Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫جاك ليكوك وشعرية الجسد‬

‫يعتبر جاك ليكوك من أهم المخرجين المعاصرين الذين أرسوا اإلخراج المسرحي على أساس الواقعية الجسدية وشعرية الحركة‪ ،‬ويعني هذا أن جاك‬
‫ليكوك من المخرجين الذين اهتموا كثيرا بفن الجسد وبالغة الحركة ومسرح األلعاب البدنية والرياضية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتميز مسرحه بالديناميكية األدائية‬
‫‪.‬ودراسة اإلشارات اللفظية واإليماءات الصامتة والكوريغرافيا البصرية والتجريد الميمي‬

‫وقد استطاع جاك ليكوك بكل مهارة ودراية احترافية أن يجعل من الركح المسرحي حلبة للصراع العضلي وفضاء للتعبير الديناميكي الذي ينصب‬
‫على إظهار مقومات الجسد بمافيه الوجه واليدين وباقي أعضاء الجسم كله‪ ،‬كما ركز كثيرا على سيميولوجية الحركة واإلشارة داخل العرض‬
‫‪.‬السينوغرافي من أجل خلق مشاهد فنية وجمالية رائعة ومثيرة تشد بلب المتفرج وتسحر بصره وتأخذ بوجدانه‬

‫والجديد الذي أتى به جاك ليكوك هو أنه أدخل الرياضة البدنية واأللعاب العضلية في عالم المسرح‪ ،‬وأعطى الدور الكبير للصمت والحركة والقناع‬
‫على حساب اللفظ من أجل تغيير المسرح األوربي الذي كان مرتبطا أيما ارتباط بالكلمة الحوارية‪ ،‬و تشبه ثورة جاك ليكوك التجديدية ما قام به كل‬
‫‪.‬من جاك كوبوه وأنطونان أرطو حينما رفضا المسرح الغربي ودعيا إلى مسرح حركي بديل‬

‫من هو جاك ليكوك؟ ‪1-‬‬

‫ولد الفرنسي جاك ليكوك بباريس في ‪ 15‬دجنبر ‪1921‬م وتوفي في‪ 19‬يناير ‪1999‬م‪ ،‬ويعرف جاك ليكوك بكونه ممثال ومخرجا ورياضيا‬
‫‪.‬وكوريغرافيا وبيداغوجيا‬

‫ويعد أيضا من كبار األساتذة المعاصرين الذين اهتموا بتدريب الممثل في القرن العشرين في مجال الميم المسرحي والشقلبة البهلوانية واألقنعة‬
‫‪.‬والكوميديا الهزلية وتشغيل الراوي في المسرحيات المنصبة حول التراجيديات القديمة‬

‫بدأ جاك ليكوك حياته المهنية أستاذا للرياضة والتربية البدنية‪ ،‬وعرف بحبه للعدو الريفي والسباحة‪ ،،‬وتعلم التمثيل في فرقة جان داستيه‪ ،‬واستفاد كثير‬
‫‪.‬من الكوميديا اإليطالية " دي الرتي " على مستوى الجسدي والحركي‬

‫واهتم جاك ليكوك كثيرا بفلسفة القناع ودوره السيميائي في المجال المسرحي والسينوغرافي‪ ،‬وتوصل مع صديقه النحات اإليطالي أمليتو سارتوري‬
‫‪.‬إلى إبداع ما يسمى بالقناع المحايد‬

‫هذا‪ ،‬وقد وجهه صديقه داريو فو إلى االهتمام بالكوريغرافيا وشعرية الحركة والجسد؛ مما أهله هذا األمر إلخراج مجموعة من التراجيديا اليونانية‬
‫‪.‬على ضوء الكوليغرافيا المعاصرة و بالغة الجسد والتعبير الحركي‬

‫‪.‬وقد أسس جاك ليكوك سنة ‪1956‬م بباريس المدرسة العالمية للمسرح والميم‪ ،‬وقد تولى فيها التدريس وتدريب الطلبة وهواة الدراما والكوليغرافيا‬

‫‪.‬وفي سنة ‪1977‬م‪ ،‬أنشأ ليكوك مختبره لدراسة حركات الجسد‪ ،‬والبحث عن عالقات اإليقاع والفضاء المشهدي بالسينوغرفيا الركحية‬

‫‪:‬مدرسة جاك ليكوك ‪2-‬‬

‫تخرج من مدرسة جاك ليكوك كثير من عشاق المسرح وهواة الدراما والكوريغرافيا‪ ،‬ومن بين هؤالء أريان منوشكين التي اقترن اسمها بمسرح‬
‫‪...‬الشمس‪ ،‬وفيليب أفرون‪ ،‬ولوك بوندي‪ ،‬وكريستوف مارتالير‪ ،‬وياسمينة رضا‪ ،‬ومومن شانز‪...‬واليهودي عميرام أتياس وآخرين‬

‫وتضم مدرسة ليكوك كل من يرغب في معرفة شعرية الجسد‪ ،‬ويريد تعلم تقنيات التمثيل والتشخيص واإلخراج المسرحي والتعرف على نظريات‬
‫‪.‬المسرح وطرائق اإلخراج والكتابة الدرامية وبناء السينوغرافيا وتأثيث الركح‬

‫ويقول الدكتور شاكر عبد الحميد عن هذه المدرسة‪ ":‬أنشأ ليكوك مدرسته الخاصة لتدريب الممثلين عام ‪1956‬م في باريس‪ ،‬وقد كان ليكوك يقول‪ :‬إن‬
‫الممثل يكتب بجسده في الفضاء المسرحي‪ ،‬مثلما يكتب المؤلف المسرحي بقلمه على صفحة بيضاء‪ ،‬وربما ألنه بدأ حياته العبا رياضيا‪ ،‬فإنه كان‬
‫مهتما بالقدرات الخاصة للجسد اإلنساني‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإنه خالل اهتمامه بالمسرح وتطويره ألساليبه المسرحية كان يشير كثيرا إلى أن أي حركة تقوم بها‬
‫تحمل معنى ما‪ ،‬سواء كنا نقصد ذلك أو النقصده‪ ،‬وكذلك أن الدافع الجسمي‪ ،‬دافع الحركة والتعبير الحركي‪ ،‬هو من األمور المالزمة على نحو أصيل‬
‫‪".‬لتفكيرنا وانفعاالتنا وأداءاتنا بشكل عام‬

‫ويدرس الطلبة في مدرسة ليكوك سنتين متتابعتين‪ :‬ففي السنة األولى يتم التركيز على مالحظة حركات الناس ودراسة سيكولوجيا الشخصية‪ .‬أما‬
‫الدروس فتنصب حول استكشاف عالم األقنعة واأللعاب البهلوانية والشقلبات السيركية وفنون الصراع وتحليل الحركات وتحديد دالالتها السيميائية‬
‫‪.‬والرمزية‬
‫كما يتم االهتمام بالميم واأللعاب العضلية والفرجوية‪ ،‬وتمثيل الحياة عن طريق المحاكاة والتقليد واللعب‪ ،‬ودراسة القناع من خالل ثالث خاصيات‬
‫أساسية وهي‪ :‬الصمت والهدوء والتوازن‪ ،‬عالوة على دراسة الطبيعة في عالقتها الجدلية بالشخصية من خالل التركيز على العناصر و المواد‪،‬‬
‫‪.‬واإلضاءة واأللوان‪ ،‬والنباتات والحيوان‬
‫‪.‬وتركز الدراسات النظرية على األقنعة وأدوارها األيقونية والتعبيرية والوظيفية والبدائية‬

‫‪.‬كما يتم االهتمام بتدريب الشخصيات على المواقف الدرامية ودراسة تصرفاتها ورغباتها وأهوائها‬

‫ويدرس الطالب أيضا على ضوء رؤية ديناميكية الفنون الجميلة كالشعر والرسم والموسيقى في عالقة هرمونية بمسرح األشياء وتحوالته الزمانية‬
‫‪.‬والمكانية‬

‫وعلى مستوى التعلم الذاتي‪ ،‬يطلب من التالميذ كل أسبوع توظيف خيالهم من أجل تحقيق إبداعاتهم داخل الجماعة‪ ،‬وتعرض أعمالهم في نهاية‬
‫‪.‬األسبوع أمام مجموعة من األستذة الذين يخضعون إنتاجاتهم للمناقشة والتقويم‬


‫ويطلب منهم أيضا إنجاز أبحاث ميدانية حول عادات الناس وتصرفاتهم في األماكن اآلهلة والمزدحمة بالبشر استعدادا لتشخيصها فوق خشبة المسرح‬
‫‪.‬إلثارة الجمهور واستفزازه‬

‫وتخصص السنة الثانية لإلنتاج اإلبداعي من خالل استثمار ما درسه الطالب في السنة األولى في مجال المونودراما‪ ،‬والكوميديا الهزلية‪ ،‬والتراجيديا‪،‬‬
‫‪...‬والتهريج البهلواني‪ ،‬والكوميديا اإلنسانية‬


‫ويدرس الطلبة كذلك لغة الحركات‪ ،‬والبانتوميم‪ ،‬والحكايات الميمية‪ ،‬وتشخيص المشاعر على ضوء التمسرح الميلودرامي‪ ،‬والتدريب على الكوميديا‬
‫اإلنسانية المقنعة والكوميديا الهزلية المجتمعية والفانطاستيكية والكروتيسكية‪ ،‬والتمثيل في شكل جماعات وفرق‪ ،‬ودراسة تراجيديا الراوي‬
‫‪.‬والبطل‪،‬وتمثل تقنيات المهرج والبهلوان السيركي والمسرحي مع استيعاب قواعد الكوميك‬

‫‪.‬وال ننسى أيضا التعمق في دراسة النصوص المسرحية الكالسيكية والمعاصرة مع التركيز على الكتابة المسرحية ومقومات الدراماتورجيا الدرامية‬

‫وعلى المستوى اإلنجاز الشخصي‪ ،‬يعرض الطلبة أعمالهم على المدرسين في نهاية كل أسبوع‪ ،‬كما تعرض أعمال الطلبة المنجزة أيضا على‬
‫‪.‬الجمهور كل ثالثة أشهر‬

‫‪.‬وفي نهاية السنة الدراسية‪ ،‬يقدم الطلبة عرضا مسرحيا محددا من حيث الموضوع والوقت لمعرفة قدراتهم الكفائية في مجال المسرح والدراما‬

‫‪.‬وعليه‪ ،‬فمدرسة جاك ليكوك تستعمل بشكل بارز تقنية التكنيك األكروباتيكي من خالل الجمع بين أسلوب إتيان دوكرو وأسلوب جان داست‬

‫ومن ثم‪ ،‬تتميز المدرسة الليكوكية ببالغة الجسم وديناميكية العضالت‪ ،‬وتنطلق من شعرية الجسد وبالغة الحركة و التركيز على الشعار الحيوي‪" :‬‬
‫‪.‬فلنتحرك جميعا" فوق خشبة المسرح‬

‫تدريب الممثلين حركيا‬

‫‪:‬مؤلفات جاك لكوك ‪3-‬‬

‫من المعروف أن لجاك ليكوك مجموعة من الدراسات النظرية والتطبيقية التي تعرف بمدرسته المسرحية واإلخراجية بله عن دروسه التي كان يقدمها‬
‫‪.‬لطلبته حول شعرية الجسم وبالغة الجسد والحركة‬

‫‪.‬ومن أهم مؤلفات جاك ليكوك البارزة كتابه‪ ":‬مسرح الميم والحركة" الذي ترجم إلى عدة لغات ومنها‪ :‬اللغة اإلنجليزية‬

‫‪.‬كما ألف كتابا آخر بعنوان‪ ":‬شعرية الجسد يشرح فيه نظريته المسرحية وتصوره الميزانسيني القائم على بالغة الجسد والواقعية الجسمية والحركية‬

‫‪.‬وكان ليكوك ينتقل من بلد إلى آخر ليلقي مجموعة من دروسه النظرية والتطبيقية حول شعرية الجسد والحركة الديناميكية‬

‫‪:‬مصادر مسرح جاك ليكوك ‪4-‬‬

‫تأثر جاك ليكوك بالميم (التمثيل الصامت) المعروف قديما وحديثا‪ ،‬فطوره على ضوء أساليب تقنية معاصرة استوحى فيها نظريات أساتذته المبدعين‬
‫كجاك كبوه‪ ،‬وفرانسوا ديل سارتو (‪1871-1811‬م)‪ ،‬وإتيان دوكرو‪ ،‬وإليان غويو‪ ،‬وجان داست‪ ،‬وماريا هيلين داست‪ ،‬وهوراتسيو كوستا‪ ،‬وغابرييل‬
‫‪.‬كوزان‬

‫ويالحظ أيضا أنه تأثر كثيرا بمارسيل مارسو الذي قال‪ ":‬إن الحركة اإليمائي هي جوهر المسرح‪ ،‬كما أن مارسو هذا سيؤسس عام ‪ -1978‬في‬
‫‪ ".‬باريس‪ -‬ما سماه " مدرسة الميمودراما" أو مدرسة الدراما اإليمائية"‪ ،‬وقد خصصها للتعلم والتدريب المناسبين في هذا المجال‬
‫كما تأثر جاك ليكوك بالفارس والسيرك الغربي وبفن كوميديا " دي الرتي" وطريقتها االرتجالية والكوميدية والحركية‪ ،‬كما استوعب مقومات المسرح‬
‫‪.‬األنتروبولوجي األفريقي واآلسيوي واألمريكي‬

‫‪:‬مفهوم جاك ليكوك للممثل ‪5-‬‬

‫من المعروف أن هناك ثالثة نصوص أساسية في مجال المسرح‪ :‬نص المؤلف ونص المخرج ونص المتلقي‪ ،‬بيد أن جاك ليكوك يتحدث عن نص‬
‫جديد وهو نص الممثل؛ ألنه يكتب نصه عن طريق الحركة والجسد مستعمال في ذلك طاقته التشخيصية الذاتية وذكاءه الفردي الخاص‪ ،‬وعبقريته‬
‫‪.‬الحدسية في توليد الحركات اإلبداعية المناسبة لسياقات التمثيل والتشخيص الدرامي‬

‫ومن هنا‪ ،‬فالممثل الحقيقي حسب ليكوك هو الذي يشغل جسده بطريقة رياضية وأكروباتيكية‪ ،‬ويحسن الصراع الجسدي‪ ،‬ويتحكم في إيقاع بدنه في‬
‫تناغم مع الفضاء السينوغرافي‪ .‬كما أن هذا الممثل مطالب بمعرفة الميم واالشتغال الجيد على األقنعة و الكوميديا الهزلية والتهريج‪ ،‬وهو مطالب أيضا‬
‫‪.‬بإتقان فن المحاكاة والسخرية والباروديا واأللعاب السركية والشقلبة المسرحية واللعب البهلواني‬


‫ويشترط فيه كذلك حسن التموقع الفردي والتموقع الجماعي على خشبة الركح‪ .‬ويعني هذا أن الممثل عند ليكوك قد أصبح العبا رياضيا ومصارعا‬
‫‪.‬بدنيا يوظف جسمه ولياقته بطريقة درامية إلقناع الجمهور والتأثير عليه‬

‫ويبدو لنا من كل هذا أن طرائق تدريب الممثل كما طورها جاك ليكوك على امتداد ثالثين سنة أو يزيد عبارة عن أساليب‪ ":‬غير مألوفة وجديدة في‬
‫تشجيع الممثل على اكتشاف أسلوبه الخاص‪ ،‬بدال من فرض أسلوب معين في األداء عليه‪ .‬وقد طور ليكوك أساليبه هذه في ظل أفكار تنامت في فرنسا‬
‫في بداية سبعينيات القرن العشرين‪ ،‬فحواها أنه من المهم التركيز على العملية المسرحية أكثر من االهتمام بالناتج فقط‪ ،‬أي ضرورة االهتمام بالعملية‬
‫التي يتطور من خاللها النص المسرحي وليس المنتج النهائي الذي يؤدي أمام الجمهور‪ .‬وقد تطلب ذلك أن يعاد تعريف مفهوم النص في المسرح‬
‫فقيل‪ :‬إن ذلك التعارض الثنائي القديم الذي يميز بين نص الكاتب وأداء الممثل لم يعد تمييزا مقبوال‪ ،‬وإن الممثل نفسه يقوم بتوليد نصه الخاص‪ ،‬وإن‬
‫هذا النص‪ ،‬خاصة عندما يفهم جيدا‪ ،‬وعندما يندمج مع الكلمات والحركة واإليماءة والرقص والموسيقى واإلضاءة وغيرها من المكونات المسرحية‬
‫‪.‬سيكون له تأثيره البالغ والمهم في الجمهور‬

‫ويقصد بهذا أن أهم نص مسرحي ليس هو نص المؤلف الذي يمكن االستغناء عنه‪ ،‬بل هو نص الممثل الذي يحوله عن طريق الحركة الحية إلى‬
‫‪.‬عرض سينوغرافي ساحر ورائع‬

‫إذا‪ ،‬فبمجرد‪ ":‬بداية األداء قد يكتب نص جديد‪ ،‬وإن االرتجال واإليماءات الحرة أو الموجهة‪ ،‬قد تكتب نصا خاصا‪ ،‬يؤدي‪ ،‬تكون والدته األولى‬
‫والوحيدة مع بداية األداء‪ ،‬من دون نص مكتوب سابق‪ ،‬وقد تكون له والدته الثابتة إذا كان هناك نص مكتوب يمثل نقطة االنطالق لهذه الوالدة الثانية‬
‫"‪.‬على خشبة المسرح‬

‫يستند تدريب جاك ليكوك للممثل إلى الحركة واإليماءة كأساس للعمل‪ ،‬وينتقل الممثل من الدراما الميمية إلى الكالم الحواري‪ ،‬ويستلزم تدريبه الميمي‬
‫أن يراقب جيدا الطبيعة التي تحيط به ويالحظ أيضا الحياة االجتماعية للناس عن طريق الجسد الذي يستعمله المالحظ في االحتكاك باآلخرين‬
‫‪.‬واالتصال بالطبيعة‬

‫ومن هنا‪ ،‬يتحدث ليكوك عن الميم الديناميكي والجيودراماتيك‪ ،‬وتدريب الممثل على أداء التراجيديات القديمة والكوميديا دي الرتي والبانتوميم‬
‫‪.‬والميلودراما‬

‫ويركز ليكوك في تدريب ممثله على التجمهر ولعبة القناع والتهريج الدرامي وتوظيف عضالت الجسم وشعرية الجسد في حركة متناسقة وهرمونية‬
‫‪.‬منسجمة مع إيقاعات السينوغرافيا المسرحية وأنغام الموسيقى الموحية‬

‫‪:‬التصور الميزانسيني عند جاك ليكوك ‪5-‬‬

‫يستند التصور الميزانسيني " اإلخراجي" عند جاك ليكوك على االهتمام بشعرية الجسد في مجال المسرح من خالل التركيز على الميم والبانتوميم‬
‫والكوريغرافيا وحركة التهريج والشقلبة السيركية وتوظيف األقنعة الموحية ودراسة الراوي عالوة على البحث في الحركات الدرامية وتشريحها بدقة‬
‫‪.‬داللية وسيميائية وأيقونية‬

‫كما ركز جاك ليكوك على الفضاء الركحي واإليقاع الدرامي والحركي في عالقتهما بالسينوغرافيا الجسدية أوسينوغرافيا الكتل البشرية‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫تتحول السينوغرافيا المشهدية عند ليكوك إلى فيلم حركي وفضاء للمبارزة والمصارعة القتالية وملعب للرياضة البدنية ومجال لفنون القتال ومرقص‬
‫‪.‬للجسد المتحرك بحيوية ديناميكية على أمواج الموسيقى الموحية واإلضاءة الخافتة والمتوهجة فنا وجماال‬

‫ويهتم جاك ليكوك بدراسة الوجه واليدين وحركات العضالت الجسمية وتقنيات التحرك والمشي وتموقع الرجلين مع التركيز على النظرات والحركات‬
‫‪.‬األيقونية واإلشارات الميمية واللغات الجسدية ومختلف األلعاب البهلوانية والسيركية والتهريجية والتجمهر الجماعي والتشخيص الكوميكي الفكاهي‬
‫كما يهتم أيضا بالمحاكاة الصادقة العميقة الجذور التي تمتد إلى‪":‬ماوراء التشابه البسيط في الجسم أو الصوت‪ ،‬تمتد إلى ماوراء التشابه الخاص في‬
‫الشكل الخارجي‪ ،‬إلى المحاكاة الخاصة العميقة للمعنى‪ ،‬وهي محاكاة تمتد من أشكالها البسيطة التي تتمثل في سلوك الطفل التلقائي إلى المحاكاة‬
‫العميقة التي نجدها لدى الممثل أو في الفن عموما‪ ،‬المحاكاة هنا ليست هي المحاكاة السطحية المرآوية الساذجة‪ ،‬بل المحاكاة التي تقوم على أساس‬
‫الخيال وعلى أساس القرب من عمق الشخص الذي تتم محاكاته ومن جوهر انفعاالته وأفكاره أيضا‪ ،‬جوهره الذي قد اليكون واضحا ظاهرا من خالل‬
‫شكله الظاهري وأدائه الواضح‪ ،‬بل من خالل ما قد يكون كامنا وراء السطح وخلف المظهر‪.‬هنا نقترب أكثر من مفهوم المحاكاة اإليمائية المحاكاة‬
‫‪".‬والمحاكاة التنافسية أي المحاكاة بقصد اإلتقان واإلضافة والتفوق‬

‫وعلى أي حال‪ ،‬فهذه الطريقة التي ابتدعها جاك ليكوك مخالفة لطريقة قسطنطين ستانسالفسكي وأستوديو الممثل لكونها تركز بشكل أساسي على‬
‫طاقات الممثل الجسمية وشعرية جسده وحركاته الذاتية ومقوماته العضلية والبدنية‪ "،‬فمع تزايد اهتمام المخرجين المؤدين والجمهور باإلبداع الخاص‬
‫بالممثل‪ ،‬تزايد الشعور بالحاجة إلى استكشاف أساليب مختلفة في التدريب للممثلين‪ .‬وقد شعر البعض أن أسلوب ستانسالفسكي لن يكون مفيدا بدرجة‬
‫كبيرة بالنسبة إلى الممثلين الذين يحاولون خلق(إبداع) مادتهم الخاصة‪ ،‬أسلوبهم الخاص‪ ،‬بدال من البداية من نص مكتوب‪ .‬هنا‪ ،‬كانت أفكار ليكوك‬
‫أكثر إلهاما‪ .‬هنا‪ ،‬اكتشفوا قدرا كبيرا من اإليماءات والتعبيرات الجسدية التي تمثل تراثا ثريا يعود إلى أساليب متنوعة خاصة بالبانتومايم (التمثيل‬
‫الصامت) والكوميديا االرتجالية (كوميديا دي الرتي)‪ ،‬وفن المايم وفناني المايم الحديثين في فرنسا خاصة في بداية القرن العشرين‪ ،‬إضافة إلى عالم‬
‫"‪.‬األكروبات والمهرجين ومسرح األقنعة القديم والحديث والكوميديا بأنواعها‪ ،‬وغيرها من األساليب التي تعتمد على الحركة‬

‫وينبني اإلخراج المسرحي عند ليكوك على تعديل نص المؤلف ليتالءم مع شعرية الجسد وتفاصيل الكوريغرافيا الهرمونية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ينتقل إلى كتابة‬
‫الممثل الجسدية من خالل تدريبه على قوانين الحركة واللعب والشكل والفضاء‪ .‬ويعني هذا أن النص الدرامي ينبغي أن يكون نصا جسديا ميميا ومقنعا‬
‫يقوم على اللعب األكروباتيكي وتوظيف تقنيات الصراع والمبارزة واللعب البهلواني واستعمال السخرية والباروديا والتهريج والفكاهة الهازلة‪ .‬وتساهم‬
‫‪.‬السينوغرافيا اإليقاعية والضوئية والفضائية في إثراء السياقات الجسدية للممثل وتشكيلها فنيا وجماليا ودراميا‬

‫وقد كان ليكوك في تصوره اإلخراجي يستكشف‪ ":‬قوانين الحركة في المسرح‪ ،‬وفي الحياة بشكل عام‪ ،‬حركة الجسم المرتبطة بانفعاالته ومشاعره‬
‫المتنوعة وعلى أساس مجموعة من التجارب وعمليات التجريب بالجسد‪ ،‬وقد كان يسعى دوما باحثا عن طرائق الكتشاف األبعاد الخيالية والشعرية‬
‫للحركة‪ ،‬إضافة إلى أبعاد هذه الحركة الجسمية وطرائقها المتنوعة في التعبير أيضا‪ ،‬حيث كانت اإليماءة هي أساس األداء والخيال المسرحي لدى‬
‫‪.‬ليكوك‬

‫هكذا‪ ،‬فإنه بينما كان ستانسالفسكي يؤكد " الواقعية النفسية" لألداء‪ ،‬فإن ليكوك يؤكد الواقعية الجسمية والحركية له‪،‬أي قدرة الحركة على التعبير حتى‬
‫لو كانت صامتة‪ ،‬فاللغة هنا لغة اإليماءة التي تقوم على أساس التحرير للخيال الجسدي للمثل كما أشارت أريان منوشكين‪ ،‬وقد كانت شديدة التأثر في‬
‫‪".‬مسرحها بأفكار ليكوك‬

‫يشغل جاك ليكوك ديناميكية الجسد في العمل المسرحي باعتبار أن الجسد هو العنصر الحي األساسي في اإلنسان‪ ،‬فيتم نقل كل مايتحرك إلى المسرح‬
‫‪.‬عبر الجسد ومكوناته الرئيسة‪ ،‬كما يطبق جاك لكوك القوانين العالمية للحركة الجسدية في ميدان المسرح وتدريب الممثل‬

‫وتستفيد منهجية جاك ليكوك من جميع التقنيات والتصورات اإلخراجية المسرحية قديما وحديثا‪ ،‬ويحاول ليكوك تجديدها وعصرنتها وقراءتها على‬
‫ضوء الحاضر باستغالل شعرية الجسد وبالغة الحركة وتقنيات الكوليغرافيا‪ .‬كما تمثل ليكوك التكنيك الكروباتيكي وفن الميم الذي قال عنه‪ ":‬ليس‬
‫‪".‬هناك شكل آخر للميم‪ ،‬فالميم هو كل شيء و قبل كل شيء في المسرح‬

‫‪:‬ويمكن اختزال التصور الميزانسيني لدى جاك ليكوك في الخطوات الموالية‬

‫االنطالق من نص مكتوب أو مرتجل أو حركي؛ ألن ليكوك اليستغني عن اللغة المكتوبة؛ *‬

‫إخضاع النص المنتقى لدراماتورجية الجسد والكوريغرافيا التعبيرية؛ *‬

‫تدريب الممثلين على األداء اإليمائي والعضلي والرياضي؛ *‬

‫االنطالق من الواقعية الجسدية لتجريب طاقات الممثل الحيوية والديناميكية؛ *‬

‫اكتشاف األبعاد الخيالية والشعرية للحركة؛ *‬

‫تحرير الخيال الجسدي للممثل؛ *‬

‫ربط األداء الحركي بالمحاكاة والخيال واالرتجال؛ *‬

‫المزاوجة بين اللغة اللفظية واللغة الصامتة‪ ،‬بيد أن اللغة المتلفظة قاصرة وعاجزة عن األداء مقارنة مع لغة الجسد وشعرية الحركة؛ *‬
‫االستعانة بالخيال الجسدي لتطوير قدرات الممثل على التمسرح والفعل الدرامي؛ *‬

‫مالحظة الممثلين لحياة الناس ومعايشتها بصدق في كل ثرائها وتجلياتها؛ *‬

‫دراسة الحركة الجسدية تحليال وتشخيصا؛ *‬

‫تطويع الحركية الجسدية مع سينوغرافيا الركح؛ *‬

‫التركيز على السينوغرافيا الجسدية والحركية؛ *‬

‫االهتمام بفن المقاتلة والصراع والتهريج والكوميك والميم والشقلبة السيركية؛ *‬

‫توظيف الرياضة البدنية واألقنعة المحايدة في العروض المسرحية؛ *‬

‫‪.‬فهم العالم وتفسيره عن طريق الجسد والحركة *‬

‫توظيف الرياضة البدنية في المسرح‬

‫‪:‬مكانة جان لكوك المسرحية ‪6-‬‬

‫من المعلوم أن لجاك ليكوك مكانة هامة في تاريخ اإلخراج المعاصر‪ ،‬والدليل على ذلك أنه استدعي مرات عدة من قبل الكثير من دول العالم ليقدم‬
‫‪.‬محاضرات حول نظريته المسرحية التي تسمى بشعرية الجسد أو بالغة الحركة أو الواقعية الجسدية أو مسرح اإليماءة أو مسرح القناع‬

‫‪.‬و يعد أيضا من مؤسسي بيداغوجيا المسرح التي أرسي دعائمها على التكنيك األكروباتيكي وفن الميم واالرتجال والرياضة البدنية‬


‫وتتجلى مكانته الكبرى في تأسيس السينوغرافيا العضلية والمشهدية البصرية الكوريغرافية على أسس علمية وفنية جديدة تنفتح على السيرك والرقص‬
‫‪.‬والباليه والسينما والتنشيط والمسرح والرياضة البدنية وفنون القتال والمصارعة‬

‫ومن اآلثار الدالة على قيمة جاك ليكوك ومكانته الهامة في المسرح الغربي أنه حاول أن يخلص المسرح العالمي من إسار الكلمة اللفظية والحوارات‬
‫اللغوية واستبدال كل ذلك بالصمت والميم والبانتوميم واأللعاب الرياضية وفنون المقاتلة والمبارزة‪ .‬عالوة على كونه ساهم في تكوين مجموعة من‬
‫األطر المسرحية من ممثلين ومخرجين ومنشطين ومدربين ومدرسين في مجال المسرح وأخص بالذكر المخرجة آريان منوشكين صاحبة مسرح‬
‫‪.‬الشمس بباريس‬

‫لقطة مشهدية عضلية‬

‫‪:‬تقويم تجربته المسرحية ‪7-‬‬

‫من أهم المالحظات التي يمكن الخروج منها بعد تأملنا في تجربة جاك ليكوك التنظيرية والتطبيقية أنه حول المسرح إلى كوريغرافيا عضلية ورياضة‬
‫بدنية ومصارعات قتالية وصمت حركي ميمودرامي‪ ،‬بيد أن المسرح تعبير لغوي أكثر مما هو تعبير جسدي‪ ،‬وحوار لفظي أكثر مما هو كوريغرافيا‬
‫‪.‬ولعب جسمي وعضلي‬

‫وعلى الرغم من هذه المالحظات الهينة‪ ،‬فإن جاك ليكوك أتى بنظرية درامية جديدة ويمكن حصرها في بالغة الجسد أو شعرية الحركة أو الواقعية‬
‫‪.‬الجسدية‬

‫‪:‬خاتمــــة‬

‫وخالصة القول‪ :‬يعتبر جاك ليكوك مخرجا فرنسيا متميزا في تاريخ اإلخراج العالمي بما قدمه من نظريات وتطبيقات ميزانسينية توحي بالتجديد‬
‫واإلبداع والحداثة وبالضبط حينما ربط تشخيص الممثل بالتربية البدنية واللعب الفيزيائي العضلي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يرتبط جاك ليكوك أيما ارتباط ببالغة‬
‫‪.‬الحركة وشعرية الجسد‬

‫وإذا كان المخرج الروسي قسطنطين ستانسالفسكي قد بلور ما يسمى بالواقعية النفسية‪ ،‬فإن جاك ليكوك قد أوجد نظرية جسدية تسمى بالواقعية‬
‫‪.‬الجسدية التي تستند إلى تطويع الجسد بطريقة ديناميكية لينسجم مع إيقاعات الموسيقى وجماليات السينوغرافيا المشهدية‬

‫‪.‬ومن هنا‪ ،‬يمكن القول بأن جاك ليكوك سيبقى خالدا في أرشيف المسرح الغربي بسبب تأسيسه لبالغة الجسد وشعرية الحركة ولعبة الميم والبانتوميم‬
‫]‪ [1‬‬

‫‪:‬المصادر والمراجع‪[1] ‬‬
‫د‪ .‬شاكر عبد الحميد‪ :‬الخيال من الكهف إلى الواقع االفتراضي‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‪ ،360:‬فبراير ‪2009‬م؛ ‪1-‬‬
‫‪2-A Regarder. Lecoq.J.: Theatre of Mime and gesture. Translated by Dvlid Bradly et.al.London: Routledge, 2006.‬‬

You might also like