Professional Documents
Culture Documents
معرفة الله في زمن الكورونا
معرفة الله في زمن الكورونا
معرفة الله في زمن الكورونا
لطاملا يف صغري أحببت عبارة" ال ملجأ من اهلل إال إيله" وكنت أرددها دائما ألستشعر قريب من اهلل ،لكنين لم
أفهمها جيدا حىت حصل ميع موقف طريف منذ أكرث من عرشين اعما ،عندما اكن ابين طفال صغريا ال يتجاوز
عمره اثلالثة أعوام ،يرص ىلع ملس فرن الطيه وهو ساخن ،حىت اضطررت أن أرضبه ىلع يده ألمنعه من العودة إىل
هذا اتلرصف؛ فبىك وأخذ جيول من ماكن إىل آخر يف املزنل ال يدري أين يذهب ،تزامن هذا مع نداء أبيه هل لريضيه،
ا
لكن املفاجئة أنه اعد يل مبارشة بدال من اذلهاب ألبيه وبكى يف حجري مما أضحك وادله ،وقال :سبحان اهلل.
أما أنا فتذكرت قوهل تعاىل "ال ملجأ من اهلل إال إيله" وقلت يف نفيس اآلن فهمتها ،فاهلل سبحانه وتعاىل يذكرنا عندما
نتعرض بلعض املصاعب للرجوع إيله لكما ابتعدنا عنه ،وشعرت حينها بفرحة اعرمة.
إن ما يقع يف األرض من كوارث يترضر منها البرش اكألمراض ،الرباكني ،الزالزل والفيضانات ،إنما يه جتليات
ألسماء اهلل وصفاته ،ويه يف نفس الوقت بمثابة ابتالء وامتحان لإلنسان جيازى عليه باإلحسان إن صرب وبالعذاب
إن ضجر ،وبذلك يتعرف اإلنسان ىلع عظمة ربه من خالل هذه ابلاليا تماما كما يتعرف ىلع مجاهل من خالل
العطايا .ويف ذلك قالوا :إن لم يعرف اإلنسان إال صفات اجلمال اإلليه فكأنه لم يعرف اهلل عز وجل.
سألين أحدهم يوما عن هؤالء اذلين وقع عليهم االبتالء بالكوارث ،األمراض أو ما شابه ذلك فقلت هل ببساطة:
إن احلياة ادلنيا ليست إال حلظة إذا قارنتها باحلياة األخرى األبدية ،ومن ثم يهون لك ما اعناه املؤمن يف ادلنيا بغمسة
واحدة يف نعيم اجلنة كما برش بذلك رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم.
إن وجود املصائب والرش واأللم اكنت السبب وراء إحلاد كثري من الفالسفة املاديني املعارصين ،ومنهم الفيلسوف
ا
"انتوين فلو" ،واكن قد اعرتف بوجود اإلهل قبل موته وكتب كتابا أسماه "يوجد هلإ " ،ىلع الرغم من أنه اكن زعيما
لإلحلاد خالل انلصف اثلاين من القرن العرشين ،وعندما أقر بوجود هلإ:
إن وجود الرش واأللم يف حياة البرش ال ينيف وجود اإلهل ،لكنه يدفعنا إلاعدة انلظر يف الصفات اإلهلية ،ويعترب "انطوين
فلو" أن هلذه الكوارث إجيابياتها ،فيه تستفز قدرات اإلنسان املادية ،فيبتكر ما يقق هل األمان ،كما تستفز أفضل
سماته انلفسية وتدفعه ملساعدة انلاس ،وقد اكن لوجود الرش واأللم الفضل يف بناء احلضارات اإلنسانية عرب اتلاريخ،
وقال :إنه مهما تعددت أطروحات تلفسري هذه املعضلة فسيظل اتلفسري ادليين هو األكرث قبوال واألكرث انسجاما
مع طبيعة احلياة.
إن املتأمل السطيح يرى ما يسببه مرض الكورونا من معاناة وحاالت وفاة وما ترتب عليه من توقف لاكفة أنشطة
ا ا
احلياة وانعزال انلاس يف بيوتهم اتقاءا هلذا املرض ،يراه رشا ال حمالة ،غري أن الرش نسيب وليس مطلق ،فلو أننا
تفحصنا الوضع من زاوية أخرى لوجدنا أن نسبة اتللوث يف هذه الفرتة نزلت ألقل مستوياتها يف لك أحناء العالم
ا
نظرا تلوقف حركة الطريان وحركة السيارات واذلي بدوره أدى إىل تقليل االنبعاثات الصادرة عن هذه املحراكت
امللوثة للبيئة .وكأن الكرة األرضية وابليئة دخلت يف مرحلة نقاهة خالل فرتة انتشار مرض الكورونا .وال بد
لإلنسان أن يتأمل ويعيد انلظر يف أموره احلياتية.
تسبب هذا الوضع يف لم شمل األرس يف داخل ابليوت ،كما ذكرهم بنعم اهلل عليهم ،وبتقصريهم يف احلمد والشكر
لرب العاملني .فاإلنسان ال يشعر بانلعمة إال حينما يفقدها.
كما بدأت انلاس تيع أهمية انلظافة أكرث من أي وقت مىض ،وتيع رضورة اتباع أسايلب وقاية جادة واستخدام
معقمات بصورة مفرطة ،وغسل ايلدين باملاء والصابون يف لك وقت وحني ،من اكن يتوقع لك ذلك؟
مما ال شك فيه أن هذا احلدث اجللل أاعد ترتيب أولويات احلياة ،كما أظهر مدى ضعف اإلنسان وهشاشته ،وجربوته
الاكذب ،وحماوالته ابلائسة ضد هذا امليكروب .هذا اجلربوت اذلي هزمه فريوس ال يرى بالعني املجردة.
هذا احلدث كرس كربياء الكثري ممن ظنوا أن البرش وصلوا ألىلع درجات العلم املادي ،وصاروا أشبه باآلهلة وظنوا
أنهم بذلك استغنوا عن ادلين واخلالق.
إن مرض الكورونا يفتك بالصغري والكبري ،الضعيف والقوي ،الفقري والغين ،اإلنسان البسيط وامللك وال يفرق بني
أحد .وقد سمعنا عن كثري من األثرياء اذلين فروا إىل املالئج أو القصور املنعزلة يف حماولة للهروب من بطش هذا
املرض .هؤالء أنفسهم اكنوا ال يكرتثون بمعظم األوبئة واألمراض لظنهم أنه يمكنهم القضاء عليها من خالل
اإلنفاق ىلع العالج .املشلكة اآلن دلى األثرياء أن األموال موجودة يف حني أن العالج غري موجود .وكأن الفريوس
جاء يلقيم املساواة بني البرش ،ال يفرق بني قوي وضعيف وال يفرق بني غين وفقري.
إنه ملن العجيب أن نرى أن البرشية بأرسها توحدت ألول مرة يف اتلاريخ ملواجهة هذا امليكروب.
إن املتسائل من امللحدين عن سبب وجود الرش يف هذه احلياة ادلنيا كذريعة نليف وجود اإلهل ،يكشف نلا عن قرص
نظره وهشاشة فكره عن احلكمة وراء ذلك ،وعن غياب وعيه عن بواطن األمور ،وقد اعرتف امللحد بسؤاهل ضمنا
أن الرش استثناء.
ا
ذللك قبل السؤال عن حكمة ظهور الرش ،اكن من األحرى طرح السؤال األكرث واقعية وهو "كيف وجد اخلري بداية؟"
ال شك أن السؤال األكرث أهمية ال بد أن يبدأ من سبب وجود اخلري .فال بد أن نتفق ىلع نقطة ابلداية أو املبدأ
األصيل أو السائد .ومن ثم يمكن أن جند اتلعليالت لالستثناءات.
ا
يضع العلماء قوانني ثابته وحمددة لعلوم الفزيياء والكيمياء وابليولوجيا بداية ،ومن ثم يتم عمل دراسة لالستثناءات
واحلاالت الشاذة عن هذه القوانني.
ا
وباملثل ال يمكن للملحدين اتلغلب ىلع فرضية ظهور الرش إال حينما يقروا بداية بوجود اعلم ميلء بالظواهر
اجلميلة ،املنظمة واجليدة اليت ال حرص هلا.
وبمقارنة فرتات الصحة والفرتات اليت يظهر فيها املرض ىلع مدى متوسط العمر ،أو مقارنة عقود من االزدهار
والرخاء وما يقابلها من فرتات اخلراب وادلمار ،وكذلك قرون من هدوء الطبيعة والسكينة وما يقابلها من ثوران
ا
بداية؟ إن اعملا قائما ىلع الفوىض واملصادفة ال يمكن أن ينتج ا
اعلما الرباكني والزالزل .من أين يأيت اخلري السائد
جيدا.
ومن املفارقات أن اتلجارب العلمية تؤكد ذلك :ينص القانون اثلاين لدلينامياك احلرارية ىلع أن اإلنرتوبيا اللكية
(درجة االضطراب أو العشوائية) يف نظام معزول بدون أي تأثري خاريج سزتداد ا
دائما ،وأن هذه العملية ال رجعة
فيها.
إن الرش واأللم :إما احسان ورمحة ،وإما عدل وحكمة ،وإما اصالح وتهيئة خلري يدث بعدها ،وإما دلفع رش هو
أصعب منه.
يف حوار يل مع ملحد رويس طرح كثري من األسئلة ،من ضمنها املتاعب واالآلم اليت يعاين منها البرش.
قلت هل:
إن نظرتنا إىل الرش واأللم تتوقف ىلع نظرتنا إىل حقيقة احلياة ادلنيا والغرض من الوجود اإلنساين فيها واليت ختتلف
دلى املتدينني عنها دلى املاديني .قلت هل :إن املنظور املادي يعترب أن احلياة ادلنيا ليس وراءها غرض حتكمها اغية،
وأن اإلنسان اذا مات صار عدما ،إذ ليس هناك بعث تتبعه حياة أخرى ،فعىل اإلنسان أن يصل أقىص ما يستطيع
من متع ،وباتلايل يصبح ما قد يشعر به من ألم ولك ما يجبه عن هذه املتع رش ال جدال فيه ،وانطالقا من هذا
املنظور يصبح ما يتعرض هل اإلنسان من رشور وآالم أمورا عشوائية تمر به خالل حياته يف دنيا نشأت بأسلوب
عشوايئ أيضا ،ومن ثم يصبح القول بوجود هلإ لكه رمحة وحمبة ينظم هذه احلياة هراء وعبث بالنسبة هلم ،وهذا يعين
أن لك ما يجبهم عن هذه املتعة هو ألم بالنسبة هلم.
معرفة اهلل:
نفهم هنا من اآلية الكريمة أن اهلل تعاىل مزي اجلن واألنس منفردين دون سائر املخلوقات حبرية االختيار .وأن تمزي
اإلنسان هو بتوجهه لرب العاملني مبارشة وإخالص العبودية هل بمحض إرادته ويكون بذلك حقق حكمة اخلالق
جبعل اإلنسان ىلع رأس املخلوقات.
تتحقق معرفة رب العاملني من خالل إدراك ما هلل من أسماء حسىن وصفات عليا واليت تنقسم إىل جمموعتني
أساسيتني ويه:
أسماء مجال :ويه لك صفة ختتص الرمحة ،العفو واللطف ،منها الرمحن ،الرحيم ،الرزاق ،الوهاب ،الرب ،الرؤوف...إلخ.
أسماء جالل :ويه لك صفة ختتص بالقوة واملقدرة والعظمة واهليبة ،ومنها العزيز ،اجلبار ،القهار ،القابض،
اخلافض...إلخ.
ويرتتب ىلع معرفتنا لصفات اهلل عز وجل القيام بعبادته ىلع انلحو اذلي يليق جبالهل وتمجيده وتزنيهه عما ال يليق
ا ا
به ،طمعا يف رمحته واتقاءا لغضبه وعقوبته .وتتمثل عبادته باالمتثال باألوامر واجتناب انلوايه والقيام باإلصالح
ا
وتعمري األرض .وبناءا ىلع هذا يصبح مفهوم احلياة ادلنيا ىلع أنه امتحان واختبار للبرش ،ليك يتمايزوا ويرفع اهلل
درجات املتقني ويستحقوا خالفة األرض ووراثة اجلنة يف اآلخرة ،يف حني يلحق باملفسدين اخلزي يف ادلنيا ويكون
مآهلم عذاب انلار.
ا ْ ُّ ا َّ ْ ْ َّ
" ِإنا جعلنا ما ىلع األ ْر ِض ِزينة لها ِنلبْلوه ْم أيه ْم أحسن عمال" (الكهف.)7 :
وتلقديم بعض اتلصورات عن مدى تدهور العالقة بني انلاس ورب العاملني ،أعرض هنا قصة حدثت ميع مع سيدة
ملحدة تقول أنها بعد أن اكنت مؤمنة باهلل أحلدت .فسأتلها عن السبب فقالت :إن ابنتها مرضت بالرسطان وأنها
دعت اهلل أن ينیج ابنتها ،واكنت تدعو اهلل وتقول :انه إن نیج ابنتها فسوف تؤمن به وقد ماتت ابلنت وكفرت األم
باهلل.
ا
هذه القصة من القصص اليت أثرت يف كثريا ،وسبحان اهلل ما جاء يف خاطري يف هذه اللحظة أنهم فعال ما قدروا
اهلل حق قدره ،فهم يتعاملون مع اهلل بمبدأ إذا أعطيتين أؤمن بك وإذا لم تعطين لن أؤمن بك .فهذه املرأة لم تعرف
اهلل حق املعرفة ولم تعرف القيمة احلقيقية هلذه احلياة اليت نعيشها أصال ،ألنها لو اكنت تعرف قيمة هذه احلياة ملا
ترصفت هذا اتلرصف وملا تعاملت مع ربها بهذه الطريقة.
أن أي رقم مقارنة بالالنهاية هو صفر .فحياتنا عبارة عن جمموعة أرقام وخنرس لك يوم من حياتنا رقم من هذه
األرقام فحىت لو عشنا مائة أو مائيت سنة فمقارنة بالالنهاية هو صفر ،وان املوت آت ال حمالة يف أي عمر بمرض أو
تعرف اهلل حق املعرفة،
ِ بدون مرض وساعة املوت حمددة .فنحن نعيش يف الواقع يف الصفر .فأنا قلت للسيدة إن ِك لم
أمامك
ِ علك تعامليه وكأنه إنسان
ت اإليمان به والتسليم هل ،فجهلك بصفات اهلل جت ِ
ألنك لو عرفتيه حقا ملا رفض ِ
ِ
تقايضيه باملثل -سبحان اهلل -وهل اهلل تعاىل زميل ل ِك يف العمل؟! من هو اهلل بالنسبة ل ِك؟! هل إيمانك اكن
نت
افرتضت أنها إساءة وتردين اإلساءة باإلساءة؟! هذا شئ عجيب! هل أ ِ
ِ مرشوع بينك وبني رب العاملني؟! هل
خمدلة يف هذه ادلنيا؟!
فلو كنت عرفت اهلل حق معرفته ملا كفرت به ،وهو أرحم بك من أم ِك وأبي ِك ،وأنه تعاىل دليه جنة عرضها
السماوات واألرض .هل خترسي ذلك بهذه ادلنيا؟! هل تفضيل الصفر ىلع الالنهاية؟!
قلت هلا :إنه ليس من املنطق أن حنكم ىلع مرسحية دون أن نتابعها للنهاية وال أن نرفض كتابا ألن الصفحة
ا
األوىل لم تعجبنا ،هذا احلكم يعترب ناقصا.
لقد وصلتين أسئلة كثرية ومتكررة عن كيفية وقاية أبنائنا من اإلحلاد .فأنا أقول وأكرر أن احلل هو يف معرفة املفهوم
ا
احلقييق لإلهل ،ألنه من عرف اهلل هان عليه لك يشء ،ألننا طبعا لم ندرك حكمة آباءنا وأمهاتنا عندما كنا صغارا
ا
يف كثري من اتلرصفات ،وكنا نتساءل دائما ملاذا يترصف الوادلين بهذه الطريقة ،هل يبين أيب فعال؟ ملاذا لم يوافق
ىلع ذهايب هلذه الرحلة؟ هل حتبين أيم؟ فإن اكنت حتبين فلماذا تضغط يلع يف ادلراسة واحلصول ىلع ادلرجات العايلة.
وملاذا جتربين ىلع أداء الواجبات ايلومية؟ ملاذا ترسلين أيم للنوم لك يوم مبكرا؟ عندما كربنا وأصبح دلينا أوالد،
فهمنا احلكمة من ترصفات آباءنا .وفهمنا أنه ال يوجد ىلع األرض من يب نلا اخلريأكرث منهم.
فاملعرفة العميقة لإلهل مهمه جدا ألننا إذا عرفنا اهلل حق املعرفة سوف جند اتلفسري لكثري من تصاريف األمور
وتتسع آفاق اإلدراك واملعرفة وحينها يبلغ االنسان رشده ويهتدى حلل كثري من املشالك.
َّ
اَّلل بكل ْ َّ ْ ْ ْ َّ ْ َّ ُّ
يشء ع ِليم" (اتلغابن)11 : اَّلل يه ِد قلبه ۗ و ِ
اَّلل ۗ ومن يؤ ِمن بِ ِ
"ما أصاب ِمن م ِصيبة ِإال بِ ِإذ ِن ِ
وكثريا ما نسمع عن زيادة نسبة اإلحلاد بسبب احلروب اليت يتسبب فيها اإلنسان والكوارث الطبيعية .ال شك أن
ا
تقدير اهلل هلذه األمور أن تقع ،ما هو إال امتحان واختبار إليمانهم ،حيث إن كثريا من انلاس يعبد اهلل ىلع حرف.
ُّ ْ ى ْ ْ ْ ْ ْ ْ َّ ْ َّ ْ
ادلنيا ىلع وج ِه ِه خ ِرس اطمأن بِ ِه ۗ و ِإن أصابته فِتنة انقلب ىلع ح ْرف ۗ ف ِإن أصابه خري
اَّلل ى اس من يعبد " و ِمن َّ
انل ِ
ْ ْ ْ ى ْ
واآل ِخرة ۗ ذلِك هو اخلرسان الم ِبني" (احلج.)11 :
وهل أعبد اهلل أو أذكره فقط يف الرخاء وعندما أتعرض للشدة أكفر به؟
رمحة اخلالق:
يف أحد األيام حتاورت مع ملحد أمريكي ،وقلت هل :إن اخلالق اذلي خلق عباده هو أرحم بهم من أمهم ،وأن املؤمن
عندما يضع يف اعتباره أن من سيحاسبه يوم القيامة هو ربه اذلي خلقه ،هو أرحم به من أمه اليت ودلته ،فتخيل
مدى فرحته ومدى اطمئنانه عندما يقابل ربه ،وهذا اكيف ألن نشعر بالسعادة يف هذه ادلنيا وسوف تهون علينا لك
الصعاب.
فأعطيته مثال بسيط عن أهمية معرفة اهلل ،قلت هل:
إنك لو أخربوك أن فاتن صربي اليت تتلكم معك يه من هواة تربية األسود مثال ،وأنها دليها شخصية قوية وال ترحم،
وممكن أن تؤذيك ،فطبعا سوف تصدق ،ألنك ال تعرفين واحتمال كبري أن تأيت هنا وتأخذ اإلحتياطات الالزمة
وترتعد ،لكن من يعرفين جيدا فسوف يتفاجأ ويضحك من هذه املعلومة ألنه يعلم جيدا أن فاتن ختاف من
القطط أصال ،وضحك كثريا.
يف حوار يل مع قسيس من قساوسة الفاتياكن وكنا قد دخلنا يف نقاش ورشحت هل عن عقيدة اتلوحيد .وقلت هل :إن
املسلم يؤمن بإهل واحد أحد ،ليس هل رشيك وال ودل ،وأنه تعاىل أرسل األنبياء والرسل كعيىس وموىس وحممد لنرش
رسالة اتلوحيد يف العالم ،خلق عيىس من غري أب وخلق آدم من غري أب وال أم ،فهو خيلق وال يدل ،وأمرنا بعبادته
وحده كما عبدوه هم ،فنحن نعبد اهلل كما عبد عيىس اهلل وال نعبد عيىس نفسه ،وحنن نعبد اهلل كما عبد حممد
اهلل وال نعبد حممد نفسه ونصيل هلل .وكذلك فقد اكنت السيدة مريم تصيل هلل وحده ،وعليه فيجب أال نصيل ملريم
نفسها وال نطلب منها ،بل نطلب من اهلل كما اكنت السيدة مريم تطلب من اهلل مبارشة.
حينها قاطعين هذا القسيس وقال حنن ال نعترب مريم يه اهلل وال نعبدها ،ولكننا نستخدمها كوسيلة للوصول إىل
اهلل .وبرر ذلك بمثال األرسة ،عندما يطلب األطفال مثال زيادة يف املرصوف أو ما شابه يلجؤون إىل األم ليك تكون
ا
وسيطا بينهم وبني أبيهم ،ألن قلب األم طيب ورقيق وحتبهم أكرث ،وممكن أن توصل طلبهم بطريقة أفضل للوادل.
طبعا جوايب اكن قاطع وصارم يف هذه انلقطة وقد تفاجأ به ،حيث قلت هل نعم الكمك صحيح ،ولكن هذا يف حالة
أن األطفال ال يعرفون أبيهم حق املعرفة ،حيث أنه باعتقادهم أن األم يه أرحم بهم من أبيهم ،لكنهم لو عرفوا أن
هذا األب هو أرحم من األم ذلهبوا إيله مبارشة ،وهذا جهل من األوالد بطبيعة األب.
واسرتسلت قائلة هل :أن البرش لو عرفوا اهلل حق املعرفة وعرفوا أن اهلل أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم ذلهبوا إيله
مبارشة.
أنت لم تفهميين ،حنن نستخدم السيدة مريم كوسيلة للوصول لرب العاملني اكذلي يريد أن
فقاطعين ثانية وقال :ال ِ
يضيف زواره مثال ويضع املرشوبات ىلع صينية ،فالسيدة مريم يه الصينية اليت نرسل بها طلباتنا لرب العاملني.
فقلت هل سبحان اهلل! ومن اكنت بمثابة الصينية اليت استخدمتها مريم للوصول اىل رب العاملني؟! هل مريم عبدت
اهلل مبارشة أم عن طريق وسيط؟ هل وضعت داعئها ىلع صينية؟ أخربين! هل عبدت عيىس عليه السالم؟ أم عبد
ا
عيىس أمه؟ أم اختذت قسيسا أم وسيطا أم قديسا ؟
الشاهد هنا أن هذه القصة اكنت بالنسبة يل نقطة انطالق لنرش املفهوم احلقييق لإلهل واكنت سبب لكتابة كتايب:
املفهوم احلقييق لإلهل ،اذلي أردت به أن أوضح للعالم أن املفهوم احلقييق لإلهل يه انلقطة املفقودة اآلن ،الن أتباع
ادليانة اهلندوسية مثال يؤمنون بإهل واحد أحد ولكن هناك من أقنعهم أن اهلل يتمثل يف حجر أو يف صنم وقد
يأت إىل األرض ،وأن ذاته العليا ال بد أن تكون خارج
أعجبهم ذلك ألنهم لم يعرفوا من هو اهلل ،وأن اهلل ال ِ
السماوات واألرض ،وإرادته وقدرته نافذة جلميع خملوقاته.
إن عدم معرفة رب العاملني يؤدي إىل وضع أفاكر أو تصورات خاطئة عن اإلهل كأن يتجسد يف ثالثة أقانيم أو يتمثل
يف جسد برش .إن حتريف املفهوم احلقييق لإلهل يف العهد القديم لم يشوش أذهان انلاس فقط ويضعهم يف ِحرية
فحسب ،بل تسبب بلجوئهم إىل اإلحلاد ورصفهم عن ادلين باللكية .فاتلوراة اليت أنزهلا اهلل سبحانه وتعاىل ىلع موىس
عليه السالم ذكرت أن اهلل تعاىل بصفاته العليا ،هو الواحد األحد الفرد الصمد اذلي ال يموت وهو اخلالق األبدي
الرحيم املزنه عن لك عيب أو نقص ،وأنه املعبود وحده ،لكن جند يف العهد القديم ( اتلوراة املحرفة) ،أنهم ينسبون
إيله صفات ال تليق به (كأن ينىس ،ال يعرف ،خياف ،يرتاح) سبحانه وتعاىل عن ذلك علوا كبريا.
وسبحان اهلل يف صغري كنت اتساءل دائما ملاذا ذكر اهلل تعاىل يف القرآن الكريم أنه خلق السماوات بدون أن يتعب وكنت
أتعجب جدا من ادلايع ذلكر هذه انلقطة ،حيث أنه معروف أن اهلل تعاىل ال يتعب ،حىت اتلحقت بمجال ادلعوة ،عندما
عرفت أن انلرصاين يعتقد أن اهلل عندما خلق السماوات واألرض ارتاح يوم األحد .وهم دائما يسألونين ملاذا ال يعترب
املسلمون يوم األحد هو يوم مقدس وأقول ببساطة ألن اهلل ال يتعب ليك يرتاح .املفاجأة أنهم يضحكوا بشدة من جوايب
ويقولون فعال نعم الكمك صحيح.
إنه ملن اخلطأ أن نعرف اإلسالم ىلع أنه اإليمان بإهل واحد ونقف إىل هنا ،فاإلسالم هو:
اإليمان بإهل واحد أحد وهو اخلالق واذلي ليس كمثله يشء ،وعبادته وحده بدون قسيس وال قديس وال أي وسيط.
فاإلسالم ليس فقط توحيد الربوبية بل وتوحيد رب العاملني يف العبادة (توحيد األلوهية بمعىن عبادته وحده بدون وسيط).
إن اإليمان بإهل واحد (توحيد الربوبية) موجود يف ديانات كثرية واكنت موجودة يف عقيدة كفار قريش أيضا؛ فعندما سئلوا
عن سبب عبادتهم لألصنام قالوا :تلقربنا إىل اهلل زلىف فهم ال ينكرون وجود اهلل .وبإمعان انلظر يف معتقدات الشعوب
نكتشف أن اغبلية األمم اليت دليها موروث ديين ودليها رموز دينية خمتلفة ال تزال تؤمن بوجود خالق للكون وتلجأ ايله
عند الشدائد .مما ي ؤكد ان هذه ادليانات واملعتقدات هلا أصول تارخيية نابعة من ديانة أصلية واحدة صحيحة .وأن ما دلى
الشعوب احلايلة من تراث ديين يتوي بداخله ىلع عقيدة اتلوحيد واإليمان بإهل واحد واتلفرد بعبادته .وأن هناك دالئل
وشواهد يف هذه ادليانات والكتب تشريإىل أن جذورها وأصوهلا ترجع إىل عقيدة اإلسالم واتلوحيد.
إن االختالفات بني ادليانات تتمثل يف الوسيلة املتبعة يف اتلواصل مع اخلالق مبارشة أو من خالل اختاذ وسطاء (قديسني،
كهنة ،أصنام أو أنبياء) فلو أن مجيع ادليانات تركوا عبادة الوسطاء وتوجوا مبارشة للخالق تلوحدت البرشية والستقامة
قلوبهم واهتدت للحق .فكما أن اجلميع يتفق يف وحدانية اتلوجه حنو اخلالق مبارشة دون رشيك أو وسيط عند وقوع املصائب
أو الشدائد فاكن ال بد من دعوة اجلميع يف الرساء والرضاء لعبادة رب العاملني .كما ورد القرآن الكريم:
ْ ا ْ َّ ْ ْ ْ َّ ْ َّ َّ ْ ْ ْ ْ ْ
رشك بِ ِه شيئاا وال يت ِخذ بعضنا بعضا أ ْرباباا ِم ْن
لكمة سواء بيننا وبينكم أال نعبد ِإال اَّلل وال ن ِ
ىل ِاب تعال ْوا ِإ ى
كت ِ"قل يا أهل ال ِ
َّ ْ ْ َّ َّ
اَّلل ۗ ف ِإن تول ْوا فقولوا اشهدوا بِأنا م ْس ِلمون" (آل عمران)64 :
ون ِ د ِ
اخلالصة:
ا
إذا ،احلياة ادلنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها اإلنسان بعد املوت بابلعث واحلساب ومن ثم اجلزاء ،ويعترب اإلسالم أن وجودنا
يف هذه ادلنيا هو هلدف واغية سامية ويه معرفة اهلل عز وجل ،وعبادته واتلوجه إيله مبارشة.
واذلي يقع من ابتالءات هو أراده اهلل ،واذلي أراده اهلل وقع ،وإرادة اهلل متعلقة باحلكمة املطلقة واحلكمة املطلقة متعلقة
باخلري املطلق ،حيث أنه ال يوجد رش مطلق بالوجود.
مراجع:
www.fatensabri.com
http://www.islamhouse.com
http://quranenc.com/en/home