Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫تقادم الدين في القضاء اليمني‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عبد المؤمن شجاع الدين‬

‫األستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء‬

‫من مقتضيات التجارة السرعة والثقة واالئتمان‪ ,‬وذلك بدوره يقتضي ان تستقر المراكز القانونية للدائنين‬
‫والمدينين على حد سواء‪ ,‬ولهذه الغاية جاءت فكرة تقادم الدين التجاري‪ ,‬اال ان فكرة التقادم ليست مطلقة‬
‫حيث ترد عليها ق يود شرعية وقانونية وواقعية تجعل مجال تقادم الدين التجاري محدودا‪ ,‬والن وظيفة القضاء‬
‫التطبيق العادل للقانون ف يحتاج القاضي العادل الى اجراء موازنة دقيقة وفاصلة بين مقتضيات استقرار‬
‫المراكز القانونية في قطاع التجارة وبين احترام الحقوق والريب ان اجراء هذه الموازنة الدقيقة ليس باألمر‬
‫السهل حيث يحتاج القاضي الى مرجحات واسانيد كثيرة‪ ,‬فضال عن كثرة قضايا تقادم الديون التجارية‬
‫المنظورة امام القضاء‪ ,‬ومن احكام القضاء التي تتضمن االجتهاد في هذه المسألة الحكم محل تعليقنا وهو‬
‫الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في اليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ ‪2013\5\25‬م في‬
‫الطعن التجاري رقم (‪ )52456‬لسنة ‪ 1434‬هـ وخالصة اسباب هذا الحكم انه (من خالل المطالعة لملف‬
‫القضية بما في ذلك عريضة الطعن بالنقض والرد عليها والحكمين االبتدائي واالستئنافي فقد وجدت الدائرة أن‬
‫الحساب الجاري قد تم اغالقه بعد مضي سنة من تاريخ اخر حركة في الحساب بمقتضى المادة (‪ )379‬تجاري‬
‫وحيث كانت اخر حركة في الحساب هي عملية سحب تمت بتاريخ ‪2002\11\28‬م ولذلك فان الحساب يغلق‬
‫بحكم القانون بعد مضي سنة من تاريخ اخر حركة السابق ذكرها أي ان الحساب مغلق من تاريخ‬
‫‪2003\11\28‬م وان الدائن لم يرفع دعواه مطالبا المدين بسداد الدين اال بتاريخ ‪2008\11\23‬م أي بعد‬
‫مضي خمس سنوات وحيث ان المدين قد دفع بتقادم الدين الذي بذمته للمدين مستندا الى المادة‪2\380‬‬
‫تجاري) والمادة (‪ ) 23‬اثبات والدائرة تجد ان الدفع بعدم سماع الدعوى للتقادم لمضي خمس سنوات من‬
‫تاريخ ‪2003\11\23‬م حتى تاريخ ‪2008\11\23‬م وهو تاريخ تقديم الدعوى وحيث استند هذا الدفع الى‬
‫احكام المادتين (‪ )2\380‬تجاري و(‪ )23‬اثبات ‪.....‬الخ‪ .‬فالدائرة تجد أن هذا الدفع غير مقبول الن المادة‬
‫(‪ ) 23‬اثبات انفة الذكر قد نصت على سماع الدعوى في حالة وجود قرائن دالة على صدق الدعوى تأكيدا‬
‫ل حفظ الحقوق والمدين المطعون ضده بالنقض مقدم الدفع مقر بوجود حسابه الجاري لدى الدائن وانه قد‬
‫تعامل في هذا الحساب ايداعا وسحبا حتى تاريخ توقف الحساب في ‪2002\11\28‬م كما انه يدعي الوفاء‬
‫بالدين القائم بذمته مما يستوجب رفض الدفع لقيامه على غير سند صحيح من القانون) وسيكون تعليقنا على‬
‫هذا الحكم بحسب االوجه االتية ‪:‬‬

‫الوجه األول ‪ :‬ماهية التقادم ‪:‬‬

‫التقادم سبب النقضاء االلتزامات دون وفاء ويسمى التقادم المسقط حيث يعني سقوط الدين بمضي مدة معينة‬
‫من الزمن دون ان يطالب الدائن مدينه بالدين الذي بذمته خالل تلك المدة ‪ ,‬وقد اشار الحكم محل تعليقنا الى‬
‫انه يترتب على توقف الحركة في الحساب الجاري غلق الحساب بعد مضي سنة على اخر حركة في الحساب‬
‫الجاري حسبما قررت المادة (‪ )379‬تجاري ومن اثار غلق الحساب الجاري ان تصير المديونية التي بذمة‬
‫المدين حالة االداء فور غلق الحساب اذ يتوجب على المدين سدادها فورا الى الدائن ويتعين على الدائن‬
‫المطالبة الودية او القضائية بالمديونية الناتجة عن غلق الحساب الجاري حتى ال تسقط بالتقادم وقد اشار‬
‫الحكم محل تعليقنا الى المادة (‪ )380‬تجاري فقرة (‪ ) 2‬التي نصت على انه (يتقادم دين الرصيد وفوائده طبقا‬
‫للقواعد العامة) والمقصود بالرصيد هنا هو الرصيد المدين او الدائن الذي يظهر بعد غلق الحساب الجاري‪,‬‬
‫والمقصود بالقواعد العامة للتقادم في النص السابق هي القواعد العامة للتقادم المنصوص عليها في قانون‬
‫االثبات حيث حدد قانون االثبات المدة التي تتقادم بها الحقوق في المواد من (‪ )16‬وحتى (‪ ) 22‬وذكر بعض‬
‫انواع الحقوق ومدد تقادمها ولم يذكر الديون ضمن تلك المواد ولكن قانون االثبات قرر حكما عاما للتقادم في‬
‫بقية الحقوق التي لم يذكرها القانون صراحة ومن ضمنها الدين التجاري وذلك في المادة (‪ )23‬اثبات التي‬
‫نصت على انه (ال تسم ع الدعوى من حاضر بسائر الحقوق التي ال تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد‬
‫االربع السابقة بعد مضي خمس سنوات من تاريخ االستحقاق مع عدم المطالبة ويعتبر الحق مستحق االداء‬
‫من يوم ثبوته مالم يضرب له اجال للسداد فال يعتبر مستحقا اال بعد انقضاء االجل ) وبموجب هذا النص يتم‬
‫احتساب مدة التقادم من تاريخ غلق الحساب التجاري حيث يتم غلقه بحكم القانون بعد مضي سنة من تاريخ‬
‫اخر عملية في الحساب الجاري الن غلق الحساب الجاري يجعل الرصيد او الدين مستحق االداء عند غلق‬
‫الحساب بموجب المادة (‪ )379‬تجاري‪.‬‬

‫الوجه الثاني ‪ :‬االعتبارات واال سانيد التي تقوم عليها فكرة تقادم الدين ‪:‬‬

‫االسانيد واالعتبارات في هذا الباب كثيرة من اهمها مظنة الوفاء بالدين فال يعقل ان يسكت الدائن عن‬
‫المطالبة بحقه طوال فترة خمس سنوات من تاريخ استحقاق حقه اال اذا كان المدين قد سدد الدين فسكوت‬
‫الدائن طوال هذه الفترة قرينة على سداد الدين‪ ,‬كما ان استقرار المراكز القانونية والمالية للتجار يقتضي ان‬
‫ال تظل بعض االلتزامات والديون معلقة الى ماال نهاية لذلك ينبغي تحديد مدة لسقوط هذه االلتزامات المعلقة‬
‫حتى تستقر المراكز المالية والقانونية لألشخاص ا ضافة الى ان مضي مدة طويلة من تاريخ استحقاق الدين‬
‫من دون مطالبة من الدائن تدل على اهمال او تساهل او تسامح الدائن عن المطالبة ومن ثم التنازل عن الدين‬
‫الذي كان مستحقا له بذمة المدين ‪.‬‬

‫الوجه الثالث ‪ :‬تأثير التقادم على الدين في القانون اليمني ‪:‬‬

‫كان قانون االثبات اليمني يجعل تأثير التقادم المسقط على الديون والحقوق مطلقا أي ان مجرد مضي المدة‬
‫او التقادم كان يسقط الحقوق والديون مطلقا حيث كانت المادة (‪ )23‬اثبات تنص على انه (ال تسمع الدعوى‬
‫من حاضر بسائر الحقوق التي ال تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد السابقة بعد مضي خمس سنوات من‬
‫تاريخ االستحقاق مع عدم المطالبة ويعتبر الحق مستحق االداء من يوم ثبوته مالم يضرب له اجل للسداد فال‬
‫يعتبر مستحقا اال بعد انقضاء االجل ) والن التقادم المطلق بحسب مفهوم النص السابق يخالف النصوص‬
‫الشرعية كما سنرى الحقا فقد اثار تطبيق هذا النص ا عتراضات كثيرة كانت السبب في تعديل هذا النص حتى‬
‫ينسجم مع نصوص الشريعة االسالمية حيث تم تعديل هذا النص من قبل مجلس النواب وذلك بإضافة فقرة الى‬
‫نهاية النص تنص على انه ( هذا وعدم سماع الدعوى في المواد االربع السابقة مالم يكن هناك قرائن دالة‬
‫على صدق الدعوى فتسم ع الدعوى تأكيدا لحفظ الحقوق) وبموجب هذا التعديل فقد صار تقادم الديون او‬
‫الحقوق مقيدا بعدم ثبوت احقية صاحب الدين او الحق ففي هذه الحالة ال يتقادم الحق طالما وهناك ادلة او‬
‫قرائن تدل على ان صاحب الحق مازال متمسكا بحقه وان الحق او الدين ال زال بذمة المدين فعندئذ ال يجوز‬
‫له وال يحق له الدفع بعدم سماع المطالبة بالدين او الحق لتقادمه حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا‪.‬‬

‫الوجه الرابع ‪ :‬موقف الشريعة االسالمية من تقادم الحقوق والديون ‪:‬‬

‫ال تعترف الشريعة االسالمية مطلقا بالتقادم المسقط للحقوق فالنصوص الشرعية في هذا الباب كثيرة منها‬
‫قول النبي صلى هللا عليه وسلم (ال يحل مال أمرئ مسلم اال بطيب من نفسه ) وكذا قوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫(ليس لعرق ظالم حق) ‪.‬‬

‫الوجه الخامس ‪ :‬عدم سماع الدعوى ال يعني براءة ذمة المدين ‪:‬‬
‫حتى في حالة عدم سماع الدعوى فان ذلك ال يعني براءة ذمة المدين حيث تظل ذمته منشغلة بالدين ولكنه ال‬
‫يستطيع المطالبة بالدين عن طريق القضاء حيث يمتنع عليه ذلك‪ ,‬ولذلك فان الدفع بعدم سماع الدعوى للتقادم‬
‫ليس من الدفوع المتعلقة بالنظام العام حسبما استقر عليه قضاء المحكمة العليا في اليمن وغيرها‪ -‬كما ان‬
‫المدين يجب عليه ان يسدد الدين الذي بذمته ديانة وفقا ألحكام الشريعة االسالمية ويكون اثما اذا لم يبادر‬
‫بالسداد‪ ,‬وهللا اعلم‪.‬‬

You might also like