Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 24

‫الحضور والغياب في ديوان محمود درويش‬

‫" ال تعتذر عما فعلت "‬

‫د ‪ .‬عبدالخالق عيسى‬
‫جامعة النّجاح الوطنيّة‬
‫فلسطين ـ نابلس‬
‫الملخص‬
‫ّ‬
‫يتناول البحث العناصر الحاضرة ‪ ،‬والعناصر الغائبة في ديوان محمود درويش "ال تعتذر‬

‫ألنه يمثّل انكسار المتخيل ( فلسطين‬


‫السابقة ؛ ّ‬
‫عما فعلت " وهو ديوان مختلف عن دواوينه ّ‬
‫ّ‬

‫ٍ‬
‫متأخر ‪ ،‬ال ينفع فيه‬ ‫(الرحيل ) في وقت‬
‫ال ّذاكرة بمالمحها القديمة ) ‪ ،‬واعترافات بارتكاب ال ّذنب ّ‬

‫االعتذار ‪ ،‬أو جلد ال ّذات ‪.‬‬

‫غنيا بالرموز‪ ،‬واإلحاالت ‪ ،‬واالسترجاع ‪ .‬ومن الشخصيات الحاضرة في‬


‫وبدا الديوان ّ‬

‫بقوة عيسى ـ عليه السالم ـ وجلجامش ‪ ،‬وحمورابي ‪ ،‬وهوالكو ‪ ،‬والمحتل اإلسرائيلي ‪،‬‬
‫الديوان ّ‬

‫الشخصيات وغيرها في‬


‫ّ‬ ‫والرئيس األمريكي األسبق بوش‪ ،‬علما بتناوب واضح بين هذه‬

‫الحضور والغياب لغايات خاصة بمقاصد الشاعر‪.‬‬

‫العالقة بين الحضور والغياب‪:‬‬


‫ثمة نوع ان من العالئق في النص األدبي‪ ،‬عالئق داخلية تتش كل بين العناصر الحاض رة‪،‬‬

‫وأخرى تقوم بينها وبين العناصر الغائبة(‪ ،)i‬وتعد الثانية عالئق معنى ورمز‪ ،‬فهذا الدال يدل على‬

‫ذلك الم دلول‪ ،‬وه ذه الحقيقة تس تدعي أخ رى‪ ،‬والحادثة مركز الفك رة‪ .‬أما عالئق الحض ور فهي‬

‫ذات بعد تصويري وتكويني‪ ،‬حيث تتوالى فيها األحداث وتتشكل الشخصيات بوصفها مجموعة‬

‫متقابلة متدرجة‪ ،‬ال رموزاً‪ ،‬وتتآلف الكلمات بقوة البنية ال باإليحاء‪.‬‬

‫وال شك أن عالئق الحض ور في األدب تقابل العالئق الس ياقية في علم اللغة(‪،)2‬وقد تك ون‬

‫عالئق الغي اب ذات ص فة تبادلية مع وح دات أخ رى مش ابهة لها داللي اً أو اش تقاقياً‪ ،‬أما عالئق‬

‫الحض ور فقد تك ون ذات ص فة تتابعية مع الوح دات المج اورة له ا‪ ،‬ال تي تس بقها أو تلحقها ‪،‬في‬

‫الخط اب الملف وظ‪ ،‬ذلك أن اإلش ارة ال تكتسب معناها من ذاته ا‪ ،‬بل من مجمل العالق ات ال تي‬

‫تقيمها مع بقية اإلشارات(‪.)ii‬‬

‫وقد تك ون البص مات واآلث ار والرس وم دالة على الحض ور " ف األرض الموحلة ترتسم‬

‫عليها ح دوة الحص ان‪ ،‬وعنف إيق اف الس يارة ي ترك على الطريق المبلطة خطا أس ود‪ ،‬وأحمر‬

‫الش فاه ال ذي يل ون ( فل تر ) الس يجارة ي دل على حض ور أنث وي بين م دعوي حفلة س اهرة‪ ،‬وبقايا‬

‫األواني الفخارية أو األس لحة أو األدوات ال تي يع ثر عليها ع الم اآلث ار تس اعده على تحديد كيفية‬

‫تعاقب الجماعات اإلنسانية على المكان الذي يمارس فيها حفرياته "(‪.)iii‬‬

‫والحض ور عند التفكيك رهينة مرئي ة‪ ،‬والغي اب ظالله الكثيفة الغ ائرة(‪ ،)iv‬وتب دأ مس تويات‬

‫الحض ور والغي اب بالج دل ض من أفق االختالف وذلك حين يمد ال دال ب دالئل ال نهائية من‬

‫المدلوالت التي توفرها الكتابة(‪.)v‬‬

‫الديوان‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫قوة القصيدة الدرويشية تنبع من قوة الحدث التاريخي‪ ،‬وإ ّن الثورة والمأساة منذ عهد‬
‫إن ّ‬
‫ّ‬

‫أفالطون طريقان إلى الحرية‪ ،‬وحقائق الوجود الجوهرية(‪.)vi‬‬

‫والخطاب في هذا الديوان يعتمد ركنين أساسيين‪ ،‬هما الحضور والغياب‪ ،‬ولع ّل الحضور‬

‫األبرز كان حضور الفلسطيني‪ ،‬والغياب األوضح كان غياب اإلسرائيلي‪ ،‬ويمكن أن نقول إن‬

‫هذه هي أيديولوجيا النص‪ ،‬أما بقية العناصر فهي انعكاس لهذين الركنين‪ ،‬إذ تنمو النصوص‬

‫باستقطاب الوحدات الثانوية في حركة من الزمان إلى المكان‪ ،‬ومن الحالة إلى الموقف‪ ،‬ومن‬

‫الحلم الرومانسي إلى الواقع المؤلم‪ ،‬وتتحرك في عالقات تتوحد فيها الذات في المجموع في‬

‫نهج مأساوي‪.‬‬
‫ٍ‬

‫ويجري التعبير في القصيدة بضمير المتكلم الفردي‪ ،‬وهو هنا يمثل الضمير الجماعي‪ ،‬إذ‬

‫من صفة الجماعة التي تحمل قضية أن تنأى في حركتها التاريخية عن الفردي والذاتي‪ ،‬لتنهج‬

‫وجه الشاعر‪ ،‬هو نافذة إلى الذات في صراع‬


‫النهج الجمعي والموضوعي‪ .‬وضمير المتكلم الذي ّ‬

‫الجماعة مع الحصار والموت(‪.)vii‬‬

‫ويغدو الديوان في مجمله محاكمةً للذات المذنبة التي انفصلت عن المكان‪ ،‬ثم عادت‬
‫(‪)viii‬‬
‫وهذا ما يدفعنا لوصفه " سيرة شخصية " بكل ما‬ ‫وتغير المكان‬
‫تغير فيها اإلنسان‪ّ ،‬‬
‫إليه‪،‬وقد ّ‬

‫يعني الوصف‪ .‬وقد ذهب درويش نفسه إلى هذا في قوله(‪:)ix‬‬

‫ربما‬
‫أمشي على هدي البصيرة‪ّ ،‬‬

‫أعطي الحكاية سيرة شخصية‬

‫نصه مفتوحاً‬
‫عبر عن تجربة مع الحقيقة‪ ،‬وجاء ّ‬
‫يحول الجرح إلى وردة‪ ،‬بل ّ‬
‫ودرويش لم ّ‬

‫على نصوصه السابقة من جهة‪ ،‬وعلى نصوص غيره من جهة ثانية‪ ،‬ومع ذلك بدا جديداً في‬

‫‪3‬‬
‫قالبه وإ يحاءاته‪ ،‬منسجماً مع قول ( هرقليطس )‪ّ :‬إنك ال تستحم في ماء النهر نفسه مرتين؛ ألن‬

‫ماء جديداً دائماً يجري من حولك!‬


‫ً‬

‫وعلى الرغم من وجود تقاطعات كثيرة بين ما ورد في هذا الديوان‪ ،‬وأعمال درويش‬

‫السابقة‪ ،‬فإن زيارة األمكنة والناس‪ ،‬ونبش الذكريات جعلت قريحته تتفتح على رؤيا جديدة‪ ،‬فهو‬

‫يرفض االعتذار من البئر الذي هو جزء من ذكرياته‪ ،‬بل ويمثل أطواراً مهمة من حياته‪ .‬واألم‬

‫عنده تستعد للغناء على طريقها‪،‬يقول(‪:)x‬‬

‫إنني هو ‪:‬فاستعدت للغناء‬

‫على طريقتها‬

‫أنا األم التي ولدته‬

‫ربته‬
‫لكن الرياح هي التي ّ‬
‫ّ‬

‫قلت آلخري‪ :‬ال تعتذر إال ألمك‪.‬‬


‫ُ‬

‫إنها مرحلة من حياة الشاعر لم تحددها التجربة أو السنون‪ ،‬وإ نما حددها هاجس الموت‪،‬‬

‫طر لإلنسان اآلن أسفار تكوينه‪ ،‬وأساطير بوحه ورموز تطلعاته‪.‬‬


‫ألنه يس ّ‬

‫وبؤرة الديوان ومركزه سؤال كبير‪ :‬هل ثمة حكاية ٍ‬


‫لعائد من الموت يختاره اإليقاع‪،‬‬

‫فتصير عنده حكمة المحكوم باإلعدام‪ ،‬حين تكتب له حياةٌ أخرى‪ ،‬وماذا عن بذور الحكاية؟‬

‫للتجدد‬
‫ّ‬ ‫طل القدرة على الفعل والتغيير‪ ،‬ولم يعد الزمن قابالً‬
‫إن غيابه عن أرضه ع ّ‬
‫ّ‬

‫واالنبعاث‪ ،‬وغدا الحاضر بظلمه وقسوته معادالً موضوعياً لالحتالل ووحشيته‪.‬‬

‫ولجأ درويش إلى مزج األزمنة ( الزمن الماضي ‪ /‬زمن العودة ‪ /‬زمن الكتابة )‪ ،‬لتتحول‬

‫القصيدة إلى فعل إنساني يحاول أن يزيل صدأ النفس وتثلم الفكر‪ ،‬والنزوع إلى ُب ْع ٍد تطهيري‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫جغرافية األحداث وتاريخها‪ ، ،‬لتشمل معاناة شعب بأسره على المستوى‬
‫ّ‬ ‫عميق الحضور في‬

‫التاريخي واإلنساني‪.‬‬

‫فاألنا الدرويشية تستوعب أنا الفلسطيني عامةً‪،‬وتشير إلى التحامه مع الذكرى في عالقة‬

‫توأمة ال انفصال معها‪ ،‬يقول(‪:)xi‬‬

‫أنا رجع الكمان‪ ،‬ولست عازفه‬

‫أنا في حضرة الذكرى‬

‫صدى األشياء تنطق بي‬

‫مع ذلك فهو يعترف بأن السلطة على المكان ليست له‪ ،‬فهو ال يعدو رجع الكمان‪.‬‬

‫ويحاول من خالل حضور الكمان والعازف تجسيد مفارقة كبيرة بين اإلنساني‬

‫والالإنساني‪ ،‬إذ تصير األناشيد واألغاني‪ ،‬وتعاليم المغنيين بأيدي األعداء من أجل سفك الدماء‬

‫والتدمير‪ ،‬وتُجعل أدوات العزف التي تدعو إلى الرحمة‪ ،‬غاية للقتل‪.‬‬

‫وتتحقق األبعاد الداللية في مجال التناص من خالل الصدى بصفته داالً على الزمن‬

‫كف عن التأثير في الحاضر(‪.)xii‬‬


‫الماضي المنقطع الذي ّ‬

‫صدر ديوانه بلقاءين‪ ،‬لقاء بالماضي العربي البعيد من خالل أبي تمام‬
‫واتصاالً بالمكان ّ‬

‫في قوله(‪:)xiii‬‬

‫أنت ِ‬
‫أنت‬ ‫ال ِ‬

‫ديار‬
‫الديار ُ‬
‫ُ‬ ‫وال‬

‫ولقاء بالحاضر الغربي القريب من خالل الشاعر اإلسباني ( لوركا ) في قوله‪:‬‬

‫واآلن‪ ،‬ال أنا أنا‬

‫وال البيت بيتي‬

‫‪5‬‬
‫لكن تلك‬
‫ويبدو الجمع في ظاهره غريباً‪ ،‬يحم ُل معه استفهاماً كبيراً‪ ،‬ودهشةً مشروعةً‪ّ ،‬‬

‫الغرابة تزول والدهشة تتالشى عندما نتعرف إلى شكل التواصل الذي يربطنا بلوركا‪.‬‬

‫ِ‬
‫بعروبة لوركا‬ ‫يقول بابلو نيرودا‪ :‬لقد كان لوركا نتاجاً عربياً أندلسياً‪ ،‬لهذا آمنت‬

‫اإلسباني األندلسي(‪.)xiv‬‬

‫ِ‬
‫قراءة التاريخ األندلسي والموشحات‬ ‫أن أوغلت في‬
‫أما عز الدين المناصرة فقال‪ " :‬بعد ْ‬

‫األندلسية‪ ،‬وعشت في مدينة تلمسان ( األندلسية )‪ ،‬وزرت مدينة فاس المغربية ( األندلسية )‬

‫ومدينة طنجة‪ ،‬وعشت في تونس وقسنطينة ‪ …،‬أصبح لوركا أقرب إلى روحي الشعرية‪ ،‬وكان‬

‫الغناء الغرناطي في تلمسان ووجده يحركان مشاعري باتجاه طفولتي مع قصائد لوركا "‪.‬‬
‫ُ‬

‫ونقترب أكثر من روح لوركا عندما ننظر في أولى قصائده التي تُرجمت إلى العربية‪،‬‬

‫ويقول فيها(‪:)xv‬‬

‫قرطبة وحيدة وبعيدة‬

‫قمر كبير‪ ،‬زيتون في خرجي‬


‫مهر سوداء‪ٌ ،‬‬
‫ُ‬

‫عرفت الدروب ُكلّها‬


‫ُ‬ ‫حتى لو‬

‫لن أصل أبداً إلى قرطبة‬

‫وي ْذكر أن أحد الصحافيين العرب شبه الثالثي الفلسطيني ( درويش ومعين بسيسو‪،‬‬
‫ُ‬

‫وعز الدين المناصرة ) خالل حصار بيروت عام ‪1982‬م‪ ،‬بالثالثي ( لوركا ونيرودا‪ ،‬وإ لبرتي‬

‫) (‪.)xvi‬‬

‫ولع ّل تشابه التجربة عند درويش ولوركا السبب األهم في استحضار هذه الشخصية‪- ،‬‬

‫خاصة إذا ما علمنا أن لوركا سجن واضطهد وأعدم ‪ -‬دون أن يؤثّر ذلك في خصوصية األول‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫إرضاء لروح لوركا‪ ،‬أو ليقال إنهم أحفاد‬
‫ً‬ ‫أو أن يكون على طريقة من يكتبون قصائد لوركية‬

‫لوركا‪ ،‬على حد تعبير د‪ .‬عز الدين المناصرة‪.‬‬

‫فضالً عن ذلك فقد آمن درويش بالصلة الوثيقة بين الخصوصية والعالمية‪ ،‬وفي بعض‬

‫وتوحدت المشاعر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األحيان يغدو الفصل غير منطقي خاصة إذا ما تشابهت التجربة‬

‫ويحاول الشاعر – من خالل استدعاء الشخصية – البحث عن األسرار الدفينة‪،‬‬

‫تتحول هذه اإللماعات واإلشارات إلى‬


‫والدالالت الكاشفة عن عمق المأساة اإلنسانية‪ ،‬وغالباً ما ّ‬
‫بؤر إشعاع داللي يؤكد حضورها في سياق القصيدة‪ِّ ،‬‬
‫ويمك ُن للتجربة بعدها اإلنساني ويمنحها‬

‫العمق والغنى والتكثيف(‪.)xvii‬‬

‫وثمة نصوص غائبة أخرى‪ ،‬وهي نصوص يتم استحضارها وتحويلها في الممارسة‬

‫والتحول حسب درجة وعي الكاتب أو الشاعر بعملية‬


‫ّ‬ ‫التبدل‬
‫النصية بحيث تتبع مسار ّ‬

‫الكتابة(‪ ،)xviii‬ومنها التقاطع مع قول المعري‪:‬‬

‫ٍ‬
‫آلت بما لم تستطعه األوائ ُل‬ ‫وإ ني وإ ن كنت األخير زمانه‬

‫في قوله(‪:)xix‬‬

‫األخير‪،‬‬
‫َ‬ ‫كنت‬
‫وأنا‪ ،‬وإ ْن ُ‬

‫وجدت ما يكفي من الكلمات‬


‫ُ‬

‫رسم‬
‫كل قصيدة ٌ‬

‫سأرسم للسنونو اآلن خارطة الربيع‬

‫وقد يكون هذا التوظيف إنما هو من قبيل الهروب من هذا الواقع والبحث عن بديل‬

‫يحمل معه جسداً آخر‪ ،‬وعقالً آخر‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ومنها أيضاً قوله(‪:)xx‬‬

‫الذبابة حول سقراط‬

‫السحابة فوق أفالطون‬

‫ديوان الحماسة‬

‫صورة األب‬

‫معجم البلدان‬

‫شكسبير‬

‫األشقاء الثالثة‪ ،‬والشقيقات الثالث‪.‬‬

‫ومن الشخصيات الحاضرة الغائبة شخصية نيرودا في قوله(‪:)xxi‬‬

‫في دار بابلو نيرودا‪ ،‬على شاطئ‬

‫رت يانيس ريتسوس‬


‫الباسفيك‪ ،‬تذ ّك ُ‬

‫في بيته‪ .‬كان في ذلك الوقت يدخ ُل‬

‫إحدى أساطيره‪ ،‬ويقول إلحدى اإللهات‬

‫ٍ‬
‫رحلة‪ ،‬فلتكن‬ ‫إن كان ال ُب ّد من‬

‫رحلةً أبدية!‬

‫أن مسار النص نحو هذه االستحضارات يتّخذ بعداً جديداً في فهمه‪ ،‬ويجعلنا‬
‫وال شك ّ‬

‫نخلص إلى انبثاق الحياة من الموت‪ ،‬والسعي إلى تخليص الدنيا بأجمعها من الظلم الذي لحق‬

‫بها‪ ،‬خاصة إذا ما وقفنا على سيرة الشاعر بابلو نيرودا الذي قضى حياته مدافعاً عن وطنه‬

‫بآرائه الجريئة ومواقفه البطولية(‪.)xxii‬‬

‫‪8‬‬
‫ويلجأ إلى أسطرة الفلسطيني‪ ،‬واالرتفاع به عن مستوى البشر‪ ،‬ولهذا يستحضر شخصية‬

‫الرسول عليه السالم‪ ،‬في قوله(‪:)xxiii‬‬

‫لكني‬
‫أنا ال أنا في حضرة المعراج‪ّ .‬‬

‫محمد‬
‫ٌ‬ ‫أفكر‪ :‬وحده‪ ،‬كان النبي‬

‫يتكلم العربية الفصحى‪ " .‬وماذا بعد؟ …‬

‫صاحت فجأةً‪ .‬جنديةٌ!‬


‫ْ‬ ‫ماذا بعد؟‬

‫هو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟‬

‫ونسيت‪ ،‬مثلك‪ ،‬أن أموت‪.‬‬


‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬قتلتني ‪..‬‬
‫ُ‬

‫وفي السياق نفسه استطاع أن َي ْعُبر إلى قصة يوسف عليه السالم‪ ،‬وأن يحملها دالالت‬

‫تُ َعّبر عن اإلنسان المقهور الذي يئن تحت ظلم الطغاة‪ ،‬يقول(‪:)xxiv‬‬

‫وقلت‬
‫ُ‬ ‫قرأت ٍ‬
‫آيات من الذكر الحكيم‪،‬‬ ‫ُ‬

‫للمجهول في البئر‪ ،‬السالم عليك يوم‬

‫قتلت في أرض السالم‪ ،‬ويوم تصعد‬

‫من ظالم البئر حياً "!‬

‫فاإلشارة التي تُستدعى مع حضور يوسف عليه السـالم والبئر ترتبط بمعاني النفي‬

‫والترحال والوحدة والفراغ‪ ،‬وتلتقي بأبعادها مع البحث عن أســرار الوجود‪ ،‬وربمـا تُتخذ ( البئر‬

‫القديمة ) إشارة أخرى إلى ( الجماعة ) أو الذاكرة البشرية‪ ،‬وما توحي به من صورة االمتالء‬

‫بأسرار الحياة األولى(‪.)xxv‬‬

‫واإلكثار من االستحضار طريقة عبر بها الشاعر عن المراحل المتعددة واألماكن‬

‫بماضيها وحاضرها‪ ،‬فلم تعد السيرة عنده سيرة عادية‪ ،‬أو حتى سيرة نضالية شخصية‪ ،‬بل سيرة‬

‫‪9‬‬
‫شعب ووطن تعرض لالحتالل والزوال‪ ،‬فكانت مراحل حياته تاريخاً حافالً بنهوضه ضد‬

‫التالشي والموت(‪.)xxvi‬‬

‫الحسية للمكان سيؤدي إلى‬


‫ّ‬ ‫والتحديق والبحث في الماضي‪ ،‬وحضور الموت عبر المعرفة‬

‫األعماق‪ ،‬والوصول إلى الوصف الدقيق للمكان‪ ،‬وما حدث عليه من قتل وتدمير‪ ،‬ولهذا يبدأ‬

‫بالتاريخ منذ آدم عليه السالم‪ .‬ويلح على خطيئتة في قوله(‪:)xxvii‬‬

‫تلك بالدنا ُحْبلى بنا ‪ ..‬فمتى ُولدنا؟‬

‫تزوج آدم امرأتين؟ ْأم ّأنا‬


‫هل ّ‬

‫مرةً أخرى‬
‫سنولد ّ‬

‫لكي ننسى الخطيئة‬

‫ثم في قوله(‪:)xxviii‬‬

‫مت القراءةَ‬
‫أنا آدم الثاني‪ :‬تعلّ ُ‬

‫والكتابةَ من دروس خطيئتي‪،‬‬

‫وغدي سيبدأ من هنا‪.‬‬

‫فآدم عليه السالم ترك الجنة ودرويش ترك فلسطين‪ ،‬والثاني سيتعلم من دروس خطيئته‪،‬‬

‫والهدف إبراز الخطيئة األولى في حياة البشرية وتصوير السقوط الذي تعيشه‪ ،‬فما يظهر اآلن‬

‫المحرمة‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫ابتداء من مخالفة آدم عليه السالم‪ ،‬وإ قباله على الشجرة‬
‫ً‬ ‫استمرار للخطايا السالفة‪،‬‬
‫ٌ‬

‫قتل قابيل ألخيه هابيل‪.‬‬

‫وربما يكون الموقف اإلنساني الذي يتجلى في مواقف بعض الشخصيات التوراتية من‬

‫الدوافع التي حدت بدرويش السعي الستحضارها وإ براز أبعادها ومنها شخصية عيسى المسيح‬

‫سيما أن التساؤالت التي يطرحها الحضور والمتصلة بأسباب انتصار الظلم على‬
‫عليه السالم‪ ،‬ال ّ‬

‫‪10‬‬
‫العدل‪ ،‬والشر على الخير‪ ،‬كانت شديدة التشابه بالتساؤالت التي تساور نفس درويش(‪،)xxix‬‬

‫يقول(‪:)xxx‬‬

‫الشتوي‬
‫ّ‬ ‫وسوف أحم ُل للمسيح حذاءه‬
‫َ‬

‫كي يمشي‪ ،‬ككل الناس‪.‬‬

‫من أعلى الجبال … إلى البحيرة‬

‫استحضار لفعل يهوذا الذي خان معلمه‬


‫ٌ‬ ‫وقد يكون في استحضار المسيح عليه السالم‬

‫المسيح وسلمه ألعدائه بثمن بخس(‪.)xxxi‬‬

‫ويتنامى نص درويش مع الملحمة األسطورية البابلية‪ ،‬مشيراً إلى بطلها جلجامش‪ ،‬وما‬

‫تفيده تلك اإلشارة من الوصول إلى جوهر القضايا اإلنسانية التي ترتبط بهذه الشخصية الرمزية‪،‬‬

‫وما تحمله من محاوالت اإلنسان األولى في البحث عن أسرار الوجود‪ ،‬وبخاصة مشكلة‬

‫بالسر المحال‬
‫ّ‬ ‫المصير‪ ،‬والتفكير المخيف في الخالص من شبح الموت الذي يطارده والتعلق‬

‫بطلب الخلود‪ .‬واستحضار جلجامش فيه إيماء إلى تلك المحاوالت اإلنسانية التي ال تجد لها‬

‫تفسيراً واضحاً في الوجود‪ ،‬ولكنها مفعمةٌ بأسرار الحياة ممتلئة باألمل والخوف اإلنسانيين‬

‫معاً(‪ ،)xxxii‬يقول(‪:)xxxiii‬‬

‫دى‪:‬‬
‫السياب‪ ،‬يصرخ في الخليج ُس ً‬
‫أتذكر ّ‬
‫ُ‬

‫" عراق‪ ،‬عراق‪ ،‬ليس سوى العراق … "‬

‫يرد سوى الصدى‪.‬‬


‫وال ّ‬

‫السومري‬
‫ّ‬ ‫أتذكر السياب‪ ،‬في هذا الفضاء‬
‫ّ‬

‫تغلبت أنثى على عقم السديم‬

‫وأورثتنا األرض والمنفى معاً‬

‫‪11‬‬
‫ولد في العراق‬
‫الشعر ُي ُ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫السياب … ّ‬
‫َ‬ ‫أتذكر‬
‫ُ‬

‫فكن عراقياً لتصبح شاعراً يا صاحبي!‬

‫أتذكر السياب‪ ،‬لم يجد الحياة كما‬

‫يفكر‬
‫تخي َل بين دجلة والفرات‪ ،‬فلم ّ‬
‫ّ‬

‫مث َل جلجامش بأعشاب الخلود‬

‫ولم يفكر بالقيامة بعدها‪.‬‬

‫وقصيدة درويش هذه ( أتذ ّكر السياب ) تحم ُل في سطورها الصرخة التي احتبست في‬

‫تنصله منه‪ ،‬فعاد واغترب من جديد‬


‫تبدل‪ ،‬وأعلن ّ‬
‫صدر درويش بعد لقائه بالمكان المتخيل‪ ،‬وقد ّ‬

‫اغتراباً سرمدياً‪.‬‬

‫ويتجسد حضور السياب في صوته وهو يردد‪ :‬عراق‪ ،‬عراق‪ ،‬ليس سوى عراق‪ ،‬ثم‬

‫غياب األثر والفعل‪:‬وال يرد سوى الصدى ‪ ،‬وثمة في القصيدة شخصيات أخرى حاضرة‪،‬‬

‫وشخصيات غائبة‪ :‬فالسياب يقابله جلجامش وحمورابي‪ ،‬والعرب يقابلهم هوالكو‪ .‬وبمحاولة‬

‫إن السياب لم يتخل عن العراق ليبحث عن نعيم خارجه‪ ،‬كما فعل‬


‫الموزع نقول‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫لفهم الحضور‬

‫جلجامش وهو يبحث عن أعشاب الخلود‪ ،‬وجلجامش في النص هو محمود درويش نفسه الذي‬

‫وارتد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ترك وطنه ليجد األفضل خارجه‪ ،‬وكالهما فشل‪،‬‬

‫لذا فالشخصية الحاضرة الباقية التي حملت الوجه المشرق هي شخصية السياب‪ ،‬وألجل‬

‫ذلك فإذا أردت أن تكون شاعراً فعليك أن تكون عراقياً – كما يقول درويش ‪ ،-‬في حين حمل‬

‫جلجامش الوجه السلبي المقابل‪.‬ويماثل السياب في الحضور حمورابي الذي سعى بشرائعه إلى‬

‫أن يغطي سوءة حاضره‪ ،‬وكالهما كان أمالً لغيره‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ورمز به إلى بوش وجيشه ‪،‬في مقابل حضور‬
‫ويفضي النص إلى حضور هوالكو‪ُ ،‬‬

‫العرب وغياب دورهم‪ .‬وفي الحضور األخير مفارقة مؤلمه بين الواقع والواجب‪ ،‬إذ تصل‬

‫األمور إلى أن نجد العربي يهيئ الطعام ويحمل الماء ليصب على أيدي األعداء التي تلطخت‬

‫بدمائنا‪ ،‬يقول(‪:)xxxiv‬‬

‫(?) صالح فضل‪ ،‬نظرية البنائية في النقد األدبي‪،‬مكتبة األنجلو المصرية ‪،‬مطبعة األمانة‪،‬‬ ‫‪i‬‬

‫‪، 1978‬ص‪.228‬‬
‫(‪ )1‬عبد اهلل إبراهيم وآخران‪ :‬معرفة اآلخر‪،‬مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة‪ ،‬المركز‬ ‫‪ii‬‬

‫الثقافي العربي ‪،‬بيروت ‪ ،‬ط‪، 1996، 2‬ص‪. 45،46‬‬


‫(‪)2‬السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬ ‫‪iii‬‬

‫((‪3‬السابق‪ ،‬ص‪.116‬‬ ‫‪iv‬‬

‫(‪)3‬السابق‪ ،‬ص‪.120‬‬ ‫‪v‬‬

‫(?) أفنان القاسم‪ :‬مسألة الشعر والملحمة الدرويشية‪ ،‬محمود درويش في مديح الظل العالي‪،‬‬ ‫‪vi‬‬

‫عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1987 ،1‬ص‪.17‬‬


‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.90‬‬ ‫‪vii‬‬

‫(?) عادل األسطة‪ :‬دراسة في ديوان محمود درويش " ال تعتذر عما فعلت " األسوار‪ ،‬عكا‪،‬‬ ‫‪viii‬‬

‫عدد ‪ ،2005 ،27‬ص‪.257‬‬


‫عما فعلت‪ ،‬رياض الريس للكتب والنشر‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص‬
‫(?) محمود درويش‪ :‬ال تعتذر ّ‬
‫‪ix‬‬

‫‪.72‬‬
‫(?) السابق‪.26 ،‬‬ ‫‪x‬‬

‫(?) السابق‪.15 ،‬‬ ‫‪xi‬‬

‫(?) جم ال الرف اعي‪ :‬أثر الثقافة العبرية في الش عر الفلس طيني المعاصر – دراسة في ش عر‬ ‫‪xii‬‬

‫محمود درويش‪ ،‬دار الثقافة الجديدة‪ ،‬القاهرة‪ ،1994 ،‬ص‪.35‬‬


‫(?) ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪xiii‬‬

‫(?) عز ال دين المناص رة‪ :‬ه امش النص الش عري‪ ،‬مقارب ات نقدية في الش عر والش عراء‬ ‫‪xiv‬‬

‫والشعريات‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،1999 ،‬ص‪.241‬‬


‫(?) السابق‪.239 ،‬‬ ‫‪xv‬‬

‫(?) السابق‪.238 ،‬‬ ‫‪xvi‬‬

‫‪13‬‬
‫أتذكر السياب‪ ،‬يأخذ عن حمورابي‪.‬‬

‫الشرائع كي يغطي سوءةً‬

‫ويسير نحو ضريحه متصوفاً‬


‫ُ‬

‫بالح ّمى‬
‫أصاب ُ‬
‫ُ‬ ‫أتذكر السياب‪ ،‬حين‬

‫(?) أحمد ج بر ش عث‪ :‬األس طورة في الش عر الفلس طيني المعاص ر‪ ،‬مكتبة القادس ية للنش ر‪،‬‬ ‫‪xvii‬‬

‫فلسطين‪ ،‬خان يونس‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص‪.197‬‬


‫(?) محمد ب نيس‪ ،‬حداثة الس ؤال – بخص وص الحداثة العربية في الش عر والثقاف ة‪ ،‬المركز‬ ‫‪xviii‬‬

‫الثقافي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1988 ،2‬ص‪ ،86-85‬شربل داغر‪ :‬التناص سبيالً إلى‬
‫دراسة النص الشعري وغيره‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬العدد األول‪ ،‬صيف ‪ ،1997‬ص‪.130‬‬
‫(?) ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص‪.21‬‬ ‫‪xix‬‬

‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.26 ،25‬‬ ‫‪xx‬‬

‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.156‬‬ ‫‪xxi‬‬

‫(?) إبراهيم نمر موسى‪ :‬آفاق الرؤيا الشعرية‪ ،‬ص‪.43‬‬ ‫‪xxii‬‬

‫(?) ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص‪.48‬‬ ‫‪xxiii‬‬

‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.34‬‬ ‫‪xxiv‬‬

‫(?) رج اء عي د‪ :‬الق ول الشعري‪ ،‬منظ ورات معاص رة‪ ،‬منش أة المع ارف‪ ،‬اإلس كندرية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪xxv‬‬

‫ص‪.227‬‬
‫(?) أحمد جبر شعث‪ :‬األسطورة في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬ص‪.259‬‬ ‫‪xxvi‬‬

‫(?) ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص ‪.42‬‬ ‫‪xxvii‬‬

‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.54‬‬ ‫‪xxviii‬‬

‫الرف اعي‪ :‬أثر الثقافة العبرية في الش عر الفلس طيني المعاصر – دراسة في ش عر‬
‫(?) جم ال ّ‬
‫‪xxix‬‬

‫محمود درويش‪ ،‬ص‪.35‬‬


‫(?) ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪xxx‬‬

‫(?) أحمد جبر شعث‪ :‬األسطورة في الشعر الفلسطيني الحديث‪ ،‬ص‪.221‬‬ ‫‪xxxi‬‬

‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.204‬‬ ‫‪xxxii‬‬

‫(?) التعتذرعما فعلت ‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫‪xxxiii‬‬

‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.122‬‬ ‫‪xxxiv‬‬

‫‪14‬‬
‫يعدون العشاء‬
‫وأهذي‪ :‬إخوتي كانوا ّ‬

‫خدم سواهم‬
‫لجيش هوالكو … وال ُ‬

‫رب غضب‬
‫أن ال ّ‬
‫ويوقظ درويش بعض الرم وز التوراتية األخ رى‪ ،‬ومنها س دوم‪ ،‬وفيها ّ‬

‫ودمرها‪ ،‬كما ورد في سفر إشعياء(‪.)xxxv‬‬


‫على تلك المدينة لفسادها فأهلك أهلها ّ‬

‫وحض ور س دوم يرمز إلى الخ راب وال دمار والغضب اإللهي على اإلنس ان‪ ،‬ويكشف ما‬

‫ح َّل بالحاضر الق ريب على أي دي الغ زاة الج دد‪ .‬وبعثها من جديد ينقلها من الداللة الرمزية القديمة‬

‫يقول(‪:)xxxvii‬‬ ‫(‪)xxxvi‬‬
‫إلى دالالت الضياع والتفكك الذي آل إليه واقع العالم العربي‬

‫األبدي‬
‫ِّ‬ ‫تطير بي لغتي إلى مجهولنا‬
‫ُ‬

‫إن‬
‫خلف الحاضر المكسور من جهتين‪ْ :‬‬

‫تنظر وراءك توقظ سدوم المكان على‬

‫خطيئته ‪ ...‬وإ ْن تنظر أمامك توقظ‬

‫التاريخ‪ ،‬فاحذر ْلدعة الجهتين ‪ ...‬واتبعني‬

‫سأمكث عند تونس بين‬


‫ُ‬ ‫أقول لها‪:‬‬

‫منزلتين‪ :‬ال بيت هنا بيتي‪ ،‬وال‬

‫منفاي كالمنفى‬

‫المقدس‪ ،‬العهد القديم‪ ،‬إصحاح‪ ،1‬ص‪.992‬‬


‫(?) انظر الكتاب ّ‬
‫‪xxxv‬‬

‫(?) أحمد جبر شعث‪ :‬األسطورة في الشعر الفلسطيني المعاصر‪ ،‬ص‪.206‬‬ ‫‪xxxvi‬‬

‫عما فعلت‪ ،‬ص‪.114‬‬


‫(?) ال تعتذر ّ‬
‫‪xxxvii‬‬

‫‪15‬‬
‫(‪)xxxviii‬‬
‫وهو بالتالي‬ ‫والليل في ديوانه قليل الحضور؛ ألنه كما يوصف بشاعر أفعال النهار‬

‫ش اعر متفائل يت ابع خي وط الش مس ح تى مغيبه ا‪ ،‬مع ذلك فحالة القلق ال تي يعيش ها‪ ،‬والح زن ال ذي‬

‫سيطر عليه دفعه إلى استحضاره في قوله(‪:)xxxix‬‬

‫فيجرحني هواء البحر ‪ ...‬مسك الليل يجرحني‪،‬‬

‫وعقد الياسمين على كالم الناس يجرحني‪،‬‬

‫ويجرحني التأمل في الطريق اللولبي إلى ضواحي‬

‫األندلس‬

‫لبث دماء األس ئلة‬


‫ومن رموز درويش المعروفة البداية والنهاية‪ ،‬وهي تأتي غالباً كأوردة ّ‬

‫وأن درويش ش اعر س ؤال من الط راز األول‪ ،‬وقد ي أتي به ذا الرمز لكي يفتح لنا‬
‫فيه ا‪ ،‬خاصة ّ‬

‫النوافذ على الحيرة والتساؤل الدائم عن أسرار ما يدور حوله‪ ،‬وعن حركة الزمان(‪ ،)xl‬يقول(‪:)xli‬‬

‫والتشمس‬
‫ّ‬ ‫يخرجون من الحكاية للتنفّس‬

‫يحلمون بفكرة الطيران أعلى ‪ ...‬ثم أعلى‬

‫يصعدون ويهبطون‪ .‬ويذهبون ويرجعون‬

‫ويقفزون من السيراميك القديم إلى النجوم‬

‫ويرجعون إلى الحكاية ‪ ...‬ال نهاية للبداية‬

‫يهربون من النعاس إلى مالك النوم‪،‬‬

‫‪ )?( xxxviii‬انظر شاكر النابلسي‪ :‬مجنون التراب‪ ،‬ص‪.294‬‬


‫(?) ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص‪.114‬‬ ‫‪xxxix‬‬

‫(?) شاكر النابلسي‪ :‬مجنون التراب‪ ،‬ص‪.508‬‬ ‫‪xl‬‬

‫(?) ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص‪.58‬‬ ‫‪xli‬‬

‫‪16‬‬
‫أبيض‪ ،‬أحمر العينين من أثر التأمل‬

‫الدم المسفوك‪:‬‬
‫في ّ‬

‫"ال تتذكروا من بعدنا‬

‫إال الحياة" ‪...‬‬

‫والبداية والنهاية مرتبطت ان ب الوطن فلس طين‪ ،‬فمنه ابت دأت الحكاي ة‪ ،‬وإ ليه تنتهي‪ ،‬وس ؤال‬

‫ٍ‬
‫بغالف سياسي ووطني‪ ،‬وربما تكون هذه محاولة‬ ‫البداية والنهاية يحمل طابعاً فكرياً وفلسفياً مغلّفاً‬

‫من درويش لمزج الفكر بالشعر(‪ ")xlii‬كما فعل من قبله أبو تمام والمتنبي‪.‬‬

‫ويضحي درويش ملتحما أكثر بالزمان والمكان حين يصبح جزءاً من البداية‪ ،‬وشاهداً حياً‬

‫على تفاص يل المك ان‪ ،‬وش رعية وج ود أهل ه‪ ،‬وله ذا فال غرابة أن ُيع رف به المك ان ‪،‬وإ ْن طمست‬

‫معالمه‪ .‬يقول(‪:)xliii‬‬

‫الشهي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الهواء‬
‫َ‬ ‫ك هذا‬
‫أمس ُ‬

‫يدي‬
‫هواء الجليل بكلتا ّ‬

‫الماعز الجبلي‬
‫ُ‬ ‫وأمضغه مثلما يمضغُ‬

‫أعالي الشجيرات‪،‬‬

‫ُأعِّرف نفسي إلى نفسها‪:‬‬


‫أمشي‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫صفات المكان‬ ‫نفس‪ ،‬إحدى‬ ‫ِ‬
‫أنت‪ ،‬يا ُ‬

‫ثالث كنائس مهجورة‬

‫(?) شاكر النابلسي‪ :‬مجنون التراب‪ ،‬ص‪.508‬‬ ‫‪xlii‬‬

‫(?)ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص‪.136‬‬ ‫‪xliii‬‬

‫‪17‬‬
‫مآذن مكسورة‬
‫ُ‬

‫سنديان على الجانبين‬

‫ٍ‬
‫أحرف ُمحيت‪،‬‬ ‫قرى كنقاط على‬
‫ً‬

‫وفتاة على العشب تسأل طيفاً‬

‫لماذا كبرت ولم تنتظرني‪.‬‬

‫وأبعد من ذلك فقد يتح ّول الش اعر إلى عص ارة أو جزئية ‪ ،‬تس اهم في خلق المك ان‬

‫واألشياء‪ ،‬وهذه حالة من الصوفية‪ ،‬ذات روحانية عميقة‪،‬وهي أشبه بحالة الحلول والغياب‪،‬فترى‬

‫ادةً لالس تبطان‬


‫ال ذات ت ذوب في غيره ا‪،‬وتتش كل في مظ اهر الوج ود األخ رى ‪،‬فيغ دو النص م ّ‬

‫والتأوي ل‪ ،‬ال ي دركها اإلنس ان إالّ إذا ح َّل في ض مير األش ياء‪ ،،‬عن دها تُ ْكتشف الحقيقة العميقة في‬

‫المادية أحواالً نفسية تعيينية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫المادية‪ ،‬فترى االنفعاالت والمشاعر شكالً مادي اً‪،‬واألشكال‬
‫ّ‬ ‫المظاهر‬

‫يقول(‪:)xlv‬‬ ‫(‪)xliv‬‬
‫وليست افتراضية‬

‫أما أنا‪ ،‬فسأدخ ُل في شجر التوت‬

‫القز خيط حرير‪،‬‬


‫تحولني دودة ّ‬
‫حيث ّ‬
‫ُ‬

‫ٍ‬
‫امرأة من‬ ‫وأدخل في إبرة‬

‫نساء األساطير‬

‫وينفذ إلى طروادة الستكمال حالة التشرد والضياع التي يعاني منها الشعب الفلسطيني بعد‬

‫أن فقد وطنه‪ ،‬وعاش حالة من التيه في أصقاع األرض‪ ،‬يقول(‪:)xlvi‬‬

‫(?)انظر شاكر النابلسي‪ :‬مجنون التراب‪ ،‬ص‪.505‬‬ ‫‪xliv‬‬

‫(?)ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص ‪.137‬‬ ‫‪xlv‬‬

‫‪18‬‬
‫قدر إلى ٍ‬
‫قدر‬ ‫كأنهم يأتون من ٍ‬
‫ّ‬

‫النص‪،‬‬
‫مدونةٌ وراء ّ‬
‫مصائرهم ّ‬

‫إغريقيةٌ في شكل طُ ْروادية‪،‬‬

‫بيضاء أو سوداء‬

‫‪...‬‬

‫الهوميري‬
‫ّ‬ ‫وماذا بعد هذا االنتظار‬

‫ننتظر القيامة‪ ،‬ههنا‪ ،‬في دارها‬

‫في الفصل ما بعد األخير‬

‫وتمثّل ط روادة في ال زمن األس طوري ذروة البطولة الجماعي ة‪ ،‬ب الرغم من انكس ارها‬

‫وهزيمته ا‪ ،‬ول ذلك غ دت نموذج اً إنس انياً ُخلَّد في وج دان الجماع ة‪ .‬ودرويش يت وق إلى أن يك ون‬

‫وي ّحمل الس طور مفارقة واض حة حين ينظر‬


‫للع رب ط روادتهم‪ ،‬حنين اً لعصر ال رفض والبطول ة‪ُ .‬‬

‫وال ي رى س وى أرض قاحلة إالّ من ص ور اله زائم وال تراجع‪ .‬وتجيء ط روادة رم زاً لألمل في‬

‫الخالص من النكبات‪ ،‬وبعث روح االستبسال من جديد(‪.)xlvii‬‬

‫ومن الرموز الحاضرة في الديوان القمر‪ ،‬يقول(‪:)xlviii‬‬

‫الزحام‬
‫في الشام‪ ،‬أعرف من أنا وسط ّ‬

‫علي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫امرأة ‪ًّ ...‬‬ ‫قمر تألأل في يد‬
‫يدلّني ٌ‬

‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.36‬‬ ‫‪xlvi‬‬

‫(?) انظر أحمد جبر شعث‪ :‬األسطورة في الشعر الفلسطيني المعاصر‪ ،‬ص‪.248‬‬ ‫‪xlvii‬‬

‫(?)ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪xlviii‬‬

‫‪19‬‬
‫والقمر يعكس حالة من القلق والح زن‪ ،‬وقد يتّخذ دور المؤشر للغ د‪ ،‬ويق وم ب دور‬

‫االستش راف ال ذي يخ بئ أس راراً كث يرة‪ ،‬وقد يك ون القمر أداة إلن ارة الفعل اإلنس اني ال ذي يب دو‬

‫وربما يكون هو البالد‪ ،‬أو النصر‪ ،‬أو الموت‪ ،‬وربما يكون هو الحب(‪.)xlix‬‬
‫مستحيالً‪ّ ،‬‬

‫ومن الرموز األخرى الحاضرة الحجر‪ ،‬يقول(‪:)l‬‬

‫توضأ في دموع الياسمينة‬


‫حجر ّ‬
‫يدلّني ٌ‬

‫ثم نام ‪...‬‬

‫والحجر هو الش عب‪ ،‬وهو روح المقاومة ال تي ت ٌّ‬


‫دب في الجوام د‪ ،‬وقد يص بح بمثابة الق ّوة‬

‫المادي ة‪ ،‬والق ّوة التأريخية في ال وقت نفس ه؛ إذ من ع ادة درويش اس تنطاق الجوام د‪ ،‬كما فعل مع‬
‫ّ‬

‫البحر والرمل‪ ،‬والتراب‪.‬‬

‫ومن الحجر يخ رج الم اء ليحل الخصب والنم اء‪ ،‬وقد ُي ْزه ر‪ ،‬أو يتكلم وقد يمت ّد ظل ه‪ ،‬أو‬

‫عري بش ري ‪ .‬وللحجر ذاك رة ك ذاكرة الرم ل‪،‬‬ ‫يخ رج منه الض وء‪ ،‬وه ذه كلّها تحيله إلى ك ٍ‬
‫ائن ش ٍّ‬

‫جزء من معاني الحياة‬


‫ٌ‬ ‫مصدر من مصادر المعرفة والتاريخ وخازن للذكرى ‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫وبالتالي فهو‬

‫والتكوين(‪.)li‬‬

‫(?)انظر شاكر النابلسي‪ :‬مجنون التراب‪ ،‬ص‪.296-294‬‬ ‫‪xlix‬‬

‫(?)ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪l‬‬

‫(?)شاكر النابلسي‪ :‬مجنون التراب‪ ،‬ص‪.274‬‬ ‫‪li‬‬

‫‪20‬‬
‫ومن رم وزه األخ رى الحاض رة الحم ام‪ ،‬وهو رم ُز للخ روج وال دخول ال دائمين‪ ،‬وهي‬

‫تتكرر في قصائده لتعبر عن حركة الفلسطيني في أرجاء العالم‪ ،‬فهو يدخ ُل من هجرة إلى‬
‫الزمة ّ‬

‫هجرة‪ ،‬ومن محطة إلى محطة‪ ،‬ومن سفر إلى سفر‪.‬‬

‫رمز للشعب الفلسطيني المنتشر على تضاريس الخريطة البشرية‪ ،‬مستوحى من‬
‫والحمام ٌ‬

‫كونه رمزاً عربياً تراثياً له عالقة بالهجرة النبوية‪ ،‬وله عالقة بالتنقل العربي‪ ،‬ألن العرب اعتادوا‬

‫تربية الحمام وكان جزءاً من متاعهم يالزمهم في حلّهم وترحالهم(‪ ،)lii‬يقول(‪:)liii‬‬

‫أمشي نائماً‪ ،‬وأنام في حضن الغزالة‬

‫ِ‬
‫والليل‬ ‫ماشياً‪ .‬ال فرق بين نهارها‬

‫إالّ بعض أشغال الحمام‪ .‬هناك أرض‬

‫ولكن السماء تسير عاريةً‬


‫ّ‬ ‫الحلم غاليةٌ‪.‬‬

‫وتسكن بين أهل الشام‪.‬‬

‫معرض أخر(‪:)liv‬‬
‫ٍ‬ ‫ويقول في‬

‫يرف كزوجي حمام على النيل‬


‫الغياب ّ‬
‫ُ‬

‫نبئنا باختالف الخطى حول فعل المضارع‪.‬‬

‫(?)السابق‪ ،‬ص‪.576‬‬ ‫‪lii‬‬

‫(?)ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫‪liii‬‬

‫(?)السابق‪ ،‬ص‪.142‬‬ ‫‪liv‬‬

‫‪21‬‬
‫وفي مشهد يلخص حقيقة الحالة التي آل إليها درويش في عودته المنقوصة تتزاحم‬

‫األسئلة في بيت أمه‪ ،‬عندما تلتقي الذات المؤرقّة المثقلة بهموم الحاضر‪ ،‬بمالمح الماضي‪ ،‬ممثّالً‬

‫بصورته المعلقة على جدار في بيت أمه‪ ،‬وال تكاد الصورة تبرح ببصرها عنه‪.‬‬

‫ويأتي الشاعر على تفاصيل المكان القديم وما حملته إليه الغربة من ( رحيل البحر‪،‬‬

‫نظارة‪ ،‬حقائب‪ ،‬مكياج‪ ،‬كاميرا )‪.‬‬

‫ألنها هي التي أمسكت‬


‫والالفت أن الصورة هي التي تسأل‪ ،‬في محاكمة مشروعة‪ ،‬ذلك ّ‬

‫وفية‪ ،‬وصمدت أمام غبار السنين‪ ،‬وهي التي احتفظت بمالمحه‪.‬‬


‫بالمكان والتصقت به‪ ،‬وظلّت ّ‬

‫أما المدلول الذي حمله الدال ( الصورة ) فهو الرمز ألبناء فلسطين الذين ُغرسوا في‬

‫أرضهم وظلوا يحملون شيئاً من جغرافية فلسطين وتاريخها‪ ،‬لذلك فهم وحدهم من يحق لهم أن‬

‫يسألوا أو يحاكموا‪.‬‬

‫نسائي‬
‫ٌّ‬ ‫يوم‬
‫وبقي أن نشير إلى أن الصدمة قادته إلى العبث والسخرية‪ ،‬إذ يتراءى له ٌ‬

‫جمي ٌل يشيع فيه الخصب والنماء‪ ،‬وتتفجر العيون من الحجارة‪ ،‬ويتوقف الرصاص‪ ،‬وينتهي‬

‫الخوف‪ ،‬فترى الحمائم تبني أعشاشها في دبابة األعداء ولهذا يعدل عن رغبته في االنتحار أو‬

‫ترك المكان يقول(‪:)lv‬‬

‫نسائي‬
‫ٌّ‬ ‫يوم‬
‫يوم آخر‪ٌ ،‬‬
‫سيجيء ٌ‬

‫شفيف االستعارة‪ ،‬كامل التكوين‬

‫…‪..‬‬

‫سلس‪ .‬خفيف الظّل‪ .‬ال أحد ُي ِح ُّس‬


‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫برغبة في االنتحار أو الرحيل‬

‫(?) السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫‪lv‬‬

‫‪22‬‬
‫الخاتمة‬

‫عما فعلت " صدمةً كبيرة ‪ ،‬عاشها درويش بعد لقائه بالوطن‬
‫يحمل ديوان " ال تعتذر ّ‬

‫وسلبت مالمحه القديمة‬


‫تغير ‪ُ ،‬‬
‫الحبيب الذي سكن تالفيفه بمالمحه القديمة ‪ ،‬فوجده بعد العودة قد ّ‬

‫يتغنى بفلسطين ال ّذاكرة ‪.‬‬


‫التي خاطها في نسيجه ‪ ،‬وهو ّ‬

‫التحول في مالمح األمكنة وحدها ‪ ،‬وإ ّنما في الشاعر نفسه ‪،‬فلهذا كان بؤرة‬
‫ولم يكن ّ‬

‫النصوص لينفذ‬
‫الديار ديار \ وال أنا أنا وال البيت بيتي ) ‪ ،‬وتتنامى ّ‬ ‫أنت ِ‬
‫أنت ‪ ،‬وال ّ‬ ‫النص ( ال ِ‬
‫ّ‬

‫ثم يحاول الهروب من المحاكمة إلى االتّحاد‬ ‫ٍ‬


‫إلى محاكمة الذات ‪ ،‬واالعتذار من المكان ‪ّ ،‬‬

‫وأنه ما زال يشتهيه ‪،‬‬


‫بتفاصيل المكان ؛ لينسى ألمه ‪ ،‬ويثبت ّأنه لم ينفصل عنه لحظة واحدة ‪ّ ،‬‬

‫يقول ‪:‬‬

‫الشهي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الهواء‬
‫َ‬ ‫ك هذا‬
‫أمس ُ‬

‫يدي‬
‫هواء الجليل بكلتا ّ‬

‫ّ‬
‫الجبلي‬ ‫الماعز‬
‫ُ‬ ‫وأمضغه مثلما يمضغُ‬

‫أعالي الشجيرات‪،‬‬

‫ُأعِّرف نفسي إلى نفسها‪:‬‬


‫أمشي‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫صفات المكان‬ ‫نفس‪ ،‬إحدى‬ ‫ِ‬
‫أنت‪ ،‬يا ُ‬

‫وأدبية ‪ ،‬أسعفته في رفد مقاصده ‪ ،‬ومن‬


‫ودينية ّ‬
‫ّ‬ ‫تاريخية‬
‫ّ‬ ‫وقد استدعى في ديوانه رموزا‬

‫قصة ( الصلب في المنظور المسيحي) ‪ ،‬وحمورابي في شرائعه ‪،‬‬


‫ذلك عيسى ـ عليه السالم ـ في ّ‬

‫‪23‬‬
‫وطروادة في وصفه لحالة التشرّد والضياع التي يعاني منها الشعب الفلسطيني ‪ ،‬وجلجامش في‬

‫بحثه عن الخلود ‪ ،‬وهوالكو في قتله وتدميره ‪ ،‬رابطا بين حالة المسلمين آنذاك ‪ ،‬وحالتهم اليوم ‪،‬‬

‫طخة بدماء العراقيين ‪.‬‬


‫يصبون الماء على يد بوش المل ّ‬
‫وهم ّ‬

‫وبدا الشاعر في الديوان عابثا ‪ ،‬ساخرا من اإليمان برغبة المحت ّل في تحقيق السالم مع‬

‫ال ّشعب الفلسطيني ‪ ،‬مقارنا بين رغبة المحت ّل في محو الحق التاريخي ‪ ،‬وأصحاب األرض‬

‫ظف الحمام ‪ ،‬وجعله رمزا للشعب الفلسطيني المنتشر على‬


‫المتشبثين بحقوقهم ؛ ولهذا و ّ‬

‫الراسخ الثابت ‪ ،‬واستدعى القمر ‪،‬‬


‫تضاريس الخريطة البشرية ‪ ،‬ووظّف الحجر وجعله الشعب ّ‬

‫وحمله حالة القلق والحزن التي يعيشها الشعب الفلسطيني واتّخذ منه دور المؤشر للغد‪ ،‬الذي‬
‫ّ‬

‫أداة إلنارة الفعل اإلنساني الذي يبدو مستحيالً ‪.‬‬


‫يخبئ األسرار ‪ ،‬و ً‬

‫المراجع‬

‫‪24‬‬

You might also like