Professional Documents
Culture Documents
رمضان شهر الابداع
رمضان شهر الابداع
مقدمة:
من أجمل ما قيل في شهر الرحمات والنفح ات مقول ة أم ير الش عراء أحم د ش وقي يتح دث عن
مش روع ،وت أديب الص ْوم حِرْ م ان ْ
(الصوم) بلون أدبي عميق ،فيقول في كتابه (أسواق الذهب)َّ :
بالجُوع ،و ُخشوع هلل و ُخضُوع ،لك ِّل فريضة حكمة ،وهذا الحكم ظاهرُه العذاب ،وباطنه الرحمة،
الب ر ،ح تى إذايستثير الش َفقة ،ويحضُّ على الصدَقة ،يكس ر الك ْب ر ،ويعلِّم الص بْر ،ويس نُّ خِالل ِ
المترف أس باب الم َت ع ،ع رف الحرم ان كي ف ي َق ع ،وكي ف َألَم ه إذا َ جاع َمن ألِف الش َبع ،وحرم
لذع".
ما هو اإلبداع؟
يُمكن تعريف اإلبداع على أ ّنه تحويل األفكار الجديدة والخياليّة إلى حقيقة واقعيّة ،ويتميّز اإلبداع
بالقدرة على إدراك العالم بطرق مبتكرة وجديدة ،وإيجاد أنماط خفيّة ،وصُنع روابط بين ظ واهر
لم تكن تبدو مرتبطة ببعضها ،والمساهمة في إيجاد الحلول خارج الصندوق ،وبه ذا ف إنّ اإلب داع
يتضمّن عمليتين رئيسيتين هما التفكير ث ّم اإلنتاج]١[.
ضا إلى ابتك ار أفك ار جدي دة مفي دة ومقبول ة اجتماع ّي ا ً عن د تطبيقه ا ،كم ا تم ّكن
يهدف اإلبداع أي ً
صاحبها من التوصّل به إلى أفك ار جدي دة واس تعماالت غ ير مألوف ة ،وأن يمتل ك ص فات تض ّم
الطالقة ،والمرونة ،واإلسهاب ،والحساسيّة للمشكالت ،وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها ،ويع ّد
اإلبداع إحدى العمليّات الّتي تؤ ّدي إلى تطوّ ر نتاجات ت ّتصف بالحداث ة والجد ّي ة من خالل تموي ل
معايير ومبادئ وضعها اإلنسان]٢[. ٍ أشياء في بيئة اإلنسان ،ويجب أن يستند إلى
مبدعا؟
ً كيف أكون
ال ُتعت بر طري ق اإلب داع طريق ة س هلة ،ب ل هي طريق ة طويل ة تحت اج للص بر والعزيم ة
واالستمراريّة ،وهناك ع ّدة نصائح رئيسيّة لمن أراد أن يكون مبدعً ا ومن أهمّها ما يأتي]٥[:
التطور المستمر
ّ
يُع ّد تكريس النفس لتطوير القدرات اإلبداعيّة واس تثمار ال وقت في تطويره ا هي أوّ ل خط وة في
أن يكون الفرد مبد ًعا ،فاإلبداع بدون تطوير واستثمار وتدريب ال معنى ل ه ،وله ذا يُنص ح دو ًم ا
بتخص يص وقت ي وميّ للممارس ة المه ارات ال تي يمتلكه ا الف رد مث ل الرس م ،أو التص وير ،أو
الكتابة وغيرها ،مع ضرورة تج ّنب التأجيل والمماطلة ،كما يُنصح بطلب المساعدة من اآلخ رين
إن لزم ذلك.
إشباع الفضول
يُع ّد الفضول هو المحرّك األساسيّ لإلب داع ،ومن أب رز عوائ ق اإلب داع والتط وّ ر ه و كبح ذل ك
الفضول ،فالفضول هو ما يدفع الفرد للبحث عن إجاب ات أس ئلته واستكش افها والتع رّف وتجرب ة
ك ّل ما هو جديد
المخاطرة
ّ
يجب أن يكون الفرد الذي يتطلع ألن يك ون مب د ًعا أن يتح ّم ل مخ اطر تعزي ز قدرات ه ومهارات ه
اإلبداعيّة ،فقد يحصل أنّ جهو ًدا مبذولة ال تؤ ّدي إلى النجاح المطلوب ،وفي هذا الحال ة علي ه أن
ال ييأس ويستم ّر في تعزيز موهبته وبناء مهاراته وتجربة طرق وأس اليب جدي دة باس تمرار ،كم
أنّ علي ه أن يتق ّب ل أيّ نق د خالل مس يرته ويتج اوزه وال يس مح ل ه بالت أثير على عزيمت ه.
يقول القاص والشاعر سعود آل سمرة :اإلبداع ال يرتبط ب زمن مح دد ،ولكن ثم ة أوق ات يتس نى
فيها اإللهام ،ويتحسن الم زاج ،لتص بح القابلي ة لإلب داع أك ثر من ذي قب ل ،وتتمث ل في :الص فاء
واله دوء قب ل الفج ر ،وبك ور الص باحات ،وفي المس اءات الهادئ ة البعي دة عن الص خب ،فه ذه
م واطن ثري ة لإلله ام ،كم ا أن لفص ول الس نة المختلف ة تأثيراته ا على م زاج المب دع من خالل
التغييرات التي تحدث في الطقس ،فقد تحدث تأثيرات على البعض ،وترتبط المواسم والمناس بات
الديني ة باإلب داع بش كل أو آخ ر ،وأرى أن ألمس يات رمض ان الجميل ة أثره ا اإليج ابي في ه ذا
الجانب،
جميع المسلمين في لهفة الستقبال شهر رمضان الكريم ،فهو شهر العطاء والخير ،وهو شهر
برنامج عمليّ يخص مفردة التغيير االجتماعي،
ٍ صالح أن يكون منطلقا ً للتغيير ،وبه قابلية إنشاء
ومن ميزات و صفات هذا الشهر كونه هو منشأ هذه الصالحية والقابلية وسنوضح بعضها في
هذه السطور:
ولو طبقنا هذه القاعدة على شهر رمضان 29إلى 30يوماً ،هذا يعني استمرار النجاح في هذه
العبادة العظيمة 30يومًا -أي 30مرة -فتتك ّرر عملية اإلمساك من الصباح وإلى المغرب ،فال
تشرب وال تأكل وال تسب وال تفسق ،وهذا يمثل برمجة ناجحة ومنتظمة في مشروع التغيير،
وهذه صفة عظيمة في شهر رمضان ،فصيام ثالثين يوما ً بأكملها من رمضان برنامج يتصف
باالستمرارية
من ميزات هذا الشهر الفضيل أ ّنه يعلّم المسلم اتخاذ القرار ،وهي مشكلة يواجهها الكثير من
صاحب
َ الناس ويعانون االضطراب في السلوك نتيجة فقدانها ،واإلنسان القوي يكون إنسانا ً
قرار ،بعيداً عن التلكؤ والتردد في الحكم ،فالتردد والخوف ال يُنشِ ئ نفوسً ا ضعيفة فحسْ ب بل
يأتي بأمراض نفسية وجسمانية أيضاً ،والتردد في القرار تبدأ خطواته األولى في اتخاذ قرارات
صغيرة ثم يكبر حتى يصبح ملكة وعادة ،وأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة و
صغيرة فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات النظرات وحركات اليد والرجل وغير
ذلك من المواقف المختلفة التي تحتويها ساعات اليوم ،كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو
بغير وعي في الدقيقة بل والثانية الواحدة ،تصور تردد في مثل هذه القرارات ،إن ذلك يعني
مشاكل كثيرة صحية ونفسية.
وشهر رمضان يعوّ د على اتخاذ القرار فاإلنسان عندما يريد أن يصوم ،فإ ّنه يتخذ القرار بنيّة
الصيام وهكذا يتخذ القرار باإلمساك وقت اإلمساك وكذلك يتخذ القرار بالفطور وقت الفطور
وغير ذلك ،فإذا تعوّ د اإلنسان اتخاذ القرار طيلة فترة شهر رمضان فإنه سوف يتبرمج على
اتخاذ القرار مما يجعل اإلنسان أكثر قوّ ة وإرادة.
الصفة الثالثة :اإلنجاز:
التغيير يبدأ من داخل اإلنسان وليس من خارجه كما نرى ثقافة بعض الشعوب ترجع في حل
مشكالتها وتغيير واقعها الى مشعوذ أو كاهن أو معالج روحي أو حتى الى عطار ..التغيير أوالً
وقبل كل شيء من عند هللا ،وهللا وضعه في داخل اإلنسان ،قال تعالىِ( :إنَّ هللا ال ي َُغ ِّي ُر َما ِب َق ْو ٍم
َح َّتى ُي َغ ِّيرُوا َما ِبَأ ْنفُسِ ِه ْم)[.]2
شهر رمضان يعلّم اإلنسان اإلنجاز في فترة تدريبية عملية مدة ثالثين يوما ً متصلة يصوم المسلم
نهاره ويقوم ليله فيشعر في نهاية الشهر أنه ح ّقق ربحا ً كبيراً وأنجزت عمالً عظيماً ،وطبائع
الناس تبدأ متحمّسة فتخف الحماسة مع األيام ،أما شهر رمضان فيعلّم اإلنسان كيف ينجز أمراً
عباد ّيا ً بإرادة قوية ثم تصبح أقوى بعد أيام ،فإذا طالت الم ّدة تقوّ ت اإلرادة أكثر على غير عادة
الكسالى فيقضي المسلم ليله في التعبّد ونهاره في التالوة والذكر ،فإذا قربت النهاية زيد من عمله
كثف أكثر ثم إذا قربتفدخل في الليالي األكثر بركة وهكذا يكون اإلنجاز الصحيح ،ابدأ عمالً ثم ّ
من اإلنجاز فش ّد أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام.
يكاد يُجمع العارفون والباحثون في موضوع اإلبداع على أن اإلبداع خروج عن المألوف ،وما
أحوج اإلنسان في كل زمان وبالذات في هذا الزمان إلى اإلبداع والتجديد ،كما أن كسر الروتين
والخروج عن المألوف أحد األعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة ،وكلُّنا
معتادون على أن نقوم في وقت وننام في وقت ونذهب إلى العمل أو الدراسة ونعود ونأكل
ونشرب ونتسوّ ق إلى غير ذلك من أمور الدنيا في وقت مح ّدد في الغالب ،وعندما يأتي علينا
شهر رمضان المبارك تتغير علينا األمور ونخرج عن المألوف والروتين المستمر وتتجدد علينا
الحياة.
كار ٌ -التدبر هو الغاية التي أرادها هللاُ من إنزال كتابه ،كما قال -تعالىِ { :-كتَ ابٌ َأ ْنزَ ْلنَ اهُ ِإلَ ْي َ
ك ُمبَ َ
لِيَ َّدبَّرُوا آيَاتِ ِه}[ص.]29 :
ومما يُ ِعين عليه:
-فَهْم المعنى األصلي.
-النظر إلى تفسير السّلف ،وأحوالهم مع اآليات.
-النظر لجوانب اإليمان والعمل.
َ -عرْ ض اآليات على النفس ،ومحاسبتها.
-استخراج القواعد المنهجية والسنن اإللهية ،والتعامل بها .
من أهم العقبات:
-االنشغال بتفاصيل التفسير.
-االنشغال باالستنباطات واألسرار التعبيرية.
صل لمراتب عليا من التدبّر ،لكن يجب وهذه وظيفة العلماء والمتخصصين ،وهي مرتبة رفيعة تو ِ
صص فيها فتشغله عن جوانب اإليمان والعمل .أما غير المتخصص فال يليق به أاّل يستغرق المتخ ّ
االنشغال بها وهو غير مؤهّل لذلك.
وهناك صوارف تصرف عن التدبّر ،من أهمها:
-االنصراف عن القرآن وعدم تعظيمه.
-االنشغال بالدنيا عن كتاب هللا.
-انصراف القلب لشهوات النفس.
من أهم األخطاء:
َّ
علم بكتاب هللا ،وق د عظم هللاُ ذل ك بقول ه: -الجرأة على كتاب هللا باستنباط تدبرات دقيقة من غير ٍ
ك بِ ِه ِع ْل ٌم}[اإلسراء.]36 : {واَل تَ ْقفُ َما لَي َ
ْس لَ َ َ
-االستشهاد بالقرآن على مفاهيم ونظريات معاصرة محتملة ربم ا تك ون خاطئ ة ،والق رآن أص ٌل
في استخالص القواعد والمنهجيات وليس هو تابعًا ،ويُستشهَد به على الحقائق الثابتة باألدلة.
-الصحابة منهجهم واضح ُمطّرد كما وصفه ابن مسعود« :كان الرجل منّا إذا تعلّم عش ر آي ات لم
يتجاوزها حتى يعلم ما فيها من العلم والعمل».
ففهمهم للقرآن مبن ّي على أمرين :علم وعمل .ولذلك تجد تفسيراتهم دائرة على هذين األمرين.
ت بِِإ ْذ ِن هَّللا ِ}[ف اطر .]32 :تج د أق والهم ق ْ
بِال َخ ْي َرا ِ فمثاًل في تفسيرهم لقوله -تعالىَ { :-و ِم ْنهُ ْم َس ابِ ٌ
تدور على صور وأمثلة عملية للسابق وه و م ا يس َّمى التفس ير بالمث ال ،وه و ي د ّل على عن ايتهم
بالعمل مع العلم .ف َمن رام منهجهم فليسلك سبيلهم بالجمع بين العلم والعمل في اآليات.
إن رمضانَ مدرسةٌ للبناء الروحي وإعادة الروح للقرآن ،لكن مشكلتنا أننا نسقي ال روح ِإي وربي ّ
الس قيا بع ده فتض عف ال روح وتج ّ
ف من ابع حياته ا بالقرآن في رمض ان فتنتعش وتحي ا ثم نقط ع ُّ
بهدايات كتاب ربها ،والواجب أن يكون المسلم في عالقة ب القرآن دو ًم ا ،ويك ون رمض ان مج ددًا
للعزم ،كما كان رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -أجود الناس في سائر عا ِم ِه ،وأجود ما يكون في
رمضان.