئ خفيفة‪ ،‬فإن اهلل يقول‪ :‬ﮋ ﭿ‬

‫ﮂ ﮃ ﮄﮊ [القصص‪.]8:‬‬
‫لذلك يقول الفقهاء وعلماء االقتصاد‪:‬‬
‫إن االحتكار االقتصادي يضيع الحقوق‪ ،‬ويعطل المصالح؛ بسبب مخالفة ما‬
‫وأجمع عليه الفقهاء‪ ،‬وإنه من صور االعتداء على حقوق‬ ‫أمر به اهلل‪ ،‬ورسوله‬
‫األفراد والمجتمعات‪ ،‬وأكل أموال الناس بالباطل‪،‬ويرتتب عليه الظلم ومحق‬
‫الربكات والحياة الضنك‪.‬‬
‫ومن أهم آثار االحتكار االقتصادية‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )16٠5‬معمر بن عبد اهلل ‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قتل المنافسة المشروعة‪ ،‬وانخفاض الجودة‪ ،‬وتبديد الموارد‪ ،‬وظهور السوق‬


‫السوداء‪ ،‬وحرق السلعة‪ .‬ونحو ذلك مما يضـر بالناس وباألسواق‪ ،‬وهذا كله‬
‫يخالف أحكام ومبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ويسبب الحياة الضنك‪ ،‬وهذا ما أشار‬
‫اهلل إليه يف كتابه الكريم‪:‬‬
‫ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﮊ [طه‪.]1٢4-1٢3:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية واخلمسون‬


‫انتشار البطالة‬
‫‪ ‬إن من أسباب حدوث المظاهرات والثورات هو وجود شيء من البطالة يف‬
‫البالد‪ ،‬فإذا ا شتعلت نار الفتنة يف البالد بسبب هذه الثورات ازدادت البطالة واتسع‬
‫الخرق على الراقع‪ ،‬وكما قيل‪:‬‬
‫َومِ َن الربِّ َما َي ُكو ُن ُع ُقو َقا‬
‫( ‪)1‬‬
‫قص ِد‬ ‫ِ‬
‫ضر م ْن َغ ْي ِر ْ‬
‫َرا َم نَ ْف َعًا ف َّ‬
‫وكما قيل‪ :‬أراد أن يعربه فأعجمه(‪.)2‬‬
‫ألن من أهم أسباب البطالة األوضاع السياسية للدول الواقعة تحت أزمات‬
‫الحروب والدمار‪ ،‬بسبب الثورات والمظاهرات وغيرها‪ ،‬األمر الذي يرتتب عليه‬
‫فقدان حكومات تلك الدول القدرة على دعم سوق وقطاع العمل وتطويره‪ ،‬مما‬
‫يتسبب بحدوث نقص يف اإلنتاج ورأس المال‪ ،‬وتدين فرص العمل هبا وعدم‬
‫توفرها‪.‬‬
‫وال يشك عاقل أن البطالة مشكلة خطيرة على المجتمع‪ ،‬كما أن تزايد حجم‬
‫واضحا للقدرات البشـرية‪ ،‬واستمرارية ذلك‬
‫ً‬ ‫إهدارا‬
‫ً‬ ‫البطالة عا ًما بعد عام يعترب‬

‫(‪ )1‬الديوان المنسوب للشافعي (ص‪.)81:‬‬


‫(‪« )2‬لسان العرب» (‪« ،)388/1٢‬تاج العروس» (‪« ،)6٠/33‬البداية والنهاية» (‪.)98/8‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫يشكل خطورة بالغة ليس على االقتصاد الوطني فقط وإنما يمثل خطورة على‬
‫األمن‪ ،‬وتشير نتائج الدراسات واألبحاث الميدانية وكذلك الواقع الحيايت اليومي‬
‫الملموس إلى تزايد مشكلة البطالة مما انعكس على طبيعة الحياة االجتماعية بين‬
‫الناس‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن ثورات الربيع العربي انعكست يف شكل سلبي على سوق‬
‫العمل‪ ،‬ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة يف البلدان العربية بنسبة (‪ )%3‬ثالثة يف‬
‫المئة‪ ،‬وذلك من (‪ )%14‬يف المئة‪ ،‬عام (‪٢٠1٠‬م) إلى (‪ )%17‬يف المئة‪ ،‬عام‬
‫(‪٢٠13‬م)‪ ،‬ووصل عدد العاطلين من العمل إلى أكثر من (‪ )٢٠‬مليونًا‪ ،‬وفق‬
‫إحصاءات منظمة العمل العربية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬صحيفة الحياة ‪٢٠14/1٢/٢1‬م‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية واخلمسون‪:‬‬


‫طالبوا بالبعض فضاع الكل‬
‫(الطمع ضيع ما مجع)‬
‫‪ ‬إن جميع الثورات والمظاهرات‬
‫التي خرجت إنما خرجت تطالب ببعض الحقوق ـ زعمـوا ـ كزيادة يف‬
‫المر َّتبات ً‬
‫مثال وإيجاد وظائف وفرص للعمل ونقص األسعار‪ ،‬وتقوية الكهرباء‬
‫والماء وإصالح بعض الطرقات‪ ،‬وغير ذلك من أمور الدنيا‪ ،‬فلما هاجت الفتنة‬
‫واشتد الصراع بين الحاكم والمحكوم واندلعت الحرب كما حصل يف دول الربيع‬
‫العربي‪ ،‬ضاع بعدها كل المر َّتب‪ ،‬وانتشـرت البطالة المطلقة‪ ،‬وارتفعت األسعار‪،‬‬
‫وعم‬
‫وانطفأت الكهرباء بالكلية‪ ،‬وانقطع الماء تما ًما‪ ،‬وهدمت الطرقات والجسور‪ّ ،‬‬
‫حيث قال‪« :‬ال‬ ‫الفساد والدمار يف البالد والعباد‪ ،‬وصدق الصادق المصدوق‬
‫يأْتي عل ْيك ْم زما ٌن إال الذي ب ْعده ش ٌّر منْه»(‪.)1‬‬
‫خيرا لهم وأقوم‪.‬‬
‫ولو أهنم صربوا لكان ً‬
‫وكما قيل يف المثل‪« :‬عصفور يف اليد خير من عشرة فوق الشجرة»‪.‬‬
‫«وبيضة اليوم خير من دجاجة الغد»‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ )7٠68‬عن أنس ‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«والتقلل خير من التذلل»‪.‬‬


‫ولكنه الطمع يف الدنيا والحرص عليها‪.‬‬
‫ويف المثل المشهور‪« :‬الطمع ض ّيع ما جمع»‪.‬‬
‫وهو من أسوأ الصفات التي يتصف هبا اإلنسان‪ ،‬والطماع هنايته شنيعة‪ ،‬وقد‬
‫يصل بصاحبه إلى الذل والمهانة‪.‬‬
‫كما يف المثل‪« :‬ما نبتت أغصان الذل إال على بذر الطمع»‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وعكس الطمع الرضا والقناعة‪ ،‬قال‬
‫«‪...‬و ْارض بما قسم اهلل لك تك ْن أ ْغنى الناس‪.)1 (»...‬‬
‫ويف المثل‪« :‬قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع‪ ،‬وكثرة الحرص‬
‫والطمع تكثر الهم والجزع»‪.‬‬
‫وقيل أيضا‪« :‬العبد حر إذا قنع‪ ،‬والحر عبد إذا طمع»( ‪.)2‬‬
‫وقد قال اهلل‪ ‬يف األمثال‪:‬‬
‫ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ [العنكبوت]‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن كل هذا الصياح‪ ،‬والنياح‪ ،‬والبكاء‪ ،‬والعويل‪ ،‬والشهيق‪،‬‬
‫والزفير‪ ،‬إنما هو من أجل القليل الحقير‪ ،‬وليس من أجل دين اهلل العظيم القدير‪،‬‬
‫وهذا حال الناس على مر العصور والدهور إال من رحم اهلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسن رواه «أحمد» (‪ ،)8٠95‬و«الرتمذي» (‪ )٢3٠5‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وحسنه األلباين‬
‫‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)93٠‬و«صحيح الجامع» (‪.)1٠٠‬‬
‫إن َط ِم ْع‪.‬‬
‫إن َقن ِ ْع ‪َ ...‬وا ْل ُح ُّر َع ْبدٌ ْ‬
‫(‪ )2‬وأصل هذا المثل بيت من الشعر‪ :‬ا ْل َع ْبدُ ُح ٌّر ْ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال ابن عقيل الحنبلي ‪ ‬قبل سبعة قرون من اآلن( ‪:)1‬‬


‫«من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار‪،‬‬
‫وموت األقارب واألسالف‪ ،‬والتحسر على األرزاق بذم الزمان وأهله وذكر نكد‬
‫العيش فيه‪ ،‬وقد رأوا من اهندام اإلسالم‪ ،‬وشعث األديان‪ ،‬وموت السنن‪ ،‬وظهور‬
‫البدع‪ ،‬وارتكاب المعاصي وتقضي العمر يف الفارغ الذي ال يجدي‪ ،‬والقبيح الذي‬
‫يوبق ويؤذي‪ ،‬فال أجد منهم من ناح على دينه‪ ،‬وال بكى على فارط عمره‪ ،‬وال آسى‬
‫على فائت دهره‪ ،‬وما أرى لذلك سببًا إال قلة مباالهتم باألديان وعظم الدنيا يف‬
‫عيوهنم ضد ما كان عليه السلف الصالح يرضون بالبالغ وينوحون على الدين»‪.‬‬

‫(‪« )1‬اآلداب الشرعية» البن مفلح ‪.)٢4٠/3( ‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة واخلمسون‬


‫خراب البنية التحتية‬
‫الخالقة‪ ،‬المتمثلة يف‬
‫‪ ‬إن من أسباب خراب البنية التحتية للبالد هي الفوضى ّ‬
‫جرت وراءها فيضانات من الفتن‪،‬‬
‫الثورات والمظاهرات واالعتصامات‪ ،‬التي َّ‬
‫يعرفها المتخصصون‪ ،‬بأهنا‬
‫فجرفت كل المنشآت الحيوية‪ ،‬والبنية التحتية‪ ،‬التي ّ‬
‫كل المؤسسات والهياكل الفنية التي تدعم المجتمع‪ ،‬وتمس أمن المواطن‬
‫االقتصادي والعلمي والصحي والخدمي‪ ،‬مثل المدارس‪ ،‬والمستشفيات‪،‬‬
‫والطرق‪ ،‬والجسور‪ ،‬والسدود‪ ،‬والمحطات‪ ،‬والمطارات‪ ،‬والمصانع‪ ،‬واإلنتاج‬
‫الزراعي‪ ،‬والكهرباء‪ ...،‬وتحولت البالد من الصعود إلى الهبوط‪ ،‬ومن العمار إلى‬
‫الدمار‪ ،‬ومن البناء إلى الهدم‪ ،‬ومن التقدم إلى التأخر والتدهور‪.‬‬
‫وأضرب مثاال‪ :‬بإتالف لوحات االتجاهات‪ ،‬أو تغييرها عن وجهتها وحكمه‬
‫‪:‬‬ ‫يف الشرع‪ ،‬فعن علي ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي‬
‫«‪...‬لعن اهلل م ْن غير منار ْاأل ْرض»( ‪.)1‬‬
‫فكيف بإتالفها أو حرقها؟!‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪.)1978‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة واخلمسون‪:‬‬


‫انتشار األمراض واألوبئة‬
‫‪ ‬إن من مفاسد الثورات انشغال ما تب ّقى من الحكومة إن بقيت بأمهات‬
‫القضايا‪ ،‬فيحصل َخ َلل كبير يف كثير من المجاالت التي انشغلت عنها الدولة ومنها‬
‫نظافة الشوارع والطرقات‪ ،‬فترتاكم النفايات يف الطرقات كالتالل أو كالجبال‪،‬‬
‫وتش ّكل هذه النفايات المرتاكمة مشكلة بيئ ّية تتس ّبب بانخفاض جودة الهواء‪،‬‬
‫أيضا الروائح المزعجة المؤذية لصحة‬
‫وتلوث المياه‪ ،‬وهدر الموارد‪ ،‬وتسبّب ً‬
‫الكائنات الحيّة‪ ،‬فتنبعث منها السوائل السامة التي تجذب الصراصير والذباب‬
‫وكثيرا من الحشـرات‪ ،‬فيحصل بسببها أمراض كثيرة يف الجهاز الهضمي‬
‫ً‬ ‫والبعوض‬
‫والجهاز التنفسي‪ ،‬فيؤ ّدي ذلك إلى آالم المعدة‪ ،‬والتقيؤ‪ ،‬واإلسهال‪ ،‬والكوليرا‪،‬‬
‫واألمراض الجلدية والحساسية يف الجهاز التنفسـي‪ ،‬ويسبب التلوث الناجم عن‬
‫النفايات كذلك األمراض البكتيرية‪ ،‬وتش ّكل اضطرابات الجهاز الهضمي مرض‬
‫المعدية‪.‬‬
‫التيفوئيد‪ ،‬والمالريا‪ ،‬ومختلف أنواع األمراض ُ‬
‫‪ ‬وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية هالك خلق ال يحصي عددهم إال اهلل‬
‫بسبب هذه األمراض يف دول الربيع العربي‪ ،‬من الرجال والنساء‪ ،‬والصغار‬
‫والكبار‪ ،‬وساعد يف ذلك قلة الغذاء‪ ،‬وقلة الدواء‪ ،‬وازدحام المستشفيات‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫بالمرضى‪ ،‬وهروب الطواقم الطبية المدربة‪ ،‬وانقطاع الكهرباء‪ ،‬وعدم استطاعة‬


‫السفر إلى الخارج للعالج‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة واخلمسون‬


‫موت املرضى لعدم توفر الطبيب‬
‫والدواء وانطفاء الكهرباء‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪ ،‬والصراعات الداخلية‪:‬‬
‫ذهاب كثير من الخدمات األساسية‪ ،‬ومنها خراب المستشفيات‪ ،‬ونقص‬
‫الدواء‪ ،‬وذهاب األطباء‪ ،‬وانطفاء الكهرباء‪ ،‬مما يؤدي ذلك إلى موت العشـرات‬
‫من المرضى يف مراكز العناية المركزة‪ ،‬والقلب والغسيل الكلوي وغير ذلك‪ ،‬فتقوم‬
‫بعض المستشفيات بتشغيل المولدات الكهربائية عند انقطاع الكهرباء الرئيسية‪،‬‬
‫ولكن هذه المولدات الكهربائية قد تفشل يف إمداد كافة األقسام بالكهرباء الالزمة‬
‫نتيجة عدم توفر قطع الغيار الالزمة إلصالح تلك المولدات‪ ،‬باإلضافة إلى نفاد‬
‫الوقود‪ ،‬ويؤدي انقطاع الكهرباء يف المستشفيات إلى توقف محطات األكسجين‬
‫المركزية‪ ،‬وأجهزة تعقيم المعدات الطبية الالزمة للعمليات الجراحية‪.‬‬
‫وهكذا النقص الحاد يف األدوية الطبية يعصف بالمرضى ويلقي بظالله القاتم‬
‫على مستقبل المرضى‪ ،‬ومما يزيد األمر تعقيدً ا هروب كثير من الطواقم الطبية ذات‬
‫الخربة الكبيرة‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة واخلمسون‬


‫ﮋﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮊ‬
‫‪ ‬هل تأملتم وتدبرتم هذه اآلية الكريمة؟ التي يخاطب اهلل‪ ‬هبا عباده‬
‫المؤمنين ليحذروا وليعتربوا باألمم التي تاهت وانحرفت واستكربت على اهلل‬
‫كفرا ـ كفر نعمة ـ فحـاق هبذه األمم الهالك والدمار‬
‫‪ ،‬وبدّ لت نعمة اهلل ً‬
‫يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فاهلل يريد منّا َّأال نسلك مسالك تلك األمم‪ ،‬وال نقع يف التيه‬
‫الذي وقعوا فيه‪ ،‬والذي ّ‬
‫حذرنا اهلل منه قد وقع فيه أصحاب الربيع العربي‪ ،‬الذين‬
‫وهبهم اهلل نعمة األمن واألمان ونِ َع ًما ال تحصى كثرة‪ ،‬فرتكوا هذه النعم‬

‫واستبدلوها بالنقم‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬

‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ [إبراهيم]‪ ،‬أكرمهم اهلل ‪ ‬بالنعم ألوانًا وأصنا ًفا‬


‫ً‬
‫وأشكاال‪ ،‬فلم يشكروا هذه النعمة واستبدلوها بالمعاصي والذنوب‪ ،‬وهبذا‬
‫االستبدال العجيب قادوا قومهم إلى جحيم الصراعات والحروب والخراب‬
‫والدمار‪.‬‬

‫جهال‪ ،‬وبالعلماء ُج ّه ًاال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بالسنَّة بدع ًة‪ ،‬وبالعلم‬


‫ُّ‬ ‫‪ ‬لقد استبدلوا‪:‬‬
‫أشرارا‪ ،‬وباألمن خو ًفا‪ ،‬وبالطمأنينة قل ًقا‪ ،‬وبال ِّس ْلم حر ًبا‪ ،‬وبال ِغنى‬
‫ً‬ ‫وبالصالحين‬
‫مرضا‪ ،‬وبالعمل والوظيفة فرا ًغا‪،‬‬
‫قرا‪ ،‬وبالشبع جو ًعا‪ ،‬وبالرخص غال ًء‪ ،‬وبالصحة ً‬
‫ف ً‬
‫وبالعزة ذ ّ ً‬
‫ال‪ ،‬وباالجتماع فرق ًة‪ ،‬وباأللفة عداو ًة‪ ،‬وبالصلة انقطا ًعا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبالبناء خرا ًبا‪،‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫سفرا وهر ًبا‪ ،‬وبالحرية سجنًا‪ ،‬وبالسعة‬


‫تأخرا‪ ،‬وباإلقامة ً‬
‫ً‬ ‫وبالقوة ضع ًفا‪ ،‬وبالتقدم‬
‫ضي ًقا‪ ،‬وباالستقرار زعزع ًة‪ ،‬وبنور الكهرباء ظال ًما‪ ،‬وبالماء جفا ًفا‪ ،‬وبالنظافة قذار ًة‬
‫ً‬
‫وأوساخا‪ ،‬وبجميع الخدمات حسر ًة وندامات‪.‬‬
‫‪ ‬لقد أكرمهم اهلل ‪ ‬بكل ما يمكن أن تتصوروه من النعم الظاهرة‬
‫والباطنة فرتكوها‪ ،‬وصدق اهلل القائل‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬

‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [الدخان]‪ ،‬فبالنسبة للحال التي كانوا فيها‬


‫كانوا يف نعيم مقارنة بالحال التي وصلوا إليها‪ ،‬فبد ًال من أن يتخذوا من هذه النعم‬
‫سبيال لسخطه ومقته‪.‬‬
‫سبيال إلى مرضاة اهلل‪ ‬اتخذوها ً‬
‫ً‬
‫‪ ‬يذكّرهم المذكّرون‪.‬‬
‫‪ ‬ويعظهم الواعظون‪.‬‬
‫‪ ‬وينبههم المنبّهون‪.‬‬
‫فيشمئزون من التبليغ والمب ّلغين‪ ،‬لقد كتبت المحابر‪ ،‬وامتألت الدفاتر‪ ،‬وبحت‬
‫الحناجر‪ ،‬واهتزت المنابر تحذر وتنذر من مغبة هذه المظاهرات والثورات‪ ،‬ولكن ال‬
‫حياة لمن تنادي‪ ،‬بل يرى بعضهم أن الزمن قد عفى على هذا كله‪ ،‬وأن القديم أصبح‬
‫بال ًيا ما ينبغي أن يحفل العقالء به‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة واخلمسون‬


‫إضعاف البالد والعباد‬
‫‪ ‬ال يشك من لديه مسكة عقل أن من مفاسد المظاهرات واالعتصامات‬
‫والثورات واالنقالبات وإدخال البالد والعباد يف صراع مستمر بين الحاكم‬
‫والمحكوم أنه يؤدي إلى ضعف البالد والعباد يف جميع المستويات‪ ،‬ضعف‬
‫اقتصادي‪ ،‬وضعف عسكري‪ ،‬وضعف سياسي‪ ،‬وضعف اجتماعي‪،...‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮊ‬
‫[النحل‪]9٢:‬‬

‫وهذا الضعف لم يعد اليوم خافيًا على أحد من الناس‪ ،‬فإن المسلمين اليوم‬
‫يمرون بفرتة من أحلك فرتات تاريخهم‪ ،‬ويعود ذلك إلى عدم تطبيق أحكام‬
‫اإلسالم والتزام تعاليمه‪ ،‬فهانوا على اهلل تعالى حينما هانت عندهم أوامره ونواهيه‪،‬‬
‫فأصبحوا يف ذيل األمة‪ ،‬وأصبحوا عرضة لكل فاجر وكافر يتصـرف هبم‬
‫وببالدهم‪ ،‬يسلبون خيراهتا‪ ،‬ويفسدون فيها بنشـر مجوهنم وإلحادهم‪،‬‬
‫ولقد كانت أمة اإلسالم خير أمة أخرجت للناس يوم كانت تتشرف بقبول هذا‬
‫صحيحا صافيًا‬
‫ً‬ ‫الدين وحمل رسالته‪ ،‬والقيام بإبالغه وتوصيله إلى األمم األخرى‬
‫كما جاء‪ ،‬مجانبة لألهواء والشهوات‪ ،‬مخلصة هلل رب األرض والسماوات‪ ،‬كان‬
‫اهلل معها فنصـرها وأعزها‪ ،‬ودان لها الشرق والغرب‪ ،‬وانتشر توحيد اهلل وعبادته‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وعم الخير والعدل والسالم يف كل مكان؛ ألن الحكم‬


‫وحده يف أنحاء المعمورة‪ّ ،‬‬
‫صار لشرع اهلل تعالى وهو العليم بما يصلح اإلنسان ويسعده‪،‬ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬

‫ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [الملك]‪.‬‬
‫واليوم وقد أصيبت هذه األمة يف أعز ما تملكه‪ ،‬وهو دينها الذي أعزها اهلل به‬
‫وتخلت عن التمسك به‪ ،‬وخدعها أعداؤها بما يزينونه من زخارف المدنية‬
‫والديمقراطية والحرية والمظ اهرات‪ ،‬فأقبل أكثر المسلمين على ما عند أعداء‬
‫اإلسالم المرتبصين به‪ ،‬يأخذون ما عندهم من باطل وضالل‪ ،‬وقلدوهم يف فسقهم‬
‫وانحرافهم وأخالقهم بال تفريق بين النافع والضار‪ ،‬فحل بالبالد والعباد الضعف‬
‫والوهن‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ[األنفال‪]46:‬‬

‫قال الرازي‪:)1(‬‬
‫«بيَّن تعالى أن النِّزاع ُي ِ‬
‫وجب أمرين‪:‬‬
‫والضعف‪.‬‬
‫‪ o‬أحدهما‪ :‬أنه ُيوجب حصول الفشل َّ‬
‫‪ o‬والثاين‪ :‬قوله‪ :‬ﮋ ﭗ ﭘ ﮊ أن المراد بالريح الدولة‪ُ ،‬ش ِّبهت الدولة‬
‫وهبُوبِها‪ ،‬يقال‪َ :‬هبَّ ْت رياح فالن‪ ،‬إذا دانت له‬
‫وقت نفاذها وتمشية أمرها بالريح ُ‬
‫الدولة ونفد أمره» اهـ‬

‫(‪« )1‬تفسير الرازي» (‪.)489/15‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثامنة واخلمسون‬


‫تفريق املســـلمني‬
‫‪ ‬ال شك أن تفريق المسلمين محرم بالكتاب والسنة وإجماع األمة‪.‬‬

‫* قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ [آل عمران‪.]1٠3:‬‬

‫‪« :‬الْجماعة ر ْحمةٌ‪ ،‬والْف ْرقة عذ ٌ‬


‫اب»(‪.)1‬‬ ‫* وقال‬
‫فتفريق جماعة المسلمين من الكبائر التي تبيح دم المفرق كما جاء يف‬
‫يع على رجل واحد‪ ،‬يريد أ ْن يشق عصاك ْم‪ ،‬أ ْو‬
‫الصحيح‪« :‬م ْن أتاك ْم وأ ْمرك ْم جم ٌ‬
‫يف ِّرق جماعتك ْم‪ ،‬فا ْقتلوه»(‪.)2‬‬
‫‪ ‬وقد أجمعت األمة على تحريم الفرقة بين المسلمين‪.‬‬
‫وال يشك عاقل أن المظاهرات والثورات واالنقالبات تفريق للمسلمين‪،‬‬
‫فبسببها تكثر األحزاب‪ ،‬والشعارات‪ ،‬والرايات والصـراعات‪ ،‬هذا ضد هذا‪ ،‬وهذا‬
‫ضد هذا‪ ،‬حتى حصلت الفرقة والخالف والشر بين أهل البيت الواحد‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسن رواه عبد اهلل بن اإلمام أحمد يف «زوائد المسند» (‪ ،)18449‬والقضاعي يف «مسند‬
‫الشهاب» (‪ ،)15‬وابن أبي عاصم يف «السنة» (‪ )93‬عن النعمان بن بشير‪ ،‬وحسنه‬
‫األلباين يف «صحيح الجامع» (‪ ،)31٠9‬و«الصحيحة» (‪.)667‬‬
‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪ )185٢‬عن عرفجة ‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬وهذه األمور من المصائب التي ابتُليت هبا أ ّمة اإلسالم‪ ،‬والتي طالما‬
‫السلم والحرب‪،‬‬ ‫َّ‬
‫حذ َرنا من الفرقة يف ِّ‬ ‫َّ‬
‫حذ َرنا منها القرآن‪ ،‬وكذا رسول اهلل‬
‫والرخاء؛ ألن الفرقة سبب كل بالء وشقاء‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫والشدَّ ة َّ‬
‫‪ ‬فينبغي على جميع المسلمين أن يعلموا‪ :‬أن التفريق بين المسلمين من‬
‫غايات وأهداف المنافقين والكافرين وأعداء الدين منذ أن بزغ فجر الرسالة‬
‫المحمدية‪ ،‬وهم يكيدون المكائد لإلسالم وأهله‪،‬ويحملون الغل والحقد على هذا‬
‫الدين‪ ،‬ويحاولون جاهدين صد الناس عن الحق المبين وإضعاف المسلمين؛‬
‫ألهنم يعلمون أن قوة المسلمين تعني إضعافهم وتنحيتهم عن القيادة والسيادة‬
‫للبشـرية‪...‬فعبثًا يحاول المسلمون اسرتضاءهم ألهنم لن يرضوا أبدً ا مهما قدم‬
‫المسلمون من تنازالت دنيوية‪ ،‬ولن يرضوا إال بالتنازل عن هذا الدين العظيم‪،‬‬
‫يقول اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬

‫ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﮊ‬
‫[البقرة]‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ[البقرة]‪،‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ففي هذه اآلية ّ‬


‫يحذر اهلل عباده المؤمنين من سلوك طريق الكفار من أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬ويعلمهم بعداوهتم لهم يف الباطن والظاهر وما هم مشتملون عليه من‬
‫الحسد للمؤمنين مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم(‪.)1‬‬

‫(‪« )1‬تفسير ابن كثير» (‪.)146/1‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التاسعة واخلمسون‬


‫زرع العداوة والبغضاء بني األمة الواحدة‬
‫وأبناء الشعب الواحد‬
‫‪ ‬ال شك أن الشيطان يهيج األمة على المنكرات‪ ،‬ومن هذه المنكرات‪:‬‬
‫المظاهرات والثورات واالنقالبات واالنقسامات‪ ،‬من أجل إيقاع العداوة‬
‫والبغضاء بينهم‪ ،‬ويصدهم عن صراط اهلل المستقيم‪،‬‬
‫لذا جاءت األحاديث ُمشدِّ دة على ذلك‪ ،‬ومبيِّنة عاقبة العداوة والبغضاء بين‬
‫المسلمين‪،‬‬
‫ومن ذلك ما رواه مسلم(‪َ )1‬ع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ‬ق َال‪:‬‬
‫ول اهللِ ‪« :‬ال تحاسدوا‪ ،‬وال تناجشوا‪ ،‬وال تباغضوا‪ ،‬وال تدابروا‪،‬‬ ‫َق َال َر ُس ُ‬
‫وال يب ْع ب ْعضك ْم على ب ْيع ب ْعض‪ ،‬وكونوا عباد اهلل إخْ وانا‪ ،‬الْم ْسلم أخو الْم ْسلم‪ ،‬ال‬
‫يظْلمه‪ ،‬وال يخْ ذله‪ ،‬وال ي ْحقره‪ ،‬الت ْقوى هاهنا» ويشير إلى صدْ ره ثالث مرات‬
‫«بح ْسب ْامرئ من الش ِّر أ ْن ي ْحقر أخاه الْم ْسلم‪ ،‬ك ُّل الْم ْسلم على الْم ْسلم حرا ٌم‪،‬‬
‫دمه‪ ،‬وماله‪ ،‬وع ْرضه»‪.‬‬

‫(‪« )1‬مسلم» (‪.)٢564‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪« :‬دب إليْك ْم داء ْاألمم قبْلك ْم‪ :‬الْحسد‪ ،‬والْبغْضاء‪ ،‬والْبغْضاء هي‪:‬‬ ‫وقال‬
‫الْحالقة‪ ،‬حالقة الدِّ ين ال حالقة الشعر‪ ،‬والذي ن ْفس محمد بيده‪ ،‬ال ت ْؤمنوا حتى‬
‫تحابُّوا‪ ،‬أفال أنبِّئك ْم بش ْيء إذا فع ْلتموه تحاببْت ْم‪ ،‬أ ْفشوا السالم ب ْينك ْم»(‪.)1‬‬
‫حذر الشرع من كل ما من شأنه إفساد هذه األمة‪ ،‬من حقد ٍّ‬
‫وغل وحسد‪ ،‬إذ‬ ‫فقد ّ‬
‫يدب يف أفرادها داء العداوة والبغضاء والشحناء‪،‬‬
‫ال خطر أشد على األ ّمة من أن َّ‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫الذي يقضي على كياهنا ويحلق دينها؛ َف َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ‬ع ِن النَّبِ ِّي‬
‫«والذي ن ْفسي بيده ال تدْ خلوا الجنة حتى تسلموا‪ ،‬وال ت ْسلموا حتى تحابوا‪،‬‬
‫وأ ْفشوا السالم تحابوا‪ ،‬وإياكم والبغْضة‪ ،‬فإنها هي الحالقة‪ ،‬ال أقول لكم ت ْحلق‬
‫الشعر‪ ،‬ولكن ت ْحلق الدِّ ين»( ‪.)2‬‬
‫ومن تدبَّر كتاب اهلل تعالى يدرك مدى حرص الشيطان وجنوده على زرع هذه‬
‫األمراض الخطيرة يف قلوب المؤمنين طل ًبا للتفريق بينهم‪ ،‬وإضعا ًفا لقوهتم‪،‬‬
‫وتوهينًا لوحدهتم‪ ،‬ال سيما وأن ِ‬
‫الغ َّل والبُ ْغ َض الذي َمأل قلب الشيطان على أبي‬
‫البشر آدم عليه الصالة والسالم كان سب ًبا يف طرده من رحمة اهلل تعالى إلى يوم‬
‫الدين‪ ،‬ويف هذا تنبيه شديد من ربنا ‪ ‬على خطورة هذه األمراض‪،‬‬

‫(‪ )1‬حسن رواه «أحمد» (‪ ،)141٢‬و«الرتمذي» (‪ )٢51٠‬عن عبد اهلل بن الزبير ‪ ،‬وحسنه‬
‫األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)4/1‬و«صحيح الرتغيب» (‪ ،)٢695‬و«صحيح‬
‫الجامع» (‪.)3361‬‬
‫(‪ )2‬حسن رواه البخاري يف «األدب المفرد» (‪ ،)٢6٠‬وحسنه األلباين يف «صحيح األدب المفرد»‬
‫(‪.)197‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وشناعة آثارها على من أصيب قلبه هبا‪.‬‬


‫فالشيطان ال هتدأ نفسه‪ ،‬وال يهنأ باله حتى يزرع الشقاق والنزاع بين عباد اهلل‬
‫الموحدين؛ ليضلهم عن سبيل اهلل‪ ،‬ويضعف من قوهتم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ِّ‬
‫ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [اإلسراء]‪.‬‬
‫أمته من االنخداع هبذا المخطط الشيطاين؛‬ ‫ولهذا َّ‬
‫حذر النبي‬
‫يقول‪« :‬إن الش ْيطان قدْ أيس أ ْن‬ ‫فعن جابر ‪ ‬قال‪ :‬سمعت النبي‬
‫ي ْعبده الْمص ُّلون في جزيرة الْعرب‪ ،‬ولك ْن في الت ْحريش ب ْينه ْم»(‪.)1‬‬
‫وال شك أن من يتبع سبيل الشيطان بمثل هذه المظاهرات واالعتصامات‬
‫والثورات واالنقالبات المخالفة للكتاب والسنة وما عليه سلف األمة فقد َّ‬
‫ضل‬
‫ً‬
‫ضالال بعيدً ا وخسر خسرانًا مبينًا كما قال اهلل تعالى يف كتابه الكريم‪:‬‬

‫ﮋﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﮊ[النساء]‪ ،‬ألن هذه المظاهرات والثورات ال تدعو لأللفة‪ ،‬وال تدعو للمحبة‪،‬‬
‫وإنما تدعو للصـراعات‪ ،‬وللقتال‪ ،‬وللدماء وللخراب ولتمزيق جسد األمة‪ ،‬وتدعو‬
‫للشـر المستطير بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬واألحزاب‪ ،‬والطوائف‪ ،‬والجماعات‪،‬‬
‫واألفراد‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪.)٢81٢‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الستون‬
‫إيغار صدور عامة الشعب على ويل أمرهم‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪ ،‬واإلنكار العلني على ولي األمر‪،‬‬
‫وإظهار عيوبه‪ ،‬إيغار صدور العامة على ولي أمر المسلمين؛ وهذا يذهب هبيبته‬
‫ومكانته وسلطانه‪ ،‬ويهيجهم على عصيان أمره‪ ،‬ويؤلبهم على استباحة خلعه‬
‫والخروج عليه؛ وهذا عصيان لألمر الشـرعي الذي أمر بالصرب على جور األئمة‪،‬‬
‫والسمع والطاعة لهم يف غير معصية اهلل‪ ،‬واجتماع الكلمة عليهم‪.‬‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫س ‪َ ‬ع ِن النَّبِ ِّي‬
‫فقد روى البخاري ومسلم(‪َ )1‬ع ِن ابْ ِن َعبَّا ٍ‬

‫«م ْن كره م ْن أميره ش ْيئا ف ْلي ْصب ْر‪.»...‬‬


‫فمن حقوق األئمة ووالة األمور على الرعية‪:‬‬
‫التعاون معهم‪ ،‬والوقوف يف صفهم‪ ،‬وجمع القلوب عليهم‪ ،‬وسرت معايبهم‪،‬‬
‫وعدم تأليب العا ّمة عليهم؛ وذلك لتنتظم مصالح الدين والدنيا‪ ،‬ويظهر المجتمع‬
‫متماس ًكا مما يضعف مؤامرات الكافرين والمنافقين‪.‬‬

‫(‪« )1‬البخاري» (‪« ،)7٠53‬مسلم» (‪.)1849‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية والستون‬


‫العقوق جبميع أنواعه‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات واالعتصامات والثورات‪:‬‬
‫عنه‪:‬‬ ‫العقوق الذي هنى اهلل ورسوله‬
‫‪ ‬كعقوق والة األمر‪،‬‬
‫‪ ‬وعقوق العلماء األكابر الذين هنوا عن هذه المظاهرات‪،‬‬
‫‪ ‬وعقوق األبناء الذين خرجوا للمظاهرات والمشاركة يف هذه الفتن‬
‫بغير إذن آبائهم‪،‬‬
‫‪ ‬وعقوق الزوجات اللوايت خرجن بغير إذن أزواجهن‪،‬‬
‫وغير ذلك من أنواع العقوق‪ ،‬فنحن يف زمن العقوق ـ والعياذ باهلل ـ‪،‬‬
‫‪ ‬فال طاعة هلل‪،‬‬
‫‪ ‬وال طاعة لرسول اهلل‪،‬‬
‫‪ ‬وال طاعة لوالة األمور من العلماء واألمراء‪،‬‬
‫‪ ‬وال طاعة للوالدين‪،‬‬
‫‪ ‬وال طاعة للزوج‪،‬‬
‫‪ ‬وال طاعة للعقالء والحكماء والكرباء‪،‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪« :‬الْبركة مع أكابرك ْم»(‪،)1‬‬ ‫وقد قال‬


‫‪« :‬ل ْيس م ْن أمتي م ْن ل ْم يجل كبيرنا وي ْرح ْم صغيرنا وي ْعرفْ‬ ‫وقال‬
‫لعالمنا»(‪.)2‬‬
‫والنصوص يف هذا الباب كثيرة‪ ،‬ولكن هؤالء المتظاهرين ضربوا هبا عرض‬
‫الحائط‪ ،‬واتبعوا األعداء األربعة‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ك ْيف الخْ الص وك ُّله ْم أ ْعدائي‬ ‫إبْليس والدُّ نْيا ون ْفسي والْهوى‬

‫فقل لي بربك‪ :‬كيف يفلح قوم هذا حالهم؟!‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «ابن حبان» (‪ ،)559‬والطرباين يف «األوسط» (‪ ،)8991‬و«الحاكم» (‪ )٢1٠‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)1778‬و«صحيح‬
‫الجامع» (‪.)٢884‬‬
‫(‪ )2‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)٢٢8٠7‬و«الحاكم» (‪ )4٢1‬عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬وصححه‬
‫األلباين ‪ ‬يف «صحيح الجامع» (‪ ،)5443‬و«صحيح الرتغيب» (‪.)1٠1‬‬
‫(‪« )3‬كشف الخفاء» (‪« ،)48/1‬التذكرة بأحوال الموتى وأمور اآلخرة» (ص‪.)88٠:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية والستون‬


‫سوء األخالق من سب وشتم ولعن وغري ذلك‬
‫‪ ‬إن من يعيش يف أوساط المتظاهرين والمعتصمين والثوار يسمع من قول‬
‫فضال عن مؤمن‪ ،‬يسب‬
‫ً‬ ‫الزور والبهتان‪ ،‬والفحش ما يستحي أن يسمعه عاقل‬
‫بعضا‪ ،‬ويلعنون الحكام والحكومات والمعارضين‬
‫بعضا‪ ،‬ويلعن بعضهم ً‬
‫بعضهم ً‬
‫لهم‪...‬‬
‫‪ ‬ومثل هذا السلوك المشين من هؤالء المتظاهرين ينايف كمال إيمان‬
‫أصحابه؛ لما أخرجه البخاري يف «األدب المفرد» وأحمد والرتمذي وابن حبان‬
‫قال‪:‬‬ ‫والحاكم بسند صحيح عن ابن مسعود ‪ ‬أن رسول اهلل‬
‫«ليْس الْم ْؤمن بالطعان‪ ،‬وال اللعان‪ ،‬وال الْفاحش وال الْبذيء»( ‪.)1‬‬
‫وهذه البذاءة والسفاهة تعرض صاحبها لبغض اهلل له‪ ،‬والعياذ باهلل‪،‬‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫ففي سنن الرتمذي بسند صحيح َع ْن َأبِي الدَّ ْر َد ِاء ‪َ ‬أ َّن النَّبِ َّي‬

‫(‪ )1‬البخاري يف «األدب المفرد» (‪« ،)31٢‬مسند أحمد» (‪« ،)3839‬سنن الرتمذي» (‪،)1977‬‬
‫«صحيح ابن حبان» (‪« ،)19٢‬مستدرك الحاكم» وصححه (‪ ،)٢9‬وصححه األلباين ‪ ‬يف‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪ ،)3٢٠‬و«صحيح الجامع» (‪ ،)5381‬وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف «نشر‬
‫الصحيفة» (ص‪ ،)13٢:‬وتعليقه على «المستدرك» (‪ )53/1‬رقم (‪.)٢9‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«ما ش ْي ٌء أ ْثقل في ميزان الم ْؤمن ي ْوم القيامة م ْن خلق حسن‪ ،‬وإن اهلل ليبْغض‬
‫الفاحش البذيء»( ‪.)1‬‬
‫‪« :‬سباب الم ْسلم فس ٌ‬
‫وق‪ ،‬وقتاله ك ْف ٌر»(‪.)2‬‬ ‫وقال‬
‫ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة»(‪.)3‬‬
‫‪ُّ « :‬‬ ‫وقال‬
‫‪« :‬الْم ْستبان ش ْيطانان‪ ،‬يتهاتران ويتكاذبان»(‪.)4‬‬ ‫وقال‬
‫الربا شتْم ْاأل ْعراض»(‪.)5‬‬
‫‪« :‬أ ْربى ِّ‬ ‫وقال‬
‫‪« :‬أتدْ رون ما الْم ْفلس؟»‬ ‫وقال‬
‫‪« :‬إن الْم ْفلس م ْن أمتي‬ ‫قالوا‪ :‬الْم ْفلس فينا م ْن ال د ْرهم له وال متاع‪ ،‬فقال‬
‫يأْتي ي ْوم الْقيامة بصالة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وزكاة‪ ،‬ويأْتي قدْ شتم هذا‪ ،‬وقذف هذا‪ ،‬وأكل مال‬
‫هذا‪ ،‬وسفك دم هذا‪ ،‬وضرب هذا‪ ،‬في ْعطى هذا م ْن حسناته‪ ،‬وهذا م ْن حسناته‪ ،‬فإ ْن‬

‫(‪« )1‬سنن الرتمذي» (‪ ،)٢٠٠٢‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «صحيح الجامع» (‪ ،)563٢‬و«صحيح‬


‫الرتغيب» (‪.)٢641‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)48‬مسلم» (‪ )64‬عن ابن مسعود ‪.‬‬
‫(‪ )3‬حسن‪ .‬رواه البزار كما يف «كشف األستار» (‪ ،)٢٠36‬عن عبد اهلل بن عمرو ‪ ،‬وحسنه‬
‫األلباين ‪ ‬يف «صحيح الجامع» (‪ ،)3586‬و«صحيح الرتغيب» (‪.)٢78٠‬‬
‫(‪ )4‬صحيح رواه البخاري يف «األدب المفرد» (‪ ،)4٢8‬و«أحمد» (‪ ،)17489‬والطرباين يف «الكبير»‬
‫(‪ ،)1٠٠1‬والبيهقي يف «شعب اإليمان» (‪ )6٢39‬عن عياض المجاشعي ‪ ،‬وصححه‬
‫األلباين ‪ ‬يف «صحيح الجامع» (‪ ،)6696‬و«صحيح الرتغيب» (‪ ،)٢781‬وشيخنا الوادعي‬
‫‪ ‬يف «الصحيح المسند» (‪.)1٠55‬‬
‫(‪ )5‬صحيح رواه الهيثم بن كليب يف مسنده (‪ )3٠/٢‬عن سعيد بن زيد ‪ ،‬وصححه األلباين‬
‫‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)1433‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ت حسناته ق ْبل أ ْن ي ْقضى ما عل ْيه أخذ م ْن خطاياه ْم فطرح ْ‬


‫ت عل ْيه‪ ،‬ثم طرح في‬ ‫فني ْ‬
‫النار»(‪.)1‬‬
‫موصيًا أحد الصحابة ‪:‬‬ ‫وقال النبي‬
‫«اتق اهلل‪ ...‬وإن امرؤٌ شتمك وعيرك بأمر ليس هو فيك‪ ،‬فال تع ِّي ْره بأمر هو فيه‪،‬‬
‫ود ْعه يكون وباله عليه‪ ،‬وأجره لك‪ ،‬وال تسبن أحدا»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )٢581‬عن أبي هريرة ‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)٢٠635‬والنسائي يف «الكربى» (‪ ،)9691‬وصححه األلباين ‪ ‬يف‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪ ،)135٢‬وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف «الصحيح المسند» (‪.)149٠‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة والستون‬


‫منافاة صفات عباد الرمحن‬
‫‪ ‬إن كث ًيرا ممن يقوم بالمظاهرات والثورات من الدهماء ومن ال خالق لهم‪،‬‬
‫فرتى منهم كل شر‪ ،‬وتسمع منهم كل قبيح‪ ،‬من سب وشتم ولعن‪ ،‬وطبل وزمر‪،‬‬
‫وقول الزور وشهادة الزور‪ ،‬والرقص واللعب والمجون‪ ،‬والكرب والتيه والغرور‪،‬‬
‫وهذه األفعال واألقوال منافية لصفات عباد الرحمن التي ذكرها اهلل ‪‬‬
‫يف عدة مواضع من كتابه‪ ،‬كما يف أول سورة المؤمنين‪ ،‬وآخر سورة الفرقان‪ ،‬ومن‬
‫تلك الصفات العظيمة التي اتصف هبا عباد الرحمن‪:‬‬
‫‪ ‬التواضع وحسن السمت والسكينة والوقار‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ [الفرقان‪.]63:‬‬
‫‪ ‬ويف وصايا لقمان البنه‪:‬‬
‫ﮋ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﮊ [لقمان]‪.‬‬
‫‪ ‬ومن صفات عباد الرحمن‪ :‬اإلعراض عن الجاهلين وعدم مقابلة السيئة‬
‫بمثلها‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ [الفرقان]‪.‬‬
‫‪ ‬ومن صفاتهم أيضا‪ :‬أهنم ال يسفكون الدم الحرام بغير موجب شرعي‪،‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ[الفرقان‪]68:‬‬

‫‪ ‬ومن صفاتهم أيضا‪ :‬أهنم أبعد الناس عن الباطل يف األقوال واألعمال‪،‬‬


‫أيضا عن اللغو‪ ،‬وهو الكالم الذي ال خير فيه‪ ،‬وال فائدة فيه دينية وال‬
‫و ُيعرضون ً‬
‫دنيوية‪ ،‬ككالم السفهاء ونحوهم‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ‬
‫[الفرقان]‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة والستون‪:‬‬


‫الكذب على اهلل ‪‬‬
‫املفسدة اخلامسة والستون‪:‬‬
‫الكذب على رسول اهلل‬
‫املفسدة السادسة والستون‪:‬‬
‫الكذب على الصحابة ‪‬‬
‫املفسدة السابعة والستون‪:‬‬
‫الكذب على املالئكة ‪‬‬
‫املفسدة الثامنة والستون‪:‬‬
‫الكذب على العلماء‬
‫املفسدة التاسعة والستون‪:‬‬
‫الكذب على احلكام‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات واالعتصامات والثورات‪:‬‬
‫▪ الكذب على اهلل‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫▪ وعلى رسوله‬
‫▪ والكذب على الصحابة ‪.‬‬
‫▪ والكذب على المالئكة‪.‬‬
‫▪ والكذب على العلماء‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫▪ والكذب على الحكام‪.‬‬


‫▪ وعلى المسلمين‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فأما الكذب على اهلل‪ ‬وعلى رسوله‬
‫فبقولهم بجواز هذه المظاهرات‪ ،‬واالعتصامات‪ ،‬والثورات‪ ،‬وهذا كذب على‬
‫‪ ،‬واهلل يقول‪ :‬ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫اهلل ‪ ‬وعلى رسوله‬
‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ[النحل]‪.‬‬
‫‪« :‬م ْن كذب علي متع ِّمدا ف ْليتبو ْأ م ْقعده من النار»(‪.)1‬‬ ‫وقال‬
‫بل وقد تطاول بعض المتظاهرين يف الكذب على اهلل‪ ‬فقال‪:‬‬
‫هنارا ال رؤية منام‪.‬‬
‫جهارا ً‬
‫ً‬ ‫رأيت اهلل‪ ‬يف ميدان التحرير يف مصر‬
‫وهذا مسجل بصوته وصورته(‪ .)2‬وال شك أن هذا إفك مبين‪ ،‬فإن اهلل‪ ‬ال‬
‫يرى يف الدنيا يقظة بنص الكتاب والسنة وإجماع األمة‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﮊ‬
‫[األعراف‪.]143:‬‬

‫فإن اهلل‪ ‬حين تج ّلى للجبل جعله دكا‪ّ ،‬‬


‫وخر موسى صع ًقا‪ .‬ونرى يف هذه‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)1٢91‬مسلم» (‪ )٢‬عن أنس‪.‬‬


‫(‪ )2‬هذا الكالم قاله‪ :‬الداعية الضال عمرو خالد يف إحدى برامج التليفزيون المصـري‪ ،‬والحلقة‬
‫تجدوهنا كاملة على موقعه الرسمي على شبكة اإلنرتنت‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫المتهوك الذي يدّ عي‬


‫ّ‬ ‫القصة‪ :‬أن ميدان التحرير لم ُي ّ‬
‫دك ولم ُيزلزل‪ ،‬ولم ُيصعق هذا‬
‫أنه رأى ربه‪.‬‬
‫‪« :‬تعلموا أنه ل ْن يرى أحدٌ منْك ْم ربه عز وجل حتى يموت»(‪ ،)1‬وقال‬ ‫وقال‬
‫‪« :‬إنك ْم ل ْن تر ْوا ربك ْم حتى تموتوا»(‪.)2‬‬
‫وأجمعت األمة(‪ :)3‬على أن اهلل ال ُيرى يف هذه الدنيا يف اليقظة‪.‬‬
‫‪ ‬ومن صور كذبهم على اهلل ‪:‬‬
‫ما قاله أحد رموزهم يف بعض البالد العربية التي حصل فيها الربيع العربي‪،‬‬
‫يقول من ساحة المظاهرات واالعتصامات‪ :‬إن االعتصام يف هذا المكان أفضل‬
‫عند اهلل‪ ‬من االعتكاف بجوار الكعبة يف الحرم المكي الشريف(‪.)4‬‬
‫يا له من رجل ال يخشى مردود ما يقول‪ ،‬وال يحرتم عقول المؤمنين وال ثقافة‬
‫األمة بقدر ما يتعمد تسطيح وعي الناس بال ضمير‪ ،‬ويفرتي على اهلل الكذب واهلل‬

‫يقول‪ :‬ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ‬

‫ﭻ ﭼ ﭼ [النحل]‪.‬‬
‫كذلك‪:‬‬ ‫‪ ‬ومن صور كذبهم على رسول اهلل‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )169‬عن عبد اهلل بن عمر ‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح رواه «أحمد» (‪ )٢٢764‬عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف‬
‫«صحيح الجامع» (‪.)٢459‬‬
‫(‪ )3‬نقل اإلجماع على ذلك‪ :‬شيخ اإلسالم ابن تيمية يف «مجموع الفتاوى» (‪.)1٠4/7‬‬
‫(‪ )4‬صحيفة البالد ‪٢٠13/8/4‬م‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫؛ ألهنا ال توافق رغباهتم‬ ‫تضعيفهم أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول اهلل‬


‫وأهوائهم‪ ،‬فيردون أحاديث السمع والطاعة كحديث (اسمع وأطع وإن ضرب‬
‫ظهرك وأخذ مالك) مع أنه حديث صحيح رواه اإلمام مسلم‪ ،‬ولكنهم يجهلون هذا‬

‫الفن فيلمزون أهل الحديث وينتقصوهنم ويسخرون منهم‪ ،‬ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬

‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ [يوسف]‪.‬‬
‫وهكذا يستدلون على أفعالهم هذه ببعض األحاديث التي لم تثبت عن النبي‬
‫‪.‬‬
‫‪ ‬وأما الكذب على الصحابة‪:‬‬
‫فيقولون‪ :‬هذه المظاهرات فعلها بعض الصحابة‪.‬‬
‫ويذكرون قصة تظاهر عمر بن الخطاب‪.‬‬
‫وهذه القصة غير صحيحة إطال ًقا عند أهل هذا الفن من علماء الحديث(‪،)1‬‬
‫ثم لو صحت لم يكن فيها أي داللة على المظاهرات على ولي األمر‪ ،‬فمن هو‬
‫ولي األمر الذي خرج عليه عمر ‪ ‬وظاهر الناس عليه؟! كيف وهي لم‬
‫أصال! وبذلك تكون نسبة هذا الفعل ـ أعنـي المظـاهرات ـ كذ ًبا على‬
‫ً‬ ‫تصح‬

‫(‪ )1‬هذه القصة ضعيفة؛ ألن مدارها على إسحاق بن عبد اهلل بن أبي فروة‪ ،‬وقد ضعفه جمع من أهل‬
‫الحديث‪ .‬انظر‪« :‬هتذيب التهذيب» (‪ ،)٢1٠/1‬وقد نص على تضعيف هذه القصة جمع من‬
‫العلماء المعاصرين‪ ،‬منهم العالمة األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الضعيفة» (‪ )6531‬حيث حكم‬
‫عليها بالنكارة‪ ،‬واإلمام ابن باز ‪ ‬يف «مجموع فتاوى ومقاالت متنوعة» (‪)٢46/8‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫هنارا ( ‪ ،)1‬ولم يثبت عن أحد من‬


‫جهارا وهاجر ً‬
‫ً‬ ‫الفاروق‪ ‬الذي أسلم‬
‫الصحابة ‪ ‬أنه يرى جواز الخروج على أمراء المسلمين ناهيك أن يقوم‬
‫بمظاهرة أو ثورة أو غير ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬وأما الكذب على المالئكة‪:‬‬
‫فيقول بعض المتظاهرين‪ :‬إن المالئكة تتظاهر معنا‪ ،‬وتقاتل معنا‪.‬‬
‫يقول هذا الكذب من أجل أن يشجع العامة ويحثهم على هذه الثورات‪،‬‬
‫أال يعلم أن المالئكة ال يشهدون الزور وأماكن الفجور‪ ،‬وال يؤيدون أهل‬
‫الباطل على باطلهم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬لالستزادة يف هجرة عمر ‪ ‬علنًا انظر كتابي «إسعاف األخيار بما اشتهر ولم يصح من‬
‫األحاديث واآلثار والقصص واألشعار» (‪.)367/٢‬‬
‫(‪ )2‬رد الشيخ العالمة صاحل الفوزان حفظه هللا على هذه القصة التي انتشرت بين الناس عن طريق بعض‬
‫الدعاة هداهم اهلل‪ ،‬وخالصة القصة أن فرسانًا نزلوا من السماء إلى سوريا ليقاتلوا جنبًا إلى جنب‬
‫مع الثوار‪ ،‬وذلك يف مقطع صويت منشور على موقع اليوتيوب‪ .‬وكان هذا الداعية قد نسب هذه‬
‫القصة وهي قصة نزول فرسان من السماء يقاتلون مع ثوار سوريا ثم يختفون عن األنظار إلى أحد‬
‫اجا كبي ًرا بين الناس كون ناقلها أحد الدعاة‬
‫من يثق به يف إحدى خطبه‪ ،‬ولقيت القصة رو ً‬
‫المعروفين‪ .‬وقال الشيخ الفوزان ساخر ًا‪ :‬إهنم ربما كانوا شياطين‪ ،‬مضي ًفا أنه يستحيل رؤية‬
‫قائال‪ :‬أهل سوريا أهل خير وصالح وهم‬
‫المالئكة‪ ،‬وهم ينزلون فقط على األنبياء والصالحين‪ً ،‬‬
‫مظلومون بال شك‪ ،‬لكن نزول المالئكة ما حصل إال للرسل‪ ،‬وقد ينزلون على المؤمنين‬
‫قائال‪ :‬من الذي يراهم ويقول نزلت المالئكة؟! ما أحد‬
‫الصادقين لكنهم ال يرون‪ .‬واستنكر ً‬
‫يراهم‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬وأما الكذب على العلماء الربان ّيين‪ :‬الذين ال يرون جواز هذه األفعال من‬
‫المظاهرات وغيرها فحدّ ث وال حرج‪:‬‬
‫فمنهم من يقول‪ :‬األلباين ‪ ‬يرى جواز ذلك‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬ابن باز ‪ ‬يرى جواز ذلك‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬ابن عثيمين ‪ ‬يرى جواز ذلك‪.‬‬
‫وغير ذلك من الكذب واالفرتاء على أئمة اإلسالم(‪.)1‬‬
‫‪ ‬وأما الكذب على الحكّام ورميهم بما ليس فيهم‪:‬‬
‫فهذا حدِّ ث عنه وال حرج‪ ،‬فهو بحر ال ساحل له عند هؤالء الثوار‪ ،‬يكذبون‬
‫حتى على زوجه ويدخلون يف أخبار غرفة نومه إال من رحم اهلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتاوى هؤالء العلماء يف تحريم المظاهرات أشهر من نار على َع َلم لمن له أدنى اطالع‪ ،‬وقد‬
‫مألت كتابي هذا بفتاوى هؤالء العلماء رحمهم اهلل‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السبعون‪:‬‬
‫العنف جبميع صوره‬
‫‪ ‬إن من أظهر مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫العنف الشديد على ولي األمر بالقول وبالفعل‪ ،‬بل يصل العنف للمواطنين‬
‫واألبرياء بإفساد المنشآت‪ ،‬وتحطيم السيارات‪ ،‬والسـرقة‪ ،‬وإشعال النيران يف‬
‫اإلطارات وغيرها‪ ،‬وإغالق المحالت التجارية‪ ،‬واالشتباكات بين المتظاهرين‬
‫وغيرهم‪ ،‬وعندما تستعر حمى الغضب يف صدور المتظاهرين‪ ،‬فال تسل عن كثرة‬
‫من ُيدفع أو يوطأ باألقدام‪ ،‬بل وقد يقتله المتظاهرون تحت أقدامهم خالل‬
‫المظاهرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وجل‪ ،‬ويبغضه‬ ‫عز‬
‫وهذا العنف كله عمل مرذول‪،‬ومسلك دينء‪ ،‬يمقته اهلل ّ‬
‫‪.‬‬ ‫الرسول‬
‫بل إن الناس على اختالف مشارهبم يبغضون العنف وينفرون من أهله؛ فهو‬
‫مما ينفر الناس‪،‬ويفرق الجماعات‪،‬ويصد عن الخير‪.‬‬
‫ومخالف للشريعة اإلسالمية التي تأمر بالرفق وتنهى عن العنف يف غير‬
‫موضعه‪،‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫الر ْفق ال يكون في ش ْيء إال زانه‪ ،‬وال ينْزع م ْن ش ْيء إال شانه»(‪.)1‬‬
‫‪« :‬إن ِّ‬ ‫قال‬
‫الر ْفق ما ال ي ْعطي على‬
‫الر ْفق‪ ،‬وي ْعطي على ِّ‬
‫ب ِّ‬‫‪« :‬إن اهلل رف ٌيق يح ُّ‬ ‫وقال‬
‫الْعنْف‪ ،‬وما ال ي ْعطي على ما سواه»( ‪.)2‬‬
‫قال عالمة العصر الشيخ عبدالعزيز بن باز ‪:)3(‬‬
‫«هذا العصر عصر الرفق والصرب والحكمة‪ ،‬وليس عصـر الشدة‪ ،‬الناس‬
‫أكثرهم يف جهل‪ ،‬يف غفلة إيثار للدنيا‪ ،‬فال بد من الصرب‪ ،‬وال بد من الرفق حتى‬
‫تصل الدعوة‪ ،‬وحتى ُيبَ َّلغ الناس وحتى يعلموا» اهـ‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )٢594‬عن عائشة ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪ )٢593‬عن عائشة ‪.‬‬
‫(‪« )3‬مجموع فتاوى ابن باز» (‪.)376/8‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية والسبعون‪:‬‬


‫قد يلقون بأيديهم إل التهلكة‬
‫يعرضون أنفسهم لألذى‪ ،‬وقد يصل األذى إلى حد القتل‪،‬‬
‫‪ ‬إن المتظاهرين ّ‬
‫أو غير ذلك‪،‬‬
‫وقد قال اهلل ‪:‬ﮋ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ [النساء]‪.‬‬
‫وقال ‪:‬ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ [البقرة]‪.‬‬
‫فإنه قد يحصل يف هذه المظاهرات والثورات مصادمات بين المتظاهرين‬
‫ورجال األمن‪ ،‬فيحصل لهم من األذى والشر واإلذالل ما اهلل به عليم‪،‬‬
‫‪:‬‬ ‫وقد قال النبي‬
‫«ال ينْبغي ل ْلم ْؤمن أ ْن يذل ن ْفسه» قالوا‪ :‬وك ْيف يذ ُّل ن ْفسه؟ قال‪:‬‬
‫«يتعرض من البالء لما ال يطيق»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)٢3444‬و«الرتمذي» (‪ ،)٢٢54‬و«ابن ماجه» (‪ )4٠16‬عن‬


‫حذيفة‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)613‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية والسبعون‬


‫عدم استطاعة التحكم يف املظاهرات عند هيجانها‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات‪:‬‬
‫عدم استطاعة التحكم فيها عند انطالقها وهيجاهنا وثوراهنا؛ فيصبح‬
‫المتظاهرون كالجمل الهائج الهادر‪ ،‬وكالسيل الكاسر‪ ،‬ال ير ّدهم را ّد وال يدفعهم‬
‫دافع‪ ،‬قد هاج بركان الغضب يف صدورهم‪ ،‬فحينها ال تسل عن المتساقطين تحت‬
‫األقدام‪ ،‬وال تسل عن إراقة الدماء والجراحات واإلغماءات‪ ،‬وصراخ النساء‬
‫واألطفال‪ ،‬وتساقط المرضى والمصابين تحت أقدام المتظاهرين‪ ،‬فيذهل كل‬
‫حبيب عن حبيبه‪ ،‬وكل صديق عن صديقه‪...‬‬
‫‪ ‬والقول بإباحة المظاهرات السلمية ـ زعموا ـ‪:‬‬
‫ير ّده ما تقدم من أدلة الكتاب والسنة وإجماع األمة‪،‬‬
‫وير ّده كذلك النظر يف مآالهتا؛ ألن احتكاك المتظاهرين بمن يعارض مطالبهم‬
‫يؤول قط ًعا بإحداث فتنة ال تحمد عقباها‪،‬‬
‫والمتظاهرون ال بد لهم من معارض‪،‬‬
‫وأول من يعارض هؤالء المتظاهرين ولي أمرهم‪،‬‬
‫والشريعة ال تأمر بأمر يؤول إلى فتنة وما يكون سببًا لشر مستطير‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال العالمة ابن عثيمين ‪:)1(‬‬


‫«وأما قولهم‪ :‬إن هذه المظاهرات سلمية‪ .‬فهي قد تكون سلمية يف أول األمر أو‬
‫يف أول مرة ثم تكون تخريبية»‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪« :‬الجواب األهبر لمن سأل عن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (ص‪.)75:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة والسبعون‬


‫تسلط األعداء من اليهود والنصارى وغريهم‬
‫على بالد اإلسالم واملسلمني‬
‫‪ ‬ال يشك مسلم أن ظهور الشـرك‪ ،‬والبدع‪ ،‬والمعاصي‪ ،‬كالمظاهرات‪،‬‬
‫والثورات‪ ،‬والخروج على والة أمور المسلمين‪ ،‬فيها من الدمار للبالد والعباد ما‬
‫اهلل به عليم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫إعطاء الكفار فرصة للتدخل يف شؤون الدولة‪ ،‬وهنب خيراهتا‪ ،‬وتمكينهم من‬
‫رقاب المسلمين؛‬
‫ألننا أصبحنا هبذه األفعال الغوغائية المخالفة للكتاب والسنة يف ضعف شديد‬
‫والكفار يزدادون قوة إلى قوهتم‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫‪ ‬فيا سعادة الكفار وفرحهم يف مشارق األرض ومغارهبا‪:‬‬
‫برؤية بالد المسلمين وقد هاجت فيها الفتنة وماجت كموج البحر بما يقع بين‬
‫المسلمين من الشرور المرتتبة على هذه المظاهرات واالعتصامات والثورات‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)1(‬‬

‫(‪« )1‬مجموع الفتاوى» (‪ ،)178/13‬وقد ذكر ‪ ‬بحثًا نفيسًا تاريخيًا يف تسلط الكفار على‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول سلطت عليهم‬
‫األعداء‪ ،‬فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة‪ ،‬وأخذوا‬
‫الثغور الشامية شيئًا بعد شيء إلى أن أخذوا بيت المقدس يف أواخر المائة الرابعة‬
‫وبعد هذا بمدة حاصروا دمشق‪ »...‬اهـ‬
‫ومنها ما وقع للمسلمين يف األندلس‪:‬‬
‫لما شاعت بينهم المنكرات بال نكير ـ‬
‫وقوهتم و َمنَ َعتهم ـ َّ‬
‫عزهتم ّ‬
‫تحولت ّ‬
‫حيث َّ‬
‫إلى ّ‬
‫ذل وهوان سامهم إ َّياه النصارى‪ ،‬حتى صار ملوكهم وسادهتم ُينادى عليهم يف‬
‫أسواق الرقيق‪ ،‬وهم يبكون وينوحون‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كـاهم عنْدَ َب ْيع ِه ُ‬ ‫َف َل ْـو َر َأ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫أحزان‬ ‫واست َْه َـو ْت َك‬ ‫َل َها َل َك َ‬
‫الو ْجـدُ ْ‬ ‫ـم‬ ‫ْ‬ ‫يت ُب‬
‫وتقول أ ّم أحدهم ـ وهو أبو عبد اهلل‪ ،‬آخر ملوك الطوائف ـ تخاطب صاحب‬
‫الملك المضاع‪:‬‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ابْك مـثْ َل النِّسـاء ُم ْل ًكا ُمضـا ًعا َل ْم ُتحاف ْظ َع َليـْه مثـ َْل ِّ‬
‫الرجـال‬

‫(‪« )1‬ريحانة األلبّا وزهرة الحياة الدنيا» (ص‪« ،)374:‬هبجة المجالس» ألبي عبد اهلل األثري (‪.)3٢‬‬
‫(‪« )2‬إعراب القرآن وبيانه» (‪.)4٠9/5‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة والسبعون‬


‫التشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغريهم‬
‫‪ ‬إن التشبه بالكفار محرم بالنص واإلجماع‪.‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬

‫ﭲ ﭳ ﮊ [البقرة]‪.‬‬
‫‪« :‬م ْن تشبه بق ْوم فهو منْه ْم»(‪.)1‬‬ ‫وقال‬
‫وأجمعت األمة على تحريم التشبه بالكفار(‪.)2‬‬
‫وما حصل يف الوطن العربي الحبيب من مظاهرات‪ ،‬واعتصامات وثورات‬
‫تش ُّبه باليهود والنصارى‪ ،‬والملل الكافرة‪ ،‬والفرق البدعية الضالة‪ ،‬كالخوارج‬
‫وغيرهم‪ ،‬ممن يرى جواز الخروج على الحاكم المسلم‪ ،‬وهذا باتباعهم‬
‫الم َس َّط َرة يف نُظمهم ودساتيرهم‪ ،‬وهي من زباالت أفكارهم‬
‫الديمقراطية الكافرة ُ‬
‫العفنة‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)5114‬و«أبو داود» (‪ )4٠31‬عن عبد اهلل بن عمر ‪ ،‬وصححه‬
‫األلباين ‪ ‬يف «صحيح الجامع» (‪ ،)6149‬و«اإلرواء» (‪.)1٢69‬‬
‫(‪ )2‬نقل اإلجماع على ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬يف «اقتضاء الصراط المستقيم»‬
‫(‪.)363/1‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫يقول العالمة الكبير ُم َحدِّ ث العصر والمصلح الناصح والعالم الراسخ محمد‬
‫ناصر الدين األلباين ‪ ‬عن هذه المظاهرات(‪:)1‬‬
‫«تلقيناها من جملة ما تلقيناها من عادات الغربيين ونظمهم» اهـ‬
‫وقال أيضًا ‪:)2(‬‬
‫وال تزال بعض الجماعات اإلسالمية تتظاهر هبا‪ ،‬غافلين عن كوهنا من عادات‬
‫الكفار وأساليبهم التي تتناسب مع زعمهم أن الحكم للشعب‪ ،‬وتتناىف مع قوله‬
‫» اهـ‬ ‫‪« :‬خير الهدي هدي محمد‬
‫وقال العالمة الكبير والمصلح الناصح والعالم الراسخ أحمد بن يحيى‬
‫النجمي ‪ ‬يف معرض مالحظاته على جماعة اإلخوان المسلمين‪:‬‬
‫المالحظة الثالثة والعشرون‪ :‬تنظيم المسيرات والتظاهرات‪.‬‬
‫يقره‪ ،‬بل هو ُم ْحدَ ث من عمل الكفار‪ ،‬وقد‬
‫اإلسالم ال يعرتف هبذا الصنيع وال ّ‬
‫انتقل من عندهم إلينا‪ .‬اهـ‬
‫ِ‬
‫وألسنَ ُة كثير من الساسة والسياسيين يف الدول الغربية الكافرة وغيرها يف هذه‬
‫األيام ُتظهر دعمهم وتأييدهم ونصرهتم لهذه المظاهرات والثورات‬
‫واالحتجاجات واالعتصامات التي تنتـشر يف بالد المسلمين‪ ،‬وتؤكد فرحهم‬
‫واحتفاءهم هبا وبأهلها‪ ،‬وما خفي كان أشد وأعظم‪،‬‬

‫(‪« )1‬سلسلة الهدى والنور» شريط رقم (‪.)٢1٠‬‬


‫(‪« )2‬السلسلة الضعيفة» (‪.)74/14‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫والمؤمنين به‪:‬‬ ‫وصدق اهلل تعالى وكذبوا‪ ،‬إذ يقول سبحانه للنبي‬

‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﮊ [البقرة‪.]1٢٠:‬‬
‫وقال‪:‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ[البقرة‪.]1٠9:‬‬

‫فهذه المظاهرات والثورات واالنقالبات تعجبهم وال ترضيهم كل الرضا‪.‬‬


‫وقال العالمة الكبير والمصلح الناصح والعالم الراسخ اإلمام الوادعي‬
‫‪:)1(‬‬
‫«فأين ثمرة تلكم المظاهرات التي يق ّلدون فيها أعداء اإلسالم»‪.‬‬
‫وسئل ‪ ‬عن حكم المظاهرات يف اإلسالم‪ :‬ألها أصل شرعي أم أهنا‬
‫ُ‬
‫بدعة اقتبسها المسلمون من أعداء اإلسالم؟‬
‫فقال‪:)2(‬‬
‫«ال‪ ،‬بل هي بدعة‪ ،‬وقد تكلمنا على هذا يف «اإللحـاد الخميني يف أرض‬
‫الحرمين»‪ ،‬وذكرنا أن اآليات القرآنية تدل على أن التظاهر يكون على الشـر‪،‬‬
‫وهناك آية وهي قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ [التحريم]‪ ،‬والظاهر‬
‫أهنا من باب المشاكلة‪ ،‬فليراجع يف مقدمة «اإللحـاد الخميني يف أرض الحرمين»‪،‬‬
‫إذ‬ ‫وهي نعرة جاهلية اقتدى المسلمون بأعداء اإلسالم‪ ،‬وصدق الرسول‬

‫(‪« )1‬مجموعة رسائل علمية» (‪.)٢17‬‬


‫(‪« )2‬غارة األشرطة» (‪.)451/٢‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫يقول‪« :‬لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة حتى لو دخلوا جحر ضب‬
‫لدخلتموه»‪ .‬وإنني أحمد اهلل ‪ ‬فما تجد سنيا يحمل لواء هذه المظاهرة‪،‬‬
‫وال يدعو إلى هذه المظاهرات إال الهمج الرعاع‪ ،‬وماذا يستفيد المجتمع‪ ،‬فالعراق‬
‫يقصف بالطائرات والمظاهرات يف شوارع اليمن أو غيره»‪.‬‬
‫وقال العالمة الكبير والمصلح الناصح والعالم الراسخ صالح بن فوزان‬
‫الفوزان سلمه اهلل(‪:)1‬‬
‫«المظاهرات ليست من عمل المسلمين‪ ،‬وال ُعرفت يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬هذه‬
‫من أمور الكفار» اهـ‬

‫(‪« )1‬اإلجابات املهمة يف املشاكل امللمة» ص (‪.)101-100‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة والسبعون‬


‫فعل بعض العادات والتقاليد اجلاهلية الشاذة‬
‫‪ ‬وإن مما ُيستحيى من ذكره ما يفعله بعض المتظاهرين من عادات وتقاليد‬
‫جاهلية شاذة‪ ،‬وحركات وإشارات وشعارات‪ ،‬وتصفيق وزعيق ومزامير وطبول‬
‫ورقص‪ ،‬وكلها من أفعال الجاهلية‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ [األنفال‪:‬‬

‫‪.]35‬‬
‫فإذا جاب هؤالء المتظاهرون الشوارع‪ ،‬تسمع لهم زمجرة وغضبًا شديد ًا‪،‬‬
‫وصياحا وجلبة‪ ،‬مما ال يدع مجا ً‬
‫ال للشك أهنم قد جانبوا هدي‬ ‫ً‬ ‫ورفعًا لألصوات‪،‬‬
‫األنبياء والمرسلين وعباد اهلل الصالحين‪.‬‬
‫بل رأينا بعض المتظاهرين يكتب على وجهه وصدره ويده كتابات بألوان‬
‫مختلفة‪ ،‬فيظهر وجه المتظاهر كأنه قوس قزح‪ ،‬بل رأينا بعض المتظاهرين يتشبه‬
‫بالقرود يف صعوده على األشجار وأعمدة الكهرباء‪ ،‬وقيامه بخلع مالبسه‪،‬‬
‫وإصداره صيحات يكاد الرجل أن يضحك من ركبته على هذه األفعال المشينة‪،‬‬
‫ويحمد العاقل ربه أنه لم ُي َ‬
‫بتل بما ابتُلي به هؤالء‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة والسبعون‬


‫تشويه صورة اإلسالم‬
‫‪ ‬لم يستطع أي نظام معاد‪ ،‬أو مؤسسة غير إسالمية تشويه اإلسالم‪ ،‬كما قام‬
‫بذلك بعض من ينتسب إليه يف عصرنا الحالي‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال ال الحصـر‪:‬‬
‫الجهال ممن ينتسبون إلى اإلسالم بتصوير مشاهد اإلعدام‬
‫ّ‬ ‫ما يقوم به بعض‬
‫‪:‬‬ ‫بالذبح بالسكين تارة‪ ،‬وبالحرق بالنار تارة‪ ،‬وقد قال‬
‫«‪...‬وإن النار ال يع ِّذب بها إال اهلل‪،)1 (»...‬‬
‫‪« :‬ال يع ِّذب بالنار‪ ،‬إال ر ُّب النار»(‪،)2‬‬ ‫وقال‬
‫وبالغرق يف الماء تارة أخرى‪ ،‬ونشرها باعتبارها بطوالت باسم اإلسالم‪،‬‬
‫واإلسالم منها بريء كرباءة الذئب من دم يوسف‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ )٢954‬عن أبي هريرة ‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)16٠34‬و«أبو داود» (‪ )٢673‬عن حمزة بن عمرو األسلمي ‪،‬‬
‫وصححه العالمة األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)1565‬واحتج به شيخنا الوادعي‬
‫‪ ‬يف «غارة األشرطة» (‪.)464/1‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫أطفال ينحرون الرجال باسم اإلسالم‪ ،‬بل ويحملون الرؤوس المقطوعة ويتم‬
‫تصويرهم معها لتأكيد البشاعة والوحشية‪ ،‬كل هذه األعمال ال يمكن أن يجد‬
‫خصوم اإلسالم وسيلة أفضل منها لتشويه اإلسالم‪.‬‬
‫ومثال آخر‪:‬‬
‫قام آخرون ممن ينتسبون إلى اإلسالم بضـرب الصدور‪ ،‬ولطم الخدود‪،‬‬
‫وضرب السالسل على األكتاف‪ ،‬وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء‪ ،‬والبكاء‬
‫والعويل وكثير من التهاويل‪ ،‬ومنكرات ليس لها حصر شوهت جمال اإلسالم‬
‫ورونقه يف هذا العصر‪.‬‬
‫ومثال آخر‪:‬‬
‫قام آخرون ممن ينتسبون إلى اإلسالم بالثورات والمظاهرات واالعتصامات‪،‬‬
‫والهتافات والشعارات‪ ،‬والصراخ يف الطرقات وحرق اإلطارات‪ ،‬وتكسير‬
‫السيارات‪ ،‬والهجوم على المحالت التجارية‪ ،‬من خالل تظاهرات عشوائية‬
‫تحرق‪ ،‬وتقتل‪ ،‬وتقتحم‪ ،‬وتحطم‪ ،‬وغير ذلك من األعمال المذكورة‪ ،‬والمزبورة‪،‬‬
‫والمسطورة‪ ،‬يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫كل هذه األشياء تساعد يف تراجع شعبية اإلسالم‪ ،‬وصفاء اإلسالم وسماحة‬
‫اإلسالم عند الكفار‪ ،‬ويصفونه بأنه دين يحض على اإلرهاب والقتل والعنف‬
‫وسفك الدماء‪ ،‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ [الممتحنة‪.]5:‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«اللهم إنِّي أ ْعتذر إليْك مما صنع هؤالء وأبْرأ إليْك مما صنع هؤالء»(‪.)1‬‬
‫‪ ‬فدين اإلسالم دين الرحمة العالمية‪:‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [األنبياء]‪.‬‬


‫يحرض اإلسالم على اإلرهاب‪:‬‬
‫‪ ‬كيف ّ‬
‫وهذا القرآن الكريم يقول‪:‬‬

‫ﮋ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ[األنفال]‪.‬‬
‫يحرض اإلسالم على اإلرهاب‪:‬‬
‫‪ ‬كيف ّ‬
‫وهو الذي أمر بالعدل واإلحسان‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ‬
‫ﯦ ﯧ ﮊ[المائدة]‪.‬‬
‫يحرض اإلسالم على اإلرهاب‪:‬‬
‫‪ ‬كيف ّ‬
‫وهو الذي يأمر بالعفو والمغفرة‪،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝ ﭞﭟ‬
‫ﮊ[الجاثية]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﮋ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ‬

‫[النور]‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ )٢8٠5‬عن أنس‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫يحرض على اإلرهاب‪:‬‬


‫‪ ‬كيف يكون اإلسالم دينًا ّ‬
‫يحذر من الظلم بجميع أنواعه وأشكاله وصوره‪ ،‬حتى أنه ّ‬
‫يحذر من ظلم‬ ‫وهو ّ‬
‫ّ‬
‫ويحذر من ظلم الحيوان‪:‬‬ ‫خصوم اإلسالم وأعداء اإلسالم‪ ،‬بل‬
‫* «فقد دخلت امرأة النار بسبب هرة حبستها»( ‪.)1‬‬
‫عن قتل الكالب بغير حاجة»( ‪.)2‬‬ ‫* «ونهى‬
‫* «ونهى عن قتل الذ ِّر لغير حاجة»(‪.)3‬‬
‫* «ونهى عن قتل العصفور وعدم أكله»(‪.)4‬‬

‫ت‬‫َق َال‪« :‬ع ِّذبت ْامرأ ٌة في هرة سجنتْها حتى مات ْ‬ ‫ول اهللِ‬
‫(‪ )1‬عن عبد اهلل بن عمر ‪َ ‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ت فيها النار‪ ،‬ال هي أ ْطعمتْها وسقتْها‪ ،‬إ ْذ حبستْها‪ ،‬وال هي تركتْها تأْكل م ْن خشاش ْاأل ْرض»‬
‫فدخل ْ‬
‫رواه «البخاري» (‪ ،)٢365‬و«مسلم» (‪.)٢٢4٢‬‬
‫ع ْن‬ ‫بقتْل الْكالب‪ ...‬ثم نهى النب ُّي‬ ‫(‪ )2‬عن جابر بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪« :‬أمرنا رسول اهلل‬
‫ان» رواه «مسلم» (‪.)157٢‬‬ ‫قتْلها‪ ،‬وقال‪« :‬عل ْيك ْم ب ْاأل ْسود الْبهيم ذي ال ُّن ْقطت ْين‪ ،‬فإنه ش ْيط ٌ‬
‫َقا َل‪« :‬نزل نب ٌّي من األ ْنبياء ت ْحت شجرة‪ ،‬فلدغتْه ن ْملةٌ‪،‬‬ ‫ول اهللِ‬
‫(‪ )3‬ع ْن أبي هر ْيرة ‪َ ‬أ َّن َر ُس َ‬
‫فأمر بجهازه فأ ْخرج م ْن ت ْحتها‪ ،‬ثم أمر ببيْتها فأ ْحرق بالنار‪ ،‬فأ ْوحى اهلل إليْه‪ :‬فهال ن ْملة واحدة» رواه‬
‫َن ا ْب ِن َعبَّا ٍ‬
‫س‪َ ‬ق َال‪« :‬نهى رسول اهلل‬ ‫«البخاري» (‪ ،)3319‬و«مسلم» (‪َ .)٢٢41‬وع ِ‬
‫اب‪ :‬الن ْملة‪ ،‬والن ْحلة‪ ،‬والْهدْ هد‪ ،‬و ُّ‬
‫الصرد»‪ .‬صحيح رواه «أحمد» (‪،)3٠66‬‬ ‫ع ْن قتْل أ ْربع من الدو ِّ‬
‫و«أبو داود» (‪ ،)5٢67‬و«ابن ماجه» (‪ ،)3٢٢4‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «اإلرواء» (‪،)٢49٠‬‬
‫و«صحيح الجامع» (‪ ،)6968‬وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف «أحاديث معلة» (ص‪ )٢33:‬تحت‬
‫حديث رقم (‪.)٢3٢‬‬
‫قال‪« :‬ما م ْن إنْسان ي ْقتل ع ْصفورا فما‬ ‫(‪ )4‬عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ ‬أن رسول اهلل‬
‫ف ْوقها بغ ْير ح ِّقها إال سأله اهلل‪ ‬عنْها ي ْوم الْقيامة» قيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وما ح ُّقها؟ قال‪« :‬ح ُّقها أ ْن‬
‫=‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* «ونهى عن تنفير الطير عن أبنائها»(‪.)1‬‬


‫بالعنف وأنه يدعو إلى القتل؟‬ ‫‪ ‬كيف يتهمون الرسول‬
‫وهو الذي اشتهر بالعفو‪ ،‬والصفح‪ ،‬واإلعراض عن الجاهلين‪ ،‬وعن المقاتلين‬
‫المحاربين له يف أشد ما نالوه به من الجراح والجهد يف يوم ُأحد ثم قال بعدها‪:‬‬
‫«اللهم اغْف ْر لق ْومي فإنه ْم ال ي ْعلمون»(‪.)2‬‬
‫ورحمته باألعداء‪،‬وصدق اهلل القائل‪:‬‬ ‫هكذا كان عفوه‬

‫ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [األنبياء]‪.‬‬
‫‪ ،‬ويتهمونه بالقتل‪ ،‬وإراقة الدماء‪،‬‬ ‫أال يعلم أولئك الذين يطعنون يف النبي‬
‫جلس ثالثة عـشر عامًا يف مكة يجاهد بالقرآن‪،‬ويجاهد بالدعوة‬ ‫أن النبي‬
‫والبيان‪،‬ويجاهد بالصرب واالحتمال‪ ،‬هو وأصحابه‪،‬حتى ُع ِّذب منهم من ُع ِّذب‪،‬‬
‫وحو ِصـروا ثالث سنوات‪ ،‬حصار ًا اقتصاديًا‪ ،‬واجتماعيًا‪،‬‬
‫و ُقتل منهم من ُقتل‪ُ ،‬‬

‫=‬
‫ي ْذبحها فيأْكلها وال ي ْقطع ر ْأسها في ْرمي به» حسن رواه «أحمد» (‪ ،)6551‬و«النسائي» (‪،)4445‬‬
‫و«الحاكم» وصححه (‪ ،)7574‬وحسنه األلباين ‪ ‬يف «صحيح الرتغيب» (‪.)٢٢66‬‬
‫في سفر ومر ْرنا بشجرة فيها ف ْرخا‬ ‫(‪ )1‬عن عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬كنا مع رسول اهلل‬
‫‪« :‬م ْن فجع‬ ‫وهي تصيح فقال النب ُّي‬ ‫حمرة فأخ ْذناهما قال‪ :‬فجاءت الْحمرة إلى رسول اهلل‬
‫هذه بف ْرخيْها؟» قال‪ :‬فق ْلنا‪ :‬ن ْحن‪ .‬قال‪« :‬فر ُّدوهما» صحيح رواه البخاري يف «األدب المفرد»‬
‫(‪ ،)38٢‬و«أبو داود» (‪ ،)٢675‬و«الحاكم» وصححه (‪ ،)7599‬وصححه الحافظ يف «الفتح»‬
‫(‪ ،)149/6‬واأللباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)٢5‬و«صحيح الرتغيب» (‪.)٢٢68‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)3477‬مسلم» (‪ )179٢‬عن عبد اهلل بن مسعود‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫حتى أكلوا أوراق الشجر ونوى التمر وغيره‪،‬وكان المسلمون يسألونه أن يأذن لهم‬
‫يف الجهاد والدفاع عن أنفسهم فكان يقول لهم‪« :‬إنِّي أم ْرت بالْع ْفو فال تقاتلوا»(‪.)1‬‬
‫وبعد الهجرة إلى المدينة أذن اهلل له وألصحابه المؤمنين يف الدفاع عن أنفسهم‬
‫كما قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ [الحج]‪.‬‬

‫هذه اآليات أول ما نزل يف شأن القتال‪ ،‬تأذن للمسلمين أن يقاتلوا دفاعًا عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬فقد ُأخرجوا من ديارهم‪ ،‬وأموالهم‪ ،‬وأوطاهنم‪ ،‬بغير ذنب إال أن يقولوا‬
‫وفق ل ِ ُسنَّ ِة التدافع‪،‬فلوال دفع اهلل الناس بعضهم ببعض‬
‫ربنا اهلل‪،‬ويبيّن القرآن أن هذا ٌ‬
‫لتسلط األقوياء على الضعفاء‪،‬ولطغى المستكربون يف األرض‪،‬وأضاعوا الحرمات‬
‫وهدّ موا بيوت اهلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه النسائي يف «الكربى» (‪ ،)4٢79‬و«الصغرى» (‪ ،)3٠86‬و«الحاكم» وصححه‬


‫(‪ ،)٢377‬والبيهقي يف «السنن الكربى» (‪ )17741‬عن ابن عباس ‪ ،‬وصححه األلباين‬
‫‪ ‬يف «صحيح سنن النسائي» (‪ ،)3٠86‬وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف «الصحيح المسند مما‬
‫ليس يف الصحيحين» (‪ ،)634‬و«الصحيح المسند من أسباب النزول» (‪.)71/1‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬إن المرء ليعجب من هؤالء الطاعنين يف نبي اإلسالم بوصفه رجالً يحب‬
‫وسراياه كلها ال‬ ‫القتل وإراقة الدماء‪ ،‬وذلك ألن الذين قتلوا يف غزوات النبي‬
‫يتعدّ ون بضع مئات من المسلمين والمشـركين‪.‬‬
‫؟‬ ‫فأين هي المذابح التي ارتكبها محمد‬
‫؟‬ ‫وأين هم آالف القتلى الذين سقطوا بأمر محمد‬
‫إن الذين ُذبحوا يف مذبحة صربا وشاتيال وغيرها!! ُيعدَّ ون أضعاف من ُقتلوا يف‬
‫وذلك يف غزواته كلها‪،‬مع الفارق بأن من قتلوا يف صربا وشاتيال من‬ ‫عهد النبي‬
‫كانوا من المجرمين المحاربين المكذبين هلل ‪‬‬ ‫األبرياء‪،‬ومن قاتلهم النبي‬
‫‪.‬‬ ‫ورسوله‬
‫‪ ‬إننا نتساءل‪ :‬يا من تدّ عون السالم والحرية والحضارة!!‬
‫* كم عدد الذين قتلوا يف الحربين العالميتين األولى والثانية‪ ،‬ألم يقدر هؤالء‬
‫بالماليين؟!‬
‫* كم عدد الذين سقطوا يف حرب فيتنام؟!‬
‫* كم عدد الذين قتلوا من اليابانيين بعد إلقاء القنبلتين النوويتين على‬
‫هيروشيما وناجازاكي باليابان؟‬
‫* كم عدد الذين قتلوا يف البوسنة والهرسك وكوسوفا؟‬
‫* كم عدد الذين قتلوا يف أفغانستان والشيشان وكشمير؟‬
‫* كم عدد الذين يذبحون كل يوم يف فلسطين على أيدي جنود االحتالل‬
‫الصهيوين؟‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* كم عدد الذين قتلوا يف العراق وسوريا؟‬


‫❖ ولنعد بالذاكرة إلى الوراء فنتساءل‪:‬‬
‫* كم عدد الذين قتلوا من المسلمين خالل الحروب الصليبية الحاقدة‪.‬‬
‫* أو خالل محاكم التفتيش يف األندلس؟‬
‫باإلرهاب والعنف؟‬ ‫لماذا يتهم اإلسالم ونبي اإلسالم‬
‫بينما يغض الطرف عن ماليين من البشـر ُيقتلون دون أن يشاركوا يف القتال ولو‬
‫ببنت شفة؟!‬
‫إهنا دعوة للعقالء لمحاصرة التعصب واإلرهاب الفكري الذي يقود إلى تأجج‬
‫األحقاد واستفزاز الشعوب‪ ،‬وعدم االغرتار بالقوة المادية المتاحة اليوم لطرف من‬
‫األطراف؛ ألن الظلم سبب الدمار‪ ،‬واأليام ُد َول‪:‬‬
‫ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ [آل عمران]‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة والسبعون‬


‫اللجوء إل غري اهلل‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات الخطيرة‪:‬‬
‫أن المتظاهرين والمعتصمين لجأوا إلى غير اهلل تعالى من األمم الكافرة‬
‫الالإنسانية والشعوب الهمجية‪ ،‬فدعوا مجلس األمن‬
‫ومنظماهتم وجمعياهتم ّ‬
‫واألمم المتحدة وغيرهم إلى نصرهتم ونجدهتم وكشف كربتهم وما حل هبم‪،‬‬

‫فـ ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ [الحشر‪ ،]19:‬فكانت تلك األمم الكافرة‬


‫والمنظمات الظالمة الجائرة وبا ً‬
‫ال عليهم‪ ،‬كما هو الحاصل يف كثير من بالد‬
‫المسلمين‪ ،‬والواقع خير شاهد‪.‬‬
‫وصدق اهلل القائل‪:‬‬
‫ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [الجن]‪،‬‬
‫فكلما دعوهم واستنجدوا هبم‪ ،‬زادوهم رهقًا‪ ،‬وخوفًا‪ ،‬وجوعًا وفقر ًا‪،‬‬
‫وظلمًا‪...‬‬
‫حين قال‪:‬‬ ‫وصدق الصادق المصدوق‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫« م ْن أصابتْه فاق ٌة فأنْزلها بالناس ل ْم تسد فاقته وم ْن أنْزلها باهلل أ ْوشك اهلل له‬
‫بالْغنى إما بم ْوت عاجل أ ْو غنى عاجل»(‪.)1‬‬
‫وقال التابعي الجليل والعالم البصير الحسن البصري ‪:)2 (‬‬
‫«لو أن الناس إذا ابتلوا من سلطاهنم بشيء صربوا ودعوا اهلل لم يلبثوا أن يرفع‬
‫اهلل ذلك عنهم‪ ،‬ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه‪ ،‬واهلل ما جاءوا بيوم خير‬
‫قط‪ ،‬ثم تال هذه اآلية‪:‬‬
‫ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ[األعراف]» اهـ‬
‫وحال هؤالء المتظاهرين والمعتصمين والثوار يف الفزع إلى غير اهلل‬
‫كالمستجير من الرمضاء بالنار‪.‬‬
‫وقد أحسن من قال‪:‬‬
‫عل ْيه‬ ‫الزُّور‬ ‫وانْطلي‬ ‫فيه‬ ‫البهتان‬ ‫أثر‬
‫قاتليــــــْه‬ ‫بحيـــــــــاة‬ ‫صراخًا‬ ‫الجو‬ ‫مْل‬
‫( ‪)3‬‬
‫عـــقــلــه يف أذنـ ْيــه‬ ‫يـا لــه مــ ْن بـبـغــاء‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «أحمد» (‪ ،)3869‬و«أبو داود» (‪ ،)1645‬و«الرتمذي» (‪ )٢3٢6‬عن ابن‬


‫مسعود‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)٢787‬‬
‫(‪« )2‬تفسير ابن أبي حاتم» (‪ )1551/5‬رقم (‪« ،)8897‬الدر المنثور» للسيوطي (‪.)53٢/3‬‬
‫(‪« )3‬مجلة الجامعة اإلسالمية» (‪.)47/4‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وكان الواجب على هؤالء‪:‬‬


‫إذا نزلت هبم نازلة‪ ،‬أو مصيبة‪ ،‬أو داهية‪ ،‬من جوع‪ ،‬أو فقر‪ ،‬أو ظلم من حاكم‪،‬‬
‫أو غيره‪ ،‬أن يلجأوا إلى اهلل ‪ ‬بالتوبة‪ ،‬واالستغفار‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والتضـرع‬
‫حل هبم‪ ،‬وأن ُي ْقبِ ُلوا على قراءة القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‬
‫إلى اهلل لكشف ما ّ‬
‫الصحيحة‪ ،‬ويرجعوا إلى العلماء‪ ،‬وإلى الحكماء‪ ،‬وإلى العقالء‪ ،‬وإلى المساجد‪،‬‬
‫ال إلى الشوارع والطرقات واألرصفة بالمظاهرات واالعتصامات والثورات‪.‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﮊ [السجدة‪،]٢1:‬‬
‫ما قال لعلهم يستمرون يف غيهم يعمهون‪.‬‬
‫ورأيت من المهم جدا‪ ،‬أن أذكر هنا مقاال رائعًا‪ ،‬للعالمة عبد العزيز ابن باز‬
‫‪ ‬بعنوان‪:‬‬
‫«وجوب الرجوع إلى اهلل والضراعة إليه عند نزول المصائب»‪:‬‬
‫قال‪:)1(‬‬
‫«من عبدالعزيز بن عبداهلل بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين‪:‬‬
‫وفقني اهلل وإياكم للتذكر واالعتبار‪ ،‬واالتعاظ بما تجري به األقدار‪ ،‬والمبادرة‬
‫بالتوبة النصوح من جميع الذنوب واألوزار‪ ..‬آمين‪،‬‬

‫(‪« )1‬مجلة الوعي اإلسالمي» العدد (‪ ،)٢٢5‬رمضان (‪14٠3‬هـ)‪ ،‬يوليو (‪1983‬م)‪« ،‬مجموع فتاوى‬
‫ومقاالت الشيخ ابن باز» (‪.)1٢6/٢‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬أما بعد‪:‬‬


‫فإن اهلل‪ ‬بحكمته البالغة‪ ،‬وحجته القاطعة‪ ،‬وعلمه المحيط بكل شيء‪،‬‬
‫يبتلي عباده بالسراء والضـراء‪ ،‬والشدة والرخاء‪ ،‬وبالنعم والنقم‪ ،‬ليمتحن صربهم‬
‫وشكرهم‪ ،‬فمن صرب عند البالء‪ ،‬وشكر عند الرخاء‪ ،‬وضرع إلى اهلل سبحانه عند‬
‫حصول المصائب‪ ،‬يشكو إليه ذنوبه وتقصيره ويسأله رحمته وعفوه‪ ،‬أفلح كل‬
‫الفالح وفاز بالعاقبة الحميدة‪.‬‬
‫قال اهلل ‪ ‬يف كتابه العظيم‪:‬‬
‫ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ [العنكبوت‪.]3-1:‬‬

‫والمقصود بالفتنة يف هذه اآلية االختبار واالمتحان حتى يتبين الصادق من‬
‫الكاذب‪ ،‬والصابر والشاكر‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ‬
‫[الفرقان]‪.‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ [األنبياء]‪.‬‬


‫وقال تعالى‪ :‬ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ [األعراف]‪.‬‬
‫والحسنات هنا‪ :‬هي النعم من الخصب‪ ،‬والرخاء‪ ،‬والصحة‪ ،‬والعزة‪ ،‬والنصر‬
‫على األعداء‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫والسيئات هنا‪ :‬هي المصائب‪ ،‬كاألمراض‪ ،‬وتسليط األعداء‪ ،‬والزالزل‬
‫والرياح العاصفة‪ ،‬والسيول الجارفة المدمرة ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقال ‪ :‬ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬

‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ[الروم]‪.‬‬
‫والمعنى أنه سبحانه قدّ ر ما قدّ ر من الحسنات والسيئات‪ ،‬وما ظهر من الفساد؛‬
‫حرم اهلل عليهم‪ ،‬ويسارعوا إلى طاعة‬
‫ليرجع الناس إلى الحق‪ ،‬ويبادروا بالتوبة مما ّ‬
‫اهلل ورسوله‪ ،‬ألن الكفر والمعاصي هما سبب كل بالء وشر يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وأما توحيد اهلل واإليمان به وبرسله‪ ،‬وطاعته وطاعة رسله‪ ،‬والتمسك بشريعته‪،‬‬
‫والدعوة إليها‪ ،‬واإلنكار على من خالفها‪ ،‬فذلك هو سبب كل خير يف الدنيا‬
‫عز الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫واآلخرة‪ ،‬ويف الثبات على ذلك والتواصي به والتعاون عليه ّ‬
‫والنجاة من كل مكروه‪ ،‬والعافية من كل فتنة‪ ،‬كما قال سبحانه‪:‬‬
‫ﮋ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ [محمد]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮊ [الحج]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ [النور]‪.‬‬

‫وقال تعالى‪:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﮋﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [األعراف]‪.‬‬
‫وقد ب َّي َن سبحانه يف آيات كثيرات أن الذي أصاب األمم السابقة من العذاب‬
‫والنكال بالطوفان والريح العقيم والصيحة والغرق والخسف وغير ذلك كله‬
‫بأسباب كفرهم وذنوهبم‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫ﮋ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ [العنكبوت]‪.‬‬

‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ [الشورى]‪.‬‬
‫وأمر عباده بالتوبة إليه والضراعة إليه عند وقوع المصائب‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬
‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [التحريم‪.]8:‬‬

‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﮊ [النور]‪.‬‬

‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢﯣ ﯤﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ [األنعام]‪.‬‬

‫ويف هذه اآلية الكريمة‪:‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫حث من اهلل سبحانه لعباده وترغيب لهم‪ ،‬إذا ح ّلت هبم المصائب من‬
‫األمراض‪ ،‬والجراح‪ ،‬والقتال‪ ،‬والزالزل‪ ،‬والريح العاصفة‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫المصائب‪ ،‬أن يتضـرعوا إليه‪ ،‬ويفتقروا إليه‪ ،‬فيسألوه العون‪،‬‬
‫وهذا هو معنى قوله سبحانه‪ :‬ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﮊ‬

‫والمعنى لو أهنم حين جاءهم بالؤنا تضرعوا وتذللوا هلل وخضعوا له ليكشف‬
‫عنهم البالء‪.‬‬
‫ثم ب ّين سبحانه أن قسوة قلوهبم‪ ،‬وتزيين الشيطان لهم أعمالهم السيئة كل ذلك‬
‫بسبب صدهم عن التوبة‪ ،‬والضراعة واالستغفار‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫ﮋﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ ‪.‬‬
‫وقد ثبت عن الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز‪ ‬أنه لما‬
‫وقع الزلزال يف زمانه‪ ،‬كتب إلى عماله يف البلدان‪ ،‬وأمرهم أن يأمروا المسلمين‬
‫بالتوبة إلى اهلل والضـراعة إليه واالستغفار من ذنوهبم( ‪.)1‬‬
‫وقد علمتم أيها المسلمون ما وقع يف عصـرنا هذا من أنواع الفتن والمصائب‪،‬‬
‫ومن ذلك تسليط الكفار على المسلمين‪.‬‬
‫وال شك أن هذه المصائب وغيرها توجب على العباد البدار بالتوبة إلى اهلل‬
‫حرم اهلل عليهم‪ ،‬والبدار إلى طاعته وتحكيم شريعته‪،‬‬
‫سبحانه من جميع ما ّ‬

‫(‪« )1‬الجواب الكايف» (ص‪.)47:‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫والتعاون على الرب والتقوى‪ ،‬والتواصي بالحق والصرب عليه‪ ،‬ومتى تاب العباد إلى‬
‫رهبم وتضـرعوا إليه‪ ،‬وسارعوا إلى ما يرضيه‪ ،‬وتعاونوا على الرب والتقوى‪ ،‬وتآمروا‬
‫بالمعروف وتناهوا عن المنكر‪ ،‬أصلح اهلل أحوالهم‪ ،‬وكفاهم شر أعدائهم‪ ،‬وم َّك َن‬
‫وأس َب َغ عليهم نعمه‪ ،‬وصرف عنهم نقمه‪،‬‬
‫لهم يف األرض ونصـرهم على عدوهم‪ْ ،‬‬
‫كما قال سبحانه وهو أصدق القائلين‪:‬‬
‫ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ [الروم]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ [األعراف]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [هود]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮊ [التوبة]‪.‬‬
‫فأوضح‪ ‬يف هذه اآليات‪:‬‬
‫أن رحمته وإحسانه وأمنه وسائر نعمه إنما تحصل على الكمال الموصول‬
‫بنعيم اآلخرة لمن اتقاه وآمن به‪ ،‬وأطاع رسله واستقام على شرعه‪ ،‬وتاب إليه من‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ذنوبه‪ ،‬أما من أعرض عن طاعته‪ ،‬وتكرب عن أداء حقه‪ ،‬وأصر على كفره وعصيانه‪،‬‬
‫فقد توعده سبحانه بأنواع العقوبات يف الدنيا واآلخرة وع ّجل له من ذلك ما اقتضته‬
‫حكمته ليكون عربة وعظة لغيره‪ ،‬كما قال سبحانه‪:‬‬
‫ﮋﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﮊ [األنعام]‪.‬‬
‫فيا معشر المسلمين حاسبوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم واستغفروه‪ ،‬وبادروا‬
‫إلى طاعته‪ ،‬واحذروا معصيته‪ ،‬وتعاونوا على الرب والتقوى‪ ،‬وأحسنوا إن اهلل يحب‬
‫المحسنين‪ ،‬وأقسطوا إن اهلل يحب المقسطين‪ ،‬وأعدوا العدة الصالحة قبل نزول‬
‫الموت‪ ،‬وارحموا ضعفاءكم‪ ،‬وواسوا فقراءكم‪ ،‬وأكثروا من ذكر اهلل واستغفاره‪،‬‬
‫وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر لعلكم ترحمون‪ ،‬واعتربوا بما أصاب‬
‫غيركم من المصائب بأسباب الذنوب والمعاصي‪ ،‬واهلل يتوب على التائبين‪،‬‬
‫ويرحم المحسنين‪ ،‬ويحسن العاقبة للمتقين‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮦﮧ ﮨ ﮩ‬

‫ﮪ ﮫ ﮊ [هود]‪ .‬اهـ بتصرف يسير‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثامنة والسبعون‪:‬‬


‫أن فيها تسخطا على اهلل وتسخطا على القدر‬
‫‪ ‬إن من يشاهد أفعال المتظاهرين‪ ،‬ويسمع صرخاهتم يف الشوارع يعلم يقينًا‬
‫ٌ‬
‫تسخط على اهلل تعالى‪ ،‬وعدم الرضا بقضائه‬ ‫أن هذه األقوال واألفعال فيها‬
‫وقدره‪ ،‬فقد سمعناهم وهم يرددون ذلك البيت الكافر الفاجر‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أن يستجيب القدر‬
‫فال بد ْ‬ ‫إذا الشعب يوما أراد الحياة‬

‫(‪ )1‬القائل هو أبو القاسم الشابي‪ ،‬شاعر تونسي‪.‬‬


‫وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه اهلل‪ :‬ما حكم قول الشاعر‪:‬‬
‫َجيب ال َقدر»؟ فأجاب حفظه اهلل‪ :‬هذا كالم فاضي! (ال ُبدَّ‬ ‫الحياة ‪ ..‬فال ُبدَّ ْ‬
‫أن َيست َ‬ ‫عب يو ًما أرا َد َ‬ ‫«إذا َّ‬
‫الش ُ‬
‫َجيب ال َقدر)؛ يعني أ َّن المرء هو الذي يفرض على القدر أن يستجيب!؟‬ ‫ْ‬
‫أن َيست َ‬
‫العكس‪ :‬القدر هو الذي يفرض على اإلنسان‪ .‬هذا كالم شاعر‪ .‬اهلل أعلم باعتقاده‪ ،‬أو أنَّه جاهل ما‬
‫يعرف‪ ،‬على كل حال هذا كالم شاعر‪ ،‬واهلل َّ‬
‫جل وعال يقول‪:‬‬
‫ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ [الشعراء]‪.‬‬
‫ويقول أهل البالغة عن الشعر‪ :‬أعذبه أكذبه!‪.‬‬
‫َجيب ال َقدر»‬ ‫لحياة ‪ ..‬فال بُدَّ ْ‬
‫أن َيست َ‬ ‫المر ُء يو ًما أرا َد ا َ‬
‫هذا كالم باطل بال شك‪« .‬إذا َ‬
‫هذا مبالغة‪ ،‬شر‪ ،‬هذا ينسب إلى الشابي [ما أدري] الشابي أم الشامي! شاعر جزائري من الشعراء‬
‫المعاصرين‪.‬‬
‫نعم‪ .‬بعض الناس‪ ،‬بعض الصحفيين‪ ،‬يكتبون كتابات سيئة‪:‬‬
‫=‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال‪:‬‬ ‫ومعلوم أن النبي‬


‫الرضا‪ ،‬وم ْن سخط فله‬
‫«إن اهلل إذا أحب ق ْوما ا ْبتاله ْم‪ ،‬فم ْن رضي فله ِّ‬
‫السخط»(‪.)1‬‬
‫بربه‪:‬‬ ‫وقد استغاث النبي‬
‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ [األنفال‪.]9:‬‬
‫وتضرع يوم بدر حتى سقط رداؤه‪ ،‬وأمر أصحابه بالصرب على أذى المشركين‪،‬‬
‫وال أحد من أصحابه إلى شيء من ذلك مع أهنم مستهم‬ ‫ولم َيدْ ُع النبي‬
‫البأساء‪ ،‬والضراء‪ ،‬وزلزلوا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مناف للصرب الذي‬ ‫فما يصدر من هؤالء المتظاهرين‪ ،‬والمعتصمين‪ ،‬والثوار‪،‬‬
‫‪:‬‬ ‫عند جور السالطين‪ ،‬وحدوث النوازل والنكبات‪ ،‬حيث قال‬ ‫أمر به النبي‬
‫=‬
‫(يا ظلم القدر!) (ظلمهم القدر)! (يا لسخرية القدر!)! هذا كالم باطل‪ ،‬يؤدي إلى الكفر ‪-‬والعياذ‬
‫باهلل‪ .-‬نعم‪ .‬القدر يسخر! القدر يظلم! نعم‪ .‬اهـ (صويت)‪.‬‬
‫وقد ُعدّ َل هذا البيت‪:‬‬
‫الحياة وشا َء اإلله استَجا َب ال َقدر‬
‫عب يو ًما أرا َد َ‬ ‫إذا َّ‬
‫الش ُ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إذا ّ‬
‫الشعب يوما أراد الحياة فال بد أن يستقيم البشر‬
‫و ال بد للجهل إن ينجلي وال بد للعلم أن ينتشر‪...‬‬
‫(‪ )1‬حسن رواه «الرتمذي» (‪ ،)٢396‬و«ابن ماجه» (‪ )4٠31‬عن أنس ‪ ،‬ورواه «أحمد»‬
‫اهلل إِ َذا َأ َح َّ‬
‫ب َق ْو ًما ا ْبت ََال ُه ْم‪َ ،‬ف َم ْن َص َب َر َف َل ُه‬ ‫(‪ )٢36٢3‬عن محمود بن لبيد ‪ ‬بلفظ‪« :‬إِ َّن َ‬
‫الصبْ ُر‪َ ،‬و َم ْن َج ِز َع َف َل ُه ا ْل َجزَ ُع»‪ ،‬وحسنه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪،)146‬‬
‫َّ‬
‫و«صحيح الجامع» (‪.)٢11٠‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫اصبروا حتى ت ْلق ْوني على الْح ْوض»(‪.)1‬‬


‫«إنك ْم ست ْلق ْون ب ْعدي أثرة ف ْ‬
‫اصبروا» ولم يقل تظاهروا‬
‫لنا حيث قال‪« :‬ف ْ‬ ‫فانظر إلى توجيه النبي‬
‫وثوروا‪ ،‬ولم يقل اصربوا سنة أو سنتين بل قال‪:‬‬
‫اصبروا حتى ت ْلق ْوني على الْح ْوض»‬
‫«ف ْ‬
‫«عل ْيه ْم ما ح ِّملوا وعل ْيك ْم ما ح ِّم ْلت ْم»(‪،)2‬‬
‫؛ ألن هذا السبيل الذي أوصى به النبي‬ ‫إلى غير ذلك من وصايا نبينا‬
‫يقلل الفتن والشـرور على الناس وبالدهم‪ ،‬ويضعف المفاسد والخطوب‪ ،‬ويدفع‬
‫األضرار‪ ،‬ويزيد يف األمن والرخاء واالستقرار‪ ،‬ويحفظ الدين والدنيا والنفوس‬
‫واألعراض واألموال‪ ،‬كيف ال يكون كذلك؟ وهو حكم اهلل وشرعه بين الرعية‬
‫وحاكمها‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى هو خير الحاكمين‪ ،‬خالق المحكومين والحاكمين‪،‬‬
‫وأعلم بما يصلح دينهم ودنياهم‪،‬‬

‫ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [الملك]‪،‬‬
‫شرع لهم هذا التعامل‪ ،‬وأكرمهم هبذه المعاملة وهذا العالج الناجع النافع‪،‬‬
‫ولكن لألسف أبت وتنكبت جموع غفيرة وأعداد هائلة من شباب األمة أن تنقاد‬
‫لهذا الحكم وتعمل به‪ ،‬إما جهالً‪ ،‬أو اتباعًا للنفس والهوى‪ ،‬أو طمعًا يف مناصب‬
‫الدنيا وجاهها ومالها‪ ،‬أو تضليالً من دعاة لجماعات دينية سياسية‪ ،‬أو أحزاب‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)379٢‬مسلم» (‪ )1845‬عن أسيد بن حضير‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪ )1846‬عن وائل بن حجر ‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫علمانية‪ ،‬تريد الوصول للحكم عن طريقهم‪ ،‬أو تقليد ًا ألهل الغرب من الكفار‪ ،‬أو‬
‫انخداعًا بالمحللين السياسيين‪ ،‬وأقوالهم عرب أجهزة اإلعالم وصحافتها وقنواهتا‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التاسعة والسبعون‪:‬‬


‫اختالط احلابل بالنابل والقابل بالدابر‬
‫‪ ‬يفرح المتظاهرون بكل من خرج معهم‪ ،‬وناصرهم‪ ،‬ووقف يف صفهم‪ ،‬ولو‬
‫كان ُي َك ِّفر الصحابة‪ ،‬أو يتربك بالقبور‪،‬بل حتى ولو كان مشركًا‪ ،‬فتجد من يرفع‬
‫القرآن‪ ،‬وبجانبه من يرفع الصليب‪ ،‬واآلخر نجمة داود(‪ ،)1‬فالمظاهرات تجمع كل‬
‫ملحد‪ ،‬وكافر‪ ،‬ومبتدع‪ ،‬وضال‪ ،‬وجاهل‪ ،‬وصادق مخلص مغرر به يريد الخير‬
‫للبالد والعباد‪ .‬ولكن‪:‬‬
‫أوردها سعدٌ وس ْعدٌ م ْشتم ْل ما هكذا يا س ْعد تورد اإل ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫بل‬
‫‪ ‬وهكذا إخراج النساء من خدورهن وبيوهتن إلى الشوارع يف تلك‬
‫المظاهرات وسيلة الختالط الرجال بالنساء‪ ،‬بل وإلصاق الجسد بالجسد‪،‬‬
‫والخلوة‪ ،‬وهتك األعراض يف المخيمات‪ ،‬والتحرش‪ ،‬وقد َتبِيت المرأة يف غير‬
‫بيتها بغير إذن وليها‪ ،‬وإن أصيبت عند المواجهات يحملها من هو ليس بِ َم ْح َرم لها‬
‫لغير ضرورة‪.‬‬

‫أيضا بخاتم سليمان وتسمى بالعربية ماجين داويد بمعنى (درع داود)‬
‫(‪ )1‬نجمة داود (✡) وتسمى ً‬
‫وتعترب من أهم رموز الشعب اليهودي‪.‬‬
‫(‪« )2‬تاج العروس» (‪« ،)٢٠3/8‬لسان العرب» (‪.)٢٢3/11‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثمانون‪:‬‬
‫اندساس من ليس من املتظاهرين يف املتظاهرين‬
‫لنوايا أخرى‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات واالعتصامات والثورات‪:‬‬
‫وجود ثغرة سانحة الندساس من ليس من المتظاهرين يف المتظاهرين لنوايا‬
‫أخرى‪ ،‬وهنا يختلط الحابل بالنابل‪ ،‬والقابل بالدابر‪ ،‬وتبدأ تصفية الحسابات مع‬
‫اآلخرين باسم المطالبة بالحقوق‪ ،‬وباسم العدالة والحرية‪ ،‬وهذا أمر ال يشك فيه‬
‫عاقل‪ ،‬فقد اندس المنافقون بين المهاجرين واألنصار وهم خير الرب ّية بعد األنبياء‬
‫والرسل‪ ،‬أفال يندسون يف هؤالء الغوغاء من العامة والدهماء‪ ،‬ويتخذون ألنفسهم‬
‫غطاء شرعيًا ومظلة قانونية‪ ،‬وما أرادوا إال الفساد واإلفساد والفوضى يف البالد‪،‬‬
‫ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ[البقرة‪.]148:‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫ت مش ِّرقة وس ْرت مغ ِّربا شتان ب ْين مش ِّرق ومغ ِّرب‬
‫سار ْ‬
‫فالمظاهرات شر‪ ،‬ويزداد هذا الشـر بوجود هؤالء يف المتظاهرين‬
‫ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [النور‪.]4٠:‬‬
‫وصدق اهلل القائل‪:‬‬

‫(‪« )1‬ديوان الصبابة» (ص‪.)93:‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﮋﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ‬
‫[التوبة‪.]47:‬‬
‫بل قد ثبتت اعرتافات بالصوت والصورة؛ أن هناك مجموعة من القناصة‬
‫المحرتفين من بالد الكفار دخلوا يف ثورات ومظاهرات الربيع العربي‪ ،‬وقاموا‬
‫بقنص الثوار تارة‪ ،‬وبقنص رجال األمن تارة أخرى‪ ،‬حتى يحتدم الصـراع بين‬
‫الثوار والحكومات ويشتد النزاع‪.‬‬
‫وهذا يذكّرنا بالثوار األوائل الذين ثاروا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان‬
‫‪ ‬فقتلوه‪ ،‬ثم شاء اهلل أن يكونوا يف صف أمير المؤمنين علي ‪ ‬يف‬
‫معركة الجمل‪ ،‬وكانوا إذا رأوا اقرتاب الصلح والمصالحة وجمع الكلمة بين‬
‫ليال على الطرف اآلخر لينقضوا الصلح وتشتعل‬
‫الصفين من المسلمين أغاروا ً‬
‫المعركة من جديد(‪،)1‬‬
‫ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ [الحشر]‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪« :‬البداية والنهاية» (‪.)٢38/7‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية والثمانون‪:‬‬


‫خروج بعض النساء من بيوتهن‬
‫املفسدة الثانية والثمانون‪:‬‬
‫خروجهن بغري إذن أوليائهن‬
‫‪ ‬إن خروج المرأة من بيتها‪ ،‬وبغير إذن وليها‪ ،‬من المسائل التي تكاثرت‬
‫عليها األدلة الشرعية‪ ،‬وأكد عليها سلف األمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم‬
‫حتى أصبحت مشهورة معروفة‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ[األحزاب‪.]33:‬‬

‫وقرر علماء األمة هذه المسألة يف كتبهم تقرير ًا واضحًا وصريحًا مما يؤكد أن‬
‫ّ‬
‫الحكم فيها ظاهر وال خالف فيه‪.‬‬
‫يقول اإلمام القرطبي‪:)1(‬‬
‫«الشريعة طافحة بلزوم النساء بيوهتن‪ ،‬واالنكفاف عن الخروج منها إال‬
‫لضرورة»‪.‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد‪:)2(‬‬
‫«إن منع الرجال للنساء من الخروج مشهور معتاد»‪.‬‬

‫(‪« )1‬تفسير القرطبي» (‪.)179/14‬‬


‫(‪« )2‬إحكام األحكام» (‪.)198/1‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقال العراقي‪:)1(‬‬
‫«منع الرجال للنساء من الخروج مشهور معلوم»‪.‬‬
‫‪ ‬وإن أكثر ما نشاهده اآلن من تجاوزات‪ ،‬ومطالبات‪ ،‬ومخالفات شرعية‬
‫وأخالقية‪ ،‬واجتماعية فيما يخص المرأة‪ ،‬أساسه ومبدؤه التساهل يف خروج المرأة‬
‫من بيتها بدون إذن وليها‪.‬‬
‫ومن هذا الخروج‪ :‬الخروج إلى االعتصامات والمظاهرات والثورات‪.‬‬
‫نعم هذه األمور كلها معاصي ومنكرات‪ ،‬ويضاف إلى هذه المعاصي‬
‫والمنكرات‪ ،‬خروج المرأة بغير إذن وليها‪ ،‬وما يحصل لهذه المرأة يف أوساط‬
‫الرجال من المنكرات‪ ،‬بل قد وصل الحال أن قام بعض النساء شبه العاريات‬
‫بالرقص وسط الرجال يف بعض بالد المسلمين‪،‬‬
‫ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ[النور‪.]4٠:‬‬

‫(‪« )1‬طرح التثريب» (‪.)316/٢‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة والثمانون‪:‬‬


‫نزوح الناس من بيوتهم وبلدانهم‬
‫‪ ‬إن الصراعات المسلحة‪ ،‬والحروب األهلية‪ ،‬التي حصلت بسبب ما يس ّمى‬
‫بالربيع العربي‪ ،‬أ ّدت إلى نزوح الناس وهروهبم من بيوهتم وأوطاهنم؛ لتفادي القتل‬
‫والدمار الذي تسببه القوات المتصارعة‪ ،‬فنزحوا إلى أماكن أكثر أمنًا‪ ،‬عوائل وأسر‬
‫ُش ِّر َدت‪ ،‬فبلغ عدد الالجئين من (‪٢٠11‬م) إلى (‪٢٠14‬م)‪ :‬ما يزيد على (‪)14‬‬
‫مليون الجئ( ‪ ،)1‬ويجتمعون يف مخيمات الجئين مؤقتة‪ ،‬أو معسكرات إيواء معدّ ة‬
‫من بعض المنظمات والجمعيات الدولية‪ ،‬أو يف مدارس أو غيرها‪ ،‬وتلك‬
‫المخيمات والمعسكرات وغيرها تكون عادة مزدحمة بالناس ال تتوفر فيها بعض‬
‫الخدمات‪ ،‬األمر الذي يجعل النازحين يتعرضون لإلصابة باألمراض‪ ،‬وتزداد فيهم‬
‫نسبة الوفيات بسبب ضعف التغذية‪ ،‬وقلة التموين المناسب‪ ،‬ونقص أو عدم توفر‬
‫التحصينات واللقاحات المناسبة‪ ،‬أو بسبب الضغط النفسي‪ ،‬وإطالة زمن‬
‫الصراعات والحروب والتي قد تؤثر يف كامل البالد وليس مناطق الصـراعات‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬منشور للدكتور سعيد بن سالم الدرمكي (حصاد ثورات الربيع العربي المر)‪ ،‬ونشرت‬
‫صحيفة المدينة يف تاريخ ‪٢٠17/6/14‬م هذه الخسائر يف الربيع العربي‪ ،‬واستند التقرير‬
‫المذكور يف الصحيفة على بيانات صادرة من عدة منظمات دولية‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫فقط‪ ،‬واألمثلة كثيرة على هذه الصـراعات المسلحة وما تسببه من مشاكل صحية‬
‫ونفسية‪ ،‬وهكذا يهرب البعض إلى خارج وطنه؛ ألسباب كثيرة ُم ّرة وقاسية‪.‬‬
‫‪ ‬فإن الهروب من األوطان ال يحدث ألتفه األسباب‪ ،‬أو لمجرد الرغبة يف‬
‫التغيير والبحث عن الجديد‪ ،‬وإنما الهروب له أسباب َق ْسرية اضطرارية درء ًا للقتل‬
‫وحماية لألسرة‪ ،‬وسعيًا لحياة أكثر هدوء ًا واستقرار ًا من دون خوف دائم‪ ،‬وضياع‬
‫محتمل‪ ،‬وكرامة مهانة‪ ،‬وفقر مذل‪ ،‬وخوف على األهل واألطفال واألعراض وغير‬
‫ذلك‪ ،‬ومع ذلك ال يعني النزوح القسري من األوطان إلى أماكن أخرى أن الطريق‬
‫ممهد لتحقيق الغايات يف البالد التي ينزح إليها‪ ،‬أو أن الالجئ بعد وصوله للمكان‬
‫ّ‬
‫الذي يريده ال يعني أنه ال يعيش فيه أزمات من نوع آخر تجعله أحيانًا يندم على‬
‫خروجه من وطنه ويفكر يف العودة إلى وطنه‪ ،‬فالقصص التي نقرؤها عن النازحين‬
‫تقشعر لها األبدان‪ ،‬عندما يصطدم الالجئ بعقبات كؤود‪ ،‬مثل فقدانه لهويته‪،‬‬
‫وصعوبة اندماجه باآلخرين‪ ،‬وتردي حالته النفسية حيث االكتئاب‪ ،‬وصعوبة‬
‫مرحب به‪ ،‬أو الشعور بعدم احرتام‬
‫التعامل مع أناس غرباء عنه‪ ،‬والشعور بأنه غير َّ‬
‫الناس له‪ ،‬وقد يتعدّ ى عليه من أهالي الموطن الجديد و ُيذل و ُيهان‪ ،‬وقد كان يف‬
‫وطنه عزيز ًا كريمًا‪ ،‬وكما قيل‪ :‬من خرج من داره ّ‬
‫قل مقداره( ‪،)1‬‬
‫‪ ‬وصدق اهلل القائل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ[النساء‪]66:‬‬

‫(‪ )1‬تنبيه‪ :‬هذا المثال ليس على إطالقه‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫فساوى سبحانه وتعالى بين قتل النفس والخروج من الوطن؛ لمشقة ذلك‬
‫على النفس وتغلغل حب الوطن يف القلوب‪.‬‬
‫‪ ‬واألعظم من ذلك كله‪:‬‬
‫خروج بعض المسلمين من بلداهنم إلى بالد الكفار‬
‫نتيجة لهذه الثورات أو غيرها‪ ،‬وهذا ما يريده الكفار؛ ليرتبى أبناء المسلمين‬
‫على دين الكفار وأخالقهم‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد العزيز بن باز ‪:)1( ‬‬
‫«األصل المجمع عليه هو تحريم السفر إلى بالد أهل الشرك‪ ،‬وتحريم اإلقامة‬
‫بين أظهرهم؛ لما يف السفر إليهم واإلقامة بينهم من األخطار العظيمة على المسلم‬
‫أن يفتن يف دينه حتى يختار الكفر على اإليمان‪ ،‬حتى يشكك على األقل يف دينه‪،‬‬
‫وحتى يبقى شاكا هل هو على دين صحيح أم ال‪ ،‬مع األخطار األخرى من انحراف‬
‫حرم اهلل من الزنا والخمور‬
‫األخالق‪ ،‬واالنتكاس يف الرذائل‪ ،‬واالنغماس فيما ّ‬
‫وغير ذلك‪ ،‬مع استحسان األوضاع الشركية ومدح أهلها أو الرتغيب يف زيارة‬
‫بالدهم وأهنم كيت وكيت وأهنم كذا وكذا‪ ،‬وهذا كله واقع من كثير ممن ذهب إلى‬
‫سالما‪،‬‬
‫ً‬ ‫تلك البالد وأقام عندهم‪ّ ،‬‬
‫وقل من يرجع‬
‫وقد قال اهلل سبحانه يف كتابه العظيم يف سورة النساء‪:‬‬

‫(‪« )1‬مجموع فتاوى ابن باز» (‪« ،)15-1٢/5‬التعليقات على ندوات الجامع الكبير»‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ يعني‪ :‬باإلقامة بين أظهر المشركين‬

‫ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ تقول لهم المالئكة يوم قبض أرواحهم‪:‬‬

‫ﭽ ﮇ ﮈ ﭼ يعني‪ :‬يف أي بلد؟ ويف أي مجتمع؟‬

‫ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ [النساء]‬

‫هكذا يقال لمن أقام بين أظهر المشركين‪ ،‬يقال لهم‪...‬‬


‫لماذا أقمتم بين أظهر المشركين؟‬
‫وسموا ظالمي أنفسهم بسبب اإلقامة الخبيثة بين أظهر المشركين‪،‬‬
‫ّ‬
‫وهذه اآلية جاءت يف قصة من قتل مع المسلمين يوم بدر من المسلمين الذين‬
‫عجزا عن الهجرة‪ ،‬فقيل‪ :‬إهنم كفروا بذلك؛ ألن يف إمكاهنم التملص‬
‫أقاموا يف مكة ً‬
‫من الذهاب معهم إلى بدر‪ ،‬وبإمكاهنم وجود حيلة ّأال يكونوا معهم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إهنم كانوا عصاة ولم يكونوا كافرين؛ بسبب عجزهم عن التملص‪،‬‬
‫وبسبب أن الكفار اضطهدوهم وأجربوهم على الخروج معهم حتى قتلوا هناك‪،‬‬
‫وبكل حال فاألمر خطير جدً ا‪،‬‬

‫ولهذا قال ابن كثير ‪ ‬هنا لما ذكر هذه اآلية آية النساء ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ‬

‫ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ قال‪ :‬ألهنم ارتكبوا ّ‬


‫محر ًما باإلجماع‪ ،‬وهو إقامتهم بين‬
‫أظهر المشركين‪ ،‬وعدم هجرهتم إلى بالد يأمنون فيها على دينهم وأنفسهم» اهـ‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة والثمانون‪:‬‬


‫منع السفر خارج البالد‬
‫‪ ‬إن البالد التي يشتد فيها الصراع بين الحاكم والمحكوم؛ بسبب الثورات‬
‫والمظاهرات وغيرها‪ ،‬يؤدي ذلك إلى فساد كبير‪ ،‬ومنه منع السفر خارج البالد‬
‫أحيانًا‪ ،‬إما لخراب المطارات والطرقات وتدمير الجسور‪ ،‬أو إلجراءات أمنية‪،‬‬
‫فيؤ ّدي ذلك إلى حرج شديد للناس‪ ،‬فكم من مريض يمنع من السفر فيموت‪ ،‬وكم‬
‫من صاحب حاجة يمنع من السفر فتضيع حوائجه‪ ،‬وكم من غريب يريد أن يعود‬
‫إلى بلده فال يستطيع‪ ،‬ويبقى الناس داخل الوطن أشبه ما يكونون باإلقامة الجربية‪،‬‬
‫بل ومن كان منهم خارج وطنه يمنع من السفر إلى بعض البالد أحيانًا؛ لعدم‬
‫الرغبة يف أهل تلك البالد التي فيها الحروب والمظاهرات‪ ،‬ويصبح المواطن‬
‫خارج وطنه وداخله غير مرغوب فيه‪ ،‬فانظر إلى قيمة العراقي والعراق قبل الحرب‬
‫وبعد الحرب‪ ،‬وانظر إلى قيمة السوري وسوريا قبل الحرب وبعد الحرب‪ ،‬وانظر‬
‫إلى قيمة اليمني واليمن قبل الحرب وبعد الحرب‪ ،‬وانظر إلى قيمة الليبي وليبيا‬
‫قبل الحرب وبعد الحرب‪...‬‬
‫ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ [الحشر]‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة والثمانون‪:‬‬


‫زيادة غربة الغرباء‬
‫‪ ‬إن مفاسد المظاهرات والثورات كثيرة وكثيرة جد ًا‪ ،‬ومنها زيادة غربة‬
‫الغرباء من أهل السنة والجماعة‪ ،‬خاصة إذا كانت هذه المظاهرات والثورات‬
‫توجه إلى كل من كان‬
‫تحمل طابعًا إسالميًا وصبغة إسالمية‪ ،‬فإن أصابع االهتام ّ‬
‫ظاهره الصالح واالستقامة دون تفريق بين سني سلفي وغيره‪ ،‬فتسمع عبارات‬
‫سيئة من المجتمع‪.‬‬
‫كقولهم مثال‪:‬‬
‫هؤالء المطاوعة هم سبب هذه المظاهرات والثورات والفتن والقالقل يف‬
‫البالد‪ ،‬فال تصدقوهم وال تأخذوا عنهم العلم‪ ،‬وال الفتوى‪ ،‬وال تحضروا لهم وال‬
‫تسمعوا لهم‪ ،‬ويمنع بعضهم من الخطب والمحاضرات والدروس ِ‬
‫وح َلق العلم‬
‫والدعوة إلى اهلل؛ بحجة أهنم دعاة فتن ومظاهرات‪ ،‬ومناصب وكراسي‪ ،‬وسياسات‬
‫ودنيا‪ ،‬إلى غير ذلك من االهتامات‪ ،‬مما تزيد أهل الحق غربة على غربتهم‪ ،‬مع أن‬
‫تفرق بين الصالح‬
‫السلفيين من أبعد الناس عن هذه األمور‪ ،‬ولكن الشعوب ال ّ‬
‫والطالح‪ ،‬والسني والبدعي‪ ،‬والعالِم والجاهل‪ ،‬ومن أراد الدنيا ومن أراد اآلخرة‪،‬‬
‫إال من رحم اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬فهذه المظاهرات والثورات سبب من أسباب غربة الغرباء يف هذا الزمن‪،‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬ومن أسباب غربة الغرباء كذلك يف هذا الزمان كثرة األقاويل والمعتقدات‬
‫واآلراء المخالفة للكتاب والسنة‪ ،‬وكثرة الدعاة إلى تلك اآلراء والمعتقدات‬
‫واألقاويل‪ ،‬فيلتبس على كثير من الناس الحق بالباطل‪ ،‬والسنة بالبدعة‪ ،‬ويصبح‬
‫كثير منهم يتّبعون البدعة يظنوهنا سنة‪ ،‬ويحاربون السنة يظنوهنا بدعة‪ ،‬فيغدو‬
‫المؤمن المتّبع للسنة السائر على البينة الربانية غريبًا بينهم؛ ال ّتباعه وبدعتهم‪،‬‬
‫وعلمه وجهالتهم‪ ،‬وق ّلته وكثرهتم‪ ،‬وتعظم الغربة حين تصبح هذه اآلراء المبتدَ عة‬
‫والعقائد المنحرفة دينًا َيدين به الكرباء‪ ،‬من السالطين والرؤساء والمنسوبين إلى‬

‫العلم والشرع‪ ،‬فيطبِق على العامة الجهل ُّ‬


‫بالسنَّة واإلنكار على أهلها‪ ،‬وما يزالون‬

‫يتوارثون ذلك‪ ،‬ويتواصون به حتى يصبح ُعر ًفا جار ًيا َمن خالفه َّ‬
‫تعرض للسب‬
‫والتنقيص والزراية واالهتام‪.‬‬
‫والتف‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬و َيستحكم َطوق الغربة على الغرباء إذا كانت الدولة ألهل البدع‪،‬‬
‫حول السلطان علماء السوء الذين يز ِّينون له الباطل ويأمرونه به‪ ،‬و ُيب ّغضون له‬
‫وبغض السنة وأهلها‪،‬‬
‫َ‬ ‫حب البدعة وأهلها‪،‬‬
‫شرب قل ُبه َّ‬
‫الحق وينهونه عنه‪ ،‬حتى ُي َ‬
‫ف ُي َو ِّلي أهل البدع و َيستعملهم ِّ‬
‫ويقرهبم ويستنصح لهم‪ ،‬ف َيحمل هؤالء الناس على‬
‫بدعتهم وضاللهم‪ ،‬و ُيم ِّكنون لمن كان على مثل حالهم‪ ،‬ويضيِّقون على أهل‬
‫السنة‪ ،‬وقد ُيخيفوهنم ويفتنوهنم؛ كما حدث لإلمام أحمد‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ ‬فهذه األسباب وغيرها تضاعف غربة الفرقة الناجية ـ سواء من الناحية‬
‫الفردية أو الجماعية ـ وتحيطها بنوع خاص من الغربة‪ ،‬يضاف إلى الغربة العامة‬
‫الشاملة التي تواجهها هذه الفرقة؛ ألهنا فئة من المسلمين‪ ،‬والمسلمون بين أهل‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫األرض غرباء‪ ،‬وللمستقيمين على الجادة السالكين الطريق المستقيم من هذه‬


‫الغربة أوفاها وأكملها‪.‬‬
‫‪ ‬فالفرقة الناجية تعيش غربة المسلمين بين أهل الملل واألديان األخرى يف‬
‫سائر أقطار األرض‪ ،‬وتعيش غربتها الخاصة بين المسلمين‪ ،‬والتي ُت ْحكِم خيوطها‬
‫أيدي المسلمين أنفسهم!‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة والثمانون‪:‬‬


‫إذا سقط الرأس سقط اجلسد‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات واالنقالبات‪:‬‬
‫إسقاط رئيس البالد‪ ،‬فيبقى الناس بال رئيس‪ ،‬والرئيس للبالد كالرأس‬
‫للجسد‪ ،‬فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ومات‪ ،‬وهكذا إذا ذهب الرئيس مات‬
‫الخالقة؛ ألنه من المعلوم عند كل العقالء أن الناس ال تنتظم‬
‫ّ‬ ‫الشعب بالفوضى‬
‫عمت هبم‬
‫حياهتم‪ ،‬وال تأمن سبلهم إال بحاكم يسوسهم‪ ،‬فإن لم يكن لهم حاكم ّ‬
‫الفوضى‪،‬وانتشـر بينهم العدوان‪،‬من أجل ذلك كان من عقيدة أهل السنة والجماعة‬
‫أن نصب اإلمام فرض واجب على المسلمين وهذا باالتفاق( ‪)1‬؛ ألن الناس طبعوا‬
‫على الفوضى وحب التملك واالستئثار‪ ،‬فلو لم يكن عليهم سلطان يسوس‬
‫أمورهم لكانوا مثل وحوش الغاب يأكل القوي الضعيف‪،‬‬
‫‪ ‬وإذا أردت أن تعرف كيف تنتشـر الفوضى عند غياب الحاكم‪ :‬فخذ هذا‬
‫المثال الصغير وهو إشارة المرور كيف تقوم بتنظيم السير‪ ،‬فإذا تعطلت هذه‬
‫اإلشارة رأيت فوضى عارمة وتناحر شديد بين الناس‪ ،‬كل يريد المرور ويرى أن له‬

‫(‪ )1‬نقل اإلجماع على ذلك‪ :‬النووي يف «شرح صحيح مسلم» (‪ ،)٢٠5/1٢‬وابن حزم يف «الفصل يف‬
‫الملل واألهواء والنحل» (‪ ،)87/4‬والقاضي عبد الجبار يف «شرح األصول الخمسة» ص‬
‫(‪.)751‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫الحق يف المرور دون غيره‪ ،‬ويحصل االختناق الشديد‪ ،‬وقد يرتقي األمر إلى‬
‫السباب والشتام والضرب‪ ،‬حتى يأيت شرطي المرور فيحتاج إلى وقت لتنظيم هذا‬
‫السير وفك هذا االشتباك وهذا االختناق‪،‬‬
‫‪ ‬فإذا كان هذا يف إشارة مرور فكيف ببلد ينزع فيها السلطان ويضعف؟! فال‬
‫سلطان فيها يحكم أمرها وينصف أصحاب الحقوق‪ ،‬ويمنع المظالم وينظم أحوال‬
‫الناس يف معايشهم‪،‬وألجل ذلك حين ينتشر الرعب يف بالد ال سلطان لها‪ ،‬ترى‬
‫أهل تلك البالد يتمنون حاكمًا يحكم البالد ولو كان طاغية‪ ،‬على أن ُي َأ ِّمنهم يف‬
‫مساكنهم وينظم حياهتم‪ ،‬والواقع خير شاهد على هذا‪،‬‬
‫‪ ‬ونحن يعلم اهلل ال ندافع عن أشخاص الحكام‪ ،‬وإنما ندافع عن الحق‬
‫الواضح الجلي المزبور يف الكتاب والسنة بفهم سلف األمة‪ ،‬ونقول‪:‬‬
‫األعور خير لنا من األعمى‪ ،‬واألعرج خير لنا من المشلول‪ ،‬والهزيل خير لنا‬
‫من الميت‪.‬‬
‫‪ ‬فوجود الحاكم نعمة عظيمة‪ ،‬فإن كان بر ًا مطيعًا فهي السعادة التامة‪ ،‬وإن‬
‫كان فاجر ًا فوجوده خير من عدمه بال شك‪ ،‬ويكفي أنه يحقن دماء المسلمين‪،‬‬
‫ولذلك قال عمرو بن العاص‪« :)1( ‬إمام عادل خير من مطر وابل‪ ،‬وإمام‬
‫ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم»‪.‬‬

‫(‪« )1‬تاريخ دمشق» البن عساكر (‪.)184/46‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬فتأمل يف فقه الصحابة األطهار‪ ،‬وسلف األمة األبرار‪ ،‬الذين أوتوا العلم‬
‫والزكاة‪ ،‬كيف عرفوا األمر حق المعرفة‪ ،‬فقدروا له قدره‪.‬‬
‫ب‪:)1(‬‬ ‫َق َال َعلِي بْ ُن َأبِي َطال ِ ٍ‬
‫ُّ‬
‫«ال ي ْصلح الناس إال أم ٌير ب ٌّر أ ْو فاج ٌر» قالوا‪ :‬يا أمير الْم ْؤمنين‪ ،‬هذا الْب ُّر فك ْيف‬
‫بالْفاجر؟‬
‫السبل‪ ،‬ويجاهد به الْعدو‪ ،‬وي ْجبي به‬
‫قال‪« :‬إن الْفاجر يؤ ِّمن اهلل ‪ ‬به ُّ‬
‫الْف ْيء‪ ،‬وتقام به الْحدود‪ ،‬ويح ُّج به الْب ْيت‪ ،‬وي ْعبد اهلل فيه الْم ْسلم آمنا حتى يأْتيه‬
‫أجله»‪.‬‬
‫وقال اإلمام عبداهلل بن المبارك‪:)2(‬‬
‫ل ْوال األئمة ل ْم تأْم ْن لنا سب ٌل وكان أ ْضعفنا ن ْهبا أل ْقوانا‬
‫درهم ما أفقهم‪.‬‬
‫هلل ّ‬
‫وقال الطرطوشي‪:)3(‬‬
‫يف قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬

‫ﯘﮊ[البقرة‪ .]٢51:‬قال‪« :‬لوال أن اهلل تعالى أقام السلطان يف األرض‪ ،‬يدفع‬


‫القوي عن الضعيف‪ ،‬وينصف المظلوم من ظالمه لتواثب الناس بعضهم على‬
‫بعض»‪.‬‬

‫(‪« )1‬شعب اإليمان» للبيهقي (‪.)71٠٢‬‬


‫(‪« )2‬سير أعالم النبالء» (‪.)414/8‬‬
‫(‪ )3‬المتوىف سنة (‪544‬هـ) «سراج الملوك» (ص‪.)44:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقال الحسن البصري ‪ ‬يف والة األمر( ‪:)1‬‬

‫«‪ ...‬واهلل ما يستقيم الدِّ ين إال هبم وإن جاروا وظلموا‪ ،‬واهلل َل َما ُي ْص ُ‬
‫لح اهلل هبم‬
‫أكثر مما ُيفسدون‪.»...‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)2(‬‬
‫«فإن امللك الظامل‪ :‬ال بد أن يدفع اهلل به من الرش أكثر من ظلمه‪ .‬وقد قيل‪ :‬ستون‬
‫سنة بإمام ظامل‪ :‬خري من ليلة واحدة بال إمام‪ »...‬اهـ‬
‫وقال الطرطويش ‪:)3(‬‬
‫« ومثال السلطان القاهر لرعيته‪ ،‬ورعية بال سلطان‪ ،‬مثال بيت فيه رساج منري‬
‫وحوله قيام من الناس يعاجلون صنائعهم‪ ،‬فبينام هم كذلك إذ طفئ الرساج فقبضوا‬
‫أيدهيم يف الوقت‪ ،‬وتعطل مجيع ما كانوا فيه‪ ،‬فتحرك احليوان الرشير وختشخش‬
‫اهلوام اْلسيس‪ ،‬فدبت العقرب من مكمنها‪ ،‬وفسقت الفأرة من جحرها‪ ،‬وخرجت‬
‫احلية من معدهنا‪ ،‬وجاء اللص بحيلته‪ ،‬وهاج الربغوث مع حقارته‪ ،‬فتعطلت املنافع‬
‫واستطالت فيهم املضار‪.‬‬
‫كذلك السلطان إذا كان قاهرا لرعيته وكانت املنفعة به عامة‪ ،‬وكانت الدماء به‬
‫يف أهبها حمقونة‪ ،‬واحلرم يف خدورهن مصونة‪ ،‬واألسواق عامرة‪ ،‬واألموال حمروسة‪،‬‬

‫(‪« )1‬جامع العلوم والحكم» (‪.)768/٢‬‬


‫(‪« )2‬مجموع الفتاوى» (‪.)٢68/14‬‬
‫(‪« )3‬سراج الملوك» (ص‪.)151-15٠:‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫واحليوان الفاضل ظاهر‪ ،‬واملرافق حاصلة‪ ،‬واحليوان الرشير من أهل الفسوق‬


‫والدعارة خامل‪ ،‬فإذا اختل أمر السلطان دخل الفساد عىل اجلميع‪.‬‬
‫ولو جعل ظلم السلطان حوال يف كفة كان هرج الناس ساعة أرجح وأعظم من‬
‫ظلم السلطان حوال‪ ،‬وكيف ال‪ ،‬ويف زوال السلطان أو ضعف شوكته سوق أهل‬
‫الرش‪ ،‬ومكسب األجناد‪ ،‬ونفاق أهل العيارة والسوقة واللصوص واملناهبة‪.‬‬
‫قال الفضيل ‪:‬‬
‫جور ستي سنة خري من هرج ساعة‪ ،‬وال يتمنى زوال السلطان إال جاهل‬
‫مغرور أو فاسق يتمنى كل حمذور» اهـ‬
‫ومن تأمل هذه النصوص علم فقه السلف‪ ،‬وعلم حكمة اهلل العظيمة يف أن‬
‫يجعل للناس إما ًما يسوسهم‪ ،‬وأوجب عليهم طاعته‪ ،‬فكل ذلك يعود عليهم‬
‫بالمصلحة وحفظ األنفس واألموال واألعراض‪ ،‬ولوال ذلك لم ينتظم لهم حال‬
‫ولن يستقر لهم قرار فتفسد األرض ومن عليها‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة والثمانون‪:‬‬


‫ِّ‬
‫يذهب حاكم سيئ ويأتي أسوأ منه‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات يف الماضي والحاضر يف البالد العربية‬
‫وغيرها‪:‬‬
‫إسقاط حاكم سيِّئ ويأيت بعده أسوأ منه‪ ،‬واألعور خير للناس من األعمى‪،‬‬
‫الم ْق َعد‪ ،‬والهزيل خير للناس من الميت‪.‬‬
‫واألعرج خير للناس من ُ‬
‫ويف المثل الحجازي‪ :‬خليك على قردك ال يجيك أقرد منه‪.‬‬
‫ويقال أيضًا‪ :‬امسك مجنونك ال يجيك أجن منه‪.‬‬
‫وأذكر مثاال واحدا شاهدا على ما أقول‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫(قصة إبليس وال إدريس‪ ،‬هل تعرفونها؟!)‬
‫انتفض الشارع الليبي وخرج يف مظاهرات غاضبة يف عام (‪1969‬م) احتفاء‬
‫بمعمر القذايف الضابط الشاب الثائر ضد الملك الصالح العاقل إدريس السنوسي‪،‬‬
‫وكان شعار الثوار يف المظاهرات «إبليس وال إدريس» يعني يحكم ليبيا إبليس وال‬
‫يحكمها الملك الصالح إدريس‪ ،‬وكان الملك الصالح ضعيف السمع فنظر من‬

‫(‪ )1‬صحيفة عكاظ ‪143٢/5/5‬هـ‪ ،‬صحيفة البالد ‪٢٠16/5/9‬م‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫شرفات القصـر فرأى الجماهير محتشدة وهتتف هبتافات ال يسمعها‪ ،‬فسأل من‬
‫بجواره ماذا يقول هؤالء؟‬
‫قال يقولون‪« :‬إبليس وال إدريس»‪ ،‬فرفع يديه إلى السماء ودعا بقوله‪ :‬اللهم‬
‫أجب دعوهتم‪ .‬فكان البديل للملك الصالح إدريس هو القذايف الرئيس‪ ،‬فهل‬
‫استجيب لدعوته؟ يبدو أن األمر كذلك‪.‬‬
‫ويقول الذين عاصروا آخر أيام الملك الليبي‪:‬‬
‫أنه كان ينوي القيام بإصالحات دستورية أساسية‪ ،‬وأنه كان عازفًا عن الحكم‬
‫لمرضه وتجاوزه الثمانين من عمره‪ ،‬ولكن هذه الثورة لم تمهله وانقضت عليه‬
‫وأفسدت كل شيء‪ ،‬ثم برك بطلها وقائدها القذايف على الشعب الليبي أكثر من‬
‫أربعة عقود‪.‬‬
‫قال الشاعر األفريقي محمد الفيتوري‪:‬‬
‫قلبي على وطني‬ ‫كلما زيفوا بطال قلت‬
‫وهذه ُسنَّة بني إسرائيل الذين قال اهلل عنهم‪:‬‬
‫ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [البقرة‪،]61:‬‬
‫فقد استبدلوا المن والسلوى بالبصل والثوم‪.‬‬
‫‪ ‬إن بعض الدول التي حصل فيها الربيع العربي كان فيها الكثير من الخير‬
‫والرخاء‪ ،‬وعالئم التنمية والنماء‪ ،‬وعملتها ذات قيمة‪ ،‬ومظاهر التحضـر فيها كانت‬
‫خرهبا من استلمها‪َّ ،‬‬
‫وأخرها‬ ‫تبشـر بمستقبل َّ‬
‫أخاذ‪ ،‬فلما حصلت هذه الثورات َّ‬
‫قرونًا إلى الوراء‪ ،‬ودمروا الكرامات واألرض‪ ،‬وأهلكوا الحرث والنسل‪ ،‬ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ[البقرة]‪ ،‬مما أدى إلى انفجار األوضاع وتدخل األمم الكافرة‬


‫واختالط األوراق‪ ،‬وكان فيما جرى ويجري عرب وعظات‪ ،‬ولكن هل يمكن أن‬
‫يتعظ أو يعترب األموات؟!‬
‫‪:‬‬ ‫أال يعلم هؤالء قول النبي‬
‫«ال يأْتي عل ْيك ْم زما ٌن إال الذي ب ْعده ش ٌّر منْه»(‪.)1‬‬
‫فزمن الخلفاء األربعة أفضل من خالفة بني أمية‪ ،‬وخالفة بني أمية أفضل من‬
‫خالفة بني العباس‪ ،‬وخالفة بني العباس أفضل ممن تس ّمى بالخالفة العثمانية‪،‬‬
‫هذا هو الغالب والنادر ال حكم له كخالفة عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬وزمن‬
‫المهدي وعيسى ‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن عثيمين ‪ ‬مبينًا معنى حديث‪:‬‬
‫«ال يأْتي عل ْيك ْم زم ٌ‬
‫ان إال الذي ب ْعده ش ٌّر منْه»‪.‬‬
‫قال‪:)2(‬‬
‫المراد بالحديث‪ :‬الوالة؛ ألن سبب ذكر أنس‪ ‬لهذا الحديث أن الناس‬
‫جاءوا إليه يشكون ما يجدون من الحجاج‪ ،‬والحجاج بن يوسف الثقفي معروف‪،‬‬
‫قال‪« :‬ال يأْتي عليْك ْم زما ٌن إال الذي ب ْعده ش ٌّر منْه‬ ‫فقال لهم‪ :‬اصربوا فإن النبي‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ )7٠68‬عن أنس ‪.‬‬


‫(‪« )2‬لقاء الباب المفتوح» لقاء رقم (‪.)٢٢‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫حتى ت ْلق ْوا ربك ْم»‪ ،‬وهذا واقع بالنسبة للو الة‪ ،‬فما يأيت على الناس زمان إال وما‬
‫بعده شر منه‪.‬‬
‫انظر اآلن إلى البالد اإلسالمية‪ ،‬وال سيما العربية التي نحن نعرف‪:‬‬
‫‪ ‬فمصـر مثال‪ :‬لما كانت ملكية هل هي أحسن‪ ،‬أم بعد أن صارت‬
‫جمهورية؟! األول أحسن بكثير‪ ،‬ثم الجمهوريات التي توالت عليها‪ ،‬كل‬
‫جمهورية شر من التي قبلها!‬
‫‪ ‬وانظر إلى العراق‪ :‬ستجده كذلك‪.‬‬
‫‪ ‬وانظر إلى الشام‪ :‬ستجده كذلك‪.‬‬
‫فالناس بالنسبة للوالة ال يأيت زمان إال وما بعده شر منه‪ ،‬يف الظلم‪ ،‬والبعد عن‬
‫الدين‪ ،‬وقمع أهل الحق‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫أعرفت اآلن؟!‬
‫َ‬
‫فصار المراد بذلك ـ فيما يظهر ـ هم الوالة‪،‬‬
‫«ال يأْتي عل ْيك ْم زما ٌن إال الذي ب ْعده ش ٌّر منْه»‪.‬‬

‫َقدْ َي ِر ْد على هذا خالفة عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬فإن الخلفاء قبله كانوا ّ‬
‫شر ًا‬
‫منه‪ ،‬وهو خير منهم بال شك‪ ،‬خير ممن سبقه‪ ،‬ال سيما القريبين منه‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫هذا ال يخالف الحديث؛ ألن نصوص الكتاب والسنة أحيانًا تأيت على‬
‫األغلب‪ ،‬ليس على كل عين وكل فرد‪ .‬اهـ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثامنة والثمانون‪:‬‬


‫اهدار األموال الطائلة‬
‫‪ ‬ال شك أن قيام المظاهرات واالعتصامات والثورات تحتاج إلى ميزانية‬
‫باهظة من األموال‪ ،‬تنفق على تجهيز المظاهرات وعلى المتظاهرين بجميع‬
‫مستوياهتم وطبقاهتم‪ ،‬وأموال أخرى تنفق على الدعاية واإلعالن‪ ،‬من الصحف‬
‫والمجالت والقنوات واالتصاالت وجميع وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬وأموال‬
‫أخرى تنفق للمواصالت بجميع أنواعها‪ ،‬وأموال أخرى تنفق لألحزاب‬
‫والمنظمات التي تقوم هبذه المظاهرات وترتيبها‪ ،‬وغير ذلك من األموال الطائلة‬
‫التي هتدر يف تذكية الصـراعات‪ ،‬وتوضع يف غير موضعها‪ ،‬سيسألون عنها بين يدي‬
‫اهلل يوم القيامة‪.‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﮊ [اإلسراء]‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وقال‬
‫«إن رجاال يتخوضون في مال اهلل بغ ْير حق‪ ،‬فلهم النار ي ْوم القيامة»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ )3118‬عن خولة ‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪:‬‬ ‫وقال‬
‫«ال تزول قدما ع ْبد ي ْوم القيامة حتى ي ْسأل ع ْن عمره فيما أ ْفناه‪ ،‬وع ْن ع ْلمه فيم‬
‫فعل‪ ،‬وع ْن ماله م ْن أ ْين اكْتسبه وفيم أنْفقه‪ ،‬وع ْن ج ْسمه فيم أبْاله»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «الرتمذي» (‪ )2417‬عن أبي برزة األسلمي ‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪ ،)946‬و«صحيح اجلامع» (‪ ،)7300‬وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف‬
‫«المصارعة» (ص‪.)174:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التاسعة والثمانون‪:‬‬


‫اهدار األوقات وضياعها‬
‫‪ ‬إن المظاهرات واالعتصامات ضياع لألوقات‪ ،‬فكم هي األوقات التي‬
‫تقضـى يف الشوارع‪ ،‬وعلى األرصفة‪ ،‬ويف المخيمات‪ ،‬ويف التظاهرات‪ ،‬والهتافات‪،‬‬
‫والصرخات‪ ،‬ورفع الشعارات‪ ،‬والمهاترات‪ ،‬والمجادالت‪ ،‬كل هذا استنزاف‬
‫للوقت سيسأل عنه المؤمن يوم القيامة ويغبن على ضياعه يف يوم التغابن‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫يقول النبي‬
‫الصحة‪ ،‬والْفراغ»( ‪.)1‬‬
‫«ن ْعمتان مغْبو ٌن فيهما كث ٌير من الناس‪ِّ :‬‬
‫‪« :‬اغْتن ْم خ ْمسا ق ْبل خ ْمس» وذكر منها «وفراغك ق ْبل شغْلك»( ‪.)2‬‬ ‫وقال‬
‫‪« :‬ال تزول قدما عبْد ي ْوم القيامة حتى ي ْسأل ع ْن عمره فيما أ ْفناه‪ ،‬وع ْن‬ ‫وقال‬
‫ع ْلمه فيم فعل‪ ،‬وع ْن ماله م ْن أ ْين اكْتسبه وفيم أنْفقه‪ ،‬وع ْن ج ْسمه فيم أ ْباله»(‪.)3‬‬
‫فهذه أربعة أسئلة اختص الوقت باثنين منها؛ وما ذلك إال ألهميته‪،‬‬
‫فسوف يسأل اإلنسان عن عمره عامة‪ ،‬وعن شبابه خاصة‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪ )641٢‬عن عبد اهلل بن عباس‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح رواه «الحاكم» (‪ )7846‬عن ابن عباس‪ ،‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع»‬
‫(‪.)1٠77‬‬
‫(‪ )3‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وخص الشباب بالسؤال؛ لما له من قيمة وتميز عن سائر العمر بالقوة‬


‫ّ‬
‫والحيوية والنشاط والعزيمة‪ ،‬فهو مرحلة القوة بين الضعفين‪:‬‬
‫* ضعف الطفولة‪.‬‬
‫* وضعف الشيخوخة‪.‬‬
‫فالوقت أيها المتظاهرون‪ :‬هو الحياة‪ ،‬ومعرفة أهميته تعني معرفة أهمية الحياة‬
‫وقيمتها‪ ،‬ومن لم يعرف أهمية الوقت عاش ميتًا‪ ،‬وإن كان مع األحياء على وجه‬
‫األرض‪ ،‬لذلك يقول اهلل سبحانه عن الكافرين عند سؤالهم‪:‬‬
‫ﮋﮒ ﮓ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚﮛﮜ ﮝﮞ ﮟﮠ ﮡﮢﮊ‬
‫[المؤمنون]‪،‬‬
‫فأجابوا بأهنم لم يعيشوا إال يومًا أو بعض يوم‪ ،‬وهم يف الحقيقة عاشوا سنين؛‬
‫لكنهم عندما لم يستغلوا وقتهم بما ينفعهم تاهوا عن اإلجابة‪ ،‬كما تاهوا يف الدنيا‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪:)1 (‬‬
‫«وقت اإلنسان هو عمره يف الحقيقة‪ ،‬وهو مادة حياته األبدية يف النعيم المقيم‪،‬‬
‫ومادة المعيشة الضنك يف العذاب األليم‪ ،‬وهو يمر أسرع من السحاب‪ ،‬فما كان‬
‫من وقته هلل وباهلل فهو حياته وعمره‪ ،‬وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته وإن عاش‬
‫فيه عاش عيش البهائم‪ ،‬فإذا قطع وقته يف الغفلة والسهو واألماين الباطلة وكان خير‬
‫ما قطعه به النوم والبطالة‪ ،‬فموت هذا خير له من حياته»‪.‬‬

‫(‪« )1‬الجواب الكايف» (ص‪.)157-156:‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقال أيضًا‪:)1(‬‬
‫«‪...‬إضاعة الوقت أشد من الموت؛ ألن إضاعة الوقت تقطعك عن اهلل والدار‬
‫اآلخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها‪ »...‬اهـ‬
‫وقال بعض السلف‪:‬‬
‫إذا أردت أن تخترب عقل الرجل فانظر إلى وقته‪ ،‬فإذا رأيته يضيع األوقات‬
‫فاعلم أنه غير عاقل‪ ،‬وإذا أردت أن تخترب دينه فانظر إلى لسانه‪.‬‬
‫ودر نفيس‪ ،‬أقسم اهلل تعالى به يف‬
‫فالوقت أيها المتظاهرون جوهر مسبوك ّ‬
‫ّ‬
‫وحذرهم من ضياعه‪ ،‬فالوقت هو ساعات‬ ‫ّ‬
‫وحث عباده على استغالله‪،‬‬ ‫كتابه‪،‬‬
‫وتمر كلمح البصـر والناس عنها غافلون‪.‬‬
‫مر السحاب ّ‬
‫تمر ّ‬
‫العمر التي ّ‬
‫وقد أقسم اهلل تبارك وتعالى يف مطالع سور عديدة من القرآن بأجزاء معينة من‬
‫الوقت‪ :‬كالليل‪ ،‬والنهار‪ ،‬والفجر‪ ،‬والضحى‪ ،‬والعصر‪.‬‬
‫ومن المقرر لدى العلماء أن اهلل إذا أقسم بشيء من خلقه فذلك يدل على‬
‫الم ْق َسم به وليلفت أنظار الناس إليه‪ ،‬ويوقظهم الغتنامه واالهتمام به‪.‬‬
‫عظمة ُ‬

‫(‪« )1‬الفوائد» (ص‪.)31:‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة التسعون‪:‬‬
‫خسروا الدنيا واآلخرة‬
‫‪ ‬إن المتظاهرين والمعتصمين والثوار‪:‬‬
‫خسروا يف الدنيا خسرانًا عظيمًا‪ :‬فمنهم من ُقتل‪ ،‬ومنهم من ُضرب‪ ،‬ومنهم‬
‫من ُسجن‪ ،‬ومنهم من ُأهين و ُأذل‪ ،‬ومنهم من ُش ّرد من وطنه‪ ،‬ومنهم من هو خائف‬
‫بالليل والنهار ال يهدأ له بال‪،‬‬
‫يشرد هبم َمن خلفهم كما‬
‫‪ ‬وإذا كانت الغلبة للحاكم على المتظاهرين فإنه ّ‬
‫فعل الحجاج بابن األشعث وأتباعه‪ ،‬ثم بعد هذه الخسائر كلها لم يصلوا إلى‬
‫مآرهبم الدنيوية من رئاسة أو وزارة أو غيرها‪.‬‬
‫وأما خسرانهم يف اآلخرة‪ :‬فإهنم سيسألون بين يدي اهلل‪ ،‬ويحاسبون على الشر‬
‫المستطير‪ ،‬والفتنة العمياء التي أضعفت البالد والعباد‪ ،‬وصدّ ت الناس عن دينهم‬
‫الحق‪ ،‬ومعرفة الهدى من الضالل‪ ،‬وصدق اهلل القائل‪:‬‬
‫ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [البقرة‪.]191:‬‬
‫قال العالمة ابن عثيمين‪« :)1(‬قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﮊ‪:‬‬

‫(‪« )1‬تفسير العثيمين» (‪.)377/٢‬‬


‫تنبيه‪ :‬المراد بالفتنة يف اآلية الكريمة‪ :‬الكفر والشرك‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«الفتنة» هي صدّ الناس عن دينهم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬


‫ﮋﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮊ [الربوج]؛‬
‫فصدّ الناس عن دينهم فتنة أشد من قتلهم؛ ألن قتلهم غاية ما فيه أن نقطعهم‬
‫من ملذات الدنيا؛ لكن الفتنة تقطعهم من الدنيا واآلخرة‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ[الحج‪ »]11:‬اهـ‬
‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ [العصر]‪.‬‬
‫فب ّين سبحانه وتعالى أن الناس كلهم خاسرون إال من استثنى اهلل‪.‬‬
‫لكن الناس متفاوتون يف الخسارة‪ ،‬فالخسارة لها مراتب متفاوتة‪:‬‬
‫* فقد تكون خسارة مطلقة‪:‬‬
‫كحال من خسر الدنيا واآلخرة‪ ،‬وفاته النعيم‪ ،‬واستحق الجحيم‪ ،‬وهم الكفار‪.‬‬
‫* وقد تكون خسارة من بعض الوجوه دون بعض‪:‬‬
‫وهذا حال كثير من المسلمين وهو مقصودي هنا‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة احلادية والتسعون‪:‬‬


‫ضعف محاية ثغور البالد وحدودها‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات‪:‬‬
‫إضعاف حماية وحراسة الثغور والحدود التي هي بمثابة األبواب الحصينة‬
‫للبالد من العدو الخارجي‪ ،‬وكما توضع األقفال القوية على األبواب خشية‬
‫اللصوص والمجرمين‪ ،‬وتبنى السدود خشية دمار الطوفان‪ ،‬فإن على حدود البالد‬
‫سدود ًا منيعة وأبوابًا حصينة من الجيش‪ ،‬يحرسوهنا –بإذن اهلل– من طوفان الشـر‬
‫ولصوص البشر‪.‬‬
‫إهنم رجال يسهرون لينام الناس‪ ،‬ويتعبون لراحة اآلخرين‪ ،‬يف ميزاهنم الصالح‬
‫كل عبادة عابد‪ ،‬وعلم متعلم‪ ،‬وكسب تاجر‪ ،‬ودعوة هادي‪ ،‬إهنم المرابطون على‬
‫الثغور‪ ،‬والحارسون للحدود‪ ،‬والحافظون لألمن‪.‬‬
‫وقد نقل شيخ اإلسالم ‪ ‬يف فضل المرابطة يف سبيل اهلل‪:‬‬
‫االتفاق بين أئمة اإلسالم على أهنا أفضل من المجاورة بالمسجد الحرام‪،‬‬
‫والمسجد النبوي‪ ،‬والمسجد األقصى إن احتسبوا األجر على اهلل‪.‬‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫ول اهللِ‬
‫اع ِد ِّي ‪َ ‬أ َّن َر ُس َ‬
‫َعن سه ِل ب ِن سع ٍد الس ِ‬
‫ْ َ ْ ْ َ ْ َّ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«رباط ي ْوم في سبيل اهلل خ ْي ٌر من الدُّ نْيا وما عل ْيها‪ ،‬وم ْوضع س ْوط أحدك ْم من‬
‫الجنة خ ْي ٌر من الدُّ نْيا وما عل ْيها‪ ،‬والر ْوحة يروحها الع ْبد في سبيل اهلل‪ ،‬أو الغدْ وة خ ْي ٌر‬
‫من الدُّ نْيا وما عليْها»(‪.)1‬‬
‫َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ول اهللِ‬
‫َو َع ْن َس ْل َما َن ‪َ ‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫«رباط ي ْوم ول ْيلة خ ْي ٌر م ْن صيام ش ْهر وقيامه‪ ،‬وإ ْن مات جرى عل ْيه عمله الذي‬
‫كان ي ْعمله‪ ،‬وأ ْجري عل ْيه رزْقه‪ ،‬وأمن الْفتان»(‪.)2‬‬
‫وكما أن الرباط عادة يكون يف الثغور وعلى أطراف البالد‪ ،‬فإن ألهل الداخل‬
‫رباطًا آخر ال يقل أهمية عن رباط الحدود‪ ،‬وخصوصًا إذا كانت البالد قد دخلت‬
‫يف ِغمار الحروب والصراعات‪.‬‬
‫العدو على النفاذ‬
‫ّ‬ ‫إنه حراسة وحدة الصف واجتماع الكلمة‪ ،‬وهو ثغر يحرص‬
‫منه‪ ،‬إذا أعجزته ثغور األطراف‪ ،‬بل إنه ال قيمة لكل جهد على الحدود إذا تم النيل‬
‫من ثغر الداخل‪ ،‬وهو الثغر الذي يستهدفه المنافقون عادة يف كل زمان ومكان‪ ،‬وقد‬
‫والجهال‪.‬‬
‫َّ‬ ‫يجرون إليه المغ َّفلين‬
‫ُّ‬
‫إن العقل والمنطق يقضي بتأجيل أ ّية خالفات داخلية‪ ،‬أو خصومات‪ ،‬ولو‬
‫كانت خالفات ُمستح َّقة ما دامت البالد يف حرب‪ ،‬فكيف إذا كانت خصومات‬
‫ويصطف ألجلها النخب وذوو‬
‫ّ‬ ‫ُمفتع َلة‪ ،‬وخالفات سا َذجة‪ُ ،‬تشغل هبا المجتمعات‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه «البخاري» (‪.)٢89٢‬‬


‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪.)1913‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ُ‬
‫ستجاش‬‫ترجف هبا وسائل التواصل واإلعالم‪ُ ،‬تو َغ ُر هبا الصدور‪ ،‬و ُت‬
‫الهيئات؟! ُ‬
‫يصحو المجتمع وينام أليام على تطوراهتا وجديدها‪ ،‬يكون االنتصار فيها‬
‫ُ‬ ‫األحقاد‪،‬‬
‫للنفس أكثر من الحق‪ ،‬يف استهانة بالحالة التي تعيشها البالد‪ ،‬وعدم مباالة بجد ّية‬
‫األحداث التي يعيشها الوطن‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية والتسعون‪:‬‬


‫سبب لتعطيل احلدود الشرعية‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات وإسقاط الحكام‪:‬‬
‫تعطيل الحدود الشرعية التي ال يقوم هبا إال ولي األمر‪.‬‬
‫قال القرطبي‪:)1(‬‬
‫«ال خالف أن القصاص يف القتل ال يقيمه إال أولو األمر‪ ،‬الذين فرض عليهم‬
‫النهوض بالقصاص‪ ،‬وإقامة الحدود وغير ذلك؛ ألن اهلل سبحانه خاطب جميع‬
‫المؤمنين بالقصاص‪ ،‬ثم ال يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص‪،‬‬
‫فأقاموا السلطان مقام أنفسهم يف إقامة القصاص وغيره من الحدود» اهـ‬
‫‪ ‬واهلل ‪ ‬من رحمته شرع الحدود لمكافحة الجريمة والرذيلة‪ ،‬وصيانة‬
‫المجتمع من الفساد والمعاصي‪ ،‬وحماية مصالح أساسية أجمعت الشـرائع‬
‫السماوية السابقة المنسوخة على المحافظة عليها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫* حفظ الدين‪.‬‬
‫* وحفظ النسل‪.‬‬
‫* وحفظ النفس‪.‬‬

‫(‪« )1‬تفسير القرطبي» (‪.)٢46-٢45/٢‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* وحفظ العقل‪.‬‬
‫* وحفظ المال‪.‬‬
‫وهي المعروفة بالضروريات الخمس‪،‬‬
‫وسميت بذلك‪ :‬ألنه ال قيام لحياة الناس وصالحهم إال بتوافرها وتواجدها‬
‫ّ‬
‫وحفظها من االعتداء عليها‪ ،‬ووضع العقاب الرادع لمن حاول التعدي عليها‪،‬‬
‫‪ ‬وقد أحكم اهلل ‪ ‬وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية‬
‫اإلحكام‪ ،‬وشرعها على أكمل الوجوه‪.‬‬
‫* فشرع حد الزنا صيانة لألنساب من التعرض للضياع‪.‬‬
‫* وحد السرقة وقطع الطريق لصيانة األموال واألنفس‪.‬‬
‫* وحد القذف لصيانة األعراض‪.‬‬
‫* وحد الشرب لصيانة العقول‪.‬‬
‫وهكذا بقية الحدود‪ ،‬فكل حد له حكم وحكمة بالغة‪.‬‬
‫فبتطبيق الحدود والقصاص والتعازير يف األرض يزجر كل من ُت َس ِّول له نفسه‬
‫ارتكاب الجرائم وزعزعة األمن‪ ،‬ويسود األمن واألمان والطمأنينة بين أفراد‬
‫المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ ‬كما يرتتب أيضًا على إقامة الحدود‪:‬‬
‫* حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والمال‪ ،‬والعرض‪ ،‬والعقل‪،‬‬
‫* وتحقيق العدالة على وجه األرض‪،‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫فعند غياب الدولة والحكومة على إثر هذه المظاهرات والثورات والفتن من‬
‫الذي يقوم هبذه الحدود؟ ال أحد‪ ،‬فتسود الفوضى يف البالد‪.‬‬
‫ويبقى الناس كوحوش الغاب يأكل القوي الضعيف‪.‬‬
‫أو كحيتان البحر يأكل الكبير الصغير‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة والتسعون‪:‬‬


‫التعاون على اإلثم والعدوان‬
‫حرم اهلل تعالى علينا التعاون على اإلثم والعدوان لضـرره الكبير؛‬
‫‪ ‬لقد َّ‬
‫ألن التعاون على اإلثم والعدوان يقلب نظام المجتمع‪ ،‬ويساعد على فساد‬
‫ِّ‬
‫الذ َمم واألخالق‪ ،‬ويفتح أبواب َّ‬
‫الشـ ِّر‪ ،‬ويطمس معالم الحق‪ ،‬ويجعل المجتمع‬
‫يرتع بالباطل وبالظلم والظلمات‪،‬لذلك َّ‬
‫حذرنا منه ربّنا تعالى بقوله‪:‬‬
‫ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [المائدة‪.]٢:‬‬
‫‪ ‬ومن مفاسد التعاون على اإلثم والعدوان أنه يساعد على‬
‫الطغيان‪ِّ ،‬‬
‫ويرخص للظالم أن يستمر يف ظلمه بدون مباالة‪ ،‬وألنه سبب لخراب‬
‫المجتمع‪،‬وسبب لضياع الحقوق‪.‬‬
‫‪ ‬وال يشك عاقل أن المتظاهرين والثوار يعين بعضهم بعضًا على اإلثم‬
‫والعدوان؛ ألن أفعالهم وأقوالهم مخالفة للكتاب والسنة وإجماع األمة‪ ،‬وكل ما‬
‫خالف الكتاب والسنة فهو عدوان‪ ،‬فالخروج على ولي األمر عدوان‪،‬‬
‫والمظاهرات عدوان‪ ،‬والتشبه بالكفار عدوان‪ ،‬وإحداث الفوضى والشغب يف بالد‬
‫اإلسالم عدوان‪ ،‬فالمتظاهرون كمثل الذي أراد أن يزيل الخمر بالبول‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ومن أزال منكرا بأنْكرا كغاسل الح ْيض ببول أغْيرا‬
‫‪ ‬واهلل ‪ ‬أوجب على عباده المؤمنين التعاون على الرب والتقوى‪،‬‬
‫وحرم عليهم التعاون على اإلثم والعدوان‪ ،‬فقال ‪ ‬يف كتابه الكريم‪:‬‬
‫ّ‬
‫ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [المائدة‪]٢:‬‬

‫فنهانا ‪ ‬أن نكون أعوانًا على الظلم والعدوان والطغيان‪.‬‬


‫‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ت منْه ذمة اهلل وذمة رسول اهلل»( ‪.)2‬‬
‫«م ْن أعان باطال ليدْ حض بباطله حقا فقدْ برئ ْ‬
‫‪ ‬وصور التعاون على اإلثم والعدوان كثيرة‪:‬‬
‫* منها‪ :‬نشـر البدع والخرافات والضالالت‪ ،‬والمبادئ الهدّ امة بين‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬التعاون على الفتن‪ ،‬وإضعاف األمن واإلخالل باألمن‪ ،‬فكل هذا من‬
‫التعاون على اإلثم والعدوان‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬التعاون ضد والة األمر‪ ،‬وتشويه سمعتهم‪ ،‬وافرتاء األكاذيب‬
‫واألباطيل عليهم بشتّى أنواع األساليب‪ ،‬وترويج اإلشاعات‪ ،‬واألراجيف‬
‫واألكاذيب بالقدح يف الحكومات‪ ،‬وإشغال الناس عن مهماهتم هبذه‬

‫(‪« )1‬التنبيهات السنية شرح الواسطية» (‪.)94/٢‬‬


‫(‪ )2‬صحيح رواه «الحاكم» واللفظ له (‪ ،)7٠5٢‬والطرباين يف «األوسط» (‪ )٢944‬عن ابن عباس‬
‫‪ ،‬وحسنه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪ ،)1٠٢٠‬و«صحيح الجامع»‬
‫(‪.)6٠48‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫المفرتيات واألكاذيب والضالالت‪ ،‬وكل من لم يتعاون معهم على هذا‬


‫الباطل ووقف ضدهم َص ُّبوا عليه ويالت التهم واإلشاعات الكاذبة‪.‬‬
‫ويف ذلك يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)1(‬‬
‫«وذلك أن كثير ًا من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه ويبغضون‬
‫من ال يوافقهم‪ ،‬وهذا ظاهر يف الديانات الفاسدة من مواالة كل قوم لموافقيهم‬
‫ومعاداهتم لمخالفيهم‪ ،‬وكذلك يف أمور الدنيا والشهوات كثير ًا ما يختار أهلها‬
‫ويؤثرون من يشاركهم يف أمورهم وشهواهتم‪.‬‬
‫* إما للمعاونة على ذلك كما يف المتغلبين من أهل الرياسات وق ّطاع الطريق‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫* وإما لتلذذهم بالموافقة كما يف المجتمعين على شرب الخمر مثالً‪ :‬فإهنم‬
‫يحبون أن يشرب كل من حضر عندهم‪.‬‬
‫* وإما لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير إما حسدً ا له على ذلك وإما لئال يعلو‬
‫عليهم بذلك و ُيحمد دوهنم‪ ،‬وإما لئال يكون له عليهم حجة وإما لخوفهم‬
‫من معاقبته لهم بنفسه أو بمن يرفع ذلك إليهم ولئال يكونوا تحت مِنّته‬
‫وخطره ونحو ذلك من األسباب‪ »...‬اهـ‬
‫ويف رفض التعاون على اإلثم والعدوان يقول ابن القيم ‪« :)1(‬اإلنسان‬
‫مدين بالطبع البد له أن يعيش مع الناس‪ ،‬والناس لهم إرادات وتصورات‬

‫(‪« )1‬االستقامة» (‪.)٢56/٢‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫واعتقادات‪ ،‬فيطلبون منه أن يوافقهم عليها‪ ،‬فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه‪ ،‬وإن‬
‫وافقهم حصل له األذى والعذاب من وجه آخر؛ فالبد له من الناس ومخالطتهم‪،‬‬
‫وال ينفك عن موافقتهم أو مخالفتهم‪ ،‬ويف الموافقة ألم وعذاب إذا كانت على‬
‫باطل‪ ،‬ويف المخالفة ألم وعذاب إذا لم يوافق أهواءهم واعتقاداهتم وإراداهتم‪ ،‬وال‬
‫ريب أن ألم المخالفة لهم يف باطلهم أسهل وأيسر من األلم المرت ّتب على‬
‫موافقتهم‪ ،‬واعترب هذا بمن يطلبون منه الموافقة على ظلم‪ ،‬أو فاحشة‪ ،‬أو شهادة‬
‫محرم‪ ،‬فإن لم يوافقهم آذوه وظلموه وعادوه‪ ،‬ولكن له‬
‫زور‪ ،‬أو المعاونة على ّ‬
‫العاقبة والنصرة عليهم إن صرب واتقى‪ ،‬وإن وافقهم فرار ًا من ألم المخالفة أعقبه‬
‫فر منه‪ ،‬والغالب أهنم يسلطون عليه فيناله من األلم منهم‬
‫ذلك من األلم أعظم مما َّ‬
‫ال بموافقتهم‪ ،‬فمعرفة هذا ومراعاته من أنفع ما للعبد‪،‬‬‫أضعاف ما ناله من اللذة أو ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فألم يسير ُيعقب لذة عظيمة دائمة َأ ْولى باالحتمال من لذة يسيرة ُتعقب ً‬
‫ألما عظيمًا‬
‫دائمًا‪ ،‬والتوفيق بيد اهلل» اهـ‬

‫=‬
‫(‪« )1‬إغاثة اللهفان» (‪.)193/٢‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة والتسعون‪:‬‬


‫ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ‬
‫‪ ‬قال المفسرون( ‪:)1‬‬
‫«ولما كان نفي حملهم لخطايا غيرهم قد يفهم منه أن الكفار الداعين إلى‬
‫ضاللتهم ال يأثمون إثمًا زائد ًا؛ بسبب ذلك رفع ذلك اإليهام بقوله‪ :‬وليحملن‬
‫هؤالء المشركون الداعون إلى باطلهم ذنوهبم التي اقرتفوها‪ ،‬وليحملن ذنوب من‬
‫ا ّتبع دعوهتم دون أن ينقص من ذنوب التابعين لهم شيء‪ ،‬وليسألن يوم القيامة عما‬
‫كانوا يختلقونه يف الدنيا من األباطيل»‪.‬‬
‫‪ ‬فكل ما يحصل من شر يف هذه المظاهرات‪ ،‬واالعتصامات‪ ،‬والثورات‬
‫واالنقالبات‪ ،‬والخروج على والة أمور المسلمين‪ ،‬من قتل‪ ،‬وهنب‪ ،‬وانتهاك‬
‫لألعراض‪ ،‬وضياع المال العام والخاص‪ ،‬وجميع أنواع الفساد‪ ،‬فإن المتظاهرين‬
‫والمعتصمين عليهم وزر تلك المصائب والجرائم واألعمال ال ينقص من‬
‫‪:‬‬ ‫أوزارهم شيئًا‪ ،‬قال‬
‫«‪...‬وم ْن سن في ْاإل ْسالم سنة س ِّيئة‪ ،‬كان عل ْيه وزْرها ووزْر م ْن عمل بها م ْن‬
‫ب ْعده‪ ،‬م ْن غيْر أ ْن ينْقص م ْن أ ْوزاره ْم ش ْي ٌء»( ‪.)1‬‬

‫(‪« )1‬التفسير المختصر» (‪.)397/1‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* فكم أوقعت هذه المظاهرات والثورات من مصائب على اإلسالم‬


‫والمسلمين‪ ،‬فيا هلل!‬
‫* كم من آالم وأحزان يف بالد الصومال التي انقسمت إلى دويالت‬
‫وحكومات‪ ،‬وما زالت تحرتق بنار الفتن‪.‬‬
‫* وكم ألفغانستان الجريحة التي ما زالت تنزف إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫* وكم من أحزان وآالم لليبيا التي أهنكتها االنقسامات والصراعات‪.‬‬
‫* وكم لبالد الشام من صرخات وآالم وأحزان وأوجاع وأسقام‪.‬‬
‫* وكم لليمن السعيد من هموم وغموم‪ ،‬وأحزان وآالم‪ ،‬وأوجاع وأسقام‪،‬‬
‫وأصبح أهلها شذر مذر‪ ،‬أيدي سبأ(‪ ،)2‬ومزقتهم الثورات كل ممزق‪ ،‬كما‬
‫فعل اهلل بأهل سبأ من قبلهم‪.‬‬
‫* وكم لمصر الكنانة من آهات وآالم‪ ،‬وزفرات وأحزان‪.‬‬
‫* وكم وكم يف بالد المسلمين من فتن ونكبات‪ ،‬وباليا ورزايا‪ ،‬وإلى أي حال‬
‫وصل ضعف المسلمين وهواهنم على الناس‪.‬‬

‫=‬
‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )1٠17‬عن جرير ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قولهم‪ :‬ذهب القوم أيدي سبأ‪ ،‬وأيادي سبأ‪ :‬أي متفرقين‪ ،‬شبهوا بأهل سبأ لما مزقهم اهلل يف‬
‫األرض كل ممزق‪ ،‬فأخذ كل طائفة منهم طري ًقا على حدة‪ .‬واليد‪ :‬الطريق‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬أخذ القوم يد بحر‪ ،‬فقيل للقوم إذا تفرقوا يف جهات مختلفة‪ :‬ذهبوا أيدي سبأ‪ .‬أي فرقتهم‬
‫طرقهم التي سلكوها‪ ،‬كما تفرق أهل سبأ يف مواطن يف جهات مختلفة أخذوها‪ .‬انظر‪« :‬هتذيب‬
‫اللغة» (‪.)7٢/13‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬يا دعاة المظاهرات‪ ،‬والمسيرات‪ ،‬واالعتصامات‪ ،‬واالحتجاجات‪،‬‬


‫والثورات‪ ،‬التي قامت بسببها الحروب المهلكة التي أكلت األخضـر واليابس‪،‬‬
‫وأهلكت الحرث والنسل‪ ،‬إنكم ستُسألون يوم القيامة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﮊ [الصافات]‪،‬‬
‫إنكم ستتحملون وزر ًا وإثمًا عظيمًا بسبب ما دعوتم له‪ ،‬وبسبب ما أريق من دماء‪،‬‬
‫وما ُسلب ونُهب و ُأتلف و ُد ِّمر و ُأحرق من أموال‪ ،‬وما حصل من فساد؛ ألن‬
‫( ‪)1‬‬
‫تخرجوا لما ُوجدت هذه‬ ‫خروجكم هو سبب وجودها وحصولها‪ ،‬ولو لم‬
‫الشـرور‪ ،‬ولكان الناس والبالد يف عافية منها وسالمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬قد يقول قائل‪ :‬قولك (لو لم تخرجوا لما حصل كذا) أليس هذه الكلمة قد جاء النهي عنها؟‬
‫والجواب‪ :‬سئل الشيخ العثيمين ‪ ‬كما يف «مجموع فتاوى ورسائل العثيمين» (‪ :)89/3‬هل‬
‫هذه العبارة صحيحة (بفضل فالن تغير هذا األمر‪ ،‬أو بجهدي صار كذا)؟‬
‫فأجاب الشيخ ‪ ‬بقوله‪« :‬هذه العبارة صحيحة‪ ،‬إذا كان للمذكور أثر يف حصوله‪ ،‬فإن اإلنسان له‬
‫فضل على أخيه إذا أحسن إليه‪ ،‬فإذا كان لإلنسان يف هذا األمر أثر حقيقي فال بأس أن يقال‪:‬‬
‫هذا بفضل فالن‪ ،‬أو بجهود فالن‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬ألن إضافة الشيء إلى سببه المعلوم جائزة شرعًا‬
‫وحسًا‪،‬‬
‫قال يف عمه أبي طالب‪« :‬ل ْوال أنا لكان في الد ْرك ْاأل ْسفل من‬ ‫ففي صحيح مسلم أن رسول اهلل‬
‫النار »‪ .‬وكان أبوطالب يعذب يف نار جهنم يف ضحضاح من نار‪ ،‬وعليه نعالن يغلي منهما دماغه‪،‬‬
‫‪« :‬ل ْوال أنا لكان في الد ْرك ْاأل ْسفل من‬ ‫وهو أهون أهل النار عذابًا ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬فقال النبي‬
‫النار»‪.‬‬
‫أما إذا أضاف الشيء إلى سبب وليس بصحيح فإن هذا ال يجوز‪ ،‬وقد يكون شركًا‪ ،‬كما لو أضاف‬
‫حدوث أمر ال يحدثه إال اهلل إلى أحد من المخلوقين‪ ،‬أو أضاف شيئًا إلى ٍ‬
‫أحد من األموات أنه‬
‫هو الذي جلبه له فإن هذا من الشرك يف الربوبية» اهـ‬
‫=‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* كيف يطيب لكم عيش‪ :‬ومظاهراتكم قد تسببت يف سفك دماء نفوس‬


‫معصومة؟‬
‫* كيف تهنأ لكم حياة‪ :‬ومظاهراتكم قد تسببت يف ترميل نساء وتيتيم أطفال؟‬
‫* كيف يرتاح لكم ضمير‪ :‬ومظاهراتكم قد تسببت يف دخول الحزن والكرب‬
‫والمصاب على بيوت ُقتل آباؤهم‪ ،‬أو إخواهنم‪ ،‬أو أبناؤهم‪ ،‬أو من يقوم برعايتهم‬
‫والنفقة عليهم؟‬
‫* كيف تحتفلون‪ :‬وقد أفسدتم البالد والعباد؟‬
‫المرة‪ ،‬التي تعيشها الشعوب وأنتم‬
‫هذه هي ثمراتكم السيئة‪ ،‬ونتائج أعمالكم ّ‬
‫يف قصوركم وبين أوالدكم تفرحون وتمرحون‪،‬‬
‫=‬
‫قلت‪ :‬ويضاف إلى ما ذكره شيخنا ابن عثيمين ‪ ‬من األدلة ما يلي‪:‬‬
‫ت بواديك ْم‪ ،‬لوال‬
‫األحمر ما حل ْ‬
‫ويقلن‪( :‬لوال الذهب ْ‬ ‫‪ -1‬ضرب الجواري بالدف بحضرة النبي‬
‫ت عذاريكم) حسن رواه الطرباين يف «األوسط» (‪ )3٢65‬عن عائشة‬
‫الحنطة السمراء ما سمن ْ‬
‫‪ ،‬وحسنه األلباين ‪ ‬يف «آداب الزفاف» (‪.)181/1‬‬
‫‪« :‬ل ْوال بنو إ ْسرائيل ل ْم يخْ نز الل ْحم‪ ،‬ول ْوال حواء ل ْم تخن أنْثى ز ْوجها» متفق عليه عن أبي‬ ‫‪ -٢‬قال‬
‫هريرة ‪.‬‬
‫‪« :‬ل ْوال اله ْجرة لكنْت ْامرأ من األنْصار» رواه البخاري عن أبي هريرة وعبد اهلل بن زيد‬ ‫‪ -3‬قال‬
‫‪.‬‬
‫يف موسى عليه السالم‪« :‬ل ْوال أنه عجل لرأى الْعجب» رواه مسلم عن ُأبَ ّي بن كعب‬ ‫‪ -4‬قال‬
‫‪.‬‬
‫‪ -5‬قال الشافعي ‪( :‬لوال شعبة لما عرف الحديث بالعراق) «تذكرة الحفاظ» (‪،)144/1‬‬
‫«الجرح والتعديل» البن أبي حاتم (‪.)1٢7/1‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ [يوسف‪.]٢1 :‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة والتسعون‪:‬‬


‫الدعوة إل احلرية املطلقة‬
‫‪ ‬لقد سمعنا وسمع الكثير بعض رؤوس ودعاة الجماعات واألحزاب‬
‫اإلسالمية دعاة الثورات والمظاهرات‪ ،‬وهم يدعون للحرية المطلقة‪ ،‬يف جميع‬
‫وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬لقد توسعوا توسعًا فاحشًا يف المناداة بالحرية‪،‬‬
‫فنادوا بالحرية يف المظاهرات واالعتصامات والثورات واالنقالبات‪ ،‬ويف أمور‬
‫كثيرة‪ ،‬بل كل ما يحصل يف المظاهرات من منكرات يربر ذلك باسم الحرية‪ ،‬حتى‬
‫وصل الحال ببعضهم أن ينادي بالحرية يف المعتقد‪.‬‬
‫‪ ‬ونحن نقول‪ :‬نعم لقد خلق اهلل بني آدم أحرار ًا ليسوا بعبيد للعبيد‪ ،‬وهذا هو‬
‫األصل فيهم‪ ،‬واهلل ‪ ‬أعطى اإلنسان إرادة ومشيئة واختيار ًا‪ ،‬فليس العبد‬
‫مجبور ًا على عمل‪ ،‬وإنما هو حر يف اختياره ومشيئته‪ ،‬وبناء على هذه الحرية يف‬
‫االختيار والمشيئة يحاسبه اهلل ‪ ،‬فلو كان العبد مكرهًا مجرب ًا ال حرية له يف‬
‫‪:‬‬ ‫االختيار‪ ،‬فإن اهلل ال يؤاخذه على أفعاله‪ ،‬قال‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«إن اهلل قدْ تجاوز ع ْن أمتي الْخطأ‪ ،‬والن ِّْسيان‪ ،‬وما ْ‬


‫استكْرهوا عليْه»(‪.)1‬‬
‫فإذا فقد العبد حريته يف العمل‪ ،‬ومشيئته يف االختيار فصار مجرب ًا مكرهًا ال‬
‫يؤاخذه اهلل‪ ،‬فيكون اإلكراه عذر ًا له يف هذه الحالة فال يأثم‪ ،‬وأما ما عمله باختياره‬
‫الحر‪،‬‬
‫وحريته ومشيئته فإن اهلل تعالى يحاسبه عليه‪ ،‬وقد جاء الشرع بتحريم بيع ُ‬
‫ومن الكبائر أن يبيع اإلنسان ُحرا فيأكل ثمنه( ‪.)2‬‬
‫‪ ‬وقد جعلت الشريعة للرق سببًا واحدً ا وهو الكفر‪ ،‬فمن تعداه فباع ُح ّر ًا‬
‫فإنما يأكل يف بطنه نار جهنم‪ ،‬وقد استعبد بعض البشـر بعضًا عرب التاريخ كما فعل‬
‫فرعون مع بني إسرائيل‪ ،‬وقد امتن اهلل على بني إسرائيل لما نالوا الحرية بعد‬
‫استعبادهم‪ ،‬وقد ذاقوا ذل العبودية لفرعون وقومه فقال سبحانه‪:‬‬
‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [البقرة]‪،‬‬
‫وكان فرعون َي ُم ّن على موسى أنه لم يستعبده كما استعبد قومه‪ ،‬فكان رد موسى‪:‬‬
‫ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ[الشعراء]‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «ابن ماجه» (‪ ،)٢٠43‬و«ابن حبان» (‪ )7٢19‬عن أبي ذر‪ ،‬وصححه األلباين‬
‫‪ ‬يف «اإلرواء» (‪ ،)8٢‬و«هداية الرواة» (‪ ،)6٢48‬وشيخنا الوادعي ‪ ‬يف «صعقة‬
‫الزلزال» (‪ ،)18/٢‬و«اإللحاد الخميني» (ص‪.)٢53:‬‬
‫الق َيا َم ِة‪َ :‬ر ُج ٌل َأ ْع َطى‬
‫َن النَّبِي × َق َال‪َ « :‬ق َال اهلل‪َ :‬ثالَ َث ٌة َأنَا َخصمهم يوم ِ‬
‫ْ ُُ ْ َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫(‪َ )2‬ع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪ ‬ع ِ‬
‫ط َأ ْج َر ُه» رواه‬‫بِي ُثم َغدَ ر‪ ،‬ورج ٌل باع حرا َف َأك ََل َثمنَه‪ ،‬ورج ٌل است َْأجر َأ ِجيرا َفاستَو َفى مِنْه و َلم يع ِ‬
‫ُ َ ْ ُْ‬ ‫ً ْ ْ‬ ‫َ ُ ََ ُ ْ ََ‬ ‫َّ َ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫البخاري (‪.)٢٢٢7‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫علي يف أن لم تستعبدين‪ ،‬وأنا فرد‬


‫فأنا واحد‪ ،‬وقومي هؤالء جميعًا‪ ،‬فأين منتك َّ‬
‫واحد‪ ،‬واستعبدت قومي على كثرهتم وعددهم‪.‬‬
‫‪ ‬وجاءت الشريعة اإلسالمية بوضع اآلصار واألغالل‪ ،‬فهي شريعة تخفيف‪،‬‬
‫ورفع للقيود الشاقة‪ ،‬ولذلك نجد فيها تخفيفًا يف أحكام المكره كما قال‪:‬ﮋ‬

‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮊ[النحل‪ ،]1٠6:‬وال تستقيم حياة اإلنسان إال إذا كان عبد ًا لشيء واحد وهو اهلل‬
‫‪ ،‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﮊ[األنعام‪،]19:‬‬
‫ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [الذاريات]‪،‬‬
‫فالعبودية هلل تعالى فقط‪ ،‬وعندما يصبح اإلنسان عبد ًا هلل يتحرر من أسر‬
‫المخلوقات‪ ،‬وعندما يصبح عبد ًا هلل فإنه يكون يف غاية الحرية يف نفسه‪.‬‬
‫وكذلك فإن الصحابة ‪ ‬لما خرجوا لفتوحات البلدان كان قائلهم‬
‫يقول‪« :‬لقد ابتعثنا اهلل لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اهلل‪ ،‬ومن ضيق‬
‫الدنيا إلى سعتها‪ ،‬ومن جور األديان إلى عدل اإلسالم»‪،‬‬
‫وهو ربعي بن عامر ‪.‬‬
‫وقال علي ‪« :‬ال تكن عبد غيرك وقد جعلك اهلل ح ّرا»‪.‬‬
‫وهنى اهلل أهل الكتاب أن يكونوا عبيد ًا ألحبارهم فقال‪:‬‬
‫ﮋﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ [آل عمران‪،]64:‬‬
‫ولذلك كان أعظم البشر األنبياء‪ ،‬وقد مدحهم اهلل بالعبودية له فقال‪:‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﮋ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ [ص]‪،‬‬
‫‪ :‬ﮋ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ[ص]‪،‬‬ ‫وقال عن أيوب‬
‫رأسهم‪ ،‬وصفه اهلل‬ ‫وهكذا عباد اهلل المتقون‪ ،‬عباد اهلل األخيار‪ ،‬ونبينا‬
‫بالعبودية له فقال‪:‬‬
‫ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ [األنفال‪،]41:‬‬
‫ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ[الكهف‪،]1:‬‬
‫ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ [الجن‪.]19:‬‬
‫لكن فهم بعض الناس الحرية فهمًا خاطئًا فاحشًا قذر ًا فقال بالحرية المطلقة‬
‫حتى يف االعتقاد كما تقدم(‪ ،)1‬ونفخ فيهم أعداء اإلسالم نفخًا عظيمًا فجعلوهم‬
‫بذلك عبيد ًا لشهواهتم وأهوائهم ومبادئ الغرب والشرق‪ ،‬وهذه األطروحات‬
‫الباطلة التي يأتون هبا ليالً وهنار ًا؛ ولذلك فإن اهلل لما أعطى للبشـر حرية يف‬
‫التصرفات بيعًا‪ ،‬وشراء‪ ،‬واستئجار ًا‪ ،‬وكفالة‪ ،‬ورهنًا‪ ،‬وحوالة‪ ،‬ونحو ذلك‪،‬‬

‫(‪ )1‬يقول القرضاوي يف برنامج «الشريعة والحياة»‪« :‬أنا كثير ًا ما قلت يف هذا الربنامج وغيره إن الحرية‬
‫عندي مقدمة على تطبيق الشريعة‪ ،‬يجب إطالق الحريات»‪.‬‬
‫ويف أحد الندوات المسجلة قال السويدان ‪« :‬جزء آخر من قضية الحرية بالنسبة لي هي الحرية المتعلقة‬
‫بالتعبير‪ ،‬حرية التعبير‪ ،‬من حق الناس أن تقول ما تشاء يف غير الفساد األخالقي‪ ،‬الدعوة إلى‬
‫األفكار‪ ،‬االعرتاض على الدولة‪ ،‬االعرتاض على الحاكم‪ ،‬االعرتاض حتى على اإلسالم ما‬
‫عندي مشكلة فيه‪ ،‬حتى االعرتاض على اهلل تعالى وعلى رسوله»‪.‬‬
‫وقال الغنوشي يف كتابه «حكم المظاهرات واإلضرابات واالعتصامات» (ص‪« :)183:‬ويجب طرح‬
‫اإلسالم مثل غيره‪ ،‬ويجب احرتام إرادة الشعوب‪ ،‬ولو طالبت باإللحاد والشيوعية»‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وأعطاهم الحرية يف الطعام‪ ،‬واللباس‪ ،‬والنكاح‪ ،‬فإنه سبحانه وتعالى جعل لذلك‬
‫قيود ًا‪ ،‬وفهم القيود مهم جد ًا لمعرفة بطالن مبدأ الحرية المطلقة‪.‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ‬
‫[األحزاب‪ ،]36:‬فإذا هوى اإلنسان شيئًا ومال إليه وأراد اهلل ورسوله عكس هذا‬
‫فيجب عليه االنقياد لما أراده اهلل ورسوله وال يقول أنا ُحر أفعل ما أريد‪،‬‬
‫ﮋﯥﯦ ﯧﯨﯩ ﯪﯫ ﯬﯭﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲﯳﮊ‬
‫[النور‪.]51:‬‬
‫‪ ‬ولذلك من المبادئ اإلسالمية العظيمة المتفق عليها وهي من الثوابت‪ :‬ال‬
‫‪:‬‬ ‫حرية يف فعل المعصية‪ ،‬ويجب التفريق بين الحرية وبين الحرام‪ ،‬قال‬
‫اجتنبوه»( ‪،)1‬‬
‫«إذا نه ْيتك ْم ع ْن ش ْيء ف ْ‬
‫ولذلك فال يمكن أن يقال‪ :‬إن هناك حرية يف سب اهلل‪ ،‬أو أنبيائه ورسله‪ ،‬أو‬
‫التطاول على ثوابت الدين وأحكامه وشرائعه‪ ،‬وليس هناك حرية يف انتقاد أحكام‬
‫الميراث‪ ،‬أو أحكام الوالية يف اإلسالم‪ ،‬أو انتقاد أحكام الطالق‪ ،‬أو أحكام النكاح‪،‬‬
‫ليس هناك حرية يف انتقاد ما جاءت به الشريعة من الحدود؛ كحد السـرقة‪ ،‬أو حد‬
‫الزنا‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وال يمكن بحال من األحوال أن ترتك عقوبة الزاين إذا كان راضيًا‬
‫ً‬
‫حالال إذا كان‬ ‫بفعله هو والزانية؛ ألن اهلل ليس براض‪ ،‬وال يمكن أن يكون الربا‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)7٢88‬مسلم» (‪ )1337‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ً‬
‫حالال‬ ‫المرابي والذي يدفع إليه الربا اآلخذ والمعطي راضيين‪ ،‬ال يمكن أن يكون‬
‫إذا كانا راضيين؛ ألن اهلل ليس براض‪ ،‬وال يمكن أن تكون المرأة ُح ّرة يف طريقة‬
‫خروجها ولباسها‪ ،‬وتبدي ما تشاء من الزينة‪ ،‬وتتربج‪ ،‬وتتعطر‪ ،‬وتمر على من تشاء‬
‫من الرجال‪ ،‬وتمـ شي بأي طريقة يف األسواق‪ ،‬وتخلو بمن تشاء‪ ،‬وتفعل ما تشاء‬
‫بحجة أهنا حرية شخصية؛ ألن اهلل ال يرضى عن هذا‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة والتسعون‪:‬‬


‫ساحات التغرير ال ساحات التغيري‬
‫‪ ‬جرت العادة أن المتظاهرين والمعتصمين يذهبون إلى الميادين الواسعة‬
‫والساحات الشاسعة والمقرات الجامعة‪ ،‬فيجتمعون من كل حدب وصوب‬
‫ويأتون إليها زرافات ووحدانًا‪ ،‬على أرجلهم وعلى كل ضامر يأتون من كل فج‬
‫ويسمون هذه الساحات ساحات التغيير‪ ،‬أي تغيير الحكومات واألنظمة‬
‫ّ‬ ‫عميق‪،‬‬
‫والظلم وغير ذلك‪،‬‬
‫والحقيقة أن هذه ليست بساحات التغيير‪ ،‬وإنما هي ساحات التغرير بالناس‪،‬‬
‫والناشئة‪ ،‬واألجيال والعامة‪ ،‬والج ّهال‪ ،‬والبسطاء‪ ،‬حينما يرون هذه الجماهير‬
‫الغفيرة الهادرة ويسمعون الهتافات والصرخات باسم الدين‪ ،‬أو باسم العدل‪ ،‬أو‬
‫باسم التظلم والمطالبة بالحقوق‪ ،‬فيظن الناس هبم خير ًا وأهنم على حق فيغرتّون‬
‫هبم وبأفعالهم وبأقوالهم وهبيئاهتم‪ ،‬وهذا من الغش والخداع والخيانة لألمة‪،‬‬
‫وقد قال اهلل‪ :‬ﮋ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [البقرة]‪،‬‬
‫عن ا ْل َغ َر ِر»( ‪،)1‬‬ ‫«وهنى‬
‫وهو نوع من الغش يف البيع‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )1513‬عن أبي هريرة ‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وهنى عن الغش فقال‪« :‬م ْن غشنا فليْس منا»(‪.)1‬‬


‫غرروا كذلك بأتباعهم يف التنظيم‪.‬‬
‫غرروا بعامة الناس وبالشعوب‪ّ ،‬‬
‫فكما أهنم ّ‬
‫فإذا قال الضعفاء يف التنظيم للذين استكبروا من القيادات‪:‬‬
‫إذا سقط النظام والدولة أقيموا شرع اهلل وح ّكموا شرع اهلل‪.‬‬
‫قالوا ألتباعهم‪ :‬رويد ًا رويد ًا‪ ،‬مهالً مهالً‪ ،‬على مراحل‪ ،‬العملية تحتاج إلى‬
‫وقت‪ ،‬أو ً‬
‫ال نسقط النظام‪ ،‬ثم نطبق الدستور‪ ،‬أما اإلسالم فليس وقته‪ ،‬فمن الصعب‬
‫جد ًا قيام دولة إسالمية‪ ،‬الناس ليسوا كلهم إسالميين‪ ،‬يجب أن نرضي جميع‬
‫األطراف يف الشعب‪ ،‬وإذا طبّقنا اإلسالم مباشرة فالعالم سيحاربنا‪ ،‬وسيتكالب‬
‫علينا الغرب‪.‬‬
‫فيقول الضعفاء للذين استكبروا من القيادات يف التنظيم‪:‬‬
‫إذن ما العمل بعد سقوط النظام؟‬
‫فيقولون لهم‪ :‬نريد دولة مدنية ذات مرجع إسالمي‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يتكر ُر سما ُعها‬
‫ثم تطور بهم الحال إلى أن قالوا‪ :‬نريد دولة ال دينية ‪ ،‬كلمات َّ‬
‫يف ساحات التغرير وغيرها على ألسنة العديد من أصحاب هذه التنظيمات‪ ،‬وعلى‬

‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )1٠1‬عن أبي هريرة ‪.‬‬


‫(‪ )2‬قال القرضاوي يف مقطع صوتي له‪« :‬هناك أناس يخافون‪ ،‬يقولون‪ :‬يريدون دولة دينية‪ .‬واهلل ما‬
‫نريد دولة دينية‪ ،‬وال يريد أحد دولة دينية‪ ،‬الدولة الدينية مرفوضة عندنا‪ ،‬نحن نريد دولة مدنية»‪.‬‬
‫وأكّد ذلك الرئيس محمد مرسي حين سئل‪ :‬هل ستطبق الحدود مثل قطع اليد؟‬
‫قال‪ :‬ال‪( .‬مقطع صويت)‪.‬‬
‫=‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫أن هذا الفعل منهم هو التدرج والحكمة والتعقل والرتوي‪ ،‬رغم أن هذه الكلمات‬
‫والتصـريحات عكست يف حقيقتها البساطة والسطحية يف عقول هؤالء الناس‪،‬‬
‫جراء الجهل والتلوث والفساد واالنحطاط الذي أصاهبم يف طريقة‬
‫وهذا من ّ‬
‫التفكير‪.‬‬
‫إذا يقال لهم‪ :‬إذا كانت الدولة إسالمية فلماذا تسقطوها؟‬
‫وإذا كانت الدولة غير إسالمية فأنتم ستأتون بدولة غير إسالمية!!‬
‫وعلى كل حال‪ ،‬فمزج الحق بالباطل‪ ،‬وكتمان الحق‪ ،‬والتعمية على البسطاء‬
‫من الناس‪ ،‬هو صنيع أهل األهواء يف كل زمان ومكان‪ ،‬لكن ّ‬
‫سخر اهلل لهذا الباطل‬
‫وألهله أهل السنة واألثر وأهل الحديث السلفيين‪ ،‬فقاموا ببيان الحق وتمييزه عن‬
‫حين‬ ‫الباطل‪ ،‬وجاءوا بالبيان الكايف‪ ،‬وقابلوا األمراض بالدواء الشايف‪ ،‬وصدق‬
‫قال‪« :‬ال تزال طائف ٌة م ْن أمتي ظاهرين على الْح ِّق‪ ،‬ال يض ُّره ْم م ْن خذله ْم‪ ،‬حتى يأْتي‬
‫أ ْمر اهلل وه ْم كذلك»( ‪.)1‬‬

‫=‬
‫وقد صرح غير واحد من رؤوس اإلخوان المسلمين غير من ذكرنا أهنم ال يريدون حكومة إسالمية‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه «مسلم» (‪ )19٢٠‬عن ثوبان ‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفاسد‪:‬‬
‫السابعة والثامنة والتاسعة والتسعون‪:‬‬
‫املناداة بدولة مدنية أو علمانية أو ال دينية‬
‫‪ ‬كان اندالع االحتجاجات الغاضبة‪ ،‬واالعتصامات الحاشدة‪ ،‬والمظاهرات‬
‫الجارفة‪ ،‬داللة واضحة وصريحة على ضعف أهلها عقليًا ودينيًا وثقافيًا‪ ،‬وقد‬
‫واضحا حين سمعنا مطالبة هذه الجماهير الهادرة بالديمقراطية‬
‫ً‬ ‫تج ّلى ذلك‬
‫وبالدولة المدنية التي تقوم على إطالق الحريات العامة‪ ،‬ومن المتظاهرين من‬
‫ينادي بالدولة العلمانية‪ ،‬ومن المتظاهرين من ينادي بدولة ال دينية‪ ،‬وهذا‬
‫االختالف بسبب اختالف مشارب المتظاهرين وتوجهاهتم‪.‬‬
‫أما الدولة المدنية‪ :‬فهي مفهوم مرتجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة‪،‬‬
‫ويقصد به الدولة التي تستقل بشؤوهنا عن هيمنة وتدخل الكنيسة‪ ،‬فالدولة المدنية‬
‫هي التي تضع قوانينها حسب المصالح واالنتخابات واألجهزة والتي يف نفس‬
‫الوقت ال تخضع لتدخالت الكنيسة‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬إهنا هي الدولة التي تقوم على المواطنة وتعدد األديان‬
‫والمذاهب وسيادة القانون‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬إهنا هي الدولة التي يحكم فيها أهل االختصاص يف الحكم‬
‫واإلدارة والسياسة واالقتصاد‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ومنهم من يقول‪ :‬إهنا دولة المؤسسات التي تمثل اإلنسان بمختلف أطيافه‬
‫الفكرية والثقافية واأليديولوجية داخل محيط ُح ّر ال سيطرة فيه لفئة واحدة على‬
‫بقية فئات المجتمع األخرى‪ ،‬مهما اختلفت تلك الفئات يف الفكر والثقافة‬
‫واأليديولوجيا(‪.)1‬‬
‫نقول لدعاة الدولة المدنية والمبشرين بها‪:‬‬
‫هل ما تذكرونه عن الدولة المدنية من حيث معناها وعناصرها دل عليه ديننا‬
‫وشريعتنا بأي نوع من الدالالت المعتربة عند أهل العلم؟‬
‫فإن قلتم‪ :‬نعم!‬
‫قلنا‪ :‬أين هي النصوص التي تتحدث عن ذلك وما وجه داللتها؟‬
‫وإن قلتم‪ :‬لم تدل على ذلك النصوص وإنما دلت على خالفه‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ال حاجة لنا فيما يخالف شرعنا‪.‬‬
‫وإن قلتم‪ :‬إن النصوص لم تدل على اعتباره كما أهنا لم تدل على إلغائه‪،‬‬
‫فاجتهدنا نحن يف ذلك من باب المصالح المرسلة‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬أنتم لستم من أهل االجتهاد‪ ،‬فليست لكم أية دراسات مقدرة يف‬
‫الشـريعة‪ ،‬وكل علم له رجاله المتخصصون فيه‪ ،‬وهذه بدهية من بدهيات العلوم‪،‬‬
‫ومن تك ّلم يف غير فنه أتى باألعاجيب‪.‬‬

‫(‪« )1‬الدولة املدنية يف ميزان اإلسالم»‪.‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وإن قلتم‪ :‬نحن ال يعنينا االتفاق أو االختالف مع األحكام الشـرعية والذي‬


‫يهمنا هو ما نرى فيه المصلحة‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬إذن‪ ،‬فقد خلعتم بذلك ربقة اإلسالم من أعناقكم‪.‬‬
‫تقرون وتعرتفون أن اهلل تعالى هو خالق هذا الكون العجيب بسماواته‬
‫أنتم ّ‬
‫العظام وأراضيه الشاسعة‪ ،‬وخلق الحياة كلها‪ ،‬والذي أحكم هذا الكون إحكامًا‬
‫مقرون بعلم اهلل تعالى وحكمته وعظمته‪ ،‬أفتستكثرون على‬
‫يحار فيه أولو األلباب‪ّ ،‬‬
‫اهلل تعالى أن ينزل على عباده ما يهديهم يف شؤون حياهتم‪ ،‬أم تظنون أن اهلل تعالى‬
‫خلق الخلق ورزقهم من المال والبنين ثم تركهم يديرون حياهتم بغير هداية منه‬
‫ورشاد؟!‬
‫ألم يقل اهلل تعالى ُمنْكِ ًرا على من يريد أن يستقل ويضع بنفسه ما يحكم به‬
‫مجتمعه‪:‬‬
‫ﮋ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [المائدة]‪.‬‬
‫ما الذي يدعوكم للمطالبة بالدولة المدنية؟‬
‫وما المكاسب التي تروهنا يف التمسك بالدولة المدنية‪ ،‬وهي ليست يف الدين؟‬
‫وهل هناك ما يدعو إلى استخدام هذا االسم المشتمل على قضايا مقبولة‬
‫وقضايا تتعارض مع الدين؟‬
‫ومن المتظاهرين من يطالب بدولة علمانية‪:‬‬
‫ومعنى العلمانية‪ :‬الالدينية أو الدنيوية‪ ،‬هذه هي الرتجمة الصحيحة للعلمانية‪،‬‬
‫وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيدً ا‬
‫عن الدين‪ ،‬وتعني يف جانبها السياسي بالذات الالدينية يف الحكم‪ ،‬وهي اصطالح‬
‫ال صلة له بكلمة العلم‪ ،‬وقد ظهرت يف أوروبا منذ القرن السابع عشـر‪ ،‬وانتقلت‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫إلى الشرق يف بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا‬
‫وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق يف هناية القرن التاسع عشر‪ ،‬أما‬
‫بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها يف القرن العشرين‪ ،‬وقد اختيرت كلمة علمانية‬
‫ألهنا أقل إثارة من كلمة ال دينية‪.‬‬
‫ومدلول العلمانية المتفق عليه‪:‬‬
‫يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسًا يف ضمير الفرد ال‬
‫يتجاوز العالقة الخاصة بينه وبين ربه‪ ،‬فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر‬
‫التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما‪.‬‬
‫تتفق العلمانية مع الديانة النصـرانية يف فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر‬
‫سلطة الدولة وهلل سلطة الكنيسة‪ ،‬وهذا واضح فيما ُينسب إلى المسيح‬
‫‪ ‬من قوله‪« :‬أعط ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل»‪،‬‬
‫أما اإلسالم فال يعرف هذه الثنائية‪ ،‬والمسلم كله هلل وحياته كلها هلل‪،‬‬
‫ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ [األنعام]‪.‬‬
‫ال واحد ًا(‪.)1‬‬
‫وفصل الدين عن الدولة ال يجوز قو ً‬
‫ومن المتظاهرين من يطالب بدولة ال دينية‪:‬‬
‫والدولة الالدينية هي نوع من أنواع الدولة المدنية؛ ألن الدولة المدنية لها عدة‬
‫مفاهيم هذه منها‪ ،‬ومعنى الدولة الالدينية أي التي ترفض الدين من حياهتا وال تقبل‬
‫له َتدَ ُّخالً يف تسيير شؤون الناس وضبط حياهتم وفق الشـرائع اإللهية‪ ،‬ويسموهنا‬

‫(‪ )1‬انظر‪« :‬الموسوعة الميسرة يف األديان والمذاهب واألحزاب المعاصرة» (‪.)679/٢‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫العلمانية ـ بكسـر العين ـ وهي ال عالقة لها‬‫الدولة العلمانية‪ ،‬وبعض الناس ينطقها ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالعلم‪ ،‬فأصل الكلمة َعالمانية ـ بفتح العين و َمدِّ ها ـ أي عا َلم دنيوي ال ديني‪ ،‬ثم‬
‫اختُصـِ َرت عربيا إلى َعلمانية‪ ،‬ومعناها عند أهلها ويف قواميسهم ودوائر تعريفهم‪:‬‬
‫الالدينية‪ ،‬أو الدنيوية‪ ،‬أو االتجاه الذي ال َيعترب الدين وال يهتم به وال يقيم له وزنًا‬
‫يف شؤون الحياة الدنيا‪ ،‬والدنيوية التي ُترجمت بال َعلمانية ال تؤمن بشـيء وراء‬
‫الدنيا‪ ،‬فأصدق تعريفات العلمانية وأصرحها أهنا مذهب هدَّ ام يراد به فصل الدين‬
‫عن الحياة كلها وإبعاده عنها‪ ،‬إما قهر ًا ومحاربته علنًا كما فعلت الشيوعية‪ ،‬وإما‬
‫بالسماح به وبضده من اإللحاد كما هو الحال يف الدول الغربية‪ ،‬أو من ق َّلدها من‬
‫ال عربية‪ ،‬وتسمية ذلك حرية شخصية وديمقراطية‪ ،‬فكوهنا ال دينية يعني أنه ال دين‬
‫لها أو ال دين فيها‪ ،‬وهي أشد أنواع البعد عن الدين‪ ،‬فحتى عند اإلسالميين ينبغي‬
‫أن تكون الدولة النصرانية أقرب إليهم من الدولة ال َعلمانية؛ ألهنا دولة كتابية ‪-‬لو‬
‫جميعها‪ ،‬على حدِّ قوله تعالى‪ :‬ﮋ‬‫ِ‬ ‫ُت ُص ِّو َر وجو ُدها‪ -‬واألخرى صابئة عن األديان‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ[الروم]‬

‫إن دولة اإلسالم دولة دينية‪ ،‬بل قامت من أجل إقامة الدين وسياسة الدنيا به‪،‬‬
‫وسننه(‪.)1‬‬
‫وهي دينية بمعنى أهنا تنطلق من الدين وتحكم به على منهج اإلسالم َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪« :‬كـواشف زيوف يف المذاهب الفكرية المعاصرة» (ص‪« ،)163:‬المذاهب الفكرية‬
‫المعاصرة ودورها يف المجتمعات وموقف المسلم منها» (‪.)683/٢‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة املائة‪:‬‬
‫سبب لتفريغ محاس الشعوب‬
‫فيما ال يعود عليهم بالنفع‬
‫كاملسافر ميأل جرابه رمال يثقله وال ينفعه‬
‫‪ ‬إن المتظاهرين والمعتصمين والصارخين يف الشوارع إذا فعلوا ذلك عادوا‬
‫إلى منازلهم وقد ذهب شيء كبير مما يف صدورهم‪ ،‬فحصل لـهم من العناء ما اهلل‬
‫به عليم‪ ،‬هذا إذا كانوا من المخلصين الصادقين‪ ،‬وكان الواجب عليهم توظيف هذا‬
‫يوجهوا للعلم‪،‬‬
‫الحماس وهذا الجهد يف طاعة اهلل‪ ،‬فإن كانوا من المحبين للعلم َّ‬
‫يوجهوا‬
‫يوجهوا للدعوة وتعلم العلم النافع‪ ،‬وهكذا َّ‬
‫وإن كانوا من المحبين للدعوة َّ‬
‫عز ّ‬
‫وجل‪ ،‬واالجتهاد يف فعل الخير بجميع أنواعه‪،‬‬ ‫إلى الدعاء والضـراعة إلى اهلل ّ‬
‫عمال بقوله تعالى‪:‬‬
‫حسيا ومعنويا؛ ً‬
‫واإلعداد لألعداء ّ‬
‫ﮋﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﮊ[األنفال‪.]6٠:‬‬
‫ومثال هؤالء الذين ُي َف ِّرغون حماسهم يف الشوارع بالمظاهرات والهتافات التي‬
‫ال تعود عليهم إال بالضرر كمن يحمل على ظهره أكياسًا من الرمل ويصعد هبا‬
‫المرتفعات‪ ،‬وهو يظن أنه يحمل الجواهر واليواقيت‪ ،‬فإذا فتح الكيس رآه رمالً ال‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫يسمن وال يغني من جوع‪ ،‬وصدق اهلل القائل‪ :‬ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬

‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ [الكهف]‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة األول بعد املائة‪:‬‬


‫ال حتق حقا وال تبطل باطال‬
‫‪ ‬إننا منذ سنوات ونحن نسمع عن المظاهرات واالعتصامات هنا وهناك‪ ،‬يف‬
‫بالد المسلمين ويف بالد الكفار‪ ،‬ويف بالد العرب والعجم والبيض والسود ويف‬
‫جميع القارات‪ ،‬فرأينا أهنا ال تحق حقًا وال تبطل باطالً يف الغالب‪،‬‬
‫ال واحد ًا وهو تظاهر العالم اإلسالمي بأسره يف‬
‫‪ ‬وأضرب على ذلك مثا ً‬
‫جميع العواصم العربية واإلسالمية لوقف عدوان اليهود على فلسطين‪ ،‬فهل توقف‬
‫اليهود عن عدواهنم وبغيهم وظلمهم للفلسطينيين العزل؟ أو ازداد شرهم على‬
‫الضعفاء من الرجال والنساء واألطفال؟ فضربوا وقتلوا وسجنوا بسبب‬
‫المظاهرات‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية بعد املائة‪:‬‬


‫اشغال مجيع الناس يف البالد بالفنت‬
‫والكالم يف أمور ال تعود عليهم بالنفع‬
‫ال يف الدين وال يف الدنيا‬
‫‪ ‬إن من مفاسد المظاهرات والثورات والفتن‪:‬‬
‫إشغال جميع طبقات المجتمع بالقيل والقال‪ ،‬ومتابعة األخبار‪ ،‬وكثرة‬
‫الجلسات واللقاءات والمؤتمرات المصغرة هنا وهناك‪ ،‬يف البيوت ويف الشوارع‪،‬‬
‫بل وحتى يف المساجد‪ ،‬كل ذلك بقصد التسلي والتنفس وبث ما يف النفس من‬
‫الهموم لآلخرين‪ ،‬وينشغلون عن ما ينفعهم من أمور الدين والدنيا بسبب هذه‬
‫القضايا السياسية والصراعات الدولية والمحلية‪ ،‬حتى أن بعض الصالحين‬
‫المحافظين أدخلوا الفضائيات يف بيوهتم لمتابعة األحداث‪.‬‬
‫لرجل سأله عن الساعة ـ‬ ‫أخي الكريم‪ :‬لنقف وقفة واحدة مع تعليم النبي‬
‫القيامة ـ فقال للسائل‪« :‬ما أ ْعد ْدت لها؟»(‪.)1‬‬
‫‪ ،‬فقد صرف السائل إلى ما‬ ‫فتأملوا هذا التوجيه النبوي من المع ِّلم الهادي‬
‫يعنيه ويفيده‪.‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)6171‬مسلم» (‪ )٢639‬عن أنس بن مالك‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وهو يذكر الفتن‪:‬‬ ‫وتأملوا مرة أخرى هذا التوجي َه النبوي من النبي‬
‫«إن م ْن ورائك ْم أيام الص ْبر ل ْلمتم ِّسك فيهن ي ْومئذ بما أنْت ْم عل ْيه أ ْجر خ ْمسين‬
‫منْك ْم»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا نبي اهلل أو منْه ْم؟ قال‪« :‬ب ْل منْك ْم»(‪.)1‬‬
‫على الصرب يف الفتن وب ّين عظيم األجر‪.‬‬ ‫فقد حث‬
‫ول اهللِ ‪:‬‬ ‫َو َع ْن َم ْع ِق ِل بن َي َس ٍ‬
‫ار ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫«الْعبادة في الْه ْرج كه ْجرة إلي»( ‪،)2‬‬
‫والهرج‪ :‬القتل والفتن واضطراب األمور واختالطها‪.‬‬
‫قال أهل العلم‪ :‬فالعبادة يف وقت اختالف الناس لها عظيم الفضل؛ ألن الناس‬
‫يتفرغ للعبادة إال من رحم اهلل وعصم‪.‬‬
‫يغفلون عنها ويشتغلون بغيرها‪ ،‬وال ّ‬
‫وتأ ّمل ما تفعله وسائل اإلعالم يف صرف الناس وانشغالهم بمتابعتها ليالً‬
‫ِ‬
‫كره‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬يف تحليالت وتعليالت‪،‬‬ ‫نفسه‪ ،‬وف َ‬ ‫وهنار ًا‪ ،‬يشغل هبا ُ‬
‫المبتَلى َ‬
‫وتخييالت‪ ،‬وهو ليس فيها من قبيل وال دبير؛ هل هذا خير؟ أم انصراف المرء إلى‬

‫المؤ َتمن عليها والمسؤول عنها وال ُم َ‬


‫حاسب عليها؟‬ ‫اإلحسان يف عمله ومسؤولياته ُ‬
‫شغل نفسه بقراءة الصحف‪ ،‬وسماع المذياع‪ ،‬ومشاهدة القنوات‪ ،‬ومتابعة‬
‫المواقع‪ ،‬ومن انشغل بما ال يعنيه انصرف عما يعنيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه الطرباين يف «الكبير» (‪ ،)٢89‬وابن نصر يف «السنة» (‪ )3٢‬عن عتبة بن غزوان‬
‫‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)494‬‬
‫(‪ )2‬رواه «مسلم» (‪.)٢948‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫العبادة يف الهرج بالهجرة؟‬ ‫ولعل المتأمل يدرك لماذا شبَّه النبي‬


‫قال أهل العلم‪ :‬ألن الهجرة فرار بالدين من المكان المخوف المضطرب إلى‬
‫المكان ا آلمن الذي يقيم فيه المسلم دينه‪.‬‬
‫‪ ‬والعبادة يف أزمان الفتن فرار من هذه الموجات‪ ،‬فرار إيجابي وليس اهنزامًا‬
‫وسلبية؛ بل هو البناء والعمل‪ ،‬اشتغال بالعمل الصالح والعبادة واإلصالح ونصرة‬
‫الدين وجمع الكلمة والتحذير من الفرقة‪ ،‬يف أبواب مفتوحة من عمل الخير وأنواع‬
‫العبادات الواسعة؛ من صلوات‪ ،‬وصدقات‪ ،‬وصيام‪ ،‬وحج‪ ،‬وعمرة‪ ،‬وزيارة‪،‬‬
‫وإحسان يف المعامالت‪ ،‬وصدق يف العالقات‪ ،‬وصفاء يف القلوب‪ ،‬وحب يف الخير‪،‬‬
‫والنصح‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ومن كل ما يحبه اهلل ويرضاه من‬
‫األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة‪ ،‬من أعمال مالية‪ ،‬وبدنية‪ ،‬وقولية وقلبية‪ ،‬وما‬
‫فتح اهلل من أنواع األعمال والطاعات‪ ،‬ولكل باب من أبواب الجنة أعمال‪.‬‬
‫‪ ‬فالواجب عليكم إخواين يف اهلل‪:‬‬
‫االنشغال بما ينفعكم ويقربكم من ربكم زلفى‪ ،‬ولن تنفعكم متابعة األحداث؛‬
‫ألنه ال ناقة لكم فيها وال جمل‪ ،‬ولألسف أن الكثير ممن زعم أنه يشاهد األخبار‬
‫والتحليالت ينتقل عنها إلى غيرها من الربامج واألفالم والمسلسالت الهابطة التي‬
‫طوى عن‬
‫تحارب الشريعة وتناقضها‪ ،‬فأولئك على خطر عظيم‪ .‬واهلل ‪َ ‬‬
‫وحجبَه عن أكثر العباد‪ ،‬وفتح لهم بابًا‬
‫َ‬ ‫الخلق حقائق الغيب وضرب دونه األسداد‪،‬‬
‫يكون لهم فيه نفعهم يف أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬ال يدخل عليهم ضرر‪ ،‬وال يشغلهم‬
‫عن مهماهتم ووظائفهم التي خلقوا ألجلها‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثالثة بعد املائة‪:‬‬


‫اجملاهرة باملعاصي‬
‫‪ ‬إن جميع ما يحصل يف المظاهرات من المعاصي والمنكرات القولية‬
‫والفعلية المخالفة للكتاب والسنة تعترب مجاهرة بالمعصية‪ ،‬والمجاهرة بالمعصية‬
‫‪« :‬ك ُّل أمتي معافى إال المجاهرين»(‪.)1‬‬ ‫كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬وقد قال‬
‫‪ ‬وقد انتشرت ظاهرة المجاهرة بالمعاصي يف هذه األزمان يف المظاهرات‬
‫ويف غيرها‪ ،‬ولم يكتفوا بفعل المعاصي والمنكرات ‪:‬‬
‫حتى عمدوا إلى المجاهرة هبا‪ ،‬واالفتخار بارتكاهبا والتحدث بذلك‪ ،‬واهلل‬
‫تعالى يقول‪:‬‬

‫ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﮊ [النساء‪.]148:‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)2(‬‬
‫« إن المظهر للمنكر يجب اإلنكار عليه عالنية‪ ،‬وال تبقى له غيبة‪ ،‬ويجب أن‬
‫يعا َقب عالنية بما يردعه عن ذلك»‪.‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪« ،‬البخاري» (‪« ،)6٠69‬مسلم» (‪ )٢99٠‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪« )2‬مجموع الفتاوى» (‪.)٢18-٢17/٢8‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وقال ابن حجر ‪َ « :)1 (‬من قصد إظهار المعصية والمجاهرة أغضب ربه‬
‫فلم يسرته‪ ،‬و َمن قصد التسرت هبا حيا ًء من ربه ومِن الناس َم َّن اهلل عليه بسرته إياه»‪.‬‬
‫وقال ابن بطال ‪« :)2(‬يف الجهر بالمعصية استخفاف بحق اهلل ورسوله‪،‬‬
‫وبصالحي المؤمنين‪ ،‬وفيه ضرب من العناد لهم‪ ،‬ويف السرت هبا السالمة من‬
‫االستخفاف»‪.‬‬
‫أن المجاهرة بالمعاصي لها عقوبات يف الدنيا قبل اآلخرة‪،‬‬ ‫وأخرب النبي‬
‫روى ابن ماجه يف سننه والحاكم يف مستدركه بسند صحيح(‪ )3‬من حديث ابن‬
‫فقال‪« :‬يا م ْعشر الْمهاجرين خ ْم ٌس‬ ‫عمر ‪ ‬قال‪ :‬أ ْقبل عليْنا رسول اهلل‬
‫إذا ا ْبتليت ْم بهن‪ ،‬وأعوذ باهلل أ ْن تدْ ركوهن‪:‬‬
‫‪ -1‬ل ْم تظْهر الْفاحشة في ق ْوم ق ُّط‪ ،‬حتى ي ْعلنوا بها‪ ،‬إال فشا فيهم الطاعون‪،‬‬
‫ت في أ ْسالفهم الذين مض ْوا‪،‬‬
‫و ْاأل ْوجاع التي ل ْم تك ْن مض ْ‬
‫السنين‪ ،‬وشدة الْمئونة‪ ،‬وج ْور‬
‫‪ -2‬ول ْم ينْقصوا الْمكْيال والْميزان‪ ،‬إال أخذوا ب ِّ‬
‫الس ْلطان عل ْيه ْم‪،‬‬
‫ُّ‬

‫(‪« )1‬فتح الباري» (‪.)488/1٠‬‬


‫(‪« )2‬شرح صحيح البخاري» (‪.)٢63/9‬‬
‫(‪« )3‬سنن ابن ماجه» (‪« ،)4٠19‬مستدرك الحاكم» (‪ ،)86٢3‬وصححه األلباين ‪ ‬يف «السلسلة‬
‫الصحيحة» (‪ ،)1٠6‬و«صحيح الجامع» (‪ ،)7978‬وحسنه شيخنا الوادعي ‪ ‬يف «السيوف‬
‫الباترة» (ص‪.)1٠:‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ -3‬ول ْم ي ْمنعوا زكاة أ ْمواله ْم‪ ،‬إال منعوا الْقطْر من السماء‪ ،‬ول ْوال الْبهائم ل ْم‬
‫ي ْمطروا‪،‬‬
‫‪ -4‬ول ْم ينْقضوا ع ْهد اهلل‪ ،‬وع ْهد رسوله‪ ،‬إال سلط اهلل عليْه ْم عدوا م ْن غيْره ْم‪،‬‬
‫فأخذوا ب ْعض ما في أ ْيديه ْم‪،‬‬
‫‪ -5‬وما ل ْم ت ْحك ْم أئمته ْم بكتاب اهلل‪ ،‬ويتخيروا مما أنْزل اهلل‪ ،‬إال جعل اهلل‬
‫بأْسه ْم ب ْينه ْم»‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫من حديث عمران بن حصين‬ ‫وروى الرتمذي يف سننه بسند صحيح‬
‫قال‪« :‬في هذه األمة خ ْسفٌ وم ْس ٌخ وق ْذفٌ »‪ ،‬فقال رج ٌل من‬ ‫‪ ‬أن النبي‬
‫الم ْسلمين‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ومتى ذاك؟ قال‪« :‬إذا ظهرت الق ْينات والمعازف وشربت‬
‫الخمور»‪.‬‬
‫لذا يجب اإلنكار على هؤالء المجاهرين‪ ،‬وإخبارهم بعظيم ُج ْرمهم‪ ،‬وأهنم‬
‫عرضون أنفسهم لعقوبة اهلل تعالى يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ُي ِّ‬
‫ﮋﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁﮊ [النور‪ ،]19:‬فإذا كان مجرد حب انتشار الفاحشة صاحبه مهدد بالعذاب‬
‫األليم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فكيف بمن يجهر وينشـر ويساعد على هذه الفواحش‬
‫والمنكرات؟! اللهم س ّلم س ّلم‪.‬‬

‫(‪« )1‬سنن الرتمذي» (‪ ،)٢٢1٢‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)4٢73‬‬


‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الرابعة بعد املائة‪:‬‬


‫االغرتار والعجب بكثرة املتظاهرين‬
‫‪ ‬إن مما ال يشك فيه عاقل أن الكثرة مذمومة يف الكتاب والسنة‪ ،‬فقد ذم اهلل‬
‫‪ ‬الكثرة يف أكثر من عشرين موضعًا من كتابه‪:‬‬
‫* قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ‬

‫[األنعام‪]116:‬‬

‫* وأخرب تعالى أن أكثر الناس ال يشكرون‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬

‫ﯗ ﯘ ﮊ [البقرة]‪.‬‬

‫* وأخرب تعالى أن أكثر الناس ال يعلمون‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ‬

‫ﮊ [األعراف]‪.‬‬
‫* وأخرب تعالى أن أكثر الناس يجهلون‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ‬

‫ﭨﮊ [األنعام]‪.‬‬
‫* وأخرب تعالى أن أكثر الناس ال يعقلون‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬

‫ﰅ ﮊ [العنكبوت]‪.‬‬

‫* وأخرب تعالى أن أكثر الناس ال يؤمنون‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫ﯣ ﯤ ﮊ [هود]‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* وأخرب تعالى أن أكثر الناس للحق كارهون‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ‬

‫ﯢ ﮊ [المؤمنون]‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬


‫‪:‬‬ ‫* وقال‬
‫«إن أمتي ست ْفترق على ثالث وسبْعين ف ْرقة ك ُّلها في النار إال واحدة وهي‬
‫الْجماعة»(‪.)1‬‬

‫‪ ‬وعلى كل حال فالعربة بالحق ال بالكثرة وال بالقلة‪،‬‬


‫فما وافق الكتاب والسنة فهو حق وإن كان أصحابه ق ّلة‪ ،‬وما خالف الكتاب‬
‫والسنة فهو باطل وإن كان أصحابه كثيرين‪.‬‬
‫وإن أصحاب المظاهرات والثورات‪ ،‬اغرتوا اغرتار ًا كبير ًا بالجموع الهادرة يف‬
‫الشوارع‪ ،‬والمظاهرات المليونية من الغوغاء والدهماء‪ ،‬وهكذا اغرتوا هبم يف‬
‫االنتخابات وصناديق االقرتاع‪ ،‬مع أن االنتخابات تساوي بين صوت العالِم‬
‫والجاهل‪ ،‬والرب والفاجر‪ ،‬والمسلم والكافر‪ ،‬والرجل والمرأة‪ ،‬وكل هذه األمور‬
‫مخالفة للكتاب والسنة وإجماع األمة؛ ولكن أخذتنا هبارج الكثرة‪ ،‬واإلعجاب‬
‫بالكثرة هزيمة وحسـرة‪ ،‬فقد أعجب بعض الصحابة بالكثرة يف يوم حنين‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫لن نغلب اليوم من قلة‪ .‬فقال تعالى‪:‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه «ابن ماجه» (‪ )3993‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬وصححه األلباين ‪ ‬يف‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪ ،)٢٠4‬و«صحيح الجامع» (‪ ،)٢٠4٢‬واحتج به شيخنا الوادعي ‪‬‬
‫يف «تحفة المجيب» (ص‪14٢:‬و‪.)143‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﮋ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮊ [التوبة‪]٢5:‬‬

‫فانظر كيف أذاق اهلل المسلمين مرارة الهزيمة مع كثرة عَدَ دِهم وعُدَ دِهم وقوة‬
‫شوكتهم؛ بسبب هذه المخالفة‪ ،‬وهي العجب والنظر إلى الكثرة‪ ،‬وهذا ما تفعله‬
‫كثير من الجماعات اإلسالمية المعاصرة‪ ،‬فنظرهم إلى الكثرة واهتمامهم بالكم‬
‫قبل الكيف يف الدرجة األولى‪ ،‬ولم يهتموا بالتصفية والرتبية التي هي خالصة دعوة‬
‫األنبياء والرسل وأتباعهم إلى يوم الدين( ‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬انظر كتابي‪« :‬سرعة العقاب لمن خالف السنة والكتاب» (ص‪ )133:‬تحت عنوان «العجب‬
‫بالكثرة هزيمة وحسرة»‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة اخلامسة بعد املائة‪:‬‬


‫تقديم حب النفس والتنظيمات احلزبية‬
‫على حب الوطن‬
‫‪ ‬إن الناظر يف أحوال المتظاهرين والمعتصمين والثوار‪ ،‬يجد أهنم يحبون‬
‫أنفسهم‪ ،‬وأحزاهبم‪ ،‬ومنظماهتم‪ ،‬وجمعياهتم‪ ،‬أكثر من حبهم لوطنهم‪ ،‬فوالؤهم‬
‫للحزب والتنظيم أكثر من والئهم هلل وللرسول وللمؤمنين وللوطن؛ ألهنم لم‬
‫‪ ،‬ولم يستجيبوا للعلماء‪،‬‬ ‫يستجيبوا لكالم اهلل‪ ،‬ولم يستجيبوا لسنة النبي‬
‫والعقالء والحكماء‪ ،‬بل استجابوا ألهوائهم ورغباهتم‪ ،‬فدمروا البالد والعباد‪ ،‬فمن‬
‫لم يحصل منهم على وظيفة‪ ،‬أو رئاسة‪ ،‬أو وزارة‪ ،‬أو مال‪ ،‬أو جاه‪ ،‬أو غير ذلك من‬
‫حطام الدنيا التي ال تساوي عند اهلل جناح بعوضة‪ ،‬أقام ثورة ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬

‫ﮄ ﮅ ﮊ[المدثر](‪.)1‬‬
‫فهم يف الحقيقة من أبعد الناس عن الوطنية التي يتشدقون هبا‪ ،‬فالوطني ال‬
‫يخرب بالده‪ ،‬وهم ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ[الحشـر‪ ،]٢:‬وكان الواجب عليهم‬
‫الصرب‪ ،‬وبذل النفس والمال يف صالح أوطاهنم‪ ،‬وأمنه واستقراره وازدهاره‪ ،‬أو‬

‫وسوده‪ ،‬فهو من التغيير إذا تغيّر اللون إلى‬


‫َّ‬ ‫لوحه إذا غيّره‬
‫(‪ )1‬من التلويح بمعنى التغيير‪ ،‬فتقول‪َّ :‬‬
‫السواد‪« .‬تفسير البغوي» (‪« ،)٢7٠/8‬فتح القدير» للشوكاين (‪.)393/5‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫يهاجروا منه إن لم يستطيعوا البقاء فيه‪،‬ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ‬

‫[النساء‪.]97:‬‬
‫أما أن ندمر أوطاننا هبذه األفعال الغريبة عن اإلسالم‪ ،‬فهذا ال يرضاه عاقل‬
‫يحب وطنه‪ ،‬فالوطن هو األم الحنون‪ ،‬وهو الحضن الدافئ الكبير الذي يحوي كل‬
‫أفراد الشعب‪ ،‬وهو المكان الذي مهما ابتعد اإلنسان عنه يبقى دائمًا وأبد ًا مع ّلقًا‬
‫به‪ ،‬ويتمنى العودة إليه عندما يسافر منه‪ ،‬ويبقى الحنين والشوق له ال ينقطع مهما‬
‫غريزي(‪)1‬؛ ألن‬
‫ّ‬ ‫فطري‬
‫ّ‬ ‫كان هذا الوطن‪ ،‬فتع ُّلق اإلنسان باألرض والوطن أمر‬
‫اإلنسان يشعر بأن هناك عالقة بينه وبين األرض‪ ،‬وتراهبا‪ ،‬وسمائها‪ ،‬وجبالها‪،‬‬
‫وبحارها‪ ،‬وحجرها وشجرها‪ ،‬وأز ّقتها‪ ،...‬وكل ما فيها‪ ،‬فحياته وذكرياته كلها‬
‫كانت يف وطنه‪.‬‬
‫على الخروج من وطنه ومسقط رأسه مكة‬ ‫وعندما ُأجرب رسول اهلل‬
‫المكرمة شرفها اهلل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«ما أ ْطيبك م ْن بلد‪ ،‬وأحبك إلي‪ ،‬ول ْوال أن ق ْومي أخْ رجوني منْك ما سكنْت‬
‫غ ْيرك»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كتابي «إسعاف األخيار بما اشتهر ولم يصح من األحاديث واآلثار والقصص واألشعار»‬
‫(‪ )٢74/1‬تحت حديث‪( :‬حب الوطن من اإليمان)‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح رواه «الرتمذي» (‪ ،)39٢6‬و«ابن حبان» (‪ ،)37٠9‬والطرباين يف «المعجم الكبير»‬
‫(‪ ،)1٠6٢4‬و«الحاكم» وصححه (‪ ،)1787‬والبيهقي يف «شعب اإليمان» (‪ )37٢4‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬وصححه األلباين‪ ‬يف «صحيح الجامع» (‪ ،)5536‬و«المشكاة»‬
‫=‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وعندما قال اهلل تعالى‪:‬‬


‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﮊ [النساء‪،]66:‬‬
‫فساوى اهلل بين قتل النفس والخروج من الوطن؛ لمشقة ذلك على النفس‪،‬‬
‫وتغلغل حب الوطن يف القلوب‪.‬‬
‫فحب الوطن ال يكون بالعبارات والشعارات‪ ،‬وإنما باألفعال واإلنجازات‬
‫تجاه أوطاننا‪ ،‬فيجب علينا الدفاع عنها وحمايتها‪.‬‬

‫=‬
‫(‪ ،)٢7٢4‬وجاء عند الرتمذي (‪ )39٢5‬بلفظ مقارب له َع ْن َعبْد اهللِ بْ ِن ع َِد ّي بْ ِن َح ْم َراء الزُّ ْه ِر ّي‬
‫‪ ،‬وصححه شيخنا الوادعي ‪ ‬يف «الصحيح المسند» (‪.)71٠‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السادسة بعد املائة‪:‬‬


‫اخلروج على ويل األمر املسلم الظامل‬
‫مفسدة خالصة أو راجحة‬
‫‪ ‬فإنه من المتقرر يف شريعة اإلسالم‪:‬‬
‫أن كل عمل مفاسده أكثر من مصالحه فهو حرام‪ ،‬وهذا ال يختلف فيه اثنان وال‬
‫تنتطح فيه عنزان‪.‬‬
‫‪ ‬ومن المتقرر أيضًا‪ :‬أنه إذا تساوت المصالح والمفاسد فإن‪« :‬درء المفاسد‬
‫مقدم على جلب المصالح» فكيف والمفاسد أكثر وأكرب؟‪.‬‬
‫‪ ‬والقاعدة تقول‪« :‬الشارع ال يأمر إال بما مصلحته خالصة أو راجحة‪ ،‬وال‬
‫ينهى إال عما مفسدته خالصة أو راجحة»(‪.)1‬‬
‫‪ ‬وإن الناظر يف هذه المظاهرات واالعتصامات والثورات يجد أن المفاسد‬
‫أكثر بكثير من المصالح‪ ،‬بل ال تكاد تذكر يف هذه المظاهرات مصلحة واحدة‪ ،‬بل‬
‫هي جالبة للمفاسد ودافعة للمصالح يف الدين والدنيا‪.‬‬
‫فيا أخي الكريم‪ :‬بأي عقل ودين تكون المظاهرات إصالحًا لحال‬
‫المسلمين؟!‬

‫(‪ )1‬القاعدة األولى من «القواعد السعدية»‪.‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:)1(‬‬


‫«و َق َّل َم ْن خرج على إمام ذي سلطان إال كان ما تو ّلد على فعله من الشر أعظم‬
‫مما تو ّلد من الخير‪ ،‬كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة‪ ،‬وكابن األشعث الذي‬
‫خرج على عبد الملك بالعراق‪ ،‬وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬وكالذين خرجوا‬
‫وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان ً‬
‫على المنصور بالمدينة والبصرة‪ ،‬وأمثال هؤالء‪.‬‬
‫وغاية هؤالء إما أن َي ْغلِبُوا وإما أن ُي ْغ َلبُوا‪ ،‬ثم يزول ملكهم فال يكون لهم عاقبة;‬
‫فإن عبد اهلل بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتال خل ًقا كثي ًرا‪ ،‬وكالهما قتله أبو جعفر‬
‫المنصور‪ .‬وأما أهل الحرة وابن األشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم‬
‫أصحاهبم‪ ،‬فال أقاموا دينا وال أبقوا دنيا‪ .‬واهلل تعالى ال يأمر بأمر ال يحصل به صالح‬
‫الدين وال صالح الدنيا‪ ،‬وإن كان فاعل ذلك من أولياء اهلل المتقين ومن أهل الجنة‪،‬‬
‫فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم‪ ،‬ومع هذا لم يحمدوا ما‬
‫قدرا عند اهلل وأحسن نية من غيرهم‪.‬‬
‫فعلوه من القتال‪ ،‬وهم أعظم ً‬
‫وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق‪ .‬وكذلك أصحاب‬
‫ابن األشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين‪ ،‬واهلل يغفر لهم كلهم» اهـ‬
‫وقال العالمة المعلمي ‪:)2 (‬‬

‫(‪« )1‬منهاج السنة النبوية» (‪.)5٢9-5٢7/4‬‬


‫(‪« )2‬التنكيل» (‪.)٢88/1‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫«وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إال الشر‪ ،‬خرج الناس على‬
‫عثمان يرون أهنم إنما يريدون الحق ثم خرج أهل الجمل يرى رؤساؤهم‬
‫ومعظمهم أهنم إنما يطلبون الحق فكانت ثمرة ذلك بعد اللتيا والتي أن انقطعت‬
‫خالفة النبوة وتأسست دولة بني أمية‪ ،‬ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه‬
‫فكانت تلك المأساة‪ ،‬ثم خرج أهل المدينة فكانت وقعة الحرة‪ ،‬ثم خرج القراء مع‬
‫ابن األشعث فماذا كان؟ ثم كانت قضية زيد بن علي وعرض عليه الروافض أن‬
‫ينصروه على أن يتربأ من أبي بكر وعمر فأبى فخذلوه‪ ،‬فكان ما كان» اهـ‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة السابعة بعد املائة‪:‬‬


‫مازالوا حيتفلون بثوراتهم بكل فخر وحب‬
‫وهم يف جحر الضب‬
‫‪ ‬وختاما أخي الكريم‪:‬‬
‫جمة من هؤالء المتظاهرين والثوار‪،‬‬
‫إن كنت تعجب فاعجب واألعاجب ّ‬
‫هائال من‬
‫جر ًارا وكما ً‬
‫سيال ّ‬
‫فبينما أنا منهمك يف ثنايا هذا الكتاب‪ ،‬وبعد أن ذكرت ً‬
‫الدواهي والفواقر من مفاسد الربيع العربي‪ ،‬وإذا بي أسمع هنا وهناك من يحتفل‬
‫ويفرح هبذا الربيع المزعوم‪ ،‬وصدق اهلل القائل‪:‬‬
‫ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ [فاطر]‪،‬‬
‫والقائل‪ :‬ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﮊ [الرعد]‪.‬‬
‫‪ ‬يا اهلل‪ ،‬أين هؤالء القوم من الفساد العريض الذي حصل يف بالد الحريق‬
‫العربي‪ ،‬واشتعلت النار يف جسد الفاجر والبار‪،‬‬
‫أين عقولهم؟!‬
‫أال يفقهون؟!‬
‫أال يبصرون؟!‬
‫أال يسمعون؟!‬
‫الجواب على هذه التساؤالت كلها يف قوله تعالى‪:‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ [األعراف]‪،‬‬

‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬

‫ﭼ [الحج]‪.‬‬
‫‪ ‬يا إلهي‪ ،‬إن بالد الربيع العربي ما زالت جريحة‪ ،‬بل وذبيحة تتشحط يف‬
‫دمائها وهؤالء يحتفلون هبذا الشر الذي ال يبقي وال يذر!!‬
‫‪ ‬يا إلهي‪ ،‬هل هذا استدراج لهؤالء القوم الذين ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﭼ [النساء]؟‬
‫الجواب يف قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ [األنعام]‪،‬‬

‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫ﭰﭼ [القلم]‪.‬‬
‫أال ترون أيها المتظاهرون أن المصائب والنكبات تزداد يف بالد الربيع العربي‬
‫وشهرا بعد شهر‪ ،‬ويو ًما بعد يوم‪ ،‬وأنتم ال ترعوون وال تزدجرون‪،‬‬
‫ً‬ ‫عا ًما بعد عام‪،‬‬
‫صدق اهلل القائل‪:‬‬

‫ﭽﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ [التوبة]‪.‬‬
‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫‪ ‬فإصراركم أيها المتظاهرون على شرعنة هذه الثورات جريمة كربى‪ ،‬قال‬
‫‪« :‬و ْي ٌل ل ْلمص ِّرين الذين يص ُّرون على ما فعلوا وه ْم ي ْعلمون»( ‪.)1‬‬
‫‪ ‬لقد علم كثير من هؤالء حكم اهلل يف هذه األفعال الشنيعة‪ ،‬والمظاهرات‬
‫الفظيعة‪ ،‬ولكنه الهوى وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن حجر الهيتمي ‪ ‬يف كتابه «الزواجر» أن من جملة الكبائر(‪:)2‬‬
‫«فرح العبد بالمعصية‪ ،‬واإلصرار عليها‪ ،‬ونسيان اهلل تعالى والدار اآلخرة‪،‬‬
‫واألمن من مكر اهلل‪ ،‬واالسرتسال يف المعاصي»‪.‬‬
‫‪ ‬فباهلل عليكم‪،‬‬
‫قديرا؟!‬
‫✓ كيف يفرح بالذنب ويحتفل به من يعلم أن له ربا ً‬
‫✓ كيف يفرح بالذنب ويحتفل به من يعلم أنه به سميع بصير؟!‬
‫✓ كيف يفرح المسلم بالذنب ويحتفل به وهو يعلم أن ربه عليه‬
‫غضبان؟!‬
‫✓ كيف يفرح المسلم بالذنب ويحتفل به وهو يعلم أثر الذنوب على‬
‫الفرد واألوطان؟!‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه البخاري يف «األدب المفرد» (‪ ،)38٠‬و«أحمد» (‪ )6541‬عن عبد اهلل بن عمرو‬
‫‪ ،‬وصححه األلباين‪ ‬يف «صحيح األدب المفرد» (‪ ،)٢93‬و«صحيح الرتغيب‬
‫والرتهيب» (‪.)٢٢57‬‬
‫(‪« )2‬الزواجر عن اقرتاف الكبائر» (‪13٠/1‬و‪.)145‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫* أال يعلم هذا المسكين أن فرح العبد بالذنب أعظم عند اهلل من الذنب‬
‫نفسه‪،‬‬
‫* أال يعلم هذا المغرور أن ضحكه ورقصه واحتفاله وهو يقارف الذنب‬
‫أعظم عند اهلل من الذنب نفسه‪،‬‬
‫* أال يعلم هذا الغافل أن تفاخره بفعل المعصية أعظم عند اهلل من المعصية‬
‫نفسها‪،‬‬
‫المتهوك أن عدم حيائه من نظر اهلل تعالى وهو مقيم على‬
‫ّ‬ ‫* أال يعلم هذا‬
‫المعصية أعظم عند اهلل من المعصية نفسها‪،‬‬
‫* أال يعلم هذا الالهي أن األمن من مكر اهلل تعالى أعظم عند اهلل من الذنب‬

‫نفسه‪ ،‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ [األعراف]‪.‬‬


‫يقول ابن القيم ‪:)1 (‬‬
‫«الفرح بالمعصية دليل على شدة الرغبة فيها‪ ،‬والجهل بقدر من عصاه‪،‬‬
‫والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها‪ ،‬ففرحه هبا غطى عليه ذلك كله‪ ،‬وفرحه هبا‬
‫ضررا عليه من مواقعتها‪ ،‬والمؤمن ال تتم له لذة بمعصية أبدً ا‪ ،‬وال يكمل هبا‬
‫ً‬ ‫أشد‬
‫فرحه‪ ،‬بل ال يباشرها إال والحزن مخالط لقلبه‪ ،‬ولكن سكر الشهوة يحجبه عن‬
‫الشعور به‪ ،‬وم تى خلى قلبه من هذا الحزن‪ ،‬واشتدت غبطته وسروره فليتهم‬
‫إيمانه‪ ،‬وليبك على موت قلبه‪ ،‬فإنه لو كان حيا؛ ألحزنه ارتكابه للذنب‪ ،‬وغاظه‬

‫(‪« )1‬مدارج السالكين» (‪.)199-198/1‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وصعب عليه‪ ،‬وال يحس القلب بذلك‪ ،‬فحيث لم يحس به فما لجرح بميت إيالم»‬
‫اهـ‬
‫‪ ‬ومن جملة الشواهد على إصرار هؤالء على شرعنة المظاهرات وحبهم‬
‫الشديد لها ما فوجئت به وأنا يف هناية كتابة هذا الكتاب‪ ،‬من انفجار المظاهرات يف‬
‫أرض السودان والجزائر‪َ ،‬ف َذك ََّرنا هذا الفعل منهم بالمثل اليمني‪( :‬يا سارحة‬
‫والناس ضاويين)‪ ،‬وهذا المثل يقال لمن أراد الدخول يف السوق بعد خروج الناس‬
‫منه وانتهاء السلع من السوق( ‪.)1‬‬
‫ومن هنا فإنني أهدي جميع ما يف هذا الكتاب من النصائح إلخواين وأحبابي يف‬
‫أرض السودان والجزائر‪ ،‬وأزيد فأقول‪:‬‬
‫بوسعكم أن تشعلوا النار لكن ليس بوسعكم أن تشرتطوا على النار أن تأكل‬
‫الحطب وتدع الورق‪،‬‬
‫وبوسعكم أن تشعلوا النار لكن ليس بوسعكم أن تشرتطوا على الريح أن ال‬
‫هتب من جهة معاكسة فتوجه النار إليكم فتحرقكم‪،‬‬
‫وبوسعكم إشعال النار متى شئتم بإذن اهلل ولكن ليس بوسعكم أن تطفئوها‬
‫متى ما شئتم‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال شيخنا مقبل الوادعي ‪ ‬يف شرح هذا المثل‪« :‬أي‪ :‬الناس قد انتهوا من هذه القضية‬
‫المدْ بِ ُرون علماء السوء يذهبون إلى المعسكرات وإلى العامة‬
‫وكرهوها وهؤالء مساكين‪ُ ،‬‬
‫يضحكون على لحاهم واهلل المستعان» صوتية‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وصدق الشاعر الجاهلي حين قال( ‪:)1‬‬


‫َت ْبدُ و بِ ِزينَتِ َها ل ِ ُك ّل َج ُه ِ‬
‫ول‬ ‫أو َل َما َتكو ُن ُفتَ ّي ًة‬
‫لح ْر ُب ّ‬
‫ا َ‬
‫عادت َعجوز ًا غير ِ‬ ‫ب ِض َرا ُمها‬ ‫ِ‬
‫ذات خلي ِل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حتى إذا َحميَ ْت َو ُش ّ‬
‫للشـــ ِّم والتّـ ْقـبِـيــ ِل‬ ‫َمــ ْكــ ُر َ‬
‫وهــ ًة َّ‬ ‫أســها َو َتـنَ ّكـ َرت‬ ‫َشـــمــطــا ُء َج ّز ْ‬
‫ت َر َ‬
‫‪ ‬يا إخواين يف أرض السودان والجزائر‪،‬‬
‫إن نار المظاهرات أحر قت البالد والعباد‪ ،‬وأكلت األخضر واليابس يف كثير من‬
‫الشقي من ُو ِع َظ به غيره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالد المسلمين‪ ،‬فاتعظوا بغيركم‪ ،‬فالسعيد من ُو ِع َظ بغيره‪ ،‬و‬
‫انظروا بعين البصر والبصيرة حولكم من جميع الجهات من بلدان المسلمين‪ ،‬ماذا‬
‫ّ‬
‫حل بأرضهم وديارهم نتيجة لهذه المظاهرات‪ ،‬واإلضرابات‪ ،‬واالضطرابات‪،‬‬
‫الخالقة!!‬
‫والثورات‪ ،‬والفوضى ّ‬
‫فهذه مصر الجريحة‪،‬‬
‫وتلك سوريا الذبيحة‪،‬‬
‫وليبيا التي تشوهت وقد كانت مليحة‪،‬‬
‫واليمن التي ضاقت بأهلها وقد كانت فسيحة‪،‬‬
‫والصومال المنقسمة المتشرذمة‪،‬‬
‫فيا للفضيحة إذا لم تتعظوا هبذه المفاسد القبيحة!!‬
‫والذكي تكفيه اإلشارة‪ ،‬والبليد وال ألف عبارة‪.‬‬

‫(‪« )1‬ديوان امرئ القيس» (ص‪.)149‬‬


‫‪l‬‬ ‫‪ ‬الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫وتذكّروا قول رئيس اليمن السابق( ‪ )1‬للثوار قبل الثورة‪:‬‬


‫ستصبح اليمن مثل الصومال‪َ .‬و َصدَ َق‪،‬‬
‫واليوم يقال إن رئيس الصومال ّ‬
‫يحذر الصوماليين من أن يصبح الصومال مثل‬
‫اليمن‪.‬‬
‫ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ [آل عمران]‪.‬‬
‫‪ ‬وباختصار شديد أقول‪:‬‬

‫اعلموا ر حمنا اهلل وإياكم أن جميع المشاكل وما حل من فساد يف البالد والعباد هنا‬

‫وهناك إنما هو بسبب ذنوبنا‪ ،‬ومصداق ذلك قوله تعالى‪:‬‬

‫ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ[الشورى]‪.‬‬

‫‪ ‬ثم اعلموا مرة أخرى‪:‬‬

‫أن حل جميع المشاكل يف العا َلم بالتوبة والرجوع إلى اهلل‪ ،‬ومصداق ذلك قوله تعالى‪:‬‬

‫ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ [الرعد‪.)2(]11:‬‬

‫(‪ )1‬علي عبد اهلل صالح‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر كتابي‪« :‬السطور الذهبية يف بيان أهداف وثمار ُدور الحديث السلفية يف الديار اليمنية» تحت‬
‫عنوان «السـعي نحـو تحـقـيـق حـيـاة إسالمية راشـدة على مـنهاج النُّبوة»‪ ،‬وتحت عنوان «تـقـديـم‬
‫الحـلـول المناسـبة للمشكـالت العـصـرية و ْفـق ِّ‬
‫السياسة الشرعية»‪ ،‬تجد بإذن اهلل الجواب الكايف‬
‫لمن سأل عن الدواء الشايف‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪‬‬ ‫الكشاف اجللي يف بيان أكثر من ‪ 100‬مفسدة يف ثورات الربيع العربي‬
‫‪i‬‬

‫إذن فالخالصة‪:‬‬

‫* أن سبب البالء الذنوب‪،‬‬

‫* وأن رفع البالء يكون بالتوبة‪،‬‬


‫‪،‬‬ ‫هذا هو األصل‪ ،‬وقد دل على هذا كتاب ربنا وسنة نبينا‬
‫ويروى عن العباس ‪ ‬أنه قال‪« :‬ما نز ْل بال ٌء إال بذنْب‪ ،‬وال رف ع إال بت ْوبة»( ‪.)1‬‬

‫هبذا القدر أكتفي‬


‫كثيرا‪.‬‬
‫وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسلي ًما ً‬
‫ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ‬
‫[غافر‪.]44:‬‬
‫اللهم إين قد بلغت؟ اللهم فاشهد‪.‬‬
‫اللهم إين قد بلغت؟ اللهم فاشهد‪.‬‬
‫اللهم إين قد بلغت؟ اللهم فاشهد‪.‬‬

‫عساكر يف ِ‬
‫«تاريخ دمشق» (‪،)395 ،358/٢6‬‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )1‬رواه الدينوري يف «المجالسة» (‪ ،)7٢7‬وابن‬
‫بأسانيد فيها مقال‪ ،‬إال أن معناه صحيح وحق ال مرية فيه‪ ،‬وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة يف‬
‫الداللة على صحة معنى هذا األثر‪.‬‬
‫‪l‬‬
‫‪i‬‬
‫فهرس الكتاب‬ ‫‪‬‬

‫‪o‬‬
‫فهرس الكتاب‬
‫‪o‬‬
‫تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور صاحل بن سعد السحيمي حفظه اهلل ‪3 ........................‬‬
‫َ‬
‫تقريظ فضيلة الشيخ احملدث الدكتور وصِي اهلل بن حممد عباس حفظه اهلل ‪5 ..............‬‬
‫مقدمة ‪7 .......................... ................................ ................................‬‬
‫املفسدة األول خمالفة القرآن الكريم الذي أمر بطاعة ويل األمر ‪15 ...........................‬‬
‫شبهة واجلواب عنها‪16 ......................................................................... :‬‬
‫املفسدة الثانية خمالفة السنة الصحيحة الصرحية املتواترة ‪٢٠ ................................‬‬
‫املفسدة الثالثة خمالفة اإلمجاع املستقر ‪٢4 ..................... ................................‬‬
‫املفسدة الرابعة عدم الرجوع إل العلماء الراسخني يف مثل هذه القضايا الكربى ‪٢7 ........‬‬
‫من شروط الخروج على الحاكم‪32 ............................................................... :‬‬
‫املفسدة اخلامسة مل يأتوا البيوت من أبوابها ‪37 ............. ................................‬‬
‫املفسدة السادسة اإلنكار العلني والتشهري بويل األمر ‪44 .....................................‬‬
‫كيفية مناصحة ويل األمر‪45 .................................................................... :‬‬
‫فائدة‪ :‬النصيحة لويل األمر هلا أربع صور‪48 ..................................................:‬‬
‫املفسدة السابعة والثامنة أهانوا السلطان فأهانهم اهلل ‪5٠ ...................................‬‬
‫املفسدة التاسعة والعاشرة ذهاب هيبة الدولة ومواطنيها يف الداخل واخلارج ‪54 ..........‬‬
‫املفسدة احلادية عشرة كشف أسرار الدولة ‪58 .................. ................................‬‬
‫املفسدة الثانية عشرة نقص الدين وعدم القيام بشرائع اإلسالم على الوجه املطلوب ‪64 ...‬‬
‫املفسدة الثالثة عشرة سفك الدماء وقتل األنفس املعصومة ‪67 ...............................‬‬
‫املفسدة الرابعة عشرة‪ :‬ترميل النساء ‪69 ..................... ................................‬‬
‫املفسدة اخلامسة عشرة‪ :‬تيتيم األوالد ‪69 ..................... ................................‬‬
‫املفسدة السادسة عشرة‪ :‬حتزين الوالدين واألقربني ‪69 ........................................‬‬
‫املفسدة السابعة عشرة استباحة أموال املسلمني وغريهم بغري وجه حق ‪71 ................‬‬
‫املفسدة الثامنة عشرة انتهاك احملارم واألعراض ‪7٢ ..........................................‬‬
‫املفسدة التاسعة عشرة ذهاب العقول ‪74 ...................... ................................‬‬
‫‪‬‬ ‫فهرس الكتاب‬ ‫‪l‬‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة العشرون زعزعة األمن واختالله ‪76 ................... ................................‬‬


‫املفسدة احلادية والعشرون‪ :‬إخافة املسلمني وترويعهم ‪81 ....................................‬‬
‫املفسدة الثانية والعشرون القلق وذهاب الطمأنينة والسكينة والراحة من قلوب الناس يف‬
‫الصالة وغريها ‪83 ................ ................................ ................................‬‬
‫املفسدة الثالثة والعشرون‪ :‬انتشار الفوضى يف أوساط املسلمني ‪88 ..........................‬‬
‫املفسدة الرابعة والعشرون‪ :‬فتح السجون وهروب املسجونني منها أحيانا ‪9٠ ...............‬‬
‫املفسدة اخلامسة والعشرون كثرة املعتقلني والسجناء بسبب الفوضى حبق أو بغري حق ‪9٢‬‬
‫املفسدة السادسة والعشرون انتشار بيع السالح ‪94 ...........................................‬‬
‫املفسدة السابعة والعشرون اغتيال العلماء والدعاة واملصلحني ‪97 ...........................‬‬
‫املفسدة الثامنة والعشرون انتشار املخدرات ‪1٠1 ............. ................................‬‬
‫املفسدة التاسعة والعشرون انتشار املنظمات التنصريية ‪1٠3 ...............................‬‬
‫املفسدة الثالثون زيادة انتشار التشيع ‪1٠5 ................... ................................‬‬
‫املفسدة احلادية والثالثون‪ :‬ظهور اجلماعات اإلرهابية وقوتها ‪1٠7 ...........................‬‬
‫املفسدة الثانية والثالثون انتشار السرقة ‪1٠9 ................ ................................‬‬
‫املفسدة الثالثة والثالثون‪ :‬قطع الطريق وانقطاع السبل ‪111 .................................‬‬
‫املفسدة الرابعة والثالثون‪ :‬أذية املسلمني ‪114 ................ ................................‬‬
‫املفسدة اخلامسة والثالثون ﮋ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ ‪115 ..........................‬‬
‫املفسدة السادسة والثالثون‪ :‬زيادة انتشار اجلهل بني املسلمني ‪116 ........................‬‬
‫املفسدة السابعة والثالثون احلط من العلماء السلفيني الناصحني ورفع دعاة الضاللة ‪118‬‬
‫املفسدة الثامنة والثالثون رفع اجلهال وتصديقهم يف هذه األهوال ‪1٢1 ....................‬‬
‫املفسدة التاسعة والثالثون‪ :‬ذل العزيز ‪1٢5 .................. ................................‬‬
‫املفسدة األربعون‪ :‬عز الذليل ‪1٢5 .............................. ................................‬‬
‫املفسدة احلادية واألربعون‪ :‬توسيد األمر إل غري أهله ‪1٢9 ...................................‬‬
‫املفسدة الثانية واألربعون‪ :‬ضعف الدعوة إل اهلل وضعف األمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكر ‪134 ....................... ................................ ................................‬‬
‫املفسدة الثالثة واألربعون‪ :‬العبث برسالة املسجد ‪136 .......................................‬‬
‫املفسدة الرابعة واألربعون‪ :‬تأويل النصوص والبحث وراء الرخص ‪138 ......................‬‬
‫املفسدة اخلامسة واألربعون رد احلق وعدم قبوله ‪144 ........................................‬‬
‫‪l‬‬
‫‪i‬‬
‫فهرس الكتاب‬ ‫‪‬‬

‫املفسدة السادسة واألربعون‪ :‬ترك السنة وإحياء البدعة ‪148 .................................‬‬


‫املفسدة السابعة واألربعون‪ :‬قد يستجاب للسفهاء مبا خيالف الشرع ‪151 .....................‬‬
‫املفسدة الثامنة واألربعون‪ :‬انتشار الفقر واجلوع ‪15٢ .........................................‬‬
‫املفسدة التاسعة واألربعون الغالء الفاحش وارتفاع األسعار ‪154 ..............................‬‬
‫املفسدة اخلمسون احتكار التجار للسلع ‪157 .................. ................................‬‬
‫املفسدة احلادية واخلمسون انتشار البطالة ‪159 ............... ................................‬‬
‫املفسدة الثانية واخلمسون‪ :‬طالبوا بالبعض فضاع الكل (الطمع ضيع ما مجع) ‪161 ......‬‬
‫املفسدة الثالثة واخلمسون خراب البنية التحتية ‪164 .......................................‬‬
‫املفسدة الرابعة واخلمسون‪ :‬انتشار األمراض واألوبئة ‪165 ...................................‬‬
‫املفسدة اخلامسة واخلمسون موت املرضى لعدم توفر الطبيب والدواء وانطفاء الكهرباء‬
‫‪167 ............................. ................................ ................................‬‬
‫املفسدة السادسة واخلمسون ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮊ ‪168 ..............‬‬
‫املفسدة السابعة واخلمسون إضعاف البالد والعباد ‪17٠ ......................................‬‬
‫املفسدة الثامنة واخلمسون تفريق املســـلمني ‪17٢ ..........................................‬‬
‫املفسدة التاسعة واخلمسون زرع العداوة والبغضاء بني األمة الواحدة وأبناء الشعب‬
‫الواحد ‪175 ...................... ................................ ................................‬‬
‫املفسدة الستون إيغار صدور عامة الشعب على ويل أمرهم ‪178 ............................‬‬
‫املفسدة احلادية والستون العقوق جبميع أنواعه ‪179 .........................................‬‬
‫املفسدة الثانية والستون سوء األخالق من سب وشتم ولعن وغري ذلك ‪181 ................‬‬
‫املفسدة الثالثة والستون منافاة صفات عباد الرمحن ‪184 ...................................‬‬
‫املفسدة الرابعة والستون‪ :‬الكذب على اهلل ‪186 ........................................ ‬‬
‫‪186 .................................‬‬ ‫املفسدة اخلامسة والستون‪ :‬الكذب على رسول اهلل‬
‫املفسدة السادسة والستون‪ :‬الكذب على الصحابة ‪186 .............................. ‬‬
‫املفسدة السابعة والستون‪ :‬الكذب على املالئكة ‪186 .............................. ‬‬
‫املفسدة الثامنة والستون‪ :‬الكذب على العلماء ‪186 ..........................................‬‬
‫املفسدة التاسعة والستون‪ :‬الكذب على احلكام ‪186 ..........................................‬‬
‫املفسدة السبعون‪ :‬العنف جبميع صوره ‪19٢ ................. ................................‬‬
‫املفسدة احلادية والسبعون‪ :‬قد يلقون بأيديهم إل التهلكة ‪194 .............................‬‬
‫‪‬‬ ‫فهرس الكتاب‬ ‫‪l‬‬
‫‪i‬‬

‫املفسدة الثانية والسبعون عدم استطاعة التحكم يف املظاهرات عند هيجانها ‪195 .........‬‬
‫املفسدة الثالثة والسبعون تسلط األعداء من اليهود والنصارى وغريهم على بالد اإلسالم‬
‫واملسلمني ‪197 .................. ................................ ................................‬‬
‫املفسدة الرابعة والسبعون التشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغريهم ‪199 ............‬‬
‫املفسدة اخلامسة والسبعون فعل بعض العادات والتقاليد اجلاهلية الشاذة ‪٢٠3 ...........‬‬
‫املفسدة السادسة والسبعون تشويه صورة اإلسالم ‪٢٠4 ......................................‬‬
‫املفسدة السابعة والسبعون اللجوء إل غري اهلل ‪٢1٢ ...........................................‬‬
‫املفسدة الثامنة والسبعون‪ :‬أن فيها تسخطا على اهلل وتسخطا على القدر ‪٢٢1 .............‬‬
‫املفسدة التاسعة والسبعون‪ :‬اختالط احلابل بالنابل والقابل بالدابر ‪٢٢5 ....................‬‬
‫املفسدة الثمانون‪ :‬اندساس من ليس من املتظاهرين يف املتظاهرين لنوايا أخرى ‪٢٢6 ...‬‬
‫املفسدة احلادية والثمانون‪ :‬خروج بعض النساء من بيوتهن ‪٢٢8 ...........................‬‬
‫املفسدة الثانية والثمانون‪ :‬خروجهن بغري إذن أوليائهن ‪٢٢8 ..............................‬‬
‫املفسدة الثالثة والثمانون‪ :‬نزوح الناس من بيوتهم وبلدانهم ‪٢3٠ ........................‬‬
‫املفسدة الرابعة والثمانون‪ :‬منع السفر خارج البالد ‪٢34 ....................................‬‬
‫املفسدة اخلامسة والثمانون‪ :‬زيادة غربة الغرباء ‪٢35 .........................................‬‬
‫املفسدة السادسة والثمانون‪ :‬إذا سقط الرأس سقط اجلسد ‪٢38 ..............................‬‬
‫ِّ‬
‫املفسدة السابعة والثمانون‪ :‬يذهب حاكم سيئ ويأتي أسوأ منه ‪٢43 ......................‬‬
‫املفسدة الثامنة والثمانون‪ :‬اهدار األموال الطائلة ‪٢47 ......................................‬‬
‫املفسدة التاسعة والثمانون‪ :‬اهدار األوقات وضياعها ‪٢49 ....................................‬‬
‫املفسدة التسعون‪ :‬خسروا الدنيا واآلخرة ‪٢5٢ ................ ................................‬‬
‫املفسدة احلادية والتسعون‪ :‬ضعف محاية ثغور البالد وحدودها ‪٢54 ........................‬‬
‫املفسدة الثانية والتسعون‪ :‬سبب لتعطيل احلدود الشرعية ‪٢57 ............................‬‬
‫املفسدة الثالثة والتسعون‪ :‬التعاون على اإلثم والعدوان ‪٢6٠ ...............................‬‬
‫املفسدة الرابعة والتسعون‪ :‬ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ ‪٢64 .......................‬‬
‫املفسدة اخلامسة والتسعون‪ :‬الدعوة إل احلرية املطلقة ‪٢69 .................................‬‬
‫املفسدة السادسة والتسعون‪ :‬ساحات التغرير ال ساحات التغيري ‪٢75 .......................‬‬
‫املفاسد‪ :‬السابعة والثامنة والتاسعة والتسعون‪ :‬املناداة بدولة مدنية أو علمانية أو ال‬
‫دينية ‪٢78 ....................... ................................ ................................‬‬
‫‪l‬‬
‫‪i‬‬
‫فهرس الكتاب‬ ‫‪‬‬

‫املفسدة املائة‪ :‬سبب لتفريغ محاس الشعوب فيما ال يعود عليهم بالنفع كاملسافر ميأل‬
‫جرابه رمال يثقله وال ينفعه ‪٢83 ................................ ................................‬‬
‫املفسدة األول بعد املائة‪ :‬ال حتق حقا وال تبطل باطال ‪٢85 .....................................‬‬
‫املفسدة الثانية بعد املائة‪ :‬اشغال مجيع الناس يف البالد بالفنت والكالم يف أمور ال تعود‬
‫عليهم بالنفع ال يف الدين وال يف الدنيا ‪٢86 .................. ................................‬‬
‫املفسدة الثالثة بعد املائة‪ :‬اجملاهرة باملعاصي ‪٢89 ............ ................................‬‬
‫املفسدة الرابعة بعد املائة‪ :‬االغرتار والعجب بكثرة املتظاهرين ‪٢9٢ .........................‬‬
‫املفسدة اخلامسة بعد املائة‪ :‬تقديم حب النفس والتنظيمات احلزبية على حب الوطن‬
‫‪٢95 ............................. ................................ ................................‬‬
‫املفسدة السادسة بعد املائة‪ :‬اخلروج على ويل األمر املسلم الظامل مفسدة خالصة أو راجحة‬
‫‪٢98 ............................. ................................ ................................‬‬
‫املفسدة السابعة بعد املائة‪ :‬مازالوا حيتفلون بثوراتهم بكل فخر وحب وهم يف جحر‬
‫الضب ‪3٠1 ....................... ................................ ................................‬‬
‫فهرس الكتاب ‪3٠9 ............. ................................ ................................‬‬

You might also like