Professional Documents
Culture Documents
أصالة الوجود عند صدرالدين الشيرازي رؤية نقدية مقارنة = نص
أصالة الوجود عند صدرالدين الشيرازي رؤية نقدية مقارنة = نص
561
اصالة الوجود عند صدر الدين الشريازى
561
املقدمة :
تقوم هذه الدراسة النقدية املقارنة انطالقـاﹰ مـن القـول بـأن هنـاك متـايزاﹰ بـني الوجـود واملاهية ،من حيث أنه ملا كان مفهوم
الوجود مشرتكاﹰ معنوياﹰ بديهياﹰ غري قابل للتحليل والتفريق ،فهو إذن يفرتق ويتمايز عن املاهية اليت هي معىن معلوم االسم
والصـفة ،وهـذا يرتـد إىل أن املاهيـة ترتكـب من أمرين عنصريني عقليني مها جنس وفصل ،على خالف مفهوم الوجود الذي قال
عنه ال شريازي أنه ال يقوم من جنس وفصل ،فالوجود واملاهية مفهومان متغايران من الناحية الذهنية فمعايرة املاهية للوجـود
وإنصافها به ،أمر عقلي إمنا يكون يف الذهن ال يف اخلارج ،وإن كانت يف الذهن أيضـاﹰ غـري منفكـة عن الوجود ،وإذا الكون
يف العقل أيضاﹰ وجود عقلي ،والكون يف اخلارج وجود خارجي ،لكن العقل شأنه أن يأخذ املاهية وحدها دون مالحظة شيء
من الوجوديني اخلـارجي والـذهين معهـا ويصـفها به ،مبعىن أن الوجود ليس عني املاهية ذهنياﹰ ،أي أن التصورات اليت تتوافر عليه
أذهاننا عن ماهية األشياء ليست هي عني تصورنا عن مفهوم الوجود بل هي مغايره له يف عامل الذهن ،حيث اصطلح على
تسـمية هذا التغاير الذهين بني الوجـود واملاهيـة بزيـادة الوجـود علـى املاهيـة ،أي أن الوجـود زائـد على املاهية عارض هلا ،وهذا
يعين أن املفهوم من أحدمها غري املفهوم من اآلخر يف الـذهن ،إذ املاهيـة تتخذ مع الوجود اخلارجي يف اخلارج ،ومع الوجود
الذهين يف الذهن ،لكن العقل حيث يعقل املاهية مع عدم االلتفات إىل أحناء الوجود حيكم باملغـايرة بينـهما حبسـب العقـل ،
وهـذا يعـين أن املفهـوم من أحدمها غري املفهوم من اآلخر ،فالوجود ليس عني املاهية وال جزء املاهية يف الذهن ،أما على
الصعيد اخلارجي العيين الواقعي فإن الوجود واملاهية متحدان وال مغايره بينهما ،فليس يف الواقع إذن أي مغـايرة بني املاهية
والوجود ،بل للعقل أن حيلل بعض املوجودات إىل ماهية ووجود ،حبيث يالحظ بينهما إنصافاﹰ ونسبة ،وميكننـا يف الواقـع
ح صـر جمموعـة مـن األدلـة علـى هـذا التمـايز بـني الوجـود واملاهية ،بالنظر إىل اآلراء الفلسفية السابقة منذ اليونان وحىت الشريازي
سواء ما يقول منها بأصالة املاهية ومذهب الشريازي يف آلة الوجود .
566
-4اتحاد المفهوم :فإن الوجود واحد واإلنسان والفرس والشجرة خمتلفة (. )3
-3االنفكاك في التعقل :فإننا قد نتصور املاهية وال نتصور كوهنا ال اخلارجي وال الذهين (. )4
وهنا يصري وجود املمكن عني ماهيته خارجاﹰ ومتحداﹰ هبا حنواﹰ من االحتاد وهو ما أشار إليه الشريازي عندما رأي أن الوجود
باملعىن احلقيقي وليس الوجود االنتزاعي املصدري العام ،من األمور العينية ،وأن الوجود اإلمكاين لو مل يكن متحداﹰ باملاهية
املمكنة احتاد األمر العيين باملفهوم االعتباري ،لكان إما املاهية نفسها حبسب املفهـوم أو جـزءاﹰ منـها كذلك ،وذلك باطل
عقالﹰ ألنه من املمكن تصور املاهية مع إغفال وجودها.
والواقع أن الشريازي بتفكيكه ملفهوم الوجود إىل وجود انتزاعي تتحقق به املوجود به وحقيقة الوجود أو الوجـود احلقيقي الذي هو
الوجودات احلقيقية كهويات عينية موجودة بذواهتا ،مت ربطه بني التغاير املفهومي بني الوجود واملاهية من ناحية ،واالحتاد
اخلارجي من ناحية أخرى ،هو املبدأ اجلوهري واحملور األساسي ،الذي يكشف عن مذهبه يف أصالة الوجود وبالتايل كل
نظريات احلكمة املتعالية لديه .
واحلق فإن واقعية الوجود اليت ليس لدينا أي شك يف ثبوهتا ال تقبل النفي إطالقاﹰ ،وال حيمل عليها العدم ،وهذا شيء ال يقبل
أي نوع من السفسفه ،فإننا نواجه واقع األشياء ونتعامل مع واقع الوجـود ،فواقعيـة الوجـود دون قيـد أو شرط هي واقعية
الوجود ،وال تصري ال واقعية بدون قيد وشرط ،ذلك أننا نعلم أن هناك واقعاﹰ نصدق به ،وهو أصل يقيين وقطعي ،وهو
النقطة الدوالنية يف التفكري اإلنساين عرب سريته العقالنية الفلسفية حيث تتخـذه نقطـة انطـالق حركتها ،وهذا هو املنطق اليقيين
الذي علينا أن نبدأ منه ألنه ال يقبل الشك ،وهلذا كان قاعدة االنطالق حنـو بنـاء الرباهني واالستدالالت بوصفه أساساﹰ
حمكماﹰ ومتيناﹰ ،ذلك أن جمموعة األفكار الفلسفية لو كانت على أسـاس فرضـي غري قطعي ،أو من نظرية احتمالية فسوف
تفقد قيمتها واعتبارها بالبداهة ،هلذا كان البد وأن يكون األصل األول الذي تنبثق عنه األفكار أصالﹰ ال يعرتيه أي شك ،بل
وجيب أن يكون أصالﹰ متعارفاﹰ ال موضوعاﹰ ،بل جيب أن يكون إنكـاره معادالﹰ إلنكار مجيع األصول األخرى املسلم هبا .
وهلذا كان األصل الذي يتمتع هب ذه امليزات كنقطة النطالق الفلسفة هو الواقع الواضح يف أذهاننا ،فنحن نواجه واقع األشياء
ونتعامل مع واقع الوجود ،وهلذا كان الوجود الواقعي هو األصل مبظاهرة املتحققة يف مثمنه وهي ظواهر تـدل على حقيقته ،
وهذه احلقيقة بديهية عينية مثل حقيقة (أنا موجود) اليت تنبع من العلم احلضوري بالنفس بذاهتا ،أو حقيقة األرض أو الشمس
موجودة اليت تتبع من العلم احلسي البديهي ،ورغم أن بعض هذه احلقائق حيتاج حبثاﹰ وحتقيقاﹰ ،ولكن هذه املرحلة تؤكد
اإلذعان باألصل الكلي .
((إن هناك واقعاﹰ)) أي أن هناك ((وجوداﹰ)) وتنفي الزعم السفسطائي الباطل الذي يدعي أن كل شيء باطل ،فهذا األصل
الكلي ثابت ومطلق وغري خاضع لقانون التحول .
561
وهكذا فإن كل شيء خارجي ال يتعدى أمراﹰ واقعياﹰ واحداﹰ ،ميكننا أن نستخلص منه ما سبق أن قلناه هنا ،وهـو استخالص
مفهومي املاهية – الوجود – وعلينا اآلن أن حناول بدقة مناقشة ملن األصالة من هذين املفهومني ؟ ،بصرف النظر عن آراء
املاهويني أو الوجوديني وإمنا بالنظر إىل الرؤية النقدية اليت تنظر يف األسس اليت بين عليها كل فريق رأيـه يف أصالة املاهية أو
أصالة الوجود .
وعلينا اآلن أن نتساءل :هل مفهوم اإلنسان مثالﹰ هو الذي حيكي عن الواقعية الـيت نبغضـها املثاليـة أم مفهـوم الوجود ؟ ()5
الواقع أنه بعد اإلذعان بأن اإلنسان موجود ،والشجرة موجودة ،والبياض موجـود ...أي أنـه بعـد تكـثري ((األصل الكلي)) أي
((الواقع موجود)) واحلصول على واقعيات متعددة يطرح هذا االستفهام – هكذا بعد اإلميـان باألصل الكلي ((الواقع
موجود )) وهو ما ميثل احلد الفاصل بني املثالية والواقعية فإننا خنطوا أوىل اخلطوات يف االنفصال عن عامل اخليال والدخول إىل
عامل الواقع مث نعكف على تكثري هذا األصل ،فنعثر على واقعيات متعـددة ،كاإلنسـان والشجرة واجلسم ...إخل ،فنذعن يف
أذهاننا ونصدق بشكل قطعي بأن هلذه األمور واقعاﹰ ،مث نعكـف علـى حتليـل ذهننا فنجد :
أوالﹰ :أن لدي الذهن صورة عن كل واحد من هذه األمور الواقعية مغايرة لصورة الوجود اليت لديه (زيادة الوجود على املاهية).
ثانياﹰ :إن مفهوم الوجود مفهوم عام مشرتك ينطبق على هذه األمور الواقعية مبعىن ومفهوم واحد (اشرتاك معنـوي للوجود) مث
نستنتج من هذا التحليل املختصر للذهن النتيجة الثالثة :إذن لدينا مفهومان عن كل أمر نصـدق ونـذعن بواقعيته ،األول
مفهوم عام ومشرتك هو (الوجود) الذي ينطبق على كل هـذه األمـور الواقعيـة ،وهـو مشـرتك بينها ،والثاين :مفهوم خاص
خيتص بكل أمر من هذه األمور الواقعية ،وهو ليس مشرتك بينها ،وإمنا خيتص بكل أمر منها على حده ،مثل مفهوم اإلنسان
،مفهوم الشجرة ،مفهوم اجلسم ،حيث ينطبق كل مفهوم من هذه املفاهيم على مورد معني ويصطلح عليه مبفهوم (املاهية).
وهذا بدوره يطرح أمامنا استفهامان :األول :من أين ينشأ املفهوم العام واملشرتك يف األذهان ،ومن أين ينشأ املفهوم اخلاص يف
األذهان أيضاﹰ ؟ .
وهذا السؤال ذو طابع نفسي ،فالنفس يف بدء تكوينها وحدوثها ال تعرف شيئاﹰ بالعلم احلصويل ،وليس لديها تصور عن أي
شيء يف الذهن حىت عن ذاهتا وحاالهت ا النفسية ،بل هي من حيث األساس تفتقر إىل الذهن ابتـداءاﹰ الن عـامل الذهن ال
يتعدى عامل التصور لدى النفس ،وحيث أهنا ال متلك صورة عن أي شيء ابتداءاﹰ ،إذن فليس لـديها ذهـن فاإلنسان يفتقر إىل
الذهن ابتداءاﹰ ،ولكنه بعد أن حيصل على الصورة الذهنية بالتدريج وحيصل على تصورات األشـياء وعن ذاته وحاالته النفسية ،
يتشكل لديه الذهن ،ولكن النفس اليت ال تعرف يف بدء تكوينها وحدوثها أي شيء بالعلم احلصويل تفتقر إىل الذهن ،تعرف
بالعلم احلضوري منذ البدء ذاهتا وقوي ذاهت ا النفسية ،ألن األصل يف العلم احلصويل هو الفعالية التصويرية لقوة اخليال ،واألصل
يف العلم احلضوري ،هو جترد وجود الشيء عن املادة وخصائصها .
561
أمـا االستفهام الثاين :فبعد معرفتنا أن هناك مفهومني يف الذهن (املاهية – الوجود ) ،فأي منهما هو األصيل ،وأي منهما هو
االعتباري ؟ فهل مها أصيالن معاﹰ أم مها اعتباريان معاﹰ ،أم أن الوجود هو األصـيل واملاهيـة أمـر اعتبـاري أم العكس ؟ وهذه
املسألة رغم طابعها الذهين مسألة فلسفية خالقة ،وذات طـابع عـيين ،وتتوقـف معرفـة الواقـع عليها ،بل هي أكثر مسائل
معرفة الواقع جوهرية .
أ -تعين األصالة هنا العينية واخلارجية ،مقابل االعتبارية اليت تعين عدم العينية واخلارجية ،وتعين أهنا حمصول ذهـين خالص ،
ول قد درجنا يف الواقع يف االصطالح الفلسفي احلديث على استخدام األصالة مبعىن التقدم مقابل الفرع والنتيجة ،فيقال هل
األصالة للروح أم املادة ؟ وبديهي هنا أن املقصود يف هذا االستفهام ليس حتديد ما هو عيين خارجي وما هو اعتباري ذهين ،بل
املقصود هو حتديد ما هو األساس هل املادة هي األساس والروح من خواص املادة ونتيجة تركيباهتا أم أن الروح هي األساس
واملادة نتيجة هلا ؟
وال يعين يف حبث أصالة الوجـود أو املاهيـة بالبحـث عمـا هـو أسـاس ،بـل يطـرح االسـتفهام بصـدد املفهومني اللذين تتوفر
عليهما عن كل أمر واقعي ،فأي من هذين املفهومني ذو طابع عني خارجي ،وأي منـهما ذو طابع ذهين واعتباري ؟ والواقع
أننا إذا اعتربنا الوجود أو املاهية أمراﹰ اعتبارياﹰ فسوف ال نقر له بأي طابع عيين ،فال هو أصل أساس وال هو فرع ونتيجة ،
وعلى أي حال ال ينبغي اخللط بني البحث عن األصالة وعدمها هنا ،وبني البحـث عن األصالة وعدمها يف الفلسفة احلديثة إذ
االصطالحات يف هذه الفلسفة ختتلط أحياناﹰ ،ومن املمكن أن يراد من عدم األصالة يف بعض املوارد االعتبارية أيضاﹰ .
ب – ينبغي أن نوضح مفهوم املاهية اليت نبحث عن أصالتها أو عدم أصالتها وجيـب هنـا أن نكـون علـى بينـة من أن هذا
البحث مطروح بعـد التصـديق بعـدة أمـور واقعيـة ،أي أن واقعيـة األشـياء مقدمـة للـدخول إىل هذا البحث ،وهي ليست فرضية
احتمالية بل هـي أمـر بـديهي وقطعـي ،وموضـوع تصـديق وإذعـان كل األذهان – لنفرض أننا آمنا بواقعية ثالثة أشياء :اخلط ،
العدد ،اإلنسان ،وأن هذه األشياء موجودة على حد سواء وال اختالف بينها من زاوية واقعيتها ووجودها ،من الواضح لذى
أذهاننا أن الوجود تعلق يف كل مواد من هذه املوارد بشيء ،ويف كل مواد لبس شيء من لباس الوجود ،وبعبارة أخرى واضح
لدى أذهاننا أن شيئاﹰ يف كل مورد من هذه املوارد قد خرج من ستارة اإلهتام وظلمة العدم ،فقد تعلق الوجود يف مورد مبا تسميه
الكمية املتصلة ،وتعلق الوجود يف مورد آخر مبا نسميه الكمية املنفصلة ،وتعلق يف مورد آخر مبا نسميه اجلوهر العاقل ،فيما
يبدو يف أذهاننـا متلبسـاﹰ ومعروضاﹰ وخارجاﹰ من ستا رة وظلمته هو ( املاهنة ) ففي املثال السابق حينما حنكم بوجود العدد أو
اخلط أو اإلنسان ،فإن العدد واخلط واإلنسان ماهيات ذوات وجود ،وهنا ميكننا القول أن املاهيات منشأ الكثرة والتعدد بينما
الوجود هو منشأ الوحدة مبعىن أن األمور السابقة أمور واقعية ثالثية ،أي ثالثة أمور ال أمر واحد ،حيث أن أحدها خط
واآلخـر عدد والثالث إنسان ،برغم أهنا من زاوية الواقع والتوفر على الوجود متشاهبة ومشرتكة مع بعضها ،غري أننـا جيـب
اإلشارة هنا إىل إمكانية أن ينكر منكر حقيقة ( :إن ما ندركه من األشياء هو عني ما هيتها) ،فال يقر بأن الصـورة الذهنية
للخط أو العدد أو اإلنسان هي عني املاهية املتلبسة بالوجود اخلارجي ،أي أن يسلك أفكار يف حبث الوجـود الذهين ،ولكن
561
مع القبول بأن هناك أموراﹰ ثالثة ذات واقع ووجود ال يبقى هناك شك يف آن كل واحد من هذه األمور الثالثة شيء خاص
بنفسه ،قد تغلق به الوجود ،وهذا الشيء الذي تعلق فيه الوجود هو ماهية ذلك الشيء سواء آمناﹰ بالوصول إىل كنهة أم مل
نؤمن .
()7
ج -حينما نحمل محموالً على موضوع فسوف نالحظ وجود حالتين :
الحالة األولى :أن يكون احملمول واملوضوع يف عامل اخلارج أمرين واقعيني ،أي لكل واحد منـهما واقـع خـاص به ،كما هو
احلال يف عالم الذهب ،حيث يتوفر كل من املوضوع واحملمول على صورة ذهنية خاصة بـه ،مثـل حينما حنكم بأن هذه الورقة
بيضاء ،أو هذه الغرفة مربعة أو هذه احلبة حلوة .
-نالحظ يف هذه األمثلة أن لكل واحد من احملمول واملوضوع تصوراﹰ خاصاﹰ به يف الذهن – ونالحظ أيضاﹰ أن لكـل واحد
منهما ما بإزاء يف عامل اخلارج ،أي أن هناك واقعاﹰ للبياض ،وأن هناك واقعاﹰ للورقة وأن هناك واقعاﹰ للغرفة وأن هناك واقعاﹰ
للمربع ،وأن هناك واقعاﹰ للحبة وأن هناك واقعاﹰ للحالوة ،فرغم ارتباط هذه الوقائع مع بعضها وارهتـان كل حممول مبوضوعة ،
لكن لكل واحد منهما مصداقاﹰ واقعياﹰ ،ومن مت له ما بآراء خاص به .
احلالة الثانية :أن ال يكون لكل من احملمول واملوضوع واقع مستقل يف اخلارج ،وال تكون هناك أثنينية بني املوضوع واحملمول يف
اخلارج فال كثرة بينهما ،بل حبكم الوحدة بين هما ،والكثرة تستند إىل الذهب بشكل خالص ،وبعبارة أخرى أن الذهن بلون
من ألوان التحليل والتجزئة يقسم األمر اخلارجي الواحد إىل أمور متعددة ،فيصوغ مفـاهيم ومعاين متعددة من أمر واقعي
خارجي واحد ،ليس فيه أي لون من ألوان الكثرة ،وال جمال إلنكار قدرة الذهن على التحليل والتجزئ ،فلها آالف الشواهد
الواضحة .
وألق نظرة على (التعريفات) تالحظ كيف يصوغ الذهن شيء واحد بسيط خارجي مفاهيم ومعاين متعـددة لديك ويضع
له زوايا اشرتاك ونقاط امتياز ،بالشكل الذي تنطبق مجيع املعاين واملفاهيم الكثرية على هـذا الشـكل اخلارجي البسيط الواحد ،
كما هو احلال يف تعريف اخلط فالذهن حيكم بأنه ( كمية متصلة ذات بعـد واحـد ) .فالذهن هنا جيزء اخلط بقوة حتليلية إىل
كمية واتصال ،وإهن ا ذات بعد واحد ،وهذه املفاهيم الثالثة تنطبق على اخلط ،ومن البديهي أن الوجود للخط ال يرتكب من
ثالثة أجزاء ،أي أن قسماﹰ من وجوده كمية ،وآخر اتصال ،وآخـر بعد واحد ،بل املفاهيم الثالثة يف عامل اخلارج واحدة
وذات واقع ووجود واحد ،لكن الذهن هو الذي ينتزع من هذا الواقع الواحد ،على أي حال ال جمال إلنكار قدرة الذهن على
صياغة مفاهيم ومعان متعددة للواقع الواحد .
حبث املاهية والوجود مورد من موارد احلالة الثانية ،احلالة اليت ال يكون لكل من املوضوع واحملمول واقع مستقل ،أي املوارد اليت
نتخذ املاهية نظري اخلط أو العدد أو اإلنسان موضوعاﹰ وحنمل الوجود عليها ،فنؤلف قضايا ،وحنكم أن اخلــط موجــود أو العــدد
موجــود أ و اإلنســان موجــود للموضــوع واحملمــول يف هــذه امل ـوارد ( يعني مفهوم اإلنسان ومفهوم الوجود مثالﹰ ) كثرة يف عامل
511
الذهن ،وحبكم التغاير بني املفهومني ،ووفق االصطالح الفلسفي ( الوجود زائد على الماهية ) بل – كما قلنا – يبدو يف
الوهلة األوىل للذهن أن الوجود تعلـق باملاهيـة،
وأخرجها من عامل العدم ومن ستارة اإلهبام والظلمة إىل عامل الظهور ،واملاهية مبثابة املتلبس بلباس الوجود ،لكـن للعلم أن
املاهية والوجود يف عامل اخلارج ليسا أمرين أحدمها ظاهر واآلخر مظهر ،وأحدمها لباس واآلخر متلبس ،بل الذهن هو الذي
يصوغ هذين املفهومني من واقع خارجي واحد ،فيعترب أحد املفهومني عارضاﹰ واآلخر معروضاﹰ عليه ،هناك تركيبات ممكنة يف
عامل اخلارج ،لكن تركيب املاهية والوجود يف عامل اخلارج أمر ال معىن له ،إمنا حتصل هذه الكثــرة والرتكيــب بــني املاهيــة
والوجــود بقــوة التحليــل الــذهين ،ولــيس للوجــود واملاهيــة يف عامل اخلارج ( كاإلنسان ووجود اإلنسان أو الخط ووجود الخط
أو األرض ووجود األرض ) واقعان مستقالن ،فيكون لكل واحد منها ما بإزاء خارجي ،وكيف ميكن من حيث األساس أن
يكون لألمر الواقعي الواحـد ،ممـا فرضناه اإلنسان أ و اخلط أو الذرة ،واقعان واقع لذاتـه وواقـع لوجـوده ،كـل علـى حـده ،
فيكـون لـه واقعان يف اجملموع ؟! .
ال حاجة إلقامة الربهان على أن الشيء ووجوده يشكالن واقعاﹰ واحداﹰ واختالف وتعدد املاهية والوجود أمر ذهين ومعلول لقوة
التحليل الذهنية فإذا استطاع أحد أن يتصور هذا املوضوع فسوف يصدق هبذه الفكرة بال تردد ،لكننا يف نفس الوقت تقيم
برهاناﹰ ألولئك الذين مييلون إىل إقامة الربهان واالسـتدالل علـى هـذا املوضـوع وبرهاننـاﹰ على النحو اآليت )8( :
إذا كان الشيء ووجوده أمرين واقعيني يلزم أن يتألف كل أمر واقعي من أمور واقعية غري متناهية ،مضافاﹰ إىل أن يكون ذلك
الشيء من حيث األساس أمراﹰ واقعياﹰ مستقالﹰ ،فسوف تنقل الكالم إىل كل واحد من هـذين الـواقعني (املاهية والوجود)
وحيث أن كل واحد من هذين األمرين أمر واقعي ،وكل أمر واقعي حبسب الفرض مـع واقعـه أمران واقعيان ،أي هناك اختالف
حاكم يف ذاته وليس أمراﹰ واحداﹰ ،إذن لكل واحد من الوجود جمموع من أمـرين واقعيني ،مث ننقل الكالم يف املرحلة الثانية إىل
هذين األمرين الواقعيني اللذين تشكلهما املاهية ،واألمرين الـواقعيني اللذين يشكلهما واقع الوجود ،وحيث أن كل واحد من
هذه األربعة أمر واقعي ،وكل أمر واقعي حبسب الفـرض جمموع من أمرين واقعيني بينهما اختالف خارجي ،إذن فكل واحد من
هذه األمور األربعة يشكل أمرين واقعيني ،وهكذا ننقل الكالم يف املرحلة الثالثة والرابعة إىل ما ال هناية ،حيث نستمر مع أمور
واقعية مركبة من أمرين واقعيني آخرين وهكذا .
ومن الواضح أن هذه الظاهرة أمر محال عقالﹰ ألسباب -:
أوالﹰ :إن األمر الواقعي الواحد كاإلنسان الواحد ليس جمموعة من األناس الالمتناهية ،واخلط الواحد ليس جمموعة من اخلطوط
الالمتناهية ( على أن ال خنلط بني قابلية انقسام اخلط إىل أجزاء غري متناهية وهذا املوضـوع) والـذرة الواحدة ليست مشكلة من
ذرات ال متناهية ،فكيف ميكن من حيث األساس أن يكون الشيء الواحد يف نفس الوقت الذي هو أمر واحد بالفعل مؤلفاﹰ
من أشياء غري متناهية .
515
ثانياﹰ :إن األمر الالمتناهي املفروض هنا لون من الكثري الذي ال ينتهي إىل وحدات ،وقد الحظنا أن الشيء يتألف من أمرين
واقعيني إىل ما ال هناية وال ينتهي إىل أمر واقعي مؤلف من هذين األمرين الواقعيني ،والكثري الذي ال ينتهي
إىل أمر واحد يستحيل وجـوده ألن الكـثري حيصـل جـزاء جتمـع وحـدات فـإذا مل تكـن هنـاك وحـدة مل تكن هناك كثرة .
إذن يلزم من كون الشئ الواقعي الواحد ذاته أمرين واقعيني أن ال يكون لذلك الشيء من حيث األساس وجـود وواقعية .
مما تقدم الحظنا أن الشئ الواحد ال ميكن أن يكون هو نفسه أمـرين واقعـيني ،بعبـارة أخـرى ال ميكـن أن تكون املاهية
والوجود أمرين عينيني ،نأيت اآلن لنقول على أساس وجود أمور خارج أذهاننا ،إن املاهية وواقعها ال ميكن أيضاﹰ أال يكون لكل
منهما وجود عينية خارجية ،فنحن نؤمن بأن اإلنسان أو اخلط أو العدد أو الذرة موجودة خارج أذهاننا فإذا كان اإلنسان
وواقعه أو اخلط وواقعه ال وجود خارجي وال عينية هلم ا ،بل مها أمران ذهنيان ،إذن حينما نقول اإلنسان موجود سوف يكون
أمراﹰ ذهنياﹰ حبثاﹰ ،وليس هناك خلف الذهن أي شيء ،وهذا خالف األصل البديهي الذي تقدم ،وهو عني مدعى
السفسطانيني )9(.
بعد بيان هذه املقدمات أتضح عرب املقدمة األوىل أن حبث أصالة الوجود أو املاهية ذو طابع ذهين ،رغم أن البحـث عن تعيني
وحتقيق األمر اخلارجي والواقعي منها ،فله طابع ذهين وطابع خارجي ،ومها توأمان مع بعضهما ،واتضح من املقدمة الثانية
مفهوم املاهية ونسبتها للوجود حبسب االعتبار الذهين ،واتضح من املقدمة الثالثة أن الوجود واملاهية يشكالن واقعاﹰخارجياﹰ
واحداﹰ ،وليسا أمرين واقعـيني ،ومـن هنـا ال ميكـن أن يكونـا خـارجيني وعينـيني وأصليني ،أي أن يكون الوجود أصيالﹰ واملاهية
أصيلة ،واتضح من املقدمة الرابعة أن الوجود واملاهية ال ميكن أن يكونا معاﹰ غري واقعيني ،وأن يكون كل منهما أمراﹰ ذهنياﹰ
حمضاﹰ ،يعين أن يكون اعتباريني معاﹰ .
بعد طرح هذه المقدمات يأتي دور االستفهام التالي ،ما هو األصيل هل الوجود هو األصيل والماهية هي االعتبارية أم
العكس ؟
أقيمت براهني متعددة إلثبات أصالة الوجود تتكئ بعض هذه الرباهني على أصول موضوعة ،ينبغي إثباهتا عرب العلـم أو الفلسفة
ومن احملتم أن األصول املوضوعة ما مل يقم عليها الربهان تبقى اإلفادة منها يف الربهان على أصالة الوجود غـري متوفرة على الطابع
اليقيين ،وبعض الرباهني ليست كذلك ،وحنن هنا ال نستطيع أن نطرح وحنلل مجيع الـرباهني الـيت أقيمت إلثبات أصالة الوجود ،
بل نكتفي ببيان برهان ذو طابع فلسفي خالص ،وهو أسهل الـرباهني وأوضـحها ،وأكثرها أحكاماﹰ وقوة ،وهذا الربهان ال
يتطلب مقدمات إضافية خارج متحيص مفهومي الوجود واملاهية ذاهتا ويتكـئ صدر املتأهلني مؤسس نظريـة أصـالة الوجـود يف كتبـه
علـى هـذا الربهـان يف أغلـب األحيـان والربهـان هو على النحو التايل )10( :
إن األمر يدور بني حالني ،فإما أن يكون الوجود أمراﹰ واقعياﹰ وتكون املاهية أمراﹰ انتزاعياﹰ عرب القوة الذهنية ،وإمـا أنتكون
املاهية أمراﹰ واقعياﹰ ويكون الوجود أمراﹰ ،انتزاعياﹰ ذهنياﹰ ،حينما نقيس كالﹰ من الوجود واملاهية بالواقعية واخلارجية نالحظ (
511
املاهية مثل( اإلنسان أو اخلط أو غريمها) يف ذاهتا تصلح للوجود وتصلح للعدم أيضاﹰ) ونسـبتها إىل الوجـود والعدم على السواء ،
فاملاهية حبكم مصاحبتها للوجود والواقعية يعتربها الذهن صاحلة حلمل الوجود عليها .
أما الوجود والواقعية فهو عني املوجودية والواقعية واخلارجية ،وفرض عدم واقعية الواقع وعـدم وجـود الوجـود فرض حمال .
إذن فالوجود هو عني الواقعية والعينية ،وهو الذي يشكل اخلارجية وعامل العينية ،أما املاهية فهي قالب ذهين للوجود يهيئه
الذهن بفعاليته اخلاصة جراء ارتباطه بالواقع اخلارجي ،فينسبه للواقع اخلارجي .
وهذا هو معىن عبارة املنت :كل شيء ،أي كل أمر واقعي خارجي يتوفر على الواقعية يف ظل الواقعية ،وإذا فرضنا أن واقع
الوجود يسلب عنه الوجود ،فيكون عدماﹰ فهذا الفرض ال يتعدى الوهم الفارغ ،إن لنظرية أصالة الوجود نتـائج كثرية يف
الفلسفة ،ويرهت ن البحث يف أغلب املسائل الفلسفية بالبحث يف أصالة الوجود ،خصوصاﹰ يف موضوع احلركة حيث يفيد هذا
البحث من موضوع أصالة الوجود نتائج كثرية ال جمال لعدها هنا وسنذكر هذه النتائج يف حملها ،ونشري يف خامتة هذه الفقرة إىل
املالحظة التالية :
الحظ القارئ احملرتم أننا طرحنا موضوع البحث عن أصالة الوجود بعد اإلميان باألصلي الكلي (إن هناك واقعاﹰ) وبعد التصديق
بواقعية جمموعة أمور ،وبعد االلتفات إىل زيادة الوجود على املاهية ،وبعـد اإلميـان باالشـرتاك املعنـوي للوجود ،فطرحنا من
الناحية الفنية مرتتب على جمموعة مسائل وكلن ينبغي أن نوضح أن هذا الرتتيب الفين ال ضرورة لاللتزام به ومن املمكن تقريب
الطريق والدخول إىل حبث أصالة الوجود بعد اإلميان باألصل الكلي ( إن هناك واقعـاﹰ ) الذي هو احلد الفاصل بني الفلسفة
والسفسطة وجنعل موضوع أصالة الوجود البحث الفلسفي األول فنقول :بعد اإلميان باألصل الكلي يتضح لنا أن هناك أمراﹰ
واقعياﹰ وأن لدينا موجوداﹰ ،وهذا املوجود الواقعي إما أن يكون وجوداﹰ وإمـا أن يكون شيئاﹰ له الوجود ،أي إما أن يكون الواقع
الذي يقف خلف الذهن الذي ال يصلح ألن حيكم الذهن بأن املاهيـة(س) خرجت من ستارة العدم أو أي ماهية أخرى ،وإما
أن يكون الواقع الذي يقف خلف الذهن مؤهالﹰ لكي حيكـم الذهن بأن األمر خرج من ستارة العدم إىل الوجود ،بناء على
الفرض فليس هناك أثر للماهية أساساﹰ ،وبناءً على الفرض الثاين تكون املاهية معروضة للوجود وقد تعلق هبا ،وعلى أساس
هذا الغرض ،جنري الربهان املتقـدم طبـق الطريقـة اليت تقدمت – وإذا سلكنا هذا األسلوب فسوف نصل إىل النتيجة بشكل
أسرع ويكون امليـدان بعيـداﹰ عـن كـثري من الشبهات ،ومن هنا يتضح أن أولئك ( نظير الحكم السبزواري ) الذين اختذوا
قاعدة الزوج الرتكييب ،وإن املمكن زوج تركييب الذي يوحي بتقسيم املوجود إىل واجب وممكن ،وبساطة الواجب وتركيب املمكن
،الذين اختذوا هـذه الفكرة مقدمة للربهنة على أصالة الوجود قد سلكوا طريقاﹰ بعيداﹰ ،عن النظام املنطقي ،ألن تقسيم املوجود
إىل الواجب واملمكن متأخر كثرياﹰ عن أصالة الوجود.
ومن الواضح أن كل شيء ،أي كل أمر واقعي إمنا يتوفر على الواقعية ،حتت ظل الواقع ،وإذا فرضنا أن واقـع الوجود نسلب
عنه الوجود ،فيكون عدماﹰ ،فهذا الفرض ليس إال ومهاﹰ فارغاﹰ ،وعليه نستدل ،أن األصل األصـيل يف كل شيء إمنا هو
وجوده ،واملاهية أمر ذهين ،أي أن واقع الوجود بذاته أمر واقعي ،وعني الواقعيـة ،ومجيـع املاهيات تكون واقعية به ،وبدونه
511
أي ( بذاهتا) ال تكون إال أمراﹰ ذهنياﹰ واعتبارياﹰ ،بل أن املاهيات هي جمرد صـور توحدها الواقعيات اخلارجية يف ذهننا وإدراكنا
،وإال فهي ال ميكن أن تنفصل يف عامل اخلارجي املوضوعي عن الوجود ،وبالتايل فليس هلا وجود مستقل بوجه من الوجوه ،
وبعبارات أخرى ،فمادام حتقق جهة االحتاد ،بـني الوجـود واملاهية جتري يف اخلارج من جهة الوجود ال املاهية ،فهذا يعين أن
األولية والسبق هي للوجود دون املاهية بوصفه هو ال املاهية جهة االحتاد بينهما يف اخلارج ،وهلـذا كـان الشـريازي علـى حـق
عنـدما رأى يف اجلـزء األوملن األسفار(( )11ص ) 87أي مبدأ األثر أو أثر املبدأ ليس إال الوحدات احلقيقية اليت هي هويات
عينيـة موجـودة بذواهتا وال املاهيات املرسلة املبهمة الذوات اليت ما مست بذواهتا يف حدود أنفسها رائحة الوجود .
والواضح إذن أن األصالة تعود إىل الوجود العيين احلقيقي ،من حيث كونه حيمل أثراﹰ مباشراﹰ يف األشـياء خالل حضوره
لإلنسان وحواسه ،وال تؤول األصالة إىل الوجود االنتزاعي العقلي كوهن ا أمور ذهنية ،مها جمـردان عن األثر والفاعلية ،ومن مث
مها مفهومان عدميان ،فكالمها يف حدود نفسيهما ،وال يقتضي الوجود وال العدم ،ألن الوجود والعدم خارجان عن ذاهتما ،
فهما متساويات يف النسبة إليهما ،وهذا واضح من حتليلنا ملاهية مـا ،ماهيـة اإلنسان مثالﹰ ،الذي هو حيوان ناطق ،أي أننا
ال نقول :اإلنسان حيوان ناطق موجود ،ألن الوجود خارج عن ذات املاهية ،فاملاهية عدم حمض ،فهي ال متلك شيئاﹰ ،ألهنا
من حيث هي ليست إال هي ال موجودة وال معدومة ،ومن مث ال ميكن أن تكون األصالة للماهية ،ألهنا قرينة العدم ،فال جيوز
لذلك أن تتقدم على الوجود يف اخلارج ،فإذا كانت املاهية يف ذاهتا ،ال موجودة وال معدومة فهي حتتاج إذاﹰ إىل من خيرجها من
حالة االستواء بني الوجود والعدم ،فهي حبسب ذاهت ا وحدود أنفسها معراة عن الوجود والظهور ،فالوجود والظهور يطرأ عليها
من غريها ،فهي يف حـدود أنفسها هالكات الذوات ،بإطالق احلقائق ،أزالﹰ وأبداﹰ ال يف وقت من األوقات ومرتبة من املراتب
،وبالتايل لن تكون املاهية هي سبب خروجها من حالة االستواء ،فالوجود هو الذي خيرجها من حالة اإلمكان بني الوجـود
والعـدم وجيعلها متلبسة ب الوجود ،وليس املاهية هي اليت خترج نفسها إىل الوجود ،ألن املاهية يف نفسها ال عالقة بينها وبني
غريها ،فما مل يدخل املاهية يف عامل الوجود دخوالﹰ عرضياﹰ ليست هي يف نفسها شيئاﹰ من األشياء حىت نفسها ،حىت تصلح
إلسناد مفهوم ما إليها حبسب التقدير البحث ،أي ذهنياﹰ فقط ،وهذا يدل على أن األصالة ترتد إىل الوجـود فهو منشأ ترتيب
اآلثار باخلارج وليس املاهية ،ألن املاهية إمكانية يف ذاهتا ،حبيث ال حتصل هلا الفعلية ،إال من خالل الوجود ،ألنه ال فعلية هلا
يف ذاهتا ،أو كما يقول الشريازي نفسه أن (( ما ال فعلية له ال اقتضاء منه لشيء مـا لم ينصبغ بصبغ الوجود )) (. )21
والواقع أن القول بأصالة الوجود كما رأي الشريازي مل يتوقف عند تأكيد املغايرة بني الوجـود واملاهيـة من حيث هي إحدى
النتائج اجلاهزة – املهمة اليت ورثها عن أسالفه ،وإمنا كان مهه األكرب حل التساؤل الذي طرحه أستاذه املرياداما أول مرة على
بساط الدرس الفلسفي ،واليت أنتقل منه الشريازي إلثبات أصالة الوجود بعد أن كـان موافقاﹰ ألستاذه بالقول بأصالة املاهية ،
وهو التحول اخلالق ملسار الفلسفة اإلسالمية ألنه يؤسس بناءً فلسفياﹰ جديـداﹰ وإجيابياﹰ للنظرة إىل العامل ،وإذا مل يعد للنظرة
املرتكزة على أولوية املاهيات وتقدمها أي املاهية ،وبسقوطها على يـد الشريازي تسقط كل االعتبارات اليت من شأهنا احلط من
الوجود العيين احلقيقي الذي كان يف منظور أصحاب أصالة املاهية ومهاﹰ وخياالﹰ ،وهنا فأصالة الوجود واعتبارية املاهية ،حبسب
منظور احلكمة املتعالة ،أسفر عن صياغة فلسفة واقعية وجودية وميتافيزيقية يف الوقت ذات ،واقعية تعيد اعتبار قوي
511
للمشخصات العينية احلقيقية ،من خالل أصالة وجودها وحتققها ،إذ مل تعد موصوفة باملثال اليت كانت عليه يف ظل التنظري
املاهوي السابق ،وميتافيزيقية كوهنا تس عى عن طريق احلركة اجلوهرية إىل إثبات الوجود الروحي املفارق ،حيث خترج عن أن
تكون جمرد فلسـفة وجوديـة منحصرة يف جمال العامل املادي ،أو يف بعد اإلنسان وأفعاله فقط كما هو شأن الوجودية املعاصرة ،
إذا أن فلسفة أصالة الوجود بالطرح املتعايل الذي قدمه الشريازي هي فلسفة الوجود األصيل الذي يبدأ من أعلى مراتبه ،أي من
اﷲ تعاىل على أدىن مراتبه ،حيث اهليويل .
وواضح عند المتأهل في االحتماالت العقلية الممكنة بين الماهية والوجود أنها ال تخـرج عـن ثالثة احتماالت :
األول :أن الوجود عني املاهية ونفسها .
الثاني :أن الوجود جزء من املاهية .
الثالث :أن الوجود أمر مغاير للماهية زائد عليها .
لكن أحداﹰ من الفالسفة أو املتكلمني مل يذهب إىل القول بأن الوجود جزء املاهية ( ، )13إذن يبقى لنا هنا احتماالن :إن
الوجود عني املاهية أو أن الوجود مغاير للماهية زائد عليها .
ومن جانب آخر نجد أن الماهية قد تكون واجبة وقد تكون ممكنة ،وعليه سوف تكون االحتماالت العقلية ال ممكنة
بين الماهية بقسميها والوجود أربعة :
األول :الوجود نفس املاهية ويف الواجب ويف املمكن .
الثاني :الوجود زائد على املاهية يف الواجب ويف املمكن .
الثالث :الوجود نفس املاهية يف الواجب زائد عليها يف املمكن .
الرابع :الوجود نفس املاهية يف املمكن زائد عليها يف الواجب .
غير أن االحتمال األخير ال يخرج عن كونه احتماالﹰ عقلياﹰ ،فلم يتخذه أحداً مذهباﹰ لـه ( ، )14فيتحصل لنا أن
المذاهب في هذه المسألة ثالثة :
المذهب األول :مذهب أيب احلسن األشعري وبعض أصحابه ،وبعض املعتزلة كأيب احلسن البصري ،وهو أن الوجود نفس
املاهية ،وليس بزائد عليها ،سواء كان ذلك يف الواجب أو املمكن(. )15
المذهب الثاني :مذهب مجهور املتكلمني ،ومنهم أكثر املعتزلة وهو أن الوجود مغاير للماهية ،زائد عليها يف الواجب
واملمكن (.)16
511
المذهب الثالث :مذهب الفالسفة ،كالفارايب وابن سينا وغريهم ،وهو أن الوجود نفس املاهية يف الواجب وزائد على املاهية
يف املمكن (.)17
أدلة المذهب األول :
استدل القائلون بأن الوجود نفس امل اهية بعدة أدلة ،ذكرنا أثنني منها يف مسألة اشرتاك الوجـود اشرتاكاﹰ لفظياﹰ ،
وذلك ألنه يلزم من القول بأن الوجود عني املاهية أو املوجود أن يكون الوجود مشرتكاﹰ لفظياﹰ ،وها أنا أذكر ما تبقى منها :
الدليل األول :أنه لو كان وجود الشيء زائداﹰ عليه ملا كان الوجود موجوداﹰ ،ضرورة امتنـاع تسلسـل الوجودات ،إذن يكون
معدوماﹰ ،وهذا باطل ،ألن فيه اتصاف الشيء بنقيضه ،وكون ما ال ثبوت له يف نفسه ثباتاﹰ يف حمله .
الدليل الثاني :أنه لو كان الوجود قائماﹰ باملاهية ،لكان موجوداﹰ ،ضرورة امتناع اتصاف الشيء بنقيضه ،وامتناع أن يثبت يف
احملل ما ال ثبوت له يف نفسه ،فننقل الكالم إىل وجوده ،ويتسلسل ،ألن التقدير أن وجود كل شيء زائد عليه ،والتسلسل
باطل ( ، )18وقد أورد على هذه األدلة عدة اعرتاضات ال نطيل املقام بذكرها(. )19
أدلة المذهب الثاني :
تنقسم أدلة مجهور امل تكلمني يف هذا املقام إىل قسمني :األدلة اليت تدل على زيادة الوجود يف ذات الواجب وإليك التفصيل
يف ذلك :
أوالً :األدلة على أن الوجود زائد على ماهية الممكن :
صحة سلب الوجود عن املاهية ،حيث إننا يصح لنا أن نسلب الوجود عن املاهية كقولنا "" :العنقاء ليست مبوجودة "" ،ولو
مل يكن الوجود زائداﹰ على املاهية ملا صح لنا هذا السلب ،ألنه إذا مل يكن زائداﹰ ،فال خيلو :إما أن يكون نفس املاهية أو
جزأها ،ولو كان األمر كذلك ملا صح سلب الوجود عنها ،ألنه يؤدي إىل سلب املاهية عـن نفسها ،أو سلب أجزائها عنها ،
وهو حمال ،فثبت أن الوجود زائد على املاهية .
صحة األخبار بالوجود عن املاهية اليت اردكناها حبقيقتها ،ولو كان الوجود عني املاهية ،أو جزأها ملا صح األخبار به عنها ،
والسبب يف ذلك :أن املاهية إذا أدركت جبميع أجزائها كان محل أجزائها أو محل نفسها عليها غري مفيد ،مثال ذلك :أنا لو
أدركنا حقيقة اإلنسان ،وتصورناها بأنه حيوان ناطق ،مث بعد ذلك حكمنا عليه بالوجود ،فقلنا " :اإلنسان موجود" ،كان
ذلك احلكم مفيداﹰ ،وما صحت إفادته إال بسبب أن الوجود غري املاهية ،وإال لو كان عينها أو جزأها ملا أفاد احلمل ،ألن
محل الشيء على نفسه ال يفيد ،وكذلك محل أجزاءه حيث كانت احلقيقة معلومة .
516
اختاذ مفهوم الوجود دون مفهوم املاهيات ،فعندما نفكر يف وجود اإلنسان والفرس والشجر وغري ذلـك ،جند أن هلا مفهوماﹰ
واحداﹰ ،هو الكون يف األعيان ،وعندما نفكر يف نفس اإلنسان والفرس والشجر وغري ذلك جند أن لكل واحد منها مفهوماﹰ
مغايراﹰ ملفهوم اآلخر ،وليس ها هنا سبب لذلك إال أن الوجود مغاير للماهية زائد عليها .
االنفكاك يف التعقل ،وذلك أن نستطيع أن نتعقل املاهية مع ذهولنا عن وجودها ،فنتعقل ماهية اجلسـم ،وحنده بأنه ما تركب
من أجزاء ،مع الذهول عن وجوده ،وأيضاﹰ :نستطيع أن نتعقل الوجود مع عدم تعقل املاهية ،كتعقلنا لوجود الروح مع عدم
إدراكنا ملاهيتها .
اكتساب الثبوت ،فإن تصديقنا بثبوت الوجود للماهية قد يفتقر إىل كسب ونظر ،كتصديقنا بوجود اجلن مثالﹰ ،خبالف ثبوت
املاهية وذاتياهتا هلا فإنه غري حمتاج إىل كسب ونظر(. )20
ً
ثانيا :األدلة على أن الوجود زائد على ذات الواجب :
-1أنه لو مل يكن الوجود يف الواجب زائداﹰ عليه ن لكان الواجب هو الوجود املقيد بقيـد التجـرد ،ألن الوجود مشرتك بني
الواجب واملمكنات ،ووجود الواجب ال يكون زائداﹰ عليه ،فيلزم أن يكون الواجب عبارة عـن
الوجود اجملرد ن أي :الوجود الذي ال يكون عارضاﹰ ،وحينئذ لو جترد الوجود لتجرد لعلة غري الوجود ،وهذا باطل ،فيلزم منه
بطالن كون الواجب عبارة عن الوجود اجملرد .
والعلة يف أن الوجود لو جترد لعلة غري الوجود :هو أن لو مل يكن جترد الوجود لعلة غري الوجود لكان جترده لذات الوجود ،
فيكون التجرد الزماﹰ لذات الوجود من حيث هو هو ،والوجود يف املمكنات عارض ،فال يكـون مقتضياﹰ للتجرد يف املمكنات
،فيلزم التنايف يف لوازم الوجود من حيث هو هو ،وهو حمال .
إذن ثبت أنه لو جترد الوجود لتجرد لعلة غريه ،وهذا باطل ،ألنه يلزم منه أن يكون الوجود الواجب ممكناﹰ
،وهو حمال ،فثبت أن الوجود زائد على ذات الواجب .
وميكن أن يقرر هذا الدليل بوجه آخر ،وهو أن يقال :الوجود املشرتك بني الواجب واملمكنات :إمـا أن يقتضي التجرد أو
يقتضي الالجترد ،أو ال يقتضي التجرد وال الالجترد ،واألول يقتضي التجرد يف املمكنات أيضـاﹰ ،والثاين يقتضي الالجترد يف
الواجب أيضاﹰ ،والثالث يقتضي أن يكون كل من التجرد والالجترد لعلة غري الوجود ،فيلزم أن يكون الواجب ممكناﹰ (.)12
-2إن الواجب يشارك املمكنات يف الوجود ،ألن الوجود معناه الثبوت أو الكون يف األعيان ،وخيالفها يف احلقيقة ،ومن
املعلوم أن ما به االشرتاك غري ما به االختالف ،فوجب أن يكون الوجود غري املاهية .
-3أن الوجود معلوم ضرورة لكل أحد ،وحقيقة الواجب غري معلومة ،فوجـب أن يكـون الوجـود غري الذات ،ألن املعلوم
خالف اجملهول (.)22
511
أدلة املذهب الثالث :
استدالل الفالسفة على أن وجود الواجب عني ذاته بعدة أدلة ،منها :
-1أنه لو كان الوجود زائداﹰ يف الواجب ،فال خيلو :إما أن يكون الواجب الذي هو مبدأ الكائنات هـو املاهية والوجود ،وإما
أن يكون الواجب هو املاهية دون الوجود ،وإما أن يكون الواجب هو الوجود دون املاهية .
فإن كان الواجب هو املاهية والوجود لزم تركيب الواجب ،والرتكيب ولو عقالﹰ يؤدي إىل احتياج املركب إىل من يركبه ،وإىل
احتياجه إىل أجزائه ،وهو مؤد إىل احلدوث الذي هو حمال يف حق واجب الوجود عز شأنه.
وإن كان الواجب هو املاهية لزم االحتياج ،ألهن ا تكون حمتاجة إىل الوجود ،حيث ال حتقق هلا إال به ،فيلزم اإلمكان ،وهو
حمال .
وإن كان الواجب هو الوجود لزم االحتياج أيضاﹰ ،ألنه حمتاج إىل املاهية احتياج العارض إىل املعـروض ،فيلزم اإلمكان احملال .
وحيث أنه ثبت ترتب احملال على كون الوجود زائداﹰ يف الواجـب ،ثبـت أن وجـود الواجـب عـني ذاته ،وهو املطلوب .
-2أنه لو كان الوجود زائداﹰ يف الواجب ،لكان حمتاجاﹰ إىل ذات الواجب ليقوم هبا وهذا يلزم منه أن يكون ممكناﹰ،واملمكن
جيوز زواله ،فيكون وجود الواجب جائز الزوال ،وهذا باطل ،فثبت أن وجوده عني ذاته ( )23هذه أهم األدلة اليت أوردها كل
فريق لالحتجاج على مطلوبة .
وتبقى هنا نقطة أخيرة ،وهي أن القائلني بزيادة الوجود على املاهية أشاروا إىل أن زيادة الوجود على املاهية إمنا تعقل يف الذهن
والتصور فقط ،فال ميكن أن تتصور تلك الزيادة يف الوجود اخلارجي .
قال األصفهاين موضحاﹰ هذا املعىن "" :وأعلم أن زيادة الوجود على املاهية يف التعقل ،على معىن أن العقل إذا تصور املاهية مل
جيدها نفس الوجود ،وال مشتملة على الوجود ،بل وجد الوجود غري نفسها وغري داخل فيها ،فاتصاف املاهية بالوجود أمر
عقلي ،ليس كاتصاف اجلسم بالبياض ،فإن املاهية ليس هلا وجود منفرد ،ولعارضـها املسمى بالوجود وجود آخر ،فيحل
الوجود يف املاهية كالبياض يف اجلسم ،بل املاهية إذا كانت فكوهنا وجودهـا ،واملاهية إمنا تكون قابلة للوجود عند وجودها يف
العقل ،فال يكون الوجود زائداﹰ إال يف العقل "" (.)24
511
لكن عند تأملنا يف مذاهب هذه املسألة وأدلتها ،تأمالﹰ يتسم باإلنصاف والبعد عن اهلوى والتعصب ،جنـد اخلالف
فيها خالفاﹰ ال يرتكز على أسس صحيحة ،بل ال يبعد أن تكون هذه املسألة من ضمن املشكالت الزائفة اليت اختمت هبا كتب
الفلسفة والكالم ،وأرهقت املتصدين هلا ،وقد تفطن هلذا كثري من العلماء احملققني( ، )25فتصدوا لبيان هذه احلقيقة ونادوا
بان هذه املسألة ال تستحق كل هذا العناء والتطويل ،واحلال أن أقوال املتخلفني فيها مل ترد على مورد واحد ،بل إن كل واحد
منهم نظر على جهة يف املسألة مل ينظر إليها اآلخر ،ولو نظروا كلهم إىل جهـة واحدة ملا اختلفوا .
وليس مثة شك يف أن كـثرياﹰ مـن العلمـاء املتـأخرين عـن أصـحاب هـذه املسـائل سـامهوا بشـكل أو بآخر ،يف تضخيم هذه
املسألة وتطويلها ،فأوردوا فيها من االعرتاضات واملناقشات ما متجه األمساع ،وتنفر منه الطباع ،وهذا دائماﹰ حال املسائل
البسيطة عندما تضخم ويطول فيها .
ولبيان كيفية كون هذا اخلالف غري حقيقي ،نقول :إن اإلمام األشعري ومن وافقه مل نظـروا يف اهلويـة اخلارجية للشيء ،ورأوا
أن الوجود يف اخلارج ال ينفصل عن ماهية املوجود ،حبيث تتميز الصفة مـن املوصـوف ،ويكون كالسواد وماهية األسود ،وأنه ال
فرق يف ذلك بني الواجب واملمكن ،قالوا :إن الوجود عـني املوجـود أو املاهية ،مبعىن أنه ليس يف اخلارج حقيقتان متمايزتنا
بالتعني اخلارجي ،تقوم إحدامها – وهي الوجود – بـاألخرى ،وهي الذات أو املاهية ،بل املتحقق يف اخلارج هو الذات فقط .
وما ذهبوا إليه هنا ال ينفي أن يكون بـني الـذات والوجـود تغـاير يف املفهـوم العقلـي وال ميكـن ألحد أن خيالفهم فيه .
والفالسفة ملا قالوا :إن الوجود عني املوجود يف الواجب وغريه يف املمكن ،فقـد بنـوه علـى مـا قـرروه من أن ذات الواجب بقطع
النظر عن مجيع املالحظات ،كافية يف انتزاع مفهوم الوجود منها ،ألن وجودها من ذاهتا ،مبعىن أن ذات الواجب مقتضية
للوجود ،وال ميكن أن ينفك الوجود عنها .
وهذا خبالف وجود املمكن ،فإننا لو نظرنا إىل ذاته بقطع النظر عن مجيع املالحظات ،مل تكن ذاته كافيـة يف انتزاع ذلك
املفهوم املشرتك ،بل البد يف انتزاع ذلك من اعتبار الفاعل املؤثر فيه ،وهلذا قالوا :إن وجود املمكن زائد على ذاته ،وما ذهب
إليه الفالسفة ال ميكن لعاقل أن خيالف فيه (.)26
وأما مجهور املتكلمني فإهن م ملا نظروا إىل مفهوم الوجود ،ووجدوه أنه أمر ينتزع من وجود الواجب ووجـود املمكن ،و ال ميكن
أن يكون عيناﹰ لشيء من الواجب واملمكن ،بل جيب أن يكون اعتباراﹰ آخر غري املهيآت حيكـم عليها به ،قالوا :إن الوجود
غري املوجود يف الواجب واملمكن ،وهذا أيضاﹰ مما ال ميكن لعاقل أن خيالف فيه .
إذن يتبين مما سـبق :أن مجيـع املـذاهب متفقـة علـى أن مفهـوم الوجـود مغـاير ملفهـوم املاهيـة والذات ،سواء كان ذلك يف
الواجب أو املمكن ،وأنـه لـيس يف اخلـارج حقيقتـان متمايزتـان :إحـدامها الوجود ،واألخرى املاهية .
511
اخلالصة
املاهية ،وأثبت إن أصالة الوجود اليت أسس عليها الشريازي فلسفته املتعاليـة يف كـل مباحثهـا ،قابلتـها القـول باعتباريـة
الشريازي هلذا األصل اجلوهري ،إمنا مر عرب صور عديدة من النقد لتلك املذاهب اليت قالت باعتباريـة الوجود وأصالة املاهية،
كمذهب ابن سينا الذي ميز فيه بني املاهية والوجود يف الواقع ،فأكد أن الوجود قائم باملاهيـة ،ألن وجود املمكن زائد علي
ماهيته ،وعليه صار الوجود عرضا من األشياء ،وانتهي إيل أن احلدود احلقيقية إمنا تصنع من شرائط املاهية ومقوماهتا ،ال من
شرائط الوجود.
فالوج ود منتزع من املاهية العتباريته وأصالتها ،ولقد كان من أشد الناقدين ملذهب أصـالة السـهروردي شـهيد اإلشراف الذي رأي
أن املاهية هي احلقيقة الوحيدة ،أما الوجود فتجريد عقلي اعتباري ،أو هو صفة للماهية ،ومن هنا رفض أن يكون الوجود
متحققا يف األعيان ألن هذا يؤدي عنده إيل التسلسل الالهنائي ولقد وصل األمـر إيل ذروتـه يف مذهب املريداماد أستاذ
الشـريازي املباشـر الـذي رأي يف" قبسـاته " أن احلقيقـة األوليـة للماهيـة ولـيس للوجود ،إذ الوجود زائد علي املاهية يف األعيان
الواقعية ،هذه بصورة إمجالية املذاهب املاهوية اليت رفضت أ صالة الوجود وأكدت أصلة املاهية ،وهي اليت دافع عنها الشريازي فرتة
طويلة عندما كان واقعا حتت تأثري أستاذه املريداماد ،وهو يقول عن ذلك " وإين كنت شديد الذب عنهم يف اعتبارية الوجود
وتأصل املاهيات ،حيت أن هـداين ريب وانكشـف يل انكشافا بينا أن األمر بعكس ذلك وهو أن الوجوديات هي احلقائق
املتأصلة الواقعة يف العـني ،وأن املاهيـات املعـرب عنها يف عرف طائفة من أهل الكشف واليقني باألعيان الثابتة ما مشت رائحة
الوجود أبدا" .
511
املصادر واملراجع :
الشريازي :األسفار األربعة ،اجمللد األول ص .18 )1
العالمة الطبطباين :أصول الفلسفة واملنهج الواقعي ،ثالث جملدات ،تعليق :مرتضى مظهري ،ترمجـة: )5
عمار أبو رغيف ،مؤسسة أم القرى ،للتحقيق والنشر ،بريوت 1421 ،هـ ،جملد ، 2ص .44
)6العالمة الطبطباين :أصول الفلسفة واملنهج الواقعي ،ثالث جملدات ،تعليق :مرتضى مظهري ،ترمجـة:
عمار أبو رغيف ،مؤسسة أم القرى ،للتحقيق والنشر ،بريوت 1421 ،هـ ،جملد ، 2ص 44 .
)7العالمة الطبطباين :أصول الفلسفة واملنهج الواقعي ،ثالث جملدات ،تعليق :مرتضى مظهري ،ترمجـة:
عمار أبو رغيف ،مؤسسة أم القرى ،للتحقيق والنشر ،بريوت 1421 ،هـ ،جملد ، 2ص 47 .
)8العالمة الطبطباين :أصول الفلسفة واملنهج الواقعي ،ثالث جملدات ،تعليق :مرتضى مظهري ،ترمجـة:
عمار أبورغيف ،مؤسسة أم القرى ،للتحقيق والنشر ،بريوت 1241 ،هـ ،جملد ، 2ص .48
العالمة الطبطباين :أصول الفلسفة واملنهج الواقعي ،ثالث جملدات ،تعليق :مرتضى مظهري ،ترمجـة : )9
عمار أبو رغيف ،مؤسسة أم القرى ،للتحقيق والنشر ،بريوت 1421 ،هـ ،جملد ، 2ص . 50
الشريازي األسفار األربعة ،اجمللد األول ،ص ، 87اجمللد الثاين ص . 8 )11
515
)16الكامل يف االستقصاء لتقي الدين النجراين ص ، 171األربعني للرازي 143/1جتريد االعتقاد للطوسي ص ، 63مطالع
االنظار لألصفهاين ص ، 39شرح املقاصد ، 61/1شرح املواقف .256/1
)17فصوص احلكم للفارايب املطبوع ضمن كتاب :اجملموع من مؤلفات أيب نصر الفارايب ،مطبعة السعادة مبصر
،املطبعة األوىل 1325هـ 1907 ،م ،ص ، 115املباحثات ألبن سينا ،حتقيق :حمسن بيدارفر ،طبع ايران – قم ص 248
،املباحث املشرقية للرازي . 30/1
)18شرح املقاصد 68/1 .
)23الصحائف اآلهلية ص ، 81القول السديد 94/1وأنظر االعرتاضات الواردة على أدلـة احلكمـاء يف أن وجوده عني ذاته يف
مطالع األنظار ص 43شرح املقاصد 63/1شرح املواقف .262/1
)24مطالع األنظار ص . 41
)25األمام عضد الدين االجيي ،والشريف اجلراجاين ،والشي حممد خبيت املطيعي ،والشي حممود أبو دقيقة ،وغريهم أنظر
شرح املواقف ، 271/1القول املفيد للشي خبيت ص ، 17القول السديد أليب دقيقة . 95/1
)26القول املفيد للشي حممد خبيت املطيعي ص ، 17القول السديد أليب دقيقة 96/1.
511