Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫رمضان شهر االبداع‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫من أجمل ما قيل في شهر الرحمات والنفح ات مقول ة أم ير الش عراء أحم د ش وقي يتح دث عن‬
‫مش روع‪ ،‬وت أديب‬ ‫الص ْوم حِرْ م ان ْ‬
‫(الصوم) بلون أدبي عميق‪ ،‬فيقول في كتابه (أسواق الذهب)‪َّ :‬‬
‫بالجُوع‪ ،‬و ُخشوع هلل و ُخضُوع‪ ،‬لك ِّل فريضة حكمة‪ ،‬وهذا الحكم ظاهرُه العذاب‪ ،‬وباطنه الرحمة‪،‬‬
‫الب ر‪ ،‬ح تى إذا‬‫يستثير الش َفقة‪ ،‬ويحضُّ على الصدَقة‪ ،‬يكس ر الك ْب ر‪ ،‬ويعلِّم الص بْر‪ ،‬ويس نُّ خِالل ِ‬
‫المترف أس باب الم َت ع‪ ،‬ع رف الحرم ان كي ف ي َق ع‪ ،‬وكي ف َألَم ه إذا‬ ‫َ‬ ‫جاع َمن ألِف الش َبع‪ ،‬وحرم‬
‫لذع"‪.‬‬

‫ما هو اإلبداع؟‬
‫يُمكن تعريف اإلبداع على أ ّنه تحويل األفكار الجديدة والخياليّة إلى حقيقة واقعيّة‪ ،‬ويتميّز اإلبداع‬
‫بالقدرة على إدراك العالم بطرق مبتكرة وجديدة‪ ،‬وإيجاد أنماط خفيّة‪ ،‬وصُنع روابط بين ظ واهر‬
‫لم تكن تبدو مرتبطة ببعضها‪ ،‬والمساهمة في إيجاد الحلول خارج الصندوق‪ ،‬وبه ذا ف إنّ اإلب داع‬
‫يتضمّن عمليتين رئيسيتين هما التفكير ث ّم اإلنتاج‪]١[.‬‬

‫ضا إلى ابتك ار أفك ار جدي دة مفي دة ومقبول ة اجتماع ّي ا ً عن د تطبيقه ا‪ ،‬كم ا تم ّكن‬
‫يهدف اإلبداع أي ً‬
‫صاحبها من التوصّل به إلى أفك ار جدي دة واس تعماالت غ ير مألوف ة‪ ،‬وأن يمتل ك ص فات تض ّم‬
‫الطالقة‪ ،‬والمرونة‪ ،‬واإلسهاب‪ ،‬والحساسيّة للمشكالت‪ ،‬وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها‪ ،‬ويع ّد‬
‫اإلبداع إحدى العمليّات الّتي تؤ ّدي إلى تطوّ ر نتاجات ت ّتصف بالحداث ة والجد ّي ة من خالل تموي ل‬
‫معايير ومبادئ وضعها اإلنسان‪]٢[.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أشياء في بيئة اإلنسان‪ ،‬ويجب أن يستند إلى‬

‫مبدعا؟‬
‫ً‬ ‫كيف أكون‬
‫ال ُتعت بر طري ق اإلب داع طريق ة س هلة‪ ،‬ب ل هي طريق ة طويل ة تحت اج للص بر والعزيم ة‬
‫واالستمراريّة‪ ،‬وهناك ع ّدة نصائح رئيسيّة لمن أراد أن يكون مبدعً ا ومن أهمّها ما يأتي‪]٥[:‬‬

‫التطور المستمر‬
‫ّ‬
‫يُع ّد تكريس النفس لتطوير القدرات اإلبداعيّة واس تثمار ال وقت في تطويره ا هي أوّ ل خط وة في‬
‫أن يكون الفرد مبد ًعا‪ ،‬فاإلبداع بدون تطوير واستثمار وتدريب ال معنى ل ه‪ ،‬وله ذا يُنص ح دو ًم ا‬
‫بتخص يص وقت ي وميّ للممارس ة المه ارات ال تي يمتلكه ا الف رد مث ل الرس م‪ ،‬أو التص وير‪ ،‬أو‬
‫الكتابة وغيرها‪ ،‬مع ضرورة تج ّنب التأجيل والمماطلة‪ ،‬كما يُنصح بطلب المساعدة من اآلخ رين‬
‫إن لزم ذلك‪.‬‬
‫إشباع الفضول‬
‫يُع ّد الفضول هو المحرّك األساسيّ لإلب داع‪ ،‬ومن أب رز عوائ ق اإلب داع والتط وّ ر ه و كبح ذل ك‬
‫الفضول‪ ،‬فالفضول هو ما يدفع الفرد للبحث عن إجاب ات أس ئلته واستكش افها والتع رّف وتجرب ة‬
‫ك ّل ما هو جديد‬

‫المخاطرة‬
‫ّ‬
‫يجب أن يكون الفرد الذي يتطلع ألن يك ون مب د ًعا أن يتح ّم ل مخ اطر تعزي ز قدرات ه ومهارات ه‬
‫اإلبداعيّة‪ ،‬فقد يحصل أنّ جهو ًدا مبذولة ال تؤ ّدي إلى النجاح المطلوب‪ ،‬وفي هذا الحال ة علي ه أن‬
‫ال ييأس ويستم ّر في تعزيز موهبته وبناء مهاراته وتجربة طرق وأس اليب جدي دة باس تمرار‪ ،‬كم‬
‫أنّ علي ه أن يتق ّب ل أيّ نق د خالل مس يرته ويتج اوزه وال يس مح ل ه بالت أثير على عزيمت ه‪.‬‬
‫يقول القاص والشاعر سعود آل سمرة‪ :‬اإلبداع ال يرتبط ب زمن مح دد‪ ،‬ولكن ثم ة أوق ات يتس نى‬
‫فيها اإللهام‪ ،‬ويتحسن الم زاج‪ ،‬لتص بح القابلي ة لإلب داع أك ثر من ذي قب ل‪ ،‬وتتمث ل في‪ :‬الص فاء‬
‫واله دوء قب ل الفج ر‪ ،‬وبك ور الص باحات‪ ،‬وفي المس اءات الهادئ ة البعي دة عن الص خب‪ ،‬فه ذه‬
‫م واطن ثري ة لإلله ام‪ ،‬كم ا أن لفص ول الس نة المختلف ة تأثيراته ا على م زاج المب دع من خالل‬
‫التغييرات التي تحدث في الطقس‪ ،‬فقد تحدث تأثيرات على البعض‪ ،‬وترتبط المواسم والمناس بات‬
‫الديني ة باإلب داع بش كل أو آخ ر‪ ،‬وأرى أن ألمس يات رمض ان الجميل ة أثره ا اإليج ابي في ه ذا‬
‫الجانب‪،‬‬

‫ت م َِّن ْالهُدَى َو ْالفُرْ َقان)[‪.]1‬‬ ‫ان الَّذ َ ُأ‬


‫نز َل فِي ِه ْالقُرْ آنُ ُه ًدى لِّل َّن ِ‬
‫اس َو َب ِّي َنا ٍ‬ ‫ِي ِ‬ ‫ض َ‬‫قال تعالى‪َ ( :‬ش ْه ُر َر َم َ‬

‫جميع المسلمين في لهفة الستقبال شهر رمضان الكريم‪ ،‬فهو شهر العطاء والخير‪ ،‬وهو شهر‬
‫برنامج عمليّ يخص مفردة التغيير االجتماعي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫صالح أن يكون منطلقا ً للتغيير‪ ،‬وبه قابلية إنشاء‬
‫ومن ميزات و صفات هذا الشهر كونه هو منشأ هذه الصالحية والقابلية وسنوضح بعضها في‬
‫هذه السطور‪:‬‬

‫الصفة األولى‪ :‬ترويض النفس‪:‬‬


‫يرى علماء النفس‪ ،‬أن أي تغيير وانتقال نحو أمر جديد يجب أن يكرر من ‪ 6‬إلى ‪ 21‬مرة‪ ،‬وهي‬
‫تغيير حقيقيً في صفة معينة فالبد أن تكرر نجاحاته ‪ 6‬إلى ‪ 21‬مرة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الفترة الالزمة إلحداث‬

‫ولو طبقنا هذه القاعدة على شهر رمضان ‪ 29‬إلى ‪ 30‬يوماً‪ ،‬هذا يعني استمرار النجاح في هذه‬
‫العبادة العظيمة ‪ 30‬يومًا ‪ -‬أي ‪ 30‬مرة ‪ -‬فتتك ّرر عملية اإلمساك من الصباح وإلى المغرب‪ ،‬فال‬
‫تشرب وال تأكل وال تسب وال تفسق‪ ،‬وهذا يمثل برمجة ناجحة ومنتظمة في مشروع التغيير‪،‬‬
‫وهذه صفة عظيمة في شهر رمضان‪ ،‬فصيام ثالثين يوما ً بأكملها من رمضان برنامج يتصف‬
‫باالستمرارية‬

‫الصفة الثانية‪ :‬اتخاذ القرار‪:‬‬

‫من ميزات هذا الشهر الفضيل أ ّنه يعلّم المسلم اتخاذ القرار‪ ،‬وهي مشكلة يواجهها الكثير من‬
‫صاحب‬
‫َ‬ ‫الناس ويعانون االضطراب في السلوك نتيجة فقدانها‪ ،‬واإلنسان القوي يكون إنسانا ً‬
‫قرار‪ ،‬بعيداً عن التلكؤ والتردد في الحكم‪ ،‬فالتردد والخوف ال يُنشِ ئ نفوسً ا ضعيفة فحسْ ب بل‬
‫يأتي بأمراض نفسية وجسمانية أيضاً‪ ،‬والتردد في القرار تبدأ خطواته األولى في اتخاذ قرارات‬
‫صغيرة ثم يكبر حتى يصبح ملكة وعادة‪ ،‬وأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة و‬
‫صغيرة فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات النظرات وحركات اليد والرجل وغير‬
‫ذلك من المواقف المختلفة التي تحتويها ساعات اليوم‪ ،‬كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو‬
‫بغير وعي في الدقيقة بل والثانية الواحدة‪ ،‬تصور تردد في مثل هذه القرارات‪ ،‬إن ذلك يعني‬
‫مشاكل كثيرة صحية ونفسية‪.‬‬

‫وشهر رمضان يعوّ د على اتخاذ القرار فاإلنسان عندما يريد أن يصوم‪ ،‬فإ ّنه يتخذ القرار بنيّة‬
‫الصيام وهكذا يتخذ القرار باإلمساك وقت اإلمساك وكذلك يتخذ القرار بالفطور وقت الفطور‬
‫وغير ذلك‪ ،‬فإذا تعوّ د اإلنسان اتخاذ القرار طيلة فترة شهر رمضان فإنه سوف يتبرمج على‬
‫اتخاذ القرار مما يجعل اإلنسان أكثر قوّ ة وإرادة‪.‬‬
‫الصفة الثالثة‪ :‬اإلنجاز‪:‬‬

‫كيف يحصل التغيير أو تأتي الحلول أو يحل التغيير أو يتغير الحال؟‬

‫التغيير يبدأ من داخل اإلنسان وليس من خارجه كما نرى ثقافة بعض الشعوب ترجع في حل‬
‫مشكالتها وتغيير واقعها الى مشعوذ أو كاهن أو معالج روحي أو حتى الى عطار‪ ..‬التغيير أوالً‬
‫وقبل كل شيء من عند هللا‪ ،‬وهللا وضعه في داخل اإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪ِ( :‬إنَّ هللا ال ي َُغ ِّي ُر َما ِب َق ْو ٍم‬
‫َح َّتى ُي َغ ِّيرُوا َما ِبَأ ْنفُسِ ِه ْم)[‪.]2‬‬

‫شهر رمضان يعلّم اإلنسان اإلنجاز في فترة تدريبية عملية مدة ثالثين يوما ً متصلة يصوم المسلم‬
‫نهاره ويقوم ليله فيشعر في نهاية الشهر أنه ح ّقق ربحا ً كبيراً وأنجزت عمالً عظيماً‪ ،‬وطبائع‬
‫الناس تبدأ متحمّسة فتخف الحماسة مع األيام‪ ،‬أما شهر رمضان فيعلّم اإلنسان كيف ينجز أمراً‬
‫عباد ّيا ً بإرادة قوية ثم تصبح أقوى بعد أيام‪ ،‬فإذا طالت الم ّدة تقوّ ت اإلرادة أكثر على غير عادة‬
‫الكسالى فيقضي المسلم ليله في التعبّد ونهاره في التالوة والذكر‪ ،‬فإذا قربت النهاية زيد من عمله‬
‫كثف أكثر ثم إذا قربت‬‫فدخل في الليالي األكثر بركة وهكذا يكون اإلنجاز الصحيح‪ ،‬ابدأ عمالً ثم ّ‬
‫من اإلنجاز فش ّد أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام‪.‬‬

‫الصفة الرابعة‪ :‬الخروج عن المألوف‪:‬‬

‫يكاد يُجمع العارفون والباحثون في موضوع اإلبداع على أن اإلبداع خروج عن المألوف‪ ،‬وما‬
‫أحوج اإلنسان في كل زمان وبالذات في هذا الزمان إلى اإلبداع والتجديد‪ ،‬كما أن كسر الروتين‬
‫والخروج عن المألوف أحد األعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة‪ ،‬وكلُّنا‬
‫معتادون على أن نقوم في وقت وننام في وقت ونذهب إلى العمل أو الدراسة ونعود ونأكل‬
‫ونشرب ونتسوّ ق إلى غير ذلك من أمور الدنيا في وقت مح ّدد في الغالب‪ ،‬وعندما يأتي علينا‬
‫شهر رمضان المبارك تتغير علينا األمور ونخرج عن المألوف والروتين المستمر وتتجدد علينا‬
‫الحياة‪.‬‬

‫التجديد والتغيير البد أن يكون في جدولك اليومي واألسبوعي والشهري والسنوي‪.‬‬

‫التغيير والتجديد س مة من س مات ه ذا الش هر ب ل ومن س مات ه ذا ال دين العظيم‪ ،‬ح تى ال تم ل‬


‫النفوس وحتى تتجدد فتنطلق من جديد‪.‬‬

‫تدبر القران الكريم في رمضان‬


‫يعت بر رمض ان فرص ة لالرتب اط ب القرآن الك ريم وفهم ه‪ ،‬ولع ل حبس النفس عن‬
‫الشهوات في رمضان والتضييق على مجاري الشيطان يجعالن العق ل ص افيا ً لت دبر‬
‫القرآن وفهم معانيه وإدراك أسراره‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬التدبُّر؛ مفهومه‪ ،‬األمور ال ُم ِعينة عليه‪ ،‬عوائقه‪.‬‬


‫‪ -‬التدبر المأمور به هو النظر لما يريد هللا منّا في اآلي ات‪ ،‬فه و مرحل ة م ا بع د فهْم المع نى الع ام‬
‫َ‬
‫لآليات‪.‬‬
‫فالواجب بالنسبة لآلية أمران‪:‬‬
‫األول‪ :‬فَهْم المراد المتعلّق بالمعنى اللغوي والسياقي‪ ،‬وهو التفسير‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬فهم مراد هللا منّا في اآلية الذي يشمل اإليمان والعمل‪ ،‬وهو التدبّر‪.‬‬

‫ك‬‫ار ٌ‬ ‫‪ -‬التدبر هو الغاية التي أرادها هللاُ من إنزال كتابه‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪ِ { :-‬كتَ ابٌ َأ ْنزَ ْلنَ اهُ ِإلَ ْي َ‬
‫ك ُمبَ َ‬
‫لِيَ َّدبَّرُوا آيَاتِ ِه}[ص‪.]29 :‬‬
‫ومما يُ ِعين عليه‪:‬‬
‫‪ -‬فَهْم المعنى األصلي‪.‬‬
‫‪ -‬النظر إلى تفسير السّلف‪ ،‬وأحوالهم مع اآليات‪.‬‬
‫‪ -‬النظر لجوانب اإليمان والعمل‪.‬‬
‫‪َ -‬عرْ ض اآليات على النفس‪ ،‬ومحاسبتها‪.‬‬
‫‪ -‬استخراج القواعد المنهجية والسنن اإللهية‪ ،‬والتعامل بها‪ .‬‬
‫من أهم العقبات‪:‬‬
‫‪ -‬االنشغال بتفاصيل التفسير‪.‬‬
‫‪ -‬االنشغال باالستنباطات واألسرار التعبيرية‪.‬‬
‫صل لمراتب عليا من التدبّر‪ ،‬لكن يجب‬ ‫وهذه وظيفة العلماء والمتخصصين‪ ،‬وهي مرتبة رفيعة تو ِ‬
‫صص فيها فتشغله عن جوانب اإليمان والعمل‪ .‬أما غير المتخصص فال يليق به‬ ‫أاّل يستغرق المتخ ّ‬
‫االنشغال بها وهو غير مؤهّل لذلك‪.‬‬
‫وهناك صوارف تصرف عن التدبّر‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬االنصراف عن القرآن وعدم تعظيمه‪.‬‬
‫‪ -‬االنشغال بالدنيا عن كتاب هللا‪.‬‬
‫‪ -‬انصراف القلب لشهوات النفس‪.‬‬
‫من أهم األخطاء‪:‬‬
‫َّ‬
‫علم بكتاب هللا‪ ،‬وق د عظم هللاُ ذل ك بقول ه‪:‬‬ ‫‪ -‬الجرأة على كتاب هللا باستنباط تدبرات دقيقة من غير ٍ‬
‫ك بِ ِه ِع ْل ٌم}[اإلسراء‪.]36 :‬‬ ‫{واَل تَ ْقفُ َما لَي َ‬
‫ْس لَ َ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬االستشهاد بالقرآن على مفاهيم ونظريات معاصرة محتملة ربم ا تك ون خاطئ ة‪ ،‬والق رآن أص ٌل‬
‫في استخالص القواعد والمنهجيات وليس هو تابعًا‪ ،‬ويُستشهَد به على الحقائق الثابتة باألدلة‪.‬‬
‫‪ -‬الصحابة منهجهم واضح ُمطّرد كما وصفه ابن مسعود‪« :‬كان الرجل منّا إذا تعلّم عش ر آي ات لم‬
‫يتجاوزها حتى يعلم ما فيها من العلم والعمل»‪.‬‬
‫ففهمهم للقرآن مبن ّي على أمرين‪ :‬علم وعمل‪ .‬ولذلك تجد تفسيراتهم دائرة على هذين األمرين‪.‬‬
‫ت بِِإ ْذ ِن هَّللا ِ}[ف اطر‪ .]32 :‬تج د أق والهم‬ ‫ق ْ‬
‫بِال َخ ْي َرا ِ‬ ‫فمثاًل في تفسيرهم لقوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬و ِم ْنهُ ْم َس ابِ ٌ‬
‫تدور على صور وأمثلة عملية للسابق وه و م ا يس َّمى التفس ير بالمث ال‪ ،‬وه و ي د ّل على عن ايتهم‬
‫بالعمل مع العلم‪ .‬ف َمن رام منهجهم فليسلك سبيلهم بالجمع بين العلم والعمل في اآليات‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬التد ُّبر ورمضان‪:‬‬


‫العالقة بين الق رآن والص يام تتجلَّى بك ون ش هر رمض ان ج َم ع هللاُ في ه فض يلتين‪ :‬فض يلة إن زال‬
‫ض انَ الَّ ِذي‬ ‫القرآن ابتدا ًء‪ ،‬وفضيلة تشريع الصيام فيه؛‪ ‬ولهذا ق َرن هللا بينهم ا في قول ه‪َ :‬‬
‫{ش ْه ُر َر َم َ‬
‫ص ْمهُ}[البقرة‪ ،]185 :‬فج َعل فضيلةَ إنزال الق رآن في ه‬ ‫ُأ ْن ِز َل فِي ِه ْالقُرْ آنُ ‪ ...‬فَ َم ْن َش ِه َد ِم ْن ُك ُم ال َّشه َْر فَ ْليَ ُ‬
‫‪-‬وهي أعظم نعم ة على اُأل ّم ة‪ -‬داعي ةً إلى فض يلة ص يامه ش كرًا هلل وتهيئ ةً للقلب لتَلَقِّي ه دايات‬
‫ت ِمنَ ْالهُدَى َو ْالفُرْ قَا ِن}‪.‬‬ ‫القرآن؛‪ ‬ولذلك قال في اآلية نف ِسها‪{ :‬هُدًى لِلنَّ ِ‬
‫اس َوبَيِّنَا ٍ‬
‫ف َمن عاش رمضان بغير الق رآن فس يفقد روحانيت ه‪ ،‬و َمن لم ي ُِعين ه الص يام على ص فاء قلب ه لتَلقِّي‬
‫هدايات كتاب ربه لم يعرف حكمة الصيام وعالقته بالقرآن‪.‬‬
‫ولهذا ُش ِرعَت في ليالي رمضان صالةُ التراويح لسماع آيات القرآن وتلقِّي هداياته‪ .‬فهنيًئا ل َمن كان‬
‫صيامه باعثًا له على صفاء قلبه للقرآن‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫َ‬
‫من أهم أسباب عدم ف ْهم القرآن وتدبُّر آياته عند سماعه في الصلوات‪:‬‬
‫ضعْفُ تالوتنا لكتاب ربِّنا في عا ِمنا كلِّه‪ ،‬وكلّما بَ ُع َد اإلنسان عن الش يء َ‬
‫ض عُفَ‬ ‫‪ - ‬انقطاعُنا عنه و َ‬
‫إدراكه له‪.‬‬
‫‪ -‬عد ُم عنايتنا بالرجوع للتفسير ‪-‬ولو مختصرًا‪ -‬لما يُش ِكل علينا فهمه عند تالوته‪ ،‬واقتصارُنا على‬
‫قَصْ د كسب األجر لتالوة حروفه‪.‬‬

‫للتلذذ بالقرآن في رمضان تتلخص في أمور‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫الطريقة‬


‫‪ -‬تعظيم القرآن واالغتباط به‪ ،‬واستشعار كونه كالم ربّ العالمين الهادي إلى رضوانه وجنته‪.‬‬
‫‪ -‬ال يكن قصدك في التالوة مجرد التالوة‪ ،‬ب ل اجع ل ل ك ه دفًا تري د تحقيق ه في ك ّل ختم ة؛ ك أن‬
‫تقول‪ :‬أريد التحقُّق بأوامر هللا في كتابه‪ ،‬أريد التحلِّي بمك ارم األخالق‪ ،‬أري د استش عار عظم ة هللا‬
‫من كالمه‪ ،‬أريد ال َعيش مع ِسيرة األنبياء وأخالقهم في الق رآن‪ ،‬أري د معالج ة قل بي‪...‬وهك ذا‪ْ ،‬‬
‫وإن‬
‫أن تَكتب اآليات التي ت ََحرَّك قلبُك معها تأ ُّماًل وتأثُّرًا فذلك َح َس ٌن‪.‬‬‫أمكنَ ْ‬
‫استخرجْ من كتاب ربك في ك ّل ختمة قواع َد منهجيةً تتمثلها في حياتك‪  .‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫إن رمضانَ مدرسةٌ للبناء الروحي وإعادة الروح للقرآن‪ ،‬لكن مشكلتنا أننا نسقي ال روح‬ ‫ِإي وربي ّ‬
‫الس قيا بع ده فتض عف ال روح وتج ّ‬
‫ف من ابع حياته ا‬ ‫بالقرآن في رمض ان فتنتعش وتحي ا ثم نقط ع ُّ‬
‫بهدايات كتاب ربها‪ ،‬والواجب أن يكون المسلم في عالقة ب القرآن دو ًم ا‪ ،‬ويك ون رمض ان مج ددًا‬
‫للعزم‪ ،‬كما كان رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أجود الناس في سائر عا ِم ِه ‪ ،‬وأجود ما يكون في‬
‫رمضان‪.‬‬

You might also like