Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 63

1

‫ألف باء كازاخستان‬


‫من التأسيس إلى الثورة المؤجلة‬

‫تمهيد‬

‫في الوقت الذي كان فيه العالم يستعد الستقبال العام الجديد‪،‬‬
‫انشغال الصراع بين روسيا والغرب حول أوكرانيا‪ ،‬تفجرت‬
‫ٍ‬ ‫وسط‬
‫األحداث في كازاخستان‪ ،‬أو «قازاخستان»‪ .‬لم يكن األمر غريبا‬
‫بالنسبة للمهتمين بالشؤون األوراسية عامة‪ ،‬وبلدان آسيا‬
‫الوسطى على وجه الخصوص‪ ،‬غير أن ما فاجأهم هو سرعة انهيار‬
‫األجهزة األمنية‪ ،‬وحجم العنف الكبير من المحتجين‪ .‬أما على‬
‫المستوى الشعبي‪ ،‬فالغالبية في العالم العربي ربما ال تعرف عن‬
‫هذا البلد شيئا سوى أنه كان مقرا لعدة اجتماعات خاصة باألزمة‬
‫السورية‪ ،‬انبثقت عن مؤتمر «محادثات أستانا للسالم في‬
‫متندرا‪ :‬متى يعقد‬
‫ّ‬ ‫سوريا» مطلع ‪..7102‬حتى إن البعض علق‬
‫"مؤتمر دمشق للسالم في كازاخستان" لحل األزمة الكازاخية؟!‬

‫‪2‬‬
‫قبل الخوض في تفاصيل هذه األزمة‪ ،‬وفي األسباب والدوافع‬
‫خلفها‪ ،‬ومآالتها المتوقعة‪ ،‬تهدف هذه الدراسة إلى استعراض‬
‫تفاصيل مهمة عن هذا البلد‪ ،‬في ظل تداول كثير من المعلومات‬
‫غير الدقيقة عنه‪.‬‬

‫مراحل تأسيس الدولة الكازاخية الحديثة‬

‫جمهورية كازاخستان دولة أوراسية‪ %06.91 ،‬من أراضيها من‬


‫الغرب تقع في أوروبا‪ ،‬والبقية في منطقة آسيا الوسطى‪،‬‬
‫وتمتلك أراض شاسعة (‪ )722712111‬كم‪ ،²‬وهو ما يجعلها في‬
‫المرتبة التاسعة عالميا من حيث المساحة‪ .‬تحدها من الشمال‬
‫والغرب روسيا بحدود طولها (‪ )92492‬كم‪ ،‬ومن الشرق الصين‬
‫(‪ )02491‬كم‪ ،‬ومن الجنوب قيرغيزستان (‪ )681‬كم‪ ،‬وأوزبكستان‬
‫(‪ )72311‬كم‪ ،‬وتركمانستان (‪ )381‬كم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫لم تكن كازاخستان قبل عام ‪ 0639‬دولة بهذه الحدود الحالية‪،‬‬
‫غير أن شعوب الترك وجدوا على هذه األرض منذ القرن السادس‬
‫الميالدي‪ ،‬فيما تشكلت الهوية الكازاخية منذ القرن السادس‬
‫عشر‪ ،‬وكان ألبنائها "خانية" حتى القرن التاسع عشر‪ .‬أما المنطقة‬
‫المعروفة اآلن باسم آسيا الوسطى فقد سكنها «السكوثيون»‪،‬‬
‫وهم من الشعوب الفارسية القديمة‪ ،‬حسب أرجح األقوال‪ ..‬وقد‬

‫‪4‬‬
‫بدأ توافد قبائل الترك على منطقة آسيا الوسطى مطلع القرن‬
‫الخامس الميالدي‪ ،‬أثناء توسع «إمبراطورية الهون»‪ ،‬أو‬
‫"الهياطلة" حسب المراجع العربية‪ ،‬حتى شكلت تلك القبائل‬
‫تدريجيا غالبية السكان بنهاية القرن السادس الميالدي‪.1‬‬

‫إمبراطورية الهون في أقصى اتساعها في عهد الملك أتيال في الفترة من عام ‪434‬م إلى عام ‪413‬م‬

‫بعد انهيار «إمبراطورية الهون» تعاقب على حكم المنطقة عدة‬


‫سالالت تركية‪ ،‬ثم االمبراطورية الفارسية الساسانية والصينية‪،‬‬
‫وصوال إلى فتوحات "ما وراء النهر" حسب التسمية العربية‪ ،‬ثم‬
‫القراخانية‪ ،‬والدولة‬
‫َّ‬ ‫الغز‪ ،‬والدولة‬
‫خانية كيمك‪ ،‬ودولة الترك ُ‬
‫َّ‬
‫الذهبية‪ ،‬والدولة‬
‫َّ‬ ‫القراخطائية‪ ،‬واإلمبراطورية المغولية‪ ،‬والقبيلة‬
‫َّ‬

‫‪5‬‬
‫التيمورية؛ وبسقوط األخيرة بداية القرن السادس عشر‪ ،‬تشكلت‬
‫َّ‬
‫الهوية القبلية الخاصة لشعب الكازاخ‪ ،‬التي تعني بالتركية‬
‫ٌ‬
‫خانية خاصة بهم‬ ‫القديمة «الحر أو البدوي المستقل»‪ ،‬ونشأت‬
‫في الجزء الجنوبي الشرقي من كازاخستان الحالية في الفترة من‬
‫عام ‪ 0419‬إلى عام ‪ ،0842‬تحت اسم «خانية الكازاخ»‪ ،‬وكان ميرزا‬
‫أبو الخير محمد خان (‪ )0248 -0963‬أعظم ملوكها‪.2‬‬

‫تمثال ميرزا أبو الخير محمد خان‪ ،‬في مدينة أكتوبي الكازخية‬

‫‪6‬‬
‫تاريخيا «االندفاع الروسي‬
‫ًّ‬ ‫سقطت خانية الكازاخ‪ ،‬إثر ما يسمى‬
‫نحو آسيا الوسطى»؛ لمواجهة الطموحات البريطانية في غزو‬
‫المنطقة بعد سيطرتها على الهند‪ ،‬وهو ما كان يشكل خطرا‬
‫جيوسياسيا عليها‪.3‬‬
‫ًّ‬
‫وفي اعقاب انهيار اإلمبراطورية الروسية‪ ،‬واستقرار الحكم‬
‫للبالشفة‪ ،‬كانت ما تسمى اآلن كازاخستان جزءا من «جمهورية‬
‫روسيا االتحادية االشتراكية السوڤيتية»‪ ،‬وفي التقسيم اإلداري‬
‫الجديد لعام ‪ ،0671‬تم ضمها إلى «جمهورية قرغيزستان‬
‫االشتراكية السوڤيتية» الذاتية الحكم‪ ،‬وعبر عملية مطولة‬
‫تغيرت فيها خريطتها أكثر من مرة‪ ،‬ظهرت إلى الوجود في‬
‫الخامس من ديسمبر (كانون األول) ‪« 0639‬جمهورية كازاخستان‬
‫االشتراكية السوڤيتية» بحدودها الحالية الضخمة‪ ،‬بعدما‬
‫وسعت السلطة السوڤيتية من مساحتها عبر مراحل مختلفة‪،‬‬
‫أراض من جمهوريات آسيا الوسطى السوڤيتية‪،‬‬
‫وذلك باقتطاع ٍ‬
‫وبعض األراضي الروسية في الغرب‪ ،‬فيما قام الزعيم يوسف‬
‫ستالين‪ ،‬بعملية توطين واسعة النطاق للسالڤ من الروس‪،‬‬

‫‪7‬‬
‫واألوكرانيين‪ ،‬والبولنديين‪ ،‬وبعض األعراق األخرى في‬
‫كازاخستان‪.4‬‬
‫كان هدف ستالين من عملية التوطين‪ ،‬وتوسيع حدود‬
‫كازاخستان‪ ،‬انشاء جمهورية تستحوذ على جميع الحدود بين‬
‫روسيا وآسيا الوسطى‪ ،‬دات مساحة كبيرة مقتطعة من جيرانها‪،‬‬
‫وعلى غير وفاق معهم‪ ،‬باإلضافة إلى وجود روسي مؤثر‪ ،‬ومن‬
‫ثم تصبح آسيا الوسطى "المفيدة" مرتبطة بروسيا‪ ،‬وفي حال‬
‫خروج أراضي منطقة تركستان عن السيطرة السوڤيتية ألي‬
‫سبب؛ تضمن روسيا وجود دولة عازلة بينها وبين باقي بلدان‬
‫المنطقة‪ ،‬تابعة للكرملين‪ ،‬وبحاجة إليه لحمايتها من أي أخطار‬
‫خارجية مناهضة لموسكو‪ .‬وقد ُفسر ذلك بعدم يقين السلطة‬
‫السوڤيتية ‪-‬آنذاك ‪ -‬على استمرار قدرتها على االمساك بزمام‬
‫األمور وبسط نفوذها على المنطقة‪ ،‬في ظل الثورات المتنامية‬
‫التي بدأت منذ وصول البالشفة إلى السلطة‪ ،‬السيما دعم‬
‫البريطانيين وملوك أفغانستان للمتمردين‪ .‬وقد أكد الرئيس‬
‫الكازاخي السابق نور سلطان نزارباييڤ عدم وجود دولة كازاخية‬
‫بالحدود الحالية‪ ،‬عندما قال‪" :‬كازاخستان دولة فتية‪ ،‬تكمن ميزتها‬
‫الكبرى في حقيقة أن عالقاتها مع البلدان األخرى تتطور من‬
‫الصفر‪ ،‬حيث بدأ تاريخ دولتنا منذ انهيار االتحاد السوڤيتي‪ ،‬وذلك‬

‫‪8‬‬
‫لعدم وجود جذور قديمة لدولة كازاخستان الحالية"‪ .‬ثم أكد في‬
‫مناسبة أخرى هذا األمر بالقول‪" :‬قبل عام ‪ ،0660‬لم تكن هناك‬
‫دولة كازاخستانية؛ نظرا إلى عدم وجود حدود مستقلة لها"‪.5‬‬
‫ويسجل التاريخ أن كازاخستان كانت آخر جمهوريات االتحاد‬
‫السوفيتي التي اعلنت استقاللها بعد انهيار االتحاد في ‪79‬‬
‫ديسمبر (كانون األول) ‪ ،0660‬بل كانت تفضل اإلبقاء على‬
‫االتحاد في جميع األحوال‪.‬‬
‫اعترفت روسيا ما بعد االتحاد السوڤيتي بدولة كازاخستان‪،‬‬
‫بموجب معاهدات الصداقة المؤرخة في ‪ 09‬يوليو (تموز) ‪،0667‬‬
‫نهائيا في ‪ 08‬يناير (كانون الثاني)‬
‫ًّ‬ ‫وح ِس َمت مسألة الحدود‬
‫ُ‬
‫‪7111‬؛ بموجب اتفاقية معاهدة األمن الجماعي (‪ ،)CSTO‬التي‬
‫تعهدت فيها روسيا بحماية سيادة كازاخستان وسالمتها داخل‬
‫هذه الحدود الثابتة‪ ،‬والحفاظ عليها‪.‬‬
‫كان الرئيس السابق نور سلطان نزاربايڤ ‪ ،‬قد دعا في خطاب‬
‫شهير بجامعة موسكو في التاسع والعشرين من مارس (آذار)‬
‫‪ ،0664‬إلى إقامة اتحاد جديد بين روسيا وكازاخستان‪ ،‬يمكن أن‬
‫يتوسع ويضم باقي بلدان االتحاد السوڤيتي السابقة‪ ،‬تحت اسم‪:‬‬
‫«االتحاد األوراسي»‪.6‬‬

‫‪9‬‬
‫الرئيس الكازاخي نور سلطان نزاربايڤ يلقي محاضرة في جامعة موسكو الحكومية عام ‪ ،0664‬بحضور رئيس‬
‫الجامعة ڤيكتور سادوڤنيتشي‬

‫الخالصة‬

‫لم تكن هناك دولة كازاخية مستقلة‪ ،‬أو بحدودها الحالية‬


‫عبر التاريخ قبل عام ‪ ،0660‬وذلك بشهادة الرئيس األول‬
‫للبالد‪ ،‬الذي يلقب بـأبي األمة نور سلطان نزاربايڤ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫يعود وجود الترك في منطقة آسيا الوسطى إلى القرن‬
‫السادس الميالدي‪ ،‬وتشكلت الهوية الكازاخية منذ القرن‬
‫السادس عشر الميالدي‪.‬‬
‫يرجع الفضل في تشكيل حدود كازاخستان الحالية إلى‬
‫السلطة السوڤيتية‪ ،‬وتحديدا إلى زعيم الكرملين آنذاك‬
‫يوسف ستالين‪ ،‬الذي أراد اقامة منطقة عازلة بين روسيا‬
‫وبلدان آسيا الوسطى؛ من خالل انشاء دولة كبرى تسيطر‬
‫على األراضي المفيدة في المنطقة‪ ،‬وتكون موالية لروسيا‬
‫التي منحت جزءا من أراضيها في الغرب في منطقة رودني‬
‫ألطاي إلى كازاخستان‪.‬‬
‫اعترفت السلطة الجديدة في روسيا ما بعد االتحاد‬
‫السوڤيتي بحدود كازاخستان‪ ،‬ولم تستجب لمطالبات من‬
‫بعض الشخصيات العامة الروسية "باستعادة" األراضي التي‬
‫منحتها روسيا لها على سبيل "الهدية"؛ وذلك لعدة‬
‫اعتبارات‪ ،‬أهمها أن كازاخستان ظلت متمسكة ببقاء االتحاد‬
‫السوڤيتي‪ ،‬وكانت آخر دولة أعلنت استقاللها بعدما أدركت‬
‫أن روسيا نفسها تخلت عنه‪ ..‬كما حصل قادة الكرملين‬
‫الجدد على ضمانات أمنية من القيادة الكازاخية‪ ،‬تعززت‬
‫بانضمام بالدهم إلى معاهدة األمن الجماعي‪ ،‬إلى جانب‬

‫‪11‬‬
‫االبقاء على اللغة الروسية كلغة رسمية إلى جانب الكازاخية‪،‬‬
‫وطنهم ستالين في البالد الجنسية‪،‬‬
‫ومنح الروس الذين ّ‬
‫وجميع الحقوق كأي مواطن كازاخي‪.‬‬
‫بادرت كازاخستان‪ ،‬من خالل رئيسها األول نزاربايڤ‪ ،‬باقتراح‬
‫تعاون اتحادي جديد مع روسيا تطور عام ‪ 7101‬إلى اتحاد‬
‫على غرار االتحاد األوروبي في هياكله التنظيمية‪ ،‬أطلق‬
‫عليه االتحاد االقتصادي األوراسي (‪.)EAEU‬‬

‫محاولة صنع هوية وطنية‬


‫ُقدر عدد سكان كازاخستان في منتصف عام ‪ ،7171‬وفقا لبيانات‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬بنحو (‪ )0822292212‬نسمة ‪ .7‬وبحسب الحكومة‬
‫الكازاخية‪ ،‬يوجد في البالد (‪ )031‬عرقية‪ .‬يشكل الكازاخ الجزء‬
‫األكبر من السكان بنسبة (‪ ،)%18.6‬يليهم الروس (‪،)%71.6‬‬
‫واألوكرانيون والبولنديون (‪ ،)%7.6‬واألوزبك (‪ ،)%7.8‬واإليغور‬
‫والتتر واأللمان (‪ )%0.1‬لكل منهم‪ ،‬وباقي المجموعات العرقية‬
‫األخرى (‪ .)%4.3‬تُ عد اللغة الروسية لغة رسمية إلى جانب‬
‫الكازاخية‪ ،‬ويدرس بها ‪ %21‬من مناهج التعليم في مراحله‬
‫المختلفة‪ ،8‬أما بالنسبة لألديان؛ ‪ %21.7‬من المسلمين (السنة‬

‫‪12‬‬
‫بشكل رئيسي)؛ المسيحيون ‪( %79.7‬بشكل رئيسي أرثوذكس‬
‫يتبعون بطريركية موسكو)؛ أديان أخرى ‪%1.7‬؛ ملحدون ‪%7.8‬؛‬
‫‪9‬‬
‫غير محددي الديانة ‪ ،%1.1‬حسب (تقديرات ‪.)7116‬‬
‫في ظل مجاورة كازاخستان لقوتين عظميين؛ هما‪ :‬روسيا شماال‪،‬‬
‫والصين في الجنوب الشرقي‪ ،‬فضال عن بلدان آسيا الوسطى‬
‫األخرى التي يرى بعضها أن له حقا في األراضي الكازاخية‪ ،‬ومع‬
‫عرقيا‪ ،‬ومعارضة قوية بدأت تتشكل منذ‬
‫ًّ‬ ‫وجود مجتمع متنوع‬
‫نهاية التسعينات من القوميين والتيارات اإلسالموية‪ ،‬تتهم‬
‫النظام بالتبعية للخارج؛ وسط ذلك كله حاول نزاربايڤ تشكيل‬
‫هوية وطنية لدولة‪ -‬حسب قوله‪ -‬لم يكن لها وجود قبل عام‬
‫‪ ،0660‬اذا بدأ عملية أشبه ما تكون بصناعة تاريخ افتراضي‬
‫للدولة الكازاخية‪ ،‬واالدعاء بأن شعبها كان "يناضل" منذ سنوات‬
‫حركة‬ ‫بتكريم‬ ‫قام‬ ‫بل‬ ‫"استقالله"‪،‬‬ ‫لنيل‬ ‫طويلة‬
‫«باسماتشيستڤا»‪( -‬وفق التسمية الروسية‪ ،‬المشتقة من‬
‫الكلمة األوزبكية «باسماتشي») أي "قطاع الطرق"‪ ،‬واعتبار‬
‫قادتهم "مناضلين ألجل حرية الشعب الكازاخي"‪ ،‬وإلى جانب ذلك‬
‫احتفى بتاريخ ملوك خانية كازاخستان‪ ،‬وشيد تماثيل لهم في‬
‫الميادين العامة‪ ،‬ووضع صورهم على طوابع البريد‪ ،‬وفرض منهج‬

‫‪13‬‬
‫تاريخ جديد للبالد يدرس في شتى مراحل التعليم على أساس‬
‫هذه الرواية التاريخية‪.‬‬
‫أدى تعزيز السياسية القومية إلى آثار عكسية؛ فقد زادت‬
‫المشاعر المعادية للروس واألجانب في البالد‪ ،‬ومنحت التيارات‬
‫القومية واإلسالموية مزيدا من القوة‪ ،‬وخلقت توترا في‬
‫العالقات مع موسكو‪ ،‬كما فتحت المجال للحديث عن «القبلية»‬
‫داخل المجتمع الكازاخي‪ ،‬وعن القبائل التي أسهمت أكثر من‬
‫غيرها في صنع هذا التاريخ "النضالي" المزعوم‪.‬‬
‫تتشكل الهياكل القبلية للشعب الكازاخي في غالبيتها من اتحاد‬
‫قبائل «الجوز» المنقسمين إلى ثالث مجموعات رئيسية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫(الجوز األكبر‪ ،‬والجوز األوسط‪ ،‬والجوز األصغر)‪ ،‬فيما يشبه‬
‫تقسيم القبائل العربية‪ -‬وفقا للتصورات التقليدية‪ -‬إلى ثالثة‬
‫أجذام (قحطان‪ ،‬وعدنان‪ ،‬وقضاعة)‪ .‬األمر نفسه ينطبق على‬
‫التقسيم القبلي الكازاخي‪ ،‬الذي تتفرع منه عدة عشائر مختلفة‪،‬‬
‫ومن هم خارج هذه القبائل الثالث‪ :‬عشيرة «تور»‪ ،‬وهم أحفاد‬
‫جنكيز خان‪ ،‬ومن لهم الحق الشرعي‪ -‬وفق التقاليد الكازاخية‪ -‬في‬
‫الحكم والقيادة‪ ،‬وحمل لقب سلطان‪ ،‬وعشيرة «الخوجا»‪ ،‬وهم‬
‫أحفاد العرب األوائل من علماء الدين الذين بشروا باإلسالم‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫ويتولى مركز القيادة فيهم األشراف الذين يعتقد أنهم من نسل‬
‫الحسن والحسين‪ ،‬وعشيرة «تولنغيت»‪ ،‬وهي العشيرة التي نالت‬
‫شرف خدمة سالطين الكازاخ وخاناتهم‪ ،‬وحراستهم‪ ،‬وقيادة‬
‫قوات النخبة في الجيش‪ ،‬وعشائر «سوناك»‪ ،‬وهم العرب الذين‬
‫استوطنوا فيما تعرف اآلن بكازاخستان بعد الفتح‪ .‬يتميز النظام‬
‫القبلي الكازاخي بصرامته‪ ،‬فهو قائم على وحدة القبيلة أو‬
‫العشيرة العرقية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والزواج فيه‬
‫‪10‬‬
‫محظور بين األقارب المقربين‪.‬‬
‫ينتمي الرئيس األول لكازاخستان نور سلطان نزارباييڤ‪ ،‬وخليفته‬
‫قاسم جومارت توكاييڤ‪ ،‬والحاشية المحيطة بهما‪ ،‬إلى قبيلة‬
‫«الجوز األوسط» وهو ما يفسر هيمنة تلك القبائل على السلطة‬
‫والثروة منذ استقالل البالد‪ ،‬يليهم في درجة النفوذ ذوو األصول‬
‫الروسية‪ ،‬فيما تتركز شعبية أغلب التيارات اإلسالموية والقومية‬
‫في غرب البالد وجنوبها‪ ،‬حيث تهيمن قبائل "الجوز األصغر‬
‫واألكبر"‪ ،‬ومن هناك انطلقت احتجاجات يناير (كانون الثاني)‬
‫‪.7177‬‬

‫‪15‬‬
‫خريطة تقسيم القبائل والعشائر الكازاخية‬

‫الخالصة‬

‫على الرغم من المساحة الضخمة لكازاخستان فإن عدد‬


‫سكانها أقل من ‪ 71‬مليون نسمة‪ ،‬وهناك أجزاء كثيرة من‬
‫أراضيها خالية تقريبا من السكان‪.‬‬
‫حاول النظام الحاكم الذي تشكل بعد عام ‪ ،0660‬تشكيل‬
‫هوية وطنية‪ ،‬عبر الترويج لتاريخ افتراضي "نضالي" لهذا‬
‫تناقضات عدة؛ فمن ناحية‪ ،‬أراد‬
‫ٍ‬ ‫البلد‪ ،‬لكنه وقع في‬
‫نزارباييڤ تخليد اسمه في التاريخ كصانع لهذه الدولة‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫ومستحق للقب "أبي األمة"‪ ،‬بتبنيه الرواية الروسية التي‬
‫سبق أن رددها الزعيم الروسي ڤالديمير پوتين بأن‬
‫"كازاخستان لم تكن دولة قبل عام ‪.."0660‬لكن نزارباييف ‪-‬‬
‫من ناحية أخرى‪ -‬أراد مغازلة القوميين والتصدي لدعاية‬
‫التيارات اإلسالموية‪ ،‬من خالل تبني هوية قومية كازاخية‪،‬‬
‫وهو ما زاد من دعاية هذه التيارات‪ ،‬وخلق إشكاليات داخلية‬
‫بين الكازاخ وذوي األصول الروسية‪ .‬فضال عن إثارة جدل‬
‫كبير بشأن تاريخ البالد‪ ،‬والحركات والشخصيات التي كُ ِّر َمت‬
‫بصور عديدة‪ ،‬رغم اعتراض البعض على ذلك‪.‬‬
‫على الرغم من الحقبة السوڤيتية التي استمرت أكثر من‬
‫سبعة عقود‪ ،‬وفترة االستقالل التي أكملت عامها الثالثين‪،‬‬
‫وكل محاوالت بناء هوية وطنية جامعة؛ ال تزال التقسيمات‬
‫القبلية وهياكلها االجتماعية والمناطقية لها دور كبير في‬
‫المجتمع‪ ،‬وتبدو محاوالت صنع هذه الهوية الجامعة غير‬
‫ناجحة في ظل هيمنة فريق واحد (الجوز األوسط) على‬
‫مقاليد السلطة منذ استقالل البالد‪ ،‬وهو ما ظهرت آثاره‬
‫في االحتجاجات األخيرة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ماذا تعني كازاخستان للقوى الكبرى؟‬
‫موقع كازاخستان الجغرافي الفريد في أوراسيا‪ ،‬أي أوروبا وآسيا‪،‬‬
‫مع مساحتها الضخمة‪ ،‬جعل منها دولة ذات أهمية جيوسياسية‬
‫كبرى للقوى العظمى‪ ،‬ولكنه فرض عليها‪ -‬في المقابل‪ -‬تحديات‬
‫كثيرة للموازنة بين هذه القوى‪.‬‬

‫االتحاد الروسي‬

‫المعني األول بما يحدث في كازاخستان؛ وذلك ألسباب تاريخية‬


‫وجيوسياسية‪ ،‬وأمنية‪ ،‬واقتصادية‪ .‬تبلغ الحدود بين البلدين‪ -‬كما‬
‫سلف‪ )92492( -‬كم‪ ،‬وهي ثاني أطول حدود برية في العالم بين‬
‫بلدين بعد الواليات المتحدة وكندا‪ ،‬اللتين تبلغ الحدود بينهما‬
‫(‪ )82860‬كم‪.‬‬
‫المعني األول بما يحدث في كازاخستان؛ وذلك ألسباب تاريخية‬
‫وجيوسياسية‪ ،‬وأمنية‪ ،‬واقتصادية‪ .‬تبلغ الحدود بين البلدين‪ -‬كما‬
‫سلف‪ )92492( -‬كم‪ ،‬وهي ثاني أطول حدود برية في العالم بين‬
‫بلدين بعد الواليات المتحدة وكندا‪ ،‬اللتين تبلغ الحدود بينهما‬
‫(‪ )82860‬كم‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أمنيا كبيرا لروسيا اإلمبراطورية‪،‬‬
‫شكَّ ل مثلت آسيا الوسطى تحديا ًّ‬
‫وهو ما دفعها إلى ضم بلدان تلك المنطقة من خالل عملية‬
‫سياسية واقتصادية وعسكرية طويلة ومعقدة‪ ،‬بدأت عام‬
‫‪ ،0836‬وانتهت عام ‪ 0862‬بسيطرة روسية كاملة لمواجهة‬
‫الخطر المتمثل في هيمنة بريطانيا على المنطقة‪.‬‬
‫الزعيم السوڤيتي يوسف ستالين‪ ،‬الذي عارض أفكار لينين‬
‫وتروتسكي التي كانت تدور حول «األممية»‪ ،‬وأسس فريقا خاصا‬
‫به اصطلح على تسميته «البالشفة القوميين»‪ ،‬صمم جمهورية‬
‫كازاخستان لتشكل منطقة عازلة آمنة بين روسيا وبلدان آسيا‬
‫الوسطى وأفغانستان‪ ،‬ووطن فيها السالڤ لخلق توازن قومي‬
‫بين الترك الكازاخ والسالڤ من ناحية‪ ،‬وتوازن ديني بين‬
‫المسلمين واألرثوذكس من ناحية أخرى‪ ،‬في حين لم يهتم‬
‫بتوطينهم في باقي بلدان آسيا الوسطى‪ .‬تميز ستالين‪ -‬الجورجي‬
‫األصل‪ -‬بأنه كان ينظر إلى االتحاد السوڤيتي واأليديولوجية‬
‫الشيوعية على أنهما خادمان لمصالح روسيا الجيوسياسية ال‬
‫العكس‪ ،‬خالفا لمن كانوا قبله‪ ،‬ومن جاءوا من بعده‪ ،‬وهو ما‬
‫يفسر سر تقدير كثير من الروس له‪ ،‬رغم ما نسب إليه من جرائم‬
‫ضد اإلنسانية‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن أي فوضى في كازاخستان ‪ ،‬أو تولي‬
‫سلطة غير صديقة لروسيا مقاليد الحكم هناك‪ ،‬سيشكل ذلك‬

‫‪19‬‬
‫تحديا ربما ال تقوى موسكو على مواجهته‪ ،‬مع وجود تلك‬ ‫ًّ‬
‫الحدود الممتدة التي يكاد يكون من المستحيل تأمينها‪ ،‬في حين‬
‫أن كازاخستان الصديقة المستقرة والموالية لموسكو‪ ،‬تخفف‬
‫من على كاهلها عبء وضع قواتها في حالة تأهب على هذه‬
‫الحدود الطويلة‪ ،‬وتشكل جدار حماية من أي أخطار قد تأتي من‬
‫وراء تلك الحدود‪ ،‬وعامل توازن وربما ضغط على الصين إذا حدث‬
‫خالف بين موسكو وبكين؛ لذلك تمتعت كازاخستان بمعاملة‬
‫خاصة لدى روسيا‪ ،‬حتى أن الكازاخ يمكنهم دخولها بالهوية‬
‫الشخصية‪ ،‬دون الحاجة إلى جواز سفر‪ ،‬أو تأشيرة دخول‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫كازاخستان منطقة عازلة بين روسيا وآسيا الوسطى‬

‫اقتصاديا‪ :‬تمثل كازاخستان قيمة كبرى لروسيا؛ لما تمتلكه من‬


‫موارد طبيعية‪ ،‬وعلى رأسها اليورانيوم‪ ،‬إلى جانب «ميناء بايكونور‬
‫الفضائي»‪ ،‬الذي منه تنطلق الصواريخ الحاملة لألقمار الصناعية‬
‫الروسية إلى الفضاء الخارجي‪ ،‬وغيرها من المصالح الحيوية‬
‫األخرى‪ .‬وقد وقع كال البلدين «معاهدة حسن الجوار والتحالف‬
‫في القرن الحادي والعشرين» في مدينة يكاترينبورغ الروسية‬

‫‪21‬‬
‫عام ‪ ،7103‬التي تضم أكثر من ‪ 411‬اتفاقية ومذكرة تفاهم‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬هناك بعثات تجارية في كال البلدين تقدم‬
‫دعما شامال للمشاركين في التجارة الخارجية المشتركة‪ .‬تظل‬
‫رئيسيا لكازاخستان‪" :‬يبلغ حجم التجارة‬
‫ًّ‬ ‫خارجيا‬
‫ًّ‬ ‫تجاريا‬
‫ًّ‬ ‫روسيا شريكا‬
‫من ‪ 08‬إلى ‪ %70‬من إجمالي حجم التجارة الخارجية الكازاخية من‬
‫خالل االتجاه الروسي"‪ .‬وفقا لدائرة الجمارك الفيدرالية الروسية‪،‬‬
‫في عام ‪ ،7171‬بلغت التجارة بين روسيا وكازاخستان أكثر من ‪06‬‬
‫مليار دوالر أمريكي‪ ،‬وهو ما يقل بنسبة ‪ %7.84‬عن الفترة نفسها‬
‫من عام ‪ ،7106‬حيث بلغت الصادرات الروسية إلى كازاخستان‬
‫(‪ )042131‬مليار دوالر أمريكي في عام ‪ %1.04 -( 7171‬عن عام‬
‫‪ ،)7106‬في حين بلغت واردات روسيا من كازاخستان (‪)12134‬‬
‫مليار دوالر أمريكي في عام ‪ ،7171‬بانخفاض نسبته ‪%6.94‬‬
‫مقارنة بعام ‪ .7106‬إجماال‪ ،‬بلغت حصة كازاخستان ‪ %3.39‬في‬
‫حجم التجارة الخارجية لروسيا عام ‪ ،7171‬وبذلك تحتل المركز‬
‫العاشر للتجارة الروسية‪ .‬تجدر اإلشارة أن ‪ 29‬من أصل ‪ 81‬كيانا‬
‫من الكيانات المكونة لالتحاد الروسي لديها عالقات تجارية‬
‫واقتصادية مع شركاء في كازاخستان‪ ،‬في حين أن كازاخستان‬
‫تنفذ بنشاط مشروعات مشتركة مع منطقة موسكو وسانت‬

‫‪22‬‬
‫بطرسبورغ‪ ،‬ومناطق أومسك‪ ،‬وأستراخان‪ ،‬وتفير‪ ،‬وتتارستان‪،‬‬
‫‪11‬‬
‫وباشكورستان‪.‬‬

‫ميناء بايكونور الفضائي في كازاخستان‪ ،‬الذي تستخدمه روسيا في إطالق صواريخ سايوز‬

‫عسكريا‪ :‬يقوم التعاون العسكري بين كازاخستان وروسيا على‬


‫جبهتين‪ ،‬وفي كثير من األحيان يتداخل في بعض المجاالت‪.‬‬
‫يتعاون الطرفان معا في إطار منظمة معاهدة األمن الجماعي‬
‫(‪ ،)CSTO‬ومن خالل أكثر من ‪ 91‬اتفاقية ثنائية لتنظم الشؤون‬
‫دوريا‪ ،‬أو تُ ضاف إليها‬
‫ًّ‬ ‫الدفاعية والتقنية"‪ .‬كما تُ َج َّدد االتفاقيات‬

‫‪23‬‬
‫وثائق جديدة ومالحق إضافية‪ ،‬لتحديد اإلطار العام والجوانب‬
‫المختلفة األخرى للتعاون الوثيق بينهما‪.‬‬
‫يشمل التعاون العسكري المشترك بشكل شبه كامل جميع‬
‫جوانب السياسة األمنية‪ ،‬واألنشطة األخرى ذات الصلة‪ ،‬من إجراء‬
‫تدريبات عسكرية مشتركة‪ ،‬ال سيما في إطار منظمة معاهدة‬
‫األمن الجماعي‪ ،‬وإنتاج األسلحة والتكنولوجيا العسكرية‪ ،‬وتدريب‬
‫األفراد العسكريين‪ ،‬وتقاسم المنشآت العسكرية‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬بصفتها عضوا في منظمة معاهدة األمن الجماعي‪،‬‬
‫تستفيد كازاخستان من الشروط التفضيلية لشراء األسلحة‬
‫واألنظمة المصنعة في روسيا‪ ،‬التي تعد‪ -‬إلى حد بعيد‪ -‬أكبر‬
‫مورد للمعدات العسكرية للدولة الواقعة في آسيا الوسطى‪.‬‬
‫من وجهة نظر موسكو‪ ،‬فإن الحفاظ على هذا التعاون العسكري‬
‫التاريخي مع كازاخستان وتعزيزه يتماشى تماما مع سياستها‬
‫اإلستراتيجية الخاصة‪ ،‬الموضحة في عقيدة السياسة الخارجية‬
‫الروسية الجديدة‪ ،‬التي تركز‪ -‬بشكل متزايد‪ -‬على ضرورة استعادة‬
‫"مجال نفوذ روسيا المتميز" في الفضاء ما بعد السوڤيتي‪،‬‬
‫وتعزيز دورها كقوة أوراسية‪ .‬في المقابل‪ ،‬تمتلك كازاخستان أكبر‬

‫‪24‬‬
‫موارد عسكرية بعد روسيا في المنطقة؛ مما يجعلها دولة‬
‫‪12‬‬
‫رئيسية لصانعي السياسات في موسكو‪.‬‬

‫الصين الشعبية‬

‫تمثل كازاخستان للصين أولوية في بلدان آسيا الوسطى‪ ،‬فبينهما‬


‫حدود مشتركة مساحتها (‪ )02491‬كم‪ ،‬ويوجد داخل الصين نحو‬
‫مليون ونصف المليون من أصل كازاخي‪ ،‬وتعترف الدولة الصينية‬
‫بهم ضمن مجموعة العرقيات الرئيسية في البالد‪ ،‬ويتمتعون‬
‫بحكم ذاتي في محافظة « ِيلي» في منطقة «شينجيانغ»‪ ،‬أو‬
‫"تركستان الشرقية"‪13‬؛ ولذلك فالعالقة مع هذا البلد لها أهمية‬
‫كبيرة‪ ،‬خاصة في ظل االنتقادات الغربية المتواصلة بشأن تعامل‬
‫بكين مع اإليغور والكازاخ‪ ،‬والحديث عن "معسكرات اعتقال"‬
‫جماعية لهم‪ ،‬حيث تعتمد بكين على دعم كازاخستان لها في هذا‬
‫الملف‪ ،‬واألخيرة قد أكدت‪ -‬أكثر من مرة‪ -‬أنها تؤيد "التعامل"‬
‫الصيني مع "اإلرهاب" الداخلي‪ ،‬وترفض أن تكون أراضيها مركزا‬
‫ألي نشاط تحريضي ضد الصين بسبب هذه القضية‪ .14‬ولتأكيد‬
‫موقفها هذا؛ منعت السلطات الكازاخية دخول الناشط األمريكي‬

‫‪25‬‬
‫عالميا المهتمة بما‬
‫ًّ‬ ‫جين بونين‪ ،‬وهو من الشخصيات البارزة‬
‫‪15‬‬
‫يتعرض له اإليغور من "اضطهاد" في الصين‪.‬‬
‫توفر الثروات الطبيعية التي تزخر بها كازاخستان موردا مهما‬
‫وقريبا للخامات التي تحتاج إليها الصناعات الصينية‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫الغاز والنفط والمعادن‪ .‬أهم من ذلك أن كازاخستان هي الجسر‬
‫الذي يربط الصين بأوروبا؛ فالطريق التقليدي للصين نحو أوروبا‬
‫يمر عبر روسيا من خالل الشرق األقصى‪ ،‬ويقطع داخل األراضي‬
‫الروسي مساحة شاسعة تصل إلى نحو عشرة آالف كيلو متر‬
‫للوصول إلى الحدود مع أوروبا‪ ،‬في حين أن الطريق المباشر‬
‫للسكك الحديدية من الصين إلى كازاخستان‪ ،‬ومنها إلى روسيا‬
‫ثم أوروبا‪ ،‬أقصر‪ ،‬وأكثر سهولة وسرعة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫خط السكك الحديدية الجديد الذي يربط الصين بأوروبا من كازاخستان عبر روسيا‬

‫كذلك‪ ،‬في سعيها إلى إيجاد بدائل عن روسيا لتصل بضائعها إلى‬
‫أوروبا‪ ،‬ربطت بكين نفسها بمنظومة خطوط السكك الحديدية‬
‫مع خط (باكو‪ -‬تبليسي‪ -‬قارص)‪ ،‬وتم ربط هذا الخط عن طريق‬
‫كازاخستان من محطة شيان الصينية إلى ميناء أكاتو الكازاخي في‬
‫غرب البالد على بحر قزوين‪ ،‬ومنه إلى باكو‪ ،‬ثم تبليسي‪ ،‬وصوال‬
‫إلى قارص التركية‪ ،‬ومنها إلى أوروبا‪ .‬هذه الرحلة‪ ،‬التي يبلغ‬
‫طولها اإلجمالي (‪ ،)82963‬تبدأ من شيان (‪ )72011‬كم داخل‬
‫الصين‪ ،‬ثم (‪ )32711‬كم في كازاخستان‪ ،‬ثم (‪ )471‬كم لعبور بحر‬

‫‪27‬‬
‫قزوين‪ ،‬ثم (‪ )431‬كم في أذربيجان‪ ،‬ثم (‪ )771‬كم في جورجيا‪ ،‬ثم‬
‫(‪ )72373‬كم في تركيا‪ ،‬ويقطع القطار هذه الرحلة في ‪ 07‬يوما‬
‫‪16‬‬
‫فقط‪.‬‬

‫خط سكة حديد شيان‪ -‬أكتاو‪ -‬باكو‪ -‬تبليسي‪ -‬قارص‬

‫شيوع الفوضى في كازاخستان يفقد الصين البلد األكثر أهمية‬


‫لمشروعها الطموح «مبادرة الحزام والطريق» في آسيا الوسط‪،‬‬
‫الذي تحظى فيه كازاخستان بدور كبير‪ ،‬ويهدد أمنها القومي‪-‬‬
‫تهديدا مباشرا‪ -‬من خالل تحويل هذا البلد إلى قاعدة انطالق‬
‫للحركات المسلحة المناوئة لها‪ .‬ووفق نظرية "الدومينو"‪،‬‬
‫ستلحق هذه الفوضى بكل المنطقة‪ ،‬وتصبح المتضرر الرئيسي‬

‫‪28‬‬
‫منها‪ .‬كما أن عدم استقرار النظام قد يؤدي إلى سقوطه‪،‬‬
‫موال للغرب‪ ،‬أو لروسيا بشكل واضح‪ ،‬وكال األمرين‬
‫ٍ‬ ‫وصعود نظام‬
‫ال تحبذه الصين‪ ،‬وإن كان ذلك مفهوما بالنسبة إلى الغرب‪ ،‬فقد‬
‫غربيا‬
‫ًّ‬ ‫يبدو األمر غريبا بالنسبة إلى روسيا في إطار ما يوصف‬
‫بوجود "تحالف" روسي‪ -‬صيني‪ ،‬ولكن هذا التقارب‪ ،‬وهو‬
‫التوصيف األدق لطبيعة العالقات بين البلدين‪ ،‬ال ينفي وجود‬
‫المنافسة‪ ،‬وروسيا لن تكون سعيدة بوجود طرق بديلة لتصدير‬
‫المنتجات الصينية إلى أوروبا‪ ،‬وهو ما يفقدها ورقة جيوسياسية‬
‫مهمة؛ ولذلك تعمل‪ -‬بنشاط‪ -‬على دعم أرمن جورجيا في‬
‫منطقة «سمتسخى‪-‬چڤاختي»‪ ،‬وعاصمتها آخالكاالكي‪ ،‬التي يمر‬
‫منها خط أنابيب النفط (باكو‪ -‬تبليسي‪ -‬جيهان)‪ ،‬الذي يشكل‬
‫منافسا للنفط والغاز الروسي‪ ،‬وخط السكك الحديدية (باكو‪-‬‬
‫تبليسي‪ -‬قارص)‪ .‬تمتع األرمن في العهد السوڤيتي بوضعية‬
‫الحكم الذاتي‪ ،‬وحق استخدام لغتهم القومية‪ ،‬وبعد استقالل‬
‫جورجيا ُحرموا هذا الحق‪ ،‬ويطالبون‪ -‬مثلهم مثل أبخازيا‪ ،‬وأوسيتيا‬
‫الجنوبية‪ -‬باالنفصال عن جورجيا‪ ،‬أو االنضمام إلى قوام االتحاد‬
‫الروسي‪ ،‬ويشكل هذا الوضع ورقة في يد موسكو‪ ،‬يمكن أن‬
‫‪17‬‬
‫تستخدمها في أي وقت لتعطيل هذه المشروعات‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫منطقة سمتسخى‪ -‬چڤاختي‪ ،‬ذات األغلبية األرمينية في جورجيا‬

‫أخيرا‪ ،‬طريق الصين اآلمن إلى إيران‪ ،‬ومنها إلى منطقة الخليج‬
‫العربية وغرب آسيا‪ ،‬يمر عبر كازاخستان من خالل خط السكك‬
‫الحديدية (شنغهاي‪ -‬طهران)؛ ولذلك تكتسب العالقة أهمية‬
‫متعددة األوجه بين البلدين‪ ،‬في ظل استثمارات صينية بلغت‪،‬‬
‫عام ‪ ،7106‬نحو (‪ )72.2‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬ووجود مناهضين‬
‫لتلك االستثمارات داخل كازاخستان من القوميين‪ ،‬ودعاة الحفاظ‬
‫‪18‬‬
‫على البيئة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫خط السكك الحديدية الذي يربط شنغهاي الصينية بالعاصمة اإليرانية طهران‬

‫عسكريا‪ :‬اتسمت العالقات الكازاخية‪ -‬الصينية بالشك والريبة‬


‫حتى قبل ضم منطقة آسيا الوسطى إلى اإلمبراطورية الروسية‪،‬‬
‫حيث كانت النخب الصينية الحاكمة تنظر إلى هذه البلدان‪ ،‬ومنها‬
‫كازاخستان‪ ،‬على أنها جزء من أراضيها التاريخية التي فقدتها في‬
‫أثناء حكم «ساللة تانغ» الصينية (‪ ،)612 -908‬وفي العهد‬
‫السوڤيتي‪ ،‬على إثر الصراع الذي نشأ بين بكين وموسكو‪ ،‬ظهرت‬

‫‪31‬‬
‫عدة خرائط صينية تعتبر كازاخستان‪ ،‬إلى جانب دول أخرى في‬
‫المنطقة‪ ،‬جزءا ال يتجزأ من أراضي الصين التي ينبغي استعادتها‪.‬‬
‫التحول الكبير األول في العالقة حدث عندما اقترحت الصين‪-‬‬
‫بعد تفكك االتحاد السوڤيتي‪ -‬إيجاد صيغة تعاون مشتركة بينها‬
‫وبين روسيا والبلدان المستقلة حديثا؛ لتنظيم شؤون المنطقة‪،‬‬
‫وضمان عدم تحولها إلى بؤر توتر أو نفوذ غربي ُمهدد‪ .‬وفي‬
‫السادس والعشرين من أبريل (نيسان) ‪ ،0669‬تم توقيع ميثاق‬
‫ضمت (الصين‪ ،‬وروسيا‪،‬‬
‫«مجموعة شانغهاي الخماسية»‪ ،‬التي ّ‬
‫وكازاخستان‪ ،‬وقيرغيزستان‪ ،‬وطاجيكستان)‪ ،‬وجاء في مقدمتها‪:‬‬
‫"التزام الدول األعضاء باحترام حدود الدول الموقعة على هذا‬
‫‪19‬‬
‫الميثاق وسيادتها"‪.‬‬
‫التحول الكبير الثاني حدث عام ‪ ،7104‬وذلك عندما ضمت‪/‬‬
‫استعادت روسيا شبه جزيرة القرم‪ ،‬وبررت تلك الخطوة بعدة‬
‫أسباب‪ ،‬من بينها حماية المواطنين ذوي األصول الروسية‪ ،‬ومن‬
‫المعروف أن ‪ %71‬من سكان كازاخستان من أصل روسي‪ ،‬وخشية‬
‫من تكرار السيناريو نفسه‪ ،‬وسعت السلطة الكازاخية من تعاونها‬
‫العسكري من الصين‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫االتحاد األوروبي‬

‫الشريك التجاري األول لكازاخستان بعد الصين‪ .‬وكانت كازاخستان‬


‫هي الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى التي وقع معها اتفاقية‬
‫تعزيز الشراكة والتعاون (‪ .)EPCA‬تعد كازاخستان الشريك التجاري‬
‫الثالث والثالثين لالتحاد األوروبي‪ ،‬حيث مثلت ‪ %1.2‬من إجمالي‬
‫تجارة االتحاد في البضائع مع العالم عام ‪ .7171‬كما ُيعد االتحاد‬
‫األوروبي أكبر شريك تجاري لكازاخستان‪ ،‬حيث مثل ‪ %76.2‬من‬
‫إجمالي تجارة السلع للبالد عام ‪ .7171‬وجاءت ‪ %09.0‬من‬
‫واردات كازاخستان من االتحاد األوروبي‪ ،‬وذهبت ‪ %40‬من‬
‫صادراتها إلى االتحاد األوروبي‪ .‬حتى في عام صعب مثل ‪،7171‬‬
‫بلغ إجمالي التجارة في السلع بين االتحاد وكازاخستان (‪)08.9‬‬
‫مليار يورو‪ .‬وبلغت قيمة واردات االتحاد األوروبي (‪ )07.9‬مليار‬
‫يورو‪ ،‬تتكون أساسا من منتجات الوقود والتعدين (‪ 00.8‬مليار‬
‫يورو‪ ،‬بنسبة ‪ ،)%63.2‬في حين بلغ إجمالي صادرات االتحاد‬
‫األوروبي ستة مليارات يورو‪ ،‬شكلت اآلالت ومعدات النقل فيها‬
‫(‪ 7.6‬مليار يورو‪ ،‬بنسبة ‪ ،)%48.3‬والمواد الكيميائية (‪ 0.9‬مليار‬
‫يورو‪ ،‬بنسبة ‪ ،)%79.2‬والسلع المصنعة األخرى (‪ 1.1‬مليار يورو‪،‬‬
‫بنسبة ‪ ،)%8.3‬كما بلغ إجمالي االستثمار األجنبي المباشر عام‬
‫‪20‬‬
‫‪ 7106‬من االتحاد األوروبي (‪ )93.6‬مليار يورو‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫أمنيا‪ :‬يمثل سقوط الدولة الكازاخية فرصة للصين وروسيا وتركيا‪،‬‬
‫في زيادة نفوذهم في المنطقة‪ ،‬في حين ال تمتلك أوروبا قدرة‬
‫على مجاراة هذا النفوذ إال في ظل االستقرار‪ ،‬وتدفق‬
‫االستثمارات والمنح التعليمية‪ ،‬كما أن أوروبا ستعاني من أي‬
‫فوضى تحدث في هذا البلد عبر موجات جديدة من الالجئين‬
‫تتدفق على أراضيها عبر تركيا‪ ،‬وهو ما لم تعد تتحمله‪ .‬أخيرا‪ ،‬تمثل‬
‫كازاخستان النموذج المستقر اآلمن في بلدان آسيا الوسطى‬
‫لخطوط السكك الحديدية المسؤولة عن سالسل التوريد من‬
‫الصين‪ ،‬إلى جانب كونها أحد مصادر الطاقة في ظل السياسة‬
‫األوروبية التي تعتمد على تنوع مصادرها‪ .‬على الجانب‬
‫العسكري‪ ،‬هناك تعاون متزايد بين كازاخستان وبلدان االتحاد‬
‫األوروبي‪ ،‬وبالتحديد مع ألمانيا وإيطاليا‪.‬‬

‫الواليات المتحدة‬

‫القت العالقات األمريكية‪ -‬الكازاخية اهتماما مشتركا من كال‬


‫الطرفين‪ .‬يعد التعاون في مجال األمن وعدم االنتشار النووي‬
‫حجر الزاوية في العالقة‪ ،‬كما يتضح من مشاركة كازاخستان في‬
‫قمم األمن النووي في واشنطن العاصمة (‪ 7101‬و‪،)7109‬‬

‫‪34‬‬
‫وسيول (‪ ،)7107‬والهاي (‪ .)7104‬كما التزمت كازاخستان بعد‬
‫استقاللها بالمطلب األمريكي الملح آنذاك باالستغناء عن‬
‫أسلحتها النووية التي ورثتها من االتحاد السوڤيتي‪ ،‬وقد تخلت‬
‫عنها بالكامل في عام ‪ ،0663‬وأغلقت موقع اختبار‬
‫سيميباالتينسك (‪ .)STS‬كما ساعدت الواليات المتحدة‬
‫كازاخستان في إزالة الرؤوس الحربية النووية‪ ،‬والمواد الصالحة‬
‫لصنع األسلحة‪ ،‬والبنية التحتية الداعمة لها‪ .‬في عام ‪،0664‬‬
‫نقلت كازاخستان أكثر من نصف طن من اليورانيوم المستخدم‬
‫في صنع األسلحة النووية إلى الواليات المتحدة‪ ،‬وفي عام‬
‫‪ 0661‬أزالت آخر رؤوس حربية نووية لديها‪ ،‬وبمساعدة من‬
‫الواليات المتحدة أكملت إغالق ‪ 080‬نفقا للتجارب النووية في‬
‫محطة سيميباالتينسك في مايو (أيار) ‪ .7111‬وفي العقد التالي‪،‬‬
‫عملت الواليات المتحدة وكازاخستان معا إلغالق ‪ 41‬نفقا‬
‫إضافيا الختبارات النووية في نفس المنشأة السوڤيتية السابقة‪.‬‬
‫ًّ‬
‫لتأكيد حرص كازاخستان على أفضل العالقات مع الغرب‪ ،‬وقعت‬
‫على اتفاقية القوات المسلحة التقليدية في أوروبا (‪ )CFE‬عام‬
‫‪ ،0667‬ومعاهدة ستارت عام ‪ ،0667‬ومعاهدة عدم انتشار‬
‫األسلحة النووية عام ‪ ،0663‬واتفاقية األسلحة الكيميائية‪،‬‬
‫ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام ‪ .7110‬وفي عام‬

‫‪35‬‬
‫‪ 7101‬أبرمت حكومة كازاخستان اتفاقية مع الوكالة الدولية‬
‫للطاقة الذرية الستضافة بنك يورانيوم منخفض التخصيب‪ ،‬تلقت‬
‫شحناته األولى عام ‪ .7106‬وبموجب البرنامج التعاوني للحد من‬
‫التهديد‪ ،‬أنفقت الواليات المتحدة أكثر من ‪ 721‬مليون دوالر‬
‫لمساعدة كازاخستان على إزالة أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬والبنية‬
‫التحتية ذات الصلة بأسلحة الدمار الشامل‪ ،‬كما تتلقى قوات‬
‫األمن الكازاخستانية أمواال من برنامج الواليات المتحدة الدولي‬
‫للتعليم والتدريب العسكري‪ ،‬وبرنامج التمويل العسكري‬
‫األجنبي‪ ،‬وبرنامج المساعدة المدنية والكوارث اإلنسانية في‬
‫الخارج‪ ،‬وصندوق مبادرة ويلز‪ ،‬ومبادرة عمليات السالم العالمية‪،‬‬
‫وبرنامج بناء قدرات الشركاء‪ ،‬ويشارك الجيش الكازاخستاني في‬
‫التدريبات العسكرية التي تمولها الواليات المتحدة‪ ،‬مثل‪ :‬نسر‬
‫السهوب (‪ ،)Steppe Eagle‬وفايكنيغ (‪ ،)Viking‬ومناورات‬
‫األسد المتأهب (‪ ،)Eager Lion‬وشانتي براياس ( ‪Shanti‬‬
‫‪21‬‬
‫‪.)Prayas‬‬
‫كما هو واضح من تاريخ تسلسل العالقة بين البلدين‪ ،‬كانت‬
‫أولوية الواليات المتحدة ضمان عدم تسرب أي أسلحة أو مواد‬
‫نووية من تركة االتحاد السوڤيتي في كازاخستان إلى الخارج‪،‬‬
‫وقد أبدت األخيرة تعاونا كامال مع واشنطن‪ ،‬وأرادت أن تُ ظهر‬

‫‪36‬‬
‫لها مدى تمتعها بالمسؤولية العالية‪ ،‬ورغبتها في بناء أفضل‬
‫العالقات مع أمريكا وأحسنها‪ ،‬وهو ما دفع عدة أطراف أمريكية‬
‫إلى النظر إلى كازاخستان على أنها قاعدة ارتكاز رئيسية للسياسة‬
‫األمريكية في آسيا الوسطى تجاه روسيا والصين‪ ،‬ولكن ما أعاق‬
‫هذا التصور التنافس المحموم بين بلدان المنطقة على الزعامة‪.‬‬
‫وبحسب الدبلوماسي األمريكي‪ ،‬ومدير وكالة المخابرات‬
‫المركزية الحالي وليام بيرنز (‪ ،)William Burns‬كان قادة‬
‫المنطقة يشكون من منح الواليات المتحدة األولوية في‬
‫سياساتهم لكازاخستان‪ ،‬ويقول في ذلك األمر‪" :‬في أوزبكستان‪،‬‬
‫تساءل الرئيس إسالم كريموڤ‪ :‬لماذا توقف األمريكيون دائما‬
‫في أستانا أوال وفشلوا في إدراك أن طشقند كانت مركز الثقل‬
‫‪22‬‬
‫في النظام الشمسي الصغير آلسيا الوسطى؟"‬
‫اقتصاديا‪ :‬الواليات المتحدة هي من المستثمرين األجانب‬
‫المباشرين في كازاخستان‪ .‬بلغ االستثمار األجنبي المباشر من‬
‫الواليات المتحدة إلى كازاخستان في النصف األول من عام‬
‫‪ ،7108‬نحو (‪ )7.26‬مليار دوالر‪ ،‬بزيادة قدرها (‪ )%44.2‬مقارنة‬
‫بالفترة نفسها من عام ‪ 0.63( 7102‬مليار دوالر)‪ .‬بشكل عام‪،‬‬
‫في الفترة من ‪ 7111‬إلى يوليو (تموز) ‪ ،7108‬بلغ الحجم‬
‫اإلجمالي لالستثمار األجنبي المباشر األمريكي لالقتصاد‬

‫‪37‬‬
‫الكازاخستاني (‪ )33.29‬مليار دوالر‪ ،‬أغلبها في قطاع الطاقة‪ .‬كما‬
‫سنويا كثيرا من األحداث االستثمارية‬
‫ًّ‬ ‫تستضيف كازاخستان‬
‫والتجارية واالقتصادية‪ ،‬حيث يقدم المسؤولون الحكوميون‬
‫وقادة األعمال الكازاخستانيون فرص االستثمار الحالية‬
‫والمستقبلية المفتوحة أمام االستثمار األمريكي‪ ،‬ويضعون أطرا‬
‫للتعاون المستقبلي مع الشركات األمريكية‪ .‬زار وفد من ‪09‬‬
‫شركة أمريكية كبرى كازاخستان في أكتوبر (تشرين األول) ‪7108‬‬
‫في إطار عمل البعثة التجارية االفتتاحية المعتمدة من وزارة‬
‫التجارة األمريكية إلى كازاخستان‪ ،‬وأسفرت الزيارة عن اتفاقيات‬
‫في مجال أبحاث الطيران والفضاء‪ ،‬والزراعة‪ ،‬وصناعة‬
‫البتروكيماويات‪ ،‬وتطوير البنية التحتية‪.‬‬
‫عملت كازاخستان مع الواليات المتحدة للتطور إلى سوق‬
‫مزدهرة تحتضن المنافسة في السوق الحرة‪ ،‬في إطار‬
‫المشاورات الثنائية السنوية (‪ ،)ABC‬التي تأسست عام ‪،7101‬‬
‫والتي تم ترقيتها إلى مستوى حوار الشراكة اإلستراتيجية المعزز‬
‫عام ‪ .7108‬من الجدير بالذكر أن الواليات المتحدة دعمت‬
‫كازاخستان في جهودها للحصول على عضوية منظمة التجارة‬
‫العالمية‪ ،‬وأبرمت معها اتفاقية شراكة في القطاعات التي‬
‫حددتها إستراتيجية «كازاخستان ‪ »7111‬كأولوية‪ .‬وقد أعلنت‬

‫‪38‬‬
‫واشنطن أن هذا الدعم يأتي في إطار العالقة الوثيقة بين‬
‫الطرفين‪ ،‬ودعم الواليات المتحدة لدور كازاخستان القيادي في‬
‫جهود التنمية االقتصادية في منطقة آسيا الوسطى‪ .‬كما‬
‫وحدت الواليات المتحدة جهودها مع كازاخستان لضم‬
‫وأوزبكستان‪،‬‬ ‫وطاجيكستان‪،‬‬ ‫وتركمانستان‪،‬‬ ‫قيرغيزستان‪،‬‬
‫وأفغانستان إلى اتفاقية التجارة واالستثمار بين الواليات‬
‫‪23‬‬
‫المتحدة وآسيا الوسطى (‪ )TIFA‬عام ‪.7114‬‬
‫عسكريا‪ :‬على الرغم من االنتقادات الكثيرة التي تصدر من‬
‫واشنطن حتى ضد "حلفائها" بشأن قضايا "الديمقراطية"‪ ،‬أو‬
‫تول هذا األمر أي أهمية في عالقاتها‬
‫"حقوق االنسان"‪ ،‬فإنها لم ِ‬
‫مع كازاخستان التي سعت إلى تطويرها في شتى المجاالت‪،‬‬
‫ومنها الجانب العسكري‪ ،‬حتى إنها أدرجت الجيش الكازاخي في‬
‫برامج االحتراف العسكري‪ ،‬التي تهدف إلى إعادة هيكلة العقيدة‬
‫العسكرية الكازاخية‪ .‬وعندما واجهت‪ ،‬عام ‪ ،7108‬انتقادات من‬
‫بعض الناشطين والنواب األمريكيين لهذا التعاون الوثيق‪ ،‬دون‬
‫ضغط على الحكومة للقيام بإصالحات سياسية‪ ،‬رد عليها الجنرال‬
‫لويد أوستن (‪ ،)Lloyd Austin‬الذي يشغل اآلن منصب وزير‬
‫الدفاع األمريكي‪ ،‬بالقول‪" :‬للواليات المتحدة دور مهم في أمن‬
‫آسيا الوسطى‪ ،‬ويجب علينا تمكين دول المنطقة من مكافحة‬

‫‪39‬‬
‫التهديدات اإلقليمية الخاصة بها‪ .‬وفي تعاملنا مع كازاخستان‬
‫على وجه التحديد‪ ،‬تنص إستراتيجيته على أن تظل عالقة‬
‫الواليات المتحدة بكازاخستان هي األكثر تطورا بين جميع دول‬
‫آسيا الوسطى؛ حيث يسعى الكازاخستانيون إلى الحصول على‬
‫مساعدة الواليات المتحدة في تحديث قواتهم العسكرية‪ ،‬ونحن‬
‫نستفيد من هذه الفرصة لزيادة تعزيز وجودنا في المنطقة‪،‬‬
‫‪24‬‬
‫والعالقة الثنائية بين بلدينا"‪.‬‬

‫تدريب عسكري مشترك بين الجيشين األمريكي والكازاخي عام ‪ - 7103‬المصدر‪)AzerNews( :‬‬

‫‪40‬‬
‫قبل ترك الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييڤ السلطة عام‬
‫طور العالقة العسكرية مع الواليات المتحدة تطويرا‬‫‪ّ ،7106‬‬
‫كبيرا‪ ،‬وأصبح لدى الجيش الكازاخي نخبة من الضباط الذين تلقوا‬
‫عسكريا في الواليات المتحدة‪ ،‬وتم توقيع عقود‬
‫ًّ‬ ‫تعليما وتدريبا‬
‫لعدة صفقات عسكرية تزود بموجبها واشنطن البالد بالسالح‬
‫والعتاد‪ ،‬وهو ما أزعج موسكو‪ ،‬وخلق توترا في العالقة بين‬
‫البلدين‪.‬‬
‫الخالصة‬

‫منح موقع كازاخستان الفريد بين أوروبا وآسيا‪ ،‬ومساحتها‬


‫الضخمة‪ ،‬ومجاورتها لقوتين عظميين (الصين وروسيا)‪ ،‬وما‬
‫تمتلكه من ثروات طبيعية‪ ،‬أهمية خاصة لها‪ ،‬وجعلها محط‬
‫أنظار الشرق والغرب في منطقة أوراسيا‪.‬‬
‫لدى الصين وروسيا والواليات المتحدة واالتحاد األوروبي‬
‫تنافس فيما‬
‫مصالح متعددة األوجه مع كازاخستان‪ ،‬وهناك ُ‬
‫بينها‪ ،‬وليس من مصلحة كل هذه األطراف لألسباب التي‬
‫تم ذكرها بالتفصيل‪ ،‬شيوع أي فوضى أو اهتزاز في‬
‫منظومة الحكم الحالية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫كازاخستان آخر البلدان خروجا من االتحاد السوڤيتي‪ ،‬وكانت‬
‫أكثرها تمسكا به‪ ،‬وقد صوت (‪ )%88.7‬ممن لهم حق‬
‫التصويت في االستفتاء الشعبي بشأن بقاء االتحاد‬
‫السوڤيتي من عدمه في ‪ 02‬مارس (آذار) ‪ ،0660‬بنسبة‬
‫‪25‬‬
‫(‪ )%64.0‬باإلبقاء عليه‪.‬‬
‫حرصت كازاخستان‪ ،‬بعد نيل استقاللها‪ ،‬على إقامة أفضل‬
‫العالقات الوثيقة مع روسيا‪ ،‬وسعت إلى إيجاد صيغة تعاون‬
‫معها بديلة عن االتحاد السوڤيتي؛ ولذلك تقدمت بطلب‬
‫عضوية في رابطة الدول المستقلة (‪ )CIS‬فور تأسيسها‬
‫نهاية عام ‪ ،0660‬وعندما وجدت أنها منظمة غير فعالة؛‬
‫اقترح الرئيس السابق نور سلطان نزارباييڤ تأسيس اتحاد‬
‫أوراسي بين البلدين‪ ،‬وهو ما تكلل بإعالن االتحاد‬
‫االقتصادي األوراسي (‪ )EAEU‬عام ‪.7101‬‬
‫اعتمدت كازاخستان على سياسة خارجية متعددة النواقل؛‬
‫أوال‪ :‬بسبب حالة الفوضى التي اجتاحت روسيا طيلة حقبة‬
‫التسعينيات‪ ،‬وعدم وجود سياسة واضحة لدى موسكو‬
‫إلطار تعاون بديل عن االتحاد السوڤيتي‪ .‬ثانيا‪ :‬بسبب‬
‫مخاوف نزارباييڤ‪ ،‬بعدما بدأت روسيا تستعيد قوتها من‬

‫‪42‬‬
‫جديد منذ عام ‪ ،7118‬وخاضت حرب أوسيتيا الجنوبية مع‬
‫جورجيا‪.‬‬
‫بعدما بدأت كازاخستان تشعر بالقلق من تنامي قوة روسيا‪،‬‬
‫انضمت بعد نهاية حرب أوسيتيا الجنوبية‪ ،‬عام ‪ ،7118‬إلى‬
‫برنامج «الطريق إلى أوروبا»‪ ،‬وقامت بنحو (‪ )011‬خطوة‬
‫إصالحية في جميع مؤسساتها بناء على توصيات االتحاد‬
‫األوروبي‪ ،‬وسط تنامي لدعاية "أوروبية" لكازاخستان‬
‫وإمكانية انضمامها إلى االتحاد‪ ،‬وهي الدعاية التي القت‬
‫صدى في بروكسل‪ ،‬وبدأ األوروبيون يناقشونها مناقشة‬
‫جادة؛ لما تتمتع به البالد من إمكانات اقتصادية‪ ،‬وثروات‬
‫طبيعية‪ ،‬وموقع يخدم عمليات النقل وسالسل التوريد‬
‫األوروبية‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬بدأت كازاخستان تتراجع عن كثير‬
‫من التزاماتها وحماستها لالتحاد األوراسي‪ ،‬الذي كان في‬
‫‪26‬‬
‫األصل مقترحها‪.‬‬
‫طورت كازاخستان عالقاتها مع الواليات المتحدة منذ عام‬
‫‪ ،0664‬وشهدت قفزات متعددة تبعا لتخوفاتها من روسيا‪،‬‬
‫وكانت أحداث أوكرانيا‪ ،‬وضم‪ /‬استعادة روسيا لشبه جزيرة‬
‫القرم لحظة فارقة في اندفاعتها نحو مزيد من التعاون مع‬

‫‪43‬‬
‫واشنطن‪ ،‬وصوال إلى عالقات عسكرية‪ ،‬وتوقيع صفقات‬
‫تسليح كبرى‪.‬‬
‫اتسمت العالقة الصينية‪ -‬الكازاخية بالشك والريبة من كال‬
‫الطرفين‪ ،‬ولكنها توطدت في العقد الماضي‪ ،‬وأصبحت‬
‫كازاخستان الشريك التجاري‪ ،‬والموقع الجيوسياسي األكثر‬
‫أهمية لبكين في مشروع الحزام والطريق‪.‬‬
‫وسعت كازاخستان من عضويتها في عدة منظمات دولية‬
‫وإقليمية‪ ،‬ووقعت اتفاقيات تعاون عسكري واقتصادي مع‬
‫جهات مختلفة‪ ،‬وكانت وتيرة هذه العملية تتسارع كلما‬
‫شعرت بالقلق من موسكو‪ ،‬أو في حال الشعور بالقوة‪،‬‬
‫ورغبتها في مزيد من االستقاللية عنها‪ .‬كازاخستان عضو‬
‫نشط في «مجلس الشراكة األوروبية األطلسية» التابع‬
‫لحلف الناتو‪ ،‬وعقدت عدة تدريبات عسكرية مع الحلف‪،‬‬
‫منها تدريبات استضافتها على أراضيها‪ ،‬كما أنها مشارك‬
‫‪27‬‬
‫نشط في «برنامج الناتو للعلوم من أجل السالم واألمن»‪.‬‬
‫وقعت كازاخستان اتفاقيات شراكة اقتصادية‪ ،‬وسوق حرة‬
‫مع بلدان آسيا الوسطى‪ ،‬والواليات المتحدة‪ ،‬ومع االتحاد‬
‫األوروبي‪ ،‬وكذلك مع الصين‪ ،‬حيث انضمت كازاخستان إلى‬
‫منظمة شنغهاي للتعاون (‪ )SCO‬عام ‪ ،0669‬التي أنشأتها‬

‫‪44‬‬
‫متنام مع القوى الثالث‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الصين‪ ،‬ولديها تعاون عسكري‬
‫وأخيرا أصبحت عضوا مؤسسا في مجلس التعاون للدول‬
‫الناطقة بالتركية (‪ ،)CCTS‬وكان الرئيس السابق نزارباييڤ‬
‫من أكثر المتحمسين له‪ .‬ويهدف المجلس إلى تأسيس قوة‬
‫عسكرية مشتركة للبلدان التركية‪ ،‬إلى جانب أنشطة‬
‫اقتصادية وثقافية‪ ،‬وقد أسهم في تنامي العالقات مع‬
‫‪28‬‬
‫تركيا‪ ،‬وتصدير األخيرة أسلحة من إنتاجها إلى كازاخستان‪.‬‬

‫اجتماع أعضاء المجلس التركي في باكو عام ‪7106‬‬

‫‪45‬‬
‫أدى هذا التباعد من طرف كازاخستان تجاه روسيا‪ ،‬في‬
‫السنوات األخيرة من حكم نزارباييڤ‪ ،‬إلى توتر في العالقة‬
‫بين الطرفين‪ ،‬وصدور تصريحات من شخصيات عامة روسية‪،‬‬
‫وصفتها كازاخستان باالستفزازية‪ ،‬من قبيل "استعادة‬
‫األراضي الروسية التي قدمتها لكازاخستان على سبيل‬
‫الهدية"‪ ،‬وحديث الرئيس پوتين نفسه بأن "كازاخستان لم‬
‫يكن لها وجود قبل عام ‪ ،0660‬وأن حدودها الحالية تشكلت‬
‫بفضل روسيا"‪ .29‬ومما زاد من تفاقم األوضاع الموقف‬
‫سلبيا في روسيا لضم‪/‬‬
‫ًّ‬ ‫وفهم فهما‬
‫الذي بدا حياديا‪ُ ،‬‬
‫استعادة شبه جزيرة القرم‪ ،‬وهو ما انعكس‪ -‬بدوره‪ -‬على‬
‫الصراع الداخلي بين النخب الكازاخية‪ ،‬بين المؤيدين لعالقة‬
‫وثيقة مع روسيا مقابل الراغبين في عالقة أقوى مع‬
‫الغرب‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ما الذي حدث؟‬
‫أصبح من المعروف لدى المتابعين كيف بدأ تسلسل األحداث‬
‫في كازاخستان‪ ،‬وصوال إلى تفجرها وشيوع الفوضى في مدينة‬
‫ألماتي‪ ،‬كبرى مدن البالد‪ ،‬والعاصمة السابقة‪ ،‬ولمن يريد التوسع‬
‫في هذا األمر يمكنه العودة إلى تقدير موقف أعدته وحدة‬
‫الدراسات ما بعد السوڤيتية‪ ،‬بعنوان «كازاخستان‪ ..‬مفاجأة بداية‬
‫العام»‪.‬‬
‫أول ما تبادر إلى أذهان بعضنا؛ نتيجة حالة الثراء التي تتمتع‬
‫بها كازاخستان‪ ،‬واستقرارها الداخلي‪ ،‬والمناوشات الروسية‬
‫مع حلف الناتو بشأن أوكرانيا‪ ،‬أن ما حدث هو "مخطط"‪ ،‬أو‬
‫"مؤامرة" أمريكية لوضع روسيا بين فكي كماشة في‬
‫الشرق مع كازاخستان‪ ،‬وفي الغرب مع أوكرانيا‪.‬‬
‫قد يبدو هذا التصور بالحسابات النظرية صحيحا تماما‪ ،‬ولكن‬
‫األحداث بناء على ما تم شرحه في هذه الدراسة للتركيبة‬
‫الداخلية‪ ،‬والتقسيم القبلي‪ ،‬والتحالفات الخارجية للبالد‪،‬‬
‫وتداعيات تفشي وباء كوفيد‪ ،06 -‬وغيرها من األسباب‪،‬‬
‫هي ما مهدت األجواء لهذا الحريق الذي كان ينتظر عود‬
‫ثقاب ليشتعل‪ ،‬وكان قرار زيادة سعر الغاز ثالثة أضعاف‬

‫‪47‬‬
‫دفعة واحدة في بلد تعتمد ‪ %81‬من مركباته عليه‪،‬‬
‫ويمتلك موارد غازية ضخمة‪ ،‬القشة التي قصمت ظهر‬
‫البعير كما يقال‪ .‬إجماال‪ ،‬يمكن حصر أسباب ما حدث في‬
‫العناصر التالية‪:‬‬
‫المجتمع الكازاخي‪ ،‬وعلى الرغم مما يبدو من تسامح خارجي‬
‫يسود البالد‪ ،‬وتعايش بين األعراق المختلفة‪ ،‬فإن الروح‬
‫القبلية كامنة بداخله‪ ،‬وتعززت مع طول حكم نزارباييڤ‪،‬‬
‫الذي استمر زهاء ثالثة عقود‪ ،‬وهيمنة قبائل «الجوز‬
‫األوسط»‪ -‬التي ينتمي إليها‪ -‬على جميع مراكز السلطة‬
‫والثروة بالمشاركة مع ذوي األصول الروسية؛ ولذلك لم‬
‫يكن من المستغرب أن تنطلق شرارة التظاهرات من مناطق‬
‫«الجوز األصغر» في الغرب‪ ،‬وتنتقل بعدها إلى مناطق‬
‫«الجوز األكبر» في الجنوب‪.‬‬
‫إدراكا منه للطابع القبلي المهيمن لقبائل «الجوز األوسط»‪،‬‬
‫وحاجته إلى جدار حماية لحكمه‪ ،‬نقل الرئيس السابق‬
‫نزارباييڤ العاصمة من ألماتي‪ ،‬التي تقع في الجنوب حيث‬
‫ثقل قبائل «الجوز األكبر»‪ ،‬إلى آستانا في الشمال الشرقي‪،‬‬
‫الذي تهمن عليه قبائل «الجوز األوسط»‪ ،‬عام ‪.0668‬‬

‫‪48‬‬
‫ارتكب النظام الكازاخي خطأ وصفه المراقبون الكازاخيون بـ‬
‫"القاتل"‪ ،‬عندما لم يسمح بأي أجواء لحرية عمل األحزاب‬
‫السياسية والمعارضين‪ ،‬وهو ما دفعهم إلى الهجرة إلى‬
‫الخارج‪ ،‬أو العمل السري في الداخل تحت األرض‪ ،‬ومع أول‬
‫فرصة اهتز فيها النظام خرجوا إلى الشوارع بال أي ضوابط‪،‬‬
‫وال نخبة قادرة على ضبطهم‪ ،‬أو على التفاوض مع النظام‪.‬‬
‫رغم الثراء الذي تتمتع به البالد (كازاخستان لديها ثاني أكبر‬
‫احتياطي من اليورانيوم‪ ،‬والكروم‪ ،‬والرصاص‪ ،‬والزنك‪ ،‬وثالث‬
‫أكبر احتياطي من المنغنيز‪ ،‬وخامس أكبر احتياطي نحاس‪،‬‬
‫ومن ضمن الدول العشر األولى في تصدير الفحم‪ ،‬والحديد‪،‬‬
‫والذهب)‪ ،‬كما أنها أيضا مصدر لأللماس‪ ،‬وتحتل المرتبة‬
‫الحادية عشرة كأكبر احتياطي مؤكد للنفط والغاز‪ ،‬وثاني‬
‫أكبر احتياطي لصخر الفوسفوريت‪ ،‬فإن الثروة في يد‬
‫أوليغارشية صغيرة من حاشية الرئيس وعشيرته‪.‬‬
‫فتح النظام الباب واسعا أمام الشباب الكازاخي للسفر‬
‫والتعلم في الجامعات األوروبية واألمريكية‪ ،‬ولدى كثير من‬
‫الشباب معرفة باللغة اإلنجليزية‪ ،‬وفي ظل عالم مفتوح‬
‫بفضل الفضائيات واإلنترنت وسهولة السفر‪ ،‬وتخيل أن‬
‫هؤالء سيعودون فقط بما تلقوه من علوم‪ ،‬ولم يدرك أنهم‬

‫‪49‬‬
‫تشبعوا بأفكار ليبرالية‪ ،‬وقارنوا بين أوضاع بلدهم على الرغم‬
‫من ثرائها‪ ،‬وأوضاع البلدان الغربية وما تقدمه من فرص‪،‬‬
‫يضاف إلى ذلك إحباطهم من عدم إمكانية ترقيهم في‬
‫العمل الوظيفي بما يتالءم مع تعلموه في الخارج دون‬
‫شبابيا واسعا لديه مشاعر‬
‫ًّ‬ ‫واسطة‪ ،‬وهو ما خلق قطاعا‬
‫غضب مكتومة‪ ،‬وكان ينتظر أول فرصة للخروج والتنفيس‬
‫عن هذا الغضب‪.‬‬
‫خطاب السلطة بشأن الهوية الوطنية للبالد عانى ارتباكا‬
‫شديدا؛ فتارة يتحدث عن دولة لم يكن لها وجود قبل عام‬
‫‪ ،0660‬ونشأت ونمت واستقرت بفضل الزعيم "أبي األمة"‬
‫نزارباييڤ‪ ،‬وفي الوقت نفسه يستخدم شعارات تبدو‬
‫"شعبوية" في الترويج لدولة الكازاخ الضاربة في جذور‬
‫التاريخ‪ ،‬ونضال شعبها زمنا طويال لنيل استقاللها‪ ،‬وقد‬
‫زادت هذه الدعاية في السنوات األخيرة؛ مما أدى إلى‬
‫تنمية شعور قومي كازاخي خرج في بعض األحيان من إطار‬
‫الوطنية السمحة إلى العنصرية‪ ،‬والتنمر على األعراق‬
‫األخرى ومن ال يستجيبون لنظرتهم بشأن هوية الدولة‪ ،‬مثل‬
‫"دوريات حماية اللغة"‪ ،‬لتحديد مدى والء المواطنين على‬
‫أساس اختبارات في مدى استخدامهم للغة الكازاخية‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫والهجوم على المتحدثين بالروسية في ممارسة تشبه‪ -‬إلى‬
‫حد كبير‪ -‬ممارسات النازيين في ألمانيا‪ ،‬وكان من نتائج هذا‬
‫التخبط أن دخل النظام مع المعارضة في مزايدات قومية‬
‫متبادلة أدت إلى انشقاقات داخلية‪ ،‬وتوتر في العالقات مع‬
‫موسكو‪ ،‬وتلويح من سياسييها بإمكانية التدخل واقتطاع‬
‫أراض من كازاخستان؛ لكونها "هدية" من روسيا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أثارت حماسة نزارباييڤ للعالقة مع أوروبا والواليات‬
‫المتحدة‪ ،‬ودعمه العلني للعالقات مع تركيا في إطار‬
‫قومي‪ ،‬تحت راية مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية‬
‫(‪ ،)CCTS‬مخاوف وانتقادات من السياسيين والباحثين‬
‫الروس؛ لكون هذه الدعوة قد تلقى صدى في الداخل‬
‫الروسي في ظل انتماء غالبية مسلميها إلى أعراق تركية‬
‫من التتر‪ ،‬والبشكير‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫بعد تنازل نزارباييڤ عن الرئاسة‪ ،‬سلمها لخليفته قاسم‬
‫جومارت توكاييڤ‪ ،‬المنتمي إلى المكون القبلي نفسه‬
‫(الجوز األوسط)‪ ،‬واحتفظ لنفسه بمنصب رئيس مجلس‬
‫األمن القومي‪ ،‬المسؤول عن جميع األجهزة األمنية‬
‫واالستخباراتية في البالد‪ ،‬وعين ابنته داريغا نزارباييڤ‪،‬‬
‫رئيسة لمجلس الشيوخ‪ ،‬التي أصدرت قرارا في ‪ 31‬مارس‬

‫‪51‬‬
‫(آذار) ‪ ،7106‬بتغيير اسم العاصمة من آستانا إلى نور‬
‫سلطان‪ ،‬وفي االنتخابات البرلمانية التي أجريت في العاشر‬
‫من يناير (كانون الثاني) ‪ُ ،7171‬أقصيت المعارضة‪ ،‬وفاز‬
‫الحزب الحاكم «نور أوتان» بـ ‪ %20‬من المقاعد‪ ،‬وهو ما بدد‬
‫آخر اآلمال لدى الشعب‪ ،‬وخاصة فئة الشباب‪ ،‬في حدوث‬
‫تغيير‪ ،‬مع ظهور الرئيس السابق إلى جانب الرئيس الحالي‬
‫في عدة مناسبات دولية‪ ،‬وهو ما بدا معه أن توكاييڤ‬
‫مجرد رئيس صوري‪ ،‬وأن النظام ظل كما هو لم يتغير‪ ،‬وهو‬
‫ما دفع الكثيرين إلى اليأس من إمكانية التغيير بشكل‬
‫سلمي‪.‬‬
‫أطراف المعارضة الخارجية‪ ،‬وعلى رأسها المصرفي والوزير‬
‫السابق مختار أبليازوڤ‪ ،‬رئيس حزب "االختيار الديمقراطي‬
‫لكازاخستان"‪ ،‬وجدت في الصراع المشتعل بين روسيا‬
‫والغرب على الحدود األوكرانية‪ ،‬وزيادة أسعار الغاز مع تراجع‬
‫الوضع االقتصادي‪ ،‬وخروج الناس إلى الشوارع‪ ،‬فرصة‬
‫مثالية لتنشيط خالياها النائمة في الداخل‪ ،‬ومحاولة صنع‬
‫فوضى؛ على أمل تلقي دعم من الغرب‪ ،‬وقد نقل أبليازوڤ‬
‫جميع أنشطته السياسية من فرنسا إلى أوكرانيا؛ لإليحاء بأن‬

‫‪52‬‬
‫هناك جبهة غربية موحدة ضد موسكو وحلفائها في‬
‫المنطقة‪ ،‬وهو ما أجج العنف في الشارع‪.‬‬
‫لم يكن ما حدث في كازاخستان‪ -‬كما سلف في مقدمة‬
‫هذه الدراسة‪ -‬مفاجأة للمختصين بالشؤون األوراسية؛ فقد‬
‫كتب المحلل السياسي الروسي نيكيتا مندكوڤيتش‪ ،‬في‬
‫التاسع عشر من ديسمبر (كانون األول) ‪ ،7171‬تقريرا‬
‫مفصال عن "تنامي التنافس على المشاعر القومية‬
‫المعادية لروسيا بين النظام والمعارضة‪ ،‬وتفشي الفساد‬
‫في البالد"‪ ،‬وتحذير الرئيس توكاييڤ‪ ،‬وقد صرح في ذلك‬
‫األمر بالقول‪" :‬يمكن أن يؤدي التقاعس عن مكافحة‬
‫الفساد إلى تنامي المشاعر االحتجاجية والعدمية القانونية‬
‫بين المواطنين"‪ .‬كما توقع مندكوڤيتش أن "يستحوذ‬
‫الحزب الحاكم على األغلبية المطلقة‪ ،‬ورفض المعارضة‬
‫القومية في نواتها لنتائج االنتخابات سلفا‪ ،‬ومحاولة‬
‫استغالل دعم إدارة بايدن للديمقراطية كما تدعي في إثارة‬
‫القالقل في كازاخستان"‪ .30‬كما حذر تقرير صادر من باحثين‬
‫روس وكازاخ‪ ،‬في نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ ،7171‬من "تنامي‬
‫مشاعر السخط العام في كازاخستان بين المواطنين‪،‬‬
‫وإمكانية اشتعال األحداث في أي لحظة"‪.31‬‬

‫‪53‬‬
‫أمر آخر قد يكون من المهم وضعه في الحسبان‪ ،‬وهو‬
‫الصراع الذي بدا واضحا بين النخب الكازاخية‪ ،‬بشأن العالقة‬
‫مع موسكو‪ ،‬وهؤالء لهم مصالحهم‪ ،‬وتصورات أيديولوجية‬
‫وجيوسياسية لبعضهم تدفعهم إلى ذلك مقابل‬
‫مجموعات أخرى مؤيدة لعالقة أوسع مع الغرب‪ ،‬وبدا أن‬
‫فريق الرئيس السابق نزارباييڤ‪ ،‬المهيمن على السلطة حتى‬
‫"شكليا"‪ ،‬لهم عالقات واسعة مع الغرب‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫بعد تركها‬
‫وينسقون المواقف مع الواليات المتحدة‪ ،‬ويحضرون‬
‫أنفسهم لعمل انقالب أبيض على الرئيس الحالي توكاييڤ‬
‫في حال وفاة نزارباييڤ‪ ،‬البالغ من العمر ‪ 80‬عاما‪ ،‬ويتحكم‬
‫فعليا ابنته داريغا وحاشية الرئيس‪ ،‬وهنا تدخلت‬
‫ًّ‬ ‫فيه‬
‫موسكو لدعم توكاييڤ وفريقه الجديد المتعطشين إلى‬
‫ترسيخ سلطتهم وتأمينها‪ ،‬وهو ما يفسر سرعة طلب‬
‫توكاييڤ لتدخل قوات منظمة األمن الجماعي‪ ،‬التي هي‬
‫روسية في األساس‪ ،‬واستجابة موسكو السريعة له‪.‬‬
‫يعتقد مدير معهد التكامل األوراسي‪ ،‬العالم السياسي‬
‫الكازاخي أورازغالي سلتييڤ‪ ،‬أن سر السقوط السريع لقوى‬
‫األمن الكازاخية‪ ،‬يكمن في تخطيط رئيس مجلس الوزراء‬
‫األسبق‪ ،‬ورئيس لجنة األمن القومي‪ ،‬كريم ماسيموڤ؛‬

‫‪54‬‬
‫الذي كان يرتب النقالب على سلطة توكاييڤ‪ ،‬حيث‬
‫تعاظمت قوة ماسيموڤ بفضل إشرافه على جهاز األمن‬
‫القومي‪ ،‬والتحكم فيه‪ ،‬وسط عجز الرئيس السابق نزارباييڤ‬
‫عن متابعة أعماله‪ .‬ونتيجة شيوع الفوضى؛ كان سيتحرك‬
‫تحت ذريعة حماية الدولة من السقوط بتولي السلطة‪.32‬‬
‫من الجدير بالذكر أن السلطات الكازاخية اعتقلت‬
‫ماسيموڤ‪ ،‬يوم السبت ‪ 8‬يناير (كانون الثاني)‪ ،‬ووجهت إليه‬
‫تهمة الخيانة العظمى‪.‬‬

‫االستنتاجات‬

‫الصراع الحالي في كازاخستان لم يكن مفاجئا‪ ،‬وقد بدا أن‬


‫لحظة االنفجار قادمة بعدما تبين أن سلطة نزارباييڤ ما‬
‫زالت مسيطرة‪ ،‬ومع تقدمه في العمر أصبح الفريق الذي‬
‫جمعه حوله طيلة ثالثة عقود هو المهيمن بالفعل على‬
‫مقاليد السلطة‪ ،‬وهو ما خلق إحباطا لدى الرأي العام بشأن‬
‫إمكانية حدوث تغيير‪.‬‬
‫هناك شبه اتفاق بين المراقبين للشأن الكازاخي أن االنهيار‬
‫السريع ألجهزة األمن كان متعمدا‪ ،‬وحمل بعض‬

‫‪55‬‬
‫"المتظاهرين" للسالح كانت خلفه مشاعر غضب من‬
‫بعضهم‪ ،‬وتساهل من السلطات األمنية‪ ،‬وتدبير من بعض‬
‫أطراف المعارضة الخارجية‪.‬‬
‫الرجل القومي كريم ماسيموڤ‪ ،‬رئيس لجنة األمن القومي‪،‬‬
‫الطامح إلى السلطة‪ ،‬هو المتهم األول بمحاولة تدبير هذا‬
‫االنقالب‪ .‬ويتمتع ماسيموڤ بعالقات مميزة مع الجهات‬
‫الغربية‪ ،‬ويعتقد أن لديه اتصاالت مع بعض أطراف‬
‫المعارضة الخارجية‪ ،‬وكان يرتب الستغالل الحدث للصعود‬
‫إلى السلطة‪.‬‬

‫الرجل القوي في النظام كريم ماسيموڤ‪ ،‬رئيس الوزراء األسبق‪ ،‬ورئيس لجنة األمن القومي ‪ -‬المصدر‪:‬‬
‫‪Internetelite‬‬

‫‪56‬‬
‫استغلت موسكو رغبة توكاييڤ وفريقه الحاكم في‬
‫تسلُّ م السلطة الفعلية‪ ،‬وإزاحة منافسيهم من فريق‬
‫نزارباييڤ‪ ،‬الذي ال تثق به‪ ،‬وراهنت على دعم توكاييڤ‬
‫وفريقه‪ ،‬وهو ما يضمن أن تدور كازاخستان في فلك‬
‫موسكو‪ ،‬وهو ما يفسر سرعة طلب توكاييڤ تدخل قوات‬
‫منظمة معاهدة األمن الجماعي (‪ )CSTO‬بعد أقل من ‪27‬‬
‫ساعة من تفجر األوضاع‪ ،‬واستجابة ڤالديمير پوتين لطلبه‬
‫فورا‪ ،‬على الرغم من رفضه طلبا مماثال بالتدخل من‬
‫قرغيزستان عام ‪ ،7101‬فيما تسمى "ثورة أبريل الشعبية"‪،‬‬
‫وكذلك طلب أرمينيا في أثناء حرب ناغورني قره باغ‪/‬‬
‫أرتساخ‪ ،‬عام ‪.7171‬‬

‫‪57‬‬
‫أعمال العنف في شوارع العاصمة التاريخية ألماطي‬

‫حديث الطرفين الروسي والكازاخي عن عصابات‬


‫إرهابية‪ ،‬ووجود "عشرين ألف مقاتل أجنبي"‪ ،‬يبدو مبالغة‬
‫مفهومة لتبرير تدخل قوات منظمة األمن الجماعي‪ ،‬التي‬
‫ينص ميثاقها على التدخل حصرا في حال تعرض دولة عضو‬
‫فيها لعدوان من قوى خارجية‪.‬‬
‫استغلت موسكو الصراع الدائر مع الناتو في أوكرانيا‬
‫لتغذية المشاعر الشعبية بوجود "مؤامرة" غربية‬
‫تستهدفها‪ ،‬واالستدالل على صحة هذا األمر بأحداث‬
‫فعليا‪ ،‬تبدو موسكو في موقع أفضل في ظل‬
‫ًّ‬ ‫كازاخستان؛‬
‫مفاوضاتها مع الواليات المتحدة والناتو للحصول على‬

‫‪58‬‬
‫ضمانات أمنية بشأن التوسع المستقبلي للحلف وحدوده‪.‬‬
‫عبر هذا التدخل تم إزاحة خصومها في كازاخستان‪ ،‬وإرسال‬
‫رسالة إلى قادة بلدان آسيا الوسطى المترددين في حسم‬
‫خيارتهم بأن ضمان استقرار سلطتهم وبلدانهم في يد‬
‫موسكو ال واشنطن‪ ،‬وأن االنفتاح على الغرب لن يجلب‬
‫سوى المتاعب والثورات الملونة‪ ،‬ومدى مصداقيتها في‬
‫دعم حلفائها؛ حيث وقفت إلى جوار لوكاشينكو في‬
‫بيالروس‪ ،‬وهو ما مكنه من الصمود والبقاء في السلطة‪،‬‬
‫وتجاوز األزمة الداخلية‪ ،‬واآلن تتدخل في كازاخستان لفعل‬
‫الشيء نفسه‪.‬‬
‫بفضل هذه األحداث‪ ،‬تمكن الرئيس توكاييڤ‪ ،‬ربما للمرة‬
‫"شكليا"‪ ،‬أن يصبح‬
‫ًّ‬ ‫األولى منذ عام ‪ ،7106‬عام توليه السلطة‬
‫اآلن الرئيس الفعلي للبالد‪ ،‬بعدما أزاح نزارباييڤ من رئاسة‬
‫مجلس األمن القومي‪ ،‬وأزاح كل رجاله من األجهزة األمنية‬
‫األخرى‪ ،‬وأقال الحكومة التي ُفرضت عليه‪ ،‬ويبدو أنها اتخذت‬
‫هذا القرار الغريب في توقيته وطبيعته برفع سعر الغاز ثالثة‬
‫أضعاف إلشعال الموقف‪ ،‬ومن المتوقع أن يقوم توكاييڤ‬
‫بحملة كبرى يوم الثالثاء ‪ 00‬يناير (كانون الثاني) تهدف إلى‬
‫نهائيا‪ ،‬عبر إقاالت واسعة النطاق متوقعة‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫تصفية هذا الفريق‬

‫‪59‬‬
‫الوجود الروسي في كازاخستان يبدو أنه سيطول تحت‬
‫الفتة قوات منظمة معاهدة األمن الجماعي‪ ،‬وستسعى‪،‬‬
‫بالتعاون مع توكاييڤ‪ ،‬إلى إعادة هندسة الوضع السياسي‬
‫الداخلي مع المعارضة‪ ،‬وتقاسم للسلطة ُيشرك القبائل‬
‫األخرى الساخطة في الغرب والجنوب‪.‬‬
‫استقرار األوضاع في كازاخستان‪ ،‬وبعد ما جرى فيها من‬
‫أحداث‪ ،‬يمكن موسكو من أن تبدو في وضع المهيمن‬
‫وصاحب الكلمة العليا فيما يسمى "المجال ما بعد‬
‫السوڤيتي"‪ ،‬بعدما نجحت في جميع االختبارات السابقة‪:‬‬
‫"عولت جورجيا على دعم الغرب في حربها على أوسيتيا‬
‫الجنوبية عام ‪ ،7118‬فتدخل الجيش الروسي وحسم األمر‪،‬‬
‫فعليا أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عنها‪ ،‬وأصحبتا‬
‫ًّ‬ ‫وانفصلت‬
‫مواليتين لموسكو– دعم الغرب ثورة الميدان ‪ 7104‬في‬
‫أوكرانيا‪ ،‬فضمت روسيا القرم أو استعادتها حسب وصفها‪،‬‬
‫وانفصلت منطقة الدونباس‪ ،‬وأصبحت موالية لموسكو–‬
‫تكرر الشيء نفسه في مولدوڤا– اتجهت أرمينيا مع رئيس‬
‫وزرائها الجديد آنذاك باشينيان نحو الغرب فخسرت‬
‫ناغوروني قره باغ‪ /‬أرتساخ‪ ،‬وأخضعته روسيا‪ ،‬وكسبت ود‬
‫أذربيجان‪ ،‬وتمكنت من العودة إلى جنوب القوقاز بقواتها‬

‫‪60‬‬
‫بعد غياب ‪ 31‬عاما– وقفت إلى جوار لوكاشينكو‪ ،‬الذي كان‬
‫يغازل الغرب‪ ،‬فحدثت ثورة ضده‪ ،‬ولم يجد سوى موسكو‬
‫لتدعمه‪ ،‬وحسم خياراته باالندماج معها‪ .‬يتكرر الشيء نفسه‬
‫في كازاخستان؛ ومن ثم تذهب روسيا لتتفاوض مع أمريكا‬
‫والناتو من مركز قوة‪.‬‬
‫فرضية التدخل األمريكي‪ ،‬والترتيب لما حدث‪ ،‬تبدو غير‬
‫منطقية‪ ،‬وغير واقعية‪ ،‬وال وجود لدليل عليها‪ .‬ربما اعتقدت‬
‫بعض أطراف المعارضة الكازاخية في الخارج أنها يمكن أن‬
‫تستغل الوضع الحالي بين روسيا والغرب في حصولها على‬
‫دعم من األخير‪.‬‬
‫أخيرا‪ ،‬يتوقع أن تهدأ األحداث قريبا في كازاخستان‪ ،‬وتترسخ‬
‫سلطة الرئيس توكاييڤ‪ ،‬ويتم المحافظة على وجود‬
‫عسكري روسي في البالد‪ ،‬مع مزيد من التعاون‪ ،‬وتعزيز‬
‫عالقة التحالف التاريخية التي تعرضت لهزات عدة في‬
‫الفترة الماضي‪.‬‬

‫‪61‬‬
1
КАЗАХИ - Большая Российская Энциклопедия, https://w.histrf.ru/articles/article/show/kazakhi
2
Вос­тров В. В., Му­ка­нов М. С. Ро­до­п­ле­мен­ной со­став и рас­се­ле­ние ка­за­хов. (Ко-нец XIX –
на-ча-ло XX в.). А.-А., 1968
3
Central Asia: A Historical Overview - By: Morris Rossabi - The Great Game and its Effect on Local Islamic
Population in Central Asia - Asia Society, https://asiasociety.org/central-asia-historical-overview
4
Казахская Советская Социалистическая Республика - Академик,
https://dic.academic.ru/dic.nsf/ruwiki/36306
5
Перешли границы Как фраза о советском прошлом может поссорить Россию и Казахстан - Никита
Мендкович - Лента - 19 декабря 2020, https://lenta.ru/news/2022/01/08/usa/
6
Евразийский проект Назарбаева - Сергей Пантелеев - Институт Русского зарубежья - 28 май 2020,
https://russkie.org/articles/evraziyskiy-proekt-nazarbaeva-london-moskva-tranzit/
7
Kazakhstan 2020 population according to UN data - Worldometers, https://www.worldometers.info/world-
population/kazakhstan-population/
8
Ethnic Groups, About Kazakhstan - Embassy of Kazakhstan in washington, https://kazakhembus.com/about-
kazakhstan/culture/ethnic-groups
9
Kazakhstan - THE WORLD FACTBOOK - Religions - December 23, 2021, https://www.cia.gov/the-world-
factbook/countries/kazakhstan/
10
Бакенова, Ф. Сугирбаева. — История Казахстана. Изд-во «Мектеп», 2006 г.
11
ШОС и БРИКС: Россия и Казахстан: приоритеты сотрудничества - Центр международной торговли - 13
Мая 2021, https://corp.wtcmoscow.ru/news/rossiya-i-kazakhstan-prioritety-sotrudnichestva/
12
KAZAKHSTAN'S STRATEGIC AND MILITARY RELATIONS WITH RUSSIA - BY: RICHARD ROUSSEAU - JULY 20,
2011, https://www.diplomaticourier.com/posts/kazakhstan-s-strategic-and-military-relations-with-russia
13
Muslims in China - Sheila Hollihan-Elliot - 2006 - Kazakhs in China.
14
‘Our Government Doesn’t Want to Spoil Relations with China’ - By: Reid Standish - The Atlantic - SEPTEMBER
3, 2019, https://www.theatlantic.com/international/archive/2019/09/china-xinjiang-uighur-
kazakhstan/597106/
15
Prominent campaigner for Uyghur rights in Xinjiang barred from Kazakhstan - The Guardian - 7 Sep 2021,
https://www.theguardian.com/world/2021/sep/07/prominent-campaigner-for-uyghur-rights-in-xinjiang-
barred-from-kazakhstan
16
First China-bound freight train of Baku-Tbilisi-Kars railway arrives in Georgia - Agenda - 9 Dec 2020,
https://agenda.ge/en/news/2020/3863
17
Georgia’s Contagious Separatism - By: David Young - Georgian Foundation of Strategic and International
Studies – Javakheti: Georgia’s Contagious Separatism, http://pdc.ceu.hu/archive/00003213/01/javakheti.pdf
18
Half China’s investment in Kazakhstan is in oil and gas - By: Eugene Simonov - China Dialogue - October 29,
2019, https://chinadialogue.net/en/energy/11613-half-china-s-investment-in-kazakhstan-is-in-oil-and-gas-2/
19
The Success of the Shanghai Five: Interests, Norms and Pragmatism - By: Qingguo Jia - COMW,
http://www.comw.org/cmp/fulltext/0110jia.htm
20
Countries and regions, Kazakhstan - European Commission, https://ec.europa.eu/trade/policy/countries-
and-regions/countries/kazakhstan/
21
U.S. Relations With Kazakhstan - US Department and State - JANUARY 20, 2021, https://www.state.gov/u-s-
relations-with-kazakhstan/
22
The Back Channel - William Burns - Page 249.
23
US Relations | Economic Cooperation - Foreign Direct Investment - Embassy of Kazakhstan,
https://kazakhembus.com/us-relations/economic-cooperation/foreign-direct-investment
24
Cooperation Between Kazakhstan and the United States in Military Professionalization Programs - By:
Sebastian Engels - George C. Marshall European Center for Security Studies - March 2018,
https://www.marshallcenter.org/en/publications/occasional-papers/cooperation-between-kazakhstan-and-
united-states-military-professionalization-programs-0

62
25
Всесоюзный референдум о сохранении СССР - Академик,
https://dic.academic.ru/dic.nsf/ruwiki/593#.D0.9A.D0.B0.D0.B7.D0.B0.D1.85.D1.81.D0.BA.D0.B0.D1.8F_.D0.A
1.D0.A1.D0.A0
26
Kazakhstan in Europe: Why Not? - By: Svante E. Cornell and Johan Engvall - October 2, 2017,
https://isdp.eu/content/uploads/2017/10/2017-cornell-engvall-kazakhstan-in-europe-why-not.pdf
27
Relations with Kazakhstan - NATO - 29 Jul. 2021,
https://www.nato.int/cps/fr/natohq/topics_49598.htm?selectedLocale=ka
28
Kazakhstan tests modern Turkish weapons - By: Meiramgul Kussainova - Anadolu Agency - 01.03.2021,
https://www.aa.com.tr/en/asia-pacific/kazakhstan-tests-modern-turkish-weapons/2160963#
29
Путин о Казахстане: «У казахов не было государственности» - Голос Америки - 31 Август, 2014,
https://www.golosameriki.com/a/putin-about-kazahstan-osharov/2434090.html
30
Перешли границы Как фраза о советском прошлом может поссорить Россию и Казахстан - Никита
Мендкович - Лента - 19 декабря 2020, https://lenta.ru/articles/2020/12/19/kazah/
31
https://tengrinews.kz/kazakhstan_news/tokaev-nazval-prichinu-protestnyih-nastroeniy-411748/
32
Политолог рассказал, кто мог готовить переворот в Казахстане - Уразгали Сельтеев - РИА Новости -
08.01.2022 , https://ria.ru/20220108/perevorot-1766936626.html

63

You might also like