Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 199

‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .

‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عبد الرمحان الرشقاوي‬


‫أستاذ القانون املدن‬
‫كلية العلوم القانون واالقتصادية واالجتامعية السويس‬
‫جامعة حممد اخلامس بالرباط‬

‫القانون املدن‬
‫دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬
‫يف ضوء تأثرها باملفاهيم اجلديدة للقانون االقتصادي‬

‫اجلزء األول‬
‫مصادر االلتزام‬
‫الترصف القانون‬
‫‪ 2‬اإلرادة املنفردة‬ ‫‪ 1‬العقد‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫مقدمة‬
‫‪ .1‬يتفرع القانون املدين يف األنظمة الغربية إىل قسمي‪ ،‬مها قسم املعامالت وقسم‬
‫األحوال الشخصية ؛ هذا األخري‪ ،‬هيتم بتنظيم عالقة الفرد بأرسته من زواج وطالق‬ ‫‪1‬‬

‫ووصية ومرياث وغري ذلك من جوانب األرسة‪ ،‬التي كان ينظمها يف املغرب قانون أو‬
‫مدونة األحوال الشخصية منذ سنة ‪ 1957‬إىل حدود سنة ‪ ،2004‬حيث استبدلت‬
‫بمقتىض مدونة األرسة ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫يف حني ينظم قسم املعامالت عالقة خمتلف األشخاص من حيث املال؛ أو بعبارات‬
‫أخرى‪ ،‬يقصد بقسم املعامالت املالية خمتلف القواعد القانونية التي تنظم العالقات بني‬
‫األفراد من حيث املال‪.‬‬
‫‪ .2‬بالرجوع ملختلف املراجع التي اهتمت باملوضوع‪ ،‬يتبني لنا أن الفقه مل يتفق عىل‬
‫تعريف واحد للامل ؛ حيث تذهب النظرية التقليدية إىل أن للامل مفهوم واسع يشمل‬ ‫‪3‬‬

‫األشياء التي هلا قيمة اقتصادية سواء كانت منقولة أو غري منقولة وتعرف باألموال‬
‫املادية‪ ،‬كام يشمل احلقوق التي يمكن أن ترتتب عىل هذه األشياء وتعرف باألموال‬
‫غري املادية ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫يف مقابل ذلك‪ ،‬تذهب النظرية احلديثة إىل أن األموال تقترص عىل احلقوق ذات‬
‫القيمة االقتصادية التي يمكن أن ترتتب عىل األشياء‪ ،‬يف حني أن األشياء هي املحال‬

‫‪1‬‬ ‫‪BUFFELAN-LANORE Yvaine et LARRIBAU-TERNEYRE Virginie : Droit civil, Introduction, Biens,‬‬


‫‪Personne, Famille; 16ème édition; Dalloz/Paris; 2009; p:18.‬‬
‫‪ 2‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.04.22‬صادر يف ‪ 12‬من ذي احلجة ‪ 3( 1424‬فرباير ‪ )2004‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 70.03‬بمثابة مدونة األرسة؛ اجلريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5184‬بتاريخ ‪ 14‬ذو احلجة ‪ 1424‬املوافق لـ ‪ 05‬فرباير ‪2004‬؛ ص‪.418:‬‬
‫من أجل التعمق يف التطور الذي عرفه تعديل مدونة األحوال الشخصية‪ ،‬يمكن الرجوع إىل مؤلف‪:‬‬
‫عبد املجيد غميجة‪ :‬موقف املجلس األعىل من ثنائية القانون والفقه يف مسائل األحوال الشخصية؛ منشورات مجعية نرش املعلومة القانونية‬
‫والقضائية؛ سلسلة الدراسات واألبحاث؛ العدد األول‪ /‬مارس ‪2007‬؛ دار القلم –الرباط؛ ص‪.29:‬‬
‫‪3 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬

‫‪13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P:2.‬‬


‫‪ 4‬مأمون الكزبري‪ :‬التحفيظ العقاري واحلقوق العينية األصلية والتبعية يف ضوء الترشيع املغريب؛ اجلزء الثاين‪ :‬احلقوق العينية األصلية والتبعية؛‬
‫رشكة اهلالل العربية للطباعة والنرش‪ /‬الطبعة الثانية ‪1987‬؛ ص‪.8:‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫التي تقع عليها احلقوق وتكون ركيزة هلا‪ .‬ولعل أغلب الترشيعات احلديثة أخذت هبذه‬
‫النظرية‪ .‬ويذهب األستاذ السنهوري إىل أن احلق يف املعامالت مصلحة ذات قيمة مالية‬
‫يقررها القانون للفرد‪ ،‬وهو إما حق عيني أو حق شخيص‪ ،‬وهذا األخري هو االلتزام‪،‬‬
‫‪5‬‬

‫ويسمى حقا إذا نظر إليه من جهة الدائن‪ ،‬ودينا إذا نظر إليه من جهة املدين‪.‬‬
‫وقد ترتب عىل األوضاع االقتصادية والتقدم التكنولوجي ظهور نوع ثالث من‬
‫احلقوق املالية‪ ،‬وهو ما يصطلح عليه باحلقوق املعنوية‪ ،‬وتعرف أيضا باحلقوق الذهنية‪.‬‬
‫وتتمثل هذه احلقوق يف امللكية األدبية أو الفنية أو الصناعية‪ .‬هذه احلقوق األخرية‬
‫تنظمها ترشيعات خاصة ويكتفي يف القانون املدين باإلشارة إليها فقط‪.‬‬
‫‪ .3‬إذا كان للقانون املدين مفهوم واسع فيام مىض فإنه بصدور مدونة نابليون لسنة‬
‫‪ 1804‬أصبح له مفهوم تقني حمدد وأضحى نطاقه يقترص عىل هذا التقنني ؛ وإن كنا‬
‫‪6‬‬

‫نالحظ أن معظم الدول الغربية اختار واضعو قانوهنا املدين أن ينظم هذا األخري كال‬
‫من العالقات املالية والشخصية يف إطار موحد‪.‬‬
‫هذا التحديد يربز بصفة أكرب بالنسبة للدول التي تقيم وزنا للدين‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة‬
‫جلل الدول العربية اإلسالمية‪ ،‬ذلك أهنا ختصص للعالقات األرسية ترشيعات خاصة‪،‬‬
‫الرتباطها بالدين والعقيدة‪ ،‬ولذلك فإهنا انفصلت عن القانون املدين؛ أما القواني املدنية هبا‬
‫فال تتوىل بالتنظيم إال احلقوق املالية‪ ،‬بمعنى أن جمال القانون املدين يف هذه الترشيعات ينحرص‬
‫يف جمموعة القواعد التي تنظم احلقوق املالية لألفراد وااللتزامات املرتتبة عليهم‪.‬‬
‫‪ .4‬أما الوضع عندنا‪ ،‬فيالحظ أن املرشع املغريب بالرغم من ختصيصه للعالقات‬
‫األرسية ترشيعا خاصا يتمثل يف مدونة األرسة‪ ،‬فإنه هنج يف تنظيمه للحقوق املالية هنجا‬
‫مغايرا‪ ،‬ذلك أن ظهري االلتزامات والعقود مل يتوىل بالتنظيم إال احلقوق الشخصية أو‬
‫‪7‬‬

‫‪ 5‬عرف الفقه احلق العيني بأنه السلطة التي خيوهلا القانون للشخص عىل يشء‪ ،‬متكن صاحبه من االستفادة من هذا اليشء‪ .‬فقيام هذا احلق‬
‫صحيحا ال يتطلب إال توفر عنرصين أساسيني‪ ،‬مها صاحب احلق واليشء حمل احلق‪ .‬ومضمون احلق العيني يتمثل فيام يتمتع صاحبه من سلطات‬
‫عىل اليشء الذي يرد عليه حقه جتعله يستطيع االستفادة من هذا اليشء بجميع أوجه االستفادة التي خيوهلا حقه هذا بصورة مبارشة ودون تدخل‬
‫من أي كان‪.‬‬
‫‪6 BUFFELAN-LANORE Yvaine et LARRIBAU-TERNEYRE Virginie : Droit civil, Introduction, Biens,‬‬

‫‪Personne, Famille ; op.cit ; P:17.‬‬


‫‪ 7‬ظهري ‪ 9‬رمضان ‪ 12( 1331‬غشت ‪ .)1913‬غري أنه مل يتم تعريبه إال يف سنة ‪ 1965‬مع قانون املغربة والتوحيد والتعريب‪ .‬وقد عرف جمموعة‬
‫من التعديالت سنشري إىل كل منها بمناسبة التطرق ملوضوعها؛ لعل أمهها‪:‬‬
‫=‬
‫‪4‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫االلتزامات يف كتابني‪ ،‬خصص األول لنظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬بينام تناول يف الكتاب‬
‫الثاين العقود املسامة والعقود املرتبطة هبا‪ ،‬كام عالج بعض التأمينات التي تقوم ضامنا‬
‫هلذه االلتزامات من قبيل الكفالة‪ ،‬والرهن احليازي واالمتيازات ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫أما احلقوق العينية فإن النصوص التي تنظمها ختتلف حسب طبيعة اليشء الذي‬
‫ترد عليه‪ ،‬أي بحسب ما إذا كان منقوال أو عقارا؛ فبالنسبة للمنقوالت‪ ،‬يالحظ خلو‬
‫الترشيع املغريب من تنظيم للحقوق التي ترد عليها باستثناء بعض القواعد املتناثرة يف‬
‫ثنايا ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬ومدونة التجارة‪ ،‬وباستثناء بعض الترشيعات اخلاصة التي تناولت‬
‫بالتنظيم بعض املنقوالت فيام يصطلح عليها باملنقوالت ذات الطبيعة اخلاصة‪ ،‬حيث‬
‫أشارت إىل بعض احلقوق العينية التي يمكن أن ترد عليها‪.‬‬
‫يف حني أنه إذا تعلق األمر بالعقارات‪ ،‬فإنه ينبغي التمييز لتحديد الترشيع الذي‬
‫ينظمها بني ما يسمى بأرايض امللك اململوكة ملكية خاصة وبني غريها من األرايض‪،‬‬

‫الظهري الرشيف بمثابة قانون رقم ‪ 1-93-345‬بتاريخ ‪ 22‬ربيع األول ‪ 10( 1414‬سبتمرب ‪ )1993‬املتعلق بتتميم الفصل ‪ 1248‬من‬ ‫‪-‬‬
‫قانون االلتزامات والعقود ‪-‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 4222‬بتاريخ ‪ 12‬ربيع اآلخر ‪ 29( )1414‬سبتمرب ‪)1993‬؛ ص‪-1832:‬؛‬
‫القانون رقم ‪ 27.95‬املتمم للفصل ‪ 264‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الصادر بتنفيذه الظهري الرشيف رقم ‪ 1.95.157‬بتاريخ ‪ 13‬من ربيع األول‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 11( 1416‬أغسطس ‪– )1995‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 4323‬بتاريخ ‪ 10‬ربيع اآلخر ‪6( 1416‬سبتمرب ‪ ،)1995‬ص‪-2443:‬؛‬
‫القانون رقم ‪ 44.00‬املتعلق ببيع العقارات يف طور اإلنجاز‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهري الرشيف رقم ‪ 1.02.309‬بتاريخ ‪ 25‬من رجب‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪– )2002‬اجلربدة الرسمية عدد ‪ 5054‬بتاريخ ‪ 2‬رمضان ‪7( 1423‬نوفمرب ‪ ،)2002‬ص‪-3183:‬؛‬
‫القانون رقم ‪ 53.05‬املتعلق بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الطهري الرشيف رقم ‪ 1.07.129‬بتاريخ ‪ 19‬من‬ ‫‪-‬‬
‫ذي القعدة ‪ 30( 1428‬نوفمرب ‪– )2007‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5584‬بتاريخ ‪ 25‬من ذي القعدة ‪6( 1428‬ديسمرب ‪ ،)2007‬ص‪-3879:‬؛‬
‫القانون رقم ‪ 24.09‬املتعلق بسالمة املنتوجات واخلدمات وبتتميم الظهري الرشيف الصادر يف ‪ 9‬رمضان ‪ 12( 1331‬غشت ‪)1913‬‬ ‫‪-‬‬
‫بمثابة قانون االلتزامات والعقود –ظهري رشيف رقم ‪ 1.11.140‬صادر يف ‪ 16‬من رمضان ‪ 17( 1432‬أغسطس ‪ ،)2011‬اجلريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 5980‬بتاريخ ‪ 23‬شوال ‪ 22( 1432‬سبتمرب ‪ ،)2011‬ص‪.4678:‬‬
‫العديد من الفصول املعدلة بمقتىض جمموعة من املواد القانونية الواردة يف القانون رقم ‪ 31.08‬يقيض بتحديد تدابري حلامية املستهلك؛‬ ‫‪-‬‬
‫اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5932‬بتاريخ ‪ 3‬مجادى األوىل ‪ 7( 1432‬أبريل ‪ ،)2011‬ص‪.1073:‬‬
‫تنبغي اإلشارة إىل أن قانون االلتزامات والعقود املغريب اقتبست أحكامه من املجلة التونسية لاللتزامات والعقود التي وضعت هي األخرى من‬ ‫‪8‬‬

‫طرف احلامية الفرنسية بتونس سنة ‪ 1906‬مع اختالف بسيط يتمثل يف حذف بعض النصوص القانونية التي توجد يف املدونة التونسية‪ .‬ومن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬فإن قانون االلتزامات والعقود وضع يف البداية من أجل أن يطبق عىل الفرنسيني واألجانب بمنطقة احلامية الفرنسية سنة ‪ ،1913‬ثم بعد‬
‫ذلك عىل جمموع الرتاب املغريب ومن قبل املحاكم العرصية سنة ‪–1958‬ظهري رشيف بتاريخ ‪ 31‬ماي ‪ 1958‬املتعلق بتوحيد الترشيع عىل جمموع‬
‫الرتاب املغريب‪ ،‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 2383‬بتاريخ ‪ 06‬يونيو ‪ ،1958‬ص‪ ،-996:‬ومن طرف املحاكم املوحدة منذ سنة ‪ ،1965‬وذلك‬
‫بموجب الفصل الثالث من قانون ‪ 26‬يناير ‪ 1965‬املتعلق بتوحيد املحاكم والفصل األول من املرسوم امللكي الصادر يف تطبيقه بتاريخ ‪31‬‬
‫دجنرب ‪ ،1965‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 2776‬بتاريخ ‪ 12‬يناير ‪ ،1966‬ص‪.47:‬‬
‫للتعمق يف هذا املوضوع راجع أمحد ادريوش‪ :‬أصول قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬بحث يف األصول الفقهية والتارخيية؛ منشورات سلسلة املعرفة‬
‫القانونية‪ ،‬مطبعة ومكتبة األمنية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1996‬ص‪.9:‬‬
‫حممد شيلح ‪ :‬سلطان اإلرادة يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬أسسه ومظاهره يف نظرية العقد‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬د‪.‬ع‪ .‬يف القانون اخلاص‪ ،‬جامعة‬
‫حممد اخلامس ‪ /‬الرباط ‪1983 ،‬؛ ص‪.48:‬‬

‫‪5‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫فهذه األخرية كأرايض اجلامعة والكيش وأمالك الدولة اخلاصة والعامة فإن القواعد‬
‫التي تنظمها هي يف الغالب ترشيعات خاصة بل وأحيانا يتم الرجوع إىل األعراف‬
‫ملعرفة احلكم الواجب التطبيق‪.‬‬

‫أما العقارات اململوكة ملكية خاصة فإما أن تكون حمفظة أو غري حمفظة‪.‬‬
‫فالعقارات غري املحفظة والتي توجد يف طور التحفيظ‪ ،‬كانت ختضع أساسا لقواعد‬
‫الفقه اإلسالمي وخصوصا الفقه املالكي‪ .‬يف املقابل‪ ،‬فإن العقارات املحفظة نظمها‬
‫املرشع املغريب بمقتىض الظهري الرشيف الصادر بتاريخ ‪ 12‬غشت ‪ 1913‬املوافق ‪9‬‬
‫رمضان ‪ 1331‬املعترب بمثابة قانون التحفيظ العقاري كام تم تعديله وتتميمه بمقتىض‬
‫القانون رقم ‪ ، 14.07‬وظهري ‪ 2‬يونيو ‪ 1915‬املوافق ‪ 19‬رجب ‪ 1333‬املتعلق بالقانون‬ ‫‪9‬‬

‫املطبق عىل العقارات املحفظة‪ ،‬الذي تم نسخه بمقتىض القانون رقم ‪ 39.08‬املعترب‬
‫‪10‬‬

‫بمثابة مدونة احلقوق العينية‪.‬‬

‫وقد أحسن املرشع املغريب بإصداره هلذا القانون اجلديد‪ ،‬الذي أصبح يطبق عىل‬
‫مجيع احلقوق العينية سواء كانت واردة عىل العقارات املحفظة أو غري املحفظة؛ حيث‬
‫إن املادة األوىل بينت القانون الواجب التطبيق عىل هذا النوع من احلقوق‪ ،‬وذلك عىل‬
‫النحو التايل "ترسي مقتضيات هذا القانون عىل امللكية العقارية واحلقوق العينية ما مل‬
‫تتعارض مع ترشيعات خاصة بالعقار‪.‬‬

‫تطبق مقتضيات الظهري الرشيف الصادر يف ‪ 9‬رمضان ‪ 12( 1331‬غشت ‪)1913‬‬


‫بمثابة قانون االلتزامات والعقود يف ما مل يرد به نص يف هذا القانون‪ ،‬فإن مل يوجد نص‬

‫ظهري رشيف رقم ‪ 1.11.177‬صادر يف ‪ 25‬من ذي احلجة ‪ 22( 1432‬نوفمرب ‪ )2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 14.07‬املغري واملتمم بمقتضاه‬ ‫‪9‬‬

‫الظهري الرشيف الصادر يف ‪ 9‬رمصان ‪ 12( 1331‬أغسطس ‪ )1913‬املتعلق بالتحفيظ العقاري‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5998،27‬ذو احلجة‬
‫‪ 24( 1432‬نوفمرب ‪)2011‬؛ ص‪.5575:‬‬
‫ظهري رشيف رقم ‪ 1.11.178‬صادر يف ‪ 25‬من ذي احلجة ‪ 22( 1432‬نوفمرب ‪ )2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 39.08‬املتعلق بمدونة احلقوق‬ ‫‪10‬‬

‫العينية‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5998‬بتاريخ ‪ 27‬ذو احلجة ‪ 24( 1432‬نوفمرب ‪)2011‬؛ ص‪.5587:‬‬

‫‪6‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫يرجع إىل الراجح واملشهور وما جرى به العمل من الفقه املالكي"‪.‬‬


‫‪ .5‬بالنظر لكون موضوع احلقوق العينية واحلقوق الشخصية يعترب اليوم من أهم‬
‫مسائل القانون املدين‪ ،11‬فإننا ارتأينا أن نخصص هلام األولوية يف دراستنا هلذه السلسلة من‬
‫رشح القانون املدين املغريب واملقارن‪ ،‬عىل أن تكون البداية بنظرية االلتزام بوجه عام‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف االلتزام‬


‫‪ .6‬ذهب الفقه املدين إىل أن االلتزام هو بمثابة رابطة قانونية بني شخصني أحدمها‬ ‫‪12‬‬

‫دائن واآلخر مدين‪ ،‬حيق بمقتضاه للدائن أن يطالب املدين بإعطاء يشء معني أو بالقيام‬
‫بعمل أو باالمتناع عن عمل‪ .‬فاحلق الشخيص أو االلتزام يتطلب إذن توافر عنارص‬
‫ثالثة‪ ،‬هم صاحب احلق‪ ،‬أي الدائن‪ ،‬ومن يقع عليه احلق‪ ،‬أي املدين‪ ،‬وحمل احلق‪ ،‬أي‬
‫اليشء أو العمل الذي يلتزم املدين القيام به أو االمتناع عنه‪.‬‬
‫ومضمون احلق الشخيص فيام يتمتع به الدائن من سلطات عىل مدينه بالوفاء‬
‫اختيارا وإال قرسا عن طريق التنفيذ عىل األموال ؛ ففي عقد اإلجيار مثال فإن صاحب‬
‫‪13‬‬

‫االنتفاع من العني مدة االلتزام اليستطيع مبارشة حقه إال عن طريق املؤجر‪ ،‬فإذا امتنع‬
‫هذا األخري تسليمه العني املؤجرة فام عىل املستأجر رضاء أم قضاء إال مطالبته بتمكينه‬
‫بذلك‪ ،‬بمعنى أن صاحب احلق الشخيص إذا تعلق هذا احلق بيشء فال تكون له إال‬
‫عالقة أو صلة غري مبارشة هبذا اليشء بخالف احلق العيني ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫‪11 LARROUMET‬‬ ‫‪Christian: Les obligations, le contrat ; ECONOMICA / Paris ; 2003 ; P:7.‬‬
‫‪12 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P :25.‬‬
‫‪I QUADERNI dell’ ASPIRANTE : Diritto civile ; EdizioneGiuridiche SIMONE ; 2010. P :114.‬‬
‫‪LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:16.‬‬
‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; EDITION CUJAS ; 1994/1995 ; P :11.‬‬
‫‪MOUMMI Saad : Droit civil, droit des obligations ; EDITION ELBADH, IMPRIMERIE NAJAH‬‬
‫‪ALJADIDA ; 2000 ; P :9.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; Montchrestien, DELTA ; 2000 ; P :3.‬‬
‫‪TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; 9ème édition‬‬
‫‪DALLOZ ; 2005 ; P:5.‬‬
‫; ‪13 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬

‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P :6.‬‬


‫‪ 14‬يعرف احلق العيني عىل أنه سلطة مبارشة لشخص معني ترد عىل يشء معني‪ ،‬ختوله أن يقوم بأعامل معينة‪ ،‬وال حيتاج يف ذلك إىل وساطة شخص‬
‫=‬
‫‪7‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫لقد كاد الفقه أن جيمع عىل أن االلتزام أو احلق الشخيص هو رابطة شخصية بني‬
‫دائن ومدين‪ ،‬اليستطيع األول الوصول إىل حقه إال عن طريق املدين‪ .‬بمعنى أن هذه‬
‫الرابطة ال يمكن بأي حال التقليل من أمهيتها‪ ،‬إنام إىل جانب ذلك يمثل من حيث‬
‫موضوعه قيمة مالية تكون حقا يف ذمة الدائن ودينا يف ذمة املدين‪.‬‬
‫والواقع أن االلتزام الزال حمتفظا هبذين املظهرين إىل يومنا هذا مع التخفيف من‬
‫حدهتام ‪ ،‬كل ما هنالك أنه حصل اختالف بني املذاهب أي من الناحيتني يتعني‬ ‫‪15‬‬

‫تغليبها ‪ ،‬فذهب البعض إىل تغليب فكرة الرابطة الشخصية‪ ،‬وهذا هو املذهب الفرنس‬ ‫‪16‬‬

‫التقليدي املوروث عن القانون الروماين (أ)‪ ،‬يف حني ذهب البعض اآلخر إىل تغليب‬
‫الناحية املالية وهؤالء هم أنصار املذهب األملاين احلديث (ب)‪.‬‬
‫أ‪ :‬املذهب الشخيص يف االلتزام‬
‫‪ .7‬ساد املذهب الشخيص يف الفقه الفرنس باخلصوص ‪ ،‬حيث نجد هذا األخري‬
‫‪17‬‬

‫يرى أن األمر اجلوهري يف االلتزام هو كونه رابطة شخصية فيام بني الدائن واملدين‪،‬‬
‫فبالرجوع لبالنيول نجده يرفض االعرتاف بوجود عالقة قانونية بني الشخص‬
‫واليشء‪ ،18‬حيث عرف االلتزام بأنه بمثابة "عالقة قانونية مابني شخصني بمقتضاها يكون‬
‫ألحدمها وهو الدائن احلق يف تقايض يشء معني من اآلخر وهو املدين"‪.‬‬
‫من دعاة هذا املذهب يف الفقه األملاين سافيني‪ ،Saviny‬وهو يبالغ فيقيم رأيه عىل‬
‫فكرة السيادة‪ ،‬إذ االلتزام عنده عبارة عن سيادة الدائن عىل املدين‪ ،‬أو خضوع املدين‬

‫آخر‪ .‬بمعنى أن احلق العيني يتكون فقط من عنرصين‪ ،‬مها صاحب احلق وموضوع احلق‪ .‬وجيمع الفقه عىل أن هذا احلق يمنح صاحبه إضافة‬
‫للسلطة املبارشة عىل اليشء موضوع احلق‪ ،‬السلطة يف تتتبع هذا اليشء أينام وجد وانتقل‪ ،‬كام يمنحه احلق يف األفضلية أو التقدم عىل هذا اليشء يف‬
‫مواجهة خمتلف الدائنني‪.‬‬
‫‪15 RENAULT-BRAHINSKY‬‬ ‫;‪Corinne : Droit des obligations ; Gualino éditeur‬‬ ‫‪4ème‬‬ ‫‪édition/2006 ; P:21.‬‬
‫‪LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; p :26.‬‬
‫‪ 16‬وحيد الدين سوار‪ :‬التعبري عن اإلرادة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه الغريب؛ مكتبة النهضة العربية‪ /‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1960‬؛ ص‪.2:‬‬
‫‪17‬‬‫‪SEFTON-GREEN Ruth : La notion d’obligation fondamentale : comparaison franco-anglais; L.G.D.J.‬‬
‫‪Paris ; 2000 ; P:2.‬‬
‫‪18 Ginossar‬‬ ‫‪: pour une meilleure définition du droit réel et du droit personnel ; R.T.D. Civ. 1962 ;P:573.‬‬

‫‪8‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫للدائن‪ ،‬وهي صورة مصغرة من الرق‪ .‬وبذلك فااللتزام وامللكية يف نظر سافيني من‬
‫طبيعة واحدة‪ ،‬وال خيتلفان إال يف الدرجة‪ ،‬ففي امللكية يكون اخلضوع تاما‪ ،‬يف حني هو‬
‫جزئي يف االلتزام‪ ،‬غري أنه موجود يف االثنني‪.‬‬
‫ب‪ :‬املذهب املادي يف االلتزام‬
‫قام عدد كبري من الفقهاء األملان يف وجه نظرية سافيني‪ ،‬وعىل رأسهم جيريك‬ ‫‪.8‬‬
‫وكوهلر‪ ،‬ورفضوا أن تستقر يف الفقه األملاين بعدما استطاعوا ختليص قانوهنم من النظريات‬
‫املطبوعة بطابع القانون الروماين وغلبوا النظريات اجلرمانية عليها‪.‬‬
‫لذلك فالفكرة اجلوهرية يف االلتزام عند هؤالء ال تقف عند الرابطة الشخصية كام‬
‫كان األمر يف القانون الروماين‪ ،‬وإنام تغليب حمل االلتزام عىل طرفيه ‪ ،‬ويغدو االلتزام‬
‫‪19‬‬

‫بذلك عنرصا ماليا أكثر منه عالقة شخصية‪ .‬فينفصل االلتزام بذلك عىل شخص‬
‫الدائن وعن شخص املدين‪ ،‬وخيتلط بمحله فيصبح شيئا ماديا العربة فيه بقيمته املالية‪.‬‬
‫ومن أنصار املذهب املادي يف فرنسا نجد الفقيه الفرنس سايل‪.‬‬
‫‪ .9‬نشري يف األخري‪ ،‬إىل أن املذهب املادي ليس نظريا فحسب‪ ،‬بل ترتتب عليه‬
‫نتائج هامة‪ ،‬فهو يؤدي إىل رسعة التعامل؛ وهذا يتفق مع ما تقتضيه النظم االقتصادية‬
‫احلديثة‪ ،‬حيث يقوم عىل حمل االلتزام أكثر من تركيزه عىل شخص الدائن أو املدين‪.‬‬
‫ويرتتب عىل ذلك نتائج عملية هلا أمهيتها‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬االعتداد بمحل االلتزام قبل أشخاصه‪ ،‬مع ما يرتتب عن ذلك من إمكانية‬
‫تصور انتقال احلق بني أشخاص االلتزام‪ ،‬ليس من دائن إىل آخر فحسب كام يسلم‬
‫بذلك أنصار املذهب الشخيص بل أيضا من مدين إىل آخر ‪ ،‬فيوجد إىل جانب حوالة‬
‫‪20‬‬

‫احلق ‪ ،Cession de Création‬وحوالة الدين ‪.Cession de dette‬‬


‫‪ -‬ملا كانت الرابطة ليست هي األمر اجلوهري‪ ،‬فإنه من املمكن أن يوجد االلتزام‬
‫دون دائن وقت نشوئه‪ ،‬فيكفي أن يوجد الدائن عند التنفيذ‪ .‬وهذا ال يمكن تصوره يف‬

‫‪19 LARROUMET‬‬ ‫‪Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:25.‬‬


‫‪20 LARROUMET‬‬ ‫‪Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; p :26.‬‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املذهب الشخيص‪ ،‬ألنه من أجل أن ينشأ االلتزام جيب أن تكون هناك رابطة بني دائن‬
‫ومدين؛ وهذا يقتيض وجودمها عند نشأة االلتزام‪.‬‬
‫احلق يقال‪ ،‬إن موقف الفقه اإلسالمي بخصوص هذه النقطة كان موفقا؛‬ ‫‪.10‬‬
‫حيث اختذ موقفا وسطا بني النظريتني املادية والشخصية ‪ ،‬فقد غلبت فيه الصبغة املادية‬
‫‪21‬‬

‫يف طبيعة االلتزام‪ ،‬ومل هتمل فيه الفكرة الشخصية؛ بل إن هناك بعض الفقه من ذهب‬
‫إىل أن فكرة االلتزام يف الفقه اإلسالمي اصطبغت بصبغة مادية بحتة ‪ .‬غري أن‬
‫‪22‬‬

‫املالحظة البارزة هي أن فقهاء الرشيعة اإلسالمية قد سبقوا املاديني بقرون كثرية يف‬
‫تقرير النتائج املعقولة ملذهبهم احلديث؛ من ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬أن الفقه اإلسالمي أقر إمكانية عدم وجود ملتزم له معني منذ نشوء االلتزام‬
‫يف بعض احلاالت‪ ،‬رغم أن األصل لزوم وجوده عند النشأة؛‬
‫‪ -‬إقرار الفقه اإلسالمي حلوالة الدين إىل جانب حوالة احلق‪.‬‬
‫‪ .11‬إذا كان الفقه الغريب‪ ،‬ومن معه من الفقهاء العرب‪ ،‬يذهبون إىل تعريف االلتزام‬
‫واحلق الشخيص تعريفا واحدا‪ ،‬عىل أساس أهنام بمعنى واحد‪ ،‬فإن بعض الفقهاء‬
‫املسلمني‪ ،‬ومنهم األستاذ مصطفى الزرقا يرى أن هذا االجتاه خاطئ‪ ،‬عىل اعتبار أن مفهوم‬
‫احلق الشخيص خيتلف عن مفهوم االلتزام‪ ،‬فاألول فيه معنى الدائنية‪ ،‬ويف االلتزام معنى‬

‫‪ 21‬إذا رجعنا إىل الفقهاء املسلمني القدامى‪ ،‬نجد هؤالء مل يعرفوا احلق فقهيا‪ ،‬بل اكتفوا بمعناها اللغوي‪ ،‬الذي يتمثل عندهم يف الثبوت‬
‫والوجوب‪ .‬وعىل خالف النهج الذي سار عليه هؤالء‪ ،‬فإن املحدثني منهم حاولوا تعريف احلق‪ ،‬وإن تباينت هذه التعاريف‪ ،‬ولعل أقرهبا إىل‬
‫التبسيط ما أورده األستاذ عيل اخلفيف الذي اعتربه "مصلحة مستحقة رشعا"‪.‬‬
‫وتنقسم احلقوق حسب الفقهاء املسلمني إىل ثالثة أقسام رئيسية‪:‬‬
‫‪ :1‬حق اهلل؛ وهو ما يقصد به النفع العام للعباد مجيعا من غري اختصاص بأحد‪ ،‬وينسب إىل اهلل العظيم خطره‪ ،‬وشمول نفعه‪ .‬ومنه ما هو من قبيل‬
‫العبادات اخلالصة‪ ،‬كاإليامن باهلل والصالة والصوم‪ .‬ومنه ما هو من قبيل احلدود والعقوبات اخلالصة‪ ،‬كحد الزنا ورشب اخلمر‪ .‬ومنه ما هو من‬
‫قبيل العقوبات القارصة‪ ،‬أي التي ال تنال اجلسم أو املال مبارشة‪ ،‬كمنع القاتل أن يرث فيمن قتله‪ .‬ما يعترب عبادة وعقوبة يف نفس الوقت ككفارة‬
‫اليمني‪ .‬ما جيمع بني معنى التعبد وبذل املال‪ ،‬كصدقة الفطر‪ .‬ويتميز حق اهلل عن غريه أنه ليس ألحد أن يتنازل عنه أو يسقطه‪.‬‬
‫‪ :2‬حقوق العباد؛ وهي التي ترتتب إلنسان عىل آخر‪ ،‬كحق البائع يف ملكيته ثمن ما باع‪ .‬وهذه احلقوق بخالف حق اهلل جيوز لصاحبه أن يسقطها‬
‫ويتنازل عنها‪ .‬كام أن حق اهلل ال يورث بخالف حق العباد فإنه يورث‪.‬‬
‫‪ :3‬حقوق مشرتكة؛ وهي التي جتمع بني ما فيه حق اهلل و ما فيه حق الع بد‪ ،‬فهي حتقق املصلحة العامة واملصلحة الشخصية يف آن واحد‪ .‬وهذه احلقوق‬
‫منها ما يكون فيها حق اهلل غالبا عىل حق العباد‪ ،‬كحق القذف‪ ،‬ومنها ما تكون فيه املصلحة الشخصية غالبة عىل املصلحة العامة كحق القصاص‪.‬‬
‫‪ 22‬من هؤالء الفقهاء وحيد الدين سوار‪ ،‬الذي ذهب إىل أنه مل يثبت قط أن النبي صىل اهلل عليه وسلم حبس طوال مدة حياته أحدا يف دين‪ ،‬وقال‬
‫لغرماء املفلس "خذوا ما وجدتم وليس لكم إال ذلك" ‪ .‬وأيضا‪ ،‬ماروي أن غرماء معاذ بن جبل طلبوا من النبي صىل اهلل عليه وسلم حني مل توف‬
‫أمواله بديوهنم‪ ،‬أن يبيع معاذا هلم وفاء لدينه‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم "ليس لكم إليه من سبيل"‪.‬‬
‫وحيد الدين سوار‪ :‬التعبري عن اإلرادة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه الغريب؛ مكتبة النهضة العربية‪ /‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1960‬؛ ص‪.4:‬‬

‫‪10‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املديونية‪ ،‬وإن كان طريف رابطة واحدة‪ ،‬وعنارصمها واحدة كام تقدم‪ .‬ومن ثم وجب أن‬
‫يعرفا بتعريفني خمتلفني يظهر فيهام هذا الفارق األسايس‪ ،‬حسب الفقيه مصطفى الزرقا؛‬
‫حيث يعرف احلق الشخيص بأنه "مطلب يقره الرشع لشخص عىل آخر"‪ ،‬وااللتزام بأنه‪:‬‬
‫"كون شخص مكلف رشعا بعمل أو بامتناع عن عمل ملصلحة غريه"‪.‬‬
‫‪ .12‬عموما‪ ،‬فإنه بالرغم من كون قانون االلتزامات والعقود املغريب تأثر بشكل‬
‫كبري بالنظرية الشخصية‪ ،‬فإن أحكامه ال تتعارض مع املذهب املادي‪ ،‬بدليل أنه خول‬
‫لإلرادة املنفردة إمكانية إنشاء االلتزامات كام سنرى يف القسم الثاين من هذا الكتاب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تصنيف االلتزام‬
‫‪ .13‬من أجل تصنيف خمتلف أنواع االلتزامات‪ ،‬اعتمد الفقه عىل جمموعة من‬
‫املعايري واألسس‪ ،‬يمكننا تلخيصها يف اثنني‪ ،‬األول هو التصنيف املبني عىل حمل‬
‫االلتزام (أ)‪ ،‬بينام يقوم التصنيف الثاين عىل أساس مصادر االلتزام (ب)‪.‬‬
‫أ‪ :‬التصنيف املبني عىل حمل االلتزام‬
‫‪ .14‬يمكن احلديث عن نوعني من التقسيامت لاللتزامات التي ترجع إىل التصنيف‬
‫املبني عىل حمل االلتزام ؛ فمن جهة يمكن التمييز بني االلتزام بإعطاء يشء وااللتزام‬‫‪23‬‬

‫بالقيام بعمل أو باالمتناع عن عمل (‪)1‬؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن الفقه ثم تبعه القضاء‬
‫بعد ذلك ميز بني االلتزام بغاية وااللتزام بوسيلة (‪.)2‬‬
‫‪ :1‬االلتزام بإعطاء يشء‪ ،‬االلتزام بالقيام بعمل أو باالمتناع عن عمل‬
‫يستشف هذا التصنيف من الفصلني ‪ 1101‬و ‪ 1126‬من القانون املدين‬ ‫‪.15‬‬
‫الفرنس قبل التعديل الذي تم بمقتىض األمر الصادر بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪ 2016‬كام‬ ‫‪24‬‬

‫سنرى بمناسبة تناول تعريف العقد وحتديد أركانه‪ ،‬حيث كان األول يعرف العقد‬

‫‪23MAZEAUD‬‬ ‫‪Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; Montchrestien, DELTA ; 2000 ; P:11.‬‬
‫‪RENAULT-BRAHINSKY Corinne : Droit des obligations;Gualino éditeur;4ème édition/2006 ; P:23.‬‬
‫‪24 MALAURIE‬‬ ‫‪Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ;Edition CUJAS/ Paris; 5ème édition 1994 ; P:12.‬‬
‫‪RENAULT-BRAHINSKY Corinne : Droit des obligations ; Gualino éditeur ; op.cit ; P:23.‬‬

‫‪11‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الذي يعترب املصدر األسايس لاللتزام بأنه اتفاق شخص أو جمموعة أشخاص يلتزمون‬
‫بمقتضاه جتاه شخص آخر أو جمموعة أشخاص آخرين بإعطاء يشء أو بالقيام بعمل أو‬
‫باالمتناع عن عمل معني‪ .‬ويف الثاين‪ ،‬أشار فيه القانون الفرنس إىل أن لكل عقد حمل‬
‫يشء‪ ،‬يلتزم من خالله طرف بإعطاء‪ ،‬أو بعمل أو باالمتناع عن فعل معني ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫ذلك أنه عن طريق االلتزام بإعطاء يشء‪ ،‬يلتزم املدين بأن ينقل للدائن حق عيني عىل‬
‫يشء معني‪ ،‬سواء متثل ذلك يف نقل امللكية أو حق عيني آخر‪ ،‬كام يتجىل هذا االلتزام يف دفع‬
‫مبلغ مايل إىل الدائن‪ .‬يف حني أنه عن طريق االلتزام بالقيام بعمل‪ ،‬يقوم املدين بإنجاز خدمة‬
‫معينة‪ ،‬كالتزام املقاول ببناء عامرة معينة أو التزام املهندس املعامري بوضع تصميم لبناء‬
‫منزل أو مستوصف معني‪ .‬وأخريا‪ ،‬فإن املقصود بااللتزام باالمتناع عن عمل‪ ،‬يتمثل يف‬
‫التزام املدين باالمتناع عن الفعل موضوع التزامه‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة لبائع األصل‬
‫التجاري الذي يلتزم يف مواجهة املشرتي بعدم فتح حمل مؤسسة مشاهبة لتلك التي قام‬
‫بتفويتها وذلك يف نفس املدينة أو املكان املتواجد فيه املحل موضوع التفويت‪.‬‬
‫ويرى الفقه‪ ،‬أن االلتزام بإعطاء يشء وااللتزام باالمتناع عن عمل يعتربان يف مجيع‬
‫احلاالت بمثابة التزامات بتحقيق نتيجة‪ ،‬يف حني أن االلتزام بعمل قد يكون يف بعض‬
‫احلاالت بمثابة التزام بغاية أو بنتيجة ويف حاالت أخرى يكيف عىل أنه التزام بوسيلة ‪.‬‬
‫‪26‬‬

‫‪ :2‬االلتزام بغاية وااللتزام بوسيلة‬


‫يرجع هذا التصنيف إىل الفقيه ديموج ‪ ،DEMOGUE‬ثم جاء بعده الفقيه‬ ‫‪.16‬‬
‫مازو ‪ MAZEAUD‬ليعمق البحث فيه بشكل أكرب؛ وبحسب هذا الفقه‪ ،‬فإن االلتزام‬ ‫‪27‬‬

‫‪Obligation de résultat et‬‬ ‫ينقسم إىل صنفني‪ ،‬االلتزام بغاية وااللتزام بوسيلة‬

‫‪25 LARROUMET‬‬ ‫‪Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:47.‬‬


‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ;p :12.‬‬
‫‪TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations; op.cit ; p:7.‬‬
‫‪26 LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; ECONOMICA /Paris ; 2003 ; P:57.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; p :13.‬‬
‫‪27 MAZEAUD H.: l’obligation générale de prudence et diligence et les obligations déterminées ; RTD‬‬

‫‪Civ. 1936/I ; P:449.‬‬

‫‪12‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪obligation‬؛ ذلك أنه يف الكثري من احلاالت‪ ،‬يكون لاللتزام حمل حمدد‬ ‫‪de moyen‬‬
‫بشكل دقيق‪ ،‬حيث إن املدين يكون ملتزما بتحقيق هدف ونتيجة بعينها‪ ،‬وهذا هو‬
‫االلتزام بغاية أو بنتيجة‪ ،‬فالناقل يتعني عليه تسليم وإيصال اليشء حمل النقل إىل مكان‬
‫الوصول ويف األجل املتفق عليه ‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫يف مقابل ذلك‪ ،‬فإنه يف حاالت أخرى ال يكون املدين ملتزما إال بالقيام بكل الوسائل‬
‫املمكنة‪ ،‬مع قيامه بأكرب قدر من العناية واالحتياط من أجل الوصول إىل حتقيق نتيجة معينة‪،‬‬
‫غري أنه ال يضمن حتقيقها؛ ويسمى هذا النوع من االلتزامات بااللتزام بوسيلة؛ فالطبيب ال‬
‫يلتزم بشفاء املريض‪ ،‬وإنام ببذل العناية الالزمة واملمكنة من أجل عالجه ‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫‪ .17‬تظهر أمهية التمييز بني االلتزام بغاية وااللتزام بوسيلة عىل مستوى رشوط‬
‫املسؤولية املحتملة للمدين ‪ .‬فإذا كان األمر يتعلق بالنوع األول‪ ،‬أي االلتزام بغاية‪ ،‬فإن‬
‫‪30‬‬

‫املدين يعترب مسؤوال بمجرد عدم حتقق النتيجة‪ ،‬ويبقى عليه من أجل التحلل من هذه‬
‫املسؤولية أن يثبت أن عدم التنفيذ يرجع إىل سبب أجنبي كالقوة القاهرة‪ ،‬كام هو الشأن‬
‫بالنسبة للناقل الذي مل يقم بإيصال اليشء املتفق عليه أو تأخر يف إيصاله‪.‬‬
‫يف حني أن املدين يف االلتزام بوسيلة ال يكون مسؤوال إال إذا أثبت أنه مل يقم بالعناية‬
‫املتطلبة‪ ،‬وهو األمر الذي يبقى فيه عبء إثباته ملقى عىل عاتق الدائن‪ .‬وهذا حال املريض‬
‫الذي مل يعالج أو ورثة املريض املتوىف‪ ،‬حيث ال حيصلون عىل التعويض إال إذا أثبتوا عدم‬
‫اختاذ الطبيب للعناية الالزمة يف املجال الطبي‪.‬‬
‫‪ .18‬وقد أثار املعيار الذي ينبغي اعتامده بخصوص العناية الواجب اختاذها اختالف‬
‫الفقه؛ األمر الذي دفع العديد من القوانني إىل توضيح املعيار الواجب سلوكه؛ ومن هذه‬
‫الترشيعات نجد القانون املدين الليبي الذي أخذ باملعيار املوضوعي‪ ،‬حينام أشار إىل أن‬
‫العناية التي ينبغي النظر إليها هي عناية الشخص العادي‪ ،‬كام يتضح لنا من خالل‬

‫‪28 MALAURIE‬‬ ‫‪Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; CUJAS/ Paris; 5ème édition 1994 ;P:13.‬‬
‫‪RENAULT-BRAHINSKY Corinne : Droit des obligations ; Gualino éditeur ; 4ème édition/2006 ; P:25.‬‬
‫‪29 MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit ; P:13.‬‬
‫; ‪30 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬

‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; p:13.‬‬

‫‪13‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫مقتضيات املادة ‪ 214‬من هذا القانون‪ ،‬التي جاء فيها ما ييل‪.1" :‬يف االلتزام بعمل‪ ،‬إذا كان‬
‫املطلوب من املدين هو أن حيافظ عىل اليشء أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى احليطة يف‬
‫تنفيذ التزامه‪ ،‬فإن املدين يكون قد وىف بااللتزام إذا بذل عناية كل ما يبذله الشخص‬
‫العادي‪ ،‬ولو مل يتحقق الغرض املقصود‪ .‬هذا ما مل ينص القانون أو االتفاق عىل غري ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬ويف كل حال يبقى املدين مسؤوال عام يأتيه من غش أو خطأ جسيم"‪.‬‬
‫ب‪ :‬التصنيف املبني عىل مصدر االلتزام‬
‫‪ .19‬من بني التصنيفات املهمة‪ ،‬تلك املبنية عىل أساس مصدر االلتزام؛ حيث يميز‬
‫الفقه بني االلتزامات االتفاقية وااللتزامات التي تولد دون وجود اتفاق؛ أو بعبارات‬
‫أخرى‪ ،‬االلتزامات التعاقدية وااللتزامات غري التعاقدية ‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫فبخصوص النوع األول‪ ،‬فإن املقصود هبا هي تلك االلتزامات التي تنتج وتولد بناء‬
‫عىل اتفاق بني أطرافه ‪ ،‬أي نتيجة إلبرام عقد معني؛ ويشكل هذا النوع‪ ،‬السيام أثناء وقت‬
‫‪32‬‬

‫تبني قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬املصدر األسايس‪.‬‬


‫أما املقصود بالنوع الثان‪ ،‬فهي خمتلف االلتزامات التي اليكون مصدرها االتفاق‬
‫وا لعقد؛ ويتحقق هذا يف احلاالت التي جيد فيها االلتزام سنده يف نص قانوين كام هو‬
‫الشأن بالنسبة اللتزامات اجلوار؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن هذا النوع الثاين من االلتزام قد‬
‫يرجع سببه إىل فعل الشخص امللتزم‪ ،‬ويتحقق هذا يف العمل غري املرشوع أو ما يسمى‬
‫باملسؤولية التقصريية وأيضا من خالل اإلثراء بال سبب‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أمهية قانون االلتزامات‬
‫‪ .20‬تظهر أمهية قانون االلتزامات املغريب من الناحيتي النظرية والتطبيقية؛ فمن جهة‬
‫أوىل‪ ،‬فإنه عن طريق دراسة قانون االلتزامات يمكن استيعاب وفهم باقي املواد األخرى‪،‬‬
‫ذلك أن املبادئ األساسية املنبثقة عن نظرية االلتزامات ال حتكم فقط القانون املدين‪ ،‬بل‬
‫أيضا جمموع مواد القانون اخلاص‪ ،33‬السيام القانون التجاري أو قانون األعامل الذي‬

‫‪31 MALAURIE‬‬ ‫‪Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; Edition CUJAS/ Paris ; op.Cit; P:12.‬‬
‫‪32 MAZEAUD‬‬ ‫‪Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; p:11.‬‬
‫‪33 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬

‫‪13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P:39.‬‬

‫‪14‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫يعتمد أساسا عىل العقد بشكل أسايس يف تداول الثروة‪ ،‬كام أن أدوات الدفع واالئتامن هي‬
‫يف حد ذاهتا التزامات فردية؛ وعموما‪ ،‬فإن الذي يفهم االلتزام يستطيع استيعاب قانون‬
‫األعامل بوجه عام‪ .‬كام أن القانون العام نفسه يقوم يف جزء مهم منه عىل االلتزام‪ ،‬سواء‬
‫تعلق األمر بالعقد اإلداري أو املسؤولية اإلدارية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬نرى أنه بإمكان الشخص أن يكون متخصصا يف جمال القانون التجاري‬
‫أو القانون العام دون اإلحاطة بجميع مواد القانون املدين‪ ،‬غري أن القانوين كيفام كان‬
‫ختصصه ال يمكنه أن جيهل قانون االلتزامات‪ ،‬وذلك راجع لالعتبارات السالفة الذكر‪.‬‬
‫من الناحية التطبيقية‪ ،‬فإن نظرية االلتزامات هي تطبيق قانوين للعالقات االقتصادية‬
‫بني األشخاص‪ ،‬من خالل تبادل الثروات واخلدمات التي تعترب رضورية لوجودهم؛‬
‫لذلك‪ ،‬فإن قواعد االلتزامات تعترب األكثر تطبيقا من الناحية العملية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬العوامل املؤثرة يف تطور قانون االلتزامات‬
‫‪ .21‬بحسب العميد ريبار ‪ Ripert‬فإن قانون االلتزامات تطور حتت تأثري ثالثة‬
‫عوامل أساسية‪ ،‬العامل املعنوي (أ)‪ ،‬العامل االقتصادي (ب) وأخريا العامل‬
‫السيايس (ج)‪.‬‬
‫أ‪ :‬تأثري العامل املعنوي عىل قانون االلتزامات‬
‫‪ .22‬يذهب الفقه إىل أن تأثري العامل املعنوي عىل قانون االلتزامات يعترب سابقا‬
‫‪34‬‬

‫عىل تدوين القانون املدين الفرنس‪ .‬ويظهر لنا هذا التأثري عىل خمتلف مصادر االلتزام؛‬
‫ففي العقد مثال‪ ،‬فإن االلتزام امللقى عىل عاتق املدين بتنفيذ العقد ما هو إال تطبيق‬
‫لاللتزام املعنوي القايض برضورة احرتام عهده أو التعبري الصادر عنه‪ .‬نفس اليشء فيام‬
‫يتعلق بعيوب الرىض املتمثلة يف اإلكراه والتدليس التي تعترب هي األخرى بمثابة تفعيل‬
‫لرضورة توفر قدر من النزاهة يف املفاوضات املرتبطة بالعقد‪ .‬يتضح ذلك أيضا‬
‫بخصوص ناقص األهلية‪ ،‬حيث إن إقرار اإلبطال ملصلحته يستجيب لرضورة محاية‬

‫‪34‬‬‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:23.‬‬

‫‪15‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املتعاقد الضعيف يف مواجهة الطرف القوي‪ ،‬وهو مطلب معنوي‪ .‬دون أن ننسى بطالن‬
‫العقد الذي يكون سببه أو حمله غري مرشوع أو خمالف للنظام العام أو األخالق‪.‬‬
‫وإذا ما انتقلنا إىل جمال املسؤولية التقصريية‪ ،‬نجد أن االلتزام القانوين بتعويض‬
‫الرضر يعترب بمثابة تعبري عن االلتزام املعنوي بعدم اإلرضار بالغري‪ .‬ويظهر هذا الرتابط‬
‫بشكل خاص يف جمال نظام املسؤولية القائم عىل أساس اخلطأ‪.‬‬
‫ب‪ :‬تأثري العامل االقتصادي عىل قانون االلتزامات‬
‫يظهر تأثري العامل االقتصادي عىل قانون االلتزامات بشكل واضح عىل‬ ‫‪.23‬‬
‫مستوى العقد بوجه خاص ؛ عىل اعتبار أن هذا األخري يعترب بمثابة األداة األساسية‬
‫‪35‬‬

‫لتأمني تداول الثروة واخلدمات بني األفراد‪ ،‬بل إن دراسة هذه املبادالت يشكل أحد‬
‫املواضيع األساسية لالقتصاد السيايس‪.‬‬
‫إن قانون االلتزامات والعقود املغريب كرس املفهوم الليربايل للنظام االقتصادي‬
‫الذي كان سائدا إبان وضع هذا القانون‪ ،‬أو ما يعرب عنه من الناحية القانونية باحلرية‬
‫التعاقدية‪ ،‬التي تتمثل يف أن األفراد هلم كامل احلرية يف إبرام العقد الذي يرغبون فيه‬
‫وبالرشوط التي تالئمهم‪ .‬بل إنه عن طريق هذا املبدأ يمكن حتقيق هدفي كام أكد عىل‬
‫ذلك أنصار االجتاه الليربايل‪ ،‬األول يتمثل يف الوصول إىل مصلحة الطرفني عن طريق‬
‫تبادل االمتيازات بينهم‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬حتقيق النفع العام الذي يتجىل يف جمموع‬
‫املصالح الفردية‪.‬‬

‫غري أننا نرى‪ ،‬بأن هذه اآللية التي عن طريقها يمكن حفظ مجيع املصالح‬ ‫‪.24‬‬

‫كانت صحيحة بشكل أسايس يف املايض؛ أما يف الوقت احلايل‪ ،‬فإن التحوالت التي‬

‫‪35‬‬‫‪EL MOUDDEN Chifae : La publicité entre promotion et protection du marché ; Revue marocaine‬‬
‫‪de droit économique ; N°1 2007 ; P :52.‬‬
‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P :45.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P :27.‬‬

‫‪16‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫شهدهتا العالقات االقتصادية أفرزت أطرافا اقتصادية متباينة‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة‬
‫للمهنيني واملستهلكني وأيضا املؤجرين واألجراء‪ .‬ويرتتب عن ذلك‪ ،‬أنه يف حالة إذا مل‬
‫يتدخل املرشع بمقتىض قواعد آمرة ومحائية‪ ،‬فإن الطرف القوي يفرض رشوطه عىل‬
‫الطرف الضعيف‪.‬‬

‫ج‪ :‬تأثري العامل السيايس عىل قانون االلتزامات‬


‫‪ .25‬يظهر مدى تأثري العامل السيايس يف كون األنظمة الديمقراطية احلديثة حاولت‬
‫أن متزج بي مبدأي احلرية واملساواة‪ ،‬وإن كان يظهر أهنا أعطت األولوية إىل هذا املبدأ‬
‫األخري يف السنوات القليلة املاضية‪ ،‬كام يتضح لنا من خالل العديد من القواعد التنظيمية‬
‫اآلمرة‪ ،‬التي فرضت جمموعة من االلتزامات عىل عاتق الطرف القوي‪ ،‬كام هو الشأن‬
‫بالنسبة للاملك يف مواجهة املكرتي‪ ،‬أو رب العمل يف مواجهة األجري‪.‬‬

‫بل إن درجة تقدم الدول ومدى اعتبارها ديمقراطية أصبح يرتبط بشكل كبري‬
‫بتبنيها لقوانني حتقق قدرا كبريا من املساواة بني مواطنيها‪ ،‬خاصة عندما يصل التباين‬
‫بني هؤالء إىل درجة يمكن أن ختل باألمن االجتامعي ‪ .‬لذلك ذهب بعض الفقه‬
‫‪36‬‬

‫الفرنس ‪ ،‬إىل أن احرتام احلقوق األساسية للشخص‪ ،‬كاحلق يف دعوى عادلة واحلق يف‬ ‫‪37‬‬

‫احرتام احلياة اخلاصة لألرسة وحق احرتام األموال وحرية تأسيس اجلمعيات‪ ،‬وذلك‬
‫كله حتت تأثري القانون األورويب واالجتهاد القضائي األورويب‪ ،‬أغنت قانون‬
‫االلتزامات وباخلصوص قانون العقود‪.‬‬

‫عبد الرمحان الرشقاوي‪ :‬املدخل إىل العلوم القانونية؛ الطبعة األوىل ‪.2016‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪37 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit; P:47.‬‬

‫‪17‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫خامسا‪ :‬مصادر قانون االلتزامات‬


‫‪ .26‬يمكننا التمييز بخصوص مصادر قانون االلتزامات‪ ،‬بني ما يمكن تسميته‬
‫باملصادر التقليدية (أ)‪ ،‬وبني تلك التي ظهرت يف العقود األخرية‪ ،‬السيام تلك املتعلقة‬
‫بالقانون االقتصادي‪ ،‬والتي يمكن تسميتها باملصادر احلديثة (ب)‪.‬‬
‫أ‪ :‬املصادر التقليدية‬
‫تتمثل هذه املصادر يف ظهري االلتزامات والعقود املغريب الذي يعترب‬ ‫‪.27‬‬

‫بمثابة الرشيعة العامة‪ ،‬وأيضا يف خمتلف النصوص اخلاصة املتفرقة‪ ،‬إضافة إىل‬
‫االجتهاد القضائي‪.‬‬
‫بالرجوع ملدونة االلتزامات والعقود‪ ،‬نجد املرشع املغريب قسمها إىل كتابي‪،‬‬
‫خصص األول لاللتزامات بوجه عام؛ أما الكتاب الثان فقد تناول فيه خمتلف العقود‬
‫املسامة ويف أشباه العقود التي ترتبط هبا‪.‬‬

‫من أجل إعطاء نظرة عامة عىل خمتلف املجاالت التي تناوهلا هذا القانون‪ ،‬نشري بداية‬
‫إىل حماور الكتاب األول من هذه املدونة‪ ،‬حيث يشتمل عىل سبعة أقسام‪ ،‬تتمثل فيام ييل‪:‬‬

‫الكتاب األول‪ :‬يف االلتزامات بوجه عام‬


‫‪ -‬القسم األول‪ :‬مصادر االلتزامات (الفصول من ‪ 1‬إىل ‪)106‬؛‬
‫‪ -‬القسم الثاين‪ :‬أوصاف االلتزام (الفصول من ‪ 107‬إىل ‪)188‬؛‬
‫‪ -‬القسم الثالث‪ :‬انتقال االلتزامات (الفصول من ‪ 189‬إىل ‪)227‬؛‬
‫‪ -‬القسم الرابع‪ :‬آثار االلتزامات (الفصول من ‪ 228‬إىل ‪)305‬؛‬
‫‪ -‬القسم اخلامس‪ :‬بطالن االلتزامات وإبطاهلا (الفصول ‪ 306‬إىل ‪)318‬؛‬
‫‪ -‬القسم السادس‪ :‬انقضاء االلتزامات (الفصول من ‪ 319‬إىل ‪)398‬؛‬
‫‪ -‬القسم السابع‪ :‬إثبات االلتزامات وإثبات الرباءة منها (الفصول من ‪ 399‬إىل ‪.)477‬‬

‫‪18‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أما الكتاب الثان من مدونة االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬فقد تم تقسيمه إىل اثني‬
‫عرش قسام؛ تتمثل فيام ييل‪:‬‬

‫الكتاب الثان‪ :‬يف خمتلف العقود املسامة ويف أشباه العقود التي ترتبط هبا‬
‫‪ -‬القسم األول‪ :‬البيع (الفصول من ‪ 478‬إىل ‪ 618‬مكرر)؛‬
‫‪ -‬القسم الثاين‪ :‬يف املعاوضة (الفصول من ‪ 619‬إىل ‪)625‬؛‬
‫‪ -‬القسم الثالث‪ :‬اإلجارة (الفصول ‪ 626‬إىل ‪)780‬؛‬
‫‪ -‬القسم الرابع‪ :‬الوديعة واحلراسة (الفصول ‪ 781‬إىل ‪)828‬؛‬
‫‪ -‬القسم اخلامس‪ :‬العارية (الفصول ‪ 829‬إىل ‪)878‬؛‬
‫‪ -‬القسم السادس‪ :‬الوكالة (الفصول ‪ 879‬إىل ‪)958‬؛‬
‫‪ -‬القسم السابع‪ :‬االشرتاك (الفصول ‪ 959‬إىل ‪)1091‬؛‬
‫‪ -‬القسم الثامن‪ :‬عقود الغرر (الفصول ‪ 1092‬إىل ‪)1097‬؛‬
‫‪ -‬القسم التاسع‪ :‬الصلح (الفصول ‪ 1098‬إىل ‪)1116‬؛‬
‫‪ -‬القسم العارش‪ :‬الكفالة (الفصول ‪ 1117‬إىل ‪)1169‬؛‬
‫‪ -‬القسم احلادي عرش‪ :‬الرهن احليازي (الفصول ‪ 1170‬إىل ‪)1240‬؛‬
‫‪ -‬القسم الثاين عرش‪ :‬يف خمتلف أنواع الدائنني (الفصول ‪ 1241‬إىل ‪.)1250‬‬

‫‪ .28‬إضافة إىل مدونة االلتزامات والعقود‪ ،‬فإن هناك العديد من القواني اخلاصة‬
‫التي تشكل مصدرا مبارشا لقانون االلتزامات؛ من هذه النصوص نشري إىل ظهري ‪2‬‬
‫أكتوبر‪ 1984‬املعترب بمثابة قانون يتعلق بتعويض املصابني يف حوادث تسببت فيها‬ ‫‪38‬‬

‫عربات برية ذات حمرك ‪ ،‬وأيضا القانون رقم ‪ 67.12‬املتعلق بتنظيم العالقات التعاقدية‬ ‫‪39‬‬

‫بني املكري واملكرتي للمحالت املعدة للسكنى أو لالستعامل املهني ‪ ،‬وعىل سبيل‬
‫‪40‬‬

‫ظهري رشيف رقم ‪1.84.177‬؛ اجلريدة الرسمية عدد ‪ 3753‬بتاريخ ‪ 03‬أكتوبر ‪1984‬؛ ص‪.930:‬‬ ‫‪38‬‬

‫عبد الرمحان الرشقاوي‪ :‬القانون املدين‪ ،‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام يف ضوء تأثرها باملفاهيم اجلديدة للقانون االقتصادي؛ مصادر‬ ‫‪39‬‬

‫االلتزام‪ ،‬اجلزء الثاين‪ :‬الواقعة القانونية‪.‬‬


‫‪ 40‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.13.111‬صادر يف ‪ 15‬من حمرم ‪ 19( 1435‬نوفمرب ‪ )2013‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 67.12‬املتعلق بتنظيم العالقات‬
‫التعاقدية بني املكري واملكرتي لألماكن املعدة للسكنى أو لالستعامل املهني‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 6208‬بتاريخ ‪ 28‬نوفمرب ‪.2013‬‬

‫‪19‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املثال أيضا نذكر القانون رقم ‪ 49.16‬املتعلق بكراء العقارات أو املحالت املخصصة‬
‫لالستعامل التجاري أو الصناعي أو احلريف ‪.‬‬
‫‪41‬‬

‫من بني املصادر التقليدية‪ ،‬التي ال زالت تعترب مصدرا مهام لقانون االلتزامات يف وقتنا‬
‫احلايل وستبقى كذلك‪ ،‬بل إننا نرى برضورة تفعيل هذا املصدر بشكل أكرب‪ ،‬السيام يف‬
‫املغرب‪ ،‬حتى يمكنه مسايرة التحوالت العميقة التي تعرفها نظرية االلتزام بوجه عام؛‬
‫ونقصد هبذا املصدر االجتهاد القضائي‪.‬‬
‫ب‪ :‬املصادر احلديثة لقانون االلتزامات‬
‫ظهرت العديد من املصادر احلديثة لقانون االلتزامات‪ ،‬وذلك متاشيا مع‬ ‫‪.29‬‬
‫التحوالت االقتصادية واالجتامعية التي عرفها العامل يف العقود األخرية ؛ ونرى أن‬
‫‪42‬‬

‫أهم هذه املصادر تتمثل يف قانون حرية األسعار واملنافسة الذي اعتمده املرشع املغريب‬
‫‪43‬‬

‫بمقتىض القانون رقم‪ 06.99‬ثم أعاد تنظيمه بمقتىض القانون رقم ‪ ، 104.12‬وأيضا‬
‫‪45‬‬ ‫‪44‬‬

‫قانون االستهالك الذي تبنته العديد من الترشيعات منذ أزيد من ثالثني سنة‪ ،‬ومل‬
‫يعتمده املرشع املغريب إال يف بداية سنة ‪ 2011‬بمقتىض القانون رقم ‪ 31.08‬القايض‬
‫بتحديد تدابري حلامية املستهلكني ‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫فقانون حرية األسعار واملنافسة ينظم العقود الرابطة بني املهنيني‪ ،‬ويبقى هدفه‬
‫األسايس هو السهر عىل ضامن حرية املنافسة وحرية األثمنة‪ ،‬وذلك من أجل حتقيق‬

‫‪ 41‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.16.99‬صادر يف ‪ 13‬من شوال ‪ 18( 1437‬يوليوز ‪ )2016‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 49.16‬املتعلق بكراء العقارات أو‬
‫املحالت املخصصة لالستعامل التجاري أو الصناعي أو احلريف‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 6490‬بتاريخ ‪ 11‬أغسطس ‪.2016‬‬
‫راجع مؤلفنا قانون العقود اخلاصة‪ ،‬اجلزء الثاين‪ :‬العقود الواردة عىل منفعة اليشء‪.‬‬
‫‪42 FAVEREAU‬‬ ‫‪Olivier : Qu’est-ce qu’un contrat ? la difficile réponse de l’économie; Droit et économie‬‬
‫‪des contrats , sous la direction de Christophe Jamin ; L.GD.J. 2009 ; P:21.‬‬
‫‪BOUTARD LABARD Marie-Chantel:Droit français de la concurrence; L.G.D.J.1994. P:22.‬‬
‫‪43DRISSI ALAMI MACHICHI Mohammed : Concurrence, droit et obligations des entreprises au‬‬

‫‪Maroc ; Eddif/2004.‬‬
‫‪ 44‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.00.225‬الصادر يف ‪ 2‬ربيع األول ‪ 1421‬املوافق ‪ 5‬يونيو ‪ ،2000‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 06.99‬املتعلق بحرية األسعار‬
‫واملنافسة‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ ،4810‬بتاريخ ‪ 3‬ربيع اآلخر ‪( 1412‬املوافق ل ‪ 6‬يوليوز ‪ ،)2000‬ص‪.1914:‬‬
‫‪ 45‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.14.116‬صادر يف ‪ 30‬يونيو ‪ 2014‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 104.12‬املتعلق بحرية األسعار واملنافسة‪ .‬اجلريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 6276‬بتاريخ ‪ 24‬يوليو ‪.2014‬‬
‫‪ 46‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.11.03‬صادر يف ‪ 14‬من ربيع األول ‪ 18( 1432‬فرباير ‪)2011‬؛ اجلريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 5932‬بتاريخ ‪ 7‬أبريل ‪2011‬؛ ص‪.1072:‬‬

‫‪20‬‬
‫مقدمة عامة‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املساواة بني خمتلف الفاعلني واملتدخلني يف السوق التجارية‪ .‬بينام يبقى اهلدف األسايس‬
‫للقانون رقم ‪ ،31.08‬كام يتضح من تسميته‪ ،‬هو وضع العديد من التدابري حلامية‬
‫املستهلكني بوجه خاص؛ والتي تتمثل حسب ديباجته يف تعزيز احلقوق األساسية‬
‫للمستهلك‪ ،‬خاصة منها ما يتعلق باحلق يف اإلعالم واحلق يف محاية حقوقه االقتصادية‬
‫واحلق يف التمثيلية واحلق يف الرتاجع واحلق يف االختيار واحلق يف اإلصغاء إليه‪.‬‬
‫‪ .30‬خالصة ما سبق‪ ،‬إن نظرية االلتزامات عرفت تطورا مهام يف السنوات‪ ،‬أو‬
‫باألحرى‪ ،‬العقود األخرية‪ ،‬بفعل التغريات االقتصادية التي شهدها العامل‪ ،‬والتي‬
‫أجربت الدول عىل تبني العديد من الترشيعات االقتصادية‪ ،‬كان هلا تأثري واضح عىل‬
‫هذه النظرية‪ ،‬سواء عىل مستوى كل مصدر من مصادرها‪ ،‬كام سنتناوهلا يف جزئي‬
‫األول نخصصه للترصف القانون وهو موضوع هذا اجلزء (اجلزء األول)‪ ،‬والثان‬
‫نتناول فيه الواقعة القانونية التي تشتمل عىل املسؤولية التقصريية واإلثراء بالسبب‬
‫(اجلزء الثان)‪ ،‬أو عىل مستوى أحكامها‪ ،‬التي سنخصص هلا اجلزء الثالث من سلسلة‬
‫القانون املدن (اجلزء الثالث)‪ ،‬دون أن ننسى إثبات االلتزام (اجلزء الرابع)‪.‬‬
‫بمعنى‪ ،‬أن دراسة القانون املدن يف شقه املتعلق بالنظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬تقتيض‬
‫منا تناوله يف أربعة أجزاء؛ وذلك عىل الشكل التايل‪:‬‬
‫‪ -‬اجلزء األول‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬الترصف القانون (العقد واإلرادة املنفردة)؛‬
‫‪ -‬اجلزء الثان‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬الواقعة القانونية (املسؤولية التقصريية واإلثراء بال‬
‫سبب)؛‬
‫اجلزء الثالث‪ :‬أحكام االلتزام (أوصاف االلتزام‪ ،‬وانتقال االلتزام‪ ،‬وانقضاء‬
‫االلتزام)؛‬
‫اجلزء الرابع‪ :‬إثبات االلتزام‬

‫‪21‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬مصادر االلتزام‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪22‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬مصادر االلتزام‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الكتاب األول‬
‫مصادرااللتزام‬

‫‪23‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬مصادر االلتزام‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪24‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬مصادر االلتزام‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫يقصد بمصادر االلتزام‪ ،‬األسباب القانونية املبارشة أو الوقائع املولدة‬ ‫‪.31‬‬


‫لاللتزام؛ فمصدر التزام البائع بتسليم اليشء املبيع وضامنه هو عقد البيع‪ ،‬ومصدر‬
‫التزام املويص هو إرادته املنفردة ومصدر التزام املسؤول املدين عن تعويض الرضر‬
‫الذي أحدثه للغري هو العمل غري املرشوع أو ما يسمى باملسؤولية التقصريية‪ ،‬ومصدر‬
‫التزام املثري برد ما أثرى به هو العمل النافع أو ما يسمى باإلثراء بال سبب‪ ،‬وأخريا‬
‫فإن مصدر التزام األب بالنفقة عىل أبنائه أو الزوج عىل زوجته هو القانون‪.‬‬
‫‪ .32‬إذا كنا قد تناولنا يف هذه األمثلة خمتلف مصادر االلتزام‪ ،‬كام استقر عليها الفقه‬
‫احلديث ‪ ،‬فإنه يمكن إرجاعها إىل مصدرين أساسيي؛ أوهلام الترصفات القانونية‪ ،‬التي‬ ‫‪47‬‬

‫تتمثل يف إرادة شخص املدين التي تنفرد بإنشاء االلتزام‪ ،‬ويسمى الترصف حينها إرادة‬
‫منفردة‪ ،‬كام قد يتحقق هذا االلتزام باتفاق مع إرادة طرف ثان أو جمموعة أطراف‪،‬‬
‫ويسمى حينها عقدا؛ وثانيهام الواقعة غري اإلرادية‪ ،‬التي إما أن تكون فعال ماديا ضارا‪،‬‬
‫أو ما يسمى بالعمل غري املرشوع‪ ،‬وإما أن يكون فعال نافعا‪ ،‬أو ما يسمى باإلثراء بال‬
‫سبب؛ أو أن يكون نص القانون‪ ،‬ويسمى مصدر االلتزام القانون‪.‬‬
‫‪ .33‬غري أنه قبل أن يستقر هذا التقسيم ملصادر االلتزام إىل ترصف إرادي‪ ،‬أو ما أصبح‬
‫يعرف بالترصف القانوين‪ ،‬وواقعة غري إرادية‪ ،‬أو ما نفضل تسميته بالواقعة القانونية‪ ،‬فإن‬
‫الفقه قد عرف جدال كبريا‪ ،‬ابتدأ مع الروماين جايوس‪ ،‬الذي قسم مصادر االلتزام إىل‬
‫التزامات عقدية والتزامات غري عقدية‪ ،‬وتوسع مع جوستنيان إىل تقسيم رباعي يضم‬
‫العقد‪ ،‬وشبه العقد‪ ،‬ثم اجلريمة وشبه اجلريمة‪ ،‬ثم أضاف من بعده مودستان مصدرا‬
‫خامسا لاللتزام هو القانون‪ .‬وانتقلت خالصة هذا إىل القانون الفرنس القديم كام عرضه‬
‫بوتييه ومنه إىل القانون املدين الفرنس احلايل ‪.‬‬
‫‪48‬‬

‫وقد تأثر قانون االلتزامات والعقود املغريب إىل حد كبري بمسلك مدونة‬ ‫‪.34‬‬

‫نابليون‪ ،‬كام يتبني لنا من قراءة الفصل األول من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬الذي جاء فيه "تنشأ‬

‫‪47 GHESTIN‬‬ ‫‪Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; 3ème édition L.G.D.J. 1993 ; P:1.‬‬
‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit ; P:58.‬‬
‫‪ROUJOU DE BOUEE G. : Essai sur l’acte juridique collectif, thèse/Toulouse ; L.G.D.J. 1961.‬‬
‫‪48 ROUJOU De Boubée : Essai sur l’acte juridique collectif ; Thèse- Toulouse ; 1961.‬‬

‫‪25‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬مصادر االلتزام‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫االلتزامات عن االتفاقات والترصحيات األخرى املعربة عن اإلرادة وعن أشباه العقود‪،‬‬


‫وعن اجلرائم‪ ،‬وعن أشباه اجلرائم"‪ .‬كل ما هنالك أن القانون املغريب متيز عن نظريه‬
‫الفرنس‪ ،‬قبل أن يتدخل هذا األخري بمقتىض األمر الصادر بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪ 2016‬كام‬
‫سنرى فيام بعد‪ ،‬بإضافته لإلرادة املنفردة كمصدر لاللتزام‪ ،‬حيث عرب عنها بالترصحيات‬
‫األخرى املعربة عن اإلرادة‪ ،‬وإن كان يتبني لنا أن القانون الفرنس متيز هو اآلخر عن‬
‫نظريه املغريب باعتداده بالقانون كمصدر لاللتزام‪ ،‬وإن كنا نرى أن القانون يعترب مصدرا‬
‫لاللتزام دون حاجة إىل النص عىل ذلك‪ ،‬مادام أن كل التزام ينشئه القانون يوجد به‬
‫نص ترشيعي خاص‪.‬‬
‫يف حني أن التقنينات ذات التوجه اجلرماين أو التي تأثرت به كالقانون األملاين‬
‫والقانون املرصي أدرجت مصدري االلتزام اجلريمة وشبه اجلريمة يف مصدر واحد هو‬
‫العمل غري املرشوع‪ ،‬وأسمت شبه العقد باإلثراء بال سبب‪ .‬لكن مع ذلك بقي التقسيم‬
‫مخاسيا‪ ،‬عىل اعتبار أهنا أوردت اإلرادة املنفردة‪ ،‬ويعود الفضل يف إبراز هذا املصدر يف الفقه‬
‫الغريب إىل الفقيه النمساوي زجيل ‪.siegel‬‬
‫‪ .35‬يتضح لنا من خالل الرجوع ملختلف الترشيعات احلديثة‪ ،‬أهنا مل تورد نصا خاصا‬
‫تتناول فيه خمتلف مصادر االلتزام‪ ،‬بل إن ذلك يتبني لنا من خالل التبويب الذي اختذته‬
‫هذه التقنينات‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للقانون املدين املرصي‪ ،‬حيث اقترص عىل عرض‬
‫مصادر االلتزام املختلفة يف فصول متعاقبة‪ ،‬تظهر لنا عىل أن هذه القوانني ترجع خمتلف‬
‫هذه املصادر إىل مخس‪ ،‬تتجىل فيام ييل‪:‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬
‫املصدر الثاين‪ :‬اإلرادة املنفردة‬
‫املصدر الثالث‪ :‬العمل غري املرشوع أو ما يسمى باملسؤولية التقصريية‬
‫املصدر الرابع‪ :‬اإلثراء بال سبب‬

‫‪26‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬مصادر االلتزام‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املصدر اخلامس‪ :‬القانون‬


‫‪ .36‬إذا كان بعض الفقه املغريب يفضل دراسة مصادر االلتزام بحسب أمهيتها‬
‫العملية ‪ ،‬فإننا نرى تغليب الطابع العلمي يف تصنيفنا ملختلف هذه املصادر‪ ،‬لكونه‬ ‫‪49‬‬

‫يقوم عىل مؤيدات قانونية يف التمييز بني جمموعتني‪ ،‬األوىل تسمى باملصادر اإلرادية أو‬
‫الترصفات القانونية‪ ،‬يف حني تسمى املجموعة الثانية باملصادر غري اإلرادية أو الوقائع‬
‫القانونية ‪ ،‬لكون كل جمموعة تتميز بالعديد من اخلصائص املشرتكة‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫ومن ثم يمكننا أن نميز بصدد هذه املصادر بني نوعني أساسيني‪ ،‬األول هو‬
‫مصادر االلتزام ذات الطبيعة اإلرادية أو ما يسمى بالترصفات القانونية (اجلزء األول)‪،‬‬
‫أما النوع الثاين فيسمى بالوقائع القانونية التي تتمثل يف املسؤولية التقصريية واإلثراء‬
‫بال سبب (اجلزء الثان)‪.‬‬
‫‪ 36‬مكرر‪ .‬تنبغي اإلشارة يف األخري‪ ،‬إىل أن هذا التقسيم‪ ،‬الذي سبق لنا أن دافعنا‬
‫عنه منذ الطبعة األوىل من كتابنا هذا سنة ‪ ،2012‬هو نفسه الذي اعتمده املرشع الفرنس‬
‫خالل التعديل الذي أقدم عليه بمقتىض األمر رقم ‪ 131-2016‬بتاريخ ‪ 10‬فرباير‬
‫‪2016‬؛ حيث أقره يف املادة ‪ 1100‬من القانون املدن الفرنس كام تم تعديلها بمقتىض هذا‬
‫األمر؛ فقد جاء يف الفقرة األوىل منها بأن االلتزامات تنشأ عن الترصفات القانونية‬
‫والوقائع القانونية أو بمقتىض سلطة القانون وحده‪.‬‬

‫‪ 49‬يف هذا السياق‪ ،‬يقول الدكتور عبد القادر العرعاري‪ ،‬أن الرتتيب السابق –أي العقد‪ ،‬اإلرادة املنفردة‪ ،‬العمل غري املرشوع‪ ،‬اإلثراء بال سبب‬
‫والقانون‪ ، -‬لن يمنعنا من تسبيق مصدر عىل آخر لكون أمهية هذه املصادر من الناحية العملية ليست واحدة‪ ،‬فاإلرادة املنفردة وإن كانت يف‬
‫الصف الثاين فإهنا لن ترقى أبدا إىل مرتبة العم ل غري املرشوع الذي يعد بحق املصدر الثاين بعد العقد من حيث األمهية‪.‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها القانونية‬
‫ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪-‬مطبعة فضالة‪ /‬املحمدية؛ ‪1995‬؛ ص‪.23:‬‬
‫‪ 50‬يقصد بالوقائع القانونية‪ ،‬كل حدث أو عمل مادي يرتب عليه القانون آثرا معينا‪ ،‬سواء متثل هذا اآلثر يف إنشاء احلق أو نقله أو إهنائه‪ .‬وهكذا‬
‫يتبني لنا‪ ،‬أن الذي يميز الواقعة القانونية عن الترصف القانوين هو عنرص اإلرادة ؛ حيث إنه‪ ،‬إذا كانت هذه األخرية هي التي حتدث األثر القانوين‬
‫يف الترصف‪ ،‬فإن اإلرادة ليس هلا أي دخل يف ترتيب األثر القانوين املتولد عن الواقعة املادية‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬يميز الفقه بني نوعني من الوقائع القانونية‪ ،‬النوع األول يسمى بالوقائع الطبيعية‪ ،‬بينام يسمى النوع الثاين األعامل املادية أو الوقائع التي‬
‫حتدث بفعل اإلنسان‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫اجلزء األول‪ :‬الترصف القانوين‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪28‬‬
‫اجلزء األول‪ :‬الترصف القانوين‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الجزء األول‬
‫التصرف القانوني‬
‫‪L’acte juridique‬‬

‫‪29‬‬
‫اجلزء األول‪ :‬الترصف القانوين‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪30‬‬
‫اجلزء األول‪ :‬الترصف القانوين‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .37‬يقصد بالترصف القانوين اجتاه اإلرادة إىل إحداث آثر قانون‪ ،‬سواء كان هذا‬
‫الثر هو إنشاء حق أو نقله أو إهناءه‪ .51‬والترصف القانوين بوجه عام قد يصدر بإرادة‬
‫منفردة أو بإرادتي‪ ،‬حيث يسمى يف احلالة األوىل بالترصف الصادر من جانب واحد‬
‫ويف احلالة الثانية بالترصف الصادر من جانبني‪ .‬وهو نفسه التحديد الذي ذهب له‬
‫املرشع الفرنس بمقتىض الفقرة األوىل من املادة ‪ 1-1100‬كام تم اعتامدها بمقتىض‬
‫األمر الصادر بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪. 2016‬‬
‫‪52‬‬

‫‪ .38‬فبالنسبة للترصف الصادر من جانبي فيتمثل يف العقد الذي يعترب أهم‬


‫الترصفات القانونية؛ واملقصود به توافق إرادتني أو أكثر عىل إحداث آثر قانوين‪،‬‬
‫سواء كان هذا اآلثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إهناؤه‪.‬‬
‫‪ .39‬أما بالنسبة لإلرادة املنفردة‪ ،‬فإن اآلثر القانوين يمكن أن يتحقق من جمرد‬
‫تدخل إرادة الشخص امللتزم وحده‪ ،‬سواء تعلق األمر بإنشاء االلتزام كام هو‬
‫الشأن بالنسبة لإلجياب والوعد بجائزة‪ ،‬أو إهناءه كام هو الشأن بالنسبة للوفاء‬
‫واإلبراء وأيضا التنازل‪ .‬أي أننا نقصد بالترصف القانوين خمتلف مصادر االلتزام‬
‫ذات الطبيعة اإلرادية التي تتمثل يف العقد واإلرادة املنفردة‪.‬‬
‫‪ .40‬يتبني لنا من خالل هذا التمهيد‪ ،‬أن مصادر االلتزام اإلرادية تتمثل يف‬
‫اثنني‪ ،‬أوهلام العقد (القسم األول)‪ ،‬وثانيهام اإلرادة املنفردة (القسم الثان)‪.‬‬

‫‪51‬‬‫‪NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des‬‬
‫‪obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales; L.G.D.J. 1er‬‬
‫‪édition 2006; P:15.‬‬
‫‪52‬‬‫‪Article 1100-1 « les actes jurdiques sont des manifestations de volonté destinées à‬‬
‫‪produire des effets. Ils peuvent etre conventionnels ou unilatéraux ».‬‬

‫‪31‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪32‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫القسم األول‬
‫العقد‬
‫‪Le contrat‬‬

‫‪33‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪34‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .41‬العقد هو توافق إرادتني أو أكثر عىل إحداث آثر قانوين‪ ،‬سواء كان هذا اآلثر‬
‫هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إهناءه ‪ ،‬وقد كانت تعرفه املادة ‪ 1101‬مدين فرنس‬
‫‪53‬‬

‫" بأنه اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر جتاه شخص أو عدة أشخاص بإعطاء يشء‬
‫أو القيام بعمل أو االمتناع عنه" ‪ .‬يف حني عرفته نفس املادة بمقتىض األمر الصادر‬‫‪54‬‬

‫بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪ ،2016‬بأنه توافق إرادتني أو أكثر هبدف إنشاء أو تعديل أو نقل أو‬
‫إهناء االلتزامات‪.‬‬
‫من الترشيعات املغاربية التي عرفت العقد نذكر القانون املدين اجلزائري‪ ،‬الذي‬
‫جاء يف مادته ‪ 54‬ما ييل‪" :‬العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص‪ ،‬أو عدة أشخاص آخرين‪،‬‬
‫بمنح‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو عدم فعل يشء ما" ‪ .‬كام عرفه القانون املدين األردين بمقتىض املادة‬
‫‪55‬‬

‫‪ 87‬منه‪ ،‬التي جاء فيها‪" :‬العقد هو ارتباط اإلجياب الصادر من أحد املتعاقدين بقبول‬
‫اآلخر وتوافقهام عىل وجه يثبت أثره يف املعقود عليه ويرتتب عليه التزام كل منهام بام‬
‫وجب عليه لآلخر"‪.‬‬
‫‪ .42‬من وجهة نظرنا‪ ،‬نرى أن املسلك الذي سار عليه املرشع املغريب يبقى هو‬
‫النهج املوفق‪ ،‬عىل اعتبار أن التعاريف هي من اختصاص الفقه كام نؤكد عىل ذلك‬
‫باستمرار؛ هذا األخري قام بعدة حماوالت لتعريف هذا املصدر التعاقدي بشكل دقيق‪،‬‬
‫وإن كان هو اآلخر مل يتفق يف البداية عىل تعريف واحد‪.‬‬
‫يرجع هذا اخلالف الفقهي باألساس‪ ،‬إىل كون االتفاق يف نظر العديد من الفقهاء‬
‫أوسع من العقد‪ ،‬بالنظر لكون األول يشمل يف معناه القانوين إنشاء االلتزام أو نقله أو‬
‫إهناءه‪ ،‬يف حني أن العقد يقترص من الناحية املبدئية عىل إنشاء االلتزام فقط؛ لذلك وجدنا‬
‫بعض الفقه الفرنس يتجنب استعامل مصطلح االتفاق عند تعريفه للعقد‪ ،‬من ذلك ما‬

‫‪53‬‬ ‫‪ATIAS Christian : Qu’est-ce qu’un contrat ? droit et économie des contrats, sous la direction de‬‬
‫‪Christophe Jammin ; L.G.D.J. 2009 ; P :3.‬‬
‫‪54 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬

‫‪op.Cit ; P :61.‬‬
‫‪NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des‬‬
‫‪obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; L.G.D.J. 1er‬‬
‫‪édition 2006 ; p:18.‬‬
‫‪ 55‬راجع هبذا اخلصوص رسالة حصايم سمرية‪ :‬عقود البوت ‪ :B.O.T.‬إطار الستقبال القطاع اخلاص يف مشاريع البنية التحتية؛ رسالة ماجستري؛‬
‫جامعة مولود معمري‪ /‬تيزي وزو؛ اجلزائر‪2011 /‬؛ ص‪.10:‬‬

‫‪35‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ذهب إليه جاك جيستان الذي اعترب العقد بمثابة تعهد أو تطابق لإلرادات من أجل إنتاج‬
‫آثار قانونية‪.56‬‬
‫إذا كنا نقر بأن االتفاق قد يتم خارج نطاق االلتزامات القانونية كام هو الشأن‬
‫بالنسبة التفاق جمموعة من األصدقاء أو جمموعة من الطلبة عىل تناول وجبة الفطور يف‬
‫مقصف الكلية‪ ،‬فإن معظم الفقه احلديث يقر بكون هذا االختالف بني العقد‬
‫‪57‬‬

‫واالتفاق يف دائرة املعامالت القانونية يبقى قليل أو عديم األمهية‪ ،‬نظرا ألن العربة‬
‫بمضمون االتفاق أو العقد؛ ولذلك وجدنا بعض الفقه املغريب يعرف العقد بأنه‬
‫‪58‬‬

‫"اتفاق بني شخصني أو أكثر هبدف إنشاء االلتزام أو نقله أو اهنائه أو تعديله"‪.‬‬
‫‪ .43‬وحتظى دراسة نظرية العقد بأمهية خاصة‪ ،59‬لكونه من جهة يعترب املصدر‬
‫األسايس لاللتزامات إىل جانب املسؤولية التقصريية‪ ،‬إضافة إىل أن العقد يعترب األداة‬
‫األساسية يف تداول الثروة‪ ،‬فهو الوسيلة الرئيسية لتداول السلع واخلدمات بني خمتلف‬
‫األطراف؛ مما أدى إىل انتشار هذه األداة بشكل كبري يف احلياة اليومية‪ ،‬األمر الذي ترتب‬
‫عنه بشكل طبيعي تزايد احلاجة إىل تنظيم خمتلف جوانبه ترشيعيا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى انتشار القضايا املعروضة عىل أنظار املحاكم واملتعلقة باملشاكل الناجتة عن العقد‪.‬‬
‫‪ .44‬من أجل اإلحاطة بنظرية العقد‪ ،‬فإننا سنتناوهلا يف أربعة أبواب‪ ،‬نتطرق يف‬
‫األول لطبيعة العقد (الباب األول)‪ ،‬بينام نقف يف الثاين عند تكوينه (الباب الثان)‪ ،‬قبل‬
‫أن ننتقل لدراسة خمتلف آثار العقد (الباب الثالث)‪ ،‬أما الباب األخري فسنقف فيه عىل‬
‫خمتلف اجلزاءات القانونية املرتتبة عن اإلخالل بالرابطة التعاقدية (الباب الرابع)‪.‬‬

‫‪56 GHESTIN‬‬ ‫‪Jacques: Droit civil; la formation du contrat; L.G.D.J. 1993 ; P:9.‬‬
‫‪57 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.Cit ; P :62.‬‬
‫‪GHESTIN Jacques: Droit civil; la formation du contrat; op.cit; P:9.‬‬
‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit ; P :163.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P :49.‬‬
‫‪TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; p:27.‬‬
‫‪ 58‬ذهب الدكتور اجلليل عبد القادر العرعاري إىل أن هذا التعريف يتميز باخلصائص التالية‪:‬‬
‫يستلزم العقد وجود أكثر من إرادة واحدة؛‬ ‫‪-‬‬
‫اقتصار مفهوم العقد عىل االتفاقات التي هتدف إىل إنتاج أثر قانوين؛‬ ‫‪-‬‬
‫إن التعريف يأخذ باملفهوم الواسع للعقد؛ أي أنه بخالف املفهوم التقليدي للعقد الذي يقترص عىل جمرد خلق وإنشاء االلتزامات‬ ‫‪-‬‬
‫املتبادلة بني الدائن واملدين‪ ،‬فإن من شأن هذا التعريف أن يمدد نطاق العقد إىل حاالت االتفاق من أجل نقل االلتزام أو تعديله أو إهنائه‪.‬‬
‫عبد القادر العرعاري ‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات؛ الكتاب األول‪ :‬نظرية العقد يف‬
‫مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪-‬؛ ص‪.27:‬‬
‫‪ 59‬عبد الرمحان الرشقاوي‪ :‬قانون العقود اخلاصة؛ الكتاب األول‪ :‬العقود الناقلة للملكية‪ ،‬عقد البيع؛ مطبعة األمنية؛ الطبعة األوىل ‪.2011‬‬

‫‪36‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الباب األول‪ :‬طبيعة العقد‬


‫‪La nature du contrat‬‬
‫‪ .45‬أرشنا فيام سلف‪ ،‬إىل أن العقد هو بمثابة ترصف قانوين؛ أي أنه ينبني عىل تطابق‬
‫إرادتني أو أكثر من أجل إحداث آثر قانوين معني؛ مما يعني أن اإلرادة هي العنرص‬
‫األسايس يف العقد؛ أو بعبارات أخرى‪ ،‬ال يمكن تصور عقد بدون إرادة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن‬
‫اإلرادة هي أساس العالقة التعاقدية (الفصل األول)‪ .‬كام يقتيض منا حتديد طبيعة العقد‪،‬‬
‫أن نقف عىل خمتلف التصنيفات الترشيعية والفقهية للعقد (الفصل الثاين)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬اإلرادة هي أساس العقد‬


‫‪ .46‬يظهر لنا من خالل مراجعة خمتلف األحكام املتعلقة بالعقد‪ ،‬أن أساس هذا‬
‫األخري هو عنرص اإلرادة ‪ ،‬وإن كان دورها عرف تغريا مهام‪ ،‬إن عىل مستوى تكوين‬ ‫‪60‬‬

‫العقد أو عىل مستوى آثاره؛ األمر الذي يقتيض منا أن نقف عىل دور اإلرادة يف العقد‬
‫(املبحث األول)‪ ،‬ثم بعد ذلك ننتقل إىل تناول إشكالية التعبري عن هذه اإلرادة‬
‫(املبحث الثاين)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬دور اإلرادة‬


‫‪ .47‬يذهب الفقه إىل أن العقد مبني عىل عنرصين أساسيني‪ ،‬األول هو أنه أداة‬
‫تقنية من أجل ضامن التبادل االقتصادي‪ ،‬أما العنرص الثاين‪ ،‬فهو أن العقد عبارة عن‬
‫تطابق إرادات املتعاقدين‪ .‬ولعل املالحظة األساسية التي تبدو لنا بخصوص هاذين‬
‫العنرصين‪ ،‬هو أن أمهيتهام ختتلفان من وقت آلخر ومن جمتمع آلخر‪.‬‬
‫ذلك أن املجتمعات التي كانت تقيم وزنا للشكلية يف التعاقد‪ ،‬كانت قوة العقد‬
‫فيها تنبثق من إنجاز وإمتام هذه الشكليات أكثر من انبثاقها من إرادات األطراف‪ .‬ثم‬
‫بعد ذلك‪ ،‬أصبحت اإلرادة هي أساس قيام العقد كام أكدت عىل ذلك العديد من‬

‫‪60 TERRE‬‬ ‫‪François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:101.‬‬

‫‪37‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الترشيعات املدنية التي تأثرت بمدونة نابليون كام هو الشأن بالنسبة لقانون‬
‫‪61‬‬

‫االلتزامات والعقود املغريب‪ .‬ال يعني ذلك أن هناك تعارض بي االثني يف مجيع األزمنة؛‬
‫بدليل أنه يف السنوات األخرية تبني أن هناك تكامل بينهام‪ ،‬حيث إن املرشع كثريا ما‬
‫يفرض الشكلية من أجل محاية الرىض الصادر عن أحد أطراف العقد؛ ومن ثم‪ ،‬فإنه يف‬
‫مثل هذه احلالة‪ ،‬فإن الشكلية تساهم يف احرتام اإلرادة‪.‬‬
‫‪62‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة‬


‫‪ .48‬تنبغي اإلشارة بداية إىل أن مبدأ سلطان اإلرادة قام عىل مسلمتي أساسيتي؛‬
‫األوىل هي احلرية االقتصادية‪ ،‬والثانية هي املناخ الفلسفي الفرداين‪ .63‬هذا املبدأ يفرتض أن‬
‫املبادالت االقتصادية تتم عن طريق التقاء االمتيازات املتبادلة التي تعترب مدخال الجتامع‬
‫إرادات األطراف املتعاقدة‪ .‬مما يعني أنه ال يمكن تصور عقد بدون إرادة‪ .‬عموما‪ ،‬تقتيض‬
‫منا اإلحاطة هبذا املبدأ‪ ،‬أن نقف يف البداية عىل حتديد مفهومه (أوال)‪ ،‬ثم بعد ذلك نتناول‬
‫خمتلف النتائج القانونية املرتتبة عن سيادة مبدأ سلطان اإلرادة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫يعترب هذا املبدأ وليد الفلسفة الفردية التي ظهرت خالل عرص األنوار ‪،‬‬
‫‪64‬‬
‫‪.49‬‬

‫والتي يرتتب عن اعتامدها اإلقرار بأن العقد يعترب بمثابة مصدر للقانون؛ بمعنى أن‬
‫اإلرادة بمقدورها إقرار القانون اخلاص هبا‪ .‬أو بعبارات أخرى‪ ،‬أن مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫يفيد أن بإمكان األفراد عن طريق التقاء إرادهتم من إقرار قانون خاص هبم‪.‬‬

‫‪61‬‬‫‪NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des‬‬
‫‪obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; op.cit ; P :21.‬‬
‫يف األنظمة القانونية املعارصة‪ ،‬فإن الشكلية أصبحت هلا غايات متعددة‪ ،‬كام أن عدم احرتامها ال ينتج عنه يف مجيع احلاالت بطالن العقد‪.‬‬
‫‪62‬‬

‫‪63 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.Cit ; P :75.‬‬
‫;‪64 RIVIERE P.L. : Réflexions sur l’autonomie de la volonté dans le droit contractuel ; GTM 1947‬‬

‫‪P:149.‬‬

‫‪38‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثانيا‪ :‬النتائج القانونية املرتتبة عن مبدأ سلطان اإلرادة‬


‫‪ .50‬يرتتب عن مبدأ سلطان اإلرادة جمموعة من املبادئ املرتبطة فيام بينها‪ ،‬يمكن‬
‫اختزاهلا يف ثالث؛ وهي‪ :‬احلرية التعاقدية (أ)‪ ،‬والقوة امللزمة للعقد (ب)‪ ،‬ونسبية آثار‬
‫العقد (ج)‪.‬‬

‫أ‪ :‬احلرية التعاقدية‬


‫‪ .51‬يفيد هذا املبدأ‪ ،‬أن الفرد حر يف أن يتعاقد من عدمه‪ .‬وهلذا املبدأ بعدين؛ األول‬
‫موضوعي‪ ،‬والثاين شكيل ؛ فبخصوص البعد األول‪ ،‬فإنه يعرب عنه من خالل ثالثة‬ ‫‪65‬‬

‫خيارات‪ ،‬التعاقد أو عدم التعاقد‪ ،‬اختيار املتعاقد بكامل احلرية‪ ،‬وأخريا حتديد مضمون‬
‫العقد‪ .‬أما من حيث الشكل‪ ،‬فإن تبادل اإلرادات يكفي لقيام العقد‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن احلرية التعاقدية تفيد أنه ال يمكن إجبار شخص ما عىل التعاقد؛ أي أنه‬
‫ال يمكن احلديث عن عقد إذا مل يرغب األطراف يف إبرامه‪ .‬بعبارات أخرى‪ ،‬فهذا املبدأ‬
‫يستشف منه أنه كام يمكن للشخص إبرام عقد ما فإنه بنفس القدر يمكنه رفض إبرامه‪.66‬‬
‫‪ .52‬من جهة أخرى‪ ،‬فإن مبدأ احلرية التعاقدية يرتتب عنه رضورة احرتام القايض‬
‫إلرادة األطراف؛ ويظهر ذلك من خالل مؤسسة تفسري العقد‪ ،‬حيث ينبغي عىل‬
‫القايض البحث عن إرادات األطراف‪ ،‬ومن ثم يمنع عليه تفسري الرشوط الواضحة‬
‫حتت طائلة تعرض حكمه للنقض بسبب حتريف العقد كام يتضح لنا يف الفصل ‪462‬‬
‫وما بعده من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬كام يربز ذلك من خالل نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬حيث إنه‬
‫باالعتامد عىل مبدأ احلرية التعاقدية فإن القايض يمنع عليه األخذ هبذه النظرية من أجل‬
‫تعديل العقد يف حالة حدوث ظروف اقتصادية صعبة وغري متوقعة‪ ،‬ألن األخذ هبا‬
‫يؤدي إىل حتريف العقد إضافة إىل أن فيه خروج عن إرادات األطراف ‪.‬‬
‫‪67‬‬

‫‪65 Terré‬‬‫‪François et Simler Philippe et Lequette Yves : Droit civil, les obligations ; Dalloz 9ème édition‬‬
‫‪2005 ; P:32.‬‬
‫‪66 DRUFFUN-BRICCA Sophie et HENRY Laurence-Caroline : Droit des obligations ; GUALINO‬‬
‫‪EDITEUR, Paris/2007 ; P :215.‬‬
‫‪ 67‬عبد املجيد غميجة‪ :‬مبدأ األمن القانوين ورضورة األمن القضائي؛ جملة القانون املغربية؛ ‪2009‬؛ ص‪.3:‬‬

‫‪39‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ب‪ :‬القوة امللزمة للعقد‬


‫‪ .53‬يقصد بالقوة امللزمة للعقد ‪ ،‬أن كل فرد قرر أن يتعاقد‪ ،‬يصبح ملزما باحرتام‬
‫‪68‬‬

‫التزاماته الناجتة عن هذا العقد؛ أي أن العقد يقوم مقام القانون بالنسبة ألطرافه ؛ وقد‬
‫‪69‬‬

‫أشارت خمتلف الترشيعات املدنية هلذه القاعدة‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للفصل ‪ 230‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه ما ييل‪" :‬االلتزامات التعاقدية املنشأة عىل وجه صحيح تقوم‬
‫مقام القانون بالنسبة إىل منشئيها‪ ،‬وال جيوز إلغاؤها إال برضامها معا أو يف احلاالت‬
‫املنصوص عليها يف القانون"‪.‬‬

‫ج‪ :‬نسبية آثار العقد‬


‫‪ .54‬يقصد بمبدأ نسبية آثار العقد‪ ،‬أن أفراد العقد هم فقط من يتوجب عليهم‬
‫احرتام بنوده ‪ .‬مما يعني‪ ،‬أن مبدأ النسبية هذا يستفاد منه أنه ال يرتبط بالعقد إال أطرافه‪،‬‬ ‫‪70‬‬

‫كام ال يمكن أن يستفيد أو يترضر منه الغري‪ .‬وقد نصت عىل هذا املبدأ العديد من‬
‫القوانني املدنية‪ ،‬منها الترشيع املغريب‪ ،‬الذي أكد عليه يف الفصل ‪ 228‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي‬
‫جاء فيه ما ييل‪ " :‬االلتزامات ال تلزم إال من كان طرفا يف العقد‪ ،‬فهي ال ترض الغري وال‬
‫تنفعهم إال يف احلاالت املذكورة يف القانون"‪.‬‬

‫املطلب الثان‪ :‬تأثر مبدأ سلطان اإلرادة بالقانون احلديث للعقود‬


‫‪ .55‬يظهر تأثر مبدأ سلطان اإلرادة بالقانون احلديث للعقود‪ ،‬سواء عىل مستوى‬
‫احلرية التعاقدية (أوال)‪ ،‬أو عىل مستوى القوة امللزمة للعقد (ثانيا)؛ كام أن تبني أغلبية‬
‫الدول لقوانني االستهالك كان هلا تأثري بالغ عىل مبدأ سلطان اإلرادة (ثالثا)‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫‪ATIAS Christian : Qu’est-ce qu’un contrat ? droit et économie des contrats, sous la direction de‬‬
‫‪Christophe Jammin ; L.G.D.J. 2009 ; P :7.‬‬
‫; ‪69 CHAZAL : De la signification du mot loi dans l’article 1134, alinéa 1er du code civil ; R.T.D. civ‬‬

‫‪2001 ; 266.‬‬
‫‪70 FLOUR Y. : L’effet des contrats à l’égard des tiers en droit international privé, Thèse, Paris II, 1977.‬‬

‫‪GOUTAL : Essai sur le principe de l’effet relatif du contrat ; L.G.D.J. 1981.‬‬

‫‪40‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أوال‪ :‬حدود احلرية التعاقدية‬


‫‪ .56‬أدى تدخل املرشع يف العديد من املرات إىل التضييق من سيادة مبدأ احلرية‬
‫التعاقدية‪ ،‬حيث مل يبقى حمتفظا بتلك الرصامة التي أعطيت له يف البداية؛ فاملصلحة‬
‫العامة اقتضت يف الكثري من األحيان إجبار الشخص عىل إبرام عقد معني‪ ،‬كام هو‬
‫الشأن بالنسبة ملجال التأمني اإلجباري عىل السيارات‪ ،‬الذي أكدت عليه املادة ‪ 120‬من‬
‫مدونة التأمينات املغربية ‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪ .57‬إضافة لذلك‪ ،‬فإن مفهوم النظام العام عرف تطورا مهام مع ما نتج عن ذلك‬
‫‪72‬‬

‫من تضييق يف مفهوم احلرية التعاقدية‪ ،‬ففي املفهوم التقليدي كان ملفهوم النظام العام‬
‫نطاق سلبي ‪ ،‬حيث إن املرشع كان يكتفي بمنع بعض العقود أو جمموعة من الرشوط‪،‬‬ ‫‪73‬‬

‫بينام أصبح للنظام العام مفهوم إجيايب‪ ،‬حيث بدأ املرشع يتدخل يف فرض بعض الرشوط‬
‫املحددة ملضمون العقد ‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫ثانيا‪ :‬حدود القوة امللزمة للعقد‬


‫‪ .58‬نشري هنا باختصار إىل أن مفهوم القوة امللزمة للعقد قد تأثر بشكل مهم بفعل‬
‫العديد من التعديالت التي أدخلت عىل النصوص القانونية التي كانت مطبقة عىل هذه‬
‫القاعدة إبان وضع قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ نشري يف هذا املقام فقط إىل‬
‫إمكانية منح مهلة امليرسة‪ ،‬وأيضا إمكانية تعديل الرشط اجلزائي‪ ،‬إضافة إىل تبني بعض‬
‫الترشيعات لنظرية الظروف الطارئة التي تسمح بتعديل العقد ‪.‬‬
‫‪75‬‬

‫‪ 71‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.02.238‬صادر يف ‪ 25‬من رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪ )2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 17.99‬املتعلق بمدونة التأمينات‬
‫(اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5054‬بتاريخ ‪ 2‬رمضان ‪ 1423‬املوافق ل ‪ 7‬نوفمرب ‪ ،2002‬ص‪.)3105:‬‬
‫نصت املادة ‪ 120‬من هذا القانون عىل ما ييل‪" :‬جيب عىل كل شخص طبيعي أو معنوي يمكن أن تثار مسؤوليته املدنية بسبب األرضار البدنية أو املادية‬
‫الالحقة باألغيار والتي تسببت فيها عربة برية ذات حمرك غري مرتبطة بسكة حديدية أو بواسطة مقطوراهتا أو شبه مقطوراهتا‪ ،‬أن يغطي هذه املسؤولية‬
‫بعقد تأمني مربم مع مقاولة للتأمني وإعادة التأمني‪.‬‬
‫يمكن لكل شخص خاضع إلجبارية التأمني املذكورة قوبل تأمينه بالرفض من طرف مقاولة للتأمني وإعادة التأمني معتمدة ملزاولة عمليات‬
‫التأمني ضد أخطار العربات ذات حمرك أن يعرض األمر عىل اإلدارة التي حتدد مبلغ القسط التي تلزم بمقابله مقاولة التأمني وإعادة التأمني‬
‫بضامن اخلطر املقرتح عليها"‪.‬‬
‫‪ALAMI MACHICHI Mohammed : Ordre public et droit pénal ; RMDED, N°29; n°Spécial, 1993, P:19.‬‬
‫‪72 DRISSI‬‬

‫‪DRISSI ALAMI MACHICHI Mohammed : Droit commercial fondamental ; 2006 ; P:207.‬‬


‫‪SAVATIER J. : L’ordre public économique ; Dalloz ; 1965. Chronique 37.‬‬
‫‪73 DECROUX P. : L’autonomie de la volonté et l’ordre public en droit conventionnel marocain ; Paris ; 1953.‬‬

‫‪74 YVAINER : De l’ordre public à l’ordre public économique ; J.C.P. 1992 ; I, 2495.‬‬

‫‪75‬‬
‫‪EL GAMMAL M. : L’adaptation du contrat aux circonstances économiques ; Thèse/ paris ; 1967.‬‬
‫=‬
‫‪41‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثالثا‪ :‬تأثري قانون االستهالك عىل مبدأ سلطان اإلرادة‬


‫‪ .59‬لقد كان هاجس محاية املستهلك‪ ،‬العامل األسايس الذي دفع أغلب دول‬
‫العامل إىل تبني قوانني جديدة ‪ ،‬شكلت ثورة حقيقية عىل العديد من املفاهيم التي كانت‬
‫‪76‬‬

‫سائدة إبان وضع قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬ومن قبله مدونة نابليون ؛ ويف‬
‫‪77‬‬

‫مقدمة هذه املفاهيم مبدأ سلطان اإلرادة‪.‬‬


‫ذلك أنه بالرجوع للعديد من املقتضيات التي جاءت هبا هذه القوانني نجد أهنا‬
‫أثرت عىل هذا املبدأ سواء يف مرحلة تكوين العقد من خالل فرضها ملجموعة من‬
‫االلتزامات عىل املهني‪ ،‬كااللتزام باإلعالم ومنح مهلة للتفكري ومهلة للرجوع‪ ،‬أو يف‬
‫مرحلة تنفيذ العقد‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة إللغاء الرشوط التعسفية وتفسري الشك‬
‫ملصلحة املستهلك‪ .‬عموما‪ ،‬فإننا سنتطرق ملختلف هذه التطورات التي طرأت عىل هذا‬
‫املبدأ بمناسبة تناول كل عنرص من هذه العنارص طوال هذا البحث‪.‬‬

‫املبحث الثان‪ :‬التعبري عن اإلرادة‬


‫‪ .60‬عند التطرق للتعبري عن اإلرادة‪ ،‬نرى أن هناك ثالثة أسئلة ينبغي الوقوف‬
‫عندها‪ ،‬يتعلق السؤال األول برضورة حتديد املقصود باإلرادة التي يعتد هبا من أجل‬
‫إلزام املتعاقدين‪ .‬حقيقة إن العقد هو عبارة عن توافق إرادتني أو جمموعة من اإلرادات‪،‬‬
‫كام أن كل طرف يتعرف عىل إرادة الطرف اآلخر من خالل التعبري اخلارجي عن هذه‬
‫اإلرادة ‪ .‬غري أن هذا التعبري اخلارجي لإلرادة ال يعرب دائام عن اإلرادة احلقيقية‪ .‬األمر‬
‫الذي جيعل التساؤل السابق يف غاية األمهية‪ ،‬أي هل يكفي الوقوف عىل اإلرادة‬
‫اخلارجية‪ ،‬أي تلك املعرب عنها؟ أم يقتيض األمر البحث عن اإلرادة احلقيقية التي مل يعرب‬
‫عنها خارجيا والتي يقصدها املتعاقد؟ (املطلب األول)‪.‬‬

‫‪VOIRIN : De l’imprévision dans les rapports de droit privé, Thèse/ Nancy ; 1922.‬‬
‫‪76 DRISSI ALAMI MACHICHI Mohammed : Concurrence, droit et obligations des entreprises au‬‬

‫‪Maroc ; Eddif/2004 ;P :45.‬‬


‫‪77 FAVEREAU Olivier : Qu’est-ce qu’un contrat ? la difficile réponse de l’économie ; Droit et‬‬

‫‪économie des contrats , sous la direction de Christophe Jamin ; L.GD.J. 2009 ; P :21.‬‬
‫‪GRIMONPREZ Benoit : De l’exigibilité en droit des contrats ; Thèse de doctorat ; POITIERS ; L.G.D.J.‬‬
‫‪2006 ; P:265.‬‬

‫‪42‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .61‬أما التساؤل الثان‪ ،‬فهو اآلخر ال يقل أمهية‪ ،‬ذلك أن اإلرادة املعرب عنها من‬
‫قبل املتعاقد قد تكون حلساب شخص آخر‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للنيابة االتفاقية أو ما‬
‫يعرب عنها بالوكالة؛ حيث إن الوكيل بالرغم من أنه يتعاقد باسمه اخلاص‪ ،‬غري أن آثار‬
‫العقد املربم تنرصف إىل املوكل؛ األمر الذي يتطلب منا الوقوف عند هذه املؤسسة يف‬
‫مطلب مستقل (املطلب الثاين)‪ .‬وأخريا‪ ،‬فإنه ينبغي معرفة مصري االتفاقات الرسية‬
‫املعارضة التي خيفيها األطراف ألسباب خمتلفة (املطلب الثالث)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬اإلرادة الظاهرة واإلرادة الباطنية‬


‫‪ .62‬مادام أن العقد هو توافق إرادتني أو أكثر‪ ،‬فإنه يفرتض لزاما التعبري عنها‬
‫بشكل متبادل؛ حيث ال يمكن تصور توافق معرتف به إال بخصوص إرادات معرب‬
‫عنها‪ .‬كام أن هذا التعبري يعترب رضوريا للتمييز بي جمرد النية التي ليس هلا أي أثر قانوين‬
‫واإلرادة امللزمة التي يعرتف هلا القانون بمجموعة من اآلثار‪ ،‬مادام أن املبدأ هو أن‬
‫اإلرادة اإلجيابية املعرب عنها هي التي يمكنها إنشاء العقد دون اإلرادة السلبية‪ ،‬أي التي‬
‫بقيت عبارة عن نية كامنة يف نفس الشخص‪.‬‬
‫غري أن اإلرادة املعرب عنها قد تكون متعارضة مع اإلرادة الباطنية بسبب‬ ‫‪.63‬‬
‫غموض يف التعبري أو نتيجة خطأ وقع أثناء التعبري عن هذه اإلرادة؛ مما تثار معه إشكالية‬
‫البحث عن اإلرادة التي ينبغي االعتداد هبا‪ ،‬هل يؤخذ باإلرادة الظاهرة أو املعلنة أم‬
‫باإلرادة الباطنية أو الكامنة‪ ،‬أي اإلرادة احلقيقية؟‬
‫بصدد اإلجابة عن هذه اإلشكالية‪ ،‬برزت مدرستان ‪ ،‬األوىل هي املدرسة‬
‫‪78‬‬

‫الفرنسية التي اعتدت باإلرادة الباطنية (أوال)‪ ،‬أما الثانية‪ ،‬فهي املدرسة اجلرمانية أو‬
‫األملانية التي أخذت باإلرادة الظاهرة (ثانيا)؛ يف ظل هذا التباين بني هاتني املدرستني‬
‫يبقى علينا أن نتساءل عن موقف القانون املغريب من هذه اإلشكالية (ثالثا)‪.‬‬

‫‪78‬‬‫‪GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; 3ème édition L.G.D.J. 1993.‬‬
‫‪P:345.‬‬
‫‪LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat; op.cit; P:135.‬‬

‫‪43‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أوال‪ :‬نظرية اإلرادة الباطنية أو الكامنة‬


‫‪ .64‬يقصد هبذه النظرية التي أخذ هبا املرشع الفرنس ‪ ،‬أن الذي ينبغي االعتداد به‬
‫‪79‬‬

‫هو اإلرادة احلقيقية‪ ،‬عىل اعتبار أهنا هي وحدها التي يقوم عليها العقد‪ ،‬أما اإلعالن أو‬
‫التعبري عنها فهو جمرد قرينة ودليل للكشف عام تنطوي عليه إرادة املتعاقد احلقيقية‪ ،‬غري‬
‫أن هذا الدليل أو هذه القرينة قابلة إلثبات العكس‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإذا تبني أن التعبري غري‬
‫مطابق لإلرادة‪ ،‬فإنه ال يعتد بالتعبري وإنام جيب األخذ بحقيقة اإلرادة‪ ،‬حتى ولو ترتب‬
‫عن ذلك عدم قيام العقد‪ .‬والسبب يف ذلك هو أن اإلرادة احلقيقية هي التي اجتهت إىل‬
‫إحداث اآلثر القانوين ال التعبري الصادر عن صاحب هذه اإلرادة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نظرية اإلرادة الظاهرة‬

‫‪ .65‬ظهرت هذه النظرية يف منتصف القرن التاسع عرش من قبل الفقهاء األملان ‪ ،‬كام أخذ‬
‫‪80‬‬

‫هبا القانون املدين األملاين؛ وبخالف نظرية اإلرادة احلقيقية‪ ،‬فإن نظرية اإلرادة الظاهرة تقف عند‬
‫املظهر اخلارجي االجتامعي لإلرادة‪ ،‬عىل اعتبار أن القانون إنام يعتد بالظواهر االجتامعية دون‬
‫الظواهر النفسية؛ ولعل السبب األسايس يف األخذ هبذه النظرية هو الرغبة يف ضامن استقرار‬
‫املعامالت وسالمتها أو ما يسمى برضورة محاية األمن القانوين واستقرار املعامالت‪.‬‬

‫بحسب أنصار هذه النظرية‪ ،‬فإن اإلرادة اخلفية والكامنة‪ ،‬أي تلك التي ال تظهر إىل‬
‫العامل اخلارجي االجتامعي املحسوس‪ ،‬اليمكن بأي حال االعتداد هبا يف املجال القانوين‬
‫وداخل نطاق العالقات االجتامعية‪ ،‬وذلك لسبب بسيط‪ ،‬هو أن هذه اإلرادة الكامنة تبقى‬
‫ظاهرة نفسية‪ ،‬بينام يعترب القانون بمثابة ظاهرة اجتامعية‪.‬‬

‫‪79 GHESTIN‬‬ ‫‪Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:347.‬‬
‫‪LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:135.‬‬
‫‪80 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P :345.‬‬

‫‪44‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثالثا‪ :‬موقف القانون املغريب‬


‫‪ .66‬بالرجوع ملقتضيات قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬نجد املرشع املغريب اختذ موقفا‬
‫وسطا بني النظريتني األملانية والالتينية الفرنسية؛ حيث إنه بالرجوع للفصلني ‪ 21‬و ‪461‬‬
‫من ظ‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يظهر لنا أن املرشع املغريب قد تأثر إىل حد كبري بنظرية اإلرادة الظاهرة‪ ،‬يف حني‬
‫أن مراجعة الفصلني ‪ 22‬و‪ 462‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬تكشف لنا عدم إغفال املرشع املغريب لنظرية‬
‫اإلرادة الباطنية أو احلقيقية‪.‬‬

‫النصوص القانونية التي تأثر فيها ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬بنظرية اإلرادة‬ ‫النصوص القانونية التي‬
‫الباطنية‬ ‫تأثر فيها ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬بنظرية‬
‫اإلرادة الظاهرة‬

‫‪-‬نص الفصل ‪ 22‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬عىل ما ييل‪" :‬االتفاقات الرسية‬ ‫نص الفصل ‪ 21‬عىل ما ييل‪:‬‬
‫"التحفظات والقيود التي مل املعارضة أو غريها من الترصحيات املكتوبة ال يكون هلا آثر إال فيام‬
‫بني املتعاقدين ومن يرثهام‪ ،‬فال حيتج هبا عىل الغري‪ ،‬إذا مل يكن له علم‬
‫تنه إىل علم الطرف اآلخر‬
‫هبا‪ ،‬ويعترب اخللف اخلاص غريا بالنسبة ألحكام هذا الفصل"‪.‬‬
‫ال تنقص وال تقيد آثار‬
‫‪ -‬نص الفصل ‪462‬عىل ما ييل‪" :‬يكون التأويل يف احلاالت‬
‫التعبري عن اإلرادة املستفادة‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫من ظاهر اللفظ"‪.‬‬
‫‪ . 1‬إذا كانت األلفاظ املستعملة ال يتأيت التوفيق بينها وبني‬
‫نص الفصل ‪ 461‬عىل ما الغرض الواضح الذي قصد عند حترير العقد‪.‬‬
‫ييل‪" :‬إذا كانت ألفاظ العقد‬
‫‪ . 2‬إذا كانت األلفاظ املستعملة غري واضحة بنفسها‪ ،‬أو كانت‬
‫رصحية‪ ،‬امتنع البحث عن ال تعرب تعبريا كامال عن قصد صاحبها‪.‬‬
‫قصد صاحبها"‪.‬‬
‫‪ .3‬إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود العقد املختلفة‬
‫بحيث تثري املقارنة الشك حول مدلول تلك البنود‪.‬‬
‫وعندما يكون للتأويل موجب‪ ،‬يلزم البحث عن قصد املتعاقدين‪،‬‬
‫دون الوقوف عند املعنى احلريف لأللفاظ‪ ،‬وال عند تركيب اجلمل‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثان‪ :‬النيابة االتفاقية‬


‫‪ .67‬تنبغي اإلشارة إىل أن مصطلح النيابة قد ينرصف إىل النيابة القانونية املنظمة‬
‫بمقتىض مدونة األرسة‪ ،‬كام يقصد به النيابة االتفاقية‪ ،‬أي الوكالة‪ ،‬التي نظمها املرشع‬
‫املغريب بمقتىض قانون االلتزامات والعقود املغريب ‪ ،‬ثم جاءت مدونة التجارة فوضعت‬
‫‪81‬‬

‫العديد من املقتضيات اخلاصة بالوكالة التجارية‪ .‬وما هيمنا نحن يف هذا املطلب هي‬
‫النيابة االتفاقية أو الوكالة دون النيابة القانونية‪.‬‬
‫‪ .68‬يقصد بالوكالة حلول إرادة الوكيل حمل إرادة األصيل يف إنشاء ترصف‬
‫قانون‪ ،‬تنسحب آثاره إىل شخص األصيل أو املوكل ال إىل الوكيل ‪ .‬ويف هذا الصدد‬
‫‪82‬‬

‫ذهب بعض الفقه الفرنس ‪ ،‬إىل أن الوكالة هي آلية بمقتضاها يتم إبرام عقد من قبل‬ ‫‪83‬‬

‫شخص آخر‪ ،‬غري ذلك الذي سيستفيد من آثاره أو الذي سيتحمل االلتزامات التي‬
‫يتضمنها هذا العقد‪ ،‬ولكن حلساب هذا األخري‪ .‬أي أن الوكالة تفرتض وجود شخص‬
‫يسمى املوكل الذي سيستفيد من آثار هذا العقد أو يتحمل االلتزامات التي يتضمنها‪.‬‬
‫كام تفرتض وجود شخص يسمى الوكيل الذي يترصف باسمه حلساب املوكل‪.‬‬
‫‪ .69‬وتقوم الوكالة بدور مهم يف احلياة املدنية والتجارية عىل السواء‪ ،‬ذلك أنه عن‬
‫طريق هذه اآللية يتمكن كثري من األشخاص غري القادرين عىل إبرام الترصفات القانونية‪،‬‬
‫كام لو كان الشخص غري خمتص يف النشاط املزمع التعاقد بشأنه‪ ،‬من قضاء مصاحلهم‪،‬‬
‫إضافة إىل أنه عن طريق الوكالة يمكن جتاوز سلبيات االنتقال من مكان إىل آخر‪.‬‬
‫‪ .70‬تقتيض منا اإلحاطة بموضوع النيابة االتفاقية‪ ،‬أن نقف عند خمتلف الرشوط‬
‫الالزمة لصحة الوكالة يف التعاقد (الفقرة األوىل)‪ ،‬قبل أن نتناول خمتلف اآلثار املرتتبة‬
‫عنها (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ 81‬حممد أوغريس‪ :‬التعاقد بطريق النيابة يف ضوء الترشيع املدين املغريب؛ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا؛ كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتامعية‪ -‬جامعة احلسن الثاين‪/‬الدار البيضاء؛ ‪.1980‬‬
‫; ‪82 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬

‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:143.‬‬


‫‪83 LARROUMET Christian : Droit civil ; les obligations, le contrat ; Op.cit ; P:135.‬‬

‫‪46‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬رشوط وجود الوكالة‬


‫‪ .71‬يتطلب وجود الوكالة‪ ،‬أو قيامها صحيحة‪ ،‬جمموعة من الرشوط‪ ،‬تتمثل يف‬
‫رضورة إحالل إرادة الوكيل حمل إرادة األصيل (أوال)‪ ،‬كام جيب أن يكون التعاقد باسم‬
‫األصيل وحلسابه (ثانيا)‪ ،‬إضافة إىل التزام أو تقيد الوكيل بتعليامت األصيل (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬إحالل إرادة النائب حمل إرادة األصيل‬
‫‪ .72‬جيمع الفقه عىل أن هذا الرشط هو الذي يميز الوكيل عن الوسيط ؛ ذلك أن‬
‫‪84‬‬

‫هذا األخري يقترص دوره عىل نقل إرادة األصيل أو املوجب‪ ،‬ومن ثم فإن التعاقد عن‬
‫طريق رسول إنام هو تعاقد بني غائبني كام سنرى فيام بعد؛ يف حني أن التعاقد عن طريق‬
‫الوكيل قد يكون بني حارضين إذا أبرم العقد بني هذا األخري والطرف اآلخر يف جملس‬
‫واحد‪ ،‬كام قد يكون بني غائبني‪ ،‬وإن كان هذا قليل الوقوع وإال انتفت الغاية من‬
‫التعاقد بالنيابة‪ ،‬مادام أن الوكيل يعرب عن إرادته هو ال إرادة األصيل كام هو الشأن‬
‫بالنسبة للرسول ‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪ .73‬وما دام أن آثار الترصف القانوين تنسحب إىل املوكل‪ ،‬فإن هذا األخري هو الذي‬
‫ينبغي أن تتوفر فيه األهلية الكاملة‪ ،‬يف حني أن الوكيل ال تشرتط فيه الترشيعات أن يتوفر‬
‫عىل مثل هذه األهلية ‪ ،‬أي أهنا تكتفي بأن يكون مميزا بالرغم من أنه طرف أسايس يف‬ ‫‪86‬‬

‫العقد‪ ،‬ويتضح لنا هذا املقتىض بالنسبة للقانون املغريب من خالل الفصل ‪ 880‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫الذي جاء فيه "يلزم لصحة الوكالة‪ ،‬أن يكون املوكل أهال ألن جيري بنفسه الترصف الذي‬
‫يكون حمال هلا‪ .‬وال تلزم نفس األهلية يف الوكيل‪ ،‬حيث يكفي فيه أن يكون متمتعا بالتمييز‬
‫وبقواه العقلية‪ ،‬ولو مل تكن له صالحية إجراء الترصف يف حق نفسه‪ .‬فيسوغ للشخص أن‬
‫جيري باسم الغري ما ال يستطيع أن جيريه باألصالة عن نفسه"‪.‬‬

‫‪84‬‬ ‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:144.‬‬
‫‪85 LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:135.‬‬
‫‪85 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:345.‬‬

‫‪ 85‬حممد أوغريس‪ :‬التعاقد بطريق النيابة يف ضوء الترشيع املدين املغريب؛ مرجع سابق؛ ص‪.67:‬‬
‫‪ 86‬بخالف الوضع بالنسبة للنيابة االتفاقية‪ ،‬فإنه يف جمال النيابة القانونية فإنه يتطلب يف النائب أن يكون كامل األهلية‪ ،‬عىل اعتبار أن األشخاص‬
‫املنوب عنهم إما قارصين أو حمجورين‪ ،‬وهذا ما أكدت عليه مثال املادة ‪ 246‬من مدونة األرسة املغربية بالنسبة للويص واملقدم‪ ،‬التي جاء فيها‬
‫" يشرتط يف كل من الويص واملقدم‪ :‬أن يكون ذا أهلية كاملة حازما ضابطا أمينا"‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثانيا‪ :‬جيب أن يكون التعاقد باسم األصيل وحلسابه‬


‫‪ .74‬يقصد هبذا الرشط‪ ،‬أنه ينبغي عىل الوكيل أن يبي منذ البداية هويته القانونية‬
‫باعتباره وكيال ‪ .‬ويذهب مجهور الفقه إىل أن العلم بوجود الوكالة قد يكون حقيقيا أو‬ ‫‪87‬‬

‫حكميا؛ وإذا كانت الصورة األوىل واضحة‪ ،‬حيث تتم بإعالن الوكيل لصفته هذه‬
‫بشكل رصيح‪ ،‬فإن العلم احلكمي حيصل إذا كانت الظروف تفرتض علم الغري املتعاقد‬
‫مع الوكيل بوجود الوكالة بالرغم من عدم إعالن هذا األخري عنها بشكل رصيح‪.‬‬
‫‪ .75‬يف مجيع األحوال‪ ،‬فإن الغري إذا مل حيصل علمه بكون التعاقد يتم باسم األصيل‬
‫وحلسابه‪ ،‬فإن آثار العقد تنرصف إىل الوكيل ال إىل األصيل‪ ،‬ومن ثم فإن آثار النيابة تبقى‬
‫منحرصة يف العالقة بني الوكيل واملوكل‪ ،‬مادام أن الغري ال تربطه أي عالقة باملوكل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تقيد الوكيل بتعليامت األصيل‬
‫‪ .76‬يقصد هبذا الرشط‪ ،‬أنه يتوجب عىل الوكيل التزام حدود النيابة كام أكد عىل‬
‫ذلك الفصل ‪ 895‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ؛ ومن ثم‪ ،‬فإذا خرج الوكيل عن احلدود املرسومة‬ ‫‪88‬‬

‫لنيابته فإن العقد ال يعترب قد انعقد بطريق الوكالة‪ ،‬مما يعني أن آثار هذا العقد ال‬
‫تنرصف إىل األصيل‪ ،‬أي املوكل‪ ،‬ما مل يكن هذا التجاوز يدخل ضمن احلاالت‬
‫املنصوص عليها بمقتىض القانون‪ ،‬كام يتضح لنا من مقتضيات الفصل ‪ 927‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه‪" :‬ال يلتزم املوكل بام جيريه الوكيل خارج حدود وكالته أو‬
‫متجاوزا إياها‪ ،‬إال يف احلاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا أقره ولو داللة؛‬
‫‪ .2‬إذا استفاد منه؛‬
‫‪ .3‬إذا أبرم الوكيل الترصف برشوط أفضل مما تضمنته تعليامت املوكل؛‬
‫‪ .4‬وحتى إذا أبرم الوكيل الترصف برشوط أقص مما تضمنته تعليامت املوكل مادام‬
‫الفرق يسريا‪ ،‬أو كان مما يتسامح به يف التجارة أو يف مكان إبرام العقد"‪.‬‬

‫‪87 MAZEAUD‬‬ ‫‪Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P:146.‬‬
‫‪ 88‬نص هذا الفصل‪ ،‬أي الفصل ‪ ،895‬عىل ما ييل‪ " :‬عىل الوكيل أن ينفذ بالضبط املهمة التي كلف هبا‪ .‬فال جيوز أن جيري أي عمل يتجاوز أو‬
‫خيرج عن حدود الوكالة"‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أحكام الوكالة‬


‫‪ .77‬يرتتب عن التعاقد بطريق النيابة جمموعة من اآلثار القانونية بالنسبة لألصيل‪،‬‬
‫وأيضا بالنسبة للوكيل‪ ،‬وأخريا بالنسبة للغري الذي تعاقد معه الوكيل‪ .‬ونرى أن هذه‬
‫اآلثار تظهر من خالل ثالثة أنواع من العالقات‪ ،‬األوىل تربط بني الوكيل واألصيل‬
‫(أوال)‪ ،‬بينام تربط الثانية بني الوكيل والغري الذي تعاقد معه (ثانيا)‪ ،‬وأخريا العالقة بني‬
‫األصيل والغري الذي تعاقد معه الوكيل (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬العالقة بي الوكيل واألصيل‬
‫‪ .78‬ختضع العالقة بني الوكيل واألصيل‪ ،‬أي املوكل‪ ،‬لعقد الوكالة نفسه؛ فهذا‬
‫العقد هو الذي يبني مدى التزامات الوكيل وحقوقه جتاه األصيل ‪ .‬وقد أثري تساؤل‬
‫‪89‬‬

‫مهم‪ ،‬يتعلق بطبيعة التزام الوكيل‪ ،‬حيث ذهب مجهور الفقه إىل أنه التزام ببذل عناية ال‬
‫التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬وإن كانوا قد ميزوا بني ما إذا كانت الوكالة بأجر أو بدونه‪ ،‬حيث‬
‫يف احلالة األوىل ينبغي عىل الوكيل أن يبذل عناية الشخص املعتاد‪ ،‬يف حني أن الوكالة‬
‫إذا كانت بدون أجر‪ ،‬فإن الوكيل جيب عليه أن يبذل فقط العناية التي يبذهلا يف شؤونه‬
‫اخلاصة‪ ،‬ما مل يكن شديد احلرص يف شؤونه اخلاصة‪ ،‬حيث يف هذه احلالة يذهب مجهور‬
‫الفقه‪ ،‬أنه ما دامت الوكالة بدون أجر‪ ،‬فإنه يكفي أن يبذل الشخص احلريص جدا يف‬
‫شؤونه العادية عناية الشخص املعتاد يف إنجاز الوكالة‪.‬‬
‫‪ .79‬من جهة أخرى‪ ،‬فإنه يف حالة وفاة األصيل‪ ،‬يبقى للورثة وحدهم احلق يف إثارة‬
‫استمرار الوكيل يف أداء املهام املوكولة إليه من قبل املورث‪ ،‬مادام أن وفاة املوكل يرتتب‬
‫عنها انقضاء وكالة الوكيل كام يتضح لنا من خالل الفصل ‪ 938‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء‬
‫فيه "موت املوكل أو حدوث تغيري يف حالته ينهي وكالة الوكيل األصيل ووكالة نائبه‪ .‬وال‬
‫يرسي هذا احلكم‪.1 :‬إذا كانت الوكالة قد أعطيت يف مصلحة الوكيل أو يف مصلحة الغري؛‬
‫‪.2‬إذا كان حملها إجراء عمل بعد وفاة املوكل‪ ،‬عىل نحو يكون الوكيل معه يف مركز‬
‫منفذ الوصايا"‪.‬‬

‫‪ 89‬عبد املنعم فرج الصدة‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬دراسة يف القانون اللبناين واملرصي‪ /‬دار النهضة العربية‪-‬بريوت‪1974/‬؛ ص‪.182:‬‬
‫عبد الفتاح عبد الباقي‪ :‬نظرية العقد واإلرادة املنفردة؛ طبعة ‪1984‬؛ ص‪.228:‬‬
‫ياسني اجلبوري‪ :‬املبسوط يف رشح القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬املجلد األول‪ :‬انعقاد العقد؛ دار الثقافة للنرش والتوزيع‪ /‬عامن‪2005،‬؛ص‪.273:‬‬

‫‪49‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .80‬غري أنه قد حيصل أن يربم الوكيل بعض الترصفات باسم املوكل خالل الفرتة‬
‫التي جيهل فيها موته أو غريه من األسباب التي يرتتب عليها انقضاء الوكالة‪ ،‬فإن املرشع‬
‫رتب عن هذا اجلهل صحة مثل هذه الترصفات التي تتم يف هذه املرحلة بمقتىض الفصل‬
‫‪ 939‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬رشيطة أن يكون من تعاقد مع الوكيل جيهل هو اآلخر هذه الواقعة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العالقة بي الوكيل والغري الذي تعاقد معه‬
‫‪ .81‬لقد أكدنا عىل أن من أهم خصائص الوكالة‪ ،‬كون الوكيل إنام يتعاقد باسم‬
‫وحلساب املوكل‪ ،‬أي أن آثار العقد تنرصف مبارشة إىل األصيل؛ يف حني أن الوكيل ال‬
‫يكتسب أي حق من العقد الذي أبرمه مع الغري‪ ،‬كام أنه ال يرتتب بذمته أي التزام مادام‬
‫أنه تعاقد باسم األصيل ومل يتجاوز التعليامت التي أعطاها له هذا األخري‪ ،‬كام يتضح لنا‬
‫من الفصل ‪ 925‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي نص عىل ما ييل‪" :‬الترصفات التي جيرهيا الوكيل‬
‫عىل وجه صحيح باسم املوكل ويف حدود وكالته تنتج آثارها يف حق املوكل فيام له‬
‫وعليه‪ ،‬كام لو كان هو الذي أجراها بنفسه"‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العالقة بي األصيل والغري الذي تعاقد معه الوكيل‬
‫‪ .82‬إن هذه العالقة هي حمور الوكالة‪ ،‬عىل اعتبار أن اآلثر الذي يرتتب عن هذه‬
‫األخرية يظهر بشكل جيل وواضح يف العالقة بني األصيل والغري الذي تعاقد معه الوكيل؛‬
‫ذلك أن العقد املربم بني الوكيل والغري ينشئ يف ذمة هذا األخري واألصيل جمموعة من‬
‫احلقوق وااللتزامات املتبادلة بينهام‪90‬؛ مما يرتتب عن ذلك‪ ،‬أنه يمكن لكل منهام أن يطالب‬
‫اآلخر بتنفيذ التزاماته دون تدخل الوكيل أو دون حاجة إىل إدخاله يف املطالبة‪ .‬ويمكن أن‬
‫نستشف هذه األحكام يف القانون املغريب من خالل مقتضيات الفصل ‪ 921‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫الذي جاء فيه "الوكيل الذي يتعاقد بصفته وكيال ويف حدود وكالته ال يتحمل شخصيا‬
‫بأي التزام جتاه من يتعاقد معهم‪ .‬وال يسوغ هلؤالء الرجوع إال عىل املوكل"‪.‬‬

‫‪ 90‬عبد الفتاح عبد الباقي‪ :‬نظرية العقد واإلرادة املنفردة؛ طبعة ‪1984‬؛ ص‪.236:‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها‬
‫القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪-‬؛ مرجع سابق؛ ص‪.85:‬‬
‫عبد املنعم فرج الصدة‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.183:‬‬
‫ياسني اجلبوري‪ :‬املبسوط يف رشح القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬املجلد األول‪ :‬انعقاد العقد؛ مرجع سابق؛ ص‪.282:‬‬

‫‪50‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثالث‪ :‬نظرية الصورية‬


‫‪ .83‬يكون هناك جمال للصورية يف كل حالة يقوم فيها األطراف بإخفاء إرادهتم‬
‫احلقيقية وراء إرادة ظاهرة ‪ .‬ذلك أنه يف مقابل إبرام عقد ظاهر‪ ،‬فإهنم يقومون بإلغائه‬‫‪91‬‬

‫أو تعديله من خالل اتفاق آخر‪ ،‬مواز لألول زمنيا‪ ،‬وموجه ألن يبقى رسيا؛ حيث إن‬
‫العقد الصوري‪ ،‬أي الظاهر‪ ،‬يواجه العقد اخلفي أو الرسي‪.‬‬
‫‪ .84‬بحسب الفقيه الفرنس مالوري ‪ ،‬فإن األطراف ينشؤون بشكل إرادي اتفاقا‬
‫‪92‬‬

‫ظاهرا‪ ،‬هذا األخري يكون خمتلفا متاما عن االتفاق احلقيقي‪ ،‬الذي يبقى خفيا‪ .‬بمعنى أن هناك‬
‫عقدا مزدوجا‪ ،‬األول يسمى بالترصف الظاهر اهلادف إىل إظهاره للغري‪ ،‬والذي يسمى أيضا‬
‫بالترصف الصوري‪ ،‬والخر هو بمثابة ترصف خفي‪ ،‬الذي يشكل احلقيقة الرابطة بني طرفيه‪.‬‬
‫‪ .85‬وقد نص القانون املغريب عىل هذه النظرية بمقتىض الفصل ‪ 22‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬الذي جاء فيه‪" :‬االتفاقات الرسية املعارضة أو غريها من‬
‫الترصحيات املكتوبة ال يكون هلا آثر إال فيام بني املتعاقدين ومن يرثهام‪ ،‬فال حيتج هبا عىل‬
‫الغري إذا مل يكن له علم هبا‪ .‬ويعترب اخللف اخلاص غريا بالنسبة ألحكام هذا الفصل"‪.‬‬
‫بمعنى أنه ينبغي التمييز بخصوص األحكام التي ترسي عىل الصورية بحسب ما إذا كان‬
‫األمر يتعلق باملتعاقدين (أوال)‪ ،‬أو بالغري (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أحكام الصورية بالنسبة ألطراف العقد‬
‫‪ .86‬وضعت أغلب الترشيعات قاعدة خاصة بالصورية‪ ،‬مفادها أن العقد الرسي‬
‫هو الذي يعتد به بالنسبة ألطراف العقد دون العقد الظاهر‪ ،‬كام يظهر لنا من أحكام‬
‫الفصل ‪ 22‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬السالف الذكر‪ ،‬املطابق للفصل ‪ 1321‬من القانون املدين‬
‫ا لفرنس‪ ،‬حيث جاء يف هذا األخري بأن االتفاقات الرسية ال يمكن أن تنتج آثارها إال‬
‫بني األطراف املتعاقدة ‪ .‬ففي عقد اهلبة اخلفية يف صورة عقد بيع‪ ،‬فإن املسمى بائعا‪،‬‬ ‫‪93‬‬

‫وهو يف احلقيقة يعترب واهبا‪ ،‬ال يمكنه املطالبة بدفع الثمن من قبل الشخص املوهوب‬
‫له‪ ،‬املسمى يف العقد الظاهر مشرتيا‪.‬‬

‫‪91 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique; P:345.‬‬
‫‪92 MALAURIE‬‬ ‫‪Ph. Et AYNES L.: Droit civil, les obligations ; op.cit; P:344.‬‬
‫‪93 Cet article stipule que « les contre-lettres ne peuvent avoir leur effet qu’entre les parties contractantes ».‬‬

‫‪51‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫غري أن ذلك ال يعني أن االتفاق الرسي حيتج به يف مجيع األحوال عىل أطراف‬
‫العقد‪ ،‬وإنام فقط يف احلاالت التي يكون فيها العقد السالف الذكر مستجمعا ملختلف‬
‫الرشوط والعنارص املتطلبة يف كل ترصف قانوين‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬أنه ال يمكن السامح‬
‫بالقيام‪ ،‬بشكل خفي‪ ،‬بام ال يمكن السامح به عالنية‪.‬‬
‫‪ .87‬تبقى اإلشارة‪ ،‬إىل أن هذا املبدأ ترد عليه جمموعة من االستثناءات‪ ،‬التي تقيض‬
‫بأن االتفاق يكون صحيحا إذا كان ظاهرا‪ ،‬بينام يكون باطال إذا كان خفيا؛ بمعنى‪ ،‬أنه‬
‫خالفا للقاعدة العامة‪ ،‬فإن الصورية يف حد ذاهتا تصبح سببا للبطالن‪ ،‬وإن كانت‬
‫حاالت ذلك قليلة‪ .‬كام هو الشأن بالنسبة للامدة ‪ 1321‬من القانون املدين الفرنس‪.‬‬
‫من حاالت بطالن العقود الصورية يف القانون املغريب‪ ،‬نشري إىل ما نصت عليه املادة ‪142‬‬
‫من املدونة العامة للرضائب‪ ،‬التي جاء فيها ما ييل‪" :‬يعترب باطال وعديم اآلثر كل عقد صوري‪،‬‬
‫وكل اتفاق هيدف إىل إخفاء جزء من ثمن بيع عقار أو أصل جتاري أو ختل عن زبناء‪ ،‬أو إخفاء‬
‫كل أو جزء من ثمن التخيل عن حق يف اإلجيار أو وعد بإجيار عقار أو جزء منه‪ ،‬أو مدرك يف‬
‫معاوضة أو قسمة واقعة عىل أموال عقارية‪ ،‬أو أصل جتاري أو زبناء‪ .‬وال حيول البطالن الواقع‬
‫دون استخالص الرضيبة الواجب أداؤها إىل اخلزينة إال إذا حكم هبا قضائيا"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أحكام الصورية بالنسبة للغري‬

‫‪ .88‬حسب مقتضيات الفصل ‪ 22‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬املقابل للامدة ‪ 1321‬من القانون‬


‫املدين الفرنس التي أصبحت هي املادة ‪ 1201‬بمقتىض تعديل ‪ 10‬فرباير ‪ ،2016‬فإن‬
‫الغري‪ ،‬بام فيهم اخللف اخلاص‪ ،‬هلم اخليار بني تغليب العقد الظاهر إذا كانوا جيهلون‬
‫‪94‬‬

‫االتفاق الرسي ‪ ،‬أو تغليب هذا األخري‪ ،‬ومن ثم حيق هلم التمسك بدعوى الصورية‪،‬‬ ‫‪95‬‬

‫حيث يمكنهم إثبات أن الترصف الظاهر هو صوري فقط وليس له طابع اجلدية‪.‬‬

‫‪94 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit ; P:350.‬‬
‫‪ 95‬ذهب االجتهاد القضائي الفرنس إىل اعتبار اخللف اخلاص جيهل االتفاق الرسي إذا كان حسن النية‪ .‬أشار إليه‪:‬‬
‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L.: Droit civil, les obligations, Edition CUJAS 1994/1995; P:348.‬‬

‫‪52‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الفصل الثان‪ :‬تصنيف العقود‬


‫ارتأينا ختصيص فصل مستقل ومتهيدي لتصنيف العقود‪ ،‬إيامنا منا بالنتائج‬ ‫‪.89‬‬
‫واملنافع العلمية التي يمكن للطالب أوال وللقارئ ثانيا من معرفتها عن دراسة خمتلف‬
‫تصنيفات العقود واألحكام القانونية التي تطبق عىل كل صنف‪ ،‬السيام يف ظل‬
‫التحوالت والتغريات التي عرفتها العديد من العقود إن عىل مستوى الصياغة‬
‫والتكوين أو عىل مستوى التنفيذ واآلثار‪.‬‬
‫‪ .90‬وكام سنرى‪ ،‬فإن هذه املتغريات التي فرضتها باألساس العديد من العوامل‪ ،‬لعل‬
‫أمهها تأثر القاعدة القانونية باملتغريات االقتصادية املصاحبة للعوملة‪ ،‬وما صاحب ذلك من‬
‫حتول يف مفهوم الرضائية‪ ،‬األمر الذي يفرض علينا التمييز بني العقود الرضائية والعقود‬
‫الشكلية والعينية‪ ،‬قبل أن ننتقل لدراسة التمييز بني العقود االختيارية وعقود اإلذعان‪،‬‬
‫وأيضا يقتيض منا التحول الذي طرأ عىل التوازن بني املهنيني واملستهلكني دراسة التمييز‬
‫بني العقود املهنية وعقود االستهالك؛ وكل ذلك يدخل يف إطار تصنيف العقود القائم عىل‬
‫أساس مرحلة تكوين العقد بوجه عام (املبحث األول)‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬فإننا سنقف عىل تصنيف العقود املبني عىل طبيعتها (املبحث الثان)‪،‬‬
‫وأيضا ذلك القائم عىل أساس آثار العقد (املبحث الثالث)‪ ،‬وذلك قبل االنتقال يف مبحث أخري‬
‫إىل معاجلة تصنيف العقود املؤسس عىل طبيعة القواعد التي تطبق عليها (املبحث الرابع)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التصنيف القائم عىل أساس تكوين العقود‬


‫‪ .91‬نقصد هبذا النوع من التصنيف‪ ،‬ذلك املبني عىل أساس تكوين العقد؛ حيث‬
‫أدت التغريات االقتصادية وما ترتب عنها من تباين عىل مستوى أطراف العالقة‬
‫التعاقدية‪ ،‬إىل بروز أنواع متعددة من العقود؛ يمكن تصنيفها بحسب طريقة تكوينها‬
‫من جهة أوىل إىل العقد الرضائي والعقد الشكيل والعقد العيني (املطلب األول)‪ ،‬ومن‬
‫جهة ثانية ينبغي التمييز بني العقد االختياري وعقود اإلذعان (املطلب الثاين)‪ ،‬وأخريا‬
‫سنميز بني العقود املهنية وعقود االستهالك (املطلب الثالث)‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب األول‪ :‬العقد الرضائي والعقد الشكيل والعقد العيني‬


‫‪ .92‬العقد الرضائي هو ما يكفي لقيامه صحيحا جمرد ترايض أطرافه‪ ،‬ولعل غالبية‬
‫العقود يف عرصنا احلارض تعترب رضائية؛ وال يعني تطلب شكل معني إلثباته أن العقد‬
‫خيرج من نطاق الرضائية‪ ،‬حيث يتعني التمييز بي شكلية االنعقاد وشكلية اإلثبات‪.‬‬
‫فحينام تطلب املرشع املغريب بمقتىض الفصل ‪ 443‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬الكتابة إلثبات‬
‫الترصفات التي تتجاوز قيمتها عرشة آالف درهم فإن هذه الشكلية ليس لصحة‬
‫الترصف بل إلثباته فقط ‪.‬‬
‫‪96‬‬

‫‪ .93‬يف مقابل العقد الرضائي‪ ،‬فإن العقد الشكيل هو الذي ال يتم بمجرد الرتايض‪،‬‬
‫وإنام يتعني اتباع شكل حيدده القانون‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للبيع الواقع عىل عقار حيث‬
‫تطلب املرشع الكتابة بمقتىض الفصل ‪ 489‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .97‬واألمر نفسه بالنسبة لبيع‬
‫السفن والطائرات واألصول التجارية‪ .‬ويف كثري من املناسبات‪ ،‬فإن املرشع يتطلب شكلية‬
‫خاصة‪ ،‬تتمثل يف رضورة حترير هذه الترصفات من قبل أشخاص حددهم القانون بشكل‬
‫دقيق‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة لبيع العقارات يف طور اإلنجاز املنظم أخريا بمقتىض القانون‬
‫رقم ‪ ،9844.00‬كم تم تغيريه وتتميمه بمقتىض القانون رقم ‪.99107.12‬‬

‫‪ 96‬بحسب بعض الفقه‪ ،‬فإن التمييز بني الشكلية املستوجبة لصحة املعاملة والشكلية املستوجبة لإلثبات ال يكتس طابعا نظريا جمردا‪ .‬فإن كان من‬
‫الثابت أن الشكلية إذا كانت الزمة لصحة املعاملة تكون يف نفس الوقت صاحلة إلثباهتا فإنه ال جيدي األطراف نفعا التمسك بآثار املعاملة فيام‬
‫بينهم إذا كان املرشع قد فرض إفراغها يف شكل معني بحيث إن وجود تلك املعاملة يف حد ذاته ولو بني األطراف فحسب يصبح موضع شك‪.‬‬
‫نذير بن عمو‪ :‬العقود اخلاصة‪ ،‬البيع واملعاوضة؛ املؤسسة اجلامعية للدراسات والنرش والتوزيع 'جمد'‪ /‬بريوت؛ الطبعة األوىل‪2009/‬؛ ص‪.86:‬‬
‫‪ 97‬نص الفصل ‪ 489‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬عىل ما ييل‪ " :‬إذا كان املبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا‪ ،‬وجب أن جيري‬
‫البيع كتابة يف حمرر ثابت التاريخ‪ .‬وال يكون له أثر يف مواجهة الغري إال إذا سجل يف الشكل املحدد بمقتىض القانون"‪.‬‬
‫حممد الكشبور‪ :‬بيع العقار بني الرضائية والشكل‪ ،‬دراسة يف أحكام الفقه اإلسالمي ويف القانون الوضعي ويف مواقف القضاء؛ سلسلة الدراسات‬
‫القانونية املعارصة ‪1‬؛ الطبعة األوىل‪.1997/‬‬
‫‪ 98‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.02.309‬صادر يف ‪ 25‬من رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪ )2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 44.00‬املتمم بموجبه الظهري الرشيف‬
‫الصادر يف ‪ 9‬رمضان ‪ 12- 1331‬أغسطس ‪ ) 1913‬بمثابة قانون االلتزامات والعقود‪ .‬حيث تطلب الفصل ‪ 618‬مكرر‪ 3/‬من هذا القانون أن‬
‫يتم حترير عقد البيع االبتدائي للعقار يف طور اإلنجاز إما يف حمرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم حتريره من طرف مهني ينتمي إىل مهنة‬
‫قانونية منظمة وخيول هلا قانوهنا حترير العقود وذلك حتت طائلة البطالن‪.‬‬
‫حيدد وزير العدل سنويا الئحة بأسامء املهنيني املقبولني لتحرير هذه العقود‪.‬‬
‫يقيد بالالئحة املحامون املقبولون للرتافع أمام املجلس األعىل طبقا للفصل ‪ 34‬من الظهري الرشيف رقم ‪ 1.93.162‬الصادر يف ‪ 22‬من ربيع‬
‫األول ‪ 10( 1414‬سبتمري ‪ ) 1993‬املعترب بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة املحاماة‪–.‬الذي وقع تعديله وتتميمه بمقتىض القانون رقم ‪28.08‬‬
‫املعدل للقانون املنظم ملهنة املحاماة واملنشور باجلريدة الرسمية عدد ‪ 5680‬بتاريخ ‪ 6‬نونرب ‪ ،2008‬ص‪.-4044:‬‬
‫حيدد نص تنظيمي رشوط تقييد باقي املهنيني املقبولني لتحرير هذه العقود‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .94‬هذا ما سار عليه القضاء املغريب؛ فقد جاء يف قرار ملحكمة النقض‪100‬بتاريخ ‪8‬‬
‫ماي ‪1991‬ما ييل‪" :‬إذا كان الفصل ‪ 488‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬جيعل البيع تاما وقائام بني طرفيه‬
‫بمجرد تراضيهم عىل الثمن ورشوط العقد األخرى‪ ،‬فإن الفصل ‪ 489‬من نفس‬
‫القانون يلزم لوجوب بيع العقار أن يرد يف عقد كتايب ثابت التاريخ‪ . "..‬كام جاء يف‬
‫‪101‬‬

‫قرار آخر ملحكمة النقض بتاريخ ‪ 1‬دجنرب ‪ 1978‬عىل أنه "بمقتىض الفصل ‪ 489‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬فإن بيع العقار جيب أن يكون كتابة يف حمرر ثابت التاريخ‪. "...‬‬
‫‪102‬‬

‫يف قرار آخر أكثر وضوحا‪ ،‬ذهبت حمكمة النقض بتاريخ ‪ 30‬يناير ‪ 1996‬إىل "أن الفصل‬
‫‪ 489‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يوجب حتت طائلة البطالن الكتابة إذا كان البيع واقعا عىل عقار أو حقوق‬
‫عقارية أو األشياء األخرى التي يمكن رهنها رهنا رسميا‪ ،‬وإن الوعد بالبيع عىل عقار وإن‬
‫كان ليس عقدا تاما فإنه يتعني أن يقع هذا األخري كتابة ألنه يتحول إىل بيع تام" ‪.‬‬
‫‪103‬‬

‫‪ .95‬يف الوقت الذي كان فيه القضاء املغريب‪ ،‬خاصة عىل مستوى الغرفة الرشعية‪،‬‬
‫يتمسك بأن البيع يتم بمجرد الرتايض ولو تعلق األمر بعقار غري حمفظ‪ ،‬فإن حمكمة‬
‫النقض تراجعت يف السنوات األخرية عن هذا املوقف‪ ،‬حيث أكدت عىل أن بيع العقار‬
‫غري املحفظ ال يكون منجزا إال إذا أبرم كتابة وبمحرر ثابت التاريخ‪ ،‬كام يتضح لنا من‬
‫القرار الصادر عن مجيع غرفها بتاريخ ‪ 6‬دجنرب ‪ ،2010‬والتي ذهبت فيه "‪...‬لكن حيث‬
‫إن حمكمة االستئناف ملا اعتربت أن ما توصل به املستأنف املطلوب يف النقض حسب‬
‫شهادة الشهود ال يوجب سوى اسرتجاع ما دفع وال خيول للمشرتي استصدار حكم‬

‫ظهري رشيف رقم ‪ 1.16.05‬بتاريخ ‪ 3‬فرباير ‪2016‬؛ اجلريدة الرسمية عدد ‪.6440‬‬ ‫‪99‬‬

‫مهمة‪:‬لقد تم تغيري عبارة املجلس األعىل بعبارة حمكمة النقض بمقتىض القانون رقم ‪ 58.11‬انسجاما مع مقتضيات الدستور اجلديد‬ ‫‪ 100‬مالحظة‬
‫لسنة ‪– 2011‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.11.91‬صادر يف ‪ 27‬من شعبان ‪ 1432‬املوافق ‪ 29‬يوليو ‪ 2011‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬اجلريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 5964‬مكرر بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 1432‬املوافق ‪ 30‬يوليو ‪ ،2011‬ص‪-3600:‬؛ وذلك بمقتىض الظهري الرشيف رقم ‪ 1.11.170‬صادر يف ‪27‬‬
‫من ذي القعدة ‪ 25( 1432‬أكتوبر ‪ )2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 58.11‬املتعلق بمحكمة النقض‪ ،‬املغري بموجبه الظهري الرشيف رقم ‪1.57.223‬‬
‫الصادر يف ‪ 2‬ربيع األول ‪ 27( 1377‬سبتمرب ‪ )1957‬بشأن املجلس األعىل‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5989‬مكرر بتاريخ ‪ 28‬ذو القعدة ‪1432‬‬
‫(‪ 26‬أكتوبر ‪)2011‬؛ ص‪ .5228:‬بناء عىل ذلك‪ ،‬فإننا سنستعمل العبارة اجلديدة –أي حمكمة النقض‪ -‬سواء يف القرارات الصادرة قبل صدور‬
‫هذا القانون أو بعده‪.‬‬
‫‪ 101‬قرار غري منشور‪.‬‬
‫‪ 102‬جملة املحاماة‪ ،‬العدد ‪17‬؛ ص‪.115:‬‬
‫‪ 103‬قرار غري منشور‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عىل البائع إلمتام البيع ألن القانون حسب مقتضيات الفصل ‪ 489‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يوجب‬
‫أن يكون بيع العقار كتابة وبمحرر ثابت التاريخ‪ ،‬تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليام‬
‫ومل خترق الفصلني املحتج هبام وكان ما بالوسيلتني غري جدير باالعتبار" ‪.‬‬
‫‪104‬‬

‫‪ .96‬أما العقد العيني‪ ،‬فهو العقد الذي ال يتم بمجرد ترايض عاقديه‪ ،‬بل إنه يتطلب‬
‫لتاممه أن يتم تسليم اليشء حمل التعاقد ألحد أطرافه‪ ،‬وهذا ما ينطبق مثال عىل عقد اهلبة‬
‫وأيضا عىل الرهن احليازي‪ .‬ذلك أن الرهن احليازي يعترب عقدا عينيا‪ 105‬برصيح عبارة‬
‫الفصل ‪ 1188‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬الذي جاء فيه ما ييل‪" :‬يتم الرهن احليازي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬برتايض طرفيه عىل إنشاء الرهن؛‬
‫ثانيا‪ :‬وزيادة عىل ذلك بتسليم اليشء املرهون فعليا إىل الدائن أو إىل أحد من الغري‬
‫يتفق عليه املتعاقدون‪.‬‬
‫وإذا كان اليشء موجودا بالفعل وقت الرهن يف يد الدائن كان رىض الطرفني وحده‬
‫متطلبا‪ ،‬وإذا وجد اليشء يف يد أحد من الغري وكان حيوزه حلساب املدين كفى أن يقوم هذا‬
‫األخري بإخطار حائز اليشء بإنشاء الرهن‪ .‬وابتداء من هذا اإلخطار‪ ،‬يعترب احلائز األجنبي‬
‫أنه أصبح حائزا لليشء حلساب الدائن ولو مل يكن قد التزم مبارشة جتاهه"‪.106‬‬
‫وإذا ما انتقلنا إىل القوانني املقارنة‪ ،‬نجد القضاء السوري هو اآلخر يؤكد عىل هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬حيث جاء يف قرار ملحكمة النقض السورية بتاريخ ‪ 30‬شتنرب ‪ 1970‬عىل "أن‬
‫رهن األشياء املنقولة يتم بنقل حيازة املرهون للدائن‪ ،‬وتسليمه اليشء املرهون ليعلم‬

‫‪ 104‬القرار عدد ‪ 5017‬الصادر بجميع الغرف بتاريخ ‪ 6‬دجنرب ‪ 2010‬يف امللف املدين عدد ‪ .2006/5/1/2290‬جملة قضاء املجلس األعىل؛‬
‫العدد‪2011 ،73:‬؛ ص‪.33:‬‬
‫‪ 105‬لقد تراجع القانون املدين املرصي لسنة ‪ 1948‬عن هذه القاعدة‪ ،‬وجعل الرهن احليازي جمرد عقد رضائي بعدما كان القانون املرصي القديم‬
‫جيعله عينيا –عىل غرار قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ .-‬حيث أصبح التسليم بحسب هذا القانون –القانون املدين املرصي‪ -‬التزاما عىل‬
‫الراهن وأثرا للعقد ال رشطا النعقاده؛ أي أن الرهن احليازي أصبح من العقود الرضائية‪.‬‬
‫سمري تناغو‪ :‬التأمينات العينية عىل الطائرات؛ جملة العلوم القانونية واالقتصادية؛ العدد الثاين؛ ‪1965‬؛ ص‪.206:‬‬
‫سمري عبد السيد تناغو‪ :‬التأمينات الشخصية والعينية؛ الكفالة‪-‬الرهن‪-‬حق االختصاص‪-‬الرهن احليازي‪-‬حقوق االمتياز؛ مكتبة توزيع‬
‫املعاريف باالسكندرية‪1975/‬؛ ص‪.336:‬‬
‫‪ 106‬مأمون الكزبري‪ :‬التحفيظ العقاري واحلقوق العينية األصلية والتبعية يف ضوء الترشيع املغريب؛ اجلزء الثاين‪ :‬احلقوق العينية األصلية والتبعية؛‬
‫رشكة اهلالل العربية للطباعة والنرش‪ /‬الطبعة الثانية ‪1987‬؛ ص‪.283:‬‬

‫‪56‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الغري بوجود حق رهن عىل العني املرهونة" ‪.‬‬


‫‪107‬‬

‫‪ .97‬ما ينطبق عىل الرهن احليازي يرسي أيضا عىل عقد اهلبة‪ ،108‬حيث يعترب هو اآلخر‬
‫عقدا عينيا‪ ،109‬تطبيقا للحديث الرشيف الذي جاء فيه "ال جتوز اهلبة إال مقبوضة"‪.‬‬
‫يذهب الفقه عموما‪ ،‬إىل أن اشرتاط الشكلية غالبا ما يكون ناجتا عن خطورة‬
‫بعض الترصفات؛ لذلك يقررها املرشع رغبة منه حلامية الصالح العام أو هبدف محاية‬
‫املتعاقدين أنفسهم أو محاية للغري أو لناقص األهلية أو للقارصين‪ ،‬وأحيانا هبدف إعطاء‬
‫املتعاقدين فرصة للتأمل بخصوص ما يقدمون عليه من ترصفات‪ .‬وبخصوص اهلبة‪،‬‬
‫فإن احلكمة من اشرتاط الشكلية بخصوص هذا العقد تتمثل أساسا يف االعتبارات‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬توفري احلامية للواهب‪ ،‬عن طريق تنبيهه إىل خطورة العمل الذي يقدم عليه‬
‫بالترصف يف أمواله بدون مقابل‪ ،‬حيث تدفعه هذه الشكلية إىل الرتوي؛‬
‫‪ -‬محاية أرسة الواهب‪ ،‬ملا فيها من إشهاد وعلنية‪ ،‬لدرجة يعلم هبا الورثة‪ ،‬مما‬
‫يمكنهم من ثني مورثهم عن عمله هذا؛‬
‫‪ -‬محاية املوهوب له نفسه‪ ،‬حتى ال يطعن يف هذا العقد بأي طعن من قبل الورثة‬
‫أو الدائنني أو حتى الواهب نفسه‪ ،‬حيث حياول الرجوع يف اهلبة‪.‬‬

‫‪ 107‬أشار إىل هذا القرار األستاذ طعمة؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8504:‬‬


‫‪ 108‬عرف املالكية اهلبة بأهنا متليك ذي منفعة لوجه املعطى بغري عوض‪ .‬وقد استشف الفقهاء من مثل هذه التعاريف العديد من اخلصائص التي‬
‫تتميز هبا اهلبة؛ لعل أمهها‪:‬‬
‫‪ -‬اهلبة عقد ال إرادة منفردة‪ .‬ويتبني من ذلك أهنا تنعقد بتوافق إراديت طريف التعاقد ومها الواهب واملوهوب له‪ .‬والفقهاء مجيعهم متفقون عىل‬
‫أنه ال بد من اإلجياب والقبول يف اهلبة؛ فقد عد ابن جزي الغرناطي وهو من فقهاء املالكية اإلجياب والقبول من أركان العقد يف اهلبة‪ .‬وقال أبو‬
‫اسحاق الشريازي –وهو من فقهاء الشافعية‪ -‬وال تصح اهلبة إال باإلجياب والقبول ألنه متليك آدمي آلدمي فافتقر إىل اإلجياب والقبول كالبيع‬
‫والنكاح‪...‬؛ وذكر القايض وأبو اخلطاب من احلنابلة أن اهلبة والعطية ال تصح كلها إال بإجياب وقبول‪.‬‬
‫‪ -‬اهلبة عقد يتم حال احل ياة‪ .‬وهذه اخلاصية جتعلها تفرتق عن الوصية‪ ،‬ألن ملكية املوىص به ال تنتقل إىل املوىص له إال بعد وفاة املويص‪ .‬قال‬
‫الشيخ خليل‪ :‬وقبول املعني رشط بعد املوت فامللك له باملوت‪ .‬وهلذا ال يصح تعليق اهلبة برشط ألهنا متليك ملعني يف احلياة فلم جيز تعليقها عىل‬
‫رشط كالبيع‪"...‬؛‬
‫‪ -‬اهلبة من أعامل الترصف‪ .‬وعقد اهلبة يلتزم الواهب بنقل ملكية اليشء املوهوب إىل املوهوب له‪ .‬وهذه اخلاصية ال تتجىل يف أعامل التربع‬
‫األخرى كاإلخدام والعارية واحلبس رغم كون اجلميع بغري عوض‪ ،‬ألن هذه األنواع ينصب عنرص التربع فيها عىل املنافع فقط‪.‬‬
‫حممد الرافعي ‪ :‬اهلبة يف الفقه اإلسالمي؛ بحث حتت إرشاف األستاذ السعيد بوركية بدار احلديث احلسنية؛ ‪1985‬؛ ص‪ 8:‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 109‬تعترب اهلبة يف القانون الفرنس عقدا شكليا ينبغي حتريره يف حمرر رسمي وفقا لشكليات حددهتا املادة ‪ 931‬من القانون املدين الفرنس‪.‬‬
‫‪JUBAULT Christian : Droit civil ; les successions, les libéralités ; 2ème édition/‬‬
‫‪MONTCHRESTIEN/2010. P:540.‬‬

‫‪57‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫إشكالية‪ :‬إمكانية االستغناء عن احلوز املادي باحلوز القانون يف العقارات‬


‫املحفظة ‪.‬‬
‫‪110‬‬

‫‪ .98‬اختلف القضاء املغريب بخصوص هذه النقطة‪ ،‬حيث ذهبت بعض القرارات‬
‫إىل أن احلوز القانوين يغني عن احلوز املادي يف العقارات املحفظة‪ ،‬يف حني متسك‬
‫البعض اآلخر إىل أنه باإلضافة لرشط تسجيل اهلبة بالسجل العقاري فإنه ينبغي‬
‫حصول احلوز املادي هو اآلخر‪.‬‬
‫من القرارات التي سارت عىل املوقف األول‪ ،‬نشري إىل القرار الصادر عن حمكمة‬
‫النقض بتاريخ ‪ 5‬فرباير ‪ ،1992‬الذي جاء فيه "‪...‬إن القرار املطعون فيه ملا اعترب رشط‬
‫صحة الصدقة هو احلوز القانوين وذلك بتسجيل املتصدق به عىل الرسم العقاري يف‬
‫حياة املتصدق طبقا ألحكام الفصلني ‪ 66‬و ‪ 67‬من ظهري ‪ 12‬غشت ‪ 1913‬يكون قد‬
‫طبق القانون تطبيقا سليام وجاء معلال تعليال كافيا‪ . "...‬كام ذهبت حمكمة النقض يف‬
‫‪111‬‬

‫قرار هلا بتاريخ ‪ 13‬فرباير ‪ ،1996‬إىل أن تسجيل عقد الصدقة بالرسم العقاري قيد حياة‬
‫املتصدق يعترب حيازة قانونية يغني عن إشهاد العدول بمعاينة احليازة أو إثباهتا" ‪.‬‬
‫‪112‬‬

‫يف قرار آخر‪ ،‬ذهبت حمكمة النقض بتاريخ ‪ 25‬دجنرب ‪ ،1991‬إىل "‪..‬إن احليازة التي‬
‫تشكل يف الفقه املالكي رشطا لصحة التربع قبل حدوث املانع هي احليازة القانونية وليس‬
‫جمرد احليازة املادية‪ .‬وإذا كان العقار حمفظا‪ ،‬فإن حيازة املتربع له ال تنقل امللكية إىل هذا‬
‫األخري وال تنتج أي أثر إال بتسجيل العقد عىل الرسم العقاري عمال بأحكام املادتني ‪66‬‬
‫و ‪ 67‬من ظهري التحفيظ العقاري‪ ،‬وبالتايل فإن التسجيل الذي يأيت الحقا بوفاة املتربع ال‬
‫حيول دون بطالن التربع ولو كان مسبوقا باحليازة املادية للمتربع به قيد حياة املتربع‪.113"...‬‬

‫‪ 110‬لقد نظم املرشع املغريب مؤخرا عقد اهلبة‪ ،‬وذلك بمقتىض املواد من ‪ 273‬إىل ‪ 289‬من القانون رقم ‪ 39.08‬املعترب بمثابة مدونة احلقوق العينية‪.‬‬
‫اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5998‬بتاريخ ‪ 24‬نوفمرب ‪ 2011‬املوافق ل‪ 27‬ذو احلجة ‪ ،1432‬ص‪.5587:‬‬
‫وبالرجوع للامدة ‪ ، 273‬نجدها عرفت اهلبة بأهنا متليك عقار أو حق عيني عقاري لوجه املوهوب له يف حياة الواهب دون عوض‪.‬‬
‫‪ 111‬قرار غري منشور‪.‬‬
‫‪ 112‬جملة قضاء املجلس األعىل؛ العدد ‪50-49‬؛ ص‪.108:‬‬
‫أشار إليه أيضا احممد برادة غزيول‪ ،‬حلسن بقايل‪ ،‬حممد أمحدش‪ ،‬عبداهلل الدكار‪ ،‬عادل العشايب‪ ،‬سعيد املعتصم‪ ،‬حممد اهليني‪ :‬الدليل العميل للعقار غري‬
‫املحفظ؛ منشورات مجعية نرش املعلومة القانونية والقضائية؛ العدد الثاين‪ ،‬فرباير ‪2007‬؛ ص‪.104:‬‬
‫‪ 113‬جملة املرافعة؛ العدد اخلامس؛ ص‪.216:‬‬

‫‪58‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫من هذه القرارات أيضا نشري إىل القرار الصادر عن حمكمة النقض بتاريخ ‪9‬‬
‫يوليوز ‪ ،2008‬الذي جاء فيه "لئن كانت اهلبة يف العقار العادي أو يف طور التحفيظ‬
‫عمال بالفقه اإلسالمي ال تنشأ إال بعقد عديل يشهد فيه العدالن عىل الواهب هببة‬
‫العقار إىل املوهوب له ومعاينتهام حلوز هذا األخري للعقار املوهوب له‪ ،‬فإن اهلبة يف‬
‫العقار املحفظ عمال بالفصلني ‪ 66‬و‪ 67‬من ظهري التحفيظ العقاري فضال عىل أهنا ال‬
‫تؤسس إال بعقد رسمي مستوف لكافة الرشوط فإنه ال يكون هلا وجود قانوين إال‬
‫بتسجيلها يف الرسم العقاري" ‪.‬‬
‫‪114‬‬

‫‪ .99‬كام سبق أن أرشنا لذلك‪ ،‬فإنه يف مقابل هذا التوجه للقضاء املغريب ذهبت‬
‫قرارات أخرى إىل أنه باإلضافة لرشط تسجيل عقد اهلبة بالسجل العقاري فإنه ال بد‬
‫من توافر احلوز املادي‪ .‬من ذلك ما ذهبت إليه حمكمة النقض يف قرار هلا بتاريخ ‪28‬‬
‫مارس ‪ ،1989‬حيث جاء فيه "حقا‪...‬ما نعته هاته الوسيلة عىل القرار املطعون فيه الذي‬
‫اعتمد رسم الصدقة عدد ‪ 265‬الذي طعن فيه بأنه جمرد عام يثبت امللكية وخال من‬
‫معاينة احليازة ومل جيب القرار عن هذا الدفع الذي متسك به الطاعنان يف املرحلتني وله‬
‫آثاره فقها الشرتاط الفقهاء احليازة باملعاينة يف التربعات‪. "...‬‬
‫‪115‬‬

‫‪ .100‬وقد أحسن املرشع املغريب مؤخرا بتنظيمه هلذه املسألة‪ ،‬وذلك بمقتىض‬
‫القانون رقم ‪ 39.08‬املعترب بمثابة مدونة احلقوق العينية‪ ،‬حيث أكد عىل أن التقييد‬
‫بالسجالت العقارية يغني عن احليازة املادية متى تعلق األمر بعقار حمفظ أو يف طور‬
‫التحفيظ؛ كام يتضح لنا من مراجعة املادة ‪ 274‬من هذا القانون التي جاء فيها‪" :‬تنعقد‬
‫اهلبة باإلجياب والقبول‪.‬‬
‫جيب حتت طائلة البطالن أن يربم عقد اهلبة يف حمرر رسمي‪.‬‬
‫يغني التقييد بالسجالت العقارية عن احليازة الفعلية للملك املوهوب وعن‬
‫إخالئه من طرف الواهب إذا كان حمفظا أو يف طور التحفيظ‪.‬‬
‫فإذا كان غري حمفظ فإن إدراج مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخالئه"‪.‬‬

‫‪ 114‬قرار مؤرخ يف ‪2008/07/09‬؛ ملف مدين عدد ‪2006/3/1/3144‬؛ جملة قضاء املجلس األعىل؛ العدد ‪71‬؛ ‪2009‬؛ ص‪.114:‬‬
‫‪ 115‬جملة قضاء املجلس األعىل؛ العدد ‪.43-42‬‬

‫‪59‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثان‪ :‬العقود االختيارية وعقود اإلذعان‬


‫‪ .101‬يقصد بالعقد االختياري العقد الذي ينبني عىل املساومة احلرة لألطراف‪،‬‬
‫بحيث تتم مناقشة بنود العقد بمحض اختيار املتعاقدين معا وفقا ملبدأ العقد رشيعة‬
‫املتعاقدين‪ ،‬وهذا ما نستخلصه من الفصل ‪ 19‬من قانون االلتزامات والعقود املغريب؛‬
‫ويتميز العقد االختياري عموما‪ ،‬بأن أطرافه يكونان متساويان من حيث املراكز‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫‪ .102‬يف مقابل العقود االختيارية أو التفاوضية‪ ،‬توجد عقود اإلذعان التي اختلف‬
‫الفقه عىل الرشوط التي ينبغي توفرها للقول بأن هذا العقد هو بالفعل عقد إذعان ‪.‬‬
‫‪116‬‬

‫فهناك من الفقه من اعترب أنه لتحديد عقد اإلذعان ال بد من توافر ثالثة سامت أو‬ ‫‪117‬‬

‫خصائص‪ ،‬وهي أن يكون اإلجياب موجها للعموم أوال‪ ،‬أما اخلاصية الثانية فهي أن‬
‫يكون عقد اإلذعان من العقود الرضورية للمذعن‪ ،‬وأخريا أن يكون هناك احتكار‬
‫قانوين أو فعيل للسلعة أو اخلدمة‪.‬‬

‫‪ 116‬دون إغفال اإلشارة إىل االنقسام الذي عرفه الفقه بداية حول طبيعة عقود اإلذعان‪ .‬حيث انقسم الفقه إىل مذهبني رئيسيني‪ ،‬األول يرى أن‬
‫عقود اإلذعان ليست عقودا حقيقية‪ ،‬فهم يرون أن ما يسمى بعقد اإلذعان هو أقرب إىل أن يكون قانونا أخذت رشكات االحتكار الناس بإتباعه‪،‬‬
‫وي تزعم هذا االجتاه الفقيه سايل وأغلب فقهاء القانون العام ومن بينهم الفقيه ديموج الذي يرى أن عقد اإلذعان هو مركز قانوين منظم‪ .‬أما الرأي‬
‫الثاين‪ ،‬الذي يمثله غالبية فقهاء القانون املدين‪ ،‬فريى أن عقد اإلذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتني‪ ،‬وخيضع بصفة عامة لنفس القواعد العامة‬
‫التي ختضع هلا باقي العقود‪ .‬واحلل لعالج التباين احلاصل بني طريف عقد اإلذعان ال تكمن يف إنكار الطبيعة العقدية‪ ،‬وإنام يف البحث عن حلول‬
‫قانونية حلامية الطرف املذعن‪ ،‬باعتباره الطرف الضعيف يف عقود اإلذعان‪ .‬ومن هذه احللول التي اعتمدهتا خمتلف الترشيعات هو فرض أسعار‬
‫جربية لبعض السلع حلاجة الناس الرضورية هلا وذلك عن طريق القرارات واللوائح‪ ،‬بحيث ال جيوز بيعها بام يزيد عىل هذا السعر‪.‬‬
‫أنظر للتوسع يف احللول التي اعتمدهتا الترشيعات احلديثة وأيضا الفقه اإلسالمي بخصوص هذا النوع من العقود‪:‬‬
‫فؤاد حممود عوض‪ :‬دور الق ايض يف تعديل العقد‪ ،‬دراسة حتليلية وتأصيلية يف الفقه اإلسالمي والقانون املدين املرصي‪ .‬مطابع حلبي لطباعة‬
‫األوفست‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1999/‬ص‪.264:‬‬
‫‪ 117‬حممود مجال الدين زكي‪ :‬الوجيز يف نظرية االلتزام يف القانون املدين املرصي‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬اجلزء األول‪ ،1976 ،‬بند ‪.47‬‬
‫محد اهلل حممد محد اهلل‪ :‬محاية املستهلك يف مواجهة الرشوط التعسفية يف عقود االستهالك‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ /‬القاهرة‪،1997 ،‬‬
‫ص‪.47:‬‬
‫وهو نفس املوقف الذي سار عليه القضاء يف بعض الدول‪ ،‬من ذلك ما ذهبت إليه حمكمة التمييز الكويتية يف قرار هلا بتاريخ ‪ 4‬يناير ‪،1988‬‬
‫والتي جاء فيها " إن عقود اإلذعان تتميز عن غريها باجتامع سامت ثالث‪ ،‬أوهلا تعلق العقد بسلع أو مرافق تعترب من الرضوريات بالنسبة‬
‫للمستهلكني أو املنتفعني‪ ،‬وثانيها هي احتكار املوجب هلذه السلع أو املرافق احتكارا قانونيا أو فعليا أو قيام منافسة حمدودة النطاق بشأهنا‪ ،‬وثالثها‬
‫صدور اإلجياب إىل الناس كافة وبرشوط واحدة وعىل نحو مستمر‪ ،‬والقبول يف هذه العقود ليس إال إذعانا ملا يمليه املوجب‪ ،‬فالقابل ليس له إال‬
‫أن يأخذ أو يدع‪ ،‬وملا كان يف حاجة للتعاقد‪ ،‬فهو مضطر إىل القبول‪ ،‬فرضاؤه موجود‪ ،‬ولكنه مفروض عليه‪ ،‬وهذا الرضب من اإلكراه ليس هو‬
‫املعروف يف عيوب اإلرادة بل هو إكراه متصل بعوامل اقتصادية أكثر منه متصال بعوامل نفسية"‪.‬‬
‫جملة القضاء والقانون‪ ،‬السنة السادسة عرشة‪ ،‬ع‪ ،1:‬مارس ‪ ،1995‬ص‪.45:‬‬

‫‪60‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫بينام البعض اآلخر‪ ،‬تطلب فقط توفر رشطني ؛ األول يتمثل يف رضورة أن‬
‫‪118‬‬

‫يكون إعداد العقد وحتضريه من جانب أحد املتعاقدين بشكل منفرد وسابق عىل أي‬
‫مفاوضات خاصة بالعقد‪ ،‬أما الرشط الثاين فهو أن يتمتع املتعاقد الذي يصيغ العقد‬
‫بسلطة فرضه عىل املتعاقد الخر‪ ،‬ولن يتمتع هذا املتعاقد بذلك إال إذا كان يف وضع‬
‫املحتكر للسلعة أو اخلدمة حمل العقد‪.‬‬
‫غري أن عدم حتقق هذا الرشط ال يكفي لوحده‪ ،‬لنفي كل عالقة للعقد بصفة اإلذعان‪،‬‬
‫السيام يف ظل وجود رأي فقهي أكثر توازنا من وجهة نظرنا‪ ،‬والذي يتطلب لتحديد صفة‬
‫اإلذعان جمرد غياب قدرة املتعاقد عىل مناقشة بنود العقد ‪ .‬بمعنى أنه ليس الزما رشط توافر‬
‫‪119‬‬

‫االحتكار للسلعة أو اخلدمة من جانب أحد املتعاقدين من أجل االعرتاف بكون اآلخر يف‬
‫موضع اإلذعان له وإنام يكفي أن ينفرد أحد األطراف بوضع رشوط التعاقد مسبقا ‪ ،‬وذلك‬
‫‪120‬‬

‫من أجل محاية املستهلك الطرف الضعيف يف العالقة التعاقدية‪.‬‬


‫‪ .103‬عموما‪ ،‬فإن عقود اإلذعان تتميز يف جمملها بانعدام إرادة أحد طرفيها أو عىل‬
‫األقل يف انفراد إحدى هذه اإلرادات يف حتديد بنود العقد أو االلتزامات الناجتة عنه ‪.‬‬
‫‪121‬‬

‫وما يميز هذه العقود أيضا هو غياب التوازن االقتصادي بني مركزي املتعاقدين‪ .‬وعىل‬
‫حد تعبري بعض الفقه أن سبب نشأة عقود اإلذعان يرجع إىل قيام قوى هائلة‬ ‫‪122‬‬

‫اقتصاديا باتت تتحكم يف أرزاق الناس أو فيام تقتضيه حياهتم من سلع رضورية أو‬

‫‪118‬‬ ‫‪MALINVAUD Philippe : Droit des obligations, les mécanismes juridiques des relations‬‬
‫‪économiques, Litec/ Paris, 1990, P :35.‬‬
‫‪BERLIOZ G. : Le contrat d’adhésion, L.G.D.J. 1976, 2ème édition, P:27.‬‬
‫‪BRICKS Hélène : Les clauses abusives ; Librairie générale de droit et de jurisprudence, Paris, 1982,‬‬
‫‪P:9.‬‬
‫أمحد عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مصادر االلتزام‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.247:‬‬
‫‪119 MOUMMI Saad : Droit civil, droit des obligations en droit comparé français et marocain, édition‬‬

‫‪Elbadii, Marrakech, 2000, P:35.‬‬


‫‪ 120‬حممد عبد الظاهر حسني‪ :‬اجلوانب القانونية للمرحلة السابقة عىل التعاقد‪ ،‬جملة احلقوق‪ ،‬عدد خاص لتأبني املرحوم الدكتور سليامن العيسى‪،‬‬
‫السنة الثانية والعرشون‪ /‬العدد الثاين‪-‬يونيو ‪ ،1988‬ص‪.751:‬‬
‫‪ 121‬عبد احلق صايف‪ :‬القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬املصدر اإلرادي لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول‪ :‬تكوين العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89:‬‬
‫السيد حممد السيد عمران‪ :‬محاية املستهلك أثناء تكوين العقد‪ ،‬دراسة مقارنة مع دراسة حتليلية وتطبيقية للنصوص اخلاصة بحامية املستهلك‪،‬‬
‫منشأة املعارف باإلسكندرية‪ ،‬دون ذكر سنة الطبع‪ ،‬ص‪.27:‬‬
‫‪ 122‬حممد عبد الظاهر حسني‪ :‬اجلوانب القانونية للمرحلة السابقة عىل التعاقد؛ مرجع سابق؛ ص‪.750:‬‬

‫‪61‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫خدمات الزمة‪ ،‬وقد توصلت إىل ذلك من خالل االحتكار الذي يقيض عىل املنافسة‪.‬‬
‫والنتيجة التي ترتبت عىل هذا االحتكار هي انفراد هذه القوى املحتكرة بوضع رشوط‬
‫التعاقد وبنوده ‪ ،‬وال تقبل من املتعاقدين معها مناقشة هلذه البنود أو االعرتاض عليها‬ ‫‪123‬‬

‫بحيث ال يكون أمامهم سوى قبول بنود العقد برمتها أو رفض التعاقد‪.‬‬
‫لذلك فإن االجتاه السائد اآلن يف الفقه والقضاء الفرنسيني أصبح يرى أن‬
‫الالمساوة يف القوة االقتصادية يف عقد اإلذعان ليس من الرضوري أن تكون نتيجة‬
‫احتكار أو حتى نتيجة قوة اقتصادية ضخمة ‪ ،‬فكل مهني يستطيع من خالل وضعه أن‬
‫‪124‬‬

‫يفرض رشوطه عىل زبنائه ولو مل يكن ذلك إال ألهنا مماثلة بشكل حمسوس لرشوط‬
‫منافسيه‪ .‬وهذا ما دفع الفقه الفرنس إىل تعريف عقد اإلذعان عىل أنه انضامم لعقد‬
‫نموذج حيرره أحد املتعاقدين بصورة أحادية اجلانب وينضم إليه املتعاقد اآلخر بدون‬
‫إمكانية حقيقية لتعديله ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتضح لنا أن الفقه والقضاء الفرنسيي يعتربان‬ ‫‪125‬‬

‫العقود املربمة بي املحرتف املهني وغري املهني عقود إذعان ‪.‬‬


‫‪126‬‬

‫‪ .104‬ويف الوقت الذي أغفل فيه املرشع املغريب‪ ،‬عىل غرار نظريه الفرنس‪ ،‬التطرق‬
‫لعقود اإلذعان ‪ ،‬فإن العديد من الترشيعات العربية التي تأثرت يف جانب مهم منها‬ ‫‪127‬‬

‫باملدرسة اجلرمانية أوردت العديد من القيود واألحكام التي هتدف إىل محاية الطرف‬
‫املذعن ‪ ،‬من ذلك املرشع املرصي الذي تناول مسألة القبول يف عقود اإلذعان يف املادة‬ ‫‪128‬‬

‫‪ 100‬من القانون املدين‪ ،‬بينام تناول سلطة القايض إزاء هذه العقود يف املادة ‪ 149‬من‬
‫نفس القانون وبعدها تناول قواعد تفسري هذه العقود عند الشك يف العبارات الغامضة‬
‫يف املادة ‪ 151‬من القانون املدين‪.‬‬
‫لعل الذي هيمنا من هذه املواد يف موضوعنا هذا‪ ،‬أن املرشع املرصي مل يقف‬
‫مكتوف األيدي أمام الرشوط التي يضعها املذعن يف مواجهة املذعن‪ ،‬وإنام تدخل‬
‫حلامية الطرف املذعن وذلك من خالل أمرين أساسيي؛ األمر األول‪ ،‬يتجىل يف تلك‬
‫‪123 MALAURIE‬‬ ‫‪Ph. et AYNES L. : Droit civil, les obligations, op.cit, P:186.‬‬
‫‪124 GHESTIN‬‬ ‫‪Jacques : La formation du contrat, op.cit, P:97.‬‬
‫‪125 GHESTIN Jacques : Op.cit, P:96.‬‬
‫‪126 GHESTIN Jacques : Op.cit, P:453.‬‬

‫‪ 127‬إدريس الفاخوري‪ :‬محاية املستهلك من الرشوط التعسفية‪ ،‬املجلة املغربية لالقتصاد والقانون‪ ،‬ع‪ ،3:‬يونيو ‪ ،2001‬ص‪.78:‬‬
‫‪ 128‬عبد املنعم فرج الصدة‪ :‬يف عقود اإلذعان يف القانون املرصي‪ ،‬مطبعة جامعة فؤاد األول‪.1946 ،‬‬

‫‪62‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫السلطة التقديرية التي خوهلا املرشع لقايض املوضوع يف إعفاء الطرف املذعن من هذه‬
‫الرشوط أو تعديلها بحسب ما تقتضيه العدالة‪ ،‬فقد جاء يف املادة ‪ 149‬من القانون املدين‬
‫املرصي ما ييل‪" :‬إذا تم العقد بطريق اإلذعان‪ ،‬وكان قد تضمن رشوطا تعسفية‪ ،‬جاز‬
‫للقايض أن يعدل هذه الرشوط أو أن يعفي الطرف املذعن منها‪ ،‬وذلك وفقا ملا تقيض‬
‫به قواعد العدالة‪ ،‬ويقع باطال كل اتفاق عىل خالف ذلك"‪ .‬وهذا النص عىل حد تعبري‬
‫الفقيه عبد الرزاق السنهوري هو أداة قوية يف يد القايض حيمي هبا املستهلك من‬
‫الرشوط التعسفية التي تفرضها عليه رشكات االحتكار ‪.‬‬
‫‪129‬‬

‫أما األمر الثان أو الشكل الثاين من احلامية الذي اعتمده املرشع املرصي‪ ،‬فهو ما‬
‫جاء يف املادة ‪ 151‬من القانون املدين املرصي‪ :1" :‬يفرس الشك يف مصلحة املدين‪.‬‬
‫‪ :2‬ومع ذلك ال جيوز أن يكون تفسري العبارات الغامضة يف عقود اإلذعان ضارا‬
‫بمصلحة الطرف املذعن"‪ .‬بمعنى‪ ،‬أن الشك يفرس يف مصلحة الطرف املذعن سواء‬
‫كان دائنا أو مدينا ‪ ،‬وذلك بخالف ما ورد يف الفصل ‪ 473‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه‬ ‫‪130‬‬

‫عىل أنه عند الشك يفرس االلتزام باملعنى األكثر فائدة للملتزم دون اإلشارة إىل أي‬
‫‪131‬‬

‫استثناء السيام حينام يتعلق األمر باملذعن‪ ،‬ألنه يفرتض أن العاقد اآلخر وهو أقوى‬
‫العاقدين يتوافر له من الوسائل ما يمكنه من أن يفرض عىل املذعن عند التعاقد رشوطا‬
‫واضحة بينة‪ ،‬فإذا مل يفعل ذلك أخذ بتقصريه ومحل تبعته ألنه يعترب متسببا يف هذا‬
‫الغموض من جهة كام ورد يف املذكرة اإليضاحية للمرشوع التمهيدي هلذا القانون ‪.‬‬
‫‪132‬‬

‫بصفة عامة‪ ،‬فقد ظهرت العديد من التربيرات هلذه القاعدة‪ ،‬منها أن األصل براءة‬
‫الذمة وااللتزام استثناء وهذا األخري ال يتوسع فيه‪ ،‬إضافة إىل أن االلتزام يمليه الدائن‬
‫املذعن ال املدين املذعن فإذا ما أماله غامضا ومبهام فإنه يتعني أن يتحمل تبعة‬

‫‪ 129‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬املجلد األول‪ :‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬منشورات‬
‫احللبي احلقوقية‪ ،‬بريوت‪/‬لبنان‪ ،1998 ،‬ص‪.250:‬‬
‫‪ 130‬العريب مياد‪ :‬إشكالية الرتايض يف عقود اإلذعان‪ .‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة حممد اخلامس‪ ،‬الرباط‪ /‬أكدال‪.2002 ،‬‬
‫فؤاد حممود معوض‪ :‬دور القايض يف تعديل العقد‪ ،‬دراسة حتليلية وتأصيلية يف الفقه اإلسالمي والقانون املدين املرصي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.261:‬‬
‫‪ 131‬إدريس العلوي العبدالوي‪ :‬رشح القانون املدين‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار البيضاء‪،1981 ،‬ص‪.596:‬‬
‫حممد شيلح‪ :‬تأويل العقود يف قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة يف القانون اخلاص‪ /‬الرباط‪ ،1995 ،‬ص‪.738:‬‬
‫‪ 132‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.250:‬‬

‫‪63‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫تقصريه ويتعني بناء عىل ذلك أن يفرس الشك ملصلحة املذعن دائنا كان أم مدينا ‪.‬‬
‫‪134‬‬ ‫‪133‬‬

‫‪ .105‬وقد أحسن املرشع املغريب مؤخرا‪ ،‬من خالل القانون رقم ‪ 31.08‬املتعلق‬
‫بتحديد تدابري حلامية املستهلك ‪ ،‬حيث جعل التفسري يف حالة الشك ينبغي أن يكون‬ ‫‪135‬‬

‫باملعنى األكثر فائدة للمستهلك‪ ،‬وهو األمر الذي سبق لنا أن طالبنا به يف العديد من‬
‫املناسبات؛ ذلك أنه بالرجوع للامدة التاسعة من هذا القانون نجدها نصت عىل ما ييل‪:‬‬
‫" فيام يتعلق بالعقود التي حيرر مجيع أو بعض رشوطها املقرتحة عىل املستهلك كتابة‪،‬‬
‫جيب تقديم هذه الرشوط وحتريرها بصورة واضحة ومفهومة‪ .‬ويف حالة الشك حول‬
‫مدلول أحد الرشوط‪ ،‬يرجح التأويل األكثر فائدة بالنسبة إىل املستهلك"‪.‬‬
‫بذلك يكون املرشع املغريب بمقتىض هذا القانون قد سار عىل غرار العديد من‬
‫الترشيعات احلديثة كام يتضح لنا من خالل املادة اخلامسة من التوجيهة األوروبية رقم‬
‫‪ 13.93‬لسنة ‪ ،1993‬والتي جاء فيها عىل أنه "يف حالة الشك يف معنى رشط ما يفرس‬
‫الشك ملصلحة املستهلك"‪ .‬بمعنى‪ ،‬أن جمال محاية عديم اخلربة من خالل قواعد‬
‫التفسري قد أصبح واسعا‪ ،‬وهذا ما أكدته أيضا املادة ‪ 355‬من قانون ‪ 10‬فرباير ‪1978‬‬
‫الفرنس املتعلق بإعالم ومحاية املستهلك‪ ،‬والتي تسمح للقايض بإبطال أي رشط يف‬
‫عقود اإلذعان يؤدي إىل اإلرضار بمصلحة املستهلك أو عديم اخلربة‪ ،‬أي يؤدي إىل‬
‫اإلخالل اجليل يف التوازن يف حقوق املتعاقدين والتزاماهتم ‪.‬‬
‫‪136‬‬

‫‪ .106‬خالصة ما سبق‪ ،‬أن الشك يفرس ملصلحة عديم اخلربة يف عقود اإلذعان‬
‫سواء كان مدينا أم دائنا‪ ،‬ويرجع السبب يف ذلك أن الطرف املذعن مل يشرتك يف صياغة‬
‫عبارات العقد فال يسأل عن غموضها‪ ،‬اليشء الذي سيدفع بدون أدنى شك املهني‬
‫باعتباره الطرف القوي والذي ينفرد بصياغة عبارات العقد حتري أكثر قدر ممكن من‬
‫الدقة والوضوح عند حتريره للعقد‪.‬‬

‫‪ 133‬توفيق حسن فرج‪ :‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬طبعة ‪ ،1978‬ص‪.265 :‬‬


‫‪ 134‬سامي اجلريب‪ :‬تفسري العقد‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2000 ،‬ص‪.531:‬‬
‫‪ 135‬اجلريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 5932‬بتاريخ ‪ 7‬أبريل ‪2011‬؛ ص‪.173:‬‬
‫‪ 136‬ال ينبغي أن ننسى أنه خارج نطاق عقود اإلذعان‪ ،‬نجد املادة ‪ 1602‬من القانون املدين الفرنس التي تقيض بتفسري الشك يف عقد البيع ملصلحة‬
‫املشرتي‪ ،‬بمعنى أن كل عقد غامض أو ملتبس يفرس ضد البائع‪.‬‬
‫ونرى أنه يمكن اعتامد هذا النص عن طريق القياس عىل باقي العقود التي تربط بني مهنيني ومستهلكني‪ ،‬فالبائع كام ذهب لذلك معظم الفقه‬
‫يعترب مهنيا بامتياز بينام املشرتي هو بمثابة مستهلك‪.‬‬
‫‪BENABENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, troisième édition, 1997‬‬
‫‪(Montchrestien), P:135.‬‬

‫‪64‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثالث‪ :‬العقود املهنية وعقود االستهالك‬


‫‪ .107‬أفرزت املتغريات االقتصادية التي شهدها العامل يف العقود األخرية‪ ،‬اعتامد‬
‫تصنيف جديد للعقود من قبل الفقه احلديث ؛ حيث أصبح التمييز األكثر دراسة هو‬
‫‪137‬‬

‫ذلك الذي يميز بني العقود املهنية والعقود االستهالكية ‪ .‬فالعقد املهني هو الذي يتم‬
‫‪138‬‬

‫إبرامه بني املهنيني أو املحرتفني بني بعضهم البعض‪ ،‬حيث هناك نوع من التوازن؛ بينام‬
‫العقد االستهالكي يربط بني طرف مهني واآلخر غري مهني وهو املستهلك‪.‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪ .108‬باعتبار أن الوضع الضعيف الذي يتواجد فيه هذا األخري‪ ،‬أي املستهلك‪،‬‬
‫هو الذي كان وراء تزايد االهتامم هبذا النوع األخري من العقود؛ فإن حتديد مفهوم‬
‫املستهلك نفسه‪ ،‬عرف تغريا مهام نتيجة التطور الذي شهده قانون محاية املستهلك‪،‬‬
‫ويمكن القول أن هناك اجتاهي برزا بخصوص هذا املفهوم؛ االجتاه األول يرى أن‬
‫للمستهلك مفهوما واسعا‪ ،‬بمعنى أنه يعترب مستهلكا كل شخص يتعاقد بغرض‬
‫االستهالك‪ ،‬أي أنه يعترب مستهلكا حتى املهني الذي يترصف خارج اختصاصه‪.‬‬
‫بينام حياول االجتاه الثان التضييق أكثر ما يمكن من املفهوم األول؛ وبحسب هذا‬
‫الرأي الثاين‪ ،‬فإن املستهلك هو الشخص الذي يقتني أو يستعمل األموال أو اخلدمات‬

‫‪137 MALAURIE‬‬ ‫‪Philipe et AYNES Laurent : Les contrats spéciaux, Defrénois, Paris, 2003, P:38 et 595.‬‬
‫‪BENABAENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, op.cit, P:8 et 9.‬‬
‫عبد احلميد أخريف‪ :‬الدليل القانوين للمستهلك‪ ،‬عقود االستهالك‪ :‬البيع يف املوطن –التعاقد عن بعد– العقد اإللكرتوين‪ .‬دراسة يف ضوء‬
‫مشاريع القوانني املغربية املتعلقة بح امية املستهلك وبالتبادل اإللكرتوين للمعطيات والقوانني الدولية املقارنة‪ ،‬مشفوعة بقاموس عريب فرنس‬
‫ألهم املصطلحات القانونية املرتبطة باملوضوع‪ .‬مطبعة أميمية‪ /‬فاس‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2006 /‬ص‪ 3 :‬و‪.4‬‬
‫حممد بودايل‪ :‬محاية املستهلك يف القانون املقارن‪ ،‬دراسة مقارنة مع القانون الفرنس‪ .‬دار الكتاب احلديث‪ ،2006 ،‬ص‪.38:‬‬
‫‪ 138‬هناك من يميز بني العقود املتوازنة وعقود االستهالك‪ .‬ويقصد بالعقد املتوازن هو ذلك العقد الذي يربم بني طرفني متكافئني‪ ،‬كام يتمتعان‬
‫بنفس مستوى املعرفة التقنية ملحل التعاقد‪.‬‬
‫عبد احلق صايف‪ :‬القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬املصدر اإلرادي لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول‪ :‬تكوين العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.95:‬‬
‫بحسب الفقيه املغريب حممد احلبيب التجكاين‪ ،‬فإن محاية املستهلك تعني استعامل املجتمع املسلم لوسائل رشعية حتفظ مصلحة املستهلك‪،‬‬ ‫‪139‬‬

‫اآلنية واملستقبلية‪ ،‬يف املواد‪ ،‬ويف املشا هد والصور‪ ،‬ويف أدوات املعرفة والتوجيه واإلحياء‪ ،‬ويف هذا السياق حرصت احلضارة اإلسالمية عىل توفري‬
‫احلامية الالزمة للمستهلك يف كل هذه املجاالت؛ ويستشهد مضيفا بقوله لإلمام أمحد رمحه اهلل الذي ذهب فيها "يأمر املحتسب باجلمعة‪،‬‬
‫واجلامعات‪ ،‬يصدق احلديث‪ ،‬وأداء األمان ات‪ ،‬وينهي عن املنكرات من الكذب‪ ،‬واخليانة وما يدخل يف ذلك من تطفيف املكيال‪ ،‬وامليزان والغش‬
‫يف الصناعات والبياعات والديانات ونحو ذلك"‪.‬‬
‫حممد احلبيب التجكاين‪ :‬مفهوم املسستهلك ووسائل محايته يف اإلسالم‪ .‬يوم درايس حتت عنوان‪ :‬محاية املستهلك بني الرشيعة والقانون‪4 ،‬فرباير‬
‫‪ ،2002‬جامعة حممد األول‪ -‬كلية األداب والعلوم اإلنسانية‪/‬وجدة‪ ،‬منشورات كلية األداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬رقم ‪ ،77‬سلسلة ندوات‬
‫ومناظرات‪ ،2003 ،26‬ص‪.9:‬‬

‫‪65‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫إلشباع حاجاته الشخصية أو العائلية ؛ بمعنى آخر هو كل شخص يترصف لغرض‬ ‫‪140‬‬

‫غري مهني ‪ .‬وبحسب هذا الفريق الثاين‪ ،‬فاملعيار الذي ينبغي اعتامده هو معيار الغرض‬ ‫‪141‬‬

‫من الترصف حيث ال يمكن اعتبار من يقتني ماال أو خدمة لغرض مزدوج أي مهني‬
‫وآخر غري مهني بمثابة مستهلك ‪.‬‬
‫‪142‬‬

‫‪ .109‬بالرغم من أننا نحبذ إحجام الترشيعات عن وضع التعاريف‪ ،‬عىل اعتبار‬


‫ذلك من مهام الفقه‪ ،‬فإن املرشع املغريب عرف املستهلك بمقتىض القانون رقم ‪31.08‬‬
‫املتعلق بتحديد تدابري حلامية املستهلك واملشار إليه سابقا‪ ،‬حيث عرفت املادة الثانية منه‬
‫املستهلك بكونه كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غري‬
‫املهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة الستعامله الشخيص أو العائيل‪.‬‬
‫‪ .110‬ونرى‪ ،‬أنه إذا كان أنصار التضييق من مفهوم املستهلك خيلصون إىل حرمان‬
‫املهني الذي يترصف خارج نطاق اختصاصه من القواعد احلامئية التي جاءت هبا قوانني‬
‫االستهالك ‪ ،‬بحجة أن االعتامد عىل اجلهل لدى هؤالء مقارنة مع أي مستهلك يعترب‬ ‫‪143‬‬

‫أمرا مبالغا فيه ‪ ،‬فإننا ال نؤيد هذا الطرح يف العديد من املناسبات كام هو الشأن‬
‫‪145‬‬ ‫‪144‬‬

‫بالنسبة للسائح الطرف الضعيف يف العقد السياحي الذي يمكن أن يكون مهنيا‬
‫‪146‬‬

‫‪ 140‬حممد احلبيب التجكاين‪ :‬مفهوم املستهلك ووسائل محايته يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9:‬‬
‫‪ 141‬بوعبيد عبايس‪ :‬مفهوم ا ملستهلك عىل ضوء العمل التمهيدي ملرشوع قانون محاية املستهلك‪ ،‬املجلة املغربية لالقتصاد والقانون املقارن؛ ع‪37:‬‬
‫(‪ ،)2002‬ص‪ 175:‬إىل ص‪.178:‬‬
‫‪MESTRE (J.) : Des notions du consommateur, Rev. Trim. Dr. Civ. 1989, P:62.‬‬
‫‪PIZZIO J. P. : L’introduction de la notion du consommateur en droit français, Dalloz, 1982,‬‬
‫‪Chronique 91.‬‬
‫‪ 142‬يف هذا الصدد يرى الباحث بوعبيد عبايس أنه ليس من املؤكد أن املهني الذي يترصف خارج نطاق اختصاصه يكون غري قادر عىل محاية نفسه‬
‫كاملستهلك البسيط‪ ،‬صحيح أن األمر خيتلف بحسب احلاالت بطبيعة احلال‪ ،‬ولكن يبدو بصفة عامة أن الشخص الذي يترصف بناء عىل جمموعة‬
‫من العوامل واملربرات املحددة لسلوكه أكثر من ذلك الذي يترصف هبدف إشباع حاجاته الشخصية أو العائلية‪ ،‬وهكذا فهو يستطيع الدفاع عن‬
‫نفسه أكثر من غريه‪.‬‬
‫بوعبيد عبايس‪ :‬مفهوم املستهلك عىل ضوء العمل التمهيدي ملرشوع قانون محاية املستهلك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.183:‬‬
‫‪ 143‬أبو العال عيل أبو العال النمر‪ :‬محاية املستهلك يف العالقات اخلاصة ذات الطابع الدويل‪ ،‬دار النهضة العربية‪ /‬الطبعة األوىل‪ ،2004 ،‬ص‪.5:‬‬
‫‪PAISANT (G.) : Essai sur la notion de consommateur en droit positif, Op.cit, 3655.‬‬
‫‪ 144‬بوعبيد عبايس‪ :‬مفهوم املستهلك عىل ضوء العمل التمهيدي ملرشوع قانون محاية املستهلك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.183:‬‬
‫‪ 145‬يف الواقع هناك صعوبة يف حتديد مفهوم املستهلك‪ ،‬وهلذا السبب أقدمت بعض االتفاقيات الدولية عىل وضع تعريف ملفهوم املستهلك حماولة‬
‫منها إلزالة هذا الغموض‪ ،‬ومن هذه االتفاقيات نشري إىل اتفاقية روما ل‪ 19‬يونيو ‪( 1980‬املادة اخلامسة منها) املتعلقة بالقانون الواجب التطبيق‬
‫عىل االلتزامات التعاقدية‪.‬‬
‫أبو العال عيل أبو العال النمر‪ :‬محاية املستهلك يف العالقات اخلاصة ذات الطابع الدويل؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6:‬‬
‫‪ 146‬هو نفس املوقف الذي دافع عنه الفقيه الفرنس فرييه ديدييه‪ ،‬الذي ذهب إىل أن املفهوم الواسع للمستهلك هو الذي ينسجم مع غايات قانون االستهالك؛‬
‫فإذا كانت احلامية تربرها وضعية الضعف التي يوجد فيها املتعاقد فال هيم بعد ذلك الغاية من الترصف الذي يربمه هذا األخري‪ ،‬فاملهني الذي يترصف خارج‬
‫نطاق نشاطه املهني يستحق احلامية إذن‪ ،‬إنه يعترب غري مهني يف هذه احلالة‪ ،‬بمعنى أنه جاهل‪ ،‬عىل الرغم من أنه ال يتعاقد من أجل تلبية مصلحة صفة شخصية‪.‬‬
‫=‬
‫‪66‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫حلرف ال متت للقطاع السياحي بصلة‪ ،‬ومن ثم ال يمكنه أن يدرك كل التفاصيل‬


‫املرتبطة بالعقد السياحي‪.‬‬
‫‪ .111‬نشري من جهة أخرى‪ ،‬إىل أن املرشع املغريب وضع حدا للجدل الفقهي‬
‫‪147‬‬

‫الدائر حول إمكانية شمول مفهوم املستهلك للشخص املعنوي ‪ .‬فبينام رأى البعض‬
‫‪148‬‬

‫بأنه ال مانع أن يكون شخصا طبيعيا أو معنويا ‪ ،‬ذهب البعض اآلخر إىل أنه ال يتصور‬
‫‪149‬‬

‫إال أن يكون شخصا طبيعيا ‪ .‬حيث تبنى القانون رقم ‪ 31.08‬القايض بتحديد تدابري‬ ‫‪150‬‬

‫حلامية املستهلك املوقف األول‪ ،‬كام يتضح لنا من التعريف الذي خصصه للمستهلك‬
‫بمقتىض املادة الثانية منه‪ ،‬التي جاء فيها "يقصد باملستهلك كل شخص طبيعي أو‬
‫معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غري املهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات‬
‫معدة الستعامله الشخيص أو العائيل"‪.‬‬
‫‪ .112‬خالصة القول‪ ،‬إن املرشع املغريب أحسن بتبنيه للقانون رقم ‪ 31.08‬القايض‬
‫بتحديد تدابري حلامية املستهلكني؛ حيث إنه بالرجوع لديباجته نستشف مالحظتي‬
‫أساسيتي؛ األوىل‪ ،‬إقراره بأن هذا القانون هو جمرد إطار مكمل للمنظومة القانونية يف‬
‫جمال محاية املستهلك؛ أما املالحظة الثانية‪ ،‬فتتمثل يف األهداف التي جاء من أجلها هذا‬
‫القانون‪ ،‬حيث عرب عن ذلك‪ ،‬بكون أحكامه جاءت من أجل تعزيز احلقوق األساسية‬
‫للمستهلك‪ ،‬خاصة تلك املتمثلة يف‪:‬‬
‫احلق يف اإلعالم؛‬ ‫‪-‬‬
‫احلق يف محاية حقوقه االقتصادية؛‬ ‫‪-‬‬
‫احلق يف التمثيلية؛‬ ‫‪-‬‬
‫احلق يف الرتاجع؛‬ ‫‪-‬‬
‫احلق يف االختيار؛‬ ‫‪-‬‬
‫احلق يف اإلصغاء إليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪FERIER Didier: La protection des consommateurs, Dalloz, 1996, P:13.‬‬


‫‪147 CORNU G. : La protection du consommateur dans l’exécution du contrat ; Travaux de‬‬
‫‪l’association Henri Capitant ; 1973, Tome III ; P:135.‬‬
‫‪ 148‬بخصوص املهني فإنه ال خالف حول شمول مفهومه لألشخاص الطبيعية واملعنوية عىل حد سواء؛ ففكرة املهني مرتبطة بشكل وثيق‬
‫بامل شاريع‪ ،‬واملرشوع ما هو إال التعبري االقتصادي عن النشاط املهني‪ ،‬سواء كان لشخص طبيعي كالتاجر أو لشخص معنوي كالرشكة‪.‬‬
‫‪Le TOURNEAU et CADIET : Op.cit, P:791.‬‬
‫‪149 Cass. Civ, 1er, 18 Avril 1987.‬‬
‫‪150 Cass. Civ., 22 Novembre 2001, Dalloz, 2002, P:90.‬‬

‫‪67‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املبحث الثان‪ :‬التصنيف القائم عىل أساس طبيعة العقود‬


‫يقتيض منا معاجلة هذا املبحث التمييز أوال بني العقود البسيطة والعقود‬ ‫‪.113‬‬
‫املركبة (املطلب األول)‪ ،‬وأيضا بني العقود الفورية والعقود الزمنية (املطلب الثاين)‪،‬‬
‫وأخريا التمييز بني العقود املحددة والعقود االحتاملية (املطلب الثالث)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬العقود البسيطة والعقود املركبة‬


‫‪ .114‬من بني التقسيامت التي دأب الفقه عليها متييزهم بني العقود البسيطة والعقود‬
‫املركبة ؛ بحيث يكون العقد بسيطا إذا تضمن عملية واحدة ويكون عقدا مركبا إذا تضمن‬ ‫‪151‬‬

‫عدة عمليات أو أداءات قانونية خمتلفة اندجمت مع بعضها لتحقيق غرض واحد كام هو‬
‫‪152‬‬

‫الشأن بالنسبة لعقد االجيار التموييل والعقد السياحي‪.‬‬


‫‪ .115‬بالرغم من اختالف الفقهاء حول تعريف العقد املركب‪ ،‬إال أهنا تكاد جتمع‬
‫عىل وجوب أن يتضمن االتفاق ربطا بني عدة عقود أو أداءات خمتلفة ضمن اتفاق‬
‫واحد يف كل غري قابل لالنقسام أو التجزئة‪ .‬وقد أعطى الفقه عدة أمثلة يتحقق فيها‬
‫العقد املركب‪ ،‬من ذلك احلالة التي يضم فيها االتفاق عدة عقود مسامة خمتلفة ‪ ،‬بحيث‬
‫‪153‬‬

‫جيمع االتفاق بني عقدين أو جمموعة من العقود التي يكفي أحد منها يف حالة‬
‫انعقاده منفصال لتحقيق هدف معني لو مل يفقد ذاتيته اخلاصة ومن ثم يندمج يف‬
‫االتفاق الذي يكون له طبيعته املستقلة عن العقود املكونة له‪ ،‬أو لو مل يكن االتفاق‬
‫متضمنا ملجموعة عقود يكون أحدها هو االتفاق األسايس الذي يفرس غالبية‬

‫‪ 151‬أمحد عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مصادر‬
‫االلتزام‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.169:‬‬
‫حممد صربي السعدي‪ :‬رشح القانون املدين اجلزائري‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ -‬الترصف القانوين‪ ،‬العقد واإلرادة املنفردة‪،‬‬
‫دار اهلدى‪ /‬عني مليلة‪ /‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2004/‬ص‪.53:‬‬
‫‪LAMOUREUX Marie : L’aménagement des pouvoirs du juge par les contractants, recherche sur un‬‬
‫‪possible imperium des contractants, Presse Universitaire D’AIX-MARSEILLE, 2006, P:101.‬‬
‫‪DELEBECQUE Philippe et PANSIER Frédéric-Jérome : Droit des obligations, contrat et quasi-contrat,‬‬
‫‪3ème édition, Litec, Paris/2003, P :12.‬‬
‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Les contrats spéciaux, édition Cujas, 1992, P:17.‬‬
‫‪ 152‬عصام سليم وحممد قاسم‪ :‬مبادئ القانون‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنرش‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1993 ،‬ص‪.261:‬‬
‫‪ 153‬جالل العدوي‪ :‬أصول االلتزام‪ ،‬القاهرة‪ ،1997 ،‬ص‪.35:‬‬

‫‪68‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أحكام العقد املركب إضافة إىل عقود أخرى ثانوية‪.‬‬


‫كام يمكن أن يتضمن االتفاق اجلمع بني عدة عنارص أو آثار لعقود خمتلفة‪،‬‬
‫بحيث ينشأ عن هذا اجلمع عقد واحد‪ ،‬هتدف آثاره أو عنارصه إىل حتقيق غرض‬
‫واحد‪ ،‬فهذا االتفاق ال جيمع بني عدة عقود خمتلفة قائمة بذاهتا يكفي أي منها‬
‫لتحقيق عملية معينة‪ ،‬بل هو ناتج عن اجلمع بني هذه العنارص أو اآلثار لعدة‬
‫عقود خمتلفة بطريقة معينة بحيث حتقق أهداف الطرفني‪.‬‬
‫يف حني يرى جانب أخر من الفقه‪ ،‬أنه حتى نكون بصدد عقد مركب‪ ،‬فإنه‬
‫ينبغي أن تندمج العمليات القانونية املختلفة الداخلة يف العقد املركب يف كل‬
‫واحد غري قابل لالنقسام أو التجزئة‪ ،‬فال نكون أمام عقد مركب إذا كان االتفاق‬
‫يتضمن ربطا بني عدة عقود مستقلة عن بعضها بحيث ينفصل كل منها عن اآلخر‬
‫وال يؤثر فيه ‪.‬‬
‫‪154‬‬

‫بناء عىل ذلك‪ ،‬فإنه حتى نكون إزاء عقد مركب جيب أن تندمج العقود الداخلة يف‬
‫هذا االتفاق يف كل واحد‪ ،‬بحيث يعد كل منها سببا إلبرام اآلخر‪ ،‬ولكون العقد املركب ال‬
‫يقوم إال بإبرام كل هذه العقود‪ ،‬فإذا مل يتم إبرام أحدها فإن العقد املركب ال تقوم له قائمة‪،‬‬
‫لكون أطرافه مل يقبلوا عىل هذه االتفاقات إال بسبب العقد يف كليته ولتحقيق اهلدف منه‪،‬‬
‫ومن ثم فإذا ما تعرضت إحدى هذه االتفاقات للبطالن فإن العقد يبطل يف جمموعه‪.‬‬
‫‪ .116‬قبل االنتهاء من هذا املطلب‪ ،‬ينبغي عدم اخللط بي العقد املركب ونظرية‬
‫العمل املختلط التي تناوهلا املرشع املغريب بمقتىض مدونة التجارة اجلديدة ؛ والعربة يف‬
‫‪155‬‬

‫العمل املختلط ال تكمن يف وقوعه بني تاجر وغري تاجر‪ ،‬وإنام تكمن يف الصفة التي‬
‫يكتسبها العمل بالنسبة لكل واحد من الطرفني املتعاملني عىل حدة‪ .‬ومن ثم نرى أن‬
‫املقصود بالعمل املختلط هو ذلك العمل الذي يعترب جتاريا بالنسبة ألحد طرفيه ومدنيا‬
‫بالنسبة للط رف اآلخر‪ ،‬كاملزارع الذي يبيع منتجات حيواناته من ألبان إىل تاجر املواد‬

‫‪ 154‬عصام أنور سليم‪ :‬عدم جتزئة العقد يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬منشأة املعارف‪ /‬اإلسكندرية‪ ،1991 ،‬ص‪.54:‬‬
‫‪ 155‬ظهري رشيف رقم ‪1.96.83‬صادر يف ‪ 15‬من ربيع األول‪( 1417‬فاتح أغسطس) بتنفيذ القانون رقم ‪ 15.95‬املتعلق بمدونة التجارة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الغذائية‪ ،‬واملوظف الذي يشرتي أجهزة منزلية أو مالبس رياضية من تاجر ‪.‬‬
‫‪156‬‬

‫‪ .117‬ويثري العمل املختلط بصفة عامة صعوبة فيام يتعلق باملحكمة املختصة والقانون‬
‫الواجب التطبيق عىل هذا النزاع‪ .‬ففيام يتعلق بالصعوبة األوىل‪ ،‬فإنه ينظر إىل طبيعة العمل‬
‫بالنسبة للمدعى عليه‪ ،‬فإن كان العمل بالنسبة للمدعي جتاريا وبالنسبة للمدعى عليه مدنيا‬
‫جيب رفع الدعوى أمام املحكمة املدنية أما إذا كان العمل مدنيا بالنسبة للمدعي وجتاريا‬
‫بالنسبة للمدعى عليه جاز رفع الدعوى أمام املحكمة التجارية أو املدنية‪.‬‬
‫تطبيقا لذلك‪ ،‬فإنه إذا رفع تاجر دعوى عىل أحد زبائنه املستهلكني ملطالبته بقيمة ما تم‬
‫توريده إليه وجب عليه رفع تلك الدعوى أمام املحكمة املدنية‪ ،‬أما إذا كانت الدعوى‬
‫مرفوعة من الزبون املستهلك عىل التاجر بخصوص نزاع حول قيمة البضائع التي وردت‬
‫إليه‪ ،‬فإن املدعي املستهلك له اخليار بني رفع الدعوى أمام املحكمة التجارية أو املدنية‪.‬‬
‫أما فيام يتعلق بالقانون الواجب التطبيق عىل العمل املختلط‪ ،‬فإنه ينظر إىل طبيعة النزاع‬
‫وليس للمحكمة املختصة‪ ،‬بمعنى أن القانون املدين يطبق عىل اجلانب املدين من العملية حتى‬
‫ولو كان النزاع معروضا أمام املحكمة التجارية كام يطبق القانون التجاري عىل اجلانب‬
‫التجاري منها‪ .‬وهو املبدأ الذي كرسته املادة الرابعة من مدونة التجارة‪ ،‬التي جاء فيها‪" :‬إذا‬
‫كان العمل جتاريا بالنسبة ألحد املتعاقدين ومدنيا بالنسبة للمتعاقد اآلخر‪ ،‬طبقت قواعد‬
‫القانون التجاري يف مواجهة الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه جتاريا‪ ،‬وال يمكن أن يواجه‬
‫هبا الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه مدنيا‪ ،‬ما مل ينص مقتىض خاص عىل خالف ذلك"‪.‬‬
‫بحسب هذه النظرية‪ ،‬فإن الطرف املدن يمكن له أن يستفيد من قواعد القانون‬
‫املدن د ون أن يستطيع التاجر أن حيتج عليه بقواعد القانون التجاري‪ ،‬يف الوقت الذي‬
‫يستطيع هو االحتجاج هبا‪ ،‬ومن ثم االستفادة بمجموعة من املزايا كقاعديت حرية‬
‫اإلثبات يف املادة التجارية وافرتاض التضامن بني التجار التي نص عليهام تباعا‬
‫الفصلني ‪ 334‬و‪ 335‬من مدونة التجارة املغربية‪ ،‬حيث جاء يف األول "ختضع املادة‬
‫التجارية حلرية اإلثبات‪ .‬غري أنه يتعني اإلثبات بالكتابة إذا نص القانون أو االتفاق عىل‬
‫ذلك"‪ ،‬بينام جاء يف الثاين "يفرتض التضامن يف االلتزامات التجارية"‪.‬‬

‫‪ 156‬إن األعامل املختلطة التي تقع يف احلياة العملية تعترب كثرية ومن تم ال يمكن حرصها‪ .‬ويف مجيع األحوال‪ ،‬فإن العربة يف حتديد العمل املختلط‬
‫تعود لصفة العمل ذاته‪ ،‬ذلك أنه ال يشرتط يف العمل املختلط أن يكون أحد طرفيه تاجرا‪ ،‬فمثال عقد البيع الذي يربمه شخصني مدنيني‪ ،‬يبيع‬
‫أحدمها شيئا ورثه ويشرتي اآلخر بقصد بيعه لريبح‪ ،‬عمل جتاري خمتلط‪ ،‬ولو أن الطرفني ال يعتربان تاجرين‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثان‪ :‬العقود الفورية والعقود الزمنية‬


‫يميز الفقه القانوين بني العقود الفورية والعقود الزمنية؛ واملقصود‬ ‫‪.118‬‬

‫باألوىل‪157‬العقود التي تنتج آثارها القانونية حلظة إبرامها‪ ،‬بالرغم من تأخر التنفيذ‬
‫يف بعضها ما دام أن الزمن ليس عنرصا أساسيا فيها‪ .‬ومن أبرز األمثلة عىل ذلك‬
‫عقد البيع الذي يعترب عقدا فوريا سواء كان موضوعه بيع منقول أو عقار وسواء‬
‫أكان تسليمه يتم فورا أو يتطلب ذلك وقتا معينا حلاجة البائع إىل مدة معينة‬
‫إلعداد الوثائق الالزمة مثال لتسجيله باملحافظة العقارية أو حاجة املشرتي إىل‬
‫بعض الوقت لتوفري السيولة املالية املوازية للثمن‪.‬‬
‫بخالف العقود الفورية‪ ،‬فإن العقود الزمنية‪ 158‬هي التي يكون فيها لعامل‬

‫‪ 157‬العقد الفوري‪ ،‬ويقال له أيضا العقد ذو التنفيذ الفوري‪ ،‬هو العقد الذي ال يقوم يف تنفيذه عىل فكرة الزمن‪ :‬فهو يرمي إىل إشباع حاجة تتطلب‬
‫اإلشباع دفعة واحدة‪ .‬فال يكون الزمن عنرصا جوهريا يف تنفيذه‪ ،‬سواء تم هذا التنفيذ فورا أو تراخى إىل أجل أو آجال متتابعة‪ .‬فعقد البيع مثال‬
‫عقد فوري التنفيذ‪ ،‬سواء كان الثمن (أو املبيع) يقدم فورا أو كان مؤجال أو كان مقسطا‪.‬‬
‫ذلك ألن الزمن ال يدخل يف هذا العقد إال باعتباره عنرصا عرضيا‪ ،‬وذلك بإحدى طريقتني‪:‬‬
‫‪ )1‬قد يتدخل الزمن بإرادة املتعاقدين‪ .‬فبدال من أن ينفذ العقد فورا يتفق املتعاقدان ع ىل تأجيل التنفيذ إىل وقت الحق ويظل هذا التنفيذ فوريا رغم كونه‬
‫مؤجال‪ ،‬ألن األجل هنا حيدد وقت التنفيذ وال يتحدد به مقدار األداء‪ .‬كأن يتفق يف عقد البيع عىل تأجيل الثمن‪ ،‬أو عىل تأجيل تسليم املبيع‪.‬‬
‫وقد تتعدد اآلجال‪ ،‬وذلك عندما يتفق عىل تنفيذ األداء عىل فرتات‪ ،‬فيكون العقد منجم التنفيذ‪ .‬كأن يتفق يف عقد البيع عىل تقسيط الثمن‪ ،‬أو عىل‬
‫تسليم املبيع عىل دفعات‪ .‬وحينئذ تكون هذه اآلجال أيضا‪ ،‬كام يف احلالة السابقة‪ ،‬عنارص عرضية يف العقد‪ ،‬ال يتحدد هبا مقدار الثمن أو املبيع وإنام‬
‫يتحدد هبا وقت التنفيذ‪.‬‬
‫‪ )2‬وقد يتدخل الزمن رغ م إرادة املتعاقدين‪ ،‬فيكون األجل حينئذ رضوريا‪ .‬وذلك إذا كانت النتيجة املقصودة يستغرق حتقيقها مدة من الزمان‪.‬‬
‫كأن يتعاقد شخص مع مقاول عىل بناء منزل‪ ،‬إذ ال بد هلذا البناء من أن يستغرق زمنا‪ ،‬ومن ثم يكون األجل إجباريا‪ .‬ومع ذلك يظل هذا األجل‬
‫عنرصا عرضيا‪ ،‬كام يف ح الة االتفاق االختياري‪ ،‬ألن الزمن حينئذ ال يقاس به املعقود عليه‪ .‬فمدة التنفيذ هنا ال يقابلها إشباع مستمر‪ ،‬وال أثر هلا‬
‫يف زيادة الفائدة املقصودة أو نقصها"‪.‬‬
‫عبد املنعم فرج الصدة‪ :‬مصادر االلتزام؛ رشكة مكتبة ومطبعة مصطفى احللبي وأوالده بمرص؛ ‪1960‬؛ ص‪.72:‬‬
‫‪ 158‬ذهب الفقيه عبد املنعم فرج الصدة إىل أن املقصود هبا "عقد املدة‪ ،‬ويقال له أيضا العقد الزمني أو العقد ذو التنفيذ املمتد‪ ،‬هو العقد الذي‬
‫يكون الزمن عنرصا جوهريا يف تنفيذه‪ ،‬فيكون هو ا ملقياس الذي يقدر به حمل العقد‪ .‬فهو يرمي إىل إشباع حاجة ال يمكن إشباعها إال مقرتنة‬
‫بمدة‪ .‬فعقد اإلجيار عقد مدة ألنه يرد عىل املنفعة‪ ،‬والزمن عنرص جوهري يف تنفيذه ألنه هو الذي حيدد مقدار هذه املنفعة‪ ،‬إذ ال يتصور أن ينفذ‬
‫املؤجر التزامه بتمكني املستأجر من االنت فاع ملدة سنة يف حلظة واحدة‪ ،‬بل ال بد من أن يستغرق هذا التنفيذ سنة كاملة‪.‬‬
‫ويرد عقد املدة إما عىل أداءات مستمرة‪ ،‬أو أداءات دورية‪:‬‬
‫‪ ) 1‬فاألداءات املستمرة ال يمكن تصورها إال مقرتنة بمدة‪ ،‬إذ ال يمكن أن تقاس إال بالزمن‪ .‬كام يف حالة التزام املؤجر بتمكني املستأجر من االنتفاع مدة‬
‫معينة‪ ،‬والتزام العامل بالعمل مدة معينة‪ .‬فاملدة هنا عنرص جوهري وأصيل‪ ،‬إذ هي مقصودة لذاهتا وبذاهتا‪ ،‬وليس جمرد عنرص عريض‪.‬‬
‫وهذه األداءات ال تكون إال مستمرة‪ ،‬ألهنا جيب أن تؤدى بدون انقطاع طول املدة املتفق عليها‪ .‬وهلذا كانت العقود املنشئة هلا عقودا ذات تنفيذ مستمر‪،‬‬
‫كعقد اإلجيار وعقد العمل ملدة معينة وعقد التأمني‪.‬‬
‫‪ ) 2‬واألداءات الدورية تتناول أشياء تقاس بحيز مكاين‪ ،‬بحيث يمكن تنفيذها دفعة واحدة‪ ،‬ولكن يتفق املتعاقدان عىل تكرارها مدة من الزمان إلشباع‬
‫حاجة تتكرر‪ .‬فهي يف ذاهتا تقاس باملكان‪ ،‬ولكن يتفق املتعاقدان عىل أن تقاس بالزمان‪ .‬كام يف عقد التوريد حينام يلتزم مثال خباز بأن يورد أقة من اخلبز‬
‫كل يوم‪ ،‬أو يلتزم بائع لبن بأن يورد رطلني من اللبن كل يوم‪.‬‬
‫=‬
‫‪71‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الزمن دور أسايس لقيام هذا النوع من العقود؛ بل يعترب مسألة وجود وعدم هلذا‬
‫النوع؛ وإذا كان الفقه عادة ما يمثل هلذه العقود بعقد الكراء‪ ،‬وعقد الشغل وعقد‬
‫التوريد‪ ،‬فإننا نرى أن هناك العديد من العقود التي أصبحت أمهيتها تتزايد بشكل‬
‫كبري تعترب هي األخرى عقود زمنية وبالتايل ينبغي ختصيصها بدراسات معمقة‬
‫السيام يف ظل إغفال تنظيمها من قبل املرشع املغريب كام هو الشأن بالنسبة لعقد‬
‫االشرتاك املائي الذي يعترب عقدا زمنيا ودوريا بامتياز‪.159‬‬
‫‪ .119‬اليقترص التمييز بني العقد الزمني والعقد الفوري عىل مستوى التكوين‪ ،‬بل‬
‫أيضا عىل مستوى النتائج والثار املرتتبة عىل كل واحد منهام؛ ولعل أمهها يف نظرنا‬
‫رسيان نظرية الظروف الطارئة عىل العقود الزمنية بالدرجة األوىل‪ .‬ذلك أن العقد‬
‫الزمني يعترب املجال الطبيعي لتطبيق نظرية الظروف الطارئة دون العقد الفوري إال‬
‫‪160‬‬

‫إذا كان مؤجل التنفيذ‪ .‬وهذا ما أشارت إليه املادة ‪ 1467‬من القانون املدين اإليطايل‬
‫املعدل عام ‪ ،1942‬والذي جاء فيه "يف العقود املستمرة أو الدورية أو املؤجلة التنفيذ إذا‬
‫أضحى التزام أحد املتعاقدين مرهقا إرهاقا فاحشا بسبب حوادث استثنائية ال يمكن‬
‫توقعها‪ .‬فلهذا املتعاقد أن يطلب فسخ العقد‪ ،‬ويسقط هذا الطلب إذا تقدم الطرف‬
‫اآلخر بقبول تسوية عادلة وفقا ألحكام املادة ‪ 1458‬مدين إيطايل" ‪.‬‬
‫‪161‬‬

‫فاملعقود عليه يف عقد اإلجيار وعقد التوريد هو يشء يقاس بالزمن ولكنه يقاس يف عقد اإلجيار بالزمن طبيعة‪ ،‬ويقاس يف عقد التوريد بالزمن اتفاقا‪.‬‬
‫عبد املنعم فرج الصدة‪ :‬مرجع سابق؛ ص‪ 73:‬و ‪.74‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‪ :‬عقد االشرتاك املائي بني مفهوم امللك العمومي للامء وهاجس محاية املستهلك‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2017‬‬ ‫‪159‬‬

‫‪ 160‬عرف بعض الفقه نظرية الظروف الطارئة كام ييل‪" :‬يف العقود املرتاخية التنفيذ أي التي يمتد تنفيذها يف الزمن كعقد التوريد إذا طرأت ظروف‬
‫استثنائية غري متوقعة جتعل تنفيذها بالصورة التي تم االتفاق عليها مرهقا ومؤديا إىل إحلاق خسارة فادحة بأحد املتعاقدين جيب أن يباح إعادة‬
‫النظر يف االلتزامات املرتتبة عىل العقد لتعديلها بام يرجع اإلرهاق وحيول دون اخلسارة الفادحة"‪.‬‬
‫مجيل الرشقاوي‪ :‬النظرية العامة لاللتزام؛ مصادر االلتزام‪ /‬الكتاب األول؛ دار النهضة العربية؛ ‪.1976‬‬
‫‪161 « Contratto con prestazionicorrispettive.‬‬

‫‪1.Neicontratti a esecuzionecontinuata o periodicaovvero a esecuzionedifferita, se la prestazione di‬‬


‫‪una delle parti è divenutaeccessivamenteonerosa per il verificarsi di avvenimentistraodinari e‬‬
‫‪imprevedibili, la parte chedeve tale prestazionepuodomandare la risoluzionedelcontratto, con‬‬
‫;‪glieffettistabilitidall’art. 1458 (att. C. 168). » Codice civile e leggicollegate ; ZANICHELLI/2008‬‬
‫‪P:256.‬‬

‫‪72‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫وإذا كان املرشع املغريب مل يتطرق لنظرية الظروف الطارئة بشكل رصيح ‪ ،‬فإن‬
‫‪162‬‬

‫القضاء املغريب تعرض هلا يف العديد من املناسبات‪ ،‬وإن كان موقفه خيتلف بني القضاء‬
‫اإلداري والقضاء العادي‪.‬حيث إن القضاء اإلداري أقر بنظرية الظروف الطارئة منذ‬
‫وقت مبكر من القرن املايض‪ ،‬بمقتىض قرار ملحكمة االستئناف بالرباط بتاريخ ‪22‬‬
‫يوليوز ‪ ،1941‬تتعلق وقائعه بنزاع نشب منذ أواسط الثالثينات من هذا القرن بني‬
‫بلدية سال ومقاولة خاصة متخصصة يف إنجاز أشغال تتصل بمجاري عمومية‪.‬‬
‫يف مقابل هذا االجتاه يف جمال القضاء اإلداري‪ ،‬فإنه يف جمال القانون اخلاص‬
‫يتضح استبعاد القضاء العادي لنظرية الظروف الطارئة‪ ،‬مثله يف ذلك مثل القضاء‬
‫الفرنس قبل أن يقررها املرشع الفرنس بمقتىض األمر الصادر بتاريخ ‪ 10‬فرباير‬
‫‪ 2016‬كام سنرى الحقا‪ ،‬فهو مستقر عىل أن االلتزامات التعاقدية املقامة عىل وجه‬
‫صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة ملنشئيها‪.‬‬
‫باختصار‪ ،‬فإن القضاء العادي املغريب يميز بي االستحالة املطلقة التي تعرتض‬
‫تنفيذ العقد‪ ،‬حيث تقيض بانقضاء العقد تطبيقا ألحكام القوة القاهرة تطبيقا للفصل‬
‫‪ 268‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬وجمرد الصعوبة املادية أو االقتصادية ‪ ،‬حيث تستلزم املحاكم‬
‫‪164‬‬ ‫‪163‬‬

‫‪ 162‬يف مقابل املرشع املغريب الذي مل يتطرق هلذه النظرية‪ ،‬فإن الفقه اإلسالمي أخذ بام يسمى بنظرية اجلوائح؛ ويف هذا الصدد ذهب الفقهي ابن‬
‫جزي إىل أن من اشرتى ثمرا فأصابته جائحة فإنه يوضع عنه من الثمن مقدار ما أصابته اجلائحة خالفا هلام‪ ،‬وإنام يوضع برشطني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن تكون اجلائحة من غري فعل بني أدم كالقحط‪ ،‬وكثرة املطر‪ ،‬والربد‪ ،‬والريح‪ ،‬واجلراد وغري ذلك‪ .‬واختلف يف اجليش والسارق‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن تصيب اجلائحة ثلث الثمر فأكثر‪ .‬وقال أشهب ثلث قيمتها‪ ،‬فإن أصابت أقل من الثلث مل يوضع عن املشرتي يشء‪ ،‬وإذا أصابت الثلث‬
‫فأكثر لزم املشرتي قيمتها بعد حط ما أصابت اجلائحة وها هنا‪.‬‬
‫فروع أربعة‪ :‬الفرع األول‪ :‬إذا كانت اجلائحة من العطش فيوضع قليلها وكثريها سواء بلغت الثلث أم ال‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬إذا كانت اجلائحة يف البقل فيوضع قليلها وكثريها‪ .‬وقيل‪ :‬هو كسائر الثامر يوضع منه الثلث فام فوق‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬إذا بيع زرع بعد أن يبس‪ ،‬واشتد أو ثمر بعد متام صالح مجيعه واستحقاقه للقطع‪ ،‬ومل يكن يف تبقيته فائدة‪ ،‬ثم أصابته جائحة مل‬
‫يوضع منها يشء‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬إذا كان املبيع من الثامر أجناسا خمتلفة كالعنب والتني يف صفقة واحدة فأصابت اجلائحة صنفا منها وسلم سائرها‪ ،‬فجائحة كل جنس معتربة‬
‫بنفسه‪ ،‬فإن بلغت ثلثه وضعت‪ ،‬وإن قرصت عنه مل توضع‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬يعترب باجلملة‪ ،‬فإن كانت اجلائحة ثلث اجلميع وضعت وإال فال‪.‬‬
‫أيب القاسم حممد بن أمحد بن جزي الكلبي‪ :‬القوانني الفقهية؛ ضبطه وصححه حممد أمني الضناوي؛ دار الكتب العلمية‪ /‬بريوت؛ طبعة ‪2006‬؛‬
‫ص‪.196:‬‬
‫‪ 163‬حممد الكشبور‪ :‬نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬دراسة من وحي حرب اخلليج؛ مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار‬
‫البيضاء؛ الطبعة األوىل‪1993/‬؛ ص‪.25:‬‬
‫‪ 164‬حممد الكشبور‪ :‬نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬دراسة من وحي حرب اخلليج؛ مرجع سابق؛ ص‪.101:‬‬

‫‪73‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املغربية تنفيذ العقد‪ ،‬ومتتنع األخذ بنظرية الظروف الطارئة‪ ،‬من ذلك قرار حمكمة‬
‫االستئناف بالرباط بتاريخ ‪ 13‬يناير ‪ ،1950‬الذي جاء فيه بأنه "ال جيوز تعطيل القوة‬
‫امللزمة للعقد بدعوى أن االلتزامات الناجتة عنه قد أصبحت باهضة التكليف نتيجة‬
‫لظروف استثنائية غري متوقعة‪."...‬‬
‫‪ .120‬زد عىل ذلك‪ ،‬فإنه يرتتب عن اعتبار عقد ما بأنه زمني ما ييل‪:‬‬

‫‪ -‬عدم انسحاب آثار الفسخ يف العقد الزمني عىل املايض ‪ ،‬ألن ما نفذ من العقد‬
‫‪165‬‬

‫ال يمكن إعادته‪ .‬وهذا يرجع إىل كون الفقه أمجع عىل أهنا وحدها العقود الفورية‬
‫ينسحب آثر الفسخ فيها عىل املايض‪ ،‬حيث يمكن إرجاع األطراف املتعاقدة إىل‬
‫الوضعية السابقة عىل عملية التعاقد ما دام ذلك ممكنا‪ ،‬يف حني أنه يف العقود املستمرة‬
‫فإن إقرار الفسخ قد حيصل أثناء تنفيذ العقد‪ ،‬األمر الذي يصعب مأمورية إرجاع‬
‫األطراف للوضع السابق‪.‬‬

‫‪ -‬عدم إمكانية اعتامد وسيلة الدفع بعدم التنفيذ يف العقد الزمني مقارنة بالعقد‬
‫الفوري؛ ما دام أن القاعدة تفرض عىل امللتزم بالتزام مستمر أن يقوم بتنفيذ التزامه‬
‫أوال‪ ،‬ومن ثم فهو ال يستطيع أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيذ عىل األقل يف هذه‬
‫املرحلة‪ ،‬أي بالنسبة ألول أداءين متقابلني‪.‬‬

‫‪ -‬اإلعذار يعترب رشطا أساسيا الستحقاق التعويض عن التأخري يف التنفيذ فيام‬


‫يتعلق بالعقد الفوري‪ ،‬يف الوقت الذي ال يعترب أمرا الزما فيام خيص العقود الزمنية‪،‬‬
‫عىل اعتبار أن التأخر يف تنفيذ التزام ما ال يمكن تداركه لفوات الوقت‪ ،‬ومن ثم ال‬
‫تكون هناك أي جدوى من إعذار الطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P :97.‬‬

‫‪74‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثالث‪ :‬العقود املحددة والعقود االحتاملية‬


‫‪ .121‬من التصنيفات املؤسسة أيضا عىل طبيعة العقد‪ ،‬تلك التي متيز بني العقود‬
‫املحددة والعقود االحتاملية‪ .‬فالعقد املحدد هو الذي يستطيع فيه كال املتعاقدين أن حيددا‬
‫وقت متام العقد قيمة األداء فيه وتعيني قيمته منذ البداية عىل وجه ثابت‪ ،‬أي أن كل‬
‫متعاقد يستطيع معرفة مقدار ما يعطيه وما يأخذه ؛ كام هو الشأن بالنسبة لعقد البيع‪،‬‬
‫‪166‬‬

‫حيث يستطيع البائع معرفة الثمن الذي سيأخذه‪ ،‬يف الوقت الذي يمكن فيه للمشرتي‬
‫هو اآلخر معرفة املبيع الذي يكون حمددا عند إبرام عقد البيع‪ ،‬أو عىل األقل قابال‬
‫للتحديد حتت طائلة بطالن العقد‪.‬‬
‫أما العقد االحتاميل‪ ،‬فهو العقد الذي يتوقف فيه مقدار األداء الواجب عىل أحد‬
‫املتعاقدين عىل حتقق أمر غري حمقق احلدوث‪ ،‬أو غري معروف يف أي وقت يقع أو‬
‫حيدث ؛ ومن ثم‪ ،‬فإن كل طرف من أطراف العقد االحتاميل ال يستطيع أن حيدد وقت‬ ‫‪167‬‬

‫متامه وانعقاده القدر الذي أخذ أو القدر الذي أعطى‪ ،‬عىل اعتبار أن ذلك متوقف عىل‬
‫أمر احتاميل غري حمقق احلصول أو غري معروف وقت حصوله؛ من قبيل ذلك التأمني‬
‫ضد الرسقة أو احلريق‪.‬‬
‫‪ .122‬تربز األمهية العملية للتمييز بني العقود املحددة والعقود االحتاملية عىل‬
‫مستوى النتائج القانونية التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ينحرص تطبيق نظرية الغبن بالنسبة للعقود املحددة دون العقود‬
‫االحتاملية ؛ ذلك أن هذه األخرية تقوم عىل أساس احتامل حصول تفاوت كبري بني‬ ‫‪168‬‬

‫التزامات أطراف العقد‪.‬‬

‫‪166 GHESTIN‬‬ ‫‪Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.cit ; P :22.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P :94.‬‬
‫‪ 167‬ياسني حممد اجلبوري‪ :‬الوجيز يف رشح القانو ن املدين؛ اجلزء األول‪ :‬مصادر احلقوق الشخصية‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬دراسة موازنة؛ دار الثقافة‬
‫للنرش والتوزيع‪ /‬عامن؛ ‪2011‬؛ ص‪.66:‬‬
‫‪GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.cit ; P :22.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P :95.‬‬
‫; ‪168 FLOUR Jacques et AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : droit civil ; les obligations, l’acte juridique‬‬

‫‪13ème édition ; Dalloz/ Paris ; 2008 ; P :68.‬‬


‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P:96.‬‬

‫‪75‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثانيا‪ :‬تطبيق نظرية الظروف الطارئة عىل العقود املحددة دون العقود االحتاملية‬
‫بالنسبة للترشيعات التي اعتدت هبذه النظرية‪ ،‬مادام أن طبيعة العقود األخرية‪ ،‬أي‬
‫االحتاملية‪ ،‬تقوم عىل أساس احتامل تعرض أحد املتعاقدين إىل خسارة فادحة كام يمكنه‬
‫أن يكسب ربحا كبريا‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬التصنيف القائم عىل أساس آثار العقد‬


‫‪ .123‬من التصنيفات املهمة التي يعتمدها الفقه أيضا‪ ،‬يمكن أن نشري إىل ذلك‬
‫التصنيف القائم عىل أساس آثار العقد؛ حيث يميز الفقه بني العقود امللزمة جلانب واحد‬
‫والعقود امللزمة جلانبني (املطلب األول)‪ ،‬إىل جانب متييزهم بني عقود املعاوضة وعقود‬
‫التربع (املطلب الثاين)‪ ،‬وأخريا بني العقود الفردية والعقود اجلامعية (املطلب الثالث)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬العقود امللزمة جلانب واحد والعقود امللزمة جلانبي‬


‫‪ .124‬يذهب الفقه عند تصنيفه للعقد املبني عىل أساس آثاره‪ ،‬إىل إعطاء أمهية خاصة‬
‫للتمييز بني العقود امللزمة جلانبني والعقود امللزمة جلانب واحد‪ .169‬فالعقد امللزم للجانبي‬
‫‪ ،contrat synallagmatique‬هو الذي ينشىء التزامات متقابلة يف ذمة كل من‬
‫املتعاقدين‪ ،‬ذلك أن كل متعاقد يكون دائنا ومدينا يف نفس الوقت‪ .‬واألمثلة عىل ذلك‬
‫كثرية‪ ،‬منها عقد البيع‪ ،‬حيث إن البائع ملزم بتسليم اليشء املبيع مقابل متتعه بحق املطالبة‬
‫بتسلم الثمن‪ ،‬كام أن املشرتي ملزم بدفع الثمن مقابل حقه يف املطالبة بتسلم املبيع‪ .‬أي أن‬
‫كال من البائع واملشرتي يظهر يف عقد البيع بمثابة دائن ومدين يف نفس الوقت‪.‬‬
‫أما العقد امللزم جلانب واحد ‪ ،contrat unilatéral‬فهو الذي ال ينشىء التزامات‬
‫إال يف جانب أحد املتعاقدين دون اآلخر‪ ،‬حيث إن أحدمها يكون دائنا غري مدين‪ ،‬بينام‬
‫الطرف اآلخر يكون مدينا ال دائنا‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للهبة‪ ،‬حيث إن الواهب يعترب‬
‫مدينا للموهوب له بتسليمه حمل اهلبة‪ ،‬يف الوقت الذي يكون فيه هذا األخري متحلل من‬
‫أي التزام مقابل متتعه بحق الدائنية يف مواجهة الواهب‪ ،‬بحيث حيق له أن يطالبه‬

‫‪ 169‬كان القانون الروماين يعرف ما يسمى بالعقد امللزم جلانبيي غري التام ‪ ،Contrat synallagmatique imparfait‬كعقد وسط بني‬
‫العقد امللزم جلانبيني والعقد امللزم جلانب واحد؛ يف حني أن الصواب يقتيض منا القول بأن العقد امللزم جلانبيني غري التام إنام هو عقد ملزم جلانب‬
‫واحد‪ ،‬أما ما نشأ من التزام بعد ذلك يف جانب الدائن‪ ،‬فإنه مل ينشأ من العقد وإنام من مصدر آخر‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫بتسليمه الشئ املوهوب‪.‬‬


‫وينبغي عدم اخللط بني العقد امللزم جلانب واحد والترصف القانون الصادر من‬
‫جانب واحد‪ ،‬حيث إن هذا األخري يتم فقط بإرادة منفردة كام هو الشأن بالنسبة‬
‫للوصية ‪ ،‬بينام العقد امللزم جلانب واحد هو كسائر العقود ال يتم إال بتالقي إراديت‬ ‫‪170‬‬

‫املتعاقدين وتطابقهام‪.‬‬
‫‪ .125‬عموما‪ ،‬فإن أمهية التمييز بني العقود امللزمة جلانبني والعقود امللزمة جلانب‬
‫واحد‪ ،‬تربز عىل مستوى النتائج التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إمكانية استعامل الدفع بعدم التنفيذ يف العقود امللزمة جلانبني دون العقود‬
‫امللزمة جلانب واحد ‪ .‬ونرى أن هذه النتيجة تعترب أمرا طبيعيا ومنطقيا‪ ،‬مادام أنه يف‬
‫‪171‬‬

‫النوع الثاين من العقود يوجد فقط طرف واحد هو الذي يقع عليه تنفيذ االلتزامات‬
‫موضوع هذا العقد‪ ،‬وبالتايل فإنه ال يمكن تصور التمسك بوسيلة الدفع من قبل‬
‫الطرف اآلخر الغري املتحمل أصال بأي التزام‪.‬‬
‫وقد نص املرشع املغريب عىل جواز التمسك هبذه الوسيلة بالنسبة للعقود امللزمة‬
‫جلانبني فقط بمقتىض الفصل ‪ 235‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه‪" :‬يف العقود امللزمة‬
‫للطرفني‪ ،‬جيوز لكل متعاقد منهام أن يمتنع عن أداء التزامه‪ ،‬إىل أن يؤدي املتعاقد اآلخر‬
‫التزامه املقابل‪ ،‬وذلك ما مل يكن أحدمها ملتزما‪ ،‬حسب االتفاق أو العرف‪ ،‬بأن ينفذ‬
‫نصيبه من االلتزام أوال"‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إمكانية اللجوء إىل ممارسة دعوى الفسخ بالنسبة للعقود امللزمة جلانبني دون‬
‫العقود امللزمة جلانب واحد ؛ حيث إن الغاية من طلب فسخ العقد هو ختلص أحد‬
‫‪172‬‬

‫األطراف من االلتزام املقابل الذي يقع عليه‪ ،‬وهو األمر الذي ال يمكن تصوره بالنسبة‬

‫‪170JUBAULT‬‬ ‫‪Christian : Droit civil; les successions, les libéralités ; 2ème édition/‬‬
‫‪MONTCHRESTIEN/2010; P:499.‬‬
‫; ‪171 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬

‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:90.‬‬


‫; ‪172 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬

‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P :90.‬‬

‫‪77‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫للعقد امللزم جلانب واحد‪ ،‬حيث إن الدائن يف هذا النوع من العقود ليس له أي فائدة‬
‫من إيقاع الفسخ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬عدم إمكانية تصور التحمل بالضامن للعيب يف العقود امللزمة جلانب واحد‪،‬‬
‫لكوهنا أشبه بترصفات التربع التي ال ضامن فيها‪ ،‬بخالف األمر بالنسبة للعقود امللزمة‬
‫جلانبني‪.‬‬

‫املطلب الثان‪ :‬عقود املعاوضة وعقود التربع‬


‫‪ .126‬ارتأينا أن نتناول هذا املطلب يف فقرتني‪ ،‬نتناول يف األوىل حتديد ماهية هذه‬
‫العقود (أوال)‪ ،‬أما يف الفقرة الثانية فإننا سنقف عىل النتائج املرتتبة عىل هذا التمييز‬
‫(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حتديد ماهية عقود املعاوضة وعقود التربع‬


‫‪ .127‬عقد املعاوضة ‪ contrat à titre onéreux‬هو العقد الذي يتلقى فيه‬
‫كل من املتعاقدين عوضا ملا أعطاه ‪ ،‬ويعطي مقابال ملا يأخذه؛ ومن قبيل ذلك عقد‬
‫‪173‬‬

‫البيع‪ ،‬الذي يلتزم فيه البائع بتسليم اليشء املبيع مقابل أخذه للثمن‪ ،‬يف املقابل يلتزم‬
‫املشرتي بدفع الثمن كعوض لتسلمه املبيع‪ .‬بل إن غالبية العقود تدخل ضمن دائرة‬
‫املعاوضة‪ ،‬من قبيل الكراء‪ ،‬والشغل‪ ،‬والقرض واملقاولة‪.‬‬
‫تنبغي اإلشارة إىل مالحظة يف غاية األمهية‪ ،‬هو أنه ليس من الرضوري أن يكون‬
‫عقد املعاوضة عقدا ملزما جلانبي ؛ من قبيل ذلك الوعد بالبيع أو الوعد بالرشاء امللزم‬
‫‪174‬‬

‫جلانب واحد‪ ،‬للبائع بالنسبة للنوع األول وللمشرتي بالنسبة للنوع الثاين؛ ذلك أن عقد‬
‫الوعد هذا يعترب من عقود املعاوضة‪ ،‬عىل اعتبار أن سبب التزام الواعد‪ ،‬سواء بالبيع أو‬
‫بالرشاء‪ ،‬هو احتامل انعقاد البيع يف املستقبل‪ ،‬مع ما سيرتتب عن ذلك من التزامات‬

‫‪173 FLOUR‬‬ ‫; ‪Jacques et AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : droit civil ; les obligations, l’acte juridique‬‬
‫‪op.cit ; P :67.‬‬
‫‪174 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:19.‬‬

‫‪78‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫متبادلة؛ أي أن نية الواعد ال تتجه إىل التربع‪.‬‬


‫أما عقد التربع ‪ ،contrat à titre gratuit‬فيقصد به العقد الذي ال يأخذ فيه أحد‬
‫املتعاقدين مقابال ملا أعطاه ‪ ،‬وال يعطي املتعاقد اآلخر مقابال ملا أخذه؛ أو بعبارات‬
‫‪175‬‬

‫أخرى‪ ،‬هو العقد الذي ال يأخذ فيه أحد املتعاقدين عوضا ملا أعطاه؛ ومن أهم األمثلة‬
‫املتعلقة هبذا النوع من العقود‪ ،‬نذكر عقد اهلبة والوديعة؛ ففي عقد اهلبة فإن الواهب‬
‫يلتزم بدفع اليشء حمل اهلبة دون أن يأخذ أي مقابل مادي عن ذلك؛ وأيضا يف عقد‬
‫الوديعة التي تعترب بدون أجر كقاعدة عامة‪ ،‬كام يتضح لنا من خالل الفصل ‪ 790‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه‪" :‬األصل يف الوديعة أن تكون بغري أجر‪ ،‬ومع ذلك يستحق‬
‫املودع عنده أجرا إذا كان قد اشرتطه رصاحة‪ ،‬أو إذا ظهر من ظروف احلال وعرف‬
‫املكان ‪ ،‬أن املتعاقدين قد قصدا ضمنا منح املودع عنده أجرا معينا‪ .‬وتكون هذه القرينة‬
‫قانونية إذا كان من عادته تسلم الودائع بأجر"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النتائج املرتتبة عن متييز عقود املعاوضة عن عقود التربع‬


‫‪ .128‬تربز األمهية العملية للتمييز بني عقود املعاوضة وعقود التربع‪ ،‬إن عىل‬
‫مستوى التكوين واالنعقاد‪ ،‬أو عىل مستوى اآلثار؛ ويمكن تلخيص أهم النتائج فيام ييل‪:‬‬

‫أ‪ :‬عىل مستوى تكوين العقد‪ ،‬فإن خمتلف الترشيعات تتطلب يف عقود املعاوضة‬
‫أهلية أداء أقل من األهلية املتطلبة بالنسبة لعقود التربع ؛ ذلك أن املتربع ينبغي أن‬
‫‪176‬‬

‫يتوفر عىل األهلية الكاملة‪ ،‬مادام أن هذا الترصف حيتمل من الناحية املادية أن يكون‬
‫ضارا بالنسبة له‪ ،‬بينام املتربع له ال تتطلب الترشيعات توفره عىل األهلية الكاملة –مادام‬
‫أن الترصف نافع له نفعا حمضا‪-‬؛ أما بالنسبة لعقود املعاوضة فيكفي أن يكون الشخص‬
‫ناقص األهلية‪ ،‬مادام أهنا دائرة بني النفع والرضر‪ ،‬وإن كانت متوقفة عىل إجازة نائبه‬

‫‪175‬‬ ‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:91.‬‬
‫‪176 GHESTIN Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:20.‬‬

‫‪LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; p:64.‬‬

‫‪79‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الرشعي حسب املصلحة الراجحة للمحجور ويف احلدود املخولة لكل نائب رشعي‪.‬‬
‫عىل مستوى تكوين العقد دائام‪ ،‬فإنه يمكن تصور وقوع الغبن بالنسبة لعقود املعاوضة‬
‫دون عقود التربع‪ ،‬مادام أن هذه األخرية تتم دونام مقابل‪ ،‬يف حني أن الغبن يتطلب أن يكون‬
‫هناك تباين وتفاوت فاحش بني قيمة ما حصل عليه أحد املتعاقدين وبني ما أخذه‪.‬‬
‫ب‪ :‬عىل مستوى املسؤولية‪ ،‬فبخالف الوضع بالنسبة لعقد املعاوضة فإن امللتزم يف‬
‫عقد التربع تكون مسؤوليته أخف ‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للواهب مقارنة بالبائع‪.‬‬
‫‪177‬‬

‫والسبب يف ذلك‪ ،‬هو أن املعاوض يأخذ مقابال ملا يعطي‪ ،‬يف حني أن الواهب يعطي‬
‫فقط وال يأخذ‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن الواهب‪ ،‬بخالف األمر بالنسبة للبائع‪ ،‬ال يتحمل بالضامن‬
‫بصفة عامة‪ ،‬سواء كان يتعلق بضامن االستحقاق أو ضامن العيوب اخلفية‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬العقود الفردية والعقود اجلامعية‬
‫‪ .129‬تناول جانب مهم من الفقه الفرنس هذا التمييز ضمن قائمة التصنيفات‬
‫‪178‬‬

‫التي ظهرت بعد صدور مدونة نابليون؛ فالعقد الفردي هو الذي تقترص آثاره القانونية‪،‬‬
‫طبقا ملبدأ نسبية آثار العقود‪ ،‬عىل األطراف الذين وافقوا عليه‪ ،‬سواء كان الطرف‬
‫املوجب أو القابل واحد أو متعدد‪ .‬يف حني يقصد بالعقد اجلامعي ‪Contrat‬‬
‫‪ collectif‬ذلك النوع من العقود الذي متتد آثاره إىل أشخاص آخرين مل يوافقوا عليه‪.‬‬
‫واملثال األبرز عىل ذلك االتفاقيات اجلامعية يف ميدان الشغل‪ ،‬التي تربمها النقابة بالنيابة‬
‫عن األجراء‪ ،‬فبنود هذا العقد تعد ملزمة للجميع بام يف ذلك األقلية التي عارضته‪.‬‬
‫‪ .130‬لعل أمهية التمييز بني هاذين النوعني من العقود تربز عىل مستوى الثار‬
‫املرتتبة عن كل منهام؛ فالعقد الفردي ال تنرصف آثاره إال بالنسبة للمتعاقدين إضافة إىل‬
‫اخللف العام واخللف اخلاص وفق الرشوط املحددة طبقا ملبدأ نسبية العقد؛ يف حني أن‬
‫آثار العقد اجلامعي تنرصف إىل الذين أبرموا العقد وإىل كل شخص معني هبذا العقد‪،‬‬
‫كام هو الشأن بالنسبة لألجراء امللزمون باالتفاقية اجلامعية املربمة من قبل النقابة‪ ،‬أي أنه‬
‫يرسي حتى عىل الذين عارضوا إبرامه‪.‬‬

‫‪177 FLOUR‬‬ ‫; ‪Jacques et AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : droit civil ; les obligations, l’acte juridique‬‬
‫‪op.cit; P:67.‬‬
‫‪178 FLOUR Jacques et AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : droit civil ; les obligations, op.cit ; P:72.‬‬

‫‪80‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املبحث الرابع‪ :‬تصنيف العقود عىل أساس القواعد املطبقة عليها‬


‫‪ .131‬ارتأينا تقسيم هذا التصنيف إىل نوعني‪ ،‬األول هو التصنيف القائم عىل‬
‫أساس التمييز بني العقود املسامة والعقود غري املسامة (املطلب األول)‪ ،‬بينام يرجع الثاين‬
‫إىل التمييز بني العقود املدنية والعقود التجارية (املطلب الثاين)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬العقود املسامة والعقود غري املسامة‬
‫‪ .132‬من بني التقسيامت التي يطلقها الفقه عىل العقود بوجه عام متييزه بني العقود‬
‫املسامة والعقود غري املسامة ‪ .‬واملقصود باألوىل هي العقود التي سامها املرشع وخصص هلا‬ ‫‪179‬‬

‫جمموعة من النصوص أو املواد التي تنظم أحكامها‪ ،‬بينام املقصود بالعقود غري املسامة هي‬
‫التي أغفل املرشع وضع أحكام خاصة هبا ‪.‬‬
‫‪180‬‬

‫‪ .133‬إذا كان املرشع املغريب مل يقم بتعريف العقد املسمى والعقد غري املسمى‪ ،‬فإن‬
‫هناك بعض الترشيعات التي قامت بتعريفهام؛ من ذلك ما ذهب إليه قانون املوجبات‬
‫والعقود اللبناين‪ ،‬وذلك بمقتىض املادة ‪ 175‬منه‪ ،‬التي جاء فيها‪" :‬تكون العقود مسامة 'أو‬
‫غري مسامة' (حسبام جاء يف األصل الفرنس للنص) حسبام يكون القانون قد وضع أو مل‬
‫يضع هلا تسمية وشكال معينني‪ .‬وتطبق القواعد املقررة يف القسم األول من هذا القانون‬

‫‪179 BENABENT‬‬ ‫‪Alain : Droit civil, les obligations, 3ème édition, MONTCHRESTIEN/ Paris, 1991, P:11.‬‬
‫‪BENABENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, Montchrestien, 3ème‬‬
‫‪édition/1997, P:2.‬‬
‫‪DELEBECQUE Philippe et PANSIER Frédéric-Jérome : Droit des obligations, contrat et quasi contrat,‬‬
‫‪Op.cit, P:12.‬‬
‫‪MALINVAUD Philippe : Droit des obligations, les mécanismes juridiques des relations économiques,‬‬
‫‪op.cit, P:40.‬‬
‫أمحد عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.167:‬‬
‫حممد عيل عمران‪ :‬االلتزام بضامن السالمة وتطبيقاته يف بعض العقود‪ ،‬دراسة فقهية قضائية يف كل من مرص وفرنسا‪ .‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،1980/‬ص‪.108:‬‬
‫‪180 MOUMMI‬‬ ‫‪Saad : Droit civil, droit des obligations en droit comparé français et marocain, op.cit ,P:37.‬‬
‫يرى بعض الفقه أن العقود املسامة هي عقود تقليدية‪ ،‬عرفها الناس منذ القدم ومارسوها وكثر تداوهلا بينهم فأصبحت قواعدها مستقرة توارثتها‬
‫العصور كعقود البيع واملقايضة واإلجارة والوكالة‪.‬‬
‫عيل مصباح إبراهيم‪ :‬العقود املسامة (البيع‪ ،‬اإلجيار‪ ،‬الوكالة)‪ ،‬دار بالل للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬دون ذكر سنة الطبع‪ ،‬ص‪.7:‬‬
‫ونرى أن هذا الرأي يفتقد للصواب‪ ،‬عىل اعتبار أن كثري من العقود بالرغم من قدمها مل يتناوهلا املرشع بالتنظيم‪ ،‬يف حني أن البعض األخر قام‬
‫بوضع العديد من األحكام له بل إنه فصلها بشكل معمق بالرغم من حداثتها‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫(أي القواعد املتعلقة بااللتزامات بوجه عام) عىل العقود املسامة وغري املسامة‪ .‬أما القواعد‬
‫املذكورة يف القسم الثاين (أي القواعد املتعلقة بالعقود املسامة) فال تطبق عىل العقود غري‬
‫املسامة إال من قبيل القياس وبالنظر إىل التناسب بينها وبني العقود املسامة املعينة" ‪.‬‬
‫‪181‬‬

‫‪.134‬وجيمع الفقه عىل أن أمهية هذا التصنيف تربز عىل مستوى التكييف‪ ،‬ومن ثم‬ ‫‪182‬‬

‫عىل مستوى األحكام التي ينبغي أن تطبق عىل كل عقد‪ .‬فالقايض يكون ملزما بداية‬
‫بتكييف العقد‪ ،‬أي إضفاء الوصف القانوين عىل العملية التعاقدية يف ذلك‪ .‬وكام هو‬
‫معروف لدى فقه القانون املدين عموما أن القايض غري ملزم بالتكييف الذي يعطيه‬
‫األطراف للعقد‪ ،‬وإنام العربة بالوصف احلقيقي وفقا ملا اجتهت إليه إرادة املتعاقدين‪ .‬ثم‬
‫ينبغي عىل القايض أن يقوم باملالءمة بني تلك اإلرادة وبني طبيعة كل عقد من العقود‬
‫املسامة هبدف إحلاقه بإحداها ليطبق عليها األحكام الواردة يف شأنه‪.‬‬
‫أما يف حالة ما إذا كان األمر يتعلق بالصنف الثاين من العقود‪ ،‬أي العقود غري‬
‫املسامة كام هو الشأن بالنسبة لعقد الفندقة كنموذج للعقد السياحي ‪ ،‬فإن القايض‬
‫‪183‬‬

‫يطبق املبادئ العامة ويسعى إىل املالءمة بينها وبني الغرض الذي هيدف إليه املتعاقدان‪.‬‬
‫وال يمكنه الوصول لذلك إال بالبحث عن القصد احلقيقي هلؤالء ال الوقوف عند‬
‫املعنى احلريف لأللفاظ كام ورد النص عليه يف الفصل ‪ 462‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪.‬‬ ‫‪184‬‬

‫‪ .135‬كام ال تقترص أمهية هذا التصنيف‪ ،‬يف نظرنا‪ ،‬عىل مستوى التكييف ‪ ،‬وإنام‬
‫‪185‬‬

‫يتعداه ملا ينطوي عليه العقد غري املسمى من خماطر عىل الطرف الضعيف يف العالقة‬
‫التعاقدية‪ ،‬يف الوقت الذي ينطوي العقد املسمى عىل كثري من الفوائد بالنسبة هلذا‬
‫األخري يف مواجهة املحرتف املهني‪ .‬ذلك أن املرشع حينام يتدخل يف تنظيم عقد معني‪،‬‬
‫فإنه يأخذ بعني االعتبار عالقات ال يستطيعون أو ال حيسنون وحدهم تنظيمها‪.‬‬

‫‪ 181‬أشار هلذا الت عريف الدكتور أمحد ادريوش يف مؤلفه‪ :‬مدخل لدراسة قانون العقود املسامة؛ الكتاب اخلامس من سلسلة املعرفة القانونية؛‬
‫البوكييل للطباعة والنرش والتوزيع‪/‬القنيطرة؛ ‪1995‬؛ ص‪.18:‬‬
‫‪182 MALAURIE‬‬ ‫‪Philipe et AYNES Laurent : Les contrats spéciaux, Op.cit, P:8.‬‬
‫‪BENABENT Alain : Les contrats spéciaux civils et commerciaux, op.cit, P:4.‬‬
‫‪183 BERNARD Bernis : Dépôt d’hôtellerie dans la législation française actuelle, Op.cit, P:24.‬‬

‫‪ 184‬حممد شيلح ‪ :‬سلطان اإلرادة يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ :‬أسسه ومظاهره يف نظرية العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.240:‬‬
‫‪185 MALAURIE Philipe et AYNES Laurent : Droit civil, Tome VI, les obligations, édition 1994/1995,‬‬

‫‪éditions CUJAS, Paris, P:171.‬‬

‫‪82‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫نتيجة هلذا االعتبار‪ ،‬فإن املرشع تدخل ليحدد بتفصيل مضمون كل عقد من العقود‬
‫املسامة بتحديد االلتزامات الناشئة عنه‪ ،‬عن طريق قواعد قانونية‪ ،‬مل يفرضها عىل املتعاقدين‬
‫بل خول هلم إمكانية استبعادها‪ ،‬ومن ثم هلم صالحية حتديد مضمون العقد خالفا للتنظيم‬
‫الذي وضعه املرشع هلم‪ .‬وهذا أمر مقبول لدى فقهاء القانون املدين‪ ،‬عىل اعتبار أن هذه‬
‫القواعد تصنف يف دائرة القواعد املكملة‪.‬‬
‫املطلب الثان‪ :‬العقود املدنية والعقود التجارية‬
‫‪ .136‬إن التفرقة بني العقود املدنية والعقود التجارية‪ ،‬ال نقصد هبا أننا أمام صنفني‬
‫مستقلني من العقود‪ ،‬وإنام هي تفرقة بي صنفي لذات العقود‪ ،‬عىل اعتبار أن نفس الصنف‬
‫من العقود قد تثبت له الصفة املدنية أو الصفة التجارية؛ ذلك أن عقد البيع قد يكون مدنيا‬
‫كام قد يكون جتاريا إذا اكتسب الصفة التجارية‪.‬‬
‫‪ .137‬وتربز أمهية هذا التصنيف عىل مستوى القواعد القانونية التي تطبق عىل كالمها؛‬
‫ذلك أن ثبوت الصفة التجارية لعقد ما‪ ،‬يرتتب عنه عدم إمكانية تطبيق بعض قواعد‬
‫القانون املدين املنصوص عليها يف قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬وإنام تطبق عليه‬
‫أحكام مدونة التجارة‪ ،‬كام يتضح لنا من اجلدول التايل‪:‬‬

‫أوجه اخلالف عىل مستوى القواعد املطبقة عىل العقود التجارية والعقود املدنية‬

‫‪ .138‬بمعنى أن القاعدة يف العقد التجاري هي حرية اإلثبات‪ ،‬بحيث‬


‫جيوز اإلثبات يف هذا النوع من العقود بكافة طرق اإلثبات مهام كان املبلغ‬
‫املتنازع بشأنه‪ .‬وقد نصت عىل هذه القاعدة املادة ‪ 334‬من مدونة التجارة‬
‫املغربية‪ ،‬التي جاء فيها "ختضع املادة التجارية حلرية اإلثبات‪ .‬غري أنه‬ ‫أوال‪ :‬حرية‬
‫اإلثبات يف العقود يتعني اإلثبات بالكتابة إذا نص القانون أو االتفاق عىل ذلك"‪.‬‬
‫يف حني أنه يف جمال العقود املدنية‪ ،‬فإن القاعدة هو تقييد حرية‬ ‫التجارية‬
‫االثبات‪ ،‬كام يتضح لنا من خالل الفصل ‪ 443‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬كام تم‬
‫تعديله بمقتىض القانون رقم ‪ ،53.05‬الذي جاء فيه "االتفاقات‬
‫وغريها من األفعال القانونية التي يكون من شأهنا أن تنشئ أو تنقل أو‬
‫تعدل أو تنهي االلتزامات أو احلقوق‪ ،‬والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها‬
‫عرشة آالف درهم‪ ،‬ال جيوز إثباهتا بشهادة الشهود‪ .‬ويلزم أن حترر هبا‬

‫‪83‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫حجة رسمية أو عرفية‪ ،‬وإذا اقتىض احلال ذلك أن تعد بشكل‬


‫إلكرتوين أو أن توجه بطريقة إلكرتونية"‪.‬‬

‫‪ .139‬القاعدة يف العقد التجاري هو افرتاض التضامن‪ ،‬تطبيقا‬


‫للامدة ‪ 335‬من مدونة التجارة‪ ،‬التي جاء فيها "يفرتض التضامن يف‬
‫االلتزامات التجارية"‪.‬‬
‫بينام القاعدة يف العقود املدنية‪ ،‬هو عدم افرتاض التضامن‪،‬‬
‫ثانيا‪ :‬افرتاض سواء بني املدينني أو الدائنني‪ ،‬مامل يوجد نص خاص أو اتفاق‬
‫التضامن يف العقود األطراف أو نتيجة لطبيعة املعاملة‪ ،‬تطبيقا للفصلني ‪ 153‬و ‪164‬‬
‫التجارية بخالف من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬حيث جاء يف األول ما ييل‪" :‬التضامن بني الدائنني ال‬
‫العقود املدنية يفرتض‪ ،‬ويلزم أن ينشأ من العقد أو يتقرر بمقتىض القانون أو أن‬
‫يكون النتيجة احلتمية لطبيعة املعاملة"‪ .‬أما الثاين‪ ،‬فقد نص عىل أن‬
‫"التضامن بني املدينني ال يفرتض‪ ،‬ويلزم أن ينتج رصاحة عن السند‬
‫املنشئ لاللتزام أو من القانون‪ ،‬أو أن يكون النتيجة احلتمية لطبيعة‬
‫املعاملة"‪.‬‬

‫‪ .140‬نصت عىل هذه اإلمكانية املادة ‪ 529‬من مدونة التجارة‪،‬‬


‫التي جاء فيها ما ييل‪" :‬يمكن لكل شخص طبيعي أثناء مزاولة‬ ‫ثالثا‪ :‬إمكانية‬
‫نشاطه املهني أو لكل شخص معنوي خاضع للقانون اخلاص أو‬
‫حوالة الديون‬
‫للقانون العام‪ ،‬حتويل كل دين ممسوك عىل أحد األغيار‪ ،‬سواء أكان‬
‫املهنية يف املادة‬
‫شخصا طبيعيا أثناء مزاولة نشاطه املهني أم كان شخصا معنويا‬
‫التجارية‬
‫خاضعا للقانون اخلاص أو القانون العام‪ ،‬بمجرد تسليم قائمة‬
‫ملؤسسة بنكية‪.‬‬
‫ينقل التفويت للمؤسسة املفوت هلا ملكية الدين املحال سواء‬
‫مقابل تسبيق كيل أو جزئي ملبلغه أو ضامنا لكل ائتامن سلمته‬
‫املؤسسة أو ستسلمه للمحيل"‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الباب الثان‬
‫تكوين العقد‬
‫‪La formation du contrat‬‬
‫‪ .141‬من أجل تكوين العقد‪ ،‬فإن خمتلف الترشيعات واألنظمة القانونية تطلبت‬
‫العديد من األركان والرشوط الالزمة لصحته (الفصل األول)؛ ومن ثم‪ ،‬فإنه يف حالة‬
‫اختالل ركن من هذه األركان أو فقدان عنرص من عنارص تكوين العقد‪ ،‬فإن اجلزاء‬
‫القانوين املرتتب عن ذلك هو البطالن أو اإلبطال (الفصل الثان)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬األركان الالزمة لتكوين العقد‬


‫‪Les éléments de formation du contrat‬‬
‫‪ .142‬نص الفصل الثاين من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬عىل ما ييل‪" :‬األركان الالزمة لصحة‬
‫االلتزامات الناشئة عن التعبري عن اإلرادة هي‪:‬‬
‫األهلية لاللتزام؛‬ ‫‪-1‬‬
‫تعبري صحيح عن اإلرادة يقع عىل العنارص األساسية لاللتزام؛‬ ‫‪-2‬‬
‫يشء حمقق يصلح ألن يكون حمال لاللتزام؛‬ ‫‪-3‬‬
‫سبب مرشوع لاللتزام"‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪ .143‬نود التطرق ملالحظتني مهمتني قبل اخلوض يف خمتلف أركان العقد؛‬
‫املالحظة األوىل هي أنه تبني لنا من خالل الفصل السالف الذكر أن املرشع املغريب‬
‫سلك مسلك القانون املدين الفرنس بمقتىض املادة ‪ 1108‬عندما اعترب األهلية ركنا‬
‫مستقال ‪ ،‬يف الوقت الذي يرى االجتاه الغالب يف الفقه عىل أن األهلية إنام هي رشط‬ ‫‪186‬‬

‫من رشوط صحة الرتايض‪ ،‬ومن ثم فإننا سنتناوهلا بمناسبة احلديث عن هذا الركن‬
‫األخري(الفرع األول)‪ .‬ولن يغري من قناعتنا هذه موقف املرشع الفرنس احلديث‬
‫بمقتىض األمر الصادر بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪ ،2016‬الذي نص عىل األهلية كعنرص‬
‫‪186RENAULT-BRAHINSKY‬‬ ‫‪Corinne : Droit des obligations ; Gualino éditeur ; 4ème édition/2006 ;P:47.‬‬

‫‪85‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫مستقل عن الرتايض كام يتضح من مراجعة أحكام املادة ‪. 1128‬‬


‫‪187‬‬

‫أما املالحظة الثانية‪ ،‬فهي أن الفصل الثاين إنام أشار إىل القاعدة العامة ‪ ،‬وإال فإن‬
‫‪188‬‬

‫هناك العديد من احلاالت التي يتوقف فيها قيام العقد عىل شكلية معينة كام رأينا‬
‫بمناسبة تصنيف العقود؛ بل إن عنرص الرضائية عرف تراجعا مهام خالل العقدين‬
‫األخريين باألساس يف ظل توسع عنرص الشكلية الذي كان مقترصا عىل بعض أنواع‬
‫العقود ‪ .‬يف مجيع األحوال‪ ،‬فإن القاعدة العامة تقيض بأنه لصحة أي عقد‪ ،‬ال بد من‬ ‫‪189‬‬

‫توفر ركنني آخرين مها املحل (الفرع الثاين)‪ ،‬والسبب (الفرع الثالث)‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫‪Le consentement‬‬ ‫ركن الرتايض‬
‫‪ .144‬ال يكفي لقيام العقد وجود الرتايض يف حد ذاته الذي يتمثل يف اتفاق أو‬
‫اجتامع اإلرادات (املبحث األول)‪ ،‬بل يتعني أن يكون أيضا صحيحا (املبحث الثاين)‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬وجود الرتايض‬
‫‪ .145‬املقصود بالرتايض هو انرصاف إرادة األطراف إىل إنتاج اآلثر القانوين‬
‫املرغوب فيه؛ أو هو تطابق اإلجياب والقبول كتعبريين عن إراديت طريف العقد‪ .‬أي أنه‬
‫لقيام الرتايض البد من توفر جمموعة من العنارص األساسية‪ ،‬التي عرب عنها بعض‬
‫الفقه بطرح تساؤلني أساسيني يمكن اختزاهلام يف كيفية حصول الرتايض بني أطراف‬ ‫‪190‬‬

‫العقد‪ .‬حيث ينبغي استعامل جمموعة من التقنيات الالزمة إلبرام العقد‪ ،‬والتي تتمثل يف‬
‫اإلجياب (املطلب األول)‪ ،‬والقبول (املطلب الثاين)‪ ،‬واالقرتان أو التطابق الواجب‬
‫حصوله بينهام (املطلب الثالث)‪.‬‬
‫‪187 Article‬‬
‫‪1128 « Sont nécessaires à la validité d’un contrat :‬‬
‫; ‪1° le consentement des parties‬‬
‫; ‪2° leur capacité de contracter‬‬
‫‪3° Un contenu licite et certain ».‬‬
‫‪ 188‬ذهب الفقيه الفرنس مالوري‪ ،‬بمناسبة معاجلته للفصل ‪ 1108‬من القانون املدين الفرنس املقابل للفصل الثاين من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬إىل إبداء أربع‬
‫مالحظات‪ ،‬أوهلا –وهي التي هتمنا يف هذا املقام‪ -‬أن الفصل ‪ 1108‬ال يفرض شكلية معينة‪ ،‬مما يستفاد ضمنيا أن املرشع الفرنس يأخذ بقاعدة‬
‫الرضائية كأصل عام‪.‬‬
‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L. : droit civil ; les obligations ; op.cit ; P :205.‬‬
‫‪ 189‬راجع تفصيلنا هلذه النقطة بمناسبة التمييز بني العقود الرضائية والعقود الشكلية يف الفقرة ‪ 67‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪190 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1. L’acte‬‬
‫‪juridique ; op.cit ; P:100.‬‬

‫‪86‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب األول‪ :‬اإلجياب‬


‫‪L'offre‬‬
‫‪ .146‬عرف بعض الفقه اإلجياب بأنه العرض الذي يتقدم به شخص معني إىل‬ ‫‪191‬‬

‫آخر يتضمن اقرتاحا بإبرام عقد معني وفقا لرشوط معينة بغية احلصول عىل قبوله‪ ،‬ومن‬
‫ثم قيام هذا العقد‪ .‬أو بعبارات أخرى‪ ،‬فإنه يقصد باإلجياب ذلك العرض الذي يتقدم‬
‫به شخص يسمى املوجب باديا رغبته يف التعاقد مع شخص آخر يسمى املوجب له ‪.‬‬
‫‪192‬‬

‫من أمثلته‪ ،‬نذكر العرض املقدم من قبل صاحب املتجر الذي يعرض بيع بضائعه مع‬
‫حتديد سعرها‪ ،‬وأيضا املكري الذي يعرض كراء شقته مكتوب عليها أجرها‪ ،‬ونفس‬
‫اليشء بالنسبة للعرض املقدم من قبل سائق سيارة األجرة أو حافلة النقل‪ ،‬حيث إن وقوفه‬
‫بمحطته املعتادة يعترب إجيابا تاما يرتتب عن ركوب املسافر قيام عقد النقل‪.‬‬

‫من أجل اعتبار العرض بمثابة إجياب‪ ،‬فإنه ينبغي أن يتضمن العنارص‬ ‫‪.147‬‬

‫األساسية للعقد املقرتح إبرامه‪ ،‬فإذا تعلق األمر بعقد بيع فإنه يتعني بيان أوصاف املبيع‬
‫وحتديد الثمن‪ .‬مما يعني أنه إذا مل يشتمل العرض عىل أهم العنارص األساسية للعقد‪،‬‬
‫فإنه يف مثل هذه احلالة نكون فقط أمام دعوة إىل التعاقد ال ترقى إىل درجة اإلجياب‪.‬‬

‫ويتعني يف اإلجياب أن يكون واضحا وحمددا وأن يشتمل عىل العنارص األساسية‬
‫‪193‬‬

‫ملوضوع التعاقد‪ ،‬حتى ال خيتلط بغريه من العروض القريبة منه التي ال تصل لدرجة‬
‫اإلجياب (أوال)‪ .‬ويتم التعبري عنه بمختلف صور التعبري رصحية كانت أو ضمنية؛‬
‫وعموما فإن هناك أنواع متعددة لإلجياب (ثانيا)‪ ،‬كام أن هناك العديد من احلاالت التي‬
‫يسقط فيها اإلجياب قبل أن يقرتن بقبول الطرف اآلخر (ثالثا)‪.‬‬

‫‪ 191‬عبد الفتاح عبد الباقي‪ :‬نظرية العقد واإلرادة املنفردة –دراسة معمقة ومقارنة بالفقه اإلسالمي‪1984 -‬؛ ص‪.120:‬‬
‫‪192 FAGES‬‬ ‫‪Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p :67.‬‬
‫‪193 FAGES Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p :69.‬‬

‫‪87‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أوال‪ :‬متييز اإلجياب عن العروض السابقة عن التعاقد‬


‫‪ .148‬لكي يكون العرض املقدم من قبل أي شخص يرغب يف التعاقد بمثابة‬
‫إجياب‪ ،‬يتعني أن يشتمل عىل العنارص األساسية للعقد املحتمل إبرامه؛ ففي عقد البيع‬
‫ينبغي عىل املوجب أن حيدد اليشء املبيع والثمن‪ ،‬ويف عقد اإلجيار ينبغي حتديد حمل‬
‫اإلجيار وأيضا أجرته؛ أما إذا مل يتم حتديد هذه الرشوط‪ ،‬فإننا نكون فقط أمام جمرد دعوة‬
‫إىل التفاوض (أ) أو دعوة للتعاقد (ب)‪.‬‬
‫أ‪ :‬اإلجياب والدعوة إىل التفاوض‬
‫‪ .149‬كثريا ما هيدف العرض املقدم من قبل شخص ما إىل جمرد إجراء مفاوضات‬
‫متهيدية‪ ،‬أي ما يسمى بالدعوة إىل التفاوض‪ ،‬ملعرفة مدى استعداد كل طرف لقبول‬
‫‪194‬‬

‫رشوط الطرف اآلخر فيام يتعلق بقيمة املبيع ومشتمالته‪ ،‬وذلك من خالل جمموع‬
‫املناقشات التي تتعلق بموضوع العقد؛ ويف مجيع األحوال‪ ،‬فإن هذه املفاوضات قد‬
‫تنتهي بإعداد مرشوع يمكن أن يتحول احتامال إىل عقد‪.‬‬
‫‪ .150‬ومن ثم‪ ،‬يظهر لنا مدى االختالف الواضح بني اإلجياب واملفاوضات‬
‫التمهيدية؛ ففي الوقت الذي تفتقد فيه هذه األخرية ألي حتديد للعنارص األساسية‬
‫للعقد املرتقب‪ ،‬فإن ذلك يعترب مسألة الزمة بالنسبة لإلجياب‪ ،‬كام أن هذا األخري يعترب‬
‫خطوة مبارشة إىل العقد بمجرد صدور القبول من الطرف اآلخر ‪ ،‬يف حني أن الدعوة‬
‫‪195‬‬

‫إىل التفاوض هي جمرد خطوة نحو اإلجياب‪.‬‬


‫ب‪ :‬اإلجياب والدعوة للتعاقد‬
‫‪ .151‬ختتلف الدعوة إىل التفاوض عن الدعوة للتعاقد‪ ،‬يف كون هذه األخرية تعترب‬
‫األقرب لإلجياب من األوىل‪ ،‬عىل اعتبار أهنا تقدم اقرتاحا حقيقيا إلبرام عقد حمدد ‪،‬‬
‫‪196‬‬

‫بخالف األمر بالنسبة للمفاوضات التمهيدية التي تسعى فقط إىل فتح نقاش من أجل‬
‫‪194‬‬ ‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P :125.‬‬
‫‪LABARTHE F. : La notion de document contractuel ; L.G.D.J. 1994.‬‬
‫; ‪195 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬

‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:125.‬‬


‫‪196 LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:224.‬‬

‫‪88‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الوصول إىل اقرتاحات حمددة يف شكل مرشوع كام تبني لنا يف الفقرة السابقة‪ .‬إال أن هذا‬
‫االقرتاح ال يصل لدرجة اإلجياب عىل اعتبار أنه يكتفي فقط بتحديد نوع العقد دون‬
‫بيان مجيع عنارصه اجلوهرية واألساسية‪.‬‬
‫من أمثلته‪ ،‬نشري إىل اإلعالنات التي تظهر بشكل يومي يف الصحف واجلرائد التي‬
‫تدعو اجلمهور إىل التعاقد‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة لإلعالنات املتعلقة ببيع عقار مع حتديد‬
‫مساحته وموقعه فقط‪ ،‬أو بالنسبة للدعوة إىل توظيف إطار معني يف مرفق أو مؤسسة ما‪،‬‬
‫حيث غالبا ما يتم حتديد املؤهالت العلمية املتطلبة واالمتيازات التي سيستفيد منها‬
‫الشخص الذي سيحظى هبذا املنصب‪.‬‬
‫‪ .152‬ففي مجيع هذه احلاالت‪ ،‬فإنه ال يرتتب عن تلبية الدعوة قيام العقد‪ ،‬عىل‬
‫اعتبار أن تلبية الدعوة كام يذهب لذلك مجهور الفقه هو الذي يعترب إجيابا ينبغي أن‬
‫يقرتن بقبول الطرف اآلخر‪ ،‬وقد أكد عىل ذلك املرشع املغريب بمناسبة تناوله إلقامة‬
‫املزايدة التي تعترب نموذجا للدعوة إىل التعاقد؛ حيث نص عليها الفصل ‪ 32‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "إقامة املزايدة تعترب دعوة للتعاقد وتعترب املزايدة مقبولة ممن‬
‫يعرض الثمن األخري‪ ،‬ويلتزم‪ ،‬هذا العارض بعرضه إذا قبل البائع الثمن املعروض"‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنواع اإلجياب‬
‫‪ .153‬من أجل حتديد دقيق لإلجياب‪ ،‬فإنه ينبغي أوال التمييز بني اإلجياب الرصيح‬
‫واإلجياب الضمني (أ)‪ ،‬وأيضا بني اإلجياب املوجه للجمهور واإلجياب املوجه لشخص‬
‫واحد (ب)‪ ،‬إضافة إىل رضورة التمييز بني اإلجياب املقرتن بمدة زمنية معينة واإلجياب‬
‫غري املحدد (ج)؛ وأخريا يقتيض منا انتشار ظاهرة التعامالت اإللكرتونية الوقوف عند‬
‫اإلجياب اإللكرتوين (د)‪.‬‬
‫أ‪ :‬اإلجياب الرصيح واإلجياب الضمني‬
‫‪ .154‬يذهب الفقه ‪ ،‬إىل أنه من الصعب تصور إمكانية أن يكون اإلجياب ضمنيا‪،‬‬ ‫‪197‬‬

‫فهو غالبا ما يكون رصحيا‪ ،‬أي معربا عنه‪ ،‬سواء بطريقة كتابية أو شفوية؛ غري أنه يمكن‬

‫‪197 LARROUMET‬‬‫‪Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:222.‬‬


‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit ; P:214.‬‬

‫‪89‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أن نستشف اإلجياب يف بعض احلاالت من استعامل الوسائل الضمنية‪ ،‬كام هو الشأن‬
‫بالنسبة لوقوف صاحب سيارة أجرة يف املوقف املخصص لذلك‪ ،‬أو الشخص الذي‬
‫يعرض بضاعته مكتوبا عليها ثمنها‪.‬‬
‫أما فيام خيص اإلجياب الرصيح‪ ،‬فإنه يتم التعبري عنه بالعديد من الوسائل؛ فهوإما‬
‫أن يكون كتابة‪ ،‬أو لفظا‪ ،‬أو إشارة‪ .‬فالتعبري األول هو األكثر شيوعا بني املتعاقدين‬
‫الغائبني؛ أما التعبري اللفظي‪ ،‬فالفقه جممع عىل أن أفضل تعبري هو صيغة املايض‪ ،‬دون‬
‫استبعاد صيغ احلال واالستقبال إذا تبني أن نية صاحبها اجتهت بام ال يدع جماال للشك‬
‫إىل الرغبة يف التعاقد؛ وأخريا‪ ،‬فإن التعبري قد يتم عن طريق اإلشارة متى كانت داللتها‬
‫واضحة‪ ،‬وتعذر عىل صاحبها استعامل الكتابة أو اللفظ‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة‬
‫لألخرس الذي يمكنه التعاقد بإشارته مادام يوجد من يستطيع فك رموزه‪.‬‬
‫ب‪ :‬اإلجياب املوجه للجمهور واإلجياب املوجه لشخص حمدد‬
‫‪ .155‬يعترب هذا التمييز من أهم تصنيفات اإلجياب‪ ،‬حيث غالبا ما يتم التمييز بني‬
‫اإلجياب املوجه للجمهور واإلجياب املوجه لشخص حمدد؛ واحلقيقة‪ ،‬أن هلام نفس‬
‫اآلثار من حيث املبدأ ‪ ،‬كل ما هنالك أن املوجب الذي يوجه إجيابه للجمهور يرتبط‬ ‫‪198‬‬

‫ب القابل األول الذي يعرب عن قبوله؛ وغالبا ما يتم هذا النوع من اإلجياب عندما ال‬
‫تكون شخصية القابل حمل اعتبار‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة لصاحب املحل التجاري الذي‬
‫يعرض مالبسه للبيع‪ ،‬حيث إن أي شخص يعرب عن قبوله للثمن املكتوب عليها يعترب‬
‫قابال لإلجياب الصادر من التاجر‪ ،‬مما يرتتب عنه قيام العقد صحيحا وملزما لطرفيه‪.‬‬
‫يف حي أن اإلجياب املوجه لشخص حمدد يرتتب عنه رضورة صدور القبول من‬
‫هذا الشخص نفسه‪ ،‬لقيام العقد صحيحا ؛ وهذا ما ينطبق عىل احلاالت التي يكون‬
‫‪199‬‬

‫فيها العقد قائام عىل االعتبار الشخيص‪ ،‬كأن يرغب املوجب يف التعاقد مع حمام مقبول‬

‫‪198 MALAURIE‬‬ ‫‪Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit ; P:214.‬‬
‫‪199 LARROUMET‬‬ ‫‪Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P :223.‬‬

‫‪90‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫للرتافع أمام حمكمة النقض أو مع طبيب خمتص يف جراحة القلب أو غريها من‬
‫األوصاف ذات االعتبار الشخيص‪.‬‬
‫ج‪ :‬اإلجياب املقرتن بمدة زمنية واإلجياب املطلق‬
‫‪ .156‬يمكن أن يكون اإلجياب مقرتنا بأجل معني‪ ،‬خالله يبقى املوجب مقيدا هبذا‬
‫اإلجياب‪ ،‬ولذلك يسمى هذا النوع باإلجياب امللزم ؛ وقد أكد املرشع املغريب عىل هذا‬
‫‪200‬‬

‫احلكم بمقتىض الفصل ‪ 29‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه‪" :‬من تقدم بإجياب مع حتديد‬
‫أجل للقبول بقي ملتزما جتاه الطرف اآلخر إىل انرصام هذا األجل‪ ،‬ويتحلل من إجيابه‬
‫إذا مل يصله رد بالقبول خالل األجل املحدد"‪ .‬وقد ذهب الفقه ‪ ،‬إىل أنه كام يمكن أن‬
‫‪201‬‬

‫يكون هذا األجل حمددا من قبل املوجب بشكل رصيح‪ ،‬فإنه يمكن أن يستشف بصورة‬
‫ضمنية من طبيعة العقد التي تستلزم مدة معينة للتفكري والرد من قبل الطرف املعروض‬
‫عليه اإلجياب‪ ،‬حيث تكون بمثابة مدة معقولة‪ ،‬ختتلف بحسب الظروف‪.‬‬
‫‪ .157‬أما اإلجياب غري املقرتن بمدة زمنية معينة‪ ،‬أو ما يسمى باإلجياب املطلق‪ ،‬فهو‬
‫الذي يقع يف غالب األحيان‪ ،202‬وبموجبه يكون من حق املوجب الرجوع يف إجيابه مادام مل‬
‫يصدر القبول عن الطرف اآلخرتطبيقا للفصل ‪ 26‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه‪" :‬جيوز‬
‫الرجوع يف اإلجياب مادام العقد مل يتم بالقبول أو بالرشوع يف تنفيذه من الطرف اآلخر"‪.‬‬

‫‪ .158‬يف مجيع األحوال‪ ،‬فإن املرشع املغريب قد ميز بخصوص هذا األخري بني اإلجياب‬
‫الذي حيصل بي حارضين‪ ،‬حيث ينبغي أن يتم القبول فور صدور اإلجياب تطبيقا للفصل‬
‫‪ 23‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه‪" :‬اإلجياب املوجه لشخص حارض‪ ،‬من غري حتديد ميعاد‪،‬‬
‫يعترب كأن مل يكن إذا مل يقبل عىل الفور من الطرف اآلخر‪ .‬ويرسي هذا احلكم عىل اإلجياب‬
‫املقدم من شخص إىل آخر بطريق التليفون"؛ وبي تعاقد الغائبي‪ ،‬باستثناء حالة التعاقد‬

‫‪200 FAGES‬‬ ‫‪Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p:69.‬‬


‫‪I QUADERNI dell’ ASPIRANTE : Diritto civile ; Edizione Giuridiche SIMONE; 2010, P:142.‬‬
‫‪201 MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit, P:215.‬‬
‫‪202 FAGES Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p:70.‬‬

‫‪91‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عن طريق اهلاتف‪ ،‬حيث يتوجب صدور القبول داخل مدة معقولة طبقا للفقرة األوىل من‬
‫الفصل ‪ 30‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "من تقدم بإجياب عن طريق املراسلة من غري أن‬
‫حيدد أجال‪ ،‬بقي ملتزما به إىل الوقت املناسب لوصول رد املرسل إليه داخل أجل معقول‪،‬‬
‫ما مل يظهر بوضوح من اإلجياب عكس ذلك"؛ حتت طائلة تراجع املوجب عن إجيابه إن مل‬
‫يتم صدور القبول وفق الطرق املشار إليها يف احلالتني معا‪.‬‬
‫د‪ :‬اإلجياب االلكرتون‬
‫‪ .159‬يف ظل التطور الذي شهدته املعامالت املدنية والتجارية خالل العقود األخرية‪،‬‬
‫وما ترتب عنه من غزو الشبكة العنكبوتية ملختلف أنواع املعامالت التعاقدية‪ ،‬كان لزاما‬
‫عىل املرشع املغريب أن يتدخل لتنظيم هذا النوع من الطرق التعاقدية‪ ،‬وهو األمر الذي تم‬
‫بمقتىض القانون رقم ‪ 20353.05‬املتعلق بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية‪.204‬‬
‫سنقترص يف هذا املقام عىل تناول اإلجياب اإللكرتوين ‪ ،‬الذي استعمل بخصوصه‬
‫‪205‬‬

‫املرشع املغريب مصطلح العرض بمقتىض هذا القانون؛ وبغض النظر عن هذه التسمية‪،‬‬
‫فإن القانون اجلديد استبعد املقتضيات املتعلقة باإلجياب الواردة يف قانون االلتزامات‬
‫والعقود املغريب‪ ،‬وذلك بمقتىض الفصل ‪ 65-2‬من القانون ‪ 53.05‬الذي جاء فيه "ال‬
‫ترسي أحكام الفصول من ‪ 23‬إىل ‪ 30‬والفصل ‪ 32‬أعاله عىل هذا الباب"‪.‬‬
‫‪.160‬بالرجوع لألحكام التي خصصها القانون اجلديد للعرض اإللكرتوين‪،‬‬
‫الفصلني ‪ 65-3‬و‪ ،65-4‬نستشف منها أوال اعرتاف املرشع املغريب بإمكانية استخدام‬

‫‪ 203‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.07.129‬صادر بتاريخ ‪ 19‬من ذي القعدة ‪( 1428‬املوافق ‪ 30‬نوفمرب ‪ )2007‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 53.05‬املتعلق‬
‫بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية؛ اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5584‬بتاريخ ‪ 25‬ذو القعدة ‪ 6( 1428‬ديسمرب ‪.)2007‬‬
‫‪ 204‬أمحد ادريوش‪ :‬تأمالت حول قانون ال تبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية؛ عنارص ملناقشة مدى تأثري القانون رقم ‪ 53.05‬عىل قانون‬
‫االلتزامات والعقود؛ منشورات سلسلة املعرفة القانونية؛ مطبعة املعرفة القانونية‪.2009 /‬‬
‫‪ 205‬يتم اإلجياب اإللكرتوين بالعديد من الطرق والوسائط اإللكرتونية؛ فقد يكون عاما –كام هو الشأن بالنسبة للعروض التي تبثها املواقع‬
‫التجارية عىل الشبكة الدولية للمعلومات "اإلنرتنت" ‪ ،‬بينام يكون يف البعض اآلخر إجيابا خاصا‪ ،‬موجها إىل شخص أو أشخاص بعينهم –مثل‬
‫عروض التعاقد التي تتم عن طريق الربيد اإللكرتوين‪ .-‬وبالرغم من هذه التفرقة وما يرتتب عنها من نتائج قانونية‪ ،‬فإن حمكمة النقض الفرنسية‬
‫ذهبت إىل أن اإلجياب العام يلزم املوجب جتاه أول من يقبله بالرشوط الواردة فيه كام لو كان موجها لشخص حمدد‪.‬‬
‫إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ :‬اجلوانب القانونية للتعامالت اإللكرتونية‪ ،‬دراسة للجوانب القانونية للتعامل عرب أجهزة االتصال احلديثة "الرتاسل‬
‫اإللكرتوين"؛ جملس النرش العلمي‪ /‬جامعة الكويت؛ ‪2003‬؛ ص‪.88:‬‬

‫‪92‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الوسائل اإللكرتونية يف التعبري عن اإلجياب (‪ ،)1‬وثانيا حتديده لشكليات دقيقة هلذا‬


‫النوع من اإلجياب رغبة منه يف محاية املستهلك املحتمل التعاقد معه (‪.)2‬‬
‫‪ :1‬اعرتاف املرشع املغريب بالوسائل اإللكرتونية يف التعبري عن اإلجياب‬
‫‪ .161‬نص عىل هذه اإلمكانية الفصل‪ 65-3‬من القانون رقم ‪53.05‬؛ حيث استهل‬
‫هبا احلديث عن ما سامه العرض‪ ،‬فقد جاء يف هذا الفصل ما ييل‪" :‬يمكن استخدام‬
‫الوسائل اإللكرتونية لوضع عروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات‬
‫رهن إشارة العموم من أجل إبرام عقد من العقود‪.‬‬
‫يمكن توجيه املعلومات املطلوبة من أجل إبرام عقد أو املعلومات املوجهة أثناء تنفيذه‬
‫عن طريق الربيد اإللكرتوين إذا وافق املرسل إليه رصاحة عىل استخدام الوسيلة املذكورة‪.‬‬
‫يمكن إرسال املعلومات إىل املهنيني عن طريق الربيد اإللكرتوين ابتداء من الوقت‬
‫الذي يدلون فيه بعنواهنم اإللكرتوين‪.‬‬
‫إذا كان من الواجب إدراج املعلومات يف استامرة‪ ،‬تعني وضع هذه األخرية بطريقة‬
‫إلكرتونية رهن إشارة الشخص الواجب عليه تعبئتها"‪.‬‬
‫‪ :2‬إخضاع العرض اإللكرتون لشكليات دقيقة‬
‫‪ .162‬نص عىل هذه الشكليات الفصل ‪ 65-4‬من القانون رقم ‪ ، 53.05‬حتت‬
‫‪206‬‬

‫طائلة عدم اعتبار االقرتاح غري املتضمن للشكليات املشار إليها يف هذا الفصل بمثابة‬
‫عرض‪ ،‬وإنام يبقى جمرد إشهار ال يصل إىل درجة اإللزام كام نصت عىل ذلك الفقرة‬
‫األخرية من هذا الفصل‪.‬‬
‫‪ .163‬بالرجوع للشكليات املنصوص عليها يف الفصل ‪ 65-4‬نجدها تتمثل فيام ييل‪،‬‬
‫حسب تعبري املرشع املغريب "يتعني عىل كل من يقرتح‪ ،‬بصفة مهنية وبطريقة إلكرتونية‪،‬‬
‫توريد سلع أو تقديم خدمات أو تفويت أصول جتارية أو أحد عنارصها‪ ،‬أن يضع رهن‬
‫إشارة العموم الرشوط التعاقدية املطبقة بشكل يمكن من االحتفاظ هبا واستنساخها‪.‬‬
‫دون اإلخالل برشوط الصحة املنصوص عليها يف العرض‪ ،‬فإن صاحب العرض‬

‫‪ 206‬عبد اهلل ميموين‪ :‬العرض التعاقدي اإللكرتوين يف ضوء أحكام القانون رقم ‪53.05‬؛ املجلة املغربية للقانون االقتصادي؛ العدد الثاين‪/‬‬
‫‪2009‬؛ ص‪.108:‬‬

‫‪93‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫يظل ملزما به سواء طيلة املدة املحددة يف العرض املذكور أو‪ ،‬إن تعذر ذلك‪ ،‬طاملا ظل‬
‫ولوج العرض متيرسا بطريقة إلكرتونية نتيجة فعله‪.‬‬
‫يتضمن العرض‪ ،‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬بيان ما ييل‪:‬‬
‫‪ -1‬اخلصائص األساسية للسلعة أو اخلدمة املقرتحة أو األصل التجاري املعني أو‬
‫أحد عنارصه؛‬
‫‪ -2‬رشوط بيع السلعة أو اخلدمة أو رشوط تفويت األصل التجاري أو أحد عنارصه؛‬
‫‪ -3‬خمتلف املراحل الواجب اتباعها إلبرام العقد بطريقة إلكرتونية والسيام‬
‫الكيفية التي يفي طبقها األطراف بالتزاماهتم املتبادلة؛‬
‫‪ -4‬الوسائل التقنية التي متكن املستعمل املحتمل‪ ،‬قبل إبرام العقد‪ ،‬من كشف‬
‫األخطاء املرتكبة أثناء حتصيل املعطيات وتصحيحها؛‬
‫‪ -5‬اللغات املقرتحة من أجل إبرام العقد؛‬
‫‪ -6‬طريقة حفظ العقد يف األرشيف من لدن صاحب العرض‪ ،‬ورشوط االطالع‬
‫عىل العقد املحفوظ إذا كان من شأن طبيعة العقد أو الغرض منه تربير ذلك؛‬
‫‪ -7‬وسائل اإلطالع‪ ،‬بطريقة إلكرتونية‪ ،‬عىل القواعد املهنية والتجارية التي‬
‫يعتزم صاحب العرض اخلضوع هلا‪ ،‬عند االقتضاء"‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬سقوط اإلجياب‬
‫‪ .164‬ال يعني صدور اإلجياب من املوجب‪ ،‬أنه بالرضورة سيرتتب عن ذلك‬
‫العرض صدور قبول من الطرف اآلخر‪ ،‬مع ما يرتتب عن ذلك من نشوء عقد صحيح‪،‬‬
‫بل إن هناك العديد من احلاالت التي يسقط فيها اإلجياب ‪ ،‬دون أن حيدث الثر املقصود‬
‫‪207‬‬

‫من صدوره يف البداية؛ لعل أمهها يتمثل فيام ييل‪:‬‬


‫‪ -‬سقوط اإلجياب بإرادة املوجب‪ ،‬وهذا ما يتحقق يف احلاالت املشار إليها‬
‫سلفا‪ ،‬بمناسبة احلديث عن أنواع اإلجياب؛‬
‫‪ -‬حالة رفض الشخص املوجه إليه اإلجياب رصاحة أو ضمنا؛‬
‫‪ -‬حالة تعديل اإلجياب من قبل الشخص املوجه إليه‪ ،‬تطبيقا للفصل ‪ 27‬من‬

‫‪207MAZEAUD‬‬ ‫; ‪Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; p :127.‬‬

‫‪94‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي اعترب الرد املعلق عىل رشط أو املتضمن لقيد يعترب بمثابة رفض لإلجياب‬
‫يتضمن إجيابا جديدا؛‬
‫‪ -‬حالة صدور القبول بعد انقضاء األجل املحدد لبقائه متى كان اإلجياب‬
‫مرتبطا بمدة معينة‪ ،‬أو بعد مرور املدة املعقولة لوصول املراسلة العادية متى تعلق األمر‬
‫بتعاقد بني غائبني؛‬
‫حالة انفضاض جملس العقد دون صدور قبول من الشخص املفرتض أنه القابل؛‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬حالة موت الشخص املوجه إليه اإلجياب‪ ،‬إذا كانت شخصيته حمل اعتبار يف‬
‫العقد‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للمحامي أو الطبيب؛‬
‫‪ -‬حالة موت املوجب أو نقص أهليته إذا طرأ ذلك بعد إرسال إجيابه‪ ،‬وعلم‬
‫بذلك الشخص املوجه إليه إجيابه قبل موافقته‪ ،‬كام يستشف من مفهوم املخالفة للفصل‬
‫‪ 31‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ‪.‬‬ ‫‪208‬‬

‫املطلب الثان‪ :‬القبول‬


‫‪L'acceptation‬‬
‫‪ .165‬يقصد بالقبول ذلك التعبري الصادر من الشخص املوجه إليه اإلجياب كداللة‬
‫عىل أنه راغب بشكل جدي يف العرض املقدم إليه من قبل املوجب رشيطة أن يكون هذا‬
‫القبول مطابقا لإلجياب مطابقة تامة‪ .209‬ويذهب الفقه‪ ،210‬إىل أنه يشرتط يف القبول أن يكون‬
‫واضحا‪ ،‬وحرا‪ ،‬حيث إن الشخص املوجه إليه اإلجياب جيب أن يكون يف مقدوره قبول‬
‫اإلجياب أو رفضه أو إمهاله مع يرتتب عن ذلك من سقوطه كام رأينا سلفا‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن القبول قد يكون رصحيا أو ضمنيا‪ ،‬بل إن السكوت قد يكون‬
‫يف بعض احلاالت بمثابة قبول كام سنتناول ذلك (ثانيا)‪ ،‬بعد التطرق للمقتىض احلامئي‬

‫‪ 208‬نص الفصل ‪ 31‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬عىل ما ييل "موت املوج ب أو نقص أهليته إذا طرأ بعد إرسال إجيابه‪ ،‬ال حيول دون إمتام العقد إن كان من وجه‬
‫إليه اإلجياب قد قبله قبل علمه بموت املوجب أو بفقد أهليته"‪.‬‬
‫لقد أورد الفقه جمموعة من التعاريف للقبول‪ ،‬يمكن أن نقترص عىل بعضها فقط‪:‬‬ ‫‪209‬‬

‫"القبول هو التعبري الصادر عن الشخص املوجه إليه اإلجياب كداللة عىل أنه راغب يف العرض الذي اقرتحه املوجب عليه"‪.‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.65:‬‬
‫"القبول هو التعبري اجلدي عن إرادة العاقد الذي وجه إليه اإلجياب واملتضمن املوافقة التامة عىل ذلك اإلجياب"‪.‬‬
‫راجع أيضا يف هذا الصدد مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ مرجع سابق؛ ص‪.58:‬‬
‫‪210 LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit; P:226.‬‬

‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; op.cit ; P:217.‬‬


‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD J. et CHABAS François: Leçons de droit civil; Op.cit; P:132.‬‬

‫‪95‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الذي خصه املرشع املغريب ملتلقي العرض اإللكرتوين (أوال)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬محاية متلقي العرض اإللكرتون‬


‫‪ .166‬ال خيتلف تعريف القبول اإللكرتوين عن ذلك الذي أرشنا إليه أعاله‬
‫بخصوص القبول بوجه عام؛ كل ما هنالك أنه يتم بوسائط إلكرتونية وعن بعد ‪ ،‬عىل‬
‫‪211‬‬

‫غرار اإلجياب الذي يتم هبذه الطريقة؛ ومن ثم‪ ،‬فإنه يتميز ببعض القواعد اخلاصة به‪،‬‬
‫والتي ترجع إىل طبيعته اإللكرتونية‪.‬‬
‫‪ .167‬ونرى أن هذه القواعد هتدف يف جمملها إىلمحاية متلقي العرض اإللكرتون؛‬
‫لذلك فإن املرشع املغريب من خالل القانون رقم ‪ 53.05‬جاء ببعض املقتضيات التي‬
‫جتعل قبوله متزنا وفيه قدر مهم من الرتوي‪ ،‬كام يتضح لنا من أحكام الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 65-5‬التي جاء فيها‪":‬يشرتط لصحة إبرام العقد أن يكون من أرسل العرض‬
‫إليه قد متكن من التحقق من تفاصيل اإلذن الصادر عنه ومن السعر اإلمجايل ومن‬
‫تصحيح األخطاء املحتملة‪ ،‬وذلك قبل تأكيد اإلذن املذكور ألجل التعبري عن قبوله"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬داللة السكوت‬


‫ينبغي التمييز أوال بخصوص هذه اإلشكالية بي السكوت والتعبري‬ ‫‪.168‬‬
‫الضمني؛ ذلك أن السكوت هو جمرد وضع سلبي ‪ ،‬بينام التعبري الضمني هو وضع‬
‫‪212‬‬

‫إجيايب يستفاد من بعض الوقائع كام سبق أن رأينا ذلك يف العديد من األمثلة‪ .‬األمر‬
‫الذي يقتيض منا البحث عن داللة السكوت‪.‬‬

‫وما دام أن اإلرادة تعترب بمثابة عمل إجيايب‪ ،‬فإنه ال يمكن تصور أن يتم التعبري‬
‫عنها بواسطة السكوت الذي يعترب جمرد وضع سلبي كام بينا ذلك أعاله؛ وبناء عليه‪،‬‬
‫فإنه ال يمكن أن يعرب عن اإلجياب بالسكوت‪ ،‬ألن هذا األخري عدم‪ ،‬والعدم ال‬

‫‪ 211‬إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ :‬اجلوانب القانونية للتعامالت اإللكرتونية‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.93:‬‬
‫‪212 GHESTIN‬‬ ‫‪Jacques : Traité de droit civil ; la formation du contrat ; op.Cit ; P:358.‬‬

‫‪96‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫يستشف منه أي يشء‪.‬‬


‫‪ .169‬بخالف الوضع بالنسبة لإلجياب‪ ،‬فإن السكوت يف القبول إذا كان ال يعتد به‬
‫كقاعدة عامة تطبيقا للمقولة املشهورة "ال ينسب إىل ساكت قول"‪ ،‬ومن ثم ال يمكن‬
‫أن يكون بمثابة قبول‪ ،‬فإن هذه القاعدة يرد عليها استثناء مهم‪ ،‬وهو املتعلق بحالة‬
‫السكوت الذي يكون مالبسا ‪ ،‬أو بام يعرب عنه الفقه بكون السكوت يعترب يف معرض‬ ‫‪213‬‬

‫احلاجة إىل البيان قبوال للعقد أو العرض؛ وهذا احلكم مستمد من قواعد الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وعنه أخذت بعض الترشيعات العربية كام هو الشأن بالنسبة للقانون املدين‬
‫األردين‪ ،‬الذي نص يف مادته ‪ 95‬عىل ما ييل‪" :‬ال ينسب إىل ساكت قول‪ ،‬ولكن‬
‫السكوت يف معرض احلاجة بيان ويعترب قبوال"؛ وهذه القاعدة تشبه إىل حد كبري املادة‬
‫‪ 97‬من جملة األحكام العدلية‪ ،‬التي جاء فيها‪" :‬ال ينسب إىل ساكت قول‪ ،‬لكن‬
‫السكوت يف معرض احلاجة بيان‪ .‬يعني أنه ال يقال لساكت أنه قال كذا‪ ،‬لكن السكوت‬
‫فيام يلزم التكلم به إقرار وبيان" ‪.‬‬
‫‪214‬‬

‫‪ .170‬بالرغم من عدم تنصيص قانون االلتزامات والعقود املغريب عىل هذه القاعدة‬
‫بشكل مبارش‪ ،‬فإنه يمكن استنتاجها من مقتضيات الفصول‪ 25‬و‪ 28‬و‪ 38‬منه؛ حيث جاء يف‬
‫الشق الثاين من الفصل ‪ 25‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬ما ييل‪ ،..." :‬ويكون السكوت عن الرد بمثابة القبول‪ ،‬إذا‬
‫تعلق اإلجياب بمعامالت سابقة بدأت فعال بني الطرفني"‪ .‬أما الفصل ‪ 28‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬فقد‬
‫نص عىل ما ييل‪" :‬يعترب الرد مطابقا لإلجياب إذا اكتفى املجيب بقوله 'قبلت' أو نفذ العقد‬
‫بدون حتفظ"‪.‬‬

‫‪213‬‬ ‫‪FAGES Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p:71.‬‬


‫‪LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P:233.‬‬
‫‪ 214‬تعترب قاعدة ال ينسب إىل ساكت قول‪ ،‬قاعدة كلية قاهلا اإلمام الشافعي‪ ،‬ونقلت عنه يف كتب األشباه والنظائر ويف جملة األحكام العدلية ثم بعد ذلك‬
‫انتقلت إىل العديد من الترشيعات العربية؛ ولعل من أهم التعليقات التي وجدهتا يف كتب الفقه‪ ،‬تلك التي أشار إليها الدكتور صبحي حممصاين؛ ولرصانة ما‬
‫كتبه هذا الباحث‪ ،‬ارتأيت اإلشارة إليه يف هذا اهلامش؛ حيث كتب "ال ريب يف أن عبارة هذه القاعدة بليغة موفقة‪ ،‬ملا فيها من اإلجياز والبيان يف آن واحد‪.‬‬
‫ففي القاعدة تصوير للساكت ولوضعه السلبي‪ ،‬الذي ال تعبري فيه وال داللة‪ .‬وفيها أيضا تصوير للسكوت‪ ،‬الذي ال يمكن أن يعطى بحد ذاته معنى معينا‬
‫أو لونا خاصا‪ ،‬ألنه يعود إىل أسباب متعددة باطنة غري ظاهرة‪ .‬فالساكت يسكت لعدم االنتباه‪ ،‬أو لعدم االكرتاث‪ ،‬أو عىل سبيل االستهزاء‪ ،‬أو بنية املوافقة‪،‬‬
‫أو بقصد اإلنكار أو الرفض‪ ،‬أو ما أشبه من األسباب التي ال حتص"‪.‬‬
‫صبحي حممصاين‪ :‬النظرية العامة للموجبات والعقود يف الرشيعة اإلسالمية؛ دار العلم للماليني‪ /‬بريوت؛ ‪1972‬؛ ص‪.308:‬‬

‫‪97‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أما احلالة املنصوص عليها يف الفصل ‪ 38‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬فهي تتعلق بحالة الشخص الذي‬
‫يالحظ غريه يترصف باسمه وال يعرتض عىل هذه الترصفات بالرغم من قدرته عىل ذلك‪ ،‬حيث‬
‫يعترب يف مثل هذه الوضعية بمثابة إقرار من الساكت بصحة الترصف القانوين الصادر من الغري؛‬
‫وهذا ما يتضح لنا من قراءة هذا الفصل‪ ،‬الذي جاء فيه "يسوغ استنتاج الرىض أو اإلقرار من‬
‫السكوت إذا كان الشخص الذي حيصل الترصف يف حقوقه حارضا أو أعلم بحصوله عىل وجه‬
‫سليم ومل يعرتض عليه من غري أن يكون هناك سبب مرشوع يربر سكوته"‪.‬‬
‫ومن الترشيعات املغاربية التي تطرقت لبعض هذه االستثناءات‪ ،‬نجد القانون‬
‫املدين الليبي الذي أشار يف مادته ‪ 98‬إىل حالتني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كانت طبيعة املعاملة أو العرف التجاري أو غري ذلك من الظروف التي‬
‫تدل عىل أن املوجب مل يكن لينتظر ترصحيا بالقبول‪ ،‬فإن العقد يعترب تاما‪ ،‬إذا مل يرفض‬
‫اإلجياب يف وقت مناسب؛‬
‫‪ -‬ويعترب السكوت عن الرد قبوال‪ ،‬إذا كان هناك تعامل سابق بني املتعاقدين‬
‫واتصل اإلجياب هبذا التعامل‪ ،‬أو متخض اإلجياب ملنفعة من وجه إليه‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬اقرتان القبول باإلجياب أو توافق اإلرادتي‬


‫‪ .171‬جيمع الفقه ‪ ،‬أنه ينبغي من أجل متام العقد‪ ،‬إضافة لصدور اإلجياب من املوجب‬
‫‪215‬‬

‫والقبول من القابل‪ ،‬أن حيصل اقرتان القبول باإلجياب عىل العنارص األساسية للعقد‪ ،‬أو‬
‫بحسب بعض الفقه أن حيصل توافق إراديت العاقدين بشأن العنارص األساسية لاللتزام‬
‫بحسب موضوعه أو من وجهة نظرمها‪ .‬بمعنى أنه يكفي من الناحية القانونية حلصول‬
‫التوافق التام بني إرداة األطراف االتفاق عىل العنارص األساسية للعقد‪ ،‬أما العنارص الثانوية‬
‫فيمكن أن تكون موضوع اتفاق الحق‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫‪LARROUMET Christian: Les obligations, le contrat ; op.cit ; P :234.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P:136.‬‬

‫‪98‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫وقد نص عىل هذه القاعدة الفصل ‪ 19‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬الذي جاء يف فقرته األوىل ما ييل‪:‬‬
‫"اليتم االتفاق إال برتايض الطرفني عىل العنارص األساسية لاللتزام وعىل باقي الرشوط‬
‫املرشوعة األخرى التي يعتربها الطرفان أساسية "‪ .‬غري أن هذا التالقي خيتلف بحسب ما إذا‬
‫كان األمر يتعلق بأطراف حارضة يف نفس جملس العقد (أوال)‪ ،‬أو بني غائبني (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تطابق إراديت احلارضين يف جملس العقد‬


‫جيمع الفقه عىل أن فكرة جملس العقد من األفكار املستوحاة من الفقه‬ ‫‪.172‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كام أن التعاقد بني حارضين يعترب الوضع املألوف يف جمال املعامالت املدنية‬
‫والتجارية عىل حد سواء بالرغم من التقدم الذي عرفه املجال اإللكرتوين بوجه‬
‫خاص؛ األمر الذي يقتيض منا الوقوف عىل أهم النقط التي يطرحها التعاقد احلاصل يف‬
‫جملس العقد‪ ،‬لعل أمهها يتمثل يف نظرنا يف زمان ومكان العقد احلاصل بني حارضين‬
‫(أ)‪ ،‬إضافة إىل العربون (ب)‪.‬‬
‫أ‪ :‬زمان ومكان العقد احلاصل بي حارضين يف جملس العقد‬
‫‪ .173‬ذهب الفقيه عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬إىل تعريف جملس العقد بأنه "املكان الذي‬
‫يضم املتعاقدين‪ .‬وليس امللحوظ فيه هو املعنى املادي للمكان‪ ،‬بل امللحوظ هو الوقت‬
‫الذي يبقى فيه املتعاقدان منشغلني بالتعاقد دون أن يرصفهام عن ذلك شاغل آخر‪ .‬فإذا‬
‫اجتمع شخصان يف جملس واحد‪ ،‬وأصدر أحدمها إجيابا لآلخر‪ ،‬فليس من الرضوري أن‬
‫يكون القبول فورا‪ ،‬بل جيوز أن يبقى املوجب له بتدبر األمر شيئا من الوقت حتى إذا عقد‬
‫العزم عىل القبول فعل ذلك" ‪.‬‬
‫‪216‬‬

‫‪ .174‬وإذا كانت فكرة جملس العقد مستوحاة كام قلنا من الفقه اإلسالمي‪ ،‬فإنه‬
‫ينبغي الرجوع هلذا الفقه من أجل استيعاب مضموهنا ‪ ،‬السيام إذا علمنا أن املوقف‬
‫‪217‬‬

‫‪ 216‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر االلتزام؛ منشورات‬
‫احللبي احلقوقية‪ /‬بريوت‪-‬لبنان؛ ‪1998‬؛ ص‪.229:‬‬
‫‪ 217‬جابر عبد اهلادي سامل الشافعي‪ :‬جملس العقد؛ دار اجلامعة اجلديد للنرش‪2001/‬؛ ص‪.91:‬‬
‫=‬
‫‪99‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الذي تبناه املرشع املغريب بمقتىض الفصل ‪ 23‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬قد يؤدي األخذ به عىل‬
‫حرفيته إىل تعطيل جانب كبري من املعامالت‪ ،‬حيث إن ظاهر النص السالف الذكر يفيد‬
‫برضورة صدور القبول بشكل فوري حتت طائلة سقوط اإلجياب غري املقرتن بميعاد‬
‫حمدد‪.‬‬
‫فقد نصت الفقرة األوىل من الفصل ‪ 23‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬عىل ما ييل‪" :‬اإلجياب املوجه‬
‫لشخص حارض‪ ،‬من غري حتديد ميعاد‪ ،‬يعترب كأن مل يكن إذا مل يقبل عىل الفور من‬
‫الطرف الخر"‪ .‬فاعتامد حرفية النص كام قلنا قد تؤدي إىل عرقلة وتعطيل جانب مهم‬
‫من املعامالت التي حتتاج إىل قدر من الرتوي والرتيث قبل اختاذ القرار احلاسم‪ ،‬كام هو‬
‫الشأن بالنسبة للبيوع العقارية والصفقات التجارية‪.‬‬
‫‪ .175‬هلذه االعتبارات‪ ،‬فإن مجهور الفقه يرى أن املصلحة تقتيض نوعا من املرونة مع‬
‫مقتضيات الفصل السالف الذكر‪ ،‬أو عىل حد تعبري األستاذ العرعاري فإنه ينبغي إضفاء‬
‫‪218‬‬

‫نوع من املرونة بخصوص تفسري مفهوم الفورية هذا‪ ،‬بحيث ما دام الفور يقتيض احلالة‬
‫الزمنية التي ال بطء فيها فإنه بات أمرا طبيعيا التسليم بأن الشخص املوجه إليه اإلجياب‬
‫يتعني عليه أن يفصح عن قبوله قبل انفضاض جملس العقد برشط أن ال يكون الطرفان قد‬
‫انرصفا عن موضوع التفاوض ‪.‬‬
‫‪219‬‬

‫عبد العزيز حممد عزام‪ :‬اخليارات يف الفقه اإلسالمي؛ دراسة مقارنة يف املذاهب الثامنية؛ دار اهلدى للطباعة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1983‬؛ ص‪.171:‬‬
‫حممد مصطفى شلبي‪ :‬املدخل يف التعريف بالفقه اإلسالمي وقواعد امللكية والعقود فيه؛ مطبعة دار التأليف‪1966/‬؛ ص‪.408:‬‬
‫الكاساين‪ :‬بدائع الصنائع؛ اجلزء اخلامس؛ ص‪.204:‬‬
‫ابن عابدين‪ :‬حاشية رد املختار؛ اجلزء الرابع؛ ص‪.527:‬‬
‫‪ 218‬عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزام ات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف‬
‫مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪-‬مرجع سابق؛ ص‪.69:‬‬
‫‪ 219‬نفس الرأي‪ ،‬تبناه األستاذ عبد احلق صايف؛ حيث كتب "فالتطبيق احلريف هلذا النص –يقصد الفصل ‪ 23‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ -.‬يفيد أن اإلجياب غري‬
‫املقرتن بأجل والصادر يف جملس العقد يعترب عديم األثر إذا مل يتله قبول وذلك بصورة مبارشة ودون إبطاء‪ .‬من ثم يبدو أن هذا املوقف يولد‬
‫احلرج والشدة يف املعامالت وال يسعف العاقدين سيام يف العقود املهمة (مثال الصفقات التجارية والبيوع العقارية) التي يقتيض إمضاؤها نوعا‬
‫من الرتوي والتفكري قبل اختاذ القرار؛‪......................................‬وهكذا فاملصلحة تقتيض التعامل بنوع من املرونة مع الفصل ‪ 23‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬السالف وذلك عن طريق القول بأن (الفورية) تتحقق إذا صدر القبول قبل انفضاض جملس العقد‪ ،‬األمر الذي من شأنه ختويل املوجب‬
‫له حيزا من الوقت الذي تستغرقه مناقشة رشوط التعاقد‪ ،‬وذلك للتفكري يف اإلجياب املوجه إليه والرد عليه‪ .‬ويف هذا إسعاف للمتعاقدين ودفع‬
‫للحرج عنهام وضامن الستقرار وانضباط التعامل"‪.‬‬
‫عبد احلق صايف‪ :‬القانون املدين‪ ،‬اجلز ء األول‪ :‬املصدر اإلرادي لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول تكوين العقد؛ مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار‬
‫البيضاء؛ ‪2006‬؛ ص‪.275:‬‬

‫‪100‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫لنفس املربرات‪ ،‬وجدنا الفقيه وهبة الزحييل ينتقذ اعتامد مبدأ الفورية عىل إطالقه‪،‬‬
‫حيث ذهب إىل أنه "يف اشرتاط الفورية تضييق عىل القابل‪ ،‬أو تفويت للصفقة من غري‬
‫مصلحة راجحة‪ ،‬فإن رفض فورا‪ ،‬فتضيع عليه الصفقة‪ ،‬وإن قبل فورا‪ ،‬فربام كان يف العقد‬
‫رضر له‪ ،‬فيحتاج لفرتة تأمل‪ ،‬للموازنة بني ما يأخذ أو ما يغنم وبني ما يعطي أو يغرم يف‬
‫سبيل العقد‪ ،‬وقدرت فرتة التأمل بمدة جملس العقد؛ ألن املجلس جامع للمفرتقان‪ ،‬فتعترب‬
‫ساعاته وحدة زمنية تيسريا عىل الناس‪ ،‬ومنعا للمضايقة واحلرج‪ ،‬ودفعا للرضر عن‬
‫العاقدين قدر اإلمكان" ‪.‬‬
‫‪220‬‬

‫ب‪ :‬العربون‬
‫‪ .176‬عرف الفقه العربون بأنه مبلغ من املال أو يشء من األشياء يدفع لضامن‬ ‫‪221‬‬

‫تنفيذ عقد أو وعد‪ .‬بعبارات أخرى‪ ،‬فالعربون هو مقدار من املال يدفعه أحد املتعاقدين‬
‫للطرف اآلخر عند التعاقد‪ ،‬وقد أمجع الفقه عىل أن هناك داللتني للعربون بحسب‬
‫الترشيعات؛ فبالنسبة لألنظمة الالتينية فإن دفع العربون يكون الغرض منه إعطاء حق‬
‫العدول لكل من املتعاقدين ‪ ،‬حيث إنه إذا عدل من دفع العربون ترتب عىل عدوله‬ ‫‪222‬‬

‫فقد العربون الذي دفعه‪ ،‬أما إذا عدل من قبض العربون ترتب عىل عدوله رد العربون‬
‫ورد مثله معه ؛ بينام تذهب األنظمة اجلرمانية إىل اعتباره أداة لتأكيد إبرام العقد‪ ،‬أي أن‬ ‫‪223‬‬

‫دفع العربون يعترب دليال عىل انرصاف نية املتعاقدين عىل تأكيد العقد وتنفيذه‪ ،‬ومن تم‬
‫يكون املبلغ املدفوع بمثابة جزءا من الثمن‪ ،‬أما إذا مل ينفذ أحد املتعاقدين التزاماته فإنه‬
‫يتحمل املسؤولية العقدية‪.‬‬
‫‪ .177‬أما بخصوص موقف القانون املغريب‪ ،‬فإنه وبمقتىض الفصول من ‪ 288‬إىل‬
‫‪ 290‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬التي تناولت العربون‪ ،‬فإن املقصود به هو ما يقدمه املشرتي للبائع‬

‫‪ 220‬وهبة الزحييل‪ :‬اجلزء الرابع؛ ص‪.107:‬‬


‫‪ 221‬عبد السالم الرتمانيني‪ :‬أحكام العربون يف الرشيعة والقانون؛ جملة احلقوق والرشيعة‪ ،‬جامعة الكويت؛ الطبعة الثانية‪1984 /‬؛ ص‪.49:‬‬
‫إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ :‬العقد غري الالزم؛ دراسة مقارنة معمقة يف الرشيعة اإلسالمية والقوانني الوضعية؛ جامعة الكويت‪1994/‬؛ ص‪.44:‬‬
‫‪222‬‬ ‫‪TERRE F. et SIMLER Ph. et LEQUETTE Y. : Droit civil, les obligations, Dalloz, Paris, 1993, P:351.‬‬
‫‪ 223‬زكي الدين شعبان‪ :‬الرشط اجلزائي يف الرشيعة والقانون‪ ،‬جملة احلقوق الكويتية‪ ،‬ع‪ ،1977 ،2:‬ص‪.129:‬‬

‫‪101‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ضامنا لتنفيذ تعهده بالرشاء‪ ،‬ومن ثم فهو تأكيد للبيع وليس أداة عدول ‪ ،‬حيث إن‬
‫‪224‬‬

‫املشرتي بتقديمه للعربون يضمن تنفيذ تعهده بالرشاء‪ ،‬وبالتايل فالعربون يلزم البائع‪،‬‬
‫فليس بإمكانه أن يرتاجع عن إمتام البيع‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن العربون حيفظ للمشرتي حق العدول عن البيع يف مقابل‬
‫حفظ حق البائع يف التعويض؛ بمعنى أن املشرتي بمجرد دفعه للعربون فإن ذلك ال‬
‫يمنعه من الرتاجع عن البيع‪ ،‬عىل اعتبار أن العربون جمرد إعراب عن الرغبة يف إبرام‬
‫عقد البيع ويبقى عىل عاتق البائع تأكيده أو االمتناع عن ذلك‪ .‬وكام قلنا‪ ،‬فإنه ال ينبغي‬
‫هدر حقوق البائع‪ ،‬فله كام جاء يف الفصل ‪ 290‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬أن حيتفظ به وال يلزم‬
‫برده إال بعد أخذه التعويض الذي متنحه له املحكمة‪ ،‬إن اقتىض األمر ذلك‪.‬‬
‫‪ .178‬من الترشيعات العربية التي تأثرت بنهج املدرسة اجلرمانية‪ ،‬نجد القانون‬
‫املدين العراقي الذي نص يف مادته ‪ 92‬عىل ما ييل "‪ .1‬يعترب العربون دليال عىل أن العقد‬
‫أصبح باتا ال جيوز العدول عنه‪ ،‬إال إذا قىض االتفاق بغري ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬فإذا اتفق املتعاقدان عىل أن العربون جزاء العدول عن العقد كان لكل منهام حق‬
‫العدول‪ .‬فإن عدل من دفع العربون وجب عليه تركه‪ ،‬وإن عدل من قبضه رده مضاعفا"‪.‬‬
‫‪ .179‬بخالف الوضع يف القانون املغريب والعراقي‪ ،‬فإن القانون الفرنس وعىل‬
‫غرار أغلب الترشيعات الالتينية أخذ بداللة العربون وذلك بمقتىض املادة ‪ 1590‬من‬
‫القانون املدين الفرنس ‪ ،‬ثم سارت عىل منواله بعض الترشيعات العربية من قبيل‬ ‫‪225‬‬

‫القانون املدين املرصي ‪ ،‬كام يتضح من خالل أحكام املادة ‪ 103‬منه‪ ،‬والتي جاء‬ ‫‪226‬‬

‫فيها"دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من املتعاقدين احلق يف العدول عنه إال‬

‫‪ 224‬عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬نظرية االلتزامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.72:‬‬
‫‪225 MAZEAUD‬‬ ‫‪: Leçons de droit civil, Paris, 1966, T3, P : 656.‬‬
‫‪ 226‬الدكتور عبد السالم الرتمانيني‪ :‬أحكام العربون يف الرشيعة والقانون؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.54:‬‬
‫عباس الرصاف‪ :‬العربون وأحكامه يف القانون املدين العراقي‪ ،‬بحث مقارن‪ .‬جملة القضاء العراقية‪ ،‬نقابة املحامني‪ ،‬ع‪1 :‬و‪ ،1958 ،2‬ص‪.19:‬‬
‫إسامعيل غانم‪ :‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ .‬مكتبة عبد اهلل وهبة‪ ،1967 /‬ص‪.148:‬‬
‫عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.277:‬‬

‫‪102‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫إذا قىض االتفاق بغري ذلك‪ .‬فإذا عدل من قبضه رد ضعفه‪ ،‬هذا ولو مل يرتتب عىل‬
‫العدول أي رضر"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تالقي إراديت املتعاقدين الغائبي‬


‫‪ .180‬كان املرشع املغريب سباقا يف بداية القرن املايض إىل تنظيم التعاقد عن بعد‪،‬‬
‫و الذي حيصل بالعديد من الوسائل التي برزت يف هناية القرن املايض‪ ،‬كام هو الشأن‬
‫بالنسبة للهاتف‪ ،‬مستفيدا يف ذلك مما استقر عليه الفقه والقضاء الفرنسيني‪ ،‬يف الوقت‬
‫الذي مل يكن القانون املدين الفرنس الذي يعود لسنة ‪1804‬ينظم هذه الوسائل (أ)‪.‬‬

‫غري أن التطور املهول الذي عرفته وسائل االتصال احلديثة وما نتج عنه من انتشار‬
‫واسع لظاهرة التعاقد اإللكرتوين ‪ ،‬الذي خيتلف يف الكثري من تفاصيله عن التعاقد بني‬ ‫‪227‬‬

‫غائبني املنظمة أحكامه بواسطة قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ األمر الذي كان‬
‫يقتيض تدخال ترشيعيا لسد مثل هذه الثغرات‪ .‬وهو األمر الذي أقدم عليه املرشع‬
‫املغريب بمقتىض القانون رقم ‪ 53.05‬املتعلق بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية ‪،‬‬
‫‪228‬‬

‫حيث أخضع كيفية تطابق القبول باإلجياب ملقتضيات خاصة (ب)‪.‬‬

‫أ‪ :‬تالقي إراديت املتعاقدين الغائبي بالوسائل غري اإللكرتونية‬


‫‪ .181‬غالبا ما يبدأ الفقه‪ ،‬بمناسبة تناول موضوع التعاقد احلاصل بني غائبني‪ ،‬من‬
‫التطرق إلشكالية يف غاية األمهية‪ ،‬تتمثل يف عرض خمتلف النظريات التي قيلت يف‬

‫‪ 227‬يطلق الفقه عىل العقد املربم هبذه الطريقة بالعقد اإللكرتوين‪ ،‬واملقصود به هو ذلك العقد الذي يتم إبرامه عرب شبكة االنرتنت‪ ،‬فهو عقد‬
‫عادي‪ ،‬إال أنه يكتسب الطابع اإللكرتوين من الطريقة التي ينعقد هبا أو الوسيلة التي يتم إبرامه من خالهلا؛ حيث ينشأ العقد من تالقي القبول‬
‫باإلجياب بفضل التواصل بني األطراف بوسيلة مسموعة مرئية عرب شبكة دولية مفتوحة لالتصال عن بعد‪.‬‬
‫حممد حسني منصور‪ :‬املسؤولية اإللكرتونية؛ دار اجلامعة اجلديدة للنرش‪ /‬اإلسكندرية؛ ‪2003‬؛ ص‪.18:‬‬
‫انظر أيضا إدريس النوازيل‪ :‬محاية عقود التجارة اإللكرتونية يف القانون املغريب؛ دراسة مقارنة؛ املطبعة والوراقة الوطنية‪ /‬مراكش؛ الطبعة األوىل‬
‫‪2010‬؛ ص‪.12:‬‬
‫‪FAGES Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007; P:76.‬‬
‫; ‪CACHARD O. : Le contrat électronique dans la loi pour la confiance dans l’économie numérique‬‬
‫‪RLDC 2004 ; 8 ; N°314.‬‬
‫‪ 228‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.07.129‬صادر بتاريخ ‪ 19‬من ذي القعدة ‪( 1428‬املوافق ‪ 30‬نوفمرب ‪ )2007‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 53.05‬املتعلق‬
‫بالتبادل اإللكرتوين للمعطيات القانونية؛ اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5584‬بتاريخ ‪ 25‬ذو القعدة ‪ 6( 1428‬ديسمرب ‪)2007‬؛ ص‪.3888-3879:‬‬

‫‪103‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫زمان انعقاد العقد ومكانه ؛ وهو األمر الذي دفعنا إىل الوقوف عندها يف البداية‪ ،‬قبل‬ ‫‪229‬‬

‫إبداء بعض املالحظات املرتبطة بزمان انعقاد العقد احلاصل بني غائبني ومكانه‪.‬‬
‫‪ :1‬نظرية إعالن القبول؛ التي يقصد هبا أن تالقي إراديت املتعاقدين الغائبني‬
‫حيصل بمجرد إعالن القبول وصدوره من املوجب له؛ أي أن العقد يعترب تاما بمجرد‬
‫صدور القبول من الشخص املوجه إليه اإلجياب‪ .‬غري أن هذه النظرية تعرضت‬
‫ملجموعة من االنتقادات‪ ،‬لعل أمهها أنه يف حالة عدول املوجب عن إجيابه‪ ،‬فإنه يصعب‬
‫عليه أن يثبت أن ذلك العدول حصل قبل قبول الطرف اآلخر‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد أخذت‬
‫هبذه النظرية العديد من الترشيعات‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للقانون املدين األردين ‪.‬‬
‫‪230‬‬

‫‪ :2‬نظرية إرسال القبول‪ .‬من أجل جتاوز االنتقاد الذي تعرضت له نظرية إعالن‬
‫القبول‪ ،‬فإن بعض الفقه ذهب إىل أن العقد يعترب تاما عندما يرسل القابل قبوله‪ ،‬عن‬
‫طريق وضعه يف صندوق الربيد أو تسليمه إىل مصلحة الربيد التي تتعهد بإيصاله‪ .‬وقد‬
‫تعرضت هذه النظرية هي األخرى لالنتقاد‪ ،‬مادام أن القابل بمقدوره سحب الوثيقة‬
‫التي عرب فيها عن قبوله من مصلحة الربيد‪.‬‬
‫‪ :3‬نظرية تسلم القبول‪ .‬ذهب أنصار هذه النظرية إىل أنه من أجل تفادي العيب‬
‫اجلوهري لنظرية إرسال القبول‪ ،‬فإن العقد ال يعترب تاما إال عندما يصل القبول إىل‬
‫املوجب‪ ،‬مما جيعل إمكانية سحبه من القابل أمرا مستحيال؛ وتقف هذه النظرية عند‬
‫استالم املوجب للقبول‪ ،‬أي بغض النظر عن علمه بمضمون الرسالة أو عدم علمه‬
‫بذلك‪ .‬أي أن تالقي إراديت املتعاقدين حيصل ابتداء من تاريخ توصله بالرسالة حتى‬
‫ولو مل يطلع املوجب عىل مضموهنا‪.‬‬
‫‪ :4‬نظرية العلم بالقبول‪ ،‬التي يقصد هبا أن العقد يعترب تاما عندما يعلم املوجب‬

‫‪229‬‬‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:138.‬‬
‫‪ 230‬يربز لنا تأثر القانون املدين األردين هبذه النظرية من خالل املادة ‪ ،101‬التي جاء فيها "إذا كان املتعاقدان ال يضمهام حني العقد جملس واحد‬
‫يعترب التعاقد قد تم يف املكان ويف الزمان اللذين صدر فيهام القبول ما مل يوجد اتفاق أو نص قانوين يقيض بغري ذلك"‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫فعال بالقبول؛ واملربر الذي اعتمده أنصار هذه النظرية‪ ،‬يتمثل يف كون اإلرادة ال يمكن‬
‫أن تنتج أثرها ما مل تصل إىل علم من وجهت إليه‪ .‬كام أن هذه النظرية حسب أنصارها‪،‬‬
‫تعترب أرفق باملوجب وأكثر حرصا عىل مصاحله‪ ،‬مادام أن املوجب هو الذي يعرض‬
‫التعاقد‪ ،‬بل هو الذي حيدد مضمونه ورشوطه‪ .‬ومن الترشيعات التي أخذت هبذه‬
‫النظرية نذكر القانون املدين املرصي ‪.‬‬
‫‪231‬‬

‫‪.182‬بعد التطرق هلذه النظريات‪ ،‬ارتأينا الوقوف عند ثالث مالحظات أساسية‪:‬‬
‫املالحظة األوىل؛ تكشف لنا بأن موقف املرشع املغريب فيه نوع من اللبس؛ فبالرغم‬
‫من أن مراجعة أحكام الفصل ‪ 24‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬تظهر لنا عىل أنه أخذ بنظرية إعالن‬
‫القبول ‪ ،‬إال أن مقتضيات الفصل ‪ 30‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬اشرتطت وجوب توصل املوجب‬ ‫‪232‬‬

‫بالقبول داخل األجل املعقول لوصول الرسائل ‪.‬‬


‫‪233‬‬

‫املالحظة الثانية‪ ،‬تتعلق بأمهية حتديد تاريخ قيام العقد الذي يتم باملراسلة؛ حيث‬
‫إن هلذا التحديد أمهية خاصة عىل العديد من املستويات‪ ،‬يمكن اختزاهلا فيام ييل‪:‬‬
‫‪ -‬عىل مستوى انتقال امللكية وحتمل تبعة اهلالك؛ حيث إن الترشيعات التي‬
‫أخذت بنظرية إعالن القبول جتعل املشرتي مالكا من هذا التاريخ‪ ،‬ويف نفس الوقت‬
‫يصبح متحمال لتبعة هالك اليشء الذي انتقلت إليه ملكيته من تاريخ إعالن القبول ما‬
‫مل يتبني أن املوجب كان متسببا يف وقوع هذا اهلالك؛ أما بالنسبة للترشيعات التي‬
‫أخذت بنظرية العلم بالقبول‪ ،‬فإن امللكية ال تنتقل لصاحبها إال من تاريخ علم املوجب‬
‫بالقبول‪ ،‬ويف مقابل ذلك‪ ،‬فإن اهلالك يبقى عىل عاتق الطرف اآلخر –البائع‪ -‬إىل حدود‬
‫هذا التاريخ‪ ،‬مادام أن امللكية مل تنتقل للمستفيد منها إال بعلم املوجب بالقبول‪.‬‬

‫‪ 231‬نصت املادة ‪ 97‬من القانون املدين املرصي عىل ما ييل "‪ -1‬يعترب التعاقد بني الغائبني قد تم يف املكان والزمان اللذين يعلم فيهام املوجب بالقبول‪ ،‬ما مل‬
‫يوجد اتفاق أو نص قانوين يقيض بغري ذلك‪ -2 .‬ويفرتض أن املوجب قد علم بالقبول يف املكان والزمان اللذين وصل إليه فيهام هذا القبول"‪.‬‬
‫‪ 232‬جاء يف الفصل ‪ 24‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬ما ييل‪" :‬يكون العقد احلاصل باملراسلة تاما يف الوقت واملكان اللذين يرد فيهام من تلقى اإلجياب بقبوله‪.‬‬
‫والعقد احلاصل بواسطة رسول أو وسيط يتم يف الوقت واملكان اللذين يقع فيهام رد من تلقى اإلجياب للوسيط بأنه يقبله"‪.‬‬
‫‪ 233‬نص الفصل ‪ 30‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬عىل ما ييل‪" :‬من تقدم بإجياب عن طريق املراسلة من غري أن حيدد أجال‪ ،‬بقي ملتزما به إىل الوقت املناسب‬
‫لوصول رد املرسل إليه داخل أجل معقول‪ ،‬ما مل يظهر بوضوح من اإلجياب عكس ذلك‪.‬‬
‫وإذ صدر الترصيح بالقبول يف الوقت املناسب ولكنه مل يصل إىل املوجب إال بعد انرصام األجل الذي يكفي عادة لوصوله إليه‪ ،‬فإن املوجب ال‬
‫يكون ملتزما مع حفظ حق الطرف اآلخر يف طلب التعويض من املسؤول قانونا"‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ -‬عىل مستوى تطبيق القواني التفسريية بأثر فوري؛ ذلك أن املرشع قد يصدر‬
‫بعضا من هذه القوانني بني فرتة إعالن القبول وتاريخ علم املوجب به؛ فبالنسبة‬
‫للترشيعات التي أخذت بنظرية إعالن القبول‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة لقانون االلتزامات‬
‫والعقود املغريب‪ ،‬فإن هذه القوانني ال تطبق عىل الواقعة التي سبق أن صدر بشأهنا‬
‫القبول من القابل‪ ،‬لكون العقد قام قبل نفاذها؛ يف حني أنه بالنسبة للترشيعات التي‬
‫أخذت بنظرية العلم بالقبول‪ ،‬كالقانون املدين املرصي‪ ،‬فإن أحكام القانون اجلديد هي‬
‫الواجبة التطبيق‪.‬‬
‫أما املالحظة الثالثة؛ فتتمثل يف كون حتديد مكان العقد احلاصل بني غائبني ال‬
‫حيىض بنفس أمهية حتديد زمانه؛ ومع ذلك‪ ،‬فإن أمهيته تربز من جهة عىل املستوى‬
‫الوطني يف حتديد املحكمة املختصة عندما يثار نزاع معني بني املوجب والقابل؛ ومن‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فإن أمهية هذا التحديد تظهر وبشكل أكثر أمهية يف جمال القانون الدويل‬
‫اخلاص‪ ،‬حيث بناء عىل النظرية املعتمدة يمكن معرفة القانون الواجب التطبيق عىل‬
‫العقود ذات الطبيعة الدولية ‪ .‬ويف مجيع األحوال‪ ،‬فإن مكان إبرام العقد طبقا للقانون‬
‫‪234‬‬

‫املغريب‪ ،‬الذي أخذ بنظرية إعالن القبول‪ ،‬هو موطن القابل‪.‬‬


‫ب‪ :‬تطابق إراديت املتعاقدين يف العقد احلاصل بوسيلة إلكرتونية‬
‫‪ .183‬حينام نتكلم عن التعاقد اإللكرتوين‪ ،‬فإنه تنبغي اإلشارة إىل أن األمر يتعلق‬
‫بعقد هو اآلخر خيضع يف تنظيمه للقواعد العامة التي ترسي بخصوص نظرية العقد‬
‫بوجه عام‪ ،‬السيام تطلبه لرتايض طريف هذا العقد‪ ،‬أي رضورة تطابق اإلجياب والقبول‬
‫عىل العنارص األساسية هلذا العقد؛ كل ما هنالك أنه يتميز ببعض اخلصائص التي متيزه‬
‫عن التعاقد احلاصل بطريقة عادية ‪ ،‬حيث يتم عن بعد وعن طريق استخدام وسائط‬
‫‪235‬‬

‫إلكرتونية حديثة تعمل آليا وتلقائيا بمجرد إصدار أوامر التشغيل إليها؛ مما يقتيض‬
‫رضورة متيزه ببعض القواعد اخلاصة التي خترج به عن القواعد العامة التي وضعتها‬
‫خمتلف الترشيعات املدنية للتعاقد العادي يف صورته التقليدية‪.‬‬
‫هلذه األسباب وغريها‪ ،‬فإن املرشع املغريب استبعد املقتضيات العامة الواردة يف‬
‫‪234‬‬ ‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:139.‬‬
‫‪235 FAGES Bertrand : Droit des obligations ; op.cit ; P:77.‬‬

‫‪106‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫قانون االلتزامات والعقود املغريب املتعلقة باإلجياب والقبول بشأن هذا النوع من‬
‫العقود وذلك بمقتىض الفصل ‪ 65-2‬من القانون رقم ‪ ،53.95‬الذي جاء فيه "ال ترسي‬
‫أحكام الفصول من ‪ 23‬إىل ‪ 30‬والفصل ‪ 32‬أعاله عىل هذا الباب"‪.‬‬
‫تنبغي اإلشارة إىل مالحظة يف غاية األمهية‪ ،‬وذلك قبل اخلوض يف تبيان‬ ‫‪.184‬‬
‫كيفية حصول اقرتان القبول باإلجياب احلاصل بطريقة إلكرتونية‪ ،‬وتتمثل هذه‬
‫املالحظة يف كون املرشع املغريب والعتبارات متعددة منها ما هو محائي للمستهلك‬
‫بالدرجة األوىل‪ ،‬ومنها ما هو مرتبط بطبيعة بعض املعامالت الشخصية باخلصوص‪،‬‬
‫فإنه استبعد من نطاق تطبيق القانون رقم ‪ 53.05‬السالف الذكر عقد الزواج ملا له من‬
‫قدسية ومنزلة خاصة يف نفوس الناس‪ ،‬كام أن الطالق ال يمكن إيقاعه هبذه الطريقة‪ ،‬زد‬
‫عىل ذلك اإلرث‪ ،‬إقرار النسب أو حتى نفيه بالوسائل اإللكرتونية؛ ومن جهة أخرى‬
‫فإن املرشع استبعد الضامنات الشخصية أو العينية يف امليدانني املدين والتجاري‪ ،‬لكون‬
‫هذه الضامنات غالبا ما تنصب عىل ترصفات مركبة ومعقدة ‪.‬‬
‫‪236‬‬

‫‪ .185‬أما بخصوص كيفية حصول تطابق القبول باإلجياب احلاصل إلكرتونيا‪ ،‬فقد‬
‫نصت عليه الفقرات الثانية‪ ،‬والثالثة والرابعة من الفصل‪ 65-5‬من القانون رقم‬
‫‪ ،53.95‬الذي جاء فيه ما ييل‪" :‬جيب عىل صاحب العرض اإلشعار بطريقة إلكرتونية‪،‬‬
‫ودون تأخري غري مربر‪ ،‬بتسلمه قبول العرض املوجه إليه‪.‬‬

‫يصبح املرسل إليه فور تسلم العرض ملزما به بشكل ال رجعة فيه‪.‬‬

‫يعترب قبول العرض وتأكيده واإلشعار بالتسلم متوصال هبا إذا كان بإمكان‬
‫األطراف املرسلة إليهم الولوج إليها"‪.‬‬

‫‪ 236‬يذهب بعض الفقه إىل أن املرشع اختذ هذا املوقف‪ ،‬عىل ما يبدو‪ ،‬هبدف االحتياط محاية للطرف الضعيف يف العقد إذا كان شخصا عاديا‪ ،‬أما إذا كان‬
‫من ذوي اخلربة من املهنيني أو املحرتفني‪ ،‬فإن ذلك االحتياط يصبح غري ذي موضوع‪ ،‬ويكون باإلمكان اعتامد املحررات اإللكرتونية يف كافة‬
‫الضامنات الشخصية أو العينية يف امليدانني التجاري واملدين‪.‬‬
‫ا لعريب جنان‪ :‬التعاقد اإللكرتوين يف القانون املغريب (دراسة مقارنة)؛ سلسلة التنظيم القانوين للمعلوميات واآلنرتنيت؛ الكتاب األول‪2010 /‬؛‬
‫ص‪.98:‬‬

‫‪107‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .186‬كام سبق أن أرشنا لذلك يف أحد أبحاثنا السابقة ‪ ،‬فقد تبني لنا من خالل‬
‫‪237‬‬

‫أحكام هذا الفصل‪ ،‬أن هاجس محاية طريف العقدكان وراء عدم وضوح موقف املرشع‬
‫املغريب بشكل دقيق بخصوص زمن حصول العقد املربم بطريقة إلكرتونية؛ ومع ذلك‬
‫فقد خرجنا بمجموعة من املالحظات بخصوص هذه النقطة‪ ،‬والتي تتمثل فيام ييل‪:‬‬
‫‪ -‬إن زمن عقد البيع املربم بشكل إلكرتوين ليس هو نفس الزمن املتعلق بالعقد‬
‫احلاصل باملراسلة كام هو منصوص عليه يف الفصلني ‪ 24‬و ‪ 30‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬املحدد يف‬ ‫‪238‬‬

‫تاريخ إعالن القبول رشيطة أن يتوصل به املوجب يف أجل مناسب؛‬

‫‪ -‬إن زمن العقد املربم بطريق إلكرتوين هو تاريخ توصل العارض برد القابل‬
‫رشيطة إعالمه هلذا األخري بكونه تسلم قبول العرض داخل األجل املناسب تطبيقا‬
‫للفقرة الثانية من الفصل السالف الذكر‪.‬‬

‫ونرى أن هذا اهلاجس‪ ،‬أي الرغبة يف محاية املستهلك‪ ،‬هو الذي دفع املرشع املغريب‬
‫بمقتىض القانون رقم ‪ 31.08‬القايض بتحديد تدابري حلامية املستهلك‪ ،‬إىل جعل هذا‬
‫التعاقد غري الزم للمستهلك‪ ،‬حيث منحه خيار الرجوع خالل فرتة زمنية حمددة حددهتا‬
‫املادة ‪ 36‬من هذا القانون كام سنرى حينام نتطرق للضامنات املكملة لاللتزام بإعالم‬
‫الطرف الضعيف يف العقد بوجه عام‪.‬‬

‫‪ .187‬عىل غرار مجيع أنواع التعاقد التي يكون فيها أطراف العقد غائبني عن بعضهام‬
‫البعض‪ ،‬فإن هذه الطريقة تثري بعض اإلشكاالت‪ ،‬التي تتمثل أساسا يف حتديد املحكمة‬
‫املختصة بالنظر يف النزاعات املتعلقة بإبرام العقد أو تنفيذه‪ ،‬إضافة إىل بيان القانون الواجب‬
‫التطبيق عىل هذه النزاعات إذا كان أطراف العقد ينتمون إىل دول متعددة‪.‬‬

‫‪ 237‬عبد الرمحان الرشقاوي‪ :‬قانون العقود املسامة؛ الكتاب األول العقود الناقلة للملكية‪ ،‬عقد البيع؛ الطبعة األوىل ‪2011‬؛ ص‪.60:‬‬
‫‪ 238‬املختار بن أمحد عطار‪ :‬العقد اإللكرتوين؛ مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار البيضاء؛ ‪2009‬؛ ص‪.33:‬‬

‫‪108‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املبحث الثان‪ :‬صحة الرتايض‬


‫يتعني لصحة الرتايض‪ ،‬أن يكون املتعاقد أهال لاللتزام‪ ،‬باستكامله للسن‬ ‫‪.188‬‬
‫القانونية موازاة مع اكتامل القوى العقلية‪ ،‬باإلضافة إىل خلو إرادة املتعاقد من عيوب‬
‫الرىض (املطلب األول)‪.‬‬
‫غري أن هذه املقتضيات القانونية التي نص عليها قانون االلتزامات والعقود‬
‫املغريب أصبحت غري كافية‪ ،‬عىل غرار خمتلف الترشيعات الدولية ‪ ،‬يف ظل التحوالت‬
‫‪239‬‬

‫االقتصادية واالجتامعية التي عرفتها خمتلف دول العامل مع هيمنة اقتصاد السوق وفتح‬
‫احلدود بعد انضامم معظم الدول ملنظمة التجارة العاملية؛ هذه األسباب وغريها ترتب‬
‫عنها بروز طبقتني متباينتني من حيث القدرة عىل مناقشة واستيعاب بنود العقد من‬
‫طرف الطبقة الضعيفة التي تلقب بتسمية املستهلك؛ األمر الذي اقتىض من خمتلف دول‬
‫العامل إىل إصدار ترشيعات محائية هلذا األخري يف مواجهة املهني (املطلب الثان)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أهلية املتعاقد لاللتزام وخلو إرداته من عيوب اإلرادة‬
‫‪ .189‬دأب الفقه املدين‪ ،‬وإىل غاية هناية القرن املايض‪ ،‬إىل معاجلة صحة الرتايض من‬
‫زاويتني‪ ،‬األوىل هي رضورة أن يكون املتعاقد كامل األهلية (البند األول)‪ ،‬أما الرشط‬
‫الثاين لصحة الرتايض‪ ،‬فهو خلو إرادة املتعاقدين من عيوب اإلرادة (البند الثاين)‪.‬‬
‫البند األول‪ :‬أهلية االلتزام‬
‫‪ .190‬األهلية يف اللغة هي الصالحية واجلدارة والكفاية ألمر من األمور ‪،‬‬
‫‪240‬‬

‫فاألهلية لألمر هي الصالحية له‪ ،‬ويف ذلك يقول احلق عز وجل "هو أهل التقوى‬
‫وأهل املغفرة" ؛ أما يف االصطالح‪ ،‬فيقصد هبا صالحية الشخص الكتساب احلقوق‬ ‫‪241‬‬

‫والتحمل بااللتزامات‪ ،‬ومبارشة الترصفات القانونية التي يكون من شأهنا أن تكسبه‬


‫حقا‪ ،‬أو حتمله التزاما عىل وجه يعتد به قانونا ‪.‬‬
‫‪242‬‬

‫‪239‬‬‫‪DE JUGLART M. : L’obligation de renseignement dans les contrats ; RTD civ ; 1945 ; 1.‬‬
‫‪FAGES Bertrand : Droit des obligations ; op.cit ; P:87.‬‬
‫‪ 240‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب؛ املجلد ‪ ،12‬الطبعة السادسة؛ لبنان؛ ‪1997‬؛ ص‪.29:‬‬
‫‪ 241‬اآلية ‪ 56‬من سورة املدثر‪.‬‬
‫‪ 242‬حممد مومن‪ :‬أهلية الوجوب لدى اجلنني يف القانون املغريب‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ جملة احلقوق؛ جملة النرش العلمي‪ /‬جامعة‬
‫=‬
‫‪109‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .191‬بالرغم من تناول املرشع املغريب‪ ،‬عىل غرار نظريه الفرنس سواء يف صيغته‬
‫األولية بمقتىض املادة ‪ 1108‬أو بعد تعديلها بمقتىض املادة ‪ 1128‬من األمر الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪ 2016‬كام أرشنا سابقا‪ ،‬لألهلية كركن مستقل إىل جانب الرتايض‬
‫واملحل والسبب‪ ،‬فإن معظم الفقه متفق عىل تناوهلا بصدد احلديث عن صحة‬
‫الرتايض ‪ .‬ويقتيض منا معاجلتها بشكل مستفيض أن نقف أوال عىل ماهيتها وأنواعها‬ ‫‪243‬‬

‫(الفقرة األوىل)‪ ،‬قبل أن ننتقل إىل معاجلة العوامل التي تؤثر فيها (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األوىل‪ :‬ماهية األهلية وأنواعها‬
‫‪ .192‬تطبيقا للفصل الثالث من قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬فإن األهلية‬
‫املدنية للفرد ختضع لقانون أحواله الشخصية ؛ هذا األخري يتمثل يف مدونة األرسة‬
‫‪244‬‬

‫املغربية التي عوضت مدونة األحوال الشخصية منذ سنة ‪ ،2004‬وبحسب املادة ‪206‬‬
‫منها 'أي مدونة األرسة' فإن األهلية نوعان‪ :‬أهلية وجوب (أوال) و أهلية أداء (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أهلية الوجوب‬
‫املقصود بأهلية الوجوب هي صالحية الشخص الكتساب احلقوق‬ ‫‪.193‬‬
‫والتحمل بااللتزامات؛ وقد عرفتها املادة ‪ 207‬من مدونة األرسة بأهنا صالحية‬
‫الشخص الكتساب احلقوق وحتمل الواجبات التي حيددها القانون‪ .‬وهو قريب من‬
‫التعريف الذي وضعه الفقه‪ ،‬فقد عرف املرحوم الكزبري أهلية الوجوب بكوهنا‬
‫‪245‬‬

‫الكويت؛ العدد الثالث‪2004 /‬؛ ص‪.449:‬‬


‫إدريس العلوي العبدالوي‪ :‬نظرية العقد؛ مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار البيضاء؛ ‪1996‬؛ ص‪.304:‬‬
‫‪ 243‬يف هذا السياق‪ ،‬ذهب أستاذنا الدكتور أمحد شكري السباعي إىل التأكيد عىل هذا الرأي يف رسالته‪ ،‬حيث كتب "وال نؤيد املرشع املغريب فيام‬
‫ذهب إليه –شأنه شأن الترشيع الفرنس يف املادة ‪ -1108‬أي ال نعترب األهلية من األركان األساسية يف العقد‪ ،‬وبحسب تعبري املرشع املغريب يف‬
‫االلتزام‪ ،‬وإنام نعتربها عنرصا أساسيا وجوهريا يف الرضا‪ ،‬يوجد بوجودها‪ ،‬وينعدم بانعدامها‪ ،‬ويصيبه اخللل بانتقاصها‪ ،‬وبمعنى آخر أن األهلية‬
‫رشط من رشوط صحة الرضاء‪ ،‬فإن انعدمت انعدم الرضاء وكان العقد باطال‪ ،‬وإن كانت موجودة‪ ،‬ولكنها ناقصة‪ ،‬كان الرضا معيبا وكان العقد‬
‫قابال لإلبطال وهذا املنطق القانوين يتناىف مع حرش األهلية ضمن األركان األساسية للعقد التي يرتتب عىل نقصاهنا أو ختلف بعضها دائام‬
‫البطالن‪ - ،‬يف حني أن األهلية قد تنهض سببا للبطالن أو اإلبطال وذلك بحسب ما إذا كان الشخص عديم األهلية أو ناقصها‪ ،-‬وقد سلمت من‬
‫هذا العيب بعض الترشيعات فنصت املادة ‪ 202‬من قانون املوجبات والعقود اللبناين عىل أن 'الرىض يكون معيبا بل معدوما متاما يف بعض‬
‫األحوال إذا أعطي عن غلط أو أخذ باخلدعة أو كان ثمة غبن فاحش أو عدم أهلية'‪."....‬‬
‫أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ منشورات عكاظ‪ /‬الطبعة الثانية‪1987-‬؛ ص‪.122:‬‬
‫‪ 244‬هي نفس القاعدة التي أكدت عليها املادة ‪ 12‬من مدونة التجارة املغربية فيام خيص املواد التجارية‪ ،‬حيث جاء فيها "ختضع األهلية لقواعد‬
‫األحوال الشخصية مع مراعاة األحكام التالية"‪.‬‬
‫‪ 245‬مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ طبعة ‪1968‬؛ ص‪.153:‬‬

‫‪110‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫صالحية الشخص لثبوت احلقوق وااللتزامات له وعليه‪ ،‬وهي مالزمة للشخصية‬


‫تثبت لإلنسان من وقت والدته حيا إىل حني وفاته‪ ،‬بل وتبدأ قبل ذلك للجنني يف‬
‫حدود معينة‪.‬‬
‫‪ .194‬ترتبط أهلية الوجوب بالشخصية القانونية ‪ ،‬بل إن بعض الفقه يذهب‬
‫‪247‬‬ ‫‪246‬‬

‫إىل القول بأن أهلية الوجوب هي يف الواقع الشخص ذاته منظورا إليه من الناحية‬
‫القانونية؛ فالشخص‪ ،‬سواء كان شخصا طبيعيا أو شخصا اعتباريا إنام ينظر إليه القانون‬
‫من ناحية أنه صالح ألن تكون له حقوق وعليه واجبات‪ .‬فكل إنسان‪ ،‬بعد أن أبطل‬
‫الرق‪ ،‬شخص قانوين تتوافر فيه أهلية الوجوب‪.‬‬

‫‪ .195‬تثبت هذه األهلية للشخص كقاعدة عامة منذ والدته؛ قلنا كقاعدة عامة عىل‬
‫اعتبار أنه يمكن أن يقرر القانون بعض احلقوق للشخص قبل والدته‪ ،‬أي يف مرحلة‬
‫احلمل كام سبق أن أرشنا لذلك بمناسبة احلديث عن اجلنني‪ .‬بمعنى أن أهلية الوجوب‬
‫ال تتقرر من الناحية املبدئية لإلنسان إال بتامم والدته حيا‪.‬‬
‫‪ .196‬غري أن هناك العديد من االعتبارات التي دفعت خمتلف الترشيعات للخروج‬
‫عن هذه القاعدة‪ ،‬لعل أمهها إمكانية اإلرضار باجلنني؛ وبحسب بعض الفقه القانوين‬
‫ف إن تطبيق هذا األصل قد يفيض من الناحية العملية إىل اإلرضار هبذا اجلنني لدى‬
‫والدته حيا‪ ،‬أو عىل حد تعبريه "‪...‬حيث لوحظ أنه إىل جانب محاية حق اجلنني يف‬
‫احلياة‪ ،‬هناك مصلحة اجتامعية وقانونية باالعرتاف للجنني بوجود حقوق قبل أن يولد‪،‬‬
‫سواء ما تعلق منها باألرسة‪ ،‬من قرابة ونسب‪ ،‬أو ما كان ماديا يتعلق باإلرث والوصية‬
‫والوقف وغريها‪ ،‬إذ أنه شخصية احتاملية‪ ،‬تكون له مصلحة يف أن تثبت له أهلية من‬

‫‪ 246‬ذهب بعض الفقه العريب إىل أن أهلية الوجوب سميت هبذه التسمية ألنه ينظر لإلنسان من خالهلا من جهتني‪ :‬من جهة كونه صاحلا ألن جيب‬
‫له‪ ،‬كوجوب ثبوت نسب االبن من أبيه‪ ،‬ومن جهة كونه صاحلا ألن جيب عليه‪ ،‬كوجوب دفع ثمن املبيع له من أمواله‪ .‬ومن أسباب التسمية أن‬
‫الوجوب هبا ثابت لإلنسان وعليه‪.‬‬
‫عبد اهلل بن عبد العزيز العجالن‪ :‬األهلية ونظرية احلق يف الرشيعة اإلسالمية؛ مؤسسة املمتاز للطباعة؛ ‪1996‬؛ ص‪.20:‬‬
‫حممد مومن‪ :‬أهلية الوجوب لدى اجلنني يف القانون املغريب‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.450:‬‬
‫‪ 247‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام؛ مرجع سابق؛ ص‪.223:‬‬

‫‪111‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫نوع معني حلامية حقوقه‪ ،‬لذلك اعرتفت له كل القوانني بأهلية وجوب ناقصة‪ ،‬وهي‬
‫نتيجة سليمة من حيث إن اجلنني ال تثبت له أهلية الوجوب كاملة التي تثبت ملن يولد‬
‫حيا‪ ،‬وهو اعرتاف يمكن من القول مع بعض الفقه أن الشخصية القانونية للشخص‬
‫الطبيعي تبدأ من وقت احلمل‪ ،‬وتكون شخصيته احتاملية‪ ،‬وال تصبح شخصيته يقينية‬
‫إال بوالدته حيا" ‪.‬‬
‫‪248‬‬

‫نستشف مما سبق‪ ،‬أن أهلية الوجوب ال عالقة هلا بمجال الترصفات‬ ‫‪.197‬‬

‫القانونية‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يذهب الدكتور عبد احلق صايف إىل أن "أهلية الوجوب‬
‫دليل الكتساب مظاهر الشخصية القانونية‪ ،‬وبالتايل فال عالقة هلا بمجال الترصفات‬
‫القانونية وال بقدرة اإلرادة‪ .‬فهي تتوفر لعديم األهلية‪ ،‬بل أحيانا للجنني يف بطن أمه‬
‫والذي تثبت له بعض احلقوق املتعلقة بحالته الشخصية كاالنتساب ألبويه واإلرث‬
‫منهام‪ .‬ويستفيد أيضا من حقوق أخرى مالية كالوصية واالشرتاط ملصلحته‪ .‬هذا مع‬
‫العلم أن ترتيب هذه احلقوق آلثارها القانونية يتوقف عىل والدته حيا" ‪.‬‬
‫‪249‬‬

‫يف األخري نشري إىل مالحظتني؛ األوىل هي أنه إذا كان املبدأ هو أن أهلية‬ ‫‪.198‬‬

‫الوجوب تكون كاملة‪ ،‬فإن هناك العديد من احلاالت التي تكون فيها هذه األهلية‬
‫منعدمة أو ناقصة‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة لألجنبي الذي حيد القانون من صالحيته يف‬
‫متلك العقارات‪ ،‬أو بالنسبة حلرمان قاتل املورث يف االستفادة من تركة املقتول‪ .‬أما‬
‫املالحظة الثانية‪ ،‬فهي أن الشخص املعنوي هو شخص قانوين تتوافر فيه أهلية‬
‫الوجوب‪ ،‬عىل غرار الشخص الطبيعي‪ ،‬مادام أن الشخصية االعتبارية ما هي يف الواقع‬
‫إال قابليتها المتالك احلقوق وحتمل الواجبات‪.‬‬

‫‪ 248‬حممد مومن‪ :‬أهلية الوجوب لدى اجلنني يف القانون املغريب‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.453:‬‬
‫إبراهيم أبو النجا‪ :‬وجود الشخصية القانونية للشخص الطبيعي يف القانون اجلزائري؛ املجلة اجلزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية؛‬
‫العدد الرابع‪ /‬دجنرب ‪1978‬؛ ص‪.961:‬‬
‫‪ 249‬عبد احلق صايف‪ :‬القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬املصدر اإلرادي لاللتزامات العقد‪ ،‬الكتاب األول تكوين العقد؛ مرجع سابق؛ ص‪.135:‬‬

‫‪112‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثانيا‪ :‬أهلية األداء‬


‫‪ .199‬يقصد بأهلية األداء‪ ،‬قدرة الشخص عىل إبرام الترصفات القانونية حلسابه ؛‬
‫‪250‬‬

‫أو بحسب املادة ‪ 208‬من مدونة األرسة املغربية هي صالحية الشخص ملامرسة حقوقه‬
‫الشخصية واملالية ونفاذ ترصفاته‪ ،‬وحيدد القانون رشوط اكتساهبا وأسباب نقصاهنا أو‬
‫انعدامها‪ .‬مما جيعل هذه القدرة ال تثبت جلميع األشخاص‪ ،‬وإنام فقط ملن يكون قادرا‬
‫عىل تقييم مصاحله بنفسه من وجهة نظر القانون‪.‬‬
‫بمعنى أن مناط أهلية األداء هو التمييز واإلدراك‪ ،‬ومن ثم فهي تدور معه وجودا‬
‫وعدما؛ وذلك بخالف أهلية الوجوب التي مناطها احلياة ‪ .‬ويرتتب عن ذلك أن‬
‫‪251‬‬

‫الشخص إذا كانت تكتمل أهلية الوجوب لديه بمجرد والدته حيا‪ ،‬فإنه يبقى مع ذلك‬
‫غري متمتع بأهلية األداء إال بعد أن يتوافر لديه اإلدراك والتمييز؛ حيث إن فاقد التمييز‬
‫هو فاقد لإلرادة وفاقد لألهلية ‪ ،‬يف حني أن ناقص التمييز هو ناقص لإلرادة وناقص‬ ‫‪252‬‬

‫لألهلية‪ ،‬أما كامل التمييز فإنه كامل اإلرادة وكامل األهلية ‪.‬كام أن من مميزات أهلية‬
‫‪253‬‬

‫األداء‪ ،‬أن نطاقها يقترص عىل الترصفات القانونية دون الوقائع املادية التي وإن كانت‬
‫تتطلب التمييز فإهنا ال تتطلب أهلية األداء‪.‬‬
‫‪ .200‬تنبغي اإلشارة إىل ثالث مالحظات أساسية؛ يمكن اختصارها فيام ييل‪:‬‬
‫‪ -‬املالحظة األوىل؛ هي أنه عندما نستعمل مصطلح األهلية فإن املقصود بذلك‬
‫هو أهلية األداء‪.‬‬
‫‪ -‬املالحظة الثانية؛ تتمثل يف كون قواعد األهلية من النظام العام‪ ،‬ومن ثم ال‬
‫يمكن االتفاق عىل خمالفة أحكامها‪ ،‬بالرغم من عدم تنصيص املرشع املغريب عىل هذه‬
‫القاعدة رصاحة؛ بخالف الوضع بالنسبة لبعض الترشيعات املقارنة كام هو الشأن‬

‫‪ 250‬عرف الفقيه مأمون الكزبري أهلية األداء بأهنا صالحية الشخص ملامرسة الترصفات واحلقوق عىل وجه يعتد به قانونا‪.‬‬
‫مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ مرجع سابق؛ ص‪.153:‬‬
‫‪ 251‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.124:‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها‬
‫القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.91:‬‬
‫مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.154:‬‬
‫‪252 ABBOUD Moussa : La condition juridique du mineur au maroc ; Edition La Porte ; RABAT ; P:2.‬‬
‫; ‪253 TERRE François et FENOUILLET Dominique : Droit civil ; les personnes, la famille, les incapacités‬‬

‫‪6ème édition, DALLOZ/1996 ; p :833.‬‬

‫‪113‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫بالنسبة للقانون املدين املرصي الذي نصت مادته ‪ 48‬عىل ذلك‪ ،‬حيث جاء فيها "ليس‬
‫ألحد النزول عن أهليته وال التعديل يف أحكامها"؛ ويكون بذلك القانون املرصي قد‬
‫سار عىل منحى الترشيعات اجلرمانية التي نصت عىل هذه القاعدة بشكل رصيح‪،‬‬
‫كالقانون السويرسي الذي جاء يف مادته ‪ 27‬ما ييل‪" :‬يعترب باطال كل تنازل عن أهلية‬
‫الوجوب أو أهلية القيام باحلقوق املدنية‪."...‬‬
‫‪ -‬أما املالحظة الثالثة‪ ،‬فهي أن األصل يف الشخص هو كامل األهلية‪ ،‬أما االنعدام‬
‫أو النقصان فهام عارضان‪ ،‬ويقع عىل من يدعي خالف األصل العام عبء اإلثبات‪.‬‬
‫‪ .201‬عموما‪ ،‬فإن أهلية األداء تتدرج بتدرج السن‪ ،‬كام أن هناك جمموعة من‬
‫العوارض التي تؤثر عليها ‪ .‬فمن جهة السن‪ ،‬فإن الشخص يعترب كامل األهلية‬ ‫‪254‬‬

‫حسب املادة ‪209‬من مدونة األرسة ببلوغه ‪ 18‬سنة شمسية كاملة‪ ،‬أما إذا كان أقل من‬
‫‪ 12‬سنة فإنه يعترب عديم األهلية‪ ،‬وبني سن ‪ 12‬و‪ 18‬فإنه يعترب ناقص األهلية تطبيقا‬
‫للامدة ‪ 214‬من مدونة األرسة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬العوامل التي تؤثر يف األهلية‬
‫‪ .202‬قلنا بأن مناط أهلية األداء يتمثل يف التمييز ؛ هذا األخري يتأثر بشكل كبري‬
‫‪255‬‬

‫بالسن (أوال)‪،‬كام أن هناك عوارض أخرى يمكن أن تعرتض هذه األهلية حتى بعد‬
‫بلوغ الشخص سن الرشد القانوين‪ ،‬لعل أمهها يتمثل يف اجلنون (ثانيا)‪ ،‬وأيضا يف العته‬
‫والسفه (ثالثا)؛ إضافة لبعض العوارض األخرى التي منها ما أخذ به املرشع املغريب كام‬
‫هو الشأن بالنسبة ملانع العقوبة اجلنائية‪ ،‬ومنها ما مل يأخذ به القانون املغريب كحاالت‬
‫األصم واألبكم واألعمى (خامسا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تأثر األهلية بعامل السن‬


‫‪ .203‬نتناول تأثر األهلية بعامل السن‪ ،‬انطالقا من متييز املرشع بني ثالثة مراحل‬
‫أساسية‪ ،‬نتطرق يف األوىل حلالة الصبي غري املميز (أ)‪ ،‬ويف الثانية حلالة الصبي املميز‬
‫(ب)‪ ،‬وأخريا نقف عند الشخص البالغ الرشيد (ج)‪.‬‬

‫‪ 254‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.129:‬‬
‫‪ 255‬أمحد اخلملييش‪ :‬املسؤولية املدنية لألبوين عن أبنائهام القارصين؛ منشورات مكتبة املعارف‪ /‬الرباط؛ الطبعة األوىل ‪1982‬؛ ص‪.137:‬‬

‫‪114‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أ‪ :‬الصبي غري املميز‬


‫‪ .204‬تطبيقا للامدة ‪ 217‬من مدونة األرسة‪ ،‬فإنه يعترب عديم أهلية األداء‪ :‬أوال‪:‬‬
‫الصغري الذي مل يبلغ سن التمييز‪ .‬وبالرجوع للامدة ‪ 214‬من مدونة األرسة نجدها حتدد‬
‫سن التمييز باثني عرشة سنة شمسية كاملة‪ .‬أي أن الشخص الذي مل يبلغ هذا السن‬
‫يعترب عديم التمييز‪ ،‬يف الوقت الذي نجد فيه العديد من الترشيعات العربية حددت‬
‫هذه السن يف سبع سنوات كام هو الشأن بالنسبة للقانون املرصي والقانون املدين‬
‫األردين‪ ،‬حيث إنه بالرجوع للفقرة الثالثة من املادة ‪ 118‬من هذا القانون األخري نجدها‬
‫نصت عىل أن "سن التمييز سبع سنوات كاملة"‪.‬‬

‫‪ .205‬وقد حددت املادة ‪ 224‬من مدونة األرسة حكم ترصفات عديم األهلية‪،‬‬
‫حيث جعلتها باطلة وال تنتج أي أثر‪ .‬وهو نفس احلكم الذي عربت عنه الكثري من‬
‫الترشيعات العربية‪ ،‬من ذلك القانون املدين األردين لسنة ‪ 1976‬الذي نصت مادته‬
‫‪ 44‬عىل أنه "‪ -1‬ال يكون أهال ملبارشة حقوقه املدنية من كان فاقد التمييز لصغر يف‬
‫السن أو عته أو جنون‪ -2 .‬وكل من مل يبلغ السابعة يعترب فاقدا للتمييز" ‪.‬‬
‫‪256‬‬

‫يف مقابل ذلك‪ ،‬فإنه حيق للويل أو احلاجر أو املكلف بشؤون القارصين إجراء‬
‫الترصفات بالنيابة عن القارص ضمن احلدود التي يرسمها القانون‪.‬‬

‫ب‪ :‬الصبي املميز‬


‫‪ .206‬بحسب املادة ‪ 214‬من مدونة األرسة اجلديدة‪ ،‬فإن الصغري املميز هو الذي‬
‫أتم اثنتي عرشة سنة شمسية كاملة‪ .‬وقد حددت املادة ‪ 225‬من مدونة األرسة املغربية‬
‫حكم ترصفات الصغري املميز‪ ،‬حيث ميزت بني جمموعة من احلاالت‪ ،‬اختزلتها املادة‬

‫‪ 256‬أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ منشورات اجلامعة األردنية؛ الطبعة األوىل‪ /‬عامن‪/‬‬
‫‪1987‬؛ ص‪.37:‬‬

‫‪115‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫السالفة الذكر فيام ييل‪:‬‬


‫‪ -‬تعترب هذه الترصفات نافذة إذا كانت نافعة له نفعا حمضا؛‬
‫‪ -‬بينام تكون باطلة إذا كانت مرضة به؛‬
‫‪ -‬وأخريا فإن هذه الترصفات إذا كانت دائرة بني النفع والرضر‪ ،‬فإن نفاذها‬
‫يتوقف عىل إجازة نائبه الرشعي حسب املصلحة الراجحة للمحجور ويف احلدود‬
‫املخولة الختصاصات كل نائب رشعي‪.‬‬
‫‪ .207‬يظهر لنا مما سبق‪ ،‬أن هذه األحكام تقرتب كثريا من تلك التي نصت عليها‬
‫معظم الترشيعات الغربية والعربية ‪ ،‬من ذلك ما جاء يف املادة ‪ 118‬من القانون املدين‬
‫‪258‬‬ ‫‪257‬‬

‫األردين‪ ،‬التي نصت عىل ما ييل‪ -1" :‬ترصفات الصغري املميز صحيحة متى كانت نافعة‬
‫نفعا حمضا‪ ،‬وباطلة متى كانت ضارة رضرا حمضا‪-2 .‬أما الترصفات الدائرة بني النفع‬
‫والرضر فتعقد موقوفة عىل إجازة الويل يف احلدود التي جيوز فيها له الترصف ابتداء أو‬
‫إجازة القارص بعد بلوغه سن الرشد" ‪.‬‬
‫‪259‬‬

‫ج‪ :‬البالغ الرشيد‬


‫‪ .208‬البالغ الرشيد هو الذي أتم ثامنية عرشة سنة شمسية كاملة حسب املادة ‪209‬‬
‫من مدونة األرسة ‪ .‬وحكم ترصفاته أهنا صحيحة‪ ،‬فكل شخص حسب املادة ‪ 210‬من‬ ‫‪260‬‬

‫مدونة األرسة بلغ سن الرشد ومل يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها‪،‬‬
‫يكون كامل األهلية ملبارشة حقوقه وحتمل التزاماته‪ .‬بمعنى‪ ،‬أنه بمجرد بلوغه سن‬
‫‪257 TERRE‬‬ ‫; ‪François et FENOUILLET Dominique : Droit civil ; les personnes, la famille, les incapcités‬‬
‫‪op.cit ; P :833.‬‬
‫‪ 258‬من هذه الترشيعات أيضا‪ ،‬القانون املدين املرصي‪ ،‬الذي جاء يف مادته ‪ 111‬ما ييل "‪ .1‬إذا كان الصبي مميزا كانت ترصفاته املالية صحيحة متى كانت‬
‫نافعة نفعا حمضا وباطلة متى كانت ضارة رضرا حمضا‪ . 2 .‬أما الترصفات املالية الدائرة بني النفع والرضر فتكون قابلة لإلبطال ملصلحة القارص‪ .‬ويزول‬
‫حق التمسك باإلبطال إذا أجاز القارص الترصف بعد بلوغه سن الرشد أو إذا صدرت اإلجازة من وليه أو من املحكمة وفقا للقانون"‪.‬‬
‫‪ 259‬أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.37:‬‬
‫ياسني حممد اجلبو ري‪ :‬الوجيز يف رشح القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬مصادر احلقوق الشخصية‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬دراسة موازنة؛ دار الثقافة‬
‫للنرش والتوزيع‪ /‬عامن؛ ‪2011‬؛ ص‪.161:‬‬
‫‪ 260‬عرف سن الرشد القانوين يف املغرب ثالثة مراحل أساسية منذ صدور مدونة األحوال الشخصية لسنة ‪ ،1957‬حيث كانت املادة ‪ 137‬حتدده‬
‫يف واحد وعرشين سنة‪ ،‬قبل تعديل ‪ 1993‬الذي قلصها إىل حدود عرشين سنة‪ ،‬قبل أن يتدخل املرشع املغريب بمقتىض مدونة األرسة التي حددته‬
‫يف ثامنية عرشة سنة‪.‬‬
‫وهي نفس السن التي حددها القانون املدين الفرنس بمقتىض املادة ‪ 488‬منذ تعديل ‪ 05‬يوليوز ‪.1974‬‬
‫; ‪TERRE François et FENOUILLET Dominique : Droit civil ; les personnes, la famille, les incapcités‬‬
‫‪op.cit ; P :833.‬‬

‫‪116‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الرشد القانوين يصبح له كقاعدة عامة أهلية االغتناء وأهلية الترصف وأهلية التربع‪.‬‬
‫‪ .209‬غري أن هذه القاعدة ليست جامدة ‪ ،‬بل إنه بالنظر لكون بعض األشخاص‬
‫‪261‬‬

‫قد يكون بإمكاهنم القدرة عىل إدارة أمواهلم بأنفسهم‪ ،‬سواء بشكل جزئي (‪ ،)1‬أو‬
‫بشكل كامل عن طريق ترشيدهم مبكرا‪ ،‬حيث حيصل الصغري املميز عىل أهليته كاملة‬
‫إذا توفرت جمموعة من الرشوط (‪ .)2‬إضافة إىل احلالة التي يكتسب فيها الزوجان‬
‫األهلية املدنية ملامرسة حق التقايض‪ ،‬بالرغم من كوهنام مل يبلغا السن القانوين‪ ،‬يف كل ما‬
‫يتعلق بآثار عقد الزواج (‪.)3‬‬
‫‪ .1‬أهلية إدارة األموال‬
‫‪ .210‬إن أهلية إدارة األموال‪ ،‬تعترب أداة مهمة للحد من مجود وعمومية القاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬حيث كثريا ما يظهر أن بعض األشخاص أكثر قدرة عىل إدارة أمواهلم من‬
‫غريهم؛ ولذلك أجازهتا العديد من الترشيعات‪ ،‬وذلك ألمهيتها البالغة عند توفر‬
‫رشوط معينة ؛ حيث هيدف املرشع من خالل ربطه االستفادة من هذه األداة عىل‬ ‫‪262‬‬

‫حتقق جمموعة من الرشوط إىل التوفيق بني إتاحة الفرصة لبعض األشخاص الذين‬
‫تتوفر عندهم مؤهالت خاصة عىل سبيل التجربة واالختبار‪ ،‬وبني احلفاظ عىل أمواهلم‪.‬‬
‫‪ .211‬بالرجوع للقانون املغريب‪ ،‬نجده قد أجاز هذا اإلجراء بمقتىض املادة ‪ 226‬من‬
‫مدونة األرسة‪ ،‬التي نصت عىل ما ييل‪:‬‬
‫‪ -‬يمكن للصغري املميز أن يتسلم جزءا من أمواله إلدارهتا بقصد االختبار‪.‬‬
‫‪ -‬يصدر اإلذن من الويل أو بقرار من القايض املكلف بشؤون القارصين بناء عىل‬
‫طلب من الويص أو املقدم أو الصغري املعني باألمر‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن للقايض املكلف بشؤون القارصين إلغاء قرار اإلذن بالتسليم بطلب من‬
‫الويص أو املقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبري يف اإلدارة املأذون هبا‪.‬‬
‫‪ -‬يعترب املحجور كامل األهلية فيام أذن له ويف التقايض فيه‪.‬‬

‫‪261 ABBOUD‬‬ ‫‪Moussa : La condition juridique du mineur au maroc ; Edition La Porte ; RABAT ;P :200.‬‬
‫‪262‬‬ ‫‪ABBOUD Moussa : La condition juridique du mineur au maroc ; op.cit ; P:208.‬‬

‫‪117‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .212‬نرى أن املرشع املغريب قد أحسن صنعا عندما منح هذه اإلمكانية لكل من‬
‫بلغ سن التمييز‪ ،‬التي حددها يف اثني عرشة سنة‪ ،‬خمالفا بذلك املقتىض الذي كانت‬
‫تنص عليه املادة ‪ 140‬من مدونة األحوال الشخصية‪ ،‬والتي كانت تشرتط أن يتعلق‬
‫األمر بصغري مميز بالغ من العمر مخسة عرش سنة عىل األقل‪ ،‬حتى يمكن منح الشخص‬
‫أهلية إدارة بعض من أمواله‪ .‬السيام يف ظل تقليصه لسن البلوغ القانوين من عرشين إىل‬
‫ثامنية عرش سنة‪ ،‬وأيضا لسن الرتشيد املبكر من ثامنية عرش سنة إىل ستة عرش سنة كام‬
‫سنرى يف الفقرة املوالية‪.‬‬

‫‪ :2‬الرتشيد املبكر‬
‫‪ .213‬املقصود بالرتشيد املبكر‪ ،‬حصول الصغري املميز عىل أهليته الكاملة‪ ،‬عند توفر‬
‫الرشوط التي جاءت هبا املادة ‪ 218‬من مدونة األرسة‪ ،‬حيث نصت هذه املادة عىل ما ييل‪:‬‬

‫‪ -‬إذا بلغ القارص السادسة عرشة من عمره‪ ،‬جاز له أن يطلب من املحكمة‬


‫ترشيده‪.‬‬

‫‪ -‬يمكن للنائب الرشعي أن يطلب من املحكمة ترشيد القارص الذي بلغ السن‬
‫املذكور أعاله‪ ،‬إذا أنس منه الرشد‪.‬‬

‫ويرتتب عن الرتشيد‪ ،‬حسب مقتضيات الفقرة اخلامسة من املادة ‪ 218‬من مدونة‬


‫األرسة‪ ،‬تسلم املرشد ألمواله واكتساب األهلية الكاملة يف إدارهتا و الترصف فيها‪ .‬بينام‬
‫تبقى ممارسة احلقوق غري املالية خاضعة للنصوص القانونية املنظمة هلا‪.‬‬

‫يف مجيع األحوال‪ ،‬ال يمكن ترشيد من ذكر‪ ،‬إال إذا ثبت للمحكمة رشده بعد اختاذ‬
‫اإلجراءات الرشعية الالزمة‪ ،‬كام أكدت عىل ذلك الفقرة األخرية من املادة ‪ 218‬من‬
‫مدونة األرسة املغربية‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ : 3‬اكتساب املتزوجان األهلية املدنية ملامرسة حق التقايض يف كل ما يتعلق‬


‫بآثار الزواج‬
‫بالرغم من كون املرشع املغريب جعل أهلية الزواج تكتمل بإمتام الفتى‬ ‫‪.214‬‬
‫والفتاة املتمتعني بقوامها العقلية ثامن عرش سنة شمسية‪ ،‬وذلك بمقتىض املادة ‪ 19‬من‬
‫مدونة األرسة؛ إال أنه خول لقايض األرسة املكلف بالزواج‪ ،‬وذلك بمقتىض املادة ‪20‬‬
‫من نفس القانون‪ ،‬أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن األهلية املنصوص عليه يف‬
‫املادة ‪ 19‬أعاله‪ ،‬بمقرر معلل يبني فيه املصلحة واألسباب املربرة لذلك‪ ،‬بعد االستامع‬
‫ألبوي القارص أو نائبه الرشعي واالستعانة بخربة طبية أو إجراء بحث اجتامعي‪.‬‬
‫‪263‬‬

‫ما هيمنا نحن يف هذا املقام‪ ،‬هو أن املرشع خول هلؤالء الزوجني اللذين مل يبلغا‬
‫سن الرشد القانوين‪ ،‬املحدد يف ثامن عرش سنة‪ ،‬األهلية املدنية ملامرسة حق التقايض يف‬
‫كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات‪ ،‬وذلك طبقا للامدة ‪ 22‬من مدونة‬
‫األرسة‪ ،‬التي جاء فيها‪" :‬يكتسب املتزوجان طبقا للامدة ‪ 20‬أعاله‪ ،‬األهلية املدنية يف‬
‫ممارسة حق التقايض يف كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات"‪ .‬مما‬
‫يعني‪ ،‬أنه يمكن للزوجة القارص مثال أن ترفع دعوى النفقة شخصيا دون حاجة إىل‬
‫نائبها الرشعي‪ ،‬كام يمكنها أن تتقدم بأي طلب هيم احلقوق وااللتزامات املرتتبة عن‬
‫الزواج ليس فقط أمام القضاء بل يف مجيع اإلدارات‪.‬‬
‫بالرجوع للمرشع الفرنس‪ ،‬نجد املادة ‪ 476‬من القانون املدين ختول ترشيد القارص‬
‫بقوة القانون بمجرد الزواج؛ إضافة إىل أنه يمكن ترشيده اختياريا من طرف املحكمة‬
‫بناء عىل طلب من أبيه أو أمه إذا أتم السادسة عرشة سنة أو من طرف جملس العائلة إذا‬
‫مل يكن له أب أو أم تطبيقا للامدة ‪ 477‬من القانون املدين الفرنس ‪.‬‬
‫‪264‬‬

‫‪ 263‬إن الغاية من اخلربة الطبية املأمور بإنجازها من طرف القايض املكلف بالزواج هو التأكد من البنية اجلسامنية للقارصة –الطول‪ ،‬الوزن‪ -‬وما‬
‫إذا كانت قادرة عىل حتمل األعباء الزوجية وكذا معرفة ما إذا كانت قادرة عىل حتمل األعباء الزوجية وكذا معرفة ما إذا كانت حامل أم ال‪ ،‬حتى‬
‫ال جيد القايض نفسه أمام اإلذن بزواج قارص حامل‪ ،‬مما جيعل الزواج يف هذه احلالة باطال‪.‬‬
‫; ‪264 TERRE François et FENOUILLET Dominique : Droit civil ; les personnes, la famille, les incapcités‬‬

‫‪Op.cit ; P:848.‬‬

‫‪119‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .215‬بقي أن نشري يف األخري‪ ،‬إىل أن احلجر ينتهي كقاعدة عامة ببلوغ القارص سن‬
‫الرشد القانوين‪ ،‬الذي يتمثل يف ثامنية عرشة سنة يف القانون املغريب‪ ،‬ما مل حيجر عليه‬
‫لداع آخر من دواعي احلجر‪ ،‬التي تتمثل أساسا يف اجلنون‪ ،‬والسفه والعته‪ ،‬إضافة‬
‫لبعض العوارض الثانوية األخرى كام سنرى يف الفقرات املوالية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اجلنون‬
‫‪ .216‬نص املرشع املغريب بمقتىض املادة ‪ 217‬من مدونة األرسة عىل ما ييل‪" :‬يعترب‬
‫عديم أهلية األداء‪:‬‬
‫أوال‪....:‬؛‬
‫ثانيا‪ :‬املجنون وفاقد العقل"‪.‬‬
‫وقد عرف الفقه اجلنون بأنه مرض يعرتي الشخص يؤدي إىل زوال العقل أو‬ ‫‪265‬‬

‫هو اضطراب يصيب العقل‪ ،‬فيجعل الشخص عديم األهلية‪ .‬غري أنه ينبغي التمييز بي‬
‫اجلنون املطبق‪ ،‬وهو اجلنون الذي يستوعب املريض يف كل أوقاته؛ واجلنون املتقطع‬
‫الذي يعني أنه يصيب املريض يف فرتة من الزمن فقط بينام يفيق يف باقي الفرتات‬
‫األخرى؛ ويف مجيع احلاالت‪ ،‬أي يف كال النوعني‪ ،‬فإن احلكم واحد ما دام أن الترصف‬
‫وقع من املريض يف حالة جنونه ‪ ،‬أما إذا ترصف الشخص يف حالة اإلفاقة من اجلنون‬ ‫‪266‬‬

‫غري املطبق فإن ترصفه هذا يعترب صحيحا؛ وهذا ما عربت عنه الفقرة الثانية من املادة‬
‫‪ 217‬من مدونة األرسة املغربية‪ ،‬التي جاء فيها‪" :‬يعترب الشخص املصاب بحالة فقدان‬
‫العقل بكيفية متقطعة‪ ،‬كامل األهلية خالل الفرتات التي يؤوب إليه عقله فيها"‪ .‬أما‬
‫الفقدان اإلرادي للعقل فإنه ال يعفي من املسؤولية كام أشارت إىل ذلك الفقرة األخرية‬
‫من املادة ‪ 217‬السالفة الذكر‪.‬‬
‫إذا كان املرشع املغريب قد جعل الشخص املجنون عديم األهلية بمقتىض املادة‬
‫‪ 217‬من مدونة األرسة‪ ،‬فإنه اكتفى بجعل الشخص املعتوه والسفيه ناقص األهلية‬
‫كام سنرى يف الفقرة الالحقة‪.‬‬

‫‪ 265‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.129:‬‬
‫أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.39:‬‬
‫‪ 266‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.129:‬‬

‫‪120‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثالثا‪ :‬العته والسفه‬


‫‪ .217‬جاء يف املادة ‪ 213‬من مدونة األرسة عىل أنه يعترب ناقص األهلية‪.2 ...1 :‬‬
‫السفيه؛ ‪.3‬املعتوه‪ .‬األمر الذي يقتيض منا أن نتناول هاتني املؤسستني‪ ،‬حيث نتطرق يف البداية‬
‫لتحديد ماهية املعتوه واجلزاء املرتتب عنه (أ)‪ ،‬قبل أن ننتقل إىل دراسة أحكام السفيه (ب)‪.‬‬

‫أ‪ :‬املعتوه‬
‫‪ .218‬عرفت مدونة األرسة املعتوه بمقتىض املادة ‪ 216‬منها بأنه الشخص املصاب‬
‫بإعاقة ذهنية ال يستطيع معها التحكم يف تفكريه وترصفاته‪ .‬وقد ذهب الفقه إىل أن‬
‫‪267‬‬

‫العته هو مرض يصيب الشخص عادة بسبب التقدم يف السن أو املرض كتصلب‬
‫رشايني املخ؛ ويضيف إىل أنه إذا كانت الشيخوخة وحدها‪ ،‬وهي أوىل مراحل‬
‫االنحطاط العقيل ال تكفي بمفردها للقول بانعدام اإلرادة‪ ،‬إال أهنا قد تكون سببا يف‬
‫إصابة الشخص بالعته‪.‬‬
‫هذا احلكم هو الذي اعتمده الفقه اإلسالمي هو اآلخر‪ ،‬حيث يذهبون إىل القول‬
‫عىل أن الشخص املعتوه هو الذي يكون عند صاحبه بقية من العقل؛ ومن ثم تكون‬
‫أهليته ناقصة كالصبي يف فرتة التمييز‪ .‬أو عىل حد تعبري الفقيه الزيلعي هو من كان‬
‫‪268‬‬

‫قليل الفهم‪ ،‬خمتلط الكالم فاسد التدبري‪ ،‬إال أنه ال يرضب وال يشتم كام يفعل املجنون‪.‬‬

‫ب‪ :‬السفيه‬
‫‪ .219‬بحسب املادة ‪ 215‬من مدونة األرسة‪ ،‬فإن السفيه هو املبذر الذي يرصف‬
‫ماله فيام ال فائدة فيه‪ ،‬وفيام يعده العقالء عبثا‪ ،‬بشكل يرض به أو بأرسته‪ .‬وهو قريب من‬
‫التعريف الذي أعطاه الفقهاء املسلمون للسفيه‪ ،‬حيث ذهبوا إىل أنه هو املغلوب هبواه‬
‫فيعمل بخالف موجب العقل والرشع مع قيام العقل حقيقة‪.‬‬

‫‪ 267‬أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام يف القانون املدين املغريب؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ منشورات اجلامعة األردنية‪ /‬الطبعة األوىل‪ ،‬عامن‪1987‬؛ ص‪.39:‬‬
‫‪ 268‬الزيلعي‪ :‬تبني احلقائق ورشح كنز الدقائق؛ اجلزء اخلامس؛ ص‪.191:‬‬

‫‪121‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫رابعا‪ :‬العوارض الثانوية التي تؤثر يف أهلية األداء‬


‫يف الوقت الذي وسعت فيه بعض الترشيعات من هذه العوارض‪ ،‬نجد‬ ‫‪.220‬‬
‫املرشع املغريب اقترص عىل تناول بعضها بمقتىض نصوص خاصة كام هو الشأن بالنسبة‬
‫ملانع احلكم بعقوبة جنائية‪ ،‬حيث إنه بالرجوع للفصل ‪ 38‬من القانون اجلنائي املغريب‪،‬‬
‫نجده ينص عىل أن "احلجر القانوين حيرم املحكوم عليه من مبارشة حقوقه املالية طوال‬
‫تنفيذ العقوبة األصلية ‪ ."....‬أي أنه عن طريق احلجر القانوين كعقوبة إضافية‪ ،‬يمكن‬
‫حرمان الشخص املحكوم عليه هبذه العقوبة من إجراء الترصفات القانونية إىل غاية‬
‫انتهاء مدهتا‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض الفقه املغريب ‪ ،‬إىل أن هذا الشخص بالرغم من أنه كامل‬ ‫‪269‬‬

‫األهلية‪ ،‬إال أنه خيضع للحجر ألسباب تعود إىل العقوبة من جهة‪ ،‬ومحاية للنظام العام‬
‫من جهة أخرى؛ ومن ثم‪ ،‬فإنه إذا أقدم املحكوم عليه بعقوبة جنائية بإجراء ترصف‬
‫معني‪ ،‬فإن هذا الترصف يعترب باطال طبقا للفصل ‪ 38‬السالف الذكر‪.‬‬
‫أما السكر‪ ،‬فإنه ال يستوجب اإلبطال بالرغم من عدم تنصيص املرشع‬ ‫‪.221‬‬
‫املغريب عليه رصاحة؛ ويمكن أن نستشف ذلك من الفقرة األخرية من املادة ‪ 217‬من‬
‫مدونة األرسة‪ ،‬التي جاء فيها‪" :‬الفقدان اإلرادي للعقل ال يعفي من املسؤولية"‪.‬‬
‫وبمفهوم املخالفة‪ ،‬فإن الفقدان االضطراري للعقل يرتتب عنه اإلعفاء من املسؤولية‪،‬‬
‫ومن ذلك حالة السكر غري اإلرادي‪.‬‬
‫وقريب من هذا احلكم‪ ،‬ما نص عليه املرشع املغريب يف الفصل ‪ 93‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود فيام خيص املسؤولية التقصريية؛ حيث جاء فيه "السكر‪ ،‬إذا كان‬
‫اختياريا‪ ،‬ال حيول دون املسؤولية املدنية يف االلتزامات الناشئة عن اجلرائم وأشباه‬
‫اجلرائم‪ .‬وال مسؤولية مدنية إذا كان السكر غري اختياري وعىل املتابع إثبات هذه‬

‫‪ 269‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.124:‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬الوجيز يف النظرية العامة للعقود املسامة؛ الكتاب األول‪ :‬عقد البيع؛ الطبعة الثانية ‪2009‬؛ توزيع مكتبة دار األمان‪/‬‬
‫الرباط؛ ص‪.42:‬‬

‫‪122‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الواقعة"‪ .‬كام نصت مدونة األرسة عىل حالة الطالق الواقع من السكران‪ ،‬حيث جاء يف‬
‫املادة ‪ 90‬منها عىل أنه ال يقبل طلب اإلذن بطالق السكران الطافح واملكره وكذا‬
‫الغضبان إذا كان مطبقا‪.‬‬
‫‪ .222‬يف مقابل هذه العوارض التي نص عليها املرشع املغريب إما بشكل رصيح أو‬
‫ضمني ‪ ،‬فإن هناك حاالت أخرى مل ينص عليها ولو من باب التلميح‪ ،‬يف الوقت‬ ‫‪270‬‬

‫الذي خصصت هلا ترشيعات أخرى أحكاما خاصة‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للعاهة‬
‫املزدوجة التي نصت عليها معظم الترشيعات العربية ‪ ،‬كالقانون املدين األردين الذي‬
‫‪271‬‬

‫نص عليها بمقتىض املادة ‪ 132‬منه‪ ،‬حيث جاء فيها "إذا كان الشخص أصم أبكم أو‬
‫أعمى أصم أو أعمى أبكم وتعذر عليه بسبب ذلك التعبري عن إرادته جاز للمحكمة‬
‫أن تعني له وصيا يعاونه يف الترصفات التي تقتيض مصلحته فيها ذلك"‪.‬‬
‫يتضح لنا من هذه املادة‪ ،‬أن الشخص الذي جتتمع فيه عاهتني من العاهات‬
‫الثالث‪ ،‬العمى والبكم والصم‪ ،‬ليس ناقص األهلية‪ ،‬بل إن الترصف القانوين يعترب‬
‫منعقدا بإرادة صاحبه؛ كلام هنالك أن املرشع قرر له نوعا من احلامية‪ ،‬تتمثل يف مساعدة‬
‫الويص يف التعبري عن إرادته؛ وهذا هو الرأي الذي يؤيده مجهور الفقه‪ ،‬عىل اعتبار أن‬
‫هذه األمراض ال تعوق وجود اإلرادة مادامت غري مصحوبة باضطرابات عقلية‪ .‬ولعل‬
‫هذا الرأي يمكن تأييده بأحكام املادة ‪ 97‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬التي جاء فيها‪" :‬الصم البكم‬
‫وغريهم من ذوي العاهات يسألون عن األرضار الناجتة من أفعاهلم أو أخطائهم إذا‬
‫كان هلم من التمييز الدرجة الالزمة لتقدير نتائج أعامهلم" ‪.‬‬
‫‪272‬‬

‫‪ 270‬تنبغي اإلشارة‪ ،‬إىل أن املرأة املتزوج ة مل يكن بإمكاهنا أن متارس التجارة بدون إذن زوجها‪ ،‬تطبيقا للامدة السادسة والسابعة من القانون التجاري‬
‫القديم‪ ،‬حيث نصت املادة األوىل " ال جيوز للمرأة املتزوجة أن تكون تاجرة يف املغرب بدون رىض زوجها مهام كانت مقتضيات قانوهنا لألحوال‬
‫الشخصية هبذا الصدد"‪ .‬بينام نصت املادة الثانية –أي السابعة‪ -‬عىل ما ييل " ومتى كانت املرأة متصفة بصفة تاجر جاز هلا أن تلتزم بدون إذن زوجها يف كل‬
‫ما يعود لشؤون جتارهتا‪ ،‬ويف هذا احلال تلتزم بدون إذن زوجها إذا كان بينهام شيع يف األموال"‪.‬‬
‫وإذا كان املرشع املغريب قد تراجع عن هذا احلجر الذي كان واردا عىل املرأة بمقتىض املادة ‪ 17‬من مدونة التجارة املغربية التي جاء فيها عىل أنه حيق للمرأة‬
‫أن متارس التجارة دون أن يتوقف ذلك عىل إذن من زوجها‪ ،‬فإننا نود أن نشري إىل أن احلكم القديم كان من خملفات الفكر الغريب –الذي كان يقلل من‬
‫شأن املرأة‪ ،‬بخالف الوضع بالنسبة للرشيعة اإلسالمية التي أنزلتها منزلة خاصة وأعطتها احلرية الكاملة يف الترصف بأمواهلا واالستقالل املايل‪ ،-‬حيث إن‬
‫سلطات احلامية عندما وضعت القانون التجاري لسنة ‪ 1913‬تأثرت بالقوانني السارية املفعول أنذاك يف فرنسا‪.‬‬
‫للتعمق يف هذه النقطة‪ ،‬راجع أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛‬
‫ص‪.223:‬‬
‫‪ 271‬من هذه الترشيعات القانون املرصي‪ ،‬الذي نص عىل هذه احلالة بمقتىض املادة ‪ 70‬من قانون الوالية عىل املال‪ ،‬حيث جاء فيها بأن الشخص‬
‫إذا كان أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم وتعذر عليه بسبب ذلك التعبري عن إرادته جاز للمحكمة أن تعني له مساعدا قضائيا يعاونه يف‬
‫إجراء الترصفات التي تستلزم إذنا من املحكمة‪.‬‬
‫‪ 272‬أمحد اخلملييش‪ :‬املسؤولية املدنية لألبوين عن أبنائهام القارصين؛ مرجع سابق؛ ص‪.170:‬‬

‫‪123‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫البند الثان‪ :‬عيوب الرىض‬


‫‪ .223‬من خالل ما سبق‪ ،‬فإن دراسة هذا املبحث تقتيض منا أن نقف عىل خمتلف‬
‫عيوب الرىض كام هي منصوص عليها يف قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬حتت عنوان‬
‫عيوب الرىض‪ ،‬حيث جاء يف الفصل ‪ 39‬من هذا القانون ما ييل‪" :‬يكون قابال لإلبطال‪،‬‬
‫الرىض الصادر عن غلط‪ ،‬أو الناتج عن تدليس‪ ،‬أو املنتزع بإكراه"‪ .‬إضافة إىل الغبن يف‬
‫احلاالت املنصوص عليها يف الفصول ‪ 55 ،54‬و‪ 56‬من قانون االلتزامات والعقود املغريب‪،‬‬
‫دون أن نغفل التطرق للعمل القضائي املغريب‪ ،‬الذي أثر بشكل مهم يف قراءة خمتلف‬
‫النصوص القانونية املقررة لعيوب الرىض‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬الغلط‬


‫‪ .224‬تنبغي اإلشارة بداية إىل أن القانون الروماين القديم مل يكن جيعل الغلط من‬
‫األسباب التي تؤدي إىل إبطال الترصفات القانونية؛ وقد كان هذا أمرا طبيعيا‪ ،‬لكون‬
‫الرومان يف العرص العلمي مل يفسحوا املجال لنظرية عيوب الرتايض ‪ ،‬زد عىل ذلك أن‬
‫‪273‬‬

‫أغلب الترصفات القانونية يف هذه املرحلة كانت ترصفات شكلية وليست رضائية‪.‬‬
‫بعبارات أخرى‪ ،‬فإن إرادة األفراد ال تتدخل يف حتديد آثار الترصف‪ ،‬بل تتم مطابقة‬
‫هذا الترصف القانوين مع النموذج املحدد‪ .‬إضافة لذلك‪ ،‬فإن اهلم األكرب بالنسبة‬
‫للرومان كان هو احلفاظ عىل ثبات الترصفات القانونية واستقرارها‪.‬‬
‫غري أنه فيام بعد‪ ،‬أصبح الغلط من أهم عيوب الرىض يف احلياة العملية‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب كثرة حدوثه؛ السيام أنه بخالف باقي العيوب األخرى التي حتدث نتيجة تدخل‬
‫من الغري‪ ،‬فإن الغلط ينتج عن جمرد تصور خاطئ وقع فيه املتعاقد من تلقاء نفسه‪ .‬كام‬
‫أنه من جهة أخرى مل تتفق الترشيعات ومل يستقر الفقه عىل رأي واحد بخصوص هذا‬
‫العيب‪ ،‬حيث تنازعته جمموعة من اآلراء والنظريات؛ األمر الذي يقتيض منا أن نقف‬

‫‪ 273‬عبد املجيد احلفناوي‪ :‬نظرية الغلط يف القانون الروماين؛ دراسة حتليلية وتأصيلية لفكرة الغلط مع حتليل شامل للنصوص؛ منشأة املعارف؛‬
‫‪1974‬؛ ص‪.21:‬‬

‫‪124‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عن ماهيته (أوال)‪ ،‬وأيضا عىل موقف املرشع املغريب من نظرية الغلط (ثانيا)‪.‬‬
‫كام تقتيض منا دراسة هذا العيب أن نتطرق لنقطتني مهمتني؛ أوهلام متييز الغلط يف‬
‫القانون عن قاعدة عدم العذر بجهل القانون (ثالثا)‪ ،‬وثانيهام تناول إشكالية مدى‬
‫التعارض بني نظرية الغلط ومبدأ استقرار املعامالت أو األمن القانوين (رابعا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬ماهية الغلط‬


‫‪ .225‬الغلط هو وهم يصور للمتعاقد الواقع عىل غري حقيقته‪ ،‬األمر الذي يدفعه‬
‫إىل التعاقد نتيجة هلذا التصور اخلاطئ‪ .‬أو عىل حد تعبري الفقيه السنهوري ‪ ،‬فإن الغلط‬
‫‪274‬‬

‫هو حالة تقوم بالنفس حتمل عىل توهم غري الواقع‪ .‬وغري الواقع إما أن يكون واقعة غري‬
‫صحيحة يتوهم اإلنسان صحتها‪ .‬أو واقعة صحيحة يتوهم عدم صحتها‪.‬‬
‫لعل ما يميز الغلط عن باقي عيوب الرىض‪ ،‬كام يتضح لنا من التعاريف السالفة الذكر‬
‫التي أعطاها الفقه للغلط‪ ،‬هو أن العيوب األخرى املتمثلة أساسا يف التدليس واإلكراه‬
‫وأيضا يف خمتلف حاالت الغبن السيام املقرونة بالتدليس أو االستغالل تقع نتيجة لتأثري‬
‫الغري‪ ،‬بخالف الوضع بالنسبة للغلط الذي ينتج عن تصور ذايت خاطئ خمالف للواقع يقع‬
‫فيه املتعاقد الذي تعيبت إرادته من تلقاء نفسه‪.‬‬

‫وقد جتاذبت فكرة الغلط نظريتان‪ ،‬األوىل تسمى بالتقليدية (أ)‪ ،‬والثانية‬ ‫‪.226‬‬

‫تعترب نظرية حديثة مقارنة باألوىل (ب)‪.‬‬

‫أ‪ :‬النظرية التقليدية يف الغلط‬


‫‪ .227‬قسمت النظرية التقليدية الغلط إىل ثالثة أنواع‪ ،‬جعلت لكل واحد منها أثرا‬
‫معينا عىل اإلرادة؛ وتتمثل هذه األنواع يف الغلط املانع (‪ ،)1‬الغلط املؤثر يف عنرص‬
‫اإلرادة (‪ ،)2‬والغلط غري املؤثر يف اإلرادة (‪.)3‬‬

‫‪ 274‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول مصادر االلتزام؛ مرجع سابق؛ ص‪.311:‬‬

‫‪125‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .1‬الغلط املانع أو احلائل‬


‫‪ .228‬يقع هذا النوع من الغلط‪ ،‬حسب نظرية تقليدية يف الفقه الفرنس‪ ،‬يف ماهية‬
‫العقد‪ ،‬أو يف ذاتية املحل‪ ،‬أو يف السبب ؛ ومن قبيل الغلط الواقع يف ماهية العقد أن‬
‫‪275‬‬

‫يؤجر شخص معني منزله بأجرة سنوية‪ ،‬بينام يعتقد الطرف اآلخر عىل أنه يبيعه هذا‬
‫املنزل مقابل إيراد مرتب سنوي؛ أما الغلط الواقع يف ذاتية املحل فمن قبيل البائع‬ ‫‪276‬‬

‫الذي يبيع عقارا معينا يف الوقت الذي انرصفت فيه إرادة املشرتي إىل عقار آخر؛‬
‫وأخريا فإن الغلط يف السبب يمثل له الفقه باحلالة التي يتفق فيها الورثة مع املوىص‬
‫‪277‬‬

‫هلم عىل قسمة العني الشائعة بينهم ثم يتبني بعد ذلك أن الوصية باطلة‪.‬‬
‫لعل الذي نستشفه من مجيع هذه الصور للغلط املانع ‪،L’érreur obstacle‬‬
‫هي أهنا ال تقترص عىل تعييب اإلرادة وإنام تعدمها بشكل تام؛ ولذلك فهي تسمى‬
‫بالغلط املانع أو الغلط احلائل دون انعقاد العقد‪ ،‬مادام هناك غياب تام للتطابق بني‬
‫اإلرادتني‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن الفقه يستبعد دراسة هذا النوع من الغلط بمناسبة حديثه عن‬
‫صحة الرتايض‪ ،‬ألنه يتصل بوجود الرتايض‪ ،‬حيث إن هذا األخري يعترب غري موجود يف‬
‫حالة الغلط املانع‪ ،‬مما يعني أن العقد منعدم وباطل‪.‬‬
‫‪ .2‬الغلط املؤثر أو املنتج‬
‫‪ .229‬يسمى هذا النوع بالغلط املؤثر أو املنتج‪ ،‬ألنه يؤثر يف سالمة إرادة املتعاقد‬
‫ويف صحة العقد ‪ ،‬حيث يستتبع هذا الغلط قابلية العقد لإلبطال‪ .‬ويتحقق هذا النوع‬ ‫‪278‬‬

‫يف حالتي؛ األوىل إذا وقع الغلط يف مادة اليشء حمل التعاقد‪ ،‬كأن يتم التعاقد عىل رشاء‬

‫‪ 275‬ي اسني حممد اجلبوري‪ :‬الوجيز يف رشح القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬مصادر احلقوق الشخصية‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.200:‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P:158.‬‬
‫‪276 FLOUR Jacques, Jean-Luc AUBERT et Eric SAVAUX : Droit civil, les obligations, 1. L’acte juridique,‬‬

‫‪op.cit ; P:158.‬‬
‫‪ 277‬أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.87:‬‬
‫‪278 FLOUR Jacques, Jean-Luc AUBERT et Eric SAVAUX : Droit civil, les obligations, 1. L’acte juridique,‬‬

‫‪Op.cit, P:159.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P:160.‬‬

‫‪126‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫قطعة أرضية العتقاد املشرتي أهنا صاحلة للبناء ثم يتبني له أهنا غري ذلك‪ ،‬وإنام معدة‬
‫فقط للفالحة؛ أما احلالة الثانية فهي املتمثلة يف الغلط الواقع يف هوية الشخص املتعاقد‬
‫معه إذا كانت شخصيته حمل اعتبار يف العقد كطبيب جراح مشهور مثال أو حمامي‬
‫مقبول للرتافع أمام حمكمة النقض‪.‬‬
‫‪ .3‬الغلط غري املؤثر أو غري املنتج‬
‫كام يتضح من تسميته‪ ،‬فإن هذا النوع من الغلط ال تأثري له عىل عنرص‬ ‫‪.230‬‬
‫الرتايض؛ أي أنه ال يؤثر يف سالمة إرادة املتعاقد وال يف صحة العقد‪ ،‬الذي يبقى مع‬
‫ذلك صحيحا ومنتجا لكافة آثاره القانونية؛ ومن قبيل هذا النوع الغلط يف القيمة‪،‬‬
‫الغلط يف الباعث‪ ،‬والغلط يف احلساب‪ ،‬إضافة حلاالت التوهم التي تقع بخصوص‬
‫شخصية املتعاقد أو صفته إذا مل يكن هلا أي اعتبار يف العقد‪.‬‬
‫‪ .231‬نستشف مما سبق‪ ،‬أن الفقه الفرنس التقليدي ورث عن القانون الفرنس‬
‫القديم تقسيم الغلط إىل ثالثة أنواع كام سبق أن أرشنا لذلك؛ ورتب عن حتقق كل نوع‬
‫منها جزاء قانونيا معينا‪ ،‬حيث رتب عن الغلط املانع بطالن العقد‪ ،‬يف حني جعل اجلزاء‬
‫بالنسبة للنوع الثاين القابلية لإلبطال‪ ،‬أما الصورة الثالثة من الغلط فإهنا ال تؤثر يف صحة‬
‫العقد‪ .‬غري أن القضاء الفرنس مل يأخذ هبذه النظرية التقليدية‪ ،‬كام مل يعتد هبا الفقه احلديث‬
‫الذي اعتمد نظرية جديدة للغلط‪ ،‬تسمى بالنظرية احلديثة‪ ،‬وهي موضوع الفقرة املوالية‪.‬‬

‫ب‪ :‬النظرية احلديثة يف الغلط‬


‫‪.232‬لعل املالحظة األساسية بخصوص النظرية احلديثة يف الغلط‪ ،‬هي استبعادها‬
‫للغلط املانع بشكل هنائي‪ ،‬هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإهنا ألغت التفرقة بي‬
‫الغلط املؤثر وغري املؤثر‪ ،‬حيث إهنا اعتمدت معيارا شخصيا ذاتيا أكثر مرونة؛ ذلك أنه‬
‫يف مجيع هذه احلاالت ال تعتد بالغلط إال إذا كان جوهريا ودافعا للتعاقد ‪.‬‬
‫‪279‬‬

‫‪279‬‬‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:160.‬‬

‫‪127‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .233‬وقد تبنت معظم الترشيعات احلديثة هذه النظرية‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة‬
‫للقانون السويرسي بمقتىض املادة ‪ 23‬منه والقانون املدين املرصي‪ ،280‬الذي نص عليها‬
‫بمقتىض املادتني ‪120‬و‪ 121‬منه؛ حيث جاء يف األوىل "إذا وقع املتعاقد يف غلط جوهري‬
‫جاز له أن يطلب إبطال العقد إن كان املتعاقد اآلخر قد وقع مثله يف هذا الغلط أو كان عىل‬
‫علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه"‪ .‬أما املادة ‪ 121‬مدين مرصي فقد نصت عىل ما‬
‫ييل‪ .1" :‬يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من اجلسامة بحيث يمتنع معه املتعاقد عن إبرام‬
‫العقد لو مل يقع يف هذا الغلط‪ .2 .‬ويعترب الغلط جوهريا عىل األخص‪ :‬أ‪ -‬إذا وقع يف صفة‬
‫لليشء تكون جوهرية يف اعتبار املتعاقدين‪ ،‬أو جيب اعتبارها كذلك‪ ،‬ملا يالبس العقد من‬
‫ظروف وملا ينبغي يف التعامل من حسن النية‪ .‬ب‪-‬إذا وقع يف ذات املتعاقد أو يف صفة من‬
‫صفاته‪ ،‬وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيس يف التعاقد"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الغلط يف قانون االلتزامات والعقود املغريب‬


‫‪ .234‬تناول قانون االلتزامات والعقود املغريب الغلط يف الفصول من ‪ 40‬إىل ‪45‬؛‬
‫ولعل املالحظة البارزة هو كون هذا القانون قد تأثر بالنظرية التقليدية يف الغلط كمبدأ‬
‫عام (أ)‪ ،‬غري أن ذلك‪ ،‬كام يذهب لذلك مجهور الفقه املغريب‪ ،‬ال يعني استبعاده ألحكام‬
‫النظرية احلديثة‪ ،‬وهذا ما يتضح لنا من خالل املقتضيات التي خصها للغلط يف القانون‪،‬‬
‫حيث إن هذا األخري وتطبيقا للفصل ‪ 40‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يؤدي لإلبطال كلام كان الغلط‬
‫جوهريا ودافعا إىل التعاقد (ب)‪.‬‬
‫أ‪ :‬حاالت الغلط يف الواقع دليل عىل تأثر املرشع املغريب بالنظرية التقليدية‬
‫‪ .235‬يظهر لنا من خالل مراجعة األحكام التي خصها املرشع املغريب حلاالت‬
‫الغلط يف الواقع مدى تأثره بالنظرية التقليدية‪ ،‬حيث ميز بني الغلط املنتج والغلط غري‬
‫املنتج‪ ،‬وإذا كان قد جعل من األول سببا لإلبطال‪ ،‬فإنه مل يعتد بالنوع الثاين كام هو‬
‫الشأن بالنسبة للغلط يف القيمة‪ ،‬الغلط يف الباعث والغلط يف احلساب ‪.‬‬
‫‪281‬‬

‫‪ 280‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.218:‬‬
‫‪ 281‬نص الفصل ‪ 43‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬عىل ما ييل "جمرد غلطات احلساب ال تكون سببا للفسخ وإنام حيب تصحيحها"‪.‬‬
‫أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.242:‬‬
‫=‬
‫‪128‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أما الغلط املنتج أو املؤثر الذي خيول حق املطالبة بإبطال العقد‪ ،‬فقد مثل له املرشع‬
‫املغريب يف الغلط يف مادة اليشء ونوعه (‪ ،)1‬الغلط يف شخص املتعاقد أو صفته (‪،)2‬‬
‫وأخريا الغلط احلاصل من الوسيط (‪.)3‬‬
‫‪ .1‬الغلط يف مادة اليشء ونوعه‬
‫‪ .236‬نص عىل هذه الصورة من الغلط املؤثر الفصل ‪ 41‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء‬
‫فيه " خيول الغلط اإلبطال‪ ،‬إذا وقع يف ذات اليشء أو يف نوعه أو يف صفة فيه‪ ،‬كانت هي‬
‫السبب الدافع إىل الرىض"‪ .‬وتبدو لنا مالحظتي أساسيتي بخصوص هذه املادة‪،‬‬
‫نوردمها تباعا؛ املالحظة األوىل‪ ،‬تتمثل يف استعامل املرشع املغريب ملصطلح ذات‬
‫اليشء ‪ ،‬يف الوقت الذي يؤدي فيه هذا النوع من الغلط إىل البطالن وليس إىل جمرد‬ ‫‪282‬‬

‫اإلبطال‪ ،‬ألنه صورة من صور الغلط املانع التي سبق لنا الوقوف عندها؛ األمر الذي‬
‫دفع مجهور الفقه املغريب إىل القول بأن املرشع املغريب إنام خانه التعبري‪ ،‬حيث يقصد‬ ‫‪283‬‬

‫مادية اليشء وليس ذاتيته‪.‬‬


‫أما املالحظة الثانية‪ ،‬فتتجىل يف كون املرشع املغريب كان أكثر دقة من نظريه‬
‫الفرنس‪ ،‬حيث أشار إىل درجة التأثري‪ ،‬الذي تطلب فيها الفصل السالف الذكر أن‬
‫تكون جوهرية وليست جمرد ثانوية‪ ،‬بإضافته لعبارة 'كانت هي السبب الدافع إىل‬
‫الرىض'؛ يف حني أن القانون الفرنس مل يرش هلذه الصفة‪ ،‬األمر الذي دفع القضاء‬
‫الفرنس إىل إضافتها‪ ،‬حيث علق إبطال العقد نتيجة غلط يف صفة مادة اليشء عىل أن‬
‫تكون جوهرية‪.‬‬

‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين امل غريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها‬
‫القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.101:‬‬
‫‪ 282‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ منشورات عكاظ؛ الطبعة‬
‫الثانية‪1987/‬؛ ص‪.234:‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها‬
‫القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.103:‬‬
‫عبد احلق صايف‪ :‬القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬املصدر اإلرادي لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول تكوين العقد؛ مرجع سابق؛ ص‪.312:‬‬
‫مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.77:‬‬
‫‪ 283‬أمحد شكر ي السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.234:‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.103:‬‬
‫عبد احلق صايف‪ :‬القانون امل دين‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬املصدر اإلرادي لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول تكوين العقد؛ مرجع سابق؛ ص‪.312:‬‬

‫‪129‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .2‬الغلط يف شخص املتعاقد أو صفته‬


‫‪ .237‬نص عىل هذا النوع من الغلط الفصل ‪ 42‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫املغريب‪ ،‬الذي جاء فيه ما ييل‪" :‬الغلط الواقع عىل شخص أحد املتعاقدين أو عىل صفته‬
‫ال خيول الفسخ إال إذا كان هذا الشخص‪ ،‬أو هذه الصفة أحد األسباب الدافعة إىل‬ ‫‪284‬‬

‫صدور الرىض من املتعاقد اآلخر"‪.‬‬


‫‪ .238‬يظهر هذا بشكل خاص يف العقود التي تقوم عىل االعتبار الشخيص كام هو‬
‫الشأن بالنسبة لرشكة األشخاص واملقاولة والوكالة واهلبة‪ .‬لكن ذلك ال يعني أن‬
‫العقود األخرى بعيدة عن هذه الصورة‪ ،‬ففي عقد الكراء‪ ،‬قد تتخلف صفة فيه كانت‬
‫هي الدافع للتعاقد‪ ،‬كمن يكرتي شقة معينة عىل أساس حسن سلوك اجلريان ثم يتبني‬
‫له عكس ذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬الغلط احلاصل من الوسيط‬
‫‪ .239‬اعترب املرشع املغريب الغلط الواقع من الوسيط كالغلط احلاصل من املتعاقد‬
‫نفسه‪ ،‬مادام أن دور الوسيط يقترص فقط عىل نقل إرادة املوجب إىل القابل‪ .‬وهذا ما‬
‫يتضح لنا من الفصل ‪ 45‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "إذا وقع الغلط من الوسيط الذي‬
‫استخدمه أحد املتعاقدين‪ ،‬كان هلذا املتعاقد أن يطلب فسخ االلتزام يف األحوال‬
‫‪285‬‬

‫املنصوص عليها يف الفصلني ‪ 41‬و‪ 42‬السابقني وذلك دون إخالل بالقواعد العامة‬
‫املتعلقة باخلطأ وال بحكم الفصل ‪ 430‬يف احلالة اخلاصة بالربقيات"‪.‬‬
‫ب‪ :‬حالة الغلط يف القانون تظهر تأثر املرشع املغريب بالنظرية احلديثة‬
‫يقصد بالغلط يف القانون‪ ،‬ذلك الغلط الذي يقع عىل حكم من أحكام‬ ‫‪.240‬‬

‫القانون يف أمر من أمور الترصف القانوين‪ ،‬أو بتعبري بعض الفقه املغريب هو تلك‬
‫‪286‬‬

‫احلالة التي يتعاقد فيها الشخص معتقدا بأن القانون يقيض فيها بحكم معني ثم يتبني له‬

‫‪ 284‬املقصود اإلبطال‪.‬‬
‫‪ 285‬املقصود اإلبطال‪.‬‬
‫‪ 286‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.227:‬‬
‫ع بد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬نظرية االلتزامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.105:‬‬

‫‪130‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫خالف ذلك‪ .‬ومن أمثلته‪ ،‬أن يتنازل شخص معني عن نصيبه من تركة زوجه آلخر‪،‬‬
‫اعتقادا منه أن نصيبه منها ال يتعدى الربع‪ ،‬بينام هو يقدر بالنصف‪.‬‬
‫‪ .241‬وقد تطلب املرشع املغريب لتحقق هذه الصورة من الغلط رضورة توفر‬
‫رشطي أساسيي‪ ،‬كام يتضح لنا من مراجعة أحكام الفصل ‪ 40‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء‬
‫فيه "الغلط يف القانون خيول إبطال االلتزام‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا كان هو السبب الوحيد أو األسايس؛‬
‫‪ -2‬إذا أمكن العذر عنه"‪.‬‬
‫‪ .242‬تنبغي اإلشارة‪ ،‬إىل أنه بالرغم من حتقق الرشوط السالفة الذكر‪ ،‬فإن املرشع‬
‫قد ال جييز يف بعض احلاالت اخلاصة االعتداد بالغلط يف القانون كمربر لإلبطال‪،‬‬
‫وذلك بمقتىض نصوص قانونية‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للفصل ‪ 1112‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫الذي جاء فيه "ال جيوز الطعن يف الصلح بسبب غلط يف القانون‪ ،‬وال جيوز الطعن فيه‬
‫بسبب الغبن إال يف حالة التدليس"‪ .‬وقد طبق القضاء املغريب هذا املقتىض يف العديد من‬
‫قراراته‪ ،‬من ذلك القرار الصادر عن املجلس األعىل بتاريخ ‪ 20‬ماي ‪ ، 1967‬الذي‬
‫‪287‬‬

‫جاء فيه " إن العقد الذي جيعل حدا للنزاع بتخيل كل طرف عن بعض مزاعمه لفائدة‬
‫اآلخر ال يمكن اعتباره عقدا مصححا لعقد آخر وبالتايل ال يمكن احلكم ببطالنه‬
‫لبطالن العقد من أجل الغلط وانتفاء السبب‪ ،‬وإال أزيلت عنه صفة الصلح ومل تطبق‬
‫املحكمة القانون تطبيقا سليام مما جيعل حكمها معيبا بخرق القانون معرضا للنقض"‪.‬‬

‫ونؤيد ما ذهب إليه بعض الفقه املغريب يف تعليقه عىل هذه املادة‪ ،‬من كون غاية‬
‫‪288‬‬

‫املرشع من هذا النص تتمثل يف تاليف الطعن يف الصلح لغلط يف القانون؛ مع ما يستتبع‬
‫ذلك من منع إثارة اخلالق من جديد يف الوقت الذي يكون فيه النزاع قد انتهى بحلول‬
‫توافقية بني أطرافه عن طريق تنازل كل واحد منهام عن جزء من احلق الذي يدعيه‪.‬‬

‫‪ 287‬جملة القضاء والقانون؛ العدد ‪89/88‬؛ ‪1968‬؛ ص‪.407:‬‬


‫‪ 288‬عبد احلق صايف‪ :‬القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬املصدر اإلرادي لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول تكوين العقد؛ مرجع سابق؛ ص‪.312:‬‬

‫‪131‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثالثا‪ :‬متييز الغلط يف القانون عن قاعدة عدم العذر بجهل القانون‬


‫يقصد بقاعدة عدم العذر بجهل القانون‪ ،‬أنه بمجرد صدور القاعدة‬ ‫‪.243‬‬
‫القانونية ونفاذها بنرشها يف اجلريدة الرسمية‪ ،‬فإهنا تصبح ملزمة لكافة املخاطبني هبا‬
‫دون أي استثناء‪ ،‬سواء علموا هبا أو مل يعلموا ؛ مما يعني أنه ال يقبل بأي وجه من‬
‫‪289‬‬

‫الوجوه أن حيتج أحد املخاطبي بالقاعدة القانونية بجهله لألحكام الواردة فيها‪.‬‬
‫نرى أن املربر األسايس هلذا املبدأ هو املساواة بي املخاطبي بالقانون‪ ،‬حيث إن‬
‫عدم األخذ هبذه القاعدة يمكنه أن يؤدي إىل رسياهنا عىل البعض فقط‪ ،‬ومن ثم فإنه‬
‫حتى يتم احرتام املساواة أمام القانون الذي يعترب مبدأ دستوريا‪ ،‬فإنه ينبغي خضوع‬
‫مجيع املخاطبني بالقاعدة القانونية ألحكامها سواء كانوا يعلموهنا أم ال‪.‬‬
‫‪ .244‬قد يبدو أن هناك تناقض‪ ،‬عىل األقل ظاهريا‪ ،‬بني قاعدة عدم العذر بجهل‬
‫القانون ومضمون الفصل ‪ 41‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي يتسامح مع الشخص الذي يقع يف‬
‫غلط يف القانون‪ ،‬حيث خيوله إمكانية املطالبة بإبطال العقد؛ يف حي أن احلقيقة تظهر لنا‬
‫عكس ذلك‪ ،‬حيث إنه يف حالة الغلط يف القانون فإن املتعاقد يعتقد أن القانون خيوله‬
‫حق معني أو حيرمه منه فيتبني له عكس ذلك‪ ،‬ففي هذه احلالة أجاز له املرشع املطالبة‬
‫بإبطال العقد‪ ،‬والسبب يف ذلك هو أن هذا الشخص ال يرغب يف التهرب من تطبيق‬
‫القانون عليه بحجة عدم علمه به‪ ،‬وإنام يرغب يف تصحيح الوضعية بناء عىل ما ينص‬
‫عليه القانون‪.‬‬
‫إضافة لذلك‪ ،‬فإن املرشع قد وضع جمموعة من القيود لقبول العذر بالغلط يف‬
‫القانون رغبة منه يف جتنب فتح املجال للتحايل أو التهرب من األحكام القانونية‪ ،‬لذلك‬
‫فإن هذه القاعدة ال يمكن تطبيقها عىل األشخاص الذين يفرتض فيهم العلم‬
‫بمقتضيات القاعدة التي يدعي الغلط بشأهنا‪ ،‬فال يمكن أن نقول بأن املحامي أو املوثق‬
‫معذور بجهله يف كون الوصية ينبغي أن تكون يف حدود الثلث‪.‬‬

‫‪289‬‬‫‪ECHARKAOUI Abderrahman : L’accès du consommateur au droit et à la justice ; Thèse de‬‬


‫‪doctorat en droit privé/ Université HASSAN II/ Casablanca Ain Chock/2008 ; P:16.‬‬

‫‪132‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫رابعا‪ :‬الغلط بي محاية إرادة املتعاقد وحتقيق األمن القانون‬


‫يمكن القول‪ ،‬بأنه خالل السنوات األخرية عرفت املعامالت املدنية‬ ‫‪.245‬‬
‫والتجارية انتشارا مفرطا للعقود النموذجية‪ ،‬وما يعرتهيا من تعقيد يف صياغة بنودها‪،‬‬
‫األمر الذي ينتج عنه صعوبة فهم حمتواها‪ ،‬السيام بالنسبة للطرف القليل اخلربة‪ ،‬والذي‬
‫ال متكنه ثقافته القانونية والفنية من اإلملام هبا‪ ،‬مما يعرضه للغلط ‪ .‬يف ظل هذه‬
‫‪290‬‬

‫املعطيات‪ ،‬نتساءل عن مدى إمكانية اعتامد القضاء عىل نظرية الغلط من أجل محاية‬
‫إرادة املستهلك‪.‬‬
‫‪ .246‬يبدو أن القضاء حياول جاهدا أن يراعي جمموع هذه املعطيات‪ ،‬حيث نجده‬
‫يتشدد يف قبول الدفع بالغلط من طرف األشخاص املحرتفني‪ ،‬ويف مقابل ذلك يتساهل‬
‫إزاء غريهم كاملكرتي‪ ،‬واملقرتض واملستهلك عموما‪ .‬وقد ظهر لنا هذا التوجه لدى‬
‫القضاء الفرنس‪ ،‬الذي قرر أنه كلام كان العقد حمتويا عىل رشوط معقدة‪ ،‬السيام بالنسبة‬
‫لألشخاص غري املحرتفني الذين تنقصهم اخلربة‪ ،‬فإن املشرتط يلتزم بتقديم كافة‬
‫البيانات من أجل توضيح هذه الرشوط ومداها‪ ،‬مما جينب املتعاقد غري اخلبري من‬
‫الوقوع يف الغلط ‪.‬‬
‫‪291‬‬

‫‪ .247‬بخالف القضاء املغريب‪ ،‬فإن نظريه الفرنس عمل عىل التوسع يف تفسري املادة‬
‫‪ 1110‬مدين قبل تعديلها ‪ ،‬املقابلة للفصل ‪ 41‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬بام من شأنه محاية املستهلك‬ ‫‪292‬‬

‫باعتباره الطرف الضعيف؛ فقد قضت حمكمة النقض الفرنسية يف قرار هلا بتاريخ ‪18‬‬
‫يوليوز ‪ 1958‬بإبطال عقد قرض مؤجل لكون املقرتض وقع يف غلط عندما اعتقد بأن‬
‫القرض يدفع فور التعاقـد ‪ .‬ويف قرار هلا بتاريخ ‪ 15‬فرباير ‪ 1950‬ذهبت فيه إىل "أن‬ ‫‪293‬‬

‫‪ 290‬عمر السيد مؤمن‪ :‬الغلط املفسد للرضا يف قانون املعامالت املدنية اإلمارايت‪ ،‬دراسة مقارنة بالقانون املدين املرصي والفقه اإلسالمي‪،‬كلية‬
‫احلقوق‪/‬جامعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪.1991‬‬
‫‪291 Berlioz G. : Le contrat d’adhésion, L.G.D.J, PARIS, 1973, P:101.‬‬

‫أصبحت هي املادة ‪ 1132‬بمقتىض التعديل الذي تم باألمر الصادر بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪2016‬؛ وقد جاء فيها‪:‬‬ ‫‪292‬‬

‫‪« l’erreur de droit ou de fait, à moins qu’elle ne soit inexcusable, est une cause de nullité du contrat‬‬
‫‪lorsqu’elle porte sur les qualités essentielles de la prestation due ou sur celles du contractant ».‬‬
‫‪293 Berlioz G. : op.cit, p:100.‬‬

‫=‬
‫‪133‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عدم إظهار الرشط الذي ينص عىل عدم إمكان االستفادة من القرض إال بعد مرور‬
‫عدة سنوات يف مكان متميز من العقد‪ ،‬فإن الرشكة املقرضة تكون قد أوقعت عميلها‬
‫يف غلط جوهري متعلق بأحد رشوط العقد األساسية" ‪.‬‬
‫‪294‬‬

‫من أجل توسيع دائرة احلامية للمستهلكني‪ ،‬فإن حمكمة النقض الفرنسية بدأت‬
‫تتوسع مؤخرا يف تقرير أنواع الغلط القابل لإلبطال‪ ،‬ففي قرار هلا بتاريخ ‪ 17‬مارس‬
‫‪ 1987‬قضت بحامية املتعاقد الذي وقع يف غلط بالنسبة لرشط متعلق بعدم الضامن ‪.‬‬
‫‪295‬‬

‫كل ذلك بخالف القضاء املغريب‪ ،‬الذي ظل وفيا لروح الفصول املنظمة للغلط دون أن‬
‫يتمكن من التوسع يف تفسريها‪ ،‬بام خيوله محاية الطرف الضعيف ويساير املتغريات التي‬
‫عرفتها وتعرفها املعامالت‪.‬‬
‫‪ .248‬بالرغم من التوسع الذي قام به القضاء الفرنس يف نظرية الغلط‪ ،‬حماولة منه‬
‫لتحقيق قدر من التوازن يف ظل انتشار الرشوط التعسفية والعقود النمطية‪ ،‬بام يمكنه أن‬
‫يؤدي إىل محاية إرادة املستهلك‪ ،‬فإن هذه النظرية كام يقول األستاذ عبد الباسط‬
‫اجلميعي تظل قارصة عىل أن تكون الوسيلة الفعالة يف هذا املجال‪ ،‬خصوصا ملا‬ ‫‪296‬‬

‫يرتتب عن إعامهلا من إبطال للعقد‪ ،‬وليس جمرد استبعاد الرشوط التعسفية مع اإلبقاء‬
‫عىل وجوده‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلكراه‬
‫‪ .249‬تناول املرشع املغريب اإلكراه يف الفصول من ‪ 46‬إىل ‪ 51‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود؛ ويقتيض منا تناول هذا العيب أن نقسمه هو اآلخر إىل أربع حماور‪ ،‬نتناول يف‬
‫األول تعريف اإلكراه (أوال)‪ ،‬ثم بعد ذلك نقف عند أنواعه (ثانيا)‪ ،‬ورشوطه (ثالثا)‪،‬‬
‫ويف األخري نقف عند مدى استجابة األحكام التي خصصها القانون املغريب هلذا العيب‬
‫يف التوفيق بني الرغبة يف محاية إرادة الطرف املكره –بفتح الراء‪ -‬وحتقيق األمن القانوين‬
‫(رابعا)‪.‬‬

‫‪Hélène bricks : Les clauses abusives , paris, L.G.D.J, 1982, p :185.‬‬


‫‪294 Hélène bricks : op.cit, p:195.‬‬
‫‪295 AULOY Calais: Droit de la consommation, Dalloz, Paris, 1996, p:155.‬‬
‫‪296‬حسن عبد الباسط مجيعي‪ :‬أثر عدم التكافؤ بني املتعاقدين عىل رشوط العقد– ظاهرة اختالل التوازن بني االلتزامات التعاقدية يف ظل انتشار‬
‫الرشوط التعسفية– دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1991 -1990 ،‬ص‪.70 :‬‬

‫‪134‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أوال‪ :‬تعريف اإلكراه‬


‫مل يكتفي املرشع املغريب بتحديد عنارص ورشوط هذا العيب من عيوب‬ ‫‪.250‬‬
‫اإلرادة‪ ،‬وإنام جتاوز ذلك‪ ،‬فقام بوضع تعريف له بمقتىض الفصل ‪ 46‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫حيث جاء فيه "اإلكراه إجبار يبارش من غري أن يسمح به القانون حيمل بواسطته‬
‫شخص شخصا آخر عىل أن يعمل عمال بدون رضاه"‪.‬‬
‫‪ .251‬كام سبق أن أرشنا لذلك يف العديد من املناسبات‪ ،‬فإننا ال نحبذ هذا املسلك‬
‫الذي سار عليه املرشع املغريب‪ ،‬مادام أن التعاريف هي من اختصاص الفقه؛ وبالفعل‬
‫فإن هذا األخري أسهب يف هذا املوضوع‪ ،‬من ذلك ما ذهب إليه الفقيه السنهوري‪،‬‬
‫حيث عرفه بأنه "ضغط تتأثر به إرادة الشخص فيندفع إىل التعاقد‪ ،‬والذي يفسد الرضا‬
‫ليست هي الوسائل املادية التي تستعمل يف اإلكراه بل هي الرهبة التي تقع يف نفس‬
‫املتعاقد كام أن الذي يفسد الرضا يف التدليس‪ ،‬ليست هي الطرق االحتيالية‪ ،‬بل ما‬
‫حتدثه هذه الطرق يف نفس املتعاقد من التضليل والوهم" ‪.‬‬
‫‪297‬‬

‫عىل مستوى الفقه املغريب‪ ،‬نحبذ التعريف الذي وضعه األستاذ العرعاري‪ ،‬حيث‬
‫ذهب إىل أن اإلكراه هو عبارة عن ضغط غري مرشوع يامرس عىل إرادة الشخص فيولد‬
‫لديه حالة من الرهبة واخلوف مما يدفعه أو حيمله عىل التعاقد ‪ .‬فاإلكراه إذن يصيب‬
‫‪298‬‬

‫اإلرادة يف أحد عنارصها‪ ،‬وهو عنرص احلرية واالختيار‪ ،‬حيث إن الرهبة التي ولدها‬
‫اإلكراه هي التي تدفع املتعاقد إىل التعاقد‪ ،‬ومن تم كانت اإلرادة معيبة‪.‬‬
‫قبل االنتقال إىل تناول خمتلف األحكام التي خصها املرشع املغريب هلذا‬ ‫‪.252‬‬
‫العيب‪ ،‬نشري إىل أن الفقه اإلسالمي ينظر إىل اإلكراه باعتباره عيبا يشوب الرضا بنفس‬
‫نظرة القانون املعارص إليه‪ ،‬فهو ال يعدم اإلرادة وال االختيار وإنام يعدم فقط ما يطلقون‬

‫‪ 297‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر االلتزام؛ مرجع سابق؛ ص‪.360:‬‬
‫وهذا التعريف قريب من ذلك الذي ذهبت له حمكمة النقض املرصية‪ ،‬التي عرفته كام ييل "اإلكراه املبطل للرضا ال يتحقق إال بالتهديد املفزع يف‬
‫النفس أو املال‪ ،‬أو باستعامل وسائل ضغط أخرى ال قبل للمكره باحتامهلا أو التخلص منها‪ ،‬ويكون من نتائج ذلك خوف شديد حيمل املكره عىل‬
‫اإلقرار بقبول ما مل يكن ليقبله اختيارا"‪.‬‬
‫‪ 298‬عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬نظرية االلتزامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.117:‬‬

‫‪135‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عليه "الرضا" باملعنى اخلاص هلذا االصطالح عندهم والذي يفيد جمرد الرغبة يف األمر‬
‫واالرتياح إليه‪ ،‬وهكذا فاالختيار موجود ولكنه فاسد ‪.‬‬
‫‪299‬‬

‫ثانيا‪ :‬أنواع اإلكراه‬


‫مل تقترص بعض الترشيعات عىل وضع تعريف لإلكراه‪ ،‬بل أشارت إىل‬ ‫‪.253‬‬
‫أنواعه‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للقانون املدين األردين بمقتىض املادة ‪ ،135‬التي جاء فيها‬
‫"اإلكراه هو إجبار الشخص عىل أن يعمل عمال دون رضاه ويكون ماديا أو معنويا"‪.‬‬
‫إىل جانب هذا التقسيم املهم واألسايس لإلكراه (أ)‪ ،‬يميز الفقه أيضا بني اإلكراه‬
‫اإلجيايب واإلكراه السلبي (ب)‪.‬‬

‫أ‪ :‬اإلكراه املادي واإلكراه املعنوي‬


‫‪ .254‬جيمع الفقه عىل أن اإلكراه إما أن يكون ماديا أو معنويا‪ ،‬فاإلكراه املادي هو‬
‫الذي تكون وسيلته اإلكراه اجلسامين إذا وقع فعال كالرضب فيقبل الشخص العقد هبدف‬
‫التخلص من استمرار األمل؛ فهذا النوع من اإلكراه يعدم اإلرادة‪ ،‬ولذلك يسمى باإلكراه‬
‫املعدم للرضا‪ .‬وهذا النوع جيعل العقد باطال بطالنا مطلقا‪ ،‬وهو خيرج من نطاق بحثنا‪ ،‬و‬
‫مثال هذا النوع‪ ،‬أن يمسك شخص آخر ويدفعه إىل التوقيع عىل العقد عنوة‪.‬‬

‫أما اإلكراه املعنوي‪ ،‬فإنه يتم بالتهديد باإليذاء بالقتل أو الرضب‪ ،‬فيقبل الشخص‬
‫املتعاقد تفاديا لألمل املستقبل‪ ،‬ولعل النوع الثاين هو األكثر شيوعا يف وقتنا احلايل‪ .‬فهذا‬
‫النوع هو الذي يعيب اإلرادة‪ ،‬حيث تكون فيه هذه األخرية موجودة‪ ،‬إال أهنا ليست‬
‫حرة‪ ،‬وهو ما يسمى باإلكراه املفسد للرضاء ‪،Violence visant le consentement‬‬

‫‪ 299‬عبد الفتاح عبد الباقي‪ :‬نظرية العقد واإلرادة املنفردة؛ مرجع سابق؛ ص‪.382 :‬‬
‫ومن بني الفقرات اجلامعة التي أوردها الفقه والتي تلخص موقف الفقه اإلسالمي هبذا اخلصوص‪ ،‬نورد تلك التي ذكرها الفقيه أنور سلطان؛‬
‫حيث كتب "اإلكراه يف الفقه اإلسالمي هو محل الغري عىل ما ال يرضاه؛ ذلك أن اإلرادة يف الفقه اإلسالمي تتكون من عنرصين‪ ،‬مها االختيار‬
‫والرضا‪.‬واالختيار هو القصد إىل التلفظ بالعبارة املنشئة للعقد؛ أما الرضا فهو الرغبة يف أثار العقد عند التلفظ بام يدل عىل إنشائه‪ .‬وعىل هذا‬
‫فوجود الرضا يستلزم وجود االختيار‪ ،‬أما االختيار فقد يوجد دون وجود الرضا‪ ،‬ولذا فإن املكره يعترب غري راض يف العقد لعدم رغبته يف حتمل‬
‫اآلثار التي يولدها‪ ،‬ولكنه خمتار ألنه عرف الرشين واختار أهوهنام"‪.‬‬
‫أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.71:‬‬

‫‪136‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫حيث يكون املتعاقد أمام خيارين إما أن يتحمل األذى أو يتعاقد‪ ،‬فيختار التعاقد لدرء‬
‫األذى عن نفسه‪.‬‬
‫‪.255‬ويستبعد الفقه النوع األول منه‪ ،‬بحيث يؤكد أنه ال عالقة تربطه بعيوب‬
‫الرضا ‪ ،‬عىل اعتبار أن إرادة املتعاقد تكون قد انعدمت‪ ،‬مما جيعله أقرب إىل القوة‬ ‫‪300‬‬

‫القاهرة منه إىل جمرد عيب يف اإلرادة‪ ،‬أما اإلكراه املعنوي فهو الشائع‪ ،‬وهو الذي يعنينا‬
‫يف هذه الفقرة‪.‬‬

‫ب‪ :‬اإلكراه االجيايب واإلكراه السلبي‬


‫‪ .256‬إضافة لإلكراه اإلجيايب الذي تطرقنا للعديد من أمثلته‪ ،‬فإن اإلكراه قد يكون‬
‫سلبيا‪ ،‬كام لو قبل شخص القيام بعمل‪ ،‬ثم هدد الطرف الثاين باالمتناع عن القيام به‪،‬‬
‫وكان يف االمتناع ما هيدد بخطر جسيم‪ ،‬كالطبيب الذي يمتنع عن إجراء العملية‬
‫اجلراحية التي سبق للمريض أن تعاقد معه من أجل القيام هبا‪ ،‬إال إذا منحه زيادة كبرية‬
‫يف األجر املتفق عليه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬رشوط اإلكراه‬


‫‪ .257‬لكي يعترب اإلكراه عيبا من عيوب اإلرادة‪ ،‬ينبغي توفر جمموعة من الرشوط يف‬
‫اإلكراه‪ ،‬يمكن اختزاهلا يف عنرصين أساسيني؛ األول موضوعي يتمثل يف رضورة استعامل‬
‫وسائل الضغط واإلجبار خارج نطاق املرشوعية (أ)‪ ،‬أما العنرص الثاين فهو نفس‪ ،‬يتمثل‬
‫يف الرهبة التي حيدثها اإلكراه يف النفس مما حيمل املتعاقد املكره عىل التعاقد (ب)‪.‬‬

‫أ‪ :‬العنرص املوضوعي‬


‫‪ .258‬يتجىل العنرص املوضوعي يف استعامل املكره –بكرس الراء‪ -‬وسائل الضغط‬
‫واإلجبار خارج نطاق املرشوعية؛ أي أن هذا العنرص ينشطر إىل رشطني‪ ،‬األول يتمثل‬

‫‪ 300‬للتعمق يف إشكالية اإلكراه‪ ،‬يمكن الرجوع إىل مؤلف الدكتور عمر السيد مؤمن‪ :‬اإلكراه املفسد للرضا يف قانون املعامالت املدنية اإلمارايت‪ ،‬دراسة‬
‫مقارنة بالقانون املدين املرصي والفقه اإلسالمي‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة ‪.1998‬‬

‫‪137‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫يف رضورة أن تكون وسائل الضغط املستعملة عىل جانب من اخلطورة ‪ ،‬كام يتضح‬
‫‪301‬‬

‫من مقتضيات الفصل ‪ 47‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي نص عىل أن اإلكراه ال خيول اإلبطال إال‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا كان هو السبب الدافع إليه؛‬
‫‪ .2‬إذا قام عىل وقائع من طبيعتها أن حتدث ملن وقعت عليه إما أملا جسيام أو‬
‫اضطرابا نفسيا‪ ،‬أو اخلوف من تعريض نفسه أو رشفه أو أمواله لرضر كبري‪ ،‬مع مراعاة‬
‫السن والذكورة واألنوثة وحالة األشخاص ودرجة تأثرهم"‪.‬‬
‫أما الشق الثان من العنرص املوضوعي‪ ،‬فيتمثل يف اشرتاط خمتلف الترشيعات‬
‫لالعتداد باإلكراه كعيب من عيوب اإلرادة وبالتايل اعتباره سببا موجبا لإلبطال‪ ،‬أن‬
‫يتم ممارسته خارج نطاق املرشوعية ؛ واألمثلة كثرية عىل ذلك‪ ،‬من قبيل أن يتم هتديد‬
‫‪302‬‬

‫شخص معني بقتله شخصيا أو أحد من أقاربه إذا مل يوقع عىل عقد معني‪ ،‬فوسائل‬
‫اإلكراه هذه متارس خارج نطاق املرشوعية‪ ،‬أي أهنا تتم باستعامل وسائل غري مرشوعة‬
‫وهتدف إىل حتقيق غرض غري مرشوع‪ ،‬لذلك فهي ختول للمكره إمكانية املطالبة بإبطال‬
‫العقد بناء عىل تعيب إرادته‪.‬‬
‫‪ .259‬إضافة لذلك‪ ،‬فإن وسائل اإلكراه تؤدي إىل تعيب إرادة املكره‪ ،‬وبالتايل ختول‬
‫له إمكانية املطالبة بإبطال العقد بناء عىل هذا العيب‪ ،‬حتى لو كانت هذه الوسائل مرشوعة‬
‫إذا كانت هتدف إىل حتقيق غرض غري مرشوع‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للحالة التي استشهد‬
‫هبا املرشع املغريب يف الفصل ‪ 48‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "اخلوف الناتج عن املطالبة‬
‫القضائية أو عن اإلجراءات القانونية األخرى ال خيول اإلبطال‪ ،‬إال إذا استغلت حاجة‬
‫املتعاقد املهدد بحيث تنتزع منه فوائد مفرطة أو غري مستحقة‪ ."...،‬ومن قبيل هذه‬
‫احلاالت أيضا‪ ،‬مفاجأة شخص آلخر متلبسا بجريمة معينة‪ ،‬فيستغل هذا الظرف ليجربه‬

‫‪301 TERRE‬‬ ‫‪François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:246.‬‬
‫‪302‬‬
‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit ; P:186.‬‬
‫‪TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:247.‬‬

‫‪138‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عىل توقيع عقد يتضمن مبلغا ماليا كبريا ليس له أي حق فيه أو أكثر من حقه‪ .‬من قبيل‬
‫ذلك‪ ،‬احلالة التي يكون فيها الزوج متابعا بجريمة اخليانة الزوجية‪ ،‬فتشرتط عليه الزوجة‬
‫من أجل التنازل عن الشكاية يف مواجهته أن يتنازل هلا عن حق معني كاملنزل‪.‬‬

‫بمفهوم املخالفة‪ ،‬فإن وسائل الضغط إذا كانت متارس يف نطاق املرشوعية التامة‪،‬‬
‫أي أن الوسيلة مرشوعة والغاية أيضا مرشوعة‪ ،‬فإن اإلكراه يف هذه احلالة‪ ،‬وإن كان‬
‫يؤثر عىل اإلرادة‪ ،‬فإنه ال يصل إىل درجة تعييبها بام يسمح بإبطال العقد‪ ،‬وهذا ما يتضح‬
‫لنا من مقتضيات الفصل ‪ 48‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "اخلوف الناتج عن التهديد‬
‫باملطالبة القضائية أو عن اإلجراءات القانونية األخرى ال خيول اإلبطال"‪.‬‬
‫‪ .260‬بقيت نقطة أخرية فيام يتعلق هبذا العنرص‪ ،‬مل يتفق الفقه بشأهنا‪ ،‬وهي املتعلقة‬
‫بالصورة التي تكون فيها الغاية من استعامل وسائل اإلجبار مرشوعة‪ ،‬إال أن الوسائل يف‬
‫حد ذاهتا غري مرشوعة‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة لتهديد شخص بالتشهري به إذا مل يرد إليه‬
‫حقه‪ ،‬أو حالة الزوجة التي هتدد زوجها املتقاعس يف اإلنفاق عليها باختطاف أبنائهام إذا مل‬
‫يرسع يف القيام بواجباته‪.‬‬
‫فجمهور الفقه ‪ ،‬ذهب إىل أن هذه الوسائل ال تؤدي إىل إبطال العقد ما دامت مل‬ ‫‪303‬‬

‫تصل إىل درجة اجلريمة املعاقب عليها؛ يف حني يرى جانب آخر من الفقه عىل أن‬
‫‪304‬‬

‫اإلكراه يتحقق كلام كانت الوسيلة غري مرشوعة أو الغاية غري مرشوعة‪ ،‬بغض النظر عام‬
‫إذا وصلت هذه الوسيلة إىل درجة اجلريمة أو مل تصل؛ ذلك أن اإلكراه يتحقق كلام كان‬
‫القانون ال جييز استعامل وسيلة سواء كانت القاعدة جنائية أم مدنية‪ .‬مربرا ذلك‪ ،‬بكون‬
‫اإلقرار بغري ذلك يعني إحياء جديد لنظام العدالة اخلاصة‪.‬‬

‫‪ 303‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.297:‬‬
‫مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ بدون ذكر دار النرش وال سنة‬
‫الطبع؛ ص‪.24:‬‬
‫عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.371:‬‬
‫عبد القادر ال عرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.120:‬‬
‫أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.73:‬‬
‫‪ 304‬إدريس العلوي العبدالوي‪ :‬رشح القانون املدين ‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام؛ نظرية العقد؛ مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار البيضاء‪1981/‬؛ ص‪.120:‬‬

‫‪139‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ب‪ :‬العنرص النفس‬


‫‪ .261‬يقصد هبذا العنرص‪ ،‬أنه من أجل أن يعتد باإلكراه كسبب من أسباب إبطال‬
‫العقد‪ ،‬فإنه ينبغي أن يتم التعاقد حتت وطأة اخلوف والرهبة النامجني عن اإلكراه ؛ أو‬
‫‪305‬‬

‫بعبارات أخرى‪ ،‬فإن اإلكراه يف ذاته ال يعيب الرضا‪ ،‬بينام الذي يعيبه ما يولده يف نفس‬
‫املكره –بفتح الراء‪ -‬من رهبة‪ .‬وهذا العنرص يتضح لنا من خالل الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 47‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫بل إن أحكام هذا الفصل‪ ،‬تؤكد لنا أن املرشع املغريب راعى كل العوامل‬
‫الشخصية التي يمكنها أن حتدد درجة التأثري عىل نفسية املتعاقد‪ ،‬والتي تتمثل يف‬
‫تنصيصه عىل رضورة مراعاة السن والذكورة واألنوثة وحالة األشخاص ودرجة‬
‫تأثرهم‪.‬‬
‫‪ .262‬قبل االنتهاء من هذا العيب من عيوب الرىض‪ ،‬فإنه ينبغي أن نقف عىل‬
‫مالحظتي أساسيتي‪:‬‬
‫املالحظة األوىل؛ أنه سواء صدر فعل اإلكراه من املتعاقد أو الغري‪ ،‬كان هذا األخري‬
‫متواطئا مع الشخص املستفيد من اإلكراه أو غري متواطأ معه؛ وهذا ما نص عليه‬
‫الفصل ‪ 49‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "اإلكراه خيول إبطال االلتزام وإن مل يبارشه‬
‫املتعاقد الذي وقع االتفاق ملنفعته"‪ .‬بل إن الفصل املوايل –أي الفصل ‪ -50‬نص عىل‬
‫أن اإلكراه خيول اإلبطال‪ ،‬ولو وقع عىل شخص يرتبط عن قرب مع املتعاقد بعالقة‬
‫الدم‪.‬‬
‫يبدو أن هذا املوقف هو الذي سبق أن أخذ به القانون الفرنس‪ ،‬وأيضا هو نفسه‬
‫موقف الفقه اإلسالمي؛ ويف املقابل‪ ،‬نجد بعض الترشيعات العربية اختذت موقفا‬
‫مغايرا كام هو الشأن بالنسبة للقانون املدين املرصي‪ ،‬حيث تشرتط املادة ‪ 128‬منه أن‬

‫‪305‬‬‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; p :94.‬‬

‫‪140‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫يكون اإلكراه املفسد للرضا صادرا من قبل املتعاقد اآلخر‪ ،‬أما إذا كان صادرا من‬
‫شخص أجنبي عن العقد‪ ،‬فإن هذا اإلكراه ال يفسد الرضا إال إذا كان متصال بالعاقد‬
‫اآلخر بأن كان يعلم به أو كان من املفروض عليه العلم به‪.‬‬
‫أما املالحظة الثانية؛ فتتمثل يف القاعدة التي أشار إليها الفصل ‪ 51‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫حيث أشار إىل أن اخلوف الناشئ عن االحرتام ال خيول اإلبطال‪ ،‬إال إذا انضمت إليه‬
‫هتديدات جسيمة أو أفعال مادية‪ .‬أي أن املبدأ‪ ،‬أن النفوذ األديب ال يكفي كوسيلة‬
‫‪306‬‬

‫لإلكراه إال إذا جتاوز صاحب هذا النفوذ يف استغالله احلد املتعارف عليه بني الناس‬
‫وكان هذا النفوذ مصحوبا بوسائل أخرى‪ ،‬أو بتعبري الفصل السالف الذكر إذا انضمت‬
‫إليه هتديدات جسيمة؛ أو بحسب تعبري بعض الفقه املغريب‪ ،‬أن هذه اخلشية املقرونة‬
‫بالضغط تتحول إىل إكراه حقيقي ‪.‬‬
‫‪307‬‬

‫رابعا‪ :‬عنرص اإلكراه بي محاية إرادة املكره واألمن القانون‬


‫‪ .263‬يف ظل التحوالت التي عرفتها العالقات االقتصادية وما نتج عنه من تباين‬
‫واضح بني املتعاقدين‪ ،‬كان لزاما علينا أن نتساءل عن موقف القضاء من "اإلكراه‬
‫االقتصادي" الذي نتج عن تغري الظروف االقتصادية‪ ،‬والتي ترتب عنها استغالل‬
‫الطرف الضعيف‪ ،‬وبدون استعامل أي وسائل ترهيبية‪.‬‬

‫‪ .264‬نشري بداية إىل أن أول مالحظــة تبني لنا عجز نظرية اإلكراه عن حتقيق‬
‫اهلدف املنشود‪ ،‬تتمثل يف التعريف الذي أعطاه الفصل ‪ 46‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬حيث تطلب‬
‫من خالله حصول فعل االنتزاع من طرف املكره‪ ،‬وهو ما ال يظهـر أنه ينطبق عىل‬
‫حالتنا هذه‪ ،‬بالرغم من أن بعض الفقه حاول باالعتمـاد علـى بعـض القرارات‬
‫‪308‬‬

‫‪ 306‬من قبيل النفوذ األديب‪ ،‬ذلك الذي يكون لألب عن أبنائه أو للزوج عىل زوجته أو الرئيس عىل مرؤوسه‪.‬‬
‫‪ 307‬ذهب القضاء املغريب إىل تقرير اإلبطال بسبب اإلكراه املعيب للرضا يف حالة حبس األم البنتها احلامل يف غرفتها والتي هي عىل وشك‬
‫االقرتان بمن سبب هلا احلمل‪ ،‬وهتديدها إياها برتكها آلالم الوضع إذا مل توقع ورقة تتنازل بمقتضاها عن مجيع حقوقها ألختها‪.‬‬
‫أشار إليه الطيب الفصاييل يف مؤلفه‪ :‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬اجلزء األول ‪ ،‬ص‪.96:‬‬
‫أبو ستيت‪ :‬نظرية االلتزام‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع‪ ،‬ص‪.176:‬‬ ‫‪308‬‬

‫‪141‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الصادرة عن املحاكم الفرنسية للقول بتحقق اإلكراه حتى يف احلاالت التي ال يقـوم‬
‫فيها املكره سوى بعمل سلبي‪ ،‬ما دام يستغله‪ ،‬وحيقق به نفس أهداف العمل اإلجيايب‪،‬‬
‫املتمثل يف االنتزاع ‪.‬‬

‫‪ .265‬زد عىل ذلك‪ ،‬أنه حتى يف حالة القول بانطباق نظرية اإلكراه عىل الطرف‬
‫الضعيف اقتصاديا‪ ،‬فإنه ال يعترب حال ناجعا ‪ ،‬مادام يرتتب عىل ذلك إبطال العقد‪،‬‬
‫‪309‬‬

‫وليس اإلبقاء عليه مع حماولة حتقيق التوازن بني التزامات الطرفني‪ ،‬وهو ما ال يرغب‬
‫فيه أي من املتعاقدين‪ ،‬بل إنه يؤدي إىل اضطراب السوق‪ ،‬عىل اعتبار أن جل العقود‬
‫التي تربم يف وقتنا احلايل تتميز هبذه اخلصائص‪ ،‬وهو ما جيعلنا نتساءل عن فائدة متسك‬
‫القايض بباقي العيوب األخرى‪ ،‬ما دام يرتتب عنها مجيعا نفس اجلزاء املدين‪ ،‬ويف‬
‫مقدمتها عيب التدليس‪ ،‬الذي نخصص له الفقرة املوالية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التدليس‬


‫لقد أحسن املرشع املغريب عندما أحجم عن تعريف التدليس‪ ،‬لكون‬ ‫‪.266‬‬
‫التعاريف من اختصاص الفقه؛ ويف هذا السياق عرفه األستاذ حممد قاسم بأنه "غلط‬
‫مستثار يقع فيه املتعاقد نتيجة احليل التي يستخدمها املتعاقد اآلخر‪ ،‬ويعتربه عمال غري‬
‫مرشوع من جانب املدلس‪ ،‬كإدالء شخص ببيانات كاذبة عن حالته الصحية لرشكة‬
‫التأمني بقصد دفعها إىل إبرام عقد التأمني عىل حياته" ‪ .‬كام عرفه الفقيه السنهوري‬
‫‪311‬‬ ‫‪310‬‬

‫بأنه إيقاع املتعاقد يف غلط يدفعه إىل التعاقد‪ .‬والتدليس ال جيعل العقد قابال لإلبطال إال‬
‫للغلط الذي يولده يف نفس املتعاقد‪ .‬وإذا انتقلنا إىل الفقه املغريب نجده هو اآلخر‬
‫‪312‬‬

‫عرف التدليس بكونه عبارة عن جمموعة من الوسائل االحتيالية التي يامرسها أحد‬
‫‪309 Ghestin‬‬
‫‪J. : Traité de droit civil, la formation du contrat, 3ed, L.G.D.J ; P:564.‬‬
‫‪Calais auloy J. : op.cit, P:156.‬‬
‫‪ 310‬حممد حسن قاسم‪ :‬الوجيز يف نظرية االلتزام‪ ،‬املصادر واألحكام‪ ،‬طبعة ‪ ،1994‬ص‪.57 :‬‬
‫‪ 311‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد؛ املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.343:‬‬
‫‪ 312‬عبد القادر العرعاري ‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬نظرية االلتزامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109:‬‬

‫‪142‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املتعاقدين قصد متويه احلقيقة وتضليل الطرف اآلخر اليشء الذي حيمله عىل التعاقد‪.‬‬
‫‪ .267‬ومن ثم‪ ،‬فإن التدليس خيتلف عن الغشاختالفا واضحا‪ ،‬مادام أن األول‬
‫يرتبط بمرحلة تكوين العقد‪ ،‬يف حني ال يمكن تصور الغش إال بعد تكوين العقد‪ ،‬أي‬
‫أثناء تنفيذه أو خارجا عن دائرته باملرة؛ كام خيتلف التدليس عن النصب االحتيايل أو‬
‫التدليس اجلنائي الذي هيدف من ورائه املدلس عن طريق استعامل بعض األساليب إىل‬
‫حتق يق جمموعة من املصالح غري املرشوعة‪ ،‬وغالبا ما تكون هذه الوسائل أشد جسامة‬
‫من تلك املستعملة يف التدليس املدين؛ هلذه االعتبارات‪ ،‬فإن اجلزاء يكون أكثر قسوة يف‬
‫النصب االحتيايل‪ ،‬حيث حدده املرشع يف جزاءات جنائية كام يتضح لنا من مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 540‬من القانون اجلنائي املغريب ‪.‬‬
‫‪313‬‬

‫أوال‪ :‬عنارص التدليس‬


‫‪ .268‬نستشف من التعاريف السالفة الذكر ومن الفصلني ‪ 52‬و ‪ 53‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪،‬‬
‫أن املرشع املغريب وضع جمموعة من العنارص لتحقق التدليس‪ ،‬وبالتايل إمكانية إبطال‬
‫القايض للعقد‪ ،‬يمكن اختزاهلا يف ثالث‪ ،‬األول يتمثل يف استعامل طرق احتيالية من‬
‫أجل تضليل املتعاقد اآلخر (أ)‪ ،‬والثاين يتجىل يف أن يكون التدليس هو الدافع للتعاقد‬
‫(ب)‪ ،‬وأخريا ينبغي أن يتم ارتكاب التدليس من طرف أحد املتعاقدين أو من قبل‬
‫شخص يعمل بالتواطؤ معه (ج)‪.‬‬
‫أ‪ :‬استعامل وسائل احتيالية بقصد تضليل املتعاقد الخر‬
‫‪ .269‬جيمع الفقه بأن الطرق االحتيالية تنطوي عىل جانبني؛ أو بعبارات أخرى‪،‬‬
‫إن هذا الرشط يتكون من عنرصين‪ ،‬األول مادي يتمثل يف جمموعة من الوسائل‬
‫واألساليب التي يلجأ إليها أحد املتعاقدين للتضليل باآلخر‪ ،‬أو هو جمموع الطرق‬
‫املادية التي تستعمل من أجل التأثري يف إرادة الغري‪ ،‬وقد مثل هلا الفصل ‪ 52‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬

‫‪ 313‬نص هذا الفصل عىل ما ييل‪ " :‬يعد مرتكبا جلريمة النصب‪ ،‬ويعاقب باحلبس من سنة إىل مخس سنوات وغرامة من مخسامئة إىل مخسة آالف‬
‫درهم‪ ،‬من استعمل االحتيال ليوقع شخصا يف الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغالل ماكر خلطأ وقع فيه غريه ويدفعه‬
‫بذلك إىل أعامل متس مصاحله أو مصالح الغري املالية بقصد احلصول عىل منفعة مالية له أو لشخص آخر‪.‬‬
‫وترفع عقوبة احلبس إىل الضعف واحلد األقص للغرامة إىل مائة ألف درهم‪ ،‬إذا كان مرتكب اجلريمة أحد األشخاص الذين استعانوا باجلمهور‬
‫يف إصدار أسهم أو سندات أو أذنوات أو حصص أو أي أوراق مالية أخرى متعلقة برشكة أو بمؤسسة جتارية أو صناعية"‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫باحليل والكتامن ‪ ،‬ومل يرش إىل الكذب بالرغم من كونه أخطر من الكتامن‪ ،‬غري أنه من‬ ‫‪314‬‬

‫املتفق عليه أنه متى كان مألوفا وال تأباه املعامالت اجلاري هبا العمل فإنه ال يستوجب‬
‫اإلبطال‪.‬‬

‫وقد أمجع الفقه عىل أنه بالرغم من كون القاعدة العامة تقيض بأن الكذب وحده‬
‫ال يكفي يف تكوين عنرص احليلة الالزمة للقول بتحقق عنرص التدليس‪ ،‬فإنه مع ذلك‬
‫قد يكون الكذب ولو جمردا من الطرق االحتيالية بمثابة تدليس إذا تناول واقعة هلا‬
‫أمهيتها عند املتعاقد‪ ،‬ذلك أنه ما كان ليتعاقد لوال التأكيدات غري الصحيحة التي‬
‫صدرت له يف شأهنا؛ وقد مثل لذلك بعض الفقه بحالة الشخص الذي يعطي رشكة‬
‫‪315‬‬

‫التأمني بيانات كاذبة بقصد إخفاء حقيقة األخطار التي يتعرض هلا والتي تزيد يف نفس‬
‫الوقت من تبعة الرشكة‪ .‬نفس اليشء بالنسبة للحالة التي خيفي فيها الشخص كون‬
‫عقاره حمل نزع امللكية‪ ،‬فيدفع املشرتي إىل إبرام العقد الذي يتفاجأ فيام بعد بكون عقاره‬
‫خمصص للمنفعة العامة‪.‬‬
‫‪ .270‬أما اجلانب الثاين أو العنرص الثان فهو معنوي ويقصد به أن تنرصف نية‬
‫املدلس إىل تضليل املتعاقد معه ‪ .‬وبمفهوم املخالفة‪ ،‬فإنه إذا ما انعدمت نية التضليل‪،‬‬ ‫‪316‬‬

‫‪314 Ghestin‬‬ ‫‪J. : La réticence, le dol et l’erreur sur les qualité substantielles,1971, p:247.‬‬
‫‪DARI-MATTICCI Giuseppe : Vices du consentement et aléa moral à travers la jurisprudence de la‬‬
‫‪réticence dolosive ; droit et économie des contrats ; L.G.D.J. 2009 ; P:47.‬‬
‫‪ 315‬تابع هذا الفقه التعليق عىل هذه الوسيلة " ‪...‬والكذب يعترب خديعة وتغريرا يف الفقه اإلسالمي إذا وجد يف عقد من عقود األمانة التي يقال هلا‬
‫بيوع األمانة؛ حيث يطمئن املشرتي إىل أمانة البائع فيشرتي منه عىل أساس الثمن الذي اشرتى به السلعة فإذا بيعت السلعة عىل أن يزاد قدر‬
‫معلوم من الربح إىل الثمن األصيل سمي البيع مرابحة‪ .‬وإذا بيعت عىل أن ينقص قدر معلوم من هذا الثمن سمي البيع وضيعة‪ .‬وإذا بيعت بثمنها‬
‫األصيل سمي البيع تولية إذا أخذ املشرتي كل السلعة‪ ،‬وسمي اشرت اكا إذا أخذ املشرتي بعضا منها‪ .‬ففي هذه العقود إذا كذب البائع يف بيان الثمن‬
‫األصيل كان هذا الكذب تغريرا وسمي عمله خيانة‪ .‬ومن أمثلة عقود األمانة يف العرص احلديث عقود التأمني عىل اختالف أنواعها‪ ،‬سواء يف ذلك‬
‫التأمني عىل احلياة أو التأمني عىل األشياء أو ضد بعض األخطار‪.‬‬
‫ومن قبيل عقود األمانة يف الفقه اإلسالمي كذلك بيع االسرتسال واالستئامن‪ ،‬حيث يبني العاقد أن ال دراية له بسعر السوق فيستأمن املتعامل‬
‫معه ويسرتسل إىل نصحه ويطلب إليه أن يبيع منه أو يشرتي بام تبيع الناس أو تشرتي به؛ فإذا كذب عليه املتعامل معه‪ ،‬فإن هذا الكذب يعترب غشا‬
‫وتدليسا‪.‬‬
‫أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪ 79:‬و‪.80‬‬
‫‪ 316‬يف هذا الصدد‪ ،‬جاء يف قرار للمجلس األعىل بتاريخ ‪ 15‬يوليوز ‪ 1965‬بأن جمرد الكتامن ال يرتتب عنه بطالن التأمني الذي يستدعي عدم‬
‫الضامن‪ ،‬بل ال بد من إثبات سوء نية املؤمن له‪ ،‬فسوء النية ال يفرتض‪ ،‬وأن عبء إثبات سوء النية إنام يقع عىل عاتق من يدعيه‪ ،‬وهذا بخالف‬
‫=‬
‫‪144‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫فإنه ال يكون هناك تدليس؛ وهذه حالة التاجر الذي يقوم بإبراز سلعته بمختلف صور‬
‫اإلغراء هادفا من وراء ذلك إىل استهواء الزبناء‪.‬‬

‫ب‪ :‬أن تكون أفعال التدليس هي الدافعة للتعاقد‬


‫‪ .271‬يعرب عن هذا الرشط برضورة أن تكون الوسائل االحتيالية مؤثرة‪ ،‬أو أن‬
‫يكون التدليس هو الدافع إىل التعاقد؛ أو بتعبري الفصل ‪ 52‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه‬
‫" التدليس خيول اإلبطال‪ ،‬إذا كان ما جلأ إليه من احليل أو الكتامن أحد املتعاقدين‪...‬قد‬
‫بلغت يف طبيعتها حدا بحيث لوالها ملا تعاقد الطرف الخر‪ ."...‬بمعنى أنه لالعتداد‬
‫بمختلف الوسائل االحتيالية السالفة الذكر‪ ،‬فإنه البد أن تبلغ من اجلسامة حدا يعترب‬
‫دافعا للمتعاقد إىل التعاقد‪.‬‬
‫‪ .272‬وقد ذهب جانب مهم من الفقه إىل التمييز بني التدليس الدافع أو األصيل‬
‫والتدليس الثانوي أو العارض أو غري الدافع ؛ حيث إن هذا األخري إنام يقع عىل توابع‬
‫‪317‬‬

‫االلتزام‪ ،‬ومن ثم فهو ال يعترب دافعا إىل التعاقد كام هو الشأن بالنسبة للتدليس األصيل‪.‬‬
‫لذلك فإن الفقه جممع عىل أنه إذا كان النوع األول خيول املطالبة بإبطال العقد‪ ،‬فإن‬
‫النوع الثاين ال خيول إال إمكانية املطالبة بالتعويض؛ وهذا احلكم هو الذي أكد عليه‬
‫املرشع املغريب بمقتىض الفصل ‪ 53‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "التدليس الذي يقع عىل‬
‫توابع االلتزام من غري أن يدفع إىل التحمل به ال يمنح إال احلق يف التعويض"‪.‬‬

‫ج‪ :‬ارتكاب التدليس من طرف أحد املتعاقدين أو من قبل الغري املتواطئ‬


‫معه أو متى كان املستفيد منه عاملا به‬
‫‪ .273‬بمعنى أن التدليس يعتد به كسبب يؤدي إىل إبطال العقد سواء تم ارتكابه من‬
‫قبل املتعاقد بنفسه أو من نائبه‪ ،‬أو من قبل الغري متى كان املتعاقد املستفيد من التدليس عاملا‬

‫بعض القرارات التي صدرت فيام بعد والتي اعتدت بالكتامن‪.‬‬


‫‪ 317‬مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.113:‬‬
‫أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.261:‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها‬
‫القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.113:‬‬

‫‪145‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫به أو كان بإمكانه العلم به‪ .‬وقد أكدت عىل هذا الرشط العديد من الترشيعات‪ ،‬يف‬
‫مقدمتها القانون املغريب الذي نص عليه يف الفصل ‪ 52‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬حيث جاء فيه‬
‫"التدليس خيول اإلبطال‪ ،‬إذا كان ما جلأ إليه من احليل أو الكتامن أحد املتعاقدين أو نائبه أو‬
‫شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت يف طبيعتها حدا بحيث لوالها ملا تعاقد الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬ويكون للتدليس الذي يبارشه الغري نفس احلكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه‬
‫عاملا به"‪.‬‬
‫‪ .274‬تنبغي اإلشارة يف هناية هذه الفقرة‪ ،‬إىل أن الفقه اإلسالمي خصص حيزا مهام‬
‫للتغرير الصادر من الغري املتواطئ مع العاقد املستفيد من التغرير‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة‬
‫حلالة الناجش وحالة الدالل‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدى قدرة نظرية التدليس عىل محاية إرادة املستهلك‬


‫‪ .275‬إذا رجعنا للقضاء الفرنس‪ ،‬فإننا نجده استطاع فعال أن حيقق قدرا مهام من‬
‫احلامية للمستهلك‪ ،‬فبعد أن متسك وملدة طويلة بعدم اعتبار السكوت وسيلة من‬
‫الوسائل االحتيالية‪ ،‬نراه قد غري موقفه ابتداء من سنة ‪ ،1958‬بالرغم من خلو الترشيع‬
‫الفرنس من النص عىل الكتامن‪ ،‬قبل أن يعتربها كذلك بمقتىض األمر الصادر بتاريخ‬
‫‪ 10‬فرباير ‪ ، 2016‬وكان ذلك بمقتىض قرار حمكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 19‬ماي‬
‫‪319‬‬ ‫‪318‬‬

‫‪ ،1958‬حينام قضت بأن السكوت يف صورة الكتامن يمكن أن يكون فعال تدليسا‪.‬‬
‫وهذا ما سار عليه القضاء املغريب‪ ،‬مع العلم أن هذا األخري بخالف نظريه الفرنس‬
‫قبل التعديل األخري املومأ إليه أعاله‪ ،‬جيد سنده يف الفصل ‪ 52‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬حيث ذهبت‬
‫حمكمة النقض يف قرار هلا بتاريخ ‪ 4‬يونيو ‪ 1970‬إىل "أن كل اتفاق يعد الغيا إذا ثبت أن‬
‫املؤمن له قد كتم احلقيقة أو أفىض بترصيح غري صحيح‪ ،‬وذلك إذا كان هذا الكتامن أو‬

‫‪318 Article‬‬
‫‪1137 stipule « le dol est le fait pour un contractant d’botenir le consentement de‬‬
‫‪l’autre par des manœuvres ou des monsenges.‬‬
‫‪Constitue également un dol la dissimulation intentionnelle par l’un des contractants d’une‬‬
‫‪information dont il sait le caractère déterminant pour l’autre partie ».‬‬
‫‪319 Cité‬‬
‫‪par Ghestin J. : traité de droit civil , le contrat , L.G.D.J, 1980, N 430 .‬‬
‫‪Ghestin J. : Conformité de garantie dans la vente, op.cit, p : 87.‬‬

‫‪146‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الترصيح من شأنه أن يغري موضوع املجازفة‪ ،‬أو خيفف منها يف نظر املؤمن"‪.320‬‬
‫بل إن القضاء الفرنس سمح للمدلس عليه بإمكانية التمسك باإلبطال حينام يتعلق‬
‫التدليس بمجرد رشط من رشوط التعاقد بدون أن يربطه بانعقاد العقد ذاته‪ ،321‬واألكثر‬
‫من ذلك فقد منح للمدلس عليه إمكانية املطالبة إما بإبطال العقد أو قبول عرض املدلس‬
‫بتخفيض الثمن عوض اإلبطال‪ ،322‬وهو غالبا ما يسعى إليه الطرف الضعيف‪ ،‬الذي لن‬
‫جيديه نفعا اهنيار العقد‪ ،‬يف ظل احلاجة وازدياد ظاهرة االحتكار بمختلف صوره‪.‬‬
‫‪ .276‬مهام قيل بخصوص الدور الذي يستطيع أن يلعبه القايض بمقتىض نظرية‬
‫التدليس‪ ،‬بسبب الصالحيات التي خيوهلا إياه‪ ،‬من خالل منح املتعاقد دعوى اإلبطال مع‬
‫دعوى التعويض‪ ،‬باإلضافة لسهولة إثبات الطرق االحتيالية‪ ،‬فإنه بالرغم من ذلك تبقى‬
‫ذات فعالية حمدودة‪ ،‬فالقضاء ال حيكم بالتدليس نتيجة الكتامن إال استثناء‪ ،‬وحتى مع‬
‫توسيع دور القايض يف هذا املجال‪ ،‬فإنه ال يصل بذلك إىل الوقوف بجانب الطرف‬
‫الضعيف يف العالقة التعاقدية‪ ، 323‬ما دام أن النتيجة التي سيصل إليها هي إبطال العقد‪، 324‬‬
‫بينام هو يف أمس احلاجة إليه‪ ،‬كل ما كان يرغب فيه هو عدم نفاذ الرشط جتاهه إذا كان‬
‫تعسفيا‪ ،‬وختفيف باقي االلتزامات األخرى من قبل القايض حتى يتحقق نوع من التوازن‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬الغبن‬


‫‪ .277‬الغبن لغة هو النقص‪ ،‬واصطالحا هو ذلك احليف أو اخلسارة التي تلحق‬
‫املتعاقد يف عقد املعاوضة‪ ،‬إذا كانت قيمة ما أخذه ال تتناسب مع ما أعطاه‪ ،‬أو بتعبري‬
‫بعض الفقه فإن الغبن يقصد به كون أحد العوضني يف عقد املعاوضة غري متعادل مع‬ ‫‪325‬‬

‫اآلخر‪ ،‬حيث يكون أكثر من قيمته أو أقل منها بشكل فاحش‪.‬‬

‫‪ 320‬جملة القضاء والقانون‪ ،‬العدد ‪ ،118‬ص‪.444 :‬‬


‫‪321 cass.com,‬‬ ‫‪DALLOZ, 1955, p : 254‬‬
‫‪322 cass.com,‬‬ ‫‪14-03-1972, DALLOZ 1972, p: 653.‬‬
‫‪ 323‬إدريس الفاخوري ‪ :‬محاية املستهلك من الرشوط التعسفية‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪ ،‬العدد ‪ ،3‬يونيو ‪ ،2001‬ص‪.77 :‬‬
‫‪324 Ghestin‬‬ ‫‪J. : Conformité et garantie dans la vente, op.cit, p:78.‬‬
‫‪Malaurie PH. et Aynes L.: cours de droit civil, les obligations, op.cit, p:238.‬‬
‫‪ 325‬أنور سلطان‪:‬مصادر االلتزام يف القانون املدين األردين؛ دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.83:‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; Op.cit ; P:202.‬‬

‫‪147‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫نستشف من التعاريف السالفة الذكر‪ ،‬أن الغبن ال يمكن تصوره إال يف جمال عقود‬
‫املعاوضة ‪ ،‬عىل اعتبار أن عقود التربع يعطي فيها أحد املتعاقدين وال يأخذ‪ ،‬ومن ثم‬ ‫‪326‬‬

‫ال يمكن احلديث عن عدم التعادل بني ما أخذ وما أعطى أو عن عدم التناسب‪ ،‬هذا‬
‫من جهة؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإنه ال يمكن االعتداد بالغبن‪ ،‬إال إذا كان فاحشا‪ ،‬أي‬
‫وصل نسبة مهمة من القيمة السوقية‪.‬‬
‫‪ .278‬بالرجوع للقانون املغريب‪ ،‬نجده ال يعتد بالغبن الذي يلحق الشخص‬
‫الراشد‪ .‬ونرى أن املوقف الذي تبناه املرشع املغريب بخصوص الغبن املجرد هو املوقف‬
‫الغالب يف القوانني ذات الصبغة الليربالية‪ ،‬وهو أيضا موقف الفقه اإلسالمي؛ حيث‬
‫إنه ليس من الرضوري أن يكون تطابق أو تعادل تام بني قيمة ما أخذ أحد األطراف‬
‫وقيمة ما أعطاه إال استثناء ‪ ،‬نظرا العتناق هذه القوانني ملبدأ احلرية التعاقدية‪ ،‬وإن‬
‫‪327‬‬

‫كان من املمكن أن يرتتب عىل ذلك تسلط الطرف القوي عن الطرف الضعيف‪ ،‬فإن‬
‫ذلك يشكل إحدى رضوريات االستقرار التعاقدي حسب هذا املفهوم‪.‬‬

‫‪ .279‬غري أن هذا املبدأ‪ ،‬خيضع للعديد من االستثناءات التي تتمثل أساسا يف الغبن‬
‫املرتبط بالتدليس (أوال)‪ ،‬وأيضا حالة الغبن الذي يلحق بالقارصين وناقيص األهلية‬
‫(ثانيا)؛ إضافة هلذه احلاالت الترشيعية‪ ،‬فإن القضاء خول للمتعاقد إمكانية املطالبة‬
‫بإبطال العقد إذا حلقه الغبن بمناسبة بيع عقار غري حمفظ (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬ارتباط الغبن بالتدليس‬


‫‪ .280‬نص عىل هذه احلالة الفصل ‪ 55‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "الغبن ال خيول‬
‫اإلبطال‪ ،‬إال إذا نتج عن تدليس الطرف اآلخر أو نائبه أو الشخص الذي تعامل من‬
‫أجله وذلك فيام عدا االستثناء الوارد بعد"‪.‬‬

‫‪326 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, Jean-Luc AUBERT et Eric SAVAUX : Droit civil, les obligations, 1. L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit, P :207.‬‬

‫‪148‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ثانيا‪ :‬وقوع الغبن عىل القارصين وناقيص األهلية‬


‫‪ .281‬أكد عىل هذه احلالة الفصل ‪ 56‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي نص عىل أن الغبن خيول‬
‫اإلبطال‪ ،‬إذا كان الطرف املغبون قارصا أو ناقص األهلية‪ ،‬ولو تعاقد بمعونة وصيه أو‬
‫مساعده القضائي‪ ،‬وفقا لألوضاع التي حيددها القانون‪ ،‬ولو مل يكن ثمة تدليس من‬
‫الطرف اآلخر‪ .‬ويعترب غبنا كل فرق يزيد عىل الثلث بني الثمن املذكور يف العقد والقيمة‬
‫احلقيقية لليشء‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اعتداد القضاء املغريب بالغبن يف بيوع العقارات غري املحفظة‬


‫‪ .282‬إذا كان موقف املرشع املغريب كام سبق أن أوضحنا ال يأخذ هنائيا بالغبن‬
‫املجرد‪ ،‬فإن القضاء املغريب يعتد به كلام تعلق األمر بالعقارات غري املحفظة؛ حيث إن‬
‫قضاء حمكمة النقض عىل األقل يف غرفته الرشعية نجده يؤيد االجتاه الذي سارت‬
‫‪328‬‬

‫عليه حماكم املوضوع‪ ،‬والذي اعتمدت فيه عىل الفقه الذي نظمه ابن عاصم يف حتفته؛‬
‫ويف الوقت نفسه نجده ينقض قراراهتا التي اعتمدت فيه حماكم املوضوع عىل‬
‫مقتضيات قانون االلتزامات والعقود املغربية يف الفصول ‪ 55‬و‪.56‬‬

‫من ذلك القرار الصادر عن حمكمة النقض بتاريخ ‪ 24‬يناير ‪ ،1984‬الذي جاء فيه‬
‫"حقا فإن عقار النزاع ما دام غري حمفظ‪ ،‬وأن النزاع عقاري لتعلقه بطلب إبطال بيع‬
‫لوجود غبن فيه‪ ،‬فإن املطبق فيه هو قواعد الفقه املالكي الذي يقبل الغبن بأربعة‬
‫رشوط‪ :‬أن يكون املغبون جاهال بعمله أي من شأنه أن يغبن جلهله باألثامن وحوالة‬
‫األسواق‪ ،‬وأن يكون القيام بالغبن داخل السنة‪ ،‬وأن يكون الثمن احلقيقي للمبيع يوم‬
‫البيع يزيد عىل الثمن الواقع به التعاقد بالثلث"‪.‬‬

‫‪ 328‬قلنا عىل األقل عىل مستوى الغرفة الرشعية‪ ،‬عىل اعتبار أنه إذا تعلق األمر بالعقارات املحفظة التي حتال عىل الغرفة املدنية‪ ،‬فإهنا ستتمسك‬
‫بتطبيق مقتضيات قانون االلتزامات والعقود املغريب‪.‬‬
‫ولعل هذا التضارب ال يساهم يف توحيد العمل القضائي املغريب‪ ،‬الذي يعترب أحد الوظائف األساسية للمجلس األعىل –أو حمكمة النقض‬
‫بحسب تسمية الدستور اجلديد‪.-‬‬
‫عبد املجيد غميجة‪ :‬موقف املجلس األعىل من ثنائية القانون والفقه يف مسائل األحوال الشخصية؛ مرجع سابق؛ ص‪.566:‬‬

‫‪149‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .283‬من االستثناءات التي أوردهتا الترشيعات املقارنة عىل هذا املبدأ‪ ،‬ما ذهب‬
‫إليه القانون املدين الفرنس فيام يتعلق بالبيوع العقارية ‪ ،‬بمقتىض املواد من ‪ 1674‬إىل‬
‫‪329‬‬

‫‪ ،1685‬والتي خولت للبائع جمموعة من اخليارات يف حالة إذا ما حلقه غبن بمناسبة بيعه‬
‫لعقار ما؛ وبحسب فقه القانون اخلاص‪ ،‬فإن هذه املواد تطلبت جمموعة من الرشوط‬
‫لقبول دعوى البائع‪ ،‬واملتمثلة فيام ييل‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون موضوع البيع عقارا أو حقا عينيا عقاريا؛‬

‫أن يكون حجم الغبن يف حدود نسبة ‪ ،7/12‬أي بنسبة سبعة أجزاء من أصل‬
‫إثني عرش؛‬

‫‪ -‬أن يكون الطرف املرضور هو البائع وليس املشرتي؛‬

‫‪ -‬أن يتم رفع دعوى اإلبطال داخل السنتني املواليتني إلبرام البيع‪.‬‬

‫وبمجرد توفر هذه الرشوط‪ ،‬فإن املرشع الفرنس بمقتىض املواد السالفة الذكر‪،‬‬
‫خول اخليارات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬متكني البائع من اسرتداد عقاره مقابل رد الثمن للمشرتي؛‬

‫‪ -‬ختويل البائع إمكانية رفع دعوى قضائية من أجل إلغاء هذا الترصف؛‬

‫‪ -‬يف مقابل هذه اخليارات املمنوحة للبائع‪ ،‬فإن القانون املدين الفرنس مكن‬
‫املشرتي يف حالة رغبته يف االحتفاظ باملبيع أن يدفع للبائع مقابل الغبن الذي حلقه‪ ،‬ويف‬
‫هذه احلالة فإن املرشع مل يلزم املشرتي بدفع كل الفرق بني قيمة العقار احلقيقية وقت‬

‫‪329‬‬
‫‪Jacques FLOUR, Jean-Luc AUBERT et Eric SAVAUX : Droit civil, les obligations, 1. L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit, P :209.‬‬
‫‪Malaurie PH. et Aynes L.: cours de droit civil, les obligations, 1994, p:238.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; Op.cit ; P:207.‬‬

‫‪150‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫البيع والثمن الذي حصل به الرشاء وإنام اشرتط أن تكون هذه القيمة يف حدود تسعة‬
‫أعشار القيمة احلقيقية للعقار املبيع ‪.‬‬
‫‪330‬‬

‫من الترشيعات العربية التي وضعت هي األخرى بعض االستثناءات عىل املبدأ‬
‫السالف الذكر‪ ،‬نشري إىل ما نصت عليه املادة ‪ 425‬من التقنني املدين املرصي‪ ،‬التي جاء‬
‫فيها "‪ . 1‬إذا بيع عقار مملوك لشخص ال تتوافر فيه األهلية وكان يف البيع غبن يزيد عىل‬
‫اخلمس‪ ،‬فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إىل أربعة أمخاس ثمن املثل"‪.‬‬
‫"‪ .2‬وجيب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد عىل اخلمس أن يقوم العقار بحسب قيمته‬
‫وقت البيع" ‪.‬‬
‫‪331‬‬

‫‪ .284‬أما بخصوص موقف الفقه اإلسالمي‪ ،‬فإن الرأي الراجح ال يعتد بالغبن‬
‫املجرد؛ أي أن الغبن ال يؤثر يف لزوم العقد‪ ،‬ومن ثم ال حيق للمغبون أن يفسخ العقد أيا‬
‫كانت جسامة الغبن؛ وقد استند هذا االجتاه يف دعم رأيه إىل جمموعة من األحاديث‬
‫النبوية‪ ،‬من ذلك قوله عليه الصالة والسالم "دعوا الناس يف غفالهتم يرزق اهلل‬
‫بعضهم من بعض"‪ ،‬وأيضا قوله صىل اهلل عليه وسلم حلبان بن منقذ "إذا بايعت فقل ال‬
‫خالبة ويل اخليار ثالثة أيام"‪.‬‬
‫يف مقابل هذا الرأي‪ ،‬ذهب جانب آخر من الفقه إىل القول بتأثر العقد بالغبن‪ ،‬وإن كان‬
‫هو الخر انقسم إىل اجتاهي‪ ،‬األول تطلب أن يقرتن الغبن بالتغرير دون اشرتاط جسامة‬
‫الغبن؛ بينام اكتفى االجتاه الثان بأن يكون الغبن فاحشا حتى يكون مؤثرا عىل العقد‪ ،‬وهذا‬
‫ظاهر مذهب مالك‪332‬؛ بمعنى آخر‪ ،‬أن هذا الرأي األخري هو الوحيد الذي يعتد بالغبن‬

‫‪ 330‬عبد القادر العرعاري‪ :‬الوجيز يف النظرية العامة للعقود املسامة‪ ،‬الكتاب األول‪ :‬عقد البيع؛ الطبعة الثانية ‪2010‬؛ توزيع مكتبة دار األمان‪/‬‬
‫الرباط؛ ص‪.134:‬‬
‫‪BOULANGER F. : Le problème de la lésion dans le droit intermédiaire, étude d’histoire économique‬‬
‫‪et sociale du 18 sciècle; Paris/1966; p:53.‬‬
‫‪ 331‬أمحد عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬املجلد الرابع‪ ،‬العقود التي تقع عىل امللكية‪ :‬البيع واملقايضة؛ منشورات‬
‫احللبي احلقوقية‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪1998 ،‬؛ ص‪.389:‬‬
‫‪ 332‬يف هذا الصدد يقول ابن جزي رمحة اهلل عليه‪ :‬الغبن ثالثة أنواع‪( :‬األول) غبن ال يقام به وهو إذا زاد املشرتي يف ثمن السلعة عىل قيمتها‬
‫لغرض له كاملشاكلة‪( .‬الثاين) غبن يقام به قل أو كثر وهو الغبن يف بيع االسرتسال واستالم املشرتي للبائع‪( .‬الثالث) اختلف فيه وهو ما عدا‬
‫=‬
‫‪151‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املجرد متى كان فاحشا‪ ،‬لكون الغبن يف نظرهم ظلم ومن ثم ينبغي رفعه وإزالته؛ وحجة‬
‫هؤالء ما روي عن حممد بن سريين أن رجال قدم املدينة بجواري فنزل عىل ابن عمر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا أبا عبد الرمحن غبنت بسبعامئة درهم‪ ،‬فأتى ابن عمر إىل عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬فقال‪ :‬إنه غبن‬
‫بسبعامئة درهم‪ ،‬فإما أن تعطيها إياه‪ ،‬وإما أن ترد عليه بيعه‪ ،‬فقال ابن جعفر‪ :‬بل نعطيها إياه‪،‬‬
‫فابن عمر وابن جعفر قد رأيا رد البيع من الغبن يف القيمة‪.‬‬
‫الفقرة اخلامسة‪ :‬الغبن االستغاليل‬
‫‪ .285‬إذا كان املرشع املغريب مل يعتد بالغبن املجرد‪ ،‬بمعنى أنه مل هيتم بالغبن إال إذا‬
‫كان مقرونا بنقصان األهلية تطبيقا للفصل ‪ 56‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬أو التدليس بحسب الفصل‬
‫‪ 55‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬أو االستغالل بحسب التوجه الذي سار عليه جانب مهم من الفقه‬
‫املغريب وأيضا من خالل قراءة حمكمة النقض للفصل ‪ 54‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪( .‬ثانيا)؛ لكن قبل‬
‫ذلك ينبغي الوقوف عىل مفهوم هذه النظرية (أوال)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم نظرية الغبن االستغاليل‬
‫‪ .286‬يمكن القول بداية إىل أن النظرية املادية للغبن تطورت إىل نظرية نفسية يف‬
‫الترشيعات احلديثة؛ والفرق بينهام أن النظرية األوىل تنظر إىل قيمة اليشء نظرة مادية ال‬
‫نظرة شخصية‪ ،‬أما يف النظرية الثانية فالعربة بالقيمة الشخصية وهي قيمة اليشء يف اعتبار‬
‫املتعاقد‪ .‬عموما‪ ،‬فإن هذه النظرية تقوم عىل عنرصين أساسيي؛ األول يسمى بالعنرص‬
‫النفس الذي يتمثل يف حالة الضعف أو الطيش أو عدم اخلربة أو اهلوى اجلامح أو املرض؛‬
‫بينام الثان يسمى بالعنرص املادي‪ ،‬واملتمثل يف عدم التعادل الذي يبقى خاضعا لتقدير‬
‫القضاة‪ ،‬أو بحسب تعبري الفقيه شاتالن بأنه لكي يعرف القايض ما إذا كان هناك عدم‬
‫تعادل واضح حسب عبارة املادة ‪ 138‬من القانون املدين األملاين‪ ،‬فإنه يتعني عليه مقارنة‬
‫الشيئني حمال العقد وعىل وجه اخلصوص قيمة هذين الشيئني‪.333‬‬
‫‪ .287‬وإذا كانت ميزة النظرية املادية تتمثل يف التحديد‪ ،‬أي يف ضامن استقرار‬

‫ذلك وعىل القول بالقيام به فيقوم املغبون سواء كان بائعا أو مشرتيا إذا كان م قدار الثلث فأكثر وقيل ال حد له وإنام يرجع فيه للعوائد فام علم أنه‬
‫غبن فللمغبون اخليار‪.‬‬
‫للتعمق يف هذه األراء‪ ،‬يمكن الرجوع لكتاب الدكتور بدر جاسم حممد اليعقوب‪ :‬الغبن يف القانون املدين الكويتي‪ ،‬دراسة مقارنة؛ إصدار جملة‬
‫احلقوق‪ /‬جامعة الكويت؛ ملحق العدد الثاين‪ /‬السنة احلادية عرشة؛ الطبعة األوىل ‪1987‬؛ ص‪.47:‬‬
‫‪ 333‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.293:‬‬

‫‪152‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املعامالت واألمن القانوين‪ ،‬فإهنا مع ذلك تفتقد للمرونة‪ ،‬مادام أهنا ال تصلح حلل مسائل‬
‫اجتامعية‪ .‬هلذا االعتبار‪ ،‬أخذت هبا التقنيات احلديثة فنصت املادة ‪ 138‬من القانون املدين‬
‫األملاين عىل بطالن الترصف القانوين الذي يستغل به الشخص حاجة الغري أو خفته أو‬
‫عدم جتربته ليحصل لنفسه أو لغريه‪ ،‬يف نظري يشء يؤديه‪ ،‬عىل منافع مالية تزيد عىل قيمة‬
‫هذا اليشء‪ ،‬و أيضا املادة ‪ 129‬مدين مرصي التي جاء فيها "إذا كانت التزامات أحد‬
‫املتعاقدين ال تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا املتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع‬
‫التزامات املتعاقد اآلخر وتبني أن املتعاقد املغبون مل يربم العقد إال ألن املتعاقد اآلخر قد‬
‫استغل فيه طيشا بينا أو هوى جاحما‪ ،‬جاز للقايض بناء عىل طلب املتعاقد املغبون أن يبطل‬
‫العقد أو أن ينقص التزامات هذا املتعاقد"‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬موقف القانون املغريب من نظرية الغبن االستغاليل‬
‫‪ .288‬بالرجوع للفصل ‪ 54‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬نجده ينص عىل أن "أسباب اإلبطال املبنية‬
‫عىل حالة املرض واحلاالت األخرى املشاهبة مرتوكة لتقدير القضاة"‪ .‬لعل املالحظة‬
‫األساسية‪ ،‬هو أن الفقه والقضاء اختلف يف قراءته للفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪.‬‬
‫أ‪ :‬قراءة الفقه املغريب للفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫‪ .289‬مل يتفق الفقه املغريب يف قراءته للفصل ‪ 54‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬حيث ذهب جانب‬
‫مهم منه إىل القول بأن هذا الفصل يؤكد لنا أخذ املرشع املغريب بنظرية الغبن االستغاليل؛‬
‫ويف هذا السياق ذهب األستاذ مأمون الكزبري‪334‬إىل القول بأن هذه النظرية احلديثة للغبن‬
‫يمكن يف رأينا تطبيقها يف املغرب يف احلاالت التي تنص الترشيعات احلديثة إىل وجوب‬
‫األخذ هبا‪ ،‬وذلك استنادا إىل ما ورد يف الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬وباإلضافة هلذا الفصل‬
‫يدعم الدكتور أمحد شكري السباعي‪ 335‬رأيه للقول بأخذ املرشع املغريب بنظرية الغبن‬
‫االستغاليل بالفصول ‪1035 ،1034 ،878‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬والفصل ‪ 306‬من القانون‬
‫البحري املتعلق باإلغاثة البحرية‪.‬‬
‫‪ .290‬يف املقابل نجد جانبا آخر من الفقه املغريب‪ 336‬ينتقد التوجه السابق‪ ،‬واألساس‬

‫‪ 334‬مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ ص‪.123:‬‬
‫‪ 335‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.291:‬‬
‫‪ 336‬ال دكتور إدريس العلوي العبدالوي‪ :‬رشح القانون املدين؛ نظرية العقد‪ /‬مطبعة النجاح اجلديدة‪-‬الدار البيضاء؛ ‪1981‬؛ ص‪.54:‬‬
‫=‬
‫‪153‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الذي تم عىل إثره بناء هذه النظرية‪ ،‬بل إن أحد الفقهاء‪ 337‬ذهب إىل اعتبار الفصل ‪54‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬بكونه خطري وعجيب يف آن واحد‪ ،‬السيام من حيث السلطة املمنوحة للقايض‬
‫بمقتضاه‪ ،‬والتي من شأهنا أن تعرض التعامل لالهتزاز‪.‬‬
‫ب‪ :‬موقف القضاء املغريب من الفصل ‪ 54‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ .291‬عىل غرار الفقه‪ ،‬فإن القضاء املغريب هو اآلخر مل يتفق عىل موقف موحد‬
‫بخصوص قراءته للفصل ‪ 54‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬حيث إنه بالرجوع للعديد من قرارات حمكمة‬
‫النقض بخصوص هذا الفصل‪ ،‬نجدها تذهب إىل أنه يتضمن نظرية الغبن االستغاليل‪،338‬‬
‫بمعنى أنه من أجل إبطال العقد ال بد من توفر عنرصين أساسيني‪ ،‬مها العنرص املادي‬
‫والعنرص املعنوي‪ .‬من ذلك ما ذهبت إليه حمكمة النقض يف قرارها الصادر بتاريخ ‪13‬‬
‫يونيو ‪1988‬؛ والذي جاء فيه "يف حني أن تطبيق الفصل ‪ 54‬املعتمد عليه والذي يعالج‬
‫حالة الغبن االستغاليل باعتباره سببا من أسباب اإلبطال كعيب من عيوب الرىض يتطلب‬
‫توفر عنرصين‪ :‬عنرص مادي‪ ،‬وهو عدم تعادل التزامات الطرفني‪ ،‬مثل الثمن واملثمن‪،‬‬
‫وعنرص نفس وهو يف هذه النازلة حالة املرض التي نتج عنها عدم التعادل‪ ،‬وأن املحكمة‪،‬‬
‫وإن أبرزت حالة املرض‪ ،‬فإهنا مل تربز حالة العنرص املادي أي غبن البائع‪ ،‬كنتيجة‬
‫الستغالل حالته املرضية‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن املحكمة عندما أصدرت قرارها عىل النحو املذكور‬
‫مل تعلله تعليال كافيا‪ ،‬ومل جتعل ملا قضت به أساسا صحيحا من القانون"‪.339‬‬
‫‪ .292‬يف مقابل ذلك‪ ،‬ذهب قضاء املوضوع إىل أن هذا الفصل ال يتضمن نظرية‬
‫الغبن االستغاليل‪ ،‬وإنام ينبغي تطبيق أحكام الفصل ‪ 54‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬بمجرد توفر العنرص‬

‫الدكتور علم الدين إسامعيل‪ :‬أصول القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬نظرية االلتزامات‪ ،1977 ،‬ص‪.247 :‬‬
‫‪ 337‬ال دكتور إدريس العلوي العبدالوي‪ :‬رشح القانون املدين؛ نظرية العقد؛ مرجع سابق؛ ص‪.54:‬‬
‫‪ 338‬يف الوقت الذي ذهب فيه قضاء املوضوع عىل أن هذا الفصل ال يتضمن نظرية الغبن االستغاليل‪ ،‬وإنام ينبغي تطبيق أحكام الفصل ‪ 54‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬بمجرد توفر العنرص املعنوي‪ ،‬أي حالة املرض أو احلاالت املشاهبة؛ من هذه القرارات‪ ،‬ما جاء يف قرار ملحكمة االستئناف بالدار البيضاء‬
‫بتاريخ ‪ 05‬دجنرب ‪" 1983‬وحيث إن الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يمنح للمحكمة حق إبطال العقود املربمة يف حالة املرض واحلاالت األخرى املشاهبة‪،‬‬
‫وأن املرشع مل يقيد ذلك احلق‪ ،‬بل ترك للمحكمة سلطة تقدير ما إذا كانت حالة املرض التي يوجد عليها املتعاقد يف فرتة إبرام العقد هي التي‬
‫جعلته يقوم بإبرام العقد أم ال‪."....‬‬
‫جملة القضاء والقانون؛ العدد‪.1988/ 139 :‬‬
‫‪ 339‬جملة القضاء والقانون‪ ،‬العدد ‪139‬؛ ص‪ 103:‬و ‪.104‬‬
‫من ذلك أيضا قرارها الصادر بتاريخ ‪ 04‬أبريل ‪ 1980‬الذي جاء فيه "ال يشرتط إلبطال العقد للسبب املنصوص عليه يف الفصل ‪ 54‬أن يكون‬
‫الشخص فاقد الوعي‪ ،‬بل يكفي أن تكون إرادته معيبة بسبب املرض الذي نزل به‪ ،‬وأن املتعاقد معه استغل وضعيته هذه فحصل منه إلبرام عقد‬
‫ما كان ليقبله لو كان سليام معاىف‪ ،‬وأن املحكمة ملا هلا من سلطة التقدير املمنوحة هلا بمقتىض الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬اعتربت أن اهلالك مل يكن حرا‬
‫يف ترص فه وأن املشرتي استغل املرض اخلطري الذي نزل به فأحرض املوثق للمصحة التي كان يعالج فيها وأشهد بالبيع"‪.‬‬
‫جملة اإلشعاع‪ :‬العدد ‪ ،11‬ص‪ 139 :‬و ‪.140‬‬

‫‪154‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املعنوي‪ ،‬أي يكفي إثبات حالة املرض أو احلاالت املشاهبة؛ بمعنى أهنا حالة خاصة‪ .‬من‬
‫هذه القرارات‪ ،‬ما جاء يف قرار ملحكمة االستئناف بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 05‬دجنرب‬
‫‪" 1983‬وحيث إن الفصل ‪ 54‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يمنح للمحكمة حق إبطال العقود املربمة يف‬
‫حالة املرض واحلاالت األخرى املشاهبة‪ ،‬وأن املرشع مل يقيد ذلك احلق‪ ،‬بل ترك للمحكمة‬
‫سلطة تقدير ما إذا كانت حالة املرض التي يوجد عليها املتعاقد يف فرتة إبرام العقد هي‬
‫التي جعلته يقوم بإبرام العقد أم ال‪.340"....‬‬
‫‪ .293‬بغض النظر عن مدى القصور الذي يعرتي هذه املقتضيات املتعلقة بعيوب‬
‫الرضا‪ ،‬فإن التحوالت املهمة التي عرفتها العالقات التعاقدية يف العقود األخرية‪ ،‬فرضت‬
‫عىل خمتلف الترشيعات أن تقرر جمموعة من األحكام اخلاصة يف مرحلة تكوين العقد من‬
‫أجل محاية املستهلك يف مواجهة املهني كام سنرى يف املطلب املوايل‪.‬‬

‫املطلب الثان‪ :‬املقتضيات الترشيعية اهلادفة إىل محاية رضا املستهلك‬


‫تبني لنا من خالل العديد من األبحاث التي قمنا هبا‪ ،‬أن تدخل املرشع‬ ‫‪.294‬‬

‫أصبح أمرا الزما‪ ،‬يف ظل التباين اخلطري الذي أصبحت تعرفه العالقات التعاقدية‪،‬‬
‫وذلك من أجل مساعدة الطرف الضعيف الذي يطلق عليه يف خمتلف الترشيعات‬
‫االقتصادية احلديثة باملستهلك متييزا له عن املهني؛ وغالبا ما يتم ذلك عن طريق فرض‬
‫جمموعة من االلتزامات عىل عاتق الطرف األخري‪ ،‬أي املهني أو ما يسمى أيضا‬
‫باملحرتف‪ ،‬السيام يف مرحلة إبرام العقد‪.‬‬

‫‪ .295‬يمكننا تقسيم هذه االلتزامات إىل نوعني‪ ،‬النوع األول هيدف إىل احلد من‬
‫حرية املهني يف إبرام العقد من عدمه متمسكا باملفاهيم الكالسيكية التي كانت ختوله‬
‫هذه السلطة بدون قيود (البند األول)؛ أما النوع الثاين من هذه االلتزامات فهو الذي‬
‫هيدف يف نظرنا إىل محاية رضا املستهلك باملفهوم الضيق (البند الثاين)‪.‬‬

‫‪ 340‬جملة القضاء والقانون؛ العدد‪.1988/ 139 :‬‬

‫‪155‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫البند األول‪ :‬منع رفض التعاقد من طرف املهني يف العقد االستهالكي‬


‫‪ .296‬جيمع الفقه عىل أن الفلسفة الليربالية التي قام عليها كل من القانون املغريب‬
‫والفرنس تقتيض أن يكون الشخص حرا يف إبرام أي عقد من عدمه ‪ .‬إال أن طبيعة‬
‫‪341‬‬

‫بعض العقود اقتضت عكس ذلك ‪ ،‬أي منع الشخص من رفض التعاقد بحجة احلرية‬ ‫‪342‬‬

‫أو الرضائية املطلقة‪ .‬واحلق يقال‪ ،‬إن منع رفض التعاقد يشكل أحد املظاهر األساسية‬
‫لتأثر مبدأ الرضائية بقانون املنافسة التي تبنته معظم الترشيعات احلديثة ‪.‬‬
‫‪343‬‬

‫ذلك أنه كيفام كانت فلسفة الدول‪ ،‬فإن تكريس احلرية املطلقة ملهنيي العقد يف اختيار‬
‫زبنائه ال يساهم يف تأمني احلصول عىل السلع واخلدمات الرضورية للمستهلك‪ ،‬بل قد‬
‫يتعارض مع فلسفة الدولة نفسها يف النهوض باقتصادها‪.‬‬
‫‪ .297‬لذلك وجدنا خمتلف الترشيعات تتجه إىل منع املهنيني بشكل خاص من‬
‫رفض التعاقد الذي يطلبه املستهلك دون أن يكون هناك سبب ومربر معقول يسمح‬
‫بذلك؛ وهذا هو املسلك الذي سار عليه املرشع املغريب‪ ،‬بداية بمقتىض القانون رقم‬
‫‪ 06.99‬املتعلق بحرية األسعار واملنافسة الذي أكد عىل هذه القاعدة بمقتىض املادة ‪49‬‬
‫‪344‬‬

‫منه قبل أن يتم نسخها بمقتىض القانون رقم ‪ 08.31‬القايض بتحديد تدابري حلامية‬
‫املستهلك‪ ،‬الذي أكد هو اآلخر عىل هذه القاعدة بواسطة املادة ‪ 57‬منه‪ ،‬التي جاء فيها‬
‫"يمنع ما ييل‪:‬‬
‫‪ -‬االمتناع عن بيع منتوج أو سلعة أو تقديم خدمة إىل املستهلك دون سبب مقبول؛‬

‫‪ -‬تعليق بيع منتوج أو سلعة عىل رشاء كمية مفروضة أو عىل رشاء منتوج أو سلعة‬
‫أخرى أو تقديم خدمة أخرى يف آن واحد؛‬

‫‪341‬‬ ‫‪BENABENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, 3ème édition,‬‬
‫‪Montchrestien, 1997, P:45.‬‬
‫‪PEDAMON Michel : La liberté des prix et l’intérêt des consommateurs; Thèmes et consommateurs‬‬
‫‪sous la direction de Yves Serra et Jean Calais Auloy, Dalloz, 1994, P:7.‬‬
‫‪342 Marie- CahantelBoutardLabarde Guy Canivet : Droit français de la concurrence; L.G.D.J. Paris,‬‬

‫‪1994, P:151.‬‬
‫‪343 BOUTARD LABARD Marie-Chantel : Droit français de la concurrence ; L.G.D.J. 1994. P:151.‬‬

‫‪ 344‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.00.225‬صادر يف ‪ 2‬ربيع األول ‪ 5- 1421‬يونيو ‪ -2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 06.99‬املتعلق بحرية األسعار واملنافسة‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ -‬تعليق تقديم خدمة عىل تقديم خدمة أخرى أو عىل رشاء منتوج أو سلعة"‪.‬‬
‫‪ .298‬بمعنى أن القاعدة‪ ،‬هو أنه ال يمكن للمهني أن يمتنع‪ ،‬ما مل يكن هناك سبب‬
‫أو خطأ من طرف الزبون ‪ ،‬عن إبرام العقد مع الزبون املستهلك ‪ .‬وبالنظر ألمهية‬
‫‪346‬‬ ‫‪345‬‬

‫هذا املبدأ‪ ،‬فإن املرشع املغريب مل يكتفي بالتطرق له بمقتىض نصوص عامة‪ ،‬بل حرص‬
‫عىل التنصيص عليه بمقتىض بعض النصوص اخلاصة‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للخدمات‬
‫املقدمة من قبل املؤسسات الفندقية؛ حيث أكدت عىل هذه القاعدة املادة ‪ 16‬من‬
‫القانون املغريب رقم ‪ 61.00‬املعترب بمثابة النظام األسايس للمؤسسات السياحية ‪ ،‬التي‬
‫‪347‬‬

‫جاء فيها "تفتح كل مؤسسة سياحية أبواهبا للعموم وال خيضع ولوجها ألي قيد غري‬
‫القيود املقررة يف النصوص الترشيعية والتنظيمية اجلاري هبا العمل"‪.‬‬

‫البند الثان‪ :‬االلتزام العام بإعالم املستهلك والضامنات املكملة له‬


‫‪ .299‬توصلنا يف العديد من األبحاث املتعلقة بنظرية العقد بوجه عام‪ ،‬عىل أن‬
‫الوضعية احلالية أصبحت تتميز بمعامالت يطغى عليها نوع من عدم التوازن بني‬
‫املتعاقدين؛ كام يتفق اجلميع‪ ،‬عىل األقل من الناحية املبدئية‪ ،‬عىل أن املقتضيات الواردة‬
‫يف قانون االلتزامات والعقود متأثرة بشكل كبري باألفكار الليربالية التي كانت سائدة‬
‫إبان وضع مدونة نابليون والتي بقيت إىل غاية منتصف القرن العرشين؛ هذه األفكار‬
‫التي هييمن عليها املبدأ األسايس الذي يقيض بأنه يتعني عىل املستهلك التأكد مما يشرتي‬
‫واالحتياط بحامية نفسه بنفسه‪.‬‬

‫‪ .300‬غري أن هذا املفهوم ونتيجة للتغريات االقتصادية واالجتامعية الكربى التي‬


‫عرفتها التعامالت التعاقدية كان من الرضوري أن يتعرض لتغيريات جوهرية‪ ،‬تتمثل‬
‫يف رضورة محاية رضا املستهلك بجعله أكثر وضوحا؛ وهذا األمر يتطلب بالرضورة‬

‫‪ 345‬حممد عبد الظاهر حسني‪ :‬عقد الفندقة‪ ،‬طبيعته القانونية –آثاره – مسؤولية الفندقي‪ ،‬املؤسسة الفنية للطباعة والنرش‪ ،1997 ،‬ص‪.78:‬‬
‫‪346‬‬‫‪PY Pierre : Droit du tourisme, Op.cit, P:350.‬‬
‫‪347‬يتعلق األمر بالظهري الرشيف رقم ‪ 1.00.225‬الصادر يف ‪ 2‬ربيع األول ‪ 1421‬املوافق ‪ 5‬يونيو ‪ ،2000‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 06.99‬املتعلق‬
‫بحرية األسعار واملنافسة‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ ،4810‬بتاريخ ‪ 3‬ربيع اآلخر ‪( 1412‬املوافق ل ‪ 6‬يوليوز ‪ ،)2000‬ص‪.1914:‬‬

‫‪157‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫جعل عبء الوعي والتبصري عىل عاتق املهنيني واملحرتفني يف ظل عجز املستهلك عن‬
‫اإلملام بجميع تفاصيل العقد يف الوقت املعارص‪.‬‬

‫بالرغم من إقرارنا بأن القانون اجلديد رقم ‪ 31.08‬مل يستجيب جلميع ما‬ ‫‪.301‬‬

‫نادينا به يف العديد من األبحاث ‪ ،‬فإنه مع ذلك تضمن العديد من املقتضيات القانونية‬ ‫‪348‬‬

‫املهمة التي هتدف إىل تنوير رضا املستهلك‪ ،‬تتمثل يف االلتزام باإلعالم (الفقرة األوىل)‪،‬‬
‫إضافة لبعض الضامنات القانونية املكملة هلذا االلتزام واملتمثلة أساسا يف منع اإلشهار‬
‫الكاذب ومنح مهلة التفكري ومهلة الرجوع (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬االلتزام العام بإعالم املستهلك‬


‫إن االلتزام باإلعالم جيد أساسه ومربره يف رضورة محاية سالمة رضا‬ ‫‪.302‬‬
‫املستهلك الذي يلزم أن يقدم عىل إبرام العقد وإرادته حرة متنورة بتفاصيله وخصائصه‬
‫ال يشوهبا أدنى غموض‪ .‬بمعنى أن اهلدف املبارش من هذا التنظيم الترشيعي هو العمل‬
‫عىل تأمني محاية رضا املستهلك ‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬تنبغي اإلشارة إىل أن القضاء‬ ‫‪349‬‬

‫الفرنس استطاع أن يصل بفكرة االلتزام بالتبصري إىل حتقيق محاية فعالة لفئة عريضة ‪،‬‬
‫‪350‬‬

‫حتى قبل صدور قانون ‪ 1978‬املتعلق بحامية وإعالم املستهلك ‪ ،‬معتمدا يف ذلك عىل‬
‫‪351‬‬

‫تفسريه لبعض النصوص العامة الواردة يف القانون املدين كاملادتني ‪1134‬و‪، 1135‬‬
‫‪352‬‬

‫وهو األمر الذي ما مل يستطيع القضاء املغريب القيام به بالرغم من وجود مثل هذه‬

‫‪ 348‬عبد الرمحان الرشقاوي‪ :‬دور القضاء يف حتقيق التوازن العقدي؛ مرجع سابق‪.‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‪ :‬العقد السياحي؛ دكتوراه يف القانون اخلاص؛ جامعة حممة اخلامس‪ /‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪،‬‬
‫أكدال‪/‬الرباط‪.2009 ،‬‬
‫‪ECHARKAOUI Abderrahman : L’accès du consommateur au droit et à la justice ; Thèse de doctorat‬‬
‫‪en droit privé/ Université HASSAN II/ Casablanca Ain Chock/2008 ; P:16.‬‬
‫‪349 DE JUGLART M. : L’obligation de renseignements dans les contrats. Rev. Trim. Dr. Civil, 1945,‬‬

‫‪P:1.‬‬
‫‪ALISSE : L’obligation de renseignement dans les contrats. Thèse, Paris, 1975.‬‬
‫‪350 FABRE-MAGNAN M.: De l’obligation d’information dans les contrats, L.G.D.J. 1992, P:123.‬‬
‫‪351 DE JUGLART M.: L’obligation de renseignement dans les contrats, R. T. D. Com. 1945, P:1.‬‬

‫‪Y. BOYER : L’obligation de renseignement dans la formation des contrats, Thèse, Aix, 1977.‬‬
‫‪352 BENABENT Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, 3éme édition,‬‬

‫‪Montchrestien, 1997, P:118.‬‬

‫‪158‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫النصوص يف قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬كالفصل ‪ ،231‬وبالرغم أيضا من إقرار الفقه‬


‫اإلسالمي ملثل هذا االلتزام‪.‬‬
‫ونرى أنه إذا كان القضاء الفرنس قد استطاع أن يضع التزاما عىل عاتق املهني‪،‬‬
‫بتبصري الطرف الضعيف وإحاطته بجميع البيانات الواردة يف العقد ‪ ،‬فإنه مل يبق أي‬
‫‪353‬‬

‫مربر للقضاء املغريب يف جتاهله هلذا االلتزام‪ ،‬هبدف محاية الطرف الضعيف؛ وبالتايل‬
‫مسايرة التوجه اجلديد للمرشع املغريب الذي أصبح يف جزء من فلسفته يسعى حلامية‬
‫املستهلك‪ ،‬بعدما تأكدت أهنا رضورة وليس اختيارا يف ظل اضطراب التوازن بني‬
‫املحرتفني واملستهلكني‪ ،‬وما نتج عن ذلك من انتشار فاحش للرشوط التعسفية‪ ،‬دفعت‬
‫باملرشع املغريب عىل غرار العديد من الترشيعات احلديثة إىل إجياد حلول هلذه الظاهرة‪،‬‬
‫وذلك هبدف الوقوف بجانب الطرف الضعيف يف عقد االستهالك عموما‪.‬‬
‫‪ .303‬يف ظل وعي املرشع يف جل الدول بأمهية االلتزام باإلعالم‪ ،‬فإن أغلبها قد‬
‫عمل عىل تقنينه ضمن ما أصبح يطلق عليه بقانون االستهالك يف ظل عجز القانون‬
‫املدن الكالسيكي عن محاية الطرف الضعيف ؛ وقبل صدور القانون املغريب اجلديد‬
‫‪354‬‬

‫رقم ‪ 31.08‬املتعلق بتحديد تدابري حلامية املستهلك‪ ،‬ونظرا لالرتباط الوثيق بني قانون‬
‫حرية األسعار واملنافسة ورضورة محاية املستهلك‪ ،‬فإن املرشع املغريب عمل عىل سد‬
‫هذه الثغرة من خالل الفصل األول من الباب السادس من القانون رقم ‪ 06.99‬املتعلق‬
‫بحرية األسعار واملنافسة‪ ،‬والذي عنونه كام ييل‪ :‬محاية املستهلك وإعالمهم‪ .‬والذي متت‬
‫إعادة تنظيمه بمقتىض القانون رقم ‪ 104.12‬السالف الذكر‪.‬‬
‫غري أنه ويف ظل عدم كفاية هذه املقتضيات وسريا عىل هنج الترشيعات احلديثة التي‬
‫اعتمدت قوانني خاصة بحامية املستهلك‪ ،‬فإن املرشع املغريب وضع هو الخر قانونا‬
‫لالستهالك أو باألحرى قانونا حلامية املستهلك‪ ،‬ونقصد بذلك القانون رقم ‪ 31.08‬الذي‬

‫‪353‬‬‫‪GHESTIN J. : Le contrat : Formation, L.G.D.J. Quatrième édition, 2000, n°456.‬‬


‫‪BENABENT Alain : Droit civil, Les contrats spéciaux civils et commerciaux, Op.cit, P:373.‬‬
‫‪ 354‬أمحد السعيد الزقرد‪ :‬نحو نظرية عامة لصياغة العقود‪ ،‬دراسة مقارنة يف مدى القوة امللزمة ملستندات التعاقد‪ .‬جملة احلقوق الكويتية‪ ،‬العدد‬
‫الثالث‪ ،‬شتنرب ‪ ،2001‬ص‪.261:‬‬

‫‪159‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫يقيض بتحديد تدابري حلامية املستهلك‪ ،‬والذي ضمنه قسام كامال خاصا بإعالم املستهلك ‪-‬‬
‫املواد من ‪ 3‬إىل ‪ 14‬من القسم الثاين من هذا القانون‪.‬‬
‫بالرجوع للامدة الثالثة من هذا القانون‪ ،‬نجدها نصت عىل ما ييل‪" :‬جيب عىل كل‬
‫مورد أن يمكن املستهلك بأي وسيلة مالئمة من معرفة املميزات األساسية للمنتوج أو‬
‫السلعة أو اخلدمة وكذا مصدر املنتوج أو السلعة وتاريخ الصالحية إن اقتىض احلال‪ ،‬وأن‬
‫يقدم إليه املعلومات التي من شأهنا مساعدته عىل القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته‬
‫وإمكانياته‪.‬‬
‫وهلذه الغاية‪ ،‬جيب عىل كل مورد أن يعلم املستهلك بوجه خاص عن طريق وضع‬
‫العالمة أو العنونة أو اإلعالن أو بأي طريقة مناسبة أخرى بأسعار املنتوجات والسلع‬
‫وبتعريفات اخلدمات وطريقة االستخدام أو دليل االستعامل ومدة الضامن ورشوطه‬
‫والرشوط اخلاصة بالبيع أو تقديم اخلدمة‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬القيود املحتملة للمسؤولية‬
‫التعاقدية‪.‬‬
‫حتدد إجراءات اإلعالم بنص تنظيمي"‪.‬‬
‫‪ .304‬وقد بدأ القضاء املغريب فعال يف تطبيق املقتضيات اخلاصة بااللتزام باإلعالم‬
‫بمجرد صدور القانون رقم ‪31.08‬؛ ويمكن أن نشري هنا إىل القرار الصادر عن حمكمة‬
‫النقض املغربية بتاريخ ‪ 25‬أكتوبر ‪ ،2011‬حيث ألزمت هذه األخرية الطبيب بإعالم‬
‫املريض وتبصريه بكافة األخطار والعواقب التي قد تنتج عن العملية اجلراحية ومدى‬
‫احتامل نجاحها من عدمه ونسبة ذلك ‪.‬‬
‫‪355‬‬

‫‪ .305‬إذا كان اهلدف من هذا االلتزام هو إعالم عموم املستهلكني وتبصريهم‪ ،‬فإن‬

‫‪ 355‬جاء يف إحدى حيثيات قرار حمكمة النقض هذا " لكن‪ ،‬حيث إن املحكمة هلا سلطة تقدير احلجج والوقائع الستخالص مربرات قضائها عىل‬
‫أن يكون االستخالص مربرا قانونا وقضاء‪ ،‬كام أن كل طبيب ملزم ببذل العانية واجلهد وعدم اإلمهال والتقصري واختاذ كل التدابري الالزمة‪ ،‬وأن‬
‫مسؤولية الطبيب اجلراح تبدأ حتى قبل إجراء العملية إذ عليه إخبار املريض بكل األخطار والعواقب التي قد تنتج عن العملية واحتامل نجاحها‬
‫من عدمه ونسبة ذلك‪ ،‬خصوصا إذا تعلق األمر بعمليات تقوي م اخللقة أو التجميل كام عليه القيام بالدراسات الالزمة ملعرفة نسبة نجاحها وفق ما‬
‫سيقدم عليه من إضافة طعم‪."....،‬‬
‫جملة قضاء حمكمة النقض؛ العدد ‪2012-75‬؛ ص‪.63:‬‬

‫‪160‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أهم مشكل يعرتض تطبيق مثل هذا االلتزام هو واقع املجتمع املغريب الذي يعرف‬
‫انتشار األمية بشكل واسع‪ .‬ومن ثم نكون حمقني حينام نتساءل عن مدى جدوى هذه‬
‫اإلعالنات املكتوبة إذا كان الشخص املستهدف ال يعرف حتى القراءة ‪ ،‬ويزداد‬
‫‪356‬‬

‫الوضع سوء إذا ما علمنا أن أغلب املنتجي واملوردين يفضلون استعامل اللغة الفرنسية‪،‬‬
‫وهو ما يشكل عائقا مزدوجا ‪.‬‬
‫‪357‬‬

‫األمر الذي يثبت لنا أن استعامل اللغة العربية أصبح مطلبا ملحا وعاجال إذا كنا‬
‫حقيقة نرجو تبصريا فعليا للمستهلك‪ .‬وهو األمر الذي أكد عليه القانون اجلديد رقم‬
‫‪ 31.08‬بمقتىض املادة األخرية منه –املادة ‪ -206‬التي جاء فيها "إن كل عقد حرر بلغة‬
‫أجنبية يصطحب وجوبا برتمجة إىل العربية"‪ .‬وهو األمر الذي ال زال يتجاهله كثري من‬
‫املهنيني إىل يومنا هذا‪ ،‬حيث يكتفون بتحرير العقد باللغة الفرنسية خمالفني بذلك‬
‫أحكام هذا القانون بالرغم من دخوله حيز التنفيذ‪.‬‬
‫يف نفس املنحى اهلادف إىل محاية املستهلك‪ ،‬فإن القانون اجلديد رقم ‪ 32.09‬املتعلق‬
‫بمهنة التوثيق نص يف املادة ‪ 42‬منه عىل وجوب حترير العقود واملحررات باللغة العربية‬ ‫‪358‬‬

‫إال إذا اختار األطراف حتريرها بلغة أخرى‪ ،‬كام أن الفقرة الثانية من هذه املادة نصت عىل‬
‫رضورة حترير أصول العقود والنسخ بكيفية مقروءة وغري قابلة للمحو عىل ورق يتميز‬
‫بخاصية الضامن الكامل للحفظ‪.‬‬
‫‪ .306‬ونرى أن من أهم حسنات القانون رقم ‪ 31.08‬السالف الذكر ما تضمنته‬
‫املادة التاسعة منه‪ ،‬التي جعلت التفسري يف حالة الشك حول مدلول أحد الرشوط‬
‫املقرتحة عىل املستهلك كتابة يكون ملصلحة هذا األخري بغض النظر عام إذا كان دائنا أو‬

‫‪ 356‬بخصوص أثر األمية عىل االلتزام يف القانون املغريب يمكن الرجوع ملؤلف‪:‬‬
‫حسن البكري‪ :‬األمية وأثرها عىل ا اللتزام يف الترشيع املدين املغريب‪ :‬نظرية وتطبيق‪ ،‬مكتبة الرشاد‪ /‬سطات‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2000 ،‬‬
‫‪357 BOUDAHRAIN Abdellah: Le droit de la consommation au Maroc, édition 1999, P:108 etS.‬‬

‫‪BOUDAHRAIN Abdellah: Pour une éthique de la protection du consommateur de médicaments,‬‬


‫‪R.D.E., N°10, P:111.‬‬
‫‪ 358‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.11.179‬صادر يف ‪ 25‬من ذي احلجة ‪ 22( 1432‬نوفمرب ‪ )2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 32.09‬املتعلق بتنظيم مهنة‬
‫التوثيق‪ .‬اجلريد الرسمية عدد ‪ 5998‬بتاريخ ‪ 27‬ذو احلجة ‪ 24( 1432‬نوفمرب ‪ ،)2011‬ص‪.5611:‬‬

‫‪161‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫مدينا خمالفة بذلك املقتضيات التي كان ينص عليها الفصل ‪ 473‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬حيث‬
‫‪359‬‬

‫جاء يف هذه املادة‪ ،‬أي املادة التاسعة‪" :‬فيام يتعلق بالعقود التي حيرر مجيع أو بعض‬
‫رشوطها املقرتحة عىل املستهلك كتابة‪ ،‬جيب تقديم هذه الرشوط وحتريرها بصورة‬
‫واضحة ومفهومة‪ .‬ويف حالة الشك حول مدلول أحد الرشوط‪ ،‬يرجح التأويل األكثر‬
‫فائدة بالنسبة إىل املستهلك"‪.‬‬
‫بل إنه من أجل ضامن احرتام هذا االلتزام من قبل املهنيني مع ما يرتتب عن ذلك من‬
‫محاية فعالة للمستهلك‪ ،‬فإن املرشع رتب عن اإلخالل به جزاء جنائيا يتمثل يف غرامة مالية‬
‫ترتاوح بني ألفي إىل مخسة آالف درهم‪ ،‬تطبيقا للامدة ‪ 173‬من القانون ‪ 31.08‬التي جاء‬
‫فيها "يعاقب بغرامة من ‪ 2.000‬إىل ‪ 5.000‬درهم عىل خمالفات أحكام القسم الثاين من هذا‬
‫القانون والنصوص املتخذة لتطبيقه"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الضامنات املكملة لاللتزام بإعالم املستهلك‬


‫‪ .307‬إذا كان اهلدف األسايس من االلتزام باإلعالم هو تنوير املستهلك بوجه عام‪،‬‬
‫فإن ذلك لن يتحقق من خالل اإلشهار الكاذب الذي هيدف إىل تضليل املستهلك ال‬
‫تنويره (أوال)‪ ،‬وحتى يف حالة ما إذا كان اإلعالم السابق‪ 360‬صادقا فإن املستهلك يف الكثري‬
‫من احلاالت ال يستطيع التفكري يف العرض املقدم إليه‪ ،‬لذلك قام املرشع املغريب بمقتىض‬
‫القانون اجلديد رقم ‪ ،31.08‬عىل غرار العديد من القوانني احلديثة‪ ،‬بفرض ما أصبح‬
‫يعرف بخيار الرتوي والتفكري وأيضا خيار الرجوع يف بعض أنواع العقود (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬منع اإلشهار الكاذب واملضلل للمستهلك‬
‫‪ .308‬من أجل محاية رضا املستهلك فإنه ال ينبغي أن يتضمن اإلعالن املقدم من‬
‫قبل املهني بيانات كاذبة أو مضللة للمستهلك ‪ ،‬أو ما يسمى باإلشهار الكاذب‬
‫‪362‬‬ ‫‪361‬‬

‫‪ 359‬جاء يف الفصل ‪ 473‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬ما ييل "عند الشك يؤول االلتزام باملعنى األكثر فائدة للملتزم"‪.‬‬
‫‪ 360‬ال ينبغي اخللط بني اإلعالن واإلشهار الذي يكون هبدف الرتويج لسلعة أو خدمة ما مع اإلجياب‪ .‬فام مل يتوفر لألول خصائص الثاين‪ ،‬فإنه ال‬
‫يمكن احلديث عن إجياب‪ .‬وهكذا فإننا ال نكون بصدد إجياب ما مل تكن الرسائل اإلعالنية تشتمل عىل طبيعة العقد املراد إبرامه وأيضا عىل‬
‫عنارصه األساسية‪ ،‬فتدل بذلك عىل إرادة املوجب "املعلن" االرتباط بالعقد‪ ،‬إذا صادف قبوال‪.‬‬
‫أمحد سعيد الزقرد‪ :‬نحو نظرية عامة لصياغة العقود‪ :‬دراسة مقارنة يف مدى القوة امللزمة ملستندات التعاقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.218:‬‬
‫‪361 EL MOUDDEN Chifae : La publicité entre promotion et protection du marché ; Revue marocaine‬‬

‫=‬
‫‪162‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الذي حرمه القانون يف أغلب الترشيعات احلديثة ‪.‬‬


‫‪363‬‬

‫هذا هو املوقف الذي اتبعه املرشع املغريب بمقتىض القانون رقم ‪ 31.08‬املتعلق‬
‫بتحديد تدابري حلامية املستهلك الذي نص عىل مقتضيات مشاهبة لتلك التي نصت‬
‫عليها معظم الترشيعات احلديثة؛ مما يؤكد حرص املرشع املغريب عىل حماربة اإلشهار‬
‫الكاذب‪ ،‬ملا يمكن أن يرتتب عنه من أرضار تلحق بالطرف املستهلك؛ وهذا ما يتبني‬
‫من خالل املادة ‪ 21‬منه التي جاء فيها ما ييل "دون املساس بمقتضيات املادتني ‪2‬و‪67‬‬
‫من القانون رقم ‪ 77.03‬املتعلق باالتصال السمعي البرصي‪ ،‬يمنع كل إشهار يتضمن‪،‬‬
‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬إدعاء أو بيانا أو عرضا كاذبا‪.‬‬

‫كام يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع يف الغلط بأي وجه من الوجوه‪ ،‬إذا كان‬
‫ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العنارص التالية‪ :‬حقيقة وجود السلع أو املنتوجات أو‬
‫اخلدمات حمل اإلشهار وطبيعتها وتركيبتها ومميزاهتا األساسية وحمتواها من العنارص‬
‫املفيدة ونوعها ومنشأها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وسعرها أو‬
‫تعريفها ورشوط بيعها وكذا رشوط أو نتائج استخدامها وأسباب أو أساليب البيع أو‬
‫تقديم اخلدمات ونطاق التزامات املعلن وهوية الصناع والباعة واملنعشني ومقدمي‬

‫‪de droit économique ; N°1 2007 ; P :52.‬‬


‫‪ 362‬يعرف اإلشهار الكاذب بكونه " اإلعالن الذي يكون من شأنه خداع املستهلك أو يمكن أن يؤدي إىل ذلك ويؤدي اإلشهار الكاذب إىل‬
‫تضليل املستهلك وإيقاعه يف غلط قد يدفعه إىل التعاقد‪ ،‬ول ذلك يطلق عىل اإلشهار الكاذب أيضا اإلشهار املضلل ألنه هيدف إىل تضليل‬
‫وخداع املستهلك‪ ،‬لكن هناك من يميز بينهام انطالقا من كون اإلعالن املضلل ال يذكر بيانات كاذبة ولكنه يصاغ يف عبارات تؤدي إىل خداع‬
‫املتلقي‪ .‬وعىل هذا النحو يقع اإلعالن الصادق واإلعالن الكاذب"‪.‬‬
‫دنيا مباركة‪ :‬احلامية القانونية لرضا مستهلكي السلع واخلدمات‪ ،‬املجلة املغربية لالقتصاد والقانون‪ ،‬ع‪ ،3:‬يونيو ‪ ،2001‬ص‪.57:‬‬
‫عبد الفضيل حممد أمحد‪ :‬اإلعالن عن املنتجات واخلدمات من الوجهة القانونية‪ ،‬طبعة ‪ ،1991‬ص‪.175:‬‬
‫أمحد السعيد الزقرد‪ :‬نحو نظرية عامة لصياغة الع قود‪ :‬دراسة مقارنة يف مدى القوة امللزمة ملستندات التعاقد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.213:‬‬
‫‪363 CALAIS-AULOY Jean et STEINMETZ Frank : Droit de la consommation, 5ème édition, 2000,‬‬

‫‪Dalloz, P : 126.‬‬
‫‪V. aussi Frank : Publicité trompeuse : Quel consommateur choisir? Le dilemme de l’appréciation du‬‬
‫‪caractère trompeur ; R.E.D. consom. 2000, P:93.‬‬
‫‪AKRAWATI ADJITA Shamsidine: Contribution à la protection juridique du consommateur dans les‬‬
‫‪Pays en voie de développement (exemple particulier des pays d’Afrique), Op.cit, P:485.‬‬
‫السيد حممد السيد عمران‪ :‬محاية املستهلك أثناء تكوين العقد‪ ،‬دراسة مقارنة مع دراسة حتليلية وتطبيقية للنصوص اخلاصة بحامية املستهلك‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77:‬‬

‫‪163‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫اخلدمات أو صفتهم أو مؤهالهتم"‪.‬‬

‫‪ .309‬ال يعني ذلك أن القانون املغريب مل يكن يتضمن مقتضيات تتعلق باإلشهار‬
‫الكاذب‪ ،‬بل إن الفصل العارش من الظهري الصادر يف اخلامس من أكتوبر من سنة‬
‫‪ ،1984‬املعترب بمثابة القانون املنظم للزجر عن الغش يف البضائع‪ ،364‬كان يمنع كل إعالن‬
‫مهام كان شكله يشتمل عىل ادعاء أو بيان أو عرض كاذب‪ ،‬قبل أن يتم نسخ هذا الفصل‬
‫بمقتىض املادة ‪ 196‬من القانون ‪ 31.08‬القايض بتحديد تدابري حلامية املستهلك‪.‬‬
‫‪ .310‬ما دام أن الفقه اإلسالمي يشكل مصدرا قانونيا يف بلدنا‪ ،‬فإنه ينبغي التأكيد‬
‫عىل أن الرشيعة اإلسالمية منعت هذا النوع من املامرسات‪ ،365‬باعتبار أن اإلشهار الكاذب‬
‫من وسائل فقدان الثقة التي حرصت رشيعتنا السمحة عىل منعها‪ .‬فعن أيب هريرة ريض اهلل‬
‫عنه أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم مر بمراحل يبيع طعاما‪ ،‬فسأله كيف تبيع؛ فأخربه‪،‬‬
‫فأوحى إليه‪ :‬أن أدخل يدك فيه فأدخل يده‪ ،‬فإذا هو مبلول‪ ،‬فقال له رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬من غشنا فليس منا‪ .‬وقريب من هذا‪ ،‬ما كان معروفا لدى العرب يف تداول‬
‫األنعام‪ ،‬حيث كان يشد الواحد رضع البقرة‪ ،‬أو الشاة أو الناقة عدة أيام قبل الذهاب هبا‬
‫إىل السوق‪ ،‬لتظهر يف أعني طالبها منتفخة الرضع‪ ،‬غزيرة اللبن‪ ،‬فيقبل يف رشائها بثمن‬
‫مرتفع‪ ،‬وعندما حيلبها جيدها عادية‪ .‬األمر الذي هنى عنه النبي عليه الصالة والسالم فسامه‬
‫بالترصية‪ ،‬حيث قال‪:‬ال ترصوا اإلبل والغنم‪ ،‬فمن ابتاعها بعد‪ ،‬فإنه بخري النظريين بعد أن‬

‫‪ 364‬نص الفصل العارش من القانون رقم ‪ 13.83‬املتعلق بالزجر عن الغش يف البضائع عىل ما ييل‪" :‬يمنع كل إعالن مهام كان شكله يشتمل عىل‬
‫ادعاء أو بيان أو عرض كاذب‪ ،‬أو من شأنه أن يوقع املستهلك يف الغلط بشأن أحد العنارص اآلتية‪ :‬وجود السلع أو اخلدمات وطبيعتها وتركيبها‬
‫وجودهتا وحمتواها من العنارص املفيدة ونوعه ا ومنشئها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وأثامن ورشوط بيعها ورشوط أو نتائج‬
‫استعامهلا وأسباب وأساليب البيع والتسليم أو تقديم اخلدمة ومدى االلتزامات وهوية أو صفة أو أهلية الصناع والباعة واملشهرين واملعلنني‬
‫ومنجزي اخلدمات"‪.‬‬
‫جواد الغامري‪ :‬مصادر وخصائص قانون االستهالك‪ ،‬جملة القانون واالقتصاد‪ /‬جامعة سيدي حممد بن عبد اهلل‪ ،‬ع‪ ،10:‬مطبعة النجاح اجلديدة‪/‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،1995 ،‬ص‪.95:‬‬
‫حممد شعيبي‪ :‬احلامية القضائية للمستهلك يف مادة زجر الغش يف البضائع – حماكم الدار البيضاء نموذجا ‪ ،-‬جملة القانون واالقتصاد‪ ،‬ع‪،10:‬‬
‫‪ ،1990‬ص‪.69:‬‬
‫بوعبيد عبايس‪ :‬االجتهاد القضائي يف مادة الغش التجاري؛ م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪ .‬ع‪ ،31:‬ص‪.143:‬‬
‫‪ 365‬نظرا خلصوصية اإلشهار الكاذب أو ما يعرف أيضا بالدعاية اخلادعة‪ ،‬فإن الرشيعة اإلسالمية حرمت هذا النوع من اإلشهار حتت طائلة‬
‫العقوبات اجلنائية ‪ .‬جابر حمجوب عيل‪ :‬ضامن سالمة املستهلك من األرضار الناشئة عن عيوب املنتجات الصناعية املبيعة؛ مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.210:‬‬

‫‪164‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫حيتلبها‪ ،‬إن شاء أمسك‪ ،‬وإن شاء ردها وصاعا من متر‪.366‬‬


‫‪ .311‬وقد أحسنت الترشيعات احلديثة بتعزيز الوسائل السالفة الذكر بضامنات‬
‫إضافية ‪ ،‬حيث خولت هذه القوانني للمستهلك بوجه عام ما أصبح يعرف بخيار‬ ‫‪367‬‬

‫الرتوي ومهلة الرجوع يف العقد‪.‬‬


‫ثانيا‪ :‬متكي املستهلك من مهلة للتفكري ومهلة للندم‬
‫‪ .312‬بالرغم من فرض املرشع املغريب لاللتزام باإلعالم كالتزام ملقى عىل عاتق‬
‫املهني يف مواجهة املستهلك من أجل تنوير رضا هذا األخري بمقتىض القانون رقم‬
‫‪ ،31.08‬فإن هذا االلتزام ال يعترب كافيا يف ظل التباين اخلطري بني املهني واملستهلك‬
‫الذي يعترب طرفا قليل اخلربة؛ هلذه االعتبارات وجدنا العديد من القوانني احلديثة‬
‫خولت للمستهلك باعتباره الطرف الضعيف مهلة للتفكري يف بنود العقد (أ)‪ ،‬وأيضا‬
‫‪368‬‬

‫مهلة للرجوع أو الندم (ب)‪.‬‬

‫أ‪ :‬ختويل املستهلك مهلة للتفكري‬


‫يتمثل اهلدف األسايس من هذا االلتزام يف تقرير املزيد من الضامنات‬ ‫‪.313‬‬
‫للمستهلك باعتباره الطرف الضعيف؛ وهذه احلامية تربز من خالل جعل مدة املهلة‬
‫فرتة تأمل وتفكري قبل إبرام العقد‪ ،‬فال يتم انعقاده إال بعد انقضاء هذه املدة والتي غالبا‬
‫ما حتدد يف سبعة أيام كام هو الشأن بالنسبة للامدة التاسعة من قانون ‪ 12‬يونيو ‪ 1971‬يف‬
‫فرنسا التي ألزمت مقدم خدمة التعليم باملراسلة باإلبقاء عىل رشوط عرضه ملدة‬ ‫‪369‬‬

‫سبعة أيام من تاريخ تسليمه لطالب اخلدمة‪ ،‬وأيضا ما نص عليه القانون رقم ‪ 10‬لسنة‬

‫‪ 366‬أبو ال عال عيل أبو العال النمر‪ :‬محاية املستهلك يف العالقات اخلاصة ذات الطابع الدويل؛ مرجع سابق؛ ص‪.8:‬‬
‫حممد احلبيب التجكاين‪ :‬مفهوم املستهلك ووسائل محايته يف اإلسالم؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17:‬‬
‫‪367 CALAIS-AULOY Jean et STEINMETZ Frank : Droit de la consommation, 5ème édition, 2000,‬‬

‫‪Dalloz, P : 126.‬‬
‫; ‪MARINO-MICHEZ Laurence : Droit des contrats spéciaux ; Librairie Vuibert/ Paris, Octobre 1999‬‬
‫‪P:27.‬‬
‫‪368 MALAURIE (Ph.) et AYNES (Laurent) : Suretés, 4ème édition, 1992, N°752.‬‬

‫مصطفى حممد اجلامل‪ :‬السعي إىل التعاقد يف القانون املقارن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14:‬‬
‫‪ 369‬إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ :‬العقد غري الالزم‪ ،‬دراسة مقارنة معمقة يف الرشيعة اإلسالمية والقوانني الوضعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15:‬‬

‫‪165‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ 1978‬الفرنس الذي ألزم هو اآلخر مقدم االئتامن املتعلق باملنقوالت واخلدمات‬ ‫‪370‬‬

‫باإلبقاء عىل العرض املقدم منه ملستهلك املنقول أو اخلدمة مدة مخسة عرش يوما ‪.‬‬
‫‪371‬‬

‫‪ .314‬عىل غرار هذه النصوص القانونية وغريها التي أسس من خالهلا املرشع‬
‫الفرنس ملهلة التفكري كآلية مهمة حلامية املستهلك‪ ،‬فإن املرشع املغريب تطرق هو اآلخر‬
‫هلذه الضامنة بمقتىض القانون رقم ‪ 31.08‬السالف الذكر فيام يتعلق بعقد القرض مميزا‬
‫بني القروض االستهالكية والقرض العقاري‪ .‬فبخصوص النوع األول من القروض‪،‬‬
‫أي القروض االستهالكية‪ ،‬فإن املادة ‪ 77‬من القانون رقم ‪ 31.08‬نصت عىل ما ييل‬
‫"جيب أن يسبق كل عملية قرض منصوص عليها يف املادة ‪ 74‬عرض مسبق للقرض‬
‫حيرر بكيفية متكن املقرتض من تقييم طبيعة ومدى االلتزام املايل الذي يمكن أن يتعهد‬
‫به ورشوط تنفيذ العقد املذكور‪.‬‬
‫جيب أن تنجز عمليات القرض الواردة يف املادة ‪ 74‬وفق بنود العرض املسبق الذي‬
‫تسلم نسختان منه جمانا إىل املقرتض وعند االقتضاء نسخة إىل الكفيل‪.‬‬
‫يلزم املق رض عند تسليم العرض املسبق باإلبقاء عىل الرشوط الواردة فيه خالل‬
‫مدة ال تقل عن سبعة أيام من تاريخ تسليمه للمقرتض"‪.‬‬
‫أما بخصوص النوع الثان من القروض‪ ،‬أي القروض العقارية‪ ،‬نصت املادة ‪120‬‬
‫من القانون رقم ‪ 31.08‬عىل ما ييل "يلزم املقرض باإلبقاء عىل الرشوط التي حددها يف‬
‫العرض الذي وجهه للمقرتض طيلة مدة ال تقل عن مخسة عرش يوما من تاريخ تسلم‬
‫املقرتض للعرض‪.‬‬
‫يتوقف العرض عىل قبول املقرتض والكفيل من األشخاص الطبيعيني املرصح‬
‫هبم‪.‬‬

‫‪ 370‬مصطفى حممد اجلامل‪ :‬السعي إىل التعاقد يف القانون املقارن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.215:‬‬
‫بخصوص بعض النامذج األخرى من العقود التي يفرض فيها املرشع املغريب خيار الرتوي يمكن الرجوع إىل‪:‬‬
‫‪CALAIS-AULOY Jean et STEINMETZ Frank : Droit de la consommation, 5éme édition 2000, Dalloz, P : 111.‬‬
‫‪371 BENABENT‬‬
‫‪Alain : Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux ; Op.cit, P:73 et s.‬‬
‫‪MALAURIE (Ph.) et AYNES (Laurent) : Droit civil, les contrats spéciaux, Op.cit, P:615.‬‬

‫‪166‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫وال جيوز للمقرتض والكفيل قبول العرض إال بعد تسلمه بعرشة أيام‪.‬‬
‫وجيب أن يبلغ قبول العرض بأية وسيلة تثبت التوصل"‪.‬‬
‫كام سبق أن أكدنا عىل ذلك يف مناسبة سابقة ‪ ،‬فإننا نرى أنه كان حريا‬
‫‪372‬‬
‫‪.315‬‬
‫باملرشع املغريب أن يفرض هذا االلتزام ملصلحة املستهلك بوجه عام يف أي عقد يكون‬
‫طرفه الثاين حمرتفا ووصلت قيمته حدا مهام‪ ،‬ألنه يلزم املهني باعتباره الطرف القوي يف‬
‫البقاء عىل إجيابه املتمثل يف الرشوط الواردة بالعقد التمهيدي ملدة حمددة يرتك‬
‫للمستهلك مهلة كافية لقراءة هذه الرشوط وحماولة فهمها ملعرفة ما يرتتب عن القبول‬
‫هبا من حقوق والتزامات‪.‬‬

‫ب‪ :‬متكي املستهلك من مهلة للرجوع‬


‫‪ .316‬هبدف تعزيز محاية رضا املستهلك‪ ،‬فإن خمتلف الترشيعات احلديثة منحته‬
‫أيضا مهلة إضافية للرجوع عن العقد أو ما يسمى بمهلة الندم أوالرجوع‪ ،‬أو بحسب‬ ‫‪373‬‬

‫تسمية املرشع املغريب مهلة الرتاجع ‪ ،le droit à la rétractation‬ومن هذه القوانني‬
‫نجد املرشع الفرنس الذي فرض مهلة الرجوع أو الندم يف بعض العقود التي‬
‫يكون أحد أطرافها مستهلكا كام هو الشأن بالنسبة للبيع املنزيل‪ ،‬حيث أعطت‬
‫املادة ‪ L21/121‬للمستهلك املشرتي سبعة أيام كمهلة للرجوع‪.374‬‬

‫‪ 372‬عبد الرمحان الرشقاوي‪ :‬قانون العقود املسامة؛ الكتاب األول العقود الناقلة للملكية‪ ،‬عقد البيع؛ مرجع سابق؛ ص‪.95:‬‬
‫‪ 373‬نضال إسامعيل برهم‪ :‬أحكام عقود التجارة اإللكرتونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.140:‬‬
‫احلبيب كامل البناين‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات والتطور املعلومايت‪( ،‬الثابت واملتحول)؛ جملة القضاء والترشيع‪ ،‬ع‪ ،2005 ،8:‬ص‪.309:‬‬
‫يرى هذا الباحث أن هذه اإلمكانية تستعيص عىل التكييف ضمن املفاهيم املتعارفة يف قواعد االلتزامات وأحكام العقد‪ ،‬وحتى إن جتاوزنا‬
‫النقاشات التي أتارثها وماهلا من تأثري عىل مبدأ سلطان اإلرادة فإن السعي إىل تأصيل هذا احلق وفق مفردات ومفاهيم النظرية العامة لاللتزامات‬
‫هو سعي حمكوم بالفشل‪ ،‬ألن هذا احلق مل يكن نتيجة صيغ قانونية متعارفة ومل يأخذ املرشع إذ سنه قواعد االلتزام يف االعتبار‪ ،‬بل هي الرضورة‬
‫الترشيعية وغايته التي حتمت محاية املستهلك دونام مراعاة ملقتضيات القوانني السابقة وال التفات ملطابقتها لنظرية االلتزام من عدمها وكان حق‬
‫العدول عن التعاقد خارجا عن مألوف التعاقد الكالسيكي‪ ،‬بل حتى خمالفا هلا بام يقتيض قبوله كيفام هو دون حاجة لتكييفه إذ علينا أن نسلم بأن‬
‫تطور املعامالت وتشعبها وظهور مصالح جديدة ال بد من محايتها حتمت ابتكار قواعد جديدة حتكم الروابط التعاقدية التي تطورت بفعل‬
‫التطورات العلمية والتقدم املعلومايت‪.‬‬
‫احلبيب كامل البناين‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.310:‬‬
‫‪374 LARROUMET Christian :Droit civil, les obligations, le contrat, Tome III, 5ème édition/économica,‬‬

‫‪Paris, 2003, P:349.‬‬

‫‪167‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .317‬بالنظر ألمهية هذا االلتزام‪ ،‬فإن املرشع املغريب قد أخذ بخيار الرجوع‬
‫بمقتىض القانون رقم ‪ ،31.08‬وإن كان يظهر لنا عىل أنه قرص هذا االلتزام عىل‬
‫بعض أنواع العقود‪ ،‬حيث تناوله بمناسبة تطرقه للعقود املربمة عن بعد والبيوع‬
‫خارج املحالت التجارية‪.‬‬
‫‪36‬‬ ‫فبخصوص النوع األول‪ ،‬أي بالنسبة للعقود املربمة عن بعد‪ ،‬فإن املادة‬
‫من القانون رقم ‪ 31.08‬نصت عىل ما ييل "للمستهلك أجل‪:‬‬
‫سبعة أيام ملامرسة حقه يف الرتاجع؛‬
‫ثالثني يوما ملامرسة حقه يف الرتاجع يف حالة ما مل يف املورد بالتزامه بالتأكيد‬
‫الكتايب للمعلومات املنصوص عليها يف املادتني ‪ 29‬و ‪.32‬‬
‫وذلك دون احلاجة إىل تربير ذلك أو دفع غرامة باستثناء مصاريف اإلرجاع‬
‫إن اقتىض احلال ذلك‪.‬‬
‫ترسي اآلجال املشار إليها يف الفقرة السابقة ابتداء من تاريخ تسلم السلعة أو‬
‫قبول العرض فيام يتعلق بتقديم اخلدمات‪.‬‬
‫تطبق أحكام هذه املادة مع مراعاة أحكام املادتني ‪ 38‬و ‪."42‬‬
‫وبالرجوع للامدة ‪ 37‬من هذا القانون –القانون رقم ‪ -31.08‬نجدها حددت‬
‫اجلزاء املرتتب عن ممارسة هذا احلق‪ ،‬حيث جاء فيها "عند ممارسة حق الرتاجع‪،‬‬
‫جيب عىل املورد أن يرد إىل املستهلك املبلغ املدفوع كامال عىل الفور وعىل أبعد‬
‫تقدير داخل اخلمسة عرش يوما املوالية للتاريخ الذي متت فيه ممارسة احلق‬
‫املذكور‪ .‬وبعد انرصام األجل املذكور‪ ،‬ترتتب بقوة القانون‪ ،‬عىل املبلغ املستحق‬
‫فوائد بالسعر القانوين املعمول به"‪.‬‬
‫‪31.08‬‬ ‫أما بالنسبة للبيع خارج املحالت التجارية‪ ،‬فإننا نجد القانون رقم‬
‫خصص للحق يف الرتاجع املادتني ‪ 49‬و ‪ 50‬من هذا القانون‪ ،‬حيث نصت األوىل‬
‫‪9‬‬ ‫عىل ما ييل‪" :‬استثناء من أحكام الفصل ‪ 604‬من الظهري الرشيف الصادر يف‬
‫‪168‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫رمضان ‪ 12( 1331‬أغسطس ‪ )1913‬بمثابة قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬جيوز‬


‫للمستهلك الرتاجع داخل أجل أقصاه سبعة أيام ابتداء من تاريخ الطلبية أو‬
‫االلتزام بالرشاء‪ ،‬عن طريق إرسال االستامرة القابلة لالقتطاع من العقد بواسطة‬
‫أية وسيلة تثبت التوصل‪.‬‬
‫يعترب كل رشط من رشوط العقد يتخىل املستهلك بموجبه عن حقه يف‬
‫الرتاجع باطال وعديم األثر‪.‬‬
‫ال تطبق أحكام هذه املادة عىل العقود املربمة وفق الرشوط املنصوص عليها‬
‫يف املادة ‪."51‬‬
‫‪ .318‬لعل املالحظة األساسية عىل القانون رقم ‪ 31.08‬بخصوص هذه‬
‫الضامنة املقررة للمستهلك –خيار الرجوع‪ -‬تتمثل يف تضييقه لنطاق تطبيقه؛‬
‫حيث إنه باإلضافة لكون القانون اجلديد حرص منح مهلة الرجوع يف نوعني من‬
‫العقود فقط‪ ،‬كام أرشنا لذلك‪ ،‬فإننا وجدنا هذا القانون استثنى خضوع العديد من‬
‫العقود التي تصنف داخل دائرة أحد النوعني السالفي الذكر خليار الرجوع‪.‬‬
‫فبالرجوع للامدتني ‪ 38‬و ‪ 42‬والفقرة األخرية من املادة ‪ 49‬من هذا القانون‪،‬‬
‫يتبي لنا أهنا استثنت العديد من العقود‪ ،‬بل إنه نص يف املادة األوىل عىل مخسة‬
‫أنواع من العقود التي ال يمكن أن يامرس فيها املستهلك حق الرتاجع ما مل يتفق‬
‫الطرفان عىل خالف ذلك‪ ،‬وهو ما يبدو لنا أمرا صعبا يف ظل الوضعية الصعبة‬
‫والضعيفة التي يتواجد فيها املستهلك كقاعدة عامة‪.‬‬
‫‪ .319‬ونرى أنه بالرغم من كون هذه األحكام التي جاء هبا املرشع املغريب هي‬
‫يف أغلبها تتشابه مع تلك التي جاءت هبا القوانني احلديثة اخلاصة باالستهالك‪،‬‬
‫فإن ذلك ال يعني أهنا غريبة عن املجتمع املغريب الذي كان يطبق أحكام الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬السيام إذا علمنا أن هذا الفقه كان له السبق يف ذلك‪ ،‬من خالل خيار‬

‫‪169‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الرؤية وخيار املجلس‪ .375‬فبخصوص خيار الرؤية‪ 376‬فهو عام لكل متعاقد مل يسبق‬
‫له رؤية املبيع‪ ،‬رؤية مميزة فله أن يفسخ العقد بعد الرؤية حتى ولو جاء املحل‬
‫مطابقا كام جاء يف املادة ‪ 320‬من جملة األحكام العدلية‪ .‬فنستنتج من ذلك‪ ،‬أنه‬
‫يتحقق له من حيث الواقع مهلة للرجوع عن العقد‪.‬‬
‫كام أن فقهاء الشافعية واحلنابلة يقولون بخيار املجلس‪ ،377‬الذي حيقق‬
‫ألطراف العقد مصلحتهام مادام خيول هلام إمكانية إعادة النظر يف العقد‪ ،‬كام يتضح‬
‫لنا مما ذهب إليه الفقيه ابن القيم رمحه اهلل‪" 378‬إن الشارع أثبت خيار املجلس يف‬
‫ا لبيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين‪ ،‬وحيصل متام الرضا الذي رشطه اهلل تعاىل فيه‪،‬‬
‫فإن العقد قد يقع بغتة من غري ترو وال نظر يف القيمة‪ ،‬فاقتضت حماسن هذه‬
‫الرشيعة الكاملة أن جيعل للعقد حريام يرتوى فيه املتبايعان ويعيدان النظر‪،‬‬
‫ويستدرك كل واحد منهام عيبا كان خفيا فال أحسن من هذا احلكم وال أرفق‬
‫ملصلحة اخللق"‪.‬‬
‫بمعنى أن اهلدف من هذا اخليار يف الفقه اإلسالميهو الرتوي‪ ،‬وهو يف ظل‬
‫التباين الواضح احلاصل يف وقتنا احلايل لن يكون إال يف مصلحة املتعاقد‬
‫الضعيف‪ ،‬أو ما يسمى يف القوانني احلديثة باملستهلك‪.‬‬

‫‪ 375‬إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ :‬العقد غري الالزم‪ .‬دراسة مقارنة معمقة يف الرشيعة اإلسالمية والقوانني الوضعية؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.242:‬‬
‫‪ 376‬إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ :‬العقد غري الالزم‪ ،‬دراسة مقارنة معمقة يف الرشيعة اإلسالمية والقوانني الوضعية‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.102:‬‬
‫مالك بن أنس‪ :‬املوطأ‪ ،‬املجلد الثاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ /‬لبنان‪ ،‬دون ذكر سنة الطبع‪ ،‬ص‪.671:‬‬
‫حممد الزرقاين‪ :‬رشح الزرقاين عىل موطأ اإلمام مالك‪ ،‬املكتبة التجارية الكربى‪ ،1959 ،‬ص‪.320:‬‬
‫حممد بن يوسف الكايف‪ :‬إحكام األحكام عىل حتفة احلكام‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1994 /‬ص‪.154:‬‬
‫حممود حممد الطنطاوي‪ :‬املدخل إىل الفقه اإلسالمي‪ :‬تاريخ الترشيع ‪..‬ومصادره‪..‬والنظريات الفقهية‪ ،‬مكتبةوهبة‪ ،1987 ،‬ص‪.329:‬‬
‫‪ 377‬ال يعني ذلك أن الفقه اإلسالمي بمختلف مدارسه مل يعرف إال هاذين النوعني من اخليار‪ ،‬بل هناك أنواع أخرى من اخليارات تكاد تؤدي‬
‫نفس الوظيفة‪ ،‬ويمكن أن نشري فقط عىل سبيل املثال خليار اخليانة يف بيوع األمانات وعقود االسرتسال وتلقي الركبان‪ ،‬أي عندما يركن املشرتي‬
‫إىل أمانة البائع يف عقود األمانات أو يظهر جهله وعدم خربته للبائع فله فسخ العقد باخليار للخيانة‪.‬‬
‫أنظر ابن القيم‪ :‬إعالم املوقعني‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬ص‪.309:‬‬
‫‪ 378‬ابن القيم‪ :‬إعالم املوقعني‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬ص‪.105:‬‬

‫‪170‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الفرع الثان‪ :‬املحل‬


‫‪ .320‬بالرجوع للفصل الثاين من قانون االلتزامات والعقود املغريب‪ ،‬نجده يعدد‬
‫من بني األركان الالزمة لصحة االلتزامات الناشئة عن التعبري عن اإلرادة املحل‪ ،‬أو بام‬
‫عرب عنه بيشء حمقق يصلح ألن يكون حمال لاللتزام‪ ،‬كام أنه بالرجوع ملختلف األحكام‬
‫التي خصصها املرشع املغريب للمحل‪ ،‬أي الفصول من ‪ 57‬إىل ‪ 61‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يتضح‬
‫أنه يعتربه ركنا يف االلتزام وليس يف العقد ‪.‬‬
‫‪379‬‬

‫بذلك يكون املرشع املغريب قد تبنى التوجه احلديث الذي يستبعد فكرة حمل‬
‫العقد ‪ ،‬عىل اعتبار أن املقصود هبذا املحل األخري هو تلك العملية القانونية التي يراد‬ ‫‪380‬‬

‫حتقيقها من وراء العقد كالبيع‪ ،‬اإلجيار والوكالة أو غريها؛ بينام يقصد بمحل االلتزام‬ ‫‪381‬‬

‫هو ذلك األداء املتمثل يف إعطاء يشء أو القيام بعمل أو باالمتناع عن عمل‪.‬‬ ‫‪382‬‬

‫لعل أمهية هذا التمييز تربز عىل مستوى النتائج القانونية املرتتبة عن ذلك‪ ،‬فقد يكون‬
‫حمل االلتزام مرشوعا‪ ،‬بينام حمل العقد باطال‪ ،383‬وهذه حالة بيع الرتكة املستقبلة فمحل‬
‫االلتزام فيها يعترب صحيحا ما دام أهنا قابلة للوجود يف املستقبل‪ ،‬أي أن البائع يمكنه نقل‬
‫ملكيتها إىل املشرتي‪ ،‬غري أن العقد باطل بسبب منع القانون الترصف يف تركة شخص ما‬
‫زال عىل قيد احلياة كام يتضح من الفقرة الثانية من الفصل ‪ 61‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪.‬‬

‫‪ 379‬يذهب الفقه الفرنس‪ ،‬إىل أنه بالرغم من الغموض الذي يعرتي التعبري الذي جاء به الفصل ‪ 1108‬من القانون املدين الفرنس‪ ،‬املوازية للامدة‬
‫‪ 1128‬بعد تعديل ‪ 10‬فرباير ‪2016‬؛ والذي أكدته العديد من النصوص القانونية األخرى؛ حيث إنه بالرجوع للفصول من ‪ 1126‬إىل ‪1128‬‬
‫تظهر استعامل حمل العقد‪ ،‬يف حني أن مراجعة الفصول ‪ 1129‬و ‪ 1130‬تبني استعامله ملحل االلتزام‪ .‬غري أن هذا التعبري السء كام يؤكد عىل ذلك‬
‫هذا الفقه‪ ،‬ليس هلا من تربير خاص؛ وأن احلقي قة هي أن مقتضيات هذا القانون ختص حمل االلتزام؛ بمعنى ما هو االلتزام امللقى عىل عاتق‬
‫املتعاقد‪ ،‬أو الذي يتعني عىل املتعاقد تنفيذه‪ ،‬فهو إما إعطاء يشء أو القيام بعمل أو االمتناع عن عمل كام أكدت عىل ذلك املادة ‪ 1128‬من القانون‬
‫املدين الفرنس‪.‬‬
‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit; P:199.‬‬
‫‪ 380‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.152:‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد؛ مرجع‬
‫سابق؛ ص‪.135:‬‬
‫مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.174:‬‬
‫; ‪381 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬

‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:227.‬‬


‫; ‪382 MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬

‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:227.‬‬


‫‪383 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬

‫‪op.cit ;P:200.‬‬

‫‪171‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .321‬قبل االنتقال إىل معاجلة خمتلف رشوط املحل‪ ،‬ينبغي التطرق ملالحظتي‬
‫مهمتي؛ األوىل هي أننا نقصد بمحل االلتزام هنا االلتزام اإلرادي ‪ ،‬عىل اعتبار أنه يف‬
‫‪384‬‬

‫االلتزام غري اإلرادي كام هو الشأن بالنسبة للمسؤولية التقصريية فإن القانون هو الذي‬
‫يتوىل تعيني املحل؛ أما املالحظة الثانية‪ ،‬فهي أنه أصبح من الرشوط األساسية يف املحل‪،‬‬
‫السيام يف ظل التحوالت التي شهدهتا أغلب العقود املربمة بني املهنيني واملستهلكني‪،‬‬
‫أن تكون قيمة املحل تتسم بقدر من العدالة ‪ ،‬أي أن ال يكون هناك تباين فاحش بني‬
‫‪385‬‬

‫حمل التزامات طريف العقد‪ ،‬وهذا هو عنرص الغبن الذي ارتأينا تناوله يف املبحث اخلاص‬
‫بعيوب الرىض لالرتباط الوثيق بينه وبني باقي العيوب األخرى‪.‬‬
‫‪ .322‬عموما‪ ،‬فإنه من أجل أن يكون العقد صحيحا‪ ،‬فإنه ينبغي أن تتوفر جمموعة من‬
‫الرشوط يف حمل االلتزام؛ أوهلا أن يكون موجودا أو قابال للوجود يف املستقبل إذا كان حمل‬
‫االلتزام إعطاء يشء‪ ،‬أما إذا كان حمله عمال أو امتناعا عن عمل فإنه ينبغي أن يكون ممكنا‬
‫(املبحث األول)؛ إضافة إىل رشط التعيني أو القابلية للتعيني (املبحث الثاين)‪ ،‬وأخريا‬
‫ينبغي أن يكون املحل مرشوعا (املبحث الثالث)‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رضورة أن يكون املحل موجودا وممكنا‬
‫‪ .323‬نميز بصدد هذا الرشط بني االلتزام الذي يكون حمله إعطاء يشء‪ ،‬حيث‬
‫ينبغي أن يكون موجودا أو عىل األقل قابال للوجود يف املستقبل (املطلب األول)؛ أما‬
‫االلتزام الذي يكون حمله القيام بعمل أو االمتناع عن عمل‪ ،‬فإنه يتعني أن يكون ممكنا‬
‫(املطلب الثاين)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رضورة وجود املحل أو قابليته للوجود‬
‫‪ .324‬إذا كان حمل التزام املتعاقد يتمثل يف إعطاء يشء‪ ،‬فإنه ينبغي أن يكون موجودا‬
‫أثناء إبرام العقد‪ ،‬وإال فإن العقد يكون باطال ؛ بمعنى أنه إذا تبني أن املحل مل يكن‬
‫‪386‬‬

‫موجودا وقت العقد أو هلك قبل إبرامه‪ ،‬فإن مصري هذا األخري هو البطالن‪ ،‬سواء كان‬

‫‪384 FAGES‬‬ ‫‪Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p:140.‬‬


‫‪385 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit ;P:215.‬‬
‫‪386 NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des‬‬

‫‪obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; L.G.D.J. 1er‬‬


‫‪édition 2006 ; P:90.‬‬

‫‪172‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫اهلالك ناجتا عن فعل مادي كاحرتاق املنزل أو السيارة حمل االلتزام أو حالة بيع منتوج‬
‫زراعي سبق أن هلك قبل البيع‪ ،‬أو كان اهلالك قانونيا كام هو الشأن بالنسبة للرخصة التي‬
‫سبق أن ألغيت قبل إبرام العقد‪.‬‬
‫‪ .325‬وكام يصح التعاقد عىل يشء موجود فعال وقت العقد‪ ،‬فإنه يصح التعاقد‬
‫أيضا عىل يشء حمتمل الوجود‪ ،‬أي عىل يشء مستقبل؛ وقد أجازت هذه اإلمكانية‬
‫خمتلف الترشيعات بشكل رصيح‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة للقانون املغريب‪ ،‬الذي نص‬
‫عليها يف الفقرة األوىل من الفصل ‪ 61‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "جيوز أن يكون حمل‬
‫االلتزام شيئا مستقبال أو غري حمقق فيام عدا االستثناءات املقررة بمقتىض القانون"‪ .‬وهو‬
‫نفس احلكم الذي سبق للقانون املدين الفرنس أن أكد عليه بمقتىض الفقرة األوىل من‬
‫املادة ‪ 1130‬التي أصبحت هي املادة ‪ 1163‬بمقتىض األمر الصادر بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪،2016‬‬
‫ثم جسده فيام بعد بخصوص بيع العقارات يف طور اإلنجاز بمقتىض الفصول ‪1/1601‬‬
‫إىل ‪ 4/1601‬من نفس القانون ‪.‬‬ ‫‪387‬‬

‫لعل األمثلة عىل التعامل يف األشياء املستقبلة يف احلياة العملية كثرية‪ ،‬من ذلك قيام‬
‫صاحب املصنع ببيع كمية معينة من املنتجات قبل صنعها مع تعجيل املشرتي باملبلغ‬
‫اإلمجايل أو عىل األقل مبلغا حمددا للبائع‪ ،‬وتسمى هذه احلالة ببيع السلم التي نظمها‬
‫املرشع املغريب بمقتىض الفصول من ‪ 613‬إىل ‪ 618‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬وقد عرفه الفصل األول‬
‫بام ييل‪ " :‬السلم عقد بمقتضاه يعجل أحد املتعاقدين مبلغا حمددا للمتعاقد اآلخر الذي‬
‫يلتزم من جانبه‪ ،‬بتسليم مقدار معني من األطعمة أو غريها من األشياء املنقولة يف أجل‬
‫متفق عليه"‪.‬‬
‫من األمثلة البارزة أيضا‪ ،‬بيع العقار قبل إنجازه أو بنائه‪ ،‬الذي أثار العديد من املشاكل‬
‫السيام يف ظل الفراغ القانوين الذي هيمن عىل أغلب القوانني؛ مما سمح للطرف القوي‬
‫الذي يتمثل يف مهنيي قطاع البناء وبيع العقار باستغالل املستهلكني الذين يرغبون يف‬
‫احلصول عىل مسكن يف ظل األزمة التي عرفها هذا القطاع ‪ .‬هلذه االعتبارات كان لزاما‬
‫‪388‬‬

‫‪387‬‬ ‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit; P:204.‬‬
‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; EDITION CUJAS ; Op.cit ; p:270.‬‬
‫‪ 388‬حممد بن أمحد بونبات‪ :‬بيع العقارات يف طور اإلنجاز‪ ،‬دراسة يف ضوء القانون رقم ‪44.00‬؛ سلسلة آفاق القانون (‪ ،)9‬املطبعة والوراقة‬
‫الوطنية‪ -‬مراكش؛ الطبعة األوىل ‪2003‬؛ ص‪.7:‬‬

‫‪173‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عىل املرشع املغريب أن يتدخل لتنظيم هذا النوع من العقود املستقبلية؛ وهو ما تم بمقتىض‬
‫القانون رقم ‪ 44.00‬املغري واملتمم بمقتىض القانون رقم ‪ ، 107.12‬الذي أدمج الفصول‬
‫‪389‬‬

‫من ‪ 618‬مكرر‪ 1-‬إىل ‪ 618‬مكرر‪ ،20-‬أي عرشين مادة‪.‬‬


‫وبحسب املادة األوىل كام تم تغيريها بمقتىض القانون رقم ‪ ،107.12‬أي الفصل‬
‫‪ 618‬مكرر‪ ،1-‬فإنه " يعترب بيعا لعقار يف طور اإلنجاز كل اتفاق يلتزم البائع بمقتضاه‬
‫بإنجاز عقار داخل أجل حمدد ونقل ملكيته إىل املشرتي مقابل ثمن يؤديه هذا األخري‬
‫تبعا لتقدم األشغال" ‪.‬‬
‫‪390‬‬

‫ويتميز قانون بيع العقار يف طور اإلنجاز بمجموعة من املميزات‪ ،‬التي هتدف يف‬
‫جمملها إىل محاية الطرف الضعيف يف هذا العقد؛ والتي تتمثل يف جعله عقدا شكليا من‬
‫جهة أوىل سواء أثناء إبرام العقد االبتدائي‪ 391‬أو النهائي‪392‬؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإنه يعترب‬

‫ظهري رشيف رقم ‪ 1.16.05‬بتاريخ ‪ 3‬فرباير ‪ ،2016‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 6440‬بتاريخ ‪ 18‬فرباير ‪.2016‬‬ ‫‪389‬‬

‫‪ 390‬يرى أحد األساتذة املغاربة أن هذا التعريف ما هو إال ترمجة ملا كان يتبناه العمل القضائي‪ ،‬ذلك أنه بالرجوع لألحكام الصادرة عن حماكم‬
‫التابعة لدائرة حمكمة االستئناف بالرباط نجدها تعترب عقد بيع العقار يف طور اإلنجاز بمثابة عقد ابتدائي؛ من ذلك القرار الصادر عن حمكمة‬
‫بالرباط بتاريخ ‪ 16‬أبريل ‪ ،1982‬حيث جاء فيه " لكن بالرجوع إىل العقد الرابط بني الطرفني والذي بمقتضاه باع املستأنف عليهام حمل النزاع‬
‫يتبني أن عقد البيع خايل من أي رشط مما أصبحت بنوده ملزمة للطرفني معا حسب مقتضيات الفصل ‪ 230‬من ق‪.‬ل‪.‬ع"‪.‬‬
‫جياليل بوحبص‪ :‬قراءات يف القانون العقاري وقانون البناء؛ دار األفاق املغربية للنرش والتوزيع‪ /‬الدار البيضاء؛ الطبعة األوىل‪.2009:‬‬
‫‪ 391‬تطبيقا للامدة ‪ 3-318‬مكرر من القانون رقم ‪ 44.00‬التي نصت عىل ما ييل‪" :‬جيب أن حيرر عقد البيع االبتدائي للعقار يف طور اإلنجاز إما يف‬
‫حمرر رسمي أو بموجب ع قد ثابت التاريخ يتم حتريره من طرف مهني ينتمي إىل مهنة قانونية منظمة وخيول هلا قانوهنا حترير العقود وذلك حتت‬
‫طائلة البطالن‪.‬‬
‫حيدد وزير العدل سنويا الئحة بأسامء املهنيني املقبولني لتحرير هذه العقود‪.‬‬
‫يقيد بالالئحة املحامون املقبولون للرتافع أمام املجلس األعىل طبقا للفصل ‪ 34‬من الظهري الرشيف رقم ‪ 1.93.162‬الصادر يف ‪ 22‬من ربيع‬
‫األول ‪ 10( 1414‬شتنرب ‪ )1993‬املعترب بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة املحاماة‪.‬‬
‫حيدد نص تنظيمي رشوط تقييد باقي املهنيني املقبولني لتحرير هذه العقود‪.‬‬
‫جيب أن يتم توقيع العقد والتأشري عىل مجيع صفحاته من األطراف ومن اجلهة التي حررته‪.‬‬
‫يتم تصحيح اإلمضاءات بالنسبة للعقود املحررة من طرف املحامي لدى رئيس كتابة الضبط للمحكمة االبتدائية التي يامرس املحامي بدائرهتا‪.‬‬
‫جيب أن يتضمن العقد عىل اخلصوص العنارص التالية‪:‬‬
‫هوية األطراف املتعاقدة؛‬ ‫‪-‬‬
‫الرسم العقاري ا ألصيل للعقار املحفظ موضوع البناء أو مراجع ملكية العقار غري املحفظ‪ ،‬مع حتديد احلقوق العينية والتحمالت‬ ‫‪-‬‬
‫العقارية الواردة عىل العقار وأي ارتفاق آخر عند االقتضاء؛‬
‫تاريخ ورقم رخصة البناء؛‬ ‫‪-‬‬
‫وصف العقار حمل البيع؛‬ ‫‪-‬‬
‫ثمن البيع النهائي وكيفية األداء؛‬ ‫‪-‬‬
‫أجل التسليم؛‬ ‫‪-‬‬
‫مراجع الضامنة البنكية أو أية ضامنة أخرى أو التأمني عند االقتضاء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وجيب أن يرفق هذا العقد‪:‬‬
‫=‬
‫‪174‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫عقد استهالك‪ ،‬ولذلك جاء هذا القانون بمجموعة من املقتضيات احلامئية‪ ،‬لعل أمهها ما‬
‫نص عليه الفصل ‪ 8-618‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه عىل أنه يعد باطال كل أداء كيفام‬
‫كان قبل التوقيع عىل العقد االبتدائي أو عقد التخصيص يف حالة اللجوء إىل إبرامه‪.‬‬
‫هذا يعترب من‬ ‫‪393‬‬
‫وتنبغي اإلشارة إىل أن التنصيص عىل 'عقد التخصيص'‬
‫مستجدات القانون رقم ‪ 107.12‬املغري واملتمم للقانون رقم ‪ ،44.00‬حيث خول‬
‫إمكانية إبرامه‪ ،‬واشرتاط رضورة كتابته‪ ،‬دون فرض نوع معني منها؛ ويبقى إبرام هذا‬
‫العقد جمرد مرحلة اختيارية‪ ،‬جاء هبا املرشع من أجل محاية املشرتي‪ ،‬السيام إذا علمنا أن‬
‫املامرسة كشفت عدم احرتام األطراف املتدخلة يف هذا النوع من العمليات للمقتضيات‬
‫التي جاء هبا القانون رقم ‪ ،44.00‬حيث غالبا ما كان يكتفي املنعش العقاري بمنح‬
‫املشرتي املستقبيل جمرد وصل‪ ،‬ومتسكهم بأن مثل هذا الوصل أو احلجز إنام هو آلية‬
‫داخلية تسمح هلم بربجمة بيوعاهتم‪.‬‬
‫لكل هذه االعتبارات‪ ،‬عمل القانون رقم ‪ 107.12‬عىل تنظيم عقد التخصيص‪،‬‬
‫وجعله مرنا عىل مستوى الكتابة املتطلبة‪ ،‬ملا يف ذلك من تشجيع للمتعاملني يف هذا‬
‫املجال عىل التعامل داخل اإلطار القانوين اجلديد؛ غري أنه من أجل محاية املشرتي‬
‫املستهلك‪ ،‬فإن املرشع املغريب جاء بضامنتني‪ ،‬األوىل تتعلق بالبيانات التي ينبغي‬
‫تضمينها هذا العقد ‪ ،‬أما الضامنة الثانية فتتمثل يف اشرتاط احلصول عىل رخصة البناء‬ ‫‪394‬‬

‫قبل إبرام عقد التخصيص‪ ،‬وذلك حتت طائلة البطالن ‪.‬‬


‫‪395‬‬

‫بنسخ مطابقة ألصل التصاميم املعامرية بدون تغيري وتصاميم اإلسمنت املسلح ونسخة من دفرت التحمالت؛‬ ‫‪-‬‬
‫بشهادة مسلمة من لدن املهندس املختص تثبت االنتهاء من أشغال األساسات األرضية للعقار"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نص الفصل ‪ 16-618‬نص عىل أن العقد النهائي يربم طبقا ملقتضيات الفصل ‪ 3-618‬املشار إليه أعاله وذلك بعد أداء املبلغ اإلمجايل للعقار‬ ‫‪392‬‬

‫أو للجزء املفرز من العقار‪ ،‬حمل عقد البيع االبتدائي‪.‬‬


‫‪ 393‬نص الفصل ‪ 618-3‬مكرر مرتني يف فقرته األوىل عىل ما ييل‪" :‬يمكن للبائع واملشرتي قبل حترير العقد االبتدائي إبرام عقد ختصيص من‬
‫أجل اقتناء عقار يف طور اإلنجاز إما يف حمرر رسمي أو حمرر عريف ثابت التاريخ وفقا للشكل املتفق عليه من األطراف"‪.‬‬
‫‪ 394‬نصت الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 618- 3‬مكرر مرتني عىل ما ييل‪" :‬يتضمن عقد التخصيص البيانات الواردة يف البنود ‪ 1‬و‪2‬‬
‫و‪ 3‬و‪ 4‬و‪ 5‬و‪ 6‬و‪ 7‬املنصوص عليها يف الفصل ‪ 618.3‬مكرر أعاله"‪.‬‬
‫‪ 395‬نصت عىل هذا املقتىض الفقرة الثانية من الفصل ‪ 618-3‬مكرر مرتني‪ ،‬حيث جاء فيها "ال جيوز إبرام عقد ختصيص العقار‬
‫يف طور اإلنجاز‪ ،‬حتت طائلة البطالن‪ ،‬إال بعد احلصول عىل رخصة البناء"‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .326‬إذا كانت القاعدة‪ ،‬هي جواز التعامل يف األشياء املستقبلة‪ ،‬فإن هذه القاعدة‬
‫ترد عليها بعض االستثناءات‪ ،‬من أمهها عدم جواز التعامل يف الرتكة املستقبلة التي‬
‫نصت عليها خمتلف الترشيعات ‪ ،‬وذلك هبدف احليلولة دون جعل حياة اإلنسان جماال‬ ‫‪396‬‬

‫للمضاربة؛ وقد نص عىل هذا املنع املرشع املغريب بمقتىض الفقرة الثانية من الفصل ‪61‬‬
‫من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬التي جاء فيها "ومع ذلك ال جيوز التعامل يف تركة إنسان عىل قيد احلياة‪،‬‬
‫وال إجراء أي تعامل فيها‪ ،‬أو يف يشء مما تشتمل عليه‪ ،‬ولو حصل برضاه‪ ،‬وكل ترصف‬
‫مما سبق يقع باطال بطالنا مطلقا"‪.‬‬
‫املطلب الثان‪ :‬أن يكون املحل ممكنا‬
‫‪ .327‬بخالف احلالة السالفة‪ ،‬فإنه عندما يكون حمل االلتزام القيام بعمل أو‬
‫االمتناع عن عمل‪ ،‬فإنه ينبغي أن يكون هذا املحل ممكنا ال مستحيال؛ أو بمعنى آخر‪،‬‬
‫أنه إذا كان املحل مستحيال‪ ،‬كان العقد باطال؛ لكون القاعدة القانونية تقيض بأنه ال‬
‫التزام بمستحيل ؛ وقد أكدت عىل هذا الرشط خمتلف الترشيعات‪ ،‬من ذلك القانون‬ ‫‪397‬‬

‫املغريب بمقتىض الفصل ‪ 59‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "يبطل االلتزام الذي يكون حمله‬
‫شيئا أو عمال مستحيال‪ ،‬إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون"‪.‬‬
‫إن االستحالة التي تؤدي إىل بطالن العقد‪ ،‬هي االستحالة املطلقة ال‬ ‫‪.328‬‬
‫االستحالة النسبية؛ حيث إن هذه األخرية تشكل فقط عجزا شخصيا لبعض‬
‫األشخاص دون غريهم‪ ،‬األمر الذي يفيد أهنا ال حتول دون إبرام العقد بالنسبة‬
‫لألشخاص القادرين عىل ختطي هذه االستحالة النسبية؛ يف حني أن االستحالة املطلقة‬
‫جتعل موضوع االلتزام مستحيال يف ذاته وبالنسبة جلميع األشخاص‪ ،‬كام أكدت عىل‬

‫‪ 396‬لعل مصدر هذا املنع يف الترشيعات الغربية هو القانون الروماين‪ ،‬الذي كان حيرم رضوب التعامل يف الرتكات املستقبلة عىل اعتبار أهنا ختالف‬
‫األداب‪ ،‬إضافة إىل كوهنا قد تكون أحد أدوات التعجيل بوضع حد حلياة الشخص طمعا يف استحقاق تركته قبل األوان؛ غري أن هذا القانون كان‬
‫حيرص هذه القاعدة يف نطاق ضيق‪ ،‬يتمثل يف منع التعاقد بني شخصني بخصوص تركة شخص ثالث‪ ،‬بمعنى أنه كان جييز التعامل بالرتكة‬
‫املستقبلة إذا تم ذلك برضاء املورث‪ .‬ثم انتقلت هذه املبادئ إىل القانون الفرنس القديم‪ ،‬إال أن القضاء اختلف يف تطبيقها‪ ،‬فبعض املحاكم‬
‫أخذت بقاعدة احلظر وما تتضمنه من استثناء‪ ،‬يف حني ذهبت حماكم أخرى إىل األخذ بالقاعدة عىل إطالقها دون أي استثناء؛ أي أن هذا القضاء‬
‫حرم التعامل يف الرتكة املستقبلة ولو تم برضا صاحبها؛ وهذا التفسري هو الذي أخذ به واضعو مدونة نابليون‪.‬‬
‫‪ 397‬يبدأ الفقه الفرنس حديثهم عن هذا الرشط بمقولة ال التزام بمستحيل ‪.à l’impossible, nul n’est tenu‬‬
‫‪Henri et Léon MAZEAUD, Jean MAZEAUD, François CHABAS : Leçons de droit civil, Obligation‬‬
‫‪Théorie générale ; op.cit ; P :248.‬‬
‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit; P:204.‬‬
‫‪MALAURIE Ph. Et AYNES L. : Droit civil ; les obligations ; EDITION CUJAS ; Op.cit ; p:271.‬‬

‫‪176‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ذلك بعض الترشيعات‪ ،‬من بينها القانون املدين األردين الذي نص عىل ما ييل "إذا كان‬
‫املحل مستحيال يف ذاته وقت التعاقد كان العقد باطال"‪.‬‬
‫‪ .329‬كام يقسم الفقه االستحالة املطلقة إىل نوعني ؛ النوع األول يسمى‬
‫‪398‬‬

‫باالستحالة القانونية‪ ،‬التي تتمثل يف وجود مانع قانوين حيول دون إبرام العقد‪ ،‬كتعهد‬
‫حمام برفع استئناف عن قضية بعد فوات أجل استئنافها؛ أما املقصود باالستحالة‬
‫الطبيعية‪ ،‬فهي التي ترجع لطبيعة االلتزام كأن يلتزم شخص عىل أن يقطع املحيط‬
‫األطلس سباحة‪ .‬وقد أكد عىل بطالن االستحالة الطبيعية أو املادية املرشع املغريب‬
‫بمقتىض الفصل ‪ 729‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "يبطل كل اتفاق يكون موضوعه‪:‬‬
‫ب) القيام بأعامل مستحيلة ماديا"‪.‬‬
‫‪ .330‬يف األخري‪ ،‬نود اإلشارة إىل أنه ينبغي التمييز بني االستحالة املطلقة التي‬
‫حتول دون إمكانية قيام العقد‪ ،‬أو التي تؤدي إىل بطالنه‪ ،‬وبني االستحالة املطلقة‬
‫الالحقة النعقاد العقد‪ ،‬حيث إن االلتزام يقوم ويعترب العقد صحيحا يف هذه احلالة‬
‫األخرية‪ ،‬مادام أن االلتزام كان ممكنا وقت متام العقد‪ ،‬غري أنه ينقيض بسبب هذه‬
‫االستحالة كام هو الشأن بالنسبة للقوة القاهرة واحلادث الفجائي‪ ،‬حيث تؤدي هذه‬
‫األسباب إىل فسخ العقد امللزم جلانبني‪ ،‬وإىل اإلعفاء من املسؤولية ‪.‬‬
‫‪399‬‬

‫املبحث الثان‪ :‬أن يكون املحل معينا أو قابال للتعيي‬


‫‪ .331‬نص عىل هذا الرشط املرشع املغريب بمقتىض الفصل ‪ 58‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي‬
‫جاء فيه " اليشء الذي هو حمل االلتزام جيب أن يكون معينا عىل األقل بالنسبة إىل نوعه‪.‬‬
‫ويسوغ أن يكون مقدار اليشء غري حمدد إذا كان قابال للتحديد فيام بعد"‪.‬‬
‫‪ .332‬واحلق يقال‪ ،‬إن هذا الرشط يعترب مهام لطريف العقد‪ ،‬عىل اعتبار أن هذا‬
‫التحديد هو الكفيل بأن يعرف املدين حدود التزاماته‪ ،‬كام أنه من خالله يتمكن الدائن‬
‫من معرفة ما سيطالب به ‪.‬عموما‪ ،‬فإننا نرى عىل أن تعيني حمل االلتزام خيتلف بحسب‬ ‫‪400‬‬

‫‪398‬‬ ‫‪TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:307.‬‬
‫‪ 399‬نص الفصل ‪ 268‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬عىل ما ييل " ال حمل ألي تعويض‪ ،‬إذا أثبت املدين أن عدم الوفاء بااللتزام أو التأخري فيه ناشئ عن سبب ال يمكن أن يعزى إليه‪،‬‬
‫كالقوة القاهرة‪ ،‬أو احلادث الفجائي أو مطل الدائن"‪.‬‬
‫‪400FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ;les obligations, 1.L’acte juridique,op.cit ;P:200.‬‬

‫‪177‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫طبيعة هذا املحل؛ حيث يمكننا التمييز بني ما إذا كان األمر يتعلق بالقيام بعمل أو‬
‫االمتناع عن عمل (املطلب األول)‪ ،‬أو بإعطاء يشء (املطلب الثاين)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تعيي املحل يف االلتزام بعمل أو باالمتناع عن عمل‬


‫‪ .333‬إذا كان حمل االلتزام القيام بعمل أو االمتناع عن عمل‪ ،‬فإنه جيب أن يكون‬
‫هذا املحل معينا أو قابال للتعيني؛ ومن األمثلة عىل ذلك‪ ،‬أن يتعهد مقاول ببناء عامرة‬
‫معينة‪ ،‬ففي هذه احلالة يتوجب أن يكون حمل االلتزام حمددا حتديدا دقيقا‪ ،‬من خالل‬
‫حتديد عدد الطوابق ومواصفاهتا‪.‬‬

‫أما إذا خال املحل من هذا التحديد‪ ،‬فإن العقد يكون باطال ؛ ففي املثال السابق‪،‬‬
‫‪401‬‬

‫فإن املقاول الذي يكتفي بأن يلتزم بإقامة العامرة دون أن يعني عدد شققها وال‬
‫مواصفاهتا‪ ،‬فإن املحل يكون غري معني تعيينا كافيا‪ ،‬وبالتايل يكون العقد باطال‪.‬‬

‫وقد ذهب الفقه اإلسالمي إىل التمييز بني اجلهالة الفاحشة واجلهالة‬ ‫‪.334‬‬

‫اليسرية ‪ ،‬فاألوىل هي التي تؤثر عىل العقد‪ ،‬ملا ينتج عنها من غرر وخداع؛ يف حني أن‬ ‫‪402‬‬

‫اجلهالة اليسرية ال حتول دون قيام العقد صحيحا‪ ،‬لكون العرف جرى عىل التسامح‬
‫بشأهنا‪.‬‬

‫املطلب الثان‪ :‬تعيي املحل يف االلتزام بإعطاء يشء‬


‫‪ .335‬إذا كان حمل االلتزام نقل حق عيني عىل يشء‪ ،‬أي االلتزام بإعطاء يشء‪ ،‬فإنه‬
‫ينبغي أن يكون هذا اليشء معينا أو قابال للتعيني؛ وكام سنربهن عىل ذلك فإن كيفية‬
‫التعيني هنا ختتلف بحسب ما إذا كان اليشء من القيميات (أ)‪ ،‬أو من املثليات (ب)‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:242.‬‬
‫‪ 402‬حممد الزرقاين‪ :‬رشح الزرقاين عىل موطأ اإلمام مالك‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.320:‬‬
‫حممد بن يوسف الكايف‪ :‬إحكام األحكام عىل حتفة احلكام‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫حممود حممد الطنطاوي‪ :‬املدخل إىل الفقه اإلسالمي‪ :‬تاريخ الترشيع ‪..‬ومصادره‪..‬والنظريات الفقهية‪ ،‬مكتبة وهبة‪.1987 ،‬‬

‫‪178‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫أ‪ :‬تعيي املحل يف األشياء القيمية‬


‫‪ .336‬جيمع الفقه عىل أنه إذا ورد العقد عىل يشء قيمي‪ ،‬أي يشء معني بالذات‪،‬‬
‫فإنه يتعني حتديده حتديدا دقيقا ‪ ،‬وأن يوصف هذا اليشء وصفا دقيقا حتى ال خيتلط‬ ‫‪403‬‬

‫بغريه ومنعا من اجلهالة الفاحشة‪ .‬واألمثلة عىل ذلك كثرية‪ ،‬منها أن يقوم شخص ببيع‬
‫منزل معني أو عقار ما ‪ ،‬حيث ينبغي عليه أن حيدد موقعه ومساحته وحدوده ‪.‬‬
‫‪405‬‬ ‫‪404‬‬

‫ب‪ :‬تعيي املحل يف األشياء املثلية‬


‫‪ .337‬إذا كان اليشء من املثليات ‪ ،‬فإنه ينبغي تعيينه بجنسه ونوعه ومقداره؛ كام‬
‫‪406‬‬

‫هو الشأن بالنسبة لبيع قنطار من القمح أو األرز أو سيارة من نوع معني؛ حيث يكفي‬
‫لكي يكون املحل معينا‪ ،‬أن يتم حتديد نوعيتها‪ ،‬بخالف الوضع بالنسبة لألشياء القيمية‬
‫التي تستلزم التحديد الدقيق املنايف للجهالة‪.‬‬
‫وبالنظر لكون أطراف العقد‪ ،‬قد هيملون حتديد عنرص اجلودة بشكل مسبق؛ فإن‬
‫املرشع املغريب توقع هذه الفرضية فوضع هلا مقتضيات خاصة‪ ،‬وذلك بمقتىض الفصل‬
‫‪ 244‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬الذي جاء فيه "إذا مل يعني اليشء إال بنوعه مل يكن املدين ملزما بأن‬
‫يعطي ذلك اليشء من أحسن نوع‪ ،‬كام ال يمكنه أن يعطيه من أردئه"‪.‬‬
‫‪ .338‬أما إذا كان حمل االلتزام نقودا‪ ،‬فإنه جيب أن تكون معينة بنوعها ومقدارها عىل‬
‫غرار أي حمل لاللتزام‪407‬؛ وبالرجوع للفصل ‪ 247‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬نجده تناول بعض‬

‫‪403 MALAURIE‬‬ ‫‪(Ph.) et AYNES (L.) : Les contrats spéciaux, op.cit ; P:135.‬‬
‫‪404‬‬ ‫‪NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des‬‬
‫‪obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; op.cit ; P:91.‬‬
‫‪ 405‬يف هذا السياق‪ ،‬فإن املجلس األعىل ذهب يف قرار له بتاريخ ‪ 03‬نوفمرب ‪ 1983‬إىل نقض القرار الصادر عن حمكمة االستئناف عندما تبني له أن‬
‫القطعة األرضية حمل البيع مل حيدد رسمها العقاري وال احلدود املميزة هلا وأن حمكمة املوضوع عندما مل تناقش هذه املسألة تكون قد عرضت‬
‫حكمها للنقض‪.‬‬
‫‪ 406‬املقصود باألشياء املثلية هي األشياء التي يقوم بعضه ا مقام بعض‪ ،‬أو هي تلك األشياء التي هلا ما يقابلها يف السوق من حيث النوع‬
‫واملواصفات‪.‬‬
‫‪ 407‬عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف‬
‫مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.143:‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P:243.‬‬

‫‪179‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫اإلشكاالت املرتبطة بمحل االلتزام متى كان عبارة عن مبالغ مالية؛ يمكن اختزاهلا فيام ييل‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان اسم العملة الواردة يف االلتزام يرسي عىل نقود عديدة متداولة قانونا‬
‫ولكنها خمتلفة القيمة‪ ،‬كان للمدين عند الشك‪ ،‬أن يربئ ذمته بالدفع بالنقود األقل قيمة‪.‬‬
‫‪ -‬مع ذلك‪ ،‬ففي العقود التبادلية يفرتض يف املدين أنه ملتزم بالنقود األكثر‬
‫استعامال‪ .‬فإن كانت العمالت عىل قدم املساواة وجب إبطال العقد‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أن يكون املحل مرشوعا‬


‫‪ .339‬نستشف هذا الرشط من خالل الفصل ‪ 57‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫املغريب‪ ،‬الذي جاء فيه "األشياء واألفعال واحلقوق املعنوية الداخلة يف دائرة التعامل‬
‫تصلح وحدها ألن تكون حمال لاللتزام‪ ،‬ويدخل يف دائرة التعامل مجيع األشياء التي ال‬
‫حيرم القانون رصاحة التعامل بشأهنا"‪ .‬وهو قريب مما كان ينص عليه املرشع الفرنس يف‬
‫املادة ‪ 1128‬مدين التي كانت تنص عىل أن األشياء التي تدخل يف دائرة التجارة هي‬
‫وحدها التي يمكن أن تكون حمل االتفاقات ‪.‬‬
‫‪408‬‬

‫‪ .340‬وقد ذهب الفقه الفرنس إىل أن مصطلح التجارة "‪ "commerce‬ال يؤخذ‬
‫باملعنى املعروف يف اللغة املألوفة ؛ فاليشء اخلارج عن دائرة التعامل هو اليشء الذي‬
‫‪409‬‬

‫ال يقبل أن يكون موضوع اتفاق ‪ ،‬والذي يمكن أن يتمثل يف مال مادي أو عمل‬
‫‪410‬‬

‫شخيص يتعهد به املدين؛ ومن قبل احلظر األول ما يدخل يف نطاق امللك العام للدولة‪،‬‬
‫حيث خيرج عن دائرة التعامل‪ ،‬إضافة لذلك فقد يكون املنع هدفه محاية الصحة العامة‪،‬‬
‫كام هو الشأن بالنسبة لبيع حيوانات مصابة بأمراض معدية؛ أما بخصوص القيام‬

‫‪408‬‬ ‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; op.cit ; P:224.‬‬
‫‪409 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬

‫‪13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P:205.‬‬


‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit; P:224.‬‬
‫‪410 NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des‬‬

‫‪obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; L.G.D.J. 1er‬‬


‫‪édition 2006 ; P:97.‬‬

‫‪180‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫بعمل‪ ،‬فإنه يعترب باطال‪ ،‬العقد الذي يلتزم بمقتضاه أحد املتعاقدين القيام بعمل جرمي‪.‬‬
‫‪ .341‬من األشياء التي حرم القانون املغريب التعامل فيها لكوهنا غري مرشوعة ما‬
‫نص عليه الفصل ‪ 484‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ .‬الذي جاء فيه عىل أنه يبطل بني املسلمني بيع‬
‫األشياء املعتربة من النجاسات وفقا لرشيعتهم مع استثناء األشياء التي جتيز هذه‬
‫الرشيعة االجتار فيها‪ ،‬كاألسمدة احليوانية املستخدمة يف أغراض الفالحة‪.‬‬
‫وبالرجوع للفقه اإلسالمي‪ ،‬نجده هو اآلخر أكد عىل مرشوعية املحل‪ ،411‬ذلك أن‬
‫من رشوط البيع أن يكون املبيع طاهرا فال يصح بيع نجس العني كاخلمر وامليتة واخلنزير‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬واألصل يف حتريم ذلك حديث جابر ريض اهلل عنه أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وسلم "إن اهلل ورسوله حرما بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واألصنام"‪.412‬‬
‫كام أن هناك العديد من التطبيقات القضائية يف املغرب هلذا املبدأ‪ ،‬من ذلك القرار‬
‫الصادر عن حمكمة االستئناف بطنجة بتاريخ ‪ 27‬يوليوز ‪ ،1988‬الذي جاء فيه "حيث‬
‫إن موضوع الدعوى يتعلق باملطالبة بأداء دين عن بيع مرشوبات كحولية‪ .‬وحيث إن‬
‫هذه املعاملة أساسها باطل لكوهنا تتناىف مع األخالق احلميدة وبالتايل مع النظام العام‬
‫املغريب الذي ال يقر ما يبنى عىل فساد األخالق من معامالت أو التزامات‪ .‬وحيث إن‬
‫حمل الدعوى يف النازلة غري مرشوع لكونه ينصب عىل أشياء خارجة عن نطاق دائرة‬
‫التعامل بحكم القانون‪ ،‬مما يكون معه احلكم االبتدائي قد صادف الصواب فيام قىض به‬
‫ويتعني تأييده" ‪.‬‬
‫‪413‬‬

‫‪ .342‬وخيرج عن دائرة التعامل أيضا جسم اإلنسان أو أحد أعضائه‪ ،‬كام أكدت‬
‫عىل ذلك العديد من الترشيعات‪ ،‬كالقانون األملاين‪ ،‬واإلسباين‪ ،‬إضافة إىل القانون‬
‫الفرنس‪ ،‬السيام بواسطة القانون املؤرخ يف ‪ 29‬يوليوز ‪ ، 1994‬وإن كان القضاء يف‬
‫‪414‬‬

‫‪ 411‬أيب القاسم حممد بن أمحد بن جزي الكلبي‪ :‬القوانني الفقهية؛ دار الكتب العلمية‪ /‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2006‬؛ ص‪.184:‬‬
‫‪ 412‬متفق عليه‪ ،‬واللفظ ملسلم (أنظر رشح النووي‪) 6/11 :‬؛ انظر كتاب التلقني يف الفقه املالكي للقايض أبو حممد عبد الوهاب البغدادي املالكي؛‬
‫اجلزء األول‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز الرياض‪ -‬مكة املكرمة؛ ص‪.359:‬‬
‫‪ 413‬قرار عدد ‪ 1474‬يف امللف عدد ‪6/87 .60‬؛ غري منشور‪.‬‬
‫‪414ANDORNO R. : La distinction juridique entre les personnes et les choses à l’épreuve des‬‬

‫=‬
‫‪181‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫فرنسا مل ينتظر النص الترشيعي إلقرار عدم رشعية الترصف يف جسم اإلنسان أو أحد‬
‫أعضائه ‪ ،‬قبل أن تكرس ذلك املادة ‪ 16‬من القانون املدين الفرنس ‪.‬‬
‫‪416‬‬ ‫‪415‬‬

‫وهو نفس املوقف الذي سار عليه املرشع املغريب بمقتىض القانون رقم ‪16.98‬املتعلق‬
‫بالتربع باألعضاء واألنسجة البرشية وأخذها وزرعها ؛ حيث جاءيف املادة ‪ 30‬منه ما ييل‪:‬‬
‫‪417‬‬

‫"يعاقب باحلبس من سنتني إىل مخس سنوات وبغرامة من ‪ 50.000‬إىل ‪ 100.000‬درهم كل‬
‫من عرض بأية وسيلة كانت تنظيم أو إجراء معاملة جتارية بشأن أخذ أعضاء برشية خرقا‬
‫ألحكام املادة ‪ 5‬من هذا القانون‪.‬‬
‫يعاقب بالعقوبات املنصوص عليها يف الفقرة السابقة األشخاص الذين يقومون‬
‫بمعاملة جتارية تتعلق بعضو برشي‪.‬‬
‫يعاقب بنفس العقوبات كل من تلقى أو حاول تلقي أجرة عري تلك املنصوص‬
‫عليها واملتعلقة بإجراء عمليات مرتبطة بعمليات أخذ أعضاء برشية أو االحتفاظ هبا أو‬
‫زرعها أو ساعد عىل ذلك" ‪.‬‬
‫‪418‬‬

‫‪procréations artificielles ; LGDJ ; 1996.‬‬


‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P :206.‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; op.cit ; P:234.‬‬
‫‪415 Trib. Gr. Inst. Paris, 3 juin 1969 ; Dalloz 1970 ; 136.‬‬

‫‪ 416‬نصت هذه املادة عىل أن لكل واحد احلق يف احرتام جسمه‪ ،‬فجسم اإلنسان ال يمكن املساس به‪ .‬جسم اإلنسان‪ ،‬وأعضائه‪ ،‬ال يمكن أن تكون‬
‫موضوع ترصف مايل‪.‬‬
‫‪L’article 16-1 du code civil affirme que « chacun a droit au respect de son corps. –le corps humain‬‬
‫‪est inviolable- le corps humain, ses éléments et ses produits ne peuvent faire l’objet d’un droit‬‬
‫‪patrimonial ».‬‬
‫‪ 417‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.99.208‬صادر يف ‪ 13‬من مجادى األوىل ‪ 25( 1420‬أغسطس ‪ )1999‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 16.98‬املتعلق بالتربع‬
‫باألعضاء واألنسجة البرشية وأخذها وزرعها‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪4726‬؛ ‪ 16‬سبتمرب ‪1999‬؛ ص‪.2299:‬‬
‫‪ 418‬بالرجوع إىل الفصل اخلامس من هذا القانون‪ ،‬نجده ينص عىل ما ييل "يعترب التربع بعضو برشي أو اإليضاء به عمال جمانيا ال يمكن بأي حال‬
‫من األحوال وبأي شكل من األشكال أن يؤدى عنه أجر أو أن يكون حمل معاملة جتارية‪ .‬وال تعترب مستحقة سوى املصاريف املتصلة بالعمليات‬
‫الواجب إجراؤها من أجل أخذ وزرع األعضاء ومصاريف االستشفاء املتعلقة هبذه العمليات"‪.‬‬
‫راجع يف هذا املوضوع نور الدين الرشقاوي الغزواين‪ :‬قانون زرع األعضاء البرشية؛ دراسة قانونية مقارنة؛ مطبعة أوملبيا؛ القنيطرة‪.2000/‬‬
‫رجاء ناجي مكاوي‪ :‬نقل وزرع األعضاء أو االستخدام الطبي ألعضاء اإلنسان وجثته‪ ،‬مقاربة بني القانون املغريب واملقارن والرشيعة اإلسالمية؛‬
‫رشكة بابل للطباعة والنرش والتوزيع‪ /‬الرباط؛ ‪.2002‬‬

‫‪182‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫الفرع الثالث‪ :‬السبب‬


‫مل يكتفي املرشع املغريب بتطلب عنرص الرتايض واملحل‪ ،‬من أجل صحة‬ ‫‪.343‬‬

‫العقد‪ ،‬بل إن الفقرة األخرية من الفصل الثاين من قانون االلتزامات والعقود املغريب‬
‫تطلبت ركنا آخر‪ ،‬يتمثل يف رضورة أن يكون هناك سبب مرشوع لاللتزام‪ ،‬وهو نفس‬
‫األمر الذي سبق أن أكدت عليه املادة ‪ 1108‬من القانون املدين الفرنس‪ .‬وكام سنرى‪،‬‬
‫فإن املرشع املغريب خصص الفصول من ‪ 62‬إىل ‪ 65‬لنظرية السبب‪ ،‬تناول فيها خمتلف‬
‫عنارص هذا الركن؛ ليكون بذلك قد تأثر إىل حد كبري باملواد من ‪ 1131‬إىل ‪ 1133‬من‬
‫القانون املدين الفرنس‪ ،‬قبل أن يتم التخيل يف فرنسا عن ذكر السبب كركن من أركان‬
‫العقد يف املادة ‪ 1128‬وذلك بمقتىض التعديل الذي أدخل عىل القانون املدن الفرنس‬
‫بمقتىض األمر الصادر بتاريخ ‪ 10‬فرباير ‪.2016‬‬

‫‪ .344‬لقد آثارت نظرية السبب جدال فقهيا كبريا حول حتديد ماهيته ؛ بل إهنا من‬
‫‪419‬‬

‫أعقد النظريات وأغمضها؛ كام أهنا عرفت جتاذبا فقهيا عميقا‪ ،‬حيث برزت بصددها‬
‫نظريتان أساسيتان ‪ ،‬األوىل تسمى بالنظرية التقليدية والثانية تسمى بالنظرية احلديثة‬ ‫‪420‬‬

‫وبينهام العديد من األفكار واألراء (املبحث األول)؛ التي كان هلا انعكاس واضح عىل‬
‫املوقف الذي تبناه القانون املغريب (املبحث الثاين)‪.‬‬
‫‪421‬‬

‫‪419‬‬ ‫‪FENOUILLET D. : Les concepts contractuels français à l’heure des principes du droit européen des‬‬
‫‪contrats ; Dalloz ; 2003 ; P:81.‬‬
‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P:218.‬‬
‫‪420 GHESTIN Jacques : cause de l’engagement et validité du contrat ; L.G.D.J. 2006.‬‬

‫‪GHESTIN Jacques : Le renouveau doctrinal actuel de l’absence de cause ; JCP /2006 ,I ; P :194.‬‬
‫‪ 421‬أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.176:‬‬
‫عبد احلق صايف‪ :‬القانون املدين‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬املصدر اإلرادي لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول تكوين العقد؛مرجع سابق؛ ص‪.447 :‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها‬
‫القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪-‬؛ مرجع سابق؛ ص‪.144:‬‬
‫حممد ابن معجوز‪ :‬السبب يف القانون املغريب والرشيعة اإلسالمية‪ ،‬دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية‬
‫والرشيعة اإلسالمية؛ مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2005‬‬

‫‪183‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املبحث األول‪ :‬ماهية السبب بي النظريتي التقليدية واحلديثة‬


‫‪ .345‬قلنا بأن نظرية السبب عرفت نقاشا كبريا‪ ،‬تعود جذوره إىل الفقيه الفرنس‬
‫دوما الذي أسس ألصول النظرية التقليدية يف السبب‪ ،‬والتي ترى أنه ال يتعدى القصد‬
‫املبارش (املطلب األول)‪ ،‬بخالف النظرية احلديثة التي تتجاوز هذا القصد لتهتم‬
‫بالسبب الباعث عىل التعاقد (املطلب الثاين)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬النظرية التقليدية يف السبب‬
‫‪ .346‬بالرغم من احلجج التي قامت عليها النظرية التقليدية يف السبب (الفقرة‬
‫األوىل)‪ ،‬فإهنا تعرضت ملجموعة من االنتقادات السيام من طرف الفقه البلجيكي‬
‫والفرنس (الفقرة الثانية)‪ ،‬دفعت ببعض الفقه املتحمس هلذه النظرية من الدفاع عنها‪،‬‬
‫حيث استطاع الفقيه كابتان أن خيفف من حدة تلك االنتقادات كام سنرى يف الفقرة‬
‫األخرية من هذا املطلب (الفقرة الثالثة)‪.‬‬
‫الفقرة األوىل‪ :‬ماهية النظرية التقليدية يف السبب‬
‫‪ .347‬يرجع الفضل يف ظهور هذه النظرية إىل الفقيه الفرنس دوما‪ ،‬ثم من بعده‬
‫بوتييه الذي عن طريقه انتقلت معامل وأسس هذه النظرية إىل القانون املدين الفرنس يف‬
‫املواد من ‪ 1131‬إىل ‪ .4221133‬ويذهب أنصار هذه النظرية إىل التمييز بني ثالثة أنواع من‬
‫السبب‪ ،‬األول هو السبب املنيشء لاللتزام‪ ،‬والثاين هو الغرض غري املبارش أو البعيد أو ما‬
‫يسمى بالسبب الباعث الدافع‪ ،‬بينام النوع الثالث من السبب هو الغرض املبارش الذي‬
‫قصده الطرف املتعاقد أو ما يسمى بالسبب القصدي أو الغائي؛ وأهنا ال تعتد إال هبذا‬
‫النوع األخري‪ ،423‬لكونه يتسم بطابع موضوعي ال يتغري يف الصنف الواحد من العقود‪.‬‬

‫‪422 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX E. : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique, op.cit ;P:220.‬‬
‫‪ 423‬استعرض أستاذنا الدكتور أمحد شكري السباعي خمتلف التربيرات التي أدىل هبا أنصار النظرية التقليدية‪ ،‬حيث كتب‪ ،‬بعد أن تطرق هلذا التمييز عىل‬
‫نفس الرتتيب الذي ذكرناه يف املتن " ‪...‬فاألول هو الواقعة القانونية التي تنشئ االلتزام من عقد أو قانون‪ ،‬أو إثراء بال سبب أو عمل غري مرشوع‪،‬‬
‫وبعبارة أدق هو مصدر االلتزام‪ ،‬وهو هبذا املعنى خيرج عن نطاق هذه النظرية‪ .‬والثاين هو الباعث الدافع إىل التعاقد‪ ،‬أو الغرض غري املبارش أو البعيد‬
‫‪ but indirecte et médiat but lointain‬والذي حيمل املتعاقد عىل إبرام العقد‪ ،‬أي هو عنرص شخيص‪ ،‬يتغري من شخص آلخر‪ ،‬حتى ولو‬
‫كانت العقود من نوع واحد وال هتتم النظرية التقليدية هبذا النوع من السبب‪ ،‬وجتعله غري مؤثر عىل العقد‪ ،‬سواء أكان مرشوعا أو غري مرشوع‪ ،‬فمثال‬
‫نجد ديمولوب–وهو من أنصار النظرية التقليدية‪ -‬بعد أن فرق بني السبب‪( :‬وهو العنرص الثابت الذي ال يتغري يف النوع الواحد من العقود والباعث‬
‫=‬
‫‪184‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫‪ .348‬عموما‪ ،‬فإن هذه النظرية تعالج السبب انطالقا من متييزها بني ثالثة أنواع‬
‫من العقود‪ ،‬هي العقود التبادلية (أوال)‪ ،‬والعقود العينية امللزمة جلانب واحد (ثانيا)‪،‬‬
‫وأخريا عقود التربع (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬السبب يف العقود التبادلية‬
‫‪ .349‬بحسب أنصار النظرية التقليدية‪ ،‬فإن السبب يف العقود التبادلية أو امللزمة‬
‫جلانبني‪ ،‬يتمثل يف االلتزامات املتقابلة ‪ ،‬حيث إن سبب التزام أحد الطرفني هو‬ ‫‪424‬‬

‫االلتزام املقابل الذي يتحمل به الطرف اآلخر؛ ففي عقد البيع‪ ،‬فإن التزام البائع بنقل‬
‫ملكية املبيع هو سبب التزام املشرتي بدفع الثمن‪ ،‬والتزام املشرتي بدفع الثمن هو سبب‬
‫التزام البائع بنقل ملكية اليشء املبيع‪ .‬ويف عقد املقاولة‪ ،‬فإن سبب التزام رب العمل‬
‫بأداء األجرة للمقاول هو التزام هذا األخري بإنجاز األشغال املتفق عليها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السبب يف العقود العينية‬
‫‪ .350‬تذهب النظرية التقليدية إىل جتسيد السبب يف العقود العينية امللزمة جلانب‬
‫واحد يف سبق تسليم اليشء ‪ ،‬فمثال يف عقد الرهن احليازي‪ ،‬فإن سبب التزام الدائن‬ ‫‪425‬‬

‫املرهتن برد اليشء املرهون لصاحبه هو واقعة التسلم التي وقعت أثناء إبرام عقد‬
‫الرهن؛ ونفس األمر ينطبق عىل عقد القرض والوديعة وغريها من العقود العينية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬السبب يف عقود التربع‬
‫‪ .351‬يرى أنصار النظرية التقليدية‪ ،‬أن املقصود بالسبب يف عقود التربع هو نية التربع‬
‫يف ذاهتا ‪ ،‬دون النظر إىل البواعث احلقيقية أو إىل ما يسمى بالدافع إىل التربع الذي يعترب‬ ‫‪426‬‬

‫وهو متغري بطبعه) يتساءل‪( :‬واآلن هل بنا حاجة ألن نضيف أن السبب الباعث كام رأينا‪ ،‬أي الباعث عىل العقد‪ ،‬ال أثر له عىل تكوين العقد أو‬
‫صحته؟ ال أمهية لكونه جدا أو مزاحا‪ ،‬وال لكونه مرشوعا أو غري مرشوع وقد رأينا فيام سبق أال حمل للبحث فيام إذا كان حقيقيا أو زائفا‪ ،‬وأن الغلط يف‬
‫الباعث عىل التعاقد ال يعترب سببا للبطالن" والثالث وهو الذي اعتد به أقطاب النظرية التقليدية دوما ‪ Domat‬وبوتييه ‪ Pothie‬وعرفه أحد‬
‫أنصارها وهو ديمولوب بقوله هو الغرض املبارش الذي يقصد امللتزم الوصول إليه بالتزامه‪ ،‬وهو يف عرف هذا الفقه التقليدي‪ ،‬وإن كان خيتلف‬
‫باختالف العقود فهو ثابت ال يتغري بالنسبة للنوع الواحد منها‪.".....‬‬
‫أمحد شكري السباعي‪ :‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.176:‬‬
‫‪424 TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; op.cit ; P:349.‬‬

‫‪ 425‬عبد القادر العرعاري ‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف‬
‫مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.147:‬‬
‫مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزاما ت والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.204:‬‬
‫‪426 FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬

‫‪13ème édition ; DALLOZ, 2008 ; P:220.‬‬

‫‪185‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫متغريا‪ ،‬حيث قد يكون هذا األخري هو الرغبة يف مساعدة املوهوب له عىل مواجهة احلياة‬
‫أو يف تشجيعه عىل القيام بعمل معني؛ يف حني أن السبب بمفهوم النظرية التقليدية‪ ،‬الذي‬
‫ينحرص يف نية التربع‪ ،‬ال يتغري‪.‬‬
‫‪ .352‬من جهة ثانية‪ ،‬فإن السبب هبذا املفهوم يف عقود التربع‪ ،‬خيتلف عن السبب‬
‫يف العقود امللزمة جلانبني؛ بالنظر لغياب تقابل االلتزامات؛ ففي عقد اهلبة‪ ،‬فإن الواهب‬
‫يلتزم بإعطاء يشء إىل املوهوب له‪ ،‬يف حني أن هذا األخري ال يلتزم بأي يشء‪ ،‬ومن ثم‬
‫ال يمكن القول بأن سبب التزام الواهب هو التزام املوهوب له‪ ،‬كام سبق أن رأينا‬
‫بالنسبة لاللتزامات التبادلية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬نقد النظرية التقليدية يف السبب‬
‫‪ .353‬تعرضت النظرية التقليدية يف السبب النتقادات عنيفة ‪ ،‬خاصة من قبل‬
‫‪427‬‬

‫الفقهاء البلجيكيني والفرنسيني‪ ،‬ويف مقدمة هؤالء الفقيه الفرنس بالنيول‪ ،‬وعموما‬
‫يسمى خصوم هذه النظرية بالالسببيني‪ .‬حيث ذهب هؤالء الفقهاء‪ ،‬إىل كون هذه‬
‫النظرية التقليدية غري صحيحة (أوال)‪ ،‬إضافة إىل كوهنا غري مفيدة (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النظرية التقليدية يف السبب غري صحيحة‬
‫‪ .354‬ذهب خصوم نظرية السبب إىل أن االنتقاد األسايس هلذه النظرية يعود باألساس‬
‫إىل كوهنا نظرية غامضة من حيث األساس الذي تقوم عليه‪ ،‬أي أهنا غري صحيحة ؛ ويظهر‬
‫‪428‬‬

‫هذا الغموض بمجرد تأمل فكرة السبب يف تقسيامت العقود التي أوردهتا هذه النظرية‪.‬‬
‫ففي العقود امللزمة جلانبي تنشأ التزامات الطرفني يف نفس الوقت من عقد واحد‪،‬‬
‫وال يمكن أن يكون أحدمها سبب لآلخر‪ ،‬مادام أن السبب جيب أن يسبق املسبب‪ ،‬أو‬
‫بحسب بعض الفقه ‪ ،‬جيب أن يتقدم السبب عىل النتيجة‪ ،‬كام تتقدم العلة عىل املعلول‪.‬‬ ‫‪429‬‬

‫‪427‬‬‫‪FLOUR Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit ; P :221.‬‬
‫‪BINET : De la fausse cause ; RTD civ. 2004 ; 655.‬‬
‫‪FAGES Bertrand : Droit des obligations ; op.cit ; P :152.‬‬
‫مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االل تزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.213:‬‬ ‫‪428‬‬

‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; Op.cit ; P :267.‬‬
‫‪ 429‬حممد ابن معجوز‪ :‬السبب يف القانون املغريب والرشيعة اإلسالمية‪ ،‬دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية والرشيعة‬
‫اإلسالمية؛ مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2005‬؛ ص‪.56:‬‬

‫‪186‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫ويف العقود العينية يرى خصوم النظرية التقليدية‪ ،‬أن التسليم‪ ،‬الذي يعترب بحسب‬
‫أنصار هذه النظرية بمثابة السبب‪ ،‬هو يف الواقع ركنا إضافيا لصحة االلتزام يف هذا‬
‫النوع من العقود‪ ،‬يرتتب عن ختلفه بطالن العقد أصال لغياب ركن التسليم ال السبب‪.‬‬
‫أما يف النوع الثالث من العقود‪ ،‬أي يف عقود التربع‪ ،‬ففي الوقت الذي ذهب فيه‬
‫أنصار النظرية التقليدية إىل أن السبب يتمثل يف نية التربع‪ ،‬فإن خصوم هذه النظرية‬
‫يرون أن النية هي نفسها ركن الرضا ؛ إضافة لذلك‪ ،‬فإن نية التربع يصعب فصلها‬
‫‪430‬‬

‫عن البواعث التي دفعت املتربع إىل التربع؛ ذلك أنه يصعب قبول فكرة أن املتربع التزم‬
‫بأن يتربع ألنه أراد التربع‪ ،‬لكون مثل هذا القول ال معنى له؛ ومن ثم‪ ،‬فإنه يتضح لنا أن‬
‫هذه النظرية خلطت بني السبب والباعث‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النظرية التقليدية يف السبب غري مفيدة‬
‫‪ .355‬يذهب خصوم النظرية التقليدية يف السبب إىل رفضها العتبار آخر يتمثل يف‬
‫كون اعتامدها غري مفيد ‪ ، Inutile‬نظرا ألنه يمكن االستغناء عنها يف خمتلف التطبيقات‬
‫‪431‬‬

‫التي رأيناها سابقا؛ ففي العقود امللزمة جلانبني‪ ،‬فإن فكرة االرتباط بني االلتزامات‬
‫املتقابلة يغني عن فكرة السبب كام أخذ هبا أنصار النظرية التقليدية‪ ،‬حيث إن مصري كال‬
‫من االلتزامني املتقابلني متوقف عىل مصري اآلخر‪ ،‬أي أنه ال يمكن تصور وجود التزام‬
‫من هذه االلتزامات املتقابلة دون وجود االلتزام املقابل؛ مما يعني أنه يف العقود التبادلية‬
‫تغني فكرة االرتباط عن فكرة السبب‪.‬‬
‫كام يمكن االستغناء عن هذه النظرية يف إطار العقود امللزمة جلانبني‪ ،‬حسب‬
‫خصومها‪ ،‬يف حالة بطالن العقد لعدم مرشوعية السبب بالتوسع يف فكرة البطالن لعدم‬
‫مرشوعية املحل‪432‬؛ ذلك أنه يف مجيع احلاالت التي يبطل فيها االلتزام لعدم مرشوعية‬
‫السبب يبطل فيها االلتزام أيضا لعدم مرشوعية املحل‪ ،‬ومن األمثلة عىل ذلك التزام‬
‫شخص بدفع مبلغ مايل حمدد لشخص يلتزم من جانبه بارتكاب جريمة معينة‪ ،‬ففي مثل‬
‫هذه احلالة‪ ،‬يعترب االلتزام باطال لعدم مرشوعية السبب‪ ،‬لكن يمكن االستغناء عن اعتامد‬

‫‪430‬‬ ‫‪TERRE François, SIMLER Philippe et LEQUETTE Yves : Droit civil, les obligations ; Op.cit ; P:349.‬‬
‫‪431‬‬ ‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; Op.cit ; P :267.‬‬
‫‪ 432‬حممد ابن معجوز‪ :‬السبب يف القانون املغريب والرشيعة اإلسالمية‪ ،‬دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية‬
‫والرشيعة اإلسالمية؛ مرجع سابق؛ ص‪.57:‬‬

‫‪187‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫نظرية السبب‪ ،‬واالكتفاء ببطالن العقد بناء عىل عدم مرشوعية املحل‪.‬‬
‫أما بالنسبة للعقود العينية‪ ،‬فإن انعدام التسليم يؤدي إىل بطالن العقد‪ ،‬ال بسبب‬
‫غياب السبب‪ ،‬وإنام نتيجة ختلف ركن أسايس يتمثل يف واقعة التسليم ‪ .‬وهو نفس‬
‫‪433‬‬

‫احلكم الذي ينطبق عىل ختلف نية التربع يف عقود التربع‪ ،‬حيث إن عدم انعقاد العقد‬
‫يرجع إىل انعدام ركن الرتايض‪ ،‬ومن ثم يطرح خصوم النظرية التقليدية تساؤال يتعلق‬
‫بمدى جدوى اعتامد هذه النظرية بصفة كلية‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬دفاع كابيتان عن النظرية التقليدية يف السبب‬
‫‪ .356‬بالرغم من االنتقادات التي وجهت للنظرية التقليدية يف السبب‪ ،‬فإن هناك‬
‫زمرة مهمة من الفقه دافعت عىل هذه النظرية من أجل تفنيد ما وجه إليها من انتقادات‪،‬‬
‫ويظهر عىل رأس هذا الفريق الفقيه الفرنس 'هنري كابيتان' الذي حاول جاهدا‬
‫‪434‬‬

‫الدفاع عن هذه النظرية‪ ،‬يف ظل التعديالت والرتميامت التي أدخلها عليها ‪.‬‬
‫‪435‬‬

‫فالسبب يف العقود التبادلية عند كابيتان‪ ،‬ليس هو تقابل االلتزامات يف حد ذاهتا‪،‬‬


‫بل يتعداها إىل الرغبة يف تنفيذ هذه االلتزامات‪ ،‬فمثال نجد أن سبب التزام البائع بنقل‬
‫امللكية ليس هو التزام املشرتي بدفع الثمن‪ ،‬بل الرغبة يف الوفاء هبذا الثمن؛ ومن ثم‪،‬‬
‫فالسبب‪ ،‬كام يرى كابيتان‪ ،‬ال يرتبط بتكوين العقد‪ ،‬بل يرتبط بتنفيذه‪.‬‬
‫أما فيام يتعلق بالعقود العينية‪ ،‬فإن كابيتان يرى أن سبب االلتزام فيها ليس هو‬
‫واقعة التسليم‪ ،‬وإنام يتجىل يف الغرض الذي هيدف إليه امللتزم؛ بل إن هذا الفقه يرى‬
‫عىل أن العقد العيني هو شبيه بالعقد الرضائي امللزم جلانبني وذلك عىل مستوى طبيعته‪،‬‬
‫حيث إن سبب التزام كال الطرفني هو التزام الطرف اآلخر‪ ،‬ففي عقد القرض مثال‪،‬‬
‫فإن هناك التزامان‪ ،‬األول عىل عاتق املقرض بتسليم مبلغ القرض‪ ،‬والثاين عىل عاتق‬
‫املقرتض برد مثله‪ .‬وبخصوص العقود العينية امللزمة جلانب واحد كام هو الشأن‬
‫بالنسبة للكفالة املجانية‪ ،‬فإن هذا الفقه يرى بأن سبب االلتزام فيها يرجع إىل نية املودع‬
‫بأداء هذه اخلدمة جمانا للمودع‪ ،‬أي نية التفضل‪.‬‬

‫‪433 FLOUR‬‬ ‫‪Jacques, AUBERT Jean-Luc et SAVAUX Eric : Droit civil ; les obligations, 1.L’acte juridique,‬‬
‫‪op.cit ; P :222.‬‬
‫‪434 CAPITANT H. : De la cause des obligations ; 1927.‬‬

‫‪ 435‬حليمة أيت محودي‪ :‬نظرية الباعث يف الرشيعة اإلسالمية والقانون الوضعي؛ منشورات السلسلة القانونية‪1986 /‬؛ ص‪.99:‬‬

‫‪188‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫وأخريا‪ ،‬ففيام خيص عقود التربع‪ ،‬فإن نية التربع التي تشكل السبب يف هذا النوع من‬
‫العقود حسب أنصار النظرية التقليدية‪ ،‬ال يمكن أن ختتلط بالرىض كام ذهب إىل ذلك‬
‫خصوم هذه النظرية؛ وحجة كابيتان أن إرادة املتربع يمكن حتليلها إىل عنرصين‪ ،‬العنرص‬
‫األول يتجىل يف إرادة املتربع يف أن يلتزم وهذا هو الرىض‪ ،‬أما العنرص الثاين فهو إرادته يف‬
‫أن يكون هذا االلتزام دون مقابل –أي عىل سبيل التربع‪ ،-‬وهذا هو السبب‪.436‬‬
‫‪ .357‬بالرغم من احلجج التي أدىل هبا هذا الفقه‪ ،‬من أجل الدفاع عن النظرية‬
‫التقليدية يف السبب‪ ،‬فإهنا مع ذلك بقيت قارصة‪ ،‬مادام أهنا مل تعتد بالبواعث‬
‫الدافعة إىل التعاقد‪ ،‬ومن ثم اقترصت فقط عىل االهتامم بالغرض املبارش للملتزم‬
‫عند حتليلها لنظرية السبب؛ هلذه االعتبارات‪ ،‬برزت النظرية احلديثة التي سعت‬
‫إىل تكميل النظرية التقليدية وإصالحها بام جيعل من نظرية السبب ذات فائدة‬
‫قانونية‪ ،‬كام سنرى يف املطلب املوايل‪.‬‬
‫املطلب الثان‪ :‬النظرية احلديثة يف السبب‬
‫‪ .358‬يعود الفضل يف بروز هذه النظرية إىل القضاء الذي تبني له أن احللول‬
‫التي اقرتحتها النظرية التقليدية بقيت عقيمة‪ ،‬ومن ثم ال تستجيب جلميع املشاكل‬
‫التي يطرحها السبب أمام املحاكم‪ ،‬أو بحسب تعبري بعض الفقه العريب‪ ،437‬فإن‬
‫النظرية التقليدية مل تستطيع أن تواجه احلياة العملية ومل يستطع القضاء وهو الذي‬
‫يعيش يف غامر العمل أن ينتفع هبا‪ .‬لذلك فإن القضاء الفرنس مل يلبث أن خرج‬
‫عليها‪ ،‬عن طريق تكسري احلواجز التي أقامتها هذه النظرية بني السبب والباعث‪،‬‬
‫وخلط بينهام خلطا تاما يف مجيع أنواع العقود‪.‬‬

‫‪ 436‬تنبغي اإلشارة إىل أن الفقيه هنري كابيتان هو نفسه أقر بأن النظرية التقليدية جيب أن تعدل تعديال من شأنه أن جيعل الباعث مؤثرا يف العقد يف‬
‫احلاالت الثالث اآلتية‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬التربع املقرتن برشط إذا تبني أن ذلك الرشط هو الدافع إىل التربع‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬الوصية‪ ،‬ال جيوز اعتبار نية التربع وحدها هي السبب يف عقدها‪ ،‬بل جيب أن يعتد بالباعث الذي دفع املويص إىل إجراء وصيته‪.‬‬
‫وجيعل هذا السبب هو الذي يؤثر يف صحة الوصية أو بطالهنا‪ .‬بحسب ما إذا كان الباعث مرشوعا وحقيقيا‪ ،‬أو ليس كذلك‪.‬‬
‫العقد الذي أدخل فيه املتعاقدان الباعث‪ ،‬فأصبح بذلك هذا الباعث جزءا من العقد‪ ،‬فيجب حينئذ االعتداد هبذا الباعث واعتباره هو السبب‪.‬‬
‫حممد ابن معجوز‪ :‬السبب يف القانون املغريب والرشيعة اإلسالمية‪ ،‬دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية‬
‫والرشيعة اإلسالمية؛ مرجع سابق؛ ص‪.64:‬‬
‫‪ 437‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬املجلد األول نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.497:‬‬

‫‪189‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫نستنتج مما سبق‪ ،‬أن القضاء الفرنس جعل السبب هو الباعث الدافع إىل‬
‫التعاقد ‪ ،‬هذا األخري يعترب أمرا ذاتيا خارجا عن العقد‪ ،‬ومن ثم خيتلف باختالف‬ ‫‪438‬‬

‫شخص املتعاقد؛ أي أنه ذو معيار شخيص‪ .‬وبالنظر للنتائج العملية التي ترتتب عن‬
‫اعتامد هذا املعيار‪ ،‬فإن الفقه احلديث رسعان ما تبنى هذه النظرية ودافع عنها ‪.‬‬
‫‪439‬‬

‫غري أن ذلك ال يعني أن النظرية احلديثة هجرت هنائيا األفكار التقليدية يف السبب‪،‬‬
‫بدليل أنه ال زال يطبق جزءا مهام من مقتضياهتا السيام يف العقود امللزمة جلانبني‪ ،‬الذي يعتد‬
‫فيها بالسبب القصدي إىل جانب الباعث الدافع إىل التعاقد‪ ،‬الذي يشرتط فيه أن يكون‬
‫مرشوعا وداخال يف دائرة اآلداب والنظام العام‪.‬‬

‫لعل من التساؤالت اجلوهرية التي أثريت بخصوص هذه النظرية‪ ،‬هو مدى‬
‫هتديد االعتداد بالباعث الستقرار املعامالت‪ .‬وقد تنبه القضاء الفرنس هلذه النقطة‪،‬‬
‫فاشرتط أن يكون الباعث أساسيا ورئيسيا لالعتداد به‪.‬‬

‫‪ .359‬تنبغي اإلشارة يف األخري‪ ،‬إىل أن نظرية السبب احلديثة تتشابه إىل حد كبري مع‬
‫ما سبق أن ذهب إليه فقهاء املالكية واحلنابلة‪ ،440‬الذين ينظرون للسبب عىل أنه الباعث‬
‫الدافع إىل التعاقد‪ ،‬وعىل أنه يعترب موجودا إىل أن يثبت عدم وجوده؛ وبحسبهم‪ ،‬فإنه يعتد‬
‫بالسبب سواء ذكر يف العقد أم مل يذكر ما دام معلوما من الطرف اآلخر‪ ،‬فإن كان الباعث‬
‫مرشوعا فالعقد صحيح أما إن كان غري مرشوع فالعقد غري صحيح‪.441‬‬

‫‪438‬‬ ‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; Op.cit ; P :271.‬‬
‫‪ 439‬ذ هب بعض الفقه‪ ،‬إىل أن جذور هذه النظرية ترجع إىل أشغال الفقيه هنري كابيتان و جاك موري‪.‬‬
‫‪NAMMOUR Fady, CABRILLAC Rémy, CABRILLAC Séverine et LACUYER Hervé : Droit des‬‬
‫‪obligations, droit français-droit libanais parspectives européennes et internationales ; L.G.D.J. 1er‬‬
‫‪édition 2006 ;P :105.‬‬
‫‪ 440‬بل إن بعض الفقه املغريب‪ ،‬يرى أن نظرية السبب احلديثة كام هي اليوم عند الالتينيني مستخلصة من كتب الفقه املالكي واحلنبيل‪ ،‬ألن ما بينها‬
‫من تشابه يصعب أن يأيت عن طريق توارد األفكار بحسب هذا الفقيه‪.‬‬
‫محدايت شبيهنا ماء العينني‪ :‬تأثر مصادر االلتزام يف القانون الوضعي بالفقه اإلسالمي؛ مطبعة املعارف اجلديدة‪ /‬الرباط؛ ‪2007‬؛ ص‪.185:‬‬
‫‪ 441‬للتعمق يف خمتلف األراء التي قال هبا الفقهاء املسلمون يمكن الرجوع ملؤلف الدكتور حممد ابن معجوز‪ :‬السبب يف القانون املغريب والرشيعة‬
‫اإلس المية‪ ،‬دراسة مقارنة للسبب يف القانون الروماين والفرنس والقوانني العربية والرشيعة اإلسالمية؛ مرجع سابق؛ ص‪ 95:‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املبحث الثان‪ :‬ركن السبب يف القانون املغريب‬


‫‪ .360‬تناول املرشع املغريب ركن السبب يف الفصول من ‪ 62‬إىل ‪ 65‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫ولعل املالحظة األساسية بخصوص املقتضيات التي جاءت هبا هذه املواد‪ ،‬هي أهنا تتميز‬
‫بالغموض وعدم الوضوح‪ ،‬األمر الذي جعل الفقه املغريب ينقسم إىل اجتاهني؛ األول‪،442‬‬
‫يرى بأن القانون املغريب أخذ بالنظرية التقليدية يف السبب‪ ،‬بينام يذهب االجتاه الثاين‪ ،443‬إىل‬
‫القول بأن القانون املغريب تأثر بالنظريتني معا التقليدية واحلديثة‪.‬‬
‫وإذ نؤيد االجتاه الثاين‪ ،‬فذلك للعديد من املربرات واألسباب املوضوعية‪ ،‬لعل أمهها‬
‫املقتضيات التي أوردها الفصل ‪ 62‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬حيث إن الشق األول من الفقرة األوىل‬
‫من هذا الفصل الذي جاء فيه"االلتزام الذي ال سبب له" تؤكد تأثر املرشع املغريب بالنظرية‬
‫التقليدية‪ ،‬مادام أنه يستشف من هذه الفقرة أن االلتزام يمكن أن يكون له سبب‪ ،‬كام‬
‫يمكن أن يكون السبب غري موجود‪ ،‬وال يتقرر البطالن إال يف احلالة الثانية‪.‬‬
‫أما الشق الثاين من هذه الفقرة التي جاء فيها "‪...‬أو املبني عىل سبب غري مرشوع يعد‬
‫كأن مل يكن"‪ ،‬فإنه يفيد تأثر املرشع املغريب بالنظرية احلديثة هي األخرى‪ ،‬مادام أن سبب‬
‫االلتزام إما أن يكون مرشوعا أو غري مرشوع‪ ،‬إذا كان خمالفا لألخالق احلميدة أو للنظام‬
‫العام‪ ،‬أو للقانون حسب أحكام الفقرة الثانية من الفصل ‪ 62‬من ق‪.‬ل‪.‬ع؛ والسبب هبذا‬
‫املفهوم هو الباعث الدافع إىل التعاقد‪.‬‬
‫‪ .361‬بغض النظر عن املوقف الذي جيسده املرشع املغريب من خالل األحكام التي‬
‫خصصها لركن السبب‪ ،‬فإنه يتعني أن تتوفر يف السبب جمموعة من الرشوط؛ يمكن إمجاهلا‬
‫يف رضورة أن يكون السبب موجودا (أوال)‪ ،‬وحقيقيا (ثانيا)‪ ،‬وأن يكون مرشوعا (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أن يكون السبب موجودا‬
‫‪ .362‬تطلب املرشع املغريب وجود السبب بمقتىض الفصلني ‪ 2‬و‪ 62‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود املغريب؛ حيث يتعني أن يكون لكل التزام سبب وإال كان العقد باطال‪.‬‬

‫‪ 442‬أمحد شكري السباعي‪:‬نظرية بطالن العقود يف القانون املدين املغريب والفقه اإلسالمي والقانون املقارن؛ مرجع سابق؛ ص‪.176:‬‬
‫مأمون الكزبري‪ :‬ن ظرية االلتزامات يف ضوء قانون االلتزامات والعقود املغريب؛ اجلزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.202:‬‬
‫‪ 443‬عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد يف مبادئها‬
‫القانونية ومظاهرها التطبيقية –دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي؛ مرجع سابق؛ ص‪.155:‬‬
‫بل إن األستاذ العرعاري يذهب إىل أن ازدواجية السبب التي يقررها املرشع املغريب بمقتىض الفصل ‪ 62‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬هي نفسها التي أكد عليها املرشع‬
‫املرصي أيضا يف املادة ‪ 136‬مدين مرصي‪ ،‬حيث جاء فيها " إذا مل يكن لاللتزام سبب أو كان سببه خمالفا للنظام العام أو األداب كان العقد باطال"‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫غري أن حاالت انعدام السبب نادرة‪ ،444‬مادام أن التعاقد بدون سبب يعترب من قبيل العبث؛‬
‫من ذلك‪ ،‬الشخص الذي يستأجر زوجته من أجل إرضاع ولدها منه‪ ،‬حيث يعترب العقد‬
‫يف مثل هذه احلالة باطل النعدام السبب‪ ،‬مادام أن الرضاعة تعترب واجبة عليها قانونا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬رضورة أن يكون السبب حقيقيا‬
‫‪ .363‬أكد املرشع املغريب عىل هذا الرشط بمقتىض الفصول ‪ ،63‬و‪ 64‬و‪ 65‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬حيث جاء يف األول عىل أنه يفرتض يف كل التزام أن له سببا حقيقيا ومرشوعا ولو مل‬
‫يذكر‪ ،‬وأعقبه الفصل الثاين بالقول عىل أنه يفرتض أن السبب املذكور هو السبب احلقيقي‬
‫حتى يثبت العكس‪ ،‬بينام نص الفصل ‪ 65‬عىل أنه إذا ثبت أن السبب املذكور غري حقيقي‪ ،‬أو‬
‫غري مرشوع‪ ،‬كان عىل من يدعي أن لاللتزام سببا آخر مرشوعا أن يقيم الدليل عليه‪.‬‬
‫‪ .364‬نستشف مما سبق‪ ،‬أنه يشرتط يف السبب أن يكون حقيقيا ال ومهيا أو كاذبا؛‬
‫ويكون السبب كاذبا إذا كان صوريا‪ ،445‬أي ظاهريا خيفي سببا آخر؛ غري أن االلتزام الذي‬
‫يقوم عىل سبب صوري ال يكون باطال لصورية السبب‪ ،‬وإنام لكون هذا السبب يكون يف‬
‫الغالب غري مرشوع‪ ،‬ومن ثم فإن االلتزام يكون باطال لعدم مرشوعية السبب‪.‬‬
‫من قبيل ذلك‪ ،‬الشخص الذي يتظاهر بدفع مبلغ معني من النقود المرأة عىل أساس‬
‫أنه قرض‪ ،‬بينام هو هيدف إىل مكافأهتا عىل العالقة غري املرشوعة التي تربطهام رسيا‪ ،‬كام‬
‫أكد عىل ذلك املجلس األعىل يف قرار له بتاريخ ‪ 14‬دجنرب ‪ ،1977‬الذي جاء فيه "السبب‬
‫غري املرشوع يفسد االلتزامات ولو مل يكن هو السبب الوحيد يف إنشائها وأن صالح‬
‫األسباب ال جيوز الفاسد منها وال يمحوه وأن الوصية التي حيررها املويص إرضاء خلليلته‬
‫هي وصية باطلة ألهنا تتناىف مع األخالق احلميدة وتتعارض مع النظام العام املغريب الذي‬
‫ال يقر ما ينبني عىل فساد األخالق من معامالت والتزامات"‪.446‬‬
‫ثالثا‪ :‬مرشوعية السبب‬
‫‪ .365‬تطلب املرشع املغريب مرشوعية السبب يف العديد من النصوص القانونية‪،‬‬
‫فباإلضافة للفصول ‪ 63 ،62‬و ‪ 65‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬فإن هناك العديد من احلاالت التي‬

‫‪444 FAGES‬‬‫‪Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p:148.‬‬


‫‪445‬‬
‫; ‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil‬‬
‫‪Obligations, théorie générale ; Op.cit ; P:283.‬‬
‫‪ 446‬جملة املحاماة؛ العدد األول؛ ‪1978‬؛ ص‪.111:‬‬

‫‪192‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫تطرق فيها قانون االلتزامات والعقود املغريب لبطالن بعض العقود اخلاصة لعدم‬
‫مرشوعية السبب رصاحة كام هو الشأن بالنسبة حلالة عقود الغرر‪.‬‬
‫وبالرجوع للفصل ‪ 62‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬نجده حدد املقصود بالسبب غري املرشوع؛‬
‫حيث نصت الفقرة الثانية من هذا الفصل‪ ،‬عىل أن السبب يكون غري مرشوع إذا كان‬
‫خمالفا لألخالق احلميدة أو للنظام العام أو القانون‪.‬‬
‫‪ .366‬يف هناية هذه الفقرة‪ ،‬أود التطرق ملالحظتي أساسيتي؛ األوىل تتمثل يف‬
‫اخلالف الذي أثاره بعض الفقه بخصوص رضورة التمييز بني العقود امللزمة جلانبني‬
‫وعقود التربع ‪ ،‬حيث يشرتط يف عدم مرشوعية السبب بالنسبة للنوع األول أن تكون‬ ‫‪447‬‬

‫معلومة من قبل الطرفني‪ ،‬يف حني يكفي بالنسبة للنوع الثاين أن تكون معلومة من قبل‬
‫منشئ الترصف دون املستفيد ؛ ولعل أساس هذا التمييز كام ذهب لذلك أنصاره أن‬ ‫‪448‬‬

‫املتعاقد يف العقود امللزمة جلانبني يكون أوىل باحلامية من املستفيد يف عقود التربع‪ ،‬مادام‬
‫أن هذا األخري لن يقدم أي مقابل ملا أخذه‪ .‬ويف مقابل الرأي الذي يدافع عن هذا‬
‫التمييز‪ ،‬فإن الفقه احلديث يرى رضورة أن تكون عدم مرشوعية السبب معلومة من‬
‫الطرفني يف مجيع أنواع العقود‪ ،‬وذلك هبدف حتقيق استقرار املعامالت ‪ ،‬وأيضا هبدف‬
‫‪449‬‬

‫ضامن احلقوق املقررة للمتربع له يف هذا النوع من العقود‪.‬‬


‫أما املالحظة الثانية‪ ،‬فتتعلق بإثبات السبب؛ حيث إنه طبقا للفصلني ‪ 63‬و‪ 65‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬فإنه يفرتض يف كل التزام أن له سبب مرشوع؛ مما يعني أنه يتعني عىل من‬
‫يدعي عكس ذلك أن يقيم الدليل عىل أن السبب غري مرشوع ‪ .‬وهذا املوقف هو‬
‫‪450‬‬

‫نفسه الذي أكد عليه القضاء املغريب يف العديد من قراراته‪ ،‬من ذلك ما قضت به حمكمة‬
‫النقض ‪ ،‬حيث ذهبت إىل أن االلتزام الذي مل يذكر له سبب يف السند يفرتض أن له‬ ‫‪451‬‬

‫سببا مرشوعا وعىل املدين املطالب بوفاء دينه إن نازع يف وجود السبب أن يقيم الدليل‬
‫عىل ذلك بأية وسيلة من وسائل اإلثبات كشهادة الشهود والقرائن‪.‬‬

‫‪ 447‬عبد الرمحان بلعكيد‪ :‬اهلبة يف املذهب والقانون؛ مرجع سابق؛ ص‪.203:‬‬


‫‪448‬‬
‫‪FAGES Bertrand : Droit des obligations ; L.G.D.J. 2007 ; p :151.‬‬
‫‪ 449‬عبد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات يف القانون املدين املغريب؛ اجلزء األول‪ :‬مصادر االلتزامات؛ مرجع سابق؛ ص‪.159:‬‬
‫‪ 450‬نفس املقتىض نصت عليه املادة ‪ 1132‬من القانون املدين الفرنس؛ راجع من أجل التعمق يف هذه النقطة مؤلف‪:‬‬
‫‪MAZEAUD Henri et Léon, MAZEAUD Jean et CHABAS François : Leçons de droit civil ; Obligations,‬‬
‫‪théorie générale ; Op.cit ; P:288.‬‬
‫‪ 451‬قرار بتاريخ ‪ 14‬نوفمرب ‪1960‬؛ جملة القضاء والقانون؛ عدد ‪36-35‬؛ ص‪.238:‬‬

‫‪193‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫فهرس املواد‬
‫مقدمة ‪7....................................................................................‬‬
‫الكتاب األول ‪ :‬مصادر االلتزام‪27 .........................................................‬‬
‫اجلزء األول ‪ :‬الترصف القانوين ‪33 .........................................................‬‬
‫القسم األول‪ :‬العقد‪37 .....................................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬طبيعة العقد ‪41 ...............................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلرادة هي أساس العقد ‪41 .................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬دور اإلرادة‪41 ..............................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة ‪42 .....................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تأثر مبدأ سلطان اإلرادة بالقانون احلديث للعقود‪44 ..........................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬التعبري عن اإلرادة ‪46 ........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلرادة الظاهرة واإلرادة الباطنة‪47 ..........................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬النيابة االتفاقية‪50 ............................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬نظرية الصورية‪55 ..........................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬تصنيف العقود ‪57 ...........................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬التصنيف القائم عىل أساس تكوين العقود‪58 ................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬العقد الرضائي والعقد الشكيل والعقد العيني‪57 .............................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬العقود االختيارية وعقود اإلذعان‪64 .........................................‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬العقود املهنية وعقود االستهالك ‪69 ........................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬التصنيف القائم عىل أساس طبيعة العقود ‪72 .................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬العقود البسيطة والعقود املركبة‪72 ...........................................‬‬

‫‪194‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثاين ‪ :‬العقود الفورية والعقود الزمنية ‪75 ...........................................‬‬


‫املطلب الثالث‪ :‬العقود املحددة والعقود االحتاملية ‪79 .......................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬التصنيف القائم عىل أساس آثار العقود ‪80 ..................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬العقود امللزمة جلانب واحد والعقود امللزمة جلانبني ‪80 .......................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬عقود املعاوضة وعقود التربع ‪82 .............................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬العقود الفردية والعقود اجلامعية ‪84 .........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تصنيف العقود عىل أساس القواعد املطبقة عليها ‪85 .........................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬العقود املسامة والعقود غري املسامة‪85 .........................................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬العقود املدنية والعقود التجارية‪87 ...........................................‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬تكوين العقد‪89 ...............................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األركان الالزمة لتكوين العقد‪89 ............................................‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬ركن الرتايض ‪90 .............................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬وجود الرتايض ‪90 ..........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلجياب ‪91 .................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬القبول ‪99 ...................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اقرتان القبول باإلجياب أو توافق اإلرادتني ‪102 .............................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬صحة الرتايض ‪113 .........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أهلية املتعاقد لاللتزام وخلو إرادته من عيوب اإلرادة ‪113 ...................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬املقتضيات الترشيعية اهلادفة إىل محاية رضا املستهلك ‪159 ....................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬املحل ‪175 ....................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رضورة أن يكون املحل موجودا وممكنا‪176 .................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رضورة وجود املحل أو قابليته للوجود ‪176 ................................‬‬

‫‪195‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أن يكون املحل ممكنا‪180 ....................................................‬‬


‫املبحث الثاين‪ :‬أن يكون املحل معينا أو قابال للتعيني‪181 ....................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعيني املحل يف االلتزام بعمل أو االمتناع عن عمل ‪182 ......................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬تعيني املحل يف االلتزام بإعطاء يشء ‪182 ....................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أن يكون املحل مرشوعا‪184 ...............................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬السبب ‪187 .................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ماهية السبب بني النظرية التقليدية واحلديثة ‪188 ............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬النظرية التقليدية يف السبب ‪188 ............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬النظرية احلديثة يف السبب ‪193 ...............................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ركن السبب يف القانون املغريب ‪195 ..........................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬بطالن العقد‪198 ............................................................‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬أحكام بطالن العقد ‪198 ....................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ماهية نظرية بطالن العقد ‪198 ..............................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف ومراتب البطالن ‪199 ...............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬متييز البطالن عن املؤسسات املشاهبة له ‪203 ..................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬بطالن العقد يف القانون املغريب ‪204 ..........................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حاالت البطالن والقابلية لإلبطال‪205 ......................................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬من له حق التمسك بالبطالن واإلبطال ‪212 .................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬انقضاء حق املطالبة بالبطالن واإلبطال ‪213 ................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬آثار بطالن العقد ‪219 .........................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬انعدام أي آثر للعقد الباطل ‪219 ............................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬انعدام أي آثر للعقد الباطل والقابل لإلبطال فيام بني املتعاقدين ‪219 .........‬‬

‫‪196‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املطلب الثاين‪ :‬انعدام أي آثر للعقد الباطل والقابل لإلبطال بالنسبة للغري ‪220 ...............‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬إنتاج العقد الباطل والقابل لإلبطال استثناء لبعض اآلثار األصلية ‪221 .......‬‬
‫املطلب األول‪ :‬االستثناءات الواردة عن قاعدة انعدام أي آثر للعقد الباطل‬
‫والقابل لإلبطال فيام بني املتعاقدين ‪221 .....................................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬االستثناءات الواردة عن قاعدة انعدام أي آثر للعقد الباطل‬
‫والقابل لإلبطال بالنسبة للغري ‪223 ...........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اآلثار العرضية املرتتبة عن البطالن ‪226 ....................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬نظرية انتقاص العقد ‪226 ...................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬نظرية حتول العقد‪229 .......................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬نظرية اخلطأ عند تكوين العقد ‪231 .........................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬آثار العقد ‪233 ..............................................................‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬القوة امللزمة للعقد ‪233 ......................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مضمون العقد‪233 .........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تفسري العقد ‪233 ...........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تكييف العقد ‪247 ...........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حدود مبدأ القوة امللزمة للعقد ‪256 ..........................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬جتاهل القانون املغريب لنظرية الظروف الطارئة ونظرية اإلذعان ‪256 ..........‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬النظريات املعتمدة يف القانون املغريب واملؤثرة يف القوة امللزمة للعقد ‪266 .....‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬نسبية آثار العقد ‪282 ..........................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ماهية مبدأ نسبية آثار العقد‪282 .............................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املقصود باملتعاقدين ‪283 ....................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬عدم انرصاف آثار العقد إىل الغري كقاعدة عامة ‪292 ..........................‬‬

‫‪197‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫املبحث الثاين‪ :‬حدود مبدأ نسبية آثار العقد‪293 .............................................‬‬


‫املطلب األول‪ :‬االشرتاط ملصلحة الغري ‪294 ................................................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬التعهد عن الغري‪302 ........................................................‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬اجلزاءات القانونية املرتتبة عن اإلخالل بالرابطة التعاقدية ‪308 ................‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬اجلزاءات القانونية اخلاصة بالعقود امللزمة جلانبني ‪308 ......................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الدفع بعدم التنفيذ ‪308 .....................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رشوط التمسك بالدفع بعدم التنفيذ‪309 ....................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬آثار الدفع بعدم التنفيذ‪311 ..................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬فسخ العقد ‪312 .............................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حتديد ماهية الفسخ وأنواعه ‪312 ............................................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬رشوط الفسخ القضائي ‪315 ................................................‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬آثار الفسخ ‪318 ...........................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬املسؤولية العقدية ‪321 .......................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رشوط املسؤولية العقدية‪322 ...............................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اخلطأ العقدي ‪323 .........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرضر‪331 ..................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬العالقة السببية ‪337 ........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬اآلثار املرتتبة عن املسؤولية العقدية‪-‬التعويض ‪338 ..........................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬القواعد القانونية املتعلقة بالتعويض ‪338 ....................................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬االتفاقات املعدلة للمسؤولية العقدية ‪339 ...................................‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬اإلرادة املنفردة‪343 ...........................................................‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬تباين اآلراء بخصوص مدى قدرة اإلرادة املنفردة عىل إنشاء االلتزام‬

‫‪198‬‬
‫املصدر األول‪ :‬العقد‬ ‫ع‪ .‬الرشقاوي‬ ‫القانون املدين‪ :‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫وآثره عىل القوانني الوضعية ‪346 ............................................‬‬


‫املبحث األول‪ :‬تباين النظريات الفقهية بخصوص اإلرادة املنفردة ‪346 ......................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اعتبار اإلرادة املنفردة مصدرا أساسيا لاللتزام‪348 ...........................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اإلرادة املنفردة ليست مصدرا لاللتزام‪349 ...................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اعتبار اإلرادة املنفردة مصدرا ثانويا لاللتزام‪350 ............................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬موقف الترشيعات الوضعية من نظرية اإلرادة املنفردة ‪351 ...................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلرادة املنفردة يف القانون املقارن ‪351 .......................................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬موقف القانون املغريب ‪355 .................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬أحكام اإلرادة املنفردة وتطبيقاهتا‪358 ........................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أحكام اإلرادة املنفردة ‪358 .................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رشوط صحة االلتزام بإرادة منفردة ‪358 ....................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬آثار االلتزام بإرادة منفردة‪360 ...............................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تطبيقات اإلرادة املنفردة ‪362 ................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلجياب امللزم ‪362 .........................................................‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬الوعد بجائزة ‪364 ..........................................................‬‬
‫فهرس املواد ‪373 ..........................................................................‬‬

‫‪199‬‬

You might also like