Professional Documents
Culture Documents
تقادم الدين في القضاء اليمني-1
تقادم الدين في القضاء اليمني-1
من مقتضيات التجارة السرعة والثقة واالئتمان ,وذلك بدوره يقتضي ان تستقر المراكز القانونية للدائنين
والمدينين على حد سواء ,ولهذه الغاية جاءت فكرة تقادم الدين التجاري ,اال ان فكرة التقادم ليست مطلقة
حيث ترد عليها ق يود شرعية وقانونية وواقعية تجعل مجال تقادم الدين التجاري محدودا ,والن وظيفة القضاء
التطبيق العادل للقانون ف يحتاج القاضي العادل الى اجراء موازنة دقيقة وفاصلة بين مقتضيات استقرار
المراكز القانونية في قطاع التجارة وبين احترام الحقوق والريب ان اجراء هذه الموازنة الدقيقة ليس باألمر
السهل حيث يحتاج القاضي الى مرجحات واسانيد كثيرة ,فضال عن كثرة قضايا تقادم الديون التجارية
المنظورة امام القضاء ,ومن احكام القضاء التي تتضمن االجتهاد في هذه المسألة الحكم محل تعليقنا وهو
الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في اليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 2013\5\25م في
الطعن التجاري رقم ( )52456لسنة 1434هـ وخالصة اسباب هذا الحكم انه (من خالل المطالعة لملف
القضية بما في ذلك عريضة الطعن بالنقض والرد عليها والحكمين االبتدائي واالستئنافي فقد وجدت الدائرة أن
الحساب الجاري قد تم اغالقه بعد مضي سنة من تاريخ اخر حركة في الحساب بمقتضى المادة ( )379تجاري
وحيث كانت اخر حركة في الحساب هي عملية سحب تمت بتاريخ 2002\11\28م ولذلك فان الحساب يغلق
بحكم القانون بعد مضي سنة من تاريخ اخر حركة السابق ذكرها أي ان الحساب مغلق من تاريخ
2003\11\28م وان الدائن لم يرفع دعواه مطالبا المدين بسداد الدين اال بتاريخ 2008\11\23م أي بعد
مضي خمس سنوات وحيث ان المدين قد دفع بتقادم الدين الذي بذمته للمدين مستندا الى المادة2\380
تجاري) والمادة ( ) 23اثبات والدائرة تجد ان الدفع بعدم سماع الدعوى للتقادم لمضي خمس سنوات من
تاريخ 2003\11\23م حتى تاريخ 2008\11\23م وهو تاريخ تقديم الدعوى وحيث استند هذا الدفع الى
احكام المادتين ( )2\380تجاري و( )23اثبات .....الخ .فالدائرة تجد أن هذا الدفع غير مقبول الن المادة
( ) 23اثبات انفة الذكر قد نصت على سماع الدعوى في حالة وجود قرائن دالة على صدق الدعوى تأكيدا
ل حفظ الحقوق والمدين المطعون ضده بالنقض مقدم الدفع مقر بوجود حسابه الجاري لدى الدائن وانه قد
تعامل في هذا الحساب ايداعا وسحبا حتى تاريخ توقف الحساب في 2002\11\28م كما انه يدعي الوفاء
بالدين القائم بذمته مما يستوجب رفض الدفع لقيامه على غير سند صحيح من القانون) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم بحسب االوجه االتية :
التقادم سبب النقضاء االلتزامات دون وفاء ويسمى التقادم المسقط حيث يعني سقوط الدين بمضي مدة معينة
من الزمن دون ان يطالب الدائن مدينه بالدين الذي بذمته خالل تلك المدة ,وقد اشار الحكم محل تعليقنا الى
انه يترتب على توقف الحركة في الحساب الجاري غلق الحساب بعد مضي سنة على اخر حركة في الحساب
الجاري حسبما قررت المادة ( )379تجاري ومن اثار غلق الحساب الجاري ان تصير المديونية التي بذمة
المدين حالة االداء فور غلق الحساب اذ يتوجب على المدين سدادها فورا الى الدائن ويتعين على الدائن
المطالبة الودية او القضائية بالمديونية الناتجة عن غلق الحساب الجاري حتى ال تسقط بالتقادم وقد اشار
الحكم محل تعليقنا الى المادة ( )380تجاري فقرة ( ) 2التي نصت على انه (يتقادم دين الرصيد وفوائده طبقا
للقواعد العامة) والمقصود بالرصيد هنا هو الرصيد المدين او الدائن الذي يظهر بعد غلق الحساب الجاري,
والمقصود بالقواعد العامة للتقادم في النص السابق هي القواعد العامة للتقادم المنصوص عليها في قانون
االثبات حيث حدد قانون االثبات المدة التي تتقادم بها الحقوق في المواد من ( )16وحتى ( ) 22وذكر بعض
انواع الحقوق ومدد تقادمها ولم يذكر الديون ضمن تلك المواد ولكن قانون االثبات قرر حكما عاما للتقادم في
بقية الحقوق التي لم يذكرها القانون صراحة ومن ضمنها الدين التجاري وذلك في المادة ( )23اثبات التي
نصت على انه (ال تسم ع الدعوى من حاضر بسائر الحقوق التي ال تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد
االربع السابقة بعد مضي خمس سنوات من تاريخ االستحقاق مع عدم المطالبة ويعتبر الحق مستحق االداء
من يوم ثبوته مالم يضرب له اجال للسداد فال يعتبر مستحقا اال بعد انقضاء االجل ) وبموجب هذا النص يتم
احتساب مدة التقادم من تاريخ غلق الحساب التجاري حيث يتم غلقه بحكم القانون بعد مضي سنة من تاريخ
اخر عملية في الحساب الجاري الن غلق الحساب الجاري يجعل الرصيد او الدين مستحق االداء عند غلق
الحساب بموجب المادة ( )379تجاري.
الوجه الثاني :االعتبارات واال سانيد التي تقوم عليها فكرة تقادم الدين :
االسانيد واالعتبارات في هذا الباب كثيرة من اهمها مظنة الوفاء بالدين فال يعقل ان يسكت الدائن عن
المطالبة بحقه طوال فترة خمس سنوات من تاريخ استحقاق حقه اال اذا كان المدين قد سدد الدين فسكوت
الدائن طوال هذه الفترة قرينة على سداد الدين ,كما ان استقرار المراكز القانونية والمالية للتجار يقتضي ان
ال تظل بعض االلتزامات والديون معلقة الى ماال نهاية لذلك ينبغي تحديد مدة لسقوط هذه االلتزامات المعلقة
حتى تستقر المراكز المالية والقانونية لألشخاص ا ضافة الى ان مضي مدة طويلة من تاريخ استحقاق الدين
من دون مطالبة من الدائن تدل على اهمال او تساهل او تسامح الدائن عن المطالبة ومن ثم التنازل عن الدين
الذي كان مستحقا له بذمة المدين .
كان قانون االثبات اليمني يجعل تأثير التقادم المسقط على الديون والحقوق مطلقا أي ان مجرد مضي المدة
او التقادم كان يسقط الحقوق والديون مطلقا حيث كانت المادة ( )23اثبات تنص على انه (ال تسمع الدعوى
من حاضر بسائر الحقوق التي ال تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد السابقة بعد مضي خمس سنوات من
تاريخ االستحقاق مع عدم المطالبة ويعتبر الحق مستحق االداء من يوم ثبوته مالم يضرب له اجل للسداد فال
يعتبر مستحقا اال بعد انقضاء االجل ) والن التقادم المطلق بحسب مفهوم النص السابق يخالف النصوص
الشرعية كما سنرى الحقا فقد اثار تطبيق هذا النص ا عتراضات كثيرة كانت السبب في تعديل هذا النص حتى
ينسجم مع نصوص الشريعة االسالمية حيث تم تعديل هذا النص من قبل مجلس النواب وذلك بإضافة فقرة الى
نهاية النص تنص على انه ( هذا وعدم سماع الدعوى في المواد االربع السابقة مالم يكن هناك قرائن دالة
على صدق الدعوى فتسم ع الدعوى تأكيدا لحفظ الحقوق) وبموجب هذا التعديل فقد صار تقادم الديون او
الحقوق مقيدا بعدم ثبوت احقية صاحب الدين او الحق ففي هذه الحالة ال يتقادم الحق طالما وهناك ادلة او
قرائن تدل على ان صاحب الحق مازال متمسكا بحقه وان الحق او الدين ال زال بذمة المدين فعندئذ ال يجوز
له وال يحق له الدفع بعدم سماع المطالبة بالدين او الحق لتقادمه حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
ال تعترف الشريعة االسالمية مطلقا بالتقادم المسقط للحقوق فالنصوص الشرعية في هذا الباب كثيرة منها
قول النبي صلى هللا عليه وسلم (ال يحل مال أمرئ مسلم اال بطيب من نفسه ) وكذا قوله صلى هللا عليه وسلم
(ليس لعرق ظالم حق) .
الوجه الخامس :عدم سماع الدعوى ال يعني براءة ذمة المدين :
حتى في حالة عدم سماع الدعوى فان ذلك ال يعني براءة ذمة المدين حيث تظل ذمته منشغلة بالدين ولكنه ال
يستطيع المطالبة بالدين عن طريق القضاء حيث يمتنع عليه ذلك ,ولذلك فان الدفع بعدم سماع الدعوى للتقادم
ليس من الدفوع المتعلقة بالنظام العام حسبما استقر عليه قضاء المحكمة العليا في اليمن وغيرها -كما ان
المدين يجب عليه ان يسدد الدين الذي بذمته ديانة وفقا ألحكام الشريعة االسالمية ويكون اثما اذا لم يبادر
بالسداد ,وهللا اعلم.