Professional Documents
Culture Documents
القانون المدني التصرف القانوني النسخة الأخيرة 2 PDF
القانون المدني التصرف القانوني النسخة الأخيرة 2 PDF
القانون املدن
دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
يف ضوء تأثرها باملفاهيم اجلديدة للقانون االقتصادي
اجلزء األول
مصادر االلتزام
الترصف القانون
2اإلرادة املنفردة 1العقد
1
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
2
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
مقدمة
.1يتفرع القانون املدين يف األنظمة الغربية إىل قسمي ،مها قسم املعامالت وقسم
األحوال الشخصية ؛ هذا األخري ،هيتم بتنظيم عالقة الفرد بأرسته من زواج وطالق 1
ووصية ومرياث وغري ذلك من جوانب األرسة ،التي كان ينظمها يف املغرب قانون أو
مدونة األحوال الشخصية منذ سنة 1957إىل حدود سنة ،2004حيث استبدلت
بمقتىض مدونة األرسة .
2
يف حني ينظم قسم املعامالت عالقة خمتلف األشخاص من حيث املال؛ أو بعبارات
أخرى ،يقصد بقسم املعامالت املالية خمتلف القواعد القانونية التي تنظم العالقات بني
األفراد من حيث املال.
.2بالرجوع ملختلف املراجع التي اهتمت باملوضوع ،يتبني لنا أن الفقه مل يتفق عىل
تعريف واحد للامل ؛ حيث تذهب النظرية التقليدية إىل أن للامل مفهوم واسع يشمل 3
األشياء التي هلا قيمة اقتصادية سواء كانت منقولة أو غري منقولة وتعرف باألموال
املادية ،كام يشمل احلقوق التي يمكن أن ترتتب عىل هذه األشياء وتعرف باألموال
غري املادية .
4
يف مقابل ذلك ،تذهب النظرية احلديثة إىل أن األموال تقترص عىل احلقوق ذات
القيمة االقتصادية التي يمكن أن ترتتب عىل األشياء ،يف حني أن األشياء هي املحال
3
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
التي تقع عليها احلقوق وتكون ركيزة هلا .ولعل أغلب الترشيعات احلديثة أخذت هبذه
النظرية .ويذهب األستاذ السنهوري إىل أن احلق يف املعامالت مصلحة ذات قيمة مالية
يقررها القانون للفرد ،وهو إما حق عيني أو حق شخيص ،وهذا األخري هو االلتزام،
5
ويسمى حقا إذا نظر إليه من جهة الدائن ،ودينا إذا نظر إليه من جهة املدين.
وقد ترتب عىل األوضاع االقتصادية والتقدم التكنولوجي ظهور نوع ثالث من
احلقوق املالية ،وهو ما يصطلح عليه باحلقوق املعنوية ،وتعرف أيضا باحلقوق الذهنية.
وتتمثل هذه احلقوق يف امللكية األدبية أو الفنية أو الصناعية .هذه احلقوق األخرية
تنظمها ترشيعات خاصة ويكتفي يف القانون املدين باإلشارة إليها فقط.
.3إذا كان للقانون املدين مفهوم واسع فيام مىض فإنه بصدور مدونة نابليون لسنة
1804أصبح له مفهوم تقني حمدد وأضحى نطاقه يقترص عىل هذا التقنني ؛ وإن كنا
6
نالحظ أن معظم الدول الغربية اختار واضعو قانوهنا املدين أن ينظم هذا األخري كال
من العالقات املالية والشخصية يف إطار موحد.
هذا التحديد يربز بصفة أكرب بالنسبة للدول التي تقيم وزنا للدين ،كام هو الشأن بالنسبة
جلل الدول العربية اإلسالمية ،ذلك أهنا ختصص للعالقات األرسية ترشيعات خاصة،
الرتباطها بالدين والعقيدة ،ولذلك فإهنا انفصلت عن القانون املدين؛ أما القواني املدنية هبا
فال تتوىل بالتنظيم إال احلقوق املالية ،بمعنى أن جمال القانون املدين يف هذه الترشيعات ينحرص
يف جمموعة القواعد التي تنظم احلقوق املالية لألفراد وااللتزامات املرتتبة عليهم.
.4أما الوضع عندنا ،فيالحظ أن املرشع املغريب بالرغم من ختصيصه للعالقات
األرسية ترشيعا خاصا يتمثل يف مدونة األرسة ،فإنه هنج يف تنظيمه للحقوق املالية هنجا
مغايرا ،ذلك أن ظهري االلتزامات والعقود مل يتوىل بالتنظيم إال احلقوق الشخصية أو
7
5عرف الفقه احلق العيني بأنه السلطة التي خيوهلا القانون للشخص عىل يشء ،متكن صاحبه من االستفادة من هذا اليشء .فقيام هذا احلق
صحيحا ال يتطلب إال توفر عنرصين أساسيني ،مها صاحب احلق واليشء حمل احلق .ومضمون احلق العيني يتمثل فيام يتمتع صاحبه من سلطات
عىل اليشء الذي يرد عليه حقه جتعله يستطيع االستفادة من هذا اليشء بجميع أوجه االستفادة التي خيوهلا حقه هذا بصورة مبارشة ودون تدخل
من أي كان.
6 BUFFELAN-LANORE Yvaine et LARRIBAU-TERNEYRE Virginie : Droit civil, Introduction, Biens,
االلتزامات يف كتابني ،خصص األول لنظرية االلتزام بوجه عام ،بينام تناول يف الكتاب
الثاين العقود املسامة والعقود املرتبطة هبا ،كام عالج بعض التأمينات التي تقوم ضامنا
هلذه االلتزامات من قبيل الكفالة ،والرهن احليازي واالمتيازات .
8
أما احلقوق العينية فإن النصوص التي تنظمها ختتلف حسب طبيعة اليشء الذي
ترد عليه ،أي بحسب ما إذا كان منقوال أو عقارا؛ فبالنسبة للمنقوالت ،يالحظ خلو
الترشيع املغريب من تنظيم للحقوق التي ترد عليها باستثناء بعض القواعد املتناثرة يف
ثنايا ق.ل.ع .ومدونة التجارة ،وباستثناء بعض الترشيعات اخلاصة التي تناولت
بالتنظيم بعض املنقوالت فيام يصطلح عليها باملنقوالت ذات الطبيعة اخلاصة ،حيث
أشارت إىل بعض احلقوق العينية التي يمكن أن ترد عليها.
يف حني أنه إذا تعلق األمر بالعقارات ،فإنه ينبغي التمييز لتحديد الترشيع الذي
ينظمها بني ما يسمى بأرايض امللك اململوكة ملكية خاصة وبني غريها من األرايض،
الظهري الرشيف بمثابة قانون رقم 1-93-345بتاريخ 22ربيع األول 10( 1414سبتمرب )1993املتعلق بتتميم الفصل 1248من -
قانون االلتزامات والعقود -اجلريدة الرسمية عدد 4222بتاريخ 12ربيع اآلخر 29( )1414سبتمرب )1993؛ ص-1832:؛
القانون رقم 27.95املتمم للفصل 264من ق.ل.ع .الصادر بتنفيذه الظهري الرشيف رقم 1.95.157بتاريخ 13من ربيع األول -
11( 1416أغسطس – )1995اجلريدة الرسمية عدد 4323بتاريخ 10ربيع اآلخر 6( 1416سبتمرب ،)1995ص-2443:؛
القانون رقم 44.00املتعلق ببيع العقارات يف طور اإلنجاز ،الصادر بتنفيذه الظهري الرشيف رقم 1.02.309بتاريخ 25من رجب -
3( 1423أكتوبر – )2002اجلربدة الرسمية عدد 5054بتاريخ 2رمضان 7( 1423نوفمرب ،)2002ص-3183:؛
القانون رقم 53.05املتعلق بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية ،الصادر بتنفيذه الطهري الرشيف رقم 1.07.129بتاريخ 19من -
ذي القعدة 30( 1428نوفمرب – )2007اجلريدة الرسمية عدد 5584بتاريخ 25من ذي القعدة 6( 1428ديسمرب ،)2007ص-3879:؛
القانون رقم 24.09املتعلق بسالمة املنتوجات واخلدمات وبتتميم الظهري الرشيف الصادر يف 9رمضان 12( 1331غشت )1913 -
بمثابة قانون االلتزامات والعقود –ظهري رشيف رقم 1.11.140صادر يف 16من رمضان 17( 1432أغسطس ،)2011اجلريدة الرسمية
عدد 5980بتاريخ 23شوال 22( 1432سبتمرب ،)2011ص.4678:
العديد من الفصول املعدلة بمقتىض جمموعة من املواد القانونية الواردة يف القانون رقم 31.08يقيض بتحديد تدابري حلامية املستهلك؛ -
اجلريدة الرسمية عدد 5932بتاريخ 3مجادى األوىل 7( 1432أبريل ،)2011ص.1073:
تنبغي اإلشارة إىل أن قانون االلتزامات والعقود املغريب اقتبست أحكامه من املجلة التونسية لاللتزامات والعقود التي وضعت هي األخرى من 8
طرف احلامية الفرنسية بتونس سنة 1906مع اختالف بسيط يتمثل يف حذف بعض النصوص القانونية التي توجد يف املدونة التونسية .ومن جهة
أخرى ،فإن قانون االلتزامات والعقود وضع يف البداية من أجل أن يطبق عىل الفرنسيني واألجانب بمنطقة احلامية الفرنسية سنة ،1913ثم بعد
ذلك عىل جمموع الرتاب املغريب ومن قبل املحاكم العرصية سنة –1958ظهري رشيف بتاريخ 31ماي 1958املتعلق بتوحيد الترشيع عىل جمموع
الرتاب املغريب ،اجلريدة الرسمية عدد 2383بتاريخ 06يونيو ،1958ص ،-996:ومن طرف املحاكم املوحدة منذ سنة ،1965وذلك
بموجب الفصل الثالث من قانون 26يناير 1965املتعلق بتوحيد املحاكم والفصل األول من املرسوم امللكي الصادر يف تطبيقه بتاريخ 31
دجنرب ،1965اجلريدة الرسمية عدد 2776بتاريخ 12يناير ،1966ص.47:
للتعمق يف هذا املوضوع راجع أمحد ادريوش :أصول قانون االلتزامات والعقود ،بحث يف األصول الفقهية والتارخيية؛ منشورات سلسلة املعرفة
القانونية ،مطبعة ومكتبة األمنية ،الطبعة األوىل ،1996ص.9:
حممد شيلح :سلطان اإلرادة يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب ،أسسه ومظاهره يف نظرية العقد ،ر.د.د.ع .يف القانون اخلاص ،جامعة
حممد اخلامس /الرباط 1983 ،؛ ص.48:
5
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
فهذه األخرية كأرايض اجلامعة والكيش وأمالك الدولة اخلاصة والعامة فإن القواعد
التي تنظمها هي يف الغالب ترشيعات خاصة بل وأحيانا يتم الرجوع إىل األعراف
ملعرفة احلكم الواجب التطبيق.
أما العقارات اململوكة ملكية خاصة فإما أن تكون حمفظة أو غري حمفظة.
فالعقارات غري املحفظة والتي توجد يف طور التحفيظ ،كانت ختضع أساسا لقواعد
الفقه اإلسالمي وخصوصا الفقه املالكي .يف املقابل ،فإن العقارات املحفظة نظمها
املرشع املغريب بمقتىض الظهري الرشيف الصادر بتاريخ 12غشت 1913املوافق 9
رمضان 1331املعترب بمثابة قانون التحفيظ العقاري كام تم تعديله وتتميمه بمقتىض
القانون رقم ، 14.07وظهري 2يونيو 1915املوافق 19رجب 1333املتعلق بالقانون 9
املطبق عىل العقارات املحفظة ،الذي تم نسخه بمقتىض القانون رقم 39.08املعترب
10
وقد أحسن املرشع املغريب بإصداره هلذا القانون اجلديد ،الذي أصبح يطبق عىل
مجيع احلقوق العينية سواء كانت واردة عىل العقارات املحفظة أو غري املحفظة؛ حيث
إن املادة األوىل بينت القانون الواجب التطبيق عىل هذا النوع من احلقوق ،وذلك عىل
النحو التايل "ترسي مقتضيات هذا القانون عىل امللكية العقارية واحلقوق العينية ما مل
تتعارض مع ترشيعات خاصة بالعقار.
ظهري رشيف رقم 1.11.177صادر يف 25من ذي احلجة 22( 1432نوفمرب )2011بتنفيذ القانون رقم 14.07املغري واملتمم بمقتضاه 9
الظهري الرشيف الصادر يف 9رمصان 12( 1331أغسطس )1913املتعلق بالتحفيظ العقاري .اجلريدة الرسمية عدد 5998،27ذو احلجة
24( 1432نوفمرب )2011؛ ص.5575:
ظهري رشيف رقم 1.11.178صادر يف 25من ذي احلجة 22( 1432نوفمرب )2011بتنفيذ القانون رقم 39.08املتعلق بمدونة احلقوق 10
العينية .اجلريدة الرسمية عدد 5998بتاريخ 27ذو احلجة 24( 1432نوفمرب )2011؛ ص.5587:
6
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
دائن واآلخر مدين ،حيق بمقتضاه للدائن أن يطالب املدين بإعطاء يشء معني أو بالقيام
بعمل أو باالمتناع عن عمل .فاحلق الشخيص أو االلتزام يتطلب إذن توافر عنارص
ثالثة ،هم صاحب احلق ،أي الدائن ،ومن يقع عليه احلق ،أي املدين ،وحمل احلق ،أي
اليشء أو العمل الذي يلتزم املدين القيام به أو االمتناع عنه.
ومضمون احلق الشخيص فيام يتمتع به الدائن من سلطات عىل مدينه بالوفاء
اختيارا وإال قرسا عن طريق التنفيذ عىل األموال ؛ ففي عقد اإلجيار مثال فإن صاحب
13
االنتفاع من العني مدة االلتزام اليستطيع مبارشة حقه إال عن طريق املؤجر ،فإذا امتنع
هذا األخري تسليمه العني املؤجرة فام عىل املستأجر رضاء أم قضاء إال مطالبته بتمكينه
بذلك ،بمعنى أن صاحب احلق الشخيص إذا تعلق هذا احلق بيشء فال تكون له إال
عالقة أو صلة غري مبارشة هبذا اليشء بخالف احلق العيني .
14
11 LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; ECONOMICA / Paris ; 2003 ; P:7.
12 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P :25.
I QUADERNI dell’ ASPIRANTE : Diritto civile ; EdizioneGiuridiche SIMONE ; 2010. P :114.
LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:16.
MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; EDITION CUJAS ; 1994/1995 ; P :11.
MOUMMI Saad : Droit civil, droit des obligations ; EDITION ELBADH, IMPRIMERIE NAJAH
ALJADIDA ; 2000 ; P :9.
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; Montchrestien, DELTA ; 2000 ; P :3.
TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; 9ème édition
DALLOZ ; 2005 ; P:5.
; 13 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
لقد كاد الفقه أن جيمع عىل أن االلتزام أو احلق الشخيص هو رابطة شخصية بني
دائن ومدين ،اليستطيع األول الوصول إىل حقه إال عن طريق املدين .بمعنى أن هذه
الرابطة ال يمكن بأي حال التقليل من أمهيتها ،إنام إىل جانب ذلك يمثل من حيث
موضوعه قيمة مالية تكون حقا يف ذمة الدائن ودينا يف ذمة املدين.
والواقع أن االلتزام الزال حمتفظا هبذين املظهرين إىل يومنا هذا مع التخفيف من
حدهتام ،كل ما هنالك أنه حصل اختالف بني املذاهب أي من الناحيتني يتعني 15
تغليبها ،فذهب البعض إىل تغليب فكرة الرابطة الشخصية ،وهذا هو املذهب الفرنس 16
التقليدي املوروث عن القانون الروماين (أ) ،يف حني ذهب البعض اآلخر إىل تغليب
الناحية املالية وهؤالء هم أنصار املذهب األملاين احلديث (ب).
أ :املذهب الشخيص يف االلتزام
.7ساد املذهب الشخيص يف الفقه الفرنس باخلصوص ،حيث نجد هذا األخري
17
يرى أن األمر اجلوهري يف االلتزام هو كونه رابطة شخصية فيام بني الدائن واملدين،
فبالرجوع لبالنيول نجده يرفض االعرتاف بوجود عالقة قانونية بني الشخص
واليشء ،18حيث عرف االلتزام بأنه بمثابة "عالقة قانونية مابني شخصني بمقتضاها يكون
ألحدمها وهو الدائن احلق يف تقايض يشء معني من اآلخر وهو املدين".
من دعاة هذا املذهب يف الفقه األملاين سافيني ،Savinyوهو يبالغ فيقيم رأيه عىل
فكرة السيادة ،إذ االلتزام عنده عبارة عن سيادة الدائن عىل املدين ،أو خضوع املدين
آخر .بمعنى أن احلق العيني يتكون فقط من عنرصين ،مها صاحب احلق وموضوع احلق .وجيمع الفقه عىل أن هذا احلق يمنح صاحبه إضافة
للسلطة املبارشة عىل اليشء موضوع احلق ،السلطة يف تتتبع هذا اليشء أينام وجد وانتقل ،كام يمنحه احلق يف األفضلية أو التقدم عىل هذا اليشء يف
مواجهة خمتلف الدائنني.
15 RENAULT-BRAHINSKY ;Corinne : Droit des obligations ; Gualino éditeur 4ème édition/2006 ; P:21.
LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; p :26.
16وحيد الدين سوار :التعبري عن اإلرادة يف الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة بالفقه الغريب؛ مكتبة النهضة العربية /القاهرة ،الطبعة األوىل 1960؛ ص.2:
17SEFTON-GREEN Ruth : La notion d’obligation fondamentale : comparaison franco-anglais; L.G.D.J.
Paris ; 2000 ; P:2.
18 Ginossar : pour une meilleure définition du droit réel et du droit personnel ; R.T.D. Civ. 1962 ;P:573.
8
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
للدائن ،وهي صورة مصغرة من الرق .وبذلك فااللتزام وامللكية يف نظر سافيني من
طبيعة واحدة ،وال خيتلفان إال يف الدرجة ،ففي امللكية يكون اخلضوع تاما ،يف حني هو
جزئي يف االلتزام ،غري أنه موجود يف االثنني.
ب :املذهب املادي يف االلتزام
قام عدد كبري من الفقهاء األملان يف وجه نظرية سافيني ،وعىل رأسهم جيريك .8
وكوهلر ،ورفضوا أن تستقر يف الفقه األملاين بعدما استطاعوا ختليص قانوهنم من النظريات
املطبوعة بطابع القانون الروماين وغلبوا النظريات اجلرمانية عليها.
لذلك فالفكرة اجلوهرية يف االلتزام عند هؤالء ال تقف عند الرابطة الشخصية كام
كان األمر يف القانون الروماين ،وإنام تغليب حمل االلتزام عىل طرفيه ،ويغدو االلتزام
19
بذلك عنرصا ماليا أكثر منه عالقة شخصية .فينفصل االلتزام بذلك عىل شخص
الدائن وعن شخص املدين ،وخيتلط بمحله فيصبح شيئا ماديا العربة فيه بقيمته املالية.
ومن أنصار املذهب املادي يف فرنسا نجد الفقيه الفرنس سايل.
.9نشري يف األخري ،إىل أن املذهب املادي ليس نظريا فحسب ،بل ترتتب عليه
نتائج هامة ،فهو يؤدي إىل رسعة التعامل؛ وهذا يتفق مع ما تقتضيه النظم االقتصادية
احلديثة ،حيث يقوم عىل حمل االلتزام أكثر من تركيزه عىل شخص الدائن أو املدين.
ويرتتب عىل ذلك نتائج عملية هلا أمهيتها ،نذكر منها:
-االعتداد بمحل االلتزام قبل أشخاصه ،مع ما يرتتب عن ذلك من إمكانية
تصور انتقال احلق بني أشخاص االلتزام ،ليس من دائن إىل آخر فحسب كام يسلم
بذلك أنصار املذهب الشخيص بل أيضا من مدين إىل آخر ،فيوجد إىل جانب حوالة
20
9
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املذهب الشخيص ،ألنه من أجل أن ينشأ االلتزام جيب أن تكون هناك رابطة بني دائن
ومدين؛ وهذا يقتيض وجودمها عند نشأة االلتزام.
احلق يقال ،إن موقف الفقه اإلسالمي بخصوص هذه النقطة كان موفقا؛ .10
حيث اختذ موقفا وسطا بني النظريتني املادية والشخصية ،فقد غلبت فيه الصبغة املادية
21
يف طبيعة االلتزام ،ومل هتمل فيه الفكرة الشخصية؛ بل إن هناك بعض الفقه من ذهب
إىل أن فكرة االلتزام يف الفقه اإلسالمي اصطبغت بصبغة مادية بحتة .غري أن
22
املالحظة البارزة هي أن فقهاء الرشيعة اإلسالمية قد سبقوا املاديني بقرون كثرية يف
تقرير النتائج املعقولة ملذهبهم احلديث؛ من ذلك:
-أن الفقه اإلسالمي أقر إمكانية عدم وجود ملتزم له معني منذ نشوء االلتزام
يف بعض احلاالت ،رغم أن األصل لزوم وجوده عند النشأة؛
-إقرار الفقه اإلسالمي حلوالة الدين إىل جانب حوالة احلق.
.11إذا كان الفقه الغريب ،ومن معه من الفقهاء العرب ،يذهبون إىل تعريف االلتزام
واحلق الشخيص تعريفا واحدا ،عىل أساس أهنام بمعنى واحد ،فإن بعض الفقهاء
املسلمني ،ومنهم األستاذ مصطفى الزرقا يرى أن هذا االجتاه خاطئ ،عىل اعتبار أن مفهوم
احلق الشخيص خيتلف عن مفهوم االلتزام ،فاألول فيه معنى الدائنية ،ويف االلتزام معنى
21إذا رجعنا إىل الفقهاء املسلمني القدامى ،نجد هؤالء مل يعرفوا احلق فقهيا ،بل اكتفوا بمعناها اللغوي ،الذي يتمثل عندهم يف الثبوت
والوجوب .وعىل خالف النهج الذي سار عليه هؤالء ،فإن املحدثني منهم حاولوا تعريف احلق ،وإن تباينت هذه التعاريف ،ولعل أقرهبا إىل
التبسيط ما أورده األستاذ عيل اخلفيف الذي اعتربه "مصلحة مستحقة رشعا".
وتنقسم احلقوق حسب الفقهاء املسلمني إىل ثالثة أقسام رئيسية:
:1حق اهلل؛ وهو ما يقصد به النفع العام للعباد مجيعا من غري اختصاص بأحد ،وينسب إىل اهلل العظيم خطره ،وشمول نفعه .ومنه ما هو من قبيل
العبادات اخلالصة ،كاإليامن باهلل والصالة والصوم .ومنه ما هو من قبيل احلدود والعقوبات اخلالصة ،كحد الزنا ورشب اخلمر .ومنه ما هو من
قبيل العقوبات القارصة ،أي التي ال تنال اجلسم أو املال مبارشة ،كمنع القاتل أن يرث فيمن قتله .ما يعترب عبادة وعقوبة يف نفس الوقت ككفارة
اليمني .ما جيمع بني معنى التعبد وبذل املال ،كصدقة الفطر .ويتميز حق اهلل عن غريه أنه ليس ألحد أن يتنازل عنه أو يسقطه.
:2حقوق العباد؛ وهي التي ترتتب إلنسان عىل آخر ،كحق البائع يف ملكيته ثمن ما باع .وهذه احلقوق بخالف حق اهلل جيوز لصاحبه أن يسقطها
ويتنازل عنها .كام أن حق اهلل ال يورث بخالف حق العباد فإنه يورث.
:3حقوق مشرتكة؛ وهي التي جتمع بني ما فيه حق اهلل و ما فيه حق الع بد ،فهي حتقق املصلحة العامة واملصلحة الشخصية يف آن واحد .وهذه احلقوق
منها ما يكون فيها حق اهلل غالبا عىل حق العباد ،كحق القذف ،ومنها ما تكون فيه املصلحة الشخصية غالبة عىل املصلحة العامة كحق القصاص.
22من هؤالء الفقهاء وحيد الدين سوار ،الذي ذهب إىل أنه مل يثبت قط أن النبي صىل اهلل عليه وسلم حبس طوال مدة حياته أحدا يف دين ،وقال
لغرماء املفلس "خذوا ما وجدتم وليس لكم إال ذلك" .وأيضا ،ماروي أن غرماء معاذ بن جبل طلبوا من النبي صىل اهلل عليه وسلم حني مل توف
أمواله بديوهنم ،أن يبيع معاذا هلم وفاء لدينه ،فقال عليه الصالة والسالم "ليس لكم إليه من سبيل".
وحيد الدين سوار :التعبري عن اإلرادة يف الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة بالفقه الغريب؛ مكتبة النهضة العربية /القاهرة ،الطبعة األوىل 1960؛ ص.4:
10
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املديونية ،وإن كان طريف رابطة واحدة ،وعنارصمها واحدة كام تقدم .ومن ثم وجب أن
يعرفا بتعريفني خمتلفني يظهر فيهام هذا الفارق األسايس ،حسب الفقيه مصطفى الزرقا؛
حيث يعرف احلق الشخيص بأنه "مطلب يقره الرشع لشخص عىل آخر" ،وااللتزام بأنه:
"كون شخص مكلف رشعا بعمل أو بامتناع عن عمل ملصلحة غريه".
.12عموما ،فإنه بالرغم من كون قانون االلتزامات والعقود املغريب تأثر بشكل
كبري بالنظرية الشخصية ،فإن أحكامه ال تتعارض مع املذهب املادي ،بدليل أنه خول
لإلرادة املنفردة إمكانية إنشاء االلتزامات كام سنرى يف القسم الثاين من هذا الكتاب.
ثانيا :تصنيف االلتزام
.13من أجل تصنيف خمتلف أنواع االلتزامات ،اعتمد الفقه عىل جمموعة من
املعايري واألسس ،يمكننا تلخيصها يف اثنني ،األول هو التصنيف املبني عىل حمل
االلتزام (أ) ،بينام يقوم التصنيف الثاين عىل أساس مصادر االلتزام (ب).
أ :التصنيف املبني عىل حمل االلتزام
.14يمكن احلديث عن نوعني من التقسيامت لاللتزامات التي ترجع إىل التصنيف
املبني عىل حمل االلتزام ؛ فمن جهة يمكن التمييز بني االلتزام بإعطاء يشء وااللتزام23
بالقيام بعمل أو باالمتناع عن عمل ()1؛ ومن جهة أخرى ،فإن الفقه ثم تبعه القضاء
بعد ذلك ميز بني االلتزام بغاية وااللتزام بوسيلة (.)2
:1االلتزام بإعطاء يشء ،االلتزام بالقيام بعمل أو باالمتناع عن عمل
يستشف هذا التصنيف من الفصلني 1101و 1126من القانون املدين .15
الفرنس قبل التعديل الذي تم بمقتىض األمر الصادر بتاريخ 10فرباير 2016كام 24
سنرى بمناسبة تناول تعريف العقد وحتديد أركانه ،حيث كان األول يعرف العقد
23MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; Montchrestien, DELTA ; 2000 ; P:11.
RENAULT-BRAHINSKY Corinne : Droit des obligations;Gualino éditeur;4ème édition/2006 ; P:23.
24 MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ;Edition CUJAS/ Paris; 5ème édition 1994 ; P:12.
RENAULT-BRAHINSKY Corinne : Droit des obligations ; Gualino éditeur ; op.cit ; P:23.
11
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الذي يعترب املصدر األسايس لاللتزام بأنه اتفاق شخص أو جمموعة أشخاص يلتزمون
بمقتضاه جتاه شخص آخر أو جمموعة أشخاص آخرين بإعطاء يشء أو بالقيام بعمل أو
باالمتناع عن عمل معني .ويف الثاين ،أشار فيه القانون الفرنس إىل أن لكل عقد حمل
يشء ،يلتزم من خالله طرف بإعطاء ،أو بعمل أو باالمتناع عن فعل معني .
25
ذلك أنه عن طريق االلتزام بإعطاء يشء ،يلتزم املدين بأن ينقل للدائن حق عيني عىل
يشء معني ،سواء متثل ذلك يف نقل امللكية أو حق عيني آخر ،كام يتجىل هذا االلتزام يف دفع
مبلغ مايل إىل الدائن .يف حني أنه عن طريق االلتزام بالقيام بعمل ،يقوم املدين بإنجاز خدمة
معينة ،كالتزام املقاول ببناء عامرة معينة أو التزام املهندس املعامري بوضع تصميم لبناء
منزل أو مستوصف معني .وأخريا ،فإن املقصود بااللتزام باالمتناع عن عمل ،يتمثل يف
التزام املدين باالمتناع عن الفعل موضوع التزامه ،كام هو الشأن بالنسبة لبائع األصل
التجاري الذي يلتزم يف مواجهة املشرتي بعدم فتح حمل مؤسسة مشاهبة لتلك التي قام
بتفويتها وذلك يف نفس املدينة أو املكان املتواجد فيه املحل موضوع التفويت.
ويرى الفقه ،أن االلتزام بإعطاء يشء وااللتزام باالمتناع عن عمل يعتربان يف مجيع
احلاالت بمثابة التزامات بتحقيق نتيجة ،يف حني أن االلتزام بعمل قد يكون يف بعض
احلاالت بمثابة التزام بغاية أو بنتيجة ويف حاالت أخرى يكيف عىل أنه التزام بوسيلة .
26
Obligation de résultat et ينقسم إىل صنفني ،االلتزام بغاية وااللتزام بوسيلة
12
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
obligation؛ ذلك أنه يف الكثري من احلاالت ،يكون لاللتزام حمل حمدد de moyen
بشكل دقيق ،حيث إن املدين يكون ملتزما بتحقيق هدف ونتيجة بعينها ،وهذا هو
االلتزام بغاية أو بنتيجة ،فالناقل يتعني عليه تسليم وإيصال اليشء حمل النقل إىل مكان
الوصول ويف األجل املتفق عليه .
28
يف مقابل ذلك ،فإنه يف حاالت أخرى ال يكون املدين ملتزما إال بالقيام بكل الوسائل
املمكنة ،مع قيامه بأكرب قدر من العناية واالحتياط من أجل الوصول إىل حتقيق نتيجة معينة،
غري أنه ال يضمن حتقيقها؛ ويسمى هذا النوع من االلتزامات بااللتزام بوسيلة؛ فالطبيب ال
يلتزم بشفاء املريض ،وإنام ببذل العناية الالزمة واملمكنة من أجل عالجه .
29
.17تظهر أمهية التمييز بني االلتزام بغاية وااللتزام بوسيلة عىل مستوى رشوط
املسؤولية املحتملة للمدين .فإذا كان األمر يتعلق بالنوع األول ،أي االلتزام بغاية ،فإن
30
املدين يعترب مسؤوال بمجرد عدم حتقق النتيجة ،ويبقى عليه من أجل التحلل من هذه
املسؤولية أن يثبت أن عدم التنفيذ يرجع إىل سبب أجنبي كالقوة القاهرة ،كام هو الشأن
بالنسبة للناقل الذي مل يقم بإيصال اليشء املتفق عليه أو تأخر يف إيصاله.
يف حني أن املدين يف االلتزام بوسيلة ال يكون مسؤوال إال إذا أثبت أنه مل يقم بالعناية
املتطلبة ،وهو األمر الذي يبقى فيه عبء إثباته ملقى عىل عاتق الدائن .وهذا حال املريض
الذي مل يعالج أو ورثة املريض املتوىف ،حيث ال حيصلون عىل التعويض إال إذا أثبتوا عدم
اختاذ الطبيب للعناية الالزمة يف املجال الطبي.
.18وقد أثار املعيار الذي ينبغي اعتامده بخصوص العناية الواجب اختاذها اختالف
الفقه؛ األمر الذي دفع العديد من القوانني إىل توضيح املعيار الواجب سلوكه؛ ومن هذه
الترشيعات نجد القانون املدين الليبي الذي أخذ باملعيار املوضوعي ،حينام أشار إىل أن
العناية التي ينبغي النظر إليها هي عناية الشخص العادي ،كام يتضح لنا من خالل
28 MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; CUJAS/ Paris; 5ème édition 1994 ;P:13.
RENAULT-BRAHINSKY Corinne : Droit des obligations ; Gualino éditeur ; 4ème édition/2006 ; P:25.
29 MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit ; P:13.
; 30 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
13
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
مقتضيات املادة 214من هذا القانون ،التي جاء فيها ما ييل.1" :يف االلتزام بعمل ،إذا كان
املطلوب من املدين هو أن حيافظ عىل اليشء أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى احليطة يف
تنفيذ التزامه ،فإن املدين يكون قد وىف بااللتزام إذا بذل عناية كل ما يبذله الشخص
العادي ،ولو مل يتحقق الغرض املقصود .هذا ما مل ينص القانون أو االتفاق عىل غري ذلك.
.2ويف كل حال يبقى املدين مسؤوال عام يأتيه من غش أو خطأ جسيم".
ب :التصنيف املبني عىل مصدر االلتزام
.19من بني التصنيفات املهمة ،تلك املبنية عىل أساس مصدر االلتزام؛ حيث يميز
الفقه بني االلتزامات االتفاقية وااللتزامات التي تولد دون وجود اتفاق؛ أو بعبارات
أخرى ،االلتزامات التعاقدية وااللتزامات غري التعاقدية .
31
فبخصوص النوع األول ،فإن املقصود هبا هي تلك االلتزامات التي تنتج وتولد بناء
عىل اتفاق بني أطرافه ،أي نتيجة إلبرام عقد معني؛ ويشكل هذا النوع ،السيام أثناء وقت
32
31 MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; Edition CUJAS/ Paris ; op.Cit; P:12.
32 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; p:11.
33 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
14
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
يعتمد أساسا عىل العقد بشكل أسايس يف تداول الثروة ،كام أن أدوات الدفع واالئتامن هي
يف حد ذاهتا التزامات فردية؛ وعموما ،فإن الذي يفهم االلتزام يستطيع استيعاب قانون
األعامل بوجه عام .كام أن القانون العام نفسه يقوم يف جزء مهم منه عىل االلتزام ،سواء
تعلق األمر بالعقد اإلداري أو املسؤولية اإلدارية.
ومن ثم ،نرى أنه بإمكان الشخص أن يكون متخصصا يف جمال القانون التجاري
أو القانون العام دون اإلحاطة بجميع مواد القانون املدين ،غري أن القانوين كيفام كان
ختصصه ال يمكنه أن جيهل قانون االلتزامات ،وذلك راجع لالعتبارات السالفة الذكر.
من الناحية التطبيقية ،فإن نظرية االلتزامات هي تطبيق قانوين للعالقات االقتصادية
بني األشخاص ،من خالل تبادل الثروات واخلدمات التي تعترب رضورية لوجودهم؛
لذلك ،فإن قواعد االلتزامات تعترب األكثر تطبيقا من الناحية العملية.
رابعا :العوامل املؤثرة يف تطور قانون االلتزامات
.21بحسب العميد ريبار Ripertفإن قانون االلتزامات تطور حتت تأثري ثالثة
عوامل أساسية ،العامل املعنوي (أ) ،العامل االقتصادي (ب) وأخريا العامل
السيايس (ج).
أ :تأثري العامل املعنوي عىل قانون االلتزامات
.22يذهب الفقه إىل أن تأثري العامل املعنوي عىل قانون االلتزامات يعترب سابقا
34
عىل تدوين القانون املدين الفرنس .ويظهر لنا هذا التأثري عىل خمتلف مصادر االلتزام؛
ففي العقد مثال ،فإن االلتزام امللقى عىل عاتق املدين بتنفيذ العقد ما هو إال تطبيق
لاللتزام املعنوي القايض برضورة احرتام عهده أو التعبري الصادر عنه .نفس اليشء فيام
يتعلق بعيوب الرىض املتمثلة يف اإلكراه والتدليس التي تعترب هي األخرى بمثابة تفعيل
لرضورة توفر قدر من النزاهة يف املفاوضات املرتبطة بالعقد .يتضح ذلك أيضا
بخصوص ناقص األهلية ،حيث إن إقرار اإلبطال ملصلحته يستجيب لرضورة محاية
34; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:23.
15
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املتعاقد الضعيف يف مواجهة الطرف القوي ،وهو مطلب معنوي .دون أن ننسى بطالن
العقد الذي يكون سببه أو حمله غري مرشوع أو خمالف للنظام العام أو األخالق.
وإذا ما انتقلنا إىل جمال املسؤولية التقصريية ،نجد أن االلتزام القانوين بتعويض
الرضر يعترب بمثابة تعبري عن االلتزام املعنوي بعدم اإلرضار بالغري .ويظهر هذا الرتابط
بشكل خاص يف جمال نظام املسؤولية القائم عىل أساس اخلطأ.
ب :تأثري العامل االقتصادي عىل قانون االلتزامات
يظهر تأثري العامل االقتصادي عىل قانون االلتزامات بشكل واضح عىل .23
مستوى العقد بوجه خاص ؛ عىل اعتبار أن هذا األخري يعترب بمثابة األداة األساسية
35
لتأمني تداول الثروة واخلدمات بني األفراد ،بل إن دراسة هذه املبادالت يشكل أحد
املواضيع األساسية لالقتصاد السيايس.
إن قانون االلتزامات والعقود املغريب كرس املفهوم الليربايل للنظام االقتصادي
الذي كان سائدا إبان وضع هذا القانون ،أو ما يعرب عنه من الناحية القانونية باحلرية
التعاقدية ،التي تتمثل يف أن األفراد هلم كامل احلرية يف إبرام العقد الذي يرغبون فيه
وبالرشوط التي تالئمهم .بل إنه عن طريق هذا املبدأ يمكن حتقيق هدفي كام أكد عىل
ذلك أنصار االجتاه الليربايل ،األول يتمثل يف الوصول إىل مصلحة الطرفني عن طريق
تبادل االمتيازات بينهم ،ومن جهة أخرى ،حتقيق النفع العام الذي يتجىل يف جمموع
املصالح الفردية.
غري أننا نرى ،بأن هذه اآللية التي عن طريقها يمكن حفظ مجيع املصالح .24
كانت صحيحة بشكل أسايس يف املايض؛ أما يف الوقت احلايل ،فإن التحوالت التي
35EL MOUDDEN Chifae : La publicité entre promotion et protection du marché ; Revue marocaine
de droit économique ; N°1 2007 ; P :52.
FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P :45.
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P :27.
16
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
شهدهتا العالقات االقتصادية أفرزت أطرافا اقتصادية متباينة ،كام هو الشأن بالنسبة
للمهنيني واملستهلكني وأيضا املؤجرين واألجراء .ويرتتب عن ذلك ،أنه يف حالة إذا مل
يتدخل املرشع بمقتىض قواعد آمرة ومحائية ،فإن الطرف القوي يفرض رشوطه عىل
الطرف الضعيف.
بل إن درجة تقدم الدول ومدى اعتبارها ديمقراطية أصبح يرتبط بشكل كبري
بتبنيها لقوانني حتقق قدرا كبريا من املساواة بني مواطنيها ،خاصة عندما يصل التباين
بني هؤالء إىل درجة يمكن أن ختل باألمن االجتامعي .لذلك ذهب بعض الفقه
36
الفرنس ،إىل أن احرتام احلقوق األساسية للشخص ،كاحلق يف دعوى عادلة واحلق يف 37
احرتام احلياة اخلاصة لألرسة وحق احرتام األموال وحرية تأسيس اجلمعيات ،وذلك
كله حتت تأثري القانون األورويب واالجتهاد القضائي األورويب ،أغنت قانون
االلتزامات وباخلصوص قانون العقود.
عبد الرمحان الرشقاوي :املدخل إىل العلوم القانونية؛ الطبعة األوىل .2016 36
37 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit; P:47.
17
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بمثابة الرشيعة العامة ،وأيضا يف خمتلف النصوص اخلاصة املتفرقة ،إضافة إىل
االجتهاد القضائي.
بالرجوع ملدونة االلتزامات والعقود ،نجد املرشع املغريب قسمها إىل كتابي،
خصص األول لاللتزامات بوجه عام؛ أما الكتاب الثان فقد تناول فيه خمتلف العقود
املسامة ويف أشباه العقود التي ترتبط هبا.
من أجل إعطاء نظرة عامة عىل خمتلف املجاالت التي تناوهلا هذا القانون ،نشري بداية
إىل حماور الكتاب األول من هذه املدونة ،حيث يشتمل عىل سبعة أقسام ،تتمثل فيام ييل:
18
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أما الكتاب الثان من مدونة االلتزامات والعقود املغريب ،فقد تم تقسيمه إىل اثني
عرش قسام؛ تتمثل فيام ييل:
الكتاب الثان :يف خمتلف العقود املسامة ويف أشباه العقود التي ترتبط هبا
-القسم األول :البيع (الفصول من 478إىل 618مكرر)؛
-القسم الثاين :يف املعاوضة (الفصول من 619إىل )625؛
-القسم الثالث :اإلجارة (الفصول 626إىل )780؛
-القسم الرابع :الوديعة واحلراسة (الفصول 781إىل )828؛
-القسم اخلامس :العارية (الفصول 829إىل )878؛
-القسم السادس :الوكالة (الفصول 879إىل )958؛
-القسم السابع :االشرتاك (الفصول 959إىل )1091؛
-القسم الثامن :عقود الغرر (الفصول 1092إىل )1097؛
-القسم التاسع :الصلح (الفصول 1098إىل )1116؛
-القسم العارش :الكفالة (الفصول 1117إىل )1169؛
-القسم احلادي عرش :الرهن احليازي (الفصول 1170إىل )1240؛
-القسم الثاين عرش :يف خمتلف أنواع الدائنني (الفصول 1241إىل .)1250
.28إضافة إىل مدونة االلتزامات والعقود ،فإن هناك العديد من القواني اخلاصة
التي تشكل مصدرا مبارشا لقانون االلتزامات؛ من هذه النصوص نشري إىل ظهري 2
أكتوبر 1984املعترب بمثابة قانون يتعلق بتعويض املصابني يف حوادث تسببت فيها 38
عربات برية ذات حمرك ،وأيضا القانون رقم 67.12املتعلق بتنظيم العالقات التعاقدية 39
بني املكري واملكرتي للمحالت املعدة للسكنى أو لالستعامل املهني ،وعىل سبيل
40
ظهري رشيف رقم 1.84.177؛ اجلريدة الرسمية عدد 3753بتاريخ 03أكتوبر 1984؛ ص.930: 38
عبد الرمحان الرشقاوي :القانون املدين ،دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام يف ضوء تأثرها باملفاهيم اجلديدة للقانون االقتصادي؛ مصادر 39
19
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املثال أيضا نذكر القانون رقم 49.16املتعلق بكراء العقارات أو املحالت املخصصة
لالستعامل التجاري أو الصناعي أو احلريف .
41
من بني املصادر التقليدية ،التي ال زالت تعترب مصدرا مهام لقانون االلتزامات يف وقتنا
احلايل وستبقى كذلك ،بل إننا نرى برضورة تفعيل هذا املصدر بشكل أكرب ،السيام يف
املغرب ،حتى يمكنه مسايرة التحوالت العميقة التي تعرفها نظرية االلتزام بوجه عام؛
ونقصد هبذا املصدر االجتهاد القضائي.
ب :املصادر احلديثة لقانون االلتزامات
ظهرت العديد من املصادر احلديثة لقانون االلتزامات ،وذلك متاشيا مع .29
التحوالت االقتصادية واالجتامعية التي عرفها العامل يف العقود األخرية ؛ ونرى أن
42
أهم هذه املصادر تتمثل يف قانون حرية األسعار واملنافسة الذي اعتمده املرشع املغريب
43
بمقتىض القانون رقم 06.99ثم أعاد تنظيمه بمقتىض القانون رقم ، 104.12وأيضا
45 44
قانون االستهالك الذي تبنته العديد من الترشيعات منذ أزيد من ثالثني سنة ،ومل
يعتمده املرشع املغريب إال يف بداية سنة 2011بمقتىض القانون رقم 31.08القايض
بتحديد تدابري حلامية املستهلكني .
46
فقانون حرية األسعار واملنافسة ينظم العقود الرابطة بني املهنيني ،ويبقى هدفه
األسايس هو السهر عىل ضامن حرية املنافسة وحرية األثمنة ،وذلك من أجل حتقيق
41ظهري رشيف رقم 1.16.99صادر يف 13من شوال 18( 1437يوليوز )2016بتنفيذ القانون رقم 49.16املتعلق بكراء العقارات أو
املحالت املخصصة لالستعامل التجاري أو الصناعي أو احلريف .اجلريدة الرسمية عدد 6490بتاريخ 11أغسطس .2016
راجع مؤلفنا قانون العقود اخلاصة ،اجلزء الثاين :العقود الواردة عىل منفعة اليشء.
42 FAVEREAU Olivier : Qu’est-ce qu’un contrat ? la difficile réponse de l’économie; Droit et économie
des contrats , sous la direction de Christophe Jamin ; L.GD.J. 2009 ; P:21.
BOUTARD LABARD Marie-Chantel:Droit français de la concurrence; L.G.D.J.1994. P:22.
43DRISSI ALAMI MACHICHI Mohammed : Concurrence, droit et obligations des entreprises au
Maroc ; Eddif/2004.
44ظهري رشيف رقم 1.00.225الصادر يف 2ربيع األول 1421املوافق 5يونيو ،2000بتنفيذ القانون رقم 06.99املتعلق بحرية األسعار
واملنافسة .اجلريدة الرسمية عدد ،4810بتاريخ 3ربيع اآلخر ( 1412املوافق ل 6يوليوز ،)2000ص.1914:
45ظهري رشيف رقم 1.14.116صادر يف 30يونيو 2014بتنفيذ القانون رقم 104.12املتعلق بحرية األسعار واملنافسة .اجلريدة الرسمية
عدد 6276بتاريخ 24يوليو .2014
46ظهري رشيف رقم 1.11.03صادر يف 14من ربيع األول 18( 1432فرباير )2011؛ اجلريدة الرسمية ،عدد 5932بتاريخ 7أبريل 2011؛ ص.1072:
20
مقدمة عامة ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املساواة بني خمتلف الفاعلني واملتدخلني يف السوق التجارية .بينام يبقى اهلدف األسايس
للقانون رقم ،31.08كام يتضح من تسميته ،هو وضع العديد من التدابري حلامية
املستهلكني بوجه خاص؛ والتي تتمثل حسب ديباجته يف تعزيز احلقوق األساسية
للمستهلك ،خاصة منها ما يتعلق باحلق يف اإلعالم واحلق يف محاية حقوقه االقتصادية
واحلق يف التمثيلية واحلق يف الرتاجع واحلق يف االختيار واحلق يف اإلصغاء إليه.
.30خالصة ما سبق ،إن نظرية االلتزامات عرفت تطورا مهام يف السنوات ،أو
باألحرى ،العقود األخرية ،بفعل التغريات االقتصادية التي شهدها العامل ،والتي
أجربت الدول عىل تبني العديد من الترشيعات االقتصادية ،كان هلا تأثري واضح عىل
هذه النظرية ،سواء عىل مستوى كل مصدر من مصادرها ،كام سنتناوهلا يف جزئي
األول نخصصه للترصف القانون وهو موضوع هذا اجلزء (اجلزء األول) ،والثان
نتناول فيه الواقعة القانونية التي تشتمل عىل املسؤولية التقصريية واإلثراء بالسبب
(اجلزء الثان) ،أو عىل مستوى أحكامها ،التي سنخصص هلا اجلزء الثالث من سلسلة
القانون املدن (اجلزء الثالث) ،دون أن ننسى إثبات االلتزام (اجلزء الرابع).
بمعنى ،أن دراسة القانون املدن يف شقه املتعلق بالنظرية العامة لاللتزامات ،تقتيض
منا تناوله يف أربعة أجزاء؛ وذلك عىل الشكل التايل:
-اجلزء األول :مصادر االلتزام ،الترصف القانون (العقد واإلرادة املنفردة)؛
-اجلزء الثان :مصادر االلتزام ،الواقعة القانونية (املسؤولية التقصريية واإلثراء بال
سبب)؛
اجلزء الثالث :أحكام االلتزام (أوصاف االلتزام ،وانتقال االلتزام ،وانقضاء
االلتزام)؛
اجلزء الرابع :إثبات االلتزام
21
الكتاب األول :مصادر االلتزام ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
22
الكتاب األول :مصادر االلتزام ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الكتاب األول
مصادرااللتزام
23
الكتاب األول :مصادر االلتزام ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
24
الكتاب األول :مصادر االلتزام ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
تتمثل يف إرادة شخص املدين التي تنفرد بإنشاء االلتزام ،ويسمى الترصف حينها إرادة
منفردة ،كام قد يتحقق هذا االلتزام باتفاق مع إرادة طرف ثان أو جمموعة أطراف،
ويسمى حينها عقدا؛ وثانيهام الواقعة غري اإلرادية ،التي إما أن تكون فعال ماديا ضارا،
أو ما يسمى بالعمل غري املرشوع ،وإما أن يكون فعال نافعا ،أو ما يسمى باإلثراء بال
سبب؛ أو أن يكون نص القانون ،ويسمى مصدر االلتزام القانون.
.33غري أنه قبل أن يستقر هذا التقسيم ملصادر االلتزام إىل ترصف إرادي ،أو ما أصبح
يعرف بالترصف القانوين ،وواقعة غري إرادية ،أو ما نفضل تسميته بالواقعة القانونية ،فإن
الفقه قد عرف جدال كبريا ،ابتدأ مع الروماين جايوس ،الذي قسم مصادر االلتزام إىل
التزامات عقدية والتزامات غري عقدية ،وتوسع مع جوستنيان إىل تقسيم رباعي يضم
العقد ،وشبه العقد ،ثم اجلريمة وشبه اجلريمة ،ثم أضاف من بعده مودستان مصدرا
خامسا لاللتزام هو القانون .وانتقلت خالصة هذا إىل القانون الفرنس القديم كام عرضه
بوتييه ومنه إىل القانون املدين الفرنس احلايل .
48
وقد تأثر قانون االلتزامات والعقود املغريب إىل حد كبري بمسلك مدونة .34
نابليون ،كام يتبني لنا من قراءة الفصل األول من ق.ل.ع.م .الذي جاء فيه "تنشأ
47 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; 3ème édition L.G.D.J. 1993 ; P:1.
FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit ; P:58.
ROUJOU DE BOUEE G. : Essai sur l’acte juridique collectif, thèse/Toulouse ; L.G.D.J. 1961.
48 ROUJOU De Boubée : Essai sur l’acte juridique collectif ; Thèse- Toulouse ; 1961.
25
الكتاب األول :مصادر االلتزام ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
26
الكتاب األول :مصادر االلتزام ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
يقوم عىل مؤيدات قانونية يف التمييز بني جمموعتني ،األوىل تسمى باملصادر اإلرادية أو
الترصفات القانونية ،يف حني تسمى املجموعة الثانية باملصادر غري اإلرادية أو الوقائع
القانونية ،لكون كل جمموعة تتميز بالعديد من اخلصائص املشرتكة. 50
ومن ثم يمكننا أن نميز بصدد هذه املصادر بني نوعني أساسيني ،األول هو
مصادر االلتزام ذات الطبيعة اإلرادية أو ما يسمى بالترصفات القانونية (اجلزء األول)،
أما النوع الثاين فيسمى بالوقائع القانونية التي تتمثل يف املسؤولية التقصريية واإلثراء
بال سبب (اجلزء الثان).
36مكرر .تنبغي اإلشارة يف األخري ،إىل أن هذا التقسيم ،الذي سبق لنا أن دافعنا
عنه منذ الطبعة األوىل من كتابنا هذا سنة ،2012هو نفسه الذي اعتمده املرشع الفرنس
خالل التعديل الذي أقدم عليه بمقتىض األمر رقم 131-2016بتاريخ 10فرباير
2016؛ حيث أقره يف املادة 1100من القانون املدن الفرنس كام تم تعديلها بمقتىض هذا
األمر؛ فقد جاء يف الفقرة األوىل منها بأن االلتزامات تنشأ عن الترصفات القانونية
والوقائع القانونية أو بمقتىض سلطة القانون وحده.
49يف هذا السياق ،يقول الدكتور عبد القادر العرعاري ،أن الرتتيب السابق –أي العقد ،اإلرادة املنفردة ،العمل غري املرشوع ،اإلثراء بال سبب
والقانون ، -لن يمنعنا من تسبيق مصدر عىل آخر لكون أمهية هذه املصادر من الناحية العملية ليست واحدة ،فاإلرادة املنفردة وإن كانت يف
الصف الثاين فإهنا لن ترقى أبدا إىل مرتبة العم ل غري املرشوع الذي يعد بحق املصدر الثاين بعد العقد من حيث األمهية.
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها القانونية
ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي-مطبعة فضالة /املحمدية؛ 1995؛ ص.23:
50يقصد بالوقائع القانونية ،كل حدث أو عمل مادي يرتب عليه القانون آثرا معينا ،سواء متثل هذا اآلثر يف إنشاء احلق أو نقله أو إهنائه .وهكذا
يتبني لنا ،أن الذي يميز الواقعة القانونية عن الترصف القانوين هو عنرص اإلرادة ؛ حيث إنه ،إذا كانت هذه األخرية هي التي حتدث األثر القانوين
يف الترصف ،فإن اإلرادة ليس هلا أي دخل يف ترتيب األثر القانوين املتولد عن الواقعة املادية.
عموما ،يميز الفقه بني نوعني من الوقائع القانونية ،النوع األول يسمى بالوقائع الطبيعية ،بينام يسمى النوع الثاين األعامل املادية أو الوقائع التي
حتدث بفعل اإلنسان.
27
اجلزء األول :الترصف القانوين ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
28
اجلزء األول :الترصف القانوين ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الجزء األول
التصرف القانوني
L’acte juridique
29
اجلزء األول :الترصف القانوين ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
30
اجلزء األول :الترصف القانوين ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.37يقصد بالترصف القانوين اجتاه اإلرادة إىل إحداث آثر قانون ،سواء كان هذا
الثر هو إنشاء حق أو نقله أو إهناءه .51والترصف القانوين بوجه عام قد يصدر بإرادة
منفردة أو بإرادتي ،حيث يسمى يف احلالة األوىل بالترصف الصادر من جانب واحد
ويف احلالة الثانية بالترصف الصادر من جانبني .وهو نفسه التحديد الذي ذهب له
املرشع الفرنس بمقتىض الفقرة األوىل من املادة 1-1100كام تم اعتامدها بمقتىض
األمر الصادر بتاريخ 10فرباير . 2016
52
51NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des
obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales; L.G.D.J. 1er
édition 2006; P:15.
52Article 1100-1 « les actes jurdiques sont des manifestations de volonté destinées à
produire des effets. Ils peuvent etre conventionnels ou unilatéraux ».
31
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
32
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
القسم األول
العقد
Le contrat
33
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
34
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.41العقد هو توافق إرادتني أو أكثر عىل إحداث آثر قانوين ،سواء كان هذا اآلثر
هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إهناءه ،وقد كانت تعرفه املادة 1101مدين فرنس
53
" بأنه اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر جتاه شخص أو عدة أشخاص بإعطاء يشء
أو القيام بعمل أو االمتناع عنه" .يف حني عرفته نفس املادة بمقتىض األمر الصادر54
بتاريخ 10فرباير ،2016بأنه توافق إرادتني أو أكثر هبدف إنشاء أو تعديل أو نقل أو
إهناء االلتزامات.
من الترشيعات املغاربية التي عرفت العقد نذكر القانون املدين اجلزائري ،الذي
جاء يف مادته 54ما ييل" :العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص ،أو عدة أشخاص آخرين،
بمنح ،أو فعل ،أو عدم فعل يشء ما" .كام عرفه القانون املدين األردين بمقتىض املادة
55
87منه ،التي جاء فيها" :العقد هو ارتباط اإلجياب الصادر من أحد املتعاقدين بقبول
اآلخر وتوافقهام عىل وجه يثبت أثره يف املعقود عليه ويرتتب عليه التزام كل منهام بام
وجب عليه لآلخر".
.42من وجهة نظرنا ،نرى أن املسلك الذي سار عليه املرشع املغريب يبقى هو
النهج املوفق ،عىل اعتبار أن التعاريف هي من اختصاص الفقه كام نؤكد عىل ذلك
باستمرار؛ هذا األخري قام بعدة حماوالت لتعريف هذا املصدر التعاقدي بشكل دقيق،
وإن كان هو اآلخر مل يتفق يف البداية عىل تعريف واحد.
يرجع هذا اخلالف الفقهي باألساس ،إىل كون االتفاق يف نظر العديد من الفقهاء
أوسع من العقد ،بالنظر لكون األول يشمل يف معناه القانوين إنشاء االلتزام أو نقله أو
إهناءه ،يف حني أن العقد يقترص من الناحية املبدئية عىل إنشاء االلتزام فقط؛ لذلك وجدنا
بعض الفقه الفرنس يتجنب استعامل مصطلح االتفاق عند تعريفه للعقد ،من ذلك ما
53 ATIAS Christian : Qu’est-ce qu’un contrat ? droit et économie des contrats, sous la direction de
Christophe Jammin ; L.G.D.J. 2009 ; P :3.
54 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.Cit ; P :61.
NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des
obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; L.G.D.J. 1er
édition 2006 ; p:18.
55راجع هبذا اخلصوص رسالة حصايم سمرية :عقود البوت :B.O.T.إطار الستقبال القطاع اخلاص يف مشاريع البنية التحتية؛ رسالة ماجستري؛
جامعة مولود معمري /تيزي وزو؛ اجلزائر2011 /؛ ص.10:
35
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
ذهب إليه جاك جيستان الذي اعترب العقد بمثابة تعهد أو تطابق لإلرادات من أجل إنتاج
آثار قانونية.56
إذا كنا نقر بأن االتفاق قد يتم خارج نطاق االلتزامات القانونية كام هو الشأن
بالنسبة التفاق جمموعة من األصدقاء أو جمموعة من الطلبة عىل تناول وجبة الفطور يف
مقصف الكلية ،فإن معظم الفقه احلديث يقر بكون هذا االختالف بني العقد
57
واالتفاق يف دائرة املعامالت القانونية يبقى قليل أو عديم األمهية ،نظرا ألن العربة
بمضمون االتفاق أو العقد؛ ولذلك وجدنا بعض الفقه املغريب يعرف العقد بأنه
58
"اتفاق بني شخصني أو أكثر هبدف إنشاء االلتزام أو نقله أو اهنائه أو تعديله".
.43وحتظى دراسة نظرية العقد بأمهية خاصة ،59لكونه من جهة يعترب املصدر
األسايس لاللتزامات إىل جانب املسؤولية التقصريية ،إضافة إىل أن العقد يعترب األداة
األساسية يف تداول الثروة ،فهو الوسيلة الرئيسية لتداول السلع واخلدمات بني خمتلف
األطراف؛ مما أدى إىل انتشار هذه األداة بشكل كبري يف احلياة اليومية ،األمر الذي ترتب
عنه بشكل طبيعي تزايد احلاجة إىل تنظيم خمتلف جوانبه ترشيعيا من جهة ،ومن جهة
أخرى انتشار القضايا املعروضة عىل أنظار املحاكم واملتعلقة باملشاكل الناجتة عن العقد.
.44من أجل اإلحاطة بنظرية العقد ،فإننا سنتناوهلا يف أربعة أبواب ،نتطرق يف
األول لطبيعة العقد (الباب األول) ،بينام نقف يف الثاين عند تكوينه (الباب الثان) ،قبل
أن ننتقل لدراسة خمتلف آثار العقد (الباب الثالث) ،أما الباب األخري فسنقف فيه عىل
خمتلف اجلزاءات القانونية املرتتبة عن اإلخالل بالرابطة التعاقدية (الباب الرابع).
56 GHESTIN Jacques: Droit civil; la formation du contrat; L.G.D.J. 1993 ; P:9.
57 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.Cit ; P :62.
GHESTIN Jacques: Droit civil; la formation du contrat; op.cit; P:9.
MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit ; P :163.
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P :49.
TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; p:27.
58ذهب الدكتور اجلليل عبد القادر العرعاري إىل أن هذا التعريف يتميز باخلصائص التالية:
يستلزم العقد وجود أكثر من إرادة واحدة؛ -
اقتصار مفهوم العقد عىل االتفاقات التي هتدف إىل إنتاج أثر قانوين؛ -
إن التعريف يأخذ باملفهوم الواسع للعقد؛ أي أنه بخالف املفهوم التقليدي للعقد الذي يقترص عىل جمرد خلق وإنشاء االلتزامات -
املتبادلة بني الدائن واملدين ،فإن من شأن هذا التعريف أن يمدد نطاق العقد إىل حاالت االتفاق من أجل نقل االلتزام أو تعديله أو إهنائه.
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات؛ الكتاب األول :نظرية العقد يف
مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي-؛ ص.27:
59عبد الرمحان الرشقاوي :قانون العقود اخلاصة؛ الكتاب األول :العقود الناقلة للملكية ،عقد البيع؛ مطبعة األمنية؛ الطبعة األوىل .2011
36
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
العقد أو عىل مستوى آثاره؛ األمر الذي يقتيض منا أن نقف عىل دور اإلرادة يف العقد
(املبحث األول) ،ثم بعد ذلك ننتقل إىل تناول إشكالية التعبري عن هذه اإلرادة
(املبحث الثاين).
60 TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:101.
37
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الترشيعات املدنية التي تأثرت بمدونة نابليون كام هو الشأن بالنسبة لقانون
61
االلتزامات والعقود املغريب .ال يعني ذلك أن هناك تعارض بي االثني يف مجيع األزمنة؛
بدليل أنه يف السنوات األخرية تبني أن هناك تكامل بينهام ،حيث إن املرشع كثريا ما
يفرض الشكلية من أجل محاية الرىض الصادر عن أحد أطراف العقد؛ ومن ثم ،فإنه يف
مثل هذه احلالة ،فإن الشكلية تساهم يف احرتام اإلرادة.
62
يعترب هذا املبدأ وليد الفلسفة الفردية التي ظهرت خالل عرص األنوار ،
64
.49
والتي يرتتب عن اعتامدها اإلقرار بأن العقد يعترب بمثابة مصدر للقانون؛ بمعنى أن
اإلرادة بمقدورها إقرار القانون اخلاص هبا .أو بعبارات أخرى ،أن مبدأ سلطان اإلرادة
يفيد أن بإمكان األفراد عن طريق التقاء إرادهتم من إقرار قانون خاص هبم.
61NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des
obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; op.cit ; P :21.
يف األنظمة القانونية املعارصة ،فإن الشكلية أصبحت هلا غايات متعددة ،كام أن عدم احرتامها ال ينتج عنه يف مجيع احلاالت بطالن العقد.
62
63 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.Cit ; P :75.
;64 RIVIERE P.L. : Réflexions sur l’autonomie de la volonté dans le droit contractuel ; GTM 1947
P:149.
38
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
خيارات ،التعاقد أو عدم التعاقد ،اختيار املتعاقد بكامل احلرية ،وأخريا حتديد مضمون
العقد .أما من حيث الشكل ،فإن تبادل اإلرادات يكفي لقيام العقد.
ومن ثم ،فإن احلرية التعاقدية تفيد أنه ال يمكن إجبار شخص ما عىل التعاقد؛ أي أنه
ال يمكن احلديث عن عقد إذا مل يرغب األطراف يف إبرامه .بعبارات أخرى ،فهذا املبدأ
يستشف منه أنه كام يمكن للشخص إبرام عقد ما فإنه بنفس القدر يمكنه رفض إبرامه.66
.52من جهة أخرى ،فإن مبدأ احلرية التعاقدية يرتتب عنه رضورة احرتام القايض
إلرادة األطراف؛ ويظهر ذلك من خالل مؤسسة تفسري العقد ،حيث ينبغي عىل
القايض البحث عن إرادات األطراف ،ومن ثم يمنع عليه تفسري الرشوط الواضحة
حتت طائلة تعرض حكمه للنقض بسبب حتريف العقد كام يتضح لنا يف الفصل 462
وما بعده من ق.ل.ع .كام يربز ذلك من خالل نظرية الظروف الطارئة ،حيث إنه
باالعتامد عىل مبدأ احلرية التعاقدية فإن القايض يمنع عليه األخذ هبذه النظرية من أجل
تعديل العقد يف حالة حدوث ظروف اقتصادية صعبة وغري متوقعة ،ألن األخذ هبا
يؤدي إىل حتريف العقد إضافة إىل أن فيه خروج عن إرادات األطراف .
67
65 TerréFrançois et Simler Philippe et Lequette Yves : Droit civil, les obligations ; Dalloz 9ème édition
2005 ; P:32.
66 DRUFFUN-BRICCA Sophie et HENRY Laurence-Caroline : Droit des obligations ; GUALINO
EDITEUR, Paris/2007 ; P :215.
67عبد املجيد غميجة :مبدأ األمن القانوين ورضورة األمن القضائي؛ جملة القانون املغربية؛ 2009؛ ص.3:
39
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
التزاماته الناجتة عن هذا العقد؛ أي أن العقد يقوم مقام القانون بالنسبة ألطرافه ؛ وقد
69
أشارت خمتلف الترشيعات املدنية هلذه القاعدة ،كام هو الشأن بالنسبة للفصل 230من
ق.ل.ع .الذي جاء فيه ما ييل" :االلتزامات التعاقدية املنشأة عىل وجه صحيح تقوم
مقام القانون بالنسبة إىل منشئيها ،وال جيوز إلغاؤها إال برضامها معا أو يف احلاالت
املنصوص عليها يف القانون".
كام ال يمكن أن يستفيد أو يترضر منه الغري .وقد نصت عىل هذا املبدأ العديد من
القوانني املدنية ،منها الترشيع املغريب ،الذي أكد عليه يف الفصل 228من ق.ل.ع .الذي
جاء فيه ما ييل " :االلتزامات ال تلزم إال من كان طرفا يف العقد ،فهي ال ترض الغري وال
تنفعهم إال يف احلاالت املذكورة يف القانون".
2001 ; 266.
70 FLOUR Y. : L’effet des contrats à l’égard des tiers en droit international privé, Thèse, Paris II, 1977.
40
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.57إضافة لذلك ،فإن مفهوم النظام العام عرف تطورا مهام مع ما نتج عن ذلك
72
من تضييق يف مفهوم احلرية التعاقدية ،ففي املفهوم التقليدي كان ملفهوم النظام العام
نطاق سلبي ،حيث إن املرشع كان يكتفي بمنع بعض العقود أو جمموعة من الرشوط، 73
بينام أصبح للنظام العام مفهوم إجيايب ،حيث بدأ املرشع يتدخل يف فرض بعض الرشوط
املحددة ملضمون العقد . 74
71ظهري رشيف رقم 1.02.238صادر يف 25من رجب 3( 1423أكتوبر )2002بتنفيذ القانون رقم 17.99املتعلق بمدونة التأمينات
(اجلريدة الرسمية عدد 5054بتاريخ 2رمضان 1423املوافق ل 7نوفمرب ،2002ص.)3105:
نصت املادة 120من هذا القانون عىل ما ييل" :جيب عىل كل شخص طبيعي أو معنوي يمكن أن تثار مسؤوليته املدنية بسبب األرضار البدنية أو املادية
الالحقة باألغيار والتي تسببت فيها عربة برية ذات حمرك غري مرتبطة بسكة حديدية أو بواسطة مقطوراهتا أو شبه مقطوراهتا ،أن يغطي هذه املسؤولية
بعقد تأمني مربم مع مقاولة للتأمني وإعادة التأمني.
يمكن لكل شخص خاضع إلجبارية التأمني املذكورة قوبل تأمينه بالرفض من طرف مقاولة للتأمني وإعادة التأمني معتمدة ملزاولة عمليات
التأمني ضد أخطار العربات ذات حمرك أن يعرض األمر عىل اإلدارة التي حتدد مبلغ القسط التي تلزم بمقابله مقاولة التأمني وإعادة التأمني
بضامن اخلطر املقرتح عليها".
ALAMI MACHICHI Mohammed : Ordre public et droit pénal ; RMDED, N°29; n°Spécial, 1993, P:19.
72 DRISSI
74 YVAINER : De l’ordre public à l’ordre public économique ; J.C.P. 1992 ; I, 2495.
75
EL GAMMAL M. : L’adaptation du contrat aux circonstances économiques ; Thèse/ paris ; 1967.
=
41
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
سائدة إبان وضع قانون االلتزامات والعقود املغريب ،ومن قبله مدونة نابليون ؛ ويف
77
VOIRIN : De l’imprévision dans les rapports de droit privé, Thèse/ Nancy ; 1922.
76 DRISSI ALAMI MACHICHI Mohammed : Concurrence, droit et obligations des entreprises au
économie des contrats , sous la direction de Christophe Jamin ; L.GD.J. 2009 ; P :21.
GRIMONPREZ Benoit : De l’exigibilité en droit des contrats ; Thèse de doctorat ; POITIERS ; L.G.D.J.
2006 ; P:265.
42
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.61أما التساؤل الثان ،فهو اآلخر ال يقل أمهية ،ذلك أن اإلرادة املعرب عنها من
قبل املتعاقد قد تكون حلساب شخص آخر ،كام هو الشأن بالنسبة للنيابة االتفاقية أو ما
يعرب عنها بالوكالة؛ حيث إن الوكيل بالرغم من أنه يتعاقد باسمه اخلاص ،غري أن آثار
العقد املربم تنرصف إىل املوكل؛ األمر الذي يتطلب منا الوقوف عند هذه املؤسسة يف
مطلب مستقل (املطلب الثاين) .وأخريا ،فإنه ينبغي معرفة مصري االتفاقات الرسية
املعارضة التي خيفيها األطراف ألسباب خمتلفة (املطلب الثالث).
الفرنسية التي اعتدت باإلرادة الباطنية (أوال) ،أما الثانية ،فهي املدرسة اجلرمانية أو
األملانية التي أخذت باإلرادة الظاهرة (ثانيا)؛ يف ظل هذا التباين بني هاتني املدرستني
يبقى علينا أن نتساءل عن موقف القانون املغريب من هذه اإلشكالية (ثالثا).
78GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; 3ème édition L.G.D.J. 1993.
P:345.
LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat; op.cit; P:135.
43
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
هو اإلرادة احلقيقية ،عىل اعتبار أهنا هي وحدها التي يقوم عليها العقد ،أما اإلعالن أو
التعبري عنها فهو جمرد قرينة ودليل للكشف عام تنطوي عليه إرادة املتعاقد احلقيقية ،غري
أن هذا الدليل أو هذه القرينة قابلة إلثبات العكس .ومن ثم ،فإذا تبني أن التعبري غري
مطابق لإلرادة ،فإنه ال يعتد بالتعبري وإنام جيب األخذ بحقيقة اإلرادة ،حتى ولو ترتب
عن ذلك عدم قيام العقد .والسبب يف ذلك هو أن اإلرادة احلقيقية هي التي اجتهت إىل
إحداث اآلثر القانوين ال التعبري الصادر عن صاحب هذه اإلرادة.
.65ظهرت هذه النظرية يف منتصف القرن التاسع عرش من قبل الفقهاء األملان ،كام أخذ
80
هبا القانون املدين األملاين؛ وبخالف نظرية اإلرادة احلقيقية ،فإن نظرية اإلرادة الظاهرة تقف عند
املظهر اخلارجي االجتامعي لإلرادة ،عىل اعتبار أن القانون إنام يعتد بالظواهر االجتامعية دون
الظواهر النفسية؛ ولعل السبب األسايس يف األخذ هبذه النظرية هو الرغبة يف ضامن استقرار
املعامالت وسالمتها أو ما يسمى برضورة محاية األمن القانوين واستقرار املعامالت.
بحسب أنصار هذه النظرية ،فإن اإلرادة اخلفية والكامنة ،أي تلك التي ال تظهر إىل
العامل اخلارجي االجتامعي املحسوس ،اليمكن بأي حال االعتداد هبا يف املجال القانوين
وداخل نطاق العالقات االجتامعية ،وذلك لسبب بسيط ،هو أن هذه اإلرادة الكامنة تبقى
ظاهرة نفسية ،بينام يعترب القانون بمثابة ظاهرة اجتامعية.
79 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:347.
LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:135.
80 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P :345.
44
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
النصوص القانونية التي تأثر فيها ق.ل.ع .بنظرية اإلرادة النصوص القانونية التي
الباطنية تأثر فيها ق.ل.ع .بنظرية
اإلرادة الظاهرة
-نص الفصل 22من ق.ل.ع .عىل ما ييل" :االتفاقات الرسية نص الفصل 21عىل ما ييل:
"التحفظات والقيود التي مل املعارضة أو غريها من الترصحيات املكتوبة ال يكون هلا آثر إال فيام
بني املتعاقدين ومن يرثهام ،فال حيتج هبا عىل الغري ،إذا مل يكن له علم
تنه إىل علم الطرف اآلخر
هبا ،ويعترب اخللف اخلاص غريا بالنسبة ألحكام هذا الفصل".
ال تنقص وال تقيد آثار
-نص الفصل 462عىل ما ييل" :يكون التأويل يف احلاالت
التعبري عن اإلرادة املستفادة
اآلتية:
من ظاهر اللفظ".
. 1إذا كانت األلفاظ املستعملة ال يتأيت التوفيق بينها وبني
نص الفصل 461عىل ما الغرض الواضح الذي قصد عند حترير العقد.
ييل" :إذا كانت ألفاظ العقد
. 2إذا كانت األلفاظ املستعملة غري واضحة بنفسها ،أو كانت
رصحية ،امتنع البحث عن ال تعرب تعبريا كامال عن قصد صاحبها.
قصد صاحبها".
.3إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود العقد املختلفة
بحيث تثري املقارنة الشك حول مدلول تلك البنود.
وعندما يكون للتأويل موجب ،يلزم البحث عن قصد املتعاقدين،
دون الوقوف عند املعنى احلريف لأللفاظ ،وال عند تركيب اجلمل.
45
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
العديد من املقتضيات اخلاصة بالوكالة التجارية .وما هيمنا نحن يف هذا املطلب هي
النيابة االتفاقية أو الوكالة دون النيابة القانونية.
.68يقصد بالوكالة حلول إرادة الوكيل حمل إرادة األصيل يف إنشاء ترصف
قانون ،تنسحب آثاره إىل شخص األصيل أو املوكل ال إىل الوكيل .ويف هذا الصدد
82
ذهب بعض الفقه الفرنس ،إىل أن الوكالة هي آلية بمقتضاها يتم إبرام عقد من قبل 83
شخص آخر ،غري ذلك الذي سيستفيد من آثاره أو الذي سيتحمل االلتزامات التي
يتضمنها هذا العقد ،ولكن حلساب هذا األخري .أي أن الوكالة تفرتض وجود شخص
يسمى املوكل الذي سيستفيد من آثار هذا العقد أو يتحمل االلتزامات التي يتضمنها.
كام تفرتض وجود شخص يسمى الوكيل الذي يترصف باسمه حلساب املوكل.
.69وتقوم الوكالة بدور مهم يف احلياة املدنية والتجارية عىل السواء ،ذلك أنه عن
طريق هذه اآللية يتمكن كثري من األشخاص غري القادرين عىل إبرام الترصفات القانونية،
كام لو كان الشخص غري خمتص يف النشاط املزمع التعاقد بشأنه ،من قضاء مصاحلهم،
إضافة إىل أنه عن طريق الوكالة يمكن جتاوز سلبيات االنتقال من مكان إىل آخر.
.70تقتيض منا اإلحاطة بموضوع النيابة االتفاقية ،أن نقف عند خمتلف الرشوط
الالزمة لصحة الوكالة يف التعاقد (الفقرة األوىل) ،قبل أن نتناول خمتلف اآلثار املرتتبة
عنها (الفقرة الثانية).
81حممد أوغريس :التعاقد بطريق النيابة يف ضوء الترشيع املدين املغريب؛ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا؛ كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتامعية -جامعة احلسن الثاين/الدار البيضاء؛ .1980
; 82 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
46
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
هذا األخري يقترص دوره عىل نقل إرادة األصيل أو املوجب ،ومن ثم فإن التعاقد عن
طريق رسول إنام هو تعاقد بني غائبني كام سنرى فيام بعد؛ يف حني أن التعاقد عن طريق
الوكيل قد يكون بني حارضين إذا أبرم العقد بني هذا األخري والطرف اآلخر يف جملس
واحد ،كام قد يكون بني غائبني ،وإن كان هذا قليل الوقوع وإال انتفت الغاية من
التعاقد بالنيابة ،مادام أن الوكيل يعرب عن إرادته هو ال إرادة األصيل كام هو الشأن
بالنسبة للرسول . 85
.73وما دام أن آثار الترصف القانوين تنسحب إىل املوكل ،فإن هذا األخري هو الذي
ينبغي أن تتوفر فيه األهلية الكاملة ،يف حني أن الوكيل ال تشرتط فيه الترشيعات أن يتوفر
عىل مثل هذه األهلية ،أي أهنا تكتفي بأن يكون مميزا بالرغم من أنه طرف أسايس يف 86
العقد ،ويتضح لنا هذا املقتىض بالنسبة للقانون املغريب من خالل الفصل 880من ق.ل.ع.
الذي جاء فيه "يلزم لصحة الوكالة ،أن يكون املوكل أهال ألن جيري بنفسه الترصف الذي
يكون حمال هلا .وال تلزم نفس األهلية يف الوكيل ،حيث يكفي فيه أن يكون متمتعا بالتمييز
وبقواه العقلية ،ولو مل تكن له صالحية إجراء الترصف يف حق نفسه .فيسوغ للشخص أن
جيري باسم الغري ما ال يستطيع أن جيريه باألصالة عن نفسه".
84 ; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:144.
85 LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:135.
85 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:345.
85حممد أوغريس :التعاقد بطريق النيابة يف ضوء الترشيع املدين املغريب؛ مرجع سابق؛ ص.67:
86بخالف الوضع بالنسبة للنيابة االتفاقية ،فإنه يف جمال النيابة القانونية فإنه يتطلب يف النائب أن يكون كامل األهلية ،عىل اعتبار أن األشخاص
املنوب عنهم إما قارصين أو حمجورين ،وهذا ما أكدت عليه مثال املادة 246من مدونة األرسة املغربية بالنسبة للويص واملقدم ،التي جاء فيها
" يشرتط يف كل من الويص واملقدم :أن يكون ذا أهلية كاملة حازما ضابطا أمينا".
47
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
حكميا؛ وإذا كانت الصورة األوىل واضحة ،حيث تتم بإعالن الوكيل لصفته هذه
بشكل رصيح ،فإن العلم احلكمي حيصل إذا كانت الظروف تفرتض علم الغري املتعاقد
مع الوكيل بوجود الوكالة بالرغم من عدم إعالن هذا األخري عنها بشكل رصيح.
.75يف مجيع األحوال ،فإن الغري إذا مل حيصل علمه بكون التعاقد يتم باسم األصيل
وحلسابه ،فإن آثار العقد تنرصف إىل الوكيل ال إىل األصيل ،ومن ثم فإن آثار النيابة تبقى
منحرصة يف العالقة بني الوكيل واملوكل ،مادام أن الغري ال تربطه أي عالقة باملوكل.
ثالثا :تقيد الوكيل بتعليامت األصيل
.76يقصد هبذا الرشط ،أنه يتوجب عىل الوكيل التزام حدود النيابة كام أكد عىل
ذلك الفصل 895من ق.ل.ع ؛ ومن ثم ،فإذا خرج الوكيل عن احلدود املرسومة 88
لنيابته فإن العقد ال يعترب قد انعقد بطريق الوكالة ،مما يعني أن آثار هذا العقد ال
تنرصف إىل األصيل ،أي املوكل ،ما مل يكن هذا التجاوز يدخل ضمن احلاالت
املنصوص عليها بمقتىض القانون ،كام يتضح لنا من مقتضيات الفصل 927من
ق.ل.ع .الذي جاء فيه" :ال يلتزم املوكل بام جيريه الوكيل خارج حدود وكالته أو
متجاوزا إياها ،إال يف احلاالت اآلتية:
.1إذا أقره ولو داللة؛
.2إذا استفاد منه؛
.3إذا أبرم الوكيل الترصف برشوط أفضل مما تضمنته تعليامت املوكل؛
.4وحتى إذا أبرم الوكيل الترصف برشوط أقص مما تضمنته تعليامت املوكل مادام
الفرق يسريا ،أو كان مما يتسامح به يف التجارة أو يف مكان إبرام العقد".
87 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P:146.
88نص هذا الفصل ،أي الفصل ،895عىل ما ييل " :عىل الوكيل أن ينفذ بالضبط املهمة التي كلف هبا .فال جيوز أن جيري أي عمل يتجاوز أو
خيرج عن حدود الوكالة".
48
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
مهم ،يتعلق بطبيعة التزام الوكيل ،حيث ذهب مجهور الفقه إىل أنه التزام ببذل عناية ال
التزام بتحقيق نتيجة ،وإن كانوا قد ميزوا بني ما إذا كانت الوكالة بأجر أو بدونه ،حيث
يف احلالة األوىل ينبغي عىل الوكيل أن يبذل عناية الشخص املعتاد ،يف حني أن الوكالة
إذا كانت بدون أجر ،فإن الوكيل جيب عليه أن يبذل فقط العناية التي يبذهلا يف شؤونه
اخلاصة ،ما مل يكن شديد احلرص يف شؤونه اخلاصة ،حيث يف هذه احلالة يذهب مجهور
الفقه ،أنه ما دامت الوكالة بدون أجر ،فإنه يكفي أن يبذل الشخص احلريص جدا يف
شؤونه العادية عناية الشخص املعتاد يف إنجاز الوكالة.
.79من جهة أخرى ،فإنه يف حالة وفاة األصيل ،يبقى للورثة وحدهم احلق يف إثارة
استمرار الوكيل يف أداء املهام املوكولة إليه من قبل املورث ،مادام أن وفاة املوكل يرتتب
عنها انقضاء وكالة الوكيل كام يتضح لنا من خالل الفصل 938من ق.ل.ع .الذي جاء
فيه "موت املوكل أو حدوث تغيري يف حالته ينهي وكالة الوكيل األصيل ووكالة نائبه .وال
يرسي هذا احلكم.1 :إذا كانت الوكالة قد أعطيت يف مصلحة الوكيل أو يف مصلحة الغري؛
.2إذا كان حملها إجراء عمل بعد وفاة املوكل ،عىل نحو يكون الوكيل معه يف مركز
منفذ الوصايا".
89عبد املنعم فرج الصدة :مصادر االلتزام ،دراسة يف القانون اللبناين واملرصي /دار النهضة العربية-بريوت1974/؛ ص.182:
عبد الفتاح عبد الباقي :نظرية العقد واإلرادة املنفردة؛ طبعة 1984؛ ص.228:
ياسني اجلبوري :املبسوط يف رشح القانون املدين ،اجلزء األول ،املجلد األول :انعقاد العقد؛ دار الثقافة للنرش والتوزيع /عامن2005،؛ص.273:
49
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.80غري أنه قد حيصل أن يربم الوكيل بعض الترصفات باسم املوكل خالل الفرتة
التي جيهل فيها موته أو غريه من األسباب التي يرتتب عليها انقضاء الوكالة ،فإن املرشع
رتب عن هذا اجلهل صحة مثل هذه الترصفات التي تتم يف هذه املرحلة بمقتىض الفصل
939من ق.ل.ع .رشيطة أن يكون من تعاقد مع الوكيل جيهل هو اآلخر هذه الواقعة.
ثانيا :العالقة بي الوكيل والغري الذي تعاقد معه
.81لقد أكدنا عىل أن من أهم خصائص الوكالة ،كون الوكيل إنام يتعاقد باسم
وحلساب املوكل ،أي أن آثار العقد تنرصف مبارشة إىل األصيل؛ يف حني أن الوكيل ال
يكتسب أي حق من العقد الذي أبرمه مع الغري ،كام أنه ال يرتتب بذمته أي التزام مادام
أنه تعاقد باسم األصيل ومل يتجاوز التعليامت التي أعطاها له هذا األخري ،كام يتضح لنا
من الفصل 925من ق.ل.ع .الذي نص عىل ما ييل" :الترصفات التي جيرهيا الوكيل
عىل وجه صحيح باسم املوكل ويف حدود وكالته تنتج آثارها يف حق املوكل فيام له
وعليه ،كام لو كان هو الذي أجراها بنفسه".
ثالثا :العالقة بي األصيل والغري الذي تعاقد معه الوكيل
.82إن هذه العالقة هي حمور الوكالة ،عىل اعتبار أن اآلثر الذي يرتتب عن هذه
األخرية يظهر بشكل جيل وواضح يف العالقة بني األصيل والغري الذي تعاقد معه الوكيل؛
ذلك أن العقد املربم بني الوكيل والغري ينشئ يف ذمة هذا األخري واألصيل جمموعة من
احلقوق وااللتزامات املتبادلة بينهام90؛ مما يرتتب عن ذلك ،أنه يمكن لكل منهام أن يطالب
اآلخر بتنفيذ التزاماته دون تدخل الوكيل أو دون حاجة إىل إدخاله يف املطالبة .ويمكن أن
نستشف هذه األحكام يف القانون املغريب من خالل مقتضيات الفصل 921من ق.ل.ع.
الذي جاء فيه "الوكيل الذي يتعاقد بصفته وكيال ويف حدود وكالته ال يتحمل شخصيا
بأي التزام جتاه من يتعاقد معهم .وال يسوغ هلؤالء الرجوع إال عىل املوكل".
90عبد الفتاح عبد الباقي :نظرية العقد واإلرادة املنفردة؛ طبعة 1984؛ ص.236:
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها
القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي-؛ مرجع سابق؛ ص.85:
عبد املنعم فرج الصدة :مصادر االلتزام ،مرجع سابق؛ ص.183:
ياسني اجلبوري :املبسوط يف رشح القانون املدين ،اجلزء األول ،املجلد األول :انعقاد العقد؛ مرجع سابق؛ ص.282:
50
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أو تعديله من خالل اتفاق آخر ،مواز لألول زمنيا ،وموجه ألن يبقى رسيا؛ حيث إن
العقد الصوري ،أي الظاهر ،يواجه العقد اخلفي أو الرسي.
.84بحسب الفقيه الفرنس مالوري ،فإن األطراف ينشؤون بشكل إرادي اتفاقا
92
ظاهرا ،هذا األخري يكون خمتلفا متاما عن االتفاق احلقيقي ،الذي يبقى خفيا .بمعنى أن هناك
عقدا مزدوجا ،األول يسمى بالترصف الظاهر اهلادف إىل إظهاره للغري ،والذي يسمى أيضا
بالترصف الصوري ،والخر هو بمثابة ترصف خفي ،الذي يشكل احلقيقة الرابطة بني طرفيه.
.85وقد نص القانون املغريب عىل هذه النظرية بمقتىض الفصل 22من قانون
االلتزامات والعقود املغريب ،الذي جاء فيه" :االتفاقات الرسية املعارضة أو غريها من
الترصحيات املكتوبة ال يكون هلا آثر إال فيام بني املتعاقدين ومن يرثهام ،فال حيتج هبا عىل
الغري إذا مل يكن له علم هبا .ويعترب اخللف اخلاص غريا بالنسبة ألحكام هذا الفصل".
بمعنى أنه ينبغي التمييز بخصوص األحكام التي ترسي عىل الصورية بحسب ما إذا كان
األمر يتعلق باملتعاقدين (أوال) ،أو بالغري (ثانيا).
أوال :أحكام الصورية بالنسبة ألطراف العقد
.86وضعت أغلب الترشيعات قاعدة خاصة بالصورية ،مفادها أن العقد الرسي
هو الذي يعتد به بالنسبة ألطراف العقد دون العقد الظاهر ،كام يظهر لنا من أحكام
الفصل 22من ق.ل.ع .السالف الذكر ،املطابق للفصل 1321من القانون املدين
ا لفرنس ،حيث جاء يف هذا األخري بأن االتفاقات الرسية ال يمكن أن تنتج آثارها إال
بني األطراف املتعاقدة .ففي عقد اهلبة اخلفية يف صورة عقد بيع ،فإن املسمى بائعا، 93
وهو يف احلقيقة يعترب واهبا ،ال يمكنه املطالبة بدفع الثمن من قبل الشخص املوهوب
له ،املسمى يف العقد الظاهر مشرتيا.
91 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique; P:345.
92 MALAURIE Ph. Et AYNES L.: Droit civil, les obligations ; op.cit; P:344.
93 Cet article stipule que « les contre-lettres ne peuvent avoir leur effet qu’entre les parties contractantes ».
51
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
غري أن ذلك ال يعني أن االتفاق الرسي حيتج به يف مجيع األحوال عىل أطراف
العقد ،وإنام فقط يف احلاالت التي يكون فيها العقد السالف الذكر مستجمعا ملختلف
الرشوط والعنارص املتطلبة يف كل ترصف قانوين .بمعنى آخر ،أنه ال يمكن السامح
بالقيام ،بشكل خفي ،بام ال يمكن السامح به عالنية.
.87تبقى اإلشارة ،إىل أن هذا املبدأ ترد عليه جمموعة من االستثناءات ،التي تقيض
بأن االتفاق يكون صحيحا إذا كان ظاهرا ،بينام يكون باطال إذا كان خفيا؛ بمعنى ،أنه
خالفا للقاعدة العامة ،فإن الصورية يف حد ذاهتا تصبح سببا للبطالن ،وإن كانت
حاالت ذلك قليلة .كام هو الشأن بالنسبة للامدة 1321من القانون املدين الفرنس.
من حاالت بطالن العقود الصورية يف القانون املغريب ،نشري إىل ما نصت عليه املادة 142
من املدونة العامة للرضائب ،التي جاء فيها ما ييل" :يعترب باطال وعديم اآلثر كل عقد صوري،
وكل اتفاق هيدف إىل إخفاء جزء من ثمن بيع عقار أو أصل جتاري أو ختل عن زبناء ،أو إخفاء
كل أو جزء من ثمن التخيل عن حق يف اإلجيار أو وعد بإجيار عقار أو جزء منه ،أو مدرك يف
معاوضة أو قسمة واقعة عىل أموال عقارية ،أو أصل جتاري أو زبناء .وال حيول البطالن الواقع
دون استخالص الرضيبة الواجب أداؤها إىل اخلزينة إال إذا حكم هبا قضائيا".
االتفاق الرسي ،أو تغليب هذا األخري ،ومن ثم حيق هلم التمسك بدعوى الصورية، 95
حيث يمكنهم إثبات أن الترصف الظاهر هو صوري فقط وليس له طابع اجلدية.
94 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit ; P:350.
95ذهب االجتهاد القضائي الفرنس إىل اعتبار اخللف اخلاص جيهل االتفاق الرسي إذا كان حسن النية .أشار إليه:
MALAURIE Ph. Et AYNES L.: Droit civil, les obligations, Edition CUJAS 1994/1995; P:348.
52
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
53
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.93يف مقابل العقد الرضائي ،فإن العقد الشكيل هو الذي ال يتم بمجرد الرتايض،
وإنام يتعني اتباع شكل حيدده القانون ،كام هو الشأن بالنسبة للبيع الواقع عىل عقار حيث
تطلب املرشع الكتابة بمقتىض الفصل 489من ق.ل.ع.م .97واألمر نفسه بالنسبة لبيع
السفن والطائرات واألصول التجارية .ويف كثري من املناسبات ،فإن املرشع يتطلب شكلية
خاصة ،تتمثل يف رضورة حترير هذه الترصفات من قبل أشخاص حددهم القانون بشكل
دقيق ،كام هو الشأن بالنسبة لبيع العقارات يف طور اإلنجاز املنظم أخريا بمقتىض القانون
رقم ،9844.00كم تم تغيريه وتتميمه بمقتىض القانون رقم .99107.12
96بحسب بعض الفقه ،فإن التمييز بني الشكلية املستوجبة لصحة املعاملة والشكلية املستوجبة لإلثبات ال يكتس طابعا نظريا جمردا .فإن كان من
الثابت أن الشكلية إذا كانت الزمة لصحة املعاملة تكون يف نفس الوقت صاحلة إلثباهتا فإنه ال جيدي األطراف نفعا التمسك بآثار املعاملة فيام
بينهم إذا كان املرشع قد فرض إفراغها يف شكل معني بحيث إن وجود تلك املعاملة يف حد ذاته ولو بني األطراف فحسب يصبح موضع شك.
نذير بن عمو :العقود اخلاصة ،البيع واملعاوضة؛ املؤسسة اجلامعية للدراسات والنرش والتوزيع 'جمد' /بريوت؛ الطبعة األوىل2009/؛ ص.86:
97نص الفصل 489من ق.ل.ع .عىل ما ييل " :إذا كان املبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا ،وجب أن جيري
البيع كتابة يف حمرر ثابت التاريخ .وال يكون له أثر يف مواجهة الغري إال إذا سجل يف الشكل املحدد بمقتىض القانون".
حممد الكشبور :بيع العقار بني الرضائية والشكل ،دراسة يف أحكام الفقه اإلسالمي ويف القانون الوضعي ويف مواقف القضاء؛ سلسلة الدراسات
القانونية املعارصة 1؛ الطبعة األوىل.1997/
98ظهري رشيف رقم 1.02.309صادر يف 25من رجب 3( 1423أكتوبر )2002بتنفيذ القانون رقم 44.00املتمم بموجبه الظهري الرشيف
الصادر يف 9رمضان 12- 1331أغسطس ) 1913بمثابة قانون االلتزامات والعقود .حيث تطلب الفصل 618مكرر 3/من هذا القانون أن
يتم حترير عقد البيع االبتدائي للعقار يف طور اإلنجاز إما يف حمرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم حتريره من طرف مهني ينتمي إىل مهنة
قانونية منظمة وخيول هلا قانوهنا حترير العقود وذلك حتت طائلة البطالن.
حيدد وزير العدل سنويا الئحة بأسامء املهنيني املقبولني لتحرير هذه العقود.
يقيد بالالئحة املحامون املقبولون للرتافع أمام املجلس األعىل طبقا للفصل 34من الظهري الرشيف رقم 1.93.162الصادر يف 22من ربيع
األول 10( 1414سبتمري ) 1993املعترب بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة املحاماة–.الذي وقع تعديله وتتميمه بمقتىض القانون رقم 28.08
املعدل للقانون املنظم ملهنة املحاماة واملنشور باجلريدة الرسمية عدد 5680بتاريخ 6نونرب ،2008ص.-4044:
حيدد نص تنظيمي رشوط تقييد باقي املهنيني املقبولني لتحرير هذه العقود.
54
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.94هذا ما سار عليه القضاء املغريب؛ فقد جاء يف قرار ملحكمة النقض100بتاريخ 8
ماي 1991ما ييل" :إذا كان الفصل 488من ق.ل.ع .جيعل البيع تاما وقائام بني طرفيه
بمجرد تراضيهم عىل الثمن ورشوط العقد األخرى ،فإن الفصل 489من نفس
القانون يلزم لوجوب بيع العقار أن يرد يف عقد كتايب ثابت التاريخ . "..كام جاء يف
101
قرار آخر ملحكمة النقض بتاريخ 1دجنرب 1978عىل أنه "بمقتىض الفصل 489من
ق.ل.ع .فإن بيع العقار جيب أن يكون كتابة يف حمرر ثابت التاريخ. "...
102
يف قرار آخر أكثر وضوحا ،ذهبت حمكمة النقض بتاريخ 30يناير 1996إىل "أن الفصل
489من ق.ل.ع .يوجب حتت طائلة البطالن الكتابة إذا كان البيع واقعا عىل عقار أو حقوق
عقارية أو األشياء األخرى التي يمكن رهنها رهنا رسميا ،وإن الوعد بالبيع عىل عقار وإن
كان ليس عقدا تاما فإنه يتعني أن يقع هذا األخري كتابة ألنه يتحول إىل بيع تام" .
103
.95يف الوقت الذي كان فيه القضاء املغريب ،خاصة عىل مستوى الغرفة الرشعية،
يتمسك بأن البيع يتم بمجرد الرتايض ولو تعلق األمر بعقار غري حمفظ ،فإن حمكمة
النقض تراجعت يف السنوات األخرية عن هذا املوقف ،حيث أكدت عىل أن بيع العقار
غري املحفظ ال يكون منجزا إال إذا أبرم كتابة وبمحرر ثابت التاريخ ،كام يتضح لنا من
القرار الصادر عن مجيع غرفها بتاريخ 6دجنرب ،2010والتي ذهبت فيه "...لكن حيث
إن حمكمة االستئناف ملا اعتربت أن ما توصل به املستأنف املطلوب يف النقض حسب
شهادة الشهود ال يوجب سوى اسرتجاع ما دفع وال خيول للمشرتي استصدار حكم
ظهري رشيف رقم 1.16.05بتاريخ 3فرباير 2016؛ اجلريدة الرسمية عدد .6440 99
مهمة:لقد تم تغيري عبارة املجلس األعىل بعبارة حمكمة النقض بمقتىض القانون رقم 58.11انسجاما مع مقتضيات الدستور اجلديد 100مالحظة
لسنة – 2011ظهري رشيف رقم 1.11.91صادر يف 27من شعبان 1432املوافق 29يوليو 2011بتنفيذ نص الدستور ،اجلريدة الرسمية عدد
5964مكرر بتاريخ 28شعبان 1432املوافق 30يوليو ،2011ص-3600:؛ وذلك بمقتىض الظهري الرشيف رقم 1.11.170صادر يف 27
من ذي القعدة 25( 1432أكتوبر )2011بتنفيذ القانون رقم 58.11املتعلق بمحكمة النقض ،املغري بموجبه الظهري الرشيف رقم 1.57.223
الصادر يف 2ربيع األول 27( 1377سبتمرب )1957بشأن املجلس األعىل .اجلريدة الرسمية عدد 5989مكرر بتاريخ 28ذو القعدة 1432
( 26أكتوبر )2011؛ ص .5228:بناء عىل ذلك ،فإننا سنستعمل العبارة اجلديدة –أي حمكمة النقض -سواء يف القرارات الصادرة قبل صدور
هذا القانون أو بعده.
101قرار غري منشور.
102جملة املحاماة ،العدد 17؛ ص.115:
103قرار غري منشور.
55
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عىل البائع إلمتام البيع ألن القانون حسب مقتضيات الفصل 489من ق.ل.ع .يوجب
أن يكون بيع العقار كتابة وبمحرر ثابت التاريخ ،تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليام
ومل خترق الفصلني املحتج هبام وكان ما بالوسيلتني غري جدير باالعتبار" .
104
.96أما العقد العيني ،فهو العقد الذي ال يتم بمجرد ترايض عاقديه ،بل إنه يتطلب
لتاممه أن يتم تسليم اليشء حمل التعاقد ألحد أطرافه ،وهذا ما ينطبق مثال عىل عقد اهلبة
وأيضا عىل الرهن احليازي .ذلك أن الرهن احليازي يعترب عقدا عينيا 105برصيح عبارة
الفصل 1188من ق.ل.ع.م .الذي جاء فيه ما ييل" :يتم الرهن احليازي:
أوال :برتايض طرفيه عىل إنشاء الرهن؛
ثانيا :وزيادة عىل ذلك بتسليم اليشء املرهون فعليا إىل الدائن أو إىل أحد من الغري
يتفق عليه املتعاقدون.
وإذا كان اليشء موجودا بالفعل وقت الرهن يف يد الدائن كان رىض الطرفني وحده
متطلبا ،وإذا وجد اليشء يف يد أحد من الغري وكان حيوزه حلساب املدين كفى أن يقوم هذا
األخري بإخطار حائز اليشء بإنشاء الرهن .وابتداء من هذا اإلخطار ،يعترب احلائز األجنبي
أنه أصبح حائزا لليشء حلساب الدائن ولو مل يكن قد التزم مبارشة جتاهه".106
وإذا ما انتقلنا إىل القوانني املقارنة ،نجد القضاء السوري هو اآلخر يؤكد عىل هذه
القاعدة ،حيث جاء يف قرار ملحكمة النقض السورية بتاريخ 30شتنرب 1970عىل "أن
رهن األشياء املنقولة يتم بنقل حيازة املرهون للدائن ،وتسليمه اليشء املرهون ليعلم
104القرار عدد 5017الصادر بجميع الغرف بتاريخ 6دجنرب 2010يف امللف املدين عدد .2006/5/1/2290جملة قضاء املجلس األعىل؛
العدد2011 ،73:؛ ص.33:
105لقد تراجع القانون املدين املرصي لسنة 1948عن هذه القاعدة ،وجعل الرهن احليازي جمرد عقد رضائي بعدما كان القانون املرصي القديم
جيعله عينيا –عىل غرار قانون االلتزامات والعقود املغريب .-حيث أصبح التسليم بحسب هذا القانون –القانون املدين املرصي -التزاما عىل
الراهن وأثرا للعقد ال رشطا النعقاده؛ أي أن الرهن احليازي أصبح من العقود الرضائية.
سمري تناغو :التأمينات العينية عىل الطائرات؛ جملة العلوم القانونية واالقتصادية؛ العدد الثاين؛ 1965؛ ص.206:
سمري عبد السيد تناغو :التأمينات الشخصية والعينية؛ الكفالة-الرهن-حق االختصاص-الرهن احليازي-حقوق االمتياز؛ مكتبة توزيع
املعاريف باالسكندرية1975/؛ ص.336:
106مأمون الكزبري :التحفيظ العقاري واحلقوق العينية األصلية والتبعية يف ضوء الترشيع املغريب؛ اجلزء الثاين :احلقوق العينية األصلية والتبعية؛
رشكة اهلالل العربية للطباعة والنرش /الطبعة الثانية 1987؛ ص.283:
56
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.97ما ينطبق عىل الرهن احليازي يرسي أيضا عىل عقد اهلبة ،108حيث يعترب هو اآلخر
عقدا عينيا ،109تطبيقا للحديث الرشيف الذي جاء فيه "ال جتوز اهلبة إال مقبوضة".
يذهب الفقه عموما ،إىل أن اشرتاط الشكلية غالبا ما يكون ناجتا عن خطورة
بعض الترصفات؛ لذلك يقررها املرشع رغبة منه حلامية الصالح العام أو هبدف محاية
املتعاقدين أنفسهم أو محاية للغري أو لناقص األهلية أو للقارصين ،وأحيانا هبدف إعطاء
املتعاقدين فرصة للتأمل بخصوص ما يقدمون عليه من ترصفات .وبخصوص اهلبة،
فإن احلكمة من اشرتاط الشكلية بخصوص هذا العقد تتمثل أساسا يف االعتبارات
التالية:
-توفري احلامية للواهب ،عن طريق تنبيهه إىل خطورة العمل الذي يقدم عليه
بالترصف يف أمواله بدون مقابل ،حيث تدفعه هذه الشكلية إىل الرتوي؛
-محاية أرسة الواهب ،ملا فيها من إشهاد وعلنية ،لدرجة يعلم هبا الورثة ،مما
يمكنهم من ثني مورثهم عن عمله هذا؛
-محاية املوهوب له نفسه ،حتى ال يطعن يف هذا العقد بأي طعن من قبل الورثة
أو الدائنني أو حتى الواهب نفسه ،حيث حياول الرجوع يف اهلبة.
57
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.98اختلف القضاء املغريب بخصوص هذه النقطة ،حيث ذهبت بعض القرارات
إىل أن احلوز القانوين يغني عن احلوز املادي يف العقارات املحفظة ،يف حني متسك
البعض اآلخر إىل أنه باإلضافة لرشط تسجيل اهلبة بالسجل العقاري فإنه ينبغي
حصول احلوز املادي هو اآلخر.
من القرارات التي سارت عىل املوقف األول ،نشري إىل القرار الصادر عن حمكمة
النقض بتاريخ 5فرباير ،1992الذي جاء فيه "...إن القرار املطعون فيه ملا اعترب رشط
صحة الصدقة هو احلوز القانوين وذلك بتسجيل املتصدق به عىل الرسم العقاري يف
حياة املتصدق طبقا ألحكام الفصلني 66و 67من ظهري 12غشت 1913يكون قد
طبق القانون تطبيقا سليام وجاء معلال تعليال كافيا . "...كام ذهبت حمكمة النقض يف
111
قرار هلا بتاريخ 13فرباير ،1996إىل أن تسجيل عقد الصدقة بالرسم العقاري قيد حياة
املتصدق يعترب حيازة قانونية يغني عن إشهاد العدول بمعاينة احليازة أو إثباهتا" .
112
يف قرار آخر ،ذهبت حمكمة النقض بتاريخ 25دجنرب ،1991إىل "..إن احليازة التي
تشكل يف الفقه املالكي رشطا لصحة التربع قبل حدوث املانع هي احليازة القانونية وليس
جمرد احليازة املادية .وإذا كان العقار حمفظا ،فإن حيازة املتربع له ال تنقل امللكية إىل هذا
األخري وال تنتج أي أثر إال بتسجيل العقد عىل الرسم العقاري عمال بأحكام املادتني 66
و 67من ظهري التحفيظ العقاري ،وبالتايل فإن التسجيل الذي يأيت الحقا بوفاة املتربع ال
حيول دون بطالن التربع ولو كان مسبوقا باحليازة املادية للمتربع به قيد حياة املتربع.113"...
110لقد نظم املرشع املغريب مؤخرا عقد اهلبة ،وذلك بمقتىض املواد من 273إىل 289من القانون رقم 39.08املعترب بمثابة مدونة احلقوق العينية.
اجلريدة الرسمية عدد 5998بتاريخ 24نوفمرب 2011املوافق ل 27ذو احلجة ،1432ص.5587:
وبالرجوع للامدة ، 273نجدها عرفت اهلبة بأهنا متليك عقار أو حق عيني عقاري لوجه املوهوب له يف حياة الواهب دون عوض.
111قرار غري منشور.
112جملة قضاء املجلس األعىل؛ العدد 50-49؛ ص.108:
أشار إليه أيضا احممد برادة غزيول ،حلسن بقايل ،حممد أمحدش ،عبداهلل الدكار ،عادل العشايب ،سعيد املعتصم ،حممد اهليني :الدليل العميل للعقار غري
املحفظ؛ منشورات مجعية نرش املعلومة القانونية والقضائية؛ العدد الثاين ،فرباير 2007؛ ص.104:
113جملة املرافعة؛ العدد اخلامس؛ ص.216:
58
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
من هذه القرارات أيضا نشري إىل القرار الصادر عن حمكمة النقض بتاريخ 9
يوليوز ،2008الذي جاء فيه "لئن كانت اهلبة يف العقار العادي أو يف طور التحفيظ
عمال بالفقه اإلسالمي ال تنشأ إال بعقد عديل يشهد فيه العدالن عىل الواهب هببة
العقار إىل املوهوب له ومعاينتهام حلوز هذا األخري للعقار املوهوب له ،فإن اهلبة يف
العقار املحفظ عمال بالفصلني 66و 67من ظهري التحفيظ العقاري فضال عىل أهنا ال
تؤسس إال بعقد رسمي مستوف لكافة الرشوط فإنه ال يكون هلا وجود قانوين إال
بتسجيلها يف الرسم العقاري" .
114
.99كام سبق أن أرشنا لذلك ،فإنه يف مقابل هذا التوجه للقضاء املغريب ذهبت
قرارات أخرى إىل أنه باإلضافة لرشط تسجيل عقد اهلبة بالسجل العقاري فإنه ال بد
من توافر احلوز املادي .من ذلك ما ذهبت إليه حمكمة النقض يف قرار هلا بتاريخ 28
مارس ،1989حيث جاء فيه "حقا...ما نعته هاته الوسيلة عىل القرار املطعون فيه الذي
اعتمد رسم الصدقة عدد 265الذي طعن فيه بأنه جمرد عام يثبت امللكية وخال من
معاينة احليازة ومل جيب القرار عن هذا الدفع الذي متسك به الطاعنان يف املرحلتني وله
آثاره فقها الشرتاط الفقهاء احليازة باملعاينة يف التربعات. "...
115
.100وقد أحسن املرشع املغريب مؤخرا بتنظيمه هلذه املسألة ،وذلك بمقتىض
القانون رقم 39.08املعترب بمثابة مدونة احلقوق العينية ،حيث أكد عىل أن التقييد
بالسجالت العقارية يغني عن احليازة املادية متى تعلق األمر بعقار حمفظ أو يف طور
التحفيظ؛ كام يتضح لنا من مراجعة املادة 274من هذا القانون التي جاء فيها" :تنعقد
اهلبة باإلجياب والقبول.
جيب حتت طائلة البطالن أن يربم عقد اهلبة يف حمرر رسمي.
يغني التقييد بالسجالت العقارية عن احليازة الفعلية للملك املوهوب وعن
إخالئه من طرف الواهب إذا كان حمفظا أو يف طور التحفيظ.
فإذا كان غري حمفظ فإن إدراج مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخالئه".
114قرار مؤرخ يف 2008/07/09؛ ملف مدين عدد 2006/3/1/3144؛ جملة قضاء املجلس األعىل؛ العدد 71؛ 2009؛ ص.114:
115جملة قضاء املجلس األعىل؛ العدد .43-42
59
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
فهناك من الفقه من اعترب أنه لتحديد عقد اإلذعان ال بد من توافر ثالثة سامت أو 117
خصائص ،وهي أن يكون اإلجياب موجها للعموم أوال ،أما اخلاصية الثانية فهي أن
يكون عقد اإلذعان من العقود الرضورية للمذعن ،وأخريا أن يكون هناك احتكار
قانوين أو فعيل للسلعة أو اخلدمة.
116دون إغفال اإلشارة إىل االنقسام الذي عرفه الفقه بداية حول طبيعة عقود اإلذعان .حيث انقسم الفقه إىل مذهبني رئيسيني ،األول يرى أن
عقود اإلذعان ليست عقودا حقيقية ،فهم يرون أن ما يسمى بعقد اإلذعان هو أقرب إىل أن يكون قانونا أخذت رشكات االحتكار الناس بإتباعه،
وي تزعم هذا االجتاه الفقيه سايل وأغلب فقهاء القانون العام ومن بينهم الفقيه ديموج الذي يرى أن عقد اإلذعان هو مركز قانوين منظم .أما الرأي
الثاين ،الذي يمثله غالبية فقهاء القانون املدين ،فريى أن عقد اإلذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتني ،وخيضع بصفة عامة لنفس القواعد العامة
التي ختضع هلا باقي العقود .واحلل لعالج التباين احلاصل بني طريف عقد اإلذعان ال تكمن يف إنكار الطبيعة العقدية ،وإنام يف البحث عن حلول
قانونية حلامية الطرف املذعن ،باعتباره الطرف الضعيف يف عقود اإلذعان .ومن هذه احللول التي اعتمدهتا خمتلف الترشيعات هو فرض أسعار
جربية لبعض السلع حلاجة الناس الرضورية هلا وذلك عن طريق القرارات واللوائح ،بحيث ال جيوز بيعها بام يزيد عىل هذا السعر.
أنظر للتوسع يف احللول التي اعتمدهتا الترشيعات احلديثة وأيضا الفقه اإلسالمي بخصوص هذا النوع من العقود:
فؤاد حممود عوض :دور الق ايض يف تعديل العقد ،دراسة حتليلية وتأصيلية يف الفقه اإلسالمي والقانون املدين املرصي .مطابع حلبي لطباعة
األوفست ،الطبعة األوىل ،1999/ص.264:
117حممود مجال الدين زكي :الوجيز يف نظرية االلتزام يف القانون املدين املرصي ،مصادر االلتزام ،اجلزء األول ،1976 ،بند .47
محد اهلل حممد محد اهلل :محاية املستهلك يف مواجهة الرشوط التعسفية يف عقود االستهالك ،دراسة مقارنة ،دار الفكر العريب /القاهرة،1997 ،
ص.47:
وهو نفس املوقف الذي سار عليه القضاء يف بعض الدول ،من ذلك ما ذهبت إليه حمكمة التمييز الكويتية يف قرار هلا بتاريخ 4يناير ،1988
والتي جاء فيها " إن عقود اإلذعان تتميز عن غريها باجتامع سامت ثالث ،أوهلا تعلق العقد بسلع أو مرافق تعترب من الرضوريات بالنسبة
للمستهلكني أو املنتفعني ،وثانيها هي احتكار املوجب هلذه السلع أو املرافق احتكارا قانونيا أو فعليا أو قيام منافسة حمدودة النطاق بشأهنا ،وثالثها
صدور اإلجياب إىل الناس كافة وبرشوط واحدة وعىل نحو مستمر ،والقبول يف هذه العقود ليس إال إذعانا ملا يمليه املوجب ،فالقابل ليس له إال
أن يأخذ أو يدع ،وملا كان يف حاجة للتعاقد ،فهو مضطر إىل القبول ،فرضاؤه موجود ،ولكنه مفروض عليه ،وهذا الرضب من اإلكراه ليس هو
املعروف يف عيوب اإلرادة بل هو إكراه متصل بعوامل اقتصادية أكثر منه متصال بعوامل نفسية".
جملة القضاء والقانون ،السنة السادسة عرشة ،ع ،1:مارس ،1995ص.45:
60
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بينام البعض اآلخر ،تطلب فقط توفر رشطني ؛ األول يتمثل يف رضورة أن
118
يكون إعداد العقد وحتضريه من جانب أحد املتعاقدين بشكل منفرد وسابق عىل أي
مفاوضات خاصة بالعقد ،أما الرشط الثاين فهو أن يتمتع املتعاقد الذي يصيغ العقد
بسلطة فرضه عىل املتعاقد الخر ،ولن يتمتع هذا املتعاقد بذلك إال إذا كان يف وضع
املحتكر للسلعة أو اخلدمة حمل العقد.
غري أن عدم حتقق هذا الرشط ال يكفي لوحده ،لنفي كل عالقة للعقد بصفة اإلذعان،
السيام يف ظل وجود رأي فقهي أكثر توازنا من وجهة نظرنا ،والذي يتطلب لتحديد صفة
اإلذعان جمرد غياب قدرة املتعاقد عىل مناقشة بنود العقد .بمعنى أنه ليس الزما رشط توافر
119
االحتكار للسلعة أو اخلدمة من جانب أحد املتعاقدين من أجل االعرتاف بكون اآلخر يف
موضع اإلذعان له وإنام يكفي أن ينفرد أحد األطراف بوضع رشوط التعاقد مسبقا ،وذلك
120
وما يميز هذه العقود أيضا هو غياب التوازن االقتصادي بني مركزي املتعاقدين .وعىل
حد تعبري بعض الفقه أن سبب نشأة عقود اإلذعان يرجع إىل قيام قوى هائلة 122
اقتصاديا باتت تتحكم يف أرزاق الناس أو فيام تقتضيه حياهتم من سلع رضورية أو
118 MALINVAUD Philippe : Droit des obligations, les mécanismes juridiques des relations
économiques, Litec/ Paris, 1990, P :35.
BERLIOZ G. : Le contrat d’adhésion, L.G.D.J. 1976, 2ème édition, P:27.
BRICKS Hélène : Les clauses abusives ; Librairie générale de droit et de jurisprudence, Paris, 1982,
P:9.
أمحد عبد الرزاق السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد ،املجلد األول ،نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام ،مصادر االلتزام،
مرجع سابق ،ص.247:
119 MOUMMI Saad : Droit civil, droit des obligations en droit comparé français et marocain, édition
61
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
خدمات الزمة ،وقد توصلت إىل ذلك من خالل االحتكار الذي يقيض عىل املنافسة.
والنتيجة التي ترتبت عىل هذا االحتكار هي انفراد هذه القوى املحتكرة بوضع رشوط
التعاقد وبنوده ،وال تقبل من املتعاقدين معها مناقشة هلذه البنود أو االعرتاض عليها 123
بحيث ال يكون أمامهم سوى قبول بنود العقد برمتها أو رفض التعاقد.
لذلك فإن االجتاه السائد اآلن يف الفقه والقضاء الفرنسيني أصبح يرى أن
الالمساوة يف القوة االقتصادية يف عقد اإلذعان ليس من الرضوري أن تكون نتيجة
احتكار أو حتى نتيجة قوة اقتصادية ضخمة ،فكل مهني يستطيع من خالل وضعه أن
124
يفرض رشوطه عىل زبنائه ولو مل يكن ذلك إال ألهنا مماثلة بشكل حمسوس لرشوط
منافسيه .وهذا ما دفع الفقه الفرنس إىل تعريف عقد اإلذعان عىل أنه انضامم لعقد
نموذج حيرره أحد املتعاقدين بصورة أحادية اجلانب وينضم إليه املتعاقد اآلخر بدون
إمكانية حقيقية لتعديله .ومن ثم ،يتضح لنا أن الفقه والقضاء الفرنسيي يعتربان 125
.104ويف الوقت الذي أغفل فيه املرشع املغريب ،عىل غرار نظريه الفرنس ،التطرق
لعقود اإلذعان ،فإن العديد من الترشيعات العربية التي تأثرت يف جانب مهم منها 127
باملدرسة اجلرمانية أوردت العديد من القيود واألحكام التي هتدف إىل محاية الطرف
املذعن ،من ذلك املرشع املرصي الذي تناول مسألة القبول يف عقود اإلذعان يف املادة 128
100من القانون املدين ،بينام تناول سلطة القايض إزاء هذه العقود يف املادة 149من
نفس القانون وبعدها تناول قواعد تفسري هذه العقود عند الشك يف العبارات الغامضة
يف املادة 151من القانون املدين.
لعل الذي هيمنا من هذه املواد يف موضوعنا هذا ،أن املرشع املرصي مل يقف
مكتوف األيدي أمام الرشوط التي يضعها املذعن يف مواجهة املذعن ،وإنام تدخل
حلامية الطرف املذعن وذلك من خالل أمرين أساسيي؛ األمر األول ،يتجىل يف تلك
123 MALAURIE Ph. et AYNES L. : Droit civil, les obligations, op.cit, P:186.
124 GHESTIN Jacques : La formation du contrat, op.cit, P:97.
125 GHESTIN Jacques : Op.cit, P:96.
126 GHESTIN Jacques : Op.cit, P:453.
127إدريس الفاخوري :محاية املستهلك من الرشوط التعسفية ،املجلة املغربية لالقتصاد والقانون ،ع ،3:يونيو ،2001ص.78:
128عبد املنعم فرج الصدة :يف عقود اإلذعان يف القانون املرصي ،مطبعة جامعة فؤاد األول.1946 ،
62
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
السلطة التقديرية التي خوهلا املرشع لقايض املوضوع يف إعفاء الطرف املذعن من هذه
الرشوط أو تعديلها بحسب ما تقتضيه العدالة ،فقد جاء يف املادة 149من القانون املدين
املرصي ما ييل" :إذا تم العقد بطريق اإلذعان ،وكان قد تضمن رشوطا تعسفية ،جاز
للقايض أن يعدل هذه الرشوط أو أن يعفي الطرف املذعن منها ،وذلك وفقا ملا تقيض
به قواعد العدالة ،ويقع باطال كل اتفاق عىل خالف ذلك" .وهذا النص عىل حد تعبري
الفقيه عبد الرزاق السنهوري هو أداة قوية يف يد القايض حيمي هبا املستهلك من
الرشوط التعسفية التي تفرضها عليه رشكات االحتكار .
129
أما األمر الثان أو الشكل الثاين من احلامية الذي اعتمده املرشع املرصي ،فهو ما
جاء يف املادة 151من القانون املدين املرصي :1" :يفرس الشك يف مصلحة املدين.
:2ومع ذلك ال جيوز أن يكون تفسري العبارات الغامضة يف عقود اإلذعان ضارا
بمصلحة الطرف املذعن" .بمعنى ،أن الشك يفرس يف مصلحة الطرف املذعن سواء
كان دائنا أو مدينا ،وذلك بخالف ما ورد يف الفصل 473من ق.ل.ع .الذي جاء فيه 130
عىل أنه عند الشك يفرس االلتزام باملعنى األكثر فائدة للملتزم دون اإلشارة إىل أي
131
استثناء السيام حينام يتعلق األمر باملذعن ،ألنه يفرتض أن العاقد اآلخر وهو أقوى
العاقدين يتوافر له من الوسائل ما يمكنه من أن يفرض عىل املذعن عند التعاقد رشوطا
واضحة بينة ،فإذا مل يفعل ذلك أخذ بتقصريه ومحل تبعته ألنه يعترب متسببا يف هذا
الغموض من جهة كام ورد يف املذكرة اإليضاحية للمرشوع التمهيدي هلذا القانون .
132
بصفة عامة ،فقد ظهرت العديد من التربيرات هلذه القاعدة ،منها أن األصل براءة
الذمة وااللتزام استثناء وهذا األخري ال يتوسع فيه ،إضافة إىل أن االلتزام يمليه الدائن
املذعن ال املدين املذعن فإذا ما أماله غامضا ومبهام فإنه يتعني أن يتحمل تبعة
129عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد ،املجلد األول :نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام ،منشورات
احللبي احلقوقية ،بريوت/لبنان ،1998 ،ص.250:
130العريب مياد :إشكالية الرتايض يف عقود اإلذعان .أطروحة دكتوراه ،جامعة حممد اخلامس ،الرباط /أكدال.2002 ،
فؤاد حممود معوض :دور القايض يف تعديل العقد ،دراسة حتليلية وتأصيلية يف الفقه اإلسالمي والقانون املدين املرصي ،مرجع سابق ،ص.261:
131إدريس العلوي العبدالوي :رشح القانون املدين ،نظرية العقد ،مطبعة النجاح اجلديدة /الدار البيضاء،1981 ،ص.596:
حممد شيلح :تأويل العقود يف قانون االلتزامات والعقود ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة يف القانون اخلاص /الرباط ،1995 ،ص.738:
132عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد ،املرجع السابق ،ص.250:
63
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
تقصريه ويتعني بناء عىل ذلك أن يفرس الشك ملصلحة املذعن دائنا كان أم مدينا .
134 133
.105وقد أحسن املرشع املغريب مؤخرا ،من خالل القانون رقم 31.08املتعلق
بتحديد تدابري حلامية املستهلك ،حيث جعل التفسري يف حالة الشك ينبغي أن يكون 135
باملعنى األكثر فائدة للمستهلك ،وهو األمر الذي سبق لنا أن طالبنا به يف العديد من
املناسبات؛ ذلك أنه بالرجوع للامدة التاسعة من هذا القانون نجدها نصت عىل ما ييل:
" فيام يتعلق بالعقود التي حيرر مجيع أو بعض رشوطها املقرتحة عىل املستهلك كتابة،
جيب تقديم هذه الرشوط وحتريرها بصورة واضحة ومفهومة .ويف حالة الشك حول
مدلول أحد الرشوط ،يرجح التأويل األكثر فائدة بالنسبة إىل املستهلك".
بذلك يكون املرشع املغريب بمقتىض هذا القانون قد سار عىل غرار العديد من
الترشيعات احلديثة كام يتضح لنا من خالل املادة اخلامسة من التوجيهة األوروبية رقم
13.93لسنة ،1993والتي جاء فيها عىل أنه "يف حالة الشك يف معنى رشط ما يفرس
الشك ملصلحة املستهلك" .بمعنى ،أن جمال محاية عديم اخلربة من خالل قواعد
التفسري قد أصبح واسعا ،وهذا ما أكدته أيضا املادة 355من قانون 10فرباير 1978
الفرنس املتعلق بإعالم ومحاية املستهلك ،والتي تسمح للقايض بإبطال أي رشط يف
عقود اإلذعان يؤدي إىل اإلرضار بمصلحة املستهلك أو عديم اخلربة ،أي يؤدي إىل
اإلخالل اجليل يف التوازن يف حقوق املتعاقدين والتزاماهتم .
136
.106خالصة ما سبق ،أن الشك يفرس ملصلحة عديم اخلربة يف عقود اإلذعان
سواء كان مدينا أم دائنا ،ويرجع السبب يف ذلك أن الطرف املذعن مل يشرتك يف صياغة
عبارات العقد فال يسأل عن غموضها ،اليشء الذي سيدفع بدون أدنى شك املهني
باعتباره الطرف القوي والذي ينفرد بصياغة عبارات العقد حتري أكثر قدر ممكن من
الدقة والوضوح عند حتريره للعقد.
64
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
ذلك الذي يميز بني العقود املهنية والعقود االستهالكية .فالعقد املهني هو الذي يتم
138
إبرامه بني املهنيني أو املحرتفني بني بعضهم البعض ،حيث هناك نوع من التوازن؛ بينام
العقد االستهالكي يربط بني طرف مهني واآلخر غري مهني وهو املستهلك. 139
.108باعتبار أن الوضع الضعيف الذي يتواجد فيه هذا األخري ،أي املستهلك،
هو الذي كان وراء تزايد االهتامم هبذا النوع األخري من العقود؛ فإن حتديد مفهوم
املستهلك نفسه ،عرف تغريا مهام نتيجة التطور الذي شهده قانون محاية املستهلك،
ويمكن القول أن هناك اجتاهي برزا بخصوص هذا املفهوم؛ االجتاه األول يرى أن
للمستهلك مفهوما واسعا ،بمعنى أنه يعترب مستهلكا كل شخص يتعاقد بغرض
االستهالك ،أي أنه يعترب مستهلكا حتى املهني الذي يترصف خارج اختصاصه.
بينام حياول االجتاه الثان التضييق أكثر ما يمكن من املفهوم األول؛ وبحسب هذا
الرأي الثاين ،فإن املستهلك هو الشخص الذي يقتني أو يستعمل األموال أو اخلدمات
137 MALAURIE Philipe et AYNES Laurent : Les contrats spéciaux, Defrénois, Paris, 2003, P:38 et 595.
BENABAENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, op.cit, P:8 et 9.
عبد احلميد أخريف :الدليل القانوين للمستهلك ،عقود االستهالك :البيع يف املوطن –التعاقد عن بعد– العقد اإللكرتوين .دراسة يف ضوء
مشاريع القوانني املغربية املتعلقة بح امية املستهلك وبالتبادل اإللكرتوين للمعطيات والقوانني الدولية املقارنة ،مشفوعة بقاموس عريب فرنس
ألهم املصطلحات القانونية املرتبطة باملوضوع .مطبعة أميمية /فاس ،الطبعة األوىل ،2006 /ص 3 :و.4
حممد بودايل :محاية املستهلك يف القانون املقارن ،دراسة مقارنة مع القانون الفرنس .دار الكتاب احلديث ،2006 ،ص.38:
138هناك من يميز بني العقود املتوازنة وعقود االستهالك .ويقصد بالعقد املتوازن هو ذلك العقد الذي يربم بني طرفني متكافئني ،كام يتمتعان
بنفس مستوى املعرفة التقنية ملحل التعاقد.
عبد احلق صايف :القانون املدين ،اجلزء األول :املصدر اإلرادي لاللتزامات ،العقد ،الكتاب األول :تكوين العقد ،مرجع سابق ،ص.95:
بحسب الفقيه املغريب حممد احلبيب التجكاين ،فإن محاية املستهلك تعني استعامل املجتمع املسلم لوسائل رشعية حتفظ مصلحة املستهلك، 139
اآلنية واملستقبلية ،يف املواد ،ويف املشا هد والصور ،ويف أدوات املعرفة والتوجيه واإلحياء ،ويف هذا السياق حرصت احلضارة اإلسالمية عىل توفري
احلامية الالزمة للمستهلك يف كل هذه املجاالت؛ ويستشهد مضيفا بقوله لإلمام أمحد رمحه اهلل الذي ذهب فيها "يأمر املحتسب باجلمعة،
واجلامعات ،يصدق احلديث ،وأداء األمان ات ،وينهي عن املنكرات من الكذب ،واخليانة وما يدخل يف ذلك من تطفيف املكيال ،وامليزان والغش
يف الصناعات والبياعات والديانات ونحو ذلك".
حممد احلبيب التجكاين :مفهوم املسستهلك ووسائل محايته يف اإلسالم .يوم درايس حتت عنوان :محاية املستهلك بني الرشيعة والقانون4 ،فرباير
،2002جامعة حممد األول -كلية األداب والعلوم اإلنسانية/وجدة ،منشورات كلية األداب والعلوم اإلنسانية ،رقم ،77سلسلة ندوات
ومناظرات ،2003 ،26ص.9:
65
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
إلشباع حاجاته الشخصية أو العائلية ؛ بمعنى آخر هو كل شخص يترصف لغرض 140
غري مهني .وبحسب هذا الفريق الثاين ،فاملعيار الذي ينبغي اعتامده هو معيار الغرض 141
من الترصف حيث ال يمكن اعتبار من يقتني ماال أو خدمة لغرض مزدوج أي مهني
وآخر غري مهني بمثابة مستهلك .
142
أمرا مبالغا فيه ،فإننا ال نؤيد هذا الطرح يف العديد من املناسبات كام هو الشأن
145 144
بالنسبة للسائح الطرف الضعيف يف العقد السياحي الذي يمكن أن يكون مهنيا
146
140حممد احلبيب التجكاين :مفهوم املستهلك ووسائل محايته يف اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.9:
141بوعبيد عبايس :مفهوم ا ملستهلك عىل ضوء العمل التمهيدي ملرشوع قانون محاية املستهلك ،املجلة املغربية لالقتصاد والقانون املقارن؛ ع37:
( ،)2002ص 175:إىل ص.178:
MESTRE (J.) : Des notions du consommateur, Rev. Trim. Dr. Civ. 1989, P:62.
PIZZIO J. P. : L’introduction de la notion du consommateur en droit français, Dalloz, 1982,
Chronique 91.
142يف هذا الصدد يرى الباحث بوعبيد عبايس أنه ليس من املؤكد أن املهني الذي يترصف خارج نطاق اختصاصه يكون غري قادر عىل محاية نفسه
كاملستهلك البسيط ،صحيح أن األمر خيتلف بحسب احلاالت بطبيعة احلال ،ولكن يبدو بصفة عامة أن الشخص الذي يترصف بناء عىل جمموعة
من العوامل واملربرات املحددة لسلوكه أكثر من ذلك الذي يترصف هبدف إشباع حاجاته الشخصية أو العائلية ،وهكذا فهو يستطيع الدفاع عن
نفسه أكثر من غريه.
بوعبيد عبايس :مفهوم املستهلك عىل ضوء العمل التمهيدي ملرشوع قانون محاية املستهلك ،مرجع سابق ،ص.183:
143أبو العال عيل أبو العال النمر :محاية املستهلك يف العالقات اخلاصة ذات الطابع الدويل ،دار النهضة العربية /الطبعة األوىل ،2004 ،ص.5:
PAISANT (G.) : Essai sur la notion de consommateur en droit positif, Op.cit, 3655.
144بوعبيد عبايس :مفهوم املستهلك عىل ضوء العمل التمهيدي ملرشوع قانون محاية املستهلك ،مرجع سابق ،ص.183:
145يف الواقع هناك صعوبة يف حتديد مفهوم املستهلك ،وهلذا السبب أقدمت بعض االتفاقيات الدولية عىل وضع تعريف ملفهوم املستهلك حماولة
منها إلزالة هذا الغموض ،ومن هذه االتفاقيات نشري إىل اتفاقية روما ل 19يونيو ( 1980املادة اخلامسة منها) املتعلقة بالقانون الواجب التطبيق
عىل االلتزامات التعاقدية.
أبو العال عيل أبو العال النمر :محاية املستهلك يف العالقات اخلاصة ذات الطابع الدويل؛ مرجع سابق ،ص.6:
146هو نفس املوقف الذي دافع عنه الفقيه الفرنس فرييه ديدييه ،الذي ذهب إىل أن املفهوم الواسع للمستهلك هو الذي ينسجم مع غايات قانون االستهالك؛
فإذا كانت احلامية تربرها وضعية الضعف التي يوجد فيها املتعاقد فال هيم بعد ذلك الغاية من الترصف الذي يربمه هذا األخري ،فاملهني الذي يترصف خارج
نطاق نشاطه املهني يستحق احلامية إذن ،إنه يعترب غري مهني يف هذه احلالة ،بمعنى أنه جاهل ،عىل الرغم من أنه ال يتعاقد من أجل تلبية مصلحة صفة شخصية.
=
66
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الدائر حول إمكانية شمول مفهوم املستهلك للشخص املعنوي .فبينام رأى البعض
148
بأنه ال مانع أن يكون شخصا طبيعيا أو معنويا ،ذهب البعض اآلخر إىل أنه ال يتصور
149
إال أن يكون شخصا طبيعيا .حيث تبنى القانون رقم 31.08القايض بتحديد تدابري 150
حلامية املستهلك املوقف األول ،كام يتضح لنا من التعريف الذي خصصه للمستهلك
بمقتىض املادة الثانية منه ،التي جاء فيها "يقصد باملستهلك كل شخص طبيعي أو
معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غري املهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات
معدة الستعامله الشخيص أو العائيل".
.112خالصة القول ،إن املرشع املغريب أحسن بتبنيه للقانون رقم 31.08القايض
بتحديد تدابري حلامية املستهلكني؛ حيث إنه بالرجوع لديباجته نستشف مالحظتي
أساسيتي؛ األوىل ،إقراره بأن هذا القانون هو جمرد إطار مكمل للمنظومة القانونية يف
جمال محاية املستهلك؛ أما املالحظة الثانية ،فتتمثل يف األهداف التي جاء من أجلها هذا
القانون ،حيث عرب عن ذلك ،بكون أحكامه جاءت من أجل تعزيز احلقوق األساسية
للمستهلك ،خاصة تلك املتمثلة يف:
احلق يف اإلعالم؛ -
احلق يف محاية حقوقه االقتصادية؛ -
احلق يف التمثيلية؛ -
احلق يف الرتاجع؛ -
احلق يف االختيار؛ -
احلق يف اإلصغاء إليه. -
67
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عدة عمليات أو أداءات قانونية خمتلفة اندجمت مع بعضها لتحقيق غرض واحد كام هو
152
جيمع االتفاق بني عقدين أو جمموعة من العقود التي يكفي أحد منها يف حالة
انعقاده منفصال لتحقيق هدف معني لو مل يفقد ذاتيته اخلاصة ومن ثم يندمج يف
االتفاق الذي يكون له طبيعته املستقلة عن العقود املكونة له ،أو لو مل يكن االتفاق
متضمنا ملجموعة عقود يكون أحدها هو االتفاق األسايس الذي يفرس غالبية
151أمحد عبد الرزاق السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد ،املجلد األول ،نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام ،مصادر
االلتزام ،مرجع سابق؛ ص.169:
حممد صربي السعدي :رشح القانون املدين اجلزائري ،النظرية العامة لاللتزامات ،مصادر االلتزام -الترصف القانوين ،العقد واإلرادة املنفردة،
دار اهلدى /عني مليلة /اجلزائر ،الطبعة الثانية ،2004/ص.53:
LAMOUREUX Marie : L’aménagement des pouvoirs du juge par les contractants, recherche sur un
possible imperium des contractants, Presse Universitaire D’AIX-MARSEILLE, 2006, P:101.
DELEBECQUE Philippe et PANSIER Frédéric-Jérome : Droit des obligations, contrat et quasi-contrat,
3ème édition, Litec, Paris/2003, P :12.
MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Les contrats spéciaux, édition Cujas, 1992, P:17.
152عصام سليم وحممد قاسم :مبادئ القانون ،دار اجلامعة اجلديدة للنرش ،اإلسكندرية ،1993 ،ص.261:
153جالل العدوي :أصول االلتزام ،القاهرة ،1997 ،ص.35:
68
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بناء عىل ذلك ،فإنه حتى نكون إزاء عقد مركب جيب أن تندمج العقود الداخلة يف
هذا االتفاق يف كل واحد ،بحيث يعد كل منها سببا إلبرام اآلخر ،ولكون العقد املركب ال
يقوم إال بإبرام كل هذه العقود ،فإذا مل يتم إبرام أحدها فإن العقد املركب ال تقوم له قائمة،
لكون أطرافه مل يقبلوا عىل هذه االتفاقات إال بسبب العقد يف كليته ولتحقيق اهلدف منه،
ومن ثم فإذا ما تعرضت إحدى هذه االتفاقات للبطالن فإن العقد يبطل يف جمموعه.
.116قبل االنتهاء من هذا املطلب ،ينبغي عدم اخللط بي العقد املركب ونظرية
العمل املختلط التي تناوهلا املرشع املغريب بمقتىض مدونة التجارة اجلديدة ؛ والعربة يف
155
العمل املختلط ال تكمن يف وقوعه بني تاجر وغري تاجر ،وإنام تكمن يف الصفة التي
يكتسبها العمل بالنسبة لكل واحد من الطرفني املتعاملني عىل حدة .ومن ثم نرى أن
املقصود بالعمل املختلط هو ذلك العمل الذي يعترب جتاريا بالنسبة ألحد طرفيه ومدنيا
بالنسبة للط رف اآلخر ،كاملزارع الذي يبيع منتجات حيواناته من ألبان إىل تاجر املواد
154عصام أنور سليم :عدم جتزئة العقد يف الفقه اإلسالمي ،منشأة املعارف /اإلسكندرية ،1991 ،ص.54:
155ظهري رشيف رقم 1.96.83صادر يف 15من ربيع األول( 1417فاتح أغسطس) بتنفيذ القانون رقم 15.95املتعلق بمدونة التجارة.
69
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الغذائية ،واملوظف الذي يشرتي أجهزة منزلية أو مالبس رياضية من تاجر .
156
.117ويثري العمل املختلط بصفة عامة صعوبة فيام يتعلق باملحكمة املختصة والقانون
الواجب التطبيق عىل هذا النزاع .ففيام يتعلق بالصعوبة األوىل ،فإنه ينظر إىل طبيعة العمل
بالنسبة للمدعى عليه ،فإن كان العمل بالنسبة للمدعي جتاريا وبالنسبة للمدعى عليه مدنيا
جيب رفع الدعوى أمام املحكمة املدنية أما إذا كان العمل مدنيا بالنسبة للمدعي وجتاريا
بالنسبة للمدعى عليه جاز رفع الدعوى أمام املحكمة التجارية أو املدنية.
تطبيقا لذلك ،فإنه إذا رفع تاجر دعوى عىل أحد زبائنه املستهلكني ملطالبته بقيمة ما تم
توريده إليه وجب عليه رفع تلك الدعوى أمام املحكمة املدنية ،أما إذا كانت الدعوى
مرفوعة من الزبون املستهلك عىل التاجر بخصوص نزاع حول قيمة البضائع التي وردت
إليه ،فإن املدعي املستهلك له اخليار بني رفع الدعوى أمام املحكمة التجارية أو املدنية.
أما فيام يتعلق بالقانون الواجب التطبيق عىل العمل املختلط ،فإنه ينظر إىل طبيعة النزاع
وليس للمحكمة املختصة ،بمعنى أن القانون املدين يطبق عىل اجلانب املدين من العملية حتى
ولو كان النزاع معروضا أمام املحكمة التجارية كام يطبق القانون التجاري عىل اجلانب
التجاري منها .وهو املبدأ الذي كرسته املادة الرابعة من مدونة التجارة ،التي جاء فيها" :إذا
كان العمل جتاريا بالنسبة ألحد املتعاقدين ومدنيا بالنسبة للمتعاقد اآلخر ،طبقت قواعد
القانون التجاري يف مواجهة الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه جتاريا ،وال يمكن أن يواجه
هبا الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه مدنيا ،ما مل ينص مقتىض خاص عىل خالف ذلك".
بحسب هذه النظرية ،فإن الطرف املدن يمكن له أن يستفيد من قواعد القانون
املدن د ون أن يستطيع التاجر أن حيتج عليه بقواعد القانون التجاري ،يف الوقت الذي
يستطيع هو االحتجاج هبا ،ومن ثم االستفادة بمجموعة من املزايا كقاعديت حرية
اإلثبات يف املادة التجارية وافرتاض التضامن بني التجار التي نص عليهام تباعا
الفصلني 334و 335من مدونة التجارة املغربية ،حيث جاء يف األول "ختضع املادة
التجارية حلرية اإلثبات .غري أنه يتعني اإلثبات بالكتابة إذا نص القانون أو االتفاق عىل
ذلك" ،بينام جاء يف الثاين "يفرتض التضامن يف االلتزامات التجارية".
156إن األعامل املختلطة التي تقع يف احلياة العملية تعترب كثرية ومن تم ال يمكن حرصها .ويف مجيع األحوال ،فإن العربة يف حتديد العمل املختلط
تعود لصفة العمل ذاته ،ذلك أنه ال يشرتط يف العمل املختلط أن يكون أحد طرفيه تاجرا ،فمثال عقد البيع الذي يربمه شخصني مدنيني ،يبيع
أحدمها شيئا ورثه ويشرتي اآلخر بقصد بيعه لريبح ،عمل جتاري خمتلط ،ولو أن الطرفني ال يعتربان تاجرين.
70
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
باألوىل157العقود التي تنتج آثارها القانونية حلظة إبرامها ،بالرغم من تأخر التنفيذ
يف بعضها ما دام أن الزمن ليس عنرصا أساسيا فيها .ومن أبرز األمثلة عىل ذلك
عقد البيع الذي يعترب عقدا فوريا سواء كان موضوعه بيع منقول أو عقار وسواء
أكان تسليمه يتم فورا أو يتطلب ذلك وقتا معينا حلاجة البائع إىل مدة معينة
إلعداد الوثائق الالزمة مثال لتسجيله باملحافظة العقارية أو حاجة املشرتي إىل
بعض الوقت لتوفري السيولة املالية املوازية للثمن.
بخالف العقود الفورية ،فإن العقود الزمنية 158هي التي يكون فيها لعامل
157العقد الفوري ،ويقال له أيضا العقد ذو التنفيذ الفوري ،هو العقد الذي ال يقوم يف تنفيذه عىل فكرة الزمن :فهو يرمي إىل إشباع حاجة تتطلب
اإلشباع دفعة واحدة .فال يكون الزمن عنرصا جوهريا يف تنفيذه ،سواء تم هذا التنفيذ فورا أو تراخى إىل أجل أو آجال متتابعة .فعقد البيع مثال
عقد فوري التنفيذ ،سواء كان الثمن (أو املبيع) يقدم فورا أو كان مؤجال أو كان مقسطا.
ذلك ألن الزمن ال يدخل يف هذا العقد إال باعتباره عنرصا عرضيا ،وذلك بإحدى طريقتني:
)1قد يتدخل الزمن بإرادة املتعاقدين .فبدال من أن ينفذ العقد فورا يتفق املتعاقدان ع ىل تأجيل التنفيذ إىل وقت الحق ويظل هذا التنفيذ فوريا رغم كونه
مؤجال ،ألن األجل هنا حيدد وقت التنفيذ وال يتحدد به مقدار األداء .كأن يتفق يف عقد البيع عىل تأجيل الثمن ،أو عىل تأجيل تسليم املبيع.
وقد تتعدد اآلجال ،وذلك عندما يتفق عىل تنفيذ األداء عىل فرتات ،فيكون العقد منجم التنفيذ .كأن يتفق يف عقد البيع عىل تقسيط الثمن ،أو عىل
تسليم املبيع عىل دفعات .وحينئذ تكون هذه اآلجال أيضا ،كام يف احلالة السابقة ،عنارص عرضية يف العقد ،ال يتحدد هبا مقدار الثمن أو املبيع وإنام
يتحدد هبا وقت التنفيذ.
)2وقد يتدخل الزمن رغ م إرادة املتعاقدين ،فيكون األجل حينئذ رضوريا .وذلك إذا كانت النتيجة املقصودة يستغرق حتقيقها مدة من الزمان.
كأن يتعاقد شخص مع مقاول عىل بناء منزل ،إذ ال بد هلذا البناء من أن يستغرق زمنا ،ومن ثم يكون األجل إجباريا .ومع ذلك يظل هذا األجل
عنرصا عرضيا ،كام يف ح الة االتفاق االختياري ،ألن الزمن حينئذ ال يقاس به املعقود عليه .فمدة التنفيذ هنا ال يقابلها إشباع مستمر ،وال أثر هلا
يف زيادة الفائدة املقصودة أو نقصها".
عبد املنعم فرج الصدة :مصادر االلتزام؛ رشكة مكتبة ومطبعة مصطفى احللبي وأوالده بمرص؛ 1960؛ ص.72:
158ذهب الفقيه عبد املنعم فرج الصدة إىل أن املقصود هبا "عقد املدة ،ويقال له أيضا العقد الزمني أو العقد ذو التنفيذ املمتد ،هو العقد الذي
يكون الزمن عنرصا جوهريا يف تنفيذه ،فيكون هو ا ملقياس الذي يقدر به حمل العقد .فهو يرمي إىل إشباع حاجة ال يمكن إشباعها إال مقرتنة
بمدة .فعقد اإلجيار عقد مدة ألنه يرد عىل املنفعة ،والزمن عنرص جوهري يف تنفيذه ألنه هو الذي حيدد مقدار هذه املنفعة ،إذ ال يتصور أن ينفذ
املؤجر التزامه بتمكني املستأجر من االنت فاع ملدة سنة يف حلظة واحدة ،بل ال بد من أن يستغرق هذا التنفيذ سنة كاملة.
ويرد عقد املدة إما عىل أداءات مستمرة ،أو أداءات دورية:
) 1فاألداءات املستمرة ال يمكن تصورها إال مقرتنة بمدة ،إذ ال يمكن أن تقاس إال بالزمن .كام يف حالة التزام املؤجر بتمكني املستأجر من االنتفاع مدة
معينة ،والتزام العامل بالعمل مدة معينة .فاملدة هنا عنرص جوهري وأصيل ،إذ هي مقصودة لذاهتا وبذاهتا ،وليس جمرد عنرص عريض.
وهذه األداءات ال تكون إال مستمرة ،ألهنا جيب أن تؤدى بدون انقطاع طول املدة املتفق عليها .وهلذا كانت العقود املنشئة هلا عقودا ذات تنفيذ مستمر،
كعقد اإلجيار وعقد العمل ملدة معينة وعقد التأمني.
) 2واألداءات الدورية تتناول أشياء تقاس بحيز مكاين ،بحيث يمكن تنفيذها دفعة واحدة ،ولكن يتفق املتعاقدان عىل تكرارها مدة من الزمان إلشباع
حاجة تتكرر .فهي يف ذاهتا تقاس باملكان ،ولكن يتفق املتعاقدان عىل أن تقاس بالزمان .كام يف عقد التوريد حينام يلتزم مثال خباز بأن يورد أقة من اخلبز
كل يوم ،أو يلتزم بائع لبن بأن يورد رطلني من اللبن كل يوم.
=
71
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الزمن دور أسايس لقيام هذا النوع من العقود؛ بل يعترب مسألة وجود وعدم هلذا
النوع؛ وإذا كان الفقه عادة ما يمثل هلذه العقود بعقد الكراء ،وعقد الشغل وعقد
التوريد ،فإننا نرى أن هناك العديد من العقود التي أصبحت أمهيتها تتزايد بشكل
كبري تعترب هي األخرى عقود زمنية وبالتايل ينبغي ختصيصها بدراسات معمقة
السيام يف ظل إغفال تنظيمها من قبل املرشع املغريب كام هو الشأن بالنسبة لعقد
االشرتاك املائي الذي يعترب عقدا زمنيا ودوريا بامتياز.159
.119اليقترص التمييز بني العقد الزمني والعقد الفوري عىل مستوى التكوين ،بل
أيضا عىل مستوى النتائج والثار املرتتبة عىل كل واحد منهام؛ ولعل أمهها يف نظرنا
رسيان نظرية الظروف الطارئة عىل العقود الزمنية بالدرجة األوىل .ذلك أن العقد
الزمني يعترب املجال الطبيعي لتطبيق نظرية الظروف الطارئة دون العقد الفوري إال
160
إذا كان مؤجل التنفيذ .وهذا ما أشارت إليه املادة 1467من القانون املدين اإليطايل
املعدل عام ،1942والذي جاء فيه "يف العقود املستمرة أو الدورية أو املؤجلة التنفيذ إذا
أضحى التزام أحد املتعاقدين مرهقا إرهاقا فاحشا بسبب حوادث استثنائية ال يمكن
توقعها .فلهذا املتعاقد أن يطلب فسخ العقد ،ويسقط هذا الطلب إذا تقدم الطرف
اآلخر بقبول تسوية عادلة وفقا ألحكام املادة 1458مدين إيطايل" .
161
فاملعقود عليه يف عقد اإلجيار وعقد التوريد هو يشء يقاس بالزمن ولكنه يقاس يف عقد اإلجيار بالزمن طبيعة ،ويقاس يف عقد التوريد بالزمن اتفاقا.
عبد املنعم فرج الصدة :مرجع سابق؛ ص 73:و .74
عبد الرمحان الرشقاوي :عقد االشرتاك املائي بني مفهوم امللك العمومي للامء وهاجس محاية املستهلك ،الطبعة األوىل .2017 159
160عرف بعض الفقه نظرية الظروف الطارئة كام ييل" :يف العقود املرتاخية التنفيذ أي التي يمتد تنفيذها يف الزمن كعقد التوريد إذا طرأت ظروف
استثنائية غري متوقعة جتعل تنفيذها بالصورة التي تم االتفاق عليها مرهقا ومؤديا إىل إحلاق خسارة فادحة بأحد املتعاقدين جيب أن يباح إعادة
النظر يف االلتزامات املرتتبة عىل العقد لتعديلها بام يرجع اإلرهاق وحيول دون اخلسارة الفادحة".
مجيل الرشقاوي :النظرية العامة لاللتزام؛ مصادر االلتزام /الكتاب األول؛ دار النهضة العربية؛ .1976
161 « Contratto con prestazionicorrispettive.
72
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
وإذا كان املرشع املغريب مل يتطرق لنظرية الظروف الطارئة بشكل رصيح ،فإن
162
القضاء املغريب تعرض هلا يف العديد من املناسبات ،وإن كان موقفه خيتلف بني القضاء
اإلداري والقضاء العادي.حيث إن القضاء اإلداري أقر بنظرية الظروف الطارئة منذ
وقت مبكر من القرن املايض ،بمقتىض قرار ملحكمة االستئناف بالرباط بتاريخ 22
يوليوز ،1941تتعلق وقائعه بنزاع نشب منذ أواسط الثالثينات من هذا القرن بني
بلدية سال ومقاولة خاصة متخصصة يف إنجاز أشغال تتصل بمجاري عمومية.
يف مقابل هذا االجتاه يف جمال القضاء اإلداري ،فإنه يف جمال القانون اخلاص
يتضح استبعاد القضاء العادي لنظرية الظروف الطارئة ،مثله يف ذلك مثل القضاء
الفرنس قبل أن يقررها املرشع الفرنس بمقتىض األمر الصادر بتاريخ 10فرباير
2016كام سنرى الحقا ،فهو مستقر عىل أن االلتزامات التعاقدية املقامة عىل وجه
صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة ملنشئيها.
باختصار ،فإن القضاء العادي املغريب يميز بي االستحالة املطلقة التي تعرتض
تنفيذ العقد ،حيث تقيض بانقضاء العقد تطبيقا ألحكام القوة القاهرة تطبيقا للفصل
268من ق.ل.ع.م ،وجمرد الصعوبة املادية أو االقتصادية ،حيث تستلزم املحاكم
164 163
162يف مقابل املرشع املغريب الذي مل يتطرق هلذه النظرية ،فإن الفقه اإلسالمي أخذ بام يسمى بنظرية اجلوائح؛ ويف هذا الصدد ذهب الفقهي ابن
جزي إىل أن من اشرتى ثمرا فأصابته جائحة فإنه يوضع عنه من الثمن مقدار ما أصابته اجلائحة خالفا هلام ،وإنام يوضع برشطني:
أحدمها :أن تكون اجلائحة من غري فعل بني أدم كالقحط ،وكثرة املطر ،والربد ،والريح ،واجلراد وغري ذلك .واختلف يف اجليش والسارق.
الثاين :أن تصيب اجلائحة ثلث الثمر فأكثر .وقال أشهب ثلث قيمتها ،فإن أصابت أقل من الثلث مل يوضع عن املشرتي يشء ،وإذا أصابت الثلث
فأكثر لزم املشرتي قيمتها بعد حط ما أصابت اجلائحة وها هنا.
فروع أربعة :الفرع األول :إذا كانت اجلائحة من العطش فيوضع قليلها وكثريها سواء بلغت الثلث أم ال.
الفرع الثاين :إذا كانت اجلائحة يف البقل فيوضع قليلها وكثريها .وقيل :هو كسائر الثامر يوضع منه الثلث فام فوق.
الفرع الثالث :إذا بيع زرع بعد أن يبس ،واشتد أو ثمر بعد متام صالح مجيعه واستحقاقه للقطع ،ومل يكن يف تبقيته فائدة ،ثم أصابته جائحة مل
يوضع منها يشء.
الفرع الرابع :إذا كان املبيع من الثامر أجناسا خمتلفة كالعنب والتني يف صفقة واحدة فأصابت اجلائحة صنفا منها وسلم سائرها ،فجائحة كل جنس معتربة
بنفسه ،فإن بلغت ثلثه وضعت ،وإن قرصت عنه مل توضع .وقال أصبغ :يعترب باجلملة ،فإن كانت اجلائحة ثلث اجلميع وضعت وإال فال.
أيب القاسم حممد بن أمحد بن جزي الكلبي :القوانني الفقهية؛ ضبطه وصححه حممد أمني الضناوي؛ دار الكتب العلمية /بريوت؛ طبعة 2006؛
ص.196:
163حممد الكشبور :نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة ،دراسة من وحي حرب اخلليج؛ مطبعة النجاح اجلديدة /الدار
البيضاء؛ الطبعة األوىل1993/؛ ص.25:
164حممد الكشبور :نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة ،دراسة من وحي حرب اخلليج؛ مرجع سابق؛ ص.101:
73
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املغربية تنفيذ العقد ،ومتتنع األخذ بنظرية الظروف الطارئة ،من ذلك قرار حمكمة
االستئناف بالرباط بتاريخ 13يناير ،1950الذي جاء فيه بأنه "ال جيوز تعطيل القوة
امللزمة للعقد بدعوى أن االلتزامات الناجتة عنه قد أصبحت باهضة التكليف نتيجة
لظروف استثنائية غري متوقعة."...
.120زد عىل ذلك ،فإنه يرتتب عن اعتبار عقد ما بأنه زمني ما ييل:
-عدم انسحاب آثار الفسخ يف العقد الزمني عىل املايض ،ألن ما نفذ من العقد
165
ال يمكن إعادته .وهذا يرجع إىل كون الفقه أمجع عىل أهنا وحدها العقود الفورية
ينسحب آثر الفسخ فيها عىل املايض ،حيث يمكن إرجاع األطراف املتعاقدة إىل
الوضعية السابقة عىل عملية التعاقد ما دام ذلك ممكنا ،يف حني أنه يف العقود املستمرة
فإن إقرار الفسخ قد حيصل أثناء تنفيذ العقد ،األمر الذي يصعب مأمورية إرجاع
األطراف للوضع السابق.
-عدم إمكانية اعتامد وسيلة الدفع بعدم التنفيذ يف العقد الزمني مقارنة بالعقد
الفوري؛ ما دام أن القاعدة تفرض عىل امللتزم بالتزام مستمر أن يقوم بتنفيذ التزامه
أوال ،ومن ثم فهو ال يستطيع أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيذ عىل األقل يف هذه
املرحلة ،أي بالنسبة ألول أداءين متقابلني.
165
; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P :97.
74
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
حيث يستطيع البائع معرفة الثمن الذي سيأخذه ،يف الوقت الذي يمكن فيه للمشرتي
هو اآلخر معرفة املبيع الذي يكون حمددا عند إبرام عقد البيع ،أو عىل األقل قابال
للتحديد حتت طائلة بطالن العقد.
أما العقد االحتاميل ،فهو العقد الذي يتوقف فيه مقدار األداء الواجب عىل أحد
املتعاقدين عىل حتقق أمر غري حمقق احلدوث ،أو غري معروف يف أي وقت يقع أو
حيدث ؛ ومن ثم ،فإن كل طرف من أطراف العقد االحتاميل ال يستطيع أن حيدد وقت 167
متامه وانعقاده القدر الذي أخذ أو القدر الذي أعطى ،عىل اعتبار أن ذلك متوقف عىل
أمر احتاميل غري حمقق احلصول أو غري معروف وقت حصوله؛ من قبيل ذلك التأمني
ضد الرسقة أو احلريق.
.122تربز األمهية العملية للتمييز بني العقود املحددة والعقود االحتاملية عىل
مستوى النتائج القانونية التالية:
أوال :ينحرص تطبيق نظرية الغبن بالنسبة للعقود املحددة دون العقود
االحتاملية ؛ ذلك أن هذه األخرية تقوم عىل أساس احتامل حصول تفاوت كبري بني 168
166 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.cit ; P :22.
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P :94.
167ياسني حممد اجلبوري :الوجيز يف رشح القانو ن املدين؛ اجلزء األول :مصادر احلقوق الشخصية ،مصادر االلتزامات ،دراسة موازنة؛ دار الثقافة
للنرش والتوزيع /عامن؛ 2011؛ ص.66:
GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.cit ; P :22.
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P :95.
; 168 FLOUR Jacques et AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : droit civil ; les obligations, l’acte juridique
75
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
ثانيا :تطبيق نظرية الظروف الطارئة عىل العقود املحددة دون العقود االحتاملية
بالنسبة للترشيعات التي اعتدت هبذه النظرية ،مادام أن طبيعة العقود األخرية ،أي
االحتاملية ،تقوم عىل أساس احتامل تعرض أحد املتعاقدين إىل خسارة فادحة كام يمكنه
أن يكسب ربحا كبريا.
169كان القانون الروماين يعرف ما يسمى بالعقد امللزم جلانبيي غري التام ،Contrat synallagmatique imparfaitكعقد وسط بني
العقد امللزم جلانبيني والعقد امللزم جلانب واحد؛ يف حني أن الصواب يقتيض منا القول بأن العقد امللزم جلانبيني غري التام إنام هو عقد ملزم جلانب
واحد ،أما ما نشأ من التزام بعد ذلك يف جانب الدائن ،فإنه مل ينشأ من العقد وإنام من مصدر آخر.
76
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املتعاقدين وتطابقهام.
.125عموما ،فإن أمهية التمييز بني العقود امللزمة جلانبني والعقود امللزمة جلانب
واحد ،تربز عىل مستوى النتائج التالية:
أوال :إمكانية استعامل الدفع بعدم التنفيذ يف العقود امللزمة جلانبني دون العقود
امللزمة جلانب واحد .ونرى أن هذه النتيجة تعترب أمرا طبيعيا ومنطقيا ،مادام أنه يف
171
النوع الثاين من العقود يوجد فقط طرف واحد هو الذي يقع عليه تنفيذ االلتزامات
موضوع هذا العقد ،وبالتايل فإنه ال يمكن تصور التمسك بوسيلة الدفع من قبل
الطرف اآلخر الغري املتحمل أصال بأي التزام.
وقد نص املرشع املغريب عىل جواز التمسك هبذه الوسيلة بالنسبة للعقود امللزمة
جلانبني فقط بمقتىض الفصل 235من ق.ل.ع .الذي جاء فيه" :يف العقود امللزمة
للطرفني ،جيوز لكل متعاقد منهام أن يمتنع عن أداء التزامه ،إىل أن يؤدي املتعاقد اآلخر
التزامه املقابل ،وذلك ما مل يكن أحدمها ملتزما ،حسب االتفاق أو العرف ،بأن ينفذ
نصيبه من االلتزام أوال".
ثانيا :إمكانية اللجوء إىل ممارسة دعوى الفسخ بالنسبة للعقود امللزمة جلانبني دون
العقود امللزمة جلانب واحد ؛ حيث إن الغاية من طلب فسخ العقد هو ختلص أحد
172
األطراف من االلتزام املقابل الذي يقع عليه ،وهو األمر الذي ال يمكن تصوره بالنسبة
170JUBAULT Christian : Droit civil; les successions, les libéralités ; 2ème édition/
MONTCHRESTIEN/2010; P:499.
; 171 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
77
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
للعقد امللزم جلانب واحد ،حيث إن الدائن يف هذا النوع من العقود ليس له أي فائدة
من إيقاع الفسخ.
ثالثا :عدم إمكانية تصور التحمل بالضامن للعيب يف العقود امللزمة جلانب واحد،
لكوهنا أشبه بترصفات التربع التي ال ضامن فيها ،بخالف األمر بالنسبة للعقود امللزمة
جلانبني.
البيع ،الذي يلتزم فيه البائع بتسليم اليشء املبيع مقابل أخذه للثمن ،يف املقابل يلتزم
املشرتي بدفع الثمن كعوض لتسلمه املبيع .بل إن غالبية العقود تدخل ضمن دائرة
املعاوضة ،من قبيل الكراء ،والشغل ،والقرض واملقاولة.
تنبغي اإلشارة إىل مالحظة يف غاية األمهية ،هو أنه ليس من الرضوري أن يكون
عقد املعاوضة عقدا ملزما جلانبي ؛ من قبيل ذلك الوعد بالبيع أو الوعد بالرشاء امللزم
174
جلانب واحد ،للبائع بالنسبة للنوع األول وللمشرتي بالنسبة للنوع الثاين؛ ذلك أن عقد
الوعد هذا يعترب من عقود املعاوضة ،عىل اعتبار أن سبب التزام الواعد ،سواء بالبيع أو
بالرشاء ،هو احتامل انعقاد البيع يف املستقبل ،مع ما سيرتتب عن ذلك من التزامات
173 FLOUR ; Jacques et AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : droit civil ; les obligations, l’acte juridique
op.cit ; P :67.
174 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:19.
78
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أخرى ،هو العقد الذي ال يأخذ فيه أحد املتعاقدين عوضا ملا أعطاه؛ ومن أهم األمثلة
املتعلقة هبذا النوع من العقود ،نذكر عقد اهلبة والوديعة؛ ففي عقد اهلبة فإن الواهب
يلتزم بدفع اليشء حمل اهلبة دون أن يأخذ أي مقابل مادي عن ذلك؛ وأيضا يف عقد
الوديعة التي تعترب بدون أجر كقاعدة عامة ،كام يتضح لنا من خالل الفصل 790من
ق.ل.ع .الذي جاء فيه" :األصل يف الوديعة أن تكون بغري أجر ،ومع ذلك يستحق
املودع عنده أجرا إذا كان قد اشرتطه رصاحة ،أو إذا ظهر من ظروف احلال وعرف
املكان ،أن املتعاقدين قد قصدا ضمنا منح املودع عنده أجرا معينا .وتكون هذه القرينة
قانونية إذا كان من عادته تسلم الودائع بأجر".
أ :عىل مستوى تكوين العقد ،فإن خمتلف الترشيعات تتطلب يف عقود املعاوضة
أهلية أداء أقل من األهلية املتطلبة بالنسبة لعقود التربع ؛ ذلك أن املتربع ينبغي أن
176
يتوفر عىل األهلية الكاملة ،مادام أن هذا الترصف حيتمل من الناحية املادية أن يكون
ضارا بالنسبة له ،بينام املتربع له ال تتطلب الترشيعات توفره عىل األهلية الكاملة –مادام
أن الترصف نافع له نفعا حمضا-؛ أما بالنسبة لعقود املعاوضة فيكفي أن يكون الشخص
ناقص األهلية ،مادام أهنا دائرة بني النفع والرضر ،وإن كانت متوقفة عىل إجازة نائبه
175 ; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:91.
176 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:20.
79
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الرشعي حسب املصلحة الراجحة للمحجور ويف احلدود املخولة لكل نائب رشعي.
عىل مستوى تكوين العقد دائام ،فإنه يمكن تصور وقوع الغبن بالنسبة لعقود املعاوضة
دون عقود التربع ،مادام أن هذه األخرية تتم دونام مقابل ،يف حني أن الغبن يتطلب أن يكون
هناك تباين وتفاوت فاحش بني قيمة ما حصل عليه أحد املتعاقدين وبني ما أخذه.
ب :عىل مستوى املسؤولية ،فبخالف الوضع بالنسبة لعقد املعاوضة فإن امللتزم يف
عقد التربع تكون مسؤوليته أخف ،كام هو الشأن بالنسبة للواهب مقارنة بالبائع.
177
والسبب يف ذلك ،هو أن املعاوض يأخذ مقابال ملا يعطي ،يف حني أن الواهب يعطي
فقط وال يأخذ .ولذلك ،فإن الواهب ،بخالف األمر بالنسبة للبائع ،ال يتحمل بالضامن
بصفة عامة ،سواء كان يتعلق بضامن االستحقاق أو ضامن العيوب اخلفية.
املطلب الثالث :العقود الفردية والعقود اجلامعية
.129تناول جانب مهم من الفقه الفرنس هذا التمييز ضمن قائمة التصنيفات
178
التي ظهرت بعد صدور مدونة نابليون؛ فالعقد الفردي هو الذي تقترص آثاره القانونية،
طبقا ملبدأ نسبية آثار العقود ،عىل األطراف الذين وافقوا عليه ،سواء كان الطرف
املوجب أو القابل واحد أو متعدد .يف حني يقصد بالعقد اجلامعي Contrat
collectifذلك النوع من العقود الذي متتد آثاره إىل أشخاص آخرين مل يوافقوا عليه.
واملثال األبرز عىل ذلك االتفاقيات اجلامعية يف ميدان الشغل ،التي تربمها النقابة بالنيابة
عن األجراء ،فبنود هذا العقد تعد ملزمة للجميع بام يف ذلك األقلية التي عارضته.
.130لعل أمهية التمييز بني هاذين النوعني من العقود تربز عىل مستوى الثار
املرتتبة عن كل منهام؛ فالعقد الفردي ال تنرصف آثاره إال بالنسبة للمتعاقدين إضافة إىل
اخللف العام واخللف اخلاص وفق الرشوط املحددة طبقا ملبدأ نسبية العقد؛ يف حني أن
آثار العقد اجلامعي تنرصف إىل الذين أبرموا العقد وإىل كل شخص معني هبذا العقد،
كام هو الشأن بالنسبة لألجراء امللزمون باالتفاقية اجلامعية املربمة من قبل النقابة ،أي أنه
يرسي حتى عىل الذين عارضوا إبرامه.
177 FLOUR ; Jacques et AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : droit civil ; les obligations, l’acte juridique
op.cit; P:67.
178 FLOUR Jacques et AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : droit civil ; les obligations, op.cit ; P:72.
80
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
جمموعة من النصوص أو املواد التي تنظم أحكامها ،بينام املقصود بالعقود غري املسامة هي
التي أغفل املرشع وضع أحكام خاصة هبا .
180
.133إذا كان املرشع املغريب مل يقم بتعريف العقد املسمى والعقد غري املسمى ،فإن
هناك بعض الترشيعات التي قامت بتعريفهام؛ من ذلك ما ذهب إليه قانون املوجبات
والعقود اللبناين ،وذلك بمقتىض املادة 175منه ،التي جاء فيها" :تكون العقود مسامة 'أو
غري مسامة' (حسبام جاء يف األصل الفرنس للنص) حسبام يكون القانون قد وضع أو مل
يضع هلا تسمية وشكال معينني .وتطبق القواعد املقررة يف القسم األول من هذا القانون
179 BENABENT Alain : Droit civil, les obligations, 3ème édition, MONTCHRESTIEN/ Paris, 1991, P:11.
BENABENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, Montchrestien, 3ème
édition/1997, P:2.
DELEBECQUE Philippe et PANSIER Frédéric-Jérome : Droit des obligations, contrat et quasi contrat,
Op.cit, P:12.
MALINVAUD Philippe : Droit des obligations, les mécanismes juridiques des relations économiques,
op.cit, P:40.
أمحد عبد الرزاق السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد ،املجلد األول ،نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام ،مرجع سابق،
ص.167:
حممد عيل عمران :االلتزام بضامن السالمة وتطبيقاته يف بعض العقود ،دراسة فقهية قضائية يف كل من مرص وفرنسا .دار النهضة العربية،
القاهرة ،1980/ص.108:
180 MOUMMI Saad : Droit civil, droit des obligations en droit comparé français et marocain, op.cit ,P:37.
يرى بعض الفقه أن العقود املسامة هي عقود تقليدية ،عرفها الناس منذ القدم ومارسوها وكثر تداوهلا بينهم فأصبحت قواعدها مستقرة توارثتها
العصور كعقود البيع واملقايضة واإلجارة والوكالة.
عيل مصباح إبراهيم :العقود املسامة (البيع ،اإلجيار ،الوكالة) ،دار بالل للطباعة والنرش ،بريوت ،دون ذكر سنة الطبع ،ص.7:
ونرى أن هذا الرأي يفتقد للصواب ،عىل اعتبار أن كثري من العقود بالرغم من قدمها مل يتناوهلا املرشع بالتنظيم ،يف حني أن البعض األخر قام
بوضع العديد من األحكام له بل إنه فصلها بشكل معمق بالرغم من حداثتها.
81
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
(أي القواعد املتعلقة بااللتزامات بوجه عام) عىل العقود املسامة وغري املسامة .أما القواعد
املذكورة يف القسم الثاين (أي القواعد املتعلقة بالعقود املسامة) فال تطبق عىل العقود غري
املسامة إال من قبيل القياس وبالنظر إىل التناسب بينها وبني العقود املسامة املعينة" .
181
.134وجيمع الفقه عىل أن أمهية هذا التصنيف تربز عىل مستوى التكييف ،ومن ثم 182
عىل مستوى األحكام التي ينبغي أن تطبق عىل كل عقد .فالقايض يكون ملزما بداية
بتكييف العقد ،أي إضفاء الوصف القانوين عىل العملية التعاقدية يف ذلك .وكام هو
معروف لدى فقه القانون املدين عموما أن القايض غري ملزم بالتكييف الذي يعطيه
األطراف للعقد ،وإنام العربة بالوصف احلقيقي وفقا ملا اجتهت إليه إرادة املتعاقدين .ثم
ينبغي عىل القايض أن يقوم باملالءمة بني تلك اإلرادة وبني طبيعة كل عقد من العقود
املسامة هبدف إحلاقه بإحداها ليطبق عليها األحكام الواردة يف شأنه.
أما يف حالة ما إذا كان األمر يتعلق بالصنف الثاين من العقود ،أي العقود غري
املسامة كام هو الشأن بالنسبة لعقد الفندقة كنموذج للعقد السياحي ،فإن القايض
183
يطبق املبادئ العامة ويسعى إىل املالءمة بينها وبني الغرض الذي هيدف إليه املتعاقدان.
وال يمكنه الوصول لذلك إال بالبحث عن القصد احلقيقي هلؤالء ال الوقوف عند
املعنى احلريف لأللفاظ كام ورد النص عليه يف الفصل 462من ق.ل.ع.م. 184
.135كام ال تقترص أمهية هذا التصنيف ،يف نظرنا ،عىل مستوى التكييف ،وإنام
185
يتعداه ملا ينطوي عليه العقد غري املسمى من خماطر عىل الطرف الضعيف يف العالقة
التعاقدية ،يف الوقت الذي ينطوي العقد املسمى عىل كثري من الفوائد بالنسبة هلذا
األخري يف مواجهة املحرتف املهني .ذلك أن املرشع حينام يتدخل يف تنظيم عقد معني،
فإنه يأخذ بعني االعتبار عالقات ال يستطيعون أو ال حيسنون وحدهم تنظيمها.
181أشار هلذا الت عريف الدكتور أمحد ادريوش يف مؤلفه :مدخل لدراسة قانون العقود املسامة؛ الكتاب اخلامس من سلسلة املعرفة القانونية؛
البوكييل للطباعة والنرش والتوزيع/القنيطرة؛ 1995؛ ص.18:
182 MALAURIE Philipe et AYNES Laurent : Les contrats spéciaux, Op.cit, P:8.
BENABENT Alain : Les contrats spéciaux civils et commerciaux, op.cit, P:4.
183 BERNARD Bernis : Dépôt d’hôtellerie dans la législation française actuelle, Op.cit, P:24.
184حممد شيلح :سلطان اإلرادة يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب :أسسه ومظاهره يف نظرية العقد ،مرجع سابق ،ص.240:
185 MALAURIE Philipe et AYNES Laurent : Droit civil, Tome VI, les obligations, édition 1994/1995,
82
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
نتيجة هلذا االعتبار ،فإن املرشع تدخل ليحدد بتفصيل مضمون كل عقد من العقود
املسامة بتحديد االلتزامات الناشئة عنه ،عن طريق قواعد قانونية ،مل يفرضها عىل املتعاقدين
بل خول هلم إمكانية استبعادها ،ومن ثم هلم صالحية حتديد مضمون العقد خالفا للتنظيم
الذي وضعه املرشع هلم .وهذا أمر مقبول لدى فقهاء القانون املدين ،عىل اعتبار أن هذه
القواعد تصنف يف دائرة القواعد املكملة.
املطلب الثان :العقود املدنية والعقود التجارية
.136إن التفرقة بني العقود املدنية والعقود التجارية ،ال نقصد هبا أننا أمام صنفني
مستقلني من العقود ،وإنام هي تفرقة بي صنفي لذات العقود ،عىل اعتبار أن نفس الصنف
من العقود قد تثبت له الصفة املدنية أو الصفة التجارية؛ ذلك أن عقد البيع قد يكون مدنيا
كام قد يكون جتاريا إذا اكتسب الصفة التجارية.
.137وتربز أمهية هذا التصنيف عىل مستوى القواعد القانونية التي تطبق عىل كالمها؛
ذلك أن ثبوت الصفة التجارية لعقد ما ،يرتتب عنه عدم إمكانية تطبيق بعض قواعد
القانون املدين املنصوص عليها يف قانون االلتزامات والعقود املغريب ،وإنام تطبق عليه
أحكام مدونة التجارة ،كام يتضح لنا من اجلدول التايل:
أوجه اخلالف عىل مستوى القواعد املطبقة عىل العقود التجارية والعقود املدنية
83
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
84
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الباب الثان
تكوين العقد
La formation du contrat
.141من أجل تكوين العقد ،فإن خمتلف الترشيعات واألنظمة القانونية تطلبت
العديد من األركان والرشوط الالزمة لصحته (الفصل األول)؛ ومن ثم ،فإنه يف حالة
اختالل ركن من هذه األركان أو فقدان عنرص من عنارص تكوين العقد ،فإن اجلزاء
القانوين املرتتب عن ذلك هو البطالن أو اإلبطال (الفصل الثان).
من رشوط صحة الرتايض ،ومن ثم فإننا سنتناوهلا بمناسبة احلديث عن هذا الركن
األخري(الفرع األول) .ولن يغري من قناعتنا هذه موقف املرشع الفرنس احلديث
بمقتىض األمر الصادر بتاريخ 10فرباير ،2016الذي نص عىل األهلية كعنرص
186RENAULT-BRAHINSKY Corinne : Droit des obligations ; Gualino éditeur ; 4ème édition/2006 ;P:47.
85
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أما املالحظة الثانية ،فهي أن الفصل الثاين إنام أشار إىل القاعدة العامة ،وإال فإن
188
هناك العديد من احلاالت التي يتوقف فيها قيام العقد عىل شكلية معينة كام رأينا
بمناسبة تصنيف العقود؛ بل إن عنرص الرضائية عرف تراجعا مهام خالل العقدين
األخريين باألساس يف ظل توسع عنرص الشكلية الذي كان مقترصا عىل بعض أنواع
العقود .يف مجيع األحوال ،فإن القاعدة العامة تقيض بأنه لصحة أي عقد ،ال بد من 189
توفر ركنني آخرين مها املحل (الفرع الثاين) ،والسبب (الفرع الثالث).
الفرع األول
Le consentement ركن الرتايض
.144ال يكفي لقيام العقد وجود الرتايض يف حد ذاته الذي يتمثل يف اتفاق أو
اجتامع اإلرادات (املبحث األول) ،بل يتعني أن يكون أيضا صحيحا (املبحث الثاين).
املبحث األول :وجود الرتايض
.145املقصود بالرتايض هو انرصاف إرادة األطراف إىل إنتاج اآلثر القانوين
املرغوب فيه؛ أو هو تطابق اإلجياب والقبول كتعبريين عن إراديت طريف العقد .أي أنه
لقيام الرتايض البد من توفر جمموعة من العنارص األساسية ،التي عرب عنها بعض
الفقه بطرح تساؤلني أساسيني يمكن اختزاهلام يف كيفية حصول الرتايض بني أطراف 190
العقد .حيث ينبغي استعامل جمموعة من التقنيات الالزمة إلبرام العقد ،والتي تتمثل يف
اإلجياب (املطلب األول) ،والقبول (املطلب الثاين) ،واالقرتان أو التطابق الواجب
حصوله بينهام (املطلب الثالث).
187 Article
1128 « Sont nécessaires à la validité d’un contrat :
; 1° le consentement des parties
; 2° leur capacité de contracter
3° Un contenu licite et certain ».
188ذهب الفقيه الفرنس مالوري ،بمناسبة معاجلته للفصل 1108من القانون املدين الفرنس املقابل للفصل الثاين من ق.ل.ع ،إىل إبداء أربع
مالحظات ،أوهلا –وهي التي هتمنا يف هذا املقام -أن الفصل 1108ال يفرض شكلية معينة ،مما يستفاد ضمنيا أن املرشع الفرنس يأخذ بقاعدة
الرضائية كأصل عام.
MALAURIE Ph. Et AYNES L. : droit civil ; les obligations ; op.cit ; P :205.
189راجع تفصيلنا هلذه النقطة بمناسبة التمييز بني العقود الرضائية والعقود الشكلية يف الفقرة 67من هذا الكتاب.
190 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1. L’acte
juridique ; op.cit ; P:100.
86
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
آخر يتضمن اقرتاحا بإبرام عقد معني وفقا لرشوط معينة بغية احلصول عىل قبوله ،ومن
ثم قيام هذا العقد .أو بعبارات أخرى ،فإنه يقصد باإلجياب ذلك العرض الذي يتقدم
به شخص يسمى املوجب باديا رغبته يف التعاقد مع شخص آخر يسمى املوجب له .
192
من أمثلته ،نذكر العرض املقدم من قبل صاحب املتجر الذي يعرض بيع بضائعه مع
حتديد سعرها ،وأيضا املكري الذي يعرض كراء شقته مكتوب عليها أجرها ،ونفس
اليشء بالنسبة للعرض املقدم من قبل سائق سيارة األجرة أو حافلة النقل ،حيث إن وقوفه
بمحطته املعتادة يعترب إجيابا تاما يرتتب عن ركوب املسافر قيام عقد النقل.
من أجل اعتبار العرض بمثابة إجياب ،فإنه ينبغي أن يتضمن العنارص .147
األساسية للعقد املقرتح إبرامه ،فإذا تعلق األمر بعقد بيع فإنه يتعني بيان أوصاف املبيع
وحتديد الثمن .مما يعني أنه إذا مل يشتمل العرض عىل أهم العنارص األساسية للعقد،
فإنه يف مثل هذه احلالة نكون فقط أمام دعوة إىل التعاقد ال ترقى إىل درجة اإلجياب.
ويتعني يف اإلجياب أن يكون واضحا وحمددا وأن يشتمل عىل العنارص األساسية
193
ملوضوع التعاقد ،حتى ال خيتلط بغريه من العروض القريبة منه التي ال تصل لدرجة
اإلجياب (أوال) .ويتم التعبري عنه بمختلف صور التعبري رصحية كانت أو ضمنية؛
وعموما فإن هناك أنواع متعددة لإلجياب (ثانيا) ،كام أن هناك العديد من احلاالت التي
يسقط فيها اإلجياب قبل أن يقرتن بقبول الطرف اآلخر (ثالثا).
191عبد الفتاح عبد الباقي :نظرية العقد واإلرادة املنفردة –دراسة معمقة ومقارنة بالفقه اإلسالمي1984 -؛ ص.120:
192 FAGES Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p :67.
193 FAGES Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p :69.
87
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
رشوط الطرف اآلخر فيام يتعلق بقيمة املبيع ومشتمالته ،وذلك من خالل جمموع
املناقشات التي تتعلق بموضوع العقد؛ ويف مجيع األحوال ،فإن هذه املفاوضات قد
تنتهي بإعداد مرشوع يمكن أن يتحول احتامال إىل عقد.
.150ومن ثم ،يظهر لنا مدى االختالف الواضح بني اإلجياب واملفاوضات
التمهيدية؛ ففي الوقت الذي تفتقد فيه هذه األخرية ألي حتديد للعنارص األساسية
للعقد املرتقب ،فإن ذلك يعترب مسألة الزمة بالنسبة لإلجياب ،كام أن هذا األخري يعترب
خطوة مبارشة إىل العقد بمجرد صدور القبول من الطرف اآلخر ،يف حني أن الدعوة
195
بخالف األمر بالنسبة للمفاوضات التمهيدية التي تسعى فقط إىل فتح نقاش من أجل
194 ; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P :125.
LABARTHE F. : La notion de document contractuel ; L.G.D.J. 1994.
; 195 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
88
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الوصول إىل اقرتاحات حمددة يف شكل مرشوع كام تبني لنا يف الفقرة السابقة .إال أن هذا
االقرتاح ال يصل لدرجة اإلجياب عىل اعتبار أنه يكتفي فقط بتحديد نوع العقد دون
بيان مجيع عنارصه اجلوهرية واألساسية.
من أمثلته ،نشري إىل اإلعالنات التي تظهر بشكل يومي يف الصحف واجلرائد التي
تدعو اجلمهور إىل التعاقد ،كام هو الشأن بالنسبة لإلعالنات املتعلقة ببيع عقار مع حتديد
مساحته وموقعه فقط ،أو بالنسبة للدعوة إىل توظيف إطار معني يف مرفق أو مؤسسة ما،
حيث غالبا ما يتم حتديد املؤهالت العلمية املتطلبة واالمتيازات التي سيستفيد منها
الشخص الذي سيحظى هبذا املنصب.
.152ففي مجيع هذه احلاالت ،فإنه ال يرتتب عن تلبية الدعوة قيام العقد ،عىل
اعتبار أن تلبية الدعوة كام يذهب لذلك مجهور الفقه هو الذي يعترب إجيابا ينبغي أن
يقرتن بقبول الطرف اآلخر ،وقد أكد عىل ذلك املرشع املغريب بمناسبة تناوله إلقامة
املزايدة التي تعترب نموذجا للدعوة إىل التعاقد؛ حيث نص عليها الفصل 32من
ق.ل.ع .الذي جاء فيه "إقامة املزايدة تعترب دعوة للتعاقد وتعترب املزايدة مقبولة ممن
يعرض الثمن األخري ،ويلتزم ،هذا العارض بعرضه إذا قبل البائع الثمن املعروض".
ثانيا :أنواع اإلجياب
.153من أجل حتديد دقيق لإلجياب ،فإنه ينبغي أوال التمييز بني اإلجياب الرصيح
واإلجياب الضمني (أ) ،وأيضا بني اإلجياب املوجه للجمهور واإلجياب املوجه لشخص
واحد (ب) ،إضافة إىل رضورة التمييز بني اإلجياب املقرتن بمدة زمنية معينة واإلجياب
غري املحدد (ج)؛ وأخريا يقتيض منا انتشار ظاهرة التعامالت اإللكرتونية الوقوف عند
اإلجياب اإللكرتوين (د).
أ :اإلجياب الرصيح واإلجياب الضمني
.154يذهب الفقه ،إىل أنه من الصعب تصور إمكانية أن يكون اإلجياب ضمنيا، 197
فهو غالبا ما يكون رصحيا ،أي معربا عنه ،سواء بطريقة كتابية أو شفوية؛ غري أنه يمكن
89
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أن نستشف اإلجياب يف بعض احلاالت من استعامل الوسائل الضمنية ،كام هو الشأن
بالنسبة لوقوف صاحب سيارة أجرة يف املوقف املخصص لذلك ،أو الشخص الذي
يعرض بضاعته مكتوبا عليها ثمنها.
أما فيام خيص اإلجياب الرصيح ،فإنه يتم التعبري عنه بالعديد من الوسائل؛ فهوإما
أن يكون كتابة ،أو لفظا ،أو إشارة .فالتعبري األول هو األكثر شيوعا بني املتعاقدين
الغائبني؛ أما التعبري اللفظي ،فالفقه جممع عىل أن أفضل تعبري هو صيغة املايض ،دون
استبعاد صيغ احلال واالستقبال إذا تبني أن نية صاحبها اجتهت بام ال يدع جماال للشك
إىل الرغبة يف التعاقد؛ وأخريا ،فإن التعبري قد يتم عن طريق اإلشارة متى كانت داللتها
واضحة ،وتعذر عىل صاحبها استعامل الكتابة أو اللفظ ،كام هو الشأن بالنسبة
لألخرس الذي يمكنه التعاقد بإشارته مادام يوجد من يستطيع فك رموزه.
ب :اإلجياب املوجه للجمهور واإلجياب املوجه لشخص حمدد
.155يعترب هذا التمييز من أهم تصنيفات اإلجياب ،حيث غالبا ما يتم التمييز بني
اإلجياب املوجه للجمهور واإلجياب املوجه لشخص حمدد؛ واحلقيقة ،أن هلام نفس
اآلثار من حيث املبدأ ،كل ما هنالك أن املوجب الذي يوجه إجيابه للجمهور يرتبط 198
ب القابل األول الذي يعرب عن قبوله؛ وغالبا ما يتم هذا النوع من اإلجياب عندما ال
تكون شخصية القابل حمل اعتبار ،كام هو الشأن بالنسبة لصاحب املحل التجاري الذي
يعرض مالبسه للبيع ،حيث إن أي شخص يعرب عن قبوله للثمن املكتوب عليها يعترب
قابال لإلجياب الصادر من التاجر ،مما يرتتب عنه قيام العقد صحيحا وملزما لطرفيه.
يف حي أن اإلجياب املوجه لشخص حمدد يرتتب عنه رضورة صدور القبول من
هذا الشخص نفسه ،لقيام العقد صحيحا ؛ وهذا ما ينطبق عىل احلاالت التي يكون
199
فيها العقد قائام عىل االعتبار الشخيص ،كأن يرغب املوجب يف التعاقد مع حمام مقبول
198 MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit ; P:214.
199 LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P :223.
90
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
للرتافع أمام حمكمة النقض أو مع طبيب خمتص يف جراحة القلب أو غريها من
األوصاف ذات االعتبار الشخيص.
ج :اإلجياب املقرتن بمدة زمنية واإلجياب املطلق
.156يمكن أن يكون اإلجياب مقرتنا بأجل معني ،خالله يبقى املوجب مقيدا هبذا
اإلجياب ،ولذلك يسمى هذا النوع باإلجياب امللزم ؛ وقد أكد املرشع املغريب عىل هذا
200
احلكم بمقتىض الفصل 29من ق.ل.ع .الذي جاء فيه" :من تقدم بإجياب مع حتديد
أجل للقبول بقي ملتزما جتاه الطرف اآلخر إىل انرصام هذا األجل ،ويتحلل من إجيابه
إذا مل يصله رد بالقبول خالل األجل املحدد" .وقد ذهب الفقه ،إىل أنه كام يمكن أن
201
يكون هذا األجل حمددا من قبل املوجب بشكل رصيح ،فإنه يمكن أن يستشف بصورة
ضمنية من طبيعة العقد التي تستلزم مدة معينة للتفكري والرد من قبل الطرف املعروض
عليه اإلجياب ،حيث تكون بمثابة مدة معقولة ،ختتلف بحسب الظروف.
.157أما اإلجياب غري املقرتن بمدة زمنية معينة ،أو ما يسمى باإلجياب املطلق ،فهو
الذي يقع يف غالب األحيان ،202وبموجبه يكون من حق املوجب الرجوع يف إجيابه مادام مل
يصدر القبول عن الطرف اآلخرتطبيقا للفصل 26من ق.ل.ع .الذي جاء فيه" :جيوز
الرجوع يف اإلجياب مادام العقد مل يتم بالقبول أو بالرشوع يف تنفيذه من الطرف اآلخر".
.158يف مجيع األحوال ،فإن املرشع املغريب قد ميز بخصوص هذا األخري بني اإلجياب
الذي حيصل بي حارضين ،حيث ينبغي أن يتم القبول فور صدور اإلجياب تطبيقا للفصل
23من ق.ل.ع .الذي جاء فيه" :اإلجياب املوجه لشخص حارض ،من غري حتديد ميعاد،
يعترب كأن مل يكن إذا مل يقبل عىل الفور من الطرف اآلخر .ويرسي هذا احلكم عىل اإلجياب
املقدم من شخص إىل آخر بطريق التليفون"؛ وبي تعاقد الغائبي ،باستثناء حالة التعاقد
91
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عن طريق اهلاتف ،حيث يتوجب صدور القبول داخل مدة معقولة طبقا للفقرة األوىل من
الفصل 30من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "من تقدم بإجياب عن طريق املراسلة من غري أن
حيدد أجال ،بقي ملتزما به إىل الوقت املناسب لوصول رد املرسل إليه داخل أجل معقول،
ما مل يظهر بوضوح من اإلجياب عكس ذلك"؛ حتت طائلة تراجع املوجب عن إجيابه إن مل
يتم صدور القبول وفق الطرق املشار إليها يف احلالتني معا.
د :اإلجياب االلكرتون
.159يف ظل التطور الذي شهدته املعامالت املدنية والتجارية خالل العقود األخرية،
وما ترتب عنه من غزو الشبكة العنكبوتية ملختلف أنواع املعامالت التعاقدية ،كان لزاما
عىل املرشع املغريب أن يتدخل لتنظيم هذا النوع من الطرق التعاقدية ،وهو األمر الذي تم
بمقتىض القانون رقم 20353.05املتعلق بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية.204
سنقترص يف هذا املقام عىل تناول اإلجياب اإللكرتوين ،الذي استعمل بخصوصه
205
املرشع املغريب مصطلح العرض بمقتىض هذا القانون؛ وبغض النظر عن هذه التسمية،
فإن القانون اجلديد استبعد املقتضيات املتعلقة باإلجياب الواردة يف قانون االلتزامات
والعقود املغريب ،وذلك بمقتىض الفصل 65-2من القانون 53.05الذي جاء فيه "ال
ترسي أحكام الفصول من 23إىل 30والفصل 32أعاله عىل هذا الباب".
.160بالرجوع لألحكام التي خصصها القانون اجلديد للعرض اإللكرتوين،
الفصلني 65-3و ،65-4نستشف منها أوال اعرتاف املرشع املغريب بإمكانية استخدام
203ظهري رشيف رقم 1.07.129صادر بتاريخ 19من ذي القعدة ( 1428املوافق 30نوفمرب )2007بتنفيذ القانون رقم 53.05املتعلق
بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية؛ اجلريدة الرسمية عدد 5584بتاريخ 25ذو القعدة 6( 1428ديسمرب .)2007
204أمحد ادريوش :تأمالت حول قانون ال تبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية؛ عنارص ملناقشة مدى تأثري القانون رقم 53.05عىل قانون
االلتزامات والعقود؛ منشورات سلسلة املعرفة القانونية؛ مطبعة املعرفة القانونية.2009 /
205يتم اإلجياب اإللكرتوين بالعديد من الطرق والوسائط اإللكرتونية؛ فقد يكون عاما –كام هو الشأن بالنسبة للعروض التي تبثها املواقع
التجارية عىل الشبكة الدولية للمعلومات "اإلنرتنت" ،بينام يكون يف البعض اآلخر إجيابا خاصا ،موجها إىل شخص أو أشخاص بعينهم –مثل
عروض التعاقد التي تتم عن طريق الربيد اإللكرتوين .-وبالرغم من هذه التفرقة وما يرتتب عنها من نتائج قانونية ،فإن حمكمة النقض الفرنسية
ذهبت إىل أن اإلجياب العام يلزم املوجب جتاه أول من يقبله بالرشوط الواردة فيه كام لو كان موجها لشخص حمدد.
إبراهيم الدسوقي أبو الليل :اجلوانب القانونية للتعامالت اإللكرتونية ،دراسة للجوانب القانونية للتعامل عرب أجهزة االتصال احلديثة "الرتاسل
اإللكرتوين"؛ جملس النرش العلمي /جامعة الكويت؛ 2003؛ ص.88:
92
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
طائلة عدم اعتبار االقرتاح غري املتضمن للشكليات املشار إليها يف هذا الفصل بمثابة
عرض ،وإنام يبقى جمرد إشهار ال يصل إىل درجة اإللزام كام نصت عىل ذلك الفقرة
األخرية من هذا الفصل.
.163بالرجوع للشكليات املنصوص عليها يف الفصل 65-4نجدها تتمثل فيام ييل،
حسب تعبري املرشع املغريب "يتعني عىل كل من يقرتح ،بصفة مهنية وبطريقة إلكرتونية،
توريد سلع أو تقديم خدمات أو تفويت أصول جتارية أو أحد عنارصها ،أن يضع رهن
إشارة العموم الرشوط التعاقدية املطبقة بشكل يمكن من االحتفاظ هبا واستنساخها.
دون اإلخالل برشوط الصحة املنصوص عليها يف العرض ،فإن صاحب العرض
206عبد اهلل ميموين :العرض التعاقدي اإللكرتوين يف ضوء أحكام القانون رقم 53.05؛ املجلة املغربية للقانون االقتصادي؛ العدد الثاين/
2009؛ ص.108:
93
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
يظل ملزما به سواء طيلة املدة املحددة يف العرض املذكور أو ،إن تعذر ذلك ،طاملا ظل
ولوج العرض متيرسا بطريقة إلكرتونية نتيجة فعله.
يتضمن العرض ،عالوة عىل ذلك ،بيان ما ييل:
-1اخلصائص األساسية للسلعة أو اخلدمة املقرتحة أو األصل التجاري املعني أو
أحد عنارصه؛
-2رشوط بيع السلعة أو اخلدمة أو رشوط تفويت األصل التجاري أو أحد عنارصه؛
-3خمتلف املراحل الواجب اتباعها إلبرام العقد بطريقة إلكرتونية والسيام
الكيفية التي يفي طبقها األطراف بالتزاماهتم املتبادلة؛
-4الوسائل التقنية التي متكن املستعمل املحتمل ،قبل إبرام العقد ،من كشف
األخطاء املرتكبة أثناء حتصيل املعطيات وتصحيحها؛
-5اللغات املقرتحة من أجل إبرام العقد؛
-6طريقة حفظ العقد يف األرشيف من لدن صاحب العرض ،ورشوط االطالع
عىل العقد املحفوظ إذا كان من شأن طبيعة العقد أو الغرض منه تربير ذلك؛
-7وسائل اإلطالع ،بطريقة إلكرتونية ،عىل القواعد املهنية والتجارية التي
يعتزم صاحب العرض اخلضوع هلا ،عند االقتضاء".
ثالثا :سقوط اإلجياب
.164ال يعني صدور اإلجياب من املوجب ،أنه بالرضورة سيرتتب عن ذلك
العرض صدور قبول من الطرف اآلخر ،مع ما يرتتب عن ذلك من نشوء عقد صحيح،
بل إن هناك العديد من احلاالت التي يسقط فيها اإلجياب ،دون أن حيدث الثر املقصود
207
207MAZEAUD ; Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; p :127.
94
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
ق.ل.ع .الذي اعترب الرد املعلق عىل رشط أو املتضمن لقيد يعترب بمثابة رفض لإلجياب
يتضمن إجيابا جديدا؛
-حالة صدور القبول بعد انقضاء األجل املحدد لبقائه متى كان اإلجياب
مرتبطا بمدة معينة ،أو بعد مرور املدة املعقولة لوصول املراسلة العادية متى تعلق األمر
بتعاقد بني غائبني؛
حالة انفضاض جملس العقد دون صدور قبول من الشخص املفرتض أنه القابل؛ -
-حالة موت الشخص املوجه إليه اإلجياب ،إذا كانت شخصيته حمل اعتبار يف
العقد ،كام هو الشأن بالنسبة للمحامي أو الطبيب؛
-حالة موت املوجب أو نقص أهليته إذا طرأ ذلك بعد إرسال إجيابه ،وعلم
بذلك الشخص املوجه إليه إجيابه قبل موافقته ،كام يستشف من مفهوم املخالفة للفصل
31من ق.ل.ع . 208
208نص الفصل 31من ق.ل.ع .عىل ما ييل "موت املوج ب أو نقص أهليته إذا طرأ بعد إرسال إجيابه ،ال حيول دون إمتام العقد إن كان من وجه
إليه اإلجياب قد قبله قبل علمه بموت املوجب أو بفقد أهليته".
لقد أورد الفقه جمموعة من التعاريف للقبول ،يمكن أن نقترص عىل بعضها فقط: 209
"القبول هو التعبري الصادر عن الشخص املوجه إليه اإلجياب كداللة عىل أنه راغب يف العرض الذي اقرتحه املوجب عليه".
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،مرجع سابق؛ ص.65:
"القبول هو التعبري اجلدي عن إرادة العاقد الذي وجه إليه اإلجياب واملتضمن املوافقة التامة عىل ذلك اإلجياب".
راجع أيضا يف هذا الصدد مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ مرجع سابق؛ ص.58:
210 LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit; P:226.
95
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
غرار اإلجياب الذي يتم هبذه الطريقة؛ ومن ثم ،فإنه يتميز ببعض القواعد اخلاصة به،
والتي ترجع إىل طبيعته اإللكرتونية.
.167ونرى أن هذه القواعد هتدف يف جمملها إىلمحاية متلقي العرض اإللكرتون؛
لذلك فإن املرشع املغريب من خالل القانون رقم 53.05جاء ببعض املقتضيات التي
جتعل قبوله متزنا وفيه قدر مهم من الرتوي ،كام يتضح لنا من أحكام الفقرة الثانية من
الفصل 65-5التي جاء فيها":يشرتط لصحة إبرام العقد أن يكون من أرسل العرض
إليه قد متكن من التحقق من تفاصيل اإلذن الصادر عنه ومن السعر اإلمجايل ومن
تصحيح األخطاء املحتملة ،وذلك قبل تأكيد اإلذن املذكور ألجل التعبري عن قبوله".
إجيايب يستفاد من بعض الوقائع كام سبق أن رأينا ذلك يف العديد من األمثلة .األمر
الذي يقتيض منا البحث عن داللة السكوت.
وما دام أن اإلرادة تعترب بمثابة عمل إجيايب ،فإنه ال يمكن تصور أن يتم التعبري
عنها بواسطة السكوت الذي يعترب جمرد وضع سلبي كام بينا ذلك أعاله؛ وبناء عليه،
فإنه ال يمكن أن يعرب عن اإلجياب بالسكوت ،ألن هذا األخري عدم ،والعدم ال
211إبراهيم الدسوقي أبو الليل :اجلوانب القانونية للتعامالت اإللكرتونية ،مرجع سابق؛ ص.93:
212 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:358.
96
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
احلاجة إىل البيان قبوال للعقد أو العرض؛ وهذا احلكم مستمد من قواعد الفقه
اإلسالمي ،وعنه أخذت بعض الترشيعات العربية كام هو الشأن بالنسبة للقانون املدين
األردين ،الذي نص يف مادته 95عىل ما ييل" :ال ينسب إىل ساكت قول ،ولكن
السكوت يف معرض احلاجة بيان ويعترب قبوال"؛ وهذه القاعدة تشبه إىل حد كبري املادة
97من جملة األحكام العدلية ،التي جاء فيها" :ال ينسب إىل ساكت قول ،لكن
السكوت يف معرض احلاجة بيان .يعني أنه ال يقال لساكت أنه قال كذا ،لكن السكوت
فيام يلزم التكلم به إقرار وبيان" .
214
.170بالرغم من عدم تنصيص قانون االلتزامات والعقود املغريب عىل هذه القاعدة
بشكل مبارش ،فإنه يمكن استنتاجها من مقتضيات الفصول 25و 28و 38منه؛ حيث جاء يف
الشق الثاين من الفصل 25ق.ل.ع .ما ييل ،..." :ويكون السكوت عن الرد بمثابة القبول ،إذا
تعلق اإلجياب بمعامالت سابقة بدأت فعال بني الطرفني" .أما الفصل 28من ق.ل.ع .فقد
نص عىل ما ييل" :يعترب الرد مطابقا لإلجياب إذا اكتفى املجيب بقوله 'قبلت' أو نفذ العقد
بدون حتفظ".
97
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أما احلالة املنصوص عليها يف الفصل 38من ق.ل.ع .فهي تتعلق بحالة الشخص الذي
يالحظ غريه يترصف باسمه وال يعرتض عىل هذه الترصفات بالرغم من قدرته عىل ذلك ،حيث
يعترب يف مثل هذه الوضعية بمثابة إقرار من الساكت بصحة الترصف القانوين الصادر من الغري؛
وهذا ما يتضح لنا من قراءة هذا الفصل ،الذي جاء فيه "يسوغ استنتاج الرىض أو اإلقرار من
السكوت إذا كان الشخص الذي حيصل الترصف يف حقوقه حارضا أو أعلم بحصوله عىل وجه
سليم ومل يعرتض عليه من غري أن يكون هناك سبب مرشوع يربر سكوته".
ومن الترشيعات املغاربية التي تطرقت لبعض هذه االستثناءات ،نجد القانون
املدين الليبي الذي أشار يف مادته 98إىل حالتني ،مها:
-إذا كانت طبيعة املعاملة أو العرف التجاري أو غري ذلك من الظروف التي
تدل عىل أن املوجب مل يكن لينتظر ترصحيا بالقبول ،فإن العقد يعترب تاما ،إذا مل يرفض
اإلجياب يف وقت مناسب؛
-ويعترب السكوت عن الرد قبوال ،إذا كان هناك تعامل سابق بني املتعاقدين
واتصل اإلجياب هبذا التعامل ،أو متخض اإلجياب ملنفعة من وجه إليه.
والقبول من القابل ،أن حيصل اقرتان القبول باإلجياب عىل العنارص األساسية للعقد ،أو
بحسب بعض الفقه أن حيصل توافق إراديت العاقدين بشأن العنارص األساسية لاللتزام
بحسب موضوعه أو من وجهة نظرمها .بمعنى أنه يكفي من الناحية القانونية حلصول
التوافق التام بني إرداة األطراف االتفاق عىل العنارص األساسية للعقد ،أما العنارص الثانوية
فيمكن أن تكون موضوع اتفاق الحق.
215
LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P :234.
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P:136.
98
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
وقد نص عىل هذه القاعدة الفصل 19من ق.ل.ع.م .الذي جاء يف فقرته األوىل ما ييل:
"اليتم االتفاق إال برتايض الطرفني عىل العنارص األساسية لاللتزام وعىل باقي الرشوط
املرشوعة األخرى التي يعتربها الطرفان أساسية " .غري أن هذا التالقي خيتلف بحسب ما إذا
كان األمر يتعلق بأطراف حارضة يف نفس جملس العقد (أوال) ،أو بني غائبني (ثانيا).
.174وإذا كانت فكرة جملس العقد مستوحاة كام قلنا من الفقه اإلسالمي ،فإنه
ينبغي الرجوع هلذا الفقه من أجل استيعاب مضموهنا ،السيام إذا علمنا أن املوقف
217
216عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام؛ منشورات
احللبي احلقوقية /بريوت-لبنان؛ 1998؛ ص.229:
217جابر عبد اهلادي سامل الشافعي :جملس العقد؛ دار اجلامعة اجلديد للنرش2001/؛ ص.91:
=
99
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الذي تبناه املرشع املغريب بمقتىض الفصل 23من ق.ل.ع .قد يؤدي األخذ به عىل
حرفيته إىل تعطيل جانب كبري من املعامالت ،حيث إن ظاهر النص السالف الذكر يفيد
برضورة صدور القبول بشكل فوري حتت طائلة سقوط اإلجياب غري املقرتن بميعاد
حمدد.
فقد نصت الفقرة األوىل من الفصل 23من ق.ل.ع .عىل ما ييل" :اإلجياب املوجه
لشخص حارض ،من غري حتديد ميعاد ،يعترب كأن مل يكن إذا مل يقبل عىل الفور من
الطرف الخر" .فاعتامد حرفية النص كام قلنا قد تؤدي إىل عرقلة وتعطيل جانب مهم
من املعامالت التي حتتاج إىل قدر من الرتوي والرتيث قبل اختاذ القرار احلاسم ،كام هو
الشأن بالنسبة للبيوع العقارية والصفقات التجارية.
.175هلذه االعتبارات ،فإن مجهور الفقه يرى أن املصلحة تقتيض نوعا من املرونة مع
مقتضيات الفصل السالف الذكر ،أو عىل حد تعبري األستاذ العرعاري فإنه ينبغي إضفاء
218
نوع من املرونة بخصوص تفسري مفهوم الفورية هذا ،بحيث ما دام الفور يقتيض احلالة
الزمنية التي ال بطء فيها فإنه بات أمرا طبيعيا التسليم بأن الشخص املوجه إليه اإلجياب
يتعني عليه أن يفصح عن قبوله قبل انفضاض جملس العقد برشط أن ال يكون الطرفان قد
انرصفا عن موضوع التفاوض .
219
عبد العزيز حممد عزام :اخليارات يف الفقه اإلسالمي؛ دراسة مقارنة يف املذاهب الثامنية؛ دار اهلدى للطباعة ،الطبعة األوىل 1983؛ ص.171:
حممد مصطفى شلبي :املدخل يف التعريف بالفقه اإلسالمي وقواعد امللكية والعقود فيه؛ مطبعة دار التأليف1966/؛ ص.408:
الكاساين :بدائع الصنائع؛ اجلزء اخلامس؛ ص.204:
ابن عابدين :حاشية رد املختار؛ اجلزء الرابع؛ ص.527:
218عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزام ات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف
مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي-مرجع سابق؛ ص.69:
219نفس الرأي ،تبناه األستاذ عبد احلق صايف؛ حيث كتب "فالتطبيق احلريف هلذا النص –يقصد الفصل 23من ق.ل.ع -.يفيد أن اإلجياب غري
املقرتن بأجل والصادر يف جملس العقد يعترب عديم األثر إذا مل يتله قبول وذلك بصورة مبارشة ودون إبطاء .من ثم يبدو أن هذا املوقف يولد
احلرج والشدة يف املعامالت وال يسعف العاقدين سيام يف العقود املهمة (مثال الصفقات التجارية والبيوع العقارية) التي يقتيض إمضاؤها نوعا
من الرتوي والتفكري قبل اختاذ القرار؛......................................وهكذا فاملصلحة تقتيض التعامل بنوع من املرونة مع الفصل 23من
ق.ل.ع .السالف وذلك عن طريق القول بأن (الفورية) تتحقق إذا صدر القبول قبل انفضاض جملس العقد ،األمر الذي من شأنه ختويل املوجب
له حيزا من الوقت الذي تستغرقه مناقشة رشوط التعاقد ،وذلك للتفكري يف اإلجياب املوجه إليه والرد عليه .ويف هذا إسعاف للمتعاقدين ودفع
للحرج عنهام وضامن الستقرار وانضباط التعامل".
عبد احلق صايف :القانون املدين ،اجلز ء األول :املصدر اإلرادي لاللتزامات ،العقد ،الكتاب األول تكوين العقد؛ مطبعة النجاح اجلديدة /الدار
البيضاء؛ 2006؛ ص.275:
100
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
لنفس املربرات ،وجدنا الفقيه وهبة الزحييل ينتقذ اعتامد مبدأ الفورية عىل إطالقه،
حيث ذهب إىل أنه "يف اشرتاط الفورية تضييق عىل القابل ،أو تفويت للصفقة من غري
مصلحة راجحة ،فإن رفض فورا ،فتضيع عليه الصفقة ،وإن قبل فورا ،فربام كان يف العقد
رضر له ،فيحتاج لفرتة تأمل ،للموازنة بني ما يأخذ أو ما يغنم وبني ما يعطي أو يغرم يف
سبيل العقد ،وقدرت فرتة التأمل بمدة جملس العقد؛ ألن املجلس جامع للمفرتقان ،فتعترب
ساعاته وحدة زمنية تيسريا عىل الناس ،ومنعا للمضايقة واحلرج ،ودفعا للرضر عن
العاقدين قدر اإلمكان" .
220
ب :العربون
.176عرف الفقه العربون بأنه مبلغ من املال أو يشء من األشياء يدفع لضامن 221
تنفيذ عقد أو وعد .بعبارات أخرى ،فالعربون هو مقدار من املال يدفعه أحد املتعاقدين
للطرف اآلخر عند التعاقد ،وقد أمجع الفقه عىل أن هناك داللتني للعربون بحسب
الترشيعات؛ فبالنسبة لألنظمة الالتينية فإن دفع العربون يكون الغرض منه إعطاء حق
العدول لكل من املتعاقدين ،حيث إنه إذا عدل من دفع العربون ترتب عىل عدوله 222
فقد العربون الذي دفعه ،أما إذا عدل من قبض العربون ترتب عىل عدوله رد العربون
ورد مثله معه ؛ بينام تذهب األنظمة اجلرمانية إىل اعتباره أداة لتأكيد إبرام العقد ،أي أن 223
دفع العربون يعترب دليال عىل انرصاف نية املتعاقدين عىل تأكيد العقد وتنفيذه ،ومن تم
يكون املبلغ املدفوع بمثابة جزءا من الثمن ،أما إذا مل ينفذ أحد املتعاقدين التزاماته فإنه
يتحمل املسؤولية العقدية.
.177أما بخصوص موقف القانون املغريب ،فإنه وبمقتىض الفصول من 288إىل
290من ق.ل.ع.م .التي تناولت العربون ،فإن املقصود به هو ما يقدمه املشرتي للبائع
101
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
ضامنا لتنفيذ تعهده بالرشاء ،ومن ثم فهو تأكيد للبيع وليس أداة عدول ،حيث إن
224
املشرتي بتقديمه للعربون يضمن تنفيذ تعهده بالرشاء ،وبالتايل فالعربون يلزم البائع،
فليس بإمكانه أن يرتاجع عن إمتام البيع.
من جهة أخرى ،فإن العربون حيفظ للمشرتي حق العدول عن البيع يف مقابل
حفظ حق البائع يف التعويض؛ بمعنى أن املشرتي بمجرد دفعه للعربون فإن ذلك ال
يمنعه من الرتاجع عن البيع ،عىل اعتبار أن العربون جمرد إعراب عن الرغبة يف إبرام
عقد البيع ويبقى عىل عاتق البائع تأكيده أو االمتناع عن ذلك .وكام قلنا ،فإنه ال ينبغي
هدر حقوق البائع ،فله كام جاء يف الفصل 290من ق.ل.ع.م .أن حيتفظ به وال يلزم
برده إال بعد أخذه التعويض الذي متنحه له املحكمة ،إن اقتىض األمر ذلك.
.178من الترشيعات العربية التي تأثرت بنهج املدرسة اجلرمانية ،نجد القانون
املدين العراقي الذي نص يف مادته 92عىل ما ييل " .1يعترب العربون دليال عىل أن العقد
أصبح باتا ال جيوز العدول عنه ،إال إذا قىض االتفاق بغري ذلك.
.2فإذا اتفق املتعاقدان عىل أن العربون جزاء العدول عن العقد كان لكل منهام حق
العدول .فإن عدل من دفع العربون وجب عليه تركه ،وإن عدل من قبضه رده مضاعفا".
.179بخالف الوضع يف القانون املغريب والعراقي ،فإن القانون الفرنس وعىل
غرار أغلب الترشيعات الالتينية أخذ بداللة العربون وذلك بمقتىض املادة 1590من
القانون املدين الفرنس ،ثم سارت عىل منواله بعض الترشيعات العربية من قبيل 225
القانون املدين املرصي ،كام يتضح من خالل أحكام املادة 103منه ،والتي جاء 226
فيها"دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من املتعاقدين احلق يف العدول عنه إال
224عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب ،اجلزء األول :نظرية االلتزامات ،مرجع سابق ،ص.72:
225 MAZEAUD : Leçons de droit civil, Paris, 1966, T3, P : 656.
226الدكتور عبد السالم الرتمانيني :أحكام العربون يف الرشيعة والقانون؛ مرجع سابق ،ص.54:
عباس الرصاف :العربون وأحكامه يف القانون املدين العراقي ،بحث مقارن .جملة القضاء العراقية ،نقابة املحامني ،ع1 :و ،1958 ،2ص.19:
إسامعيل غانم :النظرية العامة لاللتزام ،اجلزء األول ،مصادر االلتزام .مكتبة عبد اهلل وهبة ،1967 /ص.148:
عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد ،املجلد األول ،مرجع سابق ،ص.277:
102
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
إذا قىض االتفاق بغري ذلك .فإذا عدل من قبضه رد ضعفه ،هذا ولو مل يرتتب عىل
العدول أي رضر".
غري أن التطور املهول الذي عرفته وسائل االتصال احلديثة وما نتج عنه من انتشار
واسع لظاهرة التعاقد اإللكرتوين ،الذي خيتلف يف الكثري من تفاصيله عن التعاقد بني 227
غائبني املنظمة أحكامه بواسطة قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ األمر الذي كان
يقتيض تدخال ترشيعيا لسد مثل هذه الثغرات .وهو األمر الذي أقدم عليه املرشع
املغريب بمقتىض القانون رقم 53.05املتعلق بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية ،
228
227يطلق الفقه عىل العقد املربم هبذه الطريقة بالعقد اإللكرتوين ،واملقصود به هو ذلك العقد الذي يتم إبرامه عرب شبكة االنرتنت ،فهو عقد
عادي ،إال أنه يكتسب الطابع اإللكرتوين من الطريقة التي ينعقد هبا أو الوسيلة التي يتم إبرامه من خالهلا؛ حيث ينشأ العقد من تالقي القبول
باإلجياب بفضل التواصل بني األطراف بوسيلة مسموعة مرئية عرب شبكة دولية مفتوحة لالتصال عن بعد.
حممد حسني منصور :املسؤولية اإللكرتونية؛ دار اجلامعة اجلديدة للنرش /اإلسكندرية؛ 2003؛ ص.18:
انظر أيضا إدريس النوازيل :محاية عقود التجارة اإللكرتونية يف القانون املغريب؛ دراسة مقارنة؛ املطبعة والوراقة الوطنية /مراكش؛ الطبعة األوىل
2010؛ ص.12:
FAGES Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007; P:76.
; CACHARD O. : Le contrat électronique dans la loi pour la confiance dans l’économie numérique
RLDC 2004 ; 8 ; N°314.
228ظهري رشيف رقم 1.07.129صادر بتاريخ 19من ذي القعدة ( 1428املوافق 30نوفمرب )2007بتنفيذ القانون رقم 53.05املتعلق
بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية؛ اجلريدة الرسمية عدد 5584بتاريخ 25ذو القعدة 6( 1428ديسمرب )2007؛ ص.3888-3879:
103
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
زمان انعقاد العقد ومكانه ؛ وهو األمر الذي دفعنا إىل الوقوف عندها يف البداية ،قبل 229
إبداء بعض املالحظات املرتبطة بزمان انعقاد العقد احلاصل بني غائبني ومكانه.
:1نظرية إعالن القبول؛ التي يقصد هبا أن تالقي إراديت املتعاقدين الغائبني
حيصل بمجرد إعالن القبول وصدوره من املوجب له؛ أي أن العقد يعترب تاما بمجرد
صدور القبول من الشخص املوجه إليه اإلجياب .غري أن هذه النظرية تعرضت
ملجموعة من االنتقادات ،لعل أمهها أنه يف حالة عدول املوجب عن إجيابه ،فإنه يصعب
عليه أن يثبت أن ذلك العدول حصل قبل قبول الطرف اآلخر .ومع ذلك ،فقد أخذت
هبذه النظرية العديد من الترشيعات ،كام هو الشأن بالنسبة للقانون املدين األردين .
230
:2نظرية إرسال القبول .من أجل جتاوز االنتقاد الذي تعرضت له نظرية إعالن
القبول ،فإن بعض الفقه ذهب إىل أن العقد يعترب تاما عندما يرسل القابل قبوله ،عن
طريق وضعه يف صندوق الربيد أو تسليمه إىل مصلحة الربيد التي تتعهد بإيصاله .وقد
تعرضت هذه النظرية هي األخرى لالنتقاد ،مادام أن القابل بمقدوره سحب الوثيقة
التي عرب فيها عن قبوله من مصلحة الربيد.
:3نظرية تسلم القبول .ذهب أنصار هذه النظرية إىل أنه من أجل تفادي العيب
اجلوهري لنظرية إرسال القبول ،فإن العقد ال يعترب تاما إال عندما يصل القبول إىل
املوجب ،مما جيعل إمكانية سحبه من القابل أمرا مستحيال؛ وتقف هذه النظرية عند
استالم املوجب للقبول ،أي بغض النظر عن علمه بمضمون الرسالة أو عدم علمه
بذلك .أي أن تالقي إراديت املتعاقدين حيصل ابتداء من تاريخ توصله بالرسالة حتى
ولو مل يطلع املوجب عىل مضموهنا.
:4نظرية العلم بالقبول ،التي يقصد هبا أن العقد يعترب تاما عندما يعلم املوجب
229; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:138.
230يربز لنا تأثر القانون املدين األردين هبذه النظرية من خالل املادة ،101التي جاء فيها "إذا كان املتعاقدان ال يضمهام حني العقد جملس واحد
يعترب التعاقد قد تم يف املكان ويف الزمان اللذين صدر فيهام القبول ما مل يوجد اتفاق أو نص قانوين يقيض بغري ذلك".
104
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
فعال بالقبول؛ واملربر الذي اعتمده أنصار هذه النظرية ،يتمثل يف كون اإلرادة ال يمكن
أن تنتج أثرها ما مل تصل إىل علم من وجهت إليه .كام أن هذه النظرية حسب أنصارها،
تعترب أرفق باملوجب وأكثر حرصا عىل مصاحله ،مادام أن املوجب هو الذي يعرض
التعاقد ،بل هو الذي حيدد مضمونه ورشوطه .ومن الترشيعات التي أخذت هبذه
النظرية نذكر القانون املدين املرصي .
231
.182بعد التطرق هلذه النظريات ،ارتأينا الوقوف عند ثالث مالحظات أساسية:
املالحظة األوىل؛ تكشف لنا بأن موقف املرشع املغريب فيه نوع من اللبس؛ فبالرغم
من أن مراجعة أحكام الفصل 24من ق.ل.ع .تظهر لنا عىل أنه أخذ بنظرية إعالن
القبول ،إال أن مقتضيات الفصل 30من ق.ل.ع .اشرتطت وجوب توصل املوجب 232
املالحظة الثانية ،تتعلق بأمهية حتديد تاريخ قيام العقد الذي يتم باملراسلة؛ حيث
إن هلذا التحديد أمهية خاصة عىل العديد من املستويات ،يمكن اختزاهلا فيام ييل:
-عىل مستوى انتقال امللكية وحتمل تبعة اهلالك؛ حيث إن الترشيعات التي
أخذت بنظرية إعالن القبول جتعل املشرتي مالكا من هذا التاريخ ،ويف نفس الوقت
يصبح متحمال لتبعة هالك اليشء الذي انتقلت إليه ملكيته من تاريخ إعالن القبول ما
مل يتبني أن املوجب كان متسببا يف وقوع هذا اهلالك؛ أما بالنسبة للترشيعات التي
أخذت بنظرية العلم بالقبول ،فإن امللكية ال تنتقل لصاحبها إال من تاريخ علم املوجب
بالقبول ،ويف مقابل ذلك ،فإن اهلالك يبقى عىل عاتق الطرف اآلخر –البائع -إىل حدود
هذا التاريخ ،مادام أن امللكية مل تنتقل للمستفيد منها إال بعلم املوجب بالقبول.
231نصت املادة 97من القانون املدين املرصي عىل ما ييل " -1يعترب التعاقد بني الغائبني قد تم يف املكان والزمان اللذين يعلم فيهام املوجب بالقبول ،ما مل
يوجد اتفاق أو نص قانوين يقيض بغري ذلك -2 .ويفرتض أن املوجب قد علم بالقبول يف املكان والزمان اللذين وصل إليه فيهام هذا القبول".
232جاء يف الفصل 24من ق.ل.ع .ما ييل" :يكون العقد احلاصل باملراسلة تاما يف الوقت واملكان اللذين يرد فيهام من تلقى اإلجياب بقبوله.
والعقد احلاصل بواسطة رسول أو وسيط يتم يف الوقت واملكان اللذين يقع فيهام رد من تلقى اإلجياب للوسيط بأنه يقبله".
233نص الفصل 30من ق.ل.ع .عىل ما ييل" :من تقدم بإجياب عن طريق املراسلة من غري أن حيدد أجال ،بقي ملتزما به إىل الوقت املناسب
لوصول رد املرسل إليه داخل أجل معقول ،ما مل يظهر بوضوح من اإلجياب عكس ذلك.
وإذ صدر الترصيح بالقبول يف الوقت املناسب ولكنه مل يصل إىل املوجب إال بعد انرصام األجل الذي يكفي عادة لوصوله إليه ،فإن املوجب ال
يكون ملتزما مع حفظ حق الطرف اآلخر يف طلب التعويض من املسؤول قانونا".
105
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
-عىل مستوى تطبيق القواني التفسريية بأثر فوري؛ ذلك أن املرشع قد يصدر
بعضا من هذه القوانني بني فرتة إعالن القبول وتاريخ علم املوجب به؛ فبالنسبة
للترشيعات التي أخذت بنظرية إعالن القبول ،كام هو الشأن بالنسبة لقانون االلتزامات
والعقود املغريب ،فإن هذه القوانني ال تطبق عىل الواقعة التي سبق أن صدر بشأهنا
القبول من القابل ،لكون العقد قام قبل نفاذها؛ يف حني أنه بالنسبة للترشيعات التي
أخذت بنظرية العلم بالقبول ،كالقانون املدين املرصي ،فإن أحكام القانون اجلديد هي
الواجبة التطبيق.
أما املالحظة الثالثة؛ فتتمثل يف كون حتديد مكان العقد احلاصل بني غائبني ال
حيىض بنفس أمهية حتديد زمانه؛ ومع ذلك ،فإن أمهيته تربز من جهة عىل املستوى
الوطني يف حتديد املحكمة املختصة عندما يثار نزاع معني بني املوجب والقابل؛ ومن
جهة أخرى ،فإن أمهية هذا التحديد تظهر وبشكل أكثر أمهية يف جمال القانون الدويل
اخلاص ،حيث بناء عىل النظرية املعتمدة يمكن معرفة القانون الواجب التطبيق عىل
العقود ذات الطبيعة الدولية .ويف مجيع األحوال ،فإن مكان إبرام العقد طبقا للقانون
234
إلكرتونية حديثة تعمل آليا وتلقائيا بمجرد إصدار أوامر التشغيل إليها؛ مما يقتيض
رضورة متيزه ببعض القواعد اخلاصة التي خترج به عن القواعد العامة التي وضعتها
خمتلف الترشيعات املدنية للتعاقد العادي يف صورته التقليدية.
هلذه األسباب وغريها ،فإن املرشع املغريب استبعد املقتضيات العامة الواردة يف
234 ; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:139.
235 FAGES Bertrand : Droit des obligations ; op.cit ; P:77.
106
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
قانون االلتزامات والعقود املغريب املتعلقة باإلجياب والقبول بشأن هذا النوع من
العقود وذلك بمقتىض الفصل 65-2من القانون رقم ،53.95الذي جاء فيه "ال ترسي
أحكام الفصول من 23إىل 30والفصل 32أعاله عىل هذا الباب".
تنبغي اإلشارة إىل مالحظة يف غاية األمهية ،وذلك قبل اخلوض يف تبيان .184
كيفية حصول اقرتان القبول باإلجياب احلاصل بطريقة إلكرتونية ،وتتمثل هذه
املالحظة يف كون املرشع املغريب والعتبارات متعددة منها ما هو محائي للمستهلك
بالدرجة األوىل ،ومنها ما هو مرتبط بطبيعة بعض املعامالت الشخصية باخلصوص،
فإنه استبعد من نطاق تطبيق القانون رقم 53.05السالف الذكر عقد الزواج ملا له من
قدسية ومنزلة خاصة يف نفوس الناس ،كام أن الطالق ال يمكن إيقاعه هبذه الطريقة ،زد
عىل ذلك اإلرث ،إقرار النسب أو حتى نفيه بالوسائل اإللكرتونية؛ ومن جهة أخرى
فإن املرشع استبعد الضامنات الشخصية أو العينية يف امليدانني املدين والتجاري ،لكون
هذه الضامنات غالبا ما تنصب عىل ترصفات مركبة ومعقدة .
236
.185أما بخصوص كيفية حصول تطابق القبول باإلجياب احلاصل إلكرتونيا ،فقد
نصت عليه الفقرات الثانية ،والثالثة والرابعة من الفصل 65-5من القانون رقم
،53.95الذي جاء فيه ما ييل" :جيب عىل صاحب العرض اإلشعار بطريقة إلكرتونية،
ودون تأخري غري مربر ،بتسلمه قبول العرض املوجه إليه.
يصبح املرسل إليه فور تسلم العرض ملزما به بشكل ال رجعة فيه.
يعترب قبول العرض وتأكيده واإلشعار بالتسلم متوصال هبا إذا كان بإمكان
األطراف املرسلة إليهم الولوج إليها".
236يذهب بعض الفقه إىل أن املرشع اختذ هذا املوقف ،عىل ما يبدو ،هبدف االحتياط محاية للطرف الضعيف يف العقد إذا كان شخصا عاديا ،أما إذا كان
من ذوي اخلربة من املهنيني أو املحرتفني ،فإن ذلك االحتياط يصبح غري ذي موضوع ،ويكون باإلمكان اعتامد املحررات اإللكرتونية يف كافة
الضامنات الشخصية أو العينية يف امليدانني التجاري واملدين.
ا لعريب جنان :التعاقد اإللكرتوين يف القانون املغريب (دراسة مقارنة)؛ سلسلة التنظيم القانوين للمعلوميات واآلنرتنيت؛ الكتاب األول2010 /؛
ص.98:
107
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.186كام سبق أن أرشنا لذلك يف أحد أبحاثنا السابقة ،فقد تبني لنا من خالل
237
أحكام هذا الفصل ،أن هاجس محاية طريف العقدكان وراء عدم وضوح موقف املرشع
املغريب بشكل دقيق بخصوص زمن حصول العقد املربم بطريقة إلكرتونية؛ ومع ذلك
فقد خرجنا بمجموعة من املالحظات بخصوص هذه النقطة ،والتي تتمثل فيام ييل:
-إن زمن عقد البيع املربم بشكل إلكرتوين ليس هو نفس الزمن املتعلق بالعقد
احلاصل باملراسلة كام هو منصوص عليه يف الفصلني 24و 30من ق.ل.ع .املحدد يف 238
-إن زمن العقد املربم بطريق إلكرتوين هو تاريخ توصل العارض برد القابل
رشيطة إعالمه هلذا األخري بكونه تسلم قبول العرض داخل األجل املناسب تطبيقا
للفقرة الثانية من الفصل السالف الذكر.
ونرى أن هذا اهلاجس ،أي الرغبة يف محاية املستهلك ،هو الذي دفع املرشع املغريب
بمقتىض القانون رقم 31.08القايض بتحديد تدابري حلامية املستهلك ،إىل جعل هذا
التعاقد غري الزم للمستهلك ،حيث منحه خيار الرجوع خالل فرتة زمنية حمددة حددهتا
املادة 36من هذا القانون كام سنرى حينام نتطرق للضامنات املكملة لاللتزام بإعالم
الطرف الضعيف يف العقد بوجه عام.
.187عىل غرار مجيع أنواع التعاقد التي يكون فيها أطراف العقد غائبني عن بعضهام
البعض ،فإن هذه الطريقة تثري بعض اإلشكاالت ،التي تتمثل أساسا يف حتديد املحكمة
املختصة بالنظر يف النزاعات املتعلقة بإبرام العقد أو تنفيذه ،إضافة إىل بيان القانون الواجب
التطبيق عىل هذه النزاعات إذا كان أطراف العقد ينتمون إىل دول متعددة.
237عبد الرمحان الرشقاوي :قانون العقود املسامة؛ الكتاب األول العقود الناقلة للملكية ،عقد البيع؛ الطبعة األوىل 2011؛ ص.60:
238املختار بن أمحد عطار :العقد اإللكرتوين؛ مطبعة النجاح اجلديدة /الدار البيضاء؛ 2009؛ ص.33:
108
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
االقتصادية واالجتامعية التي عرفتها خمتلف دول العامل مع هيمنة اقتصاد السوق وفتح
احلدود بعد انضامم معظم الدول ملنظمة التجارة العاملية؛ هذه األسباب وغريها ترتب
عنها بروز طبقتني متباينتني من حيث القدرة عىل مناقشة واستيعاب بنود العقد من
طرف الطبقة الضعيفة التي تلقب بتسمية املستهلك؛ األمر الذي اقتىض من خمتلف دول
العامل إىل إصدار ترشيعات محائية هلذا األخري يف مواجهة املهني (املطلب الثان).
املطلب األول :أهلية املتعاقد لاللتزام وخلو إرداته من عيوب اإلرادة
.189دأب الفقه املدين ،وإىل غاية هناية القرن املايض ،إىل معاجلة صحة الرتايض من
زاويتني ،األوىل هي رضورة أن يكون املتعاقد كامل األهلية (البند األول) ،أما الرشط
الثاين لصحة الرتايض ،فهو خلو إرادة املتعاقدين من عيوب اإلرادة (البند الثاين).
البند األول :أهلية االلتزام
.190األهلية يف اللغة هي الصالحية واجلدارة والكفاية ألمر من األمور ،
240
فاألهلية لألمر هي الصالحية له ،ويف ذلك يقول احلق عز وجل "هو أهل التقوى
وأهل املغفرة" ؛ أما يف االصطالح ،فيقصد هبا صالحية الشخص الكتساب احلقوق 241
239DE JUGLART M. : L’obligation de renseignement dans les contrats ; RTD civ ; 1945 ; 1.
FAGES Bertrand : Droit des obligations ; op.cit ; P:87.
240ابن منظور :لسان العرب؛ املجلد ،12الطبعة السادسة؛ لبنان؛ 1997؛ ص.29:
241اآلية 56من سورة املدثر.
242حممد مومن :أهلية الوجوب لدى اجلنني يف القانون املغريب ،دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ جملة احلقوق؛ جملة النرش العلمي /جامعة
=
109
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.191بالرغم من تناول املرشع املغريب ،عىل غرار نظريه الفرنس سواء يف صيغته
األولية بمقتىض املادة 1108أو بعد تعديلها بمقتىض املادة 1128من األمر الصادر
بتاريخ 10فرباير 2016كام أرشنا سابقا ،لألهلية كركن مستقل إىل جانب الرتايض
واملحل والسبب ،فإن معظم الفقه متفق عىل تناوهلا بصدد احلديث عن صحة
الرتايض .ويقتيض منا معاجلتها بشكل مستفيض أن نقف أوال عىل ماهيتها وأنواعها 243
(الفقرة األوىل) ،قبل أن ننتقل إىل معاجلة العوامل التي تؤثر فيها (الفقرة الثانية).
الفقرة األوىل :ماهية األهلية وأنواعها
.192تطبيقا للفصل الثالث من قانون االلتزامات والعقود املغريب ،فإن األهلية
املدنية للفرد ختضع لقانون أحواله الشخصية ؛ هذا األخري يتمثل يف مدونة األرسة
244
املغربية التي عوضت مدونة األحوال الشخصية منذ سنة ،2004وبحسب املادة 206
منها 'أي مدونة األرسة' فإن األهلية نوعان :أهلية وجوب (أوال) و أهلية أداء (ثانيا).
أوال :أهلية الوجوب
املقصود بأهلية الوجوب هي صالحية الشخص الكتساب احلقوق .193
والتحمل بااللتزامات؛ وقد عرفتها املادة 207من مدونة األرسة بأهنا صالحية
الشخص الكتساب احلقوق وحتمل الواجبات التي حيددها القانون .وهو قريب من
التعريف الذي وضعه الفقه ،فقد عرف املرحوم الكزبري أهلية الوجوب بكوهنا
245
110
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
إىل القول بأن أهلية الوجوب هي يف الواقع الشخص ذاته منظورا إليه من الناحية
القانونية؛ فالشخص ،سواء كان شخصا طبيعيا أو شخصا اعتباريا إنام ينظر إليه القانون
من ناحية أنه صالح ألن تكون له حقوق وعليه واجبات .فكل إنسان ،بعد أن أبطل
الرق ،شخص قانوين تتوافر فيه أهلية الوجوب.
.195تثبت هذه األهلية للشخص كقاعدة عامة منذ والدته؛ قلنا كقاعدة عامة عىل
اعتبار أنه يمكن أن يقرر القانون بعض احلقوق للشخص قبل والدته ،أي يف مرحلة
احلمل كام سبق أن أرشنا لذلك بمناسبة احلديث عن اجلنني .بمعنى أن أهلية الوجوب
ال تتقرر من الناحية املبدئية لإلنسان إال بتامم والدته حيا.
.196غري أن هناك العديد من االعتبارات التي دفعت خمتلف الترشيعات للخروج
عن هذه القاعدة ،لعل أمهها إمكانية اإلرضار باجلنني؛ وبحسب بعض الفقه القانوين
ف إن تطبيق هذا األصل قد يفيض من الناحية العملية إىل اإلرضار هبذا اجلنني لدى
والدته حيا ،أو عىل حد تعبريه "...حيث لوحظ أنه إىل جانب محاية حق اجلنني يف
احلياة ،هناك مصلحة اجتامعية وقانونية باالعرتاف للجنني بوجود حقوق قبل أن يولد،
سواء ما تعلق منها باألرسة ،من قرابة ونسب ،أو ما كان ماديا يتعلق باإلرث والوصية
والوقف وغريها ،إذ أنه شخصية احتاملية ،تكون له مصلحة يف أن تثبت له أهلية من
246ذهب بعض الفقه العريب إىل أن أهلية الوجوب سميت هبذه التسمية ألنه ينظر لإلنسان من خالهلا من جهتني :من جهة كونه صاحلا ألن جيب
له ،كوجوب ثبوت نسب االبن من أبيه ،ومن جهة كونه صاحلا ألن جيب عليه ،كوجوب دفع ثمن املبيع له من أمواله .ومن أسباب التسمية أن
الوجوب هبا ثابت لإلنسان وعليه.
عبد اهلل بن عبد العزيز العجالن :األهلية ونظرية احلق يف الرشيعة اإلسالمية؛ مؤسسة املمتاز للطباعة؛ 1996؛ ص.20:
حممد مومن :أهلية الوجوب لدى اجلنني يف القانون املغريب ،دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.450:
247عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام؛ مرجع سابق؛ ص.223:
111
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
نوع معني حلامية حقوقه ،لذلك اعرتفت له كل القوانني بأهلية وجوب ناقصة ،وهي
نتيجة سليمة من حيث إن اجلنني ال تثبت له أهلية الوجوب كاملة التي تثبت ملن يولد
حيا ،وهو اعرتاف يمكن من القول مع بعض الفقه أن الشخصية القانونية للشخص
الطبيعي تبدأ من وقت احلمل ،وتكون شخصيته احتاملية ،وال تصبح شخصيته يقينية
إال بوالدته حيا" .
248
نستشف مما سبق ،أن أهلية الوجوب ال عالقة هلا بمجال الترصفات .197
القانونية .ويف هذا السياق ،يذهب الدكتور عبد احلق صايف إىل أن "أهلية الوجوب
دليل الكتساب مظاهر الشخصية القانونية ،وبالتايل فال عالقة هلا بمجال الترصفات
القانونية وال بقدرة اإلرادة .فهي تتوفر لعديم األهلية ،بل أحيانا للجنني يف بطن أمه
والذي تثبت له بعض احلقوق املتعلقة بحالته الشخصية كاالنتساب ألبويه واإلرث
منهام .ويستفيد أيضا من حقوق أخرى مالية كالوصية واالشرتاط ملصلحته .هذا مع
العلم أن ترتيب هذه احلقوق آلثارها القانونية يتوقف عىل والدته حيا" .
249
يف األخري نشري إىل مالحظتني؛ األوىل هي أنه إذا كان املبدأ هو أن أهلية .198
الوجوب تكون كاملة ،فإن هناك العديد من احلاالت التي تكون فيها هذه األهلية
منعدمة أو ناقصة ،كام هو الشأن بالنسبة لألجنبي الذي حيد القانون من صالحيته يف
متلك العقارات ،أو بالنسبة حلرمان قاتل املورث يف االستفادة من تركة املقتول .أما
املالحظة الثانية ،فهي أن الشخص املعنوي هو شخص قانوين تتوافر فيه أهلية
الوجوب ،عىل غرار الشخص الطبيعي ،مادام أن الشخصية االعتبارية ما هي يف الواقع
إال قابليتها المتالك احلقوق وحتمل الواجبات.
248حممد مومن :أهلية الوجوب لدى اجلنني يف القانون املغريب ،دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.453:
إبراهيم أبو النجا :وجود الشخصية القانونية للشخص الطبيعي يف القانون اجلزائري؛ املجلة اجلزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية؛
العدد الرابع /دجنرب 1978؛ ص.961:
249عبد احلق صايف :القانون املدين ،اجلزء األول :املصدر اإلرادي لاللتزامات العقد ،الكتاب األول تكوين العقد؛ مرجع سابق؛ ص.135:
112
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أو بحسب املادة 208من مدونة األرسة املغربية هي صالحية الشخص ملامرسة حقوقه
الشخصية واملالية ونفاذ ترصفاته ،وحيدد القانون رشوط اكتساهبا وأسباب نقصاهنا أو
انعدامها .مما جيعل هذه القدرة ال تثبت جلميع األشخاص ،وإنام فقط ملن يكون قادرا
عىل تقييم مصاحله بنفسه من وجهة نظر القانون.
بمعنى أن مناط أهلية األداء هو التمييز واإلدراك ،ومن ثم فهي تدور معه وجودا
وعدما؛ وذلك بخالف أهلية الوجوب التي مناطها احلياة .ويرتتب عن ذلك أن
251
الشخص إذا كانت تكتمل أهلية الوجوب لديه بمجرد والدته حيا ،فإنه يبقى مع ذلك
غري متمتع بأهلية األداء إال بعد أن يتوافر لديه اإلدراك والتمييز؛ حيث إن فاقد التمييز
هو فاقد لإلرادة وفاقد لألهلية ،يف حني أن ناقص التمييز هو ناقص لإلرادة وناقص 252
لألهلية ،أما كامل التمييز فإنه كامل اإلرادة وكامل األهلية .كام أن من مميزات أهلية
253
األداء ،أن نطاقها يقترص عىل الترصفات القانونية دون الوقائع املادية التي وإن كانت
تتطلب التمييز فإهنا ال تتطلب أهلية األداء.
.200تنبغي اإلشارة إىل ثالث مالحظات أساسية؛ يمكن اختصارها فيام ييل:
-املالحظة األوىل؛ هي أنه عندما نستعمل مصطلح األهلية فإن املقصود بذلك
هو أهلية األداء.
-املالحظة الثانية؛ تتمثل يف كون قواعد األهلية من النظام العام ،ومن ثم ال
يمكن االتفاق عىل خمالفة أحكامها ،بالرغم من عدم تنصيص املرشع املغريب عىل هذه
القاعدة رصاحة؛ بخالف الوضع بالنسبة لبعض الترشيعات املقارنة كام هو الشأن
250عرف الفقيه مأمون الكزبري أهلية األداء بأهنا صالحية الشخص ملامرسة الترصفات واحلقوق عىل وجه يعتد به قانونا.
مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ مرجع سابق؛ ص.153:
251أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.124:
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها
القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.91:
مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول ،مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص.154:
252 ABBOUD Moussa : La condition juridique du mineur au maroc ; Edition La Porte ; RABAT ; P:2.
; 253 TERRE François et FENOUILLET Dominique : Droit civil ; les personnes, la famille, les incapacités
113
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بالنسبة للقانون املدين املرصي الذي نصت مادته 48عىل ذلك ،حيث جاء فيها "ليس
ألحد النزول عن أهليته وال التعديل يف أحكامها"؛ ويكون بذلك القانون املرصي قد
سار عىل منحى الترشيعات اجلرمانية التي نصت عىل هذه القاعدة بشكل رصيح،
كالقانون السويرسي الذي جاء يف مادته 27ما ييل" :يعترب باطال كل تنازل عن أهلية
الوجوب أو أهلية القيام باحلقوق املدنية."...
-أما املالحظة الثالثة ،فهي أن األصل يف الشخص هو كامل األهلية ،أما االنعدام
أو النقصان فهام عارضان ،ويقع عىل من يدعي خالف األصل العام عبء اإلثبات.
.201عموما ،فإن أهلية األداء تتدرج بتدرج السن ،كام أن هناك جمموعة من
العوارض التي تؤثر عليها .فمن جهة السن ،فإن الشخص يعترب كامل األهلية 254
حسب املادة 209من مدونة األرسة ببلوغه 18سنة شمسية كاملة ،أما إذا كان أقل من
12سنة فإنه يعترب عديم األهلية ،وبني سن 12و 18فإنه يعترب ناقص األهلية تطبيقا
للامدة 214من مدونة األرسة.
الفقرة الثانية :العوامل التي تؤثر يف األهلية
.202قلنا بأن مناط أهلية األداء يتمثل يف التمييز ؛ هذا األخري يتأثر بشكل كبري
255
بالسن (أوال)،كام أن هناك عوارض أخرى يمكن أن تعرتض هذه األهلية حتى بعد
بلوغ الشخص سن الرشد القانوين ،لعل أمهها يتمثل يف اجلنون (ثانيا) ،وأيضا يف العته
والسفه (ثالثا)؛ إضافة لبعض العوارض األخرى التي منها ما أخذ به املرشع املغريب كام
هو الشأن بالنسبة ملانع العقوبة اجلنائية ،ومنها ما مل يأخذ به القانون املغريب كحاالت
األصم واألبكم واألعمى (خامسا).
254أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.129:
255أمحد اخلملييش :املسؤولية املدنية لألبوين عن أبنائهام القارصين؛ منشورات مكتبة املعارف /الرباط؛ الطبعة األوىل 1982؛ ص.137:
114
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.205وقد حددت املادة 224من مدونة األرسة حكم ترصفات عديم األهلية،
حيث جعلتها باطلة وال تنتج أي أثر .وهو نفس احلكم الذي عربت عنه الكثري من
الترشيعات العربية ،من ذلك القانون املدين األردين لسنة 1976الذي نصت مادته
44عىل أنه " -1ال يكون أهال ملبارشة حقوقه املدنية من كان فاقد التمييز لصغر يف
السن أو عته أو جنون -2 .وكل من مل يبلغ السابعة يعترب فاقدا للتمييز" .
256
يف مقابل ذلك ،فإنه حيق للويل أو احلاجر أو املكلف بشؤون القارصين إجراء
الترصفات بالنيابة عن القارص ضمن احلدود التي يرسمها القانون.
256أنور سلطان :مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ منشورات اجلامعة األردنية؛ الطبعة األوىل /عامن/
1987؛ ص.37:
115
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
األردين ،التي نصت عىل ما ييل -1" :ترصفات الصغري املميز صحيحة متى كانت نافعة
نفعا حمضا ،وباطلة متى كانت ضارة رضرا حمضا-2 .أما الترصفات الدائرة بني النفع
والرضر فتعقد موقوفة عىل إجازة الويل يف احلدود التي جيوز فيها له الترصف ابتداء أو
إجازة القارص بعد بلوغه سن الرشد" .
259
مدونة األرسة بلغ سن الرشد ومل يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها،
يكون كامل األهلية ملبارشة حقوقه وحتمل التزاماته .بمعنى ،أنه بمجرد بلوغه سن
257 TERRE ; François et FENOUILLET Dominique : Droit civil ; les personnes, la famille, les incapcités
op.cit ; P :833.
258من هذه الترشيعات أيضا ،القانون املدين املرصي ،الذي جاء يف مادته 111ما ييل " .1إذا كان الصبي مميزا كانت ترصفاته املالية صحيحة متى كانت
نافعة نفعا حمضا وباطلة متى كانت ضارة رضرا حمضا . 2 .أما الترصفات املالية الدائرة بني النفع والرضر فتكون قابلة لإلبطال ملصلحة القارص .ويزول
حق التمسك باإلبطال إذا أجاز القارص الترصف بعد بلوغه سن الرشد أو إذا صدرت اإلجازة من وليه أو من املحكمة وفقا للقانون".
259أنور سلطان :مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.37:
ياسني حممد اجلبو ري :الوجيز يف رشح القانون املدين ،اجلزء األول ،مصادر احلقوق الشخصية ،مصادر االلتزامات ،دراسة موازنة؛ دار الثقافة
للنرش والتوزيع /عامن؛ 2011؛ ص.161:
260عرف سن الرشد القانوين يف املغرب ثالثة مراحل أساسية منذ صدور مدونة األحوال الشخصية لسنة ،1957حيث كانت املادة 137حتدده
يف واحد وعرشين سنة ،قبل تعديل 1993الذي قلصها إىل حدود عرشين سنة ،قبل أن يتدخل املرشع املغريب بمقتىض مدونة األرسة التي حددته
يف ثامنية عرشة سنة.
وهي نفس السن التي حددها القانون املدين الفرنس بمقتىض املادة 488منذ تعديل 05يوليوز .1974
; TERRE François et FENOUILLET Dominique : Droit civil ; les personnes, la famille, les incapcités
op.cit ; P :833.
116
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الرشد القانوين يصبح له كقاعدة عامة أهلية االغتناء وأهلية الترصف وأهلية التربع.
.209غري أن هذه القاعدة ليست جامدة ،بل إنه بالنظر لكون بعض األشخاص
261
قد يكون بإمكاهنم القدرة عىل إدارة أمواهلم بأنفسهم ،سواء بشكل جزئي ( ،)1أو
بشكل كامل عن طريق ترشيدهم مبكرا ،حيث حيصل الصغري املميز عىل أهليته كاملة
إذا توفرت جمموعة من الرشوط ( .)2إضافة إىل احلالة التي يكتسب فيها الزوجان
األهلية املدنية ملامرسة حق التقايض ،بالرغم من كوهنام مل يبلغا السن القانوين ،يف كل ما
يتعلق بآثار عقد الزواج (.)3
.1أهلية إدارة األموال
.210إن أهلية إدارة األموال ،تعترب أداة مهمة للحد من مجود وعمومية القاعدة
القانونية ،حيث كثريا ما يظهر أن بعض األشخاص أكثر قدرة عىل إدارة أمواهلم من
غريهم؛ ولذلك أجازهتا العديد من الترشيعات ،وذلك ألمهيتها البالغة عند توفر
رشوط معينة ؛ حيث هيدف املرشع من خالل ربطه االستفادة من هذه األداة عىل 262
حتقق جمموعة من الرشوط إىل التوفيق بني إتاحة الفرصة لبعض األشخاص الذين
تتوفر عندهم مؤهالت خاصة عىل سبيل التجربة واالختبار ،وبني احلفاظ عىل أمواهلم.
.211بالرجوع للقانون املغريب ،نجده قد أجاز هذا اإلجراء بمقتىض املادة 226من
مدونة األرسة ،التي نصت عىل ما ييل:
-يمكن للصغري املميز أن يتسلم جزءا من أمواله إلدارهتا بقصد االختبار.
-يصدر اإلذن من الويل أو بقرار من القايض املكلف بشؤون القارصين بناء عىل
طلب من الويص أو املقدم أو الصغري املعني باألمر.
-يمكن للقايض املكلف بشؤون القارصين إلغاء قرار اإلذن بالتسليم بطلب من
الويص أو املقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبري يف اإلدارة املأذون هبا.
-يعترب املحجور كامل األهلية فيام أذن له ويف التقايض فيه.
261 ABBOUD Moussa : La condition juridique du mineur au maroc ; Edition La Porte ; RABAT ;P :200.
262 ABBOUD Moussa : La condition juridique du mineur au maroc ; op.cit ; P:208.
117
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.212نرى أن املرشع املغريب قد أحسن صنعا عندما منح هذه اإلمكانية لكل من
بلغ سن التمييز ،التي حددها يف اثني عرشة سنة ،خمالفا بذلك املقتىض الذي كانت
تنص عليه املادة 140من مدونة األحوال الشخصية ،والتي كانت تشرتط أن يتعلق
األمر بصغري مميز بالغ من العمر مخسة عرش سنة عىل األقل ،حتى يمكن منح الشخص
أهلية إدارة بعض من أمواله .السيام يف ظل تقليصه لسن البلوغ القانوين من عرشين إىل
ثامنية عرش سنة ،وأيضا لسن الرتشيد املبكر من ثامنية عرش سنة إىل ستة عرش سنة كام
سنرى يف الفقرة املوالية.
:2الرتشيد املبكر
.213املقصود بالرتشيد املبكر ،حصول الصغري املميز عىل أهليته الكاملة ،عند توفر
الرشوط التي جاءت هبا املادة 218من مدونة األرسة ،حيث نصت هذه املادة عىل ما ييل:
-يمكن للنائب الرشعي أن يطلب من املحكمة ترشيد القارص الذي بلغ السن
املذكور أعاله ،إذا أنس منه الرشد.
يف مجيع األحوال ،ال يمكن ترشيد من ذكر ،إال إذا ثبت للمحكمة رشده بعد اختاذ
اإلجراءات الرشعية الالزمة ،كام أكدت عىل ذلك الفقرة األخرية من املادة 218من
مدونة األرسة املغربية.
118
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
ما هيمنا نحن يف هذا املقام ،هو أن املرشع خول هلؤالء الزوجني اللذين مل يبلغا
سن الرشد القانوين ،املحدد يف ثامن عرش سنة ،األهلية املدنية ملامرسة حق التقايض يف
كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات ،وذلك طبقا للامدة 22من مدونة
األرسة ،التي جاء فيها" :يكتسب املتزوجان طبقا للامدة 20أعاله ،األهلية املدنية يف
ممارسة حق التقايض يف كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات" .مما
يعني ،أنه يمكن للزوجة القارص مثال أن ترفع دعوى النفقة شخصيا دون حاجة إىل
نائبها الرشعي ،كام يمكنها أن تتقدم بأي طلب هيم احلقوق وااللتزامات املرتتبة عن
الزواج ليس فقط أمام القضاء بل يف مجيع اإلدارات.
بالرجوع للمرشع الفرنس ،نجد املادة 476من القانون املدين ختول ترشيد القارص
بقوة القانون بمجرد الزواج؛ إضافة إىل أنه يمكن ترشيده اختياريا من طرف املحكمة
بناء عىل طلب من أبيه أو أمه إذا أتم السادسة عرشة سنة أو من طرف جملس العائلة إذا
مل يكن له أب أو أم تطبيقا للامدة 477من القانون املدين الفرنس .
264
263إن الغاية من اخلربة الطبية املأمور بإنجازها من طرف القايض املكلف بالزواج هو التأكد من البنية اجلسامنية للقارصة –الطول ،الوزن -وما
إذا كانت قادرة عىل حتمل األعباء الزوجية وكذا معرفة ما إذا كانت قادرة عىل حتمل األعباء الزوجية وكذا معرفة ما إذا كانت حامل أم ال ،حتى
ال جيد القايض نفسه أمام اإلذن بزواج قارص حامل ،مما جيعل الزواج يف هذه احلالة باطال.
; 264 TERRE François et FENOUILLET Dominique : Droit civil ; les personnes, la famille, les incapcités
Op.cit ; P:848.
119
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.215بقي أن نشري يف األخري ،إىل أن احلجر ينتهي كقاعدة عامة ببلوغ القارص سن
الرشد القانوين ،الذي يتمثل يف ثامنية عرشة سنة يف القانون املغريب ،ما مل حيجر عليه
لداع آخر من دواعي احلجر ،التي تتمثل أساسا يف اجلنون ،والسفه والعته ،إضافة
لبعض العوارض الثانوية األخرى كام سنرى يف الفقرات املوالية.
ثانيا :اجلنون
.216نص املرشع املغريب بمقتىض املادة 217من مدونة األرسة عىل ما ييل" :يعترب
عديم أهلية األداء:
أوال....:؛
ثانيا :املجنون وفاقد العقل".
وقد عرف الفقه اجلنون بأنه مرض يعرتي الشخص يؤدي إىل زوال العقل أو 265
هو اضطراب يصيب العقل ،فيجعل الشخص عديم األهلية .غري أنه ينبغي التمييز بي
اجلنون املطبق ،وهو اجلنون الذي يستوعب املريض يف كل أوقاته؛ واجلنون املتقطع
الذي يعني أنه يصيب املريض يف فرتة من الزمن فقط بينام يفيق يف باقي الفرتات
األخرى؛ ويف مجيع احلاالت ،أي يف كال النوعني ،فإن احلكم واحد ما دام أن الترصف
وقع من املريض يف حالة جنونه ،أما إذا ترصف الشخص يف حالة اإلفاقة من اجلنون 266
غري املطبق فإن ترصفه هذا يعترب صحيحا؛ وهذا ما عربت عنه الفقرة الثانية من املادة
217من مدونة األرسة املغربية ،التي جاء فيها" :يعترب الشخص املصاب بحالة فقدان
العقل بكيفية متقطعة ،كامل األهلية خالل الفرتات التي يؤوب إليه عقله فيها" .أما
الفقدان اإلرادي للعقل فإنه ال يعفي من املسؤولية كام أشارت إىل ذلك الفقرة األخرية
من املادة 217السالفة الذكر.
إذا كان املرشع املغريب قد جعل الشخص املجنون عديم األهلية بمقتىض املادة
217من مدونة األرسة ،فإنه اكتفى بجعل الشخص املعتوه والسفيه ناقص األهلية
كام سنرى يف الفقرة الالحقة.
265أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.129:
أنور سلطان :مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.39:
266أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.129:
120
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أ :املعتوه
.218عرفت مدونة األرسة املعتوه بمقتىض املادة 216منها بأنه الشخص املصاب
بإعاقة ذهنية ال يستطيع معها التحكم يف تفكريه وترصفاته .وقد ذهب الفقه إىل أن
267
العته هو مرض يصيب الشخص عادة بسبب التقدم يف السن أو املرض كتصلب
رشايني املخ؛ ويضيف إىل أنه إذا كانت الشيخوخة وحدها ،وهي أوىل مراحل
االنحطاط العقيل ال تكفي بمفردها للقول بانعدام اإلرادة ،إال أهنا قد تكون سببا يف
إصابة الشخص بالعته.
هذا احلكم هو الذي اعتمده الفقه اإلسالمي هو اآلخر ،حيث يذهبون إىل القول
عىل أن الشخص املعتوه هو الذي يكون عند صاحبه بقية من العقل؛ ومن ثم تكون
أهليته ناقصة كالصبي يف فرتة التمييز .أو عىل حد تعبري الفقيه الزيلعي هو من كان
268
قليل الفهم ،خمتلط الكالم فاسد التدبري ،إال أنه ال يرضب وال يشتم كام يفعل املجنون.
ب :السفيه
.219بحسب املادة 215من مدونة األرسة ،فإن السفيه هو املبذر الذي يرصف
ماله فيام ال فائدة فيه ،وفيام يعده العقالء عبثا ،بشكل يرض به أو بأرسته .وهو قريب من
التعريف الذي أعطاه الفقهاء املسلمون للسفيه ،حيث ذهبوا إىل أنه هو املغلوب هبواه
فيعمل بخالف موجب العقل والرشع مع قيام العقل حقيقة.
267أنور سلطان :مصادر االلتزام يف القانون املدين املغريب؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ منشورات اجلامعة األردنية /الطبعة األوىل ،عامن1987؛ ص.39:
268الزيلعي :تبني احلقائق ورشح كنز الدقائق؛ اجلزء اخلامس؛ ص.191:
121
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
األهلية ،إال أنه خيضع للحجر ألسباب تعود إىل العقوبة من جهة ،ومحاية للنظام العام
من جهة أخرى؛ ومن ثم ،فإنه إذا أقدم املحكوم عليه بعقوبة جنائية بإجراء ترصف
معني ،فإن هذا الترصف يعترب باطال طبقا للفصل 38السالف الذكر.
أما السكر ،فإنه ال يستوجب اإلبطال بالرغم من عدم تنصيص املرشع .221
املغريب عليه رصاحة؛ ويمكن أن نستشف ذلك من الفقرة األخرية من املادة 217من
مدونة األرسة ،التي جاء فيها" :الفقدان اإلرادي للعقل ال يعفي من املسؤولية".
وبمفهوم املخالفة ،فإن الفقدان االضطراري للعقل يرتتب عنه اإلعفاء من املسؤولية،
ومن ذلك حالة السكر غري اإلرادي.
وقريب من هذا احلكم ،ما نص عليه املرشع املغريب يف الفصل 93من قانون
االلتزامات والعقود فيام خيص املسؤولية التقصريية؛ حيث جاء فيه "السكر ،إذا كان
اختياريا ،ال حيول دون املسؤولية املدنية يف االلتزامات الناشئة عن اجلرائم وأشباه
اجلرائم .وال مسؤولية مدنية إذا كان السكر غري اختياري وعىل املتابع إثبات هذه
269أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.124:
عبد القادر العرعاري :الوجيز يف النظرية العامة للعقود املسامة؛ الكتاب األول :عقد البيع؛ الطبعة الثانية 2009؛ توزيع مكتبة دار األمان/
الرباط؛ ص.42:
122
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الواقعة" .كام نصت مدونة األرسة عىل حالة الطالق الواقع من السكران ،حيث جاء يف
املادة 90منها عىل أنه ال يقبل طلب اإلذن بطالق السكران الطافح واملكره وكذا
الغضبان إذا كان مطبقا.
.222يف مقابل هذه العوارض التي نص عليها املرشع املغريب إما بشكل رصيح أو
ضمني ،فإن هناك حاالت أخرى مل ينص عليها ولو من باب التلميح ،يف الوقت 270
الذي خصصت هلا ترشيعات أخرى أحكاما خاصة ،كام هو الشأن بالنسبة للعاهة
املزدوجة التي نصت عليها معظم الترشيعات العربية ،كالقانون املدين األردين الذي
271
نص عليها بمقتىض املادة 132منه ،حيث جاء فيها "إذا كان الشخص أصم أبكم أو
أعمى أصم أو أعمى أبكم وتعذر عليه بسبب ذلك التعبري عن إرادته جاز للمحكمة
أن تعني له وصيا يعاونه يف الترصفات التي تقتيض مصلحته فيها ذلك".
يتضح لنا من هذه املادة ،أن الشخص الذي جتتمع فيه عاهتني من العاهات
الثالث ،العمى والبكم والصم ،ليس ناقص األهلية ،بل إن الترصف القانوين يعترب
منعقدا بإرادة صاحبه؛ كلام هنالك أن املرشع قرر له نوعا من احلامية ،تتمثل يف مساعدة
الويص يف التعبري عن إرادته؛ وهذا هو الرأي الذي يؤيده مجهور الفقه ،عىل اعتبار أن
هذه األمراض ال تعوق وجود اإلرادة مادامت غري مصحوبة باضطرابات عقلية .ولعل
هذا الرأي يمكن تأييده بأحكام املادة 97من ق.ل.ع .التي جاء فيها" :الصم البكم
وغريهم من ذوي العاهات يسألون عن األرضار الناجتة من أفعاهلم أو أخطائهم إذا
كان هلم من التمييز الدرجة الالزمة لتقدير نتائج أعامهلم" .
272
270تنبغي اإلشارة ،إىل أن املرأة املتزوج ة مل يكن بإمكاهنا أن متارس التجارة بدون إذن زوجها ،تطبيقا للامدة السادسة والسابعة من القانون التجاري
القديم ،حيث نصت املادة األوىل " ال جيوز للمرأة املتزوجة أن تكون تاجرة يف املغرب بدون رىض زوجها مهام كانت مقتضيات قانوهنا لألحوال
الشخصية هبذا الصدد" .بينام نصت املادة الثانية –أي السابعة -عىل ما ييل " ومتى كانت املرأة متصفة بصفة تاجر جاز هلا أن تلتزم بدون إذن زوجها يف كل
ما يعود لشؤون جتارهتا ،ويف هذا احلال تلتزم بدون إذن زوجها إذا كان بينهام شيع يف األموال".
وإذا كان املرشع املغريب قد تراجع عن هذا احلجر الذي كان واردا عىل املرأة بمقتىض املادة 17من مدونة التجارة املغربية التي جاء فيها عىل أنه حيق للمرأة
أن متارس التجارة دون أن يتوقف ذلك عىل إذن من زوجها ،فإننا نود أن نشري إىل أن احلكم القديم كان من خملفات الفكر الغريب –الذي كان يقلل من
شأن املرأة ،بخالف الوضع بالنسبة للرشيعة اإلسالمية التي أنزلتها منزلة خاصة وأعطتها احلرية الكاملة يف الترصف بأمواهلا واالستقالل املايل ،-حيث إن
سلطات احلامية عندما وضعت القانون التجاري لسنة 1913تأثرت بالقوانني السارية املفعول أنذاك يف فرنسا.
للتعمق يف هذه النقطة ،راجع أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛
ص.223:
271من هذه الترشيعات القانون املرصي ،الذي نص عىل هذه احلالة بمقتىض املادة 70من قانون الوالية عىل املال ،حيث جاء فيها بأن الشخص
إذا كان أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم وتعذر عليه بسبب ذلك التعبري عن إرادته جاز للمحكمة أن تعني له مساعدا قضائيا يعاونه يف
إجراء الترصفات التي تستلزم إذنا من املحكمة.
272أمحد اخلملييش :املسؤولية املدنية لألبوين عن أبنائهام القارصين؛ مرجع سابق؛ ص.170:
123
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أغلب الترصفات القانونية يف هذه املرحلة كانت ترصفات شكلية وليست رضائية.
بعبارات أخرى ،فإن إرادة األفراد ال تتدخل يف حتديد آثار الترصف ،بل تتم مطابقة
هذا الترصف القانوين مع النموذج املحدد .إضافة لذلك ،فإن اهلم األكرب بالنسبة
للرومان كان هو احلفاظ عىل ثبات الترصفات القانونية واستقرارها.
غري أنه فيام بعد ،أصبح الغلط من أهم عيوب الرىض يف احلياة العملية ،وذلك
بسبب كثرة حدوثه؛ السيام أنه بخالف باقي العيوب األخرى التي حتدث نتيجة تدخل
من الغري ،فإن الغلط ينتج عن جمرد تصور خاطئ وقع فيه املتعاقد من تلقاء نفسه .كام
أنه من جهة أخرى مل تتفق الترشيعات ومل يستقر الفقه عىل رأي واحد بخصوص هذا
العيب ،حيث تنازعته جمموعة من اآلراء والنظريات؛ األمر الذي يقتيض منا أن نقف
273عبد املجيد احلفناوي :نظرية الغلط يف القانون الروماين؛ دراسة حتليلية وتأصيلية لفكرة الغلط مع حتليل شامل للنصوص؛ منشأة املعارف؛
1974؛ ص.21:
124
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عن ماهيته (أوال) ،وأيضا عىل موقف املرشع املغريب من نظرية الغلط (ثانيا).
كام تقتيض منا دراسة هذا العيب أن نتطرق لنقطتني مهمتني؛ أوهلام متييز الغلط يف
القانون عن قاعدة عدم العذر بجهل القانون (ثالثا) ،وثانيهام تناول إشكالية مدى
التعارض بني نظرية الغلط ومبدأ استقرار املعامالت أو األمن القانوين (رابعا).
هو حالة تقوم بالنفس حتمل عىل توهم غري الواقع .وغري الواقع إما أن يكون واقعة غري
صحيحة يتوهم اإلنسان صحتها .أو واقعة صحيحة يتوهم عدم صحتها.
لعل ما يميز الغلط عن باقي عيوب الرىض ،كام يتضح لنا من التعاريف السالفة الذكر
التي أعطاها الفقه للغلط ،هو أن العيوب األخرى املتمثلة أساسا يف التدليس واإلكراه
وأيضا يف خمتلف حاالت الغبن السيام املقرونة بالتدليس أو االستغالل تقع نتيجة لتأثري
الغري ،بخالف الوضع بالنسبة للغلط الذي ينتج عن تصور ذايت خاطئ خمالف للواقع يقع
فيه املتعاقد الذي تعيبت إرادته من تلقاء نفسه.
وقد جتاذبت فكرة الغلط نظريتان ،األوىل تسمى بالتقليدية (أ) ،والثانية .226
274عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول مصادر االلتزام؛ مرجع سابق؛ ص.311:
125
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
يؤجر شخص معني منزله بأجرة سنوية ،بينام يعتقد الطرف اآلخر عىل أنه يبيعه هذا
املنزل مقابل إيراد مرتب سنوي؛ أما الغلط الواقع يف ذاتية املحل فمن قبيل البائع 276
الذي يبيع عقارا معينا يف الوقت الذي انرصفت فيه إرادة املشرتي إىل عقار آخر؛
وأخريا فإن الغلط يف السبب يمثل له الفقه باحلالة التي يتفق فيها الورثة مع املوىص
277
هلم عىل قسمة العني الشائعة بينهم ثم يتبني بعد ذلك أن الوصية باطلة.
لعل الذي نستشفه من مجيع هذه الصور للغلط املانع ،L’érreur obstacle
هي أهنا ال تقترص عىل تعييب اإلرادة وإنام تعدمها بشكل تام؛ ولذلك فهي تسمى
بالغلط املانع أو الغلط احلائل دون انعقاد العقد ،مادام هناك غياب تام للتطابق بني
اإلرادتني .ولذلك ،فإن الفقه يستبعد دراسة هذا النوع من الغلط بمناسبة حديثه عن
صحة الرتايض ،ألنه يتصل بوجود الرتايض ،حيث إن هذا األخري يعترب غري موجود يف
حالة الغلط املانع ،مما يعني أن العقد منعدم وباطل.
.2الغلط املؤثر أو املنتج
.229يسمى هذا النوع بالغلط املؤثر أو املنتج ،ألنه يؤثر يف سالمة إرادة املتعاقد
ويف صحة العقد ،حيث يستتبع هذا الغلط قابلية العقد لإلبطال .ويتحقق هذا النوع 278
يف حالتي؛ األوىل إذا وقع الغلط يف مادة اليشء حمل التعاقد ،كأن يتم التعاقد عىل رشاء
275ي اسني حممد اجلبوري :الوجيز يف رشح القانون املدين ،اجلزء األول ،مصادر احلقوق الشخصية ،مرجع سابق؛ ص.200:
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P:158.
276 FLOUR Jacques, Jean-Luc AUBERT et Eric SAVAUX : Droit civil, les obligations, 1. L’acte juridique,
op.cit ; P:158.
277أنور سلطان :مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.87:
278 FLOUR Jacques, Jean-Luc AUBERT et Eric SAVAUX : Droit civil, les obligations, 1. L’acte juridique,
Op.cit, P:159.
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P:160.
126
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
قطعة أرضية العتقاد املشرتي أهنا صاحلة للبناء ثم يتبني له أهنا غري ذلك ،وإنام معدة
فقط للفالحة؛ أما احلالة الثانية فهي املتمثلة يف الغلط الواقع يف هوية الشخص املتعاقد
معه إذا كانت شخصيته حمل اعتبار يف العقد كطبيب جراح مشهور مثال أو حمامي
مقبول للرتافع أمام حمكمة النقض.
.3الغلط غري املؤثر أو غري املنتج
كام يتضح من تسميته ،فإن هذا النوع من الغلط ال تأثري له عىل عنرص .230
الرتايض؛ أي أنه ال يؤثر يف سالمة إرادة املتعاقد وال يف صحة العقد ،الذي يبقى مع
ذلك صحيحا ومنتجا لكافة آثاره القانونية؛ ومن قبيل هذا النوع الغلط يف القيمة،
الغلط يف الباعث ،والغلط يف احلساب ،إضافة حلاالت التوهم التي تقع بخصوص
شخصية املتعاقد أو صفته إذا مل يكن هلا أي اعتبار يف العقد.
.231نستشف مما سبق ،أن الفقه الفرنس التقليدي ورث عن القانون الفرنس
القديم تقسيم الغلط إىل ثالثة أنواع كام سبق أن أرشنا لذلك؛ ورتب عن حتقق كل نوع
منها جزاء قانونيا معينا ،حيث رتب عن الغلط املانع بطالن العقد ،يف حني جعل اجلزاء
بالنسبة للنوع الثاين القابلية لإلبطال ،أما الصورة الثالثة من الغلط فإهنا ال تؤثر يف صحة
العقد .غري أن القضاء الفرنس مل يأخذ هبذه النظرية التقليدية ،كام مل يعتد هبا الفقه احلديث
الذي اعتمد نظرية جديدة للغلط ،تسمى بالنظرية احلديثة ،وهي موضوع الفقرة املوالية.
279; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:160.
127
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.233وقد تبنت معظم الترشيعات احلديثة هذه النظرية ،كام هو الشأن بالنسبة
للقانون السويرسي بمقتىض املادة 23منه والقانون املدين املرصي ،280الذي نص عليها
بمقتىض املادتني 120و 121منه؛ حيث جاء يف األوىل "إذا وقع املتعاقد يف غلط جوهري
جاز له أن يطلب إبطال العقد إن كان املتعاقد اآلخر قد وقع مثله يف هذا الغلط أو كان عىل
علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه" .أما املادة 121مدين مرصي فقد نصت عىل ما
ييل .1" :يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من اجلسامة بحيث يمتنع معه املتعاقد عن إبرام
العقد لو مل يقع يف هذا الغلط .2 .ويعترب الغلط جوهريا عىل األخص :أ -إذا وقع يف صفة
لليشء تكون جوهرية يف اعتبار املتعاقدين ،أو جيب اعتبارها كذلك ،ملا يالبس العقد من
ظروف وملا ينبغي يف التعامل من حسن النية .ب-إذا وقع يف ذات املتعاقد أو يف صفة من
صفاته ،وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيس يف التعاقد".
280عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام ،مرجع سابق؛ ص.218:
281نص الفصل 43من ق.ل.ع.م .عىل ما ييل "جمرد غلطات احلساب ال تكون سببا للفسخ وإنام حيب تصحيحها".
أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.242:
=
128
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أما الغلط املنتج أو املؤثر الذي خيول حق املطالبة بإبطال العقد ،فقد مثل له املرشع
املغريب يف الغلط يف مادة اليشء ونوعه ( ،)1الغلط يف شخص املتعاقد أو صفته (،)2
وأخريا الغلط احلاصل من الوسيط (.)3
.1الغلط يف مادة اليشء ونوعه
.236نص عىل هذه الصورة من الغلط املؤثر الفصل 41من ق.ل.ع .الذي جاء
فيه " خيول الغلط اإلبطال ،إذا وقع يف ذات اليشء أو يف نوعه أو يف صفة فيه ،كانت هي
السبب الدافع إىل الرىض" .وتبدو لنا مالحظتي أساسيتي بخصوص هذه املادة،
نوردمها تباعا؛ املالحظة األوىل ،تتمثل يف استعامل املرشع املغريب ملصطلح ذات
اليشء ،يف الوقت الذي يؤدي فيه هذا النوع من الغلط إىل البطالن وليس إىل جمرد 282
اإلبطال ،ألنه صورة من صور الغلط املانع التي سبق لنا الوقوف عندها؛ األمر الذي
دفع مجهور الفقه املغريب إىل القول بأن املرشع املغريب إنام خانه التعبري ،حيث يقصد 283
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين امل غريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها
القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.101:
282أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ منشورات عكاظ؛ الطبعة
الثانية1987/؛ ص.234:
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها
القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.103:
عبد احلق صايف :القانون املدين ،اجلزء األول :املصدر اإلرادي لاللتزامات ،العقد ،الكتاب األول تكوين العقد؛ مرجع سابق؛ ص.312:
مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول ،مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص.77:
283أمحد شكر ي السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.234:
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص.103:
عبد احلق صايف :القانون امل دين ،اجلزء األول :املصدر اإلرادي لاللتزامات ،العقد ،الكتاب األول تكوين العقد؛ مرجع سابق؛ ص.312:
129
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املنصوص عليها يف الفصلني 41و 42السابقني وذلك دون إخالل بالقواعد العامة
املتعلقة باخلطأ وال بحكم الفصل 430يف احلالة اخلاصة بالربقيات".
ب :حالة الغلط يف القانون تظهر تأثر املرشع املغريب بالنظرية احلديثة
يقصد بالغلط يف القانون ،ذلك الغلط الذي يقع عىل حكم من أحكام .240
القانون يف أمر من أمور الترصف القانوين ،أو بتعبري بعض الفقه املغريب هو تلك
286
احلالة التي يتعاقد فيها الشخص معتقدا بأن القانون يقيض فيها بحكم معني ثم يتبني له
284املقصود اإلبطال.
285املقصود اإلبطال.
286أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.227:
ع بد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب ،اجلزء األول :نظرية االلتزامات ،مرجع سابق ،ص.105:
130
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
خالف ذلك .ومن أمثلته ،أن يتنازل شخص معني عن نصيبه من تركة زوجه آلخر،
اعتقادا منه أن نصيبه منها ال يتعدى الربع ،بينام هو يقدر بالنصف.
.241وقد تطلب املرشع املغريب لتحقق هذه الصورة من الغلط رضورة توفر
رشطي أساسيي ،كام يتضح لنا من مراجعة أحكام الفصل 40من ق.ل.ع .الذي جاء
فيه "الغلط يف القانون خيول إبطال االلتزام:
-1إذا كان هو السبب الوحيد أو األسايس؛
-2إذا أمكن العذر عنه".
.242تنبغي اإلشارة ،إىل أنه بالرغم من حتقق الرشوط السالفة الذكر ،فإن املرشع
قد ال جييز يف بعض احلاالت اخلاصة االعتداد بالغلط يف القانون كمربر لإلبطال،
وذلك بمقتىض نصوص قانونية ،كام هو الشأن بالنسبة للفصل 1112من ق.ل.ع.
الذي جاء فيه "ال جيوز الطعن يف الصلح بسبب غلط يف القانون ،وال جيوز الطعن فيه
بسبب الغبن إال يف حالة التدليس" .وقد طبق القضاء املغريب هذا املقتىض يف العديد من
قراراته ،من ذلك القرار الصادر عن املجلس األعىل بتاريخ 20ماي ، 1967الذي
287
جاء فيه " إن العقد الذي جيعل حدا للنزاع بتخيل كل طرف عن بعض مزاعمه لفائدة
اآلخر ال يمكن اعتباره عقدا مصححا لعقد آخر وبالتايل ال يمكن احلكم ببطالنه
لبطالن العقد من أجل الغلط وانتفاء السبب ،وإال أزيلت عنه صفة الصلح ومل تطبق
املحكمة القانون تطبيقا سليام مما جيعل حكمها معيبا بخرق القانون معرضا للنقض".
ونؤيد ما ذهب إليه بعض الفقه املغريب يف تعليقه عىل هذه املادة ،من كون غاية
288
املرشع من هذا النص تتمثل يف تاليف الطعن يف الصلح لغلط يف القانون؛ مع ما يستتبع
ذلك من منع إثارة اخلالق من جديد يف الوقت الذي يكون فيه النزاع قد انتهى بحلول
توافقية بني أطرافه عن طريق تنازل كل واحد منهام عن جزء من احلق الذي يدعيه.
131
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الوجوه أن حيتج أحد املخاطبي بالقاعدة القانونية بجهله لألحكام الواردة فيها.
نرى أن املربر األسايس هلذا املبدأ هو املساواة بي املخاطبي بالقانون ،حيث إن
عدم األخذ هبذه القاعدة يمكنه أن يؤدي إىل رسياهنا عىل البعض فقط ،ومن ثم فإنه
حتى يتم احرتام املساواة أمام القانون الذي يعترب مبدأ دستوريا ،فإنه ينبغي خضوع
مجيع املخاطبني بالقاعدة القانونية ألحكامها سواء كانوا يعلموهنا أم ال.
.244قد يبدو أن هناك تناقض ،عىل األقل ظاهريا ،بني قاعدة عدم العذر بجهل
القانون ومضمون الفصل 41من ق.ل.ع .الذي يتسامح مع الشخص الذي يقع يف
غلط يف القانون ،حيث خيوله إمكانية املطالبة بإبطال العقد؛ يف حي أن احلقيقة تظهر لنا
عكس ذلك ،حيث إنه يف حالة الغلط يف القانون فإن املتعاقد يعتقد أن القانون خيوله
حق معني أو حيرمه منه فيتبني له عكس ذلك ،ففي هذه احلالة أجاز له املرشع املطالبة
بإبطال العقد ،والسبب يف ذلك هو أن هذا الشخص ال يرغب يف التهرب من تطبيق
القانون عليه بحجة عدم علمه به ،وإنام يرغب يف تصحيح الوضعية بناء عىل ما ينص
عليه القانون.
إضافة لذلك ،فإن املرشع قد وضع جمموعة من القيود لقبول العذر بالغلط يف
القانون رغبة منه يف جتنب فتح املجال للتحايل أو التهرب من األحكام القانونية ،لذلك
فإن هذه القاعدة ال يمكن تطبيقها عىل األشخاص الذين يفرتض فيهم العلم
بمقتضيات القاعدة التي يدعي الغلط بشأهنا ،فال يمكن أن نقول بأن املحامي أو املوثق
معذور بجهله يف كون الوصية ينبغي أن تكون يف حدود الثلث.
132
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املعطيات ،نتساءل عن مدى إمكانية اعتامد القضاء عىل نظرية الغلط من أجل محاية
إرادة املستهلك.
.246يبدو أن القضاء حياول جاهدا أن يراعي جمموع هذه املعطيات ،حيث نجده
يتشدد يف قبول الدفع بالغلط من طرف األشخاص املحرتفني ،ويف مقابل ذلك يتساهل
إزاء غريهم كاملكرتي ،واملقرتض واملستهلك عموما .وقد ظهر لنا هذا التوجه لدى
القضاء الفرنس ،الذي قرر أنه كلام كان العقد حمتويا عىل رشوط معقدة ،السيام بالنسبة
لألشخاص غري املحرتفني الذين تنقصهم اخلربة ،فإن املشرتط يلتزم بتقديم كافة
البيانات من أجل توضيح هذه الرشوط ومداها ،مما جينب املتعاقد غري اخلبري من
الوقوع يف الغلط .
291
.247بخالف القضاء املغريب ،فإن نظريه الفرنس عمل عىل التوسع يف تفسري املادة
1110مدين قبل تعديلها ،املقابلة للفصل 41ق.ل.ع.م ،بام من شأنه محاية املستهلك 292
باعتباره الطرف الضعيف؛ فقد قضت حمكمة النقض الفرنسية يف قرار هلا بتاريخ 18
يوليوز 1958بإبطال عقد قرض مؤجل لكون املقرتض وقع يف غلط عندما اعتقد بأن
القرض يدفع فور التعاقـد .ويف قرار هلا بتاريخ 15فرباير 1950ذهبت فيه إىل "أن 293
290عمر السيد مؤمن :الغلط املفسد للرضا يف قانون املعامالت املدنية اإلمارايت ،دراسة مقارنة بالقانون املدين املرصي والفقه اإلسالمي،كلية
احلقوق/جامعة القاهرة ،طبعة .1991
291 Berlioz G. : Le contrat d’adhésion, L.G.D.J, PARIS, 1973, P:101.
أصبحت هي املادة 1132بمقتىض التعديل الذي تم باألمر الصادر بتاريخ 10فرباير 2016؛ وقد جاء فيها: 292
« l’erreur de droit ou de fait, à moins qu’elle ne soit inexcusable, est une cause de nullité du contrat
lorsqu’elle porte sur les qualités essentielles de la prestation due ou sur celles du contractant ».
293 Berlioz G. : op.cit, p:100.
=
133
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عدم إظهار الرشط الذي ينص عىل عدم إمكان االستفادة من القرض إال بعد مرور
عدة سنوات يف مكان متميز من العقد ،فإن الرشكة املقرضة تكون قد أوقعت عميلها
يف غلط جوهري متعلق بأحد رشوط العقد األساسية" .
294
من أجل توسيع دائرة احلامية للمستهلكني ،فإن حمكمة النقض الفرنسية بدأت
تتوسع مؤخرا يف تقرير أنواع الغلط القابل لإلبطال ،ففي قرار هلا بتاريخ 17مارس
1987قضت بحامية املتعاقد الذي وقع يف غلط بالنسبة لرشط متعلق بعدم الضامن .
295
كل ذلك بخالف القضاء املغريب ،الذي ظل وفيا لروح الفصول املنظمة للغلط دون أن
يتمكن من التوسع يف تفسريها ،بام خيوله محاية الطرف الضعيف ويساير املتغريات التي
عرفتها وتعرفها املعامالت.
.248بالرغم من التوسع الذي قام به القضاء الفرنس يف نظرية الغلط ،حماولة منه
لتحقيق قدر من التوازن يف ظل انتشار الرشوط التعسفية والعقود النمطية ،بام يمكنه أن
يؤدي إىل محاية إرادة املستهلك ،فإن هذه النظرية كام يقول األستاذ عبد الباسط
اجلميعي تظل قارصة عىل أن تكون الوسيلة الفعالة يف هذا املجال ،خصوصا ملا 296
يرتتب عن إعامهلا من إبطال للعقد ،وليس جمرد استبعاد الرشوط التعسفية مع اإلبقاء
عىل وجوده.
الفقرة الثانية :اإلكراه
.249تناول املرشع املغريب اإلكراه يف الفصول من 46إىل 51من قانون االلتزامات
والعقود؛ ويقتيض منا تناول هذا العيب أن نقسمه هو اآلخر إىل أربع حماور ،نتناول يف
األول تعريف اإلكراه (أوال) ،ثم بعد ذلك نقف عند أنواعه (ثانيا) ،ورشوطه (ثالثا)،
ويف األخري نقف عند مدى استجابة األحكام التي خصصها القانون املغريب هلذا العيب
يف التوفيق بني الرغبة يف محاية إرادة الطرف املكره –بفتح الراء -وحتقيق األمن القانوين
(رابعا).
134
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عىل مستوى الفقه املغريب ،نحبذ التعريف الذي وضعه األستاذ العرعاري ،حيث
ذهب إىل أن اإلكراه هو عبارة عن ضغط غري مرشوع يامرس عىل إرادة الشخص فيولد
لديه حالة من الرهبة واخلوف مما يدفعه أو حيمله عىل التعاقد .فاإلكراه إذن يصيب
298
اإلرادة يف أحد عنارصها ،وهو عنرص احلرية واالختيار ،حيث إن الرهبة التي ولدها
اإلكراه هي التي تدفع املتعاقد إىل التعاقد ،ومن تم كانت اإلرادة معيبة.
قبل االنتقال إىل تناول خمتلف األحكام التي خصها املرشع املغريب هلذا .252
العيب ،نشري إىل أن الفقه اإلسالمي ينظر إىل اإلكراه باعتباره عيبا يشوب الرضا بنفس
نظرة القانون املعارص إليه ،فهو ال يعدم اإلرادة وال االختيار وإنام يعدم فقط ما يطلقون
297عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام؛ مرجع سابق؛ ص.360:
وهذا التعريف قريب من ذلك الذي ذهبت له حمكمة النقض املرصية ،التي عرفته كام ييل "اإلكراه املبطل للرضا ال يتحقق إال بالتهديد املفزع يف
النفس أو املال ،أو باستعامل وسائل ضغط أخرى ال قبل للمكره باحتامهلا أو التخلص منها ،ويكون من نتائج ذلك خوف شديد حيمل املكره عىل
اإلقرار بقبول ما مل يكن ليقبله اختيارا".
298عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب ،اجلزء األول :نظرية االلتزامات ،مرجع سابق ،ص.117:
135
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عليه "الرضا" باملعنى اخلاص هلذا االصطالح عندهم والذي يفيد جمرد الرغبة يف األمر
واالرتياح إليه ،وهكذا فاالختيار موجود ولكنه فاسد .
299
أما اإلكراه املعنوي ،فإنه يتم بالتهديد باإليذاء بالقتل أو الرضب ،فيقبل الشخص
املتعاقد تفاديا لألمل املستقبل ،ولعل النوع الثاين هو األكثر شيوعا يف وقتنا احلايل .فهذا
النوع هو الذي يعيب اإلرادة ،حيث تكون فيه هذه األخرية موجودة ،إال أهنا ليست
حرة ،وهو ما يسمى باإلكراه املفسد للرضاء ،Violence visant le consentement
299عبد الفتاح عبد الباقي :نظرية العقد واإلرادة املنفردة؛ مرجع سابق؛ ص.382 :
ومن بني الفقرات اجلامعة التي أوردها الفقه والتي تلخص موقف الفقه اإلسالمي هبذا اخلصوص ،نورد تلك التي ذكرها الفقيه أنور سلطان؛
حيث كتب "اإلكراه يف الفقه اإلسالمي هو محل الغري عىل ما ال يرضاه؛ ذلك أن اإلرادة يف الفقه اإلسالمي تتكون من عنرصين ،مها االختيار
والرضا.واالختيار هو القصد إىل التلفظ بالعبارة املنشئة للعقد؛ أما الرضا فهو الرغبة يف أثار العقد عند التلفظ بام يدل عىل إنشائه .وعىل هذا
فوجود الرضا يستلزم وجود االختيار ،أما االختيار فقد يوجد دون وجود الرضا ،ولذا فإن املكره يعترب غري راض يف العقد لعدم رغبته يف حتمل
اآلثار التي يولدها ،ولكنه خمتار ألنه عرف الرشين واختار أهوهنام".
أنور سلطان :مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.71:
136
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
حيث يكون املتعاقد أمام خيارين إما أن يتحمل األذى أو يتعاقد ،فيختار التعاقد لدرء
األذى عن نفسه.
.255ويستبعد الفقه النوع األول منه ،بحيث يؤكد أنه ال عالقة تربطه بعيوب
الرضا ،عىل اعتبار أن إرادة املتعاقد تكون قد انعدمت ،مما جيعله أقرب إىل القوة 300
القاهرة منه إىل جمرد عيب يف اإلرادة ،أما اإلكراه املعنوي فهو الشائع ،وهو الذي يعنينا
يف هذه الفقرة.
300للتعمق يف إشكالية اإلكراه ،يمكن الرجوع إىل مؤلف الدكتور عمر السيد مؤمن :اإلكراه املفسد للرضا يف قانون املعامالت املدنية اإلمارايت ،دراسة
مقارنة بالقانون املدين املرصي والفقه اإلسالمي ،كلية احلقوق ،القاهرة ،طبعة .1998
137
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
يف رضورة أن تكون وسائل الضغط املستعملة عىل جانب من اخلطورة ،كام يتضح
301
من مقتضيات الفصل 47من ق.ل.ع .الذي نص عىل أن اإلكراه ال خيول اإلبطال إال:
.1إذا كان هو السبب الدافع إليه؛
.2إذا قام عىل وقائع من طبيعتها أن حتدث ملن وقعت عليه إما أملا جسيام أو
اضطرابا نفسيا ،أو اخلوف من تعريض نفسه أو رشفه أو أمواله لرضر كبري ،مع مراعاة
السن والذكورة واألنوثة وحالة األشخاص ودرجة تأثرهم".
أما الشق الثان من العنرص املوضوعي ،فيتمثل يف اشرتاط خمتلف الترشيعات
لالعتداد باإلكراه كعيب من عيوب اإلرادة وبالتايل اعتباره سببا موجبا لإلبطال ،أن
يتم ممارسته خارج نطاق املرشوعية ؛ واألمثلة كثرية عىل ذلك ،من قبيل أن يتم هتديد
302
شخص معني بقتله شخصيا أو أحد من أقاربه إذا مل يوقع عىل عقد معني ،فوسائل
اإلكراه هذه متارس خارج نطاق املرشوعية ،أي أهنا تتم باستعامل وسائل غري مرشوعة
وهتدف إىل حتقيق غرض غري مرشوع ،لذلك فهي ختول للمكره إمكانية املطالبة بإبطال
العقد بناء عىل تعيب إرادته.
.259إضافة لذلك ،فإن وسائل اإلكراه تؤدي إىل تعيب إرادة املكره ،وبالتايل ختول
له إمكانية املطالبة بإبطال العقد بناء عىل هذا العيب ،حتى لو كانت هذه الوسائل مرشوعة
إذا كانت هتدف إىل حتقيق غرض غري مرشوع ،كام هو الشأن بالنسبة للحالة التي استشهد
هبا املرشع املغريب يف الفصل 48من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "اخلوف الناتج عن املطالبة
القضائية أو عن اإلجراءات القانونية األخرى ال خيول اإلبطال ،إال إذا استغلت حاجة
املتعاقد املهدد بحيث تنتزع منه فوائد مفرطة أو غري مستحقة ."...،ومن قبيل هذه
احلاالت أيضا ،مفاجأة شخص آلخر متلبسا بجريمة معينة ،فيستغل هذا الظرف ليجربه
301 TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:246.
302
FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit ; P:186.
TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:247.
138
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عىل توقيع عقد يتضمن مبلغا ماليا كبريا ليس له أي حق فيه أو أكثر من حقه .من قبيل
ذلك ،احلالة التي يكون فيها الزوج متابعا بجريمة اخليانة الزوجية ،فتشرتط عليه الزوجة
من أجل التنازل عن الشكاية يف مواجهته أن يتنازل هلا عن حق معني كاملنزل.
بمفهوم املخالفة ،فإن وسائل الضغط إذا كانت متارس يف نطاق املرشوعية التامة،
أي أن الوسيلة مرشوعة والغاية أيضا مرشوعة ،فإن اإلكراه يف هذه احلالة ،وإن كان
يؤثر عىل اإلرادة ،فإنه ال يصل إىل درجة تعييبها بام يسمح بإبطال العقد ،وهذا ما يتضح
لنا من مقتضيات الفصل 48من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "اخلوف الناتج عن التهديد
باملطالبة القضائية أو عن اإلجراءات القانونية األخرى ال خيول اإلبطال".
.260بقيت نقطة أخرية فيام يتعلق هبذا العنرص ،مل يتفق الفقه بشأهنا ،وهي املتعلقة
بالصورة التي تكون فيها الغاية من استعامل وسائل اإلجبار مرشوعة ،إال أن الوسائل يف
حد ذاهتا غري مرشوعة ،كام هو الشأن بالنسبة لتهديد شخص بالتشهري به إذا مل يرد إليه
حقه ،أو حالة الزوجة التي هتدد زوجها املتقاعس يف اإلنفاق عليها باختطاف أبنائهام إذا مل
يرسع يف القيام بواجباته.
فجمهور الفقه ،ذهب إىل أن هذه الوسائل ال تؤدي إىل إبطال العقد ما دامت مل 303
تصل إىل درجة اجلريمة املعاقب عليها؛ يف حني يرى جانب آخر من الفقه عىل أن
304
اإلكراه يتحقق كلام كانت الوسيلة غري مرشوعة أو الغاية غري مرشوعة ،بغض النظر عام
إذا وصلت هذه الوسيلة إىل درجة اجلريمة أو مل تصل؛ ذلك أن اإلكراه يتحقق كلام كان
القانون ال جييز استعامل وسيلة سواء كانت القاعدة جنائية أم مدنية .مربرا ذلك ،بكون
اإلقرار بغري ذلك يعني إحياء جديد لنظام العدالة اخلاصة.
303أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.297:
مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول ،مصادر االلتزامات؛ بدون ذكر دار النرش وال سنة
الطبع؛ ص.24:
عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام ،مرجع سابق؛ ص.371:
عبد القادر ال عرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،مرجع سابق؛ ص.120:
أنور سلطان :مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.73:
304إدريس العلوي العبدالوي :رشح القانون املدين ،النظرية العامة لإللتزام؛ نظرية العقد؛ مطبعة النجاح اجلديدة /الدار البيضاء1981/؛ ص.120:
139
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بعبارات أخرى ،فإن اإلكراه يف ذاته ال يعيب الرضا ،بينام الذي يعيبه ما يولده يف نفس
املكره –بفتح الراء -من رهبة .وهذا العنرص يتضح لنا من خالل الفقرة الثانية من
الفصل 47من ق.ل.ع.
بل إن أحكام هذا الفصل ،تؤكد لنا أن املرشع املغريب راعى كل العوامل
الشخصية التي يمكنها أن حتدد درجة التأثري عىل نفسية املتعاقد ،والتي تتمثل يف
تنصيصه عىل رضورة مراعاة السن والذكورة واألنوثة وحالة األشخاص ودرجة
تأثرهم.
.262قبل االنتهاء من هذا العيب من عيوب الرىض ،فإنه ينبغي أن نقف عىل
مالحظتي أساسيتي:
املالحظة األوىل؛ أنه سواء صدر فعل اإلكراه من املتعاقد أو الغري ،كان هذا األخري
متواطئا مع الشخص املستفيد من اإلكراه أو غري متواطأ معه؛ وهذا ما نص عليه
الفصل 49من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "اإلكراه خيول إبطال االلتزام وإن مل يبارشه
املتعاقد الذي وقع االتفاق ملنفعته" .بل إن الفصل املوايل –أي الفصل -50نص عىل
أن اإلكراه خيول اإلبطال ،ولو وقع عىل شخص يرتبط عن قرب مع املتعاقد بعالقة
الدم.
يبدو أن هذا املوقف هو الذي سبق أن أخذ به القانون الفرنس ،وأيضا هو نفسه
موقف الفقه اإلسالمي؛ ويف املقابل ،نجد بعض الترشيعات العربية اختذت موقفا
مغايرا كام هو الشأن بالنسبة للقانون املدين املرصي ،حيث تشرتط املادة 128منه أن
305; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; p :94.
140
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
يكون اإلكراه املفسد للرضا صادرا من قبل املتعاقد اآلخر ،أما إذا كان صادرا من
شخص أجنبي عن العقد ،فإن هذا اإلكراه ال يفسد الرضا إال إذا كان متصال بالعاقد
اآلخر بأن كان يعلم به أو كان من املفروض عليه العلم به.
أما املالحظة الثانية؛ فتتمثل يف القاعدة التي أشار إليها الفصل 51من ق.ل.ع.
حيث أشار إىل أن اخلوف الناشئ عن االحرتام ال خيول اإلبطال ،إال إذا انضمت إليه
هتديدات جسيمة أو أفعال مادية .أي أن املبدأ ،أن النفوذ األديب ال يكفي كوسيلة
306
لإلكراه إال إذا جتاوز صاحب هذا النفوذ يف استغالله احلد املتعارف عليه بني الناس
وكان هذا النفوذ مصحوبا بوسائل أخرى ،أو بتعبري الفصل السالف الذكر إذا انضمت
إليه هتديدات جسيمة؛ أو بحسب تعبري بعض الفقه املغريب ،أن هذه اخلشية املقرونة
بالضغط تتحول إىل إكراه حقيقي .
307
.264نشري بداية إىل أن أول مالحظــة تبني لنا عجز نظرية اإلكراه عن حتقيق
اهلدف املنشود ،تتمثل يف التعريف الذي أعطاه الفصل 46من ق.ل.ع ،حيث تطلب
من خالله حصول فعل االنتزاع من طرف املكره ،وهو ما ال يظهـر أنه ينطبق عىل
حالتنا هذه ،بالرغم من أن بعض الفقه حاول باالعتمـاد علـى بعـض القرارات
308
306من قبيل النفوذ األديب ،ذلك الذي يكون لألب عن أبنائه أو للزوج عىل زوجته أو الرئيس عىل مرؤوسه.
307ذهب القضاء املغريب إىل تقرير اإلبطال بسبب اإلكراه املعيب للرضا يف حالة حبس األم البنتها احلامل يف غرفتها والتي هي عىل وشك
االقرتان بمن سبب هلا احلمل ،وهتديدها إياها برتكها آلالم الوضع إذا مل توقع ورقة تتنازل بمقتضاها عن مجيع حقوقها ألختها.
أشار إليه الطيب الفصاييل يف مؤلفه :النظرية العامة لاللتزام ،اجلزء األول ،ص.96:
أبو ستيت :نظرية االلتزام ،بدون ذكر سنة الطبع ،ص.176: 308
141
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الصادرة عن املحاكم الفرنسية للقول بتحقق اإلكراه حتى يف احلاالت التي ال يقـوم
فيها املكره سوى بعمل سلبي ،ما دام يستغله ،وحيقق به نفس أهداف العمل اإلجيايب،
املتمثل يف االنتزاع .
.265زد عىل ذلك ،أنه حتى يف حالة القول بانطباق نظرية اإلكراه عىل الطرف
الضعيف اقتصاديا ،فإنه ال يعترب حال ناجعا ،مادام يرتتب عىل ذلك إبطال العقد،
309
وليس اإلبقاء عليه مع حماولة حتقيق التوازن بني التزامات الطرفني ،وهو ما ال يرغب
فيه أي من املتعاقدين ،بل إنه يؤدي إىل اضطراب السوق ،عىل اعتبار أن جل العقود
التي تربم يف وقتنا احلايل تتميز هبذه اخلصائص ،وهو ما جيعلنا نتساءل عن فائدة متسك
القايض بباقي العيوب األخرى ،ما دام يرتتب عنها مجيعا نفس اجلزاء املدين ،ويف
مقدمتها عيب التدليس ،الذي نخصص له الفقرة املوالية.
بأنه إيقاع املتعاقد يف غلط يدفعه إىل التعاقد .والتدليس ال جيعل العقد قابال لإلبطال إال
للغلط الذي يولده يف نفس املتعاقد .وإذا انتقلنا إىل الفقه املغريب نجده هو اآلخر
312
عرف التدليس بكونه عبارة عن جمموعة من الوسائل االحتيالية التي يامرسها أحد
309 Ghestin
J. : Traité de droit civil, la formation du contrat, 3ed, L.G.D.J ; P:564.
Calais auloy J. : op.cit, P:156.
310حممد حسن قاسم :الوجيز يف نظرية االلتزام ،املصادر واألحكام ،طبعة ،1994ص.57 :
311عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام ،مرجع سابق؛ ص.343:
312عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب ،اجلزء األول :نظرية االلتزامات ،مرجع سابق ،ص.109:
142
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املتعاقدين قصد متويه احلقيقة وتضليل الطرف اآلخر اليشء الذي حيمله عىل التعاقد.
.267ومن ثم ،فإن التدليس خيتلف عن الغشاختالفا واضحا ،مادام أن األول
يرتبط بمرحلة تكوين العقد ،يف حني ال يمكن تصور الغش إال بعد تكوين العقد ،أي
أثناء تنفيذه أو خارجا عن دائرته باملرة؛ كام خيتلف التدليس عن النصب االحتيايل أو
التدليس اجلنائي الذي هيدف من ورائه املدلس عن طريق استعامل بعض األساليب إىل
حتق يق جمموعة من املصالح غري املرشوعة ،وغالبا ما تكون هذه الوسائل أشد جسامة
من تلك املستعملة يف التدليس املدين؛ هلذه االعتبارات ،فإن اجلزاء يكون أكثر قسوة يف
النصب االحتيايل ،حيث حدده املرشع يف جزاءات جنائية كام يتضح لنا من مقتضيات
الفصل 540من القانون اجلنائي املغريب .
313
313نص هذا الفصل عىل ما ييل " :يعد مرتكبا جلريمة النصب ،ويعاقب باحلبس من سنة إىل مخس سنوات وغرامة من مخسامئة إىل مخسة آالف
درهم ،من استعمل االحتيال ليوقع شخصا يف الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغالل ماكر خلطأ وقع فيه غريه ويدفعه
بذلك إىل أعامل متس مصاحله أو مصالح الغري املالية بقصد احلصول عىل منفعة مالية له أو لشخص آخر.
وترفع عقوبة احلبس إىل الضعف واحلد األقص للغرامة إىل مائة ألف درهم ،إذا كان مرتكب اجلريمة أحد األشخاص الذين استعانوا باجلمهور
يف إصدار أسهم أو سندات أو أذنوات أو حصص أو أي أوراق مالية أخرى متعلقة برشكة أو بمؤسسة جتارية أو صناعية".
143
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
باحليل والكتامن ،ومل يرش إىل الكذب بالرغم من كونه أخطر من الكتامن ،غري أنه من 314
املتفق عليه أنه متى كان مألوفا وال تأباه املعامالت اجلاري هبا العمل فإنه ال يستوجب
اإلبطال.
وقد أمجع الفقه عىل أنه بالرغم من كون القاعدة العامة تقيض بأن الكذب وحده
ال يكفي يف تكوين عنرص احليلة الالزمة للقول بتحقق عنرص التدليس ،فإنه مع ذلك
قد يكون الكذب ولو جمردا من الطرق االحتيالية بمثابة تدليس إذا تناول واقعة هلا
أمهيتها عند املتعاقد ،ذلك أنه ما كان ليتعاقد لوال التأكيدات غري الصحيحة التي
صدرت له يف شأهنا؛ وقد مثل لذلك بعض الفقه بحالة الشخص الذي يعطي رشكة
315
التأمني بيانات كاذبة بقصد إخفاء حقيقة األخطار التي يتعرض هلا والتي تزيد يف نفس
الوقت من تبعة الرشكة .نفس اليشء بالنسبة للحالة التي خيفي فيها الشخص كون
عقاره حمل نزع امللكية ،فيدفع املشرتي إىل إبرام العقد الذي يتفاجأ فيام بعد بكون عقاره
خمصص للمنفعة العامة.
.270أما اجلانب الثاين أو العنرص الثان فهو معنوي ويقصد به أن تنرصف نية
املدلس إىل تضليل املتعاقد معه .وبمفهوم املخالفة ،فإنه إذا ما انعدمت نية التضليل، 316
314 Ghestin J. : La réticence, le dol et l’erreur sur les qualité substantielles,1971, p:247.
DARI-MATTICCI Giuseppe : Vices du consentement et aléa moral à travers la jurisprudence de la
réticence dolosive ; droit et économie des contrats ; L.G.D.J. 2009 ; P:47.
315تابع هذا الفقه التعليق عىل هذه الوسيلة " ...والكذب يعترب خديعة وتغريرا يف الفقه اإلسالمي إذا وجد يف عقد من عقود األمانة التي يقال هلا
بيوع األمانة؛ حيث يطمئن املشرتي إىل أمانة البائع فيشرتي منه عىل أساس الثمن الذي اشرتى به السلعة فإذا بيعت السلعة عىل أن يزاد قدر
معلوم من الربح إىل الثمن األصيل سمي البيع مرابحة .وإذا بيعت عىل أن ينقص قدر معلوم من هذا الثمن سمي البيع وضيعة .وإذا بيعت بثمنها
األصيل سمي البيع تولية إذا أخذ املشرتي كل السلعة ،وسمي اشرت اكا إذا أخذ املشرتي بعضا منها .ففي هذه العقود إذا كذب البائع يف بيان الثمن
األصيل كان هذا الكذب تغريرا وسمي عمله خيانة .ومن أمثلة عقود األمانة يف العرص احلديث عقود التأمني عىل اختالف أنواعها ،سواء يف ذلك
التأمني عىل احلياة أو التأمني عىل األشياء أو ضد بعض األخطار.
ومن قبيل عقود األمانة يف الفقه اإلسالمي كذلك بيع االسرتسال واالستئامن ،حيث يبني العاقد أن ال دراية له بسعر السوق فيستأمن املتعامل
معه ويسرتسل إىل نصحه ويطلب إليه أن يبيع منه أو يشرتي بام تبيع الناس أو تشرتي به؛ فإذا كذب عليه املتعامل معه ،فإن هذا الكذب يعترب غشا
وتدليسا.
أنور سلطان :مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص 79:و.80
316يف هذا الصدد ،جاء يف قرار للمجلس األعىل بتاريخ 15يوليوز 1965بأن جمرد الكتامن ال يرتتب عنه بطالن التأمني الذي يستدعي عدم
الضامن ،بل ال بد من إثبات سوء نية املؤمن له ،فسوء النية ال يفرتض ،وأن عبء إثبات سوء النية إنام يقع عىل عاتق من يدعيه ،وهذا بخالف
=
144
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
فإنه ال يكون هناك تدليس؛ وهذه حالة التاجر الذي يقوم بإبراز سلعته بمختلف صور
اإلغراء هادفا من وراء ذلك إىل استهواء الزبناء.
االلتزام ،ومن ثم فهو ال يعترب دافعا إىل التعاقد كام هو الشأن بالنسبة للتدليس األصيل.
لذلك فإن الفقه جممع عىل أنه إذا كان النوع األول خيول املطالبة بإبطال العقد ،فإن
النوع الثاين ال خيول إال إمكانية املطالبة بالتعويض؛ وهذا احلكم هو الذي أكد عليه
املرشع املغريب بمقتىض الفصل 53من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "التدليس الذي يقع عىل
توابع االلتزام من غري أن يدفع إىل التحمل به ال يمنح إال احلق يف التعويض".
145
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
به أو كان بإمكانه العلم به .وقد أكدت عىل هذا الرشط العديد من الترشيعات ،يف
مقدمتها القانون املغريب الذي نص عليه يف الفصل 52من ق.ل.ع .حيث جاء فيه
"التدليس خيول اإلبطال ،إذا كان ما جلأ إليه من احليل أو الكتامن أحد املتعاقدين أو نائبه أو
شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت يف طبيعتها حدا بحيث لوالها ملا تعاقد الطرف
اآلخر ،ويكون للتدليس الذي يبارشه الغري نفس احلكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه
عاملا به".
.274تنبغي اإلشارة يف هناية هذه الفقرة ،إىل أن الفقه اإلسالمي خصص حيزا مهام
للتغرير الصادر من الغري املتواطئ مع العاقد املستفيد من التغرير ،كام هو الشأن بالنسبة
حلالة الناجش وحالة الدالل.
،1958حينام قضت بأن السكوت يف صورة الكتامن يمكن أن يكون فعال تدليسا.
وهذا ما سار عليه القضاء املغريب ،مع العلم أن هذا األخري بخالف نظريه الفرنس
قبل التعديل األخري املومأ إليه أعاله ،جيد سنده يف الفصل 52من ق.ل.ع ،حيث ذهبت
حمكمة النقض يف قرار هلا بتاريخ 4يونيو 1970إىل "أن كل اتفاق يعد الغيا إذا ثبت أن
املؤمن له قد كتم احلقيقة أو أفىض بترصيح غري صحيح ،وذلك إذا كان هذا الكتامن أو
318 Article
1137 stipule « le dol est le fait pour un contractant d’botenir le consentement de
l’autre par des manœuvres ou des monsenges.
Constitue également un dol la dissimulation intentionnelle par l’un des contractants d’une
information dont il sait le caractère déterminant pour l’autre partie ».
319 Cité
par Ghestin J. : traité de droit civil , le contrat , L.G.D.J, 1980, N 430 .
Ghestin J. : Conformité de garantie dans la vente, op.cit, p : 87.
146
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الترصيح من شأنه أن يغري موضوع املجازفة ،أو خيفف منها يف نظر املؤمن".320
بل إن القضاء الفرنس سمح للمدلس عليه بإمكانية التمسك باإلبطال حينام يتعلق
التدليس بمجرد رشط من رشوط التعاقد بدون أن يربطه بانعقاد العقد ذاته ،321واألكثر
من ذلك فقد منح للمدلس عليه إمكانية املطالبة إما بإبطال العقد أو قبول عرض املدلس
بتخفيض الثمن عوض اإلبطال ،322وهو غالبا ما يسعى إليه الطرف الضعيف ،الذي لن
جيديه نفعا اهنيار العقد ،يف ظل احلاجة وازدياد ظاهرة االحتكار بمختلف صوره.
.276مهام قيل بخصوص الدور الذي يستطيع أن يلعبه القايض بمقتىض نظرية
التدليس ،بسبب الصالحيات التي خيوهلا إياه ،من خالل منح املتعاقد دعوى اإلبطال مع
دعوى التعويض ،باإلضافة لسهولة إثبات الطرق االحتيالية ،فإنه بالرغم من ذلك تبقى
ذات فعالية حمدودة ،فالقضاء ال حيكم بالتدليس نتيجة الكتامن إال استثناء ،وحتى مع
توسيع دور القايض يف هذا املجال ،فإنه ال يصل بذلك إىل الوقوف بجانب الطرف
الضعيف يف العالقة التعاقدية ، 323ما دام أن النتيجة التي سيصل إليها هي إبطال العقد، 324
بينام هو يف أمس احلاجة إليه ،كل ما كان يرغب فيه هو عدم نفاذ الرشط جتاهه إذا كان
تعسفيا ،وختفيف باقي االلتزامات األخرى من قبل القايض حتى يتحقق نوع من التوازن.
147
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
نستشف من التعاريف السالفة الذكر ،أن الغبن ال يمكن تصوره إال يف جمال عقود
املعاوضة ،عىل اعتبار أن عقود التربع يعطي فيها أحد املتعاقدين وال يأخذ ،ومن ثم 326
ال يمكن احلديث عن عدم التعادل بني ما أخذ وما أعطى أو عن عدم التناسب ،هذا
من جهة؛ ومن جهة أخرى ،فإنه ال يمكن االعتداد بالغبن ،إال إذا كان فاحشا ،أي
وصل نسبة مهمة من القيمة السوقية.
.278بالرجوع للقانون املغريب ،نجده ال يعتد بالغبن الذي يلحق الشخص
الراشد .ونرى أن املوقف الذي تبناه املرشع املغريب بخصوص الغبن املجرد هو املوقف
الغالب يف القوانني ذات الصبغة الليربالية ،وهو أيضا موقف الفقه اإلسالمي؛ حيث
إنه ليس من الرضوري أن يكون تطابق أو تعادل تام بني قيمة ما أخذ أحد األطراف
وقيمة ما أعطاه إال استثناء ،نظرا العتناق هذه القوانني ملبدأ احلرية التعاقدية ،وإن
327
كان من املمكن أن يرتتب عىل ذلك تسلط الطرف القوي عن الطرف الضعيف ،فإن
ذلك يشكل إحدى رضوريات االستقرار التعاقدي حسب هذا املفهوم.
.279غري أن هذا املبدأ ،خيضع للعديد من االستثناءات التي تتمثل أساسا يف الغبن
املرتبط بالتدليس (أوال) ،وأيضا حالة الغبن الذي يلحق بالقارصين وناقيص األهلية
(ثانيا)؛ إضافة هلذه احلاالت الترشيعية ،فإن القضاء خول للمتعاقد إمكانية املطالبة
بإبطال العقد إذا حلقه الغبن بمناسبة بيع عقار غري حمفظ (ثالثا).
326 FLOUR Jacques, Jean-Luc AUBERT et Eric SAVAUX : Droit civil, les obligations, 1. L’acte juridique,
op.cit, P :207.
148
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عليه حماكم املوضوع ،والذي اعتمدت فيه عىل الفقه الذي نظمه ابن عاصم يف حتفته؛
ويف الوقت نفسه نجده ينقض قراراهتا التي اعتمدت فيه حماكم املوضوع عىل
مقتضيات قانون االلتزامات والعقود املغربية يف الفصول 55و.56
من ذلك القرار الصادر عن حمكمة النقض بتاريخ 24يناير ،1984الذي جاء فيه
"حقا فإن عقار النزاع ما دام غري حمفظ ،وأن النزاع عقاري لتعلقه بطلب إبطال بيع
لوجود غبن فيه ،فإن املطبق فيه هو قواعد الفقه املالكي الذي يقبل الغبن بأربعة
رشوط :أن يكون املغبون جاهال بعمله أي من شأنه أن يغبن جلهله باألثامن وحوالة
األسواق ،وأن يكون القيام بالغبن داخل السنة ،وأن يكون الثمن احلقيقي للمبيع يوم
البيع يزيد عىل الثمن الواقع به التعاقد بالثلث".
328قلنا عىل األقل عىل مستوى الغرفة الرشعية ،عىل اعتبار أنه إذا تعلق األمر بالعقارات املحفظة التي حتال عىل الغرفة املدنية ،فإهنا ستتمسك
بتطبيق مقتضيات قانون االلتزامات والعقود املغريب.
ولعل هذا التضارب ال يساهم يف توحيد العمل القضائي املغريب ،الذي يعترب أحد الوظائف األساسية للمجلس األعىل –أو حمكمة النقض
بحسب تسمية الدستور اجلديد.-
عبد املجيد غميجة :موقف املجلس األعىل من ثنائية القانون والفقه يف مسائل األحوال الشخصية؛ مرجع سابق؛ ص.566:
149
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.283من االستثناءات التي أوردهتا الترشيعات املقارنة عىل هذا املبدأ ،ما ذهب
إليه القانون املدين الفرنس فيام يتعلق بالبيوع العقارية ،بمقتىض املواد من 1674إىل
329
،1685والتي خولت للبائع جمموعة من اخليارات يف حالة إذا ما حلقه غبن بمناسبة بيعه
لعقار ما؛ وبحسب فقه القانون اخلاص ،فإن هذه املواد تطلبت جمموعة من الرشوط
لقبول دعوى البائع ،واملتمثلة فيام ييل:
أن يكون حجم الغبن يف حدود نسبة ،7/12أي بنسبة سبعة أجزاء من أصل
إثني عرش؛
-أن يتم رفع دعوى اإلبطال داخل السنتني املواليتني إلبرام البيع.
وبمجرد توفر هذه الرشوط ،فإن املرشع الفرنس بمقتىض املواد السالفة الذكر،
خول اخليارات التالية:
-ختويل البائع إمكانية رفع دعوى قضائية من أجل إلغاء هذا الترصف؛
-يف مقابل هذه اخليارات املمنوحة للبائع ،فإن القانون املدين الفرنس مكن
املشرتي يف حالة رغبته يف االحتفاظ باملبيع أن يدفع للبائع مقابل الغبن الذي حلقه ،ويف
هذه احلالة فإن املرشع مل يلزم املشرتي بدفع كل الفرق بني قيمة العقار احلقيقية وقت
329
Jacques FLOUR, Jean-Luc AUBERT et Eric SAVAUX : Droit civil, les obligations, 1. L’acte juridique,
op.cit, P :209.
Malaurie PH. et Aynes L.: cours de droit civil, les obligations, 1994, p:238.
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; Op.cit ; P:207.
150
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
البيع والثمن الذي حصل به الرشاء وإنام اشرتط أن تكون هذه القيمة يف حدود تسعة
أعشار القيمة احلقيقية للعقار املبيع .
330
من الترشيعات العربية التي وضعت هي األخرى بعض االستثناءات عىل املبدأ
السالف الذكر ،نشري إىل ما نصت عليه املادة 425من التقنني املدين املرصي ،التي جاء
فيها " . 1إذا بيع عقار مملوك لشخص ال تتوافر فيه األهلية وكان يف البيع غبن يزيد عىل
اخلمس ،فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إىل أربعة أمخاس ثمن املثل".
" .2وجيب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد عىل اخلمس أن يقوم العقار بحسب قيمته
وقت البيع" .
331
.284أما بخصوص موقف الفقه اإلسالمي ،فإن الرأي الراجح ال يعتد بالغبن
املجرد؛ أي أن الغبن ال يؤثر يف لزوم العقد ،ومن ثم ال حيق للمغبون أن يفسخ العقد أيا
كانت جسامة الغبن؛ وقد استند هذا االجتاه يف دعم رأيه إىل جمموعة من األحاديث
النبوية ،من ذلك قوله عليه الصالة والسالم "دعوا الناس يف غفالهتم يرزق اهلل
بعضهم من بعض" ،وأيضا قوله صىل اهلل عليه وسلم حلبان بن منقذ "إذا بايعت فقل ال
خالبة ويل اخليار ثالثة أيام".
يف مقابل هذا الرأي ،ذهب جانب آخر من الفقه إىل القول بتأثر العقد بالغبن ،وإن كان
هو الخر انقسم إىل اجتاهي ،األول تطلب أن يقرتن الغبن بالتغرير دون اشرتاط جسامة
الغبن؛ بينام اكتفى االجتاه الثان بأن يكون الغبن فاحشا حتى يكون مؤثرا عىل العقد ،وهذا
ظاهر مذهب مالك332؛ بمعنى آخر ،أن هذا الرأي األخري هو الوحيد الذي يعتد بالغبن
330عبد القادر العرعاري :الوجيز يف النظرية العامة للعقود املسامة ،الكتاب األول :عقد البيع؛ الطبعة الثانية 2010؛ توزيع مكتبة دار األمان/
الرباط؛ ص.134:
BOULANGER F. : Le problème de la lésion dans le droit intermédiaire, étude d’histoire économique
et sociale du 18 sciècle; Paris/1966; p:53.
331أمحد عبد الرزاق السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد ،املجلد الرابع ،العقود التي تقع عىل امللكية :البيع واملقايضة؛ منشورات
احللبي احلقوقية /بريوت-لبنان1998 ،؛ ص.389:
332يف هذا الصدد يقول ابن جزي رمحة اهلل عليه :الغبن ثالثة أنواع( :األول) غبن ال يقام به وهو إذا زاد املشرتي يف ثمن السلعة عىل قيمتها
لغرض له كاملشاكلة( .الثاين) غبن يقام به قل أو كثر وهو الغبن يف بيع االسرتسال واستالم املشرتي للبائع( .الثالث) اختلف فيه وهو ما عدا
=
151
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املجرد متى كان فاحشا ،لكون الغبن يف نظرهم ظلم ومن ثم ينبغي رفعه وإزالته؛ وحجة
هؤالء ما روي عن حممد بن سريين أن رجال قدم املدينة بجواري فنزل عىل ابن عمر ،فقال:
يا أبا عبد الرمحن غبنت بسبعامئة درهم ،فأتى ابن عمر إىل عبد اهلل بن جعفر ،فقال :إنه غبن
بسبعامئة درهم ،فإما أن تعطيها إياه ،وإما أن ترد عليه بيعه ،فقال ابن جعفر :بل نعطيها إياه،
فابن عمر وابن جعفر قد رأيا رد البيع من الغبن يف القيمة.
الفقرة اخلامسة :الغبن االستغاليل
.285إذا كان املرشع املغريب مل يعتد بالغبن املجرد ،بمعنى أنه مل هيتم بالغبن إال إذا
كان مقرونا بنقصان األهلية تطبيقا للفصل 56من ق.ل.ع .أو التدليس بحسب الفصل
55من ق.ل.ع .أو االستغالل بحسب التوجه الذي سار عليه جانب مهم من الفقه
املغريب وأيضا من خالل قراءة حمكمة النقض للفصل 54من ق.ل.ع.م( .ثانيا)؛ لكن قبل
ذلك ينبغي الوقوف عىل مفهوم هذه النظرية (أوال).
أوال :مفهوم نظرية الغبن االستغاليل
.286يمكن القول بداية إىل أن النظرية املادية للغبن تطورت إىل نظرية نفسية يف
الترشيعات احلديثة؛ والفرق بينهام أن النظرية األوىل تنظر إىل قيمة اليشء نظرة مادية ال
نظرة شخصية ،أما يف النظرية الثانية فالعربة بالقيمة الشخصية وهي قيمة اليشء يف اعتبار
املتعاقد .عموما ،فإن هذه النظرية تقوم عىل عنرصين أساسيي؛ األول يسمى بالعنرص
النفس الذي يتمثل يف حالة الضعف أو الطيش أو عدم اخلربة أو اهلوى اجلامح أو املرض؛
بينام الثان يسمى بالعنرص املادي ،واملتمثل يف عدم التعادل الذي يبقى خاضعا لتقدير
القضاة ،أو بحسب تعبري الفقيه شاتالن بأنه لكي يعرف القايض ما إذا كان هناك عدم
تعادل واضح حسب عبارة املادة 138من القانون املدين األملاين ،فإنه يتعني عليه مقارنة
الشيئني حمال العقد وعىل وجه اخلصوص قيمة هذين الشيئني.333
.287وإذا كانت ميزة النظرية املادية تتمثل يف التحديد ،أي يف ضامن استقرار
ذلك وعىل القول بالقيام به فيقوم املغبون سواء كان بائعا أو مشرتيا إذا كان م قدار الثلث فأكثر وقيل ال حد له وإنام يرجع فيه للعوائد فام علم أنه
غبن فللمغبون اخليار.
للتعمق يف هذه األراء ،يمكن الرجوع لكتاب الدكتور بدر جاسم حممد اليعقوب :الغبن يف القانون املدين الكويتي ،دراسة مقارنة؛ إصدار جملة
احلقوق /جامعة الكويت؛ ملحق العدد الثاين /السنة احلادية عرشة؛ الطبعة األوىل 1987؛ ص.47:
333أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.293:
152
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املعامالت واألمن القانوين ،فإهنا مع ذلك تفتقد للمرونة ،مادام أهنا ال تصلح حلل مسائل
اجتامعية .هلذا االعتبار ،أخذت هبا التقنيات احلديثة فنصت املادة 138من القانون املدين
األملاين عىل بطالن الترصف القانوين الذي يستغل به الشخص حاجة الغري أو خفته أو
عدم جتربته ليحصل لنفسه أو لغريه ،يف نظري يشء يؤديه ،عىل منافع مالية تزيد عىل قيمة
هذا اليشء ،و أيضا املادة 129مدين مرصي التي جاء فيها "إذا كانت التزامات أحد
املتعاقدين ال تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا املتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع
التزامات املتعاقد اآلخر وتبني أن املتعاقد املغبون مل يربم العقد إال ألن املتعاقد اآلخر قد
استغل فيه طيشا بينا أو هوى جاحما ،جاز للقايض بناء عىل طلب املتعاقد املغبون أن يبطل
العقد أو أن ينقص التزامات هذا املتعاقد".
ثانيا :موقف القانون املغريب من نظرية الغبن االستغاليل
.288بالرجوع للفصل 54من ق.ل.ع .نجده ينص عىل أن "أسباب اإلبطال املبنية
عىل حالة املرض واحلاالت األخرى املشاهبة مرتوكة لتقدير القضاة" .لعل املالحظة
األساسية ،هو أن الفقه والقضاء اختلف يف قراءته للفصل 54ق.ل.ع.م.
أ :قراءة الفقه املغريب للفصل 54ق.ل.ع
.289مل يتفق الفقه املغريب يف قراءته للفصل 54من ق.ل.ع .حيث ذهب جانب
مهم منه إىل القول بأن هذا الفصل يؤكد لنا أخذ املرشع املغريب بنظرية الغبن االستغاليل؛
ويف هذا السياق ذهب األستاذ مأمون الكزبري334إىل القول بأن هذه النظرية احلديثة للغبن
يمكن يف رأينا تطبيقها يف املغرب يف احلاالت التي تنص الترشيعات احلديثة إىل وجوب
األخذ هبا ،وذلك استنادا إىل ما ورد يف الفصل 54ق.ل.ع.م .وباإلضافة هلذا الفصل
يدعم الدكتور أمحد شكري السباعي 335رأيه للقول بأخذ املرشع املغريب بنظرية الغبن
االستغاليل بالفصول 1035 ،1034 ،878من ق.ل.ع.م ،والفصل 306من القانون
البحري املتعلق باإلغاثة البحرية.
.290يف املقابل نجد جانبا آخر من الفقه املغريب 336ينتقد التوجه السابق ،واألساس
334مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول ،مصادر االلتزامات؛ ص.123:
335أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.291:
336ال دكتور إدريس العلوي العبدالوي :رشح القانون املدين؛ نظرية العقد /مطبعة النجاح اجلديدة-الدار البيضاء؛ 1981؛ ص.54:
=
153
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الذي تم عىل إثره بناء هذه النظرية ،بل إن أحد الفقهاء 337ذهب إىل اعتبار الفصل 54
ق.ل.ع.م ،بكونه خطري وعجيب يف آن واحد ،السيام من حيث السلطة املمنوحة للقايض
بمقتضاه ،والتي من شأهنا أن تعرض التعامل لالهتزاز.
ب :موقف القضاء املغريب من الفصل 54من ق.ل.ع.
.291عىل غرار الفقه ،فإن القضاء املغريب هو اآلخر مل يتفق عىل موقف موحد
بخصوص قراءته للفصل 54من ق.ل.ع .حيث إنه بالرجوع للعديد من قرارات حمكمة
النقض بخصوص هذا الفصل ،نجدها تذهب إىل أنه يتضمن نظرية الغبن االستغاليل،338
بمعنى أنه من أجل إبطال العقد ال بد من توفر عنرصين أساسيني ،مها العنرص املادي
والعنرص املعنوي .من ذلك ما ذهبت إليه حمكمة النقض يف قرارها الصادر بتاريخ 13
يونيو 1988؛ والذي جاء فيه "يف حني أن تطبيق الفصل 54املعتمد عليه والذي يعالج
حالة الغبن االستغاليل باعتباره سببا من أسباب اإلبطال كعيب من عيوب الرىض يتطلب
توفر عنرصين :عنرص مادي ،وهو عدم تعادل التزامات الطرفني ،مثل الثمن واملثمن،
وعنرص نفس وهو يف هذه النازلة حالة املرض التي نتج عنها عدم التعادل ،وأن املحكمة،
وإن أبرزت حالة املرض ،فإهنا مل تربز حالة العنرص املادي أي غبن البائع ،كنتيجة
الستغالل حالته املرضية .وعليه ،فإن املحكمة عندما أصدرت قرارها عىل النحو املذكور
مل تعلله تعليال كافيا ،ومل جتعل ملا قضت به أساسا صحيحا من القانون".339
.292يف مقابل ذلك ،ذهب قضاء املوضوع إىل أن هذا الفصل ال يتضمن نظرية
الغبن االستغاليل ،وإنام ينبغي تطبيق أحكام الفصل 54من ق.ل.ع .بمجرد توفر العنرص
الدكتور علم الدين إسامعيل :أصول القانون املدين ،اجلزء األول ،نظرية االلتزامات ،1977 ،ص.247 :
337ال دكتور إدريس العلوي العبدالوي :رشح القانون املدين؛ نظرية العقد؛ مرجع سابق؛ ص.54:
338يف الوقت الذي ذهب فيه قضاء املوضوع عىل أن هذا الفصل ال يتضمن نظرية الغبن االستغاليل ،وإنام ينبغي تطبيق أحكام الفصل 54من
ق.ل.ع .بمجرد توفر العنرص املعنوي ،أي حالة املرض أو احلاالت املشاهبة؛ من هذه القرارات ،ما جاء يف قرار ملحكمة االستئناف بالدار البيضاء
بتاريخ 05دجنرب " 1983وحيث إن الفصل 54ق.ل.ع .يمنح للمحكمة حق إبطال العقود املربمة يف حالة املرض واحلاالت األخرى املشاهبة،
وأن املرشع مل يقيد ذلك احلق ،بل ترك للمحكمة سلطة تقدير ما إذا كانت حالة املرض التي يوجد عليها املتعاقد يف فرتة إبرام العقد هي التي
جعلته يقوم بإبرام العقد أم ال."....
جملة القضاء والقانون؛ العدد.1988/ 139 :
339جملة القضاء والقانون ،العدد 139؛ ص 103:و .104
من ذلك أيضا قرارها الصادر بتاريخ 04أبريل 1980الذي جاء فيه "ال يشرتط إلبطال العقد للسبب املنصوص عليه يف الفصل 54أن يكون
الشخص فاقد الوعي ،بل يكفي أن تكون إرادته معيبة بسبب املرض الذي نزل به ،وأن املتعاقد معه استغل وضعيته هذه فحصل منه إلبرام عقد
ما كان ليقبله لو كان سليام معاىف ،وأن املحكمة ملا هلا من سلطة التقدير املمنوحة هلا بمقتىض الفصل 54ق.ل.ع.م ،اعتربت أن اهلالك مل يكن حرا
يف ترص فه وأن املشرتي استغل املرض اخلطري الذي نزل به فأحرض املوثق للمصحة التي كان يعالج فيها وأشهد بالبيع".
جملة اإلشعاع :العدد ،11ص 139 :و .140
154
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املعنوي ،أي يكفي إثبات حالة املرض أو احلاالت املشاهبة؛ بمعنى أهنا حالة خاصة .من
هذه القرارات ،ما جاء يف قرار ملحكمة االستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 05دجنرب
" 1983وحيث إن الفصل 54من ق.ل.ع .يمنح للمحكمة حق إبطال العقود املربمة يف
حالة املرض واحلاالت األخرى املشاهبة ،وأن املرشع مل يقيد ذلك احلق ،بل ترك للمحكمة
سلطة تقدير ما إذا كانت حالة املرض التي يوجد عليها املتعاقد يف فرتة إبرام العقد هي
التي جعلته يقوم بإبرام العقد أم ال.340"....
.293بغض النظر عن مدى القصور الذي يعرتي هذه املقتضيات املتعلقة بعيوب
الرضا ،فإن التحوالت املهمة التي عرفتها العالقات التعاقدية يف العقود األخرية ،فرضت
عىل خمتلف الترشيعات أن تقرر جمموعة من األحكام اخلاصة يف مرحلة تكوين العقد من
أجل محاية املستهلك يف مواجهة املهني كام سنرى يف املطلب املوايل.
أصبح أمرا الزما ،يف ظل التباين اخلطري الذي أصبحت تعرفه العالقات التعاقدية،
وذلك من أجل مساعدة الطرف الضعيف الذي يطلق عليه يف خمتلف الترشيعات
االقتصادية احلديثة باملستهلك متييزا له عن املهني؛ وغالبا ما يتم ذلك عن طريق فرض
جمموعة من االلتزامات عىل عاتق الطرف األخري ،أي املهني أو ما يسمى أيضا
باملحرتف ،السيام يف مرحلة إبرام العقد.
.295يمكننا تقسيم هذه االلتزامات إىل نوعني ،النوع األول هيدف إىل احلد من
حرية املهني يف إبرام العقد من عدمه متمسكا باملفاهيم الكالسيكية التي كانت ختوله
هذه السلطة بدون قيود (البند األول)؛ أما النوع الثاين من هذه االلتزامات فهو الذي
هيدف يف نظرنا إىل محاية رضا املستهلك باملفهوم الضيق (البند الثاين).
155
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بعض العقود اقتضت عكس ذلك ،أي منع الشخص من رفض التعاقد بحجة احلرية 342
أو الرضائية املطلقة .واحلق يقال ،إن منع رفض التعاقد يشكل أحد املظاهر األساسية
لتأثر مبدأ الرضائية بقانون املنافسة التي تبنته معظم الترشيعات احلديثة .
343
ذلك أنه كيفام كانت فلسفة الدول ،فإن تكريس احلرية املطلقة ملهنيي العقد يف اختيار
زبنائه ال يساهم يف تأمني احلصول عىل السلع واخلدمات الرضورية للمستهلك ،بل قد
يتعارض مع فلسفة الدولة نفسها يف النهوض باقتصادها.
.297لذلك وجدنا خمتلف الترشيعات تتجه إىل منع املهنيني بشكل خاص من
رفض التعاقد الذي يطلبه املستهلك دون أن يكون هناك سبب ومربر معقول يسمح
بذلك؛ وهذا هو املسلك الذي سار عليه املرشع املغريب ،بداية بمقتىض القانون رقم
06.99املتعلق بحرية األسعار واملنافسة الذي أكد عىل هذه القاعدة بمقتىض املادة 49
344
منه قبل أن يتم نسخها بمقتىض القانون رقم 08.31القايض بتحديد تدابري حلامية
املستهلك ،الذي أكد هو اآلخر عىل هذه القاعدة بواسطة املادة 57منه ،التي جاء فيها
"يمنع ما ييل:
-االمتناع عن بيع منتوج أو سلعة أو تقديم خدمة إىل املستهلك دون سبب مقبول؛
-تعليق بيع منتوج أو سلعة عىل رشاء كمية مفروضة أو عىل رشاء منتوج أو سلعة
أخرى أو تقديم خدمة أخرى يف آن واحد؛
341 BENABENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, 3ème édition,
Montchrestien, 1997, P:45.
PEDAMON Michel : La liberté des prix et l’intérêt des consommateurs; Thèmes et consommateurs
sous la direction de Yves Serra et Jean Calais Auloy, Dalloz, 1994, P:7.
342 Marie- CahantelBoutardLabarde Guy Canivet : Droit français de la concurrence; L.G.D.J. Paris,
1994, P:151.
343 BOUTARD LABARD Marie-Chantel : Droit français de la concurrence ; L.G.D.J. 1994. P:151.
344ظهري رشيف رقم 1.00.225صادر يف 2ربيع األول 5- 1421يونيو -2002بتنفيذ القانون رقم 06.99املتعلق بحرية األسعار واملنافسة.
156
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
-تعليق تقديم خدمة عىل تقديم خدمة أخرى أو عىل رشاء منتوج أو سلعة".
.298بمعنى أن القاعدة ،هو أنه ال يمكن للمهني أن يمتنع ،ما مل يكن هناك سبب
أو خطأ من طرف الزبون ،عن إبرام العقد مع الزبون املستهلك .وبالنظر ألمهية
346 345
هذا املبدأ ،فإن املرشع املغريب مل يكتفي بالتطرق له بمقتىض نصوص عامة ،بل حرص
عىل التنصيص عليه بمقتىض بعض النصوص اخلاصة ،كام هو الشأن بالنسبة للخدمات
املقدمة من قبل املؤسسات الفندقية؛ حيث أكدت عىل هذه القاعدة املادة 16من
القانون املغريب رقم 61.00املعترب بمثابة النظام األسايس للمؤسسات السياحية ،التي
347
جاء فيها "تفتح كل مؤسسة سياحية أبواهبا للعموم وال خيضع ولوجها ألي قيد غري
القيود املقررة يف النصوص الترشيعية والتنظيمية اجلاري هبا العمل".
345حممد عبد الظاهر حسني :عقد الفندقة ،طبيعته القانونية –آثاره – مسؤولية الفندقي ،املؤسسة الفنية للطباعة والنرش ،1997 ،ص.78:
346PY Pierre : Droit du tourisme, Op.cit, P:350.
347يتعلق األمر بالظهري الرشيف رقم 1.00.225الصادر يف 2ربيع األول 1421املوافق 5يونيو ،2000بتنفيذ القانون رقم 06.99املتعلق
بحرية األسعار واملنافسة .اجلريدة الرسمية عدد ،4810بتاريخ 3ربيع اآلخر ( 1412املوافق ل 6يوليوز ،)2000ص.1914:
157
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
جعل عبء الوعي والتبصري عىل عاتق املهنيني واملحرتفني يف ظل عجز املستهلك عن
اإلملام بجميع تفاصيل العقد يف الوقت املعارص.
بالرغم من إقرارنا بأن القانون اجلديد رقم 31.08مل يستجيب جلميع ما .301
نادينا به يف العديد من األبحاث ،فإنه مع ذلك تضمن العديد من املقتضيات القانونية 348
املهمة التي هتدف إىل تنوير رضا املستهلك ،تتمثل يف االلتزام باإلعالم (الفقرة األوىل)،
إضافة لبعض الضامنات القانونية املكملة هلذا االلتزام واملتمثلة أساسا يف منع اإلشهار
الكاذب ومنح مهلة التفكري ومهلة الرجوع (الفقرة الثانية).
الفرنس استطاع أن يصل بفكرة االلتزام بالتبصري إىل حتقيق محاية فعالة لفئة عريضة ،
350
حتى قبل صدور قانون 1978املتعلق بحامية وإعالم املستهلك ،معتمدا يف ذلك عىل
351
تفسريه لبعض النصوص العامة الواردة يف القانون املدين كاملادتني 1134و، 1135
352
وهو األمر الذي ما مل يستطيع القضاء املغريب القيام به بالرغم من وجود مثل هذه
348عبد الرمحان الرشقاوي :دور القضاء يف حتقيق التوازن العقدي؛ مرجع سابق.
عبد الرمحان الرشقاوي :العقد السياحي؛ دكتوراه يف القانون اخلاص؛ جامعة حممة اخلامس /كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية،
أكدال/الرباط.2009 ،
ECHARKAOUI Abderrahman : L’accès du consommateur au droit et à la justice ; Thèse de doctorat
en droit privé/ Université HASSAN II/ Casablanca Ain Chock/2008 ; P:16.
349 DE JUGLART M. : L’obligation de renseignements dans les contrats. Rev. Trim. Dr. Civil, 1945,
P:1.
ALISSE : L’obligation de renseignement dans les contrats. Thèse, Paris, 1975.
350 FABRE-MAGNAN M.: De l’obligation d’information dans les contrats, L.G.D.J. 1992, P:123.
351 DE JUGLART M.: L’obligation de renseignement dans les contrats, R. T. D. Com. 1945, P:1.
Y. BOYER : L’obligation de renseignement dans la formation des contrats, Thèse, Aix, 1977.
352 BENABENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, 3éme édition,
158
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
مربر للقضاء املغريب يف جتاهله هلذا االلتزام ،هبدف محاية الطرف الضعيف؛ وبالتايل
مسايرة التوجه اجلديد للمرشع املغريب الذي أصبح يف جزء من فلسفته يسعى حلامية
املستهلك ،بعدما تأكدت أهنا رضورة وليس اختيارا يف ظل اضطراب التوازن بني
املحرتفني واملستهلكني ،وما نتج عن ذلك من انتشار فاحش للرشوط التعسفية ،دفعت
باملرشع املغريب عىل غرار العديد من الترشيعات احلديثة إىل إجياد حلول هلذه الظاهرة،
وذلك هبدف الوقوف بجانب الطرف الضعيف يف عقد االستهالك عموما.
.303يف ظل وعي املرشع يف جل الدول بأمهية االلتزام باإلعالم ،فإن أغلبها قد
عمل عىل تقنينه ضمن ما أصبح يطلق عليه بقانون االستهالك يف ظل عجز القانون
املدن الكالسيكي عن محاية الطرف الضعيف ؛ وقبل صدور القانون املغريب اجلديد
354
رقم 31.08املتعلق بتحديد تدابري حلامية املستهلك ،ونظرا لالرتباط الوثيق بني قانون
حرية األسعار واملنافسة ورضورة محاية املستهلك ،فإن املرشع املغريب عمل عىل سد
هذه الثغرة من خالل الفصل األول من الباب السادس من القانون رقم 06.99املتعلق
بحرية األسعار واملنافسة ،والذي عنونه كام ييل :محاية املستهلك وإعالمهم .والذي متت
إعادة تنظيمه بمقتىض القانون رقم 104.12السالف الذكر.
غري أنه ويف ظل عدم كفاية هذه املقتضيات وسريا عىل هنج الترشيعات احلديثة التي
اعتمدت قوانني خاصة بحامية املستهلك ،فإن املرشع املغريب وضع هو الخر قانونا
لالستهالك أو باألحرى قانونا حلامية املستهلك ،ونقصد بذلك القانون رقم 31.08الذي
159
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
يقيض بتحديد تدابري حلامية املستهلك ،والذي ضمنه قسام كامال خاصا بإعالم املستهلك -
املواد من 3إىل 14من القسم الثاين من هذا القانون.
بالرجوع للامدة الثالثة من هذا القانون ،نجدها نصت عىل ما ييل" :جيب عىل كل
مورد أن يمكن املستهلك بأي وسيلة مالئمة من معرفة املميزات األساسية للمنتوج أو
السلعة أو اخلدمة وكذا مصدر املنتوج أو السلعة وتاريخ الصالحية إن اقتىض احلال ،وأن
يقدم إليه املعلومات التي من شأهنا مساعدته عىل القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته
وإمكانياته.
وهلذه الغاية ،جيب عىل كل مورد أن يعلم املستهلك بوجه خاص عن طريق وضع
العالمة أو العنونة أو اإلعالن أو بأي طريقة مناسبة أخرى بأسعار املنتوجات والسلع
وبتعريفات اخلدمات وطريقة االستخدام أو دليل االستعامل ومدة الضامن ورشوطه
والرشوط اخلاصة بالبيع أو تقديم اخلدمة ،وعند االقتضاء ،القيود املحتملة للمسؤولية
التعاقدية.
حتدد إجراءات اإلعالم بنص تنظيمي".
.304وقد بدأ القضاء املغريب فعال يف تطبيق املقتضيات اخلاصة بااللتزام باإلعالم
بمجرد صدور القانون رقم 31.08؛ ويمكن أن نشري هنا إىل القرار الصادر عن حمكمة
النقض املغربية بتاريخ 25أكتوبر ،2011حيث ألزمت هذه األخرية الطبيب بإعالم
املريض وتبصريه بكافة األخطار والعواقب التي قد تنتج عن العملية اجلراحية ومدى
احتامل نجاحها من عدمه ونسبة ذلك .
355
.305إذا كان اهلدف من هذا االلتزام هو إعالم عموم املستهلكني وتبصريهم ،فإن
355جاء يف إحدى حيثيات قرار حمكمة النقض هذا " لكن ،حيث إن املحكمة هلا سلطة تقدير احلجج والوقائع الستخالص مربرات قضائها عىل
أن يكون االستخالص مربرا قانونا وقضاء ،كام أن كل طبيب ملزم ببذل العانية واجلهد وعدم اإلمهال والتقصري واختاذ كل التدابري الالزمة ،وأن
مسؤولية الطبيب اجلراح تبدأ حتى قبل إجراء العملية إذ عليه إخبار املريض بكل األخطار والعواقب التي قد تنتج عن العملية واحتامل نجاحها
من عدمه ونسبة ذلك ،خصوصا إذا تعلق األمر بعمليات تقوي م اخللقة أو التجميل كام عليه القيام بالدراسات الالزمة ملعرفة نسبة نجاحها وفق ما
سيقدم عليه من إضافة طعم."....،
جملة قضاء حمكمة النقض؛ العدد 2012-75؛ ص.63:
160
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
أهم مشكل يعرتض تطبيق مثل هذا االلتزام هو واقع املجتمع املغريب الذي يعرف
انتشار األمية بشكل واسع .ومن ثم نكون حمقني حينام نتساءل عن مدى جدوى هذه
اإلعالنات املكتوبة إذا كان الشخص املستهدف ال يعرف حتى القراءة ،ويزداد
356
الوضع سوء إذا ما علمنا أن أغلب املنتجي واملوردين يفضلون استعامل اللغة الفرنسية،
وهو ما يشكل عائقا مزدوجا .
357
األمر الذي يثبت لنا أن استعامل اللغة العربية أصبح مطلبا ملحا وعاجال إذا كنا
حقيقة نرجو تبصريا فعليا للمستهلك .وهو األمر الذي أكد عليه القانون اجلديد رقم
31.08بمقتىض املادة األخرية منه –املادة -206التي جاء فيها "إن كل عقد حرر بلغة
أجنبية يصطحب وجوبا برتمجة إىل العربية" .وهو األمر الذي ال زال يتجاهله كثري من
املهنيني إىل يومنا هذا ،حيث يكتفون بتحرير العقد باللغة الفرنسية خمالفني بذلك
أحكام هذا القانون بالرغم من دخوله حيز التنفيذ.
يف نفس املنحى اهلادف إىل محاية املستهلك ،فإن القانون اجلديد رقم 32.09املتعلق
بمهنة التوثيق نص يف املادة 42منه عىل وجوب حترير العقود واملحررات باللغة العربية 358
إال إذا اختار األطراف حتريرها بلغة أخرى ،كام أن الفقرة الثانية من هذه املادة نصت عىل
رضورة حترير أصول العقود والنسخ بكيفية مقروءة وغري قابلة للمحو عىل ورق يتميز
بخاصية الضامن الكامل للحفظ.
.306ونرى أن من أهم حسنات القانون رقم 31.08السالف الذكر ما تضمنته
املادة التاسعة منه ،التي جعلت التفسري يف حالة الشك حول مدلول أحد الرشوط
املقرتحة عىل املستهلك كتابة يكون ملصلحة هذا األخري بغض النظر عام إذا كان دائنا أو
356بخصوص أثر األمية عىل االلتزام يف القانون املغريب يمكن الرجوع ملؤلف:
حسن البكري :األمية وأثرها عىل ا اللتزام يف الترشيع املدين املغريب :نظرية وتطبيق ،مكتبة الرشاد /سطات ،الطبعة األوىل.2000 ،
357 BOUDAHRAIN Abdellah: Le droit de la consommation au Maroc, édition 1999, P:108 etS.
161
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
مدينا خمالفة بذلك املقتضيات التي كان ينص عليها الفصل 473من ق.ل.ع .حيث
359
جاء يف هذه املادة ،أي املادة التاسعة" :فيام يتعلق بالعقود التي حيرر مجيع أو بعض
رشوطها املقرتحة عىل املستهلك كتابة ،جيب تقديم هذه الرشوط وحتريرها بصورة
واضحة ومفهومة .ويف حالة الشك حول مدلول أحد الرشوط ،يرجح التأويل األكثر
فائدة بالنسبة إىل املستهلك".
بل إنه من أجل ضامن احرتام هذا االلتزام من قبل املهنيني مع ما يرتتب عن ذلك من
محاية فعالة للمستهلك ،فإن املرشع رتب عن اإلخالل به جزاء جنائيا يتمثل يف غرامة مالية
ترتاوح بني ألفي إىل مخسة آالف درهم ،تطبيقا للامدة 173من القانون 31.08التي جاء
فيها "يعاقب بغرامة من 2.000إىل 5.000درهم عىل خمالفات أحكام القسم الثاين من هذا
القانون والنصوص املتخذة لتطبيقه".
359جاء يف الفصل 473من ق.ل.ع.م .ما ييل "عند الشك يؤول االلتزام باملعنى األكثر فائدة للملتزم".
360ال ينبغي اخللط بني اإلعالن واإلشهار الذي يكون هبدف الرتويج لسلعة أو خدمة ما مع اإلجياب .فام مل يتوفر لألول خصائص الثاين ،فإنه ال
يمكن احلديث عن إجياب .وهكذا فإننا ال نكون بصدد إجياب ما مل تكن الرسائل اإلعالنية تشتمل عىل طبيعة العقد املراد إبرامه وأيضا عىل
عنارصه األساسية ،فتدل بذلك عىل إرادة املوجب "املعلن" االرتباط بالعقد ،إذا صادف قبوال.
أمحد سعيد الزقرد :نحو نظرية عامة لصياغة العقود :دراسة مقارنة يف مدى القوة امللزمة ملستندات التعاقد ،مرجع سابق ،ص.218:
361 EL MOUDDEN Chifae : La publicité entre promotion et protection du marché ; Revue marocaine
=
162
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
هذا هو املوقف الذي اتبعه املرشع املغريب بمقتىض القانون رقم 31.08املتعلق
بتحديد تدابري حلامية املستهلك الذي نص عىل مقتضيات مشاهبة لتلك التي نصت
عليها معظم الترشيعات احلديثة؛ مما يؤكد حرص املرشع املغريب عىل حماربة اإلشهار
الكاذب ،ملا يمكن أن يرتتب عنه من أرضار تلحق بالطرف املستهلك؛ وهذا ما يتبني
من خالل املادة 21منه التي جاء فيها ما ييل "دون املساس بمقتضيات املادتني 2و67
من القانون رقم 77.03املتعلق باالتصال السمعي البرصي ،يمنع كل إشهار يتضمن،
بأي شكل من األشكال ،إدعاء أو بيانا أو عرضا كاذبا.
كام يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع يف الغلط بأي وجه من الوجوه ،إذا كان
ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العنارص التالية :حقيقة وجود السلع أو املنتوجات أو
اخلدمات حمل اإلشهار وطبيعتها وتركيبتها ومميزاهتا األساسية وحمتواها من العنارص
املفيدة ونوعها ومنشأها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وسعرها أو
تعريفها ورشوط بيعها وكذا رشوط أو نتائج استخدامها وأسباب أو أساليب البيع أو
تقديم اخلدمات ونطاق التزامات املعلن وهوية الصناع والباعة واملنعشني ومقدمي
Dalloz, P : 126.
V. aussi Frank : Publicité trompeuse : Quel consommateur choisir? Le dilemme de l’appréciation du
caractère trompeur ; R.E.D. consom. 2000, P:93.
AKRAWATI ADJITA Shamsidine: Contribution à la protection juridique du consommateur dans les
Pays en voie de développement (exemple particulier des pays d’Afrique), Op.cit, P:485.
السيد حممد السيد عمران :محاية املستهلك أثناء تكوين العقد ،دراسة مقارنة مع دراسة حتليلية وتطبيقية للنصوص اخلاصة بحامية املستهلك،
مرجع سابق ،ص.77:
163
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.309ال يعني ذلك أن القانون املغريب مل يكن يتضمن مقتضيات تتعلق باإلشهار
الكاذب ،بل إن الفصل العارش من الظهري الصادر يف اخلامس من أكتوبر من سنة
،1984املعترب بمثابة القانون املنظم للزجر عن الغش يف البضائع ،364كان يمنع كل إعالن
مهام كان شكله يشتمل عىل ادعاء أو بيان أو عرض كاذب ،قبل أن يتم نسخ هذا الفصل
بمقتىض املادة 196من القانون 31.08القايض بتحديد تدابري حلامية املستهلك.
.310ما دام أن الفقه اإلسالمي يشكل مصدرا قانونيا يف بلدنا ،فإنه ينبغي التأكيد
عىل أن الرشيعة اإلسالمية منعت هذا النوع من املامرسات ،365باعتبار أن اإلشهار الكاذب
من وسائل فقدان الثقة التي حرصت رشيعتنا السمحة عىل منعها .فعن أيب هريرة ريض اهلل
عنه أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم مر بمراحل يبيع طعاما ،فسأله كيف تبيع؛ فأخربه،
فأوحى إليه :أن أدخل يدك فيه فأدخل يده ،فإذا هو مبلول ،فقال له رسول اهلل صىل اهلل
عليه وسلم ،من غشنا فليس منا .وقريب من هذا ،ما كان معروفا لدى العرب يف تداول
األنعام ،حيث كان يشد الواحد رضع البقرة ،أو الشاة أو الناقة عدة أيام قبل الذهاب هبا
إىل السوق ،لتظهر يف أعني طالبها منتفخة الرضع ،غزيرة اللبن ،فيقبل يف رشائها بثمن
مرتفع ،وعندما حيلبها جيدها عادية .األمر الذي هنى عنه النبي عليه الصالة والسالم فسامه
بالترصية ،حيث قال:ال ترصوا اإلبل والغنم ،فمن ابتاعها بعد ،فإنه بخري النظريين بعد أن
364نص الفصل العارش من القانون رقم 13.83املتعلق بالزجر عن الغش يف البضائع عىل ما ييل" :يمنع كل إعالن مهام كان شكله يشتمل عىل
ادعاء أو بيان أو عرض كاذب ،أو من شأنه أن يوقع املستهلك يف الغلط بشأن أحد العنارص اآلتية :وجود السلع أو اخلدمات وطبيعتها وتركيبها
وجودهتا وحمتواها من العنارص املفيدة ونوعه ا ومنشئها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وأثامن ورشوط بيعها ورشوط أو نتائج
استعامهلا وأسباب وأساليب البيع والتسليم أو تقديم اخلدمة ومدى االلتزامات وهوية أو صفة أو أهلية الصناع والباعة واملشهرين واملعلنني
ومنجزي اخلدمات".
جواد الغامري :مصادر وخصائص قانون االستهالك ،جملة القانون واالقتصاد /جامعة سيدي حممد بن عبد اهلل ،ع ،10:مطبعة النجاح اجلديدة/
الدار البيضاء ،1995 ،ص.95:
حممد شعيبي :احلامية القضائية للمستهلك يف مادة زجر الغش يف البضائع – حماكم الدار البيضاء نموذجا ،-جملة القانون واالقتصاد ،ع،10:
،1990ص.69:
بوعبيد عبايس :االجتهاد القضائي يف مادة الغش التجاري؛ م.م.ق.م .ع ،31:ص.143:
365نظرا خلصوصية اإلشهار الكاذب أو ما يعرف أيضا بالدعاية اخلادعة ،فإن الرشيعة اإلسالمية حرمت هذا النوع من اإلشهار حتت طائلة
العقوبات اجلنائية .جابر حمجوب عيل :ضامن سالمة املستهلك من األرضار الناشئة عن عيوب املنتجات الصناعية املبيعة؛ مرجع سابق،
ص.210:
164
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
سبعة أيام من تاريخ تسليمه لطالب اخلدمة ،وأيضا ما نص عليه القانون رقم 10لسنة
366أبو ال عال عيل أبو العال النمر :محاية املستهلك يف العالقات اخلاصة ذات الطابع الدويل؛ مرجع سابق؛ ص.8:
حممد احلبيب التجكاين :مفهوم املستهلك ووسائل محايته يف اإلسالم؛ مرجع سابق ،ص.17:
367 CALAIS-AULOY Jean et STEINMETZ Frank : Droit de la consommation, 5ème édition, 2000,
Dalloz, P : 126.
; MARINO-MICHEZ Laurence : Droit des contrats spéciaux ; Librairie Vuibert/ Paris, Octobre 1999
P:27.
368 MALAURIE (Ph.) et AYNES (Laurent) : Suretés, 4ème édition, 1992, N°752.
مصطفى حممد اجلامل :السعي إىل التعاقد يف القانون املقارن ،مرجع سابق ،ص.14:
369إبراهيم الدسوقي أبو الليل :العقد غري الالزم ،دراسة مقارنة معمقة يف الرشيعة اإلسالمية والقوانني الوضعية ،مرجع سابق ،ص.15:
165
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
1978الفرنس الذي ألزم هو اآلخر مقدم االئتامن املتعلق باملنقوالت واخلدمات 370
باإلبقاء عىل العرض املقدم منه ملستهلك املنقول أو اخلدمة مدة مخسة عرش يوما .
371
.314عىل غرار هذه النصوص القانونية وغريها التي أسس من خالهلا املرشع
الفرنس ملهلة التفكري كآلية مهمة حلامية املستهلك ،فإن املرشع املغريب تطرق هو اآلخر
هلذه الضامنة بمقتىض القانون رقم 31.08السالف الذكر فيام يتعلق بعقد القرض مميزا
بني القروض االستهالكية والقرض العقاري .فبخصوص النوع األول من القروض،
أي القروض االستهالكية ،فإن املادة 77من القانون رقم 31.08نصت عىل ما ييل
"جيب أن يسبق كل عملية قرض منصوص عليها يف املادة 74عرض مسبق للقرض
حيرر بكيفية متكن املقرتض من تقييم طبيعة ومدى االلتزام املايل الذي يمكن أن يتعهد
به ورشوط تنفيذ العقد املذكور.
جيب أن تنجز عمليات القرض الواردة يف املادة 74وفق بنود العرض املسبق الذي
تسلم نسختان منه جمانا إىل املقرتض وعند االقتضاء نسخة إىل الكفيل.
يلزم املق رض عند تسليم العرض املسبق باإلبقاء عىل الرشوط الواردة فيه خالل
مدة ال تقل عن سبعة أيام من تاريخ تسليمه للمقرتض".
أما بخصوص النوع الثان من القروض ،أي القروض العقارية ،نصت املادة 120
من القانون رقم 31.08عىل ما ييل "يلزم املقرض باإلبقاء عىل الرشوط التي حددها يف
العرض الذي وجهه للمقرتض طيلة مدة ال تقل عن مخسة عرش يوما من تاريخ تسلم
املقرتض للعرض.
يتوقف العرض عىل قبول املقرتض والكفيل من األشخاص الطبيعيني املرصح
هبم.
370مصطفى حممد اجلامل :السعي إىل التعاقد يف القانون املقارن ،مرجع سابق ،ص.215:
بخصوص بعض النامذج األخرى من العقود التي يفرض فيها املرشع املغريب خيار الرتوي يمكن الرجوع إىل:
CALAIS-AULOY Jean et STEINMETZ Frank : Droit de la consommation, 5éme édition 2000, Dalloz, P : 111.
371 BENABENT
Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux ; Op.cit, P:73 et s.
MALAURIE (Ph.) et AYNES (Laurent) : Droit civil, les contrats spéciaux, Op.cit, P:615.
166
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
وال جيوز للمقرتض والكفيل قبول العرض إال بعد تسلمه بعرشة أيام.
وجيب أن يبلغ قبول العرض بأية وسيلة تثبت التوصل".
كام سبق أن أكدنا عىل ذلك يف مناسبة سابقة ،فإننا نرى أنه كان حريا
372
.315
باملرشع املغريب أن يفرض هذا االلتزام ملصلحة املستهلك بوجه عام يف أي عقد يكون
طرفه الثاين حمرتفا ووصلت قيمته حدا مهام ،ألنه يلزم املهني باعتباره الطرف القوي يف
البقاء عىل إجيابه املتمثل يف الرشوط الواردة بالعقد التمهيدي ملدة حمددة يرتك
للمستهلك مهلة كافية لقراءة هذه الرشوط وحماولة فهمها ملعرفة ما يرتتب عن القبول
هبا من حقوق والتزامات.
تسمية املرشع املغريب مهلة الرتاجع ،le droit à la rétractationومن هذه القوانني
نجد املرشع الفرنس الذي فرض مهلة الرجوع أو الندم يف بعض العقود التي
يكون أحد أطرافها مستهلكا كام هو الشأن بالنسبة للبيع املنزيل ،حيث أعطت
املادة L21/121للمستهلك املشرتي سبعة أيام كمهلة للرجوع.374
372عبد الرمحان الرشقاوي :قانون العقود املسامة؛ الكتاب األول العقود الناقلة للملكية ،عقد البيع؛ مرجع سابق؛ ص.95:
373نضال إسامعيل برهم :أحكام عقود التجارة اإللكرتونية ،مرجع سابق ،ص.140:
احلبيب كامل البناين :النظرية العامة لاللتزامات والتطور املعلومايت( ،الثابت واملتحول)؛ جملة القضاء والترشيع ،ع ،2005 ،8:ص.309:
يرى هذا الباحث أن هذه اإلمكانية تستعيص عىل التكييف ضمن املفاهيم املتعارفة يف قواعد االلتزامات وأحكام العقد ،وحتى إن جتاوزنا
النقاشات التي أتارثها وماهلا من تأثري عىل مبدأ سلطان اإلرادة فإن السعي إىل تأصيل هذا احلق وفق مفردات ومفاهيم النظرية العامة لاللتزامات
هو سعي حمكوم بالفشل ،ألن هذا احلق مل يكن نتيجة صيغ قانونية متعارفة ومل يأخذ املرشع إذ سنه قواعد االلتزام يف االعتبار ،بل هي الرضورة
الترشيعية وغايته التي حتمت محاية املستهلك دونام مراعاة ملقتضيات القوانني السابقة وال التفات ملطابقتها لنظرية االلتزام من عدمها وكان حق
العدول عن التعاقد خارجا عن مألوف التعاقد الكالسيكي ،بل حتى خمالفا هلا بام يقتيض قبوله كيفام هو دون حاجة لتكييفه إذ علينا أن نسلم بأن
تطور املعامالت وتشعبها وظهور مصالح جديدة ال بد من محايتها حتمت ابتكار قواعد جديدة حتكم الروابط التعاقدية التي تطورت بفعل
التطورات العلمية والتقدم املعلومايت.
احلبيب كامل البناين :املرجع السابق ،ص.310:
374 LARROUMET Christian :Droit civil, les obligations, le contrat, Tome III, 5ème édition/économica,
167
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.317بالنظر ألمهية هذا االلتزام ،فإن املرشع املغريب قد أخذ بخيار الرجوع
بمقتىض القانون رقم ،31.08وإن كان يظهر لنا عىل أنه قرص هذا االلتزام عىل
بعض أنواع العقود ،حيث تناوله بمناسبة تطرقه للعقود املربمة عن بعد والبيوع
خارج املحالت التجارية.
36 فبخصوص النوع األول ،أي بالنسبة للعقود املربمة عن بعد ،فإن املادة
من القانون رقم 31.08نصت عىل ما ييل "للمستهلك أجل:
سبعة أيام ملامرسة حقه يف الرتاجع؛
ثالثني يوما ملامرسة حقه يف الرتاجع يف حالة ما مل يف املورد بالتزامه بالتأكيد
الكتايب للمعلومات املنصوص عليها يف املادتني 29و .32
وذلك دون احلاجة إىل تربير ذلك أو دفع غرامة باستثناء مصاريف اإلرجاع
إن اقتىض احلال ذلك.
ترسي اآلجال املشار إليها يف الفقرة السابقة ابتداء من تاريخ تسلم السلعة أو
قبول العرض فيام يتعلق بتقديم اخلدمات.
تطبق أحكام هذه املادة مع مراعاة أحكام املادتني 38و ."42
وبالرجوع للامدة 37من هذا القانون –القانون رقم -31.08نجدها حددت
اجلزاء املرتتب عن ممارسة هذا احلق ،حيث جاء فيها "عند ممارسة حق الرتاجع،
جيب عىل املورد أن يرد إىل املستهلك املبلغ املدفوع كامال عىل الفور وعىل أبعد
تقدير داخل اخلمسة عرش يوما املوالية للتاريخ الذي متت فيه ممارسة احلق
املذكور .وبعد انرصام األجل املذكور ،ترتتب بقوة القانون ،عىل املبلغ املستحق
فوائد بالسعر القانوين املعمول به".
31.08 أما بالنسبة للبيع خارج املحالت التجارية ،فإننا نجد القانون رقم
خصص للحق يف الرتاجع املادتني 49و 50من هذا القانون ،حيث نصت األوىل
9 عىل ما ييل" :استثناء من أحكام الفصل 604من الظهري الرشيف الصادر يف
168
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
169
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
الرؤية وخيار املجلس .375فبخصوص خيار الرؤية 376فهو عام لكل متعاقد مل يسبق
له رؤية املبيع ،رؤية مميزة فله أن يفسخ العقد بعد الرؤية حتى ولو جاء املحل
مطابقا كام جاء يف املادة 320من جملة األحكام العدلية .فنستنتج من ذلك ،أنه
يتحقق له من حيث الواقع مهلة للرجوع عن العقد.
كام أن فقهاء الشافعية واحلنابلة يقولون بخيار املجلس ،377الذي حيقق
ألطراف العقد مصلحتهام مادام خيول هلام إمكانية إعادة النظر يف العقد ،كام يتضح
لنا مما ذهب إليه الفقيه ابن القيم رمحه اهلل" 378إن الشارع أثبت خيار املجلس يف
ا لبيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين ،وحيصل متام الرضا الذي رشطه اهلل تعاىل فيه،
فإن العقد قد يقع بغتة من غري ترو وال نظر يف القيمة ،فاقتضت حماسن هذه
الرشيعة الكاملة أن جيعل للعقد حريام يرتوى فيه املتبايعان ويعيدان النظر،
ويستدرك كل واحد منهام عيبا كان خفيا فال أحسن من هذا احلكم وال أرفق
ملصلحة اخللق".
بمعنى أن اهلدف من هذا اخليار يف الفقه اإلسالميهو الرتوي ،وهو يف ظل
التباين الواضح احلاصل يف وقتنا احلايل لن يكون إال يف مصلحة املتعاقد
الضعيف ،أو ما يسمى يف القوانني احلديثة باملستهلك.
375إبراهيم الدسوقي أبو الليل :العقد غري الالزم .دراسة مقارنة معمقة يف الرشيعة اإلسالمية والقوانني الوضعية؛ مرجع سابق ،ص.242:
376إبراهيم الدسوقي أبو الليل :العقد غري الالزم ،دراسة مقارنة معمقة يف الرشيعة اإلسالمية والقوانني الوضعية ،مرجع سابق؛ ص.102:
مالك بن أنس :املوطأ ،املجلد الثاين ،دار الكتب العلمية /لبنان ،دون ذكر سنة الطبع ،ص.671:
حممد الزرقاين :رشح الزرقاين عىل موطأ اإلمام مالك ،املكتبة التجارية الكربى ،1959 ،ص.320:
حممد بن يوسف الكايف :إحكام األحكام عىل حتفة احلكام ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل ،1994 /ص.154:
حممود حممد الطنطاوي :املدخل إىل الفقه اإلسالمي :تاريخ الترشيع ..ومصادره..والنظريات الفقهية ،مكتبةوهبة ،1987 ،ص.329:
377ال يعني ذلك أن الفقه اإلسالمي بمختلف مدارسه مل يعرف إال هاذين النوعني من اخليار ،بل هناك أنواع أخرى من اخليارات تكاد تؤدي
نفس الوظيفة ،ويمكن أن نشري فقط عىل سبيل املثال خليار اخليانة يف بيوع األمانات وعقود االسرتسال وتلقي الركبان ،أي عندما يركن املشرتي
إىل أمانة البائع يف عقود األمانات أو يظهر جهله وعدم خربته للبائع فله فسخ العقد باخليار للخيانة.
أنظر ابن القيم :إعالم املوقعني ،اجلزء الثاين ،ص.309:
378ابن القيم :إعالم املوقعني ،اجلزء الثالث ،ص.105:
170
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بذلك يكون املرشع املغريب قد تبنى التوجه احلديث الذي يستبعد فكرة حمل
العقد ،عىل اعتبار أن املقصود هبذا املحل األخري هو تلك العملية القانونية التي يراد 380
حتقيقها من وراء العقد كالبيع ،اإلجيار والوكالة أو غريها؛ بينام يقصد بمحل االلتزام 381
هو ذلك األداء املتمثل يف إعطاء يشء أو القيام بعمل أو باالمتناع عن عمل. 382
لعل أمهية هذا التمييز تربز عىل مستوى النتائج القانونية املرتتبة عن ذلك ،فقد يكون
حمل االلتزام مرشوعا ،بينام حمل العقد باطال ،383وهذه حالة بيع الرتكة املستقبلة فمحل
االلتزام فيها يعترب صحيحا ما دام أهنا قابلة للوجود يف املستقبل ،أي أن البائع يمكنه نقل
ملكيتها إىل املشرتي ،غري أن العقد باطل بسبب منع القانون الترصف يف تركة شخص ما
زال عىل قيد احلياة كام يتضح من الفقرة الثانية من الفصل 61من ق.ل.ع.م.
379يذهب الفقه الفرنس ،إىل أنه بالرغم من الغموض الذي يعرتي التعبري الذي جاء به الفصل 1108من القانون املدين الفرنس ،املوازية للامدة
1128بعد تعديل 10فرباير 2016؛ والذي أكدته العديد من النصوص القانونية األخرى؛ حيث إنه بالرجوع للفصول من 1126إىل 1128
تظهر استعامل حمل العقد ،يف حني أن مراجعة الفصول 1129و 1130تبني استعامله ملحل االلتزام .غري أن هذا التعبري السء كام يؤكد عىل ذلك
هذا الفقه ،ليس هلا من تربير خاص؛ وأن احلقي قة هي أن مقتضيات هذا القانون ختص حمل االلتزام؛ بمعنى ما هو االلتزام امللقى عىل عاتق
املتعاقد ،أو الذي يتعني عىل املتعاقد تنفيذه ،فهو إما إعطاء يشء أو القيام بعمل أو االمتناع عن عمل كام أكدت عىل ذلك املادة 1128من القانون
املدين الفرنس.
FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit; P:199.
380أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.152:
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد؛ مرجع
سابق؛ ص.135:
مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول ،مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص.174:
; 381 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
op.cit ;P:200.
171
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.321قبل االنتقال إىل معاجلة خمتلف رشوط املحل ،ينبغي التطرق ملالحظتي
مهمتي؛ األوىل هي أننا نقصد بمحل االلتزام هنا االلتزام اإلرادي ،عىل اعتبار أنه يف
384
االلتزام غري اإلرادي كام هو الشأن بالنسبة للمسؤولية التقصريية فإن القانون هو الذي
يتوىل تعيني املحل؛ أما املالحظة الثانية ،فهي أنه أصبح من الرشوط األساسية يف املحل،
السيام يف ظل التحوالت التي شهدهتا أغلب العقود املربمة بني املهنيني واملستهلكني،
أن تكون قيمة املحل تتسم بقدر من العدالة ،أي أن ال يكون هناك تباين فاحش بني
385
حمل التزامات طريف العقد ،وهذا هو عنرص الغبن الذي ارتأينا تناوله يف املبحث اخلاص
بعيوب الرىض لالرتباط الوثيق بينه وبني باقي العيوب األخرى.
.322عموما ،فإنه من أجل أن يكون العقد صحيحا ،فإنه ينبغي أن تتوفر جمموعة من
الرشوط يف حمل االلتزام؛ أوهلا أن يكون موجودا أو قابال للوجود يف املستقبل إذا كان حمل
االلتزام إعطاء يشء ،أما إذا كان حمله عمال أو امتناعا عن عمل فإنه ينبغي أن يكون ممكنا
(املبحث األول)؛ إضافة إىل رشط التعيني أو القابلية للتعيني (املبحث الثاين) ،وأخريا
ينبغي أن يكون املحل مرشوعا (املبحث الثالث).
املبحث األول :رضورة أن يكون املحل موجودا وممكنا
.323نميز بصدد هذا الرشط بني االلتزام الذي يكون حمله إعطاء يشء ،حيث
ينبغي أن يكون موجودا أو عىل األقل قابال للوجود يف املستقبل (املطلب األول)؛ أما
االلتزام الذي يكون حمله القيام بعمل أو االمتناع عن عمل ،فإنه يتعني أن يكون ممكنا
(املطلب الثاين).
املطلب األول :رضورة وجود املحل أو قابليته للوجود
.324إذا كان حمل التزام املتعاقد يتمثل يف إعطاء يشء ،فإنه ينبغي أن يكون موجودا
أثناء إبرام العقد ،وإال فإن العقد يكون باطال ؛ بمعنى أنه إذا تبني أن املحل مل يكن
386
موجودا وقت العقد أو هلك قبل إبرامه ،فإن مصري هذا األخري هو البطالن ،سواء كان
172
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
اهلالك ناجتا عن فعل مادي كاحرتاق املنزل أو السيارة حمل االلتزام أو حالة بيع منتوج
زراعي سبق أن هلك قبل البيع ،أو كان اهلالك قانونيا كام هو الشأن بالنسبة للرخصة التي
سبق أن ألغيت قبل إبرام العقد.
.325وكام يصح التعاقد عىل يشء موجود فعال وقت العقد ،فإنه يصح التعاقد
أيضا عىل يشء حمتمل الوجود ،أي عىل يشء مستقبل؛ وقد أجازت هذه اإلمكانية
خمتلف الترشيعات بشكل رصيح ،كام هو الشأن بالنسبة للقانون املغريب ،الذي نص
عليها يف الفقرة األوىل من الفصل 61من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "جيوز أن يكون حمل
االلتزام شيئا مستقبال أو غري حمقق فيام عدا االستثناءات املقررة بمقتىض القانون" .وهو
نفس احلكم الذي سبق للقانون املدين الفرنس أن أكد عليه بمقتىض الفقرة األوىل من
املادة 1130التي أصبحت هي املادة 1163بمقتىض األمر الصادر بتاريخ 10فرباير ،2016
ثم جسده فيام بعد بخصوص بيع العقارات يف طور اإلنجاز بمقتىض الفصول 1/1601
إىل 4/1601من نفس القانون . 387
لعل األمثلة عىل التعامل يف األشياء املستقبلة يف احلياة العملية كثرية ،من ذلك قيام
صاحب املصنع ببيع كمية معينة من املنتجات قبل صنعها مع تعجيل املشرتي باملبلغ
اإلمجايل أو عىل األقل مبلغا حمددا للبائع ،وتسمى هذه احلالة ببيع السلم التي نظمها
املرشع املغريب بمقتىض الفصول من 613إىل 618من ق.ل.ع .وقد عرفه الفصل األول
بام ييل " :السلم عقد بمقتضاه يعجل أحد املتعاقدين مبلغا حمددا للمتعاقد اآلخر الذي
يلتزم من جانبه ،بتسليم مقدار معني من األطعمة أو غريها من األشياء املنقولة يف أجل
متفق عليه".
من األمثلة البارزة أيضا ،بيع العقار قبل إنجازه أو بنائه ،الذي أثار العديد من املشاكل
السيام يف ظل الفراغ القانوين الذي هيمن عىل أغلب القوانني؛ مما سمح للطرف القوي
الذي يتمثل يف مهنيي قطاع البناء وبيع العقار باستغالل املستهلكني الذين يرغبون يف
احلصول عىل مسكن يف ظل األزمة التي عرفها هذا القطاع .هلذه االعتبارات كان لزاما
388
387 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit; P:204.
MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; EDITION CUJAS ; Op.cit ; p:270.
388حممد بن أمحد بونبات :بيع العقارات يف طور اإلنجاز ،دراسة يف ضوء القانون رقم 44.00؛ سلسلة آفاق القانون ( ،)9املطبعة والوراقة
الوطنية -مراكش؛ الطبعة األوىل 2003؛ ص.7:
173
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عىل املرشع املغريب أن يتدخل لتنظيم هذا النوع من العقود املستقبلية؛ وهو ما تم بمقتىض
القانون رقم 44.00املغري واملتمم بمقتىض القانون رقم ، 107.12الذي أدمج الفصول
389
ويتميز قانون بيع العقار يف طور اإلنجاز بمجموعة من املميزات ،التي هتدف يف
جمملها إىل محاية الطرف الضعيف يف هذا العقد؛ والتي تتمثل يف جعله عقدا شكليا من
جهة أوىل سواء أثناء إبرام العقد االبتدائي 391أو النهائي392؛ ومن جهة أخرى ،فإنه يعترب
ظهري رشيف رقم 1.16.05بتاريخ 3فرباير ،2016اجلريدة الرسمية عدد 6440بتاريخ 18فرباير .2016 389
390يرى أحد األساتذة املغاربة أن هذا التعريف ما هو إال ترمجة ملا كان يتبناه العمل القضائي ،ذلك أنه بالرجوع لألحكام الصادرة عن حماكم
التابعة لدائرة حمكمة االستئناف بالرباط نجدها تعترب عقد بيع العقار يف طور اإلنجاز بمثابة عقد ابتدائي؛ من ذلك القرار الصادر عن حمكمة
بالرباط بتاريخ 16أبريل ،1982حيث جاء فيه " لكن بالرجوع إىل العقد الرابط بني الطرفني والذي بمقتضاه باع املستأنف عليهام حمل النزاع
يتبني أن عقد البيع خايل من أي رشط مما أصبحت بنوده ملزمة للطرفني معا حسب مقتضيات الفصل 230من ق.ل.ع".
جياليل بوحبص :قراءات يف القانون العقاري وقانون البناء؛ دار األفاق املغربية للنرش والتوزيع /الدار البيضاء؛ الطبعة األوىل.2009:
391تطبيقا للامدة 3-318مكرر من القانون رقم 44.00التي نصت عىل ما ييل" :جيب أن حيرر عقد البيع االبتدائي للعقار يف طور اإلنجاز إما يف
حمرر رسمي أو بموجب ع قد ثابت التاريخ يتم حتريره من طرف مهني ينتمي إىل مهنة قانونية منظمة وخيول هلا قانوهنا حترير العقود وذلك حتت
طائلة البطالن.
حيدد وزير العدل سنويا الئحة بأسامء املهنيني املقبولني لتحرير هذه العقود.
يقيد بالالئحة املحامون املقبولون للرتافع أمام املجلس األعىل طبقا للفصل 34من الظهري الرشيف رقم 1.93.162الصادر يف 22من ربيع
األول 10( 1414شتنرب )1993املعترب بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة املحاماة.
حيدد نص تنظيمي رشوط تقييد باقي املهنيني املقبولني لتحرير هذه العقود.
جيب أن يتم توقيع العقد والتأشري عىل مجيع صفحاته من األطراف ومن اجلهة التي حررته.
يتم تصحيح اإلمضاءات بالنسبة للعقود املحررة من طرف املحامي لدى رئيس كتابة الضبط للمحكمة االبتدائية التي يامرس املحامي بدائرهتا.
جيب أن يتضمن العقد عىل اخلصوص العنارص التالية:
هوية األطراف املتعاقدة؛ -
الرسم العقاري ا ألصيل للعقار املحفظ موضوع البناء أو مراجع ملكية العقار غري املحفظ ،مع حتديد احلقوق العينية والتحمالت -
العقارية الواردة عىل العقار وأي ارتفاق آخر عند االقتضاء؛
تاريخ ورقم رخصة البناء؛ -
وصف العقار حمل البيع؛ -
ثمن البيع النهائي وكيفية األداء؛ -
أجل التسليم؛ -
مراجع الضامنة البنكية أو أية ضامنة أخرى أو التأمني عند االقتضاء. -
وجيب أن يرفق هذا العقد:
=
174
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
عقد استهالك ،ولذلك جاء هذا القانون بمجموعة من املقتضيات احلامئية ،لعل أمهها ما
نص عليه الفصل 8-618من ق.ل.ع .الذي جاء فيه عىل أنه يعد باطال كل أداء كيفام
كان قبل التوقيع عىل العقد االبتدائي أو عقد التخصيص يف حالة اللجوء إىل إبرامه.
هذا يعترب من 393
وتنبغي اإلشارة إىل أن التنصيص عىل 'عقد التخصيص'
مستجدات القانون رقم 107.12املغري واملتمم للقانون رقم ،44.00حيث خول
إمكانية إبرامه ،واشرتاط رضورة كتابته ،دون فرض نوع معني منها؛ ويبقى إبرام هذا
العقد جمرد مرحلة اختيارية ،جاء هبا املرشع من أجل محاية املشرتي ،السيام إذا علمنا أن
املامرسة كشفت عدم احرتام األطراف املتدخلة يف هذا النوع من العمليات للمقتضيات
التي جاء هبا القانون رقم ،44.00حيث غالبا ما كان يكتفي املنعش العقاري بمنح
املشرتي املستقبيل جمرد وصل ،ومتسكهم بأن مثل هذا الوصل أو احلجز إنام هو آلية
داخلية تسمح هلم بربجمة بيوعاهتم.
لكل هذه االعتبارات ،عمل القانون رقم 107.12عىل تنظيم عقد التخصيص،
وجعله مرنا عىل مستوى الكتابة املتطلبة ،ملا يف ذلك من تشجيع للمتعاملني يف هذا
املجال عىل التعامل داخل اإلطار القانوين اجلديد؛ غري أنه من أجل محاية املشرتي
املستهلك ،فإن املرشع املغريب جاء بضامنتني ،األوىل تتعلق بالبيانات التي ينبغي
تضمينها هذا العقد ،أما الضامنة الثانية فتتمثل يف اشرتاط احلصول عىل رخصة البناء 394
بنسخ مطابقة ألصل التصاميم املعامرية بدون تغيري وتصاميم اإلسمنت املسلح ونسخة من دفرت التحمالت؛ -
بشهادة مسلمة من لدن املهندس املختص تثبت االنتهاء من أشغال األساسات األرضية للعقار". -
نص الفصل 16-618نص عىل أن العقد النهائي يربم طبقا ملقتضيات الفصل 3-618املشار إليه أعاله وذلك بعد أداء املبلغ اإلمجايل للعقار 392
175
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.326إذا كانت القاعدة ،هي جواز التعامل يف األشياء املستقبلة ،فإن هذه القاعدة
ترد عليها بعض االستثناءات ،من أمهها عدم جواز التعامل يف الرتكة املستقبلة التي
نصت عليها خمتلف الترشيعات ،وذلك هبدف احليلولة دون جعل حياة اإلنسان جماال 396
للمضاربة؛ وقد نص عىل هذا املنع املرشع املغريب بمقتىض الفقرة الثانية من الفصل 61
من ق.ل.ع .التي جاء فيها "ومع ذلك ال جيوز التعامل يف تركة إنسان عىل قيد احلياة،
وال إجراء أي تعامل فيها ،أو يف يشء مما تشتمل عليه ،ولو حصل برضاه ،وكل ترصف
مما سبق يقع باطال بطالنا مطلقا".
املطلب الثان :أن يكون املحل ممكنا
.327بخالف احلالة السالفة ،فإنه عندما يكون حمل االلتزام القيام بعمل أو
االمتناع عن عمل ،فإنه ينبغي أن يكون هذا املحل ممكنا ال مستحيال؛ أو بمعنى آخر،
أنه إذا كان املحل مستحيال ،كان العقد باطال؛ لكون القاعدة القانونية تقيض بأنه ال
التزام بمستحيل ؛ وقد أكدت عىل هذا الرشط خمتلف الترشيعات ،من ذلك القانون 397
املغريب بمقتىض الفصل 59من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "يبطل االلتزام الذي يكون حمله
شيئا أو عمال مستحيال ،إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون".
إن االستحالة التي تؤدي إىل بطالن العقد ،هي االستحالة املطلقة ال .328
االستحالة النسبية؛ حيث إن هذه األخرية تشكل فقط عجزا شخصيا لبعض
األشخاص دون غريهم ،األمر الذي يفيد أهنا ال حتول دون إبرام العقد بالنسبة
لألشخاص القادرين عىل ختطي هذه االستحالة النسبية؛ يف حني أن االستحالة املطلقة
جتعل موضوع االلتزام مستحيال يف ذاته وبالنسبة جلميع األشخاص ،كام أكدت عىل
396لعل مصدر هذا املنع يف الترشيعات الغربية هو القانون الروماين ،الذي كان حيرم رضوب التعامل يف الرتكات املستقبلة عىل اعتبار أهنا ختالف
األداب ،إضافة إىل كوهنا قد تكون أحد أدوات التعجيل بوضع حد حلياة الشخص طمعا يف استحقاق تركته قبل األوان؛ غري أن هذا القانون كان
حيرص هذه القاعدة يف نطاق ضيق ،يتمثل يف منع التعاقد بني شخصني بخصوص تركة شخص ثالث ،بمعنى أنه كان جييز التعامل بالرتكة
املستقبلة إذا تم ذلك برضاء املورث .ثم انتقلت هذه املبادئ إىل القانون الفرنس القديم ،إال أن القضاء اختلف يف تطبيقها ،فبعض املحاكم
أخذت بقاعدة احلظر وما تتضمنه من استثناء ،يف حني ذهبت حماكم أخرى إىل األخذ بالقاعدة عىل إطالقها دون أي استثناء؛ أي أن هذا القضاء
حرم التعامل يف الرتكة املستقبلة ولو تم برضا صاحبها؛ وهذا التفسري هو الذي أخذ به واضعو مدونة نابليون.
397يبدأ الفقه الفرنس حديثهم عن هذا الرشط بمقولة ال التزام بمستحيل .à l’impossible, nul n’est tenu
Henri et Léon MAZEAUD, Jean MAZEAUD, François CHABAS : Leçons de droit civil, Obligation
Théorie générale ; op.cit ; P :248.
FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit; P:204.
MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; EDITION CUJAS ; Op.cit ; p:271.
176
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
ذلك بعض الترشيعات ،من بينها القانون املدين األردين الذي نص عىل ما ييل "إذا كان
املحل مستحيال يف ذاته وقت التعاقد كان العقد باطال".
.329كام يقسم الفقه االستحالة املطلقة إىل نوعني ؛ النوع األول يسمى
398
باالستحالة القانونية ،التي تتمثل يف وجود مانع قانوين حيول دون إبرام العقد ،كتعهد
حمام برفع استئناف عن قضية بعد فوات أجل استئنافها؛ أما املقصود باالستحالة
الطبيعية ،فهي التي ترجع لطبيعة االلتزام كأن يلتزم شخص عىل أن يقطع املحيط
األطلس سباحة .وقد أكد عىل بطالن االستحالة الطبيعية أو املادية املرشع املغريب
بمقتىض الفصل 729من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "يبطل كل اتفاق يكون موضوعه:
ب) القيام بأعامل مستحيلة ماديا".
.330يف األخري ،نود اإلشارة إىل أنه ينبغي التمييز بني االستحالة املطلقة التي
حتول دون إمكانية قيام العقد ،أو التي تؤدي إىل بطالنه ،وبني االستحالة املطلقة
الالحقة النعقاد العقد ،حيث إن االلتزام يقوم ويعترب العقد صحيحا يف هذه احلالة
األخرية ،مادام أن االلتزام كان ممكنا وقت متام العقد ،غري أنه ينقيض بسبب هذه
االستحالة كام هو الشأن بالنسبة للقوة القاهرة واحلادث الفجائي ،حيث تؤدي هذه
األسباب إىل فسخ العقد امللزم جلانبني ،وإىل اإلعفاء من املسؤولية .
399
398 TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:307.
399نص الفصل 268من ق.ل.ع .عىل ما ييل " ال حمل ألي تعويض ،إذا أثبت املدين أن عدم الوفاء بااللتزام أو التأخري فيه ناشئ عن سبب ال يمكن أن يعزى إليه،
كالقوة القاهرة ،أو احلادث الفجائي أو مطل الدائن".
400FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ;les obligations, 1.L’acte juridique,op.cit ;P:200.
177
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
طبيعة هذا املحل؛ حيث يمكننا التمييز بني ما إذا كان األمر يتعلق بالقيام بعمل أو
االمتناع عن عمل (املطلب األول) ،أو بإعطاء يشء (املطلب الثاين).
أما إذا خال املحل من هذا التحديد ،فإن العقد يكون باطال ؛ ففي املثال السابق،
401
فإن املقاول الذي يكتفي بأن يلتزم بإقامة العامرة دون أن يعني عدد شققها وال
مواصفاهتا ،فإن املحل يكون غري معني تعيينا كافيا ،وبالتايل يكون العقد باطال.
وقد ذهب الفقه اإلسالمي إىل التمييز بني اجلهالة الفاحشة واجلهالة .334
اليسرية ،فاألوىل هي التي تؤثر عىل العقد ،ملا ينتج عنها من غرر وخداع؛ يف حني أن 402
اجلهالة اليسرية ال حتول دون قيام العقد صحيحا ،لكون العرف جرى عىل التسامح
بشأهنا.
401
; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:242.
402حممد الزرقاين :رشح الزرقاين عىل موطأ اإلمام مالك ،مرجع سابق؛ ص.320:
حممد بن يوسف الكايف :إحكام األحكام عىل حتفة احلكام ،مرجع سابق.
حممود حممد الطنطاوي :املدخل إىل الفقه اإلسالمي :تاريخ الترشيع ..ومصادره..والنظريات الفقهية ،مكتبة وهبة.1987 ،
178
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بغريه ومنعا من اجلهالة الفاحشة .واألمثلة عىل ذلك كثرية ،منها أن يقوم شخص ببيع
منزل معني أو عقار ما ،حيث ينبغي عليه أن حيدد موقعه ومساحته وحدوده .
405 404
هو الشأن بالنسبة لبيع قنطار من القمح أو األرز أو سيارة من نوع معني؛ حيث يكفي
لكي يكون املحل معينا ،أن يتم حتديد نوعيتها ،بخالف الوضع بالنسبة لألشياء القيمية
التي تستلزم التحديد الدقيق املنايف للجهالة.
وبالنظر لكون أطراف العقد ،قد هيملون حتديد عنرص اجلودة بشكل مسبق؛ فإن
املرشع املغريب توقع هذه الفرضية فوضع هلا مقتضيات خاصة ،وذلك بمقتىض الفصل
244من ق.ل.ع .الذي جاء فيه "إذا مل يعني اليشء إال بنوعه مل يكن املدين ملزما بأن
يعطي ذلك اليشء من أحسن نوع ،كام ال يمكنه أن يعطيه من أردئه".
.338أما إذا كان حمل االلتزام نقودا ،فإنه جيب أن تكون معينة بنوعها ومقدارها عىل
غرار أي حمل لاللتزام407؛ وبالرجوع للفصل 247من ق.ل.ع .نجده تناول بعض
403 MALAURIE (Ph.) et AYNES (L.) : Les contrats spéciaux, op.cit ; P:135.
404 NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des
obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; op.cit ; P:91.
405يف هذا السياق ،فإن املجلس األعىل ذهب يف قرار له بتاريخ 03نوفمرب 1983إىل نقض القرار الصادر عن حمكمة االستئناف عندما تبني له أن
القطعة األرضية حمل البيع مل حيدد رسمها العقاري وال احلدود املميزة هلا وأن حمكمة املوضوع عندما مل تناقش هذه املسألة تكون قد عرضت
حكمها للنقض.
406املقصود باألشياء املثلية هي األشياء التي يقوم بعضه ا مقام بعض ،أو هي تلك األشياء التي هلا ما يقابلها يف السوق من حيث النوع
واملواصفات.
407عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف
مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.143:
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil; Obligations,
théorie générale ; op.cit ; P:243.
179
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
اإلشكاالت املرتبطة بمحل االلتزام متى كان عبارة عن مبالغ مالية؛ يمكن اختزاهلا فيام ييل:
-إذا كان اسم العملة الواردة يف االلتزام يرسي عىل نقود عديدة متداولة قانونا
ولكنها خمتلفة القيمة ،كان للمدين عند الشك ،أن يربئ ذمته بالدفع بالنقود األقل قيمة.
-مع ذلك ،ففي العقود التبادلية يفرتض يف املدين أنه ملتزم بالنقود األكثر
استعامال .فإن كانت العمالت عىل قدم املساواة وجب إبطال العقد.
.340وقد ذهب الفقه الفرنس إىل أن مصطلح التجارة " "commerceال يؤخذ
باملعنى املعروف يف اللغة املألوفة ؛ فاليشء اخلارج عن دائرة التعامل هو اليشء الذي
409
ال يقبل أن يكون موضوع اتفاق ،والذي يمكن أن يتمثل يف مال مادي أو عمل
410
شخيص يتعهد به املدين؛ ومن قبل احلظر األول ما يدخل يف نطاق امللك العام للدولة،
حيث خيرج عن دائرة التعامل ،إضافة لذلك فقد يكون املنع هدفه محاية الصحة العامة،
كام هو الشأن بالنسبة لبيع حيوانات مصابة بأمراض معدية؛ أما بخصوص القيام
408 ; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:224.
409 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
180
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
بعمل ،فإنه يعترب باطال ،العقد الذي يلتزم بمقتضاه أحد املتعاقدين القيام بعمل جرمي.
.341من األشياء التي حرم القانون املغريب التعامل فيها لكوهنا غري مرشوعة ما
نص عليه الفصل 484من ق.ل.ع.م .الذي جاء فيه عىل أنه يبطل بني املسلمني بيع
األشياء املعتربة من النجاسات وفقا لرشيعتهم مع استثناء األشياء التي جتيز هذه
الرشيعة االجتار فيها ،كاألسمدة احليوانية املستخدمة يف أغراض الفالحة.
وبالرجوع للفقه اإلسالمي ،نجده هو اآلخر أكد عىل مرشوعية املحل ،411ذلك أن
من رشوط البيع أن يكون املبيع طاهرا فال يصح بيع نجس العني كاخلمر وامليتة واخلنزير
ونحو ذلك ،واألصل يف حتريم ذلك حديث جابر ريض اهلل عنه أنه قال :قال رسول اهلل
صىل اهلل عليه وسلم "إن اهلل ورسوله حرما بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واألصنام".412
كام أن هناك العديد من التطبيقات القضائية يف املغرب هلذا املبدأ ،من ذلك القرار
الصادر عن حمكمة االستئناف بطنجة بتاريخ 27يوليوز ،1988الذي جاء فيه "حيث
إن موضوع الدعوى يتعلق باملطالبة بأداء دين عن بيع مرشوبات كحولية .وحيث إن
هذه املعاملة أساسها باطل لكوهنا تتناىف مع األخالق احلميدة وبالتايل مع النظام العام
املغريب الذي ال يقر ما يبنى عىل فساد األخالق من معامالت أو التزامات .وحيث إن
حمل الدعوى يف النازلة غري مرشوع لكونه ينصب عىل أشياء خارجة عن نطاق دائرة
التعامل بحكم القانون ،مما يكون معه احلكم االبتدائي قد صادف الصواب فيام قىض به
ويتعني تأييده" .
413
.342وخيرج عن دائرة التعامل أيضا جسم اإلنسان أو أحد أعضائه ،كام أكدت
عىل ذلك العديد من الترشيعات ،كالقانون األملاين ،واإلسباين ،إضافة إىل القانون
الفرنس ،السيام بواسطة القانون املؤرخ يف 29يوليوز ، 1994وإن كان القضاء يف
414
411أيب القاسم حممد بن أمحد بن جزي الكلبي :القوانني الفقهية؛ دار الكتب العلمية /بريوت ،الطبعة الثانية 2006؛ ص.184:
412متفق عليه ،واللفظ ملسلم (أنظر رشح النووي) 6/11 :؛ انظر كتاب التلقني يف الفقه املالكي للقايض أبو حممد عبد الوهاب البغدادي املالكي؛
اجلزء األول ،مكتبة نزار مصطفى الباز الرياض -مكة املكرمة؛ ص.359:
413قرار عدد 1474يف امللف عدد 6/87 .60؛ غري منشور.
414ANDORNO R. : La distinction juridique entre les personnes et les choses à l’épreuve des
=
181
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
فرنسا مل ينتظر النص الترشيعي إلقرار عدم رشعية الترصف يف جسم اإلنسان أو أحد
أعضائه ،قبل أن تكرس ذلك املادة 16من القانون املدين الفرنس .
416 415
وهو نفس املوقف الذي سار عليه املرشع املغريب بمقتىض القانون رقم 16.98املتعلق
بالتربع باألعضاء واألنسجة البرشية وأخذها وزرعها ؛ حيث جاءيف املادة 30منه ما ييل:
417
"يعاقب باحلبس من سنتني إىل مخس سنوات وبغرامة من 50.000إىل 100.000درهم كل
من عرض بأية وسيلة كانت تنظيم أو إجراء معاملة جتارية بشأن أخذ أعضاء برشية خرقا
ألحكام املادة 5من هذا القانون.
يعاقب بالعقوبات املنصوص عليها يف الفقرة السابقة األشخاص الذين يقومون
بمعاملة جتارية تتعلق بعضو برشي.
يعاقب بنفس العقوبات كل من تلقى أو حاول تلقي أجرة عري تلك املنصوص
عليها واملتعلقة بإجراء عمليات مرتبطة بعمليات أخذ أعضاء برشية أو االحتفاظ هبا أو
زرعها أو ساعد عىل ذلك" .
418
416نصت هذه املادة عىل أن لكل واحد احلق يف احرتام جسمه ،فجسم اإلنسان ال يمكن املساس به .جسم اإلنسان ،وأعضائه ،ال يمكن أن تكون
موضوع ترصف مايل.
L’article 16-1 du code civil affirme que « chacun a droit au respect de son corps. –le corps humain
est inviolable- le corps humain, ses éléments et ses produits ne peuvent faire l’objet d’un droit
patrimonial ».
417ظهري رشيف رقم 1.99.208صادر يف 13من مجادى األوىل 25( 1420أغسطس )1999بتنفيذ القانون رقم 16.98املتعلق بالتربع
باألعضاء واألنسجة البرشية وأخذها وزرعها .اجلريدة الرسمية عدد 4726؛ 16سبتمرب 1999؛ ص.2299:
418بالرجوع إىل الفصل اخلامس من هذا القانون ،نجده ينص عىل ما ييل "يعترب التربع بعضو برشي أو اإليضاء به عمال جمانيا ال يمكن بأي حال
من األحوال وبأي شكل من األشكال أن يؤدى عنه أجر أو أن يكون حمل معاملة جتارية .وال تعترب مستحقة سوى املصاريف املتصلة بالعمليات
الواجب إجراؤها من أجل أخذ وزرع األعضاء ومصاريف االستشفاء املتعلقة هبذه العمليات".
راجع يف هذا املوضوع نور الدين الرشقاوي الغزواين :قانون زرع األعضاء البرشية؛ دراسة قانونية مقارنة؛ مطبعة أوملبيا؛ القنيطرة.2000/
رجاء ناجي مكاوي :نقل وزرع األعضاء أو االستخدام الطبي ألعضاء اإلنسان وجثته ،مقاربة بني القانون املغريب واملقارن والرشيعة اإلسالمية؛
رشكة بابل للطباعة والنرش والتوزيع /الرباط؛ .2002
182
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
العقد ،بل إن الفقرة األخرية من الفصل الثاين من قانون االلتزامات والعقود املغريب
تطلبت ركنا آخر ،يتمثل يف رضورة أن يكون هناك سبب مرشوع لاللتزام ،وهو نفس
األمر الذي سبق أن أكدت عليه املادة 1108من القانون املدين الفرنس .وكام سنرى،
فإن املرشع املغريب خصص الفصول من 62إىل 65لنظرية السبب ،تناول فيها خمتلف
عنارص هذا الركن؛ ليكون بذلك قد تأثر إىل حد كبري باملواد من 1131إىل 1133من
القانون املدين الفرنس ،قبل أن يتم التخيل يف فرنسا عن ذكر السبب كركن من أركان
العقد يف املادة 1128وذلك بمقتىض التعديل الذي أدخل عىل القانون املدن الفرنس
بمقتىض األمر الصادر بتاريخ 10فرباير .2016
.344لقد آثارت نظرية السبب جدال فقهيا كبريا حول حتديد ماهيته ؛ بل إهنا من
419
أعقد النظريات وأغمضها؛ كام أهنا عرفت جتاذبا فقهيا عميقا ،حيث برزت بصددها
نظريتان أساسيتان ،األوىل تسمى بالنظرية التقليدية والثانية تسمى بالنظرية احلديثة 420
وبينهام العديد من األفكار واألراء (املبحث األول)؛ التي كان هلا انعكاس واضح عىل
املوقف الذي تبناه القانون املغريب (املبحث الثاين).
421
419 FENOUILLET D. : Les concepts contractuels français à l’heure des principes du droit européen des
contrats ; Dalloz ; 2003 ; P:81.
FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil; les obligations, 1.L’acte juridique,
13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P:218.
420 GHESTIN Jacques : cause de l’engagement et validité du contrat ; L.G.D.J. 2006.
GHESTIN Jacques : Le renouveau doctrinal actuel de l’absence de cause ; JCP /2006 ,I ; P :194.
421أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.176:
عبد احلق صايف :القانون املدين ،اجلزء األول :املصدر اإلرادي لاللتزامات ،العقد ،الكتاب األول تكوين العقد؛مرجع سابق؛ ص.447 :
عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها
القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي-؛ مرجع سابق؛ ص.144:
حممد ابن معجوز :السبب يف القانون املغريب والرشيعة اإلسالمية ،دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية
والرشيعة اإلسالمية؛ مطبعة النجاح اجلديدة /الدار البيضاء ،الطبعة األوىل .2005
183
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
422 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX E. : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique, op.cit ;P:220.
423استعرض أستاذنا الدكتور أمحد شكري السباعي خمتلف التربيرات التي أدىل هبا أنصار النظرية التقليدية ،حيث كتب ،بعد أن تطرق هلذا التمييز عىل
نفس الرتتيب الذي ذكرناه يف املتن " ...فاألول هو الواقعة القانونية التي تنشئ االلتزام من عقد أو قانون ،أو إثراء بال سبب أو عمل غري مرشوع،
وبعبارة أدق هو مصدر االلتزام ،وهو هبذا املعنى خيرج عن نطاق هذه النظرية .والثاين هو الباعث الدافع إىل التعاقد ،أو الغرض غري املبارش أو البعيد
but indirecte et médiat but lointainوالذي حيمل املتعاقد عىل إبرام العقد ،أي هو عنرص شخيص ،يتغري من شخص آلخر ،حتى ولو
كانت العقود من نوع واحد وال هتتم النظرية التقليدية هبذا النوع من السبب ،وجتعله غري مؤثر عىل العقد ،سواء أكان مرشوعا أو غري مرشوع ،فمثال
نجد ديمولوب–وهو من أنصار النظرية التقليدية -بعد أن فرق بني السبب( :وهو العنرص الثابت الذي ال يتغري يف النوع الواحد من العقود والباعث
=
184
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
.348عموما ،فإن هذه النظرية تعالج السبب انطالقا من متييزها بني ثالثة أنواع
من العقود ،هي العقود التبادلية (أوال) ،والعقود العينية امللزمة جلانب واحد (ثانيا)،
وأخريا عقود التربع (ثالثا).
أوال :السبب يف العقود التبادلية
.349بحسب أنصار النظرية التقليدية ،فإن السبب يف العقود التبادلية أو امللزمة
جلانبني ،يتمثل يف االلتزامات املتقابلة ،حيث إن سبب التزام أحد الطرفني هو 424
االلتزام املقابل الذي يتحمل به الطرف اآلخر؛ ففي عقد البيع ،فإن التزام البائع بنقل
ملكية املبيع هو سبب التزام املشرتي بدفع الثمن ،والتزام املشرتي بدفع الثمن هو سبب
التزام البائع بنقل ملكية اليشء املبيع .ويف عقد املقاولة ،فإن سبب التزام رب العمل
بأداء األجرة للمقاول هو التزام هذا األخري بإنجاز األشغال املتفق عليها.
ثانيا :السبب يف العقود العينية
.350تذهب النظرية التقليدية إىل جتسيد السبب يف العقود العينية امللزمة جلانب
واحد يف سبق تسليم اليشء ،فمثال يف عقد الرهن احليازي ،فإن سبب التزام الدائن 425
املرهتن برد اليشء املرهون لصاحبه هو واقعة التسلم التي وقعت أثناء إبرام عقد
الرهن؛ ونفس األمر ينطبق عىل عقد القرض والوديعة وغريها من العقود العينية.
ثالثا :السبب يف عقود التربع
.351يرى أنصار النظرية التقليدية ،أن املقصود بالسبب يف عقود التربع هو نية التربع
يف ذاهتا ،دون النظر إىل البواعث احلقيقية أو إىل ما يسمى بالدافع إىل التربع الذي يعترب 426
وهو متغري بطبعه) يتساءل( :واآلن هل بنا حاجة ألن نضيف أن السبب الباعث كام رأينا ،أي الباعث عىل العقد ،ال أثر له عىل تكوين العقد أو
صحته؟ ال أمهية لكونه جدا أو مزاحا ،وال لكونه مرشوعا أو غري مرشوع وقد رأينا فيام سبق أال حمل للبحث فيام إذا كان حقيقيا أو زائفا ،وأن الغلط يف
الباعث عىل التعاقد ال يعترب سببا للبطالن" والثالث وهو الذي اعتد به أقطاب النظرية التقليدية دوما Domatوبوتييه Pothieوعرفه أحد
أنصارها وهو ديمولوب بقوله هو الغرض املبارش الذي يقصد امللتزم الوصول إليه بالتزامه ،وهو يف عرف هذا الفقه التقليدي ،وإن كان خيتلف
باختالف العقود فهو ثابت ال يتغري بالنسبة للنوع الواحد منها.".....
أمحد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.176:
424 TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:349.
425عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف
مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.147:
مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزاما ت والعقود املغريب؛ اجلزء األول ،مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص.204:
426 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
185
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
متغريا ،حيث قد يكون هذا األخري هو الرغبة يف مساعدة املوهوب له عىل مواجهة احلياة
أو يف تشجيعه عىل القيام بعمل معني؛ يف حني أن السبب بمفهوم النظرية التقليدية ،الذي
ينحرص يف نية التربع ،ال يتغري.
.352من جهة ثانية ،فإن السبب هبذا املفهوم يف عقود التربع ،خيتلف عن السبب
يف العقود امللزمة جلانبني؛ بالنظر لغياب تقابل االلتزامات؛ ففي عقد اهلبة ،فإن الواهب
يلتزم بإعطاء يشء إىل املوهوب له ،يف حني أن هذا األخري ال يلتزم بأي يشء ،ومن ثم
ال يمكن القول بأن سبب التزام الواهب هو التزام املوهوب له ،كام سبق أن رأينا
بالنسبة لاللتزامات التبادلية.
الفقرة الثانية :نقد النظرية التقليدية يف السبب
.353تعرضت النظرية التقليدية يف السبب النتقادات عنيفة ،خاصة من قبل
427
الفقهاء البلجيكيني والفرنسيني ،ويف مقدمة هؤالء الفقيه الفرنس بالنيول ،وعموما
يسمى خصوم هذه النظرية بالالسببيني .حيث ذهب هؤالء الفقهاء ،إىل كون هذه
النظرية التقليدية غري صحيحة (أوال) ،إضافة إىل كوهنا غري مفيدة (ثانيا).
أوال :النظرية التقليدية يف السبب غري صحيحة
.354ذهب خصوم نظرية السبب إىل أن االنتقاد األسايس هلذه النظرية يعود باألساس
إىل كوهنا نظرية غامضة من حيث األساس الذي تقوم عليه ،أي أهنا غري صحيحة ؛ ويظهر
428
هذا الغموض بمجرد تأمل فكرة السبب يف تقسيامت العقود التي أوردهتا هذه النظرية.
ففي العقود امللزمة جلانبي تنشأ التزامات الطرفني يف نفس الوقت من عقد واحد،
وال يمكن أن يكون أحدمها سبب لآلخر ،مادام أن السبب جيب أن يسبق املسبب ،أو
بحسب بعض الفقه ،جيب أن يتقدم السبب عىل النتيجة ،كام تتقدم العلة عىل املعلول. 429
427FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit ; P :221.
BINET : De la fausse cause ; RTD civ. 2004 ; 655.
FAGES Bertrand : Droit des obligations ; op.cit ; P :152.
مأمون الكزبري :نظرية االل تزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول ،مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص.213: 428
MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,
théorie générale ; Op.cit ; P :267.
429حممد ابن معجوز :السبب يف القانون املغريب والرشيعة اإلسالمية ،دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية والرشيعة
اإلسالمية؛ مطبعة النجاح اجلديدة /الدار البيضاء ،الطبعة األوىل 2005؛ ص.56:
186
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
ويف العقود العينية يرى خصوم النظرية التقليدية ،أن التسليم ،الذي يعترب بحسب
أنصار هذه النظرية بمثابة السبب ،هو يف الواقع ركنا إضافيا لصحة االلتزام يف هذا
النوع من العقود ،يرتتب عن ختلفه بطالن العقد أصال لغياب ركن التسليم ال السبب.
أما يف النوع الثالث من العقود ،أي يف عقود التربع ،ففي الوقت الذي ذهب فيه
أنصار النظرية التقليدية إىل أن السبب يتمثل يف نية التربع ،فإن خصوم هذه النظرية
يرون أن النية هي نفسها ركن الرضا ؛ إضافة لذلك ،فإن نية التربع يصعب فصلها
430
عن البواعث التي دفعت املتربع إىل التربع؛ ذلك أنه يصعب قبول فكرة أن املتربع التزم
بأن يتربع ألنه أراد التربع ،لكون مثل هذا القول ال معنى له؛ ومن ثم ،فإنه يتضح لنا أن
هذه النظرية خلطت بني السبب والباعث.
ثانيا :النظرية التقليدية يف السبب غري مفيدة
.355يذهب خصوم النظرية التقليدية يف السبب إىل رفضها العتبار آخر يتمثل يف
كون اعتامدها غري مفيد ، Inutileنظرا ألنه يمكن االستغناء عنها يف خمتلف التطبيقات
431
التي رأيناها سابقا؛ ففي العقود امللزمة جلانبني ،فإن فكرة االرتباط بني االلتزامات
املتقابلة يغني عن فكرة السبب كام أخذ هبا أنصار النظرية التقليدية ،حيث إن مصري كال
من االلتزامني املتقابلني متوقف عىل مصري اآلخر ،أي أنه ال يمكن تصور وجود التزام
من هذه االلتزامات املتقابلة دون وجود االلتزام املقابل؛ مما يعني أنه يف العقود التبادلية
تغني فكرة االرتباط عن فكرة السبب.
كام يمكن االستغناء عن هذه النظرية يف إطار العقود امللزمة جلانبني ،حسب
خصومها ،يف حالة بطالن العقد لعدم مرشوعية السبب بالتوسع يف فكرة البطالن لعدم
مرشوعية املحل432؛ ذلك أنه يف مجيع احلاالت التي يبطل فيها االلتزام لعدم مرشوعية
السبب يبطل فيها االلتزام أيضا لعدم مرشوعية املحل ،ومن األمثلة عىل ذلك التزام
شخص بدفع مبلغ مايل حمدد لشخص يلتزم من جانبه بارتكاب جريمة معينة ،ففي مثل
هذه احلالة ،يعترب االلتزام باطال لعدم مرشوعية السبب ،لكن يمكن االستغناء عن اعتامد
430 TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; Op.cit ; P:349.
431 ; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; Op.cit ; P :267.
432حممد ابن معجوز :السبب يف القانون املغريب والرشيعة اإلسالمية ،دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية
والرشيعة اإلسالمية؛ مرجع سابق؛ ص.57:
187
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
نظرية السبب ،واالكتفاء ببطالن العقد بناء عىل عدم مرشوعية املحل.
أما بالنسبة للعقود العينية ،فإن انعدام التسليم يؤدي إىل بطالن العقد ،ال بسبب
غياب السبب ،وإنام نتيجة ختلف ركن أسايس يتمثل يف واقعة التسليم .وهو نفس
433
احلكم الذي ينطبق عىل ختلف نية التربع يف عقود التربع ،حيث إن عدم انعقاد العقد
يرجع إىل انعدام ركن الرتايض ،ومن ثم يطرح خصوم النظرية التقليدية تساؤال يتعلق
بمدى جدوى اعتامد هذه النظرية بصفة كلية.
الفقرة الثالثة :دفاع كابيتان عن النظرية التقليدية يف السبب
.356بالرغم من االنتقادات التي وجهت للنظرية التقليدية يف السبب ،فإن هناك
زمرة مهمة من الفقه دافعت عىل هذه النظرية من أجل تفنيد ما وجه إليها من انتقادات،
ويظهر عىل رأس هذا الفريق الفقيه الفرنس 'هنري كابيتان' الذي حاول جاهدا
434
الدفاع عن هذه النظرية ،يف ظل التعديالت والرتميامت التي أدخلها عليها .
435
433 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,
op.cit ; P :222.
434 CAPITANT H. : De la cause des obligations ; 1927.
435حليمة أيت محودي :نظرية الباعث يف الرشيعة اإلسالمية والقانون الوضعي؛ منشورات السلسلة القانونية1986 /؛ ص.99:
188
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
وأخريا ،ففيام خيص عقود التربع ،فإن نية التربع التي تشكل السبب يف هذا النوع من
العقود حسب أنصار النظرية التقليدية ،ال يمكن أن ختتلط بالرىض كام ذهب إىل ذلك
خصوم هذه النظرية؛ وحجة كابيتان أن إرادة املتربع يمكن حتليلها إىل عنرصين ،العنرص
األول يتجىل يف إرادة املتربع يف أن يلتزم وهذا هو الرىض ،أما العنرص الثاين فهو إرادته يف
أن يكون هذا االلتزام دون مقابل –أي عىل سبيل التربع ،-وهذا هو السبب.436
.357بالرغم من احلجج التي أدىل هبا هذا الفقه ،من أجل الدفاع عن النظرية
التقليدية يف السبب ،فإهنا مع ذلك بقيت قارصة ،مادام أهنا مل تعتد بالبواعث
الدافعة إىل التعاقد ،ومن ثم اقترصت فقط عىل االهتامم بالغرض املبارش للملتزم
عند حتليلها لنظرية السبب؛ هلذه االعتبارات ،برزت النظرية احلديثة التي سعت
إىل تكميل النظرية التقليدية وإصالحها بام جيعل من نظرية السبب ذات فائدة
قانونية ،كام سنرى يف املطلب املوايل.
املطلب الثان :النظرية احلديثة يف السبب
.358يعود الفضل يف بروز هذه النظرية إىل القضاء الذي تبني له أن احللول
التي اقرتحتها النظرية التقليدية بقيت عقيمة ،ومن ثم ال تستجيب جلميع املشاكل
التي يطرحها السبب أمام املحاكم ،أو بحسب تعبري بعض الفقه العريب ،437فإن
النظرية التقليدية مل تستطيع أن تواجه احلياة العملية ومل يستطع القضاء وهو الذي
يعيش يف غامر العمل أن ينتفع هبا .لذلك فإن القضاء الفرنس مل يلبث أن خرج
عليها ،عن طريق تكسري احلواجز التي أقامتها هذه النظرية بني السبب والباعث،
وخلط بينهام خلطا تاما يف مجيع أنواع العقود.
436تنبغي اإلشارة إىل أن الفقيه هنري كابيتان هو نفسه أقر بأن النظرية التقليدية جيب أن تعدل تعديال من شأنه أن جيعل الباعث مؤثرا يف العقد يف
احلاالت الثالث اآلتية:
احلالة األوىل :التربع املقرتن برشط إذا تبني أن ذلك الرشط هو الدافع إىل التربع.
احلالة الثانية :الوصية ،ال جيوز اعتبار نية التربع وحدها هي السبب يف عقدها ،بل جيب أن يعتد بالباعث الذي دفع املويص إىل إجراء وصيته.
وجيعل هذا السبب هو الذي يؤثر يف صحة الوصية أو بطالهنا .بحسب ما إذا كان الباعث مرشوعا وحقيقيا ،أو ليس كذلك.
العقد الذي أدخل فيه املتعاقدان الباعث ،فأصبح بذلك هذا الباعث جزءا من العقد ،فيجب حينئذ االعتداد هبذا الباعث واعتباره هو السبب.
حممد ابن معجوز :السبب يف القانون املغريب والرشيعة اإلسالمية ،دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية
والرشيعة اإلسالمية؛ مرجع سابق؛ ص.64:
437عبد الرزاق أمحد السنهوري :الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد ،املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام ،مرجع سابق؛ ص.497:
189
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
نستنتج مما سبق ،أن القضاء الفرنس جعل السبب هو الباعث الدافع إىل
التعاقد ،هذا األخري يعترب أمرا ذاتيا خارجا عن العقد ،ومن ثم خيتلف باختالف 438
شخص املتعاقد؛ أي أنه ذو معيار شخيص .وبالنظر للنتائج العملية التي ترتتب عن
اعتامد هذا املعيار ،فإن الفقه احلديث رسعان ما تبنى هذه النظرية ودافع عنها .
439
غري أن ذلك ال يعني أن النظرية احلديثة هجرت هنائيا األفكار التقليدية يف السبب،
بدليل أنه ال زال يطبق جزءا مهام من مقتضياهتا السيام يف العقود امللزمة جلانبني ،الذي يعتد
فيها بالسبب القصدي إىل جانب الباعث الدافع إىل التعاقد ،الذي يشرتط فيه أن يكون
مرشوعا وداخال يف دائرة اآلداب والنظام العام.
لعل من التساؤالت اجلوهرية التي أثريت بخصوص هذه النظرية ،هو مدى
هتديد االعتداد بالباعث الستقرار املعامالت .وقد تنبه القضاء الفرنس هلذه النقطة،
فاشرتط أن يكون الباعث أساسيا ورئيسيا لالعتداد به.
.359تنبغي اإلشارة يف األخري ،إىل أن نظرية السبب احلديثة تتشابه إىل حد كبري مع
ما سبق أن ذهب إليه فقهاء املالكية واحلنابلة ،440الذين ينظرون للسبب عىل أنه الباعث
الدافع إىل التعاقد ،وعىل أنه يعترب موجودا إىل أن يثبت عدم وجوده؛ وبحسبهم ،فإنه يعتد
بالسبب سواء ذكر يف العقد أم مل يذكر ما دام معلوما من الطرف اآلخر ،فإن كان الباعث
مرشوعا فالعقد صحيح أما إن كان غري مرشوع فالعقد غري صحيح.441
438 ; MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil
Obligations, théorie générale ; Op.cit ; P :271.
439ذ هب بعض الفقه ،إىل أن جذور هذه النظرية ترجع إىل أشغال الفقيه هنري كابيتان و جاك موري.
NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des
obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; L.G.D.J. 1er
édition 2006 ;P :105.
440بل إن بعض الفقه املغريب ،يرى أن نظرية السبب احلديثة كام هي اليوم عند الالتينيني مستخلصة من كتب الفقه املالكي واحلنبيل ،ألن ما بينها
من تشابه يصعب أن يأيت عن طريق توارد األفكار بحسب هذا الفقيه.
محدايت شبيهنا ماء العينني :تأثر مصادر االلتزام يف القانون الوضعي بالفقه اإلسالمي؛ مطبعة املعارف اجلديدة /الرباط؛ 2007؛ ص.185:
441للتعمق يف خمتلف األراء التي قال هبا الفقهاء املسلمون يمكن الرجوع ملؤلف الدكتور حممد ابن معجوز :السبب يف القانون املغريب والرشيعة
اإلس المية ،دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية والرشيعة اإلسالمية؛ مرجع سابق؛ ص 95:وما بعدها.
190
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
442أمحد شكري السباعي:نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص.176:
مأمون الكزبري :ن ظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول ،مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص.202:
443عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها
القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص.155:
بل إن األستاذ العرعاري يذهب إىل أن ازدواجية السبب التي يقررها املرشع املغريب بمقتىض الفصل 62من ق.ل.ع .هي نفسها التي أكد عليها املرشع
املرصي أيضا يف املادة 136مدين مرصي ،حيث جاء فيها " إذا مل يكن لاللتزام سبب أو كان سببه خمالفا للنظام العام أو األداب كان العقد باطال".
191
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
غري أن حاالت انعدام السبب نادرة ،444مادام أن التعاقد بدون سبب يعترب من قبيل العبث؛
من ذلك ،الشخص الذي يستأجر زوجته من أجل إرضاع ولدها منه ،حيث يعترب العقد
يف مثل هذه احلالة باطل النعدام السبب ،مادام أن الرضاعة تعترب واجبة عليها قانونا.
ثانيا :رضورة أن يكون السبب حقيقيا
.363أكد املرشع املغريب عىل هذا الرشط بمقتىض الفصول ،63و 64و 65من
ق.ل.ع .حيث جاء يف األول عىل أنه يفرتض يف كل التزام أن له سببا حقيقيا ومرشوعا ولو مل
يذكر ،وأعقبه الفصل الثاين بالقول عىل أنه يفرتض أن السبب املذكور هو السبب احلقيقي
حتى يثبت العكس ،بينام نص الفصل 65عىل أنه إذا ثبت أن السبب املذكور غري حقيقي ،أو
غري مرشوع ،كان عىل من يدعي أن لاللتزام سببا آخر مرشوعا أن يقيم الدليل عليه.
.364نستشف مما سبق ،أنه يشرتط يف السبب أن يكون حقيقيا ال ومهيا أو كاذبا؛
ويكون السبب كاذبا إذا كان صوريا ،445أي ظاهريا خيفي سببا آخر؛ غري أن االلتزام الذي
يقوم عىل سبب صوري ال يكون باطال لصورية السبب ،وإنام لكون هذا السبب يكون يف
الغالب غري مرشوع ،ومن ثم فإن االلتزام يكون باطال لعدم مرشوعية السبب.
من قبيل ذلك ،الشخص الذي يتظاهر بدفع مبلغ معني من النقود المرأة عىل أساس
أنه قرض ،بينام هو هيدف إىل مكافأهتا عىل العالقة غري املرشوعة التي تربطهام رسيا ،كام
أكد عىل ذلك املجلس األعىل يف قرار له بتاريخ 14دجنرب ،1977الذي جاء فيه "السبب
غري املرشوع يفسد االلتزامات ولو مل يكن هو السبب الوحيد يف إنشائها وأن صالح
األسباب ال جيوز الفاسد منها وال يمحوه وأن الوصية التي حيررها املويص إرضاء خلليلته
هي وصية باطلة ألهنا تتناىف مع األخالق احلميدة وتتعارض مع النظام العام املغريب الذي
ال يقر ما ينبني عىل فساد األخالق من معامالت والتزامات".446
ثالثا :مرشوعية السبب
.365تطلب املرشع املغريب مرشوعية السبب يف العديد من النصوص القانونية،
فباإلضافة للفصول 63 ،62و 65من ق.ل.ع .فإن هناك العديد من احلاالت التي
192
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
تطرق فيها قانون االلتزامات والعقود املغريب لبطالن بعض العقود اخلاصة لعدم
مرشوعية السبب رصاحة كام هو الشأن بالنسبة حلالة عقود الغرر.
وبالرجوع للفصل 62من ق.ل.ع .نجده حدد املقصود بالسبب غري املرشوع؛
حيث نصت الفقرة الثانية من هذا الفصل ،عىل أن السبب يكون غري مرشوع إذا كان
خمالفا لألخالق احلميدة أو للنظام العام أو القانون.
.366يف هناية هذه الفقرة ،أود التطرق ملالحظتي أساسيتي؛ األوىل تتمثل يف
اخلالف الذي أثاره بعض الفقه بخصوص رضورة التمييز بني العقود امللزمة جلانبني
وعقود التربع ،حيث يشرتط يف عدم مرشوعية السبب بالنسبة للنوع األول أن تكون 447
معلومة من قبل الطرفني ،يف حني يكفي بالنسبة للنوع الثاين أن تكون معلومة من قبل
منشئ الترصف دون املستفيد ؛ ولعل أساس هذا التمييز كام ذهب لذلك أنصاره أن 448
املتعاقد يف العقود امللزمة جلانبني يكون أوىل باحلامية من املستفيد يف عقود التربع ،مادام
أن هذا األخري لن يقدم أي مقابل ملا أخذه .ويف مقابل الرأي الذي يدافع عن هذا
التمييز ،فإن الفقه احلديث يرى رضورة أن تكون عدم مرشوعية السبب معلومة من
الطرفني يف مجيع أنواع العقود ،وذلك هبدف حتقيق استقرار املعامالت ،وأيضا هبدف
449
نفسه الذي أكد عليه القضاء املغريب يف العديد من قراراته ،من ذلك ما قضت به حمكمة
النقض ،حيث ذهبت إىل أن االلتزام الذي مل يذكر له سبب يف السند يفرتض أن له 451
سببا مرشوعا وعىل املدين املطالب بوفاء دينه إن نازع يف وجود السبب أن يقيم الدليل
عىل ذلك بأية وسيلة من وسائل اإلثبات كشهادة الشهود والقرائن.
193
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
فهرس املواد
مقدمة 7....................................................................................
الكتاب األول :مصادر االلتزام27 .........................................................
اجلزء األول :الترصف القانوين 33 .........................................................
القسم األول :العقد37 .....................................................................
الباب األول :طبيعة العقد 41 ...............................................................
الفصل األول :اإلرادة هي أساس العقد 41 .................................................
املبحث األول :دور اإلرادة41 ..............................................................
املطلب األول :مبدأ سلطان اإلرادة 42 .....................................................
املطلب الثاين :تأثر مبدأ سلطان اإلرادة بالقانون احلديث للعقود44 ..........................
املبحث الثاين :التعبري عن اإلرادة 46 ........................................................
املطلب األول :اإلرادة الظاهرة واإلرادة الباطنة47 ..........................................
املطلب الثاين :النيابة االتفاقية50 ............................................................
املطلب الثالث :نظرية الصورية55 ..........................................................
الفصل الثاين :تصنيف العقود 57 ...........................................................
املبحث األول :التصنيف القائم عىل أساس تكوين العقود58 ................................
املطلب األول :العقد الرضائي والعقد الشكيل والعقد العيني57 .............................
املطلب الثاين :العقود االختيارية وعقود اإلذعان64 .........................................
املطلب الثالث :العقود املهنية وعقود االستهالك 69 ........................................
املبحث الثاين :التصنيف القائم عىل أساس طبيعة العقود 72 .................................
املطلب األول :العقود البسيطة والعقود املركبة72 ...........................................
194
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
195
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
196
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
املطلب الثاين :انعدام أي آثر للعقد الباطل والقابل لإلبطال بالنسبة للغري 220 ...............
املبحث الثاين :إنتاج العقد الباطل والقابل لإلبطال استثناء لبعض اآلثار األصلية 221 .......
املطلب األول :االستثناءات الواردة عن قاعدة انعدام أي آثر للعقد الباطل
والقابل لإلبطال فيام بني املتعاقدين 221 .....................................
املطلب الثاين :االستثناءات الواردة عن قاعدة انعدام أي آثر للعقد الباطل
والقابل لإلبطال بالنسبة للغري 223 ...........................................
املبحث الثالث :اآلثار العرضية املرتتبة عن البطالن 226 ....................................
املطلب األول :نظرية انتقاص العقد 226 ...................................................
املطلب الثاين :نظرية حتول العقد229 .......................................................
املطلب الثالث :نظرية اخلطأ عند تكوين العقد 231 .........................................
الباب الثالث :آثار العقد 233 ..............................................................
الفرع األول :القوة امللزمة للعقد 233 ......................................................
املبحث األول :مضمون العقد233 .........................................................
املطلب األول :تفسري العقد 233 ...........................................................
املطلب الثاين :تكييف العقد 247 ...........................................................
املبحث الثاين :حدود مبدأ القوة امللزمة للعقد 256 ..........................................
املطلب األول :جتاهل القانون املغريب لنظرية الظروف الطارئة ونظرية اإلذعان 256 ..........
املطلب الثاين :النظريات املعتمدة يف القانون املغريب واملؤثرة يف القوة امللزمة للعقد 266 .....
الفرع الثاين :نسبية آثار العقد 282 ..........................................................
املبحث األول :ماهية مبدأ نسبية آثار العقد282 .............................................
املطلب األول :املقصود باملتعاقدين 283 ....................................................
املطلب الثاين :عدم انرصاف آثار العقد إىل الغري كقاعدة عامة 292 ..........................
197
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
198
املصدر األول :العقد ع .الرشقاوي القانون املدين :دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام
199