Professional Documents
Culture Documents
قضية خلق القران عند الجهمية والمعتزلة
قضية خلق القران عند الجهمية والمعتزلة
(دراسة نقدية)
قدمه:
أمري شاهدين
Nim: 422021821003
القول خبلق القرآن مشكلة خطرية بني املتكلمني .وهذه املشكلة يعين القول خبلق القرآن من أمهيّة
البحث يف قضية علم الكالم .ألن القول أبن القرآن خملوق يلزم إىل نفي الصفة من صفات هللا وهي
الكالم .والقول أبن الصفات خملوق يلزم ثالثة لوازم .األول كان املوصوف-يعين هللا تعاىل-خملوق.
ومّن قال أنه خملوق هو اجلهمية واملعتزلة .هم يقولون مثل ذلك ألجل التنزيه اىل هللا من
الصفات .ألن الصفات عندهم من احلوادث .والسبب يف هذه املغالطة ألهنم استدلّوا ابلتأويل الكالمي
وابلدليل العقلي يعين تقدمي العقل على النقل .أما أهل السنة واجلماعة من أهل املذاهب األربعة وغريهم
من السلف واخللف ،متفقون على أن القران كالم هللا غري خملوق 2.ولذلك قام احد علماء أهل السنة
واجلماعة ،وهو اإلمام أمحد ابن حنبل ،إىل رد القول خبلق القرآن .وهو يرد ردا شديدا يف املناقشة الطويلة
بينه وبني اجلهمية واملعتزلة .حىت يصيب احملنة يف العصر الطويل منذ عصر اخلليفة املؤمون واملعتصم
والواثق.
1عبد العزيز بن مرزوق الطريف ،اخلراسانية يف شرح عقيدة الرازيني ،ج( ،1.د.م :مكتبة املنهاج 2016 ،م) ،ص-175 .
.178
عبد االخر محاد الغنيمي ،املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية( ،بريوت :دار ابن اجلوزي ،)1995 ،ص119 . 2
من هذه خلفية البحث ،أراد الباحث ان يرد ما قاله اجلهمية واملعتزلة يف مسألة خلق القرآن أبراء
أهل السنة واجلماعة ،خاصة قول اإلمام أمحد بن حنبل .ألنه من كبار العلماء يف عصره ،ويعيش حتت
شدة الفتنة واحملنة .وأكرب احملنة الذي عاىن اإلمام أمحد بن حنبل يف عصر خليفة املؤمون واملعتصم
والواثق .استعمل اخلليفة املؤمون ّقوته أن جُيررب الفقهاء واحمل ّدثون ليواقفوا أن القرآن خملوق 3.فلعلى هذا
البحث انفعا جلميع املسلمني يف العامل ،ويكون دفعا ملن أصاب شبهة خبلق القرآن.
"خلق القرآن" يف النحوي هو اإلضافة من لفظني يعين "خلق" وهو املضاف و"القرآن" مضاف
اليه .وأما معناه لغة فأن "خلق" هو مصدر من "خلق-خيلق-خلقا" ومعناه خملوق وهو ما وجد بال مثال
قبله 4.وأما "القرآن" فمصدر من "قرأ-يقرأ-قرءا وقراءة وقرآان" ومعناه املقروء .مث جعل هذا املصدر امسا
ونزل اىل نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم .وأغلب العلماء يتعرف القرآن كالم هللا
للكالم الذي أوحي ّ
5
ونزل اىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وكتب يف النصوص ،ونقل متوتّرا ،والقراءة به عبادة. ر
املجعجز ّ
من هذين معنيني نعرف أبن املصطلح "خلق القرآن" هو الفهم أبن القرآن هو املخلوق
3حممد أبو زهرة ،ابن حنبل :حياته وعصره ،آراءه وفقهه( ،القاهرة :دار الفكر العريب ،د.ع) ،ص.46 .
4ابن منظور ،لسان العرب ،ج( ،11 .بريوت :دار الكتب العلمية 2009 ،م) ،ص.102 .
5حممد بكر إمساعيل ،دراسة يف علوم القرآن( ،القاهرة :دار املنار 1991 ،م) ،ص.11-10 .
وصف
ومن هذا التعريف أن "خلق القرآن" هو القضية التفكريية مّن قال أن القرآن خملوق وال يج أ
بصفة قدمية وأزلية .ونشأ هذ الرأي يف دولة األجأمية مث طرأ يف أول دولة العباسية حىت جعله املؤمون
أما اجلهمية هم فرقة الكالمية اليت نسبت إىل جهم بن صفوان 6،الذي قتله سلم بن األحوز يف
ر
آخر دولة األ أجمية ألسباب سياسية 7.وتعلّم صفوان علم الكالم من جعد بن درهم 8.أما مذهب اجلهمية
يف تقرير العقيدة فهو أتويل آايت الصفات كلها واجلنوح إىل التنزيه ابلقراح .وأورد أدلتهم من الكتاب
9
والسنة.
إمنا اتفق جهم بن صفوان القول خبلق القرآن 10.والقول خبلق القرآن مرتبط ارتباطا وثيقا بنفي
الصفات .ألن نفي الصفات عن هللا تعاىل ُير إىل نفي الكالم الذي ال يصدر عن جارحة .وملا كان
.433
9حممد إبراهيم الفيّومي ،املصدر السابق ،ص.266-265 .
10أول من أاثره جعد بن درهام .أنه أخذه عن بيان بن مسعان وأخذ بيان عن طالوت بن أخت لبيد بن أعصم وأخذته لبيد
بن أعصم الساحر الذي سحر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن يهودي ابليمن .وكان جهم بن صفوان أخذ عن جعد بن درهم ،مث
أخذ بشر املريسي عن جهم ،وأخذ ابن أيب دؤاد املعتزيل عن بشر.
تعاىل منزها عن الصفات ،فال بد أن يقال على أنه تعاىل خلق القرآن كما اتفق اجلهم واملعتزلة 11.عند
اجلهم ال ُيوز أن هللا تعاىل بصفة يوصف هبا خلقه ألن ذلك يقضي تشبيها .فنفى كونه حيا ،عاملا.
12
أثبت كونه قادرا وفاعال وخالقا .ألنه ال يوصف شيء من خلقه ابلقدرة والفعل واخللق.
اثنيا( :هللاج أخالر جق جكل أشيء) 15والقرآن شيء يقع عليه اسم شيء ،وهو خملوق ،ألن "كل" ُيمع
16
كل شيء.
اثلثا ( :أما أيتري رهم أمن رذكر رمن أرّهبررم جحم أدث) 17فزعم أن هللا تعاىل قال القرآن حمدث بنسبة إىل لفظ
18
"ذكر" ،وكل حمدث خملوق.
ر ر ر ر ر
رابعا( :إمنأا ال أمسي جح عي أسى ب رن أمرأميأ أر جسو جل هللا أوأكل أمتجهج) ي ّ
19
سم عيسى كلمة هللا ،وعيسى خملوق.
20
ولذلك القرآن خملوق.
أما املعتزلة فهي اسم يطلق على فرقة ظهرت يف اإلسالم يف أوائل القرن الثاين وسلكت منهجا
متطرفا يف حبث العقائد اإلسالمية .وهم أصحاب واصل بن عطاء الغزال الذي إعتزل عن جملس
عقليا ّ
احلسن البصري 21.ومن رجال املعتزلة هم :واصل بن عطاء ،عمر بن عبيد ،إبراهيم بن سيار النظام،
22
معمر بن عباد السلم ،موسى األسواري ،أبو معىن مثامه بن األشرس ،أبو جعفر اإلسكايف ،وغري ذلك.
اشتهرت املعتزلة فرقة كالمية اليت جنحت اىل تقدمي العقل على النقل واإلستدالل ابلدليل
العقلي .يف رأيهم إن العقل إحدى منابع احلر أكم يف اإلسالم سوى القرآن ،واإلمجاع ،والقياس .والقرآن
عند املعتزلة حمدث وخملوق .تلك الفكرة تنتمي اىل قضية نفي الصفات عموما واليت تستند إىل مبدأ
التوحيد املنزيل .هم ال يقولون أبن هللا متكلم وكالمه ذاته ،خشيةً أن يتساوي كالم هللا عز وجل مع ذاته.
.14-13
22أ ّمل فتح هللا زركشي ،دراسة يف علم الكالم ،...ص.120-119 .
فيكون هناك قدميان ما يؤدي اىل الشرك .وهلذا فإهنم يرون أن كالم هللا –يعين أن القرآن -خملوق حمدث
23
غري قدمي.
والبيّنة الدقيقية يف رأي املعتزلة على أن القرآن خملوق ابلنظر إىل األدلّة العقلية واألدلّة النقلية .أما
أوال :اتّفق املسلمون أن القرآن كالم هللا ،وفيه سور وحروف مرتّبة ومجلة جمموعة ومقروء ومسموع
وميلك الفاتح واخلامت وهو معجز .وأ ّن القرآن مقروء ابللسان ومسوح ابليد ومنظور ابلعني ومسموع
24
ابألذن .فمستحلّة لو هذا صفة هللا ،أل ّن الكالم بصفة هللا ال يتّصف بصفات كما يلي.
اثنيا :إن كان الكالم صفة أزلية ليصبح القرآن قدميا ولشارك هللا يف اإلهلية .ألن القدم صفة
25
الذات لأللوهية.
مصطفى حلمي ،منهج علماء احلديث والسنة يف أصول الدين( ،بريوت :دار الكتب العلمية 1971 ،م) ،ص. 23
.122-121
24القاضي عبد اجلبار ،املغين يف أبواب التوحيد والعدل ،ج( ،7 .القاهرة :دار الرتاث 1961 ،م) ،ص.74 .
ّ 25أمل فتح هللا زركشي ،دراسة يف علم الكالم ،...ص.133 .
26نفس املرجع ،ص.134 .
رابعا :أ ّكد املعتزلة وجود الشيء الذي جخياطأب به .إذا نج ّر
صور أبن هللا كلّم منذ أزلية ،فإن هللا كلّم
بال املخاطب ألن العا أمل غري موجود .ولذلك ال يقبألون أن كالم هللا أزيل وقدمي .وكل غري قدمي هو
27
خملوق.
خامسا :لو القرآن كالم أزيل يعين من صفات هللا فمستحلة .مثل األمر يف القرآن ال يفيد إال
بوجود املأمور .ولذلك يستحل املأمور موجود يف زمان أزيل .ابعتبار األمر ابلصالة الذي مل يكن أمن
28
يقيمون الصالة.
اثنيا( :إران أج أعلنأا قجرآانً أعأربريا) 31اآلية تدل على وجوب حدوثه ،ألن اجلعل والفعل سواء يف
32
احلقيقة.
27أمحد أمني ،ضحى اإلسالم( ،القاهرة :النحضة املصرية 1973 ،م) ،ص.38 .
28نفس املرجع ،ص.35 .
29سورة الرعد ،آية .16
القاضي عبد اجلبار ،املغين يف أبواب التوحيد والعدل ،...ص.94 . 30
31
سورة الزخروف ،آية .3
القاضي عبد اجلبار ،املرجع السابق ،ص.94 . 32
ر ر ر ر رر
اثلثا ( :أما أيتي رهم من ذكر من أرّهبم جحم أدث) اآلية تدل على حدوث القرآن ،ألنه تعاىل ّ
33
نص
وبني آبية أخرى أن الذكر هو القرآن ،مثل قوله تعاىل "إرن جه أو إرال رذكر أوقجرآن 34
على أن الذكر حمدثّ .
36
جمبرني" 35وإذا صح أنه ذكر وثبت هبذه اآلية حدوث الذكر ،فقد وجب القول حبدوث القرآن.
اب جمو أسى) 37اآلية تدل على كتاب منزل قبل القرآن يعين التوراة اليت ّنزلت ر رر ر
رابعا ( :أومن قأبله كتأ ج
38
على موسى عليه السالم .وما تقدم غريه يلزم حدوثه وال يكون قدميا.
33
سورة األنبياء ،آية .2
عواد بن عبد املعتق ،املعتزلة وأصوهلم اخلمسة ،...ص.121 .
ّ
34
ب أررحيم) 43فهذ األية ذاللة واضحة أبن هللا له صفة الكالم. ر
أوال:قال تعاىل ( :أس أالم قأوًال من أر ّ
يما) 44أكد هللا تعاىل التكليم ابملصدر املثبت للحقيقةر
وسى تأكل ً
اثنيا :قال تعاىل ( :أوأكل أم اَّللج جم أ
النايف للمجاز ،ولقد قال بعضهم أليب عمرو بن العالء -أحد القراء السبعة :-أريد أن تقرأ ( :أوأكل أم اَّللأ
وسى) ،بنصب اسم هللا ،ليكون موسى هو املتكلم ال هللا! فقال أبو عمرو :هب أين قرأت هذه اآلية
جم أ
وسى لر رمي أقاترنأا أوأكل أمهج أربُّهج) 45فبهت املعتزيل!
كذا ،فكيف تصنع بقوله تعاىل ( :أولأما أجاءأ جم أ
ك أال أخ أال أق أهلجم ريف اآل رخرةر ر ر ر رر ر ر
أ ين يأش أرتجو أن بر أعهد اَّلل أوأميأاهنم أمثأنًا قأل ًيال أجولأئر أ
اثلثا :قال تعاىل( :إن الذ أ
أوأال يج أكلرّ جم جه جم اَّللج أوأال يأنظججر إرلأي رهم) 46فأهاهنم برتك تكليمهم ،واملراد أنه ال يكلمهم تكليم تكرمي ،وهو
الصحيح ،إذ أخرب يف اآلية األخرى أنه يقول هلم يف النار( :اخسئجوا فريها وأال تج أكلرّم ر
ون) 47فلو كان ال ج أ أ أ
عبد االخر محاد الغنيمي ،املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية ،...ص119 . 41
42
نفس املرجع ،ص112-111 .
43
سورة يس58 :
44سورة النساء164 :
45سورة األعراف143 :
46سورة ال عمران77 :
47
سورة املؤمنون108 :
يكلم عباده املؤمنني ،لكانوا يف ذلك هم وأعداؤه سواء ،ومل يكن يف ختصيص أعدائه أبنه ال يكلمهم
فائدة أصال.
يسم خلقه قوال. رابعا :واآلية (أأال لأهج اخلأل جق أواألأم جر)ّ 48
تدل أبن هللا قد فصل بني قوله وخلقه ،وال ّ
سادسا :وقد كتب البخاري يف صحيحه اباب خاصا ،يعين ابب كالم الرب تبارك وتعاىل مع أهل
حنبل .امسه الكامل هو أمحد بن حنبل بن هالل بن أسد بن عبد هللا الشيباين ،وتتلقى مع النيب صلى
هللا عليه وسلم يف نزار بن معد بن عدانن .ولد اإلمام أمحد بن حنبل مبروين يف شهر ربيع األول سنة
52
164ه ،يف دور حممد املهدي .ولكن يف الطفولة أوردت أمه اىل بغداد العراق.
أن اإلمام أمحد بن حنبل من كبار العلماء يف عصره ،فلذلك ال يفوت من بعض البلوى .وأكرب
البلوى الذي عاىن اإلمام هو يف عصر خليفة املؤمون واملعتصم والواثق .استعمل اخلليفة املؤمون ّقوته ان
53
جُيررب الفقهاء واحمل ّدثون ليواقفوا أن القرآن خملوق .وهذه الواقعة مسيت "ابحملنة".
قد كان اإلمام أمحد ينهج املنهج النقلي يف تقرير العقيدة ،ويف الصفات اإلهلية قد التزم مبا وصف
هللا به نفسه ووصفه به رسوله ،بدون تشبيه وال تعطيل ،وال نقص وال زايدة 54.وإىل وجه األخرى أنه مل
عبد العزيز عبد هللا الراجحي ،شرح أصول السنة لإلمام أمحد بن حنبل( ،الرايض :دار التوحيد للنشر 1434 ،ه)، 52
ص.19 .
53حممد أبو زهرة ،ابن حنبل :حياته وعصره ،آراءه وفقهه ،...ص.46 .
54تقي الدين أمحد ابن تيمية ،أصول التفسري( ،القاهرة :املكتبة السلفية 1399 ،ه) ،ص.41 .
ّ 55أمل فتح هللا زركشي ،دراسة يف علم الكالم ،...ص.200 .
ردا صرحيا كامال على رأي اجلهمية
رد ّ
استقر على أن القرآن غري خملوق .وهو ّ
كان اإلمام أمحد ّ
رده إىل أدعاء اجلهمية واملعتزلة فباستدالل ابآلايت القرآنيات مع تفسري
واملعتزلة أبن القرآن خملوق .وأما ّ
يف هذا البحث حدد الباحث البيان يف ثالثة أوجه :الوجه األول يعين وجه اإلتفاق بني اجلهمية
واملعتزلة يف املسألة خلق القران .الوجة الثاين يعين وجه اإلختالف بني اجلهمية واملعتزلة وبني أهل السنة
واجلماعة وخاصة اإلمام أمحد بن حنبل يف تلك املسألة .والوجة الثالث يعين وجه النقدي أو الرد على
اجلهمية واملعتزلة يف مسألة خلق القران .والبيان على ذالك فيما يلي:
وافق اجلهمية واملعتزلة أبن القرآن خملوق .تلك الفكرة تنتمي اىل قضية نفي الصفات عموما واليت
تستند إىل مبدأ التوحيد املعتزيل .هم ال يقولون أبن هللا متكلم وكالمه ذاته خشيةً أن يتساوي كالم هللا
ويقاوموا ما ينايف هذه الوحدانية أو يهدمها .وقد وجدوا ابلقول أبن القرآن غري خملوق معىن األزلية،
ومّا الذي جعل اجلهمية واملعتزلة القول خبلق القرآن أمور ،منها:
.1قصد تنزيه هللا عن مشاهبة املخلوقني .وذلك أهنم ُيعلون رمن الزم إثبات صفة الكالم إثبات
صفات أخرى ،وهي احللق والل أهاة ،واللسان والشفتان ،واحلاجة اىل اهلواء خلروج الكالم من
املتكلم ،ووصوله اىل السامع 58.وهذا كله أوقعهم فيه التشبيه الذي سبق إىل أذهاهنم .وهم شبّهوا
أبذهاهنم أوال ،فاستقبحوا التشبيه .واآلخر فدعاهم اىل الوقوع يف ضاللة ،وهو تعطيل صفات
59 ر
ين التعطيل هنا على التشبيه يف األذهان .فهربوا من ابطل ،فوقعوا يف ابطل مثله.
الكالم .وقد بج أ
أمحد حممود صبحي ،يف علم الكالم :دراسة فلسفية آلراء القرق اإلسالمية يف أصول الدين ،ج( ،1.بريوت :دار النهضة العربية،
1985م) ،ص.121 .
57حممد إبراهيم الفيومي ،اخلوارج واملرجئة ،...ص.282 .
58هناك كما قال القاضي عبد اجلبار املعتزيل أبن كالم هللا عز وجل من جنس الكالم املعقول يف الشاهد وهو حروف منظومة
وأصوات مقطوعة .هو عرض خيلق هللا تعاىل يف األجسام على وجه يسمع ويفهم معناه .فالقرآن إ ًذا خملوق حمدث مفعول ،مل يكن مث
كان ،وأنه غري هللا تعاىل ،وأنه أحدث حبسب مصاحل العباد.
59عبد العزيز بن مرزوق الطريف ،اخلراسانية يف شرح عقيدة الرازيني ،...ص.153 .
.2تنزيه هللا عن حلول احلوادث به .فإهنم يزعمون أن القول إبثبات صفة الكالم وتعلُّق ذلك مبشيئة
.3كان الكالم خملوقا ،وكان صفةً فعليةً حادثةً متعلّقةً مبشيئة هللا وقدرته .لكنّها تكون حينئذ خملوقةً
61
منفصلةً عن ذات الرب تعاىل ،حىت ال حتلّه احلوادث .وإالّ ،لكان هو حاداث خملوقا.
اختلف أهل السنة واجلماعة عموما واإلمام أمحد بن حنبل خصوصا من اجلهمية واملعتزلة يف
استقر على أن القرآن غري خملوق وهو كالم هللا القدمي األزيل.
مسألة خلق القرآن .إن اإلمام أمحد ّ
وكانت هذه املشكلة يعين القول خبلق القرآن تتعلق بصفات هللا .ولرذا فإن اإلمام أمحد يثبت
دائما على أن القرآن كالم هللا حقيقة بكماله .و أن كالمه صفة من صفاته ،كسمعه وبصره ،ورمحته
وقدرته ،وعفوه وغفرانه .فال ُيوز ألحد أن يبحث خلق الصفات ،ألن الصفات من الذات .فمن جعل
صفة من صفاته خملوقة ،فقد جعل املوصوف –هللا سبحانه وتعاىل -خملوقا.
واختلف اإلمام أمحد عن زعم اجلهمية واملعتزلة أبن كالم هللا منفصل من ذاته .ألن العاقبة من
زعم احلهمية واملعتزة عن تلك املسألة يلتزم أن كون هللا بال علم وال معرفة عنده بشيء وال اسم له وال عزة
واختلف أيضا اإلمام أمحد من رأي املعتزلة خبلق القرآن أبنه مقروء ومسموع ومكتوب وحمفوظ
ومنظور .والقرآن عند اإلمام أمحد كالم هللا غري خملوق بكل جهة وعلى كل تصريف .ويف ذلك قال
يتوجه العبد هلل ابلقرآن خبمسة أوجه ،وهو فيها غري خملوق .يعين حفظ بقلب وتاله بلسان
اإلمام أمحدّ " :
ط بيد .فالقلب خملوق ،واحملفوظ غري خملوق .والتالوة خملوقة ،واملتلو غري
ومسع أبذن ونظر بنظر وخ ّ
خملوق .والسمع خملوق ،واملسموع غري خملوق .والنظر خملوق ،واملنظور اليه غري خملوق .والكتاب خملوق،
64
واملكتوب غري خملوق".
كان السلف الصاحل يرد أتسيس نفي الصفات عند اجلهمية واملعتزلة ألهنم قد متس ّكوا بتأسيس
إثبات الصفات .وأما األساس يف إثبات الصفات عند السلف فهو وجوب املسلم أن يمن بصفات هللا
.1ورود هذه األمساء والصفات يف الكتاب والسنة .فال يثبت هلل تعاىل شيء منها إال ما أثبته يف
كتابه أو ما أثبت له رسوله صلى هللا عليه وسلم ،ويرجع ذلك إىل أن أمساء هللا وصفاته توقيفية
.2إفراد هللا تعاىل يف معاين ما ثبت له من األمساء والصفات خبواص ختلف عن اخلواص اليت متييز هبا
املخلوق عن اخلالق فيما له من األمساء والصفات يعين امساء هللا تعاىل وصفاته التشبيه شيئا من
املخلوقني وصفاهتم .فكل من املخلوق واخلالق فإن اشرتك يف اللفظ الكلي فال اشرتاك بينهما يف
66
خواص وكيفيات األمساء والصفات اليت تقوم بكل منها.
ونستطيع أن أنخذ النتيجة يف أتسيس إثبات الصفات اإلهلية عند السلف على أنه الخيرج من
الكتاب والسنة ومها مصدر اإلثبات والنفي ،ولذلك مل يستن ّد يف إثبات األمساء والصفات إىل جمرد العقل
ومل خيرج من النص .فكل ما أثبت هللا لنفسه من اسم وصفة وما أثبت له رسوله فإنه يثبت ذلك ويعتقده
65تقي الدين أمحد بن عبد احلليم بن تيمية ،الرسالة التدمرية( ،القاهرة املطبعة :السلفي 1400 ،ه) ،ص.4 .
67 بال حتريف وال تشبيه وال زايدة وال نقصان .ودليله قوله تعاىل (لأيس أك رمثلر ره أشيء وهو الس رميع الب ر
صريج). ج أ أجأ أ
وألجل ذلك قال اإلمام أمحد بن حنبل" :هذا احلديث نرويها كمل جائت" ،وقال أيضا" :من صفات
68
املؤمن إرجاء ما غاب عنه من األمور إىل هللا كما جائت األحاديث".
أن أهل السنة واجلماعة ومنهم اإلمام أمحد بن حنبل قد يردون ردا قطعية من فهم خلق القران
( .1هللاج أخالر جق جك رّل أشيء) 69اآلية تدل بعمومها على حدوث القرآن ،وأنه تعاىل خلقه 70.فجواب على
ذالك ،أوال :إذ اذخلوا كالم هللا يف عمومها ،مع أنه صفة من صفاته ،به تكون األشياء املخلوقة ،إذ
أبمره تكون املخلوقات ،وطرد ابطبهم :أن تكون مجيع صفاته تعاىل خملوقة ،كالعلم والقدرة ،وغريمها
وذلك صريح .اثنيا :مراد من قول تعاىل خالق كل شيء ،أي كل شيء خملوق ،وكل موجود سوى
هللا فهو خملوق ،ودخل يف هذا العموم أفعال العباد حتما ،ومل يدخل يف العموم اخلالق تعاىل ،وصفاته
71
ليس غريه ،ألنه سبحانه وتعاىل هو املوصوف بصفات الكمال ،وصفاته مالزمة لذالك املقدسة.
عبد العزيز السيلي ،العقيدة السلفية بني اإلمام أمحد بن حنبل واإلمام ابن تيمية( ،دار املنار :القاهرة 1993 ،م)، 67
ص.176.
68أبو الفرج ابن اجلوزي ،مناقب اإلمام أمحد بن حنبل( ،اسكندرية :دار ابن خلدون 2016 ،م) ،ص.155 .
69سورة الرعد ،آية .16
القاضي عبد اجلبار ،املغين يف أبواب التوحيد والعدل ،...ص.94 . 70
عبد االخر محاد الغنيمي ،املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية ،...ص114 . 71
أتول اآلية (إران أج أعلنأاهج قجرآانً أعأربريا لأ أعل جكم تأع رقلجو أن) 72بتأويل "جعل" مبعىن "خلق" فكل
.2كان اجلهمية ّ
جمعول هو خملوق 73.وقال اإلمام أمحد :إذا قال هللا "جعل" على معنأ ر
ني .إما على معىن خلق ومعىن
ات واألأرض وجعل الظُّلجم ر
ات ر رر ر
غري خلق .ومثال معىن "خلق" فاآلية (احلأم جد َّلل الذي أخلأ أق الس أم أاو أ أ أ أ أ أ أ
ك لرلن ر
اس إر أم ًاما) 75ال يعين إين ال إررين ج ر
اعلج أ
74
أوالنُّور) .و"جعل" مبعىن غري خلق مثاله قوله تعاىل (قأ أ ّ أ
خالقك للناس إماما .ألن خلق إبراهيم كان متقدما قبل ذلك 76.والبيان أيض عن ذلك ،فإن
77
"جعل" إذا كان مبعن خلق يتعدى إىل مفعول واحد .فإذا تعدى إىل مفعولني مل يكن مبعىن خلق.
.3مهم كان اجلهمية يزعمون أن القرآن جرمسي ر
بذكر وهو حمدث وكل حمدث خملوق ابإلسناد إىل اآلية ( أما ّأ
ذكري رن .ذكر هللا وذكر نبيه. 78 ر ر ر ر رر
أييت من ذكر من أرّهبم جحم أدث) قال اإلمام :تلك اآلية مجعت بني أ
وجرى عليهما اسم احلدث .وذكر النيب إذا انفرد وقع عليه اسم اخللق وكان أوىل ابحلدث من ذكر هللا
واإلستنتاج على تلك االستدالالت أن هذه املشكلة تتعلق بصفات هللا .والبحث عن الصفات
متصل ابلتوحيد .ولذا فإنه يثبت دائما أن القرآن كالم هللا حقيقة ،وكالمه علمه ،وعلمه صفاته .وال
82
تفصل عن ذات هللا أبدا صفاته وأمسائه.
الرتجيح
حنن نعرف من املناظرة والتعارضة الطويلة والردحة بني أهل السنة واجلماعة وبني اجلهمية واملعتزلة
يف قضية خلق القرآن أن راي اإلمام أمحد بن حنبل من علماء أهل السنة أرجح من رأي اجلهمية
واملعتزلة .ألن القرآن كالم هللا ،وكالمه صفة من صفاته ،وال يفصل هللا أبدا من صفاته وأمسائه .فمن زعم
79قال اإلمام أمحد بن حنبل :إن الشيئني إذا اجتمعا يف اسم ُيمعهما فكان أحدمها أعلى من اآلخر .إذا جرى عليهما
اسم مدح ،فكان أعالمها أوىل ابملدح .وإن جرى عليهما اسم ذم ،فأدانمها أوىل به.
80أمحد بن حنبل ،الرد على اجلهمية والزاندقة ،...ص.125 .
81مصطفى حلمي ،منهج علماء احلديث والسنة يف أصول الدين ،...ص.124 .
ّ 82أمل فتح هللا زركشي ،دراسة يف علم الكالم ،...ص.224 .
صفة من صفاته خملوقة ،فقد جعل املوصوف –هللا سبحانه وتعاىل -خملوقا .والقرآن كالم هللا غري خملوق
بكل جهة وعلى كل تصريف .وابلرغم هو مقروء ومسموع وحمفوظ ومنظور ومكتوب .ألنه ال يستوي
تعجب القاضي ابن أيب دؤاد املعتزيل من إجابة اإلمام أمحد يف
وراء املعاين من املفاهيم والدالالت .حىت ّ
املناقشة أبنه ال يستن ّد اال لكتاب هللا أو سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم 83.والعكس أن استدالل
اجلهمية واملعتزلة ابألدلّة العقلية اليت ال تستن ّد ابألدلة النقلية بتفسري صحيح بل هم يتأولون اآلايت
84
رد السلف
املتشبهات اليت تتعلق وحقيقة هللا تعاىل وصفاته .هذا التأويل يسمى ابلتأويل الكالمي .وقد ّ
85
هذا التأويل ،ولكنهم يقبلون التأويل الذي يتعلق لفهم الدين ويناسب بظهر اللفظ.
اإلستنتاج
83مصطفى حلمي ،منهج علماء احلديث والسنة يف أصول الدين ،...ص.124 .
84يف العادة يخذ املتكلمون والفالسفة الدليل النقلي لالستدالل إذا يطابق برءيهم ،ولكن ينفون الدليل النقلي إذا خيتلف
يتأولونه ليطابق بعقلهم .هذا ما يسمى ابلتأويل الكالمي .انظر :عبد الرمحن بن أمحد اإلُيي ،املواقف يف
برءيهم ،أو هم يخذونه مث ّ
علم الكالم( ،بريوت :عامل الكتب ،د.ع) ،ص.5 .
85فإن لفظ "التأويل" يراد به ثالثة معان :أما املعىن األوىل فهو صرف اللفظ عن اإلحتمال الراجح إىل اإلحتمال املرجوح،
لدليل يقرتن بذلك .وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من املتأخرين يف أتويل نصوص الصفات ،وتجرأك أتويله .واملعىن الثاين هو مبعين
التفسري ،وهذا هو الغالب على اصطالح املفسرين القرآن ،كما يقول ابن جرير وأمثاله من املصنفني يف التفسري ،واختلف علماء
التأويل ،وجماهد إمام املفسرين .واملعىن الثالث هو احلقيقة اليت يؤّول الكالم إليها .فتأويل ما يف القرآن من أخبار املعاد :هو ما أخرب هللا
به ،فيه ما يكون من القيامة واحلساب واجلزاء ،واجلنة والنار وحنو ذلك .هو احلقائق املوجودة أنفسها ،ال ما يتصور من معانيها يف
األذهان ،ويعرب عنه ابللسان .وهذا هو التأويل يف لغة القرآن .انظر :تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن
تيمية ،جمموعة الفتاوى ،ج( ،5 .مكة :مكتبة النهضة احلديثة 1404 ،ه) ،ص.35 .
أن املشكلة يف القول خبلق القرآن تتعلّق بصفات هللا .واختلف أهل السنة واجلماعة عن اجلهمية
صفة من صفاته ،وصفاته ليست منفصل عنه ،وال خملوقة .فال ُيوز ألحد أن يبحث خلق الصفات ألن
الصفات من الذات .فمن جعل صفة من صفاته خملوقة ،فقد جعل املوصوف –هللا سبحانه وتعاىل-
خملوقا.
وأما اجلهمية واملعتزلة فقد أ ّكدوا أبن القرآن خملوق .هم ال يقولون أبن هللا متكلم وكالمه ذاته،
خشيةً أن يتساوي كالم هللا عز وجل مع ذاته .فيكون هناك قدميان ما يؤدي اىل الشرك .وملا كان هللا
منزها عن الصفات ،يف نظر اجلهمية واملعتزلة فال بد أن يتفقا على القول خبلق القرآن.
تعاىل ّ
استدل ابلنصوص الدينية بتفسري صحيح
ّ وأرجح القول هو قول اإلمام أمحد بن حنبل .ألنه قد
وما ورائه من املفاهيم والدالالت .والعكس أن استدالل اجلهمية واملعتزلة من األدلّة العقلية اليت ال تضيف
أبو زهرة ،حممد .د.ع .ابن حنبل :حياته وعصره ،أراءه وفقهه .القاهرة :دار الفكر العريب.
اإلُيي ،عبد الرمحن بن أمحد .د.ع .املواقف يف علم الكالم .بريوت :عامل الكتب.
الراجحي ،عبد العزيز عبد هللا .1434 .شرح أصول السنة لإلمام أمحد بن حنبل .الرايض :دار
التوحيد للنشر.
السيلي ،عبد العزيز 1993 .م .العقيدة السلفية بني اإلمام أمحد بن حنبل واإلمام ابن تيمية .دار
املنار :القاهرة.
ابن اجلوزي ،أبو الفرج 2016 .م .مناقب اإلمام أمحد بن حنبل .اسكندرية :دار ابن خلدون.
الطريف ،عبد العزيز بن مرزوق .2016 .اخلراسانية يف شرح عقيدة الرازيني .ج .1.د.م :مكتبة املنهاج.
الغنيمي ،عبد االخر محاد .1995 .املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية .بريوت :دار ابن اجلوزي
الفيّومي ،حممد إبراهيم .اخلوارج واملرجئة .2003 .القاهرة :دار الفكر العريب.
ابن تيمية ،تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم .1399 .أصول التفسري.
ابن حنبل ،أمحد .2003 .الرد على اجلهمية والزاندقة .الرايض :دار الثبات النشر والتوزيع.
عواد .1414 .املعتزلة وأصوهلم اخلمسة وموقف أهل السنة منها .الرايض :مكتبة
ابن عبد املعتقّ ،
الرشد.
ابن منظور .2009 .لسان العرب .ج .11 .بريوت :دار الكتب العلمية.
بكر إمساعيل ،حممد .1991 .دراسة يف علوم القرآن .القاهرة :دار املنار.
حلمي ،مصطفى .1971 .منهج علماء احلديث والسنة يف أصول الدين .بريوت :دار الكتب
العلمية.
صبحي ،أمحد حممود 1980 .م .يف علم الكالم :دراسة فلسفية آلراء القرق اإلسالمية يف أصول
عبد اجلبار ،القاضي .1961 .املغين يف أبواب التوحيد والعدل .ج .7 .القاهرة :دار الرتاث.
زركشيّ ،أمل فتح هللا .2016 .دراسة يف علم الكالم .فونوروكو :جامعة دار السالم كوتور للطباعة
والنشر.
اهلداية.