Professional Documents
Culture Documents
Kazakhstan Foundation Postponed Revolution PDF
Kazakhstan Foundation Postponed Revolution PDF
تمهيد
في الوقت الذي كان فيه العالم يستعد الستقبال العام الجديد،
انشغال الصراع بين روسيا والغرب حول أوكرانيا ،تفجرت
ٍ وسط
األحداث في كازاخستان ،أو «قازاخستان» .لم يكن األمر غريبا
بالنسبة للمهتمين بالشؤون األوراسية عامة ،وبلدان آسيا
الوسطى على وجه الخصوص ،غير أن ما فاجأهم هو سرعة انهيار
األجهزة األمنية ،وحجم العنف الكبير من المحتجين .أما على
المستوى الشعبي ،فالغالبية في العالم العربي ربما ال تعرف عن
هذا البلد شيئا سوى أنه كان مقرا لعدة اجتماعات خاصة باألزمة
السورية ،انبثقت عن مؤتمر «محادثات أستانا للسالم في
متندرا :متى يعقد
ّ سوريا» مطلع ..7102حتى إن البعض علق
"مؤتمر دمشق للسالم في كازاخستان" لحل األزمة الكازاخية؟!
2
قبل الخوض في تفاصيل هذه األزمة ،وفي األسباب والدوافع
خلفها ،ومآالتها المتوقعة ،تهدف هذه الدراسة إلى استعراض
تفاصيل مهمة عن هذا البلد ،في ظل تداول كثير من المعلومات
غير الدقيقة عنه.
3
لم تكن كازاخستان قبل عام 0639دولة بهذه الحدود الحالية،
غير أن شعوب الترك وجدوا على هذه األرض منذ القرن السادس
الميالدي ،فيما تشكلت الهوية الكازاخية منذ القرن السادس
عشر ،وكان ألبنائها "خانية" حتى القرن التاسع عشر .أما المنطقة
المعروفة اآلن باسم آسيا الوسطى فقد سكنها «السكوثيون»،
وهم من الشعوب الفارسية القديمة ،حسب أرجح األقوال ..وقد
4
بدأ توافد قبائل الترك على منطقة آسيا الوسطى مطلع القرن
الخامس الميالدي ،أثناء توسع «إمبراطورية الهون» ،أو
"الهياطلة" حسب المراجع العربية ،حتى شكلت تلك القبائل
تدريجيا غالبية السكان بنهاية القرن السادس الميالدي.1
إمبراطورية الهون في أقصى اتساعها في عهد الملك أتيال في الفترة من عام 434م إلى عام 413م
5
التيمورية؛ وبسقوط األخيرة بداية القرن السادس عشر ،تشكلت
َّ
الهوية القبلية الخاصة لشعب الكازاخ ،التي تعني بالتركية
ٌ
خانية خاصة بهم القديمة «الحر أو البدوي المستقل» ،ونشأت
في الجزء الجنوبي الشرقي من كازاخستان الحالية في الفترة من
عام 0419إلى عام ،0842تحت اسم «خانية الكازاخ» ،وكان ميرزا
أبو الخير محمد خان ( )0248 -0963أعظم ملوكها.2
تمثال ميرزا أبو الخير محمد خان ،في مدينة أكتوبي الكازخية
6
تاريخيا «االندفاع الروسي
ًّ سقطت خانية الكازاخ ،إثر ما يسمى
نحو آسيا الوسطى»؛ لمواجهة الطموحات البريطانية في غزو
المنطقة بعد سيطرتها على الهند ،وهو ما كان يشكل خطرا
جيوسياسيا عليها.3
ًّ
وفي اعقاب انهيار اإلمبراطورية الروسية ،واستقرار الحكم
للبالشفة ،كانت ما تسمى اآلن كازاخستان جزءا من «جمهورية
روسيا االتحادية االشتراكية السوڤيتية» ،وفي التقسيم اإلداري
الجديد لعام ،0671تم ضمها إلى «جمهورية قرغيزستان
االشتراكية السوڤيتية» الذاتية الحكم ،وعبر عملية مطولة
تغيرت فيها خريطتها أكثر من مرة ،ظهرت إلى الوجود في
الخامس من ديسمبر (كانون األول) « 0639جمهورية كازاخستان
االشتراكية السوڤيتية» بحدودها الحالية الضخمة ،بعدما
وسعت السلطة السوڤيتية من مساحتها عبر مراحل مختلفة،
أراض من جمهوريات آسيا الوسطى السوڤيتية،
وذلك باقتطاع ٍ
وبعض األراضي الروسية في الغرب ،فيما قام الزعيم يوسف
ستالين ،بعملية توطين واسعة النطاق للسالڤ من الروس،
7
واألوكرانيين ،والبولنديين ،وبعض األعراق األخرى في
كازاخستان.4
كان هدف ستالين من عملية التوطين ،وتوسيع حدود
كازاخستان ،انشاء جمهورية تستحوذ على جميع الحدود بين
روسيا وآسيا الوسطى ،دات مساحة كبيرة مقتطعة من جيرانها،
وعلى غير وفاق معهم ،باإلضافة إلى وجود روسي مؤثر ،ومن
ثم تصبح آسيا الوسطى "المفيدة" مرتبطة بروسيا ،وفي حال
خروج أراضي منطقة تركستان عن السيطرة السوڤيتية ألي
سبب؛ تضمن روسيا وجود دولة عازلة بينها وبين باقي بلدان
المنطقة ،تابعة للكرملين ،وبحاجة إليه لحمايتها من أي أخطار
خارجية مناهضة لموسكو .وقد ُفسر ذلك بعدم يقين السلطة
السوڤيتية -آنذاك -على استمرار قدرتها على االمساك بزمام
األمور وبسط نفوذها على المنطقة ،في ظل الثورات المتنامية
التي بدأت منذ وصول البالشفة إلى السلطة ،السيما دعم
البريطانيين وملوك أفغانستان للمتمردين .وقد أكد الرئيس
الكازاخي السابق نور سلطان نزارباييڤ عدم وجود دولة كازاخية
بالحدود الحالية ،عندما قال" :كازاخستان دولة فتية ،تكمن ميزتها
الكبرى في حقيقة أن عالقاتها مع البلدان األخرى تتطور من
الصفر ،حيث بدأ تاريخ دولتنا منذ انهيار االتحاد السوڤيتي ،وذلك
8
لعدم وجود جذور قديمة لدولة كازاخستان الحالية" .ثم أكد في
مناسبة أخرى هذا األمر بالقول" :قبل عام ،0660لم تكن هناك
دولة كازاخستانية؛ نظرا إلى عدم وجود حدود مستقلة لها".5
ويسجل التاريخ أن كازاخستان كانت آخر جمهوريات االتحاد
السوفيتي التي اعلنت استقاللها بعد انهيار االتحاد في 79
ديسمبر (كانون األول) ،0660بل كانت تفضل اإلبقاء على
االتحاد في جميع األحوال.
اعترفت روسيا ما بعد االتحاد السوڤيتي بدولة كازاخستان،
بموجب معاهدات الصداقة المؤرخة في 09يوليو (تموز) ،0667
نهائيا في 08يناير (كانون الثاني)
ًّ وح ِس َمت مسألة الحدود
ُ
7111؛ بموجب اتفاقية معاهدة األمن الجماعي ( ،)CSTOالتي
تعهدت فيها روسيا بحماية سيادة كازاخستان وسالمتها داخل
هذه الحدود الثابتة ،والحفاظ عليها.
كان الرئيس السابق نور سلطان نزاربايڤ ،قد دعا في خطاب
شهير بجامعة موسكو في التاسع والعشرين من مارس (آذار)
،0664إلى إقامة اتحاد جديد بين روسيا وكازاخستان ،يمكن أن
يتوسع ويضم باقي بلدان االتحاد السوڤيتي السابقة ،تحت اسم:
«االتحاد األوراسي».6
9
الرئيس الكازاخي نور سلطان نزاربايڤ يلقي محاضرة في جامعة موسكو الحكومية عام ،0664بحضور رئيس
الجامعة ڤيكتور سادوڤنيتشي
الخالصة
10
يعود وجود الترك في منطقة آسيا الوسطى إلى القرن
السادس الميالدي ،وتشكلت الهوية الكازاخية منذ القرن
السادس عشر الميالدي.
يرجع الفضل في تشكيل حدود كازاخستان الحالية إلى
السلطة السوڤيتية ،وتحديدا إلى زعيم الكرملين آنذاك
يوسف ستالين ،الذي أراد اقامة منطقة عازلة بين روسيا
وبلدان آسيا الوسطى؛ من خالل انشاء دولة كبرى تسيطر
على األراضي المفيدة في المنطقة ،وتكون موالية لروسيا
التي منحت جزءا من أراضيها في الغرب في منطقة رودني
ألطاي إلى كازاخستان.
اعترفت السلطة الجديدة في روسيا ما بعد االتحاد
السوڤيتي بحدود كازاخستان ،ولم تستجب لمطالبات من
بعض الشخصيات العامة الروسية "باستعادة" األراضي التي
منحتها روسيا لها على سبيل "الهدية"؛ وذلك لعدة
اعتبارات ،أهمها أن كازاخستان ظلت متمسكة ببقاء االتحاد
السوڤيتي ،وكانت آخر دولة أعلنت استقاللها بعدما أدركت
أن روسيا نفسها تخلت عنه ..كما حصل قادة الكرملين
الجدد على ضمانات أمنية من القيادة الكازاخية ،تعززت
بانضمام بالدهم إلى معاهدة األمن الجماعي ،إلى جانب
11
االبقاء على اللغة الروسية كلغة رسمية إلى جانب الكازاخية،
وطنهم ستالين في البالد الجنسية،
ومنح الروس الذين ّ
وجميع الحقوق كأي مواطن كازاخي.
بادرت كازاخستان ،من خالل رئيسها األول نزاربايڤ ،باقتراح
تعاون اتحادي جديد مع روسيا تطور عام 7101إلى اتحاد
على غرار االتحاد األوروبي في هياكله التنظيمية ،أطلق
عليه االتحاد االقتصادي األوراسي (.)EAEU
12
بشكل رئيسي)؛ المسيحيون ( %79.7بشكل رئيسي أرثوذكس
يتبعون بطريركية موسكو)؛ أديان أخرى %1.7؛ ملحدون %7.8؛
9
غير محددي الديانة ،%1.1حسب (تقديرات .)7116
في ظل مجاورة كازاخستان لقوتين عظميين؛ هما :روسيا شماال،
والصين في الجنوب الشرقي ،فضال عن بلدان آسيا الوسطى
األخرى التي يرى بعضها أن له حقا في األراضي الكازاخية ،ومع
عرقيا ،ومعارضة قوية بدأت تتشكل منذ
ًّ وجود مجتمع متنوع
نهاية التسعينات من القوميين والتيارات اإلسالموية ،تتهم
النظام بالتبعية للخارج؛ وسط ذلك كله حاول نزاربايڤ تشكيل
هوية وطنية لدولة -حسب قوله -لم يكن لها وجود قبل عام
،0660اذا بدأ عملية أشبه ما تكون بصناعة تاريخ افتراضي
للدولة الكازاخية ،واالدعاء بأن شعبها كان "يناضل" منذ سنوات
حركة بتكريم قام بل "استقالله"، لنيل طويلة
«باسماتشيستڤا»( -وفق التسمية الروسية ،المشتقة من
الكلمة األوزبكية «باسماتشي») أي "قطاع الطرق" ،واعتبار
قادتهم "مناضلين ألجل حرية الشعب الكازاخي" ،وإلى جانب ذلك
احتفى بتاريخ ملوك خانية كازاخستان ،وشيد تماثيل لهم في
الميادين العامة ،ووضع صورهم على طوابع البريد ،وفرض منهج
13
تاريخ جديد للبالد يدرس في شتى مراحل التعليم على أساس
هذه الرواية التاريخية.
أدى تعزيز السياسية القومية إلى آثار عكسية؛ فقد زادت
المشاعر المعادية للروس واألجانب في البالد ،ومنحت التيارات
القومية واإلسالموية مزيدا من القوة ،وخلقت توترا في
العالقات مع موسكو ،كما فتحت المجال للحديث عن «القبلية»
داخل المجتمع الكازاخي ،وعن القبائل التي أسهمت أكثر من
غيرها في صنع هذا التاريخ "النضالي" المزعوم.
تتشكل الهياكل القبلية للشعب الكازاخي في غالبيتها من اتحاد
قبائل «الجوز» المنقسمين إلى ثالث مجموعات رئيسية ،هي:
(الجوز األكبر ،والجوز األوسط ،والجوز األصغر) ،فيما يشبه
تقسيم القبائل العربية -وفقا للتصورات التقليدية -إلى ثالثة
أجذام (قحطان ،وعدنان ،وقضاعة) .األمر نفسه ينطبق على
التقسيم القبلي الكازاخي ،الذي تتفرع منه عدة عشائر مختلفة،
ومن هم خارج هذه القبائل الثالث :عشيرة «تور» ،وهم أحفاد
جنكيز خان ،ومن لهم الحق الشرعي -وفق التقاليد الكازاخية -في
الحكم والقيادة ،وحمل لقب سلطان ،وعشيرة «الخوجا» ،وهم
أحفاد العرب األوائل من علماء الدين الذين بشروا باإلسالم،
14
ويتولى مركز القيادة فيهم األشراف الذين يعتقد أنهم من نسل
الحسن والحسين ،وعشيرة «تولنغيت» ،وهي العشيرة التي نالت
شرف خدمة سالطين الكازاخ وخاناتهم ،وحراستهم ،وقيادة
قوات النخبة في الجيش ،وعشائر «سوناك» ،وهم العرب الذين
استوطنوا فيما تعرف اآلن بكازاخستان بعد الفتح .يتميز النظام
القبلي الكازاخي بصرامته ،فهو قائم على وحدة القبيلة أو
العشيرة العرقية ،واللغوية ،والثقافية ،والدينية ،والزواج فيه
10
محظور بين األقارب المقربين.
ينتمي الرئيس األول لكازاخستان نور سلطان نزارباييڤ ،وخليفته
قاسم جومارت توكاييڤ ،والحاشية المحيطة بهما ،إلى قبيلة
«الجوز األوسط» وهو ما يفسر هيمنة تلك القبائل على السلطة
والثروة منذ استقالل البالد ،يليهم في درجة النفوذ ذوو األصول
الروسية ،فيما تتركز شعبية أغلب التيارات اإلسالموية والقومية
في غرب البالد وجنوبها ،حيث تهيمن قبائل "الجوز األصغر
واألكبر" ،ومن هناك انطلقت احتجاجات يناير (كانون الثاني)
.7177
15
خريطة تقسيم القبائل والعشائر الكازاخية
الخالصة
16
ومستحق للقب "أبي األمة" ،بتبنيه الرواية الروسية التي
سبق أن رددها الزعيم الروسي ڤالديمير پوتين بأن
"كازاخستان لم تكن دولة قبل عام .."0660لكن نزارباييف -
من ناحية أخرى -أراد مغازلة القوميين والتصدي لدعاية
التيارات اإلسالموية ،من خالل تبني هوية قومية كازاخية،
وهو ما زاد من دعاية هذه التيارات ،وخلق إشكاليات داخلية
بين الكازاخ وذوي األصول الروسية .فضال عن إثارة جدل
كبير بشأن تاريخ البالد ،والحركات والشخصيات التي كُ ِّر َمت
بصور عديدة ،رغم اعتراض البعض على ذلك.
على الرغم من الحقبة السوڤيتية التي استمرت أكثر من
سبعة عقود ،وفترة االستقالل التي أكملت عامها الثالثين،
وكل محاوالت بناء هوية وطنية جامعة؛ ال تزال التقسيمات
القبلية وهياكلها االجتماعية والمناطقية لها دور كبير في
المجتمع ،وتبدو محاوالت صنع هذه الهوية الجامعة غير
ناجحة في ظل هيمنة فريق واحد (الجوز األوسط) على
مقاليد السلطة منذ استقالل البالد ،وهو ما ظهرت آثاره
في االحتجاجات األخيرة.
17
ماذا تعني كازاخستان للقوى الكبرى؟
موقع كازاخستان الجغرافي الفريد في أوراسيا ،أي أوروبا وآسيا،
مع مساحتها الضخمة ،جعل منها دولة ذات أهمية جيوسياسية
كبرى للقوى العظمى ،ولكنه فرض عليها -في المقابل -تحديات
كثيرة للموازنة بين هذه القوى.
االتحاد الروسي
18
أمنيا كبيرا لروسيا اإلمبراطورية،
شكَّ ل مثلت آسيا الوسطى تحديا ًّ
وهو ما دفعها إلى ضم بلدان تلك المنطقة من خالل عملية
سياسية واقتصادية وعسكرية طويلة ومعقدة ،بدأت عام
،0836وانتهت عام 0862بسيطرة روسية كاملة لمواجهة
الخطر المتمثل في هيمنة بريطانيا على المنطقة.
الزعيم السوڤيتي يوسف ستالين ،الذي عارض أفكار لينين
وتروتسكي التي كانت تدور حول «األممية» ،وأسس فريقا خاصا
به اصطلح على تسميته «البالشفة القوميين» ،صمم جمهورية
كازاخستان لتشكل منطقة عازلة آمنة بين روسيا وبلدان آسيا
الوسطى وأفغانستان ،ووطن فيها السالڤ لخلق توازن قومي
بين الترك الكازاخ والسالڤ من ناحية ،وتوازن ديني بين
المسلمين واألرثوذكس من ناحية أخرى ،في حين لم يهتم
بتوطينهم في باقي بلدان آسيا الوسطى .تميز ستالين -الجورجي
األصل -بأنه كان ينظر إلى االتحاد السوڤيتي واأليديولوجية
الشيوعية على أنهما خادمان لمصالح روسيا الجيوسياسية ال
العكس ،خالفا لمن كانوا قبله ،ومن جاءوا من بعده ،وهو ما
يفسر سر تقدير كثير من الروس له ،رغم ما نسب إليه من جرائم
ضد اإلنسانية .وعليه ،فإن أي فوضى في كازاخستان ،أو تولي
سلطة غير صديقة لروسيا مقاليد الحكم هناك ،سيشكل ذلك
19
تحديا ربما ال تقوى موسكو على مواجهته ،مع وجود تلك ًّ
الحدود الممتدة التي يكاد يكون من المستحيل تأمينها ،في حين
أن كازاخستان الصديقة المستقرة والموالية لموسكو ،تخفف
من على كاهلها عبء وضع قواتها في حالة تأهب على هذه
الحدود الطويلة ،وتشكل جدار حماية من أي أخطار قد تأتي من
وراء تلك الحدود ،وعامل توازن وربما ضغط على الصين إذا حدث
خالف بين موسكو وبكين؛ لذلك تمتعت كازاخستان بمعاملة
خاصة لدى روسيا ،حتى أن الكازاخ يمكنهم دخولها بالهوية
الشخصية ،دون الحاجة إلى جواز سفر ،أو تأشيرة دخول.
20
كازاخستان منطقة عازلة بين روسيا وآسيا الوسطى
21
عام ،7103التي تضم أكثر من 411اتفاقية ومذكرة تفاهم.
باإلضافة إلى ذلك ،هناك بعثات تجارية في كال البلدين تقدم
دعما شامال للمشاركين في التجارة الخارجية المشتركة .تظل
رئيسيا لكازاخستان" :يبلغ حجم التجارة
ًّ خارجيا
ًّ تجاريا
ًّ روسيا شريكا
من 08إلى %70من إجمالي حجم التجارة الخارجية الكازاخية من
خالل االتجاه الروسي" .وفقا لدائرة الجمارك الفيدرالية الروسية،
في عام ،7171بلغت التجارة بين روسيا وكازاخستان أكثر من 06
مليار دوالر أمريكي ،وهو ما يقل بنسبة %7.84عن الفترة نفسها
من عام ،7106حيث بلغت الصادرات الروسية إلى كازاخستان
( )042131مليار دوالر أمريكي في عام %1.04 -( 7171عن عام
،)7106في حين بلغت واردات روسيا من كازاخستان ()12134
مليار دوالر أمريكي في عام ،7171بانخفاض نسبته %6.94
مقارنة بعام .7106إجماال ،بلغت حصة كازاخستان %3.39في
حجم التجارة الخارجية لروسيا عام ،7171وبذلك تحتل المركز
العاشر للتجارة الروسية .تجدر اإلشارة أن 29من أصل 81كيانا
من الكيانات المكونة لالتحاد الروسي لديها عالقات تجارية
واقتصادية مع شركاء في كازاخستان ،في حين أن كازاخستان
تنفذ بنشاط مشروعات مشتركة مع منطقة موسكو وسانت
22
بطرسبورغ ،ومناطق أومسك ،وأستراخان ،وتفير ،وتتارستان،
11
وباشكورستان.
ميناء بايكونور الفضائي في كازاخستان ،الذي تستخدمه روسيا في إطالق صواريخ سايوز
23
وثائق جديدة ومالحق إضافية ،لتحديد اإلطار العام والجوانب
المختلفة األخرى للتعاون الوثيق بينهما.
يشمل التعاون العسكري المشترك بشكل شبه كامل جميع
جوانب السياسة األمنية ،واألنشطة األخرى ذات الصلة ،من إجراء
تدريبات عسكرية مشتركة ،ال سيما في إطار منظمة معاهدة
األمن الجماعي ،وإنتاج األسلحة والتكنولوجيا العسكرية ،وتدريب
األفراد العسكريين ،وتقاسم المنشآت العسكرية .باإلضافة إلى
ذلك ،بصفتها عضوا في منظمة معاهدة األمن الجماعي،
تستفيد كازاخستان من الشروط التفضيلية لشراء األسلحة
واألنظمة المصنعة في روسيا ،التي تعد -إلى حد بعيد -أكبر
مورد للمعدات العسكرية للدولة الواقعة في آسيا الوسطى.
من وجهة نظر موسكو ،فإن الحفاظ على هذا التعاون العسكري
التاريخي مع كازاخستان وتعزيزه يتماشى تماما مع سياستها
اإلستراتيجية الخاصة ،الموضحة في عقيدة السياسة الخارجية
الروسية الجديدة ،التي تركز -بشكل متزايد -على ضرورة استعادة
"مجال نفوذ روسيا المتميز" في الفضاء ما بعد السوڤيتي،
وتعزيز دورها كقوة أوراسية .في المقابل ،تمتلك كازاخستان أكبر
24
موارد عسكرية بعد روسيا في المنطقة؛ مما يجعلها دولة
12
رئيسية لصانعي السياسات في موسكو.
الصين الشعبية
25
عالميا المهتمة بما
ًّ جين بونين ،وهو من الشخصيات البارزة
15
يتعرض له اإليغور من "اضطهاد" في الصين.
توفر الثروات الطبيعية التي تزخر بها كازاخستان موردا مهما
وقريبا للخامات التي تحتاج إليها الصناعات الصينية ،وعلى رأسها
الغاز والنفط والمعادن .أهم من ذلك أن كازاخستان هي الجسر
الذي يربط الصين بأوروبا؛ فالطريق التقليدي للصين نحو أوروبا
يمر عبر روسيا من خالل الشرق األقصى ،ويقطع داخل األراضي
الروسي مساحة شاسعة تصل إلى نحو عشرة آالف كيلو متر
للوصول إلى الحدود مع أوروبا ،في حين أن الطريق المباشر
للسكك الحديدية من الصين إلى كازاخستان ،ومنها إلى روسيا
ثم أوروبا ،أقصر ،وأكثر سهولة وسرعة.
26
خط السكك الحديدية الجديد الذي يربط الصين بأوروبا من كازاخستان عبر روسيا
كذلك ،في سعيها إلى إيجاد بدائل عن روسيا لتصل بضائعها إلى
أوروبا ،ربطت بكين نفسها بمنظومة خطوط السكك الحديدية
مع خط (باكو -تبليسي -قارص) ،وتم ربط هذا الخط عن طريق
كازاخستان من محطة شيان الصينية إلى ميناء أكاتو الكازاخي في
غرب البالد على بحر قزوين ،ومنه إلى باكو ،ثم تبليسي ،وصوال
إلى قارص التركية ،ومنها إلى أوروبا .هذه الرحلة ،التي يبلغ
طولها اإلجمالي ( ،)82963تبدأ من شيان ( )72011كم داخل
الصين ،ثم ( )32711كم في كازاخستان ،ثم ( )471كم لعبور بحر
27
قزوين ،ثم ( )431كم في أذربيجان ،ثم ( )771كم في جورجيا ،ثم
( )72373كم في تركيا ،ويقطع القطار هذه الرحلة في 07يوما
16
فقط.
28
منها .كما أن عدم استقرار النظام قد يؤدي إلى سقوطه،
موال للغرب ،أو لروسيا بشكل واضح ،وكال األمرين
ٍ وصعود نظام
ال تحبذه الصين ،وإن كان ذلك مفهوما بالنسبة إلى الغرب ،فقد
غربيا
ًّ يبدو األمر غريبا بالنسبة إلى روسيا في إطار ما يوصف
بوجود "تحالف" روسي -صيني ،ولكن هذا التقارب ،وهو
التوصيف األدق لطبيعة العالقات بين البلدين ،ال ينفي وجود
المنافسة ،وروسيا لن تكون سعيدة بوجود طرق بديلة لتصدير
المنتجات الصينية إلى أوروبا ،وهو ما يفقدها ورقة جيوسياسية
مهمة؛ ولذلك تعمل -بنشاط -على دعم أرمن جورجيا في
منطقة «سمتسخى-چڤاختي» ،وعاصمتها آخالكاالكي ،التي يمر
منها خط أنابيب النفط (باكو -تبليسي -جيهان) ،الذي يشكل
منافسا للنفط والغاز الروسي ،وخط السكك الحديدية (باكو-
تبليسي -قارص) .تمتع األرمن في العهد السوڤيتي بوضعية
الحكم الذاتي ،وحق استخدام لغتهم القومية ،وبعد استقالل
جورجيا ُحرموا هذا الحق ،ويطالبون -مثلهم مثل أبخازيا ،وأوسيتيا
الجنوبية -باالنفصال عن جورجيا ،أو االنضمام إلى قوام االتحاد
الروسي ،ويشكل هذا الوضع ورقة في يد موسكو ،يمكن أن
17
تستخدمها في أي وقت لتعطيل هذه المشروعات.
29
منطقة سمتسخى -چڤاختي ،ذات األغلبية األرمينية في جورجيا
أخيرا ،طريق الصين اآلمن إلى إيران ،ومنها إلى منطقة الخليج
العربية وغرب آسيا ،يمر عبر كازاخستان من خالل خط السكك
الحديدية (شنغهاي -طهران)؛ ولذلك تكتسب العالقة أهمية
متعددة األوجه بين البلدين ،في ظل استثمارات صينية بلغت،
عام ،7106نحو ( )72.2مليار دوالر أمريكي ،ووجود مناهضين
لتلك االستثمارات داخل كازاخستان من القوميين ،ودعاة الحفاظ
18
على البيئة.
30
خط السكك الحديدية الذي يربط شنغهاي الصينية بالعاصمة اإليرانية طهران
31
عدة خرائط صينية تعتبر كازاخستان ،إلى جانب دول أخرى في
المنطقة ،جزءا ال يتجزأ من أراضي الصين التي ينبغي استعادتها.
التحول الكبير األول في العالقة حدث عندما اقترحت الصين-
بعد تفكك االتحاد السوڤيتي -إيجاد صيغة تعاون مشتركة بينها
وبين روسيا والبلدان المستقلة حديثا؛ لتنظيم شؤون المنطقة،
وضمان عدم تحولها إلى بؤر توتر أو نفوذ غربي ُمهدد .وفي
السادس والعشرين من أبريل (نيسان) ،0669تم توقيع ميثاق
ضمت (الصين ،وروسيا،
«مجموعة شانغهاي الخماسية» ،التي ّ
وكازاخستان ،وقيرغيزستان ،وطاجيكستان) ،وجاء في مقدمتها:
"التزام الدول األعضاء باحترام حدود الدول الموقعة على هذا
19
الميثاق وسيادتها".
التحول الكبير الثاني حدث عام ،7104وذلك عندما ضمت/
استعادت روسيا شبه جزيرة القرم ،وبررت تلك الخطوة بعدة
أسباب ،من بينها حماية المواطنين ذوي األصول الروسية ،ومن
المعروف أن %71من سكان كازاخستان من أصل روسي ،وخشية
من تكرار السيناريو نفسه ،وسعت السلطة الكازاخية من تعاونها
العسكري من الصين.
32
االتحاد األوروبي
33
أمنيا :يمثل سقوط الدولة الكازاخية فرصة للصين وروسيا وتركيا،
في زيادة نفوذهم في المنطقة ،في حين ال تمتلك أوروبا قدرة
على مجاراة هذا النفوذ إال في ظل االستقرار ،وتدفق
االستثمارات والمنح التعليمية ،كما أن أوروبا ستعاني من أي
فوضى تحدث في هذا البلد عبر موجات جديدة من الالجئين
تتدفق على أراضيها عبر تركيا ،وهو ما لم تعد تتحمله .أخيرا ،تمثل
كازاخستان النموذج المستقر اآلمن في بلدان آسيا الوسطى
لخطوط السكك الحديدية المسؤولة عن سالسل التوريد من
الصين ،إلى جانب كونها أحد مصادر الطاقة في ظل السياسة
األوروبية التي تعتمد على تنوع مصادرها .على الجانب
العسكري ،هناك تعاون متزايد بين كازاخستان وبلدان االتحاد
األوروبي ،وبالتحديد مع ألمانيا وإيطاليا.
الواليات المتحدة
34
وسيول ( ،)7107والهاي ( .)7104كما التزمت كازاخستان بعد
استقاللها بالمطلب األمريكي الملح آنذاك باالستغناء عن
أسلحتها النووية التي ورثتها من االتحاد السوڤيتي ،وقد تخلت
عنها بالكامل في عام ،0663وأغلقت موقع اختبار
سيميباالتينسك ( .)STSكما ساعدت الواليات المتحدة
كازاخستان في إزالة الرؤوس الحربية النووية ،والمواد الصالحة
لصنع األسلحة ،والبنية التحتية الداعمة لها .في عام ،0664
نقلت كازاخستان أكثر من نصف طن من اليورانيوم المستخدم
في صنع األسلحة النووية إلى الواليات المتحدة ،وفي عام
0661أزالت آخر رؤوس حربية نووية لديها ،وبمساعدة من
الواليات المتحدة أكملت إغالق 080نفقا للتجارب النووية في
محطة سيميباالتينسك في مايو (أيار) .7111وفي العقد التالي،
عملت الواليات المتحدة وكازاخستان معا إلغالق 41نفقا
إضافيا الختبارات النووية في نفس المنشأة السوڤيتية السابقة.
ًّ
لتأكيد حرص كازاخستان على أفضل العالقات مع الغرب ،وقعت
على اتفاقية القوات المسلحة التقليدية في أوروبا ( )CFEعام
،0667ومعاهدة ستارت عام ،0667ومعاهدة عدم انتشار
األسلحة النووية عام ،0663واتفاقية األسلحة الكيميائية،
ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام .7110وفي عام
35
7101أبرمت حكومة كازاخستان اتفاقية مع الوكالة الدولية
للطاقة الذرية الستضافة بنك يورانيوم منخفض التخصيب ،تلقت
شحناته األولى عام .7106وبموجب البرنامج التعاوني للحد من
التهديد ،أنفقت الواليات المتحدة أكثر من 721مليون دوالر
لمساعدة كازاخستان على إزالة أسلحة الدمار الشامل ،والبنية
التحتية ذات الصلة بأسلحة الدمار الشامل ،كما تتلقى قوات
األمن الكازاخستانية أمواال من برنامج الواليات المتحدة الدولي
للتعليم والتدريب العسكري ،وبرنامج التمويل العسكري
األجنبي ،وبرنامج المساعدة المدنية والكوارث اإلنسانية في
الخارج ،وصندوق مبادرة ويلز ،ومبادرة عمليات السالم العالمية،
وبرنامج بناء قدرات الشركاء ،ويشارك الجيش الكازاخستاني في
التدريبات العسكرية التي تمولها الواليات المتحدة ،مثل :نسر
السهوب ( ،)Steppe Eagleوفايكنيغ ( ،)Vikingومناورات
األسد المتأهب ( ،)Eager Lionوشانتي براياس ( Shanti
21
.)Prayas
كما هو واضح من تاريخ تسلسل العالقة بين البلدين ،كانت
أولوية الواليات المتحدة ضمان عدم تسرب أي أسلحة أو مواد
نووية من تركة االتحاد السوڤيتي في كازاخستان إلى الخارج،
وقد أبدت األخيرة تعاونا كامال مع واشنطن ،وأرادت أن تُ ظهر
36
لها مدى تمتعها بالمسؤولية العالية ،ورغبتها في بناء أفضل
العالقات مع أمريكا وأحسنها ،وهو ما دفع عدة أطراف أمريكية
إلى النظر إلى كازاخستان على أنها قاعدة ارتكاز رئيسية للسياسة
األمريكية في آسيا الوسطى تجاه روسيا والصين ،ولكن ما أعاق
هذا التصور التنافس المحموم بين بلدان المنطقة على الزعامة.
وبحسب الدبلوماسي األمريكي ،ومدير وكالة المخابرات
المركزية الحالي وليام بيرنز ( ،)William Burnsكان قادة
المنطقة يشكون من منح الواليات المتحدة األولوية في
سياساتهم لكازاخستان ،ويقول في ذلك األمر" :في أوزبكستان،
تساءل الرئيس إسالم كريموڤ :لماذا توقف األمريكيون دائما
في أستانا أوال وفشلوا في إدراك أن طشقند كانت مركز الثقل
22
في النظام الشمسي الصغير آلسيا الوسطى؟"
اقتصاديا :الواليات المتحدة هي من المستثمرين األجانب
المباشرين في كازاخستان .بلغ االستثمار األجنبي المباشر من
الواليات المتحدة إلى كازاخستان في النصف األول من عام
،7108نحو ( )7.26مليار دوالر ،بزيادة قدرها ( )%44.2مقارنة
بالفترة نفسها من عام 0.63( 7102مليار دوالر) .بشكل عام،
في الفترة من 7111إلى يوليو (تموز) ،7108بلغ الحجم
اإلجمالي لالستثمار األجنبي المباشر األمريكي لالقتصاد
37
الكازاخستاني ( )33.29مليار دوالر ،أغلبها في قطاع الطاقة .كما
سنويا كثيرا من األحداث االستثمارية
ًّ تستضيف كازاخستان
والتجارية واالقتصادية ،حيث يقدم المسؤولون الحكوميون
وقادة األعمال الكازاخستانيون فرص االستثمار الحالية
والمستقبلية المفتوحة أمام االستثمار األمريكي ،ويضعون أطرا
للتعاون المستقبلي مع الشركات األمريكية .زار وفد من 09
شركة أمريكية كبرى كازاخستان في أكتوبر (تشرين األول) 7108
في إطار عمل البعثة التجارية االفتتاحية المعتمدة من وزارة
التجارة األمريكية إلى كازاخستان ،وأسفرت الزيارة عن اتفاقيات
في مجال أبحاث الطيران والفضاء ،والزراعة ،وصناعة
البتروكيماويات ،وتطوير البنية التحتية.
عملت كازاخستان مع الواليات المتحدة للتطور إلى سوق
مزدهرة تحتضن المنافسة في السوق الحرة ،في إطار
المشاورات الثنائية السنوية ( ،)ABCالتي تأسست عام ،7101
والتي تم ترقيتها إلى مستوى حوار الشراكة اإلستراتيجية المعزز
عام .7108من الجدير بالذكر أن الواليات المتحدة دعمت
كازاخستان في جهودها للحصول على عضوية منظمة التجارة
العالمية ،وأبرمت معها اتفاقية شراكة في القطاعات التي
حددتها إستراتيجية «كازاخستان »7111كأولوية .وقد أعلنت
38
واشنطن أن هذا الدعم يأتي في إطار العالقة الوثيقة بين
الطرفين ،ودعم الواليات المتحدة لدور كازاخستان القيادي في
جهود التنمية االقتصادية في منطقة آسيا الوسطى .كما
وحدت الواليات المتحدة جهودها مع كازاخستان لضم
وأوزبكستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، قيرغيزستان،
وأفغانستان إلى اتفاقية التجارة واالستثمار بين الواليات
23
المتحدة وآسيا الوسطى ( )TIFAعام .7114
عسكريا :على الرغم من االنتقادات الكثيرة التي تصدر من
واشنطن حتى ضد "حلفائها" بشأن قضايا "الديمقراطية" ،أو
تول هذا األمر أي أهمية في عالقاتها
"حقوق االنسان" ،فإنها لم ِ
مع كازاخستان التي سعت إلى تطويرها في شتى المجاالت،
ومنها الجانب العسكري ،حتى إنها أدرجت الجيش الكازاخي في
برامج االحتراف العسكري ،التي تهدف إلى إعادة هيكلة العقيدة
العسكرية الكازاخية .وعندما واجهت ،عام ،7108انتقادات من
بعض الناشطين والنواب األمريكيين لهذا التعاون الوثيق ،دون
ضغط على الحكومة للقيام بإصالحات سياسية ،رد عليها الجنرال
لويد أوستن ( ،)Lloyd Austinالذي يشغل اآلن منصب وزير
الدفاع األمريكي ،بالقول" :للواليات المتحدة دور مهم في أمن
آسيا الوسطى ،ويجب علينا تمكين دول المنطقة من مكافحة
39
التهديدات اإلقليمية الخاصة بها .وفي تعاملنا مع كازاخستان
على وجه التحديد ،تنص إستراتيجيته على أن تظل عالقة
الواليات المتحدة بكازاخستان هي األكثر تطورا بين جميع دول
آسيا الوسطى؛ حيث يسعى الكازاخستانيون إلى الحصول على
مساعدة الواليات المتحدة في تحديث قواتهم العسكرية ،ونحن
نستفيد من هذه الفرصة لزيادة تعزيز وجودنا في المنطقة،
24
والعالقة الثنائية بين بلدينا".
تدريب عسكري مشترك بين الجيشين األمريكي والكازاخي عام - 7103المصدر)AzerNews( :
40
قبل ترك الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييڤ السلطة عام
طور العالقة العسكرية مع الواليات المتحدة تطويراّ ،7106
كبيرا ،وأصبح لدى الجيش الكازاخي نخبة من الضباط الذين تلقوا
عسكريا في الواليات المتحدة ،وتم توقيع عقود
ًّ تعليما وتدريبا
لعدة صفقات عسكرية تزود بموجبها واشنطن البالد بالسالح
والعتاد ،وهو ما أزعج موسكو ،وخلق توترا في العالقة بين
البلدين.
الخالصة
41
كازاخستان آخر البلدان خروجا من االتحاد السوڤيتي ،وكانت
أكثرها تمسكا به ،وقد صوت ( )%88.7ممن لهم حق
التصويت في االستفتاء الشعبي بشأن بقاء االتحاد
السوڤيتي من عدمه في 02مارس (آذار) ،0660بنسبة
25
( )%64.0باإلبقاء عليه.
حرصت كازاخستان ،بعد نيل استقاللها ،على إقامة أفضل
العالقات الوثيقة مع روسيا ،وسعت إلى إيجاد صيغة تعاون
معها بديلة عن االتحاد السوڤيتي؛ ولذلك تقدمت بطلب
عضوية في رابطة الدول المستقلة ( )CISفور تأسيسها
نهاية عام ،0660وعندما وجدت أنها منظمة غير فعالة؛
اقترح الرئيس السابق نور سلطان نزارباييڤ تأسيس اتحاد
أوراسي بين البلدين ،وهو ما تكلل بإعالن االتحاد
االقتصادي األوراسي ( )EAEUعام .7101
اعتمدت كازاخستان على سياسة خارجية متعددة النواقل؛
أوال :بسبب حالة الفوضى التي اجتاحت روسيا طيلة حقبة
التسعينيات ،وعدم وجود سياسة واضحة لدى موسكو
إلطار تعاون بديل عن االتحاد السوڤيتي .ثانيا :بسبب
مخاوف نزارباييڤ ،بعدما بدأت روسيا تستعيد قوتها من
42
جديد منذ عام ،7118وخاضت حرب أوسيتيا الجنوبية مع
جورجيا.
بعدما بدأت كازاخستان تشعر بالقلق من تنامي قوة روسيا،
انضمت بعد نهاية حرب أوسيتيا الجنوبية ،عام ،7118إلى
برنامج «الطريق إلى أوروبا» ،وقامت بنحو ( )011خطوة
إصالحية في جميع مؤسساتها بناء على توصيات االتحاد
األوروبي ،وسط تنامي لدعاية "أوروبية" لكازاخستان
وإمكانية انضمامها إلى االتحاد ،وهي الدعاية التي القت
صدى في بروكسل ،وبدأ األوروبيون يناقشونها مناقشة
جادة؛ لما تتمتع به البالد من إمكانات اقتصادية ،وثروات
طبيعية ،وموقع يخدم عمليات النقل وسالسل التوريد
األوروبية .وفي المقابل ،بدأت كازاخستان تتراجع عن كثير
من التزاماتها وحماستها لالتحاد األوراسي ،الذي كان في
26
األصل مقترحها.
طورت كازاخستان عالقاتها مع الواليات المتحدة منذ عام
،0664وشهدت قفزات متعددة تبعا لتخوفاتها من روسيا،
وكانت أحداث أوكرانيا ،وضم /استعادة روسيا لشبه جزيرة
القرم لحظة فارقة في اندفاعتها نحو مزيد من التعاون مع
43
واشنطن ،وصوال إلى عالقات عسكرية ،وتوقيع صفقات
تسليح كبرى.
اتسمت العالقة الصينية -الكازاخية بالشك والريبة من كال
الطرفين ،ولكنها توطدت في العقد الماضي ،وأصبحت
كازاخستان الشريك التجاري ،والموقع الجيوسياسي األكثر
أهمية لبكين في مشروع الحزام والطريق.
وسعت كازاخستان من عضويتها في عدة منظمات دولية
وإقليمية ،ووقعت اتفاقيات تعاون عسكري واقتصادي مع
جهات مختلفة ،وكانت وتيرة هذه العملية تتسارع كلما
شعرت بالقلق من موسكو ،أو في حال الشعور بالقوة،
ورغبتها في مزيد من االستقاللية عنها .كازاخستان عضو
نشط في «مجلس الشراكة األوروبية األطلسية» التابع
لحلف الناتو ،وعقدت عدة تدريبات عسكرية مع الحلف،
منها تدريبات استضافتها على أراضيها ،كما أنها مشارك
27
نشط في «برنامج الناتو للعلوم من أجل السالم واألمن».
وقعت كازاخستان اتفاقيات شراكة اقتصادية ،وسوق حرة
مع بلدان آسيا الوسطى ،والواليات المتحدة ،ومع االتحاد
األوروبي ،وكذلك مع الصين ،حيث انضمت كازاخستان إلى
منظمة شنغهاي للتعاون ( )SCOعام ،0669التي أنشأتها
44
متنام مع القوى الثالث.
ٍ الصين ،ولديها تعاون عسكري
وأخيرا أصبحت عضوا مؤسسا في مجلس التعاون للدول
الناطقة بالتركية ( ،)CCTSوكان الرئيس السابق نزارباييڤ
من أكثر المتحمسين له .ويهدف المجلس إلى تأسيس قوة
عسكرية مشتركة للبلدان التركية ،إلى جانب أنشطة
اقتصادية وثقافية ،وقد أسهم في تنامي العالقات مع
28
تركيا ،وتصدير األخيرة أسلحة من إنتاجها إلى كازاخستان.
45
أدى هذا التباعد من طرف كازاخستان تجاه روسيا ،في
السنوات األخيرة من حكم نزارباييڤ ،إلى توتر في العالقة
بين الطرفين ،وصدور تصريحات من شخصيات عامة روسية،
وصفتها كازاخستان باالستفزازية ،من قبيل "استعادة
األراضي الروسية التي قدمتها لكازاخستان على سبيل
الهدية" ،وحديث الرئيس پوتين نفسه بأن "كازاخستان لم
يكن لها وجود قبل عام ،0660وأن حدودها الحالية تشكلت
بفضل روسيا" .29ومما زاد من تفاقم األوضاع الموقف
سلبيا في روسيا لضم/
ًّ وفهم فهما
الذي بدا حيادياُ ،
استعادة شبه جزيرة القرم ،وهو ما انعكس -بدوره -على
الصراع الداخلي بين النخب الكازاخية ،بين المؤيدين لعالقة
وثيقة مع روسيا مقابل الراغبين في عالقة أقوى مع
الغرب.
46
ما الذي حدث؟
أصبح من المعروف لدى المتابعين كيف بدأ تسلسل األحداث
في كازاخستان ،وصوال إلى تفجرها وشيوع الفوضى في مدينة
ألماتي ،كبرى مدن البالد ،والعاصمة السابقة ،ولمن يريد التوسع
في هذا األمر يمكنه العودة إلى تقدير موقف أعدته وحدة
الدراسات ما بعد السوڤيتية ،بعنوان «كازاخستان ..مفاجأة بداية
العام».
أول ما تبادر إلى أذهان بعضنا؛ نتيجة حالة الثراء التي تتمتع
بها كازاخستان ،واستقرارها الداخلي ،والمناوشات الروسية
مع حلف الناتو بشأن أوكرانيا ،أن ما حدث هو "مخطط" ،أو
"مؤامرة" أمريكية لوضع روسيا بين فكي كماشة في
الشرق مع كازاخستان ،وفي الغرب مع أوكرانيا.
قد يبدو هذا التصور بالحسابات النظرية صحيحا تماما ،ولكن
األحداث بناء على ما تم شرحه في هذه الدراسة للتركيبة
الداخلية ،والتقسيم القبلي ،والتحالفات الخارجية للبالد،
وتداعيات تفشي وباء كوفيد ،06 -وغيرها من األسباب،
هي ما مهدت األجواء لهذا الحريق الذي كان ينتظر عود
ثقاب ليشتعل ،وكان قرار زيادة سعر الغاز ثالثة أضعاف
47
دفعة واحدة في بلد تعتمد %81من مركباته عليه،
ويمتلك موارد غازية ضخمة ،القشة التي قصمت ظهر
البعير كما يقال .إجماال ،يمكن حصر أسباب ما حدث في
العناصر التالية:
المجتمع الكازاخي ،وعلى الرغم مما يبدو من تسامح خارجي
يسود البالد ،وتعايش بين األعراق المختلفة ،فإن الروح
القبلية كامنة بداخله ،وتعززت مع طول حكم نزارباييڤ،
الذي استمر زهاء ثالثة عقود ،وهيمنة قبائل «الجوز
األوسط» -التي ينتمي إليها -على جميع مراكز السلطة
والثروة بالمشاركة مع ذوي األصول الروسية؛ ولذلك لم
يكن من المستغرب أن تنطلق شرارة التظاهرات من مناطق
«الجوز األصغر» في الغرب ،وتنتقل بعدها إلى مناطق
«الجوز األكبر» في الجنوب.
إدراكا منه للطابع القبلي المهيمن لقبائل «الجوز األوسط»،
وحاجته إلى جدار حماية لحكمه ،نقل الرئيس السابق
نزارباييڤ العاصمة من ألماتي ،التي تقع في الجنوب حيث
ثقل قبائل «الجوز األكبر» ،إلى آستانا في الشمال الشرقي،
الذي تهمن عليه قبائل «الجوز األوسط» ،عام .0668
48
ارتكب النظام الكازاخي خطأ وصفه المراقبون الكازاخيون بـ
"القاتل" ،عندما لم يسمح بأي أجواء لحرية عمل األحزاب
السياسية والمعارضين ،وهو ما دفعهم إلى الهجرة إلى
الخارج ،أو العمل السري في الداخل تحت األرض ،ومع أول
فرصة اهتز فيها النظام خرجوا إلى الشوارع بال أي ضوابط،
وال نخبة قادرة على ضبطهم ،أو على التفاوض مع النظام.
رغم الثراء الذي تتمتع به البالد (كازاخستان لديها ثاني أكبر
احتياطي من اليورانيوم ،والكروم ،والرصاص ،والزنك ،وثالث
أكبر احتياطي من المنغنيز ،وخامس أكبر احتياطي نحاس،
ومن ضمن الدول العشر األولى في تصدير الفحم ،والحديد،
والذهب) ،كما أنها أيضا مصدر لأللماس ،وتحتل المرتبة
الحادية عشرة كأكبر احتياطي مؤكد للنفط والغاز ،وثاني
أكبر احتياطي لصخر الفوسفوريت ،فإن الثروة في يد
أوليغارشية صغيرة من حاشية الرئيس وعشيرته.
فتح النظام الباب واسعا أمام الشباب الكازاخي للسفر
والتعلم في الجامعات األوروبية واألمريكية ،ولدى كثير من
الشباب معرفة باللغة اإلنجليزية ،وفي ظل عالم مفتوح
بفضل الفضائيات واإلنترنت وسهولة السفر ،وتخيل أن
هؤالء سيعودون فقط بما تلقوه من علوم ،ولم يدرك أنهم
49
تشبعوا بأفكار ليبرالية ،وقارنوا بين أوضاع بلدهم على الرغم
من ثرائها ،وأوضاع البلدان الغربية وما تقدمه من فرص،
يضاف إلى ذلك إحباطهم من عدم إمكانية ترقيهم في
العمل الوظيفي بما يتالءم مع تعلموه في الخارج دون
شبابيا واسعا لديه مشاعر
ًّ واسطة ،وهو ما خلق قطاعا
غضب مكتومة ،وكان ينتظر أول فرصة للخروج والتنفيس
عن هذا الغضب.
خطاب السلطة بشأن الهوية الوطنية للبالد عانى ارتباكا
شديدا؛ فتارة يتحدث عن دولة لم يكن لها وجود قبل عام
،0660ونشأت ونمت واستقرت بفضل الزعيم "أبي األمة"
نزارباييڤ ،وفي الوقت نفسه يستخدم شعارات تبدو
"شعبوية" في الترويج لدولة الكازاخ الضاربة في جذور
التاريخ ،ونضال شعبها زمنا طويال لنيل استقاللها ،وقد
زادت هذه الدعاية في السنوات األخيرة؛ مما أدى إلى
تنمية شعور قومي كازاخي خرج في بعض األحيان من إطار
الوطنية السمحة إلى العنصرية ،والتنمر على األعراق
األخرى ومن ال يستجيبون لنظرتهم بشأن هوية الدولة ،مثل
"دوريات حماية اللغة" ،لتحديد مدى والء المواطنين على
أساس اختبارات في مدى استخدامهم للغة الكازاخية،
50
والهجوم على المتحدثين بالروسية في ممارسة تشبه -إلى
حد كبير -ممارسات النازيين في ألمانيا ،وكان من نتائج هذا
التخبط أن دخل النظام مع المعارضة في مزايدات قومية
متبادلة أدت إلى انشقاقات داخلية ،وتوتر في العالقات مع
موسكو ،وتلويح من سياسييها بإمكانية التدخل واقتطاع
أراض من كازاخستان؛ لكونها "هدية" من روسيا.
ٍ
أثارت حماسة نزارباييڤ للعالقة مع أوروبا والواليات
المتحدة ،ودعمه العلني للعالقات مع تركيا في إطار
قومي ،تحت راية مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية
( ،)CCTSمخاوف وانتقادات من السياسيين والباحثين
الروس؛ لكون هذه الدعوة قد تلقى صدى في الداخل
الروسي في ظل انتماء غالبية مسلميها إلى أعراق تركية
من التتر ،والبشكير ،وغيرهما.
بعد تنازل نزارباييڤ عن الرئاسة ،سلمها لخليفته قاسم
جومارت توكاييڤ ،المنتمي إلى المكون القبلي نفسه
(الجوز األوسط) ،واحتفظ لنفسه بمنصب رئيس مجلس
األمن القومي ،المسؤول عن جميع األجهزة األمنية
واالستخباراتية في البالد ،وعين ابنته داريغا نزارباييڤ،
رئيسة لمجلس الشيوخ ،التي أصدرت قرارا في 31مارس
51
(آذار) ،7106بتغيير اسم العاصمة من آستانا إلى نور
سلطان ،وفي االنتخابات البرلمانية التي أجريت في العاشر
من يناير (كانون الثاني) ُ ،7171أقصيت المعارضة ،وفاز
الحزب الحاكم «نور أوتان» بـ %20من المقاعد ،وهو ما بدد
آخر اآلمال لدى الشعب ،وخاصة فئة الشباب ،في حدوث
تغيير ،مع ظهور الرئيس السابق إلى جانب الرئيس الحالي
في عدة مناسبات دولية ،وهو ما بدا معه أن توكاييڤ
مجرد رئيس صوري ،وأن النظام ظل كما هو لم يتغير ،وهو
ما دفع الكثيرين إلى اليأس من إمكانية التغيير بشكل
سلمي.
أطراف المعارضة الخارجية ،وعلى رأسها المصرفي والوزير
السابق مختار أبليازوڤ ،رئيس حزب "االختيار الديمقراطي
لكازاخستان" ،وجدت في الصراع المشتعل بين روسيا
والغرب على الحدود األوكرانية ،وزيادة أسعار الغاز مع تراجع
الوضع االقتصادي ،وخروج الناس إلى الشوارع ،فرصة
مثالية لتنشيط خالياها النائمة في الداخل ،ومحاولة صنع
فوضى؛ على أمل تلقي دعم من الغرب ،وقد نقل أبليازوڤ
جميع أنشطته السياسية من فرنسا إلى أوكرانيا؛ لإليحاء بأن
52
هناك جبهة غربية موحدة ضد موسكو وحلفائها في
المنطقة ،وهو ما أجج العنف في الشارع.
لم يكن ما حدث في كازاخستان -كما سلف في مقدمة
هذه الدراسة -مفاجأة للمختصين بالشؤون األوراسية؛ فقد
كتب المحلل السياسي الروسي نيكيتا مندكوڤيتش ،في
التاسع عشر من ديسمبر (كانون األول) ،7171تقريرا
مفصال عن "تنامي التنافس على المشاعر القومية
المعادية لروسيا بين النظام والمعارضة ،وتفشي الفساد
في البالد" ،وتحذير الرئيس توكاييڤ ،وقد صرح في ذلك
األمر بالقول" :يمكن أن يؤدي التقاعس عن مكافحة
الفساد إلى تنامي المشاعر االحتجاجية والعدمية القانونية
بين المواطنين" .كما توقع مندكوڤيتش أن "يستحوذ
الحزب الحاكم على األغلبية المطلقة ،ورفض المعارضة
القومية في نواتها لنتائج االنتخابات سلفا ،ومحاولة
استغالل دعم إدارة بايدن للديمقراطية كما تدعي في إثارة
القالقل في كازاخستان" .30كما حذر تقرير صادر من باحثين
روس وكازاخ ،في نوفمبر (تشرين الثاني) ،7171من "تنامي
مشاعر السخط العام في كازاخستان بين المواطنين،
وإمكانية اشتعال األحداث في أي لحظة".31
53
أمر آخر قد يكون من المهم وضعه في الحسبان ،وهو
الصراع الذي بدا واضحا بين النخب الكازاخية ،بشأن العالقة
مع موسكو ،وهؤالء لهم مصالحهم ،وتصورات أيديولوجية
وجيوسياسية لبعضهم تدفعهم إلى ذلك مقابل
مجموعات أخرى مؤيدة لعالقة أوسع مع الغرب ،وبدا أن
فريق الرئيس السابق نزارباييڤ ،المهيمن على السلطة حتى
"شكليا" ،لهم عالقات واسعة مع الغرب،
ًّ بعد تركها
وينسقون المواقف مع الواليات المتحدة ،ويحضرون
أنفسهم لعمل انقالب أبيض على الرئيس الحالي توكاييڤ
في حال وفاة نزارباييڤ ،البالغ من العمر 80عاما ،ويتحكم
فعليا ابنته داريغا وحاشية الرئيس ،وهنا تدخلت
ًّ فيه
موسكو لدعم توكاييڤ وفريقه الجديد المتعطشين إلى
ترسيخ سلطتهم وتأمينها ،وهو ما يفسر سرعة طلب
توكاييڤ لتدخل قوات منظمة األمن الجماعي ،التي هي
روسية في األساس ،واستجابة موسكو السريعة له.
يعتقد مدير معهد التكامل األوراسي ،العالم السياسي
الكازاخي أورازغالي سلتييڤ ،أن سر السقوط السريع لقوى
األمن الكازاخية ،يكمن في تخطيط رئيس مجلس الوزراء
األسبق ،ورئيس لجنة األمن القومي ،كريم ماسيموڤ؛
54
الذي كان يرتب النقالب على سلطة توكاييڤ ،حيث
تعاظمت قوة ماسيموڤ بفضل إشرافه على جهاز األمن
القومي ،والتحكم فيه ،وسط عجز الرئيس السابق نزارباييڤ
عن متابعة أعماله .ونتيجة شيوع الفوضى؛ كان سيتحرك
تحت ذريعة حماية الدولة من السقوط بتولي السلطة.32
من الجدير بالذكر أن السلطات الكازاخية اعتقلت
ماسيموڤ ،يوم السبت 8يناير (كانون الثاني) ،ووجهت إليه
تهمة الخيانة العظمى.
االستنتاجات
55
"المتظاهرين" للسالح كانت خلفه مشاعر غضب من
بعضهم ،وتساهل من السلطات األمنية ،وتدبير من بعض
أطراف المعارضة الخارجية.
الرجل القومي كريم ماسيموڤ ،رئيس لجنة األمن القومي،
الطامح إلى السلطة ،هو المتهم األول بمحاولة تدبير هذا
االنقالب .ويتمتع ماسيموڤ بعالقات مميزة مع الجهات
الغربية ،ويعتقد أن لديه اتصاالت مع بعض أطراف
المعارضة الخارجية ،وكان يرتب الستغالل الحدث للصعود
إلى السلطة.
الرجل القوي في النظام كريم ماسيموڤ ،رئيس الوزراء األسبق ،ورئيس لجنة األمن القومي -المصدر:
Internetelite
56
استغلت موسكو رغبة توكاييڤ وفريقه الحاكم في
تسلُّ م السلطة الفعلية ،وإزاحة منافسيهم من فريق
نزارباييڤ ،الذي ال تثق به ،وراهنت على دعم توكاييڤ
وفريقه ،وهو ما يضمن أن تدور كازاخستان في فلك
موسكو ،وهو ما يفسر سرعة طلب توكاييڤ تدخل قوات
منظمة معاهدة األمن الجماعي ( )CSTOبعد أقل من 27
ساعة من تفجر األوضاع ،واستجابة ڤالديمير پوتين لطلبه
فورا ،على الرغم من رفضه طلبا مماثال بالتدخل من
قرغيزستان عام ،7101فيما تسمى "ثورة أبريل الشعبية"،
وكذلك طلب أرمينيا في أثناء حرب ناغورني قره باغ/
أرتساخ ،عام .7171
57
أعمال العنف في شوارع العاصمة التاريخية ألماطي
58
ضمانات أمنية بشأن التوسع المستقبلي للحلف وحدوده.
عبر هذا التدخل تم إزاحة خصومها في كازاخستان ،وإرسال
رسالة إلى قادة بلدان آسيا الوسطى المترددين في حسم
خيارتهم بأن ضمان استقرار سلطتهم وبلدانهم في يد
موسكو ال واشنطن ،وأن االنفتاح على الغرب لن يجلب
سوى المتاعب والثورات الملونة ،ومدى مصداقيتها في
دعم حلفائها؛ حيث وقفت إلى جوار لوكاشينكو في
بيالروس ،وهو ما مكنه من الصمود والبقاء في السلطة،
وتجاوز األزمة الداخلية ،واآلن تتدخل في كازاخستان لفعل
الشيء نفسه.
بفضل هذه األحداث ،تمكن الرئيس توكاييڤ ،ربما للمرة
"شكليا" ،أن يصبح
ًّ األولى منذ عام ،7106عام توليه السلطة
اآلن الرئيس الفعلي للبالد ،بعدما أزاح نزارباييڤ من رئاسة
مجلس األمن القومي ،وأزاح كل رجاله من األجهزة األمنية
األخرى ،وأقال الحكومة التي ُفرضت عليه ،ويبدو أنها اتخذت
هذا القرار الغريب في توقيته وطبيعته برفع سعر الغاز ثالثة
أضعاف إلشعال الموقف ،ومن المتوقع أن يقوم توكاييڤ
بحملة كبرى يوم الثالثاء 00يناير (كانون الثاني) تهدف إلى
نهائيا ،عبر إقاالت واسعة النطاق متوقعة.
ًّ تصفية هذا الفريق
59
الوجود الروسي في كازاخستان يبدو أنه سيطول تحت
الفتة قوات منظمة معاهدة األمن الجماعي ،وستسعى،
بالتعاون مع توكاييڤ ،إلى إعادة هندسة الوضع السياسي
الداخلي مع المعارضة ،وتقاسم للسلطة ُيشرك القبائل
األخرى الساخطة في الغرب والجنوب.
استقرار األوضاع في كازاخستان ،وبعد ما جرى فيها من
أحداث ،يمكن موسكو من أن تبدو في وضع المهيمن
وصاحب الكلمة العليا فيما يسمى "المجال ما بعد
السوڤيتي" ،بعدما نجحت في جميع االختبارات السابقة:
"عولت جورجيا على دعم الغرب في حربها على أوسيتيا
الجنوبية عام ،7118فتدخل الجيش الروسي وحسم األمر،
فعليا أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عنها ،وأصحبتا
ًّ وانفصلت
مواليتين لموسكو– دعم الغرب ثورة الميدان 7104في
أوكرانيا ،فضمت روسيا القرم أو استعادتها حسب وصفها،
وانفصلت منطقة الدونباس ،وأصبحت موالية لموسكو–
تكرر الشيء نفسه في مولدوڤا– اتجهت أرمينيا مع رئيس
وزرائها الجديد آنذاك باشينيان نحو الغرب فخسرت
ناغوروني قره باغ /أرتساخ ،وأخضعته روسيا ،وكسبت ود
أذربيجان ،وتمكنت من العودة إلى جنوب القوقاز بقواتها
60
بعد غياب 31عاما– وقفت إلى جوار لوكاشينكو ،الذي كان
يغازل الغرب ،فحدثت ثورة ضده ،ولم يجد سوى موسكو
لتدعمه ،وحسم خياراته باالندماج معها .يتكرر الشيء نفسه
في كازاخستان؛ ومن ثم تذهب روسيا لتتفاوض مع أمريكا
والناتو من مركز قوة.
فرضية التدخل األمريكي ،والترتيب لما حدث ،تبدو غير
منطقية ،وغير واقعية ،وال وجود لدليل عليها .ربما اعتقدت
بعض أطراف المعارضة الكازاخية في الخارج أنها يمكن أن
تستغل الوضع الحالي بين روسيا والغرب في حصولها على
دعم من األخير.
أخيرا ،يتوقع أن تهدأ األحداث قريبا في كازاخستان ،وتترسخ
سلطة الرئيس توكاييڤ ،ويتم المحافظة على وجود
عسكري روسي في البالد ،مع مزيد من التعاون ،وتعزيز
عالقة التحالف التاريخية التي تعرضت لهزات عدة في
الفترة الماضي.
61
1
КАЗАХИ - Большая Российская Энциклопедия, https://w.histrf.ru/articles/article/show/kazakhi
2
Востров В. В., Муканов М. С. Родоплеменной состав и расселение казахов. (Ко-нец XIX –
на-ча-ло XX в.). А.-А., 1968
3
Central Asia: A Historical Overview - By: Morris Rossabi - The Great Game and its Effect on Local Islamic
Population in Central Asia - Asia Society, https://asiasociety.org/central-asia-historical-overview
4
Казахская Советская Социалистическая Республика - Академик,
https://dic.academic.ru/dic.nsf/ruwiki/36306
5
Перешли границы Как фраза о советском прошлом может поссорить Россию и Казахстан - Никита
Мендкович - Лента - 19 декабря 2020, https://lenta.ru/news/2022/01/08/usa/
6
Евразийский проект Назарбаева - Сергей Пантелеев - Институт Русского зарубежья - 28 май 2020,
https://russkie.org/articles/evraziyskiy-proekt-nazarbaeva-london-moskva-tranzit/
7
Kazakhstan 2020 population according to UN data - Worldometers, https://www.worldometers.info/world-
population/kazakhstan-population/
8
Ethnic Groups, About Kazakhstan - Embassy of Kazakhstan in washington, https://kazakhembus.com/about-
kazakhstan/culture/ethnic-groups
9
Kazakhstan - THE WORLD FACTBOOK - Religions - December 23, 2021, https://www.cia.gov/the-world-
factbook/countries/kazakhstan/
10
Бакенова, Ф. Сугирбаева. — История Казахстана. Изд-во «Мектеп», 2006 г.
11
ШОС и БРИКС: Россия и Казахстан: приоритеты сотрудничества - Центр международной торговли - 13
Мая 2021, https://corp.wtcmoscow.ru/news/rossiya-i-kazakhstan-prioritety-sotrudnichestva/
12
KAZAKHSTAN'S STRATEGIC AND MILITARY RELATIONS WITH RUSSIA - BY: RICHARD ROUSSEAU - JULY 20,
2011, https://www.diplomaticourier.com/posts/kazakhstan-s-strategic-and-military-relations-with-russia
13
Muslims in China - Sheila Hollihan-Elliot - 2006 - Kazakhs in China.
14
‘Our Government Doesn’t Want to Spoil Relations with China’ - By: Reid Standish - The Atlantic - SEPTEMBER
3, 2019, https://www.theatlantic.com/international/archive/2019/09/china-xinjiang-uighur-
kazakhstan/597106/
15
Prominent campaigner for Uyghur rights in Xinjiang barred from Kazakhstan - The Guardian - 7 Sep 2021,
https://www.theguardian.com/world/2021/sep/07/prominent-campaigner-for-uyghur-rights-in-xinjiang-
barred-from-kazakhstan
16
First China-bound freight train of Baku-Tbilisi-Kars railway arrives in Georgia - Agenda - 9 Dec 2020,
https://agenda.ge/en/news/2020/3863
17
Georgia’s Contagious Separatism - By: David Young - Georgian Foundation of Strategic and International
Studies – Javakheti: Georgia’s Contagious Separatism, http://pdc.ceu.hu/archive/00003213/01/javakheti.pdf
18
Half China’s investment in Kazakhstan is in oil and gas - By: Eugene Simonov - China Dialogue - October 29,
2019, https://chinadialogue.net/en/energy/11613-half-china-s-investment-in-kazakhstan-is-in-oil-and-gas-2/
19
The Success of the Shanghai Five: Interests, Norms and Pragmatism - By: Qingguo Jia - COMW,
http://www.comw.org/cmp/fulltext/0110jia.htm
20
Countries and regions, Kazakhstan - European Commission, https://ec.europa.eu/trade/policy/countries-
and-regions/countries/kazakhstan/
21
U.S. Relations With Kazakhstan - US Department and State - JANUARY 20, 2021, https://www.state.gov/u-s-
relations-with-kazakhstan/
22
The Back Channel - William Burns - Page 249.
23
US Relations | Economic Cooperation - Foreign Direct Investment - Embassy of Kazakhstan,
https://kazakhembus.com/us-relations/economic-cooperation/foreign-direct-investment
24
Cooperation Between Kazakhstan and the United States in Military Professionalization Programs - By:
Sebastian Engels - George C. Marshall European Center for Security Studies - March 2018,
https://www.marshallcenter.org/en/publications/occasional-papers/cooperation-between-kazakhstan-and-
united-states-military-professionalization-programs-0
62
25
Всесоюзный референдум о сохранении СССР - Академик,
https://dic.academic.ru/dic.nsf/ruwiki/593#.D0.9A.D0.B0.D0.B7.D0.B0.D1.85.D1.81.D0.BA.D0.B0.D1.8F_.D0.A
1.D0.A1.D0.A0
26
Kazakhstan in Europe: Why Not? - By: Svante E. Cornell and Johan Engvall - October 2, 2017,
https://isdp.eu/content/uploads/2017/10/2017-cornell-engvall-kazakhstan-in-europe-why-not.pdf
27
Relations with Kazakhstan - NATO - 29 Jul. 2021,
https://www.nato.int/cps/fr/natohq/topics_49598.htm?selectedLocale=ka
28
Kazakhstan tests modern Turkish weapons - By: Meiramgul Kussainova - Anadolu Agency - 01.03.2021,
https://www.aa.com.tr/en/asia-pacific/kazakhstan-tests-modern-turkish-weapons/2160963#
29
Путин о Казахстане: «У казахов не было государственности» - Голос Америки - 31 Август, 2014,
https://www.golosameriki.com/a/putin-about-kazahstan-osharov/2434090.html
30
Перешли границы Как фраза о советском прошлом может поссорить Россию и Казахстан - Никита
Мендкович - Лента - 19 декабря 2020, https://lenta.ru/articles/2020/12/19/kazah/
31
https://tengrinews.kz/kazakhstan_news/tokaev-nazval-prichinu-protestnyih-nastroeniy-411748/
32
Политолог рассказал, кто мог готовить переворот в Казахстане - Уразгали Сельтеев - РИА Новости -
08.01.2022 , https://ria.ru/20220108/perevorot-1766936626.html
63