معرفة الله في زمن الكورونا

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫معرفة اهلل يف زمن الكورونا‬

‫بقلم‪ :‬فاتن صربي‬

‫ال ملجأ من اهلل إال إيله!‬

‫لطاملا يف صغري أحببت عبارة" ال ملجأ من اهلل إال إيله" وكنت أرددها دائما ألستشعر قريب من اهلل‪ ،‬لكنين لم‬
‫أفهمها جيدا حىت حصل ميع موقف طريف منذ أكرث من عرشين اعما‪ ،‬عندما اكن ابين طفال صغريا ال يتجاوز‬
‫عمره اثلالثة أعوام‪ ،‬يرص ىلع ملس فرن الطيه وهو ساخن‪ ،‬حىت اضطررت أن أرضبه ىلع يده ألمنعه من العودة إىل‬
‫هذا اتلرصف؛ فبىك وأخذ جيول من ماكن إىل آخر يف املزنل ال يدري أين يذهب‪ ،‬تزامن هذا مع نداء أبيه هل لريضيه‪،‬‬
‫ا‬
‫لكن املفاجئة أنه اعد يل مبارشة بدال من اذلهاب ألبيه وبكى يف حجري مما أضحك وادله‪ ،‬وقال‪ :‬سبحان اهلل‪.‬‬

‫أما أنا فتذكرت قوهل تعاىل "ال ملجأ من اهلل إال إيله" وقلت يف نفيس اآلن فهمتها‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل يذكرنا عندما‬
‫نتعرض بلعض املصاعب للرجوع إيله لكما ابتعدنا عنه‪ ،‬وشعرت حينها بفرحة اعرمة‪.‬‬

‫فريوس الكورونا وحكمة اهلل‪:‬‬

‫إن ما يقع يف األرض من كوارث يترضر منها البرش اكألمراض‪ ،‬الرباكني‪ ،‬الزالزل والفيضانات‪ ،‬إنما يه جتليات‬
‫ألسماء اهلل وصفاته‪ ،‬ويه يف نفس الوقت بمثابة ابتالء وامتحان لإلنسان جيازى عليه باإلحسان إن صرب وبالعذاب‬
‫إن ضجر‪ ،‬وبذلك يتعرف اإلنسان ىلع عظمة ربه من خالل هذه ابلاليا تماما كما يتعرف ىلع مجاهل من خالل‬
‫العطايا‪ .‬ويف ذلك قالوا‪ :‬إن لم يعرف اإلنسان إال صفات اجلمال اإلليه فكأنه لم يعرف اهلل عز وجل‪.‬‬

‫سألين أحدهم يوما عن هؤالء اذلين وقع عليهم االبتالء بالكوارث‪ ،‬األمراض أو ما شابه ذلك فقلت هل ببساطة‪:‬‬

‫إن احلياة ادلنيا ليست إال حلظة إذا قارنتها باحلياة األخرى األبدية‪ ،‬ومن ثم يهون لك ما اعناه املؤمن يف ادلنيا بغمسة‬
‫واحدة يف نعيم اجلنة كما برش بذلك رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫إن وجود املصائب والرش واأللم اكنت السبب وراء إحلاد كثري من الفالسفة املاديني املعارصين‪ ،‬ومنهم الفيلسوف‬
‫ا‬
‫"انتوين فلو"‪ ،‬واكن قد اعرتف بوجود اإلهل قبل موته وكتب كتابا أسماه "يوجد هلإ "‪ ،‬ىلع الرغم من أنه اكن زعيما‬
‫لإلحلاد خالل انلصف اثلاين من القرن العرشين‪ ،‬وعندما أقر بوجود هلإ‪:‬‬

‫إن وجود الرش واأللم يف حياة البرش ال ينيف وجود اإلهل‪ ،‬لكنه يدفعنا إلاعدة انلظر يف الصفات اإلهلية‪ ،‬ويعترب "انطوين‬
‫فلو" أن هلذه الكوارث إجيابياتها‪ ،‬فيه تستفز قدرات اإلنسان املادية‪ ،‬فيبتكر ما يقق هل األمان‪ ،‬كما تستفز أفضل‬
‫سماته انلفسية وتدفعه ملساعدة انلاس‪ ،‬وقد اكن لوجود الرش واأللم الفضل يف بناء احلضارات اإلنسانية عرب اتلاريخ‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إنه مهما تعددت أطروحات تلفسري هذه املعضلة فسيظل اتلفسري ادليين هو األكرث قبوال واألكرث انسجاما‬
‫مع طبيعة احلياة‪.‬‬

‫إن املتأمل السطيح يرى ما يسببه مرض الكورونا من معاناة وحاالت وفاة وما ترتب عليه من توقف لاكفة أنشطة‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫احلياة وانعزال انلاس يف بيوتهم اتقاءا هلذا املرض‪ ،‬يراه رشا ال حمالة‪ ،‬غري أن الرش نسيب وليس مطلق‪ ،‬فلو أننا‬
‫تفحصنا الوضع من زاوية أخرى لوجدنا أن نسبة اتللوث يف هذه الفرتة نزلت ألقل مستوياتها يف لك أحناء العالم‬
‫ا‬
‫نظرا تلوقف حركة الطريان وحركة السيارات واذلي بدوره أدى إىل تقليل االنبعاثات الصادرة عن هذه املحراكت‬
‫امللوثة للبيئة‪ .‬وكأن الكرة األرضية وابليئة دخلت يف مرحلة نقاهة خالل فرتة انتشار مرض الكورونا‪ .‬وال بد‬
‫لإلنسان أن يتأمل ويعيد انلظر يف أموره احلياتية‪.‬‬

‫تسبب هذا الوضع يف لم شمل األرس يف داخل ابليوت‪ ،‬كما ذكرهم بنعم اهلل عليهم‪ ،‬وبتقصريهم يف احلمد والشكر‬
‫لرب العاملني‪ .‬فاإلنسان ال يشعر بانلعمة إال حينما يفقدها‪.‬‬

‫كما بدأت انلاس تيع أهمية انلظافة أكرث من أي وقت مىض‪ ،‬وتيع رضورة اتباع أسايلب وقاية جادة واستخدام‬
‫معقمات بصورة مفرطة‪ ،‬وغسل ايلدين باملاء والصابون يف لك وقت وحني‪ ،‬من اكن يتوقع لك ذلك؟‬

‫مما ال شك فيه أن هذا احلدث اجللل أاعد ترتيب أولويات احلياة‪ ،‬كما أظهر مدى ضعف اإلنسان وهشاشته‪ ،‬وجربوته‬
‫الاكذب‪ ،‬وحماوالته ابلائسة ضد هذا امليكروب‪ .‬هذا اجلربوت اذلي هزمه فريوس ال يرى بالعني املجردة‪.‬‬
‫هذا احلدث كرس كربياء الكثري ممن ظنوا أن البرش وصلوا ألىلع درجات العلم املادي‪ ،‬وصاروا أشبه باآلهلة وظنوا‬
‫أنهم بذلك استغنوا عن ادلين واخلالق‪.‬‬

‫إن مرض الكورونا يفتك بالصغري والكبري‪ ،‬الضعيف والقوي‪ ،‬الفقري والغين‪ ،‬اإلنسان البسيط وامللك وال يفرق بني‬
‫أحد‪ .‬وقد سمعنا عن كثري من األثرياء اذلين فروا إىل املالئج أو القصور املنعزلة يف حماولة للهروب من بطش هذا‬
‫املرض‪ .‬هؤالء أنفسهم اكنوا ال يكرتثون بمعظم األوبئة واألمراض لظنهم أنه يمكنهم القضاء عليها من خالل‬
‫اإلنفاق ىلع العالج‪ .‬املشلكة اآلن دلى األثرياء أن األموال موجودة يف حني أن العالج غري موجود‪ .‬وكأن الفريوس‬
‫جاء يلقيم املساواة بني البرش‪ ،‬ال يفرق بني قوي وضعيف وال يفرق بني غين وفقري‪.‬‬

‫إنه ملن العجيب أن نرى أن البرشية بأرسها توحدت ألول مرة يف اتلاريخ ملواجهة هذا امليكروب‪.‬‬

‫إن لم يكن هناك هلإ فمن أين نلا هذا اخلري؟‬

‫إن املتسائل من امللحدين عن سبب وجود الرش يف هذه احلياة ادلنيا كذريعة نليف وجود اإلهل‪ ،‬يكشف نلا عن قرص‬
‫نظره وهشاشة فكره عن احلكمة وراء ذلك‪ ،‬وعن غياب وعيه عن بواطن األمور‪ ،‬وقد اعرتف امللحد بسؤاهل ضمنا‬
‫أن الرش استثناء‪.‬‬

‫ا‬
‫ذللك قبل السؤال عن حكمة ظهور الرش‪ ،‬اكن من األحرى طرح السؤال األكرث واقعية وهو "كيف وجد اخلري بداية؟"‬

‫ال شك أن السؤال األكرث أهمية ال بد أن يبدأ من سبب وجود اخلري‪ .‬فال بد أن نتفق ىلع نقطة ابلداية أو املبدأ‬
‫األصيل أو السائد‪ .‬ومن ثم يمكن أن جند اتلعليالت لالستثناءات‪.‬‬

‫ا‬
‫يضع العلماء قوانني ثابته وحمددة لعلوم الفزيياء والكيمياء وابليولوجيا بداية‪ ،‬ومن ثم يتم عمل دراسة لالستثناءات‬
‫واحلاالت الشاذة عن هذه القوانني‪.‬‬

‫ا‬
‫وباملثل ال يمكن للملحدين اتلغلب ىلع فرضية ظهور الرش إال حينما يقروا بداية بوجود اعلم ميلء بالظواهر‬
‫اجلميلة‪ ،‬املنظمة واجليدة اليت ال حرص هلا‪.‬‬

‫وبمقارنة فرتات الصحة والفرتات اليت يظهر فيها املرض ىلع مدى متوسط العمر‪ ،‬أو مقارنة عقود من االزدهار‬
‫والرخاء وما يقابلها من فرتات اخلراب وادلمار‪ ،‬وكذلك قرون من هدوء الطبيعة والسكينة وما يقابلها من ثوران‬
‫ا‬
‫بداية؟ إن اعملا قائما ىلع الفوىض واملصادفة ال يمكن أن ينتج ا‬
‫اعلما‬ ‫الرباكني والزالزل‪ .‬من أين يأيت اخلري السائد‬
‫جيدا‪.‬‬

‫ومن املفارقات أن اتلجارب العلمية تؤكد ذلك‪ :‬ينص القانون اثلاين لدلينامياك احلرارية ىلع أن اإلنرتوبيا اللكية‬
‫(درجة االضطراب أو العشوائية) يف نظام معزول بدون أي تأثري خاريج سزتداد ا‬
‫دائما‪ ،‬وأن هذه العملية ال رجعة‬
‫فيها‪.‬‬

‫بمعىن آخر‪ ،‬األشياء املنظمة ستنهار وتتالىش ا‬


‫دائما ما لم جيمعها يشء من اخلارج‪ .‬ىلع هذا انلحو‪ ،‬فإن القوى‬
‫ا‬
‫ادليناميكية احلرارية العمياء لم تكن تلنتج أبدا أي يشء جيد من تلقاء نفسها‪ ،‬أو أن تكون جيدة ىلع نطاق‬
‫واسع كما يه‪ ،‬دون أن ينظم اخلالق هذه الظواهر العشوائية اليت تظهر يف األشياء الرائعة مثل اجلمال واحلكمة‬
‫والفرح واحلب‪ ،‬وهذا لكه فقط بعد إثبات أن القاعدة يه اخلري والرش هو االستثناء‪.‬‬

‫يقول ابن القيم‪:‬‬

‫إن الرش واأللم‪ :‬إما احسان ورمحة‪ ،‬وإما عدل وحكمة‪ ،‬وإما اصالح وتهيئة خلري يدث بعدها‪ ،‬وإما دلفع رش هو‬
‫أصعب منه‪.‬‬

‫يف حوار يل مع ملحد رويس طرح كثري من األسئلة‪ ،‬من ضمنها املتاعب واالآلم اليت يعاين منها البرش‪.‬‬

‫قلت هل‪:‬‬

‫إن نظرتنا إىل الرش واأللم تتوقف ىلع نظرتنا إىل حقيقة احلياة ادلنيا والغرض من الوجود اإلنساين فيها واليت ختتلف‬
‫دلى املتدينني عنها دلى املاديني‪ .‬قلت هل‪ :‬إن املنظور املادي يعترب أن احلياة ادلنيا ليس وراءها غرض حتكمها اغية‪،‬‬
‫وأن اإلنسان اذا مات صار عدما‪ ،‬إذ ليس هناك بعث تتبعه حياة أخرى‪ ،‬فعىل اإلنسان أن يصل أقىص ما يستطيع‬
‫من متع‪ ،‬وباتلايل يصبح ما قد يشعر به من ألم ولك ما يجبه عن هذه املتع رش ال جدال فيه‪ ،‬وانطالقا من هذا‬
‫املنظور يصبح ما يتعرض هل اإلنسان من رشور وآالم أمورا عشوائية تمر به خالل حياته يف دنيا نشأت بأسلوب‬
‫عشوايئ أيضا‪ ،‬ومن ثم يصبح القول بوجود هلإ لكه رمحة وحمبة ينظم هذه احلياة هراء وعبث بالنسبة هلم‪ ،‬وهذا يعين‬
‫أن لك ما يجبهم عن هذه املتعة هو ألم بالنسبة هلم‪.‬‬
‫معرفة اهلل‪:‬‬

‫"وما خلقت اجلن واإلنس اال يلعبدون" (اذلاريات‪.)56 :‬‬

‫نفهم هنا من اآلية الكريمة أن اهلل تعاىل مزي اجلن واألنس منفردين دون سائر املخلوقات حبرية االختيار‪ .‬وأن تمزي‬
‫اإلنسان هو بتوجهه لرب العاملني مبارشة وإخالص العبودية هل بمحض إرادته ويكون بذلك حقق حكمة اخلالق‬
‫جبعل اإلنسان ىلع رأس املخلوقات‪.‬‬

‫تتحقق معرفة رب العاملني من خالل إدراك ما هلل من أسماء حسىن وصفات عليا واليت تنقسم إىل جمموعتني‬
‫أساسيتني ويه‪:‬‬

‫أسماء مجال‪ :‬ويه لك صفة ختتص الرمحة‪ ،‬العفو واللطف‪ ،‬منها الرمحن‪ ،‬الرحيم‪ ،‬الرزاق‪ ،‬الوهاب‪ ،‬الرب‪ ،‬الرؤوف‪...‬إلخ‪.‬‬

‫أسماء جالل‪ :‬ويه لك صفة ختتص بالقوة واملقدرة والعظمة واهليبة‪ ،‬ومنها العزيز‪ ،‬اجلبار‪ ،‬القهار‪ ،‬القابض‪،‬‬
‫اخلافض‪...‬إلخ‪.‬‬

‫ويرتتب ىلع معرفتنا لصفات اهلل عز وجل القيام بعبادته ىلع انلحو اذلي يليق جبالهل وتمجيده وتزنيهه عما ال يليق‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫به‪ ،‬طمعا يف رمحته واتقاءا لغضبه وعقوبته‪ .‬وتتمثل عبادته باالمتثال باألوامر واجتناب انلوايه والقيام باإلصالح‬
‫ا‬
‫وتعمري األرض‪ .‬وبناءا ىلع هذا يصبح مفهوم احلياة ادلنيا ىلع أنه امتحان واختبار للبرش‪ ،‬ليك يتمايزوا ويرفع اهلل‬
‫درجات املتقني ويستحقوا خالفة األرض ووراثة اجلنة يف اآلخرة‪ ،‬يف حني يلحق باملفسدين اخلزي يف ادلنيا ويكون‬
‫مآهلم عذاب انلار‪.‬‬
‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ا َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫" ِإنا جعلنا ما ىلع األ ْر ِض ِزينة لها ِنلبْلوه ْم أيه ْم أحسن عمال" (الكهف‪.)7 :‬‬

‫املفهوم احلقييق لإلهل‪:‬‬

‫وتلقديم بعض اتلصورات عن مدى تدهور العالقة بني انلاس ورب العاملني‪ ،‬أعرض هنا قصة حدثت ميع مع سيدة‬
‫ملحدة تقول أنها بعد أن اكنت مؤمنة باهلل أحلدت‪ .‬فسأتلها عن السبب فقالت‪ :‬إن ابنتها مرضت بالرسطان وأنها‬
‫دعت اهلل أن ينیج ابنتها‪ ،‬واكنت تدعو اهلل وتقول‪ :‬انه إن نیج ابنتها فسوف تؤمن به وقد ماتت ابلنت وكفرت األم‬
‫باهلل‪.‬‬
‫ا‬
‫هذه القصة من القصص اليت أثرت يف كثريا‪ ،‬وسبحان اهلل ما جاء يف خاطري يف هذه اللحظة أنهم فعال ما قدروا‬
‫اهلل حق قدره‪ ،‬فهم يتعاملون مع اهلل بمبدأ إذا أعطيتين أؤمن بك وإذا لم تعطين لن أؤمن بك‪ .‬فهذه املرأة لم تعرف‬
‫اهلل حق املعرفة ولم تعرف القيمة احلقيقية هلذه احلياة اليت نعيشها أصال‪ ،‬ألنها لو اكنت تعرف قيمة هذه احلياة ملا‬
‫ترصفت هذا اتلرصف وملا تعاملت مع ربها بهذه الطريقة‪.‬‬

‫مثال يف علم الرياضيات يقولون‪:‬‬

‫أن أي رقم مقارنة بالالنهاية هو صفر‪ .‬فحياتنا عبارة عن جمموعة أرقام وخنرس لك يوم من حياتنا رقم من هذه‬
‫األرقام فحىت لو عشنا مائة أو مائيت سنة فمقارنة بالالنهاية هو صفر‪ ،‬وان املوت آت ال حمالة يف أي عمر بمرض أو‬
‫تعرف اهلل حق املعرفة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بدون مرض وساعة املوت حمددة‪ .‬فنحن نعيش يف الواقع يف الصفر‪ .‬فأنا قلت للسيدة إن ِك لم‬
‫أمامك‬
‫ِ‬ ‫علك تعامليه وكأنه إنسان‬
‫ت اإليمان به والتسليم هل‪ ،‬فجهلك بصفات اهلل جت ِ‬
‫ألنك لو عرفتيه حقا ملا رفض ِ‬
‫ِ‬
‫تقايضيه باملثل ‪ -‬سبحان اهلل ‪ -‬وهل اهلل تعاىل زميل ل ِك يف العمل؟! من هو اهلل بالنسبة ل ِك؟! هل إيمانك اكن‬
‫نت‬
‫افرتضت أنها إساءة وتردين اإلساءة باإلساءة؟! هذا شئ عجيب! هل أ ِ‬
‫ِ‬ ‫مرشوع بينك وبني رب العاملني؟! هل‬
‫خمدلة يف هذه ادلنيا؟!‬

‫فلو كنت عرفت اهلل حق معرفته ملا كفرت به‪ ،‬وهو أرحم بك من أم ِك وأبي ِك‪ ،‬وأنه تعاىل دليه جنة عرضها‬
‫السماوات واألرض‪ .‬هل خترسي ذلك بهذه ادلنيا؟! هل تفضيل الصفر ىلع الالنهاية؟!‬

‫قلت هلا‪ :‬إنه ليس من املنطق أن حنكم ىلع مرسحية دون أن نتابعها للنهاية وال أن نرفض كتابا ألن الصفحة‬
‫ا‬
‫األوىل لم تعجبنا‪ ،‬هذا احلكم يعترب ناقصا‪.‬‬

‫لقد وصلتين أسئلة كثرية ومتكررة عن كيفية وقاية أبنائنا من اإلحلاد‪ .‬فأنا أقول وأكرر أن احلل هو يف معرفة املفهوم‬
‫ا‬
‫احلقييق لإلهل‪ ،‬ألنه من عرف اهلل هان عليه لك يشء‪ ،‬ألننا طبعا لم ندرك حكمة آباءنا وأمهاتنا عندما كنا صغارا‬
‫ا‬
‫يف كثري من اتلرصفات‪ ،‬وكنا نتساءل دائما ملاذا يترصف الوادلين بهذه الطريقة‪ ،‬هل يبين أيب فعال؟ ملاذا لم يوافق‬
‫ىلع ذهايب هلذه الرحلة؟ هل حتبين أيم؟ فإن اكنت حتبين فلماذا تضغط يلع يف ادلراسة واحلصول ىلع ادلرجات العايلة‪.‬‬
‫وملاذا جتربين ىلع أداء الواجبات ايلومية؟ ملاذا ترسلين أيم للنوم لك يوم مبكرا؟ عندما كربنا وأصبح دلينا أوالد‪،‬‬
‫فهمنا احلكمة من ترصفات آباءنا‪ .‬وفهمنا أنه ال يوجد ىلع األرض من يب نلا اخلريأكرث منهم‪.‬‬
‫فاملعرفة العميقة لإلهل مهمه جدا ألننا إذا عرفنا اهلل حق املعرفة سوف جند اتلفسري لكثري من تصاريف األمور‬
‫وتتسع آفاق اإلدراك واملعرفة وحينها يبلغ االنسان رشده ويهتدى حلل كثري من املشالك‪.‬‬
‫َّ‬
‫اَّلل بكل ْ‬ ‫َّ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ْ َّ‬ ‫ُّ‬
‫يشء ع ِليم" (اتلغابن‪)11 :‬‬ ‫اَّلل يه ِد قلبه ۗ و ِ‬
‫اَّلل ۗ ومن يؤ ِمن بِ ِ‬
‫"ما أصاب ِمن م ِصيبة ِإال بِ ِإذ ِن ِ‬

‫وكثريا ما نسمع عن زيادة نسبة اإلحلاد بسبب احلروب اليت يتسبب فيها اإلنسان والكوارث الطبيعية‪ .‬ال شك أن‬
‫ا‬
‫تقدير اهلل هلذه األمور أن تقع‪ ،‬ما هو إال امتحان واختبار إليمانهم‪ ،‬حيث إن كثريا من انلاس يعبد اهلل ىلع حرف‪.‬‬
‫ُّ ْ‬ ‫ى ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ادلنيا‬ ‫ىلع وج ِه ِه خ ِرس‬ ‫اطمأن بِ ِه ۗ و ِإن أصابته فِتنة انقلب‬ ‫ىلع ح ْرف ۗ ف ِإن أصابه خري‬
‫اَّلل ى‬ ‫اس من يعبد‬ ‫" و ِمن َّ‬
‫انل ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ى‬ ‫ْ‬
‫واآل ِخرة ۗ ذلِك هو اخلرسان الم ِبني" (احلج‪.)11 :‬‬

‫وهل أعبد اهلل أو أذكره فقط يف الرخاء وعندما أتعرض للشدة أكفر به؟‬

‫رمحة اخلالق‪:‬‬
‫يف أحد األيام حتاورت مع ملحد أمريكي‪ ،‬وقلت هل‪ :‬إن اخلالق اذلي خلق عباده هو أرحم بهم من أمهم‪ ،‬وأن املؤمن‬
‫عندما يضع يف اعتباره أن من سيحاسبه يوم القيامة هو ربه اذلي خلقه‪ ،‬هو أرحم به من أمه اليت ودلته‪ ،‬فتخيل‬
‫مدى فرحته ومدى اطمئنانه عندما يقابل ربه‪ ،‬وهذا اكيف ألن نشعر بالسعادة يف هذه ادلنيا وسوف تهون علينا لك‬
‫الصعاب‪.‬‬
‫فأعطيته مثال بسيط عن أهمية معرفة اهلل‪ ،‬قلت هل‪:‬‬

‫إنك لو أخربوك أن فاتن صربي اليت تتلكم معك يه من هواة تربية األسود مثال‪ ،‬وأنها دليها شخصية قوية وال ترحم‪،‬‬
‫وممكن أن تؤذيك‪ ،‬فطبعا سوف تصدق‪ ،‬ألنك ال تعرفين واحتمال كبري أن تأيت هنا وتأخذ اإلحتياطات الالزمة‬
‫وترتعد‪ ،‬لكن من يعرفين جيدا فسوف يتفاجأ ويضحك من هذه املعلومة ألنه يعلم جيدا أن فاتن ختاف من‬
‫القطط أصال‪ ،‬وضحك كثريا‪.‬‬

‫يف حوار يل مع قسيس من قساوسة الفاتياكن وكنا قد دخلنا يف نقاش ورشحت هل عن عقيدة اتلوحيد‪ .‬وقلت هل‪ :‬إن‬
‫املسلم يؤمن بإهل واحد أحد‪ ،‬ليس هل رشيك وال ودل‪ ،‬وأنه تعاىل أرسل األنبياء والرسل كعيىس وموىس وحممد لنرش‬
‫رسالة اتلوحيد يف العالم‪ ،‬خلق عيىس من غري أب وخلق آدم من غري أب وال أم‪ ،‬فهو خيلق وال يدل‪ ،‬وأمرنا بعبادته‬
‫وحده كما عبدوه هم‪ ،‬فنحن نعبد اهلل كما عبد عيىس اهلل وال نعبد عيىس نفسه‪ ،‬وحنن نعبد اهلل كما عبد حممد‬
‫اهلل وال نعبد حممد نفسه ونصيل هلل‪ .‬وكذلك فقد اكنت السيدة مريم تصيل هلل وحده‪ ،‬وعليه فيجب أال نصيل ملريم‬
‫نفسها وال نطلب منها‪ ،‬بل نطلب من اهلل كما اكنت السيدة مريم تطلب من اهلل مبارشة‪.‬‬

‫حينها قاطعين هذا القسيس وقال حنن ال نعترب مريم يه اهلل وال نعبدها‪ ،‬ولكننا نستخدمها كوسيلة للوصول إىل‬
‫اهلل‪ .‬وبرر ذلك بمثال األرسة‪ ،‬عندما يطلب األطفال مثال زيادة يف املرصوف أو ما شابه يلجؤون إىل األم ليك تكون‬
‫ا‬
‫وسيطا بينهم وبني أبيهم‪ ،‬ألن قلب األم طيب ورقيق وحتبهم أكرث‪ ،‬وممكن أن توصل طلبهم بطريقة أفضل للوادل‪.‬‬
‫طبعا جوايب اكن قاطع وصارم يف هذه انلقطة وقد تفاجأ به‪ ،‬حيث قلت هل نعم الكمك صحيح‪ ،‬ولكن هذا يف حالة‬
‫أن األطفال ال يعرفون أبيهم حق املعرفة‪ ،‬حيث أنه باعتقادهم أن األم يه أرحم بهم من أبيهم‪ ،‬لكنهم لو عرفوا أن‬
‫هذا األب هو أرحم من األم ذلهبوا إيله مبارشة‪ ،‬وهذا جهل من األوالد بطبيعة األب‪.‬‬

‫واسرتسلت قائلة هل‪ :‬أن البرش لو عرفوا اهلل حق املعرفة وعرفوا أن اهلل أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم ذلهبوا إيله‬
‫مبارشة‪.‬‬

‫أنت لم تفهميين‪ ،‬حنن نستخدم السيدة مريم كوسيلة للوصول لرب العاملني اكذلي يريد أن‬
‫فقاطعين ثانية وقال‪ :‬ال ِ‬
‫يضيف زواره مثال ويضع املرشوبات ىلع صينية‪ ،‬فالسيدة مريم يه الصينية اليت نرسل بها طلباتنا لرب العاملني‪.‬‬

‫فقلت هل سبحان اهلل! ومن اكنت بمثابة الصينية اليت استخدمتها مريم للوصول اىل رب العاملني؟! هل مريم عبدت‬
‫اهلل مبارشة أم عن طريق وسيط؟ هل وضعت داعئها ىلع صينية؟ أخربين! هل عبدت عيىس عليه السالم؟ أم عبد‬
‫ا‬
‫عيىس أمه؟ أم اختذت قسيسا أم وسيطا أم قديسا ؟‬

‫الشاهد هنا أن هذه القصة اكنت بالنسبة يل نقطة انطالق لنرش املفهوم احلقييق لإلهل واكنت سبب لكتابة كتايب‪:‬‬
‫املفهوم احلقييق لإلهل‪ ،‬اذلي أردت به أن أوضح للعالم أن املفهوم احلقييق لإلهل يه انلقطة املفقودة اآلن‪ ،‬الن أتباع‬
‫ادليانة اهلندوسية مثال يؤمنون بإهل واحد أحد ولكن هناك من أقنعهم أن اهلل يتمثل يف حجر أو يف صنم وقد‬
‫يأت إىل األرض‪ ،‬وأن ذاته العليا ال بد أن تكون خارج‬
‫أعجبهم ذلك ألنهم لم يعرفوا من هو اهلل‪ ،‬وأن اهلل ال ِ‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬وإرادته وقدرته نافذة جلميع خملوقاته‪.‬‬
‫إن عدم معرفة رب العاملني يؤدي إىل وضع أفاكر أو تصورات خاطئة عن اإلهل كأن يتجسد يف ثالثة أقانيم أو يتمثل‬
‫يف جسد برش‪ .‬إن حتريف املفهوم احلقييق لإلهل يف العهد القديم لم يشوش أذهان انلاس فقط ويضعهم يف ِحرية‬
‫فحسب‪ ،‬بل تسبب بلجوئهم إىل اإلحلاد ورصفهم عن ادلين باللكية‪ .‬فاتلوراة اليت أنزهلا اهلل سبحانه وتعاىل ىلع موىس‬
‫عليه السالم ذكرت أن اهلل تعاىل بصفاته العليا‪ ،‬هو الواحد األحد الفرد الصمد اذلي ال يموت وهو اخلالق األبدي‬
‫الرحيم املزنه عن لك عيب أو نقص‪ ،‬وأنه املعبود وحده‪ ،‬لكن جند يف العهد القديم ( اتلوراة املحرفة)‪ ،‬أنهم ينسبون‬
‫إيله صفات ال تليق به (كأن ينىس‪ ،‬ال يعرف‪ ،‬خياف‪ ،‬يرتاح) سبحانه وتعاىل عن ذلك علوا كبريا‪.‬‬

‫وسبحان اهلل يف صغري كنت اتساءل دائما ملاذا ذكر اهلل تعاىل يف القرآن الكريم أنه خلق السماوات بدون أن يتعب وكنت‬
‫أتعجب جدا من ادلايع ذلكر هذه انلقطة‪ ،‬حيث أنه معروف أن اهلل تعاىل ال يتعب‪ ،‬حىت اتلحقت بمجال ادلعوة‪ ،‬عندما‬
‫عرفت أن انلرصاين يعتقد أن اهلل عندما خلق السماوات واألرض ارتاح يوم األحد‪ .‬وهم دائما يسألونين ملاذا ال يعترب‬
‫املسلمون يوم األحد هو يوم مقدس وأقول ببساطة ألن اهلل ال يتعب ليك يرتاح‪ .‬املفاجأة أنهم يضحكوا بشدة من جوايب‬
‫ويقولون فعال نعم الكمك صحيح‪.‬‬

‫اتلوحيد يه وسيلة اخلالص‪:‬‬

‫إنه ملن اخلطأ أن نعرف اإلسالم ىلع أنه اإليمان بإهل واحد ونقف إىل هنا‪ ،‬فاإلسالم هو‪:‬‬

‫اإليمان بإهل واحد أحد وهو اخلالق واذلي ليس كمثله يشء‪ ،‬وعبادته وحده بدون قسيس وال قديس وال أي وسيط‪.‬‬

‫فاإلسالم ليس فقط توحيد الربوبية بل وتوحيد رب العاملني يف العبادة (توحيد األلوهية بمعىن عبادته وحده بدون وسيط)‪.‬‬
‫إن اإليمان بإهل واحد (توحيد الربوبية) موجود يف ديانات كثرية واكنت موجودة يف عقيدة كفار قريش أيضا؛ فعندما سئلوا‬
‫عن سبب عبادتهم لألصنام قالوا‪ :‬تلقربنا إىل اهلل زلىف فهم ال ينكرون وجود اهلل‪ .‬وبإمعان انلظر يف معتقدات الشعوب‬
‫نكتشف أن اغبلية األمم اليت دليها موروث ديين ودليها رموز دينية خمتلفة ال تزال تؤمن بوجود خالق للكون وتلجأ ايله‬
‫عند الشدائد‪ .‬مما ي ؤكد ان هذه ادليانات واملعتقدات هلا أصول تارخيية نابعة من ديانة أصلية واحدة صحيحة‪ .‬وأن ما دلى‬
‫الشعوب احلايلة من تراث ديين يتوي بداخله ىلع عقيدة اتلوحيد واإليمان بإهل واحد واتلفرد بعبادته‪ .‬وأن هناك دالئل‬
‫وشواهد يف هذه ادليانات والكتب تشريإىل أن جذورها وأصوهلا ترجع إىل عقيدة اإلسالم واتلوحيد‪.‬‬

‫إن االختالفات بني ادليانات تتمثل يف الوسيلة املتبعة يف اتلواصل مع اخلالق مبارشة أو من خالل اختاذ وسطاء (قديسني‪،‬‬
‫كهنة‪ ،‬أصنام أو أنبياء) فلو أن مجيع ادليانات تركوا عبادة الوسطاء وتوجوا مبارشة للخالق تلوحدت البرشية والستقامة‬
‫قلوبهم واهتدت للحق‪ .‬فكما أن اجلميع يتفق يف وحدانية اتلوجه حنو اخلالق مبارشة دون رشيك أو وسيط عند وقوع املصائب‬
‫أو الشدائد فاكن ال بد من دعوة اجلميع يف الرساء والرضاء لعبادة رب العاملني‪ .‬كما ورد القرآن الكريم‪:‬‬
‫ْ ا‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َّ ْ َّ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫رشك بِ ِه شيئاا وال يت ِخذ بعضنا بعضا أ ْرباباا ِم ْن‬
‫لكمة سواء بيننا وبينكم أال نعبد ِإال اَّلل وال ن ِ‬
‫ىل ِ‬‫اب تعال ْوا ِإ ى‬
‫كت ِ‬‫"قل يا أهل ال ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َّ‬
‫اَّلل ۗ ف ِإن تول ْوا فقولوا اشهدوا بِأنا م ْس ِلمون" (آل عمران‪)64 :‬‬
‫ون ِ‬ ‫د ِ‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫ا‬
‫إذا‪ ،‬احلياة ادلنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها اإلنسان بعد املوت بابلعث واحلساب ومن ثم اجلزاء‪ ،‬ويعترب اإلسالم أن وجودنا‬
‫يف هذه ادلنيا هو هلدف واغية سامية ويه معرفة اهلل عز وجل‪ ،‬وعبادته واتلوجه إيله مبارشة‪.‬‬

‫واذلي يقع من ابتالءات هو أراده اهلل‪ ،‬واذلي أراده اهلل وقع‪ ،‬وإرادة اهلل متعلقة باحلكمة املطلقة واحلكمة املطلقة متعلقة‬
‫باخلري املطلق‪ ،‬حيث أنه ال يوجد رش مطلق بالوجود‪.‬‬

‫مراجع‪:‬‬
‫‪www.fatensabri.com‬‬

‫‪http://www.islamhouse.com‬‬

‫‪http://quranenc.com/en/home‬‬

‫كتاب خرافة اإلحلاد‪ .‬د عمرو رشيف‬

You might also like