سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنة دراسة تحليلية لاجتماع الصحابة في السقيفة 3

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 290

‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬

‫)‪(5‬‬

‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنة‬


‫دراسة تحليلية الجتماع الصحابة في السقيفة‬

‫دكتور سالم احمد‬

‫تقديم الدكتور محمد طاهر البرزنجي‬

‫صاحب كتاب صحيح وضعيف الطبري‬

‫‪5‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(6‬‬
‫الفهرست‬
‫تقديم الدكتور محمد طاهر البرزنجي‪.............................‬‬
‫‪11‬‬
‫‪18‬‬ ‫مقدمة المؤلف ‪...............................................‬‬
‫‪22‬‬ ‫تعريف بسقيفة بني ساعدة‪.......................................‬‬
‫ماذا حدث في السقيفة ‪ :‬روايات الطبري ‪........................‬‬
‫‪23‬‬
‫موقف علي بن ابي طالب من مبايعة ابي بكر ‪...................‬‬
‫‪36‬‬
‫موقف ابي سفيان من مبايعة ابي بكر‪...........................‬‬
‫‪39‬‬
‫الروايات الشيعية عن السقيفة‪/‬اليعقوبي‪ ،‬الطبرسي‪ ،‬الكليني‬
‫‪41‬‬
‫القاسم المشترك بين الروايات السنية والشيعية‪.....................‬‬
‫‪52‬‬
‫ما الذي دعا االنصار الى االسراع الى االجتماع في السقيفة‪........‬‬
‫‪53‬‬
‫ماهي دالالت اجتماع الصحابة في السقيفة‪......................‬‬
‫‪55‬‬
‫سبب انصياع االنصار البي بكر ومتابعة بقية المسلمين لهم‪....‬‬
‫‪56‬‬
‫دالالت السقيفة مع افتراض وجود النص والبيعة ‪..............‬‬
‫‪64‬‬
‫‪.1‬ضعف ايمان الصحابة وتجرؤهم على مخالفة هللا‬
‫‪64‬‬ ‫والرسول‪...........‬‬
‫‪.2‬ضعف الرسول وعدم هيمنته على اصحابه ‪...................‬‬
‫‪64‬‬
‫‪.3‬فشله في التأثير على الناس وتزكيتهم ‪........................‬‬
‫‪64‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪ .4‬جهله بأصحابه ‪............................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪ .5‬ضعف علي ‪..............................................‬‬

‫‪6‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(7‬‬
‫‪ .6‬كراهية الناس لعلي أو حسدهم له‪...........................‬‬
‫‪67‬‬
‫‪68‬‬ ‫مناقشة هذه الدالالت‪..........................................‬‬
‫‪68‬‬ ‫‪ .1‬فيما يخص الصحابة‪.......................................‬‬
‫‪68‬‬ ‫ادلة القرآن على عدالة الصحابة‪...............................‬‬
‫منهج الشيعة في التعامل مع القرآن فيما يخص الصحابة ‪.......‬‬
‫‪69‬‬
‫االستدالل بالقرآن والسنة بين علي والشيعة‪............‬‬
‫‪80‬‬
‫اآليات القرآنيةالتي تثني على الصحابة‪.......................‬‬
‫‪83‬‬
‫‪93‬‬ ‫أقوال علي في الصحابة‪.....................................‬‬
‫‪96‬‬ ‫االدلة العقلية على اخالص الصحابة ‪........................‬‬
‫االدلة التاريخية على اخالص الصحابة‪ :‬نماذج من حب الصحابة‬
‫‪98‬‬ ‫للرسول‬
‫‪99‬‬ ‫قصة زيد بن الدثنة‪.....................................‬‬
‫‪99‬‬ ‫امتثال امره في بني قريظة‪..................................‬‬
‫قصة ابي لبابة( ربطه نفسه بسارية المسجد)‪....................‬‬
‫‪100‬‬
‫موقف ابي بكر وعمر وثابت بن قيس بعد نزول آية "ال ترفعوا‬
‫أصواتكم" ‪101‬‬
‫اقتراحهم عليه في بدر بعدم البروز بنفسه لقتال المشركين‪.......‬‬
‫‪104‬‬
‫دفاعهم عنه وقتالهم دونه في معركة احد‪.....................‬‬
‫‪104‬‬
‫امتناع بالل عن االذان بعد وفاة رسول هللا ‪ ............‬‬
‫‪109‬‬
‫‪.............‬‬ ‫ما حدث للصحابة بعد وفاة الرسول ‪110‬‬
‫‪116‬‬ ‫حكاية الثالثة الذين خلفوا‪.........................‬‬
‫‪122‬‬ ‫تجهيز جيش اسامة‪.................................‬‬
‫قصة االنصار بعد غزوة حنين‪........................‬‬

‫‪7‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(8‬‬
‫‪123‬‬
‫رفض عثمان بن عفان الطواف حول الكعبة‪............‬‬
‫‪124‬‬
‫شهادة عروة بن مسعود لصحابة الرسول ‪...........‬‬
‫‪124‬‬
‫‪125‬‬ ‫قول عمر بعد صلح الحديبية‪.........................‬‬
‫طاعة حذيفة للرسول‪ ‬في غزوة االحزاب‪.............‬‬
‫‪125‬‬
‫قول الصحابة للرسول ‪ ‬هللا ورسوله أعلم‪...........‬‬
‫‪127‬‬
‫‪........................‬‬ ‫وصف الصحابة للرسول‪128‬‬
‫بعض مواقفهم التي تثبت تأثير الرسول ‪ ‬عليهم‪.....‬‬
‫‪130‬‬
‫طاعة امراء السرايا والغزوات ألوامره‪..............‬‬
‫‪136‬‬
‫‪136‬‬ ‫االستجابة لندائه يوم حنين‪.........................‬‬
‫قصة ابي جحيفة ( تجشؤه امام النبـي‪.............)‬‬
‫‪137‬‬
‫بقاء ابي عبيدة بالشام وعدم مغادرتها رغم انتشار الطاعون فيها‬
‫امتثاال ألمر رسول هللا ‪ .........‬‬
‫‪138‬‬
‫امتناع عثمان عن التنازل عن الخالفة امتثاال لوصية رسول هللا ‪ .‬‬
‫‪138‬‬
‫انسحاب طلحة والزبير من الجيش بعد تذكيرهم ببعض أقوال رسول‬
‫هللا ‪ ‬في حقهم‪...........‬‬
‫‪139‬‬
‫اعادته مفتاح الكعبة المشرفة لعثمان بن طلحة وبقاؤه بأيديهم الى‬
‫‪139‬‬
‫‪140‬‬ ‫لـَـــــــــ ُّدهـ صلى هللا عليه وسلم‪.........................‬‬
‫تبرك الصحابة بآثاره صلى هللا عليه وسلم وتسابقهم الى ماء وضوئه‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫‪8‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(9‬‬
‫حرص الصحابة على مس جسد الرسول ‪ ...............‬‬
‫‪141‬‬
‫‪142‬‬ ‫هل تآمر الصحابة على علي ؟‪.........................‬‬
‫‪144‬‬ ‫هل كان ابو بكر وعمر متآمرين؟‪........................‬‬
‫ماذا كان هدف ابي بكر وعمر مما فعاله؟‪..................‬‬
‫‪148‬‬
‫‪ .2‬فيما يخص الرسول (‪ :) ‬هل كان الرسول ضعيفا او جاهال‬
‫بمجتمعه واصحابه؟‪...........................................‬‬
‫‪150‬‬
‫‪151‬‬ ‫مقارنة بين الرسول ‪ ‬وابي بكر‪........................‬‬
‫‪154‬‬ ‫مقارنة بين عمر وعلي ‪...............................‬‬
‫‪158‬‬ ‫إمكانية نقض العهد‪..................................‬‬
‫‪164‬‬ ‫حيثيات السقيفة ‪..............................‬‬
‫الحيثية االولى ‪ :‬اجتماع االنصار في السقيفة ‪.........‬‬
‫‪164‬‬
‫الحيثية الثانية ‪ :‬اخبار عمر بخبر اجتماع االنصار‪.......‬‬
‫‪166‬‬
‫الحيثية الثالثة‪ :‬طبيعة الحوار الذي جرى بين المهاجرين واالنصار‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫‪168‬‬ ‫الحيثية الرابعة ‪ :‬مبايعة ابي بكر‪...................‬‬
‫هل ترك الرسول ‪ ‬امته دون ان يعين لهم اماماً؟‪....‬‬
‫‪170‬‬
‫‪171‬‬ ‫أيهما أهم القرآن أم االمامة؟‪....................‬‬
‫الحيثية الخامسة‪ :‬طريقة اعتراض علي على مبايعة ابي بكر؟‪..‬‬
‫‪173‬‬
‫ايهما اهم ‪ :‬االمامة اهم ام فدك (فاطمة اكثر تمسكا بحقها من علي)؟‬
‫‪174‬‬
‫‪179‬‬ ‫ما بعد السقيفة ‪.....................................:‬‬
‫‪.1‬اصداء اجتماع السقيفة في المدينة وخارجها‪...........‬‬
‫‪179‬‬
‫‪181‬‬ ‫‪ .2‬موقف علي من سعد بن عبادة وابنه قيس ‪..........‬‬
‫‪9‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(10‬‬
‫‪ .3‬اقوال علي في خصومه بعد توليه الخال‪..............‬‬
‫‪182‬‬
‫‪186‬‬ ‫امور اضافية لها دالالتها‪.............................‬‬
‫‪ .1‬سكوت ابي ذر على مخالفة الصحابة للرسول‪ ......‬‬
‫‪186‬‬
‫‪ .2‬العالقة الوطيدة بين علي ومحمد بن ابي بكر‪.........‬‬
‫‪186‬‬
‫‪ .3‬قبول عمار بن ياسر وسلمان الفارسي االمارة في عهد عمر‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫‪ .4‬طلب ابي بكر وعمر ان يدفنا بجوار رسول هللا ‪.....‬‬
‫‪188‬‬
‫‪189‬‬ ‫لماذا يكثر الشيعة الحديث عن السقيفة؟‪................‬‬
‫‪193‬‬ ‫امور اخرى تتعلق بالسقيفة ‪........................‬‬
‫‪193‬‬ ‫‪ .1‬بعثة اسامة ودالالتها‪...........................:‬‬
‫‪197‬‬ ‫دالالت التفسير الشيعي للبعثة‪.....................‬‬
‫‪209‬‬ ‫تفاصيل البعثة‪..................................‬‬
‫‪215‬‬ ‫دالالت البعثة‪..................................‬‬
‫‪217‬‬ ‫‪ .2‬حديث يوم الخميس ودالالته ‪...................‬‬
‫‪223‬‬ ‫اوال‪ :‬من جهة عدم داللته على امامة علي‪..........‬‬
‫ثانيا‪ :‬من جهة عدم داللتها على مخالفة الصحابة للرسول‪.....‬‬
‫‪237‬‬
‫‪246‬‬ ‫بين اصحاب النبـي وأصحاب علي ‪....................‬‬
‫‪254‬‬ ‫حقيقة مخالفة الصحابة للرسول‪..........................‬‬
‫الفصل بين االوامر االلهية ورغبات النبـي الشخصية‪......‬‬
‫‪260‬‬
‫الحرية الفكرية واالجتماعية في عهد الرسول‪.............‬‬
‫‪263‬‬
‫‪269‬‬ ‫‪ .3‬حادثة الغدير‪...............................‬‬
‫‪271‬‬ ‫‪ .4‬حديث ‪" :‬من كنت مواله ‪......................‬‬
‫‪278‬‬ ‫‪ .5‬حديث الثقلين ‪.................................‬‬
‫‪288‬‬ ‫‪ .6‬حديث المنزلة‪.............................‬‬
‫‪10‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(11‬‬
‫‪290‬‬ ‫‪ .7‬حديث الدار ‪..................................‬‬
‫هل أحدث الرسول ‪ ‬تغييرا في مجتمعه؟‪.............‬‬
‫‪299‬‬
‫‪..........‬‬ ‫صورتان متضادتان لجهود النبـي االكرم ‪302‬‬
‫هل الطعن في الصحابة يعد طعنا في الرسول والقرآن؟‪...‬‬
‫‪304‬‬
‫‪307‬‬ ‫حجة الشيعة في الطعن في الصحابة‪............‬‬
‫‪311‬‬ ‫ما هو منهج الشيعة في تقويم الصحابة‪........‬‬
‫الذين قالوا بأفضلية علي على أبي بكر وعمر‪..‬‬
‫‪314‬‬
‫‪316‬‬ ‫التفضيل بين عثمان وعلي ‪.....‬‬
‫‪317‬‬ ‫من مستلزمات ختم النبوة ‪...................‬‬
‫الخاتمة‪ :‬بعض ما حدث في ايران والعراق‪..........‬‬
‫‪321‬‬

‫‪11‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(12‬‬
‫تقديم‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وآله وصحبه ومن وااله‬
‫وبعد فقد استلمت هذا الكتاب القيم من طريق البريد اإللكتروني وهومؤلف‬
‫موسوم ب(سقيفة بني ساعدة) لمؤلفه الدكتور سالم حفظه هللا ‪ ،‬وموضوع‬
‫الكتاب بالغ األهمية والتأثير في حياة األمة وفكرها وتربية اجيالها المتعاقبة‬
‫ولقد ذكرت مرارا وفي مناسبات عدة ان االمة التي ال تعرف قراءة تاريخها‬
‫حق المعرفة ال تعرف ان تخطط لمستقبلها تخطيطا سليما‪ .‬هذا فيما يتعلق‬
‫بالتاريخ عامة اما فيما يتعلق بحادثة السقيفة فاألمر أخطر بكثير النه شان‬
‫متعلق بجيل مبارك كلفه هللا عزو جل بنقل امانة الوحي من عند رسول هللا إلى‬
‫البشرية‪  ‬فجيل الصحابة هم وحدهم الذين تشرفوا برؤية وصحبة النبـي الخاتم‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وأي مساس بعدالتهم مساس بالشريعة السمحاء ألنهم‬
‫هم نقلة الشريعة ولكن ذلك ال يعني نعتهم بالعصمة من الخطا والزلل بل‬
‫جمهور أئمة الحديث والفقه متفقون على جواز ورود الخطء منهم فهم بشر‬
‫ولكنهم خير البشر ‪.‬‬
‫وألسباب عدة أخرى ال مجال لذكرها هنا كان البد لفرسان هذا الميدان ان‬
‫يشمروا عن ساعد الجد ويميزوا صحيح الروايات من سقيمها وذلك ال يتحقق‬
‫بدراسة األسانيد فقط بل بتحقيق المتون والتأكد من مطابقة نصوصها مع‬
‫طبيعة وحقيقة‪  ‬المجتمع االسالمي القائم آنذاك‪ .‬وما كان عليه الصحابة الكرام‬
‫من تفان وتجرد وخلق كريم وزهادة في الدنيا ‪.‬‬
‫وهلل الحمد فإن رواد مدرسة السيرة والتاريخ اإلسالمي المتقدمين هم من علماء‬
‫الحديث وعلم الرجال لذلك أصبح الطريق سالكا لمن من جاء من بعدهم لتنقية‬
‫الروايات التاريخية واستخراج دررها ولئاليها من بين ركام الروايات‬
‫الموضوعةـ والمكذوبة ‪.‬‬
‫وإذا كانت دراسة األسانيد أمرا شاقا‪  ‬فإن دراسة‪  ‬متون الروايات التاريخية‬
‫أشد واشق‪,‬‬
‫ومن خالل مراجعتي لمعظم صفحات هذا الكتاب القيم (وخاصة فيما يتعلق‬
‫بعملية الشورى في سقيفة بني ساعدة ونتائجها وكذلك رواية ابن عباس ‪,‬رزية‬
‫الخميس)تبينـ لي أن المؤلف الفاضل األستاذ سالم قد حباه هللا بملكة نقد قوية‬
‫يسبر بها أعماق الرواية الـتاريخية ويبين مواضع الخلل والضعف فيها‬
‫فالوضاعون قد امتالت رواياتهم بنقاط ضعف كثيرة‪  ‬فجلها كذب واليسير منها‬
‫غير ضعيف ولكن مواضع الكذب‪  ‬هذه ال يدركها إال المتمرس الخبير ‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(13‬‬
‫ونقاد الرواية التاريخية نقدا علميا دقيقا وملتزما قد شكلوا بمجموعهم مدرسة‬
‫حديثة إلعادة كتابة التاريخ اإلسالمي بصيغته الصحيحة بعيدا عن تشويه‬
‫الوضاعين وتزوير المبطلين ‪,‬منهم من غلب عليه إبراز الجوانب الحضارية‬
‫للتاريخ اإلسالمي كأستاذنا الفاضل عماد الدين خليل وغيره ومنهم من غلب‬
‫عليه دراسة وتحقيق أسانيد الروايات التاريخية وتصنيف صحيحها في كتاب‬
‫خاص كأستاذنا الفاضل أكرم ضياء العمري وغيره وبقية أعالم هذه المدرسة‬
‫الحديثة المباركة بين هذا وذاك ولقد ذكرتهم بأسمائهم في مقدمة سيرة سيدنا‬
‫عثمان ر ضي هللا عنه‪ ..‬وأحسب أخي الدكتور سالم ‪ ‬من هؤالء النقاد‬
‫الملتزمين الخبراء بعلل الروايات التاريخية من ناحية المتون ‪ ‬وال أزكيه على‬
‫هللا بل احسبه كذلك وهللا حسبنا وحسيبنا‪.‬‬
‫ثم إني وجدت اخي الشيخ سالم ‪ ‬يستخدم طرقا عدة في نقد الرواية التاريخية‬
‫فيما يتعلق بالصحابة الكرام فهو يستخدم االيات القرآنية الكريمة التي تثني‬
‫على اصحاب رسول هللا وفي مناسبات عدة‪  ‬ومما ال شك فيه ان اآليات‬
‫القرآنية نصوص متواترة وال يمكن لرواية تاريخية من صنف اآلحاد ان تكون‬
‫صحيحة وهي تخالف نصا متواترا كالقرآن‪..‬‬
‫ثم يستخدم أخي سالم ما صح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في مدح‬
‫الصحابة وإثبات عدالتهم وخيريتهم‪ .‬أضف إلى ذلك طبيعة المجتمع السائد‬
‫آنذاك وطبيعة التربية النبوية الشريفة التي تلقوها‪  ‬مع األخذ بعين االعتبار أنهم‬
‫وإن كانوا خير البشر من بعد األنبـياء فإنهم بذلك لم ينسلخوا من طبيعتهم‬
‫البشرية‪.‬‬
‫ولقد قمت بتخريج بعض الروايات المتعلقة بالسقيفة ضمن الصفحات المائة‬
‫األولى‪ .‬واعتذر عن تخريج بقية الروايات لكثرة مشاغلي وواجباتي‪ .‬وما لم‬
‫أخرجه فقد خرج بعضه ‪ ‬المؤلف بنفسه جزاه هللا خيرا وإن كان بحاجة إلى‬
‫مزيد من البيان والعزو إلى المصادر المتقدمة وتعليق األئمة المحققين عليها‬
‫وهو المرجو من أخي الدكتور سالم وبإمكانه االستعانة كذلك بالتحقيقات‬
‫الحديثة ككتاب تاريخ الخالفة الراشدة لألستاذ العمري ومرويات أبي مخنف‬
‫لألستاذ يحيى اليحيى وموسوعة ‪ ‬الدكتور الصالبي التاريخية ‪ ‬القيمة وكتب‬
‫األستاذ محمد امحزون واخي الدكتور محمد حامد خليفة والدكتور خالد غيث‬
‫وغيرهم كثير‪.‬‬
‫وال باس أن أذكر هنا تعليقا مقتضبا على مسالتين تأرخيتين بالغتي األهمية‬
‫وهي مسألة بيعة سيدنا علي لسيدنا أبي بكر ومسألة كتابة الوصية من عدمها‬

‫‪13‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(14‬‬
‫في حديث رزية الخميس وإن كان أخي الدكتورسالم قد فصل وأجاد فال بأس‬
‫أن أوضح بعض األمور هنا فأقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫بعد جمعي للروايات الصحيحة المتعلقة بمسالة البيعة ومراجعة ما ذكر ه‬
‫المحققون األعالم من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرينـ تبين لي أن الحق‬
‫الحقيق أن سيدنا علي قد بايع أبا بكر خليفة للمسلمين بعد وفاة رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم بيومين فقط وذلك ما أكده كبار الحفاظ ‪ ‬المتقدمين كاإلمام مسلم‬
‫وابن خزيمة وغيرها والحفاظ المتأخرون كالحافظ ابن كثير والذهبي وغيرهما‬
‫اعتمادا على رواية صحيحة محفوظة راويها صحابي جليل شهد تلك األيام‬
‫الحاسمة وهو أبو سعيد الخدري رضي هللا عنه كما سنذكر بعد قليل‪.‬‬
‫وأما قول الزهري‪  ‬من أن عليا لم يبايع إال بعد ستة أشهر فغير صحيح‬
‫لألسباب التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلمام الزهري قاله مرسال ولم يسنده إلى أحد من الصحابة (وذلك من‬
‫دقة وأمانة الزهري ثم البخاري) ومعلوم أن أئمة الحديث ال يعتمدون على‬
‫مراسيل الزهري (على جاللة قدره) ولقد قالوا مراسيل الزهري ال شيء‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬عبارة الزهري (تابعي)هذه تخالف رواية مسندة موصولة صحيحة عن‬
‫شاهد عيان(صحابي)وهو أبو سعيد الخدري الذي ذكر فيها أن عليا رضي هللا‬
‫عنه قد بايع أبا بكر على المنبر يوم البيعة العامة كما أخرجه البيهقي (‪)8/143‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )3/76‬وقال الحافظ ابن كثير عن إسناده صحيح‬
‫محفوظ‪ .‬لذلك ضعف األئمة الحفاظ كالبيهقي وابن حجر عبارة الزهري من أن‬
‫عليا لم يبايع إال بعد ستة اشهر واخذوا برواية الصحابي الجليل أبي سعيد‬
‫الخدري الذي حضر البيعة تلك وهي اصح رواية في المسالة‪.‬وانظرإرشاد‬
‫الساري(‪)6/377‬‬
‫وإن استقام الجمع بين الروايتينـ (بين رواية الصحابي الموصولةـ والتابعي‬
‫المرسلة) فكاالتي ‪ : ‬لقد بايع علي رضي هللا عنه أوال في اليوم الثاني( وهذه‬
‫الرواية لم تصل إلى الزهري) ثم بايع مرة أخرى بعد ستة اشهر وذلك بعد وفاة‬
‫السيدة الجليلة فاطمة توكيدا منه للبيعة األولى التي بايعها في اليوم الثاني من‬
‫بعد وفاة رسول هللا كما أكد الصحابي أبو سعيد الخدري رضي هللا عنه‪  ‬وال‬
‫غرابة عند اهل الحديث في عدم معرفة الزهري‪  ‬برواية أبي سعيد الخدري‬
‫التي ذكرت البيعة األولى‪  ‬وصدق اإلمام الشافعي رحمه هللا إذ قال في كتاب‬
‫الرسالة(ما من إمام حافظ إال وذهبت عنه سنة من سنن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(15‬‬
‫والمسالة الثانية فيما يتعلق بحديث رزية الخميس‪  ‬ولقد فصل أخي الدكتور‬
‫سالم في ذكر روايات البخاري في الباب وخالصة تلك الروايات انه عليه‬
‫الصالة والسالم قد طلب من جمع من أصحابه الكرام في مرض موته ان يأتوا‬
‫بلوح كي يملي عليهم وصية ويكتبوه هم ألنه عليه الصالة والسالم أمي ال يجيد‬
‫الكتابة ولكن الصحابة لم يحضروا له ما يكتب عليه واتخذ بعض المغرضينـ‬
‫هذه الرواية للطعن في عدالة الصحابة وأنى لهم التناوش من بعيد فالصحابة قد‬
‫جازوا القنطرة وسبقوا إلى رضوان هللا ونالوا شرف التزكية من عند هللا‬
‫بشهادة قرآنية متكررة خالدة إلى يوم الدين وقد فصل أخي في ذلك تفصيال‬
‫جميال ولعله من المفيد أن أضيف بعض التعليق هنا فأقول ‪ :‬لقد تكررت مسألة‬
‫طلب النبـي عليه الصالة و السالم من أصحابه أن يأتوا بما يكتب عليه لتوثيق‬
‫وصية ولكن الصحابة لم يتمكنوا من ذلك فذكر عليه الصالة والسالم وصيته‬
‫مشافهة فلقد حدث ذلك مع اثنين من كبار الصحابة وهما سيدنا عمر وسيدنا‬
‫علي وحدث أخرى مع السيدة الجليلة عائشة الصديقة الطاهرة المطهرة وفي‬
‫بعض الروايات وعندها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي هللا عنهم‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫أما مع سيدنا عمر فقد رواها البخاري في مواضع عدة ومن غير طريق ومن‬
‫عادة البخاري أن يروي الخبر مجزئا أحيانا ثم يذكره مفصال في مكان آخر‬
‫حسب استنباطه الفقهي في األبواب المتفرقة وفي مناسبات أخرى ترى‬
‫الصحابي الجليل كابن عباس يروي الخبر في مجالس عدة وفي كل مجلس‬
‫يذكر طرفا من الخبر ثم يذكر الخبر في مجلس آخر فألح عليه بعض التابعين‬
‫لمعرفة التفاصيل الدقيقة وهكذا تتباين روايات الخبر في التفاصيل زيادة‬
‫ونقصانا ولكنه ال تتناقض بل تتكامل ومن نعمة هللا عز وجل على األمة أن‬
‫سخر األئمة األعالم فبينوا أوجه الجمع والتوفيق كابن حجر الذي يشير إلى‬
‫جميع أوجه الرواية ويعزو إلى المواضع كلها فجزاهم هللا خيرا ‪.‬‬
‫وبالتحديد فيما يتعلق بألفاظ رواية ابن عباس(رزية الخميس)‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ألفاظها المتعددة تكمل بعضها البعض وتبين بعضها اآلخر ‪ ‬وبعد تدقيق‬
‫وتمحيص للرواية تبين لي اآلتي‪ :‬مجلس رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان‬
‫يغص بالصحابة وفي مقدمتهم سيدنا عمر( َوفِي ْالبَ ْي ِ‬
‫ت ِر َجا ٌل فِي ِه ْم ُع َم ُر ب ُْن‬
‫اختَلَفَ َأ ْه ُل‬‫ب) وبعض أئمة أهل البيت كما يتضح ذلك من عبارة(فَ ْ‬ ‫ْال َخطَّا ِ‬
‫ت) ومعلوم أن السنة النبوية وردت بذكر أهل البيت بمعنى أهل البيت كما‬ ‫ْالبَ ْي ِ‬
‫في دعائه عليه الصالة والسالم (اللهم هؤالء أهل بيتي كما في حديث الكساء)‬
‫وقد ثبت تاريخيا أن العباس وابن أخيه علي كانا من الحاضرين دوما في تلك‬
‫‪15‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(16‬‬
‫األيام إال في الساعة األخيرة من وفاته عليه الصالة والسالم ومعلوم أن‬
‫المجلس المذكور في خبر رزية الخميس كان قبل وفاته بعدة أيام ولذلك لما‬
‫أشفق سيدنا عمر على رسول هللا الشتداد مرضه بقوله( غلب عليه الوجع)‬
‫اصطف إلى جانبه آل البيت ممن كان حاضرا تلك الساعة وذلك واضح من‬
‫رواية البخاري كما ذكرنا ‪ ،‬ومعلوم أن النساء من أهل بيته لم يكن حضورا في‬
‫ذلك المجلس فلم يبق سوى الرجال من أهل بيته فلم ينفرد سيدنا عمر بذلك‬
‫الموقف بل وافقه عدد من ائمة آل البيت الطاهرين رضي هللا عنهم أجمعين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لم تنسب أية رواية من روايات البخاري عبارة(اهجر إلى سيدنا عمر)‬
‫بل قاله بعض الرجال ممن دخلوا اإلسالم حديثا كما ذكر أئمة الحديث وال باس‬
‫بسؤالهم فقد أرادوا أن يتبينوا طبيعة شخصية‪  ‬النبـي المرسل ما يميزه عن بقية‬
‫البشر‪ ,‬ولذلك توهم بعض المعاصرين إذ نسبوه لسيدنا عمر وذلك من سقيم‬
‫فهمهم للحديث‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬رواية البخاري في بعض ألفاظها تبين وباللفظ الصريح انه عليه الصالة‬
‫والسالم قد قال وصيته مشافهة وفي تلك الساعة وإذا كان الراوي عند البخاري‬
‫قد نسي الوصية الثالثة( وذلك من أمانته ) فقد ذكرها اإلمام مالك ولم ينسها‬
‫وهي قوله عليه الصالة والسالم( وال تتخذوا قبري وثنا) ولقد أكد الحافظ ابن‬
‫حجر على ذلك‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بسيدنا علي منفردا فقد اخرج احمد في مسنده عنه رضي هللا‬
‫عنه انه قال‪ :‬أمرني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه‬
‫ماال تضل أمته من بعده ‪,‬قال فخشيت أن تفوتني نفسه قال قلت إني أحفظ‬
‫وأعي قال صلى هللا عليه وسلم(أوصي بالصالة والزكاة وما ملكت أيمانكم) –‬
‫المسند ‪/1/90‬ح ‪ 693‬والحديث‪  ‬من مظان الحسن ‪ ،‬واما اصل الخبر بتوصيته‬
‫بالمحافظة على الصالة وما ملكت االيمان فصحيحة ‪.‬‬
‫وأما فيما يتعلق بالصديقة عائشة فقد اخرج مسلم في صحيحه (ح ‪ )1857‬عنها‬
‫رضي هللا عنها أنها قالت‪  ‬قال لي رسول هللا في مرضه (ادعي لي أبا بكر‬
‫وأخاك حتى اكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل ‪ :‬أنا أولى‬
‫ويأبى هللا والمؤمنون إال أبا بكر)‪.‬‬
‫ولقد اخرج اإلمام احمد رواية السيدة عائشة في مسنده‪  ‬من طرق وفي إحداها‪ ‬‬
‫(‪- 6/47‬ح ‪ : )24199‬لما ثقل رسول هللا قال لعبد الرحمن بن أبي بكر‬
‫الصديق (ائتني بكتف أو لوح اكتب‪  ‬ألبي بكر كتابا ال يختلف عليه) فلما ذهب‬
‫عبد الرحمن ليقوم قال عليه الصالة والسالم( يأبى هللا والمؤمنون أن يختلف‬
‫عليك يا أبا بكر) وفي لفظ آخر عند الحافظ ‪ :‬قال لي رسول هللا في مرضه‬
‫‪16‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(17‬‬
‫الذي مات فيه ادع لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب ألبي بكر كتابا ال يختلف‬
‫عليه بعدي ثم قال دعيه معاذ هللا أن يختلف المؤمنون في أبي بكر (وقال‬
‫الحافظ‪  ‬البوصيريـ رواته ثقات‪ -‬إتحاف الخيرة المهرة ‪ )7/147‬وصححه من‬
‫المعاصرين العالمة األلباني في تخريجه ألحاديث مشكاة المصابيح ح‬
‫‪ .)1659‬والحديث من دالئل نبوته عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فلقد اتفق الصحابة‬
‫أجمعين على سيدنا أبي بكر خليفة لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حتى‬
‫الصحابي الجليل سعد بن عبادة فقد اقتنع تماما بعد النقاش الشوروي الساخن‬
‫بأحقية سيدنا أبي بكر فقال لسيدنا أبي بكر( صدقت أنتم األمراء ونحن‬
‫الوزراء) كما سيتبن لك أخي القارئ الكريم في موضعه‪.‬‬
‫من اجل ما سبق فإن ‪ ‬ابن عباس رضي هللا عنه تمنى أن الصحابة قد احضروا‬
‫اللوح ليملي النبـي عليه الصالة والسالم وصيته فيحفظوا قوله ‪ ‬مكتوبا فال تشك‬
‫األجيال من بعد الصحابة في أفضلية‪  ‬أبي بكر ولم يكن في تلك الساعة غير‬
‫أبي بكر مرشحا كما ذكرت األخبار الصحاح التي ذكرنا وكان ذلك من عبد هللا‬
‫ابن عباس‪  ‬لما رأى بداية ظهور االختالف بين الناس في العهد األموي حول‬
‫من كان أولى بالخالفة من الراشدين فاخذ يحدث بذلك الخبر ويتمنى لو أن‬
‫الصحابة كانوا قد احضروا الكتاب في حينه فتكون الوصية كتابة وينقطع دابر‬
‫كل خالف في أحقية سيدنا أبي بكر قبل غيره بالخالفة وإن ذلك كان واضحا‬
‫في أذهان الصحابة كما عبر سيدنا علي عن موقفهم جميعا بقوله (لما قبض‬
‫النبـي صلى هللا عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبـي قد قدم أبا بكر في‬
‫الصالة فرضينا لدنيانا من رضيه رسول هللا لديننا فقدمنا أبا بكر) أخرجه ابن‬
‫سعد في الطبقات الكبرى ‪ 3/183‬وإسناده حسن‪...‬‬
‫‪ ‬وال أريد أن أطيل أكثر من ذلك فقد فصل أخي الدكتور سالم بما فيه الكفاية في‬
‫كتابه هذا ‪....‬واكرر رجائي أن يعزو الروايات جميعا إلى مصادرها قبل طبع‬
‫الكتاب ‪.‬‬
‫ولقد أعجبني تسلسل أفكاره وطول نفسه وصبره مع شبهات المشككين حول‬
‫وقائع األحداث ومجادلتهم بالتي هي أحسن ‪ ،‬وكذلك سرده لمعظم‪  ‬روايات‬
‫الباب سواء كانت في مصادر السنة أم الشيعة ومناقشة متونها بالتفصيل‪!!  ‬‬
‫ولقد انتفعت من نقاشه العلمي الشيق الذي أودعه هذا الكتاب نفع هللا به‬
‫المسلمين ورزق صاحبه وإيانا اإلخالص ومتابعة السنة وحسن الخاتمة آمين‪.‬‬
‫أقول قولي هذا فإن كان صوابا فمن هللا التوفيق وإن كان خطأ فمني واستغفر‬
‫هللا‬
‫‪ ‬‬
‫‪17‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(18‬‬
‫‪ ‬‬
‫وكتبه طالب العلم‬
‫محمد البرزنجي‬
‫محرم ‪ 1432‬هجرية‬
‫‪ ‬‬

‫المقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيد المرسلين محمد‬
‫وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين ‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فقد بدأت بكتابة هذا البحث قبل اكثر من عشر سنوات ‪ ،‬وكان الدافع اليه ما‬
‫كنت اقرؤه‪ 1‬من اتهام الشيعة للصحابة باالرتداد بعد موت النبـي‪ ، ‬ويشيرون‬
‫الى حادثة السقيفة كواحد من أهم االدلة على ما يقولون ‪ ،‬هذا االمر الذي‬
‫يستشنعه كل من قرأ سيرة الرسول وتاريخ الصحابة سواء كان مسلما او غير‬
‫مسلم ‪ ،‬ألنه سيتساءل‪ :‬كيف توسعت رقعة االسالم السياسية في ربع الكرة‬
‫االرضية تقريبا فشملت الصين واندونيسيا وماليزيا شرقا والمغرب االقصى‬
‫غربا وبخارا وسمرقند شماال والهند جنوبا ثم انتشر االسالم بين شعوبها وبقي‬
‫القرآن محفوظا وتعاليم االسالم خالدا إن كان جل اصحاب النبـي منافقين‬
‫ومرتدين ؟! َمن غير هؤالء وسع رقعته ونشر تعاليمه ؟ ! هذا دفعني أن‬
‫بحث في الكتب عن السقيفة ‪ ،‬فلم اجد عند السنة ما يشفي الغليل وما وجدت اال‬
‫سردا للحادثة سردا تاريخيا دون تحليل يذكر وإن كانوا يعدونه دليال على أن‬
‫اختيار الخليفة في االسالم يكون بالشورى ‪ ،‬ولكن في المقابل رأيت الشيعة‬
‫يكثرون من االشارة اليه في كتبهم وبعضهم خصه بتأليف سواء من القدامى أم‬
‫من المحدثين ‪ ،‬فآليت على نفسي أن ابحث هذا الموضوع وأكتب فيه ‪ ،‬فكتبت‬
‫جل بحوثه خالل شهرين ولكن حينها لم تكن امامي مصادر ارجع اليها فاوثق‬
‫المعلومات التي اوردتها ‪ ،‬ثم انشغلت عنها ولم اكملها ‪ ،‬ثم وقع في يدي كتاب‬
‫‪ . 1‬لم تكن القنوات الفضائية التي تعنى بهذه المسائل قد ظهرت بعد ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(19‬‬
‫بعنوان "السقيفة" للشيخ محمد رضا المظفر فرأيته يؤكد ما كنت اقرؤه في‬
‫كتبهم القديمة ويحاول جاهدا أن يثبت هذه العقيدة ولكن بطريقة عقلية هادئة ‪،‬‬
‫ودافع بقوة عن نظرية النص وتحدث عن بعثة اسامة و حديث الخميس‬
‫كاجراءات اتخذها الرسول‪ ‬لتثبيت امامة علي ‪ ، ‬ثم وقع في يدي كتاب آخر‬
‫باسم "أضواءـ على السقيفة " للشيخ علي الشخص فوجدته يكرر المعاني نفسها‬
‫ولكن بكثير من االنفعال والتشنج وبسطحية شديدة وهو كتاب مضطرب ال‬
‫يستحق الرد عليه ‪ ،‬واعدت قراءة المراجعات لعبد الحسين شرف الدين‬
‫الموسوي ثم ما كتبه التيجاني وما ردده من آراء الشيعة ‪ ،‬ثم بعد ذلك ظهرت‬
‫الفضائيات وأخذت قناة المستقلة زمام المبادرة في الحوار الشيعي السني‬
‫ورأيت ان االفكار التي اودعتها في الكتاب تكاد تنكشف فعزمت على اتمامه‬
‫وتوكلت على هللا فنقلته الى الحاسوب وأضفت اليه بعض االضافات من وحي‬
‫تلك المناظرات وما قرأته من كتب حول هذا الموضوع من السنة والشيعة ‪ ،‬و‬
‫قبل أن ادفع بالكتاب الى المطبعة بعث الي أحد زمالئي كتابا صدر حديثا‬
‫بعنوان " تناقض الروايات السنية و الشيعية حول تاريخ صدر اإلسالم ‪-‬‬
‫مظاهره و آثاره ‪ ،‬أسبابه و منهج تحقيقه – لالستاذ الدكتور خالد كبير عالل‬
‫فقرأت الروايات السنية والشيعية فوجدت أن المفاصل الرئيسية في روايات‬
‫الفريقين متشابهة وهذا هو بيت القصيد ‪ ،‬فالذي يعنينا في هذا الكتاب هوتلك‬
‫االمور المتفق عليها تاريخيا بين الشيعة والسنة والتي عليها مدار بحثنا‪.‬‬
‫والكتاب على الرغم من مرور كل هذه السنين على كتابته وظهور كل‬
‫هذه الحوارات بين السنة والشيعة ال يزال جديدا في أغلبه ‪ ،‬وقد ضاعت‬
‫بعض فصوله وحاولت اعادة كتابتها ولكني وجدت نفسي عاجزاً عن االتيان‬
‫بمثلها وكأنها كانت نفحة ربانية طافت بفكري ثم ابت أن توافدني حين طلبتها‬
‫ولكني مع ذلك اقتربت منها بعض الشيء فهي ان استعصت علي بعباراتها فلم‬
‫تمتنع علي بفحواها ‪ ،‬فكان هذا الكتاب الذي أرجو له ان ينال قبول القراء‬
‫والباحثين ويسد فراغا في المكتبة االسالمية يطرح وجهة النظر السني بشيء‬
‫من التفصيل قد ال يجده القاريء في غيره من الكتب ‪.‬‬
‫ولقد مضى حوالي قرن من الزمان على دعوة التقريب بين الشيعة‬
‫والسنة ولكنها لم تأت بأي ثمار‪ ،‬وليس هذا فحسب بل ربما لم يبلغ الصراع‬
‫الشيعى السني الى شدته االّ في هذا القرن ! لماذا لم تأت هذه الجهود بنتائج‬
‫ايجابية ؟ الجواب‪ :‬لسببين ‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(20‬‬
‫اوال‪ :‬عدم وجود النية الصادقة للتقريب لدى احد أو كال الطرفين ‪ ،‬و‬
‫الطرف الداعي اليه خاصة ‪ ،‬بل ربما كان الهدف منها استغفال الطرف الثاني‬
‫حتى يتم غزوه في غفلة من علمائه الذين يفترض ان يكونوا عين االمة‬
‫البصيرةـ ودرعها المنيع ‪ ،‬فإن اي قوة إذا ارادت ان تغزو بلدا او شعبا البد ان‬
‫تعمل على ازالة اسباب مناعتها ‪ ،‬ولعل هذا الشيء كان هو المراد من دعوات‬
‫التقريب !‬
‫ثانيا ‪ :‬عدم وجود أرضية سليمة وصحيحة للتقارب ‪ ،‬بل كان جل اعتماد‬
‫الطرفين على المجامالت والسكوت عن أخطاء الطرف اآلخر عمال بالمقولة‬
‫المشهورة نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ‪ ،‬المقولة‬
‫التي ان صحت في كل مكان ال تصح هنا ألن االمور الخالفية ليست جانبـية‬
‫أو نظرية بحتة وانما هي فروق جوهرية ومما يترتب عليها مواقف عملية من‬
‫التكفير واستباحة الدماء واالعراض وغيرها ‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬إذا اردنا أن نصل الى تقارب حقيقي أو وحدة حقيقية البد أن‬
‫نخلص نياتنا أوال ثم نسير على اسس سليمة وصحيحة ‪ ،‬وعلى رأس هذه‬
‫االسس تحرير مواطن الخالف وتسويتها‪ ،‬وأول هذه الخالفات مسألة االمامة‬
‫واجتماع الصحابة في السقيفة ‪ ،‬فكان هذا الكتاب محاولة في هذا المجال وسيرا‬
‫في االتجاه الصحيح حيث بدأنا بالسقيفة والتي لم تناقش بما فيه الكفاية في‬
‫جميع الحلقات الحوارية التي جرت بين الشيعة والسنة وذلك ألنها تحتاج الى‬
‫دراسة متأنية وهادئة وال يصلح معالجتها في السجاالت الفكرية والعقدية‬
‫الساخنة ‪.‬‬
‫وهذا الكتاب لم أكتبه للسنة فقط بل كتبته للسنة والشيعة ولكل من يفكر‬
‫بحرية ويبحث عن الحق‪ ،‬لذلك لم استعمل االسلوب العاطفي وال اسلوب‬
‫الطعن والتجريح بل اعتمدت االسلوب العقلي الهاديء عسى أن يشق طريقه‬
‫الى النفوس بعد مروره بالعقول ‪ ،‬وإذا وردت ألفاظ جارحة في الكتاب فليست‬
‫مني وانما من النقول التي نقلتها واعتذر عن كل ما فيه اساءة الى اآلخرين‬
‫فإني لم اقصدها وليست هي من رسالة الكتاب‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(21‬‬
‫وقبل ان انهي المقدمة البد من االشارة الى مسألة مهمة وهي أن‬
‫االمور المنسوبة الى الشيعة في هذا الكتاب ليس فيها امر واحد منتحل عليهم‬
‫بل هي محل اجماع علمائهم ومن االمور المعلومة بالضرورة في المذهب ‪،‬‬
‫لذلك إذا وجدني أحد أنسب اليهم رأيا أو قوال ولم اشر الى المصدر فلهذا‬
‫السبب لم اشر اليه وكل من أراد االستيثاق من صحة ما أقول فما عليه إال أن‬
‫يأتي بكتاب السقيفة لمحمد رضا المظفر أو كتاب المراجعات لعبد الحسين‬
‫شرف الدين الموسوى وكتاب منهاج الكرامة البن المطهر الحلي او كتب‬
‫التفسير والحديث والعقيدة المعتمدة لديهم‪.‬‬
‫وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت الى ما أصبو اليه وهللا أسأل أن يكتب له‬
‫القبول وينفع به المسلمين انه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫‪ /9‬ذي الحجة من عام ‪1431‬هجرية‬


‫د‪ .‬سالم احمد‬

‫التعريف بسقيفة بني ساعدة‬


‫السقيفة تعني الظلة ‪ ،‬وهي شبه البهو الواسع الطويل السقف ‪ .‬وكان‬
‫لبني ساعدة بن كعب بن الخزرج ظلة يجلسون تحتها هي دار ندوتهم لفصل‬
‫القضايا ‪ ،‬واشتهرت بسقيفة بني ساعدة ‪ ،‬وكان دار سعد بن عبادة قريبا من‬
‫هذه الظلة وقد اجتمع فيها االنصار أوسهم وخزرجهم ليبايعوا سعد بن عبادة‬
‫خليفة بعد وفاة النبـي (‪ .1 ) a‬فسمع المهاجرون بالخبر فلحقهم نفر منهم وهم‬

‫‪ . 1‬انظر كتاب السقيفة لمحمد رضا المظفر ص‪ 88/‬منشورات مؤسسة االعلمي للمطبوعات‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(22‬‬
‫ابوبكرالصديقـ وعمربن الخطاب وابو عبيدة عامر بن الجراح‪ .‬وبعد اخذ ورد‬
‫بين الطرفين انتهى االجتماع بمبايعة ابي بكر الصديق(‪ )c‬خليفة للمسلمين‪.‬‬
‫اختلف السنة والشيعة في تقويم هذا االجتماع فأهل السنة يع ّدونه دليال‬
‫على أن تنصيب االمام أو الخليفة يكون عن طريق االمة ال عن طريق الوحي‬
‫اي باختيار المسلمين ال بالنص عليه من هللا او من الرسول‪ ،‬ويرونه دليال على‬
‫أن النبـي مات ولم يوص ألحد بالخالفة ‪ ،‬بينماالشيعة يقولون ان االمامة أمر‬
‫ديني شأنها شأن النبوة تكون بتعيين من هللا أو من النبـي أو من االمام‪ ،‬وال‬
‫يُو َكل اختيار االمام الى الناس‪ ،‬وأن علي بن أبي طالب هو االمام بعد رسول‬
‫هللا (‪ )r‬بال فصل بنص القرآن والسنة‪ ،‬وأن الرسول (‪ )r‬قد أخذ البيعة له في‬
‫غدير خم عشية رجوعه من حجة الوداع‪ ،‬وبذلك يكون اجتماع الصحابة في‬
‫السقيفة خروجا على هذه النصوص ونكثا للبيعة وانقالبا على علي بن أبى‬
‫طالب ويجعلون من هذا االجتماع وسيلة للنيل من الصحابة واتهامهم بنقض‬
‫العهد واالنقالب على األعقاب بل وحتى االرتداد‪.‬‬
‫أي أن نظرة السنة و الشيعة الى هذا االجتماع متناقضة تماما ‪ ،‬فالسنة‬
‫كما قلنا يجعلون منه دليال شرعيا على كيفية تنصيب االمام أو الخليفة ‪،‬أو على‬
‫أقل تقدير دليال على أن الرسول ‪ r‬لم يُس ِّم احدا للخالفة‪ ،‬والشيعة يجعلون منه‬
‫وسيلة للطعن في الصحابة وتجريحهم ‪ ،‬فأي الفريقين على الحق وأي‬
‫النظرتين هي الصحيحة ؟ هذا ما سنبحثه في هذا الكتاب إن شاء هللا تعالى‪.‬‬

‫ماذا حدث في السقيفة‬


‫قبل ان نق ّوم اجتماع الصحابة في السقيفة ال بد أن نذكر أوال كيفية‬
‫حدوثه‪ ،‬والطرف الذي دعا اليه‪ ،‬و ما جرى فيه من مداوالت بين االطراف‬
‫المتنازعة‪ ،‬وماذا نتج عنه ‪ ،‬ألن معرفة هذه االمور كفيلة بأن تحل لنا كثيرا من‬
‫االشكاالت التي سوف نتحدث عنها بالتفصيل عند الحديث عن حيثيات السقيفة‬
‫‪ ،‬وساعتمد على مجموعة مصادر اهمها الطبري‪ ،‬واليعقوبي ومسند احمد‬
‫والبخاري ‪ .‬ولكن قبل ان نناقش االحداث يجب ان نناقش الروايات النه ليس‬
‫من المعقول ان نحلل قوال او موقفا لم يحدث اصال فيجب اوال اثبات حدوث‬
‫امر ما او ورود قول ما ثم مناقشته‪ ،‬كما يقول المثل ‪ :‬اثبت العرش ثم انقش‬
‫عليه‪.‬‬
‫روايات الطبري ومناقشتها‪:‬‬
‫اورد الطبري خمس روايات ‪ ،‬احداها عن طريق الزهري عن ابن‬
‫عباس توافق رواية البخاري ومسلم واحمد ‪ ،‬واخرى جاءت عن طريق هشام‬
‫‪22‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(23‬‬
‫الكلبـي عن ابي مخنف يحيى بن لوط فيها زيادات ليست في رواية الزهري‪،‬‬
‫والخامسة عن طريق سيف بن عمر سنعرضها جميعا ثم نناقشها‪:‬‬
‫الرواية االولى‪:‬‬
‫حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي معشر زياد بن كليب‬
‫عن أبي أيوب عن إبراهيم قال لما قبض النبـي صلى هللا عليه و سلم كان أبو‬
‫بكر غائبا فجاء بعد ثالث ولم يجترىء أحد أن يكشف عن وجهه حتى اربد‬
‫بطنه فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه ثم قال بأبي أنت وأمي طبت حيا‬
‫وطبت ميتا ثم خرج أبو بكر فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال من كان يعبد هللا فإن‬
‫هللا حي ال يموت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ثم قرأ "وما محمد‬
‫إال رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن‬
‫ينقلب على عقبيه فلن يضر هللا شيئا وسيجزي هللا الشاكرين "( آل عمران‪/‬‬
‫‪ ) 144‬وكان عمر يقول لم يمت وكان يتوعد الناس بالقتل في ذلك فاجتمع‬
‫األنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم‬
‫ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقال ما هذا فقالوا منا أمير ومنكم أمير فقال‬
‫أبو بكر منا األمراء ومنكم الوزراء ثم قال أبو بكر إني قد رضيت لكم أحد‬
‫هذين الرجلين عمر أو أبا عبيدة إن النبـي صلى هللا عليه و سلم جاءه قوم فقالوا‬
‫ابعث معنا أمينا فقال ألبعثن معكم أمينا حق أمين فبعث معهم أبا عبيدة بن‬
‫الجراح وأنا أرضى لكم أبا عبيدة فقام عمر فقال أيكم تطيب نفسه أن يخلف‬
‫قدمين قدمهما النبـي صلى هللا عليه و سلم فبايعه عمر وبايعه الناس فقالت‬
‫األنصار أو بعض األنصار ال نبايع إال عليا‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى‬
‫عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال‬
‫وهللا ألحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتا السيف‬
‫فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه ‪.‬‬
‫تعليق‪ :‬سوف لن اعلق على سند هذه الرواية ولكن اتحدث عن متنها فقد كفانا‬
‫علماء الجرح مؤونة البحث ولكن اعلق على المتن‪:‬‬
‫‪.1‬هذه الرواية فيها طعن في الرسول وفي الصحابة في آن واحد وهي مخالفة‬
‫للعقل والمنطق حيث يقول ان جثمان الرسول بقي ثالثا ولم يجرؤ احد على‬
‫كشفه حتى اتى ابو بكر وان الرسول (‪ ) a‬اربد بطنه ‪ ،‬وهذا كالم ال يصدر‬
‫عمن يوقر الرسول ! وهي مخالفة ايضا للروايات المتواترة التي تقول ان‬
‫الصحابة اجتمعوا في المسجد في اليوم الذي توفي فيه رسول هللا وانهم‬

‫‪23‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(24‬‬
‫باشروا بغسله وتكفينه في اليوم نفسه اال ان دفنه (‪ ) a‬تاخر الى ما بعد اختيار‬
‫الخليفة ‪ ،‬وان انشغال علي بتغسيل رسول هللا كان وراء تخلفه عن السقيفة ‪.‬‬
‫‪.2‬قول الراوي ان االنصار او بعض االنصار قالوا ال نبايع اال عليا سنناقشه‬
‫فيما بعد عندما نتحدث عن حيثيات السقيفة‪.‬‬
‫‪.3‬مسألة ذهاب عمر الى بيت علي وتهديدهم بحرق الدار منافية للعقل‬
‫والمنطق والروايات الصحيحة‪ ،‬وهي جدا مضطربة حيث جاءت بأساليب‬
‫مختلفة و متضاربة ‪ ،‬فتارة تقول ان فاطمة هي التي فتحت الدار وحين سمعت‬
‫تهديد عمر باحراق الدار دخلت الى البيت واخبرت الرجال بأن عمر جاد في‬
‫تهديده فترك الرجال الدار من تلقاء انفسهم ولم يخرج اليهم احد متهددا ‪،‬‬
‫ورواية تقول ان الزبير هو الذي توشح سيفه وخرج اليهم فصرعه محمد بن‬
‫مسلمة وأخذ سيفه ‪ ،‬وفي رواية الطبري ان الزبير تعثر فسقط سيفه ‪ ،‬وفي‬
‫رواية اليعقوبي ان عليا توشح سيفه وخرج اليهم فصرعه عمر فأخذ السيف‬
‫منه ‪ ،‬وروايات شيعية تذكر ان عمر حصر فاطمة بين الباب والجدار فكسر‬
‫ضلعها واسقطها جنينها ثم ساقوا عليا الى المسجد سوقا فبايع مضطرا‪،‬‬
‫واخرى تقول انهم اقتادوه مشدودا بحبل وفاطمة والحسن والحسين يمشون‬
‫خلفه يبكون ويولولون فربطوه بسارية المسجد حتى بايع ‪ ،‬الخ من الروايات‬
‫التي اريد بها الطعن في عمر فإذا هي طعن بعلي ووصف له بالجبن والضعف‬
‫وفقدان الغيرة والمروءة ‪..‬الخ‬
‫الرواية الثانية‪:‬‬
‫حدثنا زكريا بن يحيى الضرير قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا داود بن‬
‫عبدهللا األودي عن حميد بن عبدالرحمن الحميري قال توفي رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه و سلم وأبو بكر في طائفة من المدينة فجاء فكشف الثوب عن وجهه‬
‫فقبله وقال فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا مات محمد ورب الكعبة قال ثم‬
‫انطلق إلى المنبر فوجد عمر بن الخطاب قائما يوعد الناس ويقول إن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه و سلم حي لم يمت وإنه خارج إلى من أرجف به وقاطع‬
‫أيديهم وضارب أعناقهم وصالبهم قال فتكلم أبو بكر وقال أنصت قال فأبى‬
‫عمر أن ينصت فتكلم أبو بكر وقال إن هللا قال لنبـيه صلى هللا عليه و سلم‪ :‬إنك‬
‫ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( ‪ ) 2‬وما محمد إال‬
‫رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ( ‪) 3‬‬
‫حتى ختم اآلية فمن كان يعبد محمدا فقد مات إلهه الذي كان يعبده ومن كان‬
‫يعبد هللا ال شريك له فإن هللا حي ال يموت قال فحلف رجال أدركناهم من‬
‫أصحاب محمد صلى هللا عليه و سلم ما علما أن اآليتين نزلتا حتى قرأهما أبو‬
‫‪24‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(25‬‬
‫بكر يومئذ إذ جاء رجل يسعى فقال هاتيك األنصار قد اجتمعت في ظلة بني‬
‫ساعدة يبايعون رجال منهم يقولون منا أمير ومن قريش أمير قال فانطلق أبو‬
‫بكر وعمر يتقاودان حتى أتياهم فأراد عمر أن يتكلم فنهاه أبو بكر فقال ال‬
‫أعصي خليفة النبـي صلى هللا عليه و سلم في يوم مرتين قال فتكلم أبو بكر فلم‬
‫يترك شيئا نزل في األنصار وال ذكره رسول هللا صلى هللا عليه و سلم من‬
‫شأنهم إال وذكره وقال ولقد علمتم أن رسول هللا قال لو سلك الناس واديا‬
‫وسلكت األنصار واديا سلكت وادي األنصار ولقد علمت يا سعد أن رسول هللا‬
‫قال وأنت قاعد قريش والة هذا األمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع‬
‫لفاجرهم قال فقال سعد صدقت فنحن الوزراء وأنتم األمراء قال فقال عمر‬
‫ابسط يدك يا أبا بكر فألبايعك فقال أبو بكر بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها مني‬
‫قال وكان عمر أشد الرجلين قال وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده‬
‫يضرب عليها ففتح عمر يد أبي بكر وقال إن لك قوتي مع قوتك قال فبايع‬
‫الناس واستثبتوا للبيعة وتخلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال ال‬
‫أغمده حتى يبايع علي فبلغ ذلك أبا بكر وعمر فقال عمر خذوا سيف الزبير‬
‫فاضربوا به الحجر قال فانطلق إليهم عمر فجاء بهما تعبا وقال لتبايعان وأنتما‬
‫طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان فبايعا‪.‬‬
‫مناقشة الرواية‪:‬‬
‫‪.1‬حسب هذه الرواية فان سعد بن عبادة قد اقتنع بمقولة ابي بكر وبايع ‪ .‬وهذا‬
‫الذي يتماشى مع مكانة سعد بين المسلمين وفي قومه ‪ ،‬فليس مثل سعد من‬
‫يمتنع عن البيعة ثم ال يوافقه احد من عشيرته وال من المسلمين ‪ .‬وعلى كل‬
‫حال سواء بايع سعد ام لم يبايع فان الثابت عنه انه لم يحدث فتنة ولم يؤلب‬
‫الناس على الخليفة وهذا بحد ذاته فضيلة كبيرة تليق بمثله في سابقته في‬
‫االسالم ورجاحة عقله‪.‬‬
‫‪.2‬بعض الروايات تذكر ان الزبير كان مياال الى علي وداعيا الى مبايعته ‪،‬‬
‫وهذه الروايات ان افترضنا صحتها فانها من باب ميل االنسان الى مثيله ‪،‬‬
‫فعلي والزبير كانا محاربين جيدين واذا استعرنا المصطلحات الحديثة قلنا‬
‫انهما كانا ينتميان الى المؤسسة العسكرية بينما ابو بكر وعمر كانا ينتميان الى‬
‫المؤسسة السياسية حيث كانا من مستشاري الرسول ووزرائه‪.‬‬
‫وان كنت استبعد ذلك من الزبير النه ال يعقل ان يجهل مثله مكانة ابي بكر‬
‫ومنزلته وهو ممن اسلم على يديه وكان زوجا البنته ‪ ،‬وان موقفه المعارض لم‬
‫يكن العتراضه على شخصية ابي بكر وانما النه لم يكن يتوقع ان يؤخر عن‬
‫المشورة ويُبت في االمر في غيابه و هو من السابقين االولين ومن المبشرين‬
‫‪25‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(26‬‬
‫بالجنة ‪ .‬نعم كان الزبير من مؤيدي بيعة علي بعد مقتل عثمان وال استبعد ان‬
‫يكون الرواة قد خلطوا بين موقف الزبير يوم توفي الرسول ‪ a‬وموقفه يوم قتل‬
‫عثمان‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪:‬‬
‫روى الطبري تحت عنوان حديث السقيفة‪:‬‬
‫حدثني علي بن مسلم قال حدثنا عباد بن عباد قال حدثنا عباد بن راشد قال‬
‫حدثنا الزهري عن عبيدهللا بن عبدهللا بن عتبة عن ابن عباس قال كنت أقرئ‬
‫عبدالرحمن بن عوف القرآن قال فحج عمر وحججنا معه قال فإني لفي منزل‬
‫بمنى إذ جاءني عبدالرحمن بن عوف فقال شهدت أمير المؤمنين اليوم وقام‬
‫إليه رجل فقال إني سمعت فالنا يقول لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فالنا‬
‫قال فقال أمير المؤمنين إني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤالء الرهط‬
‫الذين يريدون أن يغصبوا الناس أمرهم قال قلت يا أمير المؤمنين إن الموسم‬
‫يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم الذين يغلبون على مجسلك وإني لخائف‬
‫إن قلت اليوم مقالة أال يعوها وال يحفظوها وال يضعوها على مواضعها وأن‬
‫يطيروا بها كل مطير ولكن أمهل حتى تقدم المدينة تقدم دار الهجرة والسنة‬
‫وتخلص بأصحاب رسول هللا من المهاجرين واألنصار فتقول ما قلت متمكنا‬
‫فيعوا مقالتك ويضعوها على مواضعها فقال وهللا ألقومن بها في أول مقام‬
‫أقومه بالمدينة قال فلما قدمنا المدينة وجاء يوم الجمعة هجرت للحديث الذي‬
‫حدثنيه عبدالرحمن فوجدت سعيد بن زيد قد سبقني بالتهجير فجلست إلى جنبه‬
‫عند المنبر ركبتي إلى ركبته فلما زالت الشمس لم يلبث عمر أن خرج فقلت‬
‫لسعيد وهو مقبل ليقولن أمير المؤمنين اليوم على هذا المنبر مقالة لم تقل قبله‬
‫فغضب وقال فأي مقالة يقول لم تقل قبله فلما جلس عمر على المنبر أذن‬
‫المؤذنون فلما قضى المؤذن أذانه قام عمرفحمد هللا وأثنى عليه وقال أما بعد‬
‫فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر أن أقولها من وعاها وعقلها وحفظها فليحدث‬
‫بها حيث تنتهي به راحلته ومن لم يعها فإني ال أحل ألحد أن يكذب علي إن هللا‬
‫عز و جل بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان فيما أنزل عليه آية‬
‫الرجم فرجم رسول هللا ورجمنا بعده وإني قد خشيت أن يطول بالناس زمان‬
‫فيقول قائل وهللا ما نجد الرجم في كتاب هللا فيضلوا بترك فريضة أنزلها هللا‬
‫وقد كنا نقول ال ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبو عن آبائكم ثم إنه‬
‫بلغني أن قائال منكم يقول لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فالنا فال يغرن امرأ‬
‫أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت كذلك غير أن هللا وقى شرها‬
‫وليس منكم من تقطع إليه األعناق مثل أبي بكر وإنه كان من خبرنا حين توفى‬
‫‪26‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(27‬‬
‫هللا نبـيه صلى هللا عليه و سلم أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت‬
‫فاطمة وتخلفت عنا األنصار بأسرها واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت‬
‫ألبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤالء من األنصار فانطلقنا نؤمهم فلقينا‬
‫رجالن صالحان قد شهدا بدرا فقاال أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد‬
‫إخواننا هؤالء من األنصار قاال فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم فقلنا وهللا لنأتينهم‬
‫قال فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة قال وإذا بين أظهرهم رجل‬
‫مزمل قال قلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما شأنه قالوا وجع فقام رجل‬
‫منهم فحمد هللا وقال أما بعد فنحن األنصار وكتيبة اإلسالم وأنتم يا معشر‬
‫قريش رهط نبـينا وقد دفت إلينا من قومكم دافة قال فلما رأيتهم يريدون أن‬
‫يختزلونا من أصلنا ويغصبونا األمر وقد كنت زورت في نفسي مقالة أقدمها‬
‫بين يدي أبي بكر وقد كنت أداري منه بعض الحد وكان هو أوقر مني وأحلم‬
‫فلما أردت أن أتكلم قال على رسلك فكرهت أن أعصيه فقام فحمد هللا وأثنى‬
‫عليه فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت إال قد جاء به‬
‫أو بأحسن منه وقال أما بعد يا معشر األنصار فإنكم ال تذكرون منكم فضال إال‬
‫وأنتم له أهل وإن العرب ال تعرف هذا األمر إال لهذا الحي من قريش وهم‬
‫أوسط العرب دارا ونسبا ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما‬
‫شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وإني وهللا ما كرهت من كالمه شيئا‬
‫غير هذه الكلمة إن كنت ألقدم فتضرب عنقي فيما ال يقربني إلى إثم أحب إلي‬
‫من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر فلما قضى أبو بكر كالمه قام منهم رجل‬
‫فقال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش‬
‫قال فارتفعت األصوات وكثر اللغط فلما أشفقت االختالف قلت ألبي بكر ابسط‬
‫يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه األنصار ثم نزونا على‬
‫سعد حتى قال قائلهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل هللا سعدا وإنا وهللا ما وجدنا‬
‫أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن‬
‫يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نتابعهم على ما نرضى أو نخالفهم فيكون فساد ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن‬
‫عروة بن الزبير قال إن أحد الرجلين اللذين لقوا من األنصار حين ذهبوا إلى‬
‫السقيفة عويم بن ساعدة واآلخر معن بن عدي أخو بني العجالن فأما عويم بن‬
‫ساعدة فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول هللا صلى هللا عليه و سلم من الذين قال‬
‫هللا لهم فيه‪ :‬رجال يحبون أن يتطهروا وهللا يحب المطهرين(التوبة‪ )108/‬فقال‬
‫‪ . 1‬روى مثله البخاري في الصحيح ‪ ،‬ج ‪ 8‬ص‪ 168 :‬و ما بعدها ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(28‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه و سلم نعم المرء منهم عويم بن ساعدة ‪ .‬وأما معن‬
‫فبلغنا أن الناس بكوا على رسول هللا صلى هللا عليه و سلم حين توفاه هللا وقالوا‬
‫وهللا لوددنا أنا متنا قبله إنا نخشى أن نفتتن بعده فقال معن بن عدي وهللا ما‬
‫أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا فقتل معن يوم اليمامة‬
‫شهيدا في خالفة أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب ‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال‬
‫حدثنا أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر‬
‫على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد هللا وأثنى عليه بما هو أهله ثم‬
‫قال أيها الناس إني قد كنت قلت لكم باألمس مقالة ما كانت إال عن رأيي وما‬
‫وجدتها في كتاب هللا وال كانت عهدا عهده إلي رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‬
‫ولكني قد كنت أرى أن رسول هللا سيدبر أمرنا حتى يكون آخرنا وإن هللا قد‬
‫أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول هللا فإن اعتصمتم به هداكم هللا لما كان‬
‫هداه له وإن هللا قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول هللا وثاني اثنين إذ‬
‫هما في الغار فقوموا فبايعوا فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم‬
‫تكلم أبو بكر فحمد هللا وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فإني‬
‫قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني‬
‫الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه‬
‫إن شاء هللا والقوي منكم الضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء هللا ال يدع‬
‫أحد منكم الجهاد في سبيل هللا فإنه ال يدعه قوم إال ضربهم هللا بالذل وال تشيع‬
‫الفاحشة في قوم إال عمهم هللا بالبالء أطيعوني ما أطعت هللا ورسوله فإذا‬
‫عصبت هللا ورسوله فال طاعة لي عليكم قوموا إلى صالتكم رحمكم هللا‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن حسين بن‬
‫عبدهللا عن عكرمة عن ابن عباس قال وهللا إني ألمشي مع عمر في خالفته‬
‫وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة وما معه غيري قال وهو يحدث نفسه‬
‫ويضرب وحشي قدمه بدرته قال إذ التفت علي فقال يابن عباس هل تدري ما‬
‫حملني على مقالتي هذه التي قلت حين توفى هللا رسوله قال قلت ال أدري يا‬
‫أمير المؤمنين أنت أعلم قال وهللا إن حملني على ذلك إال أني كنت أقرأ هذه‬
‫االية‪" :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول‬
‫عليكم شهيدا" ( البقرة‪ ) 143/‬فوهللا إني كنت ألظن أن رسول هللا سيبقى في‬
‫أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت قال‬
‫أبو جعفر فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول هللا صلى هللا عليه و‬
‫سلم فقال بعضهم كان ذلك من فعلهم يوم الثالثاء وذلك الغد من وفاته صلى هللا‬
‫‪28‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(29‬‬
‫عليه و سلم وقال بعضهم إنما دفن بعد وفاته بثالثة أيام وقد مضى ذكر بعض‬
‫قائلي ذلك ‪.‬‬
‫الرواية الرابعة‪:‬ـ‬
‫اوردها الطبري تحت عنوان ‪ :‬ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين واألنصار‬
‫في أمر اإلمارة في سقيفة بني ساعدة‪:‬‬
‫حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني عبدهللا بن عبدالرحمن‬
‫بن أبي عمرة األنصاري أن النبـي صلى هللا عليه و سلم لما قبض اجتمعت‬
‫األنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا نولي هذا األمر بعد محمد عليه السالم‬
‫سعد بن عبادة وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض فلما اجتمعوا قال البنه أو‬
‫بعض بني عمه إني ال أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كالمي ولكن تلق مني‬
‫قولي فأسمعهموه فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه‬
‫فقال بعد أن حمد هللا وأثنى عليه يا معشر األنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة‬
‫في اإلسالم ليست لقبيلة من العرب إن محمدا عليه السالم لبث بضع عشرة‬
‫سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع األنداد واألوثان فما آمن به من‬
‫قومه إال رجال قليل وكان ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول هللا وال أن‬
‫يعزوا دينه وال أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به حتى إذا اراد بكم الفضيلة‬
‫ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة فرزقكم هللا اإليمان به وبرسوله والمنع له‬
‫وألصحابه واإلعزاز له ولدينه والجهاد ألعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه‬
‫منكم وأثقله على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب ألمر هللا طوعا وكرها‬
‫وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أثخن هللا عز و جل لرسوله بكم‬
‫األرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه هللا وهو عنكم راض وبكم قرير عين‬
‫استبدوا بهذا األمر فإنه لكم دون الناس فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي‬
‫وأصبت في القول ولن نعدو ما رأيت ونوليك هذا األمر فإنك فينا مقنع‬
‫ولصالح المؤمنين رضا ثم إنهم ترادوا الكالم بينهم فقالوا فإن أبت مهاجرة‬
‫قريش فقالوا نحن المهاجرون وصحابة رسول هللا األولون ونحن عشيرته‬
‫وأولياؤه فعالم تنازعوننا هذا األمر بعده فقال طائفة منهم فإنا نقول إذا منا أمير‬
‫ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا األمر أبدا فقال سعد بن عبادة حين سمعها‬
‫هذا أول الوهن وأتى عمر الخبر فأقبل إلى منزل النبـي صلى هللا عليه و سلم‬
‫فأرسل إلى أبي بكر وأبو بكر في الدار وعلي بن أبي طالب عليه السالم دائب‬
‫في جهاز رسول هللا صلى هللا عليه و سلم فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلي‬
‫فأرسل إليه إني مشتغل فأرسل إليه أنه قد حدث أمر ال بد لك من حضوره‬
‫فخرج إليه فقال أما علمت أن األنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة‬
‫‪29‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(30‬‬
‫يريدون أن يولوا هذا األمر سعد بن عبادة وأحسنهم مقالة من يقول منا أمير‬
‫ومن قريش أمير فمضيا مسرعين نحوهم فلقيا أبا عبيدة بن الجراح فتماشوا‬
‫إليهم ثالثتهم فلقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة فقاال لهم ارجعوا فإنه ال‬
‫يكون ما تريدون فقالوا ال نفعل فجاءوا وهم مجتمعون فقال عمر بن الخطاب‬
‫أتيناهم وقد كنت زورت كالما أردت أن أقوم به فيهم فلما أن دفعت إليهم ذهبت‬
‫ألبتدئ المنطق فقال لي أبو بكر رويدا حتى أتكلم ثم انطق بعد بما أحببت‬
‫فنطق فقال عمر فما شيء كنت أردت أن أقوله إال وقد أتى به أو زاد عليه فقال‬
‫عبدهللا بن عبدالرحمن فبدأ أبو بكر فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال إن هللا بعث‬
‫محمدا رسوال إلى خلقه وشهيدا على أمته ليعبدوا هللا ويوحدوه وهم يعبدون من‬
‫دونه آلهة شتى ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ولهم نافعة وإنما هي من حجر‬
‫منحوت وخشب منجور ثم قرأ" ويعبدون من دون هللا ماال يضرهم وال ينفعهم‬
‫ويقولون هؤالء شفعاؤنا عند هللا" ( يونس‪" ) 18/‬وقالوا ما نعبدهم إال ليقربونا‬
‫إلى هللا زلفى "( الزمر‪ ) 3/‬فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص هللا‬
‫المهاجرين األولين من قومه بتصديقه واإليمان به والمؤاساة له والصبر معه‬
‫على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياهم وكل الناس لهم مخالف زار عليهم فلم‬
‫يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم فهم أول من عبد‬
‫هللا في األرض وآمن باهلل وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا‬
‫األمر من بعده وال ينازعهم ذلك إال ظالم وأنتم يا معشر األنصار من ال ينكر‬
‫فضلهم في الدين وال سابقتهم العظيمة في اإلسالم رضيكم هللا أنصارا لدينه‬
‫ورسوله وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد‬
‫المهاجرين األولين عندنا أحد بمنزلتكم فنحن األمراء وأنتم الوزراء ال تفتانون‬
‫بمشورة وال نقضي دونكم األمور قال فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال‬
‫يا معشر األنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن‬
‫يجترئ مجترئ على خالفكم ولن يصدر الناس إال عن رأيكم أنتم أهل العز‬
‫والثروة وأولو العدد والمنعة والتجربة ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس‬
‫إلى ما تصنعون وال تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم وينتقض عليكم أمركم فإن أبى‬
‫هؤالء إال ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير فقال عمر هيهات ال يجتمع اثنان في‬
‫قرن وهللا ال ترضى العرب أن يؤمروكم ونبـيها من غيركم ولكن العرب ال‬
‫تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم ولنا بذلك على‬
‫من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان‬
‫محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إال مدل بباطل أو متجانف إلثم‬
‫ومتورط في هلكة فقام الحباب بن المنذر فقال يامعشر األنصار املكوا على‬
‫‪30‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(31‬‬
‫أيديكم وال تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا األمر فإن أبوا‬
‫عليكم ما سألتموه فاجلوهم عن هذه البالد وتولوا عليهم هذه األمور فأنتم وهللا‬
‫أحق بهذا األمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين أنا‬
‫جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أما وهللا لئن شئتم لنعيدنها جذعة فقال عمر‬
‫إذا يقتلك هللا قال بل إياك يقتل فقال أبو عبيدة يا معشر األنصار إنكم أول من‬
‫نصر وآزر فال تكونوا أول من بدل وغير فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن‬
‫بشير فقال يا معشر األنصار إنا وهللا لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين‬
‫وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إال رضا ربنا وطاعة نبـينا والكدح ألنفسنا فما‬
‫ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك وال نبتغي به من الدنيا عرضا فإن هللا‬
‫ولي المنة علينا بذلك أال إن محمدا ‪ ‬من قريش وقومه أحق به وأولى وايم هللا‬
‫ال يراني هللا أنازعهم هذا األمر أبدا فاتقوا هللا وال تخالفوهم وال تنازعوهم فقال‬
‫أبو بكر هذا عمر وهذا ابو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا فقاال ال وهللا ال نتولى هذا‬
‫األمر عليك فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول‬
‫هللا على الصالة والصالة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك‬
‫أويتولى هذا األمر عليك ابسط يدك نبايعك فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير‬
‫بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير بن سعد عقتك عقاق ما أحوجك‬
‫إلى ما صنعت أنفست على ابن عمك اإلمارة فقال ال وهللا ولكني كرهت أن‬
‫أنازع قوما حقا جعله هللا لهم ولما رأت األوس ما صنع بشير بن سعد وما‬
‫تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم‬
‫لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء وهللا لئن وليتها الخزرج عليكم‬
‫مرة ال زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة وال جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا‬
‫فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه فانكسر على سعد بن عبادة وعلى‬
‫الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم قال هشام قال أبو مخنف فحدثني أبو‬
‫بكر بن محمد الخزاعي أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك‬
‫فبايعوا ابا بكر فكان عمر يقول ما هو إال أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر ‪.‬‬
‫قال هشام عن أبي مخنف قال عبدهللا بن عبدالرحمن فأقبل الناس من‬
‫كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة فقال ناس من أصحاب‬
‫سعد اتقوا سعدا ال تطؤوه فقال عمر اقتلوه قتله هللا ثم قام على رأسه فقال لقد‬
‫هممت أن أطأك حتى تندر عضدك فأخذ سعد بلحية عمر فقال وهللا لو‬
‫حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة فقال أبو بكر مهال يا عمر‬
‫الرفق ها هنا أبلغ فأعرض عنه عمر وقال سعد أما وهللا لو أن بي قوة ما أقوى‬
‫على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك أما‬
‫‪31‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(32‬‬
‫وهللا إذا أللحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا المكان‬
‫فحملوه فأدخلوه في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس‬
‫وبايع قومك فقال أما وهللا حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي وأخضب سنان‬
‫رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من‬
‫قومي فال أفعل وايم هللا لو أن الجن اجتمعت لكم مع اإلنس ما بايعتكم حتى‬
‫أعرض على ربي وأعلم ما حسابي فلما أتى أبو بكر بذلك قال له عمر ال تدعه‬
‫حتى يبايع فقال له بشير بن سعد إنه قد لج وأبى وليس بمبايعكم حتى يقتل‬
‫وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس‬
‫تركه بضاركم إنما هو رجل واحد فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد‬
‫واستنصحوه لما بدا لهم منه فكان سعد ال يصلي بصالتهم وال يجمع معهم‬
‫ويحج وال يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رحمه هللا ‪.‬‬
‫مناقشة الرواية‪:‬‬
‫هذه الرواية وغيرها من روايات ابي مخنف يضعفها العلماء التهامهم‬
‫ابي مخنف بالضعف والرفض ‪ ،‬ولكني سأحملها على الصحة –جدال‪ -‬النها‬
‫تحتوى على المفاصل الرئيسية لواقعة السقيفة ولن تضر هذه التفاصيل بحثنا‬
‫بل قد تفيدنا كما سترى اثناء البحث ان شاء هللا ‪ .‬في نظري ان ابا مخنف يزيد‬
‫اشياء الى اصل االمور ويستحدث حوارات من عنده كما يفعل كتاب‬
‫السيناريوهات في يومنا هذا ‪ ،‬ولو قدر ألبي مخنف ان يعيش في عصرنا لعد‬
‫من اكبر كتاب السيناريوهات ولنضرب بذلك مثال واحدا‪ :‬قصة مقتل الحسين‪‬‬
‫في كربالء ‪ ،‬حين تقرأها برواية ابي مخنف يخيل اليك انك امام سجال ادبي‬
‫بين اديبين ال في معركة حامية بين جيشين ‪ ،‬واني كلما اسمعها استحضر الفلم‬
‫الكارتونى "كابتن ماجد" الذي يتحاور فيه الالعبون اكثر مما يلعبون وان‬
‫احدهم يضرب الكرة فتبقى لدقائق في الهواء وهم يجرون وراءها ويتناقشون‬
‫فيما بينهم وقد تستغرق اللعبة نصف ساعة وتنتهي ولم تركل الكرة سوى‬
‫مرات قليلة واكثر اوقات الالعبين يمضي في الحوارات وهم يجرون وراء‬
‫الكرة‪.‬‬
‫الرواية الخامسة‪:‬‬
‫حدثنا عبيدهللا بن سعد قال حدثنا عمي قال أخبرنا سيف بن عمر عن‬
‫سهل وأبي عثمان عن الضحاك بن خليفة قال لما قام الحباب بن المنذر انتضى‬
‫سيفه وقال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أنا أبو شبل في عريسة األسد‬
‫يعزى إلى األسد فحامله عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه ثم وثب على سعد‬
‫ووثبوا على سعد وتتابع القوم على البيعة وبايع سعد وكانت فلتة كفلتات‬
‫‪32‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(33‬‬
‫الجاهلية قام أبو بكر دونها وقال قائل حين أوطئ سعد قتلتم سعدا فقال عمر‬
‫قتله هللا إنه منافق واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه‪.‬‬
‫حدثنا عبيدهللا بن سعيد قال حدثني عمي يعقوب قال حدثنا سيف عن‬
‫مبشر عن جابر قال قال سعد بن عبادة يومئذ ألبي بكر إنكم يا معشر‬
‫المهاجرين حسدتموني على اإلمارة وإنك وقومي أجبرتموني على البيعة فقالوا‬
‫إنا لو أجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت في سعة ولكنا أجبرنا‬
‫على الجماعة فال إقالة فيها لئن نزعت يدا من طاعة أو فرقت جماعة لنضربن‬
‫الذي فيه عيناك‪.‬‬
‫مناقشة الرواية‪:‬‬
‫‪ .1‬هذه الرواية فيها مبالغات ومغالطات كثيرة منافية للمنطق‪ ،‬منها‪:‬‬
‫اوال‪ :‬ان الحباب انتضى سيفه فضربه عمر على يده واخذ السيف منه ثم وثب‬
‫على سعد ووثب الناس على سعد ! هل يعقل أن يحصل كل هذا بين عمر‬
‫والحباب ثم بين عمر وسعد بن عبادة ثم تمر االمور بسالم وتتم البيعة بتلك‬
‫السرعة وبتلك السهولة ؟ عمر ومعه اثنان من الهاجرين يتجاوز على سيد‬
‫الخزرج بين قومه و عشيرته وال يقوم احد للدفاع عنه ؟ اي منطق يقبل هذا ؟‬
‫بل واكثر من ذلك عمر يثب على سعد ويثب الناس معه على سعد! من هم‬
‫هؤالء الذين وثبوا عليه اليسوا قومه وعشيرته ؟ هل يقتضي المنطق أن يثبوا‬
‫على سعد مع عمر ام يوقفوا عمر عند حده ؟ ثم ماذا؟ يبايع سعد مع من يبايع!‬
‫‪.2‬هل كان عمر يجهل ان سعدا كان من السابقين الى االسالم ومن اصحاب‬
‫العقبة ومن النقباء حتى يقول عنه منافق؟‬
‫‪.3‬الرواية االولى لسيف بن عمر تقول ان سعد بن عبادة بايع مع المبايعين يوم‬
‫السقيفة بينما الرواية الثانية تقول على لسان سعد البي بكر انكم وقومي‬
‫اجبرتموني على البيعة ! اي ان البيعة اخذت منه بعد السقيفة الن ابا بكر لم‬
‫يكن قادرا على اجبار احد على البيعة يوم السقيفة وليس معه سوى عمر وابي‬
‫عبيدة وهم بين ظهراني االنصار! وهذا مناقض للرواية االولى من وجهين ‪:‬‬
‫االول في كيفية مبايعة سعد البي بكر والثاني في وقت البيعة‪.‬‬
‫‪ .4‬نسب الى ابي بكر كالما ال يتفق وشخصية ابي بكر وطبيعته‪ ،‬حيث نسب‬
‫اليه قوله لسعد لئن نزعت يدا من طاعة أو فرقت جماعة لنضربن الذي فيه‬
‫عيناك‪ .‬وهذا الكالم اضافة الى تعارضه مع طبيعة ابي بكر فانه مناقض‬
‫لكالمه لعمر بحق سعد على رسلك با عمر الرفق ها هنا ابلغ ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(34‬‬
‫‪.5‬وردت عبارة فوثبوا او وثبنا على سعد او نزوا او نزونا على سعد في جميع‬
‫الروايات رغم ان سعدا لم يتحدث وانه كان مريضا ومزمال مما يدل على انه‬
‫كان وراء الدعوة الى اجتماع السقيفة ان صحت الروايات‪.‬‬
‫يقول االستاذ خالد كبير عالل في كتابه القيم " تناقض الروايات السنية‬
‫والشيعية حول تاريخ صدر االسالم" ص ‪ 134‬بعد سرد الروايات السنية‪ " :‬و‬
‫بذلك يتبين‪ -‬من الرواية السنية عن حادثة السقيفة ‪ -‬أن الصحابة اختلفوا فيما‬
‫بينهم حول ‪ :‬من يتولى منهم الخالفة ‪ ,‬و لم يختلفوا في موقفهم منها ‪ :‬فهل هي‬
‫بالتعيين و الوصية و الوراثة ‪ ،‬أم هي بالشورى و الرضا و االختيار؟ ‪ .‬فاألمر‬
‫كان عندهم واضحا محسوما ‪ ،‬بأنها شورى بينهم ‪ .‬فكان اختالفهم هذا تطبيقا‬
‫عمليا لذلك المبدأ ‪ ،‬انتهى في النهاية باختيار أبي بكر الصديق خليفة باإلجماع‬
‫‪ ،‬من دون أية معارضة‪ ،‬و ال سب و ال قتال ‪ ،‬و ال تآمر و ال مواجهات ‪.‬‬

‫موقف علي بن ابي طالب من السقيفة وبيعة ابي بكر‬


‫اما بخصوص علي بن ابي طالب ‪ ‬هل بايع او ال‪ ،‬ومتى بايع ‪ ،‬فقد‬
‫اورد الطبري عدة روايات‪ ،‬بعضها تقول انه بايع من اول يوم بويع فيه ألبي‬
‫بكر ‪ ،‬وبعضها تقول انه بايع بعد ستة اشهر بعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء‬
‫(رضي هللا عنها)‪ ،‬واليك نص ما اورده الطبري ‪:‬‬
‫‪.1‬حدثنا عبيد هللا بن سعيد الزهري قال‪ :‬اخبرنا عمي يعقوب بن ابراهيم قال‪:‬‬
‫اخبرني سيف بن عمر ‪ ،‬عن الوليد بن عبد هللا بن ابي ظبية البجلي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا الوليد بن جميع الزهري‪ ،‬قال‪ :‬عمرو بن حريث لسعيد بن زيد ‪ :‬اشهدت‬
‫وفاة رسول هللا (‪ ) a‬؟ قال نعم‪ ،‬قال فمتى بويع ابوبكر؟ قال‪ :‬يوم مات رسول‬
‫هللا (‪ ) a‬كرهوا أن يبقوا يوما أو بعض يوم وليسوا في جماعة ‪ .‬قال ‪ :‬فخالف‬
‫عليه أحد؟ قال‪ :‬ال إالّ مرتد أو من قد كاد أن يرتد‪ ،‬لوال ان هللا عزوجل ينقذهم‬
‫من االنصار‪ .‬قال‪ :‬فهل قعد احد من المهاجرين؟ قال ‪ :‬ال‪ ،‬تتابع المهاجرون‬
‫على بيعته‪ ،‬من غير ان يدعوهم‪.‬‬
‫‪.2‬حدثنا عبيد هللا بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬اخبرني عمي ‪ ،‬قال اخبرني سيف ‪ ،‬عن‬
‫عبدالعزيز بن سياه‪ ،‬عن حبيب بن ابي ثابت ‪ ،‬قال‪ :‬كان علي في بيته اذ اُتي‬
‫فقيل له‪ :‬قد جلس ابو بكر للبيعة ‪ ،‬فخرج في قميص ما عليه ازار وال رداء ‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(35‬‬
‫عجال‪ ،‬كراهية ان يُبطيء عنها‪ ،‬حتى بايعه‪ .‬ثم جلس اليه وبعث الى ثوبه‬
‫فأتاه فتجلله‪ ،‬ولزم مجلسه‪.‬‬
‫في الرواية االولى الحديث عام عن بيعة المهاجرين واالنصار والثانية خاصة‬
‫بعلي تؤكد بأنه بايع في اليوم التالي للسقيفة حيث جلس ابو بكر للبيعة والتى‬
‫تسمى البيعة العامة‪.‬‬
‫‪ .3‬رواية اخرى يرويها الطبري تقول أن عليا بايع بعد وفاة فاطمة (‪ )v‬أى‬
‫بعد ستة اشهر من تولي ابي بكر للخالفة‪:‬‬
‫حدثنا ابو صالح الضراري قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق بن ه ّمام‪ ،‬عن‬
‫معمر‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر‬
‫يطلبان ميراثهما من رسول هللا (‪ ،) a‬وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك ‪،‬‬
‫وسهمه من خيبر‪ ،‬فقال لهما ابو بكر‪ :‬أما أني سمعت رسول هللا (‪ ) a‬يقول‪:‬‬
‫النورث ‪ ،‬ما تركناه فهو صدقة‪ ،‬انما يأكل آل محمد من هذا المال ‪ .‬واني وهللا‬
‫ال أدع أمرا رأيت رسول هللا (‪ ) a‬يصنعه االّ صنعته ‪ .‬قال‪ :‬فهجرته فاطمة فلم‬
‫تكلمه في ذلك حتى ماتت‪ ،‬فدفنها علي ليالً ولم يؤذن بها ابا بكر ‪ .‬وكان لعلي‬
‫وجه من الناس حياة فاطمة ‪ ،‬فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن‬
‫علي‪ ،‬فمكثت فاطمة ستة اشهر بعد رسول هللا (‪ ،) a‬ثم توفيت‪.‬‬
‫قال معمر‪ :‬فقال رجل للزهري‪ :‬أفلم يبايعه علي ستة اشهر ! قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫وال احد من بنى هاشم حتى بايعه علي‪ .‬فلما راى علي انصراف وجوه الناس‬
‫عنه ضرع الى مصالحة ابي بكر ‪ ،‬فأرسل الى ابي بكر ‪:‬أن ائتنا وال يأتين‬
‫معك أحد‪ ،‬وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬ال تأتهم‬
‫وحدك‪ ،‬فقال ابو بكر ‪ :‬وهللا آلتينهم وحدي ‪ ،‬وما عسى ان يصنعوا بي ! قال‪:‬‬
‫فانطلق ابو بكر ‪ ،‬فدخل على علي ‪ ،‬وقد جمع بني هاشم عنده ‪ ،‬فقام علي فحمد‬
‫هللا واثنى عليه بما هو اهله‪ ،‬ثم قال ‪ :‬اما بعد ‪ ،‬فانه لم يمنعنا من ان نبايعك يا‬
‫ابابكر انكار لفضيلتك‪ ،‬وال نفاسة عليك بخير ساقه هللا اليك‪ ،‬ولكنا كنا نرى ان‬
‫لنا في هذا االمر حقا فاستبددتم به علينا ‪.‬ثم ذكر قرابته من رسول هلل (‪) a‬‬
‫وحقهم ‪ ،‬فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى ابو بكر ‪.‬‬
‫فلما صمت علي تشهد ابو بكر فحمد هللا واثنى عليه بما هو اهله ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ :‬اما بعد‪ ،‬فوهللا لقرابة رسول هلل (‪ ) a‬احب الي ان اصل من قرابتي ‪،‬‬
‫واني وهللا ما ألوت في هذه االموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير ‪ ،‬ولكني‬
‫سمعت رسول هلل (‪ ) a‬يقول‪ ":‬ال نورث ‪ ،‬ما تركنا فهو صدقة‪ ،‬وانما ياكل آل‬

‫‪35‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(36‬‬
‫محمد في هذا المال " واني اعوذ باهلل ال اذكر امرا صنعه رسول هللا (‪ ) a‬اال‬
‫صنعته فيه انشاءهللا‪.‬‬
‫ثم قال علي ‪ :‬موعدك العشية للبيعة‪ ،‬فلما صلى ابو بكر الظهر اقبل على الناس‬
‫‪ ،‬ثم عذر عليا ببعض مااعتذر ‪ ،‬ثم قام علي فعظم من حق ابي بكر ‪ ،‬وذكر‬
‫فضيلته وسابقته ‪ ،‬ثم مضى الى ابي بكر فبايعه ‪.‬قالت ‪ :‬فاقبل الناس الى علي‬
‫فقالوا ‪ :‬اصبت واحسنت‪.‬‬
‫ويقول علي البحراني في منار الهدى ( ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق ‪،‬‬
‫وبايعه المهاجرون واألنصار ‪ ،‬والكالم من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين‬
‫وخليفة المسلمين ‪ ،‬ال يتقي الناس ‪ ،‬وال يظهر إال ما يبطنه لعدم دواعى التقية ‪،‬‬
‫وهو يذكر األحداث الماضية فيقول ‪ ( :‬فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر ‪ ،‬فبايعته‬
‫‪ ،‬ونهضت في تلك األحداث ‪ ...‬فتولى أبو بكر تلك األمور فسدد ويسر وقارب‬
‫واقتصد فصحبته مناصحا ً ‪ ،‬وأطعته فيما أطاع هللا جاهدا )‪.1‬‬
‫وكان علي رضي هللا عنه ـ كما ذكر ـ مطيعا ألبي بكر ممتثالً ألوامره فقد‬
‫حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة ‪ ،‬ورأوا بالمسلمين ضعفا ً‬
‫وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة ‪،‬‬
‫فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة إإلسالم والمسلمين ( فأمر الصديق‬
‫بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش ‪ ،‬وأمر عليا‬
‫والزبير وطلحة وعبد هللا بن مسعود أن يرأسوا هؤالء الحرائر ‪ ،‬وبقوا كذلك‬
‫حتى أمنوا منهم )‪.2‬‬
‫والذي أراه و يتوافق مع المنطق هو ان عليا قد بايع في اليوم الثانى من‬
‫تولي ابي بكر للخالفة بدليل انه شارك في حروب الردة فلو لم يكن قد بايع لما‬
‫خرج لقتال المرتدين ولفعل مثل ما فعل سعد بن عبادة ‪ ،‬ولكن يبدو انه قاطع‬
‫القوم بعد ما حدث بين ابي بكر وفاطمة (‪ )v‬في شأن فدك ‪ ،‬او ربما النشغاله‬
‫بتمريض فاطمة ظن الناس انه مقاطع للقوم ‪ ،‬فلما توفيت فاطمة رجع وصالح‬
‫ابا بكر وجدد بيعته ‪ .‬وأيا كان‪ ،‬فإن لبيعة علي داللة كبيرة سواء بايع في اليوم‬
‫الثانى من تولية ابي بكر او بعد ستة أشهر فإنه ال يفرق كثيرا كما سنبـين ذلك‬

‫‪ . 1‬منار الهدى ‪ /‬لعلي البحراني ص ‪ ، 373‬وأيضا ناسخ التواريخ ج‪ 3‬ص‪. 532‬‬


‫‪ . 2‬شرح نهج البالغة ‪ /‬ج ‪ 4‬ص ‪ 228‬ط تبريز ‪ ،‬الشيعة وآل البيت‪/‬إحسان إلهي ظهير‪/‬ص‪71‬‬
‫‪36‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(37‬‬
‫فيما بعد‪ ،‬بل مبايعته بعد ستة اشهر اكثر داللة على استقامة ابي بكر وحسن‬
‫سياسته بحيث لم يبق الحد حجة في مقاطعته او معارضته ‪.‬‬

‫موقف ابي سفيان من اختيار ابي بكر‬


‫أوردت المصادر السنية و الشيعية معا ‪ ،‬بأنه عندما بايع الناس أبا بكر‪ ،‬جاء‬
‫أبو سفيان إلى علي بن أبي طالب و قال له‪-‬حسب الرواية السنية‪ (( : -‬ما بال‬
‫هذا األمر في أقل قريش قلة و أذلها يعني أبا بكر‪ ،‬و هللا لئن شئت ألمألنها عليه‬
‫خيال و رجاال ‪ .‬فقال علي ‪ :‬لطالما عاديت اإلسالم و أهله يا أبا سفيان فلم‬
‫يضره شيء ‪ ،‬إنا وجدنا أبا بكر أهال)) ‪. 1‬‬
‫و في الرواية الشيعية أنه قال لعلي‪ (( :‬وليتم على هذا األمر أذل بيت قريش‪،‬‬
‫أما وهللا لئن شئت ألمألنها على أبي فضيل خيال و رجال ))‪ .‬فقال علي ‪(( :‬‬
‫طالما غششت اإلسالم وأهله‪ ،‬فما ضررتهم شيئا‪ ،‬ال حاجة لنا إلى خيلك‬
‫ورجلك‪ ،‬لوال انأ رأينا أبا بكر لها أهال لما تركناه ))‪. 2‬‬
‫والطبري أيضا يروي لنا بعض الروايات عن موقف ابي سفيان حين سمع‬
‫بمبايعة ابي بكر بالخالفة منها‪:‬‬
‫‪ .1‬حدثني محمد بن عثمان بن صفوان الثقفي قال‪ :‬حدثنا ابو قتيبة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا مالك –يعني ابن مغول‪-‬عن ابن الحرقال‪ :‬قال ابو سفيان لعلي‪ :‬مابال هذا‬
‫االمر في اقل حي من قريش ! وهللا لئن شئت ألمألنها عليه خيال ورجاال! فقال‬
‫علي ‪ :‬يا ابا سفيان ‪،‬لطالما عاديت االسالم واهله فلم تضره بذاك شيئا ! انا‬
‫وجدنا ابابكر لها اهال‪.‬‬
‫‪ .2‬حدثني محمد بن عثمان الثقفي قال حدثنا أمية بن خالد قال حدثنا حماد بن‬
‫سلمة عن ثابت قال لما استخلف أبو بكر قال أبو سفيان مالنا وألبي فصيل إنما‬
‫هي بنو عبد مناف قال فقيل له إنه قد ولى ابنك قال وصلته رحم ‪.‬‬
‫‪ .3‬حُدثت عن هشام ‪ ،‬قال حدثني عوانة ‪ ،‬قال‪ :‬لما اجتمع الناس على بيعة ابي‬
‫بكر ‪ ،‬اقبل ابو سفيان وهو يقول‪ :‬وهللا اني ألرى عجاجة ال يطفئها االّ دم ! يا‬
‫آل عبد مناف فيم ابو بكر من اموركم ! اين المستضعفان! اين االذالّن علي‬
‫‪ .1‬الحديث صححه الذهبي في تعليقه على المستدرك للحاكم ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص‪. 83 :‬‬
‫‪ . 2‬أبو بكر الجوهري‪ :‬السقيفة و فدك ‪ ،‬ط‪ ، 1‬شركة الكتبي للطباعة و النشر ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1980 ،‬ج‪1‬‬
‫ص‪. 49 :‬‬
‫و ابن أبي الحديد ‪ :‬شرح نهج البالغة ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص‪ . 72 :‬و محمد بن عقيل العلوي‪ :‬النصائح الكافية لمن‬
‫يتولى معاوية ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الثقافة ‪ ،‬إيران ‪ ، 1412 ،‬ص‪. 120 :‬‬
‫‪37‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(38‬‬
‫والعباس!وقال ابا حسن ! ابسط يدك حتى ابايعك فأبى علي عليه ‪ ،‬فجعل يتمثل‬
‫‪1‬‬
‫بشعر المتلمس‪:‬‬
‫االّ األذالّن عي ُر الح ّي والوت ُد‬ ‫خسف يـُراد بــــه‬
‫ٍ‬ ‫ولن يقيم على‬
‫وذا يُشج فال يبكي له اح ُد‬ ‫هذا على الخسف معكوس بر ّمته‬
‫وقال‪ :‬فزجره علي وقال‪ :‬انك وهللا ما اردت بهذا االّ الفتنة ‪ ،‬وانك وهللا طالما‬
‫بغيت االسالم شرا ‪ .‬الحاجة لنا في نصيحتك‪.‬‬
‫مناقشة الروايات‪:‬‬
‫‪ .1‬يقول الطبري في احدى رواياته ان أبا سفيان عندما عارض استخالف أبي‬
‫بكر قالوا له إنه ولّى ابنك فقال وصلته رحم وسكت بعدها ‪ ،‬وهذا يكذبه الواقع‬
‫ألن تولية ابنه لم يأت االّ في السنة الثانية من تولي ابي بكر للخالفة بعد‬
‫القضاء على فتنة المرتدين ومانعي الزكاة و فتح العراق ‪ ،‬واعتراض ابي‬
‫سفيان كان بعد السقيفة مباشرة وقبل استتباب االمر للخليفة ‪ .‬والصحيح انه‬
‫قالها في عمر عندما ولى معاوية مكان اخيه يزيد بعد وفاة االخير ‪.‬‬
‫‪.2‬ينسب الشيعة الى ابي سفيان انه قال ‪ :‬تلقفوها يا بني امية تلقف الكرة‬
‫فوالذي يقسم به ابو سفيان ستكون وراثة فيكم فليس هناك جنة وال نار!‬
‫يقول راوى هذا القول ان ابا سفيان قاله بعد مبايعة عثمان بالخالفة وان‬
‫عثمان نهره ‪ .‬وهذا ايضا يكذبه التاريخ والمنطق‪ ،‬ولنا ان نسأل‪:‬‬
‫أ‪ .‬من اين عرف ابو سفيان بانها ستكون وراثة في بني امية؟ هل اوتي علم‬
‫الغيب؟‬
‫ب‪ .‬لم يكن حينذاك فوضى او فراغ سياسي او اضطراب بين المسلمين حتى‬
‫يقول ابو سفيان تلقفوها يا بني امية ‪.‬‬
‫‪ .3‬الروايات الشيعية لها دالالت مهمة جدا ‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫اوال ‪ :‬تثبت ان عليا كان يرى ابابكر أهال للخالفة ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬انه لم يكن ليسكت لو علم ان ابابكر ليس اهال للخالفة ‪ ،‬فإن كان اليسكت‬
‫على مثل هذا االمر فكيف يسكت على تبديل دين هللا ونقض البيعة ورد‬
‫النصوص؟‬
‫ثالثا‪ :‬أنه لم يعدم االعوان لو اراد ان يقف في وجه ابي بكر وعمر ‪ ،‬فزعيم بني‬
‫امية وزعيم بني هاشم واالنصار كلهم كانوا سيقفون معه لو أراد ذلك‪.‬‬

‫الروايات الشيعية‪:‬‬
‫رواية اليعقوبي ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫?‪.‬هو جرير بن عبد العزى ‪ ،‬شاعر جاهلي من اهل البحرين ‪ .‬مات سنة‪ 50‬قبل الهجرة ‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(39‬‬
‫واجتمعت األنصار في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬يوم توفي رسول هللا‪...‬‬
‫يغسل‪ ،‬فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي‪ ،‬وعصبته بعصابة‪ ،‬وثنت له وسادة‪.‬‬
‫وبلغ أبا بكر وعمر والمهاجرين‪ ،‬فأتوا مسرعين‪ ،‬فنحوا الناس عن سعد‪ ،‬وأقبل‬
‫أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا‪ :‬يا معاشر األنصار!‬
‫منا رسول هللا‪ ،‬فنحن أحق بمقامه‪ .‬وقالت األنصار‪ :‬منا أمير ومنكم أمير! فقال‬
‫أبو بكر‪ :‬منا األمراء وأنتم الوزراء‪ .‬فقام ثابت بن قيس ابن شماس‪ ،‬وهو‬
‫خطيب األنصار‪ ،‬فتكلم وذكر فضلهم‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬ما ندفعهم عن الفضل‪،‬‬
‫وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل‪ ،‬ولكن قريش أولى بمحمد منكم‪ ،‬وهذا عمر‬
‫بن الخطاب الذي قال رسول هللا‪ :‬اللهم أعز الدين به! وهذا أبو عبيدة بن‬
‫الجراح الذي قال رسول هللا‪ :‬أمين هذه األمة‪ ،‬فبايعوا أيهما شئتم! فأبيا عليه‬
‫وقاال‪ :‬وهللا ما كنا لنتقدمك‪ ،‬وأنت صاحب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وثاني اثنين‪ .‬فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر‪ ،‬وثنى عمر‪ ،‬ثم بايع من كان‬
‫معه من قريش‪.‬‬
‫ثم نادى أبو عبيدة‪ :‬يا معشر األنصار! إنكم كنتم أول من نصر‪ ،‬فال‬
‫تكونوا أول من غير وبدل‪ .‬وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال‪ :‬يا معشر‬
‫األنصار‪ ،‬إنكم‪ ،‬وإن كنتم على فضل‪ ،‬فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي‪،‬‬
‫وقام المنذر بن أرقم فقال‪ :‬ما ندفع فضل من ذكرت‪ ،‬وإن فيهم لرجالً لو طلب‬
‫هذا األمر لم ينازعه فيه أحد‪ ،‬يعني علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫فوثب بشير بن سعد من الخزرج‪ ،‬فكان أول من بايعه من األنصار‪،‬‬
‫وأسيد بن حضير الخزرجي‪ ،‬وبايع الناس حتى جعل الرجل يطفر وسادة سعد‬
‫بن عبادة وحتى وطئوا سعداً‪ .‬وقال عمر‪ :‬اقتلوا سعدا‪ ،‬قتل هللا سعداً‪.‬‬
‫وجاء البراء بن عازب‪ ،‬فضرب الباب على بني هاشم وقال‪ :‬يا معشر‬
‫بني هاشم‪ ،‬بويع أبو بكر‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب‬
‫عنه‪ ،‬ونحن أولى بمحمد‪ .‬فقال العباس‪ :‬فعلوها‪ ،‬ورب الكعبة‪.‬‬
‫وكان المهاجرون واألنصار ال يشكون في علي‪ ،‬فلما خرجوا من الدار‬
‫قام الفضل بن العباس‪ ،‬وكان لسان قريش‪ ،‬فقال‪ :‬يا معشر قريش‪ ،‬أنه ما حقت‬
‫لكم الخالفة بالتمويه‪ ،‬ونحن أهلها دونكم‪ ،‬وصاحبنا أولى بها منكم‪ .‬وقام عتبة‬
‫بن أبي لهب فقال‪:‬‬
‫ما كنت أحسب أن األمر منصرف ‪ ...‬عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن‬
‫عن أول الناس إيمانا ً وسابقة ‪ ............‬وأعلم الناس بالقرآن والسنن‬
‫وآخر الناس عهداً بالنبـي‪ ،‬ومن ‪ .....‬جبريل عون له في الغسل والكفن‬
‫من فيه ما فيهم ال يمترون به ‪ .........‬وليس في القوم ما فيه من الحسن‬
‫‪39‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(40‬‬
‫فبعث إليه علي فنهاه‪ .‬وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬ومالوا مع علي بن أبي طالب‪ ،‬منهم‪ :‬العباس بن عبد المطلب‪،‬‬
‫والفضل بن العباس‪ ،‬والزبير بن العوام بن العاص‪ ،‬وخالد بن سعيد‪ ،‬والمقداد‬
‫بن عمرو‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬وأبو ذر الغفاري‪ ،‬وعمار بن ياسر‪ ،‬والبراء بن‬
‫عازب‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن‬
‫الجراح والمغيرة بن شعبة‪ ،‬فقال‪ :‬ما الرأي؟ قالوا‪ :‬الرأي أن تلقى العباس بن‬
‫عبد المطلب‪ ،‬فتجعل له في هذا األمر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده‪،‬‬
‫فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي‪ ،‬إذا مال معكم‪،‬‬
‫فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على‬
‫العباس ليالً‪ ،‬فحمد أبو بكر هللا وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن هللا بعث محمداً نبـيا ً‬
‫وللمؤمنين وليا‪ ،‬فمن عليهم بكونه بين أظهرهم‪ ،‬حتى اختار له ما عنده‪ ،‬فخلى‬
‫على الناس أموراً ليختاروا ألنفسهم في مصلحتهم مشفقين‪ ،‬فاختاروني عليهم‬
‫واليا وألمورهم راعيا‪ ،‬فوليت ذلك‪ ،‬وما أخاف بعون هللا وتسديده َوهَنا‪ ،‬وال‬
‫حيرة‪ ،‬وال جُبنا‪ ،‬وما توفيقي إال باهلل‪ ،‬عليه توكلت‪ ،‬وإليه أنيب‪ ،‬وما أنفك‬
‫يبلغني عن طاعن يقول الخالف على عامة المسلمين‪ ،‬يتخذكم لجأ‪ ،‬فتكون‬
‫حصنه المنيع وخطبه البديع‪ .‬فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه‪ ،‬وإما‬
‫صرفتموهم عما مالوا إليه‪ ،‬ولقد جئناك ونحن نريد أن لك في هذا األمر نصيبا‬
‫يكون لك‪ ،‬ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول هللا‪ ،‬وإن كان الناس‬
‫قد رأوا مكانك ومكان صاحبك‪ ...‬عنكم‪ ،‬وعلى رسلكم بني هاشم‪ ،‬فإن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم منا ومنكم‪.‬‬
‫فقال عمر بن الخطاب‪ :‬إي وهللا وأخرى‪ ،‬إنا لم نأتكم لحاجة إليكم‪،‬‬
‫ولكن كرها ً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم‪ ،‬فيتفاقم الخطب‬
‫بكم وبهم‪ ،‬فانظروا ألنفسكم‪.‬‬
‫فحمد العباس هللا وأثنى عليه وقال‪ :‬إن هللا بعث محمداً كما وصفت نبـيا‬
‫وللمؤمنين ولياً‪ ،‬فمن على أمته به‪ ،‬حتى قبضه هللا إليه‪ ،‬واختار له ما عنده‪،‬‬
‫فخلى على المسلمين أمورهم ليختاروا ألنفسهم مصيبين الحق‪ ،‬ال مائلين بزيغ‬
‫الهوى‪ ،‬فإن كنت برسول هللا فحقا ً أخذت‪ ،‬وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم‪ ،‬فما‬
‫تقدمنا في أمرك فرضاً‪ ،‬وال حللنا وسطاً‪ ،‬وال برحنا سخطاً‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫األمر إنما وجب لك بالمؤمنين‪ ،‬فما وجب إذ كنا كارهين‪ .‬ما أبعد قولك من انهم‬
‫طعنوا عليك من قولك إنهم اختاروك ومالوا إليك‪ ،‬وما أبعد تسميتك بخليفة‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا‬
‫فاختاروك‪ ،‬فأما ما قلت إنك تجعله لي‪ ،‬فإن كان حقا ً للمؤمنين‪ ،‬فليس لك أن‬
‫‪40‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(41‬‬
‫تحكم فيه‪ ،‬وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض‪ ،‬وعلى رسلك‪ ،‬فإن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها‪.‬‬
‫فخرجوا من عنده‪ .‬وكان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا األمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي‬
‫بن أبي طالب‪ :‬امدد يدك أبايعك‪ ،‬وعلي معه قصي‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫بني هاشم ال تطمعوا الناس فيكم ‪ ...‬وال سيما تيم بن مرة أو عدي‬
‫فما األمر إال فيكم وإليكم‪ ......... ،‬وليس لها إال أبو حسن علي‬
‫أبا حسن‪ ،‬فاشدد بها كف حازم‪ ..... ،‬فإنك باألمر الذي يرتجي ملي‬
‫وإن امرأ يرمى قصي وراءه ‪ ...‬عزيز الحمى‪ ،‬والناس من غالب قصي‬
‫وكان خالد بن سعيد غائباً‪ ،‬فقدم فأتى عليا ً فقال‪ :‬هلم أبايعك‪ ،‬فو هللا ما‬
‫في الناس أحد أولى بمقام محمد منك‪ .‬واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب‬
‫يدعونه إلى البيعة له‪ ،‬فقال لهم‪ :‬اغدوا على هذا محلقين الرءوس‪ .‬فلم يغد عليه‬
‫إال ثالثة نفر‪.‬‬
‫وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين واألنصار قد اجتمعوا مع‬
‫علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول هللا‪ ،‬فأتوا في جماعة حتى‬
‫هجموا الدار‪ ،‬وخرج علي ومعه السيف‪ ،‬فلقيه عمر‪ ،‬فصارعه عمر فصرعه‪،‬‬
‫وكسر سيفه‪ ،‬ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت‪ :‬وهللا لتخرجن أو ألكشفن‬
‫شعري وألعجن إلى هللا! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياماً‪ .‬ثم‬
‫جعل الواحد بعد الواحد يبايع‪ ،‬ولم يبايع علي إال بعد ستة أشهر وقيل أربعين‬
‫يوماً‪.‬‬
‫مناقشة هذه الرواية‪:‬‬
‫‪ .1‬اورد اليعقوبي اسمين وعزا اليهما اقواال في السقيفة اولهما عبد‬
‫الرحمن بن عوف الذي لم يكن حاضرا في السقيفة وثانيهما المنذر بن ارقم‬
‫وهو غير موجود اصال وال يوجد صحابي بهذا االسم !‬
‫‪ .2‬اورد اسم عتبة بن ابي لهب ضمن الذين اعترضواـ على مبايعة ابي بكر‬
‫ونسب اليه شعرا وهو لم يكن في المدينة يومئذ بل كان في مكة ولم يهاجر‬
‫اليها وكان ممن فر من مكة هو واخوه معتب عندما دخل النبـي مكة فاتحا‬
‫فارسل النبـي عمه العباس خلفهما فرجعا الى مكة واسلما وبقيا فيها‪ ،‬والشعر‬
‫ليس لعتبة وانما لحفيده الشاعر الفضل بن العباس بن عتبة المتوفى في خالفة‬
‫الوليد سنة ‪ 95‬للهجرة ‪.‬ثم من هم ابناء ابي لهب حتى تكون لهم كلمة في‬
‫الخالفة ومن يستمع اليهم ؟‬

‫‪41‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(42‬‬
‫‪ .3‬اورد حادثة تعد اهانة لعلي وال يرتضيها الشيعة حيث يقول ان عليا خرج‬
‫على عمر بسيفه فتصارعا فصرعه عمر وأخذ سيفه منه وكسره!‬
‫‪ .4‬الحوار الذي اورده بخصوص ذهاب وفد برئاسة ابي بكر الى العباس بن‬
‫عبد المطلب ال اصل له ولم يورده احد غيره وهو من نسج خياله!‬
‫‪ .5‬أخطأ في اسم أسيد بن حضير فهو أوسي وليس خزرجيا ‪.‬‬
‫‪ .6‬يكثر من نسبة الشعر الى الناس وكأن كل الناس شعراء ‪.‬‬
‫‪ .7‬اخباره غير مسندة‪.‬‬

‫رواية الطبرسي ‪:‬‬


‫(( عن أبى المفضل محمد بن عبد هللا الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة‬
‫‪ ،‬قال ‪ ... :‬ثم اجتمعت األنصار إلى سعد بن عبادة وجاءوا به إلى سقيفة بني‬
‫ساعدة ‪ ،‬فلما سمع بذلك عمر اخبر بذلك أبا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة‬
‫ومعهما أبو عبيدة بن الجراح‪ ،‬وفي السقيفة خلق كثير من األنصار وسعد بن‬
‫عبادة بينهم مريض فتنازعوا األمر بينهم فآل األمر إلى أن قال أبو بكر في‬
‫آخر كالمه لألنصار‪ :‬إنما ادعوكم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو عمر وكالهما‬
‫قد رضيت لهذا األمر وكالهما أراهما له أهال‪ .‬فقال عمر و أبو عبيدة‪ :‬ما‬
‫ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر و أنت أقدمنا إسالما و أنت صاحب الغار وثاني‬
‫اثنين فأنت أحق بهذا األمر و أولى به فقال األنصار‪ :‬نحذر أن يغلب على هذا‬
‫األمر من ليس منا و ال منكم‪ ،‬فنجعل منا أميرا ومنكم أميرا ونرضى به على‬
‫أنه إن هلك اخترنا آخر من األنصار ‪ .‬فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين‪:‬‬
‫وانتم يا معشر األنصار ممن ال ينكر فضلهم وال نعمتهم العظيمة في اإلسالم ‪،‬‬
‫رضيكم هللا أنصارا لدينه وكهفا لرسوله وجعل إليكم مهاجرته و فيكم محل‬
‫أزواجه‪ ،‬فليس احد من الناس بعد المهاجرين األولين بمنزلتكم‪ ،‬فهم األمراء‬
‫وانتم الوزراء‪ .‬فقال الحباب بن المنذر األنصاري‪ :‬يا معشر األنصار أمسكوا‬
‫على أيديكم‪ ،‬فإنما الناس في فيئكم وظاللكم‪ ،‬ولن يجترئ مجتر على خالفكم‬
‫ولن يصدر الناس إال عن رأيكم‪ .‬و أثنى على األنصار ثم قال‪ :‬فان أبى هؤالء‬
‫تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا وال نقنع بدون أن يكون منا أمير‬
‫‪42‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(43‬‬
‫ومنهم أمير‪ .‬فقام عمر بن الخطاب فقال‪ :‬هيهات ال يجتمع سيفان في غمد‬
‫واحد‪ ،‬انه ال ترضى العرب أن تؤمركم ونبـيها من غيركم‪ ،‬ولكن العرب ال‬
‫وألو األمر منهم‪ ،‬ولنا بذلك على من‬‫تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ُ‬
‫خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين‪ ،‬من ذا ينازعنا سلطان محمد ونحن‬
‫أولياؤه وعشيرته إال مدل بباطل أو متجانف بإثم أو متورط في الهلكة محب‬
‫للفتنة‪ .‬فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال‪ :‬يا معشر األنصار امسكوا على أيديكم‬
‫وال تسمعوا مقال هذا الجاهل‪ 1‬و أصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا األمر و إن‬
‫أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فاجلوهم عن بالدكم وتولوا هذا األمر‬
‫عليهم‪ ،‬فأنتم وهللا أحق به منهم‪ ،‬فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن‬
‫يدين بغيرها و أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ‪ ،‬وهللا لئن احد رد قولي‬
‫لأحطمن انفه بالسيف‪ .‬قال عمر بن الخطاب‪ :‬فلما كان الحباب هو الذي يجيبني‬
‫لم يكن لي معه كالم‪ ،‬فانه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول هللا‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه واله‪ -‬فنهاني رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه واله‪ -‬عن مهاترته فحلفت أن‬
‫ال اكلمه أبدا‪ .2‬قال عمر ألبي عبيدة‪ :‬تكلم‪ .‬فقام أبو عبيدة بن الجراح وتكلم‬
‫بكالم كثير وذكر فيه فضائل األنصار‪ ،‬و كان بشير بن سعد سيدا من سادات‬
‫األنصار لما رأى اجتماع األنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده ‪3‬وسعى‬
‫في إفساد األمر عليه وتكلم في ذلك و رضي بتأمير قريش وحث الناس كلهم‬
‫السيما األنصار على الرضا‪ ،‬بما يفعله المهاجرون‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬هذا عمر و‬
‫أبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم فقال عمر و أبو عبيدة‪ :‬ما نتولى‬
‫هذا األمر عليك امدد يدك نبايعك‪ .‬فقال بشير بن سعد‪ :‬و أنا ثالثكما‪ ،‬وكان سيد‬
‫‪. 1‬هذه الكلمة النابية من اضافات الراوي رغبة منه للنيل من عمر على لسان الحباب وأستبع ُـد أن يجرأ‬
‫الحباب على التلفظ بها لعلمه بمكانة عمر اوال ولمهابة عمر في نفوس الصحابة ثانيا‪.‬‬
‫‪ . 2‬لم أجد حادثة منازعة عمر والحباب في المصادر التي اطلعت عليها وارجح أنها من اختالق الراوي‬
‫حتى يريح نفسه عناء تأليف سيناريو طويل من الحوار بين عمر والحباب ! وفي حال إذا كانت صحيحة‬
‫فهي تدل على طاعة عمر للرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فرغم تجاوز الحباب عليه ونعته اياه بالجهل‬
‫فقد التزم الصمت امتثاال لوصية الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ . 3‬لقد نفى بشير هذه التهمة عن نفسه وبين سبب مبايعته ألبي بكر ‪ ،‬فلست أدري كيف يجرؤ الراوي‬
‫الصاقها به‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(44‬‬
‫األوس‪ 1‬و سعد بن عبادة سيد الخزرج‪ ،‬فلما رأت األوس صنيع سيدها بشير‬
‫وما دعت إليه الخزرج من تأمير سعد اكبوا على أبى بكر بالبيعة و تكاثروا‬
‫على ذلك وتزاحموا‪ ،‬فجعلوا يطأون سعدا من شدة الزحمة وهو بينهم على‬
‫فراشه مريض‪ .‬فقال‪ :‬قتلتموني‪ ،‬قال عمر‪ :‬أقتلوا سعدا قتله هللا‪ ،‬فوثب قيس بن‬
‫سعد فأخذ بلحية عمر و قال‪ :‬وهللا يا ابن صهاك الجبان في الحرب والفرار‬
‫الليث في المأل و األمن‪ 2‬لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة‬
‫‪ .‬فقال أبو بكر مهال يا عمر مهال فان الرفق ابلغ و أفضل‪ .‬فقال سعد‪ :‬يا ابن‬
‫صهاك ‪ -‬وكانت جدة عمر – الحبشية أما وهللا لو أن لي قوة على النهوض‬
‫لسمعتها مني في سككها زئيرا أزعجك وأصحابك منها وأللحقنكما بقوم كنتما‬
‫فيهم إذنابا أذالء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما‪ .‬ثم قال للخزرج‪ :‬احملوني‬
‫من مكان الفتنة‪ ،‬فحملوه وادخلوه منزله‪ ،‬فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن‬
‫قد بايع الناس فبايع‪ .‬فقال‪ :‬ال وهللا حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي و أخضب‬
‫منكم سنان رمحي و أضربكم بسيفي ما أقلت يدي فأقاتلكم بمن تبعني من أهل‬
‫بيتي وعشيرتي‪ ،‬ثم وأيم هللا لو اجتمع الجن واإلنس علي لما بايعتكما أيها‬
‫الغاصبان حتى اعرض على ربي واعلم ما حسابي‪ ... .‬قال‪ :‬وبايع جماعة‬
‫األنصار ومن حضر من غيرهم‪ ،‬وعلي بن أبى طالب مشغول بجهاز رسول‬
‫هللا‪ -‬صلى هللا عليه واله‪ ،-‬فلما فرغ من ذلك وصلى على النبـي ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫واله‪ -‬والناس يصلون عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد‪،‬‬
‫فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام‪ ،‬واجتمعت بنو أمية إلى عثمان‬
‫بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬فكانوا في المسجد كلهم‬
‫مجتمعين إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر و أبو عبيدة بن الجراح فقالوا‪ :‬مالنا نراكم‬
‫خلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته األنصار والناس‪ ،‬فقام عثمان وعبد‬

‫‪ . 1‬وهذا من أخطاء الطبرسي ألن بشير أصالً لم يكن أوسيا ً حتى يكون من ساداتهم ‪ ،‬بل كان خزرجيا‬
‫ولذلك قال له الحباب أنفست على ابن عمك االمارة!‬
‫‪ . 2‬هذا أيضا من اضافات الطبرسي الذي يسعى الى صب جام حقده على عمر على لسان االنصار !‬
‫‪44‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(45‬‬
‫الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا‪ ،‬وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل‬
‫علي ‪ ...‬ومعهم الزبير‪ .‬قال‪ :‬فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد‬
‫بن حصين و سلمة بن سالمة فألفوهم مجتمعين‪ ،‬فقالوا لهم‪ :‬بايعوا أبا بكر فقد‬
‫بايعه الناس‪ ،‬فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر‪ :‬عليكم بالكلب العقور فاكفونا‬
‫شره‪ ،‬فبادر سلمة بن سالمة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به‬
‫األرض فكسره‪ ،‬و أحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى‬
‫أبى بكر‪ ،‬فلما حضروا قالوا‪ :‬بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس‪ ،‬و أيم هللا لئن أبيتم‬
‫ذلك لنحاكمنكم بالسيف‪ .‬فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع‬
‫حتى لم يبق ممن حضر إال علي بن أبي طالب‪ ،‬فقالوا له بايع أبا بكر‪ .‬فقال‬
‫علي ‪ :...‬أنا أحق بهذا األمر منه وانتم أولى بالبيعة لي‪ ،‬أخذتم هذا األمر من‬
‫األنصار ‪ ،‬واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت‬
‫غصبا‪ ،‬ألستم زعمتم لألنصار أنكم أولى بهذا األمر منهم لمكانكم من رسول‬
‫هللا‪ -‬صلى هللا عليه واله‪ -‬فأعطوكم المقادة وسلموا لكم اإلمارة‪ ،‬و أنا احتج‬
‫عليكم بمثل ما احتججتم على األنصار‪ ،‬أنا أولى برسول هللا حيا و ميتا‪ ،‬و أنا‬
‫وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه‪ ،‬و أنا الصديق األكبر والفاروق األعظم‬
‫أول من آمن به وصدقه‪ ،‬و أحسنكم بالءا في جهاد المشركين و أعرفكم‬
‫بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب األمور‪ ،‬واذربكم لسانا و‬
‫أثبتكم جنانا‪ ،‬فعالم تنازعونا هذا األمر ؟ أنصفونا إن كنتم تخافون هللا من‬
‫أنفسكم ‪ ،‬واعرفوا لنا األمر مثل ما عرفته لكم األنصار‪ ،‬و إال فبؤوا بالظلم‬
‫والعدوان وانتم تعلمون‪ .1‬فقال عمر‪ :‬يا علي أما لك بأهل بيتك أسوة ؟ فقال‬
‫‪ . 1‬هذه الفقرة شرح من الطبرسي لمقولة علي المختصرة حين أخبروه بما جرى في السقيفة بين‬
‫المهاجرين واالنصار واستمع الى حجة كل طرف فقال بحق المهاجرين احتجوا بالشجر وتركوا الثمر ‪،‬‬
‫وهي حتى ولو كانت صحيحة ففيها دليل قاطع على ان الخالفة ليست بالنص وانه لم تكن هناك بيعة في‬
‫اعناق الناس له وإالّ ألشار اليها وذ ّكرهم بها ‪ ،‬ولكن كما ترى احتج عليهم بمثل ما احتجوا به على‬
‫االنصار وتحدث عن أحقيته بالخالفة لقرابته من رسول هللا ولفضله وعلمه وبالئه ولم يشر ال الى البيعة‬
‫وال الى النصوص ‪ ،‬فلو أشار اليها لكانت ألزم لهم في الحجة ‪ ،‬وال يجوز أن يقال انه ألزمهم بالمنطق‬
‫الذي تكلموا به ألن حجة النص والبيعة اقوى وألزم وليس من الحكمة ترك الحجة القوية القاطعة لما هو‬
‫أدنى منها قوة وداللة! ثم ان كل هذه التزكية للنفس ال تليق بسيدنا علي وهي مخالفة لصريح القرآن الذي‬
‫‪45‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(46‬‬
‫علي ‪ :...‬سلوهم عن ذلك‪ ،‬فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا‪ :‬وهللا‬
‫ما بيعتنا لكم بحجة على علي‪ ،‬ومعاذ هللا أن نقول أنا نوازيه في الهجرة وحسن‬
‫الجهاد والمحل من رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه واله‪ .-‬فقال عمر‪ :‬إنك لست‬
‫متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها‪ .‬فقال علي‪ :‬احلب حلبا لك شطره‪ ،‬اشدد له‬
‫اليوم ليرد عليك غدا‪ ،‬إذا وهللا ال اقبل قولك وال احفل بمقامك وال أبايع‪ .‬فقال‬
‫أبو بكر‪ :‬مهال يا أبا الحسن ما نشك فيك و ال نكرهك فقام أبو عبيدة إلى علي‬
‫‪...‬فقال‪ :‬يا ابن عم لسنا ندفع قرابتك وال سابقتك و ال علمك وال نصرتك‪،‬‬
‫ولكنك حدث السن ‪ -‬وكان لعلي‪ ...‬يومئذ ثالث وثالثون سنة ‪-‬و أبو بكر شيخ‬
‫من مشايخ قومك‪ ،‬وهو احمل لثقل هذا األمر‪ ،‬وقد مضى األمر بما فيه فسلم له‪،‬‬
‫فان عمرك هللا يسلموا هذا األمر إليك‪ ،‬وال يختلف فيك اثنان بعد هذا إال وأنت‬
‫به خليق وله حقيق‪ ،‬وال تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب‬
‫العرب وغيرهم عليك‪ .‬فقال أمير المؤمنين ‪ :...‬يا معاشر المهاجرين و‬
‫األنصار هللا اهلل ال تنسوا عهد نبـيكم إليكم في أمري‪ ،‬وال تخرجوا سلطان محمد‬
‫من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم‪ ،‬وال تدفعوا أهله عن حقه ومقامه‬
‫في الناس‪ .‬فوهللا معاشر الجمع أن هللا قضى وحكم ونبـيه أعلم وانتم تعلمون بأنا‬
‫أهل البيت أحق بهذا األمر منكم‪ ،‬أما كان القارئ منكم لكتاب هللا الفقيه في دين‬
‫هللا المضطلع بأمر الرعية‪ ،‬وهللا انه لفينا ال فيكم فال تتبعوا الهوى فتزدادوا من‬
‫الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم‪ .‬فقال بشير بن سعد األنصاري‬
‫الذي وطأ األرض ألبي بكر و قالت جماعة من األنصار‪ :‬يا أبا الحسن لو كان‬
‫هذا األمر سمعته منك األنصار قبل بيعتها ألبي بكر ما اختلف فيك اثنان ‪.1‬‬
‫فقال علي ‪ :...‬يا هؤالء كنت أدع رسول هللا مسجى ال أواريه واخرج أنازع في‬
‫سلطانه‪ ،‬وهللا ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما‬

‫يقول " وال تزكوا أنفسكم "!‬


‫‪ . 1‬ان كان هذا القول صحيحا فإنه يدل على أن الناس لم يكونوا يعرفون من قبل أن عليا ً منصوص عليه‬
‫من هللا ومن الرسول وأن الناس ما فهموا من حادثة الغدير خالفة النبـي‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(47‬‬
‫استحللتموه‪ ،‬وال علمت أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه واله‪ -‬ترك يوم غدير خم‬
‫ألحد حجة وال لقائل مقاال‪ ،‬فأنشد هللا رجال سمع النبـي يوم غدير خم يقول‪" :‬‬
‫من كنت مواله فهذا علي مواله اللهم وال من وااله وعاد من عاداه وانصر من‬
‫نصره وخذل من خذله " أن يشهد اآلن بما سمع‪ .‬قال زيد بن أرقم‪ :‬فشهد اثنا‬
‫عشر رجال بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫ي فذهب بصري‪ .1‬قال‪ :‬وكثر الكالم‬ ‫علي عل ٌ‬
‫َّ‬ ‫واله فكتمت الشهادة يومئذ‪ ،‬فدعا‬
‫في هذا المعنى وارتفع الصوت و خشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي‬
‫‪ ...‬ففسح المجلس وقال‪ :‬إن هللا يقلب القلوب‪ ،‬وال تزال يا أبا الحسن ترغب عن‬
‫قول الجماعة‪ ،‬فانصرفوا يومهم ذلك ‪. 2‬‬
‫وفي رواية ثانية للطبرسي أيضا ‪ ،‬مفادها ‪ :‬عن أبان بن تغلب قال‪ :‬قلت ألبي‬
‫عبد هللا جعفر بن محمد الصادق‪ :‬جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول‬
‫هللا‪-‬صلى هللا عليه واله‪ -‬أنكر على أبى بكر فعله وجلوسه مجلس رسول هللا‪-‬‬
‫صلى هللا عليه واله‪ -‬؟ قال‪ ":‬نعم كان الذي أنكر على أبى بكر اثنى عشر رجال‬
‫من المهاجرين‪ :‬خالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬وكان من بني أمية و سلمان‬
‫الفارسي ‪ ،‬و أبو ذر الغفاري ‪ ،‬والمقداد بن األسود ‪ ،‬و عمار بن ياسر ‪ ،‬و‬
‫بريدة الأسلمي ‪ ،‬و من األنصار ‪ :‬أبو الهشيم بن التيهان ‪ ،‬و سهل وعثمان ابنا‬
‫وأبي بن كعب ‪ ،‬وأبو أيوب‬‫حنيف ‪ ،‬و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ‪ُ ،‬‬
‫األنصاري‪ .‬قال‪ :‬فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم‪ ،‬فقال بعضهم‬
‫لبعض‪ :‬وهللا لنأتينه و لننزلنه عن منبر رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه واله‪ ،-‬وقال‬
‫‪ . 1‬هذا حدث في رحبة الكوفة ايام خالفة علي وليس في السقيفة‪ ،‬وصيغة استفسار علي يدل على أنه قد‬
‫مر عليه زمن طويل فلو كان قاله بعد السقيفة مباشرة لقاله بصيغة اخرى تدل على قرب حدوثها ‪ ،‬كأن‬
‫يقول ألم يقل الرسول قبل ثالثة أشهرفي غدير خم أمامكم جميعا من كنت مواله فعلي مواله‪ ،‬وكذلك قول‬
‫زيد وكنت ممن سمعه فكتمتهـ فدعا علي علي يكذبه التأريخ ألن زيدا لم يفقد بصره بعد السقيفة وكانت له‬
‫مواقف كثيرة في أيام الخلفاء الثالثة منها ترؤسه للجنة جمع القرآن في عهد ابي بكر وعهد عثمان ‪،‬‬
‫ويدل أيضا على أنه كان من القالئل الذين كانوا قد سمعوا الحديث من الرسول مما يعني أن أغلب‬
‫الحاضرين لم يكونوا ممن شهد غدير خم ! ثم إن هناك روايات تقول بأنه قام كل من شهد تلك الحادثة إالّ‬
‫ثالثة أو أربعة فدعا عليهم علي فأصابتهم دعوته ‪ ،‬وهذا ال يمكن أن يكون إالّ بعد مرور مدة طويلة على‬
‫هذه الحادثة وليس بعد السقيفة مباشرة ‪.‬‬
‫‪ .2‬أبو منصور الطبرسي ‪ :‬االحتجاج ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص‪ 162 :‬و ما بعدها ‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(48‬‬
‫آخرون منهم‪ :‬وهللا لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال هللا عز و جل‪:‬‬
‫" وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين‪-‬أي علي‪... -‬‬
‫لنستشيره ونستطلع رأيه‪ .‬فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا‪ :‬يا‬
‫امير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به و أولى به من غيرك‪ ،‬النا سمعنا رسول‬
‫هللا يقول " علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال " ولقد‬
‫هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه واله‪ ،-‬فجئناك‬
‫لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟ فقال امير المؤمنين‪ :‬و أيم هللا لو فعلتم‬
‫ذلك لما كنتم لهم إال حربا‪ ،‬ولكنكم كالملح في الزاد ‪ ،‬وكالكحل في العين‪ ،‬و أيم‬
‫هللا لو فعلتم ذلك ألتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا‬
‫ألتوني فقالوا لي بايع و إال قتلناك‪ ،‬فالبد لي من ادفع القوم عن نفسي " علي‬
‫مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال " ‪ ،‬وذلك أن رسول الله‪-‬‬
‫صلى هللا عليه واله‪ -‬أوعز إلي قبل وفاته وقال لي‪ " :‬يا أبا الحسن إن األمة‬
‫ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وانك مني بمنزلة هارون من موسى‬
‫وأن األمة من بعدي كهارون و من اتبعه و السامري ومن اتبعه " فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول هللا فما تعهد إلي إذا كان كذلك ؟ فقال‪ :‬إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم‬
‫وجاهدهم‪ ،‬وان لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحقني مظلوما‪ .‬فلما‬
‫توفى رسول هللا صلى هللا عليه واله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه‬
‫ثم آليت على نفسي يمينا أن ال ارتدي برداء إال للصالة حتى اجمع القرآن‪،‬‬
‫ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر و أهل‬
‫السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إال أربعة رهط‬
‫سلمان وعمار و أبو ذر والمقداد‪ ،‬ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي‪ ،‬فأبوا‬
‫علي إال السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم هلل ورسوله‬
‫وألهل بيت نبـيه‪ ،‬فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول‬

‫‪48‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(49‬‬
‫نبـيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وابلغ للعذر وأبعد لهم من رسول هللا ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه واله‪ -‬إذا وردوا عليه‪. 1)) ... .‬‬
‫رواية الكليني ‪:‬‬
‫عن حنان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي جعفر‪-‬الباقر‪ -‬قال‪ :‬كان الناس أهل ردة بعد‬
‫النبـي ‪-‬صلى هللا عليه وآله‪ -‬إال ثالثة ‪ ،‬فقلت‪ :‬ومن الثالثة ؟ فقال‪ :‬المقداد بن‬
‫األسود ‪ ،‬وأبو ذر الغفاري و سلمان الفارسي رحمة هللا وبركاته عليهم ثم‬
‫عرف أناس بعد يسير ‪ .‬و قال ‪ ":‬هؤالء الذين دارت عليهم الرحى و أبوا أن‬
‫يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرها فبايع "‪. 2‬‬

‫القاسم المشترك بين الروايات السنية والشيعية‪:‬‬


‫واخيرا ‪،‬فالذي يهمنا من هذه الروايات مجموعة من االمور المتفق عليها‪،‬‬
‫والتي هي مدار بحثنا وهي ‪:‬‬
‫اوال‪ :‬ان الصحابة اجتمعوا بعد وفاة رسول هللا ‪ ‬في سقيفة بنى ساعدة الختيار‬
‫خليفة للرسول ‪. a‬‬
‫ثانيا‪ :‬ان االنصار هم الذين دعوا الى االجتماع بادىء ذي بدىء وان‬
‫المهاجرين لم يكونوا على علم باجتماعهم حتى اُخبروا به‪.‬‬
‫‪1‬الطبرسي‪ /‬االحتجاج ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص‪ 168 :‬و ما بعدها ‪ .‬وقد ناقش الدكتور عالل كل هذه الروايات فمن أراد‬
‫أن يطلع عليها يمكنه اخراج الكتاب في موقع " صيد الفوائد"‪.‬‬
‫متن هذه الرواية مضطرب ويكذب نفسه بنفسه ‪ ،‬ولست أدري هل كان الراوي يعي ما يقول ام أن عقله‬
‫كان مغيبا حين روى هذه الرواية النها تقول بأن عددا من الصحابة ذهبوا الى علي في اليوم الثاني من‬
‫السقيفة وإذا بعلي يتحدث عن أيام بعد السقيفة بقوله‪ :‬فلما توفي رسول هللا اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ‬
‫من شأنه ( علما أن الرسول لم يُدفن بعد!) ثم آليت على نفسي يميناأن ال ارتدي برداء إال للصالة حتى‬
‫اجمع القرآن‪ ،‬ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر و أهل السابقة‬
‫فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إال أربعة رهط سلمان وعمار و أبو ذر والمقداد‪،‬‬
‫ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي‪ ،‬فأبوا علي إال السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم‬
‫هلل ورسوله وألهل بيت نبـيه‪ ،‬فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبـيكم ليكون ذلك‬
‫أوكد للحجة وابلغ للعذر وأبعدـ لهم من رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه واله‪ -‬إذا وردوا عليه‪! ...‬‬
‫‪ 2‬الكليني‪ :‬الكافي ‪ ،‬ج ‪ 8‬ص‪. 11-10 :‬‬
‫روايات الطبرسي والكليني نقلتها من كتاب تناقض الروايات السنية والشيعية لالستاذخالد كبير عالل‪،‬‬
‫وقد ناقش جميع هذه الروايات من حيث المتن والسند ولوال طولها الوردتها هنا ولكن اوصي القاريء‬
‫بالعودة الى ذلك الكتاب القيم لمعرفة ذلك وهو منشور في موقع صيد الفوائد‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(50‬‬
‫ثالثا‪ :‬ان االنصار كانوا مزمعين على اختيار سعد بن عبادة ومبايعته‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬انه حدث خالف بين المهاجرين واالنصار في اول االمر‪-‬على خالف‬
‫بين المؤرخين حول طبيعة وحدة الخالف‪ -‬ثم انتهى بمبايعة ابي بكر‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أنه لم يرد االشارة الى النص والبيعة في اجتماع السقيفة ‪ ،‬ال فيما بين‬
‫االنصار انفسهم وال فيما بينهم وبين المهاجرين!‬
‫سادسا‪ :‬ان على بن ابي طالب تخلف ذلك اليوم عن السقيفة النشغاله بغسل‬
‫رسول هللا ‪. a‬‬
‫سابعا‪ :‬ان الذى اتى بالخبر اخبر عمر ولم يخبر عليا او غيره ‪ ،‬ثم اخبر عمر‬
‫بدوره ابا بكر ولم يخبر غيره ‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬بعض الناس احتجوا على اختيار ابي بكر كأبي سفيان وغيره وذهبوا‬
‫الى علي ليبايعوه فردهم ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬لقد بايع جميع الصحابة بمن فيهم علي ما عدا سعدا في بعض الروايات‬
‫االّ أن المتفق عليه أنه(اي سعد) لم يحدث اي مشكلة للخليفة والخالفة ‪.‬‬

‫ما الذي دعا االنصار الى االجتماع في سقيفة بني ساعدة؟‬


‫تساؤل يرد على الذهن تلقائيا‪ :‬لماذا سارع االنصار الى االجتماع في‬
‫السقيفة ولم يجتمعوا حول جثمان الرسول (‪ )‬كما فعل المهاجرون ؟ الم يكن‬
‫لموت الرسول وقع عليهم كما كان على المهاجرين ؟‬
‫لقد وقفت امام هذا االمر طويال و فكرت فيه مليا واستعرضت جميع‬
‫االحتماالت وناقشتها مع نفسي ومع عدد من المعنيين بدراسة التاريخ‬
‫االسالمي واطلعت على مجمل اقوال وآراء الشيعة في هذا االمر فاهتديت في‬
‫النهاية ‪ ،‬بناء على قرائن عديدة ‪ ،‬الى نتيجة سأذكرها فيما بعد‪ ،‬ولكن قبل ذلك‬
‫سُأورد كل تلك االحتماالت التي ترد على الذهن او اوردها بعض الناس‬
‫واناقشها بشيء من التفصيل ‪:‬‬
‫‪.1‬حب االنصار للدنيا وتنافسهم على الزعامة السيما زعيم الخزرج سعد بن‬
‫عبادة‪.‬‬
‫‪.2‬خوف االنصار من استبداد المهاجرين باالمر دونهم ‪.‬‬
‫‪.3‬خوف االنصار من انتقام القريشيين خاصة والعرب عامة السيما الذين‬
‫اسلموا بعد الفتح لما فعلوا بهم طوال السنين الماضية ‪.‬‬
‫‪.4‬اعتقاد االنصار ان المهاجرين اقوى منهم حجة ويوجد بينهم رجال اكفاء‬
‫كانوا مقربين جدا من الرسول ‪ a‬كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابي عبيدة‬

‫‪50‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(51‬‬
‫وغيرهم ‪ ،‬فلو اخروا االمر واجتمعوا سوية لبحث االمر لما اختار الناس‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫‪.5‬اعتقاد االنصار انهم احق باالمر من غيرهم لما بذلوه من تضحيات دفاعا‬
‫عن الرسول واالسالم‪ ،‬فانتشار االسالم وتمكنه في الجزيرة وما حولها كان‬
‫بسبب ايوائهم للرسول‪ a‬والدفاع عنه باموالهم وانفسهم‪.‬‬
‫‪.6‬اعتقاد االنصار ان المدينة المنورة هي عاصمة دولة االسالم وان الناس‬
‫ينقادون لها دون غيرها وبما انهم هم اهل المدينة فلهم االولوية في تشكيل‬
‫الحكومة‪.‬‬
‫‪.7‬احساس االنصار بالمسؤولية لكونهم من اهل المدينة وان االسالم انتشر‬
‫وتمكن بجهودهم فالحفاظ على هذا الكيان يقع على عاتقهم ‪.‬‬
‫هذه هي االحتماالت التي ترد على الذهن من اول وهلة حين يبحث‬
‫المرء مسألة السقيفة ويرى اسراع االنصار الى االجتماع لبحث مسألة الخالفة‬
‫‪ ،‬ولكن كيف نختار االسباب الصحيحة والدوافع المناسبة لهذا االسراع ؟‬
‫ق العنان لخيالنا يذهب بنا حيثما شاء ونقول بحقهم كل ما طرأ على بالنا ام‬ ‫َأنُطل ُ‬
‫نعتمد على قواعد علمية فال نقول بحقهم اال ما يليق بهم وبمكانتهم ويتماشى مع‬
‫ماضيهم وحسن بالئهم في االسالم؟‬
‫الذي يقتضيه العقل والمنطق هو ان نحكم على تصرفهم ذلك من خالل‬
‫ماضيهم وسابقتهم في االسالم ‪ ،‬وهذا ما يفعله المنصفونـ ازاء كل انسان صدر‬
‫منه فعل ما ‪ ،‬فالذي اراه بنا ًء على هذه القاعدة ان جميع االحتماالت واردة ما‬
‫عدا االحتمال االول وهو حب الدنيا والرياسة ‪ ،‬واهمها عندي أمران ‪:‬‬
‫االول‪ :‬االحساس العميق بالمسؤولية من قبل االنصار هو الذي دفعهم الى‬
‫االجتماع في السقيفة بتلك السرعة الختيار خليفة للرسول(‪ ) a‬ليضبط االمور‬
‫ويدير شؤون الناس الن مدينتهم كانت عاصمة دولة االسالم والناس ينتظرون‬
‫الحلول من العاصمة كما هو الحال في كل العصور وكل البلدان ‪ ،‬فمن‬
‫الطبيعي اذاً ان يتسارع اهل العاصمة ال سيما السكان االصليون الذين كان لهم‬
‫الدور الرئيس في انتصار وانتشار االسالم كما جاء ذلك واضحا في خطبة‬
‫زعيم االنصار سعد بن عبادة ‪ ،‬الى االجتماع لسد الفراغ الذي اوجده موت‬
‫الرسول (‪. ) a‬‬
‫الثاني‪ :‬احساس االنصار واعتقادهم بأنهم أحق بالخالفة من غيرهم وان فيهم‬
‫من هو اهل لذلك‪.‬‬
‫والذي يؤيد هذا الرأي عدة امور ‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(52‬‬
‫‪-1‬لو كان االمر حب الزعامة وشهوة الرئاسة لما تنازلوا عن رأيهم ذلك بتلك‬
‫السرعة ولتمسكوا به رغم كل محاوالت المهاجرين لثنيهم عنه فصاحب‬
‫الشهوة وخاصة الزعامة ال يتنازل عنها بسهولة ‪.‬‬
‫‪-2‬ان عالقة المهاجرين باالنصار كانت اقوى بكثير من عالقتهم بالقرشيين‬
‫الذين اسلموا فيما بعد ‪ ،‬وهذا بنص القرآن وال يمكن ان نكذب ربنا لقول فالن‬
‫او عالن ‪ .‬فاهلل سبحانه وتعالى يقول ‪َ " :‬والَّ ِذينَ تَبَ َّوُؤ وا ال َّدا َر َواِإل ي َمانَ ِمن قَ ْبلِ ِه ْم‬
‫ور ِه ْم َحا َجةً ِّم َّما ُأوتُوا َويُْؤ ثِرُونَ‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫َاج َر ِإلَ ْي ِه ْم َوال يَ ِج ُدونَ فِي ُ‬ ‫ي ُِحبُّونَ َم ْن ه َ‬
‫ق ُش َّح نَ ْف ِس ِه فَُأوْ لَِئ َ‬
‫ك هُ ُم‬ ‫صةٌ َو َمن يُو َ‬ ‫صا َ‬ ‫َعلَى َأنفُ ِس ِه ْم َولَوْ َكانَ بِ ِه ْم َخ َ‬
‫ْال ُم ْفلِحُونَ ‪".‬الحشر‪/‬ـ‪. 9‬‬
‫ك هَّللا ُ هُ َو الَّ ِذي َأيَّدَكَ بِنَصْ ِر ِه‬ ‫ويقول ايضا‪َ ":‬وِإ ْن ي ُِري ُدوا َأ ْن يَ ْخ َد ُعو َ‬
‫ك فَِإ َّن َح ْسبَ َ‬
‫ض َج ِميعًا َما َألَّ ْفتَ بَ ْينَ‬ ‫َوبِ ْال ُمْؤ ِمنِينَ (‪َ )62‬وَألَّفَ بَ ْينَ قُلُوبِ ِه ْم لَوْ َأ ْنفَ ْقتَ َما فِي اَألرْ ِ‬
‫َزي ٌز َح ِكي ٌم (‪(")63‬االنفال) ‪.‬‬ ‫قُلُوبِ ِه ْم َولَ ِك َّن هَّللا َ َألَّفَ بَ ْينَهُ ْم ِإنَّهُ ع ِ‬

‫ما هي دالالت اجتماع االنصار في السقيفة‬


‫قلنا ان الشيعة يقولون ان النبـي ‪ a‬قد عهد بالخالفة من بعده الى علي(‪)c‬‬
‫واخذ له البيعة في موقع يقال له غدير خم الواقع بين مكة والمدينة غداة‬
‫‪1‬‬
‫عودتهم من الحج وحضر مراسيم البيعة مااليقل عن مائة الف من الصحابة‬
‫ويقولون ان الرسول ‪ a‬امر بنصب خيمتين واحدة له واخرى لعلي وظل‬
‫ياخذ البيعة لعلي لمدة ثالثة ايام وقد بايع جميع المتواجدين في ذلك المكان من‬
‫الرجال والنساء ‪ ،‬بمن فيهم ابوبكر وعمر وليس هذا فحسب بل يؤكدون على‬
‫قول عمر لعلي هنيئا لك يا ابن ابي طالب لقد اصبحت وامسيت موالي ومولى‬
‫كل مؤمن ومؤمنة ‪ .‬وكانت بيعة النساء عن طريق طست فيه ماء يغمس علي‬
‫يده في احد طرفيه وتغمس المرأة يدها في الطرف الثاني منه وبعض رواتهم‬
‫يفصل فيه اكثر فيقول ان النبـي ‪ a‬كان سعيدا جدا بذلك االنجاز وهو يرى‬
‫الناس يتوافدون على بيعة علي وقرت بذلك عينه ويذكرون ايضا ان الحرث‬
‫بن النعمان الفهري جاء الى النبـي (‪ ) a‬فقال معترضا على والية علي ‪ :‬يا‬
‫محمد ‪ ،‬انك أمرتنا أن نشهد أن الإله االّ هللا وأنك رسول هللا فقبلنا منك ذلك ثم‬
‫لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته على الناس وقلت من‬
‫كنت مواله فعلي مواله ‪ ،‬فهذا شيء منك أو من هللا ؟ فقال رسول هللا ‪ a‬وقد‬
‫‪.1‬في الواقع هذا العددـ غير صحيح ألن الذين حضروا هذا المكان لم يكونوا كل الحجيج بل كانوا فقط اهل‬
‫المدينة وما حولها ألن الحجيج انفضوا بعد اداء مناسك الحج وكل رجع الى بلده ‪ ،‬وسيأتي الحديث عن‬
‫هذاالحديث ومناسبة وروده ان شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(53‬‬
‫احمرت عيناه ‪ ،‬وهللا الذي ال اله االّ هو إنه من هللا وليس مني ‪ ،‬قالها ثالثا‪.‬‬
‫فولى الحارث وهو يقول ‪ :‬اللهم ان كان ما يقول محمد حقّا ً فأمطر علينا حجارة‬
‫من السماء او ائتنا بعذاب اليم‪ .‬فوهللا ما وصل الى ناقته حتى رماه هللا بحجر‬
‫فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله ‪ ،‬فنزلت ‪":‬سأل سائل بعذاب‬
‫واقع‪.‬للكافرين ليس له دافع"‪، 1‬ويروون حديث "من كنت مواله فهذا علي‬
‫مواله ‪ ،‬اللهم وال من وااله وعاد من عاداه وادر الحق معه حيث دار" الى‬
‫آخره من االقوال واالحاديث التي رووها حول هذه الحادثة ولو جئنا على‬
‫ذكرها كلها لطال بنا الحديث والذي ذكرناه يشكل خالصة أقوالهم وآرائهم‬
‫وكما قلت لقد كتبوا حولها كتبا كثيرة وبحوثا جمة ‪ ،‬ويقولون ان الصحابة‬
‫باجتماعهم في السقيفة أداروا ظهورهم لهذه الوصية ونقضوا تلك البيعة‬
‫وتآمروا على علي واغتصبوا حقه!‪.‬‬
‫فلننظر ‪ ،‬هل اجتماع الصحابة ‪ ،‬او االصح االنصار‪ ،‬في السقيفة هو حقا‬
‫مؤامرة ضد علي ونكث للعهد ونقض للبيعة ‪ ،‬ام ان له دالالت اخرى تناقض‬
‫ما يقوله الشيعة وتنقض عقيدتهم في التعيين والوصية وتهدمها ‪.‬‬
‫سبب انصياع االنصار البي بكر ومتابعة بقية المسلمين لهم‬
‫قبل الشروع في ذكر دالالت السقيفة نود ان نتساءل‪ :‬ما معنى ان‬
‫يجتمع االنصار في السقيفة ليختاروا واحدا منهم للخالفة ثم يأتي ابو بكر ومعه‬
‫اثنان فقط من المهاجرين وبعد اخذ ورد يسيرين يسارع المجتمعون الى‬
‫مبايعة ابي بكر ثم ال يقوم احد ال في المدينة وال في مكة وال في اي بقعة من‬
‫ارض االسالم من المائة الف‪ 2‬الذين حضروا وشهدوا بيعة الغدير ومن‬
‫غيرهم ليذ ّكر الناس بتلك البيعة ويقول ‪ :‬ايها الناس كيف تفعلون هذا وفي‬
‫اعناقكم بيعة لعلي بن ابي طالب ‪ ،‬وليس هذا فحسب بل حتى علي نفسه حين‬
‫سمع بالخبر لم يقل ايها الناس أليس في اعناقكم بيعة لي ؟ الم تبايعونى في‬
‫يوص رسول هللا بالخالفة لي ‪ ،‬الم ينزل بشأني كل هذه‬ ‫ِ‬ ‫غدير خم يوم كذا ؟ الم‬
‫اآليات التى تدل على امامتي ؟ أال تدرون ان االمامة امر الهي وليس شأنا‬
‫بشريا وانكم باجتماعكم هذا خالفتم امر ربكم ونقضتم وصية رسولكم ونكثتم‬
‫البيعة التي في اعناقكم؟ ثم ليس علي فحسب بل حتى الذين كانوا يؤيدونه من‬
‫‪ . 1‬ومن الجدير بالذكر ان هذه الحادثة وقعت في السنة العاشرة للهجرة ‪ ،‬بينما السورة بكاملها مكية‬
‫ونزلت قبل الهجرة فكيف فاتهم هذا ؟‬
‫‪ . 2‬هذا في زعم الشيعة وإالّ فالعدد اقل من ذلك بكثير ! وسواء كانوا مائة الف او اقل فالنتيجة واحدة‬
‫وهي ان احدا من هؤالء لم يشر الى هذه الحادثة ولم يحتج بها ولم يجعل منها وسيلة للطعن في اجتماع‬
‫السقيفة واختيار ابي بكر ‪ ،‬بل بالعكس كلما كان العددـ اكثر كانت الحجة على الشيعة اقوى ولكن الحق‬
‫احق ان يُقر وهو ان العدد اقل بكثير مما يدعيه الشيعة‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(54‬‬
‫اهل البيت والصحابة كابن عباس وعمار والمقداد وابي ذر الناطق بالحق‬
‫وصاحب اللهجة الصادقة كما يصفه الرسول (‪ 1 ) a‬لم ينطقوا ببنت شفة ولم‬
‫يذكر احد منهم تلك البيعة‪ .‬ماذا جرى للناس ؟! هل عقد الخوف لسانهم ؟ وم ّم‬
‫الخوف ولم يكتمل بعد البي بكر وعمر اسباب القوة والهيمنة وهما من اصغر‬
‫بطون قريش ؟ ولو سكت كل الناس لما سكت ابوذر ‪ :‬الصحابي الثائر‬
‫المعروف بمواقفه الصارمة والذي اقام الدنيا ولم يقعدها على ما هو اقل شأنا‬
‫بكثير من نكث عهد رسول هللا ومخالفة كتاب هللا ‪.‬‬
‫لو افترضنا جدالَ ان اهل المدينة لم يجرؤوا على ذكر الحقيقة‪ ،‬فما بال اهل‬
‫مكة وفيها بنو هاشم وبنو امية وهما من اكبر قبائل قريش ‪ ،‬وكانا معارضين‬
‫المارة ابي بكر‪ ،‬يسكتون عن مثل هذه المخالفة الكبيرة المر هللا وامر رسوله؟‬
‫ثم مابال مانعي الزكاة هل كانوا ايضا خائفين من النطق بالحقيقة ؟ الم يكن انفع‬
‫لهم ان يخرجوا على ابي بكر بحجة نقضه لعهد رسول هللا بدال من امتناعهم‬
‫عن دفع الزكاة ؟‬
‫انني كلما افكر في هذه المسالة تأخذني الدهشة واقول كيف يقنع الشيعة‬
‫انفسهم بأن الناس كلهم انقلبوا على علي وتواطئوا على كتمان قصة مبايعته في‬
‫غدير خم؟ الم يكن علي من اشجع الناس ؟ الم يكن معه بنوهاشم ؟ الم يعده‬
‫ابوسفيان بان يدعمه بعشيرته وان يمأل عليهم االرض خيال ورجاال إن أ ِذنَ‬
‫علي بذلك؟ ألم يجرؤ الناس على االمتناع عن دفع الزكاة ألبي بكر ؟ الم يرتد‬
‫كثير من العرب عن االسالم ؟ إذا تجرأ الناس على كل ذلك فما بالهم‬
‫اليتجرأون على ذكر وصية رسول هللا‪ a‬لعلي وبيعة الناس له في غدير خم؟‬
‫أيكون ابو بكر وعمر قد اسسا دولة بوليسية قبل وصولهم الى الحكم وأمسكوا‬
‫بزمام االمور بقبضة من حديد بحيث كمموا االفواه؟ التاريخ اليقول بذلك بل‬
‫يقول لنا أن االمور لم تستتب ألبي بكر االّ بعد شهور وان كثيرا من القبائل‬
‫وقفوا في وجهه وعارضوه‪.‬‬
‫ومن اغرب ما قرأت لتبرير هذا االمر ما كتبه محمد التيجاني التونسي‬
‫وال اذكر من اين اخذ استنتاجه هذا وذلك باختزال المشاركين المائة الف بالف‬
‫ثم بمائة ثم بعشرة ليبرر امكانية اجتماع العشرة على امر ما !‪ 2‬وهذا من‬
‫اعجب ما رأيته من التبريرات واالستدالالت التي ال يستسيغها اال من اعمى‬
‫التعصب بصره وطمس الهوى بصيرته‪.‬‬

‫‪" .1‬ما اقلت الغبراء وال اظلت الخضراء اصدق لهجة من ابي ذر" وستكون لنا وقفة طويلة مع مواقف‬
‫ابي ذر لما لها من دالالت مهمة في هذا المجال‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫?‪..‬ألكون من الصادقين ‪/‬محمد التيجاني السماوي‬
‫‪54‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(55‬‬
‫اما لماذا انصاع االنصار ألبي بكر بهذه السرعة فذلك يعود الى عدة اسباب‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ .1‬صحة ما قلناه من ان احد اسباب اجتماع االنصار كان خوفهم على‬
‫مصيرهم ومستقبلهم من تفرد المهاجرين باالمر واالستبداد بالحكم دونهم ‪،‬‬
‫ولكن بمجرد تأكيد ابي بكر على حفظ مكانتهم ووعده اياهم بان اليقطع امرا‬
‫دون مشورتهم زالت تلك المخاوف كلها لذا تخلَّوا عن سعد وسارعوا الى‬
‫مبايعة ابي بكر ألنهم يعلمون ان ابا بكر افضل لهم ولالسالم من سعد ‪.‬‬
‫‪ .2‬سرعة انصياع الصحابة للحق بعد ظهوره لهم ‪ .‬وهناك مواقف اخرى‬
‫للصحابة تدل على هذه الحقيقة منها ترك الزبير للمعركة وتخليه عن جيش‬
‫عائشة حين ذ ّكره علي بحديث لرسول هللا‪ ‬قاله للزبير في حينه وهو انه يقاتل‬
‫عليا وهو له ظالم ! فما أن سمعه الزبير من علي وتَ َذ ّكره حتى ترك ساحة‬
‫المعركة دون ادنى تردد ودون ان يقول وماذا اقول للذين حرضتهم للقتال‬
‫وجاؤوا بدعوة مني؟ او ماذا اقول للذين قُتلوا في هذا السبيل؟ الخ من االسئلة‬
‫التي قد ترد على الذهن وتكفي ألقناع المرء على المضي في طريقه ‪ .‬كذلك‬
‫طلحة بن عبيد هللا حين قال له علي ‪ :‬بم تجيب رسول هللا لو قال لك أتركت‬
‫ازواجك في بيتك وجئت بزوجة رسول هللا الى ساحات القتال ؟ فعرف طلحة‬
‫بأن الموقف سيكون صعبا لذلك انسحب هو اآلخر من ساحة المعركة فورا‪.‬أال‬
‫تدل هذه على طاعة الصحابة للرسول وتوقيرهم اياه ويقينهم بلقاء هللا ورسوله‪،‬‬
‫وعلى سرعة رجوعهم الى الحق وانصياعهم له؟‬
‫‪ .3‬شجاعة ابي بكر وعمر وشعورهم بالمسؤولية وثقتهم بانفسهم وباالنصار‪،‬‬
‫ثم عبقرية ابي بكر وقابليته على معالجة هذا االمر الخطير بهذه السرعة وبهذه‬
‫السهولة ‪ ،‬ومن هذا الموقف وغيره من المواقف يتبين ان ابابكر كان بحق‬
‫رجل المواقف الصعبة ‪ ،‬وانه كان من اعظم الصحابة واجلهم واكفئهم ‪.‬‬
‫‪ .4‬معرفة الصحابة لفضل ابي بكر ومكانته ‪ ،‬ولو ان احدا غيره حضر هذا‬
‫االجتماع لما تأتّى له ما تأتّى ألبي بكر من انصياع االنصار له ومبايعتهم اياه‬
‫بهذه السرعة وبهذه السهولة ‪ ،‬ولكن ابابكر لسنِّه ومكانته من رسول هللا ‪،‬‬
‫وكونه نائبا له على المسلمين في الصالة وفي الحج انصاع الصحابة له خالل‬
‫دقائق وبايعه الجميع عدا سعدا!‪.‬‬
‫‪ .5‬عدم وجود نص على احد بالخالفة وعدم وجود بيعة في اعناق الناس ألحد‪.‬‬
‫والسقيفة تدل على هذه الحقيقة من جهتين‪ :‬من جهة اسراع االنصار الى‬
‫االجتماع في السقيفة الختيار الخليفة ‪ ،‬ومن جهة اسراعهم الى مبايعة ابي بكر‬
‫بعد تلك المداولة القصيرة حول الخالفة‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(56‬‬
‫اما داللة السقيفة على عدم وجود نص أو بيعة ‪،‬أو كليهما ‪ ،‬وعدم وجود‬
‫نائب للرسول فواضح ‪ ،‬ألنه لو كان هناك شيء من ذلك القبيل لما اجتمع‬
‫الناس في السقيفة بل اجتمعوا حول علي مباشرة وانتظروا اوامره وتعليماته ‪،‬‬
‫ولما انشغلوا بالبحث عمن يولونه أمرهم ‪ .‬هذا ما يقتضيه العقل والمنطق ‪،‬‬
‫وهذا الذي كان يحدث في الماضي ويحدث في الحاضر وفي المستقبل ‪ ،‬فعند‬
‫موت رئيسس‪ ،‬أي رئيس ‪ ،‬سواءا كان رئيس دولة أو رئيس قبيلة ‪ ،‬ووجود‬
‫نائب معين له ‪ ،‬ال يذهب الناس الى بحث مسألة الرئاسة بل يلتفون حول نائبه‬
‫ويسلمون له القياد وفق دساتير البالد وأعراف القبيلة وال يجرؤ احد على‬
‫الخروج على تلك الدساتير أو االعراف والتقاليد إالّ إذا قلنا أن مجتمع الرسول‬
‫كان فوضى ال يحكمه ال دستور وال قانون وال أعراف ‪ ،‬وانه كان أقل شأنا‬
‫وأقل تنظيما حتى من أشد التجمعات البشرية بداوة ! ولكن الواقع ال يقول‬
‫بذلك‪ ،‬بل يقول بعكسه تماما ‪ ،‬وهو أن الرسول ‪ ‬أنشأ مجتمعا حضاريا راقيا‬
‫مدركا اشد االدراك لمعاني العقود االجتماعية والسياسية ولمعاني البيعة‬
‫والطاعة ولمعنى ولي االمر واالمير ‪..‬الخ ‪ ،‬وقد احدث نقلة نوعية في ذلك‬
‫المجتمع ورفعه ليس على المجتمع العربي المحيط به‪ ،‬بل وعلى كل‬
‫المجتمعات السائدة في ذلك العصر بما فيها الفرس والروم صاحبتي الحضارة‬
‫واالمبراطوريةـ ‪ ،‬وجعل منهم اساتذة االنسانية ‪ ،‬ليس لذلك العصر فحسب بل‬
‫لما تلتها من العصور ‪ ،‬وكان هذا وراء اسراع االمم الى اعتناق االسالم‬
‫بمجرد دخول االسالم الى بلدانهم ‪.‬‬
‫إذاً فاسراع االنصار الى االجتماع في السقيفة كان سببه عدم وجود نائب‬
‫معين من قبل الرسول ‪ ،‬ولو كان هنالك شيء من ذلك لما فعلوا ما فعلوه‪.‬‬
‫هذه بعض دالالت اسراع االنصار الى االجتماع في السقيفة ومن ثم مبايعة‬
‫ابي بكر ‪ ،‬فكلها كما رأيت امور مهمة تعطي صورة مضيئة لذلك المجتمع‬
‫الذي انشأه رسول هللا (‪ ،) a‬ولنتحدث بقليل من التفصيل عن هذا االمر‪:‬‬
‫قلنا ان االنصار اجتمعوا في السقيفة ‪ ،‬فما كادوا يشرعون في مبايعة‬
‫سعد بن عبادة حتى وصل الخبر الى ابي بكر وعمر‪ ،‬فسارعا الى السقيفة‬
‫وليس معهما من المهاجرين سوى ابي عبيدة بن الجراح ‪ ،‬ودون اخبار بقية‬
‫المهاجرين ومن غير خوف من عواقب ذهابهم الى مكان االجتماع بمفردهم ‪.‬‬
‫وقد لقيهم في الطريق اثنان من االنصار فأشارا عليهم بعدم الذهاب الى السقيفة‬
‫وابرام االمر مع المهاجرين خشية حدوث فتنة بينهم ‪ ،‬ولكنهم اصروا على‬
‫الذهاب بمفردهم‪ ،‬ودون خوف من عواقب ذلك او الخوف من نكال االنصار‬
‫بهم ‪ ،‬وهذا يدل على ثقتهم بأنفسهم وباالنصار ايضا وبايمانهم بمشروعية‬
‫‪56‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(57‬‬
‫عملهم ‪ ،‬اضافة الى داللته على شجاعتهم وربما على علمهم بمعرفة االنصار‬
‫لفضلهم ومكانتهم من االسالم ومن رسول هللا (‪.) a‬‬
‫يجب الوقوف امام هذا الموقف والتفكر فيه مليا ‪ :‬ماذا كان سيحدث لو‬
‫ُأخبر بقية المهاجرين بهذا االجتماع ؟ او ذهب جميع المهاجرين الى محل‬
‫الحادث؟ او دار النقاش بين جميع االنصار من جهة وجميع المهاجرين من‬
‫جهة اخرى‪ ،‬وكيف كان سيحسم االمر لو ترشح للخالفة اكثر من واحد من‬
‫المهاجرين؟ هذه االمور لم تحدث لذلك ال نستطيع الجزم بشيء ولكن يمكن‬
‫التكهن –بناءا على القرائن الكثيرة‪ -‬بان الناس لم يكونوا ليعدلوا بأبي بكر احدا‬
‫‪ ،‬صحيح انها كانت ستكون الزم في الحجة واقطع لحجة الشيعة ولكن االمر لم‬
‫يكن يحتمل التأخير ليبلغ جميع المهاجرين واللوم يقع على االنصار الذين‬
‫نظموا ذلك االجتماع بتلك السرعة ولم ينتظروا فراغ المسلمين من غسل ودفن‬
‫الرسول (‪ ) a‬وهللا سبحانه وتعالى ق ّدر ان تتم على هذه الصورةـ و ق ّدر هللا‬
‫وما شاء فعل‪.‬‬
‫وهناك سؤال آخر يرد على الذهن ‪ :‬لماذا امر رسول هللا ان يتولى‬
‫غسلَه رجال من اهل بيته ؟ ألعلمه بانه سيكون هناك خالف حول الخالفة بعد‬
‫موته فأراد ان ينشغل اه ُل بيته بغسله وتكفينه ليصرف عنهم الخالفة ؟ ال أرى‬
‫بأسا من تبني هذا الرأي اذا اصر الشيعة على القول بأن الرسول (‪ ) a‬اراد‬
‫ببعثة اسامة ابعاد كبار الصحابة عن المدينة ألخالء الجو لعلي (‪ )c‬فهذا من‬
‫ذاك ‪ ،‬وال فرق بينهما ‪ ،‬فاما ان نرفضهما جميعا او نقبلهما جميعا وال مرجح‬
‫ألحدهما على االخر ‪.‬‬
‫لقد ظهرت عبقرية ابي بكر بجالء في حادثة السقيفة كما ظهرت عليه‬
‫آثار التربية النبوية فاستطاع بصدق لهجته وقوة حجته ان يبدد تلك المخاوف‬
‫في كلمة قصيرة صادقة ألقاها على مسامع االنصار ‪ ،‬فما لبثوا بعدها ان‬
‫سارعوا الى مبايعته لما لمسوه من صدق لهجته وقوة دليله ولثقتهم بأنه‬
‫الص ّديق الذي اليخلف وعده‪ .‬لقد غلب ابو بكر سعدا بمنطقه االيماني ال‬
‫بعشيرته وال بأتباعه فهو كما قلنا لم يكن معه في ذلك المجلس سوى عمر وابي‬
‫عبيدة ‪.‬‬
‫نعم هنا تجلت عبقربة وكفاءة ابي بكر ‪ ,‬وهذا يُع ّد بحق من اعظم‬
‫مواقفه التى وقفها في نصرة االسالم اضافة الى مواقفه االخرى التي تعد كل‬
‫واحدة منها مفخرة من مفاخره ‪ :‬فوقوفه الى جانب الرسول ‪ a‬في مكة و‬
‫كذبه قومه ثم هجرته معه و تكريسه لماله و اهله لخدمة‬ ‫تصديقه اياه حين ّ‬
‫الرسول ثم وقوفه في الناس خطيبا بعد وفاة الرسول يبين لهم الحقيقة و مقولته‬
‫‪57‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(58‬‬
‫المشهورة ( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات و من كان يعبد هللا فأن هللا‬
‫حي ال يموت ) ثم وقوفه في وجه المرتدين‪ ،‬و تجهيزه لجيش اسامة ‪،‬‬ ‫ٌّ‬
‫وشروعه في الفتوحات االسالميه ‪،‬و نشره لالسالم ثم جمعه للقران الكريم و‬
‫اخيرا توليه لعمر بن الخطاب الفاروق الزاهد العابد العادل ‪ ،‬كل هذه تعد من‬
‫مفاخره ومن أفضاله على هذه االمة رحمه هللا رحمة واسعة ورضي عنه‬
‫ورفع درجته في اعلى ِعلِّيين‪.‬‬
‫لقد كان اسلوب ابي بكر في حل النزاع في السقيفة من احكم و اروع‬
‫االساليب التي يجب على القادة ان يتبعوها ‪ ,‬فهو بعد ان تفهّم دوافع االنصار‬
‫في االسراع الى هذا االجتماع بدأ يتحدث اليهم بأسلوب الطبيب الحاذق الماهر‬
‫الذي يشخص الداء ثم يصف له الدواء الناجع‪.‬‬
‫لقد بدأ ابو بكر حديثه باالقرار بفضائل االنصار ومواقفهم ‪ ،‬وما قدموه‬
‫لالسالم من تضحيات ‪ ،‬وما كان لهم من مكانة في قلب النبـي (‪ ) a‬واق ّر لهم‬
‫بكل مزاياهم ‪ ،‬ثم ذكر المهاجرين وفضلهم ومواقفهم وما تحملوه في سبيل هللا‬
‫وما القوه من قريش ‪ ،‬ثم ذكر ثقل مكة في الجزيرة العربية ومكانة قريش بين‬
‫العرب وسهولة انصياع الناس لهم‪ ،‬ثم أ ّكد لهم بأنهم لن يقضوا امرا دونهم ‪.‬‬
‫هنالك انتبه االنصار واطمأنوا بأن مكانتهم ستبقى محفوظة وحقوقهم تبقى‬
‫مضمونة وانه سيكون لهم دور مستقبلي ال يقل عما كان عليه في عهد الرسول‬
‫(‪ ) a‬لذلك رضوا بامامة ابي بكر وسارعوا الى مبايعته!‪.‬‬
‫بهذا االسلوب الرائع الصادق النابع من القلب والذي المس شغاف‬
‫القلوب خاطب ابوبكر االنصار واستطاع ان يحسم ذلك الخالف وان يُجنِّب‬
‫المسلمين مخاطر فتنة كانت على وشك الحدوث والتي ما كان يعلم مداها االّ‬
‫هللا سبحانه وتعالى ‪ .‬ولك ان تتخيل لو ان تلك المشكلة لم تحل بتلك السرعة‬
‫والعرب حديثو عهد باالسالم وقد ارتد اكثرهم فيما بعد ‪ ،‬كيف كان سيكون‬
‫حال المسلمين ؟‪ .‬اال يدعوك هذا الى القول بان ابابكر كان من نعم هللا على هذه‬
‫االمة وانه كان قدرا من اقدار هللا حفظ هللا به وحدة المسلمين وحافظ به على‬
‫دينه ‪.‬‬
‫رد شبهة‪:‬‬
‫قد يقول قائل ان ابابكر استفاد من اختالف االوس والخزرج ‪ ،‬وان االوس‬
‫ارادوا تفويت الفرصة على الخزرج بمبايعتهم البي بكر‪ . 1‬وهذا يكذبه امور‪:‬‬

‫‪ . 1‬ذكرها الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه " السقيفة"‪.‬‬


‫‪58‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(59‬‬
‫اوال‪ :‬استجابة االوس لدعوة الخزرج لالجتماع في السقيفة وعدم حدوث نزاع‬
‫بينهم على الخالفة قبل وصول المهاجرين وعدم اعتراضهمـ على مبايعة سعد‬
‫بن عبادة ‪.‬‬
‫كان بامكان االوس ان يبرموا اتفاقا مع الخزرج على تداول السلطة فيما بينهم‬
‫ولكنهم لم يفعلوا ذلك مما يدل على انه لم يكن بينهم من يرونه اهال للخالفة‬
‫بعكس الخزرج الذين برز فيهم سعد بن عبادة ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬واهم من ذلك أن الذي أفسد االمر على سعد بن عبادة كان خزرجيا ولم‬
‫يكن َأوسيا‪ ،‬وهو بشير بن سعد الخزرجي‪ ،‬وان الدافع كان دينيا وليس دنيويا‬
‫وقد ظهر ذلك جليا في جواب بشير بن سعد للحباب بن المنذر حين قال له‬
‫حباب انفست على ابن عمك الخالفة ؟ قال بشير‪ :‬ال وهللا‪ ،‬ولكني رأيت هؤالء‬
‫لها اهال فلم اُرد ان اُنازع القو َم حقَّهم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬متابعة الخزرج لالوس في مبايعة ابي بكر ‪ ،‬فلو كان ما يقوله الشيعة‬
‫صحيحا َ من ان االوس ارادوا تفويت الفرصة على الخزرج ألحدث ذلك ردة‬
‫فعل عند الخزرج ولدفعهم الى مخالفة االوس والبحث عن رجل آخر لمبايعته‬
‫‪ .‬هذا هو طبع البشر ولكن متابعة الخزرج لالوس لمبايعة ابي بكر يدل على‬
‫ان االمر لم يكن بالشكل الذي يصوره الشيعة‪.‬‬
‫ولو كان ما يزعمه الشيعة ‪ ،‬من وجود نزاع بين االوس والخزرج ‪ ،‬صحيحا‬
‫ل ُع ّد هذا دليال قويا على عدم وجود مرشحين آخرين للخالفة فضال عن وجود‬
‫النص والبيعة ‪ .‬فليس وجود النص والبيعة وانما مجرد وجود اشخاص آخرين‬
‫مرشحين للخالفة او مؤهلين اكثر من ابي بكر لكان كافيا لحمل الخزرج على‬
‫االمتناع عن متابعة االوس في مبايعة ابي بكر‪.‬‬
‫اما ما قاله اسيد بن حضير فكان بعد مبادرة بشير بن سعد الخزرجي وبعد‬
‫اقتناعهم بمنطق ابي بكر وحجته فلم يريدوا ادامة الخالف ورأوا ان ابابكر‬
‫افضل لهم من سعد واولى بها منه ‪.‬‬
‫انني اجزم بان ما حدث في السقيفة كان بتقدير هللا ومن ألطافه بهذه االمة التي‬
‫قال عنها" كنتم خير امة اخرجت للناس" لتقوم باداء رسالتها على خير وجه‬
‫وقد ادرك ابو هريرة هذه الحقيقة لذلك اقسم ثالث مرات انه لوال َأبُو بَ ْك ٍر‬
‫ت ُأ ّمةُ ُم َح ّم ٍد َعلَ ْي ِه ال ّسال ُم بَ ْع َد نبـيهَا‪. .‬‬
‫لَهَلَ َك ْ‬
‫ان اجتماع المسلمين على ابي بكر بهذه السرعة وسكوت االصوات‬
‫المعارضة يدل على عدة امور ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫اوال‪ :‬عدم وجود نص على احد وال بيعة في عنق احد‪ .‬اذ لو كان هناك نص‬
‫على احد او بيعة في اعناق الناس الحد لما هدأت هذه االصوات المعارضة‬
‫‪59‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(60‬‬
‫بهذه السرعة ولما سكت صاحب هذا الحق بهذه السهولة ‪.‬فان كان سعد بن‬
‫عبادة قد رشحه قومه لهذا المنصب لم يسكت بسهولة وظل ممتنعا عن مبايعة‬
‫ابي بكر وعمر وامتنع عن الصالة خلفهم والحج معهم ‪ ،‬كيف يسكت من‬
‫رشحه هللا ورسوله لمنصب الخالفة وقد اخذ امره بُعداً دينيا ؟‬
‫ثانيا‪ :‬يدل على نضج هذا المجتمع وتشبعه بتعاليم االسالم ورضوخه لمنطق‬
‫الحق وايثاره لمصلحة االسالم على المصالح الشخصية والقبلية والوطنية‪.‬‬
‫وهذه النقطة سنتحدث عنها بشيء من التفصيل فيما بعد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يدل على مكانة ابي بكر وفضله ‪ ،‬فلو لم يتمتع ابوبكر بتلك المنزلة‬
‫والمكانة لما انقاد الناس له بتلك السهولة وال سيما اذا عرفنا انه كان من‬
‫اصغر بيوتات قريش كما عبر عن ذلك ابو سفيان عشية سماعه خبر‬
‫استخالف ابي بكر‪.‬‬
‫دالالت السقيفة مع افتراض وجود النص والبيعة‬
‫اما اذا افترضنا أن االمامة شأن إلهي وانه اُنزل فيها نصوص قرآنية‬
‫وأنه كانت هناك وصية من رسول هللا (‪ )r‬لعلي وبيعة في اعناق الناس له‬
‫ألصبح الجتماع الصحابة في السقيفة دالالت اخرى كثيرة مغايرة للتي‬
‫ذكرناها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ضعف ايمان الصحابة وقلة تقواهم وتهاونهم في امور الدين وحبهم للدنيا‬
‫وتنافسهم عليها ومخالفتهم هلل والرسول‪ ،‬والشيعة يذهبون الى ابعد من ذلك‬
‫فيرمونهم باالرتداد والنفاق ‪ ،‬فلو كانوا مؤمنين حقا واتقياء لما عصوا هللا‬
‫ورسوله ولما ظلموا عليا و تآمروا عليه واغتصبواـ حقه ‪ ،‬ولما اجتهدوا في‬
‫مسألة دينية فيها نص ولما نقضوا البيعة التي اعطوها لعلي في غدير خم ‪.‬‬
‫‪ -2‬ضعف الرسول وعدم هيمنته على اصحابه ومجتمعه (حاشاه )‪ ،‬اذ لو كان‬
‫مهيمنا عليهم لنصب عليا قبل موته وألعلنه ايام مرضه ولجمع الناس في‬
‫المسجد واعلن ذلك على المأل رغم انف المعارضين‪ ،‬ولم يكن بحاجة الى‬
‫التحايل على الصحابة بزجهم في جيش اسامة ليبعدهم عن المدينة ليخلو الجو‬
‫لعلي بعد وفاته فيعود هؤالء وقد اُبرم االمر لعلي واسقط في أيديهم ‪ ،1‬ويدل‬
‫ايضا على ان ابا بكر وعمر كانا اقوى منه حين ابرما االمر لمن خلفهما دون‬
‫الخشية من احد‪ .‬وال اظن ان منصفا سيماري في هذه المسالة ويقول بأن لجوء‬
‫الرسول الى هذه الوسيلة ثم نقض الصحابة لعهده ليس دليال على ضعفه ‪ ،‬وان‬
‫سبب عدم اتخاذه تلك االجراءات التي ذكرناها هو مرضه ‪ ،‬فالمرض ال يقلل‬
‫‪ ? .1‬هذا هو تحليل الشيعة لبعثة اسامة وسوف نتحدث عنه فيما بعد بالتفصيل وانظر الى كتاب السقيفة‬
‫لمحمد رضا المظفر والمراجعات لشرف الدين عبد الحسين الموسوي موضوع بعثة اسامة‬
‫‪60‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(61‬‬
‫من هيمنة القادة االقوياء المطاعين ‪ .‬أال ترى ان كثيرا من الخلفاء قد عهدوا‬
‫الى غيرهم في حال مرضهم وقبل موتهم وان ذلك لم يكن مانعا من تنفيذ‬
‫وصاياهم وابرام عهودهم‪.‬‬
‫اذاً‪ ،‬لو كان الرسول (‪ )r‬قويا ومهيمنا على مجتمعه ومطاعا فيهم لما‬
‫استطاع احد ان ينقض عهده او ير ّد امره ‪ .‬وهذا الطعن في الرسول (‪ )r‬من‬
‫الخطورة ما تعلم ومناف للحقيقة كما سنبـينه فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -3‬فشله (حاشاه ‪ )r‬في التأثير على الناس وتغييرهم وتزكيتهم وتربيتهم !‬
‫وهذا هو مقتضى قول الشيعة ان الصحابة كلهم ارتدوا بعد وفاة رسول هللا االّ‬
‫ثالثة ‪ -‬او سبعة في احسن االحوال ‪ -‬اذ لو كان الرسول قد نجح في التأثير‬
‫على الناس ونجح في تغييرهم لما تواطئوا جميعهم على كتمان النص ونقض‬
‫العهد واالنقالب على من ارتضاه هللا ورسوله ليكون أميرا عليهم ولرضواـ بما‬
‫رضيه هللا ورسوله لهم ال سيما الذين صاحبوه منذ البداية الن هللا يقول ‪":‬‬
‫وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة" ‪ ،‬ويقول ‪" :‬ماكان لمؤمن‬
‫وال مؤمنة اذا قضى هللا ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم" ويقول‬
‫أن يقولوا‬ ‫ايضا‪" :‬انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى هللا ورسوله ليحكم بينهم ْ‬
‫سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون " النور‪51/‬‬
‫لو كان هناك مجموعة كافية من االتقياء وممن تشبعوا بتعاليم االسالم‬
‫لوقفوا في وجه من يريد ان يخالف امر هللا في مسألة دينية مهمة ويريد أن‬
‫يصرف الحق عن اهله ويجتهد في معرض النص ‪ .‬فكما انه لم يستطع احد ان‬
‫يجتهد في شأن الخمر ويـحلّه ولو فعله لوقف الناس كلهم في وجهه‪ ،‬كذلك لما‬
‫استطاع احد ان يب ّدل امرا دينيا مهما وخطيرا كاالمامة التى يزعم الشيعة انها‬
‫ركن من اركان االيمان ‪ .‬فلو كانت االمامة بهذه االهمية فكيف لم يعترض‬
‫المؤمنون على من اعتدى عليها وجعلها امرا دنيويا وغصبها من صاحبها؟‬
‫انك ترى اليوم حربا شعواء بين االسالميين الذين يدعون الى تحكيم شريعة هللا‬
‫والعلمانيين الذين يدعون الى تنحية شرع هللا و تحكيم القوانين الوضعية ‪ ،‬فهل‬
‫كان الصحابة الذين رباهم رسول هللا ‪ r‬أق ّل غيرة على االسالم ممن جاؤوا‬
‫بعدهم بألف واربعمائة سنة؟‪ .‬ان اجتماع االنصار في السقيفة ثم لحاق‬
‫المهاجرين بهم وبحث مسألة الخالفة مع وجود النص والبيعة ثم مبايعة ابي‬
‫بكر بالخالفة ورضوخ الصحابة لهذا االمر‪ ،‬اال قليال منهم‪ ،‬يدل على رضى‬
‫الصحابة بتبديل شرع هللا ‪ ،‬وعدم ظهور معارضة ‪ ،‬الشديدة وال ضعيفة ‪ ،‬يدل‬
‫على تواطئهم على مخالفة النص ونقض البيعة ‪ ،‬وهذا لعمري –لو صح – ل ُع ّد‬

‫‪61‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(62‬‬
‫اكبر دليل على فشل الرسول (‪ )r‬في مهمته وعدم تمكنه من تكوين مجموعة‬
‫صالحة يعتمد عليهم في نشر دينه وتبليغ رسالته‪.‬‬
‫ألم تكن مهمة الرسول ‪ r‬تعليم المؤمنين الكتاب والحكمة وتزكيتهم كما‬
‫أخبر هللا تعالى في مواطن عديدة من كتابه؟ ‪ 1‬فهل نجح في تحقيق هذا المهام‬
‫ام ال؟ هذا يجيب عليه القرآن والتاريخ والمنطق‪ .‬فالقرآن يثني عليهم في مواقع‬
‫كثيرة وباسلوب واضح صريح ال يدع مجاال للشك ‪ ،‬ويذكر لنا أن هللا قد‬
‫رضي عنهم ووعدهم جنات تجري من تحتها االنهار وليس جنة واحدة وأمر‬
‫من يأتي بعدهم باتباعهم ‪ ،‬والتاريخ يذكر لنا انهم وقفوا في وجه المرتدين‬
‫وردوهم الى حظيرة االسالم وجمعوا القرآن وفتحوا البلدان ونشروا االسالم‬
‫ونقلوا نور االسالم وتعاليمه الى العالم ‪ ،‬والمنطق يقضي بكونهم من خيرة‬
‫البشر ألن استاذهم ومربيهم هو الرسول ‪ r‬ومنهجهم هو كتاب هللا ينزل عليهم‬
‫غضا طريا ويوجههم خطوة خطوة ‪.‬‬
‫‪ -4‬جهل الرسول ‪ ( r‬حاشاه) باصحابه وعدم تمييزه بين صالحهم وطالحهم‬
‫وعدم معرفته المؤمنين الحقيقيين من غير الحقيقيين وعدم تمييزه بين طالب‬
‫الدنيا وطالب اآلخرة ‪ ،‬لذلك لم يكن يعرف من يُق ّدم منهم ومن يُؤ ّخر‪ ،‬ومن‬
‫يُقرّب ومن يُبعّد‪ ،‬وعلى من يعتمد وعلى من اليعتمد‪ ،‬النه كما هو معلوم ان‬
‫اقرب الناس اليه كان ابا بكر ثم عمر ثم عثمان مع علي طبعا وقد صاهرهم‬
‫جميعا فتزوج من بنات اثنين منهم وزوج اآلخ َرين بناته وليس هذا فحسب فانه‬
‫زوج عثمان احدى بناته وظل ال يعرف حقيقته طوال الفترة التي قضاعا مع‬
‫رقية فزوجه الثانية ‪ ، 2‬فكان هؤالء االربعة من اقرب الناس اليه والى‬
‫مجلسه‪ ،‬وربما يقول الشيعة انه كان يعرفهم ولكنه صاهرهم ليأمن شرهم‬
‫‪(. 1‬هو الذي بعث في االميين رسوال منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا‬
‫من قبل لفي ضالل مبين) الجمعة‪2/‬‬
‫( كما أرسلنا فيكم رسوال منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا‬
‫تعلمون) البقرة‪151/‬‬
‫( لقد من هللا على المؤمنين إذ بعث فيهم رسوال من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب‬
‫والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبين) آل عمران ‪164/‬‬
‫( ربنا وابعث فيهم رسوال منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز‬
‫الحكيم) البقرة‪129 /‬‬
‫‪ . 2‬بعض علماء الشيعة يحاولون انكار كون رقية وام كلثوم وزينب من بنات الرسول ومن صلبه وهم مع‬
‫ذلك ليسوا على قول واحد فمنهم من يقول انهن كن بنات خديجة من زوجها االول وبعضهم يقول انهن‬
‫كن بنات هالة اخت خديجة وكن في ذمة خديجة! وهذا يشبه قول بعضهم ان الذي كان مع النبـي في‬
‫الغار لم يكن ابابكر الصديق ! والتكلف في كلتا الحالتين واضح وهو مخالف لما اجمع عليه اهل السير ‪.‬‬
‫وهذا يدل على ان الشيعة ال يسعون الى الوحدة والتقارب مع السنة لذلك يعمدونـ الى كل ما هو متفق‬
‫عليه بينهم يغيرونه ويبدلونه!‬
‫‪62‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(63‬‬
‫ويتحاشى مكرهم‪ ، 3‬وهذا اتهام له بالضعف وعدم الهيمنة على مجتمعه وعدم‬
‫رضوخ الناس له وهذا لعمري أشنع من االول ‪.‬‬
‫‪ -5‬ضعف علي ‪t‬وجبنه(حاشاه) ‪ ،‬الن االقوياء ال احد يجرؤ على االعتداء‬
‫عليهم وسلب حقوقهم وان كانوا مكروهين من قبل الناس‪ ،‬فان اغلب االشداء‬
‫مكروهون من قبل الناس اال من كانت شدته على االعداء ال على االصحاب‬
‫واالتباع ‪ ،‬وفي الحق ال في الباطل‪ .‬فلو كان علي (‪)t‬قويا وشجاعا لما استطاع‬
‫احد ان يفكر ‪ ،‬مجرد التفكير‪ ،‬في الخالفة ناهيك عن انتزاعها منه أو صرفها‬
‫عنه ‪ .‬ولكن عليا لم يكن ال جبانا وال ضعيفا بل كان من اشجع الفرسان واقوى‬
‫االبطال وكان من عشيرة بني هاشم ومن اهل بيت النبـي‪ r‬وهذه االمور تزيده‬
‫قوة الى قوته وتعزز موقفه وموقعه ‪.‬‬
‫‪ -6‬ويدل أيضا ً على أن عليا عالوة على ضعفه وجبنه كان مكروها من قبل‬
‫الناس ‪ ،‬لذا لم يرحب احد بخالفته وتواطئوا جميعا على خلعه وتنصيب غيره‬
‫النه لو كان محبوبا من الناس لما تواطئوا على خلعه ولما احجم كل الناس‬
‫عن التذكير بحقه في الخالفة‪ ،‬فقد يكون االنسان ضعيفا ولكن الناس يقبلونه‬
‫اميرا لحبهم له‪.‬‬
‫هذه ست دالالت على اجتماع الصحابة في السقيفة فيما لو كان هناك‬
‫نص وبيعة اردت ان اثبتها اوال ثم آتي الى مناقشتها فيما بعد ‪ ،‬وهي كما ترى‬
‫مترابطة ومتداخلة وال يمكن فصلها عن بعضها ‪ ،‬فهي طعن في الرسول‬
‫والصحابة وعلي في آن واحد‪ .‬فقلة ايمان الصحابة ال تؤثر شيئا لو كان‬
‫الرسول قويا ومهيمنا عليهم او كان علي شجاعا وقويا ومهابا ‪ ،‬فال يمكن‬
‫االقتصار على امر دون آخر فكلها دالالت حتمية الجتماع السقيفة فيما لو كان‬
‫هناك نص او بيعة فما بالك بالنص والبيعة معا ‪ ،‬فوجود واحد منهما‪ -‬اي‬
‫النص والبيعة‪ -‬يكفي للقول بهذه الدالالت الستة فكيف بهما جميعا ‪.‬‬
‫واآلن نأتي الى مناقشة هذه االمور ونرى مدى صحتها ‪ ،‬فاذا اثبتنا‬
‫صحتها فحينئذ نسلم بوجود النص والبيعة ‪ ،‬اما اذا اثبتنا خطأها وفسادها‬
‫فعندئذ يسقط القول بوجود النص او البيعة وتسقط هذه الفرضية وبذلك يكون‬
‫اجتماع السقيفة دليال على صحة ما فعله الصحابة ودليال على ان اختيار‬
‫الخليفة موكول الى االمة وليس امرا الهيا‪.‬‬

‫‪.3‬مثل هذه التبريرات الباردة التي تدل على عدم احترام عقول الناس جاهزة عندهم في مثل هذه المواقف‬
‫‪ ،‬مثال في سبب اصطحاب ابي بكر في الهجرة يقولون انه اصطحبه لكي ال يخبر عنه ‪ ،‬وفي سبب‬
‫سكوت على على ضرب فاطمة يقولون انه سكت ولم يدافع عنها الن النبـي امره ان يصبر وال يدافع‬
‫عنها ‪ ،‬وهكذا الخ ‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(64‬‬
‫وقبل البدء بدراسة هذه الدالالت يجب ان نقر بان الشيعة يقولون‬
‫باثنتين منها ‪ :‬اولهما القول بان الصحابة خالفوا امر هللا ورسوله ونبذوا النص‬
‫ونقضوا العهد وتآمروا على علي وانقلبوا عليه ‪ ،‬و ثانيهما القول بان عليا كان‬
‫مكروهامن قبل كثير من الناس ألنه قتل صناديد قريش وابطالهم ‪ ،‬لذلك حقدوا‬
‫عليه وتآمروا عليه‪ 1.‬ولكن كما قلنا اليمكن الفصل بين هذه الدالالت‬
‫واالقتصار على بعضها دون بعض فكلها مترابطة ومتداخلة ومتماسكة وكلها‬
‫بنفس القوة من حيث داللتها ‪.‬‬
‫ولنبدأ اآلن بمناقشة هذه الدالالت واحدة واحدة‪:‬‬
‫اوال‪ :‬ما يخص الصحابة بانهم لم يكونوا متقين ولم يتمكن االيمان من قلوبهم‬
‫لذلك آثروا الدنيا ونقضوا البيعة ور ّدوا نصوص الكتاب والسنة ‪ ،‬نقول‪ :‬هذا‬
‫القول ينقضه الكتاب والسنة واقوال علي في الصحابة وينقضه العقل والمنطق‬
‫والتاريخ وحياة الصحابة‪.‬‬
‫اما ادلة الكتاب والسنة فسوف نقتصر على القرآن ولن نتطرق الى السنة االّ‬
‫عند الضرورة على الرغم من كثرة االحاديث التي وردت في شأن الصحابة‬
‫وان كان ال يُلتفت الى موقف الشيعة من تلك االحاديث ألنهم لم يقبلوا اي‬
‫حديث في مدح الصحابة كما لم يرفضوا اي حديث في مدح من يسمونهم ائمة‬
‫اهل البيت ‪ ،‬وهذا فيه ما فيه من االدلة على انصاف اهل السنة وتعصب‬
‫الشيعة ‪ ،‬ولكن مع ذلك سوف لن نذكر االحاديث التي وردت في فضائل‬
‫الصحابة ونركز على اقوال علي وابنائه فانها الزم في الحجة‪.‬‬
‫اوال‪ :‬ادلة القرآن‪:‬ـ‬
‫قبل ان نذكر االيات التي تتحدث عن الصحابة يجب ان نشير الى حقيقة مهمة‬
‫ال يماري فيها احد ‪ ،‬وهي ان القرآن يُعد اصدق وثيقة تاريخية للفترة التي نزل‬
‫فيها والمجتمع الذي نزل فيه‪ ،‬و فيه صورة واضحة لذلك المجتمع الذي عاش‬
‫فيه الرسول (‪ )r‬وصورة دقيقة عن شرائحه بجميع اطيافه من المؤمنين‬
‫والمشركين والمنافقين والنصارى واليهود‪ .‬فانه يتحدث عن الجماعة المسلمة‬
‫ونشأتها والمخاطر التي واجهتها وعن صفات المؤمنين ومابذلوه من اجل‬
‫نصرة دينهم ورسولهم وعن الجهود التي بذلها الرسول الكريم في تربية ذلك‬
‫الجيل وتنشأتهم على المباديء والقيم والمفاهيم واالخالق االسالمية ‪ .‬بناء‬
‫كون‬‫عليه نقول انه اليجوز غض الطرف عن هذه الوثيقة الصادقة والدقيقة ونُ ِّ‬

‫‪ .141‬ويضيف بعضهم كشرف الدين الموسوى في مراجعاته سببا آخر وهو القول بأنهم كانوا يحسدونه‬
‫على ما آتاه هللا من فضله لذلك تآمروا عليه والحسد جزء من الكراهية ‪ ،‬فلو أحبوه ما حسدوه ‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(65‬‬
‫في اذهاننا بعيدا عنها‪ -‬أي القرآن‪ -‬صورة لذلك المجتمع مغايرة تماما لتلك التي‬
‫يرسمها القرآن‪.‬‬

‫منهج الشيعة في التعامل مع القرآن‬


‫وقبل البدء بسرد اآليات التي تتحدث عن الصحابة من الضروري أن أذكر‬
‫منهج الشيعة في التعامل مع القرآن عموما وفيما يتعلق بالصحابة خصوصا ‪:‬‬
‫‪.1‬ان الشيعة بنوا عقيدتهم في االمامة على ادلة عقلية ‪ ،‬حيث جعلوها من‬
‫االلطاف االلهية وجعلوها كالنبوة او أعلى شأنا من النبوة واوجبوا على هللا‬
‫نصب االئمة بعد رسول هللا ‪ a‬ثم اوجبوا لهم صفات كالعصمة ‪ ،‬وعلم ما كان‬
‫وما يكون ‪ ،‬والخالفة التكوينية والقدرة الخارقة وغيرها من الصفات التي‬
‫ترفعهم عن مستوى البشر ‪ ،‬ونسبوا روايات الى االئمة بهذا الشأن ‪ ،‬ثم جاؤوا‬
‫الى القرآن يبحثون فيه عما يؤيد تلك المقررات العقلية فلما لم يجدوا آيات‬
‫صريحة تسعفهم وتؤيد وجهة نظرهم عمدوا الى تأويل اآليات القرآنية تأويال‬
‫تعسفيا يمكنهم من االستدالل بها على تلك المعتقدات ‪ ،‬فتركوا المحكمات من‬
‫االيات واتبعوا المتشابهات ‪ ،‬ونهجوا في هذا السبيل نهجا غريبا وعجيبا ‪،‬‬
‫فانهم لالستدالل على اهمية االمامة يستشهدون بآيات يرد فيها لفظ االمامة‬
‫وكأن ورود لفظ االمامة في القرآن يكفي الثبات اهميتها أو على انها ركن من‬
‫اركان الدين وأنها تكون بالنص ‪..‬الخ !!‪.‬‬
‫وحين يقال لهم ان االمامة مثال رغم كونها من اركان االيمان حسب‬
‫زعمكم فإن القرآن لم يبينها ‪ ،‬يقولون ان الصالة وهي ركن من اركان االسالم‬
‫لم يبين القرآن تفاصيلها وانما فصلتها السنة النبوية ناسين أو متناسين أن‬
‫الصالة وان لم يبين القرآن تفاصيلها إالّ انه بين أهميتها ووجوبها على‬
‫المسلمين وأن من لم يؤدها يأثم ويحاسب ‪ ،‬وذكر شروط اتيانها من الطهارة‬
‫والخشوع والتوجه الى القبلة ‪ ،‬وذكر بعض أركانها كالركوع والسجود وقراءة‬
‫القرآن فيها ‪ ،‬ولكن االمامة لم يرد في حقها مثل هذه االمور من كونها امرا‬
‫دينيا او انها من اركان االيمان او االسالم ولم يذكر ضمن اآليات التي تتحدث‬
‫عن اسباب النجاة ودخول الجنة الخ ‪ .‬وكذلك الحال بالنسبة للزكاة والصوم‬
‫والحج وغيرها من الواجبات الدينية فقد وردت آيات في بيان فرضيتها‬
‫واهميتها وبينت بعض احكامها‪.‬‬
‫‪ .2‬انهم يتعاملون مع النصوص واألحداث بهذه المفاهيم التي قرروها مسبقا‬
‫وال يدعون هذه النصوص تحدد لهم مفاهيمهم بل يقررون مبادءهم ثم يبحثون‬
‫لها عما يؤيدها من القرآن والسنة كاالمامة‪ ،‬وكذلك يريدون بهذه المقررات‬
‫‪65‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(66‬‬
‫المسبقة ان يحددوا معاني ودالالت النصوص إن كانت قرآنية ويحددوا صحتها‬
‫ودالالتها إن كانت نبوية ويحددوا دالالتها إن كانت من األحداث التي اليجدون‬
‫الى إنكارها سبيال ‪ ،‬فمثال حين يأتون الى القرآن الكريم ويجدونه يتحدث عن‬
‫أبي بكر الصديق ويسميه صاحب رسول هللا ال يسلمون به دليال على فضل‬
‫ابي بكر ألنه متهم عندهم ‪ ،‬إذن يجب أن تؤ ّول اآلية تأويال يتفق مع ما هو‬
‫مقرر عندهم فيقولون ‪ :‬ان لفظ "الصاحب" اليدل على فضل أبي بكر ألنه قد‬
‫يصحب المؤمن كافرا ويصحب الكافر مؤمنا ويضربونـ بذلك مثال صاحب‬
‫الجنة المؤمن الذي قال لصاحبه الكافر (أكفرت بالذي خلقك ‪ )...‬دون النظر‬
‫إلى الفارق بين الحالتين وإلى القرائن التي تحدد مدلول كلمة الصاحب في كل‬
‫من اآليتين أو النظر إلى سياق اآليتين‪.1‬‬
‫في سورة التوبة تتحدث اآلية عن رسول هللا (‪ ) a‬مع صاحب له إختاره‬
‫خصيصا ليصحبه في رحلة الهجرة الشاقة هربا من أهل م ّكة فيخرجان‬
‫مختفيين يخافان أن يدركهما المشركون الذين يتبعون اثرهما فيزداد قلق أبي‬
‫بكر فيقول له رسول هللا (‪( ) a‬التحزن إن هللا معنا ) فداللة اآلية واضحة على‬
‫أن اإلثنين مؤمنان وأن هللا معهما‪،‬والمعية هنا خاصة وهي معية التاييد‪ ،‬وهي‬
‫واضحة الداللة على فضل ابي بكر ‪ ،‬بينما في سورة الكهف فان اآلية صريحة‬
‫في أن الرجل كافر (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن ان تبيد هذه ابدا‬
‫‪....‬قال له صاحبه أكفرت بالذي خلقك من تراب ‪ )..‬فالرجالن هنا أحدهما‬
‫مؤمن واآلخر كافر ‪ .‬وللشيعة تأويالت غريبة وعجيبة حول استصحاب‬
‫الرسول (‪ ) a‬ألبي بكر في هجرته ليس هنا محل نقاشها ولكن اشير الى اتفهها‬
‫وهى ان الرسول(‪ ) a‬استصحبه معه لكى ال يخبر المشركين بهجرته‬
‫‪2‬‬
‫ومكانه‪!.‬‬
‫‪ .3‬ان الشيعة لم يكتفوا بجعل االمامة ركنا من اركان الدين بل جعلوها محور‬
‫االسالم وبنوا عليها آثارا خطيرة كتكفير منكر االمامة او منكر امامة واحد من‬
‫االئمة ونسبوا روايات الى ائمة اهل البيت تقول ‪:‬‬
‫" نزل القرآن اثالثا ثلث فينا وفي عدونا وثلث سنن وامثال وثلث فرائض‬
‫واحكام "‬

‫‪1‬‬
‫? ‪ .‬انظر على سبيل المثال تفسير عبد هللا شبر في تفسيره لهذه اآلية من سورة التوبة‬
‫‪. 2‬يقول الشيخ محمد حسن المظفر في كتاب دالئل الصدق ص ‪" 405‬ان النبـي استصحب ابابكر في‬
‫هجرته خشية ان يدس عليه عند المشركين ‪ ،‬وان آية الغار نص في ذم ابي بكر ال في مدحه! ولقد لقي‬
‫النبـي منه البالء!!‬
‫‪66‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(67‬‬
‫"قال ابو جعفر يا خيثمة القرآن نزل أثالثا ثلث فينا وفي أحبائنا ‪ ،‬وثلث في‬
‫اعدائنا وعدو من كان قبلنا وثلث سنة ومثل‪"..‬‬
‫"نزل القرآن على اربعة ارباع ربع فينا ‪ ،‬وربع في عدونا ‪ ،‬وربع في فرائض‬
‫واحكام ‪ ،‬وربع سنن وامثال ولنا كرائم القرآن" تفسير العياشي ‪/‬المقدمة‬
‫ولهذا جعلوا جل جهودهم في الدراسات القرآنية هو اكتشاف اآليات التي تدل‬
‫على امامة االئمة او التي نزلت في االئمة ‪ .‬من هنا ترى ان االيات التي يستدل‬
‫بها الشيعة على االمامة تزداد يوما بعد يوم وفي كل يوم تظهر آيات جديدة‬
‫لتدل على امامة ائمة اهل البيت لم يكن السابقون يعرفونها ‪.‬‬
‫‪ .4‬انهم لم يبنوا موقفهم من الصحابة من مجموع اآليات واالحاديث التي‬
‫وردت في شأنهم وال من مجموع ما قدموه لالسالم من تضحيات وما بذلوه من‬
‫اجل نشره وتوسيع رقعته ‪ ،‬وانما بنوا موقفهم منهم على شيء واحد فقط وهو‬
‫موقفهم من علي ‪ ،‬فمن أيد منهم عليا َ ودعا الى خالفته فهو مقبول عندهم ومن‬
‫ساند أو بايع غيره فهو متهم عندهم وساقط من أعينهم وال يلتفت الى اية حسنة‬
‫من حسناته ‪ ،‬فرحى االسالم تدور على خالفة علي ‪ ،‬من قبل بها فهو مؤمن‬
‫ومن فضل عليه غيره أو أقر بصحة خالفة غيره فهومردود ومرفوض !‬
‫‪.5‬إذا كانت اآلية في صالحهم تمسكوا بها ولم يلتفتوا الى االحاديث النبوية‬
‫والى ماجاء من روايات حول أسباب نزولها أو االحاديث القولية والعملية التي‬
‫تفسرها ‪ .‬مثال ذلك آية الوضوء‪ 1‬فانهم يقتصرون على اآلية في بيان كيفية‬
‫الوضوء وال يلتفتون الى ما جاء عن الوضوء من سنة قولية أو فعلية وال‬
‫يعيرونها اهتماما وال يقيمون لها وزناً‪ ،‬في حين كان المفروض هنا االعتماد‬
‫على السنة الفعلية ألن الوضوء شعيرة عملية وكان الرسول (‪ ) a‬يمارسه أمام‬
‫أصحابه ويعلمهم كيفيته والحاجة الى السنة الفعلية هنا اكثر من االمور‬
‫النظرية‪ .‬أما إذا لم تكن اآلية في صالحهم تمسكوا باالحاديث وبروايات أسباب‬
‫النزول وأخضعوا اآلية لالحاديث والروايات التي وردت في سبب نزولها !‬
‫مثال ذلك آية التطهير‪ 2‬فإنها كما تعلم نزلت في سياق الحديث عن زوجات‬
‫الرسول ولوال حديث الكساء وبعض الروايات االخرى لما انصرف ذهن‬
‫الناس الى غير أزواج النبـي وهذه االحاديث ال تُخرج أزواج النبـي عن دائرة‬
‫‪" .1‬يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصالة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم‬
‫وارجلَكم الى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطّهّروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط‬
‫أو المستم النساء فلم تجدوا ما ًء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بروجوهكم وايديكم منه مايريد هللا ليجعل‬
‫عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون"المائدة‪6/‬‬
‫‪ ". 2‬وقرن في بيوتكن وال تبرجن تبرج الجاهلية االولى وأقمن الصالة وآتين الزكاة وأطعن هللا ورسوله‬
‫إنما يريد هللا ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "االحزاب‪33/‬‬
‫‪67‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(68‬‬
‫أهل البيت ولكنها تُدخل غيرهم في تلك الدائرة ولكن الشيعة يتركون المدلول‬
‫القريب والمباشر لآلية والتي تعد أزواج النبـي من أهل البيت وأن اآليات‬
‫قصدتهم ‪ ،‬ويتمسكون بحديث الكساء وببعض االحاديث االخرى والتي هي من‬
‫فهم بعض رواتها لمفهوم عبارة أهل البيت ‪ ،‬فيخرجون االزواج منها‬
‫ويقصرونها على علي وفاطمة والحسن والحسين الذين ضمهم رسول هللا (‪) a‬‬
‫في كساء ودعا لهم ‪ .‬والغريب أنهم حتى مع االحاديث اتبعوا منهج االنتقاء‬
‫فقبلوا حديث الكساء ورفضوا بقية االحاديث التي تدخل آل عقيل وآل جعفر‬
‫وآل عباس في جملة أهل البيت!‬
‫واالغرب من ذلك أنهم يديرون ظهورهم للمدلول اللغوي والعرفي‬
‫والقرآني لكلمة االهل ويُقصرون معناها على هؤالء الخمسة اعتمادا على‬
‫حديث الكساء فقط دون اللجوء الى المنهج التحقيقي الذي يتبعونه مع اآليات‬
‫القرآنية االخرى! فلو كانت اآلية تتحدث عن اقرباء الرسول وكانت االحاديث‬
‫تدخل ازواجه فيهم ركزوا جهودهم على اآلية القرآنية وعلى المدلول اللغوي‬
‫والعرفي والقرآني للكلمة ول َما التفتوا الى تلك االحاديث أصال ‪ ، 1‬ولكن‬
‫المذهب هنا يقضي باعتماد الحديث وتحكيمه في رقاب اآلية ‪.‬‬
‫‪ .6‬في آية التطهير " انما يريد هللا ليذهب عنكم الرجز اهل البيت ويطهركم‬
‫تطهيرا" احتجوا في اخراج ازواج النبـي عن دائرة اهل البيت بالضمائر‬
‫الواردة في اآلية ‪ ،‬وقالوا انها جاءت بصيغة المذكر ولو كان المقصود بها‬
‫ازواج النبـي لجاءت بصيغة " عنكن " ويطهركن" ‪ ،‬ولكن عندما جاؤوا الى‬
‫آيات االفك في سورة النور لم يلتفتوا الى الكلمات والضمائر التي تدل على ان‬
‫الذين جاؤوا باالفك هم رجال وهم اكثر من واحد ولم يلتفتوا الى تاريخ نزول‬
‫اآليات وانما اكتفوا بايراد رواية منسوبة الى اهل البيت تقول انها نزلت في‬
‫ماريا القبطية وان عائشة هي التي رمتها بالزنى وال يطيلون الوقوف على هذه‬
‫‪2‬‬
‫اآليات وانما يمرون عليها مرور الكرام‪.‬‬
‫‪ .7‬بناء الفهم على آية واحدة أو جزء من آية بعد استقطاعها عن سياقها‬
‫وعزلها ع ّما قبلها وع ّما بعدها وتفسيرها بعيدا عن سياقها العام ‪ .‬مثال ذلك آية‬
‫التطهير التي ذكرناها سابقا ‪ ،‬و(آية الوالية وآية التبليغ)بحسب تعبيرهم ‪ .‬فـ(آية‬
‫التطهير) جاءت ضمن مجموعة آيات تتحدث عن ازواج النبـي ‪ ،‬اآلية نفسها‬
‫‪. 1‬المقصود بالمدلول اللغوي والعرفي والقرآني هو أن كلمة األهل يقصد بها لغة وعرفا الزوجة والقرآن‬
‫استعملها في مواضع عدة بمعنى الزوجة ‪،‬ولكن الشيعة ال يحكمون سوى أهوائهم في تحديدـ معاني‬
‫اآليات وملوالتها !‬
‫‪ . 2‬هذه النقطة اخذتها عن الدكتور خالد الوصابي في مداخلة له في قناة المستقلة في شوال من سنة‬
‫‪1431‬للهجرة‬
‫‪68‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(69‬‬
‫وما قبلها وما بعدها كلها تتحدث عن أزواج النبـي ولكن الشيعة أخرجوا جزءاً‬
‫من هذه اآلية واستقطعوها وعزلوها عما حولها وحصروها في اصحاب‬
‫الكساء‪ . 1‬وكذلك (آية الوالية)‪ 2‬فانها جاءت ضمن مجموعة من اآليات التي‬
‫تتحدث عن عالقة المسلمين بغيرهم من اهل الكتاب والمشركين فتنهى عن‬
‫مواالة الكفار وتأمر بحصر المواالة بين المؤمنين ‪ ،‬ولكن الشيعة اقتطعوا هذه‬
‫اآلية عن سياقها ومما حولها وفسروها بناء على حديث ضعيف غير واقعي‬
‫وغير معقول على ان المقصود بالذين آمنوا هو علي بن ابي طالب وأن‬
‫المقصود بكلمة الولي ولي االمر وليس شيئا آخر!‬
‫‪ .8‬إذا كان هناك أكثر من رواية حول سبب نزول آي ٍة ما‪ ،‬فإنهم يأخذون‬
‫بالرواية التي تؤيد وجهة نظرهم دون النظر الى مدى تطابق الرواية مع روح‬
‫اآلية أومع الواقع والمنطق ‪ .‬مثال ذلك الروايات التي جاءت حول سبب نزول‬
‫آية المواالة التي يسميها الشيعة آية الوالية ‪ ،‬فهناك روايات تقول بأن اآلية‬
‫نزلت في عبادة بن الصامت حين تخلى عن مواالة اليهود وتولى هللا ورسوله‬
‫و المؤمنين ورواية تقول بأنها نزلت في علي بن ابي طالب حين كان يصلي‬
‫في المسجد ودخل عليهم فقير يطلب العون فلم يجبه أحد وكان علي اليملك‬
‫شيئا سوى خاتم حديد في اصبعه فمد يده لذلك الرجل فنزعها فنزلت " إنما‬
‫وليكم هللا ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم‬
‫راكعون"المائدةـ ‪. 55/‬فالرواية االولى تتماشى مع روح االيات ومع العقل‬
‫والمنطق ولكن الشيعة اليأخذون بها رغم اعتمادهم العقل مصدرا من مصادر‬
‫التشريع بينما يأخذون بالرواية الالمنطقية التي تتحدث عن تصدق علي بخاتم‬
‫من حديد ال يساوي شيئا وال يغني من جوع رغم معارضته الصريحة للعقل‬
‫والمنطق ولروح االيات القرآنية وسياقها وتنافيها مع روح الصالة التي هي‬
‫الخشوع!‪.‬‬

‫‪. 1‬كان الشيعة فيما مضى يحتجون بورود اآلية بصيغة المذكر في معرض مخاطبة ازواج النبـي‬
‫ويقولون لو كان المراد باآلية ازواج النبـي لجاءت بضيغة ليذهب عنكن الرجز ‪ ،‬ويطهركن بدال من‬
‫ليذهب عنكم ويطهركم ولكن لما احتج السنة عليهم بان هناك آية اخرى في القرآن جاءت بنفس الصيغة‬
‫وهي تخاطب سارة زوج ابراهيم ‪":‬قالوا اتعجبين من امر هللا رحمة هللا وبركاته عليكم اهل البيت "‬
‫لجأوا الى اساليب اخرى لصرفها عن زوجات النبـي ادهى من صرفها عن مدلولهاوذلك ما سمعته باذنى‬
‫وشاهدته بعينى في احدى القنوات الفضائية عن الشيخ علي الكورانى والشيخ االيرواني ‪ ،‬اما الكورانى‬
‫فانه قال انه يقطع ويجزم بان هذه الفقرة وفقرة " اليوم اكملت لكم دينكم" محلهما ليس في هذين المكانين‬
‫من القرآن وانما وضعهما الصحابة فيهما ! أما اليرواني فانه قال ان النبـي هو الذي وضعها في هذا‬
‫المكان ليتوهم الصحابة بانها تعني زوجات الرسول فال يرفعوها عن القرآن !‬
‫‪" . 2‬انما وليكم هللا ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"‪. .‬‬
‫‪69‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(70‬‬
‫‪ .9‬معارضة ورد اآليات الخاصة بالصحابة باآليات التي تقرر أحكاما‬
‫ومباديء عامة ‪ ،‬أو اآليات المتأخرة زمنيا باخرى سبقتها في النزول ‪ .‬مثال‬
‫االول رد حكم آية ‪ ":‬لقد رضي هللا عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة‬
‫فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا " الفتح‪ 18/‬بآية ‪" :‬‬
‫ان الذين يبايعونك انما يبايعون هللا يد هللا فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على‬
‫نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه هللا فسيؤتيه اجرا عظيما" الفتح‪ .10/‬فاآلية‬
‫االولى صريحة في تقرير رضى هللا عن الذين بايعوا النبـي تحت الشجرة‬
‫وهي تتحدث عن حادثة معينة وعن اشخاص معينين بينما اآلية الثانية تتحدث‬
‫عن أمر عام وهو البيعة وتبين أهمية وقدسية مبايعة الرسول وال تعارض‬
‫بينهما ‪.‬‬
‫ومثال الثاني رد جميع اآليات التي تمدح الصحابة وتبشرهم بالجنة‬
‫وتعلن رضى هللا عنهم والتي نزلت أكثرها في السنوات االخيرة من الهجرة‬
‫وتبلغ عددها قريب الثالثين آية بآية " وما محمد االّ رسول قد خلت من قبله‬
‫الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر‬
‫هللا شيئا وسيجزي هللا الشاكرين"آل عمران‪ 144/‬التي تتحدث عن مسألة‬
‫حدثت أثناء معركة اُحد فعاتبهم هللا عليها ثم عفا عنهم وتاب عليهم وامتدحهم‬
‫في نهاية المقطع ومع ذلك فالشيعة يوردونها باستمرار كدليل على ارتداد‬
‫الصحابة ويستشهدون بها على السقيفة وكأن هذه االية نزلت بعد وفاة‬
‫الرسول!‪.‬‬
‫‪ .10‬عند الحديث عن الصحابة اليذكرون اآليات التي تمدحهم و تثني عليهم‬
‫وتبشرهم بالجنة وتعلن رضى هللا عنهم وهي كثيرة ودالالتها قطعية كما‬
‫سترى بعد قليل ‪ ،‬وانما يقتصرون على آية آل عمران التي يسمونها (آية‬
‫االنقالب) التي أوردناها آنفا والتي فيها عتاب للمسلمين واعتراض على‬
‫سلوكهم‪ ،‬وعند االستشهاد باالحاديث يتجاهلون جميع االحاديث التي تمتدحهم‬
‫و تثني عليهم ويقتصرونـ على حديث (الحوض واالرتداد)‪ ، 1‬وحديث (ال‬
‫‪. 1‬ورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة ورواه عدد من الصحابة واخرجه عدد من المحدثين بمن فيهم البخاري‬
‫ومسلم ‪.‬‬
‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َس ِمعْت بَا َواِئ ٍل عَن َعب ِد ِ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ير ِة ق َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪َ -‬ح َّدثَنِي َع ْمرُو ب علي َحدثنَا ُم َح َّمد ب َجعف ٍر َحدثنَا شعبَة عَن ال ُم ِغ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْنُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْنُ‬
‫ض َولَيُرْ فَ َع َّن َم ِعي ِر َجا ٌل ِم ْن ُك ْم ثُ َّم‬‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَا َل َأنَا فَ َرطُ ُك ْم َعلَى ْال َحوْ ِ‬ ‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ ع َْن النبـي َ‬ ‫َر ِ‬
‫ك ‪6090 .‬‬ ‫ك اَل تَ ْد ِري َما َأحْ َدثُوا بَ ْع َد َ‬ ‫لَي ُْختَلَج َُّن دُونِي فََأقُو ُل يَا َربِّ َأصْ َحابِي فَيُقَا ُل ِإنَّ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬
‫ال‬ ‫س ع َْن النبـي َ‬ ‫يز ع َْن َأنَ ٍ‬‫‪َ -‬ح َّدثَنَا ُم ْسلِ ُم بْنُ ِإ ْب َرا ِهي َم َح َّدثَنَا ُوهَيْبٌ َح َّدثَنَا َع ْب ُد ْال َع ِز ِ‬
‫اختُلِجُوا دُونِي فََأقُو ُل َأصْ َحابِي فَيَقُو ُل اَل تَ ْد ِري َما‬ ‫ض َحتَّى اذا َع َر ْفتُهُ ْم ْ‬ ‫ي نَاسٌ ِم ْن َأصْ َحابِي ْال َحوْ َ‬ ‫لَيَ ِرد ََّن َعلَ َّ‬
‫ك ‪6096 .‬‬ ‫َأحْ َدثُوا بَ ْع َد َـ‬
‫‪70‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(71‬‬
‫ترجعوا بعدي كفـارا)‪ 1‬وكأن هذه االحاديث العامة قاضية على تلكم الخاصة‬
‫التي وردت في حق كل واحد منهم باالسم السيما كبار الصحابة ‪ ،‬او ان‬
‫االيات السابقة في النزول ناسخة للتي نزلت بعدها ‪ ،‬وهذا منهج معكوس في‬
‫االستدالل يمارسه الشيعة في تعاملهم مع القرآن الكريم!‬
‫‪ .11‬وكما تعاملوا مع اآليات التي تتحدث عن الصحابة بمقررات مسبقة كذلك‬
‫تعاملوا بمقررات مسبقة مع اآليات التي تتحدث –في نظر الشيعة‪-‬عن علي او‬
‫أهل البيت كتفسير كلمة "يطهركم " الواردة في (آية التطهير) من سورة‬
‫ال النبـي‬ ‫ال ‪ :‬قَ َ‬ ‫از ٍم ع َْن َس ْه ِل ْب ِن َس ْع ٍد قَ َ‬ ‫ف َح َّدثَنِي َأبُو َح ِ‬ ‫‪َ -‬ح َّدثَنَا َس ِعي ُـد بْنُ َأبِي َمرْ يَ َم َح َّدثَنَا ُم َح َّم ُد بْنُ ُمطَ ِّر ٍ‬
‫ظ َم َأبَدًا لَيَ ِرد ََّن َعلَ َّ‬ ‫ْأ‬ ‫ب لَ ْم يَ ْ‬
‫ي‬ ‫ب َو َم ْن َش ِر َ‬ ‫ي َش ِر َ‬ ‫ض َم ْن َم َّر َعلَ َّ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ‪ِ :‬إنِّي فَ َرطُ ُك ْم َعلَى ْال َحوْ ِ‬ ‫َ‬
‫ْرفونِي ث َّم يُ َحا ُل بَ ْينِي َوبَ ْينَهُ ْم ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َأ ْق َوا ٌم ع ِرفهُ ْم َويَع ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬
‫ال َأ ْشهَ ُد َعلَى َأبِي‬ ‫ت نَ َع ْم فَقَ َ‬ ‫ش فَقَا َل هَ َك َذا َس ِمعْتَ ِم ْن َسه ٍْل فَقُ ْل ُ‬ ‫از ٍم فَ َس ِم َعنِي النُّ ْع َمانُ بْنُ َأبِي َعيَّا ٍ‬ ‫قَا َل َأبُو َح ِ‬
‫ك فََأقُو ُل سُحْ قاً‬ ‫ُ‬
‫ك تد ِري َما حْ َدثوا بَ ْع َد َ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اَل‬ ‫َس ِعي ٍد ْال ُخ ْد ِريِّ ل َس ِم ْعتهُ َوه َو يَ ِزيد فِيهَا ف قو ُل ِإنهُ ْم ِمني فيُقا ُل ِإن َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال حْ َم ُد بْنُ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫ق بَ ِعي ٌـد َس َحقَهُ َو ْس َحقَهُ ْب َع َدهُ َوقَ َ‬ ‫َأ‬ ‫س سُحْ قًا بُ ْعدًا يُقَا ُل َس ِحي ٌ‬ ‫سُحْ قًا لِ َم ْن َغيَّ َر بَ ْع ِدي َوقَا َل ابْنُ َعبَّا ٍ‬
‫ب ع َْن َأبِي هُ َري َْرةَ َأنَّ ُه‬ ‫َّ‬
‫َِ ِ ِ ُ َ ِ‬‫ي‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫د‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫َن‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ِ ِ َ ٍ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫ْن‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫َن‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ُو‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫َن‬ ‫ب ب ِْن َس ِعي ٍـد ْال َحبَ ِط ُّي َح َّدثَنَا َأبِي ع‬ ‫َشبِي ِ‬
‫َّ‬
‫ي يَوْ َم القِيَا َم ِة َر ْهط ِم ْن صْ َحابِي فَيُ َحلُئونَ ع َْن‬ ‫َأ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ال يَ ِر ُد َعلَ َّ‬ ‫َّ‬
‫صلى ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم قَ َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫ُول ِ َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َأ‬
‫َكانَ يُ َحدِّث َّن َرس َ‬ ‫ُ‬
‫ار ِه ْم ْالقَ ْهقَ َرى‬ ‫َ ِ‬ ‫ب‬‫د‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫وا‬ ‫د‬‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ارْ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ِإ ْ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫حْ‬ ‫َأ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َِ‬ ‫ب‬ ‫كَ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫اَل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫َ ِ َ ِإ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ح‬ ‫صْ‬ ‫َأ‬ ‫بِّ‬ ‫ض فََأقُو ُل يَا َر‬ ‫ْال َحوْ ِ‬
‫‪( 6097‬هذه االحاديث رواها البخاري)‪.‬‬
‫ْت َس ْهاًل يَقُولُ‪:‬‬ ‫ال َس ِمع ُ‬ ‫َ‬
‫ِ َ ٍِ َ‬‫ق‬ ‫م‬ ‫از‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬
‫َن‬ ‫ع‬ ‫َّ‬
‫ي‬ ‫ار‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ ِ‬ ‫م‬ ‫َّحْ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫نَ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫‪َ -‬ح َّدثَنَا قُتَ ْيبَةُ بْنُ َس ِعي ٍـد َح َّدثَنَا يَ ْعقُوبُ يَ ْعنِ‬
‫َأ‬ ‫ْأ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬
‫ب ل ْم يَظ َم بَدًا‬ ‫َ‬ ‫ب َو َم ْن َش ِر َ‬ ‫ض َم ْن َو َر َد َش ِر َ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يَقُو ُل نَا ف َرطك ْم َعلى ال َحوْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْت النبـي َ‬ ‫َس ِمع ُ‬
‫ْرفُونِي ثُ َّم يُ َحا ُل بَ ْينِي َوبَ ْينَهُ ْم‬ ‫ي َأ ْق َوا ٌم َأ ْع ِرفُهُ ْم َويَع ِ‬ ‫َولَيَ ِرد ََّن َعلَ َّ‬
‫ْ‬ ‫ُأ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اًل‬
‫ال هَكذا َس ِمعْتَ َس ْه يَقو ُل قا َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش َو نَا َح ِّدثهُ ْم هَذا ال َح ِديث فق َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫از ٍم ف َس ِم َع الن ْع َمانُ بْنُ بِي َعيَّا ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫قَا َل َأبُو َح ِ‬
‫ت نَ َع ْم قَا َل َو نَا ْشهَ ُد َعلَى بِي َس ِعي ٍد ال ُخ ْد ِريِّ لَ َس ِم ْعتُهُ يَ ِزي ُد فَيَقُو ُل ِإنَّهُ ْم ِمنِّي فَيُقَا ُل ِإنَّكَ اَل تَ ْد ِري َما َع ِملُوا‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫فَقُ ْل ُ‬
‫ب َأ ْخبَ َرنِي ُأ َسا َمةُ‬ ‫ك فََأقُو ُل سُحْ قًا سُحْ قًا لِ َم ْن بَ َّد َل بَ ْع ِدي‪ .‬و َح َّدثَنَا هَا ُرونُ بْنُ َس ِعي ٍد اَأْل ْيلِ ُّي َح َّدثَنَا ابْنُ َو ْه ٍ‬ ‫بَ ْع َد َـ‬
‫ش ع َْن بِي َس ِعي ٍد‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫صلى ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم َوع َْن النُّ ْع َما ِن ْب ِن بِي َعيَّا ٍ‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫از ٍم ع َْن َس ْه ٍل ع َْن النبـي َ‬ ‫ع َْن بِي َح ِ‬ ‫َأ‬
‫وب‪4243 .‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫ي‬
‫ُ َ ِ َ َ َ ِِ ِ َِ ِ َ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ث‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫هَّللا‬ ‫ى‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫النبـي‬ ‫ي ع َْن‬ ‫ْال ُخ ْد ِر ِّ‬
‫ض َحتَّى نظ َر َم ْن‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬
‫صلى ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم ‪ِ :‬إنِّي َعلَى ال َحوْ ِ‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫ال َرسُو ُل ِ َ‬ ‫هَّللا‬ ‫ت بِي بَك ٍر قَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬
‫قَا َل َوقَالَت ْس َما ُء بِن ُ‬ ‫ْ‬
‫َك َوهَّللا ِ َما‬ ‫ي ِم ْن ُك ْم َو َسيُْؤ َخ ُذ ُأنَاسٌ دُونِي فََأقُو ُل يَا َربِّ ِمنِّي َو ِم ْن ُأ َّمتِي فَيُقَا ُل َأ َما َش َعرْ تَ َما َع ِملُوا بَ ْعد َـ‬ ‫يَ ِر ُد َعلَ َّ‬
‫َأ‬
‫ك ْن نَرْ ِج َع َعلى ْعقَابِنَا‬‫َ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ك يَرْ ِجعُونَ َعلى ْعقَابِ ِه ْم قَا َل فَ َكانَ ابْنُ بِي ُمل ْي َكةَ يَقو ُل اللهُ َّم ِإنا نَعُوذ بِ َ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫بَ ِرحُوا بَ ْع َد َ‬
‫َأوْ َأ ْن نُ ْفتَنَ ع َْن ِدينِنَا‪ 4245 .‬هذه المجموعة رواها مسلم (نقالً عن قرص المكتبةـ الشاملة)‪.‬‬
‫يرى الشيعة ان النبـي ‪ a‬عنى بهذه االحاديث اصحابه المقربين في حين ان هؤالء هم الذين تولوا‬
‫محاربة المرتدينـ ولست ادري لو كان المراد منه هؤالء كيف رووا هذا الحديث لمن بعدهم ‪ ،‬أيروي‬
‫االنسان حديثا يتهمه باالرتداد؟ ان مجرد رواية الصحابة لهذا الحديث دليل على ان الرسول ‪ a‬لم يكن‬
‫يعنيهم به ‪.‬ان رواية مثل هذه االحاديث تدل على ان الصحابة كانوا اُمناء في رواية كل ما سمعوه من‬
‫الرسول ‪ a‬وهذا هو معنى عدالة الصحابة ‪ ،‬وهو يتناقض مع دعوى االرتداد إذ كيف يكون المرتد امينا‬
‫في رواية االحاديث السيما التي تتهمه باالرتداد؟! فإما ان الرسول ماكان يقصدهم بها وهذا هو الراجح‬
‫والمعقول‪ ،‬أو أن الصحابة ما فهموا معانيها وال عرفوا مدلوالتها الهم وال علي وانها ظلت خافية على‬
‫المسلمين حتى جاء علماء ومتكلمي الشيعة وبينوا مراد الرسول منها ! وهذا اليقول به عاقل‪ .‬وإذا كان‬
‫النبـي قد قصد بهذه االحاديث الصحابة فانه يكون بذلك قد ناقض نفسه اوالً ألنه قال احاديث كثيرة في‬
‫مدح اصحابه ال سيما المقربين منه ‪ ،‬وناقض القرآن الذي اخبر في اكثر من موقع بأن هللا قد رضي عنهم‬
‫ال سيما السابقين منهم وأنه قد أعد لهم جنات تجري من تحتها االنهار ‪ ،‬فهل يعقل ان يناقض الرسول‬
‫‪71‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(72‬‬
‫االحزاب بالعصمة وعدم تفسيرها في بقية اآليات بالعصمة كآية الوضوء‬
‫من سورة المائدة التي يقول فيها هللا جل وعال"ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته‬
‫عليكم" واآلية الحادية عشرة من سورة االنفال ‪" :‬إذ يغشيكم النعاس أمنةً منه‬
‫وينزل عليكم من السماء ماءاً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط‬
‫على قلوبكم ويثبت به االقدام" ! ‪.‬‬
‫ماهي القرينة التي تجعل من هذه تدل على العصمة وتلك التدل عليها؟‬
‫اللهم ال توجد قرينة سوى االهواء و المقررات المسبقة! قرروا مسبقا وعن‬
‫طريق المقدمات العقلية عصمة االئمة ‪ ،‬فلما جاءت اآلية في حق اهل البيت‪-‬‬
‫بزعمهم‪ -‬أعطت عندهم معنى العصمة ولكن حين نزلت في حق بقية المؤمنين‬
‫الذين اليعتقد الشيعة عصمتهم لم تعط هذا المعنى‪.‬‬
‫كذلك تفسير كلمة "الولي" التي جاءت في اآلية الخامسة والخمسين من‬
‫سورة المائدة بـ "ولي االمر" وعدم تفسيرها في بقية اآليات والسور بنفس‬
‫المعنى! لماذا ؟ ألن كلمة الولي في آية المواالة نازلة في اعتقاد الشيعة في‬
‫علي ‪ ،‬وعلي وصي رسول هللا واالمام من بعده إذن يـجب أن تفـسر الكلمة‬
‫بولي االمر ال بمعانيها االخرى ‪ ،‬وهلم جرا!‬
‫‪ .12‬جاؤوا الى اآليات التي تتحدث عن المنافقين فأنزلوها على الصحابة‬
‫المقربين والسابقين من المهاجرين واالنصار ‪ ،‬وليت شعري لو كان هؤالء‬

‫القرآن ؟ هل كان الرسول اعلم من هللا بما سيؤول اليه حال اصحابه ؟ هل كان هللا يجهل عاقبة الصحابة‬
‫فيورد في حقهم كل تلك اآليات التي لم تبشرهم بالجنة فحسب بل وعدتهم وحسمت القضية وبينت ان هللا‬
‫قد اعد لهم الجنات وأكد ذلك في غير موضع‪ .‬خالصة القول‪ :‬ان تفسير هذه االحاديث بالطريقة الشيعية‬
‫ينطبق عليه ما قلناه في المتن بانه يتناقض مع اآليات القرآنية واألحاديث النبوية الواردة بحق الصحابة‬
‫ومع اقوال علي ومع حياة الصحابة والتاريخ والعقل والمنطق فال حاجة لتكراره هنا‪.‬‬
‫‪ . 1‬حديث " ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " الذي رواه البخاري ومسلم هو اآلخر‬
‫يستدل به الشيعة للطعن في الصحابة بينما هو للتحذيرمن االقتتال بين المسلمين وليس لالخبار بأمر سيقع‬
‫‪ ،‬والكفر هنا كفر النعمة وليس الكفرالمقابل لاليمان والمخرج من الملة ‪ ،‬ولم يحصل هذا االّ في عهد‬
‫علي ‪ c‬فهل علي كفر بقتاله للمسلمين الذين نعتهم بنفسه بااليمان حين سألوه عن الخوارج اكفار هم ؟ قال‬
‫‪ :‬من الكفر فروا‪ ،‬قالوا‪ :‬أمنافقون ؟ قال ‪ :‬المنافقون ال يذكرون هللا اال قليال ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فما هم ؟ قال ‪ :‬بغوا‬
‫علينا فقاتلناهم‪.‬مصنف عبد الرزاق (‪ ،)10/150‬مصنف ابن ابي شيبة(‪ )15/332‬بسند صحيح‪.‬نقال عن‬
‫علي بن ابي طالب للصالبي ص‪486‬‬
‫لو أخذنا بتأويل الشيعة لوجب ان نقول بكفر جميع االطراف المتقاتلة ! ولكن عليا ‪ c‬يوضح المعنى‬
‫بنفسه وينفي الكفر عمن قاتلهم وقاتلوه بقوله ذلك في حق الخوارج وبنهيه أصحابه سب اهل الشام‬
‫والقول بدال من ذلك ‪ :‬اللهم احقن دماءنا ودماءهم واصلح ذات بيننا وبينهم(نهج البالغة ‪ ،‬ص‪)323‬‬
‫والمتناعه عن سبـي نساءهم وغنيمة اموالهم ‪ ،‬ووضعه قواعد لمعاملة الخوارج يفرق عن معاملة‬
‫الكفار ‪ ،‬منها عدم ابتداءهم بالقتال ‪ ،‬وعدم منعهم من الصالة في المساجد ‪ ،‬واعطائهم حقهم من الفيء‬
‫والغنيمة ان هم قاتلوا الكفار معه ‪ ،‬وأالّ يجهز على جريحهم وال يتبع فارّهم وال يغنم اموالهم وال يسبـي‬
‫نساءهم‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(73‬‬
‫منافقين فمن المخلصون ومن المعني بتلك اآليات التي تتحدث عن المؤمنين‬
‫الذين اتبعوا النبـي في ساعة العسرة وغيرها وجاهدوا باموالهم وانفسهم في‬
‫سبيل هللا ؟ وان كان هؤالء منافقين فمن الذي اعتمد عليه الرسول ‪ a‬في‬
‫غزواته ونشر دينه؟ ولو صح تفسيرهم هذا القتضى ذلك ان ال يكون في‬
‫المجتمع النبوي سوى كفار ومنافقين وعدد قليل من المؤمنين ال يتجاوزون‬
‫‪1‬‬
‫عدد اصابع اليدين !‬
‫‪.13‬مشكلة الشيعة انهم ال يقفون عند اآليات التي تتحدث عن الصحابة وقفة‬
‫المتأمل ووقفة من يريد استنباط االحكام والدالالت وانما يمرون عليها مرور‬
‫الكرام ‪ ،‬فلو وقفوا عندها كما يقفون عند آية " وما محمد اال رسول قد خلت‬
‫من قبله الرسل ‪ ،‬أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم " لكان لهم موقف آخر‬
‫من الصحابة ولعلموا ان هذه اآليات المحكمات ال يمكن معارضتها بمثل تلك‬
‫اآلية التي تتوعدهم وتحذرهم من االنقالب على االعقاب ‪ ،‬فآيات المديح تربو‬
‫على ثالثين آية كلها محكمة وتؤكد ان هللا قد رضي عن هؤالء الصحابة وانه‬
‫قد غفر لهم زالتهم واعد لهم الجنات ‪ ،‬وتشهد لهم بااليمان واالخالص‬
‫والصدق والخيرية ‪ ،‬وانهم استجابوا هلل والرسول في ساعات العسرة والحرج‬
‫‪ ،‬وانهم خير امة اخرجت للناس ‪ ،‬الخ ‪.‬‬
‫وليست مشكلتهم في عدم قراءة القرآن وعدم الوقوف عند هذه اآليات وتأملها‬
‫فحسب بل انهم ال يقرؤون السيرة والتاريخ ايضا ‪ ،‬ال سيما تاريخ الخلفاء‬
‫الراشدين ‪ ،‬فلو قرؤوا السيرة جيدا وبحياد وبإنصاف وعقالنية لعلموا ان‬
‫هؤالء الصحابة ال يمكن ابدا ان يرتكبوا مثل هذه المعصية وال يمكن ان‬
‫يتواطئوا على كتمان وصية رسول هللا ‪ ‬او نقض بيعة ابرمها بيده الشريفة‪.‬‬
‫انهم ال يريدون ان يدرسوا ما يشوش عليهم افكارهم ويزعزع عقائدهم التي‬
‫صاغوها بانفسهم بعيدا عن القرآن ‪ ،‬واقنعوا انفسهم ومنوها بانهم اتباع اهل‬
‫البيت وعلى مذهب اهل البيت ‪ ،‬فهذا العنوان اغراهم عن البحث في القرآن او‬
‫دراسة التاريخ دراسة متأنية واقعية منصفة!‬

‫االستدالل بالقرآن والسنة بين علي والشيعة‪:‬‬


‫وارى من الضروريـ ‪ ،‬طالما نحن بصدد الحديث عن القرآن‪ ،‬أن‬
‫نتحدث قليال عن طريقة استدالل كل من سيدنا علي ‪ ‬والشيعة بالقرآن والسنة‬
‫فنقول‪:‬‬

‫‪ . 1‬وهذا ما يعتقدونه حقا في حق االصحاب حيث يقولون انهم ارتدوا االّ ثالثة او اربعة!‬
‫‪73‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(74‬‬
‫ان اهم ما يثير االنتباه هو ان اآليات التي يستدل بها الشيعة على االمامة بشكل‬
‫عام وامامة علي بشكل خاص لم يستدل بها سيدنا علي نفسه ولم يحتج بها على‬
‫امامته مما يدل على انها من تأويالت علماء ومتكلمي الشيعة السيما المتاخرين‬
‫منهم ‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة الغلب االحاديث التي يستدلون بها فان عليا ‪ ‬لم‬
‫يستدل بها ولم يشر اليها المن قريب وال من بعيد! وهي اما من وضع رواتهم‬
‫او من التاويالت المتعسفة لعلمائهم ‪ .‬وانك التكاد تجد تفسيرا منسوبا الى ائمة‬
‫اهل البيت يثبت هذه القضية وانما هناك روايات منسوبة اليهم وهي ليست‬
‫تفسيرا في الواقع وانما اقرار بوقوع التحريف في القرآن الكريم كآية‪":‬كنتم‬
‫خير امة اخرجت للناس " ينسبون الى جعفر الصادق انه قال ‪ :‬ما هكذا نزلت‬
‫وانما نزلت"كنتم خير ائمة اخرجت للناس"! و كذلك آية‪" :‬يا ايها الرسول بلغ‬
‫ما اُنزل اليك من ربك" ينسبون رواية الى ابي عبد هللا انه قال‪ :‬انها نزلت‬
‫هكذا‪ " :‬يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك في علي"! وهكذا دواليك ‪.‬‬
‫اما اآليات التي يستدل بها الشيعة اليوم فهي كلها لم تكن معروفة ألئمة‬
‫اهل البيت على كونها دليال على امامتهم بدليل انهم لم يستشهدوا بها الثبات‬
‫امامتهم ال أمام اتباعهم وال مع خصومهم! وانك ترى ازديادا مطّردا في عدد‬
‫اآليات التي يستدل بها الشيعة على امامة علي ‪ ،‬وكل يوم يأتون بآيات جديدة و‬
‫يؤولونها على امامة علي وذريته وال أستبعد ان يأتي يوم يدعي فيه الشيعة أن‬
‫القرآن كله نزل في علي وفي اثبات امامته!‬
‫خذ على سبيل المثال كتابين كتبا في فترتين مختلفتين للبحث في‬
‫موضوع امامة علي ‪ ،‬اولهما "منهاج الكرامة في اثبات االمامة" البن المطهر‬
‫الحلي والذي كتبه في القرن السابع الهجري ‪ ،‬والثاني كتاب" المراجعات "‬
‫لعبدالحسين شرف الدين الموسوي والذي كتبه في القرن الرابع عشر الهجري‬
‫‪ ،‬تجد ان اآليات التي استدل بها شرف الدين الموسوي تزيد على ضعف‬
‫اآليات التي استدل بها الحلي ثم ختم ذلك الفصل بروايتين احداها عن ابن‬
‫عباس تقول ‪ :‬نزل في علي ثالثمائة آية‪ ،‬ثم يقول ومنهم من يقول ثلث القرآن‬
‫نزل في علي !‪.‬‬
‫فلنأت ولنوجه الى الشيعة بعض االسئلة‪:‬‬
‫أأنتم أعلم بالقرآن أم علي ؟‬
‫ان قالوا علي أعلم به ‪ ،‬قلنا ‪ :‬فل َم لم ْيحتج هو بهذه اآليات ولم َ لم ْيستدل‬
‫بها على امامته امام خصومه وكان هو احوج اليها منكم؟! ذلك أنكم اذا أثبتم‬
‫امامة علي بهذه اآليات لم يغير ذلك من االمر شيئا ولن تُفيدوا ال عليا وال االمة‬
‫االسالمية بل لن تزيدوا المسلمين االّ تنازعا واختالفا‪ .‬اما هو لو احتج بها في‬
‫‪74‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(75‬‬
‫حينها وأثبت بها االمامة لنفسه الستفاد هو منها اوالَ وأفاد االمة االسالمية بها‬
‫ثانيا ولغيّر وجه التاريخ كما يتوهم الشيعة ولما انقسمت االمة الى شيعة وسنة‬
‫ولما قتل الحسين واهل بيته في كربالء ولما اختفى المهدي في سامراء وال‬
‫حكم االمويون وال العباسيون وال سالت دماء على الخالفة وال قُطعت ارحام‬
‫وال ثُكلت امهات وال رُملت نساء وال يُتِّم اطفال‪ ،‬و لسارت االمور على أليـن‬
‫من السمن على العسل كما يقول المثل‪.‬‬
‫ان قضية بهذه االهمية تنزل فيها عشرات اآليات وعلي ‪ ،‬أعلم الناس‬
‫بالقرآن ‪ ،‬ال يستدل بها امام خصومه وال يذ ّكر الناس بها وال يحتج بها ؟ هذه‬
‫مسألة فيها الف نظر ! فال االمامة فهمها علي كما يفهمها الشيعة وال القرآن‬
‫فهمه كما يفهمه الشيعة! فأي الفهمين هو الصواب؟ـ نترك الجواب للشيعة !‪.‬‬
‫ان الذي يثير عجبـي هو قول الشيعة بأنه البد للقرآن من قيم والبد ان‬
‫يكون هذا القيم معصوما‪ ،‬اذ بغيره اليمكن فهم القرآن ‪ ،‬وهذا القيم هو علي (‪)‬‬
‫وأبناؤه من بعده!‪ .‬ويستدلون بحديث الثقلين والذين ال يفترقان حتى يردا‬
‫الحوض على رسول هللا! هذا من الناحية النظرية ‪ ،‬اما عمليا فإنهم اكثر الناس‬
‫انطالقا وتفلتا في تأويل القرآن دون الرجوع الى علي او ابنائه ‪ ،‬وان ما‬
‫يستدلون به من اآليات ان لم نقل كلها فأغلبها من تأويالتهم هم ال من تفسير‬
‫ائمتهم! فأين إذن تطبيق هذا المبدأ ‪ ،‬السيما في هذا العصر الذي الذي اليوجد‬
‫فيه ال إمام وال من يتصل به؟‪.‬‬
‫انك لو قرأت تفاسير الشيعة ورأيت طريقة فهمهم للقرآن ألخذتك‬
‫الدهشة وكأن هللا سبحانه لم يكن له هدف من ارسال الرسول االّ رفع شأن‬
‫عائلة النبـي ‪ ،‬وأن النبـي لم يرسل االّ للتمكين ألهل بيته ‪ ،‬وأن القرآن لم ينزل‬
‫االّ لتثبيت امامة علي وابنائه من بعده ولبيان فضلهم ومكانتهم‪ .‬أهذا الدين هو‬
‫دين سماوي ‪ ،‬وهذا النبـي هو نبـي البشرية جمعاء ‪ ،‬و خاتم االنبـياء‬
‫والمرسلين ؟!‪ .‬أم أنه ملكية عائلية ؟‬
‫بهذا التفسير الشيعي للقرآن اول ما نستنتجه هو أن االسالم دين ارستقراطي لم‬
‫يأت االّ لرفع مكانة عائلة النبـي !‬
‫وامر آخر يثير دهشتك وانت تقرأ تفاسير الشيعة ‪ :‬هذا التكلف‬
‫والتعسف في تأويل آيات القرآن وهذا االستدالل الغريب بالقرآن على امامة‬
‫علي! اقرأ مثال كتاب المراجعات ‪ ،‬في المراجعة التي تشير الى اآليات الدالة‬
‫على فضل علي وامامته يسرد الموسوي عشرات اآليات بصورة وكأنها‬
‫مسلمات عند جميع المسلمين وكأن دالالتها على فضل علي و امامته ال خالف‬
‫فيها بين المسلمين ‪ .‬ومن اآليات التي يستدل بها على فضل وامامة علي هذه‬
‫‪75‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(76‬‬
‫اآلية‪ " :‬واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا" ثم يقف هنا وال يكمل اآلية كأنه‬
‫يريد أن يوحي للقاريء بأن اآلية نزلت في فضل علي وامامته وهي في القرآن‬
‫كاآلتي‪ " :‬واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة‬
‫يعبدون" الزخرف‪ 45/‬هكذا بدون خوف من هللا يستقطع جزءاً من اآلية‬
‫القرآنية التي تتحدث عن وحدانية هللا واستحقاقه وحده للعبادة لينزلها على علي‬
‫ويستدل بها على استحقاقه هو لالمامة دون غيره ! اني ال أجد لهذا العمل‬
‫تفسيرا سوى ان يكون الموسوي يرى عليا انه هللا او يسوي بينه وبين هللا واالّ‬
‫ما معنى االستشهاد بهذه اآلية على امامة علي ؟!‬
‫ان مما يلفت النظر في تفاسير الفرق من غير اهل السنة هو انهم ال‬
‫يعرفون مع كالم من يتعاملون ‪ ،‬فانهم ال يستحضرون عظمة هللا وقدرته حين‬
‫يتناولون كالمه بالتفسير والتأويل‪ ،‬فلو استشعروا عظمة هللا وهم يتناولون‬
‫كالمه لما أ ّولُوه بهذا الشكل ‪ ،‬فان أحدهم ال يجرؤ على تأويل كالم رجال‬
‫القانون بهذه الطريقة فضال عن الزعماء السياسيين خوفا من الوقوع تحت‬
‫طائلة القانون ! فلو كان في قلوبهم خشية من هللا او تقدير له وتوقير لما تناولوا‬
‫كالمه بهذه الطريقة ولما صرفوه عن ظاهره بهذه الصيغة ‪،‬وهللا سبحانه‬
‫َاب بَِأ ْي ِدي ِه ْم ثُ َّم يَقُولُونَ‬‫وتعالى يقول عن مثل هؤالء ‪" :‬فَ َو ْي ٌل لِّلَّ ِذينَ يَ ْكتُبُونَ ْال ِكت َ‬
‫ت َأ ْي ِدي ِه ْم َو َو ْي ٌل لَّهُ ْم ِّم َّما‬ ‫هَ َذا ِم ْن ِعن ِد هَّللا ِ لِيَ ْشتَر ْ‬
‫ُوا بِ ِه ثَ َمنا ً قَلِيالً فَ َو ْي ٌل لَّهُم ِّم َّما َكتَبَ ْ‬
‫‪1‬‬
‫يَ ْك ِسبُونَ (‪" )79‬البقرة‪.‬‬
‫وليت شعري كيف سيكون حالهم حين يقفون امام هللا وماذا سيكون جوابهم‬
‫عندما يسألهم عن هذا التالعب المشين بكالمه؟ !‬

‫واآلن الى اآليات القرآنية التي تثني على الصحابة‪:‬‬


‫واآلن‪ ،‬وبعد ان بينا منهج الشيعة في التعامل مع القرآن ‪،‬اليك بعض االيات‬
‫التي تدل داللة صريحة وقاطعة على صالح الصحابة وقوة ايمانهم وحسن‬
‫بالئهم ورضى هللا عنهم ‪:‬‬
‫‪"-1‬محمد رسول هللا والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا‬
‫سجدا يبتغون فضال من هللا ورضوانا ‪ ،‬سيماهم في وجوههم من اثر السجود ‪،‬‬
‫ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في االنجيل كزرع اخرج شطئه فآزره فاستغلظ‬
‫فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد هللا الذين آمنوا منهم‬
‫وعملوا الصالحات مغفرة واجرا عظيما"الفتح‪29/‬‬
‫‪ . 1‬انظر في سبيل المثال الى تفاسير القاديانية ‪ ،‬فانهم يفسرون القرآن تفسيرا لم يعرفه ال النبـي وال‬
‫الصحابة وكأنه لم ينزل عليهم ولم يعنهم بخطابه !‬
‫‪76‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(77‬‬
‫دالالت اآلية‪:‬‬
‫أ‪ .‬اثبتت اآلية ان الذين مع رسول هللا اشداء على الكفار رحماء بينهم ‪ ،‬فهل‬
‫نصدق هللا ام نصدق الذين يقولون ان الصحابة كانوا متباغضين ؟‪.‬‬
‫ب‪ .‬آثار السجود بادية على وجوههم من كثرة العبادة ‪.‬‬
‫ج‪ .‬يطلبون بأعمالهم وجه هللا تعالى وال يفعلونها رياء او نفاقا او طلبا للدنيا ‪،‬‬
‫أي انهم مخلصون غير مرائين وال منافقين‪.‬‬
‫د‪ .‬وردت اوصافهم في التوراة واالنجيل ‪ ،‬اي ان هللا قد بشر بهم في التوراة‬
‫واالنجيل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫هـ ‪.‬يفرح بهم المؤمنون ويغيظ بهم الكفار ‪.‬‬
‫و‪ .‬خصهم هللا بوعده بأنه غفر لهم وأثابهم أجرا عظيما‪ .‬وكلمة "منكم " بيانية‬
‫وليست تبعيضية ‪ ،‬اما ذكر شرط االيمان والعمل الصالح ففيه اسرار كثيرة‬
‫منها ‪ :‬ان التكليف ال يسقط عن احد مهما بلغ شأنه حتى ولو وعده هللا الجنة ‪،‬‬
‫فلو انتبه المسلمون الى هذا السر لما ظهر بينهم من يظن ان التكليف يسقط‬
‫عمن بلغ مرتبة اليقين كما هو الحال مع بعض جهلة الصوفية ‪ ،‬ولما ظهر‬
‫االرجاء في الفكر االسالمي ‪ ،‬وذكر هذا القيد دليل على حكمة هللا سبحانه‬
‫وتعالى لقطع الطريق على كل من يريد فصل العمل او ارجاءه عن االعتقاد ‪،‬‬
‫ويتكرر هذا في كل مناسبة ومع كل مرة يذكر االيمان يقرن معه العمل الصالح‬
‫‪.‬‬
‫‪ "-2‬كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‬
‫وتؤمنون باهلل ‪ ،‬ولو آمن اهل الكتاب لكان خيرا لهم ‪ ،‬منهم المؤمنون واكثرهم‬
‫الفاسقون" آل عمران‪110/‬‬
‫داللة االية‪ :‬أخبر هللا تعالى ان هذه االمة هي خير امة اخرجت للناس ‪ ،‬وبما‬
‫انها جاءت على صيغة المخاطبة فبدهي أن تشمل الذين خوطبوا بها ابتداء ‪،‬‬
‫فهي تعنيهم قبل غيرهم ‪ ،‬فإن لم يكن الجيل الذي خوطب بهذه اآلية والذي‬
‫رباه رسول هللا ‪ r‬بيده معنيا بها فمنذا يكون؟‪.‬‬
‫‪ "-3‬وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك هللا هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين‪.‬‬
‫والف بين قلوبهم ‪ ،‬لو انفقت ما في االرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن هللا‬
‫‪ (. 1‬قال القرطبـي في تفسير هذه اآلية ‪ :‬قال أبو عروة الزبيري‪ :1‬كنا عند مالك بن أنس فذكروا عنده‬
‫رجال ينتقص أصحاب رسول هللا فقرأ مالك هذه اآلية { ُم َح َّم ٌد َرسُو ُل هَّللا ِ} إلى أن بلغ قوله {ليغيظ به ُم‬
‫ار} فقال مالك من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫ْال ُكفَّ َ‬
‫وسلم فقد أصابته هذه اآلية‪ .‬وقلت‪ :‬رحم هللا مالك بن أنس ورضي عنه ما أدق استنباطه‪).‬‬

‫‪77‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(78‬‬
‫الف بينهم ‪ ،‬انه عزيز حكيم‪ .‬يا ايها النبـي حسبك هللا ومن اتبعك من المؤمنين‬
‫"االنفال‪62-64/‬‬
‫دالالت اآلية‪:‬‬
‫‪ .1‬اخبر هللا تعالى بأنه أيد رسوله بنصره وبالمؤمنين فقرن بين نصره‬
‫والمؤمنين ‪ ،‬فليس المقصود بالمؤمنين االّ المهاجرين واالنصار ‪.‬‬
‫‪ .2‬اخبر سبحانه وتعالى بانه قد ألف بين المؤمنين ‪ ،‬وهذه شهادة من هللا بأن‬
‫الصحابة كانوا متحابين فيما بينهم وان تلك المودة قد أوجدها هللا بينهم‬
‫بإرادته التكوينية وليس بجهود النبـي وحده ‪ ،‬فهل نصدق هللا أم نصدق‬
‫الشيعة الذين يتهمون الصحابة بالتنازع والشقاق؟‬
‫‪ .3‬الفقرة االخيرة لها معنيان كالهما فيه مدح للصحابة ‪ ،‬المعنى االول ‪ :‬يا‬
‫أيها النبـي يكفيكم ‪ ،‬أنت ومن معك‪ ،‬تأييد هللا ونصره ‪ ،‬فقرن بين الرسول‬
‫والصحابة ‪ ،‬والثانى‪ :‬يا أيها النبـي يكفيك هللا والمؤمنونـ الذين معك ‪ ،‬فقرن‬
‫هللا سبحانه بينه وبين صحابة رسوله ‪ ،‬وهذا يؤيده مطلع اآلية ‪.‬‬
‫‪-4‬ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل هللا والذين‬
‫آووا ونصروا اولئك بعضهم اولياء بعض‪"..‬االنفال‪72/‬‬
‫داللة اآلية‪ :‬اآلية صريحة بان المهاجرين واالنصار بعضهم اولياء بعض ‪ ،‬اي‬
‫بعضهم يحب بعضا وينصر بعضا ‪ ،‬فأين العداء والتحاسد والبغضاء كما يقول‬
‫الشيعة؟‬
‫‪ -5‬والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل هللا والذين آووا ونصروا اولئك‬
‫هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم‪ .‬والذين آمنوا من بعد وهاجروا‬
‫وجاهدوا معكم فاولئك منكم" االنفال‪75-74/‬‬
‫داللة اآلية‪ :‬هذه شهادة من هللا بأن المهاجرين واالنصار هم مؤمنون حقيقيون‬
‫وصادقون وان هللا وعدهم الرزق الكريم ‪ ،‬هم والذين آمنوا وهاجروا بعدهم ‪.‬‬
‫فمن نصدق ‪ :‬هللا ام الشيعة الذين يتهمون الصحابة بالنفاق؟‬
‫‪"-6‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل هللا باموالهم وانفسهم اعظم درجة‬
‫عند هللا واولئك هم الفائزون ‪.‬يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوانـ وجنات لهم‬
‫فيها نعيم مقيم‪ .‬خالدين فيها ابدا ‪ ،‬ان هللا عنده اجر عظيم‪".‬التوبة‪22-20/‬‬
‫اآلية ال تحتاج الى تفسير او تعليق فداللتها واضحة وال تحتاج الى مزيد بيان‪:‬‬
‫"الذين آمنوا ‪ ،‬وهاجروا‪ ،‬وجاهدوا" هناك اناس آمنوا وهاجروا وجاهدوا‪.‬‬
‫" في سبيل هللا " ال في سبيل الجاه والمنصبـ ‪.‬‬
‫ليس باموالهم فحسب بل "باموالهم وانفسهم" !‬

‫‪78‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(79‬‬
‫انهم اعظم درجةً ‪ ،‬ممن؟ واضح انه من كل الذين جاؤوا من بعدهم ‪.‬عند من؟‬
‫عند هللا سبحانه وتعالى!‬
‫ولم يكتف هللا سبحانه بالقول‪" :‬اولئك هم الفائزون" بل زاد عليه ‪" :‬يبشرهم‬
‫ربهم برحمة منه ورضوان وجنات" ثم قال ‪" :‬لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها‬
‫ابدا"‬
‫فهل كان هللا يجهل (حاشاه وسبحانه وتعالى عما ينسبه اليه الجاهلون) ان‬
‫هؤالء سينقلبون على اعقابهم حتى يشهد لهم هذه الشهادة ويعدهم هذا الوعد؟‬
‫‪"-7‬فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي ُأنزل معه ُأولئك هم‬
‫المفلحون‪ ".‬االعراف‪/‬ـ‪157‬‬
‫وهذه االية ايضا التحتاج الى تفسير وتعليق ‪ ،‬فهي شهادة من هللا للصحابة على‬
‫انهم آمنوا برسالة محمد وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه‬
‫والذي هو القرآن وشهد لهم بانهم هم المفلحون والضمير هم هنا يفيد‬
‫التخصيص! فهل بعد هذه الشهادة من شهادة؟‬
‫‪ -8‬لقد نصركم هللا في مواطن كثيرة ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن‬
‫عنكم من هللا شيئا وضاقت عليكم االرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين‪ .‬ثم انزل‬
‫سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا‬
‫وذلك جزاء الكافرين‪".‬التوبة‪/‬ـ‪26-25‬‬
‫هنا يقر القرآن بانهم انهزموا اول االمر فهل عاقبهم هللا ام اعانهم؟ اآلية‬
‫صريحة في ان هللا اعانهم وايدهم وثبتهم وانزل معهم جنودا يقاتلون معهم‬
‫ويثبتونهم‪.‬وحصلـ هذا في أواخر العهد المدني ‪ ،‬بعد غزوة حنين‪.‬‬
‫‪-9‬لقد تاب هللا على النبـي والمهاجرين واالنصار الذين اتبعوه في ساعة‬
‫العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه رؤوف رحيم‪.‬‬
‫وعلى الثالثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم االرض بما رحبت وضاقت‬
‫عليهم انفسهم وظنوا ان الملجأ من هللا االّ اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ان هللا هو‬
‫التواب الرحيم"التوبة‪118-117/‬‬
‫هنا يقر هللا بان بعض الصحابة تلكئوا اول االمر ولكن هل عاقبهم هللا؟‬
‫ال ‪ ،‬بل تاب عليهم ! ولم تشمل التوبة الذين تلكئوا وانما عممها هللا سبحانه‬
‫وتعالى على كل من خرج في تلك الغزوة بمن فيهم رسول هللا ‪.‬‬
‫‪-10‬في بيوت اذن هللا ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو واآلصال‬
‫‪ .‬رجال ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر هللا واقام الصالة وايتاء الزكاة‬
‫يخافون يوما تتقلب فيه القلوب واالبصار ‪ .‬ليجزيهم هللا احسن ما عملوا‬
‫ويزيدهم من فضله ‪ ،‬وهللا يرزق من يشاء بغير حساب"النور ‪38-36/‬‬
‫‪79‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(80‬‬
‫شهادة من هللا للصحابة بانهم رجال ‪ ،‬وهذا مديح لهم وثناء عليهم ‪ ،‬يسبحون هللا‬
‫على الدوام وال تلهيهم ال تجارة ‪ ،‬أي تجارة ‪ ،‬وال بيع وال متاع الدنيا‪.‬‬
‫‪"-11‬هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ‪،‬‬
‫وهلل جنود السموات واالرض وكان هللا عليما حكيما‪.‬ليدخل المؤمنين‬
‫والمؤمنات جنات تجري من تحتها االنهار خالدين فيها ‪ ،‬ويكفر عنهم سيآتهم‬
‫وكان ذلك عند هللا فوزا عظيما"الفتح‪5/‬‬
‫شهادة من هللا ان الذين بايعوا رسول هللا ‪ ‬تحت الشجرة مؤمنون ‪ ،‬وان‬
‫هللا انزل عليهم السكينة ليزدادوا ايمانا ‪ ،‬وزيادة االيمان قد حصلت لهم الن‬
‫شرطها قد تحقق وهو انزال السكينة‪.‬فهل بعد هذه الشهادة من شهادة؟‬
‫‪"-12‬لقد رضي هللا عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم‬
‫فأنزل السكينة عليهم واثابهم فتحا قريبا‪.‬ومغانم كثيرة يأخذونها وكان هللا عزيزا‬
‫حكيما‪ .‬وعدكم هللا مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف ايدي الناس عنكم‬
‫ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما"‪.‬الفتح‪20-18/‬‬
‫مرة اخرى شهد هللا للذين بايعوا النبـي تحت الشجرة انهم مؤمنون‪ ،‬ثم اعلن‬
‫سبحانه رضاه عنهم مؤكدا ثالث مرات‪ :‬مرة باستعمال صيغة الماضي ثم‬
‫بادخال( قد) عليه ثم بادخال الالم على قد ‪ ،‬ثم شهد لهم باالخالص فقال ‪ :‬فعلم‬
‫ما في قلوبهم ‪ ،‬أي من االخالص والصدق والتقوى ‪ ،‬لذلك انزل سكينته عليهم‬
‫واثابهم فتحا قريبا ‪ .‬وهذا كله بعد كل ما بدر من بعض الصحابة من‬
‫اعتراضات على االتفاقية التي ابرمها الرسول ‪ ‬مع قريش في الحديبية‪.‬‬
‫‪"-13‬لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم وانفسهم‪ ،‬اولئك لهم‬
‫الخيرات واولئك هم المفلحون ‪.‬اعد هللا لهم جنات تجري من تحتها االنهار‬
‫خالدين فيها ذلك الفوز العظيم" التوبة‪89-88/‬‬
‫وهذه شهادة اخرى ‪" :‬لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم‬
‫وانفسهم"‪ .‬فهل بعد هذه الشهادة من شهادة ؟ هللا سبحانه وتعالى بنفسه يشهد‬
‫لهم بانهم مؤمنون وانهم جاهدوا باموالهم وانفسهم‪ ،‬فمن اصدق من هللا قيال‬
‫ومن اصدق من هللا حديثا ؟ وهذه كأنها شهادة ختامية ألنها مما نزلت في‬
‫اواخر العهد المدني‪.‬‬
‫فمن هؤالء باهلل عليك؟ اليسوا الذين عاشروا محمدا‪ ‬الى اواخر ايامه‬
‫‪ ،‬حيث لم يحدث قتال يذكر بعده بين المسلمين والمشركين فهل يشهد هللا لقوم‬
‫سبق في علمه انهم سينقلبون على اعقابهم بعد مدة وجيزة ‪ ،‬وكيف يعدهم الجنة‬
‫والخيرات ويصفهم بالفالح؟‬

‫‪80‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(81‬‬
‫‪"-14‬والسابقون االولون من المهاجرين واالنصار والذين اتبعوهم باحسان‬
‫رضي هللا عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها االنهار خالدين فيها‬
‫ابدا ذلك الفوز العظيم" التوبة‪100/‬‬
‫هنا لم يقتصر الرضا عن السابقين االولين من المهاجرين واالنصار بل‬
‫شمل الذين اتبعوهم باحسان ممن اسلم بعد الفتح ‪ ،‬وليس هذا فحسب بل هم‬
‫ايضا رضوا عن هللا ‪ ،‬وهذا تكريم ما بعده تكريم‪ ،‬وقد اعد هللا لهم الجنات‬
‫وقضي االمر‪ .‬وال يخلف هللا الميعاد ‪.‬‬
‫ومن هم السابقون االولون ان لم يكونوا الخلفاء االربعة واالنصار وبقية‬
‫المهاجرين؟‬
‫‪-15‬للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضال من‬
‫هللا ورضوانا وينصرونـ هللا ورسوله واولئك هم الصادقون‪.‬والذينـ تبوؤا الدار‬
‫وااليمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم وال يجدون في صدورهم حاجة مما‬
‫اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك‬
‫هم المفلحون ‪.‬والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا والخواننا الذين‬
‫سبقونا بااليمان وال تجعل في قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا انك رؤوف‬
‫رحيم"الحشر‪10-8/‬‬
‫شهادة من هللا لهذا الجيل الفريد باالخالص والجهاد والصدق وااليثار ‪ ،‬وقرار‬
‫منه سبحانه بحقهم انهم مفلحون‪.‬‬
‫مالحظة ‪ :‬لماذا ذكر القران الذين يأتون من بعدهم؟‬
‫أ‪.‬ليعرف المسلمون فضل من سبقوهم وأوصلوا اليهم هذا الدين فيدعوا لهم‬
‫ويستغفروا لهم ‪ ،‬ولربط مستقبل االمة بماضيها‪.‬‬
‫ب‪ .‬لقد سبق في علم هللا انه سيأتي اناس يلعنون هؤالء الصحابة لذلك اراد‬
‫‪1‬‬
‫سبحانه ان يبين ان هذا العمل مخالف ألمر هللا ومناف لشروط االيمان ‪.‬‬
‫‪ . 1‬عن جعفر بن محمد ابن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي هللا عنه‪ ،‬أنه جاءه رجل فقال‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬ما تقول في عثمان؟ فقال له‪ :‬يا أخى أنت من قوم قال هللا‬ ‫له‪ :‬يا ابن بنت رسول هللا َ‬
‫فيهم‪ :‬لِ ْلفُقَرا ِء ْال ُمها ِج ِرينَ اآلية‪ .‬قال ال! قال‪ :‬فوهللا لئن لم تكن من أهل اآلية «‪ »1‬فأنت من قوم قال هللا‬
‫فيهم‪َ :‬والَّ ِذينَ تَبَوَُّؤا ال َّدا َر َواِإْل يمانَ اآلية‪ .‬قال ال قال‪ :‬فوهللا لئن لم تكن من أهل اآلية الثالثة لتخرجن من‬
‫اإلسالم وهي قوله تعالى‪َ :‬والَّ ِذينَ جاُؤ ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم يَقُولُونَ َربَّنَا ا ْغفِرْ لَنا َوِإِل ْخوانِنَا الَّ ِذينَ َسبَقُونا بِاِإْل ِ‬
‫يمان‬
‫اآلية‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن محمد ابن علي بن الحسين‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬روى عن أبيه‪ :‬أن نفرا من أهل العراق‬
‫جاءوا إليه‪ ،‬فسبوا أبا بكر وعمر‪ -‬رضي هللا عنهما‪ -‬ثم عثمان‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬فأكثروا‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أمن‬
‫المهاجرين األولين أنتم؟ قالوا ال‪ .‬فقال‪ :‬أفمن الذين تبوءوا الدار وااليمان منقبلهم؟ فقالوا ال‪ .‬فقال‪ :‬قد‬
‫تبرأتم من هذين الفريقين! أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال هللا عز وجل‪َ :‬والَّ ِذينَ جاُؤ ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم يَقُولونَ‬
‫ُ‬

‫‪81‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(82‬‬
‫‪"-16‬فاستجاب لهم ربهم اني ال اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى‬
‫بعضكم من بعض فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واُوذوا في سبيلي‬
‫وقاتلوا وقُتلوا الكفرن عنهم سيآتهم والدخلنهم جنات تجري من تحتها االنهار‬
‫ثوابا من عند هللا وهللا عنده حسن الثواب"آلـ عمران‪195/‬‬
‫هذه اآلية ترد على الذين يكفرون الصحابة الذين قاتلوا عليا ألن هللا اخبر بانه‬
‫ال يضيع عمل عامل منهم صالحا ‪ ،‬وانه سيكفر عنهم سيآتهم ‪،‬ويدخلهم الجنات‬
‫‪ .‬والخروج على االمام ليس محبطا لالعمال وليس شركا وال كفرا السيما اذا‬
‫كان عن اجتهاد وخير دليل على ذلك موقف علي ‪ ‬عن الخارجين عليه‬
‫ومبايعة الحسن لمعاوية الذي قاتل اباه عندما كان خليفة‪.‬‬
‫‪"-17‬والذين هاجروا في هللا من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة والجر‬
‫اآلخرة اكبر لو كانوا يعلمون"النحل‪/‬ـ‪41‬‬
‫‪"-18‬ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فُتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك‬
‫من بعدها لغفور رحيم"النحل‪110‬‬
‫‪" -19‬اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باهلل واليوم اآلخر‬
‫وجاهد في سبيل هللا ؟ اليستوون عند هللا وهللا اليهدي القوم الظالمين ‪ .‬الذين‬
‫آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل هللا باموالهم وانفسهم اعظم درجة عند هللا‬
‫واولئك هم الفائزون ‪ .‬يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها‬
‫نعيم مقيم خالدين فيها ابدا ان هللا عنده اجر عظيم" التوبة‪.22-19‬‬
‫‪"-20‬ال يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل ‪ ،‬اولئك اعظم درجة من‬
‫الذين انفقوا من بعد وقاتلوا‪ ،‬وكال وعد هللا الحسنى وهللا بما تعملون خبير "‬
‫الحديد‪11/‬‬
‫دلت اآلية على ان جميع الصحابة يدخلون الجنة‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل صرحت‬
‫اآلية بأن الجميع –سواء من أنفق وقاتل قبل الفتح أو بعده‪ -‬ال يدخلون النار وال‬
‫يسمعون حسيسها‪،‬ألن هللا وعدهم بالحسنى‪ ،‬والحسنى تفسرها هذه اآليات من‬
‫ت لَهُ ْم ِمنَّا ْال ُح ْسنَى ُأولَِئ َ‬
‫ك َع ْنهَا ُم ْب َع ُدونَ (‪ )101‬اَل‬ ‫سورة األنبـياء ‪ِ:‬إ َّن الَّ ِذينَ َسبَقَ ْ‬
‫ت َأ ْنفُ ُسهُ ْم خَالِ ُدونَ (‪ )102‬اَل يَحْ ُزنُهُ ُم ْالفَزَ ُ‬
‫ع‬ ‫يَ ْس َمعُونَ َح ِسي َسهَا َوهُ ْم فِي َما ا ْشتَهَ ْ‬
‫اَأْل ْكبَ ُر َوتَتَلَقَّاهُ ُم ْال َماَل ِئ َكةُ هَ َذا يَوْ ُم ُك ُم الَّ ِذي ُك ْنتُ ْم تُو َع ُدونَ (‪))103‬‬

‫َربَّنَا ا ْغفِرْ لَنا َوِإِل ْخوانِنَا الَّ ِذينَ َسبَقُونا بِاِإْل يما ِن َوال تَجْ َعلْ فِي قُلُوبِنا ِغاًّل لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا َربَّنا ِإنَّكَ َر ٌ‬
‫ُؤف َر ِحي ٌم‬
‫قوموا‪ ،‬فعل هللا بكم وفعل! تفسير القرطبـي‬

‫‪82‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(83‬‬
‫‪"-21‬وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول‬
‫عليكم شهيدا‪"......‬البقرة‪/‬ـ‪143‬‬
‫‪"-22‬ال تجد قوما يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله ولو‬
‫كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم االيمان‬
‫وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها االنهار خالدين فيها رضي‬
‫هللا عنهم ورضوا عنه أولئك حزب هللا أال إن حزب هللا هم المفلحون"المجادلة‪/‬‬
‫‪22‬‬
‫‪"-23‬اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل هللا سكينته‬
‫على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها ‪،‬‬
‫وكان هللا بكل شيء عليما" الفتح ‪26/‬‬
‫‪"-24‬فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فإنما هم في شقاق‬
‫فسيكفيكهم هللا وهو السميع العليم"البقرة‪.137/‬‬
‫‪ "-25‬وقل اعملوا فسيرى هللا عملكم ورسوله والمؤمنون" التوبة‪105/‬‬
‫‪"-26‬وهلل العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ال يعلمون" المنافقون‪8/‬‬
‫‪ "-27‬بل ظننتم ان لن ينقلب الرسول والمؤمنونـ الى اهليهم أبداً"‪.‬الفتح ‪.12/‬‬
‫‪"-28‬إالّ تنصروه فقد نصره هللا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه ال‬
‫تحزن ان هللا معنا ‪ ،‬فأنزل هللا سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة‬
‫الذين كفروا السفلى وكلمة هللا هي العليا وهللا عزيز حكيم"التوبة ‪40/‬‬
‫هذه اآلية واضحة الداللة على فضل ابي بكر وال ينكره اال مكابر‬
‫فالمعية هنا معية تأييد وتوفيق ال فقط معية العلم واالحاطة ‪ ،‬واختيار ابي بكر‬
‫‪ ‬في هذه الرحلة فيه اكثر من مغزى ‪ ،‬فاضافة الى داللته على حب الرسول‬
‫‪‬له وثقته به فانه فيه اشارة وافهام للناس بأن ابا بكر وزيره وخليفته من بعده‬
‫وانه موضع ثقته ‪ .‬وهذه هي اقرب دالالت هذه الحادثة ‪ ،‬فلو اضفنا اليها‬
‫انتدابه للصالة بالناس في مرض موته ‪ ‬وانتدابه للحج بالناس نيابة عنه لما‬
‫خرجنا بغير هذه النتيجة‪.‬‬
‫فهذه ثمان و عشرون آية ‪ ،‬كلها محكمة‪ ،‬وتدل داللة قاطعة على ان‬
‫الذين كانوا مع النبـي (‪ )r‬كانوا مؤمنين بحق ومخلصين لهذا الدين‪ ،‬وأنهم قد‬
‫ضحوا في سبيله بكل غا ٍل ونفيس‪ ،‬وانهم آثروا دينهم على أهليهم وأنهم ماكانوا‬
‫يرجون من ورائها سوى رضى هللا ‪ ،‬وبهذا اليجوز معارضة هذه اآليات‬

‫‪83‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(84‬‬
‫بآيات متشابهة أو آيات عتابية كان الهدف منها تربيتهم وتنشئتهم تنشئة ربانية‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اقوال علي في الصحابة‪:‬‬


‫‪.1‬قوله في الصحابة بصفة عامة في خطبة اشتكى فيها اصحابه ثم ذكر في‬
‫مقابلهم الصحابة ليعرفوا اين هم من هؤالء فيقتدوا بهم‪:‬‬
‫ض ْل َعها‬
‫" اريد أن اُداوي بكم وانتم دائي ‪ ،‬كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم ان َ‬
‫معها ‪ .‬اللهم قد ملّت اطباء هذا الدا ِء الدويِّ ‪ ،‬وكلّت النزعة بأشطان الرك ِّي‪ .‬أين‬

‫‪ . 1‬طريقة احتجاج الشيعة باالحاديث النبوية ‪:‬‬


‫واتماما للفائدة نقلت هذا الموضوع من كتاب احاديث يحتج بها الشيعة للشيخ عبد الرحمن دمشقية ‪:‬‬
‫وكانت شبهاتهم واحتجاجاتهم على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬أحاديث صحيحة السند ولكنهم يأتون فيها بفهم خاص بهم‪ .‬مثال ذلك حديث (إني تارك فيكم الثقلين‪..‬‬
‫فحث على كتاب هللا ورغب فيه ثم قال‪ :‬وأهل بيتي أذكركم هللا في أهل بيتي)‪ .‬فيزعمون أن الرسول أمر‬
‫في هذا الحديث بالتمسك بأهل البيت‪ .‬بينما السياق يفرق بين التمسك بالثقل األول وهو القرآن وبين اتقاء‬
‫هللا في أهل البيت وعدم اتخاذهم غرضا‪ .‬وقد اتخذهم الشيعة وسيلة ألكل أموال الناس بالباطل فيأمرون‬
‫العوام بأداء خمس أموالهم باسم أهل البيت‪ .‬وهددوهم وتوعدوهم بعدم قبول أعمالهم إن لم يؤدوا لهم‬
‫الخمس‪ .‬ولضمان استدامة ضخ هذا المصدر ولئال تكون اجتماعاتهم علمية قد يواجهون فيها أسئلة‬
‫المتسائلين جعلوا مواضيع مجالسهم تارة في البكاء على الظلم الذي تعرض له أهل البيت بزعمهم وتارة‬
‫بإطرائهم والغلو فيهم حتى التأليه والتقديس‪.‬‬
‫والتزموا استعداء أصحاب النبـي وأزواجه‪ :‬عائشة وحفصة رضي هللا عنهما‪ .‬وبهذا ال يعود‬
‫لهم أي مستمسك في الحديث ألن الحديث يفيد التحذير من اتخاذ أهل البيت غرضا لتحقيق المكاسب‬
‫والمآرب الدنيوية‪ .‬وأما الطعن في البعض اآلخر من أهل البيت فالمراد منه إثارة العامة وتثبيت الحقد‬
‫عندهم بما يحقق تعصبهم للباطل ورد الحق‪.‬‬
‫‪ -2‬أحاديث ضعيفة يوهمون الناس أنها حجة علينا وهي ليست كذلك حتى تكون على شرطنا‪ .‬وإن صحة‬
‫سند الحديث هو شرطنا لقبوله وال نكتفي في قبوله بمجرد كونه في كتب الحديث‪ ،‬اللهم إال البخاري‬
‫ومسلم اللذين أجمعت األمة على تلقيهما بالقبول والتسليم‪ .‬وأكثر رواة هذه األحاديث من الشيعة والشيعة‪،‬‬
‫يكذب طائفة من الشيعة أحاديث ثم يأتي آخرون يحتج على وجودها عندنا وفي كتبنا‪ .‬وقد تكون في كتب‬
‫نقد الرواة أوردها النقاد كالذهبي وغيره ليجعلوها نموذجا على أكاذيب الرواة الكذابين‪ ،‬فيحتج بها الشيعة‬
‫المعاصرون علينا وكأننا قد سلمنا بصحتها‪.‬‬
‫وتمادوا في ذلك حتى صاروا يأتون بالروايات من كتب الشعراء والمفكرين المعاصرين كمحمود عباس‬
‫العقاد وأحمد شوقي ولم يكتفوا فقط بالرواية من كتب التاريخ ‪.‬‬
‫وإننا نعلن أن كل حديث يأتوننا به ليحتجوا به علينا مما ليس على شرطنا في الصحة هذا فال تقوم لهم به‬
‫حجة علينا‪.‬‬
‫‪ -3‬أحاديث يوهمون صحتها‪ .‬مثل حديث « من أحب هذين ‪ -‬أي الحسن والحسين ‪ -‬وأباهما كان معي في‬
‫درجتي في الجنة» رواه الترمذي وقال «حديث حسن غريب ال نعرفه من حديث جعفر بن محمد إال من‬

‫‪84‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(85‬‬
‫القوم الذين ُدعوا الى االسالم فقبلوه ‪ ،‬وقرُأوا القرآن فأحكموه ‪ .‬و ِهيجوا الى‬
‫القتال فَ َولِهُوا َولَهَ اللِّقاح الى اوالدها وسلبوا السيوف اغمادها‪ .‬واخذوا باطراف‬
‫االرض زحفا زحفا وصفا صفا ‪ .‬بعضٌ هلك وبعض نجا ‪ .‬اليبشرون باالحياء‪،‬‬
‫وال يعزون عن الموتى‪ُ .‬مرْ ه ُ العيون من البكاء ‪ .‬وخمص البطون من الصيام‪.‬‬
‫ُذ ْب ُل الشفاه من الدعاء‪ .‬صفر االلوان من السهر ‪ .‬على وجوههم غبرة‬

‫هذا الوجه‪ .‬في حين يكتفون بنقل كلمة واحدة من هذه العبارة (حديث حسن)‪ .‬ويقطعون بقية كالمه‬
‫(غريب) بما يدل على الطعن في السند‪.‬‬
‫وقد أكد الحافظ أن الترمذي « إذا وصف حديثا بالحسن فال يلزم عنده أن يحتج له‪ ،‬ودليل ذلك أنه أخرج‬
‫حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن الحصين ثم قال بعده « هذا حديث حسن‬
‫وليس إسناده بذاك» (سنن الترمذي‪ 2/128‬وانظر النكت على ابن الصالح‪ 1/402‬توضيح األفكار‬
‫‪ .)1/179‬أضف إلى ذلك أنه قد يحسّن لبعض المعروفين بضعفهم مثل عطية العوفي‪ .‬وقد يتساهل في‬
‫التحسين‪ .‬ولهذا صرح جمع من أهل العلم بأنه ال يعتمدـ على تصحيحه كما صرح به الذهبي‪ .‬ونبه عليه‬
‫المنذري في الترغيب‪.‬‬
‫‪ -4‬أحاديث صحيحة ولكنها شاذة مخالفة ألحاديث أوثق منها سندا‪.‬‬
‫‪ -5‬أحاديث ينكرونها علينا وعندهم مثلها تماما‪ .‬كما في حديث طواف النبـي على أهله في ليلة واحدة‬
‫بغسل واحد‪ .‬وكما سوف ترى في أحاديث الصفات‪ ،‬فإنهم ينكرون علينا من الروايات ما قد امتألت به‬
‫كتبهم بل وصححها علماؤهم‪ .‬كما في الحديث (وإن األنبـياء لم يورثوا درهما وال دينارا ولكن ورثوا‬
‫العلم)‪ .‬فإن الشيعة ينقمون على أبي بكر احتجاجه بهذا الحديث الذي بسببه لم يعط فاطمة أرض فدك‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد صححوا إسناده كما فعل المجلسي والنراقي والخميني وغيرهم‪ .‬كذلك حديث التبول واقفا‬
‫فقد شنعوا فيه علينا الشناعات العظيمة ومع ذلك فالحديث مروي عندهم في كتاب الكافي‪.‬‬
‫‪ -6‬أحاديث مشتهرة ومتعددة الطرق لكنها لم تثبت كحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) ومنها ما صححه‬
‫علماؤنا بتعدد طرقه وشواهده كحديث (من كنت مواله فهذا علي هو مواله) وهو صحيح ولكن يخرجه‬
‫الشيعة عن سياقه المتعلق ببغض بعض الناس لعلي فنبه النبـي على محبته ومواالته مواالة االسالم‪.‬‬
‫والشيعة يحتجون بالحديث على أسبقية إمامته‪ .‬وللحديث تفصيل يمكن الرجوع إليه‪.‬‬
‫‪ -7‬أحاديث يحرفونها لفظا مثل (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب هللا وعترتي)‪ .‬وجعلها‬
‫الشيعة بالمثنى (بهما) وهناك فرق بين قوله (بهما) وقوله (به)‪ .‬فإن التمسك ورد مفردا ويعود على‬
‫القرآن فقط‪ .‬ومثل (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)‪ .‬وليس الحديث بهذا اللفظ‪ .‬وإنما‬
‫هكذا (من خلع يدا من طاعة)‪.‬‬
‫‪ -8‬كتب في التشيع والرفض ألفها أناس من الشيعة كانوا يتخفون باالنتماء إلى مذاهب سنية فصارت‬
‫كتبهم مصدر االحتجاج علينا من الشيعة المعاصرين‪ .‬ومن هؤالء الكنجي الشافعي (زعموا) والقندوزي‬
‫الحنفي (زعموا)‪ .‬وابن الصباغ المالكي (زعموا)‪ .‬وابن أبي الحديد‪ .‬وقد قمت بتتبعـ تراجمهم وسيرهم‬
‫بدقة بما يفضح هذه اللعبة التي دأبوا عليها في أكثر كتبهم‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(86‬‬
‫الخاشعين ‪ .‬اولئك اخوانى الذاهبون ‪ .‬فحق لنا ان نظمأ اليهم ونعض االيدي‬
‫‪1‬‬
‫على فراقهم‪.‬‬
‫ق‬‫‪ ".2‬ان هللا بعث محمدا وليس احد من العرب يقرأ كتابا وال يدعي نبوة‪ .‬فسا َ‬
‫الناس حتى ب ّوأهم محلتهم وبلغهم منجاتهم فاستقامت قَناتُهُم واطمأنت‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬ ‫ُ‬
‫صفاتهُم‪".‬‬‫َ‬
‫‪ ".3‬ولقد كنا مع رسول هللا‪ r‬نقتل آباءنا وابناءنا واخواننا واعمامنا ‪ .‬وما يزيدنا‬
‫ضيّا على اللَّقم وصبرا على مضض االلم وج ّدا في‬ ‫ذلك االّ ايمانا وتسليما و ُم ِ‬
‫جهاد العدو‪ .‬ولقد كان الرجل منا واآلخر يتصاوالن تصاول الفحلين ‪.‬‬
‫يتخالسان انفسهما ايهما يسقي صاحبه كأس المنون‪ .‬فمرة لنا من عدونا‪ ،‬ومرة‬
‫لعدونا منا‪ .‬فلما رآى هللا صدقنا انزل بعدونا ال َكبْت وانزل علينا النص َر حتى‬
‫استقر االسالم ُملقيا ِجرانَه ومتبوئا أوطانَه‪ .‬ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام‬
‫‪3‬‬
‫للدين عمود ‪ ،‬وال اخضر لاليمان عود‪ .‬وأيم هللا لتحتلبُنها دما ولتتبعُنها ندما ‪".‬‬
‫انظر الى الفارق بين اصحابه واصحاب النبـي في نظره‪ .t‬فهل بعد هذه‬
‫الشهادة شهادة؟‬
‫‪.4‬ويقول في خطبة اخرى بعد ذم اصحابه ‪ ":‬لقد رأيت اصحاب محمد ‪ r‬فما‬
‫أرى أحدا يشبههم ‪ ،‬كانوا يصبحون ُشعثا ُغبرا ‪ ،‬وقد باتوا سُجدا وقياما‬
‫يُراوحون بين ِجباههم و ُخدودهم ويقفون على مثل ال َجمر من ذكر َمعادهم ‪،‬‬
‫كأن بين اعينهم رُكب المعزى من طول سجودهم ‪ .‬إذا ُذكر هللاُ هَملت اعينهم‬
‫حتى تبُل جُيوبُهم ‪ .‬ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من‬
‫‪4‬‬
‫العقاب ورجاء الثواب"‪.‬‬
‫‪ " .5‬كانوا قوما من اهل الدنيا وليسوا من اهلها فكانوا فيها كمن ليس منها ‪.‬‬
‫عملوا فيها بما يبصرون ‪ ،‬وبادروا فيها ما يحذرون ‪ .‬تقلب ابدانهم بين‬
‫ظهرانَي أهل اآلخرة ‪ ،‬يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم وهم أشد‬
‫‪5‬‬
‫إعظاما لموت قلوب أحيائهم"‪.‬‬
‫‪.6‬يقول في مدح عمر بن الخطاب‪ " :t‬هلل بالء فالن لقد ق ّوم االود وداوى العمد‬
‫‪ .‬خلف الفتنة وأقام السنة‪ .‬ذهب نقي الثوب ‪ ،‬قليل العيب ‪ .‬أصاب خيرها وسبق‬

‫‪. 1‬نهج البالغة شرح االمام محمد عبده ج‪ 1‬ص‪/150‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع –بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫‪. 2‬نفس المصدرج‪1‬ص‪.55‬‬
‫‪. 3‬نفس المصرج‪1‬ص‪.69‬‬
‫‪ . 4‬نفس المصدرج‪ 1‬ص‪.123‬‬
‫‪. 5‬نفس المصدرج‪2‬ص‪.286‬‬
‫‪86‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(87‬‬
‫شرها‪ ،‬أدى الى هللا طاعته واتقاه بحقه ‪ .‬رحل وتركهم في طرق متشعبة ال‬
‫‪1‬‬
‫يهتدى فيها الضال وال يستيقن المهتدى‪".‬‬
‫‪ .7‬قوله لعمر بن الخطاب ‪ t‬حين شاوره في الخروج بنفسه الى قتال الروم‪:‬‬
‫"انك متى تسر الى هذا العدو بنفسك فتلقهم بشخصك فتُنكب ال تكن للمسلمين‬
‫كانفة دون اقصى بالدهم ‪ .‬ليس بعدك مرجع يرجعون اليه ‪ .‬فابعث اليهم رجال‬
‫ِمحْ َربا‪ ،‬واحفز معه اهل البالء والنصيحة ‪ ،‬فان اظهر هللاُ فذاك ما تحب ‪ ،‬وان‬
‫‪2‬‬
‫تكن االخرى كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين"‪.‬‬
‫‪ .8‬وايضا قوله لعمر حين استشاره في الشخوص لقتال الفرس بنفسه‪ ":‬ان هذا‬
‫االمر لم يكن نصره وال خذالنه بكثرة وال قلة وهو دين هللا الذي أظهره ‪،‬‬
‫وجُنده الذي اع َّده وام َّده ‪ .‬حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع ‪ .‬ونحن على موعود‬
‫من هللا ‪ .‬وهللا منجز وعده وناصر جنده ومكان القيم باالمر مكان النظام من‬
‫الخرز يجمعه ويضمه ‪ .‬فان انقطع النظام تفرق وذهب ‪ ،‬ثم لم يجتمع بحذافيره‬
‫ابدا والعرب اليوم وان كانوا قليال فهم كثيرون باالسالم وعزيزون باالجتماع ‪.‬‬
‫فكن قطبا ‪ ،‬واستدر الرحى بالعرب ‪ .‬وَأصلِهم دونك نار الحرب ‪ ،‬فانك ان‬
‫شخصت من هذه االرض انتقضت عليك العرب من اطرافها واقطارها ‪،‬‬
‫حتى يكون ما تدع من وراءك من العورات اهم اليك مما بين يديك‪ .‬وان‬
‫االعاجم ان ينظروا اليك غدا يقولوا هذا اصل العرب فاذا قطعتموه استرحتم ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فيكون ذلك اشد ل َكلَبِهم عليك وطمعهم فيك‪".‬‬
‫فانظر هداك هللا وايانا هل هذه نصيحة من ُغصب حقُّه وضُربت زوجتُه‬
‫واُسقط جنينه لمن ظلمه وارتكب في حقه وحق االسالم تلك الجرائم التي‬
‫ينسبها الشيعة اليه؟!‬
‫‪.9‬ومن كالم له ‪ t‬لما اجتمع الناس عليه وشكوا ما نقموه على عثمان وسألوه‬
‫مخاطبته عنهم واستعتابه لهم ‪ ،‬فدخل عليه فقال‪ " :‬ان الناس ورائي وقد‬
‫استسفروني بينك وبينهم ووهللا ما أدري ما أقول لك؟ ما أعرف شيئا تجهله ‪،‬‬
‫وال أ ُدلُّك على أمر ال تعرفه‪ .‬إنك لتعلم ما نعلم ‪ .‬ما سبقناك الى شيء فنخبرك‬
‫عنه ‪ ،‬وال خلونا بشيء فنُبلِ َغ َكهُ ‪ .‬وقد رأيت كما رأينا ‪ ،‬وسمعت كما سمعنا ‪،‬‬
‫وصحبت رسول هللا ‪r‬كما صحبنا‪ .‬وما ابن ابي قحافة وال ابن الخطاب أولى‬
‫بعمل الحق منك ‪ ،‬وأنت أقرب الى رسول هللا ‪ r‬وشيجة رحم منهما‪ ،‬وقد نلت‬

‫‪ . 1‬نفس المصدرج‪ 2‬ص ‪.284‬‬


‫‪. 2‬نفس المصدر ج‪ 2‬ص‪.165‬‬
‫‪ . 3‬نفس المصدر ج‪ 2‬ص‪.172-171‬‬
‫‪87‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(88‬‬
‫صهره ما لم يناال‪ .‬فاهللَ هللاَ في نفسك‪ ،‬فانك وهللا ما تُبَصَّر من عَمى وال‬
‫من ِ‬
‫‪1‬‬
‫تُ َعلَّم من جهل ‪ ،‬وان الطرق لواضحة ٌ ‪ ،‬وان أعالم الدين لقائمة‪" .‬‬
‫هنا نالحظ عدة امور‪:‬‬
‫‪1‬ا‪ .‬علي ‪ t‬ينفي عن نفسه ان يكون عنده علم خاص به وأن يكون الرسول قد‬
‫خصه بشيء‪.‬‬
‫‪ .2‬ان سيرة ابي بكر وعمر وحكمهما كان مرضيا عند المسلمين بمن فيهم‬
‫علي وانهما كانا يعمالن بالحق‪.‬‬
‫‪.3‬ان عثمان هو صهر النبـي على الحقيقة ال كما يدعي بعض الشيعة بأن رقية‬
‫وام كلثوم لم تكونا من بنات الرسول وانما كانتا بنات هالة اخت خديجة !‬
‫نكتفي بهذا القدر من اقوال علي ‪ t‬تجنبا لالطالة‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬االدلة العقلية‪:‬‬
‫اما االدلة العقلية على ايمان واخالص الصحابة فهي كثيرة جدا وال تخفى اال‬
‫على من اغمض عينيه ازاءها وتعمد عدم رؤيتها‪.‬وهذه بعضها‪:‬‬
‫‪ -1‬نشر الصحابة لالسالم‪:‬‬
‫لو لم يكن الصحابة متقين ومؤمنين حقيقيين هل كانوا ينشرون االسالم ؟‬
‫من المعلوم ان اغلب الفتوحات تمت في عهد الخلفاء الراشدين الثالثة ‪ :‬ابوبكر‬
‫الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان‪ ،‬ثم في عهد االمويين ثم‬
‫العباسيين ثم اخيرا العثمانيين ‪ .‬فلو لم يكن الصحابة مخلصين النقضّوا على‬
‫االسالم بعد وفاة الرسول وألعادوا العرب الى ما كانوا عليه قبل االسالم من‬
‫الشرك والجاهلية ال أن يثبتوه وينشروه ويعيدوا الى حظيرته كل من ارتد عنه‬
‫ويبذلوا في سبيل ذلك مهجهم واموالهم ويخاطروا بحياتهم ‪.‬‬
‫‪-2‬جمعهم للقرآن‪:‬‬
‫كيف جمع الصحابة القرآن ونقلوه الى االجيال القادمة لو لم يكونوا مؤمنين‬
‫بهذا الكتاب ومخلصين لدين هللا؟‬
‫لو كان الصحابة كما يزعم الشيعة منافقين ومرتدين عن االسالم لعمدوا الى‬
‫طمس هذا الكتاب واخفاء تعاليمه أو تبديله‪ .‬ومن الجدير بالذكر ان احدا من‬
‫اهل البيت لم يكن ضمن اللجنة التي كلفت بجمع القران ‪ ،‬ولعل هذا هو احد‬
‫االسباب التي دفعت الشيعة الى القول بان الصحابة حرفوا القران وان القران‬
‫الحقيقي لم يكتبه ولم يجمعه االّ علي ‪.‬‬

‫‪. 1‬نفس المصدر ج‪ 2‬ص‪194‬‬


‫‪88‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(89‬‬
‫‪ -3‬هذا االلتزام الشديد الهل السنة باالسالم وبسنة الرسول (‪ )‬وهذا الحب‬
‫الشديد للرسول‪ r‬والحرص على تقصي آثاره و اتباع سنته من اين انتقل الى‬
‫اهل السنة ؟ اليس عن طريق الصحابة الذين فتحوا البلدان ونشروا االسالم؟‬
‫هل يشك احد في حب اهل السنة للرسول وحرصهم على اتباع سنته واقتفاء‬
‫آثاره وحفظ احاديثه ودراسة سيرته؟‬
‫‪ -4‬هذا االجالل الذي نراه عند اهل السنة لكل من ينتسب الى اهل بيت النبوة‬
‫قديما وحديثا وكل هذه االحاديث التي رووها في فضائل اهل البيت ووجوب‬
‫محبتهم وتوقيرهم من اين جاءتنا؟ الم تأتنا كلها عن طريق الصحابة ؟ اال يدل‬
‫هذا على صدق واخالص الصحابة وانصافهم ؟ ‪.‬‬
‫افتح اي كتاب للحديث سترى فيه ابوابا مستقلة عن وجوب محبة اهل البيت‬
‫وتوقيرهم ‪ ،‬وهذا الحب والتقدير هو الذي حدا بالكثيرين الى ادعاء االنتساب‬
‫الى هذا البيت الكريم!‪.‬‬
‫‪ -5‬هذا االهتمام البالغ الهل السنة بالعلوم االسالمية ‪ ،‬من علوم القران وعلوم‬
‫الحديث والحرص الشديد على جمع وتدوين السنة وتنقية االحاديث النبوية‬
‫وبذل اعظم الجهود في هذا السبيل وكذلك السيرة النبوية المطهرة ووضع علم‬
‫اصول الفقه لضبط الفتاوى لكي ال يتقول الناس على الدين باهوائهم ما‬
‫يشاؤون ‪ ،‬الم ياخذها اهل السنة من الصحابة؟ أال يدل على اخالص الصحابة‬
‫وصدق ايمانهم ؟‬
‫انك اذا راجعت المكتبة االسالمية ورأيت هذا الكم الهائل من الكتب لعلمت‬
‫مدى اهتمام اهل السنة باالسالم وعلومه وتاريخه وكتابه ‪.‬‬
‫انظر الى السيرة النبوية وقارن بين ما كتبه السنة عن حياة الرسول (‪)‬‬
‫وما كتبه الشيعة ‪ :‬سترى الفرق شاسعا جدا فاهل السنة كتبوا في سيرة الرسول‬
‫مئات الكتب قديما وحديثا بينما ما كتبه الشيعة عن سيرة الرسول ‪-‬السيما‬
‫الشيعة المتاخرون ‪ -‬قليل جدا مما يدل على شدة اهتمام اهل السنة بحياة‬
‫الرسول وسيرته وكل هذه االمور مروية عن صحابة رسول هللا وعرفها‬
‫الناس عن طريقهم ‪ .‬فلولم يكن الصحابة مؤمنين حقيقيين ومخلصين هل كانوا‬
‫ير ُوون كل هذه االمور في فضائل الرسول وشمائله؟ اال يدل هذا على اخالص‬
‫الصحابة وصدقهم وحبهم لالسالم ورسول االسالم؟‬
‫وكذلك اهتمام اهل السنة بعلوم القران السيما اعجاز القران الذي لم‬
‫يكتب فيه الشيعة شيئا يذكر ويكاد يكون اسهامهم فيه صفرا وكان جل اهتمامهم‬
‫من بين علوم القران بالتفسير وذلك لتأويله واالستدالل به على صحة مذهبهم‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(90‬‬
‫وكذلك السنة النبوية المطهرة فنادراً ما ترى الشيعة يرفعون احاديثهم‬
‫الى رسول هللا (‪ )‬بل يقصرونها على ائمة اهل البيت وال تجد عندهم ذلك‬
‫االهتمام بتنقية االحاديث المنسوبة الى الرسول او الى اهل بيته وال يعرف لهم‬
‫جهد يُذكر في هذا المجال على عكس اهل السنة الذين بذلوا جهودا عظيمة في‬
‫جمع احاديث الرسول وتمييز صحيحها من ضعيفها وماوضع على لسان‬
‫رسول هللا (‪ )‬وفي معرفة الرجال ومدى وثاقتهم وعدالتهم الخ‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن االدلة الصريحة والواضحة على اخالص الصحابة وصدقهم وتقواهم‬
‫متابعة علي لهم وصالته خلفهم والجهاد معهم والتزاوج معهم وتسمية ابنائه‬
‫باسمائهم ثم اخالصه في نصحهم ومشورتهم واخيرا مدحه لهم في خطبه ‪،‬‬
‫فانهم لو لم يكونوا كذلك لما ساغ لعلي ان يؤيدهم او يصاهرهم او يناصرهم‬
‫او يمتدحهم ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬االدلة التاريخية‪:‬‬
‫يمكن تقسيم هذه االدلة الى قسمين ‪:‬‬
‫اوال‪ :‬حب الصحابة للرسول وطاعتهم له وتوقيرهم اياه في حياته ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حبهم وطاعتهم له وتوقيرهم اياه بعد موته‪.‬‬
‫نماذج من حب الصحابة وطاعتهم للرسول ‪:‬‬
‫‪ -‬قصة زيد بن الدثنة في مكة ‪:‬‬
‫قال ابن إسحاق عند حديثه عن حادثة الرجيع ‪ :‬وأما زيد بن الدثنة‬
‫فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف وبعث به صفوان بن أمية مع‬
‫مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم وأخرجوه من الحرم ليقتلوه واجتمع رهط‬
‫من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل‪ :‬أنشدك‬
‫هللا يا زيد أتحب أن محمداً عندنا اآلن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟‬
‫قال‪ :‬وهللا ما أحب أن محمداً اآلن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه‬
‫وأني جالس في أهلي قال‪ :‬قال أبو سفيان‪ :‬ما رأيت في الناس أحداً يحب أحداً‬
‫‪1‬‬
‫كحب أصحاب محمد محمداً‪ ،‬ثم قتله نسطاس يرحمه هللا‪.‬‬
‫‪-‬امتثال أمره عليه السالم في الخروج إلى بني قريظة ‪:‬‬
‫وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫يصلين أحد العصر إالَّ في بني قُريظة‪ .‬فأدرك‬ ‫َّ‬ ‫عليه وسلم يوم األحزاب‪" :‬ال‬
‫بعضهم العصر في الطريق‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ال نصلِّي العصر حتى نأتيها‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬بلى نصلِّي لم يرد منا ذلك‪ .‬ف ُذكر ذلك للنبـي صلى هللا عليه وسلم فلم‬
‫يعنِّف واحداً منهم‪ .‬وهكذا رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ . 1‬تهذيب سيرة ابن هشام ص‪ ،279‬السيرة النبوية البن كثير ج‪3‬ص‪.128‬‬
‫‪90‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(91‬‬
‫قال مسلم ‪ :‬حدثني عبد هللا بن محمد بن أسماء الضبعي ‪ ،‬ثنا جويرية‬
‫بن أسماء ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن عبد هللا بن عمر قال ‪ ' :‬نادى فينا رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وآله وسلم يوم انصرف عن األحزاب ‪ :‬أن ال يصلين أحد الظهر إال‬
‫في بني قريظة ‪ ،‬فتخوف ناس فوات الوقت فصلوا دون بني قريظة ‪ ،‬وقال‬
‫آخرون ‪ :‬ال نصلي إال حيث أمرنا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ‪ ،‬وإن‬
‫فاتنا الوقت ‪ .‬قال ‪ :‬فما عنف واحدا من الفريقين ' ‪ .‬وقال البخاري بإسناد مسلم‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ‪ ' :‬ال يصلين أحد العصر إال في بني‬
‫قريظة ‪ .‬فأدرك بعضهم العصر في الطريق ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬ال نصلي حتى‬
‫نأتيها ‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬بل نصلي لم يرد منا ذلك ‪ .‬فذكر ذلك للنبـي [ ‪ ، ] r‬فلم‬
‫‪1‬‬
‫يعنف واحداً منهم ' ‪.‬‬
‫‪ -‬قصة ابي لبابة (ربطه نفسه بسارية المسجد لكشفه سر رسول هللا)‪:‬‬
‫صلّى‬ ‫يقول ابن هشام‪" :‬ثُ ّم إنّهُ ْم(اي بني قريظة) بَ َعثُوا إلَى َرسُو ِل هّللا ِ َ‬
‫ف‬ ‫ث إلَ ْينَا َأبَا لُبَابَةَ ْبنَ َع ْب ِد ْال ُم ْن ِذ ِر َأخَا بَنِي َع ْم ِرو ب ِْن عَوْ ٍ‬ ‫هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم َأ ْن ا ْب َع ْ‬
‫س ‪ ،‬لِنَ ْستَ ِشي َرهُ فِي َأ ْم ِرنَا ‪ ،‬فََأرْ َسلَهُ َرسُو ُل هّللا ِ ‪ r‬إلَ ْي ِه ْم فَلَ ّما‬ ‫َو َكانُوا ُحلَفَاء اَأْلوْ ِ‬
‫ق لَهُ ْم‬ ‫ان يَ ْب ُكونَ فِي َوجْ ِه ِه فَ َر ّ‬ ‫ص ْبيَ ُ‬‫ش إلَ ْي ِه النّ َسا ُء َوال ّ‬ ‫ّجا ُل َو َجهَ َ‬ ‫َرَأوْ هُ قَا َم إلَ ْي ِه الر َ‬
‫َوقَالُوا لَهُ يَا َأبَا لُبَابَةَ َأت ََرى َأ ْن نَ ْن ِز َل َعلَى ُح ْك ِم ُم َح ّم ٍد ؟ قَا َل نَ َع ْم َوَأ َشا َر بِيَ ِد ِه إلَى‬
‫ي ِم ْن َم َكانِ ِه َما َحتّى َع َر ْفت‬ ‫ت قَ َد َما َ‬ ‫ال َأبُو لُبَابَةَ فَ َوهّللَا ِ َما زَالَ ْ‬
‫الذ ْب ُح ‪ .‬قَ َ‬ ‫َح ْلقِ ِه إنّهُ ّ‬
‫ت َرسُو َل هّللا ِ ‪r‬‬ ‫ق َأبُو لُبَابَةَ َعلَى َوجْ ِه ِه َولَ ْم يَْأ ِ‬ ‫َأنّي قَ ْد ُخ ْنت هّللا َ َو َرسُولَهُ ‪ r‬ثُ ّم ا ْنطَلَ َ‬
‫َحتّى ارْ تَبَطَ فِي ْال َم ْس ِج ِد إلَى َع ُمو ٍد ِم ْن ُع ُم ِد ِه َوقَا َل اَل َأب َْر ُح ِم ْن ُع ُم ِد ِه َوقَا َل اَل‬
‫صنَعْت ‪َ ،‬وعَاهَ َد هّللا َ َأ ْن اَل َأطََأ بَنِي‬ ‫وب هّللا ُ َعلَ ّي ِم ّما َ‬ ‫َأب َْر ُح َم َكانِي هَ َذا َحتّى يَتُ َ‬
‫قُ َر ْيظَةَ َأبَدًا ‪َ ،‬واَل ُأ َرى فِي بَلَ ٍد ُخ ْنت هّللا َ َو َرسُولَهُ فِي ِه َأبَدًا‪ [ .‬ص ‪] 440‬‬
‫ان ب ُْن ُعيَ ْينَةَ‬ ‫قَا َل اب ُْن ِه َش ٍام ‪َ :‬وَأ ْنزَ َل هّللا ُ تَ َعالَى فِي َأبِي لُبَابَةَ فِي َما قَا َل ُس ْفيَ ُ‬
‫‪ ،‬ع َْن إ ْس َما ِعي َل ب ِْن َأبِي خَالِ ٍد ‪ ،‬ع َْن َع ْب ِد هّللا ِ ب ِْن َأبِي قَتَا َدةَ ‪ { :‬يَا َأيّهَا الّ ِذينَ آ َمنُوا‬
‫ال ‪ . ] 27‬قَا َل‬ ‫اَل تَ ُخونُوا هّللا َ َوال ّرسُو َل َوتَ ُخونُوا َأ َمانَاتِ ُك ْم َوَأ ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ } [ اَأْل ْنفَ َ‬
‫ُول هّللا ِ ‪َ r‬خبَ ُرهُ َو َكانَ قَ ْد ا ْستَ ْبطََأهُ قَا َل َأ َما إنّهُ لَوْ‬ ‫ق ‪ :‬فَلَ ّما بَلَ َغ َرس َ‬ ‫اب ُْن إس َ‬
‫ْحا َ‬
‫طلِقُهُ ِم ْن َم َكانِ ِه َحتّى‬ ‫َجا َءنِي اَل ْستَ ْغفَرْ ت لَهُ فََأ ّما ْإذ قَ ْد فَ َع َل َما فَ َع َل فَ َما َأنَا بِاَلّ ِذي ُأ ْ‬
‫ت‬‫إن تَوْ بَةَ َأبِي لُبَابَةَ نَزَ لَ ْ‬ ‫ق ‪ [ :‬ص ‪ ] 441‬قُ َس ْي ٍط ّ‬ ‫ال اب ُْن إ ْس َحا َ‬ ‫وب هّللا ُ َعلَ ْي ِه قَ َ‬ ‫يَتُ َ‬
‫ت ُأ ّم َسلَ َمةَ ) ‪:‬‬ ‫ت ُأ ّم َسلَ َمةَ ‪ ( .‬فَقَالَ ْ‬ ‫ُول هّللا ِ ‪ِ r‬م ْن الس َّح ِر َوهُ َو فِي بَ ْي ِ‬ ‫َعلَى َرس ِ‬
‫ك يَا‬ ‫ت فَقُ ْلت ‪ِ :‬م ّم تَضْ َح ُ‬ ‫ك ‪ .‬قَالَ ْ‬ ‫فَ َس ِمعْت َرسُو َل هّللا ِ ‪ِ r‬م ْن ال ّس َح ِر َوهُ َو يَضْ َح ُ‬
‫ت قُ ْلت ‪َ :‬أفَاَل‬ ‫يب َعلَى َأبِي لُبَابَةَ ‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫ال تِ َ‬ ‫َرسُو َل هّللا ِ ؟ َأضْ َحكَ هّللا ُ ِسنّك ؟ قَ َ‬
‫‪ . 1‬البخاري ج‪1‬ص‪321‬ح‪ 904‬باب أجر المجتهد أصاب أو أخطأ‬

‫‪91‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(92‬‬
‫ب حُجْ َرتِهَا ‪،‬‬ ‫ت َعلَى بَا ِ‬ ‫ال فَقَا َم ْ‬ ‫إن ِشْئت ‪ .‬قَ َ‬ ‫ال بَلَى ‪ْ ،‬‬ ‫ُأبَ ّش ُرهُ يَا َرس َ‬
‫ُول هّللا ِ ؟ قَ َ‬
‫ت يَا َأبَا لُبَابَةَ َأ ْب ِشرْ فَقَ ْد ت َ‬
‫َاب هّللا ُ َعلَيْك‬ ‫ب َعلَ ْي ِه ّن ْال ِح َجابُ فَقَالَ ْ‬ ‫َو َذلِكَ قَب َْل َأ ْن يُضْ َر َ‬
‫ال اَل َوهّللَا ِ َحتّى يَ ُكونَ َرسُو ُل هّللا ِ ‪ r‬هُ َو الّ ِذي‬ ‫ُطلِقُوهُ فَقَ َ‬ ‫ار النّاسُ إلَ ْي ِه لِي ْ‬‫ت فَثَ َ‬ ‫‪ .‬قَالَ ْ‬
‫طلَقَهُ ‪.‬‬ ‫صبْح َأ ْ‬ ‫ارجًا إلَى َ‬ ‫ُطلِقُنِي بِيَ ِد ِه فَلَ ّما َم ّر َرسُو ُل هّللا ِ ‪ r‬خَ ِ‬ ‫ي ْ‬
‫صاَل ِة ال ّ ِ‬
‫ت لَيَا ٍل تَْأتِي ِه ا ْم َرَأتُهُ فِي‬‫ع ِس ّ‬ ‫قَا َل اب ُْن ِه َش ٍام ‪َ :‬أقَا َم َأبُو لُبَابَةَ ُمرْ تَبِطًا بِ ْال ِج ْذ ِ‬
‫ع فِي َما َح ّدثَنِي بَعْضُ َأ ْه ِل‬ ‫صاَل ِة ثُ ّم يَعُو ُد فَيَرْ تَبِطُ بِ ْال ِج ْذ ِ‬‫صاَل ٍة فَتَحُلّهُ لِل ّ‬
‫ت َ‬ ‫ُك ّل َو ْق ِ‬
‫ت فِي تَوْ بَتِ ِه قَوْ ُل هّللا ِ َع ّز َو َج ّل { َوآخَ رُونَ ا ْعت ََرفُوا‬ ‫ْال ِع ْل ِم َواآْل يَةُ الّتِي نَزَ لَ ْ‬
‫وب َعلَ ْي ِه ْم ِإ ّن هّللا َ َغفُو ٌر‬‫صالِحًا َوآ َخ َر َسيًّئا َع َسى هّللا ُ َأ ْن يَتُ َ‬ ‫بِ ُذنُوبِ ِه ْم خَ لَطُوا َع َماًل َ‬
‫‪1‬‬
‫َر ِحي ٌم }‪.‬‬
‫‪ -‬موقف الصحابة بعد نزول " يا ايها الذين آمنوا الترفعوا أصواتكم فوق‬
‫صوت النبـي" ‪:‬‬
‫‪ -‬حكاية ثابت بن قيس‪:‬‬
‫أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر‪ ،‬أخبرنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى‬
‫الجلودي‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان‪ ،‬حدثنا مسلم بن الحجاج‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫بكر بن أبي شيبة‪ ،‬حدثنا الحسن بن موسى‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة‪ ،‬عن ثابت‬
‫البناني‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬لما نزلت هذه اآلية‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ال‬
‫ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي" اآلية‪ ،‬جلس ثابت بن قيس في بيته وقال‪:‬‬
‫أنا من أهل النار واحتبس عن النبـي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فسأل النبـي صلى‬
‫هللا عليه وسلم سعد بن معاذ فقال‪ :‬يا أبا عمرو ما شأن ثابت أشتكى؟ فقال سعد‪:‬‬
‫إنه لجاري وما علمت له شكوى‪ ،‬قال‪ :‬فأتاه سعد فذكر له قول رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال ثابت‪ :‬أنزلت هذه اآلية‪ ،‬ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا‬
‫على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأنا من أهل النار‪ ،‬فذكر ذلك سعد للنبـي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬بل هو من أهل‬
‫‪2‬‬
‫الجنة"‬
‫‪ -‬حكاية المشادة الكالمية بين ابي بكر وعمر ورفع صوتهما في حضرته‬
‫وموقفهما بعد نزول سورة الحجرات‪:‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي ‪ ،‬حدثنا نافع بن عمر ‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي مليكة ‪ .‬قال ‪ :‬كاد الخيران أن يهلكا ‪ . .‬أبو بكر وعمر ‪ . . ‬رفعا أصواتهما‬
‫عند النبـي ‪ ‬حين قدم عليه ركب بني تميم ( في السنة التاسعة من الهجرة )‬
‫‪ . 1‬الروض االنف ج‪ ، 3/439‬تهذيب سيرة ابن هشام ‪299/‬‬
‫‪ . 2‬أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪( :‬ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي) اآلية‪ 590 / 8 ،‬ومسلم‬
‫في اإليمان‪ ،‬باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله برقم‪110 / 1 :)119( :‬‬
‫‪92‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(93‬‬
‫فأشار أحدهما باألقرع بن حابس ‪ ‬أخي بني مجاشع ( أي ليؤمره عليهم )‬
‫وأشار اآلخر برجل آخر ‪ .‬قال نافع ‪ :‬ال أحفظ اسمه ( في رواية أخرى أن‬
‫اسمه القعقاع بن معبد ) فقال ‪ :‬أبو بكر لعمر ‪ ‬ما أردت إال خالفي ‪ .‬قال ‪ :‬ما‬
‫أردت خالفك ‪ .‬فارتفعت أصواتهما في ذلك ‪ .‬فأنزل هللا تعالى ‪ { :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي وال تجهروا له بالقول كجهر‬
‫بعضكم لبعض ‪ ،‬أن تحبط أعمالكم وأنتم ال تشعرون } ‪ .‬قال ابن الزبير ‪: ‬‬
‫فما كان عمر يسمع رسول هللا ‪ ‬بعد هذه اآلية حتى يستفهمه! ‪ . .‬وروي عن‬
‫أبي بكر ‪ ‬أنه قال لما نزلت هذه اآلية ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬وهللا ال أكلمك إال‬
‫كأخي السرار ( يعني كالهمس!‪. )1‬‬
‫وقال اإلمام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن ثابت‬
‫‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ t‬قال ‪ « :‬لما نزلت هذه اآلية ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ال‬
‫ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي ‪ -‬إلى قوله ‪ :‬وأنتم ال تشعرون } وكان‬
‫ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت ‪ .‬فقال ‪ :‬أنا الذي كنت أرفع صوتي‬
‫على رسول هللا ‪ r‬أنا من أهل النار ‪ .‬حبط عملي ‪ .‬وجلس في أهله حزينا ً ‪.‬‬
‫ففقده رسول هللا ‪ r‬فانطلق بعض القوم إليه ‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬تفقدك رسول هللا ‪r‬‬
‫مالك؟ قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبـي ‪ r‬فأخبروه بما قال ‪ .‬قال‬
‫النبـي ‪ : r‬ال ‪ .‬بل هو من أهل الجنة » قال أنس ‪ : t‬فكنا نراه يمشي بين أظهرنا‬
‫ونحن نعلم أنه من أهل الجنة ‪.‬‬
‫يقول االستاذ الشهيد سيد قطب في تفسيره " في ظالل القرآن" في‬
‫تفسير سورة الحجرات ‪ ":‬فهكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك‬
‫النداء الحبيب ‪ ،‬وذلك التحذير الرعيب؛ وهكذا تأدبوا في حضرة رسول هللا ‪r‬‬
‫خشية أن تحبط أعمالهم وهم ال يشعرون ‪ .‬ولو كانوا يشعرون لتداركوا أمرهم!‬
‫ولكن هذا المنزلق الخافي عليهم كان أخوف عليهم ‪ ،‬فخافوه واتقوه!‬
‫ونوه هللا بتقواهم ‪ ،‬وغضهم أصواتهم عند رسول هللا ‪ r‬في تعبير عجيب ‪:‬‬
‫{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول هللا أولئك الذين امتحن هللا قلوبهم‬
‫للتقوى ‪ .‬لهم مغفرة وأجر عظيم } ‪. .‬‬
‫فالتقوى هبة عظيمة ‪ ،‬يختار هللا لها القلوب ‪ ،‬بعد امتحان واختبار ‪،‬‬
‫وبعد تخليص وتمحيص ‪ ،‬فال يضعها في قلب إال وقد تهيأ لها ‪ ،‬وقد ثبت أنه‬
‫يستحقها ‪ .‬والذين يغضون أصواتهم عند رسول هللا قد اختبر هللا قلوبهم وهيأها‬

‫‪ . 1‬أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب (ال ترفعوا أصواتكم‪.590 / 8 )...‬‬


‫‪93‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(94‬‬
‫لتلقي تلك الهبة ‪ .‬هبة التقوى ‪ .‬وقد كتب لهم معها وبها المغفرة واألجر العظيم‬
‫‪.‬‬
‫إنه الترغيب العميق ‪ ،‬بعد التحذير المخيف ‪.‬‬
‫بها يربي هللا قلوب عباده المختارين ‪ ،‬ويعدها لألمر العظيم ‪ .‬الذي نهض به‬
‫الصدر األول على هدى من هذه التربية ونور‪.‬‬
‫وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ t‬أنه سمع صوت‬
‫رجلين في مسجد النبـي ‪ r‬قد ارتفعت أصواتهما ‪ ،‬فجاء فقال ‪ :‬أتدريان أين‬
‫أنتما؟ ثم قال ‪ :‬من أين أنتما؟ قاال ‪ :‬من أهل الطائف ‪ .‬فقال ‪ :‬لو كنتما من أهل‬
‫المدينة ألوجعتكما ضرباً!‬
‫وعرف علماء هذه األمة وقالوا ‪ :‬إنه يكره رفع الصوت عند قبره ‪ r‬كما كان‬
‫يكره في حياته ‪ r‬احتراما ً له في كل حال" ‪.‬‬
‫ثم أشار إلى حادث وقع من وفد بني تميم حين قدموا على رسول هللا ‪r‬‬
‫في العام التاسع الذي سمي « عام الوفود » ‪ . .‬لمجيء وفود العرب من كل‬
‫مكان بعد فتح مكة ‪ ،‬ودخولهم في اإلسالم ‪ ،‬وكانوا أعرابا ً جفاة ‪ ،‬فنادوا من‬
‫وراء حجرات أزواج النبـي ‪ r‬المطلة على المسجد النبوي الشريف ‪ :‬يا محمد‬
‫‪ .‬اخرج لنا ‪ .‬فكره النبـي ‪ r‬هذه الجفوة وهذا اإلزعاج ‪ .‬فنزل قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ إن الذين ينادونك من ورآء الحجرات أكثرهم ال يعقلون ‪ ،‬ولو أنهم صبروا‬
‫حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم ‪ ،‬وهللا غفور رحيم } ‪. .‬‬
‫فوصفهم هللا بأن أكثرهم ال يعقلون ‪ .‬وكرّه إليهم النداء على هذه الصفة‬
‫المنافية لألدب والتوقير الالئق بشخص النبـي ‪ r‬وحرمة رسول هللا القائد‬
‫والمربي ‪ .‬وبيّن لهم األولى واألفضل وهو الصبر واالنتظار حتى يخرج إليهم‬
‫‪ .‬وحبب إليهم التوبة واإلنابة ‪ ،‬ورغبهم في المغفرة والرحمة ‪.‬‬
‫وقد وعى المسلمون هذا األدب الرفيع ‪ ،‬وتجاوزوا به شخص رسول‬
‫هللا ‪ r‬إلى كل أستاذ وعالم ‪ .‬ال يزعجونه حتى يخرج إليهم؛ وال يقتحمون عليه‬
‫حتى يدعوهم ‪ . .‬يحكى عن أبي عبيد ‪ -‬العالم الزاهد الراوية الثقة ‪ -‬أنه قال ‪« :‬‬
‫ما دققت بابا ً على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه » ‪. .‬‬
‫قال أبو هريرة وابن عباس‪ :‬لما نزلت هذه اآلية كان أبو بكر ال يكلم رسول هللا‬
‫‪1‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم إال كأخي السرار"‬
‫‪ . 1‬أخرجه الحاكم‪ 462 / 2 :‬وقال‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وعزاه السيوطي‬
‫في الدر المنثور‪ 548 / 7 :‬لعبد بن حميد والبيهقي في شعب اإليمان‪ .‬وانظر‪ :‬فتح الباري‪،591 / 8 :‬‬
‫مجمع الزوائد‪.108 / 7 :‬‬

‫‪94‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(95‬‬
‫‪ -‬اقتراحهم عليه في بدر بعدم البروز للقتال بنفسه وبناء عريش له ‪:‬‬
‫عن ابن هشام قال‪ :‬قال ابن اسحاق‪ :‬فحدثني عبد هللا بن أبي بكر أنه حدث أن‬
‫سعد بن معاذ قال يا نبـي هللا أال نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك‬
‫ثم نلقى عدونا فإن أعزنا هللا وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت‬
‫األخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبـي‬
‫هللا ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك‬
‫هللا بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫خيرا ودعا له بخير ثم بني لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم عريش فكان فيه ‪.‬‬
‫‪ -‬دفاعهم عنه وقتالهم دونه في احد‪:‬‬
‫عن ابن هشام قال‪ :‬قال ابن اسحاق (عن غزوة احد)‪ :‬وانكشف المسلمون‬
‫فأصاب فيهم العدو وكان يوم بالء وتمحيص اكرم هللا فيه من أكرم من‬
‫المسلمين بالشهادة حتى خلص العدو الى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فدث‬
‫بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته وكان‬
‫الذي اصابه عتبة بن أبي وقاص ‪.‬‬
‫قال ابن اسحاق فحدثني حميد الطويل عن انس بن مالك قال ‪ :‬كسرت‬
‫رباعية النبـي صلى هللا عليه وسلم يوم احد وشج في وجهه فجعل الدم يسيل‬
‫على وجهه وجعل يمسح الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبـيهم‬
‫وهو يدعوهم الى ربهم فأنزل هللا عز وجل في ذلك " ليس لك من األمر شيء‬
‫أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون "‬
‫قال ابن هشام وذكر ربيح بن عبد الرحمن بن ابي سعيد الخدري عن‬
‫ابيه عن ابي سعيد الخدري ان عتبة بن ابي وقاص رمى رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وان عبد‬
‫هللا بن شهاب الزهري شجه في جبهته وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت‬
‫حلقتان من حلق المغفر في وجنته ووقع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في‬
‫حفرة من الحفر التي عمل ابو عامر ليقع فيها المسلمون وهم ال يعلمون فأخذ‬
‫على بن ابي طالب بيد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ورفعه طلحة بن عبيد‬
‫هللا حتى استوى قائما ومص مالك ابن سنان ابو ابي سعيد الخدري الدم عن‬
‫وجه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم من مس دمي دمه لم تصبه النار‪.‬‬
‫قال ابن هشام وذكر عبد العزيز بن محمد الدراوردي أن النبـي صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال من أحب أن ينظر الى شهيد يمشى على وجه االرض‬
‫فلينظر الى طلحة بن عبيد هللا ‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(96‬‬
‫وذكر يعني عبد العزيز الدراوردي عن اسحاق بن يحيى بن طلحة عن‬
‫عيسى بن طلحة عن عائشة عن أبي بكر الصديق أن أبا عبيدة ابن الجراح‬
‫نزع احدى الحلقتين من وجه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فسقطت ثنيته ثم‬
‫نزع االخرى فسقطت ثنيته االخرى فكان ساقط الثنيتين ‪.‬‬
‫قال ابن اسحاق وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين غشيه القوم‪:‬‬
‫من رجل يشري لنا نفسه فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من االنصار‬
‫وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن فقاتلوا دون رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم رجال ثم رجال يقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد أو‬
‫عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه‬
‫فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أدنوه مني فأدنوه منه فوسده قدمه فمات‬
‫وخده على قدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬موقف نسيبة بنت كعب‪:‬‬
‫قال ابن هشام وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد فذكر‬
‫سعيد بن أبي زيد االنصاري أن ام سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول دخلت‬
‫على ام عمارة فقلت لها يا خالة أخبريني خبرك فقالت خرجت أول النهار وأنا‬
‫أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم وهو في اصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون‬
‫انحزت الى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقمت اباشر القتال وأذب عنه‬
‫بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح الى قالت فرأيت على عاتقها‬
‫جرحا اجوف له غور فقلت من اصابك بهذا قالت ابن قمئة أقمأه هللا لما ولى‬
‫الناس عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمد فال‬
‫نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فضربني هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على‬
‫ذلك ضربات ولكن عدو هللا كان عليه درعان‪.‬‬
‫‪ -‬ابو دجانة وسعد بن أبي وقاص‪:‬‬
‫قال ابن اسحاق وترس دون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ابو دجانة‬
‫بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل ورمي سعد بن‬
‫أبي وقاص دون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال سعد فلقد رأيته يناولني‬
‫النبل وهو يقول ارم فداك أبي وأمي حتى انه ليناولني السهم ما له نصل فيقول‬
‫ارم به ‪.‬‬
‫‪ -‬قتادة بن النعمان ‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(97‬‬
‫قال ابن اسحاق وحدثني عاصم ابن عمر بن قتادة أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده‬
‫وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته ‪ ،‬قال ابن‬
‫اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ان رسول هللا صلى هللا عيله وسلم‬
‫وأحدهما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ردها بيده فكانت احسن عينيه‬
‫‪ -‬مقولة سعد بن الربيع في احد‪ :‬ال عذر لكم عند هللا اذا اصيب رسول هللا (‪)‬‬
‫وفيكم عين تطرف‪:‬‬
‫"قال رسول هللا ‪ ‬من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي األحياء هو أم‬
‫في األموات فقال رجل من األنصار أنا أنظر لك يا رسول هللا ما فعل فنظر‬
‫فوجده جريحا في القتلى وبه رمق قال فقلت له إن رسول هللا ‪ ‬أمرني أن أنظر‬
‫أفي األحياء أنت أم في األموات قال أنا في األموات فأبلغ رسول هللا ‪ ‬عني‬
‫السالم وقل له إن سعد بن الربيع يقول جزاك هللا عنا خير ما جزى نبـيا عن‬
‫أمته وأبلغ قومك السالم عني وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم أنه ال عذر‬
‫لكم عند هللا إن خلص إلى نبـيكم وفيكم عين تطرف ‪.‬قال ثم لم أبرح حتى مات‬
‫فجئت رسول هللا ‪ ‬فأخبرته خبره‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬قال زيد بن ثابت ‪ :‬بعثني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫يوم أحد أطلب سعد بن الربيع ‪ .‬فقال لي ‪ :‬رأيته فأقرئه مني السالم‪ ،‬وقل له ‪:‬‬
‫يقول لك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬كيف تجدك ؟ قال ‪ :‬فجعلت أطوف‬
‫بين القتلى‪ ،‬فأتيته وهو بآخر رمق‪ ،‬فيه سبعون ضربة ؛ ما بين طعنة برمح‪،‬‬
‫وضربة بسيف‪ ،‬ورمية بسهم‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا سعد‪ ،‬إن رسول هللا يقرأ عليك السالم‪،‬‬
‫ويقول لك ‪ :‬أخبرني كيف تجدك ؟ فقال ‪ :‬وعلى رسول هللا ‪‬السالم‪ ،‬قل له‪ ،‬يا‬
‫رسول هللا‪ ،‬أجد ريح الجنة‪ ،‬وقل لقومي األنصار ‪ :‬ال عذر لكم عند هللا إن‬
‫خلص إلى رسول هللا ‪ ‬وفيكم عين تطرف‪ ،‬وفاضت نفسه من وقته‪. 1‬‬
‫فانظر هذا الحب للرسول ‪ r‬والحرص عليه‪ ،‬انه في الرمق االخير وقلبه عند‬
‫رسول هللا ويوصي قومه االّ يَدَعوا العدو يخلص اليه!!‪.‬‬
‫‪ -‬موقف المرأة االنصارية التي قُتل ولداهافي اُحد‪:‬‬
‫ت قَ ْي ٍ‬
‫س‬ ‫ت ال ّس َم ْي َرا ُء بِ ْن ُ‬‫يقول ابن هشام والواقدي واهل السير ‪َ :‬خ َر َج ْ‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم بُِأ ُح ٍد‬ ‫يب ا ْبنَاهَا َم َع النبـي َ‬ ‫ص َ‬‫َار ‪َ ،‬وقَ ْد ُأ ِ‬
‫إحْ دَى نِ َسا ِء بَنِي ِدين ٍ‬
‫ت َما فَ َع َل َرسُو ُل هّللا ِ‬ ‫ث فَلَ ّما نُ ِعيَا لَهَا قَالَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫النّ ْع َم ُ‬
‫ان ب ُْن َع ْب ِد َع ْم ٍرو ‪َ ،‬و ُسلَ ْي ُم ب ُْن ال َح ِ‬
‫ار ِ‬
‫ت‬‫صالِ ٌح َعلَى َما تُ ِحبّينَ ‪ .‬قَالَ ْ‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم ؟ قَالُوا ‪ :‬خَ ْيرًا ‪ ،‬هُ َو بِ َح ْم ِد هّللا ِ َ‬ ‫َ‬
‫‪. 1‬انظر غزوة احد في كتب السير فكلها تقريبا ذكرت هذه القصة ‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(98‬‬
‫صيبَ ٍة بَ ْعدَك يَا َرسُو َل هّللا ِ َجلَ ٌل ‪.‬‬ ‫ت ُك ّل ُم ِ‬ ‫َأرُونِي ِه َأ ْنظُ ُر إلَ ْي ِه فََأ َشارُوا لَهَا إلَ ْي ِه فَقَالَ ْ‬
‫ض َي هّللا ُ‬ ‫ق بِا ْبنَ ْيهَا بَ ِعيرًا تَ ُر ّدهُ َما إلَى ْال َم ِدينَ ِة ‪ ،‬فَلَقِيَ ْتهَا عَاِئ َشةُ َر ِ‬ ‫ت تَسُو ُ‬ ‫خَر َج ْ‬
‫َو َ‬
‫ت َواِتّ َخ َذ هّللا ُ‬ ‫ت َأ ّما َرسُو ُل هّللا ِ بِ َح ْم ِد هّللا ِ فَبِ َخي ٍْر لَ ْم يَ ُم ْ‬ ‫ت َما َو َرا َءك ؟ قَالَ ْ‬ ‫َع ْنهَا فَقَالَ ْ‬
‫ِمنَ ْال ُمْؤ ِمنِينَ ُشهَدَا َء َو َر ّد هّللا ُ الّ ِذينَ َكفَرُوا بِ َغي ِْظ ِه ْم لَ ْم يَنَالُوا خَ ْيرًا َو َكفَى هّللا ُ‬
‫‪1‬‬
‫ي ‪َ .. .‬حلْ َحلْ‬ ‫ت ا ْبنَا َ‬ ‫ت َم ْن هَُؤاَل ِء َم َعك ؟ قَالَ ْ‬ ‫َال ‪ .‬قَالَ ْ‬‫ْال ُمْؤ ِمنِينَ ْالقِت َ‬
‫‪ -‬مواقف طلحة بن عبيد هللا‪:‬‬
‫ض َربَهُ َر ُج ٌل ِم ْن ْال ُم ْش ِر ِكينَ‬ ‫صلّبَ ِة َ‬ ‫صابَ ْتهُ فِي َرْأ ِس ِه ْال ُم َ‬ ‫َو َكانَ طَ ْل َحةُ قَ ْد َأ َ‬
‫ُأْل‬
‫ْرضٌ َع ْنهُ َو َكانَ قَ ْد نَزَ فَ ِم ْنهَا‬ ‫ضرْ بَةً َوهُ َو ُم ْقبِ ٌل َوا ْخ َرى َوهُ َو ُمع ِ‬ ‫ضرْ بَتَي ِْن َ‬ ‫َ‬
‫ال ّد ُم ‪.‬‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ض َي هّللا ُ َع ْنهُ ِجْئت إلَى النبـي َ‬ ‫ق َر ِ‬ ‫ص ّدي ُ‬ ‫قَا َل َأبُو بَ ْك ٍر ال ّ‬
‫ال َعلَيْك بِاب ِْن َع ّمك فََأتَى طَ ْل َحةَ ْبنَ ُعبَ ْي ِد هّللا ِ َوقَ ْد نَ َزفَ ال ّد ُم‬ ‫َو َسلّ َم يَوْ َم ُأ ُح ٍد فَقَ َ‬
‫ق فَقَا َل َما فَ َع َل َرسُو ُل هّللا ِ‬ ‫ض ُح فِي َوجْ ِه ِه ْال َما َء َوهُ َو َم ْغ ِش ّي َعلَ ْي ِه ثُ ّم َأفَا َ‬ ‫فَ َج َع ْلت َأ ْن َ‬
‫صيبَ ٍة بَ ْع َدهُ َجلَ ٌل!‪.‬‬ ‫؟ فَقُ ْلت ‪َ :‬خ ْيرًا ‪ ،‬هُ َو َأرْ َسلَنِي إلَيْك ‪ .‬قَا َل ْال َح ْم ُد هّلِل ِ ُك ّل ُم ِ‬
‫ق‬‫ي يَقُو ُل نَظَرْ ت إلَى طَ ْل َحةَ ْب ِن ُعبَ ْي ِد هّللا ِ ‪ ،‬قَ ْد َحلَ َ‬ ‫ب ْالفِه ِْر ّ‬ ‫ض َرا ُر ب ُْن ْالخَ طّا ِ‬ ‫َو َكانَ ِ‬
‫ض َرا ٌر ‪َ :‬أنَا‬ ‫ال ِ‬ ‫صلّبَ ِة فِي َرْأ ِس ِه ‪ .‬فَقَ َ‬ ‫َرْأ َسهُ ِع ْن َد ْال َمرْ َو ِة فِي ُع ْم َر ٍة فَنَظَرْ ت إلَى ْال ُم َ‬
‫ض فََأضْ ِربُهُ ُأ ْخ َرى ‪.‬‬ ‫ض َربْته ثُ ّم َأ ِك ّر َعلَ ْي ِه َوقَ ْد َأ ْع َر َ‬ ‫ض َربْته هَ ِذ ِه ا ْستَ ْقبَلَنِي فَ َ‬ ‫َوهّللَا ِ َ‬
‫‪ -‬شهادة علي لطلحة‪:‬‬
‫يقول الواقدي في مغازيه ص ‪َ :256‬وقَالُوا ‪ :‬لَ ّما َكانَ يَوْ ُم ْال َج َم ِل َوقَت ََل‬
‫اس َو َد َخ َل ْالبَصْ َرةَ ‪َ ،‬جا َءهُ َر ُج ٌل ِم ْن ْال َع َر ِ‬
‫ب‬ ‫َعلِ ّي َعلَ ْي ِه ال ّساَل م َم ْن قَت ََل ِم ْن النّ ِ‬
‫فَتَ َكلّ َم بَ ْينَ يَ َد ْي ِه َونَا َل ِم ْن طَ ْل َحةَ فَزَ بَ َرهُ َعلِ ّي َوقَا َل إنّك لَ ْم تَ ْشهَ ْد يَوْ َم ُأ ُح ٍد َو ِعظَ َم‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم ‪ .‬فَا ْن َك َس َر‬ ‫ُول هّللا ِ َ‬
‫ِغنَاِئ ِه فِي اِإْل ْساَل ِم َم َع َم َكانِ ِه ِم ْن َرس ِ‬
‫ال َر ُج ٌل ِم ْن ْالقَوْ ِم ‪َ :‬و َما َكانَ ِغنَاُؤ هُ َوبَاَل ُؤ هُ يَوْ َم ُأ ُح ٍد يَرْ َح ُمهُ هّللا ُ‬ ‫ال ّر ُج ُل َو َسكَتَ فَقَ َ‬
‫ُول هّللا ِ‬‫ال َعلِ ّي ‪ :‬نَ َع ْم يَرْ َح ُمهُ هّللا ُ فَلَقَ ْد َرَأيْته َوِإنّهُ لَيُتَرّسُ بِنَ ْف ِس ِه ُدونَ َرس ِ‬ ‫؟ فَقَ َ‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم َوِإ ّن ال ّسيُوفَ لَتَ ْغ َشاهُ َوالنّب َْل ِم ْن ُك ّل نَا ِحيَ ٍة َوِإ ْن هُ َو إاّل ُجنّةٌ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫إن َكانَ يَوْ ًما قَ ْد قتِ َل فِي ِه‬ ‫ّ‬
‫صلى ُ َعل ْي ِه َو َسل َم ‪ .‬فَقَا َل قَاِئ ٌل ْ‬ ‫َ‬ ‫هّللا‬ ‫ّ‬ ‫هّللا‬
‫بِنَ ْف ِس ِه لِ َرسُو ِل ِ َ‬
‫اب َرسُو َل هّللا ِ فِي ِه ْال ِج َرا َحةُ ‪.‬‬ ‫ص َ‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم َوَأ َ‬ ‫ُول هّللا ِ َ‬‫َأصْ َحابُ َرس ِ‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم يَقُو ُل لَيْتَ‬ ‫فَقَا َل َعلِ ّي َعلَ ْي ِه ال ّساَل ُم َأ ْشهَ ُد لَ َس ِمعْت َرسُو َل هّللا ِ َ‬
‫ص ْال َجبَ ِل َأ ْسفَلَهُ ‪.‬‬ ‫ال اب ُْن َأبِي ال ّزنَا ِد نُحْ ِ‬ ‫ص ْال َجبَل‪.‬قَ َ‬ ‫ب نُحْ ِ‬ ‫َأنّي ُغو ِدرْ ت َم َع َأصْ َحا ِ‬
‫‪ -‬موقف علي‪:‬‬
‫ال َعلِ ّي َعلَ ْي ِه ال ّساَل ُم لَقَ ْد َرَأيْتنِي يَوْ َمِئ ٍذ َوِإنّي َأَل ُذبّهُ ْم فِي نَا ِحيَ ٍة َوِإ ّن‬ ‫ثُ ّم قَ َ‬
‫ص يَ ُذبّ طَاِئفَةً ِم ْنهُ ْم‬ ‫َاحيَ ٍة يَ ُذبّ طَاِئفَةً ِم ْنهُ ْم َوِإ ّن َس ْع َد ْبنَ َأبِي َوقّا ٍ‬ ‫َأبَا ُد َجانَةَ لَفِي ن ِ‬
‫‪. 1‬مغازي الواقدى‪292 /‬سيرة ابن كثير ‪3/93‬‬
‫‪98‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(99‬‬
‫ّج هّللا ُ َذلِكَ ُكلّهُ ‪َ .‬ولَقَ ْد َرَأيْتنِي َوا ْنفَ َر ْدت ِم ْنهُ ْم يَوْ َمِئ ٍذ فِرْ قَةٌ َخ ْشنَا ُء فِيهَا‬
‫َحتّى فَر َ‬
‫ض َربْت بِ ِه َوا ْشتَ َملُوا َعلَ ّي َحتّى‬ ‫ْف فَ َ‬ ‫َخَلت َو َسطَهَا بِال ّسي ِ‬ ‫ِع ْك ِر َمةُ ب ُْن َأبِي َجه ٍْل ‪ ،‬فَد ْ‬
‫ْث ِجْئت ‪َ ،‬ولَ ِك ّن‬ ‫ضيْت إلَى آ ِخ ِر ِه ْم ثُ ّم َك َررْ ت فِي ِه ْم الثّانِيَةَ َحتّى َر َجعْت ِم ْن َحي ُ‬ ‫َأ ْف َ‬
‫‪1‬‬
‫ضي هّللا ُ َأ ْمرًا َكانَ َم ْفعُولا ‪.‬‬ ‫اَأْل َج َل ا ْستَْأخَ َر َويَ ْق ِ‬
‫‪ -‬امتناع بالل عن االذان بعد وفاة الرسول وحكاية اذانه في عهد عمر وبكاء‬
‫الناس ‪:‬‬
‫أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة أخبرنا عمي أخبرنا أبو‬
‫طالب بن يوسف أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا محمد بن العباس أخبرنا‬
‫أحمد بن معروف أخبرنا الحسين بن الفهم أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا‬
‫إسماعيل بن عبد هللا بن أبي أويس أخبرنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن‬
‫سعد المؤذن حدثني عبد هللا بن محمد بن عمار بن سعد وعمار بن حفص بن‬
‫سعد وعمر بن حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم أنهم أخبروهم‬
‫قالوا ‪ :‬لما توفي رسول هللا صلى هللا عليه و سلم جاء بالل إلى أبي بكر رضي‬
‫هللا عنهما فقال ‪ :‬يا خليفة رسول هللا صلى هللا عليه و سلم إني سمعت رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه و سلم يقول ‪ " :‬أفضل أعمال المؤمن الجهاد في سبيل هللا "‬
‫وقد أردت أن أرابط في سبيل هللا حتى أموت فقال أبو بكر ‪ :‬أنشدك هللا يا بالل‬
‫وحرمتي وحقي فقد كبرت واقترب أجلي فأقام بالل مع أبي بكر حتى توفي أبو‬
‫بكر فلما توفي جاء بالل إلى عمر رضي هللا عنه فقال له كما قال ألبي بكر‬
‫فرد عليه كما رد أبو بكر فأبى وقيل إنه لما قال له عمر ليقيم عنده فأبى عليه ‪:‬‬
‫ما يمنعك أن تؤذن فقال ‪ :‬إني أذنت لرسول هللا صلى هللا عليه و سلم حتى‬
‫قبض ثم أذنت ألبي بكر حتى قبض ؛ ألنه كان ولي نعمتي وقد سمعت رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه و سلم يقول ‪ " :‬يا بالل ليس عمل أفضل من الجهاد في‬
‫سبيل هللا فخرج إلى الشام مجاهدا وإنه أذن لعمر بن الخطاب لما دخل الشام‬
‫مرة واحدة فلم ير باكيا أكثر من ذلك اليوم ‪.‬‬
‫ثم إن بالال رأى النبـي صلى هللا عليه و سلم في منامه وهو يقول ‪ " :‬ما‬
‫هذه الجفوة يا بالل ما آن لك أن تزورنا " فانتبه حزينا فركب إلى المدينة فأتى‬
‫قبر النبـي صلى هللا عليه و سلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه فأقبل الحسن‬
‫والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما فقاال له ‪ :‬نشتهي أن تؤذن في السحر فعال‬
‫سطح المسجد فلما قال ‪ " :‬هللا أكبر هللا أكبر " ارتجت المدينة فلما قال ‪" :‬‬

‫‪. 1‬مغازي الواقدي ‪1/256‬‬


‫‪99‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(100‬‬
‫أشهد أن ال إله إال هللا " زادت رجتها فلما قال ‪ " :‬أشهد أن محمدا رسول هللا "‬
‫‪1‬‬
‫خرج النساء من خدورهن فما رئي يوم أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم‬
‫وذكر ابن أبي شيبة عن حسين بن علي عن شيخ يقال له الحفصي عن‬
‫أبيه عن جده قال أذن بالل حياة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثم أذن ألبي‬
‫بكر رضي هللا عنه حياته ولم يؤذن في زمن عمر فقال له عمر ما منعك أن‬
‫تؤذن قال إني أذنت لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى قبض واذنت ألبي‬
‫بكر ألنه كان ولي نعمتي وقد سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬‬
‫يا بالل ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل هللا " ‪ .‬فخرج مجاهداً‪ .‬ويقال إنه‬
‫‪2‬‬
‫أذن لعمر إذ دخل الشام مرة فبكى عمر وغيره من المسلمين‪.‬‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم وبعض ما قيل في رثائه ‪:‬‬ ‫ب َوفَاتِ ِه َ‬ ‫ّحابَ ِة َعقِ َ‬ ‫َث لِلص َ‬ ‫‪َ -‬ما َحد َ‬
‫ان ما قيل في وفاته وما انشد من شعر في رثائه صلى هللا عليه وسلم‬
‫ض َي‬ ‫ي ع َْن عَاِئ َشةَ َر ِ‬ ‫دليل على حب الصحابة للرسول وتأثرهم بموته ‪ ،‬فقد ر ُِو َ‬
‫ش‬‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم لَ ّما مات ُد ِه َ‬ ‫ص َحابَ ِة َأ ّن النبـي َ‬ ‫هّللا ُ َع ْنهَا َو َغي ِْرهَا ِم ْن ال ّ‬
‫اختَلَطُوا ‪ ،‬فَ ِم ْنهُ ْم َم ْن ُخبِ َل َو ِم ْنهُ ْم َم ْن‬ ‫ت ُعقُولُهُ ْم َوُأ ْق ِح ُموا ‪َ ،‬و ْ‬ ‫النّاسُ َوطَا َش ْ‬
‫ُأ‬ ‫ُأ‬
‫ف‬ ‫صي ُح َويَحْ لِ ُ‬ ‫ض فَ َكانَ ُع َم ُر ِم ّم ْن ُخبِ َل َو َج َع َل يَ ِ‬ ‫صْ ِمتَ َو ِم ْنهُ ْم َم ْن ْق ِع َد إلَى َأرْ ٍ‬
‫ان ب ُْن َعفّانَ‬ ‫س ُع ْث َم ُ‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم ‪َ -‬و َكانَ ِم ّم ْن ُأ ْخ ِر َ‬ ‫َما َماتَ َرسُو ُل هّللا ِ ‪َ -‬‬
‫ض َي‬ ‫َحتّى َج َع َل ي ُْذهَبُ بِ ِه َويُ َجا ُء َواَل يَ ْستَ ِطي ُع كَاَل ًما ‪َ ،‬و َكانَ ِم ّم ْن ُأ ْق ِع َد َعلِ ّي ‪َ ،‬ر ِ‬
‫س ‪ ،‬فَُأضْ نِ َي َحتّى َماتَ َك َمدًا ‪،‬‬ ‫هّللا ُ َع ْنهُ فَلَ ْم يَ ْست َِط ْع َح َرا ًكا ‪َ ،‬وَأ ّما َع ْب ُد هّللا ِ ب ُْن ُأنَ ْي ٍ‬
‫ح فَ َجا َء َو َع ْينَاهُ ت ْه ُماَل نَ َوزَ فَ َراتُهُ‬ ‫ض َي هّللا ُ َع ْنهُ َوهُ َو بِال ّس ْن ِ‬ ‫َوبَلَ َغ ْالخَ بَ ُر َأبَا بَ ْك ٍر َر ِ‬
‫ان هّللا ِ َعلَ ْي ِه‬ ‫صهُ تَرْ تَفِ ُع َكقِطَ ِع ْال ِج ّر ِة َوهُ َو فِي َذلِكَ ِرضْ َو ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ص ْد ِر ِه َو ُغ َ‬‫تَتَ َر ّد ُد فِي َ‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم ‪ -‬فََأ َكبّ‬ ‫ُول هّللا ِ ‪َ -‬‬ ‫َج ْل ُد ْال َع ْق ِل َو ْال َمقَالَ ِة َحتّى َدخَ َل َعلَى َرس ِ‬
‫َعلَ ْي ِه َو َك َشفَ َوجْ هَهُ َو َم َس َحهُ َوقَب َّل َجبِينَهُ َو َج َع َل يَ ْب ِكي ‪َ ،‬ويَقُو ُل بَِأبِي َأ ْنتَ َوُأ ّمي‬
‫ت َأ َح ٍد ِم ْن اَأْلنبـيا ِء ِم ْن النّبُ ّو ِة‬ ‫ِطبْت َحيّا َو َميّتًا ‪َ ،‬وا ْنقَطَ َع لِ َموْ تِك َما لَ ْم يَ ْنقَ ِط ْع لِ َموْ ِ‬
‫صرْ ت َم ْساَل ةً َو َع َم ْمت‬ ‫خَصصْ ت َحتّى ِ‬ ‫صفّ ِة َو َجلَ ْلت ع َْن ْالبُ َكا ِء َو َ‬ ‫فَ َعظُ ْمت ع َْن ال ّ‬
‫وس َولَوْ اَل‬ ‫اختِيَارًا لَ ُج ْدنَا لِ َموْ تِك بِالنّفُ ِ‬ ‫صرْ نَا فِيك َس َوا ًء َولَوْ َأ ّن َموْ تَك َكانَ ْ‬ ‫َحتّى ِ‬
‫َأنّك نَهَيْت ع َْن ْالبُ َكا ِء َأَل ْنفَ ْدنَا َعلَيْك َما َء ال ّشُؤ و ِن فََأ ّما َما اَل نَ ْست َِطي ُع نَفِيَهُ فَ َك َم ٌد‬
‫َاف يَتَ َحالَفَا ِن اَل يَب َْر َحا ِن اللّهُ ّم َأ ْبلِ ْغهُ َعنّا ‪ ،‬اُ ْذ ُكرْ نَا يَا ُم َح ّم ُد ِع ْن َد َربّك ‪َ ،‬و ْلنَ ُك ْن‬ ‫َوِإ ْدن ٌ‬
‫ِم ْن بَالِك ‪ ،‬فَلَوْ اَل َما خَلّ ْفت ِم ْن ال ّس ِكينَ ِة لَ ْم نَقُ ْم لِ َما خَلّ ْفت ِم ْن ْال َوحْ َش ِة اللّهُ ّم َأ ْبلِ ْغ‬
‫ضى النّاسُ َغ َم َراتِ ِه ْم َوقَا َم َخ ِطيبًا فِي ِه ْم‬ ‫ظهُ فِينَا ‪ ،‬ثُ ّم خَ َر َج لَ ّما قَ َ‬ ‫نبـيك َعنّا ‪َ ،‬واحْ فَ ْ‬
‫ال فِيهَا ‪:‬‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم ‪َ -‬وقَ َ‬ ‫صاَل ةُ َعلَى النبـي ُم َح ّم ٍد ‪َ -‬‬ ‫طبَ ِة جُلّهَا ال ّ‬ ‫بِ ُخ ْ‬

‫‪. 1‬اسد الغابة ‪1/129‬‬


‫‪ . 2‬االستيعاب في معرفة االصحاب‪1/55‬‬
‫‪100‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(101‬‬
‫َأ ْشهَ ُد َأ ْن اَل إلَهَ إاّل هّللا ُ َوحْ َدهُ اَل َش ِريكَ لَهُ َوَأ ْشهَ ُد َأ ّن ُم َح ّمدًا َع ْب ُدهُ َو َرسُولُهُ َوخَاتَ ُم‬
‫ث‬ ‫يث َك َما ُح ّد َ‬ ‫َاب َك َما نَ َز َل َوَأ ّن ال ّدينَ َك َما ُش ِر َع َوَأ ّن ْال َح ِد َ‬ ‫َأنبـياِئ ِه َوَأ ْشهَ ُد َأ ّن ْال ِكت َ‬
‫ال َأيّهَا النّاسُ‬ ‫ين فِي كَاَل ٍم طَ ِوي ٍل ثُ ّم قَ َ‬ ‫ق ْال ُمبِ ُ‬ ‫ال َوَأ ّن هّللا َ هُ َو ْال َح ّ‬ ‫َوَأ ّن ْالقَوْ َل َك َما قَ َ‬
‫َم ْن َكانَ يَ ْعبُ ُد ُم َح ّمدًا ‪ ،‬فَِإ ّن ُم َح ّمدًا قَ ْد َماتَ َو َم ْن َكانَ يَ ْعبُ ُد هّللا َ فَِإ ّن هّللا َ َح ّي لَ ْم‬
‫اختَا َر‬ ‫ك َوتَ َعالَى قَ ْد ْ‬ ‫ت َوَأ ّن هّللا َ قَ ْد تَقَ ّد َم َأ ْم ِر ِه فَاَل تَ ْد ُعوهُ َج َزعًا ‪َ ،‬وَأ ّن هّللا َ تَبَا َر َ‬ ‫يَ ُم ْ‬
‫ضهُ إلَى ثَ َوابِ ِه َوخَلّفَ فِي ُك ْم ِكتَابَهُ‬ ‫لِنبـي ِه َعلَ ْي ِه ال ّساَل ُم َما ِع ْن َدهُ َعلَى َما ِع ْن َد ُك ْم َوقَبَ َ‬
‫ق بَ ْينَهُ َما َأ ْن َك َر { يَا َأيّهَا الّ ِذينَ آ َمنُوا‬ ‫َو ُسنّةَ نبـي ِه فَ َم ْن َأ َخ َذ بِ ِه َما َع َرفَ َو َم ْن فَ ّر َ‬
‫ت نبـي ُك ْم َواَل‬ ‫ان بِ َموْ ِ‬ ‫ْط } [ النّ َسا ُء ‪َ ] 135‬واَل يَ ْش َغلَنّ ُك ْم ال ّش ْيطَ ُ‬ ‫ُكونُوا قَ ّوا ِمينَ بِ ْالقِس ِ‬
‫ق بِ َك ْم‬ ‫ي تُ ْع ِج ُزوهُ َواَل تَ ْستَ ْن ِظرُوهُ فَيَ ْل َح َ‬ ‫َاجلُوا ال ّش ْيطَانَ بِ ْال ِخ ْز ِ‬ ‫يَ ْلفِتَنّ ُك ْم ع َْن ِدينِ ُك ْم َوع ِ‬
‫ال يَا ُع َم ُر َأَأ ْنتَ الّ ِذي بَلَ َغنِي َع ْنك َأنّك تَقُو ُل َعلَى بَا ِ‬
‫ب‬ ‫طبَتِ ِه قَ َ‬ ‫‪ .‬فَلَ ّما فَ َر َغ ِم ْن ُخ ْ‬
‫نبـي هّللا ِ َواَلّ ِذي نَ ْفسُ ُع َم َر بِيَ ِد ِه َما َماتَ نبـي هّللا ِ َأ ّما َعلِ ْمت َأ ّن َرسُو َل هّللا ِ ‪-‬‬
‫ال يَوْ َم َك َذا ‪َ :‬ك َذا ‪َ ،‬و َك َذا ‪َ ،‬وقَا َل هّللا ُ َع ّز َو َج ّل فِي ِكتَابِ ِه‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم ‪ -‬قَ َ‬ ‫َ‬
‫ّت َوِإنّهُ ْم َميّتُونَ } [ ال ّز َم ُر ‪ ] 30‬فَقَا َل ُع َم ُر َوهّللَا ِ لَ َكَأنّي لَ ْم َأ ْس َم ْع بِهَا‬ ‫{ ِإنّكَ َمي ٌ‬
‫َاب َك َما نَزَ َل َوَأ ّن‬ ‫ب هّللا ِ تَ َعالَى قَب َْل اآْل نَ لَ َما نَ َز َل بِنَا ‪َ ،‬أ ْشهَ ُد َأ ّن ْال ِكت َ‬ ‫فِي ِكتَا ِ‬
‫وت إنّا هّلِل ِ َوِإنّا إلَ ْي ِه َرا ِجعُونَ‬ ‫ك َوتَ َعالَى َح ّي اَل يَ ُم ُ‬ ‫ار َ‬ ‫ث َوَأ ّن هّللا َ تَبَ َ‬ ‫يث َك َما ُح ّد َ‬ ‫ْال َح ِد َ‬
‫َ ‪1‬‬
‫ات هّللا ِ َعلَى َرسُولِ ِه َو ِع ْن َد هّللا ِ نَحْ تَ ِسبُ َرسُولهُ‬ ‫صلَ َو ُ‬ ‫َ‬
‫وقال صاحب الروض االنف‪:‬‬
‫َت تُهَ ّد لَهُ‬ ‫طبًا َكالِحًا ‪َ ،‬ور ُْز ًءا َأِل ْه ِل اِإْل ْساَل ِم فَا ِدحًا ‪َ ،‬كاد ْ‬ ‫َكانَ َموْ تُهُ َعلَ ْي ِه ال ّساَل ُم َخ ْ‬
‫اع خَ بَ ِر ال ّس َما ِء َوفَق َد َم ْن اَل‬ ‫ات اِل ْنقِطَ ِ‬ ‫ف النّي َّر ُ‬ ‫ُف اَأْلرْ ضُ َوتَ ْك ِس ُ‬ ‫ْال ِجبَا ُل َوتَرْ ج ُ‬
‫ض ِم ْنهُ َم َع َما آ َذنَ بِ ِه َموْ تُهُ ‪َ -‬علَ ْي ِه ال ّساَل ُم ‪ِ -‬م ْن ْالفِتَ ِن السّحْ ِم َو ْال َح َوا ِد ِ‬
‫ث‬ ‫ِع َو َ‬
‫ك َوتَ َعالَى‬ ‫ب ْال ُم ْدلَ ِه ّم ِة َو ْالهَزَا ِه ِز ْال ُمضْ لِ َع ِة فَلَوْ اَل َما َأ ْن َز َل هّللا ُ تَبَ َ‬
‫ار َ‬ ‫ْال ُوهُ ِم َو ْال ُك َر ِ‬
‫ور ْاليَقِي ِن َو َش َر َح لَهُ‬ ‫ِم ْن ال ّس ِكينَ ِة َعلَى ْال ُمْؤ ِمنِينَ َوَأس َْر َج فِي قُلُوبِ ِه ْم ِم ْن نُ ِ‬
‫ت ع َْن ْال ُك َر ِ‬
‫ب‬ ‫ت الظّهُو ُر َو َ‬
‫ض اق َ ْ‬ ‫ص َم ْ‬ ‫ين اَل ْنقَ َ‬ ‫ص ُدو َرهُ ْم ِم ْن فَه ِْم ِكتَابِ ِه ْال ُمبِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ْأ‬
‫ان طلَ َع إلَ ْي ِه ْم َر َسهُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ور فَقَ ْد َكانَ ال ّش ْيطَ ُ‬ ‫ُأْل‬ ‫ْ‬
‫ص ُدو ُر َولَ َعاقَهُ ْم ال َجزَ ُ‬
‫ير ا ُم ِ‬ ‫ع ع َْن تَ ْدبِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ف َولَ ِك ْن َأبَى هّللا ُ‬ ‫ب َرايَةَ ْال ِخاَل ِ‬ ‫ص َ‬ ‫َار ال ّشنَآ ِن َونَ َ‬ ‫َو َم ّد إلَى إ ْغ َواِئ ِه ْم َمطَا ِم َعهُ فََأوْ قَ َد ن َ‬
‫طفََأ نَا َر ال ّر ّد ِة‬ ‫تَبَا َركَ َوتَ َعالَى إاّل َأ ْن يُتِ ّم نُو َرهُ َويُ ْعلِي َكلِ َمتَهُ َويُ ْن ِج َز َموْ ُعو َدهُ فََأ ْ‬
‫ال َأبُو‬ ‫ك قَ َ‬ ‫ض َي هّللا ُ َع ْنهُ َولِ َذلِ َ‬ ‫يق َر ِ‬ ‫ص ّد ِ‬ ‫ف َو ْالفِ ْتنَ ِة َعلَى يَ ِد ال ّ‬ ‫َو َح َس َم قَا َدةَ ْال ِخاَل ِ‬
‫ت ُأ ّمةُ ُم َح ّم ٍد َعلَ ْي ِه ال ّساَل ُم بَ ْع َد نبـيهَا ‪.‬‬ ‫هُ َري َْرةَ ‪ :‬لَوْ اَل َأبُو بَ ْك ٍر لَهَلَ َك ْ‬
‫ض ِجيجًا ‪،‬‬ ‫اس إ َذا َأ ْش َرفُوا َعلَ ْيهَا َس ِمعُوا َأِل ْهلِهَا َ‬ ‫من قَ ِد َم ْال َم ِدينَةَ يَوْ مِئ ٍذ ِم ْن النّ ِ‬ ‫َكانَ ْ‬
‫ق‬ ‫ع َو ُح ّ‬ ‫ت ال ّد ُمو ُ‬ ‫ق َونَزَ فَ ْ‬ ‫ت ْال ُحلُو ُ‬ ‫يع َأرْ َجاِئهَا ع َِجيجًا ‪َ ،‬حتّى َ‬
‫ص ِحلَ ْ‬ ‫َولِ ْلبُ َكا ِء فِي َج ِم ِ‬
‫ك َولِ َم ْن بَ ْع َدهُ ْم ‪.‬‬ ‫لَهُ ْم َذلِ َ‬
‫‪ . 1‬الروض االنف ‪446-445‬‬
‫‪101‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(102‬‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ب يَ ْب ِكي َرسُو َل هّللا ِ َ‬ ‫ث ب ِْن َع ْب ِد ْال ُمطّلِ ِ‬ ‫ار ِ‬ ‫ال َأبُو ُس ْفيَانَ ب ُْن ْال َح ِ‬ ‫َوقَ َ‬
‫َو َسلّ َم‬
‫صيبَ ِة فِي ِه طُو ُل‬ ‫َدلِي ُل َأ ِخي ْال ُم ِ‬ ‫َأ ِر ْقت فَبَاتَ لَ ْيلِي ال يَ ُزو ُل‬
‫يب ْال ُم ْسلِ ُمونَ بِ ِه قَلِي ُل‬ ‫ص َ‬ ‫ُأ ِ‬ ‫ك فِي َما‬ ‫َوَأ ْس َع َدنِي ْالبُ َكا ُء َو َذا َ‬
‫ض ال ّرسُو ُل‬ ‫ع َِشيّةَ قِي َل قَ ْد قُبِ َ‬ ‫ت‬ ‫صيبَتُنَا َو َجلّ ْ‬ ‫ت ُم ِ‬ ‫لَقَ ْد َعظُ َم ْ‬
‫تَ َكا ُد بِنَا َج َوانِبُهَا تَ ِمي ُل‬ ‫ضنَا ِم ّما َع َراهَا‬ ‫ت َأرْ ُ‬ ‫َوَأضْ َح ْ‬
‫يَرُو ُح بِ ِه َويَ ْغ ُدو َج ْبرَِئي ُل‬ ‫فَقَ ْدنَا ْال َوحْ َي َوالتّ ْن ِزي َل فِينَا‬
‫ت تَ ِسي ُل‬ ‫اس َأوْ َك َربَ ْ‬ ‫نَفُوسُ النّ ِ‬ ‫ت َعلَ ْي ِه‬ ‫ق َما َسأل ْ‬ ‫َو َذاكَ َأ َح ّ‬
‫بِ َما يُو َحى إلَ ْي ِه َو َما يَقُو ُل‬ ‫ك َعنّا‬ ‫نبـي َكانَ يَجْ لُو ال ّش ّ‬
‫َعلَ ْينَا َوال ّرسُو ُل لَنَا َدلِي ُل‬ ‫ضاَل ال‬ ‫َويَ ْه ِدينَا فَاَل ن َْخ َشى َ‬
‫ك ال ّسبِي ُل‬ ‫َوِإ ْن لَ ْم تَجْ َز ِعي ‪َ ،‬ذا َ‬ ‫ك ُع ْذ ٌر‬ ‫إن َج ِز ْعت فَ َذا َ‬ ‫اط ُم ْ‬ ‫َأفَ ِ‬
‫اس ال ّرسُو ُل‬ ‫َوفِي ِه َسيّ ُد النّ ِ‬ ‫فَقَ ْب ُر َأبِيك َسيّ ُد ُك ّل قَب ٍْر‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم فِي َما َح ّدثَنَا اب ُْن ِه َش ٍام‬ ‫ت يَ ْب ِكي َرسُو َل هّللا ِ َ‬ ‫ّان ب ُْن ثَابِ ٍ‬ ‫ال َحس ُ‬ ‫َوقَ َ‬
‫ي‬ ‫ار ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫‪ ،‬ع َْن َأبِي زَ ْي ٍد اَأْل ْن َ‬
‫ُمنِي ٌر َوقـــــَ ْد تَ ْعفُو ال ّرسُو ُم َوتَ ْه ُم ُد‬ ‫بِطَ ْيبَةَ َر ْس ٌم لِل ّرسُو ِل َو َمعْهـــــــــ ٌد‬
‫بِهَا ِم ْنبَ ُر ْالهَا ِدي الّ ِذي َكانَ يَصْ َع ُد‬ ‫َار حُرْ َم ٍة‬ ‫ات ِم ْن د ِ‬ ‫َوال تَ ْمتَ ِحي الآيَ ُ‬
‫صلّى َو َم ْسـ ِج ُد‬ ‫َو َر ْبــ ٌع لَهُ فِيــــ ِه ُم َ‬ ‫ار َوبَاقِـي َم َعالِــــــــ ِم‬ ‫اض ُح آثَ ٍ‬ ‫َو َو ِ‬
‫ضا ُء َويُوقَــ ُد‬ ‫ِم ْن هللاِ نُـــو ٌر يُ ْســتَ َ‬ ‫ات َكانَ يَ ْن ِز ُل َو َسـطَــــهَا‬ ‫بِهَا ُحج َُر ٌ‬
‫ي ِم ْنهَا تَ َجـت ّد ُد‬ ‫َأتَــاهَا ْالبِلَى فَاآل ُ‬ ‫ط َمسْ َعلَى ْال َع ْه ِد آيُهَا‬ ‫ف لَ ْم تُ ْ‬ ‫ار ُ‬ ‫َم َع ِ‬
‫ب‬‫َوقَ ْبرًا بِهَا َوا َراهُ فِي التّرْ ِ‬ ‫ول َو َع ْهــ َدهُ‬ ‫ع ََر ْفت بِهَا َر ْس َم ال ّر ُســـ ِ‬
‫ُم ْل ِحــ ُد‬
‫ُون َو ِم ْثالهَا ِم ْن ْال َج ْف ِن تُ ْس َعــ ُد‬ ‫ُعيـ ٌ‬ ‫َت‬ ‫ظَلِ ْلتُ بِهَا َأ ْب ِكي ال ّرسُو َل فََأ ْس َعد ْ‬
‫صيًا نَ ْف ِسي فَنَ ْف ِسي تَبَلّــ ُد‬ ‫لَــهَا ُمحْ ِ‬ ‫ول َوــا َأ َرى‬ ‫يُ َذ ّكرْ نَ آال َء ال ّر ُســــ ِ‬
‫ول ت ُـ َعــ ّد ُد‬ ‫ت آلال ِء ال ّر ُســـ ِ‬ ‫فَـظَـلّـ ْ‬ ‫ُمفَ ّج َعةً قَــ ْد َشـفّـهَا فَ ْق ُد َأحْ َمــ َد‬
‫َولَ ِك ْن لِنَ ْف ِسي بَ ْعــ َد َما قَ ْد تُو َجــ ُد‬ ‫َت ِم ْن ُك ّل َأ ْم ٍر َع ِشـي ُرهُ‬ ‫َو َما بَلَغ ْ‬
‫َعــلَى طَلَ ِل الّـ ِذي فِيــــ ِه َأحْ َمــ ُد‬ ‫ف ْال َع ْينَ ُج ْه ُدهَا‬ ‫ت ُوقُوفًا ت َْذ ِر ُ‬ ‫َأطَالَ ْ‬
‫بِال ٌد ثَ َوى فِيـهَا ال ّر ِشيــ ُد ْال ُم َس ّد ُد‬ ‫ت‬‫ُور َك ْ‬ ‫ت يَا قَب َْر ال ّر ُســو ِل َوب ِ‬ ‫ُور َك ْ‬
‫فَب ِ‬
‫ض ِد‬ ‫يح ُمنَ ّ‬ ‫صف ِ ٍ‬ ‫ض ّمنَ طَيّبًا ‪َ ...‬علَ ْي ِه بِنَا ٌء ِم ْن َ‬ ‫ُوركَ لَحْ ٌد ِم ْنك ُ‬ ‫َوب ِ‬
‫ك ْس ُع ُد‬ ‫َأ‬ ‫ت بِ َذلِ َ‬‫ب ْي ٍد َو ْعي ٍُن ‪َ ...‬علَ ْي ِه َوقَ ْد غَا َر ْ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫تَ ِهي ُل َعلَ ْي ِه التّرْ َ‬
‫لَقَ ْد َغيّبُوا ح ُْل ًما َو ِع ْل ًما َو َرحْ َمةً ‪ ...‬ع َِشيّةَ َعلَوْ هُ الثّ َرى اَل يُ َو ّس ُد‬
‫ض ُد‬ ‫َت ِم ْنهُ ْم ظُهُو ٌر َوَأ ْع ُ‬ ‫ْس فِي ِه ْم نبـيهُ ْم ‪َ ...‬وقَ ْد َوهَن ْ‬ ‫َو َراحُوا بِح ُْز ِن لَي َ‬
‫ات يَوْ َمهُ ‪َ ...‬و َم ْن قَ ْد بَ َك ْتهُ اَأْلرْ ضُ فَالنّاسُ َأ ْك َم ُد‬ ‫او ُ‬ ‫تَ ْب ِكي ال ّس َم َ‬
‫‪102‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(103‬‬
‫ك ‪َ ...‬ر ِزيّةَ يَوْ ٍم َماتَ فِي ِه ُم َح ّم ُد‬ ‫ت يَوْ ًما َر ِزيّةُ هَالِ ٍ‬ ‫َوهَلْ َع َدلَ ْ‬
‫ور يَ ُغو ُر َويَ ْن َج ُد‬ ‫تَقَطّ َع فِي ِه َم ْن ِز ُل ْال َوحْ ِي َع ْنهُ ْم ‪َ ...‬وقَ ْد َكانَ َذا نُ ٍ‬
‫يَ ُد ّل َعلَى الرّحْ َم ِن َم ْن يَ ْقتَ ِدي بِ ِه ‪َ ...‬ويُ ْنقِ ُذ ِم ْن هَوْ ِل ْال َخزَايَا َويُرْ َش ُد‬
‫إن يُ ِطيعُوهُ يُ ْس َع ُدوا‬ ‫ق ْ‬ ‫ص ْد ٍ‬ ‫ق َجا ِهدًا ‪ُ ...‬م َعلّ ُم ِ‬ ‫إ َما ٌم لَهُ ْم يَ ْه ِدي ِه ْم ْال َح ّ‬
‫ت يَ ْقبَ ُل ُع ْذ َرهُ ْم ‪َ ...‬وِإ ْن يُحْ ِسنُوا فَاَهّلل ُ بِ ْالخَ ي ِْر َأجْ َو ُد‬ ‫َعفُ ّو ع َْن الزّاّل ِ‬
‫َاب َأ ْم ٌر لَ ْم يَقُو ُموا بِ َح ْملِ ِه ‪ ...‬فَ ِم ْن ِع ْن َدهُ تَ ْي ِسي ُر َما يَتَ َش ّد ُد‬ ‫َوِإ ْن ن َ‬
‫ص ُد‬‫فَبَ ْينَا هُ ْم فِي نِ ْع َم ِة هّللا ِ بَ ْينَهُ ْم ‪َ ...‬دلِي ٌل بِ ِه نَ ْه ُج الطّ ِريقَ ِة يُ ْق َ‬
‫َزي ٌز َعلَ ْي ِه َأ ْن يَجُورُوا ع َْن ْالهُدَى ‪َ ...‬ح ِريصٌ َعلَى َأ ْن يَ ْستَقِي ُموا َويَ ْهتَ ُدوا‬ ‫ع ِ‬
‫َف يَحْ نُو َعلَ ْي ِه ْم َويَ ْمهَ ُد‬ ‫ْ‬
‫وف َعلَ ْي ِه ْم اَل يُثنَى َجنَا ُحهُ ‪ ...‬إلَى َكن ٍ‬ ‫ُعط ٌ‬ ‫ُ‬
‫ص ُد‬ ‫ت ُم ْق ِ‬ ‫ور ِه ْم َس ْه ٌم ِم ْن ْال َموْ ِ‬ ‫ور ْإذ َغدَا ‪ ...‬إلَى نُ ِ‬ ‫فَبَ ْينَا هُ ْم فِي َذلِكَ النّ ِ‬
‫ت َويُحْ َم ُد‬ ‫ق ْال ُمرْ َساَل ِ‬ ‫اجعًا ‪ ...‬يَ ْب ِكي ِه َح ّ‬ ‫فََأصْ بَ َح َمحْ ُمودًا إلَى هّللا ِ َر ِ‬
‫َت ِم ْن ْال َوحْ ِي تَ ْعهَ ُد‬ ‫ت بِاَل ُد ْال َح َر ِم َوحْ ًشا بِقَا ِعهَا ‪ ...‬لِ َغ ْيبَ ِة َما َكان ْ‬ ‫َوَأ ْم َس ْ‬
‫ضافَهَا ‪ ...‬فَقِي ٌد يَ ْب ِكي ِه بَاَل طٌ َوغَرْ قَ ُد‬ ‫ور ِة اللّحْ ِد َ‬ ‫قِفَارًا ِس َوى َم ْع ُم َ‬
‫ات لِفَ ْق ِد ِه ‪ ...‬خَاَل ٌء لَهُ فِي ِه َمقَا ٌم َو َم ْق َع ُد‬ ‫ْج ُدهُ فَ ْال ُمو ِح َش ُ‬ ‫َو َمس ِ‬
‫ات َو َر ْب ٌع َو َموْ لِ ُد‬ ‫ص ٌ‬ ‫ت ‪ِ ...‬ديَا ٌر َو َعرْ َ‬ ‫َوبِ ْال َج ْم َر ِة ْال ُكب َْرى لَهُ ثُ ّم َأوْ َح َش ْ‬
‫ك ال ّد ْه َر َد ْمعُك يَجْ ُم ُد‬ ‫ُول هّللا ِ يَا َعي ُْن َع ْب َرةً ‪َ ...‬واَل َأ ْع ِرفَنّ ِ‬ ‫فَبَ ّكى َرس َ‬
‫اس ِم ْنهَا َسابِ ٌغ يَتَ َغ ّم ُد‬ ‫َو َما لَك اَل تَ ْب ِكينَ َذا النّ ْع َم ِة الّتِي ‪َ ...‬علَى النّ ِ‬
‫وع َوَأ ْع ِولِي ‪ ...‬لِفَ ْق ِد الّ ِذي اَل ِم ْثلَهُ ال ّد ْه ُر يُو َج ُد‬ ‫فَجُو ِدي َعلَ ْي ِه بِال ّد ُم ِ‬
‫َو َما فَقَ َد ْال َماضُونَ ِم ْث َل ُم َح ّم ٍد ‪َ ...‬واَل ِم ْثلُهُ َحتّى ْالقِيَا َم ِة يُ ْفقَ ُد‬
‫ب ِم ْنهُ نَاِئاًل اَل يُنَ ّك ُد‬ ‫َف َوَأوْ فَى ِذ ّمةً ‪ ...‬بَ ْع َد ِذ ّم ٍة َوَأ ْق َر َ‬ ‫َأع ّ‬
‫ض ّن ِم ْعطَا ٌء بِ َما َكانَ يُ ْتلَ ُد‬ ‫يف َوتَالِ ٍد ‪ ...‬إ َذا َ‬ ‫َوَأ ْب َذ َل ِم ْنهُ لِلطّ ِر ِ‬
‫ت إ َذا ا ْنتَ َمى ‪َ ...‬وَأ ْك َر َم َج ّدا َأ ْبطَ ِحيّا يُ َس ّو ُد‬ ‫صيتًا فِي ْالبُيُو ِ‬ ‫َوَأ ْك َر َم ِ‬
‫ات تُ َشيّ ُد‬ ‫ت َوَأ ْثبَتَ فِي ْال ُعاَل ‪َ ...‬دعَاِئ ُم ِع ّز َشا ِهقَ ٌ‬ ‫َوَأ ْمنَ َع َذ َر َوا ٍ‬
‫ُوع َو َم ْنبَتًا ‪َ ...‬و ُعودًا غ َّذاهُ ْال ُم ْز ُن فَ ْالعُو ُد َأ ْغيَ ُد‬ ‫َوَأ ْثبَتَ فَرْ عًا فِي ْالفُر ِ‬
‫ت َربّ ُم َم ّج ُد‬ ‫َربّاهُ َولَيَدًا فَا ْستَتَ ّم تَ َما ُمهُ ‪َ ...‬علَى َأ ْك َر ِم ْال َخ ْي َرا ِ‬
‫ي يُ ْفنَ ُد‬ ‫صاةُ ْال ُم ْسلِ ِمينَ بِ َكفّ ِه ‪ ...‬فَاَل ْال ِع ْل ُم َمحْ بُوسٌ َواَل ال ّرْأ ُ‬ ‫َت َو َ‬ ‫تَنَاه ْ‬
‫َازبُ ْال َع ْق ِل ُم ْب َع ُد‬ ‫اس إاّل ع ِ‬ ‫َأقُو ُل َواَل يَ ْلقَى لِقَوْ لِي عَاِئبُ ‪ِ ...‬م ْن النّ ِ‬
‫َازعًا ع َْن ثَنَاِئ ِه ‪ ...‬لَ َعلّي بِ ِه فِي َجنّ ِة ْال ُخ ْل ِد ُأ ْخلَ ُد‬ ‫اي ن ِ‬ ‫ْس ه ََو َ‬ ‫َولَي َ‬
‫ك ْاليَوْ ِم َأ ْس َعى َوَأجْ هَ ُد‬ ‫ارهُ ‪َ ...‬وفِي نَ ْي ِل َذا َ‬ ‫ك ِج َو َ‬ ‫َم َع ْال ُمصْ طَفَى َأرْ جُو بِ َذا َ‬
‫صابُ ع َْن‬ ‫َوقَ ْد َرثَاهُ َكثِي ٌر ِم ْن ال ّش َع َرا ِء َو َغ ْي ُرهُ ْم َوَأ ْكثَ ُرهُ ْم َأ ْف َح َمهُ ْم ْال ُم َ‬
‫ح َوال ِرثَا ٍء فِي‬ ‫ب فِي َم ْد ٍ‬ ‫طنَا ِ‬ ‫صفَةُ ع َْن التّْأبِي ِن َولَ ْن يَ ْبلُ َغ بِاِإْل ْ‬ ‫ْالقَوْ ِل َوَأ ْع َجزَ ْتهُ ْم ال ّ‬
‫صلّى هّللا ُ‬ ‫ْالم فَ َ‬ ‫صيبَ ٍة فَقَ َدهُ َعلَى َأ ْه ِل اِإل س ِ‬ ‫اسنه َعلَ ْي ِه ال ّساَل ُم َوال قَ ْد َر ُم ِ‬ ‫ُك ْن ِه َم َح ِ‬
‫‪103‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(104‬‬
‫ب الرّحْ َم ِة‬ ‫ص ُل َمدَى اللّيَالِي َواَألي ِّام َوَأ َحلّهُ َأ َعلَى َم َراتِ ِ‬ ‫صالةً تَتّ ِ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َعلَى آلِ ِه َ‬
‫ض َل َما َجزَى بِ ِه نبـيا ع َْن ُأ ّمتِ ِه َوال خَالَفَ بِنَا‬ ‫ان َواِإل ْك َر ِام َو َجزَاهُ َعنّا َأ ْف َ‬ ‫َوالرّضْ َو ِـ‬
‫ع َْن ِملّته ‪ ،‬إنّهُ َولِ ّي الطّو ِل َو ْالفَضْ ِل َواِإل ْن َع ِام َوهُ َو َح ْسبُنَا َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل َو ْال َح ْم ُد‬
‫لل ِه َربّ ْال َعالَ ِمينَ ‪.‬‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم‪:‬‬ ‫ت َأ ْيضًا ‪ ،‬يَ ْب ِكي َرسُو ُل هّللا ِ َ‬ ‫ّان ب ُْن ثَابِ ٍ‬ ‫ال َحس ُ‬ ‫َوقَ َ‬
‫ت َمآقِيُهَا بِ ُكحْ ِل اَأْلرْ َم ِد‬ ‫َما بَا ُل َع ْينِك اَل تَنَا ُم َكَأنّ َما ‪َ ...‬ك َحلَ ْ‬
‫صى اَل تَ ْب َعدِ‬ ‫اويًا ‪ ...‬يَا َخ ْي َر َم ْن َوطَِئ ْال َح َ‬ ‫ي َأصْ بَ َح ثَ ِ‬ ‫َج َزعًا َعلَى ْال َم ْه ِد ّ‬
‫يع ْالغَرْ قَ ِد‬ ‫ب لَ ْهفِي لَ ْيتَنِي ‪ُ ...‬غيّبْت قَ ْبلَك فِي بَقِ ِ‬ ‫َوجْ ِهي يَقِيك التّرْ َ‬
‫بَِأبِي َوُأ ّمي َم ْن َش ِه ْدت َوفَاتَهُ ‪ ...‬فِي يَوْ ِم ااِل ْثنَ ْي ِن النبـي ْال ُم ْهتَ ِدي‬
‫فَظَلِ ْلت بَ ْع َد َوفَاتِ ِه ُمتَبَلّدًا ‪ُ ...‬متَلَ ّددًا يَا لَ ْيتَنِي لَ ْم ُأولَدِ‬
‫صبّحْ ت ُس ّم اَأْل ْس َو ِد‬ ‫َأُأقِي ُم بَ ْعدَك بِ ْال َم ِدينَ ِة بَ ْينَهُ ْم ‪ ...‬يَا لَ ْيتَنِي ُ‬
‫َأوْ َح ّل َأ ْم ُر هّللا ِ فِينَا عَا ِجاًل ‪ ...‬فِي َروْ َح ٍة ِم ْن يَوْ ِمنَا َأوْ ِم ْن َغ ٍد‬
‫ض َراِئبُهُ َك ِري ُم ْال َمحْ تِ ِد‬ ‫فَتَقُو ُم َسا َعتَنَا فَن َْلقَى طَيّبًا ‪َ ...‬محْ ضًا َ‬
‫صنَةٌ بِ َس ْع ِد اَأْل ْس َع ِد‬ ‫يَا بِ ْك َر آ ِمنَةَ ْال ُمبَا َركَ بِ ْك ُرهَا ‪َ ...‬ولَ َد ْتهُ ُمحْ َ‬
‫ك يَ ْهتَ ِدي‬ ‫ور ْال ُمبَا َر ِ‬
‫ضا َء َعلَى ْالبَ ّريّ ِة ُكلّهَا ‪َ ...‬م ْن يُ ْه َد لِلنّ ِ‬ ‫نُورًا َأ َ‬
‫يَا َربّ فَاجْ َم ْعنَا َمعًا َونبـينَا ‪ ...‬فِي َجنّ ٍة ت َْثنِنِي ُعيُونَ ْال ُح ّس ِد‬
‫س فَا ْكتُ ْبهَا لَنَا ‪ ...‬يَا َذا ْال َجاَل ِل َو َذا ْال ُعاَل َوال ّسوْ ُد ِد‬ ‫فِي َجنّ ِة ْالفِرْ دَوْ ِ‬
‫َوهّللَا ِ َأ ْس َمع َما بَقِيت بِهَالِك ‪ ...‬إاّل بِ َكيْت َعلَى النبـي ُم َح ّم ِد‬
‫ب فِي َس َوا ِء ْال َم ْل َح ِد‬ ‫ار النبـي َو َر ْه ِط ِه ‪ ...‬بَ ْع َد ْال ُم َغيّ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫يَا َو ْي َح َأ ْن َ‬
‫ار ْالبِاَل ُد فََأصْ بَحُوا ‪ ...‬سُودًا ُوجُوهُهُ ْم َكلَوْ ِن اِإْل ْث ِم ِد‬ ‫ص ِ‬ ‫ت بِاَأْل ْن َ‬‫ض اق َ ْ‬ ‫َ‬
‫َولَقَ ْد َولَ ْدنَاهُ َوفِينَا قَ ْب ُرهُ ‪َ ...‬وفُضُو َل نِ ْع َمتِ ِه بِنَا لَ ْم نَجْ َح ْد‬
‫ارهُ فِي ُك ّل َسا َع ٍة َم ْشهَ ِد‬ ‫ص َ‬‫َوهّللَا ُ َأ َك َر َمنَا بِ ِه َوهَدَى بِ ِه ‪َ ...‬أ ْن َ‬
‫ك َأحْ َم ِد‬ ‫ُف بِ َعرْ ِش ِه ‪َ ...‬والطّيّبُونَ َعلَى ْال ُمبَا َر ِ‬ ‫صلّى اآْل لِهُ َو َم ْن يَح ّ‬ ‫َ‬
‫وقالت صفية بنت عبدالمطلب تبكي رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪:-‬‬
‫أال يارسول هللا كنت رجاءنا ‪ ... ... ...‬وكنت بنا براً ولم تك جافيا‬
‫ك عليك اليوم من كان باكيا‬ ‫وكنت رحيما هاديا ً ومعلِّما ً‪ ... ... ...‬ليب ِ‬
‫لعمرك ما أبكي النبـي لفقده‪ ... ... ...‬ولكن لما أخشى من الهرج آتيا‬
‫كأن على قلبـي لذكر محمد‪ ... ... ...‬وماخفت من بعد النبـي المكاويا‬
‫أفاطم صلى هللا ربُّ محمد‪ ... ... ...‬على جدث أمسى بيثرب ثاويا‬
‫ى لرسول هللا أمي وخالتي‪ ... ... ...‬وعمي وآبائي ونفسي وماليا‬ ‫فِد ً‬
‫صليب العود أبلج صافيا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ومت‬ ‫صدقتَ وبلّغتَ الرسالة صادقا ً‪... ... ...‬‬
‫فلو أن ربَّ الناس أبقى نبـينا‪ ... ... ...‬سعدنا ولكن أمره كان صافيا‬
‫‪104‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(105‬‬
‫‪1‬‬
‫ت من العدن راضيا ‪.‬‬ ‫عليك من هللا السالم تحيةً‪ ... ... ...‬وُأدخلت جنا ٍ‬
‫‪ -‬حكاية الثالثة الذين خلفوا‪:‬‬
‫هذه الحادثة وحدها تكفي لنسف كل المزاعم التي تقول ان الصحابة‬
‫كانوا يخالفون الرسول وال يمتثلون اوامره ‪ . ‬هنا تظهر هيمنة الرسول‪‬‬
‫على اصحابه في سرهم وعالنيتهم وانها تعدت عالقتهم بالنبـي والمجتمع الى‬
‫بيوتهم وازواجهم !‬
‫ثالثة نفر من الصحابة تخلفوا عن غزوة تبوك ال لشيء اال النهم‬
‫تكاسلوا وآثروا الدعة وعندما رجع الرسول واصحابه دون أن يخوضوا حربا‬
‫وكان بامكانهم ان يختلقوا اعذارا كما فعل المنافقون فيقبله الرسول ‪ ‬ويدعو‬
‫لهم ويستغفر لهم وقد يكون دعاء الرسول واستغفاره لهم كافيا الن يغفر هللا لهم‬
‫ال سيما وان المسلمين لم يخوضوا حربا ورجعوا دون خسائر ‪ ،‬لكنهم آثروا‬
‫الصدق فصارحوا رسول هللا بحقيقة امرهم ‪ ،‬فلم يتصرف الرسول بشأنهم من‬
‫تلقاء نفسه بل ردهم حتى يقضي هللا في امرهم ‪ ،‬ثم جاءت االوامر بحقهم‬
‫ليلقنهم وباقي الصحابة درسا لن ينسوه ابدا ويكونوا عبرة لغيرهم ‪ :‬جاءت‬
‫االوامر الى الصحابة أالّ يكلمهم احد وال يتعامل معهم احد فكانوا يجيئون‬
‫ويذهبون اليسلم عليهم احد وال يرد سالمهم احد ‪ ،‬فلم يندموا على مصارحتهم‬
‫رسول هللا بحقيقة امرهم ولم يعترضوا على تلك االجراءات ولم يستكثروا‬
‫العقوبة على صنيعهم‪ ،‬ولم يقف االمر عند هذا الحد بل تخطاه الى ابعد من ذلك‬
‫بكثير ‪ :‬جاءت االوامر من الرسول الى زوجاتهم اال تكلموهم وال تأذنوا لهم ان‬
‫يضاجعنكن ‪ .‬فيلتزم الجميع وال يرتفع صوت االعتراض من احد ال منهم وال‬
‫من اقربائهم واصحابهم ‪ ،‬وال يقول احد وما دخله بحياتنا الشخصية وعالقاتنا‬
‫بازواجنا ‪ ،‬ولم يقف االلتزام عند هذا الحد بل يصل الى الحد الذي يدفع احدهم‬
‫وهو كعب بن مالك الشاب المتزوج حديثا ان يقول المراته إلتحقي بأهلك خوفا‬
‫من ان ال تطاوعه نفسه فيخالف امر رسول هللا ‪ ، ‬وتأتي امراة احدهم فتقول‬
‫يا رسول هللا ان زوجي شيخ كبير وال يقدر على خدمة نفسه وليس عنده من‬
‫يخدمه فيأذن لها رسول هللا ان تخدمه ولكن شريطة االّ تكلمه وال تمكنه من‬
‫نفسها ثم يصل الخبر الى ملك الغساسنة فيبعث رسوال الى احدهم –وهو كعب‬
‫بن مالك – يدعوه الى الشام ليعوضه عما لحق به من الهوان فبدال من ان يفرح‬
‫كعب بذلك وينبسط نراه يحزن حزنا كبيرا ويأسف على نفسه ان وصلت به‬
‫الحال ان يطمع فيه الكفار فما كان منه اال ان عمد الى الكتاب والقاه في التنور‬
‫ووبخ نفسه قائال ‪ :‬أبلغ بك االمر مبلغا يطمع فيك الكفار ! وتدوم هذه الحالة‬
‫‪ . 1‬السيرة النبوية دروس وعبر علي بن محمد الصالبي ‪9/194‬‬
‫‪105‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(106‬‬
‫خمسين يوما حتى استوحشوا وجوه الناس وضاقت عليهم االرض بما رحبت‬
‫كما عبر القرآن وضاقت عليهم انفسهم وظنوا أالّ ملجأ من هللا اال اليه فتاب هللا‬
‫عليهم ليتوبوا وال يعودوا الى مخالفة الرسول‪ ‬بعده ! فهل بعد هذا الدرس‬
‫القاسي يجرؤ احد على مخالفة امر الرسول ان كان يعلم ان ذلك من االمور‬
‫التي ال يسعه فيها مخالفته ؟ وهل بعد هذا االجراء يحق الحد ان يشك في‬
‫هيمنة الرسول على قلوب واجساد وارواح اتباعه؟ واليك تفاصيل القصة كما‬
‫رواها البخاري‪:‬‬
‫ب ع َْن َع ْب ِد الرَّحْ َم ِن ب ِْن‬ ‫ْث ع َْن ُعقَ ْي ٍل ع َْن ا ْب ِن ِشهَا ٍ‬ ‫َح َّدثَنَا يَحْ يَى ب ُْن بُ َكي ٍْر َح َّدثَنَا اللَّي ُ‬
‫ب ِم ْن‬ ‫ك َو َكانَ قَاِئ َد َك ْع ٍ‬ ‫ب ْب ِن َمالِ ٍ‬ ‫ك َأ َّن َع ْب َد هَّللا ِ ْبنَ َك ْع ِ‬ ‫ب ب ِْن َمالِ ٍ‬ ‫َع ْب ِد هَّللا ِ ْب ِن َك ْع ِ‬
‫ك‬‫ص ِة تَبُو َ‬ ‫ِّث ِحينَ تَ َخلَّفَ ع َْن قِ َّ‬ ‫ك يُ َحد ُ‬ ‫ْب ْبنَ َمالِ ٍ‬ ‫ْت َكع َ‬ ‫بَنِي ِه ِحينَ َع ِم َي قَا َل َس ِمع ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فِي غ َْز َو ٍة غَزَاهَا ِإاَّل‬ ‫ف ع َْن َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬ ‫قَا َل َكعْبٌ لَ ْم َأتَخَلَّ ْ‬
‫ت فِي غ َْز َو ِة بَ ْد ٍر َولَ ْم يُ َعاتِبْ َأ َحدًا تَ َخلَّفَ‬ ‫ت تَخَ لَّ ْف ُ‬ ‫ك َغ ْي َر َأنِّي ُك ْن ُ‬ ‫فِي غ َْز َو ِة تَبُو َ‬
‫ش َحتَّى َج َم َع هَّللا ُ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ي ُِري ُد ِعي َر قُ َر ْي ٍ‬ ‫َع ْنهَا ِإنَّ َما خَ َر َج َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ت َم َع َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬ ‫بَ ْينَهُ ْم َوبَ ْينَ َع ُد ِّو ِه ْم َعلَى َغي ِْر ِمي َعا ٍد َولَقَ ْد َش ِه ْد ُ‬
‫َو َسلَّ َم لَ ْيلَةَ ْال َعقَبَ ِة ِحينَ ت ََواثَ ْقنَا َعلَى اِإْل ْساَل ِم َو َما ُأ ِحبُّ َأ َّن لِي بِهَا َم ْشهَ َد بَ ْد ٍر َوِإ ْن‬
‫ط َأ ْق َوى َواَل َأ ْي َس َر‬ ‫اس ِم ْنهَا َكانَ ِم ْن خَ بَ ِري َأنِّي لَ ْم َأ ُك ْن قَ ُّ‬ ‫َت بَ ْد ٌر َأ ْذ َك َر فِي النَّ ِ‬ ‫َكان ْ‬
‫ط َحتَّى‬ ‫احلَتَا ِن قَ ُّ‬ ‫ت ِع ْن ِدي قَ ْبلَهُ َر ِ‬ ‫ت َع ْنهُ فِي تِ ْلكَ ْالغَزَا ِة َوهَّللا ِ َما اجْ تَ َم َع ْ‬ ‫ِحينَ تَخَ لَّ ْف ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ي ُِري ُد غ َْز َوةً‬ ‫ك ْالغ َْز َو ِة َولَ ْم يَ ُك ْن َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫َج َم ْعتُهُ َما فِي تِ ْل َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫ك ْالغ َْز َوةُ َغزَاهَا َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫َت تِ ْل َ‬‫ِإاَّل َورَّى بِ َغي ِْرهَا َحتَّى َكان ْ‬
‫فِي َحرٍّ َش ِدي ٍد َوا ْستَ ْقبَ َل َسفَرًا بَ ِعيدًا َو َمفَا ًزا َو َع ُد ًّوا َكثِيرًا فَ َجلَّى لِ ْل ُم ْسلِ ِمينَ َأ ْم َرهُ ْم‬
‫لِيَتََأهَّبُوا ُأ ْهبَةَ غ َْز ِو ِه ْم فََأ ْخبَ َرهُ ْم بِ َوجْ ِه ِه الَّ ِذي ي ُِري ُد َو ْال ُم ْسلِ ُمونَ َم َع َرسُو ِل هَّللا ِ‬
‫ال َكعْبٌ فَ َما‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َكثِي ٌر َواَل يَجْ َم ُعهُ ْم ِكتَابٌ َحافِظٌ ي ُِري ُد الدِّي َوانَ قَ َ‬ ‫َ‬
‫ي ِ َوغَزَا‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّب ِإ ظَ َّن ْن َسيَخفَى لَهُ َما لَ ْم يَن ِزلْ فِي ِه َوحْ ُ‬ ‫َأ‬ ‫اَّل‬ ‫َأ‬
‫َر ُج ٌل ي ُِري ُد ْن يَتَ َغي َ‬
‫ت الثِّ َما ُر َوالظِّاَل ُل َوتَ َجهَّزَ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم تِ ْلكَ ْالغ َْز َوةَ ِحينَ طَابَ ْ‬ ‫َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫ت َأ ْغ ُدو لِ َك ْي َأت ََجهَّ َز َم َعهُ ْم‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو ْال ُم ْسلِ ُمونَ َم َعهُ فَطَفِ ْق ُ‬ ‫َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫ض َش ْيًئا فََأقُو ُل فِي نَ ْف ِسي َأنَا قَا ِد ٌر َعلَ ْي ِه فَلَ ْم يَ َزلْ يَتَ َمادَى بِي َحتَّى‬ ‫فََأرْ ِج ُع َولَ ْم َأ ْق ِ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو ْال ُم ْسلِ ُمونَ َم َعهُ َولَ ْم‬ ‫اس ْال ِج ُّد فََأصْ بَ َح َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ا ْشتَ َّد بِالنَّ ِ‬
‫ت بَ ْع َد‬ ‫ت َأتَ َجهَّ ُز بَ ْع َدهُ بِيَوْ ٍم َأوْ يَوْ َمي ِْن ثُ َّم َأ ْل َحقُهُ ْم فَ َغدَوْ ُ‬ ‫ازي َش ْيًئا فَقُ ْل ُ‬ ‫ض ِم ْن َجهَ ِ‬ ‫َأ ْق ِ‬
‫ض َش ْيًئا‬ ‫ْت َولَ ْم َأ ْق ِ‬ ‫ت ثُ َّم َر َجع ُ‬ ‫ض َش ْيًئا ثُ َّم َغدَوْ ُ‬ ‫ْت َولَ ْم َأ ْق ِ‬ ‫صلُوا َأِلت ََجهَّ َز فَ َر َجع ُ‬ ‫َأ ْن فَ َ‬
‫ت َأ ْن َأرْ ت َِح َل فَُأ ْد ِر َكهُ ْم َولَ ْيتَنِي‬ ‫فَلَ ْم يَزَ لْ بِي َحتَّى َأ ْس َر ُعوا َوتَفَا َرطَ ْالغ َْز ُو َوهَ َم ْم ُ‬
‫صلَّى‬ ‫ُول هَّللا ِ َ‬ ‫ُوج َرس ِ‬ ‫اس بَ ْع َد ُخر ِ‬ ‫ت فِي النَّ ِ‬ ‫خَرجْ ُ‬ ‫ت ِإ َذا َ‬ ‫ت فَلَ ْم يُقَ َّدرْ لِي َذلِكَ فَ ُك ْن ُ‬ ‫فَ َع ْل ُ‬
‫ت فِي ِه ْم َأحْ زَ نَنِي َأنِّي اَل َأ َرى ِإاَّل َر ُجاًل َم ْغ ُموصًا َعلَ ْي ِه النِّفَا ُ‬
‫ق‬ ‫هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فَطُ ْف ُ‬
‫‪106‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(107‬‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫َأوْ َر ُجاًل ِم َّم ْن َع َذ َر هَّللا ُ ِم ْن الضُّ َعفَا ِء َولَ ْم يَ ْذ ُكرْ نِي َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫ال َر ُج ٌل‬ ‫ال َوهُ َو َجالِسٌ فِي ْالقَوْ ِم بِتَبُوكَ َما فَ َع َل َكعْبٌ فَقَ َ‬ ‫َو َسلَّ َم َحتَّى بَلَ َغ تَبُوكَ فَقَ َ‬
‫طفِ ِه فَقَا َل ُم َعا ُذ ب ُْن َجبَ ٍل‬ ‫ُول هَّللا ِ َحبَ َسهُ بُرْ دَاهُ َونَظَ ُرهُ فِي ِع ْ‬ ‫ِم ْن بَنِي َسلِ َمةَ يَا َرس َ‬
‫صلَّى‬ ‫ُول هَّللا ِ َما َعلِ ْمنَا َعلَ ْي ِه ِإاَّل َخ ْيرًا فَ َسكَتَ َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫س َما قُ ْلتَ َوهَّللا ِ يَا َرس َ‬ ‫بِْئ َ‬
‫ض َرنِي هَ ِّمي‬ ‫ك فَلَ َّما بَلَ َغنِي َأنَّهُ تَ َو َّجهَ قَافِاًل َح َ‬ ‫ال َكعْبُ ب ُْن َمالِ ٍ‬ ‫هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬
‫ك‬ ‫ت َعلَى َذلِ َ‬ ‫ب َوَأقُو ُل بِ َما َذا َأ ْخ ُر ُج ِم ْن َس َخ ِط ِه َغدًا َوا ْستَ َع ْن ُ‬ ‫ت َأتَ َذ َّك ُر ْال َك ِذ َ‬‫َوطَفِ ْق ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ ْد َأظَ َّل‬ ‫ُول هَّللا ِ َ‬‫ي ِم ْن َأ ْهلِي فَلَ َّما قِي َل ِإ َّن َرس َ‬ ‫ْأ‬
‫بِ ُك ِّل ِذي َر ٍ‬
‫ُج ِم ْنهُ َأبَدًا بِ َش ْي ٍء فِي ِه َك ِذبٌ‬ ‫ت َأنِّي لَ ْن َأ ْخر َ‬ ‫اط ُل َوع ََر ْف ُ‬ ‫َاح َعنِّي ْالبَ ِ‬ ‫قَا ِد ًما ز َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَا ِد ًما َو َكانَ ِإ َذا قَ ِد َم ِم ْن‬ ‫ص ْدقَهُ َوَأصْ بَ َح َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ْت ِ‬ ‫فََأجْ َمع ُ‬
‫ك َجا َءهُ‬ ‫اس فَلَ َّما فَ َع َل َذلِ َ‬ ‫س لِلنَّ ِ‬ ‫ْج ِد فَيَرْ َك ُع فِي ِه َر ْك َعتَي ِْن ثُ َّم َجلَ َ‬ ‫َسفَ ٍر بَ َدَأ بِ ْال َمس ِ‬
‫ْال ُمخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَ ْعتَ ِذرُونَ ِإلَ ْي ِه َويَحْ لِفُونَ لَهُ َو َكانُوا بِضْ َعةً َوثَ َمانِينَ َر ُجاًل فَقَبِ َل‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َعاَل نِيَتَهُ ْم َوبَايَ َعهُ ْم َوا ْستَ ْغفَ َر لَهُ ْم َو َو َك َل‬ ‫ِم ْنهُ ْم َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫ال تَ َعا َل‬ ‫ب ثُ َّم قَ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت َعلَ ْي ِه تَبَ َّس َم تَبَ ُّس َم ْال ُم ْغ َ‬ ‫َس َراِئ َرهُ ْم ِإلَى هَّللا ِ فَ ِجْئتُهُ فَلَ َّما َسلَّ ْم ُ‬
‫ك‬ ‫ْت بَ ْينَ يَ َد ْي ِه فَقَا َل لِي َما َخلَّفَكَ َألَ ْم تَ ُك ْن قَ ْد ا ْبتَعْتَ ظَه َْر َ‬ ‫ت َأ ْم ِشي َحتَّى َجلَس ُ‬ ‫فَ ِجْئ ُ‬
‫ْت َأ ْن َسَأ ْخ ُر ُج ِم ْن‬ ‫ك ِم ْن َأ ْه ِل ال ُّد ْنيَا لَ َرَأي ُ‬ ‫ْت ِع ْن َد َغي ِْر َ‬ ‫ت بَلَى ِإنِّي َوهَّللا ِ لَوْ َجلَس ُ‬ ‫فَقُ ْل ُ‬
‫يث‬ ‫ك ْاليَوْ َم َح ِد َ‬ ‫ت لَِئ ْن َح َّد ْثتُ َ‬ ‫يت َج َداًل َولَ ِكنِّي َوهَّللا ِ لَقَ ْد َعلِ ْم ُ‬ ‫َسخَ ِط ِه بِع ُْذ ٍر َولَقَ ْد ُأ ْع ِط ُ‬
‫ق‬‫ص ْد ٍ‬ ‫يث ِ‬ ‫ك َح ِد َ‬ ‫ي َولَِئ ْن َح َّد ْثتُ َ‬ ‫ك َعلَ َّ‬ ‫ضى بِ ِه َعنِّي لَيُو ِش َك َّن هَّللا ُ َأ ْن يُ ْس ِخطَ َ‬ ‫ب تَرْ َ‬ ‫َك ِذ ٍ‬
‫ت‬ ‫ي فِي ِه ِإنِّي َأَلرْ جُو فِي ِه َع ْف َو هَّللا ِ اَل َوهَّللا ِ َما َكانَ لِي ِم ْن ُع ْذ ٍر َوهَّللا ِ َما ُك ْن ُ‬ ‫ت َِج ُد َعلَ َّ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫ك فَقَا َل َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ت َع ْن َ‬ ‫ط َأ ْق َوى َواَل َأ ْي َس َر ِمنِّي ِحينَ تَ َخلَّ ْف ُ‬ ‫قَ ُّ‬
‫ت َوثَا َر ِر َجا ٌل ِم ْن بَنِي َسلِ َمةَ‬ ‫ك فَقُ ْم ُ‬ ‫ض َي هَّللا ُ فِي َ‬ ‫ق فَقُ ْم َحتَّى يَ ْق ِ‬ ‫ص َد َ‬‫َأ َّما هَ َذا فَقَ ْد َ‬
‫فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي َوهَّللا ِ َما َعلِ ْمنَاكَ ُك ْنتَ َأ ْذنَبْتَ َذ ْنبًا قَ ْب َل هَ َذا َولَقَ ْد َع َج ْزتَ َأ ْن اَل‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم بِ َما ا ْعتَ َذ َر ِإلَ ْي ِه ْال ُمتَ َخلِّفُونَ قَ ْد‬ ‫ُول هَّللا ِ َ‬ ‫تَ ُكونَ ا ْعتَ َذرْ تَ ِإلَى َرس ِ‬
‫ك فَ َوهَّللا ِ َما زَالُوا‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم لَ َ‬ ‫ُول هَّللا ِ َ‬ ‫َكانَ َكافِيَكَ َذ ْنبَكَ ا ْستِ ْغفَا ُر َرس ِ‬
‫ت لَهُ ْم هَلْ لَقِ َي هَ َذا َم ِعي َأ َح ٌد‬ ‫ب نَ ْف ِسي ثُ َّم قُ ْل ُ‬ ‫ت َأ ْن َأرْ ِج َع فَُأ َك ِّذ َ‬ ‫يَُؤ نِّبُونِي َحتَّى َأ َر ْد ُ‬
‫ت َم ْن هُ َما قَالُوا‬ ‫ك فَقُ ْل ُ‬ ‫يل لَهُ َما ِم ْث ُل َما قِي َل لَ َ‬ ‫قَالُوا نَ َع ْم َر ُجاَل ِن قَااَل ِم ْث َل َما قُ ْلتَ فَقِ َ‬
‫صالِ َح ْي ِن‬ ‫يع ْال َع ْم ِريُّ َو ِهاَل ُل ب ُْن ُأ َميَّةَ ْال َواقِفِ ُّي فَ َذ َكرُوا لِي َر ُجلَ ْي ِن َ‬ ‫ارةُ ب ُْن ال َّربِ ِ‬ ‫ُم َر َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ‬ ‫ْت ِحينَ َذ َكرُوهُ َما لِي َونَهَى َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ضي ُ‬ ‫قَ ْد َش ِهدَا بَ ْدرًا فِي ِه َما ُأ ْس َوةٌ فَ َم َ‬
‫َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ْال ُم ْسلِ ِمينَ ع َْن كَاَل ِمنَا َأيُّهَا الثَّاَل ثَةُ ِم ْن بَ ْي ِن َم ْن تَ َخلَّفَ َع ْنهُ فَاجْ تَنَبَنَا‬
‫ف فَلَبِ ْثنَا‬ ‫ت فِي نَ ْف ِسي اَأْلرْ ضُ فَ َما ِه َي الَّتِي َأ ْع ِر ُ‬ ‫النَّاسُ َوتَ َغيَّرُوا لَنَا َحتَّى تَنَ َّك َر ْ‬
‫ي فَا ْستَ َكانَا َوقَ َعدَا فِي بُيُوتِ ِه َما يَ ْب ِكيَا ِن َوَأ َّما َأنَا‬ ‫احبَا َ‬ ‫ص ِ‬ ‫َعلَى َذلِكَ خَ ْم ِسينَ لَ ْيلَةً فََأ َّما َ‬
‫وف‬ ‫صاَل ةَ َم َع ْال ُم ْسلِ ِمينَ َوَأطُ ُ‬ ‫ت َأ ْخ ُر ُج فََأ ْشهَ ُد ال َّ‬ ‫ت َأ َشبَّ ْالقَوْ ِم َوَأجْ لَ َدهُ ْم فَ ُك ْن ُ‬ ‫فَ ُك ْن ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فَُأ َسلِّ ُم َعلَ ْي ِه‬ ‫اق َواَل يُ َكلِّ ُمنِي َأ َح ٌد َوآتِي َرسُو َل هَّللا ِ َ‬ ‫فِي اَأْل ْس َو ِ‬
‫‪107‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(108‬‬
‫ي‬‫ك َشفَتَ ْي ِه بِ َر ِّد ال َّساَل ِم َعلَ َّ‬ ‫صاَل ِة فََأقُو ُل فِي نَ ْف ِسي هَلْ َح َّر َ‬ ‫َوهُ َو فِي َمجْ لِ ِس ِه بَ ْع َد ال َّ‬
‫صاَل تِي َأ ْقبَ َل ِإلَ َّ‬ ‫ارقُهُ النَّظَ َر فَِإ َذا َأ ْقبَ ْل ُ‬ ‫ُأ‬ ‫َأ ْم اَل ثُ َّم ُأ َ‬
‫ي َوِإ َذا‬ ‫ت َعلَى َ‬ ‫صلِّي قَ ِريبًا ِم ْنهُ فَ َس ِ‬
‫ْت َحتَّى‬ ‫اس َم َشي ُ‬ ‫ك ِم ْن َج ْف َو ِة النَّ ِ‬ ‫ي َذلِ َ‬ ‫ض َعنِّي َحتَّى ِإ َذا طَا َل َعلَ َّ‬ ‫ت نَحْ َوهُ َأ ْع َر َ‬ ‫ْالتَفَ ُّ‬
‫ت َعلَ ْي ِه‬ ‫ي فَ َسلَّ ْم ُ‬ ‫َار َحاِئ ِط َأبِي قَتَا َدةَ َوهُ َو اب ُْن َع ِّمي َوَأ َحبُّ النَّ ِ‬
‫اس ِإلَ َّ‬ ‫ت ِجد َ‬ ‫تَ َس َّورْ ُ‬
‫ك بِاهَّلل ِ هَلْ تَ ْعلَ ُمنِي ُأ ِحبُّ هَّللا َ‬ ‫ت يَا َأبَا قَتَا َدةَ َأ ْن ُش ُد َ‬ ‫ي ال َّساَل َم فَقُ ْل ُ‬ ‫فَ َوهَّللا ِ َما َر َّد َعلَ َّ‬
‫ت لَهُ فَنَ َش ْدتُهُ فَقَا َل هَّللا ُ َو َرسُولُهُ َأ ْعلَ ُم‬ ‫ت لَهُ فَنَ َش ْدتُهُ فَ َسكَتَ فَ ُع ْد ُ‬ ‫َو َرسُولَهُ فَ َسكَتَ فَ ُع ْد ُ‬
‫ُوق ْال َم ِدينَ ِة‬ ‫ال فَبَ ْينَا َأنَا َأ ْم ِشي بِس ِ‬ ‫ت ْال ِجدَا َر قَ َ‬ ‫ْت َحتَّى تَ َس َّورْ ُ‬ ‫َاي َوت ََولَّي ُ‬ ‫ت َع ْين َ‬ ‫اض ْ‬ ‫فَفَ َ‬
‫اط َأ ْه ِل ال َّش ِم ِم َّم ْن قَ ِد َم بِالطَّ َع ِام يَبِي ُعهُ بِ ْال َم ِدينَ ِة يَقُو ُل َم ْن يَ ُدلُّ‬ ‫ْأ‬ ‫ِإ َذا نَبَ ِط ٌّي ِم ْن َأ ْنبَ ِ‬
‫ي ِكتَابًا ِم ْن‬ ‫ق النَّاسُ يُ ِشيرُونَ لَهُ َحتَّى ِإ َذا َجا َءنِي َدفَ َع ِإلَ َّ‬ ‫ك فَطَفِ َ‬ ‫ب ب ِْن َمالِ ٍ‬ ‫َعلَى َك ْع ِ‬
‫ك َولَ ْم يَجْ َع ْلكَ هَّللا ُ‬ ‫احبَكَ قَ ْد َجفَا َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ك َغ َّسانَ فَِإ َذا فِي ِه َأ َّما بَ ْع ُد فَِإنَّهُ قَ ْد بَلَ َغنِي َأ َّن َ‬ ‫َملِ ِ‬
‫ت لَ َّما قَ َر تُهَا َوهَ َذا َأ ْيضًا ِم ْن ْالبَاَل ِء‬ ‫ْأ‬ ‫ان َواَل َمضْ يَ َع ٍة فَ ْال َح ْق بِنَا نُ َوا ِسكَ فَقُ ْل ُ‬ ‫َار ه ََو ٍ‬ ‫بِد ِ‬
‫ت َأرْ بَعُونَ لَ ْيلَةً ِم ْن ْالخَ ْم ِسينَ ِإ َذا‬ ‫ض ْ‬ ‫ت بِهَا التَّنُّو َر فَ َس َجرْ تُهُ بِهَا َحتَّى ِإ َذا َم َ‬ ‫فَتَيَ َّم ْم ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ْأ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يَ تِينِي فَقَا َل ِإ َّن َرسُو َل هَّللا ِ َ‬ ‫َرسُو ُل َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬
‫ت ُأطَلِّقُهَا َأ ْم َما َذا َأ ْف َع ُل قَا َل اَل بَلْ ا ْعت َِز ْلهَا َواَل‬ ‫َو َسلَّ َم يَْأ ُمرُكَ َأ ْن تَ ْعت َِز َل ا ْم َرَأتَكَ فَقُ ْل ُ‬
‫ك فَتَ ُكونِي‬ ‫ت اِل ْم َرَأتِي ْال َحقِي بَِأ ْهلِ ِ‬ ‫ك فَقُ ْل ُ‬ ‫ي ِم ْث َل َذلِ َ‬ ‫احبَ َّ‬ ‫ص ِ‬ ‫تَ ْق َر ْبهَا َوَأرْ َس َل ِإلَى َ‬
‫ت ا ْم َرَأةُ ِهاَل ِل ب ِْن ُأ َميَّةَ‬ ‫ض َي هَّللا ُ فِي هَ َذا اَأْل ْم ِر قَا َل َكعْبٌ فَ َجا َء ْ‬ ‫ِع ْن َدهُ ْم َحتَّى يَ ْق ِ‬
‫ت يَا َرسُو َل هَّللا ِ ِإ َّن ِهاَل َل ْبنَ ُأ َميَّةَ َش ْي ٌخ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فَقَالَ ْ‬ ‫َرسُو َل هَّللا ِ َ‬
‫ت ِإنَّهُ َوهَّللا ِ َما‬ ‫ْك قَالَ ْ‬ ‫ْس لَهُ خَا ِد ٌم فَهَلْ تَ ْك َرهُ َأ ْن َأ ْخ ُد َمهُ قَا َل اَل َولَ ِك ْن اَل يَ ْق َرب ِ‬ ‫ضاِئ ٌع لَي َ‬ ‫َ‬
‫َأ‬
‫َال يَ ْب ِكي ُم ْنذ َكانَ ِم ْن ْم ِر ِه َما َكانَ ِإلَى يَوْ ِم ِه هَ َذا‬ ‫ُ‬ ‫هَّللا‬
‫بِ ِه َح َر َكةٌ ِإلَى َش ْي ٍء َو ِ َما ز َ‬
‫ك‬‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فِي ا ْم َرَأتِ َ‬ ‫ُول هَّللا ِ َ‬ ‫فَقَا َل لِي بَعْضُ َأ ْهلِي لَوْ ا ْستَْأ َذ ْنتَ َرس َ‬
‫ت َوهَّللا ِ اَل َأ ْستَْأ ِذ ُن فِيهَا َرسُو َل هَّللا ِ‬ ‫َك َما َأ ِذنَ اِل ْم َرَأ ِة ِهاَل ِل ْب ِن ُأ َميَّةَ َأ ْن ت َْخ ُد َمهُ فَقُ ْل ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِإ َذا‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو َما يُ ْد ِرينِي َما يَقُو ُل َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫َ‬
‫ت لَنَا َخ ْمسُونَ‬ ‫ت بَ ْع َد َذلِكَ َع ْش َر لَيَا ٍل َحتَّى َك َملَ ْ‬ ‫ا ْستَ َذ ْنتُهُ فِيهَا َوَأنَا َر ُج ٌل َشابٌّ فَلَبِ ْث ُ‬ ‫ْأ‬
‫صاَل ةَ‬ ‫ْت َ‬ ‫صلَّي ُ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ع َْن كَاَل ِمنَا فَلَ َّما َ‬ ‫لَ ْيلَةً ِم ْن ِحينَ نَهَى َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫ت ِم ْن بُيُوتِنَا فَبَ ْينَا َأنَا َجالِسٌ َعلَى‬ ‫صب َْح خَ ْم ِسينَ لَ ْيلَةً َوَأنَا َعلَى ظَه ِْر بَ ْي ٍ‬ ‫ْالفَجْ ِر ُ‬
‫ت‬ ‫ي اَأْلرْ ضُ بِ َما َر ُحبَ ْ‬ ‫ت َعلَ َّ‬ ‫ض اق َ ْ‬ ‫ي نَ ْف ِسي َو َ‬ ‫ت َعلَ َّ‬ ‫ض اق َ ْ‬ ‫ال الَّتِي َذ َك َر هَّللا ُ قَ ْد َ‬ ‫ْال َح ِ‬
‫صوْ تِ ِه يَا َكعْبُ ْبنَ َمالِ ٍ‬
‫ك‬ ‫خ َأوْ فَى َعلَى َجبَ ِل َس ْل ٍع بَِأ ْعلَى َ‬ ‫ار ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫صوْ تَ َ‬ ‫ْت َ‬ ‫َس ِمع ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ‬ ‫ت َأ ْن قَ ْد َجا َء فَ َر ٌج َوآ َذنَ َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ت َسا ِجدًا َو َع َر ْف ُ‬ ‫خَررْ ُ‬ ‫ال فَ َ‬ ‫َأب ِْشرْ قَ َ‬
‫َب النَّاسُ يُبَ ِّشرُونَنَا‬ ‫صاَل ةَ ْالفَجْ ِر فَ َذه َ‬ ‫صلَّى َ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم بِتَوْ بَ ِة هَّللا ِ َعلَ ْينَا ِحينَ َ‬
‫اع ِم ْن َأ ْسلَ َم‬ ‫ي َر ُج ٌل فَ َرسًا َو َس َعى َس ٍ‬ ‫ض ِإلَ َّ‬ ‫ي ُمبَ ِّشرُونَ َو َر َك َ‬ ‫احبَ َّ‬‫ص ِ‬ ‫َب قِبَ َل َ‬ ‫َو َذه َ‬
‫ْت‬‫س فَلَ َّما َجا َءنِي الَّ ِذي َس ِمع ُ‬ ‫ت َأس َْر َع ِم ْن ْالفَ َر ِ‬ ‫صوْ ُ‬ ‫فََأوْ فَى َعلَى ْال َجبَ ِل َو َكانَ ال َّ‬
‫ك َغ ْي َرهُ َما‬ ‫ي فَ َك َسوْ تُهُ ِإيَّاهُ َما بِبُ ْش َراهُ َوهَّللا ِ َما َأ ْملِ ُ‬ ‫ت لَهُ ثَوْ بَ َّ‬ ‫صوْ تَهُ يُبَ ِّش ُرنِي نَ َز ْع ُ‬ ‫َ‬
‫‪108‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(109‬‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫ت ِإلَى َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬ ‫ت ثَوْ بَ ْي ِن فَلَبِ ْستُهُ َما َوا ْنطَلَ ْق ُ‬ ‫يَوْ َمِئ ٍذ َوا ْستَ َعرْ ُ‬
‫ك قَا َل‬ ‫ك تَوْ بَةُ هَّللا ِ َعلَ ْي َ‬ ‫فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْ جًا فَوْ جًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْ بَ ِة يَقُولُونَ لِتَ ْهنِ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َجالِسٌ َحوْ لَهُ‬ ‫ت ْال َم ْس ِج َد فَِإ َذا َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫َكعْبٌ َحتَّى د ْ‬
‫َخَل ُ‬
‫صافَ َحنِي َوهَنَّانِي َوهَّللا ِ َما قَا َم‬ ‫ي طَ ْل َحةُ ب ُْن ُعبَ ْي ِد هَّللا ِ يُهَرْ ِو ُل َحتَّى َ‬ ‫النَّاسُ فَقَا َم ِإلَ َّ‬
‫ت َعلَى‬ ‫ي َر ُج ٌل ِم ْن ْال ُمهَا ِج ِرينَ َغ ْي َرهُ َواَل َأ ْن َساهَا لِطَ ْل َحةَ قَا َل َكعْبٌ فَلَ َّما َسلَّ ْم ُ‬ ‫ِإلَ َّ‬
‫ق‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َوهُ َو يَ ْب ُر ُ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَا َل َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬
‫ت َأ ِم ْن‬ ‫ال قُ ْل ُ‬ ‫ك ُأ ُّمكَ قَ َ‬ ‫ُور َأ ْب ِشرْ بِخَ ي ِْر يَوْ ٍم َم َّر َعلَ ْيكَ ُم ْن ُذ َولَ َد ْت َ‬ ‫َوجْ هُهُ ِم ْن ال ُّسر ِ‬
‫صلَّى‬ ‫ال اَل بَلْ ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ َو َكانَ َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ُول هَّللا ِ َأ ْم ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ قَ َ‬ ‫ك يَا َرس َ‬ ‫ِع ْن ِد َ‬
‫ف َذلِكَ ِم ْنهُ‬ ‫ْر ُ‬ ‫ط َعةُ قَ َم ٍر َو ُكنَّا نَع ِ‬ ‫َار َوجْ هُهُ َحتَّى َكَأنَّهُ قِ ْ‬ ‫هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِإ َذا ُس َّر ا ْستَن َ‬
‫ص َدقَةً‬ ‫ت يَا َرسُو َل هَّللا ِ ِإ َّن ِم ْن تَوْ بَتِي َأ ْن َأ ْن َخلِ َع ِم ْن َمالِي َ‬ ‫ْت بَ ْينَ يَ َد ْي ِه قُ ْل ُ‬ ‫فَلَ َّما َجلَس ُ‬
‫ْض‬‫ك بَع َ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َأ ْم ِس ْك َعلَ ْي َ‬ ‫ُول هَّللا ِ قَا َل َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ِإلَى هَّللا ِ َوِإلَى َرس ِ‬
‫ت يَا َرسُو َل هَّللا ِ ِإ َّن هَّللا َ‬ ‫ك َس ْه ِمي الَّ ِذي بِ َخ ْيبَ َر فَقُ ْل ُ‬ ‫ت فَِإنِّي ُأ ْم ِس ُ‬ ‫َمالِكَ فَه َُو خَ ْي ٌر لَكَ قُ ْل ُ‬
‫يت فَ َوهَّللا ِ َما‬ ‫ص ْدقًا َما بَقِ ُ‬ ‫ِّث ِإاَّل ِ‬ ‫ق َوِإ َّن ِم ْن تَوْ بَتِي َأ ْن اَل ُأ َحد َ‬ ‫ِإنَّ َما نَجَّانِي بِالصِّ ْد ِ‬
‫ك لِ َرسُو ِل هَّللا ِ‬ ‫ت َذلِ َ‬ ‫ث ُم ْن ُذ َذ َكرْ ُ‬ ‫ق ْال َح ِدي ِ‬ ‫ص ْد ِ‬ ‫َأ ْعلَ ُم َأ َحدًا ِم ْن ْال ُم ْسلِ ِمينَ َأ ْباَل هُ هَّللا ُ فِي ِ‬
‫ُول هَّللا ِ‬ ‫ك لِ َرس ِ‬ ‫ت َذلِ َ‬ ‫ت ُم ْن ُذ َذ َكرْ ُ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َأحْ َسنَ ِم َّما َأ ْباَل نِي َما تَ َع َّم ْد ُ‬ ‫َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِإلَى يَوْ ِمي هَ َذا َك ِذبًا َوِإنِّي َأَلرْ جُو َأ ْن يَحْ فَظَنِي هَّللا ُ فِي َما بَقِ ُ‬
‫يت‬ ‫َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َمَّ‬ ‫َوَأ ْنزَ َل ُ َعلَى َرسُولِ ِه َ‬ ‫هَّللا‬
‫ار ِإلَى قَوْ لِ ِه َو ُكونُوا َم َع‬ ‫ص ِ‬ ‫اج ِرينَ َواَأْل ْن َ‬ ‫َاب هَّللا ُ َعلَى النبـي َو ْال ُمهَ ِ‬ ‫{ لَقَ ْد ت َ‬
‫الصَّا ِدقِينَ }‬
‫ط بَ ْع َد َأ ْن هَدَانِي لِِإْل ْساَل ِم َأ ْعظَ َم فِي‬ ‫ي ِم ْن نِ ْع َم ٍة قَ ُّ‬ ‫َ َوهَّللا ِ َما َأ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَ َّ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َأ ْن اَل َأ ُكونَ َك َذ ْبتُهُ فََأ ْهلِكَ َك َما‬ ‫ُول هَّللا ِ َ‬ ‫ص ْدقِي لِ َرس ِ‬ ‫نَ ْف ِسي ِم ْن ِ‬
‫ال لِلَّ ِذينَ َك َذبُوا ِحينَ َأ ْن َز َل ْال َوحْ َي َش َّر َما قَا َل َأِل َح ٍد‬ ‫ك الَّ ِذينَ َك َذبُوا فَِإ َّن هَّللا َ قَ َ‬ ‫هَلَ َ‬
‫ك َوتَ َعالَى‬ ‫ار َ‬ ‫فَقَا َل تَبَ َ‬
‫ضى ع َْن ْالقَوْ ِم ْالفَا ِسقِينَ }‬ ‫{ َسيَحْ لِفُونَ بِاهَّلل ِ لَ ُك ْم ِإ َذا ا ْنقَلَ ْبتُ ْم ِإلَى قَوْ لِ ِه فَِإ َّن هَّللا َ اَل يَرْ َ‬
‫ك الَّ ِذينَ قَبِ َل ِم ْنهُ ْم َرسُو ُل هَّللا ِ‬ ‫قَا َل َكعْبٌ َو ُكنَّا تَخَلَّ ْفنَا َأيُّهَا الثَّاَل ثَةُ ع َْن َأ ْم ِر ُأولَِئ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِحينَ َحلَفُوا لَهُ فَبَايَ َعهُ ْم َوا ْستَ ْغفَ َر لَهُ ْم َوَأرْ َجَأ َرسُو ُل هَّللا ِ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ك قَا َل ُ{ َو َعلَى الثاَل ثَ ِة‬ ‫هَّللا‬ ‫ضى ُ فِي ِه فَبِ َذلِ َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬
‫صلى ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم ْم َرنَا َحتَّى قَ َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ْس الَّ ِذي َذ َك َر هَّللا ُ ِم َّما ُخلِّ ْفنَا ع َْن ْالغ َْز ِو ِإنَّ َما هُ َو ت َْخلِيفُهُ ِإيَّانَا‬ ‫الَّ ِذينَ ُخلِّفُوا } َلَي َ‬
‫ْ ‪1‬‬
‫َوِإرْ َجاُؤ هُ َأ ْم َرنَا َع َّم ْن َحلَفَ لَهُ َوا ْعتَ َذ َر ِإلَ ْي ِه فَقَبِ َل ِمنهُ‬
‫‪ -‬تجهيز جيش اسامة ‪:‬‬

‫‪. 1‬صحيح البخاري ‪ /‬كتاب المغازي باب حديث كعب بن مالك حديث رقم ‪.4418‬‬
‫‪109‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(110‬‬
‫سوف نتحدث عن هذه الغزوة بالتفصيل فيما بعد ولكننا نشير هنا الى‬
‫مجموعة من االمور كلها تدل على شدة طاعة الصحابة للرسول والتزامهم‬
‫بأوامره ‪:‬‬
‫اوال وقبل كل شيء ‪ ،‬ان فكرة اختيار اسامة لقيادة الجيش تدل على هيمنة‬
‫الرسول على اصحابه ‪ ،‬فلوال انه كان واثقا من ان الصحابة يمتثلون المره لما‬
‫اقدم على ذلك العمل ولما اوقع نفسه في ذلك الحرج ‪ ،‬فتأمير اسامة على ذلك‬
‫الجيش على الرغم من صغر سنه وقلة خبرته ووجود من هو اسن وأكفأ‬
‫وأخبر منه بالحرب يدل في آن واحد على هيمنة الرسول على اصحابه ‪،‬‬
‫وعلى طاعة الصحابة للرسول وخضوعهم ألوامره‪ .‬صحيح انه حصل‬
‫اعتراض من قبل بعض الصحابة في البداية ولكن العبرة بالنتيجة وهي تنفيذ‬
‫امره والخروج في ذلك الجيش تحت امرة اسامة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬رفض ابي بكر تأخير تلك الغزوة بالرغم من الظروف الصعبة التي كان‬
‫المسلمون يمرون بها من وفاة الرسول وارتداد عدد كبير من العرب وتهيؤ‬
‫البعض لغزو المدينة ‪ ،‬والحاح الصحابة عليه بمن فيهم اسامة على تأخير تلك‬
‫الغزوة وقول ابي بكر المشهور ‪ :‬وهللا ال أحل راية عقدها رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬رفض ابي بكر اقتراح الصحابة عليه تبديل قائد الجيش اسامة ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬اكتفاء ابي بكر بوصية الرسول السامة وعدم تبديل شيء منها أو‬
‫اضافة شيء عليها ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬رفض اسامة اقتراح بريدة عليه بالعمل بوصية الرسول البيه زيد‬
‫حين بعثه الى مؤتة والتي كان الرسول امره فيها بعرض االسالم عليهم اوال‬
‫وقول اسامة انما كانت تلك وصية رسول هللا ‪ ‬ألبي أما أنا فقد أوصاني بأن‬
‫أبدأهم بالقتال ولن افعل اال ما امرني به رسول هللا ‪. ‬‬
‫كل هذه االمور تدل داللة واضحة وصريحة على طاعة الصحابة‬
‫للرسول وحبهم له وخضوعهم له‪.‬‬
‫‪ -‬قصة االنصار بعد غزوة حنين ‪:‬‬
‫ق ‪ :‬قَا َل‬ ‫قَا َل اب ُْن ِه َش ٍام ‪َ :‬ح ّدثَنِي ِزيَا ُد ب ُْن َع ْب ِد هّللا ِ قَا َل َح ّدثَنَا اب ُْن إ ْس َحا َ‬
‫ص ُم ب ُْن ُع َم َر ْب ِن قَتَا َدةَ ‪ ،‬ع َْن َمحْ ُمو ِد ْب ِن لَبِيَ ٍد ‪ ،‬ع َْن َأبِي َس ِعي ٍد‬ ‫َو َح ّدثَنِي عَا ِ‬
‫ك‬‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم َما َأ ْعطَى ِم ْن تِ ْل َ‬ ‫ال لَ ّما َأ ْعطَى َرسُو ُل هّللا ِ َ‬ ‫ي قَ َ‬‫ْال ُخ ْد ِر ّ‬
‫ار ِم ْنهَا َش ْي ٌء َو َج َد‬ ‫ص ِ‬ ‫ب ‪َ ،‬ولَ ْم يَ ُك ْن فِي اَأْل ْن َ‬ ‫ش َوفِي قَبَاِئ ِل ْال َع َر ِ‬ ‫ْال َعطَايَا ‪ ،‬فِي قُ َر ْي ٍ‬
‫ال قَاِئلُهُ ْم لَقَ ْد‬‫ت ِم ْنهُ ْم ْالقَالَةُ َحتّى قَ َ‬ ‫ار فِي َأ ْنفُ ِس ِه ْم َحتّى َكثُ َر ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫هَ َذا ْال َح ّي ِم ْن اَأْل ْن َ‬
‫‪110‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(111‬‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم قَوْ َمهُ فَ َد َخ َل َعلَ ْي ِه َس ْع ُد ب ُْن ِعبَا َدةَ ‪ ،‬فَقَ َ‬
‫ال‬ ‫لَقِ َي َوهّللَا ِ َرسُو ُل هّللا ِ َ‬
‫صنَعْت‬ ‫ار قَ ْد َو َج ُدوا َعلَيْك فِي َأ ْنفُ ِس ِه ْم لِ َما َ‬ ‫ص ِ‬ ‫إن هَ َذا ْال َح ّي ِم ْن اَأْل ْن َ‬ ‫ُول هّللا ِ ّ‬
‫يَا َرس َ‬
‫صبْت ‪ ،‬قَ َس ْمت فِي قَوْ ِمك ‪َ ،‬وَأ ْعطَيْت َعطَايَا ِعظَا ًما فِي‬ ‫فِي هَ َذا ْالفَ ْي ِء الّ ِذي َأ َ‬
‫ار ِم ْنهَا َش ْي ٌء ‪ .‬قَا َل [ ‪ ]r‬فََأ ْينَ‬ ‫ص ِ‬ ‫ك فِي هَ َذا ْال َح ّي ِم ْن اَأْل ْن َ‬ ‫ب ‪َ ،‬ولَ ْم يَ ُ‬ ‫قَبَاِئ ِل ْال َع َر ِ‬
‫ُول هّللا ِ َما َأنَا إاّل ِم ْن قَوْ ِمي ‪ ،‬قَا َل " فَاجْ َم ْع‬ ‫َأ ْنتَ ِم ْن َذلِكَ يَا َس ْع ُد ؟ " قَا َل يَا َرس َ‬
‫ير ِة‬‫ك ْال َح ِظ َ‬ ‫صا َر فِي تِ ْل َ‬ ‫ال فَخ ََر َج َس ْع ٌد فَ َج َم َع اَأْل ْن َ‬ ‫لِي قَوْ َمك فِي هَ ِذ ِه ْال َح ِظي َر ِة " قَ َ‬
‫قَا َل فَ َجا َء ِر َجا ٌل ِم ْن ْال ُمهَا ِج ِرينَ فَت ََر َكهُ ْم فَ َدخَ لُوا ‪َ ،‬و َجا َء آخَ رُونَ فَ َر ّدهُ ْم فَلَ ّما‬
‫ار ‪ ،‬فََأتَاهُ ْم َرسُو ُل‬ ‫ص ِ‬ ‫اجْ تَ َمعُوا لَهُ َأتَاهُ َس ْع ٌد فَقَا َل قَ ْد اجْ تَ َم َع لَك هَ َذا ْال َح ّي ِم ْن اَأْل ْن َ‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم فَ َح ِم َد هّللا َ َوَأ ْثنَى َعلَ ْي ِه بِ َما هُ َو َأ ْهلُهُ ثُ ّم قَا َل " يَا َم ْع َش َر‬ ‫هّللا ِ َ‬
‫ار ‪َ :‬ما قَالَة بَلَ َغ ْتنِي َع ْن ُك ْم َوجْ َدةٌ َو َج ْدتُ ُموهَا َعلَ ّي فِي َأ ْنفُ ِس ُك ْم ؟ َألَ ْم آتِ ُك ْم‬ ‫ص ِ‬ ‫اَأْل ْن َ‬
‫ضاّل اًل فَهُدَا ُك ْم هّللا ‪َ ،‬وعَالَةً فََأ ْغنَا ُك ْم هّللا ُ َوَأ ْعدَا َء فََألّفَ هّللا ُ بَ ْينَ قُلُوبِ ُك ْم " قَالُوا ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ار ؟ "‬ ‫ص ِ‬ ‫ال " َأاَل تُ ِجيبُونَنِي يَا َم ْع َش َر اَأْل ْن َ‬ ‫ض ُل ثُ ّم قَ َ‬ ‫بَلَى ‪ ،‬هّللا ُ َو َرسُولُهُ َأ َم ّن َوَأ ْف َ‬
‫صلّى هّللا ُ‬ ‫ُول هّللا ِ ؟ هّلِل ِ َولِ َرسُولِ ِه ْال َم ّن َو ْالفَضْ ُل قَا َل َ‬ ‫قَالُوا ‪ :‬بِ َما َذا نُ ِجيبُك يَا َرس َ‬
‫ص ّد ْقنَاك ‪،‬‬ ‫ص ّد ْقتُ ْم َأتَيْتنَا ُم َك ّذبًا فَ َ‬ ‫ص َد ْقتُ ْم َولَ ُ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم " َأ َما َوهّللَا ِ لَوْ ِشْئتُ ْم لَقُ ْلتُ ْم فَلَ َ‬
‫َصرْ نَاك ‪َ ،‬وطَ ِريدًا فَآ َو ْينَاك ‪َ ،‬وعَاِئاًل فَآ َس ْينَاك ‪َ .‬أ َو َج ْدتُ ْم يَا َم ْع َش َر‬ ‫َو َم ْخ ُذواًل فَن َ‬
‫ار فِي َأ ْنفُ ِس ُك ْم فِي لُ َعا َع ٍة ِم ْن ال ّد ْنيَا تََألّ ْفت بِهَا قَوْ ًما لِيُ ْسلِ ُموا ‪َ ،‬و َو َك ْلتُ ُك ْم إلَى‬ ‫ص ِ‬ ‫اَأْل ْن َ‬
‫َب النّاسُ بِال ّشا ِة َو ْالبَ ِع ِ‬
‫ير‬ ‫ار ‪َ ،‬أ ْن يَ ْذه َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ضوْ نَ يَا َم ْع َش َر اَأْل ْن َ‬ ‫إ ْساَل ِم ُك ْم َأاَل تَرْ َ‬
‫َوتَرْ ِجعُوا بِ َرسُو ِل هّللا ِ إلَى ِر َحالِ ُك ْم ؟ فَ َواَلّ ِذي نَ ْفسُ ُم َح ّم ٍد بِيَ ِد ِه لَوْ اَل ْال ِهجْ َرةُ لَ ُك ْنت‬
‫صا ُر ِش ْعبًا ‪ ،‬لَ َسلَ ْكت‬ ‫ت اَأْل ْن َ‬ ‫ار ‪َ ،‬ولَوْ َسلَكَ النّاسُ ِش ْعبًا َو َسلَ َك ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ا ْم َرًأ ِم ْن اَأْل ْن َ‬
‫ار ‪.‬‬‫ص ِ‬ ‫ْب اَأْل ْن َ‬ ‫ِشع َ‬
‫ار " قَا َل‬ ‫ص ِ‬ ‫ار ‪َ ،‬وَأ ْبنَا َء َأ ْبنَا ِء اَأْل ْن َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ار ‪َ ،‬وَأ ْبنَا َء اَأْل ْن َ‬ ‫ص َ‬ ‫اللّهُ ّم ارْ َح ْم اَأْل ْن َ‬
‫ضينَا بِ َرسُو ِل هّللا ِ قَ ْس ًما َو َحظّا ‪ .‬ثُ ّم‬ ‫ضلُوا لِ َحاهُ ْم َوقَالُوا ‪َ :‬ر ِ‬ ‫فَبَ َكى ْالقَوْ ُم َحتّى َأ ْخ َ‬
‫ُ ‪1‬‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم َوتَفَ ّرقوا‪.‬‬ ‫ص َرفَ َرسُو ُل هّللا ِ َ‬ ‫ا ْن َ‬
‫‪ -‬رفض عثمان بن عفان الطواف بالبيت عندما بعثه رسول هللا (‪ )r‬الى مكة‬
‫مفاوضا قبل صلح الحديبية‪:‬‬
‫قال ابن هشام‪ :‬فدعا رسول هللا ‪ r‬عثمان بن عفان فبعثه الى ابي سفيان‬
‫واشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت للحرب ‪ ،‬وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت‬
‫ومعظما لحرمته ‪ .‬فخرج عثمان الى مكة فلقيه ابن بن سعيد بن العاص حين‬
‫دخل مكة ‪ ،‬أو قبل ان يدخلها ‪ ،‬فحمله بين يديه ‪ ،‬ثم أجاره حتى بلغ رسالة‬
‫رسول هللا ‪ ، r‬فانطلق عثمان حتى أتى ابا سفيان وعظماء قريش ‪ ،‬فبلغهم عن‬

‫‪ . 1‬سيرة ابن هشام ‪ /‬المجلد الرابع ص‪ /143 -141‬دار احياء التراث العربي‬
‫‪111‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(112‬‬
‫رسول هللا ‪ r‬ما ارسله به‪ ،‬فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول هللا‪ r‬اليهم‬
‫‪ :‬إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ‪ .‬فقال‪ :‬ما كنت ألفعل حتى يطوف به‬
‫‪1‬‬
‫رسول هللا‪.r‬‬
‫‪ -‬شهادة عروة بن مسعود الثقفي عندما رجع من عند رسول هللا في صلح‬
‫الحديبية ‪:‬‬
‫يقول ابن هشام ‪ :‬فقام ‪ ،‬اي عروة بن مسعود من عند رسول هللا‪ r‬وقد رأى ما‬
‫يصنع به اصحابه ‪ ،‬ال يتوضأ إالّ ابتدروا وضوءه ‪ ،‬وال يبصق بصاقا إالّ‬
‫ابتدروه ‪ ،‬وال يسقط من شعره شيء االّ أخذوه فرجع الى قريش فقال‪ :‬يا معشر‬
‫قريش ‪ ،‬إني قد جئت كسرى في ملكه ‪ ،‬وقيصر في ملكه ‪ ،‬والنجاشي في‬
‫ملكه‪ ،‬وإني وهللا ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه ! ولقد‬
‫‪2‬‬
‫رأيت قوما ال يسلمونه لشي ٍء أبداً فروا رأيكم‪.‬‬
‫‪ -‬قول عمر بعد صلح الحديبية‪ :‬مازلت اتصدق واصوم واصلي واعتق‬
‫من الذي صنعت يومئذ ‪ ،‬مخافة كالمي الذي تكلمت به ‪ ،‬حين رجوت‬
‫ان يكون خيرا‪:‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬وفي رواية ابن إسحاق وكان عمر يقول‪ :‬ما‬
‫‪3‬‬

‫زلت أتصدق وأصوم وأصلي‪ ،‬وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة‬


‫كالمي الذي تكلمت به‪.‬‬
‫وعند الواقدي ‪ 4‬من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري قال عمر‪" :‬لقد‬
‫‪5‬‬
‫أعتقت بسبب ذلك رقابا ً وصمت دهراً"‪ .‬الفتح ‪.346 /5‬‬
‫‪ -‬طاعة حذيفة للرسول (‪ )‬يوم الخندق بعدم احداث شيء حتى يعود مع تمكنه‬
‫من قتل ابي سفيان‪:‬‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم َما‬‫ُول هّللا ِ َ‬ ‫قَا َل ابن اسحاق ‪ :‬فَلَ ّما ا ْنتَهَى إلَى َرس ِ‬
‫ق هّللا ُ ِم ْن َج َما َعتِ ِه ْم َدعَا ُح َذ ْيفَةَ ْبنَ ْاليَ َما ِن ‪ ،‬فَبَ َعثَهُ إلَ ْي ِه ْم‬ ‫اختَلَفَ ِم ْن َأ ْم ِر ِه ْم َو َما فَ ّر َ‬ ‫ْ‬
‫ق ‪ :‬فَ َح ّدثَنِي يَ ِزي ُد ب ُْن ِزيَا ٍد ‪ ،‬ع َْن ُم َح ّم ِد‬ ‫ْحا َ‬‫ال اب ُْن إس َ‬ ‫لِيَ ْنظُ َر َما فَ َع َل ْالقَوْ ُم لَ ْياًل ‪ .‬قَ َ‬
‫ان يَا َأبَا َع ْب ِد‬ ‫ال َر ُج ٌل ِم ْن َأ ْه ِل ْال ُكوفَ ِة لِ ُح َذ ْيفَةَ ْب ِن ْاليَ َم ِ‬ ‫ب ْالقُ َر ِظ ّي ‪ ،‬قَ َ‬
‫ال قَ َ‬ ‫ْب ِن َك ْع ٍ‬
‫ص ِح ْبتُ ُموهُ ؟ قَا َل نَ َع ْم يَا ا ْبنَ َأ ِخي ‪،‬‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم َو َ‬ ‫ُول هّللا ِ َ‬ ‫هّللا ِ َأ َرَأ ْيتُ ْم َرس َ‬
‫ال َوهّللَا ِ لَقَ ْد ُكنّا نَجْ هَ ُد قَا َل فَقَا َل َوهّللَا ِ لَوْ َأ ْد َر ْكنَاهُ َما‬
‫قَا َل فَ َك ْيفَ ُك ْنتُ ْم تَصْ نَعُونَ ؟ قَ َ‬
‫‪ . 1‬تهذيب سيرة ابن هشام ص‪ / 255‬دار احياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪ . 2‬نفس المصدر ص ‪254‬‬
‫‪ . 3‬سيرةابن هشام ‪2/317‬‬
‫‪ . 4‬المغازي للواقدي ‪607 /2‬‬
‫‪–. 5‬مرويات االمام الزهري في المغازى –محمد بن محمد العواجي –ص‪(2/584/‬قرص المكتبة‬
‫الشاملة)‬
‫‪112‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(113‬‬
‫ال فَقَا َل ُح َذ ْيفَةُ يَا ا ْبنَ َأ ِخي‬ ‫ض َولَ َح َم ْلنَاهُ َعلَى َأ ْعنَاقِنَا ‪ .‬قَ َ‬ ‫ت ََر ْكنَاهُ يَ ْم ِشي َعلَى اَأْلرْ ِ‬
‫صلّى َرسُو ُل هّللا ِ‬ ‫َق َو َ‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم بِ ْال َخ ْند ِ‬ ‫ُول هّللا ِ َ‬‫‪َ ،‬وهّللَا ِ لَقَ ْد َرَأيْتنَا َم َع َرس ِ‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم هُ ِويّا ِم ْن اللّي ِْل ثُ ّم ْالتَفَتَ إلَ ْينَا فَقَا َل َم ْن َر ُج ٌل يَقُو ُم فَيَ ْنظُ ُر لَنَا‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫صلى ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم الرّجْ َعةَ ‪-‬‬ ‫هّللا‬ ‫ّ‬ ‫هّللا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َما فَ َع َل القَوْ ُم ث ّم يَرْ ِج ُع ‪ -‬يَ ْش ِرط لَهُ َرسُو ُل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫َأ ْسَأ ُل هّللا َ تَ َعالَى َأ ْن يَ ُكونَ َرفِيقِي فِي ْال َجنّ ِة ؟ فَ َما قَا َم َر ُج ٌل ِم ْن ْالقَوْ ِم ‪ِ ،‬م ْن ِش ّد ِة‬
‫صلّى هّللا ُ‬ ‫ُوع َو ِش ّد ِة ْالبَرْ ِد فَلَ ّما لَ ْم يَقُ ْم َأ َح ٌد ‪َ ،‬دعَانِي َرسُو ُل هّللا ِ َ‬ ‫ف َو ِش ّد ِة ْالج ِ‬ ‫ْال َخوْ ِ‬
‫َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم فَلَ ْم يَ ُك ْن لِي بُ ّد ِم ْن ْالقِيَ ِام ِحينَ َدعَانِي ‪ ،‬فَقَا َل يَا ُح َذ ْيفَةُ ْاذهَبْ فَا ْد ُخلْ‬
‫فِي ْالقَوْ ِم ‪ ،‬فَا ْنظُرْ َما َذا يَصْ نَعُونَ َواَل تُحْ ِدثَ ّن َش ْيًئا َحتّى تَْأتِيَنَا ‪ .‬قَا َل فَ َذهَبْت‬
‫ت فِي ْالقَوْ ِم َوالرّي ُح َو ُجنُو ُد هّللا ِ تَ ْف َع ُل بِ ِه ْم َما تَ ْف َع ُل اَل تُقِ ّر لَهُ ْم قِ ْدرًا َواَل نَارًا‬ ‫فَ َدخَ لَ ْ‬
‫ش ‪ :‬لِيَ ْنظُرْ ا ْمرؤ َم ْن َجلِي ُسهُ ؟ قَ َ‬
‫ال‬ ‫ال يَا َم ْع َش َر قُ َر ْي ٍ‬‫َواَل بِنَا ًء ‪ .‬فَقَا َم َأبُو ُس ْفيَانَ ‪ .‬فَقَ َ‬
‫ُح َذ ْيفَةُ فََأ َخ ْذت بِيَ ِد ال ّرج ُِل الّ ِذي َكانَ إلَى َجنبـي ‪ ،‬فَقُ ْلت ‪َ :‬م ْن َأ ْنتَ ؟ قَا َل فُاَل ُن اب ُْن‬
‫َار ُمقَ ٍام لَقَ ْد‬ ‫ش ‪ ،‬إنّ ُك ْم َوهّللَا ِ َما َأصْ بَحْ تُ ْم بِد ِ‬ ‫ال َأبُو ُس ْفيَانَ يَا َم ْع َش َر قُ َر ْي ٍ‬ ‫فُاَل ٍن ‪ .‬ثُ ّم قَ َ‬
‫ف ‪َ ،‬وَأ ْخلَفَ ْتنَا بَنُو قُ َر ْيظَةَ ‪َ ،‬وبَلَ َغنَا َع ْنهُ ْم الّ ِذي نَ ْك َرهُ َولَقِينَا ِم ْن‬ ‫ع َو ْال ُخ ّ‬ ‫ك ْال ُك َرا ُ‬ ‫هَلَ َ‬
‫ك لَنَا بِنَا ٌء‬‫َط َمِئ ّن لَنَا قِ ْد ٌر َواَل تَقُو ُم لَنَا نَا ٌر َواَل يَ ْستَ ْم ِس ُ‬ ‫ِش ّد ِة الرّيح َما ت ََروْ نَ َما ت ْ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫س َعل ْي ِه ث ّم َ‬
‫ض َربَهُ‬ ‫فَارْ ت َِحلُوا فَِإني ُمرْ ت َِح ٌل ث ّم قَا َم إلى َج َملِ ِه َوهُ َو َم ْعقو ٌل فَ َجل َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ُول هّللا ِ‬ ‫ق ِعقَالَهُ إاّل َوهُ َو قَاِئ ٌم َولَوالا َع ْه ُد َرس ِ‬ ‫ث فَ َوهّللَا ِ َما َأ ْ‬
‫طلَ َ‬ ‫ب بِ ِه َعلَى ثَاَل ٍ‬ ‫فَ َوثَ َ‬
‫ث َش ْيًئا َحتّى تَْأتِيَنِي ثُ ّم ِشْئت ‪ ،‬لَقَت َْلته بِ َسه ِْم ‪.‬‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم إلَ ّي َأ ْن ال تُحْ ِد ْ‬ ‫َ‬
‫[ ص ‪] 436‬‬
‫روى الحاكم وصححه ابن مردويه‪ ،‬وأبو نعيم والبيهقي كالهما في‬
‫الدالئل من طرق عن حذيفة ومسلم‪ ،‬وابن عساكر عن إبراهيم بن يزيد التيمي‬
‫عن أبيه‪ ،‬وابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي‪ ،‬وأبو نعيم مختصرا عن‬
‫ابن عمر‪ :‬أن حذيفة رضي هللا عنه ذكر مشاهدهم مع رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقال جلساؤه‪ :‬أما وهللا لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا ‪ -‬وفي لفظ‪ :‬فقال‬
‫رجل‪ :‬لو أدركت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت ‪ -‬فقال‬
‫حذيفة‪ :‬ال تتمنوا ذلك‪ ،‬لقد رأيتنا ليلة االحزاب ونحن صافون قعود‪ ،‬وأبو سفيان‬
‫ومن معه من االحزاب فوقنا‪ ،‬وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا‪،‬‬
‫وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة‪ ،‬وال أشد ريحا منها‪ ،‬وفي أصوات ريحها‬
‫أمثال الصواعق‪،‬ـ وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه‪ ،‬فجعل المنافقون يستأذنون‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ويقولون‪( :‬إن بيوتنا عورة وما هي بعورة) [‬
‫االحزاب ‪ ] 13‬فما يستأذنه أحد منهم إال أذن له‪ ،‬فيتسللون‪ ،‬ونحن ثالثمائة أو‬
‫نحو ذلك‪ ،‬فاستقبلنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رجال رجال‪ ،‬يقول‪ :‬أال‬

‫‪113‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(114‬‬
‫رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة ‪ -‬وفي لفظ‪ :‬جعله هللا رفيق‬
‫إبراهيم يوم القيامة ‪ -‬فلم يجبه منا أحد‪ ،‬ثم الثانية‪ ،‬ثم الثالثة مثله‪.‬‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول هللا ابعث حذيفة‪ ،‬فقلت‪ :‬دونك وهللا‪ ،‬فمر علي‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وما علي جنة من العدو وال من البرد إال مرطا‬
‫المرأتي ما يجاوز ركبتي‪ ،‬قال‪ :‬فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال‪ " :‬من هذا‬
‫؟ " فقلت‪ :‬حذيفة‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬حذيفة "‪.‬‬
‫فقال حذيفة‪ :‬فتقاصرت لالرض‪ ،‬فقلت‪ :‬بلى يا رسول هللا‪ ،‬كراهية أن أقوم‪،‬‬
‫قال‪ " :‬قم "‪ ،‬فقمت‪ ،‬فقال‪ " :‬إنه كائن في القوم خبر‪ ،‬فأتني بخبر القوم "‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬والذي بعثك بالحق‪ ،‬ما قمت إال حياء منك من البرد‪.‬‬
‫قال‪ " :‬ال بأس عليك من حر وال برد حتى ترجع إلي "‪.‬‬
‫قال‪ " :‬وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا "‪ ،‬فقلت‪ :‬وهللا ما بي أن‬
‫أقتل‪ ،‬ولكن أخشى أن أوسر‪ ،‬فقال‪ " :‬إنك لن تؤسر "‪ ،‬قال‪ :‬فخرجت‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه‪ ،‬وعن شماله‪ ،‬ومن فوقه ومن‬
‫تحته "‪.‬‬
‫قال‪ :‬فوهللا ما خلق هللا تعالى في جوفي فزعا وال قرا إال خرج‪ ،‬فما أجد‬
‫فيه شيئا‪ ،‬فمضيت كأنما أمشي في حمام‪ ،‬فلما وليت‪ ،‬دعاني فقال‪ " :‬يا حذيفة‪،‬‬
‫ال تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني "‪.‬‬
‫فقال حذيفة‪ :‬فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء‬
‫نار لهم توقد‪ ،‬وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته‪،‬‬
‫وحوله عصبة‪ ،‬قد تفرق عنه االحزاب‪ ،‬وهو يقول‪ :‬الرحيل الرحيل ولم أكن‬
‫أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فوضعته‬
‫في كبد القوس الرميه في ضوء النار‪ ،‬فذكرت قول رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫‪1‬‬
‫وسلم‪ " :‬ال تحدثن في القوم شيئا‪ ،‬حتى تأتيني "‪ ،‬فأمسكت ورددت سهمي‪.‬‬
‫‪ -‬قول الصحابة للرسول ‪ :‬هللا ورسوله اعلم حين كان يسألهم عن امر ما رغم‬
‫علمهم به ‪ :‬لقد كان رسول هللا ‪ r‬كان يسألهم عن اليوم الذي هم فيه ‪ ،‬والمكان‬
‫الذي هم فيه ‪ ،‬وهم يعلمونه حق العلم ‪ ،‬فيتحرجون أن يجيبوا إال بقولهم ‪ :‬هللا‬
‫ورسوله أعلم ‪ .‬خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي هللا ورسوله!‬
‫جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي ‪ « -t‬أن النبـي ‪r‬سأل في حجة‬
‫الوداع ‪:‬‬
‫" أي شهر هذا؟ ‪ . .‬قلنا ‪ :‬هللا ورسوله أعلم ‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه‬
‫بغير اسمه ‪ .‬فقال ‪ :‬أليس ذا الحجة؟ قلنا ‪ :‬بلى! قال ‪ :‬أي بلد هذا؟ قلنا ‪ :‬هللا‬
‫‪ . 1‬انظر كتب السيرة فقد اوردها اكثر كتاب السيرة والمغازي‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(115‬‬
‫ورسوله أعلم ‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ‪ .‬فقال ‪ :‬أليس البلدة‬
‫الحرام؟ قلنا بلى! قال ‪ :‬فأي يوم هذا؟ قلنا ‪ :‬هللا ورسوله أعلم ‪ .‬فسكت حتى‬
‫ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ‪ .‬فقال ‪ :‬أليس يوم النحر؟ قلنا بلى! ‪ . .‬الخ " ‪.‬‬
‫سؤاله لمعاذ اتدري ما حق هللا على العباد وقول معاذ ‪:‬هللا ورسوله اعلم ‪.‬‬
‫‪ -‬وصف الصحابة للرسول (‪:)‬‬
‫اذا قرأت وصف الصحابة للرسول تبين لك مدى حبهم له وتوقيرهم اياه‬
‫وطاعتهم له‪ ،‬الن مثل هذا الوصف ال يصدر اال عمن يحب الموصوف‬
‫ويوقره‪ ،‬وقد جمع االستاذ سعيد حوى رحمه هللا في كتابه (الرسول) بعض ما‬
‫قاله الصحابة في وصف الرسول ننقله هنا‪:‬‬
‫‪ ...‬أخرج الدارمي والبيهقي عن جابر بن سمرة قال ‪" :‬رأيت النبـي صلى هللا‬
‫عليه وسلم في ليلة أضحيان ‪ -‬أي ‪ :‬مقمرة مسفرة ‪ -‬فجعلت أنظر إليه وإلى‬
‫القمر فلهو كان أحسن في عيني من القمر " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأخرج الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة قال ‪ " :‬ما رأيت شيئا ً أحسن من‬
‫كأن الشمس تجري في وجهه ‪ ،‬وما رأيت أحداً‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َّ‬
‫أسرع في مشيه منه كأن األرض تطوى له إنا لنجهد وإنه غير مكترث " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأخرج الشيخان عن البراء قال ‪ " :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫بعيد ما بين المنكبين ‪ ،‬يبلغ شعره شحمة أذنيه ‪ ،‬ما رأيت شيئا ً أحسن منه " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأخرج مسلم عن جاب ربن سمرة في وصف وجه رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم قال ‪ " :‬بل مثل الشمس والقمر مستديراً " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأخرج الشيخان عن البراء قال ‪ " :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫أحسن الناس وجها ً وأحسنهم خلقا ً ‪ ،‬ليس بالطويل الذاهب وال بالقصير " ‪.‬‬
‫‪ ..‬وأخرج مسلم عن أبي الطفيل أنه قيل له صف لنا رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬كان أبيض مليح الوجه " ‪.‬‬
‫‪ ..‬وأخرج الدارمي والبيقهي والطبراني وأبو نعيم عن أبي عبيدة قال ‪ :‬قلت‬
‫للربيع بنت معوذ ‪ :‬صفي لي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قالت ‪ " :‬لو رأيته‬
‫قلت الشمس طالعة " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأخرج أبو موسى المديني في كتاب الصحابة عن أمد بن أبد الحضرمي‬
‫قال ‪ " :‬رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فما رأيت قبله وال بعده مثله " ‪.‬‬
‫‪ ..‬وأخرج الدارمي عن ابن عمر قال ‪ ":‬ما رأيت أشجع وال أجود وال أضوأ‬
‫من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأخرج أحمد والبيهقي عن محرش الكعبي قال ‪ " :‬اعتمر النبـي صلى هللا‬
‫عليه وسلم من الجعرانة ليالً فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة " ‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(116‬‬
‫‪ ...‬وأخرج عبد هللا بن اإلمام أحمد والبيهقي عن علي قال ‪ " :‬كان النبـي صلى‬
‫هللا عليه وسلم ليس بالذاهب طوالً ‪ ،‬وفوق الربعة إذا جاء مع القوم غمرهم ‪،‬‬
‫أبيض ضخم الهامة ‪ -‬أي ‪ :‬الرأس ‪ -‬أغر أبلج أهدب األشفار ‪ -‬أي ‪ :‬طويل‬
‫شعر العين أسوده ‪ -‬كأن العرق في وجهه اللؤلؤ ‪ ،‬لم أر قبله وال بعده مثله " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وكان إذا مس أحداً أحس بطمأنينة عجيبة وروح عجيب ‪:‬‬
‫‪ ..‬وأخرج أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال ‪ " :‬اشتكيت بمكة فدخل علي‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يعودني ‪ ،‬فوضع يده على جبتهي فمسح وجهي‬
‫وصدري وبطني ‪ ،‬فما زلت يخيل إلي أني أجد يده على كبدي حتى الساعة " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال ‪ " :‬مسح رسول هللا خدي فوجدت‬
‫ليده برداً وريحانا ً كأنما أخرجهما من جونة عطار " ‪ .‬وأخرج الشيخان عن‬
‫أنس قال ‪ " :‬ما مسست حريراً وال ديباجا ً ألين من كف رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم وال شممت مسكا ً وال عنبراً أطيب من ريح رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم " ‪.‬‬
‫‪ ...‬وكان منظره يوحي لمن يراه بأنه أمام نبـي ‪:‬‬
‫‪ ...‬أخرج الترمذي عن عبد هللا بن سالم قال ‪ " :‬لما قدم النبـي صلى هللا عليه‬
‫وسلم المدينة جئته ألنظر إليه فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه‬
‫كذاب " ‪.‬‬
‫‪..‬وعن أبي رمثة التميمي قال‪ " :‬أتيت النبـي صلى هللا عليه وسلم ومعي ابن‬
‫لي فُأريته فلما رأيته قلت هذا نبـي هللا " ‪.‬‬
‫‪ ...‬ويقول عبد هللا بن رواحة في وصفه ‪:‬‬
‫لو لم تكن فيه آيات مبينة ‪ ...‬لكان منظره ينبـيك بالخبر‬
‫‪ ...‬هذه بعض ما ورد في وصف تكوينه الجسمي نقلناها بين يدي صفاته‬
‫وكماالته ال ُخلقية العظيمة لتتضح لك شخصيّته من جميع جوانبها عليه الصالة‬
‫‪1‬‬
‫والسالم ‪.‬‬
‫‪-‬بعض مواقف الصحابة التي تثبت صدق الرسول وشدة تأثيره على أصحابه‪:‬‬
‫ثم يستشهد االستاذ سعيد حوى ببعض مواقف الصحابة لالستدالل على صدق‬
‫الرسول وشدة تأثيره عليهم وثقتهم به وهي بذاتها دليل على صدق الصحابة‬
‫واخالصهم وتفانيهم في سبيل هذا الدين‪:‬‬
‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان دائم الخلطة ألصحابه في طعامهم‬
‫وشرابهم وسفرهم وصالتهم ومجالسهم ‪ ،‬وهو عليه الصالة والسالم كان يحب‬

‫‪ . 1‬الرسول ‪ /‬سعيد حوى ج‪ 1‬ص‪19-17‬‬


‫‪116‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(117‬‬
‫البساطة والصراحة ويكره التكلف ‪ ،‬وبعض الصحابة خالط الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم قبل النبوة وبعدها عشرات السنين‪.‬‬
‫وهؤالء األصحاب لم يكونوا أغراراً وال مغفلين وال منعزلين عن العالم ‪ ،‬بل‬
‫وتسلم الجزيرة‬ ‫بعضهم من مكة التي كان العرب يقصدونها سنويا ً للحج ‪ُ ،‬‬
‫العربية كلها ألهلها بالفضل والزعامة ‪ ،‬عدا عن صالت أهلها بواسطة التجارة‬
‫مع اليمن ومع الشام حيث مراكز الحضارة ‪ .‬وبعض أصحابه من المدينة حيث‬
‫الصالت الفكرية مع اليهود وما ينشأ عن ذلك من تفتح ذهني ‪.‬‬
‫‪ ...‬كما أن هؤالء األصحاب أثبتوا في حياة الرسول صلى هللا عليه وسلم وبعد‬
‫مماته أنهم أرجح الناس عقوالً وأكثرهم دها ًء وحنكة ومعرفة بالرجال‬
‫والشعوب وسياسة األمم ‪ ،‬بدليل أنهم نجحوا رغم محدودية وسائلهم في فتح‬
‫أعظم الدول المتحضرة وقتذاك وإدارتها وكسب مودة شعوبها ودمجهم في‬
‫األمة اإلسالمية ‪.‬‬
‫فإذا ما اجتمعت هذه الناحيتان ‪ :‬الخلطة الدائمة ‪ ،‬وذكاء المخالطين ‪ ،‬فإن أمر‬
‫الكاذب يفتضح ‪ ،‬وأمر الصادق يتضح ‪.‬‬
‫‪ ...‬والظاهرة الواضحة في حياة الصحابة أنهم كلما ازدادوا برسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم خلطة ازدادوا به إيمانا ً وتصديقا ً ‪ ،‬بل أكثرهم اختالطا ً به‬
‫أكثرهم إيمانا ً به وطاعة له ‪ ،‬وقد بلغ منهم درجة انه أصبح الموت من أجل ما‬
‫يريد الرسول صلى هللا عليه وسلم أحب إليهم من الحياة ‪ ،‬وإنفاق المال أحب‬
‫إليهم من إمساكه ‪ ،‬والطاعة أحب إليهم من المعصية ‪ ،‬ودين الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم أحب إليهم من األموال واألوالد والمساكن والزوجات والوطن ‪.‬‬
‫وكل هذا من مظاهر التصديق الكامل إذ لوال التصديق لما كان شيء من هذا ‪.‬‬
‫فقد قتل منهم االبن أباه ‪ ،‬وأراد األب قتل ابنه ‪ ،‬فعالم يفعلون هذا ؟! لوال أن‬
‫إيمانهم برسول هللا صلى هللا عليه وسلم وتصديقهم به وصل إلى ذروة الذرى ‪.‬‬
‫وهذه أمثلة كل منهما يعتبر أثراً من آثار التصديق الكامل ودليالً عليه نذكرها‬
‫بال تعليق ‪ ،‬وفي كل منها شهادة من صاحبها بعد تجربة على أن محمداً صلى‬
‫هللا عليه وسلم صادق ال َشك في ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬أخرج الحافظ أبو الحسن الطرابلسي عن عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬قالت ‪" :‬‬
‫ل ّما اجتمع أصحاب النبـي صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وكانوا ثمانية وثالثين رجالً ‪-‬‬
‫َألَ َّح أبو بكر على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في الظهور فقال ‪ :‬يا أبا بكر‬
‫إنا قليل ‪ .‬فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته ‪ ،‬وقام أبو بكر في‬
‫الناس خطيبا ً ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم جالس فكان أول خطيب دعا إلى‬
‫‪117‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(118‬‬
‫هللا وإلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬وثار المشركون على أبي بكر وعلى‬
‫المسلمين ‪ ،‬فضربوا في نواحي المسجد ضربا ً شديداً ووطئ أبو بكر وضرب‬
‫ضربا ً شديداً ‪ ،‬ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين‬
‫مخصوفتين ويحرفهما لوجهه ‪ ،‬ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه‬
‫من أنفه ‪.‬‬
‫وجاء بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر ‪ ،‬وحملت بنو تيم أبا بكر‬
‫في ثوب حتى أدخلوه منزله ‪ ،‬وال يشكون في موته ‪ ،‬ثم رجعت بنو تيم فدخلوا‬
‫المسجد وقالوا ‪ :‬وهللا لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة ‪ ،‬فرجعوا إلى أبي‬
‫بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب ‪ ،‬فتكلم آخر النهار‬
‫فقال ‪ :‬ما فعل رسول هللا ؟ ‪ ،‬فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه ‪ ،‬ثم قاموا وقالوا ألمه‬
‫أم الخير ‪ :‬انظري أن تطعميه شيئا ً أو تسقيه إياه ‪ ،‬فلما خلت به ألحت عليه‬
‫وجعل يقول ؛ ما فعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ؟ فقالت ‪ :‬وهللا مالي علم‬
‫بصاحبك ‪ .‬فقال ‪ :‬اذهبـي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه ‪ ،‬فخرجت‬
‫حتى جاءت أم جميل فقالت ‪ :‬إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد هللا ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫ما أعرف أبا بكر وال محمد بن عبد هللا ‪ ،‬وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى‬
‫ابنك ‪ ،‬قالت ‪ :‬نعم ‪ .‬فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا ً ِدنفا ً ‪ ،‬فدنت أم‬
‫جميل وأعلنت بالصياح وقالت ‪ :‬وهللا إن قوما ً نالوا منك هذا ألهل فسق وكفر ‪،‬‬
‫ك منهم ‪ .‬قال ‪ :‬فما فعل رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وإني ألرجو أن ينتقم هللا ل َ‬
‫وسلم ؟ قالت ‪ :‬هذه أمك تسمع ‪ .‬قال ‪ :‬فال شيء عليك منها ‪ .‬قالت ‪ :‬سالم صالح‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬أين هو ؟ قالت ‪ :‬في دار ابن األرقم ‪ .‬قال ‪ :‬فإن هلل علي أن ال أذوق‬
‫طعاما ً وال أشرب شرابا ً أو آتي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فأمهلتا حتى‬
‫الرجْ ل وسكن الناس ‪ ،‬خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على‬ ‫إذا هدأت ِ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬قال ‪ :‬فأكب عليه رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم فقبله وأكب عليه المسلمون ‪ ،‬ورق له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫رقة شديدة ‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬بأبي وأمي يا رسول هللا ‪ ،‬ليس بي بأس إال ما نال‬
‫الفاسق من وجهي ‪ ،‬وهذه أمي برة بولدها ‪ ،‬وأنت مبارك فادعها إلى هللا وادع‬
‫هللا لها ‪ ،‬عسى هللا أن يستنقذها بك من النار ‪ .‬قال ‪ :‬فدعا لها رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم ودعاها إلى هللا فأسلمت " ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج ابن إسحاق عن ابن عمر ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬قال ‪ " :‬لما أسلم عمر‬
‫‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ :‬أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له ‪ :‬جميل بن معمر‬
‫الجمحي ‪ ،‬فغدا عليه ‪ ،‬قال عبد هللا ‪ :‬وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل ‪ -‬وأنا‬
‫غالم أعقل كل ما رأيت ‪ -‬حتى جاءه فقال له ‪ :‬أعلمت يا جميل أني أسلمت‬
‫‪118‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(119‬‬
‫ودخلت في دين محمد صلى هللا عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬فوهللا ما راجعه حتى قام‬
‫يجر رداءه واتبعه عمر واتبعته أنا ‪ ،‬حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى‬
‫صوته ‪ :‬يا معشر قريش ‪ -‬وهم في أنديتهم حول الكعبة ‪ -‬أال إن ابن الخطاب قد‬
‫صبأ ‪ .‬قال يقول عمر من خلفه ‪ :‬كذب ولكني قد أسلمت وشهدت أن ال إله إال‬
‫هللا وأن محمداً رسول هللا ‪ ،‬وثاروا إليه فما برح يقاتلونه حتى قامت الشمس‬
‫على رؤوسهم ‪ ،‬قال ‪ :‬وطلح(‪ ]5[)1‬فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول ‪ :‬افعلوا‬
‫ما بدا لكم فأحلف باهلل أن لو قد كنا ثالث مائة رجل لقد تركناها لكم أو‬
‫تركتموها لنا ‪ .‬قال ‪ :‬فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة‬
‫وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال ‪ :‬ما شأنكم ؟ قالوا ‪ :‬صبأ عمر ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فمه ‪ ،‬رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي يسلمون لكم‬
‫صاحبهم هكذا ؟ خلوا عن الرجل ‪ .‬قال ‪ :‬فوهللا لكأنما كانوا ثوبا ً كشط عنه ‪.‬‬
‫قال فقلت ألبي ‪ -‬بعد أن هاجر إلى المدينة ‪ :-‬يا أبت ! من الرجل الذي زجر‬
‫القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك ؟ قال ‪ :‬ذاك ‪ -‬أي بني ‪-‬العاص بن‬
‫وائل السهمي " ‪ .‬وهذا إسناد جيد قوي ‪ -‬كذا في البداية ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج البخاري في التاريخ عن مسعود بن خراش ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫" بينما نحن نطوف بين الصفا والمروة إذا أناس كثير يتبعون فتى شابا ً موثقا ً‬
‫بيده في عنقه ‪ .‬قلت ‪ :‬ما شأنه ؟ قالوا ‪ :‬هذا طلحة بن عبيد هللا صبأ ‪ .‬وامرأة‬
‫وراءه تدمدم وتسبه ‪ .‬قلت ‪ :‬من هذه ؟ قالوا ‪ :‬الصعبة بنت الحضرمي أمه " ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج البيهقي وابن سعد والحارث ابن المنذر وابن عساكر وابن أبي حاتم‬
‫عن سعيد بن المسيب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ " : -‬أن صهيبا ً ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أقبل‬
‫مهاجراً نحو النبـي صلى هللا عليه وسلم فتبعه نفر من قريش مشركون ‪ ،‬فنزل‬
‫فانتشل كنانته فقال ‪ :‬قد علمتم يا معشر قريش أني أرماكم رجالً بسهر ‪ ،‬وايم‬
‫هللا ال تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي‬
‫في يدي منه ‪ .‬ثم شأنكم بعد ذلك وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وتخلوا سبيلي‬
‫‪ ..‬قالوا ‪ :‬نعم ‪ .‬فتعاهدوا على ذلك فدلهم ‪ ،‬فأنزل هللا على رسوله القرآن { َو ِمنَ‬
‫ت هَّللا ِ} ‪ 1‬حتى فرغ من اآلية ‪ .‬فلما رأى‬ ‫اس َمن يَ ْش ِري نَ ْف َسهُ ا ْبتِغَآ َء َمرْ َ‬
‫ضا ِ‬ ‫النَّ ِ‬
‫النبـي صلى هللا عليه وسلم صهيبا ً قال ‪ :‬ربح البيع يا أبا يحيى ربح البيع يا أبا‬
‫يحيى ! وقرأ عليه القرآن ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج الحاكم عن سليمان بن بالل ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ " : -‬أن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خثيمة وأبوه جميعا ً‬
‫الخروج معه ‪ ،‬فذكر ذلك للنبـي صلى هللا عليه وسلم فأمر أن يخرج أحدهما‬
‫‪ . 1‬البقرة ‪207 :‬‬
‫‪119‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(120‬‬
‫فاستهما ‪ .‬فقال خثيمة بن الحارث البنه سعد ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ : -‬إنه ال بد‬
‫ألحدنا من أن يقيم فأقم مع نسائك ‪ .‬فقال سعد ‪ :‬لو كان غير الجنة آلثرتك به‬
‫إني أرجو الشهادة في وجهي هذا ‪ ،‬فاستهما ‪ ،‬فخرج سهم سعد ‪ ،‬فخرج مع‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى بدر ‪ .‬فقتله عمرو ابن عبد ود " وأخرجه‬
‫أيضا ً ابن المبارك عن سليمان وموسى بن عقبة عن الزهري ‪ ،‬كما في‬
‫اإلصابة ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج الطبراني عن ابن عمر " أن عمر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال يوم أحد‬
‫ألخيه ‪ :‬خذ درعي يا أخي ! قال ‪ :‬أريد من الشهادة مثل الذي تريد ‪ ،‬فتركاها‬
‫جميعا ً " قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج ابن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخي بني عدي بن‬
‫النجار قال ‪ " :‬انتهى أنس بن النضر ‪ -‬عم أنس بن مالك ‪ -‬إلى عمر بن‬
‫الخطاب وطلحة بن عبيد هللا في رجال من المهاجرين واألنصار ‪ -‬رضي هللا‬
‫عنهم ‪ -‬وقد ألقوا ما بأيديهم ‪ .‬فقال ‪ :‬فما يجلسكم ؟ قالوا ‪ :‬قتل رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬ثم استقبل القوم ‪ ،‬فقاتل حتى قُتل " ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج البيهقي عن مالك بن عمير رضي هللا عنه وكان قد أدرك الجاهلية‬
‫‪ ،.‬قال ‪ " :‬جاء رجل إلى النبـي صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ :‬إني لقيت العدو‬
‫ولقيت أبي فيهم ‪ ،‬فسمعت لك منه مقالة قبيحة فلم أصبر حتى طعنته بالرمح ‪-‬‬
‫أو حتى قتلته ‪ ، -‬فسكت عنه النبـي صلى هللا عليه وآله وسلم ‪ .‬ثم جاء آخر‬
‫فقال ‪ :‬إني لقيت أبي فتركته وأحببت أن يليه غيري ‪ ،‬فسكت " ‪ .‬قال البيهقي‬
‫وهذا مرسل جيد ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج البزار عن أبي هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ " :‬مر رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم بعبد هللا بن أبي وهو في ظل أطم فقال ‪ :‬غبّر علينا ابن‬
‫أبي كبشة ‪ .‬فقال ابنه عبد هللا بن عبد هللا ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ : -‬يا رسول هللا‬
‫والذي أكرمك لئن شئت ألتيتك برأسه ! فقال ‪ :‬ال ‪ ،‬ولكن بر أباك وأحسن‬
‫صحبته " ‪ .‬قال الهيثمي رواه البزار ورجاله ثقات ‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن‬
‫الخطاب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال لسعيد بن العاص ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬وقربه ‪" :‬‬
‫إني أراك تظن أني قتلت أباك ‪ ،‬إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله ‪ ،‬ولكني‬
‫قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة ‪ ،‬فأما أبوك فإني مررت به وهو‬
‫يبحث بحث الثور بورقه ‪ ،‬فحدت عنه وقصد له ابن عمه علي فقتله " ‪ .‬كذا في‬
‫البداية ‪ ،‬وزاد في االستيعاب واإلصابة ‪ " :‬فقال له سعيد بن العاص ‪ :‬لو قتلته‬
‫لكنت على الحق وكان على الباطل ‪ .‬فأعجبه قوله " ‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(121‬‬
‫‪ -‬وأخرج ابن سعد عن الزهري قال ‪ " :‬لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة‬
‫جاء إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو يريد غزو مكة فكلّمه أن يزيد في‬
‫هدنة الحديبية فلم يقبل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقام فدخل على ابنته أم‬
‫حبيبة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ . -‬فلما ذهب ليجلس على فراش النبـي صلى هللا عليه‬
‫وسلم طوته دونه ‪ .‬فقال ‪ :‬يا بنية ! أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه ؟‬
‫فقالت ‪ :‬بل هو فراش رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك‬
‫‪ .‬فقال ‪ :‬يا بنية ! لقد أصابك بعدي شر " ‪ .‬وذكر ابن إسحاق نحوه بال إسناد ‪،‬‬
‫كما في البداية وزاد ‪ " :‬فلم أحب أن تجلس على فراشه " ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج الطبراني عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ " :‬لما كان يوم‬
‫أحد حاص أهل المدينة حيصة ‪ .‬وقالوا ‪ :‬قُتل محمد حتى كثرت الصوارخ في‬
‫ناحية المدينة ‪ .‬فخرجت امرأة من األنصار محرمة فاستقبلت بأبيها وابنها‬
‫وزوجها وأخيها ‪ -‬أي قتلى ‪ -‬ال أدري أيهم استقبلت به أوالً ‪ .‬كلما مرت على‬
‫أحدهم قالت‪ :‬من هذا ؟ قالوا ‪ :‬أبوك ‪ ،‬أخوك ‪ ،‬زوجك ‪ ،‬ابنك ‪ ،‬تقول ‪ :‬ما فعل‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ؟ يقولون ‪ :‬أمامك حتى دفعت إلى رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت ‪ :‬بأبي أنت وأمي يا رسول هللا‬
‫‪ ،‬ال أبالي إذ سلمتَ من عطب " ‪.‬‬
‫هذه نصوص تبين لك مدى اإليمان برسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫عند أتباعه المخالطين له ‪ ،‬مما يدلك على أن تصديقهم لرسول هللا صلى هللا‬
‫‪1‬‬
‫عليه وسلم بلغ حداً ال مثيل له‪.‬‬
‫‪ -‬طاعة امراء السرايا والغزوات الوامره ‪:‬‬
‫كان يأمرهم أن يسيروا مسافة كذا ثم يفتحوا كتابه فيمتثلون ‪ ،‬مثال ذلك ‪:‬‬
‫امتثال أمره في سرية نخلة‪:‬‬
‫أخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن رُومان عن عروة بن‬
‫الزبير رضي هللا عنهما قال‪ :‬بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عبد هللا بن‬
‫جحش رضي هللا عنه إلى نخلة‪ ،‬فقال له‪ُ " :‬ك ْن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار‬
‫قريش" ولم يأمره بقتال‪ ،‬وذلك في الشهر الحرام‪ ،‬وكتب له كتابا ً قبل أن يعلمه‬
‫أين يسير‪ ،‬فقال‪" :‬اخرج أنت وأصحابك‪ ،‬حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك‬
‫وانظر فيه‪ ،‬فما أمرتك فيه فامض له‪ ،‬وال تَستكره ََّن أحداً من أصحابك على‬
‫الذهاب معك"‪.‬‬
‫امض حتى تنزل نخلة فتأتينا‬‫ِ‬ ‫فلَّما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه أن "‬
‫من أخبار قريش بما يصل إليك منهم"‪ ،‬فقال ألصحابه حين قرأ الكتاب‪ :‬سم ٌع‬
‫‪ . 1‬الرسول ‪ /‬سعيد حوى ‪ /‬ج‪ 1‬ص‪. 31-24‬‬
‫‪121‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(122‬‬
‫ماض ألمر‬‫ٍ‬ ‫وطاعةٌ‪ ،‬من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي فإني‬
‫فإن رسول هللا‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ومن كره ذلك منكم فليرجع َّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحداً‪ .‬فمضى معه القوم حتى إذا‬
‫كان ببُحران أض َّل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان رضي هللا عنهما‬
‫بعيراً لهما كانا يتعقبانه‪ ،‬فتخلَّفا ً عليه يطلبانه‪ ،‬ومضى القوم حتى نزلوا نخله‪،‬‬
‫فمر بهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان والمغيرة ابنا عبد هللا‬
‫معهم تجارة قدموا بها من الطائف أ َد ٌم وزبيب‪ ،‬فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد‬
‫بن عبد هللا رضي هللا عنه وكان قد حلق رأسه‪ ،‬فلما رأوه حليقا ً قالوا‪ُ :‬ع َّمار‬
‫ليس عليكم منهم بأس‪ ،‬وائتمر القوم بهم‪ -‬يعني أصحاب رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ـ في آخر يوم من رجب‪ .‬فقالوا‪ :‬لئن قتلتموهم إنكم لتقتلونهم في‬
‫َّ‬
‫فليمتنعن منكم‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ليدخلن في هذه الليلة الحرم‬ ‫الشهر الحرام‪ ،‬ولئن تركتموهم‬
‫فأجمع القوم على قتلهم‪ ،‬فرمى واقد بن عبد هللا التميمي عمرو بن الحضرمي‪.‬‬
‫بسهم فقتله‪ ،‬واستأسر عثمان بن عبد هللا والحكم بن كيسان‪ ،‬وهرب المغيرة‬
‫وأعجزهم‪ ،‬واستاقوا العير فقدموا بها على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‬
‫لهم‪" :‬وهللا ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام" فأوقف رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم األسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئا ً‪.‬‬
‫‪-‬امتثال أمره يوم حنين‪:‬‬
‫وأخرج البيهقي عن جابر رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال يوم حنين حين رأى من الناس ما رأى‪" :‬يا عباس‪ ،‬ناد‪ :‬يا معشر‬
‫األنصار‪ ،‬يا أصحاب الشجرة" فأجابوه ‪ :‬لبيك‪ ،‬لبيك‪ .‬فجعل الرجل يذهب‬
‫ليعطف بعيره فال يقدر على ذلك‪ ،‬فيقذل درعه في عنقه‪ ،‬ويأخذ سيفه وترسه‪،‬‬
‫ثم يؤم الصوت‪ ،‬حتى اجتمع إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم منهم مائة‪،‬‬
‫فاستعرض الناس فاقتتلوا‪ .‬وكانت الدعوة أول ما كانت لألنصار‪ ،‬ثم جُعلت‬
‫آخراً للخزرج‪ ،‬وكانوا صُبراً عند الحرب‪ ،‬وأشرف رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في ركائبه فنظر إلى ُمجْ تَلَد القوم‪ ،‬فقال‪ :‬اآلن حمي الوطيس‪ .‬قال‪ :‬فوهللا‬
‫ما راجعه الناس إال واألسارى عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مكتَّفون‪،‬‬
‫فقتل هللا منهم من قتل‪ ،‬وانهزم منهم من انهزم‪ ،‬وأفاء هللا على رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم أموالهم وأبناءهم كذا في البداية ‪ .‬وعند ابن َو ْهب من حديث العباس‬
‫رضي هللا عنه ــــ فذكره وفيه‪ :‬وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "أي‬
‫عباس‪ ،‬نا ِد أصحاب ال َّس ُمرة" قال‪ :‬فواهلل لكأنَّما عطفتهم حين سمعوا صوتي‬

‫‪122‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(123‬‬
‫عطفة البقرة على أوالدها‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا لبيكاه‪ ،‬يا لبيكاه ورواه مسلم عن ابن‬
‫وهب‪ .‬كذا في البداية وقد أخرج ابن سعد حديث العباس بطوله فذكر نحوه‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬قصة ابي جحيفة‪ :‬تجشؤه ونهي الرسول عن ذلك ‪:‬‬


‫عن ابن عمر ان رسول هللا سمع رجال يتجشأ وقيل الرجل وهب بن‬
‫‪2‬‬

‫عبد هللا(ابو جحيفة) وهو معدود في صغار الصحابة وكان في زمانه عليه‬
‫الصالة والسالم لم يبلغ الحلم روي أنه لم يمأل بطنه بعد ذلك‪ .‬قال التوربشتي‬
‫الرجل هو وهب أبو جحيفة السوائي روى عنه أنه قال أكلت ثريدة بر بلحم‬
‫وأتيت رسول هللا وأنا أتجشأ فقال أقصر من جشائك( والنهي عن الجشاء هو‬
‫النهي عن الشبع ألنه السبب الجالب له ) وقيل التجشؤ التكلف فإن أطول الناس‬
‫جوعا يوم القيامة أطولهم شبعا في الدنيا رواه في شرح السنة قال ميرك هو‬
‫وهب بن عبد هللا أبو جحيفة روى عنه أنه قال أكلت ثريدة بلحم وأتيت رسول‬
‫هللا وأنا أتجشأ فقال يا هذا كف من جشائك فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا‬
‫أكثرهم جوعا يوم القيامة رواه الحاكم وقال صحيح اإلسناد قال المنذري بل‬
‫هو واه جدا فيه وهد بن عوف وعمرو بن موسى لكن رواه البزار بإسنادين‬
‫رواة أحدهما ثقات ورواه ابن أبي الدنيا والطبرانيـ في الكبير واألوسط‬
‫والبيهقي وزاد قال الراوي فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا كان‬
‫إذا تعشى ال يتغدى وإذا تغدى ال يتعشى وفي رواية البن أبي الدنيا قال أبو‬
‫‪3‬‬
‫جحيفة فما مألت بطني منذ ثالثين سنة‬
‫هَّللا‬
‫ض َي ُ‬ ‫َوَأ ْخ َر َج التِّرْ ِم ِذيُّ مثله َو َح َّسنَهُ َواب ُْن َما َج ْه ‪َ ،‬والبَ ْيهَقِ ُّي ع َْن ا ْب ِن ُع َم َر َر ِ‬
‫ْ‬
‫َع ْنهُ َما ‪.‬‬
‫‪ -‬بقاء ابي عبيدة في الشام وعدم مغادرتها رغم انتشار الطاعون فيها حتى‬
‫مات امتثاال لقول الرسول ‪ r‬إذا ظهر الطاعون في أرض فال تدخلوها وال‬
‫تغادروها‪.‬‬

‫‪ -‬امتناع عثمان عن التنازل عن الخالفة امتثاال لحديث سمعه من رسول هللا ‪r‬‬
‫وامتناعه في الوقت نفسه عن مقاتلة الثائرين عليه ‪:‬‬
‫هذه المسألة ال يفهمها كثير من الناس ‪ ،‬ما معنى تمسك عثمان بالخالفة‬
‫وعدم التنازل عنها وفي الوقت نفسه ال يقاتل دفاعا عن نفسه ؟ ان كان‬
‫‪ . 1‬حياة الصحابة محمد يوسف الكاندهلوي ‪3/201‬‬
‫‪ . 2‬بتشديدـ الشين المعجمة بعدها همزة أي يخرج الجشاء من صدره وهو صوت مع ريح يخرج منه عند‬
‫الشبع وقيل عند امتالء المعدة‪.‬‬
‫‪. 3‬سبل السالم‪/‬باب الزهد والورع ج‪4‬ص‪ ، 179‬فيض القدير ج‪5‬ص‪ ، 11‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة‬
‫المصابيح‪-‬كتاب الرقائقج‪15‬ص‬
‫‪123‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(124‬‬
‫حريصا على الخالفة حبا بها وحرصا عليها فمن باب أولى أن يحرص على‬
‫حياته ألن الذي يحرص على الملك حبا به يدافع عن نفسه ويحب طول البقاء‬
‫حتى يتمتع بع وبخيراته ‪ ،‬أما ان يزهد في الدنيا ويحرص على الخالفة فليس‬
‫له سبب سوى التمسك بحديث الرسول الذي سمعه منه وهو قوله له ‪ r‬يا‬
‫‪1‬‬
‫عثمان ‪ ،‬إن هللا لعلّه أن يُقَ ِّمصك قميصا‪ ،‬فإن أرادوك على خلعه فال تخلعه‬
‫‪ -‬انسحاب الزبير من الجيش بعد أن ذ ّكرهم علي زبيراً بحديث لرسول هللا ‪:r‬‬
‫لقد انسحب الزبير من معركة الجمل بمجرد سماعه حديث الرسول الذي‬
‫ذ ّكره به علي "إنك ستقاتل عليا وأنت له ظالم" فقال الزبير ‪ :‬وهللا اني كنت قد‬
‫نسيتها !‬
‫‪ -‬انسحاب طلحة من الجيش بعد تخويفه من قبل علي من عتاب رسول هللا له‬
‫يوم القيامة على ابقاء نسائه في البيت واخراج زوجة رسول هللا الى القتال‪.‬‬
‫حذره علي وخوفه عتاب رسول هللا له يوم القيامة‬ ‫وكذلك طلحة فبمجرد أن ّ‬
‫بترك أزواجه في البيت واخراج حرم رسول هللا الى ساحات القتال ‪ ،‬ترك هو‬
‫اآلخر ساحة المعركة واعتزل الجيش دون أي تأويل!‪.‬‬
‫‪ -‬اعادته مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة ‪ :‬ال يأخذه منكم اال ظالم ‪ ،‬وبقاءه‬
‫عندهم الى يومنا هذا‪.‬‬
‫أخرج ابن سعد أنا الواقدي حدثنا إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه‬
‫قال قال عثمان بن طلحة لقيني رسول هللا {صلى هللا عليه وسلم} بمكة قبل‬
‫الهجرة فدعاني إلى االسالم فقلت يا محمد العجب لك حيث تطمع أن اتبعك وقد‬
‫خالفت دين قومك وجئت بدين محدث ‪ ،‬وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم‬
‫االثنين والخميس فأقبل يوما يريد ان يدخل الكعبة مع الناس فغلظت عليه ونلت‬
‫منه وحلم عني ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث‬
‫شئت فقلت لقد هلكت قريش وذلت فقال بل عمرت يومئذ وعزت ودخل الكعبة‬
‫ص ِحي ِح ِه‪.‬‬ ‫‪َ " . 1‬ر َواهُ َأبُو بَ ْك ِر بْنُ َأبِي َش ْيبَةَ ‪َ ،‬وَأحْ َم ُد بْنُ َح ْنبَ ٍل ‪َ ،‬وابْنُ ِحبَّانَ فِي َ‬
‫ص َّح َحهُ‪.‬‬ ‫ث بْنُ َأبِي ُأ َسا َمةَ ‪َ ،‬و ْال َحا ِك ُم ‪َ ،‬و َ‬ ‫َصرًا التِّرْ ِم ِذيُّ ‪َ ،‬وابْنُ َما َجةَ ‪َ ،‬و ْال َح ِ‬
‫ار ُ‬ ‫َو َر َواهُ ُم ْخت َ‬
‫تعليق شعيب األرنؤوط ‪ :‬حديث حسن المصدر‪ :‬مسند الصحابة في الكتب التسعة ‪ /‬مسند عائشة ‪.‬‬
‫اويَةُ بْنُ َأبِي‬ ‫ير ‪َ ،‬أنَّهُ َأرْ َسلَهُ ُم َع ِ‬ ‫س ‪َ ،‬أنَّ ِه َس ِم َع النُّ ْع َمانَ ْبنَ بَ ِش ٍ‬ ‫واليك الرواية مفصلة "َع َْن َع ْب ِد هللاِ ْب ِن قَ ْي ٍ‬
‫صلَّى هللا َعلَيه‬ ‫ُول هللاِ َ‬ ‫ث َس ِم ْعتُهُ ِم ْن َرس ِ‬ ‫ك بِ َح ِدي ٍ‬ ‫ُأ‬
‫ت لِي ‪َ :‬أالَ َح ِّدثُ َ‬ ‫ب ِإلَى عَاِئ َشةَ فَ َدفَ ْعتُهُ ِإلَ ْيهَا ‪ ،‬فَقَالَ ْ‬ ‫ُس ْفيَانَ بِ ِكتَا ٍ‬
‫َأ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َأ‬
‫ُول هللاِ ‪ْ ،‬ب َعث ِإلى بِي‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صة ‪ ،‬فقا َل ‪ :‬لوْ كانَ ِعن َدنَا َر ُج ٌل ي َُح ِّدثنَا فقلت ‪ :‬يَا َرس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت ‪ِ :‬إني ِعن َدهُ َو َحف َ‬ ‫ِّ‬ ‫و َسلَّم ؟ قَالَ ْ‬
‫ت ‪ :‬فَ َدعَا‬ ‫ث ِإلَى ُع َم َر فَيُ َح ِّدثُنَا ‪ ،‬فَ َسكَتَ ‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫َأ‬
‫صةُ ‪ْ :‬ب َع ُ‬ ‫ت لَهُ َح ْف َ‬ ‫ال ‪ :‬فَ َسكَتَ ‪ ،‬فَقَالَ ْ‬ ‫بَ ْك ٍر فَيَ ِجي ُء فَي َُح ِّدثُنَا ‪ ،‬قَ َ‬
‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫انُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َب ‪َ ،‬و َجا َء عُث َم ‪ ،‬ف قبَ َل َعلي ِه بِ َو ِه ِه ‪ ،‬ف َس ِمعتهُ يَقو ُل ‪ :‬يَا عُث َم ‪ِ ،‬إن َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬‫َ‬ ‫انُ‬ ‫ْ‬ ‫َر ُجالً ‪ ،‬فََأ َس َّر ِإلَ ْي ِه دُونَنَا ‪ ،‬فذه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ع َْن‬ ‫َأ‬
‫ين ‪ْ ،‬ينَ ُك ْن ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُأ‬
‫ت ‪ :‬يَا َّم ال ُمْؤ ِمنِ َـ‬ ‫ك قَ ِميصًا ‪ ،‬فَِإ ْن َأ َرا ُدوكَ َعلَى َخل ِع ِه فَالَ ت َْخلَ ْعهُ ثَالَثا ‪ ،‬فَقل ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ص َ‬‫لَ َعلَّهُ َأ ْن يُقَ ِّم َ‬
‫ت ‪ُ :‬أ ْن ِسيتُهُ َكَأنِّي لَ ْم َأ ْس َم ْعهُ قَ ُّ‬
‫ط‬ ‫ث ؟ قَالَ ْ‬ ‫هَ َذا ْال َح ِدي ِ‬

‫‪124‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(125‬‬
‫فوقعت كلمته مني موقعا ظننت ان االمر سيصير إلى ما قال فأردت االسالم‬
‫فإذا قومي يزبرونني زبرا شديدا فلما كان يوم فتح مكة قال لي يا عثمان ائت‬
‫بالمفتاح فأتيته به فأخذه مني ثم دفعه إلي وقال خذها خالدة تالدة ال ينزعها منكم‬
‫إال ظالم فلما وليت ناداني فرجعت إليه فقال ألم يكن الذي قلت لك فذكرت قوله‬
‫لي بمكة قبل الهجرة لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت‬
‫فقلت بلى أشهد انك رسول هللا ‪ ،‬ثم جلس رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في‬
‫المسجد فقام إليه علي رضي هللا عنه ومفتاح الكعبة في يده فقال ‪ :‬اجمع لنا‬
‫الحجابة مع السقاية‪ ،‬صلى هللا عليك ـ وفي رواية أن الذي قال ذلك هو العباس‬
‫ـ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬أين عثمان بن طلحة ؟ ) ‪ .‬فدعي له‪،‬‬
‫فقال له ‪ ( :‬هاك مفتاحك يا عثمان‪ ،‬اليوم يوم بر ووفاء ) ‪ ،‬وفي رواية ابن سعد‬
‫في الطبقات أنه قال له حين دفع المفتاح إليه ‪ ( :‬خذوها خالدة تالدة‪ ،‬ال ينزعها‬
‫منكم إال ظالم‪ ،‬يا عثمان إن هللا استأمنكم على بيته‪ ،‬فكلوا مما يصل إليكم من‬
‫‪1‬‬
‫هذا البيت بالمعروف )‬
‫‪ -‬لَـ ُّده صلى هللا عليه وسلم للذين لَ ّدوه في مرضه الذي مات فيه ‪:‬‬
‫قال عبدهللا فاجتمع إليه نساء من نسائه أم سلمة وميمونة ونساء من‬
‫نساء المسلمين منهن أسماء بنت عميس وعنده العباس عمه فأجمعوا أن يلدوه‬
‫وقال العباس أللدنه قال فلدوه فلما أفاق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال من‬
‫صنع هذا بي قالوا يا رسول هللا عمك قال هذا دواء أتى به نساء جئن من نحو‬
‫هذه األرض وأشار نحو أرض الحبشة قال ولم فعلتم ذلك فقال عمه العباس‬
‫خشينا يا رسول هللا أن يكون بك ذات الجنب فقال إن ذلك لداء ما كان اهلل عز‬
‫وجل ليقذفني به ال يبق في البيت أحد إال ُلّد إال عمي فلقد لدت ميمونة وإنها‬
‫‪2‬‬
‫لصائمة لقسم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عقوبة لهم بما صنعوا به‬
‫و قد روى البخاري [ عن علي بن عبد هللا و الغالس و مسلم بن محمد‬
‫بن حاتم كلهم عن يحي بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن موسى بن أبي‬
‫عائشة عن عبيد هللا بن عبد هللا عن عائشة قالت ‪ :‬لددنا رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه و سلم في مرضه فجعل يشير إلينا أن ال تلدوني قلنا ‪ :‬كراهية المريض‬
‫للدواء فلما أفاق قال ‪ :‬ألم أنهكم أال تلدوني ؟ قلنا ‪ :‬كراهية المريض للدواء فقال‬
‫‪ :‬ال يبقى أحد في البيت إال لد و أنا أنظر إال العباس فإنه لم يشهدكم ]‬

‫‪(. . 1‬الرحيق المختوم ‪/‬ص‪386‬‬


‫‪ . 2‬سيرة ابن هشام‬
‫‪125‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(126‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬و رواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبـي‬
‫‪3‬‬
‫صلى هللا عليه و سلم‬
‫وفي هذا دليل واضح على هيمنة الرسول على مجتمعه ‪.‬‬
‫‪ -‬تبرك الصحابة بآثاره صلى هللا عليه وسلم وتسابقهم الى ماء وضوئه ‪:‬‬
‫ان تبرك الصحابة بآثار الرسول صلى هللا عليه و سلم في حياته‬
‫والتسابق الى ماء وضوئه من االمور المتفقة عليها بين المسلمين ‪ ,‬والمجمع‬
‫على صحتها ‪ ،‬وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على عمق ايمان الصحابة‬
‫بنبوة الرسول وحبهم له وتعظيمهم اياه ‪.‬‬
‫‪ -‬حرص الصحابة على مس جسد الرسول ‪: ‬‬
‫ومن االمور الدالة على حب الصحابة للرسول وتقديرهم له حرصهم‬
‫على ان يمس جسدهم جسده الشريف ‪ ‬وافتخارهم بذلك ‪ ،‬والجدل الدائر‬
‫بينهم حول ايهم كان آخر عهد برسول هللا ‪ ‬مشهور‪.‬‬

‫هل تآمر الصحابة على علي؟‬


‫قلنا ان الشيعة يع ّدون اجتماع الصحابة انقالبا على علي ويتهمونهم ‪،‬‬
‫السيما الشيخين ابي بكر وعمر ‪ ،‬بالتآمر عليه ‪ ،‬ولكن اذا درسنا هذا االجتماع‬
‫وحيثياته يتبين لنا بوضوح ان ابا بكر وعمر لم يكن لهما اي دور في تنظيم‬
‫االجتماع وان االنصار هم الذين نظموه وكان هدفهم نصب سعد بن عبادة‬
‫خليفة للمسلمين ‪ ،‬وان المجتمعين لم يخبروا احدا من المهاجرين وان ابابكر‬
‫وعمر فوجئوا حين سمعوا بالخبر ‪ ،‬وكان اسراع هؤالء المهاجرين الى‬
‫السقيفة نابعا من شعورهم بالمسؤولية ومن ادراكهم بخطورة الموقف‬
‫وحساسيته‪ ،‬وقد علموا بما حباهم هللا من حنكة وحكمة بان الحادث اليحتمل‬
‫التأخير ‪ ،‬وانه ليس من المعقول اخبار جميع الصحابة فيحدث بذلك بلبلة‬
‫وفوضى ال يحمد عقباها ال سيما اذا عرفنا انهم كانوا منشغلين بغسل وتكفين‬
‫الرسول ‪ . ‬فالحادثة اذن ال تنطوي على اية مؤامرة الن المتهمين عند الشيعة‬
‫هم ابوبكر وعمر واالجتماع كما قلنا قد عقد من قبل االنصار وان الهدف منه‬
‫كان تنصيب سعد خليفة على المسلمين والذي كان على وشك ان يبايعوه عندما‬

‫‪ . 3‬سيرة ابن كثير ‪4/443‬‬


‫‪126‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(127‬‬
‫وصل المهاجرون الى محل االجتماع وانه حين فاتته الخالفة امتنع عن مبايعة‬
‫ابي بكر وعمر الى ان مات سنة ‪ 14‬للهجرة ‪.‬‬
‫من الذي حاك المؤامرة؟‬
‫ال احد يستطيع ان يقول ان ابابكر وعمر كانا متفقين او متواطئين مع‬
‫سعد بن عبادة ألن التاريخ والوقائع والعقل والمنطق يكذبه ‪ .‬ان ما قرأناه من‬
‫الحوارات التي دارت في السقيفة وامتناع سعد عن مبايعة ابي بكر وعمر و‬
‫العالقة الوطيدة بين علي وقيس بن سعد كلها تنفي وجود اي اتفاق بين سعد‬
‫والشيخين وانه لم يكن لهما ضلع في تنظيم هذا االجتماع وان حالهم كان‬
‫كحال بقية المهاجرين الذين فوجئوا بسماع هذا الخبر‪ ،‬وال تترك اي فرصة‬
‫للشك في جدية سعد في العمل على تسلم الخالفة وحين حُرمها بسبب ابي بكر‬
‫وعمر ظل مقاطعا لهما الى ان مات ‪.‬‬
‫ان الذين يصفون اجتماع السقيفة بأنه مؤامرة حيكت البعاد علي عن‬
‫الخالفة اليكلفون انفسهم عناء النظر بجدية الى هذا االجتماع و يلقون الكالم‬
‫على عواهنه ويرمون بالتهم جزافا !‪.‬‬
‫كل الذي عمله ابوبكر وعمر هو انهما تصرفا بحكمة وعقالنية السيما سيدنا‬
‫ابوبكر فانه بحنكته السياسية وعقله الراجح حسم المسألة وتصرف بمنتهى‬
‫المسؤولية كما تصرف قبل ذلك حين راى عمر شاهرا سيفه يتوعد من يقول‬
‫بموت رسول هللا وقال قولته الشهيرة ‪" :‬من كان يعبد محمدا فان محمدا قد‬
‫مات ومن كان يعبد هللا فان هللا حي اليموت" وكما سيظهر فيما بعد حين‬
‫يواجه حركة الردة التي عمت الجزيرة العربية واليمن ويواجه مانعي الزكاة‬
‫بحسمه وحكمته رغم معارضة كبار الصحابة له‪ ،‬وتجهيزه لجيش اسامة في‬
‫تلك الظروف الحرجة التي كان المسلمون يمرون بها والتي عادت فيما بعد‬
‫على المسلمين باكبر الفوائد اذ ثبط من عزيمة كثير ممن راودتهم نفوسهم‬
‫باعالن الردة ‪.‬‬
‫وهناك سؤال مهم يطرح نفسه‪:‬‬
‫لماذا اخبر هذا الصحابي عمر ولم يخبر عليا او غيره من الصحابة؟‬
‫لهذا السؤال جوابان كالهما معقول ومنطقي ‪ .‬اوالهما الن عليا كان منشغال‬
‫بغسل رسول هللا ‪ ‬بناء على وصية الرسول ‪ ‬بان ال يغسله اال رجال من اهل‬
‫بيته‪.‬‬
‫والثاني وهو االهم واالرجح هو مكانة عمر‪ ‬في المجتمع وبين الصحابة‬
‫ونفوذ كلمته فيهم ‪.‬‬
‫وسؤال آخر تابع لهذا السؤال يطرح نفسه وهو‪:‬‬
‫‪127‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(128‬‬
‫لماذا ارسل عمر خلف ابي بكر ليخبره بخبرذلك االجتماع ولم يخبر عليا؟‬
‫والجواب هو‪:‬‬
‫‪ .1‬لمكانة ابي بكر عند المسلمين وعند عمر خاصة وهذا الشعور ازاء ابي‬
‫بكر من قبل عمر يتجلى في مواقف كثيرة منها قوله‪ :‬ان خالفة ابي بكر كانت‬
‫فلتة وقى هللا شرها وانه ليس فيكم من يشار اليه مثل ابي بكر‪ ، 1‬وقوله‪َ :‬ألن‬
‫اُقدم فيُضرب عنقي احب الي من ان أتأ ّمر على قوم فيهم ابو بكر‪ ،‬وقوله عندما‬
‫توفي خالد بن الوليد‪ :‬رحم هللا ابا بكر انه كان اعلم مني بالرجال ‪ ،‬وقوله ‪:‬‬
‫ليتني كنت شعرة في صدر ابي بكر ‪ .‬وبالتالي معرفة عمر بانه اليصلح لمثل‬
‫هذه المواقف غير ابي بكر وان الناس سينقادون له بسهولة لمكانته من رسول‬
‫هللا ‪ ‬وسبقه في االسالم كان وراء اختياره الخباره بخبر السقيفة‪.‬‬
‫‪ :2‬انه ما أخبر عليا النه كان يعلم ان عليا لم يعين من قبل الرسول وانه بـحكم‬
‫سنه لم يكن مرشحا الن يـحسم االمر وان الناس لم يكونوا ليختاروه على ابي‬
‫بكر بدليل ان الناس كانوا يفضلون عثمان عليه بعد استشهاد عمر وعثمان اقل‬
‫شأنا من ابي بكر وعمر وبدليل قول الشيعة ان الناس كلهم ارتدوا بعد رسول‬
‫هللا اال ثالثة لمبايعتهم ابي بكر اي ان االكثرية الساحقة من الصحابة فضلوا‬
‫ابابكر على علي ‪.‬‬

‫هل كان ابو بكر وعمر متآمرين وهل كانا من طالب الدنيا؟‪:‬‬
‫ان دراسة حياة هذين الرجلين قبل وبعد االستخالف ستجيب عن هذين‬
‫السؤالين ‪:‬‬
‫كيف عاشا مع الرسول (‪ )‬وكيف عاشا بعد توليهما الخالفة ‪ ،‬كيف كان‬
‫مسكنهما وملبسهما ومأكلهما ؟ كم كان دخلهما الشهري او السنوي بعد توليهما‬
‫الخالفة؟ كم كان عدد الخدم والحشم في قصورهم ؟ كيف كان قصر الخالفة‬
‫في عهدهم ؟ ماذا كانت اهتماماتهم ؟ هل قربوا ابناءهم واقرباءهم من مراكز‬
‫الحكم ؟ وهل ولّوهم شيئا من امور الدولة؟ هل أطلقوا أيدي ابنائهم واقربائهم‬
‫ي منهما الطريق ألبنائه وذويه لتولي‬‫في اموال وممتلكات الدولة ؟ هل مهّد أ ٌّ‬
‫الخالفة من بعده ؟ هل تآمر احدهم على اآلخر أو سعى للقضاء على‬
‫المخالفين والمتربصين بالخالفة ؟ وأخيرا ‪ :‬ماذا قدموا لالسالم في خالفتهما؟‬

‫‪ . 1‬قول عمر ‪" :‬ان خالفة ابي بكر كانت فلتة وقى هللا شرها " دليل واضح على عدم وجود مؤامرة وان‬
‫االمر كان مفاجئا ولم يكن عن سابق تخطيط ‪ ،‬ولوال شخصية ابي بكر لحدث خالف كبير بين الناس ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(129‬‬
‫ان االجابة على هذه التساؤالت ستحل لنا االشكال وترد تلقائيا االتهامات التي‬
‫يكيلها الشيعة لهذين الرجلين العظيمين اللذين بخل التاريخ على البشرية ان‬
‫ياتي بمثلهما بعد رسول هللا (‪ )‬ولذلك كان علي والصحابة والتابعون وابناء‬
‫علي يقولون خير الناس بعد رسول هللا (‪ )‬ابو بكر ثم عمر ‪.‬‬
‫انني كلما اقرأ حياة الشيخين ثم ارى موقف الشيعة منهما اشفق على الشيعة‬
‫واقول في نفسي اي خير عظيم حُرمه هؤالء ببغض هذين الجبلين الشامخين‬
‫واي جرم ارتكبه علماء الشيعة حين شوهوا صورتهما في عيون الشيعة واي‬
‫حسرة وندامة سيتجرعونها يوم القيامة حين يرونهما في عليين مع النبـيين‬
‫والصديقينـ والشهداء والصالحين واي لوم سيلقونه على علمائهم حين يعرفون‬
‫الحقيقة ؟!‬
‫وليت شعري ماذا يقرأ الشيعة من تاريخ االسالم بعد طرح حياة الخلفاء‬
‫والصحابة ‪ ،‬السيما الشيخين‪ ،‬جانبا ؟‬
‫ان المتتبع لحياة كل من ابي بكر وعمر‪ ،‬ال سيما بعد توليهما الخالفة‪،‬‬
‫يتبين له بوضوح انهما لم يكونا ال من طالب الدنيا وال كانا متآمرين وال كان‬
‫التآمر سجية لهما‪ ،‬بل على العكس تماما ‪ ،‬سيرى رجلين قد فهما روح االسالم‬
‫ومقاصده جيدا وتشبعا بتعاليمه وكانا بحق اهالً ألن يجعلهما رسول هللا وزيريه‬
‫ورفيقيه في الدنيا كما كتب هللا لهما ان يكونا رفيقيه في القبر ورفيقيه ان شاء‬
‫هللا في الجنة ‪.‬‬
‫نعم ان دراسة حياتهما بإنصاف كفيلة بأن ترد كل تلك التهم التي يكيلها لهما‬
‫الشيعة جزافا ومن غير وجه حق ومن غير ادنى دليل سوى التعصب االعمى‬
‫واالنحراف الفكري ‪.‬‬
‫ال اظن اننا بحاجة الى ان نثبت ان ابابكر وعمر لم يكونا متآمرين ولم‬
‫يكن من طبعهما التآمر ألن ما يسمى بتآمر السقيفة تبين انه ليس من صنعهما‬
‫ولم يكن لهما يد في تنظيمها كما اسلفنا سابقا ‪.‬‬
‫ومع كون السقيفة تدل بكل وضوح على ان االمر لم يكن مؤامرة وان‬
‫المهاجرين لم يكونوا على علم بها اال بعد إخبارهم ‪ ،‬ولكن مع ذلك سنسأل‬
‫الشيعة بعض االسئلة عن طبيعة هذه المؤامرة ونقول‪:‬‬
‫انكم التفتأون تذكرون أن السقيفة كانت مؤامرة‪ ،‬ولكنكم التذكرون لنا‬
‫طبيعة هذه المؤامرة وكيف تم االعداد لها وال تذكرون تفاصيلها‪:‬‬
‫هل كانت هذه المؤامرة باتفاق بين ابي بكر وعمر من جهة وسعد بن‬
‫عبادة من جهة اخرى؟ اذ البد لكي يعد هذا االجتماع مؤامرة ان يكون هناك‬
‫اتفاق بين منظمي االجتماع والفائزين فيه ثم يكون فيما بعد لمنظم االجتماع‬
‫‪129‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(130‬‬
‫حظوة عند الفائز فيه ويكون من مقربيه و من اهل مشورته ومن المنتفعين من‬
‫هذه الخالفة‪ ،‬ال ان يمتنع عن مبايعتهم ويقاطعهم من اول وهلة ويظل على‬
‫موقفه الى ان يموت ‪.‬‬
‫ان التاريخ ال يذكر لنا شيئا من ذلك كما اليذكر لنا شيئا عن حدوث اجتماع بين‬
‫ابي بكر وعمر وسعد بن عبادة ال قبل السقيفة وال بعدها لكي يقال انه كان‬
‫هناك اتفاق بينهم ثم نكث ابو بكر العهد ولم يف بوعده له ! حتى المؤرخون‬
‫الشيعة لم يذكروا شيئا من هذا القبيل ‪ ،‬وهذه التساؤالت جديدة على الشيعة ولم‬
‫ي ُع ُّدوا لها جوابا ومع ذلك ال استبعد ان يأتي احدهم ويقول انه كانت هناك‬
‫صفقة ما قد تمت بين ابي بكر وسعد بن عبادة االّ ان ابا بكر تنكر لها ولم يف‬
‫بعهده لسعد فحصل الخالف بينهما ‪ ،‬ولكن ادعا ًء مثل هذا صعب ومستحيل‬
‫وهلل الحمد ألنه اوال ال يوجد شيء في التاريخ يمكن للشيعة ان يعولوا عليه وان‬
‫التاريخ صريح بان الخالف والمقاطعة حصال في السقيفة فورا بعد انصراف‬
‫الناس عن سعد واقبالهم على ابي بكر ليبايعوه ‪ ،‬وان موقف علي من سعد‬
‫وولده قيس ينفي حدوث مثل هذا االتفاق ضده كما انه يثبت ايضا عدم وجود‬
‫نص على علي باالمامة النه لو كان هناك نص لوجب ان يغضب علي على‬
‫سعد وولده او على االقل ان يعاتبهم النهم كانوا وراء تنظيم ذلك االجتماع‬
‫الذي اسفر عن اختيار ابي بكر‪.‬‬
‫اذاً اين المؤامرة ايها الشيعة وانتم كما ترون السبيل لكم الى اثباتها اال‬
‫هذا السبيل وهو مسدود عليكم وهلل الحمد‪.‬‬
‫اني ادعو كل سني يحاور الشيعة حول هذا الموضوع ان اليدعهم‬
‫يمرون عليه مرور الكرام ويلقوا بشبهتهم ثم يمضوا بل يجبرهم على ان‬
‫يشرحوا له تفاصيل المؤامرة كما يرونها وامكانية حدوثها ‪ ،‬فاننا ما تركنا‬
‫وسيلة نحاول فيها االمساك بخيط من خيوط المؤامرة اال وبحثناها فما وجدنا‬
‫شيئا ألن االحداث كلها تنفي ذلك وحيثيات السقيفة ايضا تنفي ذلك واني على‬
‫يقين بانه ال احد ممن يتهم ابا بكر وعمر بالمؤامرة ويصف السقيفة بالمؤامرة‬
‫يستطيع ان يثبت تلك المؤامرة أو يستطيع ان يخوض في تفاصيلها‪.‬‬
‫نقول ايضا‪ :‬ان الذي يقوم بمثل هذه المؤامرة البد ان تكون له اطماع‬
‫دنيوية كأن ينال بها شيئا من متاع الدنيا او يحصل على رغد العيش ويبني‬
‫القصور الفخمة ويتخذ االماء والعبيد والخدم ويقرب منه ذويه ويوليهم‬
‫المناصب الحساسة ويمهد الطريق ألبنائه ليخلفوه في الحكم ثم يسعى للقضاء‬
‫على منافسيه والمتربصين بالخالفة ليخلو الطريق البنائه من بعده ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(131‬‬
‫نعم لمثل هذه االمور يتآمر المرء ‪ .‬فلنسأل اذاً ‪ :‬أيا ً من هذه االشياء عملها كل‬
‫من ابي بكر وعمر؟‬
‫لو كان ابو بكر وعمر متآمرين لحاولوا القضاء على علي وسعد بن‬
‫عبادة والنتقموا من كل من ساندهم ووقف معهم كاسامة بن زيد الذي اسند اليه‬
‫قيادة الجيش الذي جهز البعادهما حتى يخلو الجو لعلي بن ابي طالب كما‬
‫يزعم الشيعة وكابي سفيان الذي حرض بني هاشم وبني امية على ابي بكر‬
‫وعرض مساعدته لعلي لالطاحة بابي بكر وغيرهم كثير كما يفعل اهل‬
‫السياسة اليوم وكما فعل بعض خلفاء بني امية والعباسيون فيما بعد‪.‬‬
‫لقد كان الجو مهيئا تماما لعمر ليولي ابنه عبد هللا وقد طُلب منه ان يفعل‬
‫ذلك ولكنه رفض ولم يقبل حتى ادخاله ضمن الستة الذين رشحهم للخالفة ‪.‬‬
‫هل يستطيع احد ان ينكر ان ابابكر وعمر عاشا ايام خالفتهما عيش‬
‫الزهاد؟ كيف يزهد في الدنيا من كان همه السلطة ؟ وكيف يزهد من كان منافقا‬
‫كما يحلو لبعض المتطرفين الشيعة ان يصفوهم به؟‬
‫من ثبّت دعائم االسالم واركان الدولة االسالمية غير ابي بكر ؟ من فتح‬
‫البلدان ونشر االسالم غير ابي بكر وعمر؟ اهذا عمل المنافقين؟‬
‫لو كان ابو بكر متآمرا على االسالم كما يصفه الشيعة هل كان يجمع‬
‫القرآن ام كان يحاول طمسه وطمس تعاليمه ليحكم الناس باهوائه ويحاول‬
‫القضاء على رسالة االسالم؟‬
‫وهل كان يحارب أهل الردة ويخوض كل تلك الحروب الضارية‬
‫لمواجهة المرتدين؟ أم كان يرضى بأن يتقاسم الحكم مع مسيلمة وغيره؟‬
‫وهل كان يصر كل هذا االصرار على محاربة مانعي الزكاة وتوعده كل من‬
‫يفرق بين الصالة والزكاة؟‬
‫ان كل واحد من هذه االعمال يكفيه شرفا وفخرا فكيف وقد فعلها كلها‪.‬‬
‫اذن كيف يقال لمثل هذا الرجل بانه كان تآمريا ومن طالب الدنيا وانه ما آمن‬
‫بالرسول اال لنيل الدنيا؟‬
‫انني لم اتحدث عن حياة ابي بكر قبل الخالفة في مكة والمدينة كي ال‬
‫اطيل على القاريء وان كان دراستها ضرورية جدا لمعرفة هذا الرجل‬
‫العظيم الن سيرته السابقة على الخالفة تكشف لنا حقيقته وطبيعته وشرفه‬
‫ومكانته في المجتمع وعند رسول هللا ‪ ،‬فحياته كلها كانت جهادا في سبيل هللا‬
‫بالمال والنفس واالوالد ‪ ،‬وقد كرس كل ما يملك لخدمة االسالم ونصرة رسول‬
‫هللا ‪ ،‬وهذه الحقيقة ال ينكرها اال كل مكابر اعمى هللا بصيرته ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(132‬‬
‫وكذلك عمر فقد ق ّدم اعلى وارقى مثال للحاكم القوي العادل‪ ،‬والزاهد‬
‫العابد‪ ،‬الشديد مع والته الرفيق برعيته ‪ ،‬واصبح نموذجا يحتذى به على مر‬
‫العصور ‪.‬‬
‫وقبل ان انتقل الى الحديث عن غرض ابي بكر وعمر فيما فعاله احب‬
‫ان اؤكد على اهمية دراسة حياة الصحابة ال سيما الخلفاء الراشدين النها تؤدي‬
‫غرضين ‪ :‬اولهما ‪ :‬انها تكشف عن آثار جهود النبـي (‪ )‬وتبين طبيعة‬
‫المجتمع الذي انشأه رسول هللا (‪ )‬والتغيير الذي احدثه في اصحابه ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فيها الرد على اتهامات الشيعة للصحابة ‪.‬‬

‫ماذا كان هدف ابي بكر وعمر مما فعاله في السقيفة ؟‪:‬‬
‫ان دراسة حياة الشيخين بعد توليهما الخالفة تكشف لنا عن حقيقتهما‬
‫وطريقة تفكيرهما ‪ .‬لقد قلنا من قبل انهما لم يسعيا الى جمع المال اثناء مدة‬
‫توليهما للخالفة ‪ ،‬وال الى بناء القصور وال اتخاذ الخدم والحشم وال قربا احدا‬
‫من اقربائهما وال م ّكنا واحدا منهم‪ ،‬وما عهدا بالخالفة الحد من ابنائهما‪ .‬وهذا‬
‫يدل على انهما كانا ضد توارث السلطة وحصرها في عائلة واحدة او منحها‬
‫لمن لم يكن اهال لها ويظهر ذلك جليا في الذين رشحهم عمر للخالفة بعده فقد‬
‫كانوا افضل الصحابة واكفأهم ‪ .‬ثم انهما بحنكتهما وبعد نظرهما كانا يحاربان‬
‫التوجه الذي غالبا ما يسود عند ذوي السالطين وهو الشعور بحقهم في سلطان‬
‫صاحبهم والنظر اليه على انه ملك خاص بهم وال يجوز ان يخرج عنهم الى‬
‫غيرهم ‪ .‬ولهذين السببين لم يرضيا بتسليم الخالفة الى علي بعد وفاة الرسول ‪‬‬
‫مباشرة النهم لو سلموه اياها ربما فهم الناس ان الخالفة حق الهل البيت وال‬
‫يجوز ان يخرج منهم ابدا وهذا االمر اليتفق مع عالمية االسالم وهو اقرب الى‬
‫االرستقراطية منه الى العالمية ‪ ،‬واني وان كنت على يقين من ان عليا لم يكن‬
‫يسعى بنفسه لذلك ولكن هذا المفهوم كان سيسود في المجتمع وكان يصعب‬
‫بعد ذلك مخالفته او اقتالعه ‪ ،‬وانا نرى رغم عدم تسلم علي للسلطة مباشرة اال‬
‫انه ظل هذا االعتقاد سائدا في اوساط كثير من الناس ال سيما اهل البيت من‬
‫العباسيين والعلويين‪ .‬وهذا المفهوم رغم خطئه اال ان الناس كانوا ينجرفون‬
‫وراءه عاطفيا ‪ .‬ولو ألقينا نظرة الى حكم الشيخين وقارنّاه بحكم غيرهما من‬
‫الحكومات التي رأسها افراد من اهل البيت ابتداء من علي ومرورا بالعباسيين‬
‫وانتهاء بالفاطميين لرأينا بوضوح ان حكم الشيخين كان افضل بكثير من حكم‬
‫جميع هؤالء بمن فيهم علي ‪ ‬وانهما كانا افضل واكفأ من الجميع وان الذين‬
‫حكموا من اهل البيت خال عليا كلهم اتخذوا الحكم مطية للعيش الرغيد ونيل‬
‫‪132‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(133‬‬
‫الدنيا وبناء القصور واتخاذ االماء والعبيد وقد غالى الفاطميون في هذا المجال‬
‫ايما مغاالة وكان حكم غيرهم كعمر بن عبد العزيز ونور الدين زنكي وصالح‬
‫الدين االيوبي افضل من حكم العباسيين والفاطميين وكانوا اكثر تجردا لالسالم‬
‫وزهدا في الدنيا السيما عمر بن عبد العزيز الذي استلهم عدالته من جده عمر‬
‫بن الخطاب‪.‬‬
‫هذا الذي نقوله هو ما يؤيده التاريخ ويؤكده ‪ ،‬اذن ما الحاجة الى اشتراط‬
‫الخالفة في اهل البيت؟‬
‫عودا على بدء نقول‪ :‬لو لم يذهب الشيخان الى السقيفة واختار الناس سعد بن‬
‫عبادة وبايعوه على الخالفة هل كان سعد سيتنازل عنها لعلي؟ بالتأكيد ال‪ ،‬ألنه‬
‫ما جمع االنصار في السقيفة االّ إلبرام االمر لنفسه !‪.‬‬
‫لو كان التآمر من طبع الشيخين لحاوال التخلص من منافسيهما باي‬
‫وسيلة كانت وخاصة علي بن ابي طالب ولسلكوا وسائل مختلفة للتخلص منه‬
‫كأن يزجّوه في الجيوش التي بعثوا بها الى العراق والشام ومصر ثم دبروا قتله‬
‫هناك ال أن يبقوه بجوارهم معززا مكرما ومستشارا وقاضيا وخليفة لعمر على‬
‫المدينة عدة مرات ‪ ،‬والنتقموا من كل الذين اعترضوا على استخالفهما‬
‫كالزبير والمقداد وخالد بن سعيد وبريدة وغيرهم ولكن شيئا من ذلك لم يحدث‬
‫بل عاملوهم كبقية الصحابة دون تفريق او تمييز‪ .‬لقد عزل سليمان بن عبد‬
‫الملك ثالثة من كبار قادة المسلمين في حينه وهم موسى بن نصير فاتح‬
‫المغرب واالندلس وقتيبة بن مسلم قائد جيوش المسلمين الى تركمانستان واسيا‬
‫الوسطى واالقصى ومحمد بن القاسم الثقفي قائد جيوش المسلمين الى‬
‫افغانستان والهند وجنوب شرق اسيا‪ ،‬وفتك بهم ألنهم اشاروا على الوليد بن‬
‫عبد الملك بعزل سليمان من والية العهد‪ ،‬فانتقم منهم ولم يراع فيهم ما قدموه‬
‫من خدمات جليلة لالسالم والمسلمين ‪ ،‬ولكن ابابكر وعمر لم يـمسّا احدا ممن‬
‫كان معارضا لهما او مؤيدا لغيرهما او طامعا فيها بسوء ولم يضيقوا عليهم بل‬
‫اكرموهم وأوكلوا اليهم قيادة الجيوش و والية االمصار ‪ .‬فهل هذا من عمل‬
‫المتآمرين او المتطلعين الى الدنيا ام عمل الرساليين والمتجردين لالسالم‬
‫المتفانين في سبيل رفع رايته؟‬
‫وهذا الذي فعله سليمان كان وال يزال يفعله كثير من الحكام وان احدهم كان‬
‫بمجرد وصوله الى الحكم يبدأ باالنتقام من معارضيه وتصفية منافسيه‪.‬‬

‫فيما يخص الرسول ‪ :‬هل كان الرسول ضعيفا أوجاهال بمجتمعه وبأصحابه ؟‬

‫‪133‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(134‬‬
‫قلنا ان القول بوجود نص على علي ووجود بيعة في اعناق الناس له ثم عدول‬
‫الصحابة عنه الى ابي بكر يدل على ضعف الرسول (‪ )‬وعدم هيمنته على‬
‫مجتمعه وفشله في تكوين مجتمع صالح منفذ لتعاليمه ويدل ايضا على جهله‬
‫بمن حوله من الصحابة ‪ .‬وكل واحد من هذه االمور يعد طعنا كبيرا في رسول‬
‫هللا (‪ )‬وانتقاصا شديدا له وهذا مما اليجوز لمسلم ان يعتقده او يتفوه به‪ .‬وهذا‬
‫يحتاج الى تفصيل اكثر ألنه يترتب عليه نتائج خطيرة جدا مما قد يلقي‬
‫بصاحبه الى خارج دائرة االسالم‪.‬‬
‫لقد اوصى كثير من الخلفاء والحكام والسالطين لمن بعدهم ونفذت وصاياهم ‪،‬‬
‫ومنهم من أوصى ألكثر من واحد ونفذت وصاياه ‪ ،‬االّ رسول هللا (‪ )‬فانه قد‬
‫اوصى لعلي في زعم الشيعة ولم تنفذ وصيته! فهل كان رسول هللا ضعيفا الى‬
‫هذا الحد ؟ وهل كان جاهال بمجتمعه الى هذا الحد؟ وهل كان كل هؤالء‬
‫الخلفاء اقوى واعظم منه ‪.‬‬
‫لقد اوصى ابو بكر بالخالفة لعمر في مرض موته ونفذت وصيته‪ ،‬واوصى‬
‫عمر بعد طعنه من قبل ابي لؤلؤة بالخالفة الحد الستة الذين رشحهم وان ال‬
‫يطول النقاش اكثر من ثالثة ايام ‪ .‬وقد نفذت وصيته واُبرم االمر قبل انتهاء‬
‫اليوم الثالث وبويع لعثمان بالخالفة ‪.‬‬
‫وقد امر سليمان بن عبد الملك حاجبه رجاء بن حيوة ان يأخذ البيعة من بني‬
‫امية لمن نص عليه في الكتاب الذي كتبه لهم قبل أن يُطلعهم على اسمه ‪،‬‬
‫فبايعوا ولم يعارضوا وحين رأوا ان المنصوص عليه هو عمر بن عبد العزيز‬
‫وليس واحدا من أبناء عبد الملك رضخوا لالمر ولم يُحدثوا شيئا رغم‬
‫معارضتهم الستخالف عمر ومعارضتهم الخراج الخالفة من آل عبد الملك‬
‫ورغم علمهم بان سليمان قد توفي ‪ .‬ولنا ان نسأل‪ :‬مابال كل هذه الوصايا تنفذ‬
‫ووصية رسول هللا لعلي التنفذ؟ اكان كل هؤالء الخلفاء اقوى من الرسول‬
‫واكثر نفوذا في مجتمعاتهم ام ان هناك امرا آخر ؟‬
‫ولكي نثبت بأنه ال يمكن بحال من االحوال نقض بيعة ابرمها رسول هللا (‪)‬‬
‫نـأتي ونـُجري مقارنة بين الرسول (‪ )‬وابي بكر اوال وبين عمر وعلي ثانيا‪،‬‬
‫اي بين طرفي المعادلة من هاتين الوصيتين لنرى سبب تنفيذ وصية ابي بكر‬
‫لعمر وعدم تنفيذ وصية الرسول لعلي و لنر هل كان السبب في الرسول ام في‬
‫علي ام فيهما معا ‪ ،‬ام انه ال توجد وصية وبيعة اصال ؟‬
‫اوال‪ :‬مقارنة بين الرسول وابي بكر ‪:‬‬
‫وفي هذا المضمارنسأل‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(135‬‬
‫ايهما اقوى شخصية ‪ :‬الرسول ام ابو بكر؟‬
‫ايهما اكثر عصبة ‪ :‬الرسول ام ابو بكر؟‬
‫ايهما اكثر هيمنة على الناس ‪ :‬الرسول ام ابو بكر؟‬
‫ايهما اكثر مهابة ومنزلة في قلوب الناس ‪ :‬الرسول ام ابوبكر؟‬
‫وباختصار‪ :‬هل كان ابو بكر يفوق الرسول ‪ ‬في اي صفة من الصفات؟‬
‫ال اظن احدا سيرجح كفة ابي بكر على الرسول في اي مزية من‬
‫المزايا بل ال يوجد هناك وجه للمقارنة بينهما ‪ ،‬واليستطيع احد ان يقول ذلك‬
‫ولو قاله ألصبح به كافرا النتقاصه شخصية الرسول (‪ ، )‬وليس المسلم‬
‫وحده بل كل من يدرس حياة كل من الرسول (‪ )‬وابي بكر ال يقول بذلك‪ .‬اذن‬
‫كيف يوصي الرسول لشخص بالخالفة وال تنفذ وصيته؟‬
‫لقد كان الرسول (‪ )‬يفوق ابا بكر وعمر وكل الخلفاء والسالطين الذين‬
‫جاؤوا بعده بمئات بل بآالف المرات من حيث قوة شخصيته ‪ ،‬وهيبته ‪،‬‬
‫وهيمنته على القلوب‪ ،‬وقدرته االدارية والتربوية والعسكرية والنفسية ‪ ،‬وقد‬
‫اُوتي من الصفات القيادية ما لم يُؤتَهُ احد من البشر ‪ ،‬وقد اصطفاه هللا من بين‬
‫جميع البشر ليكون خاتم االنبـياء والرسل وهو قبل ذلك وبعده مؤيد بالوحي‬
‫وبروح القدس يوجهه في كل حركاته وسكناته !‪.‬‬
‫ان جميع القادة الذين اشتهروا في التاريخ وخضع لهم الناس واحبوهم‬
‫واطاعوهم لم يُؤتَوا ُعشر معشار ما اُوتيَه رسول هللا (‪ )‬من الصفات القيادية ‪،‬‬
‫ولو ان احدا كان يملك جزءا من المائة من صفات الرسول لدانت له رقاب‬
‫الناس فكيف برسول هللا وهو يفوق جميع البشر في جميع صفاته وانه اجتمعت‬
‫واكتملت فيه جميع الصفات القيادية باالضافة الى كونه مؤيدا بالوحي يوجهه‬
‫ويعزز موقعه بين الناس ‪ ،‬وكان الوحي يلقن الصحابة آداب التعامل مع رسول‬
‫هللا (‪ )‬وشواهد القرآن كثيرة فسورة الحجرات كلها وسور اخرى كثيرة‬
‫كاالحزاب والنور كلها توجيه للصحابة في كيفية التعامل مع الرسول وترسيخ‬
‫مكانته بينهم ‪.‬‬
‫لو لم يكن للرسول (‪ )‬شيء من مقومات التأثير على الناس لكان‬
‫الوحي كافيا إليجاد ذلك التاثير فكيف وهو يمتلك جميع مقومات التاثير على‬
‫الناس وبأعلى مراتبها ثم يسانده القرآن ويؤيده ويثبت موقعه ‪.‬اقرأ معي هذه‬
‫اآلية‪ " :‬ان تتوبا الى هللا فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فان هللا هو مواله‬
‫وجبريل وصالح المؤمنين والمالئكة بعد ذلك ظهير"‪ .‬فكيف يضعف او يفشل‬
‫من كان هللا مواله وجبريل والمالئكة وصالح المؤمنين؟‬

‫‪135‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(136‬‬
‫ان دراسة مجتمع الرسول (‪ )‬من خالل القرآن وكتب السيرة تعطيك‬
‫صورة واضحة عن مدى هيمنة الرسول (‪ )‬ال على اجساد الناس فحسب بل‬
‫وحتى على قلوبهم وعقولهم وعواطفهم ‪ ،‬وعن مدى خضوع الناس له ومحبتهم‬
‫له وتوقيرهم اياه ‪ ،‬وقد سجلت كتب السيرة شهادة كثير من خصوم النبـي (‪)‬‬
‫عن طاعة الصحابة للرسول وتوقيرهم له وقد مر معنا شهادة وفد قريش له في‬
‫صلح الحديبية وشهادة ابي سفيان امام هرقل‪ .‬واذا اردت ان تعرف مدى هيمنة‬
‫الرسول على مجتمعه فما عليك اال ان ترجع الى قراءة قصة الثالثة الذين‬
‫خلفوا في غزوة تبوك ‪ :‬كعب بن مالك وصاحبيه فان فيها ابلغ االدلة على هذه‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫وعد ان شئت الى قراءة موقف الصحابي ثابت بن قيس حين نزلت آية" يا ايها‬
‫الذين آمنوا ال ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبـي وال تجهروا له بالقول كجهر‬
‫بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم ال تشعرون" ‪ .‬لقد ظل هذا الصحابي‬
‫مالزما لبيته يبكي ثالثة ايام مخافة ان يكون قد ُعن َي بهذه اآلية ولم يخرج من‬
‫بيته االّ بعد ان طمئنه الرسول (‪ )‬بانه ليس هو المعني بها وانه ليس من‬
‫هؤالء فطابت نفسه وهدأ باله وخرج الى الناس‪.‬‬
‫واالدلة على حب الصحابة للرسول وخضوعهم له وطاعتهم ألوامره‬
‫وتوقيرهم اياه اكثر من ان تحصى وان هذا الحب وهذا الخضوع وهذه‬
‫الطاعة والتوقير لم يقتصر على حياته كما اسلفنا وانما جاوزها الى ما بعد‬
‫موته ‪ .‬فحب المسلمين للرسول (‪ )‬وصالتهم عليه كلما ذكر اسمه وحرصهم‬
‫على اتباع سنته وحبهم وتوقيرهم ألهل بيته كلها ادلة واضحة على مكانة‬
‫الرسول في قلوب المسلمين ‪.‬‬
‫فاذا كان هذا شأن الرسول بين اصحابه في حياته وبعد موته فكيف‬
‫تُترك وصيته وال تنفذ في حين ان وصية ابي بكر في عمر نفذت وقد تبين لك‬
‫بما اليقبل الشك ان مكانة الرسول (‪ )‬بين اصحابه كانت تفوق مكانة ابي بكر‬
‫بكثير بل وال يوجد وجه للمقارنة بينهما وما ادل على ذلك من ارتداد العرب‬
‫بعد وفاة الرسول وامتناع الكثيرين عن اداء الزكاة ألبي بكر‪.‬‬
‫اذن اليوجد وجه للمقارنة بين رسول هللا وابي بكر باي شكل من‬
‫االشكال والمنطق يقول بان مثل هكذا شخص لو اوصى ألضعف الناس لنفذت‬
‫وصيته والمتثل الناس ألمره وما خروج الناس تحت امرة اسامة البالغ حوالي‬
‫سبعة عشر عاما اال دليل على ذلك وقد امتثل الناس لالمر رغم اعتراضهمـ في‬
‫البداية على شخص اسامة لصغر سنه وقلة خبرته وصعوبة المهمة الملقاة على‬

‫‪136‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(137‬‬
‫عاتقه ‪ ،‬ثم تنفيذ ابي بكر لذلك الجيش رغم ارتداد العرب وخطورة الموقف‬
‫واقتراح اسامة وبقية الصحابة عليه بتأخير تلك البعثة الى ما بعد االنتهاء من‬
‫فتنة المرتدين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مقارنة بين عمر وعلي ‪:‬‬
‫اذن‪ ،‬لقد رجحت كفة الرسول (‪ )‬بكل االعتبارات ‪ ،‬بقي ان نجري‬
‫مقارنة بين علي وعمر في الجهة المقابلة ‪ ،‬اي بين الموصى اليهم ونسأل‪:‬‬
‫ايهما اقوى شخصية ‪ :‬علي ام عمر ؟‬
‫ايهما اكبر عشيرة واكثر عصبة ‪ :‬علي ام عمر ؟‬
‫ايهما اقوى واشجع ‪ :‬علي ام عمر ؟‬
‫ايهما اعلم واتقى ‪ :‬علي ام عمر ؟‬
‫ايهما اكثر بال ًء في االسالم ‪ :‬علي ام عمر؟‬
‫الشك ان الشيعة يرجحون كفة علي في كل هذه الجوانب وال يمكن ان يقولوا‬
‫بغيره ألن ذلك يخالف عقيدتهم في علي ويعد خروجا على مذهب التشيع ‪،‬‬
‫ونحن يهمنا هنا رأي الشيعة ألنه ألزم لهم في الحجة‪.‬‬
‫اذن ‪ ،‬هناك ( وصيتان) ‪ :‬الموصيـ والموصى اليه في الوصية االولى أقوى‬
‫من الموصي والموصى اليه في الوصية الثانية ! فما بال الوصية الثانية تنفذ‬
‫واالولى ال تنفذ‪ ،‬علما ً ان الوصية االولى صحبتها نصوص قرآنية وبيعة‬
‫الغدير كما يزعم الشيعة ! فوصية من ضعيف الى ضعيف تغلب وصية من‬
‫قوي الى قوي ‪ ،‬وليس هذا فحسب وانما تغلب وصيةً يدعمها نص من هللا‬
‫ورسوله وبيعةً عقدت في غدير خم ! اي عقل يستسيغ هذا؟‬
‫ما هو جواب الشيعة عن هذا السؤال؟ اعتقد انه اليوجد سوى جواب واحد‪،‬‬
‫هو انه لم تكن هناك ال وصية لعلي وال بيعة في اعناق الناس له ‪.‬‬
‫واذا تبجح الشيعة وقالوا ان عمر غلب عليا على امره فهذا يكذبه‬
‫التاريخ وتكذبه عقيدة الشيعة في علي ‪ ،‬اذ لو صح ذلك لدل على ان عمر كان‬
‫اقوى واشجع من علي او انه كان اكثر عصبة منه واكبر عشيرة‪ ،‬وهذا يخالف‬
‫معتقد الشيعة ‪ ،‬ومخالف للواقع أيضا‪.‬‬
‫يبقى احتمال واحد ‪ :‬وهو القول بأن الناس كانوا يفضلون عمر على‬
‫علي‪ ،‬او بعبارة اخرى ان عمر كان احب الى الناس من علي‪ .‬وهذا ايضا غير‬
‫صحيح ألن عمر كان معروفا بشدته وغلظته سواء في عهد الرسول او عهد‬
‫ابي بكر وال أ َد ّل على ذلك من قول طلحة بن عبيد هللا ألبي بكر حين استخلف‬
‫عمر بعده ‪" :‬ما أنت قائل لربك اذا سألك عن استخالفك عمر علينا ‪ ،‬وقد رأيت‬
‫ما يلقى الناس منه وأنت معه‪ ،‬فكيف به اذا خال بهم بعد لقائك ربك؟!" فغضب‬
‫‪137‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(138‬‬
‫ابو بكر لما سمع ذلك و قال‪ " :‬أباهلل تخوفني ! خاب من تزود من امركم بظلم!‬
‫أقول‪ :‬اللهم استخلفت على أهلك خير أهلك!"‪ .‬ثم اتجه الى طلحة فقال له ‪":‬‬
‫أبلغ عني ما قلت لك َمن وراءك"‪.‬‬
‫اما ما يذهب اليه الشيعة من ان عليا لم يكن محبوبا ً من قبل الناس ألنه‬
‫قتل كثيرا من المشركين في الحروب فهذا يكذبه العقل والمنطق والتاريخ و ال‬
‫يستقيم بحال من االحوال بل يعد قتاله للمشركين من مفاخره ومن دواعي تعلق‬
‫الناس به ألنه ناتج عن شجاعته وحسن بالئه في االسالم فلست ادري كيف‬
‫تنقلب المنقبة الى مثلبة ؟!‪.‬‬
‫وهذا جهل بذلك المجتمع والناس الذين يمتدحهم علي في احدى خطبه بانهم‬
‫كانوا يتسابقون في الجهاد ويقتلون آباءهم واخوانهم من اجل االسالم ‪ 1‬وأن‬
‫للسبق والبالء في مثل هذه المجتمعات دوراً كبيراً في رفع مكانة الناس ‪ ،‬ثم ان‬
‫الذين اجتمعوا في السقيفة كانوا من االنصار الذين لم يقتل علي واحدا منهم بل‬
‫يشاركونه في الموقف فكالهما قتل رجاال من صناديد قريش ‪ ،‬ثم ان الذين‬
‫تأخر اسالمهم الى ما بعد الفتح لم يكن لهم ثقل كبير في المجتمع بحكم تأخرهم‬
‫في دخول االسالم وطول محاربتهم للرسول ‪.‬‬
‫ويكذبه ايضا موقف ابي سفيان الذي اعترض على مبايعة ابي بكر‬
‫وطلب من علي ان يعلن نفسه خليفة فرفض علي ذلك‪ ،‬فأبو سفيان الذي قاد‬
‫الحروب ضد االسالم وقتل علي كثيرا من أقاربه هو الذي يقترح على علي‬
‫أن يتولى الخالفة بدل ابي بكر ! فأين الثارات اذن وأين التأثيرات السلبية‬
‫لبطوالت علي وفتكه بأعداء االسالم؟ أبو سفيان الذي كان من سادات قومه‬
‫اليجد من يستمع اليه ألن اسالمه تأخر وكان للعبيد الذين سبقوه الى االسالم‬
‫مكانة أعظم في قلوب الناس‪ .‬فموقف ابي سفيان هذا من علي وعدم اكتراث‬
‫الناس به وبدعوته الى مبايعة علي رغم كونه من سادات قريش يدل على عدة‬
‫امور ‪:‬‬
‫اوال‪ :‬أن قريشا ً لم تكن كارهة لعلي بسبب قتله لصناديدهم ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ان المعيار االساس لتقويم الناس في ذلك المجتمع كان السبق الى‬
‫االسالم وحسن البالء فيه وليس القبيلة أو المكانة االجتماعية ‪.‬‬

‫‪ . 1‬سبق االشارة الى خطبته تلك‪.‬‬


‫‪ . 2‬وقد اورد ابن حزم في كتابه الملل والنحل اسماء الذين قتلهم علي والذين قتلهم غيره من الصحابة‬
‫كالزبير واالنصار فال تجد مصداق ما يقوله الشيعة عن كره الناس لعلي بسبب قتله صناديدـ قريش‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(139‬‬
‫وكذلك خالد بن سعيد بن العاص االموي واثنان من اخوته يرفضون مبايعة‬
‫ابي بكر ويدعون الى مبايعة علي وهم من بني امية ومن أقارب عثمان وابي‬
‫سفيان !‬
‫إذن لم تكن المسألة نعرات قبلية أو ثارات جاهلية وإنما كان الناس يحكمهم‬
‫منطق االيمان واالخالص لالسالم ‪ ،‬وأن الناس انقسموا ما بين مؤيد لعلي‬
‫ومؤيد ألبي بكر ال على اساس قبلي وانما بنا ًء على قناعات شخصية وكان‬
‫مؤيدو أبي بكر أكثر بكثير من مؤيدي علي ‪ ،‬وهذا ما يقر به الشيعة ضمنيا‬
‫حين يقولون ان الناس كلهم ارتدوا بعد وفاة رسول هللا (‪ )‬االّ ثالثة أو أربعة!‬
‫أي ان الذين كانوا يؤيدون عليا لم يتجاوز عددهم العشرة وهذا العدد يُ َعد‬
‫الشيء قياسا الى اآلالف المؤلفة الذين أيدوا أبا بكر‪ ،‬وأن السبب الرئيس وراء‬
‫تعاطف الناس مع علي كان فاطمة ‪ ،‬لذلك حين توفيت استوحش علي وجوه‬
‫الناس فبادر الى مبايعة ابي بكر‪.‬‬
‫ولو سلمنا جدال ان عمر غلب عليا على امره فهل غلبه عثمان ايضا‬
‫وهو الشيخ الكبير الحيي الطاعن في السن والذي اظهرت االيام لينه‬
‫وتساهله؟!‪.‬‬
‫فهل يا ترى كان الناس اطوع ألبي بكر وعمر من الرسول حين نفذوا‬
‫وصيتهما ولم ينفذوا وصية الرسول ؟ كل من يقول ذلك فانه يتهم الرسول (‪)r‬‬
‫بالضعف والعجز والجهل وغيرها من االوصاف التي التليق بأي قائد سياسي‬
‫او عسكري او روحي ناجح ‪ ،‬ناهيك عن رسول هللا (‪ )r‬الجامع لكل الصفات‬
‫القيادية وبأعلى مراتبها والمؤيد فوق ذلك بالوحي وبروح القدس!‪.‬‬
‫هذا هو التاريخ عودوا اليه وانظروا هل هناك عهد من خليفة لم ينفذ ؟!‬
‫بل واكثر من ذلك فان بعض الخلفاء كانوا يعهدون بالخالفة ألكثر من واحد‬
‫وكلهم يتولى االمر ولم يملك احد نقض تلك العهود العتبارات عدة اهمها‬
‫العامل الديني ‪.‬‬
‫إذاً ما معنى ان يكون عهد الرسول (‪ )r‬لعلي من العهود القليلة ‪ ،‬ان لم‬
‫نقل الوحيدة‪ ،‬التي لم تنفذ؟ أألن الرسول كان ضعيفا الى هذا الحد (حاشاه) ‪ ،‬أم‬
‫كان علي ضعيفا الى حد انه لم يعبأ به احد؟‬
‫هذا االدعاء( اي عدم تنفيذ وصية الرسول) يكذبه وينقضه الشرع‬
‫والعقل والتاريخ ‪ .‬فإن البشرية لم تر شخصية قوية كرسول هللا ‪‬وهو مع قوة‬
‫شخصيته وامتالكه لكل مقومات القيادة الروحية والسياسية والعسكرية‬
‫واالدارية مؤيد كما قلنا بالوحي وبروح القدس يوجهه ويعزز موقعه ومكانته‬

‫‪139‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(140‬‬
‫بين اصحابه ‪ .‬أي أننا أمام عهد صدر من اعظم واقوى شخصية عرفها‬
‫التاريخ البشري الى شخصية قوية كعلي بن ابي طالب فمن ذا يجرؤ على ان‬
‫يحدث نفسه بنقضه ناهيك عن الشروع فيه؟‬
‫ان يزيد بن معاوية المكروه والمنبوذ من اكثر االمة يعهد الى ولده‬
‫المريض معاوية ‪ ،‬و مع ذلك تنفذ وصيته ويبايع الناس معاوية بالخالفة االّ انه‬
‫يتخلى عنها طواعية‪ .‬وهشام بن عبد الملك ‪ ،‬رغم كونه احد خلفاء بني امية‬
‫االقوياء‪ ،‬لم يستطع وهو خليفة ان ينقض عهد يزيد بن عبد الملك البنه الوليد‬
‫بن يزيد ويزيحه عن والية العهد على الرغم مما ُأشيع عن الوليد من الخالعة‬
‫والمـجون !‪.‬‬
‫انني ادعو الشيعة ان يفكروا قليال بالعقل والمنطق ويدَعوا عنهم التقليد‬
‫االعمى‪ ،‬واني لعلى يقين بأنهم سيصلون الى الحقيقة ويتيقنون بأن كل ما رواه‬
‫رواة الشيعة حول النص والبيعة مختلقة ومتعارضة مع العقل الصحيح‬
‫والمنطق السليم ومع التاريخ وان مواقف علي واقواله اول من يكذبها ‪.‬‬
‫واآلن وقد رأينا كيف سقطت جميع االحتماالت امام التاريخ والمنطق‬
‫وتبين ان الرسول لم يكن مطاعا ومحبوبا من قبل الصحابة فحسب وانما امتد‬
‫ذلك الى ما بعد موته والى يومنا هذا وسيظل هكذا الى قيام الساعة ‪ ،‬وتبين ان‬
‫عليا لم يكن ال ضعيفا وال مكروها‪ ،‬وانه لم تكن هناك مؤامرة عليه ‪ ،‬وان‬
‫ذهاب ابي بكر وعمر لم يكن عن سابق تخطيط وانهما كانا عند جثمان‬
‫الرسول حين جاءهم خبر اجتماع االنصار في السقيفة‪ .‬إذن‪ ،‬ما الذي يمنعكم‬
‫من التسليم لمنطق العقل ونبذ الروايات الواهية التي يكذبها التاريخ والمنطق‬
‫ومواقف علي وابنائه من بعده ؟‬

‫امكانية نقض العهد‪:‬‬


‫تحدثنا عن ركنين اساسيين من أركان البيعة وهما الموصي والموصى‬
‫إليه ‪ ،‬واثبتنا من خالل المقارنة التي اجريناها بين كل من الرسول وابي بكر‬
‫من جهة ‪ ،‬وبين عمر وعلي من جهة اخرى أن الموصي والموصىـ اليه في‬
‫الوصية االولى اقوى من الموصي والموصى اليه في الوصية الثانية باعتراف‬
‫الشيعة‪ ،‬بقي هنا ان ندرس ركنين آخرين من أركان البيعة وهما‪ :‬أهمية البيعة‬
‫في االسالم عامة ‪ ،‬وموضوع البيعة وأهميتها خاصة‪.‬‬
‫إن من يدرس القرآن واحاديث الرسول وسيرته وتاريخ المسلمين يتبين‬
‫له بوضوح أهمية البيعة في االسالم ومن ثم عند المسلمين ‪ ،‬فاآليات‬
‫واالحاديث الواردة بحق البيعة كلها تدل على أن للبيعة في االسالم قدسية‬
‫‪140‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(141‬‬
‫كبيرة وان نكث البيعة يعد اثما كبيرا ال سيما اذا كانت البيعة لرسول هللا (‪، )‬‬
‫ك ِإنَّ َما يُبَايِعُونَ هَّللا َ يَ ُد‬
‫فقد قال هللا تعالى عن مبايعة الرسول‪ِ" :‬إ َّن الَّ ِذينَ يُبَايِعُونَ َ‬
‫ث َعلَى نَ ْف ِس ِه َو َم ْن َأوْ فَى بِ َما عَاهَ َد َعلَ ْيهُ هَّللا َ‬ ‫ق َأ ْي ِدي ِه ْم فَ َم ْن نَ َك َ‬
‫ث فَِإنَّ َما يَ ْن ُك ُ‬ ‫هَّللا ِ فَوْ َ‬
‫َظي ًما (‪ " )10‬الفتح ‪10/‬ويقول سبحانه"يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ َآ َمنُوا َأوْ فُوا‬ ‫فَ َسيُْؤ تِي ِه َأجْ رًا ع ِ‬
‫بِ ْال ُعقُو ِد ‪ " )1(..‬المائدة‪ 1/‬ولعلم الخلفاء بأهمية البيعة كانوا يحرصون على أن‬
‫يأخذوها من كل الناس ال سيما أصحاب المكانة والمتنفذين منهم ‪ .‬وقد كانت‬
‫للبيعة قدسية عند المسلمين بحيث لم يكن حتى في وسع الخلفاء االقوياء نقضها‬
‫‪ ،‬فهذا هشام بن عبد الملك الخليفة االموي القوي أراد أن يعزل ابن أخيه الوليد‬
‫بن يزيد وينصب بدال منه أحد أبنائه وليا للعهد ولكنه لم يستطع رغم كل ما‬
‫اُشيع عن الوليد من خالعة ومجون وفجور ‪ ،‬وحين أراد األمين أن يخلع أخاه‬
‫المأمون ثار المأمون في وجهه وأيده الناس وانتهى االمر بقتل االمين !‬
‫لو أن الصحابة كانوا يجهلون اهمية البيعة لجاز ان نتهمهم بالتهاون في‬
‫شأن البيعة التي أعطوها لعلي في غدير خم ‪ ،‬لكن الشيعة انفسهم يوردون‬
‫امورا تدل على تقدير الناس لمسألة البيعة ‪ ،‬منها ايرادهم قول االنصار‬
‫لفاطمة‪ :‬لو ان ابن عمك حضر السقيفة لما عدلنا عنه الى غيره ولكنا قد بايعنا‬
‫ابابكر ‪ ،‬وقول علي في احدى رسائله التي بعث بها الى معاوية يذكر فيها أنه‬
‫‪1‬‬
‫لما رأى الناس قد بايعوا ابابكر سكت النه راى ان طاعته قد سبقت بيعته !‬
‫فالبيعة بصفة عامة كانت والتزال لها مكانتها وقدسيتها في االسالم ‪،‬‬
‫فإذا أضفنا الى ذلك خطورة وحساسية موضوع البيعة علمنا أنه اليمكن أبدا‬
‫ان تنقض بيعة عقدها رسول هللا ‪ .‬وعليه فالبيعة التي يزعم الشيعة أن الرسول‬
‫قد أخذها من الصحابة لعلي تشتمل على جميع عناصر البيعة وأركانها ‪،‬‬
‫فالموصي وآخذ البيعة هو رسول هللا (‪ ) a‬الواجب الطاعة على المسلمين حيا‬
‫وميتا ‪ ،‬والموصىـ اليه والمبايَع هو علي بن أبي طالب المعروف بمكانته من‬
‫رسول هللا وبشجاعته وقوته وعصبته ‪ ،‬والبيعة هي في أمر خطير وحساس‬
‫وهو الخالفة ثم أخيرا ان البيعة مقدسة عموما عند المسلمين ‪ ،‬فكيف يتنكر‬
‫الناس لمثل هذه الوصية وكيف ينكث الناس هذه البيعة ثم ال يُحدث ذلك ضجة‬
‫بين المسلمين ؟‬
‫‪ – . 1‬يقول سيدنا علي في نهج البالغة‪ ( :‬رضينا عن هللا قضائه ‪ ،‬وسلمنا هلل أمره ‪ .......‬فنظرت في‬

‫أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري ) نهج البالغة ص ‪ 81‬خطبة ‪ 37‬ط بيروت‬
‫بتحقيق صبحي الصالح ‪ ،‬نهج البالغة شرح محمد عبده ص ‪. 96-95‬‬

‫‪141‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(142‬‬
‫ولندرس هذاالموضوعـ من جانب آخر ونسأل ‪ :‬هل من الممكن ان يجرؤ احد‬
‫على نقض بيعة عقدها رسول هللا (‪ ) a‬؟‬
‫هذا السؤال يدعونا الى دراسة طبيعة ذلك المجتمع وان نحاول‬
‫الرجوع بأنفسنا الى تلك الفترة ونستحضر حالهم بحيث نستشعر وكأننا نعيش‬
‫تلك اللحظات بعقلية ونفسية وطبيعة اهل ذلك الزمان ‪ .‬ولكن قبل ان نشرع في‬
‫هذا يجب ان نقرر حقيقتين اخريتين اضافة الى الحقائق السابقة التي اقررناها‬
‫من رجحان كفة الرسول على ابي بكر وكفة علي على عمر‪:‬‬
‫اُوالهما ‪ :‬ال يمكن ان يُغتصب حق وراءه رجال اقوياء يطالبون به ‪،‬‬
‫بمعنى آخر ‪ :‬ال يمكن بحال من االحوال غصب حقوق االقوياء ال سيما اذا كان‬
‫صاحب الحق أقوى ممن يحاول غصب حقه ‪ .‬وهذه حقيقة ال اظن ان هناك من‬
‫ينكرها‪.‬‬
‫و الثانية والتي ال يماري فيها احد هي ان قريشا كانت اوسط العرب في‬
‫الجزيرة وان القبائل العربية االخرى كانت تشعر بنوع من التبعية لها وان بني‬
‫هاشم كانوا من اوسط قريش وان الناس كانوا اطوع لبنى هاشم من غيرهم‬
‫لمكانتهم من رسول هللا ومن قريش ومن العرب عموما ومقولة ابي سفيان دليل‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫ان اهمال الوصية والنصوص الكثيرة التي يدعي الشيعة ورودها حول‬
‫خالفة علي لم يكن باالمر الهين واليسير ‪ ،‬السيما اذا كانت تخص رجال قويا‬
‫وشجاعا وصاحب عصبة كعلي بن ابي طالب ‪ ،‬فلو انها كانت تخص رجال‬
‫ضعيفا او جبانا ألمكن تصور اهمالها حتى وان كانت واردة من شخص قوي‬
‫كرسول هللا ‪ . ‬أما أن تخص واحداً من اقوى الشخصيات بعد الرسول من‬
‫حيث الشجاعة والعصبة فهذا مما اليمكن تصوره!‬
‫من ذا الذي يجرؤ ان يفكر ‪ ،‬مجرد تفكير‪ ،‬في نبذ وصية صادرة من‬
‫‪1‬‬
‫اقوى شخصية القوى شخصية؟‬
‫هذا عن اهمال النص والوصية أما عن نقض العهد والبيعة التي اخذت منهم‬
‫في غدير خم فهو اصعب واشق ‪ ،‬واالقدام على نقض بيعة شهدها اكثر من‬
‫مائة الف‪ 2‬يعد مغامرة ومخاطرة ال يحمد عقباها ‪ ،‬وان مثل هذا االجراء ‪ ،‬أي‬
‫اهمال النص والوصية ونقض البيعة ال يتم في مثل تلك العجالة في اجتماع‬

‫‪ . 1‬نحن نعتقد أن عليا كان واحدا من الشخصيات القوية المؤثرة المعدودينـ في المجتمع ولكن حسب رأي‬
‫الشيعة فانه كان اقوى شخصية بعد الرسول على االطالق‪ ،‬وهذا ألزم لهم في الحجة ومن باب الجدل‬
‫سلمنا بأنه االقوى بين الجميع‪.‬‬
‫‪ . 2‬هذا في نظر الشيعة وإالّ فالعدد أقل من ذلك بكثير ولكن هنا أيضا كثرة العدد ألزم للشيعة في الحجة‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(143‬‬
‫مفاجيء بل يحتاج الى تخطيط وتدبير مسبقين وبين اناس متفقين فيما بينهم‬
‫البين متخاصمين ومتنازعين‪.‬‬
‫ان علينا ‪ ،‬ان اردنا فهم القضية جيدا ‪ ،‬ان نستحضر حال المسلمين وقد‬
‫توفي رسول هللا ‪ ‬وترك وصية بتنصيب علي اميرا على المسلمين واخذ‬
‫البيعة له في اعظم تجمع عرفه المسلمون الى ذلك اليوم ‪ ،‬وهو يوم العودة من‬
‫الحج في غدير خم ‪ ،‬ثم نسأل هذا السؤال‪ :‬لماذا يسارع االنصار الى االجتماع‬
‫في سقيفة بني ساعدة لنقض هذه البيعة وهم يعرفون أنهم يجب أن يواجهوا‬
‫بعملهم ذلك قريشا من جهة ‪ ،‬مع علمهم بموقع قريش بين العرب‪ ،‬وسائر‬
‫المسلمين الذين شهدوا بيعة الغدير من جهة اخرى !‬
‫ضع نفسك مكان االنصار وفكر في االمر ‪ :‬هل تستطيع أن تفكر ‪-‬مجرد‬
‫تفكير‪ -‬في مثل هذا االمر الخطير الذي ال يعرف عواقبه وقد يأتي بفتنة تحرق‬
‫االخضر واليابس ‪ .‬ان مجرد التفكير في مثل هذا االمر يعد مخاطرة ‪ ،‬فكيف‬
‫باالقدام عليه ؟ واي اقدام ؟ بتلك العجالة واالرتجالية التي حدثت في سقيفة بني‬
‫ساعدة‪.‬‬
‫ان اإلعداد لمثل هذا االمر يحتاج الى إعداد مسبق وتخطيط دقيق ‪ ،‬انه يحتاج‬
‫أن يتصل صاحب الفكرة اوال بمن يثق بهم ويأمل فيهم االستجابة من الصحابة‬
‫ثم يبث رسله هنا وهناك ليكسب االنصار واالعوان ‪ ،‬أي ان يدخل في صفقة‬
‫سياسية وهذا يحتاج الى اعطاء وعود للمشاركين في المؤامرة بمكاسب‬
‫سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية مقابل تأييدهم له وان يتفقوا على خطة معينة‬
‫النجاحه وان يضعوا في حسابهم احتماالت فشل مخططهم فيضعوا الحلول‬
‫والبدائل لذلك ‪ .‬كل هذه من متطلبات القيام بمثل ذلك االمر العظيم ‪ ،‬وال تقولن‬
‫وأنـّى للناس ان يفكروا بهذه الطريقة وهم بتلك البساطة والبداوة ؟ ال تقل ذلك‬
‫ألننا رأينا كيف خطط اليهود مع قريش لالنقضاض على المسلمين في غزوة‬
‫االحزاب وكيف جندوا العرب جميعا لتلك المهمة ‪ .‬وكذلك رأينا كيف خطط‬
‫المعارضون للخليفة عثمان بن عفان ‪ ‬لالطاحة به وكيف أحكموا خطتهم حتى‬
‫كتب لها النجاح وحققت مقاصدها‪.‬‬
‫نعم هذه هي مستلزمات القيام بمثل هذا العمل ‪ ،‬سواءاً فكر فيه االنصار‬
‫او نفر من المهاجرين ‪ ،‬فاالمر ليس هينا والخصم ليس سهال ‪ :‬االمر هو التنكر‬
‫لوصايا رسول هللا ورد نصوص الكتاب والسنة ونقض بيعة ابرمها رسول هللا‬
‫بنفسه بعد حجة الوداع وشارك فيها ما ال يقل عن مائة الف حسم زعم الشيعة ‪،‬‬
‫والخصم هو علي بن ابي طالب المعروف بشجاعته وبأسه ووراءه بنو هاشم‬
‫وبنو امية اقوى عشيرتي قريش ‪ ،‬ووراءهم – بصفتهم من اوسط قبائل قريش‪-‬‬
‫‪143‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(144‬‬
‫العرب كلهم ‪ ،‬والذين يفكرون في ازاحته هم االنصار االقل عددا أو نفر من‬
‫قريش هم من اضعف بطونها ‪ :‬بني تيم وبني عدي!‬
‫من هنا يتبين لنا ان كل من كان يريد أن يفكر في ازاحة علي عن مكانه‬
‫كان يجب عليه أن يفكر قبل كل شيء في العقبات والصعوبات التي سوف‬
‫تعترضه ويعمل حسابه لتذليلها وازالتها ‪ ،‬والمباشرة بمثل هذا العمل تُعد‬
‫مخاطرة كبيرة ال تُحمد عواقبها اذا لم تسبك الخطة بإحكام ‪ ،‬فالذي يفكر في‬
‫مثل هذا االمر يجب قبل كل شيء ان يعمل على تأمين السبل للوصول الى‬
‫هدفه‪.‬‬
‫ان ماجرى في المدينة من اجتماع االنصار في السقيفة يدل بوضوح على انهم‬
‫كانوا يعرفون بانهم ال يغتصبون حقا الحد وانما يبحثون في امر لم يُبَت فيه‬
‫من قبل واالّ لو كانوا يعلمون ان االمر محسوم لعلي لكان عليهم ان يحسبوا‬
‫الف حساب قبل ان يُقدموا على مثل هذا العمل‪.‬‬
‫ان طبيعة اجتماع االنصار في السقيفة ال تشير الى انهم كانوا يفكرون‬
‫او يخططون لسلب أحد حقه في الخالفة ‪ ،‬وانما تشير بوضوح الى انهم كانوا‬
‫يبحثون امرا لم يكن مبحوثا من قبل او محسوما من قبل وانهم اجتمعوا‬
‫ليختاروا سعد بن عبادة للخالفة قبل ان يجتمع المهاجرون‪ ،‬وانهم ما كانوا‬
‫يعلمون ان عليا منصوص عليه‪ ،‬وانهم لم يبايعوه من قبل ‪ ،‬النه لو كانت هناك‬
‫بيعة أو نص لسارع الذين اخبروا عمر باالمر الى اخبار علي بدال من عمر او‬
‫على االقل لسارع بعض الناس الى اخبار علي كما سارع بعضهم الى اخبار‬
‫عمر ألن االمر كان يعنيه هو قبل غيره ‪ .‬ولو كان االنصار والمهاجرون‬
‫يعلمون ان عليا ً هو خليفة رسول هللا ‪ a‬كان من المفروض ان يبدءوا‬
‫اجتماعاتهم بالقول بأن رسول هللا قد مات ووصى لعلي بالخالفة ولكننا‬
‫النرضى به خليفة لصغر سنه مثال او لكونه غير مؤهل للخالفة او لكونه‬
‫مكروها من الناس او لوجود من هو احق منه بالخالفة ‪ ،‬الى غير ذلك من‬
‫االسباب كما اعترضواـ على امارة اسامة بن زيد‪ ‬لصغر سنه وقلة خبرته ‪،‬‬
‫والنتشر ذلك الخبر بين الناس ولتكلموا فيه وتداولوه فيما بينهم كما تداولوا‬
‫مسألة امارة اسامة‪ ،‬ولروى لنا التاريخ بعضا من تفاصيل ما دار بين الناس‬
‫من مناقشات حول ذلك الموضوع ولذكر لنا ايضا تعليقات الناس وردود‬
‫افعالهم على نقض تلك البيعة بعد السقيفة ‪ ،‬ولو سكت كل الناس لما سكت ابو‬
‫ذر ‪ ، c‬والستغل المنافقون هذا االمر لبث الفرقة واثارة الفتنة بين المسلمين ‪.‬‬
‫وبما انه لم يُذكر لنا شيء من تلك االمور فانه يدل على ان الناس لم يكونوا‬
‫يعلمون ان رسول هللا ‪ a‬قد استخلف احدا بعده او ان الصحابة قد خالفوا أمره‬
‫‪144‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(145‬‬
‫ونقضوا عهده ‪ .‬ان مرور هذه الحادثة بهذه السهولة واستتباب االمر البي بكر‬
‫بتلك السرعة وعدم تحدث الناس بالبيعة وسكوت الصحابة السيما الثائرين‬
‫منهم كأبي ذر وأخيرا سكوت المنافقين وعدم استغاللهم له دليل قاطع على انه‬
‫لم تكن هناك ال وصية الحد وال بيعة في اعناق الناس الحد‪.‬‬
‫ولو كانت هناك وصية وبيعة في شأن علي لوجب على من يريد‬
‫ازاحته ان يَشرع في العمل قبل وفاة الرسول أو أثناء مرضه على االقل ‪ ،‬فيبدأ‬
‫باالتصال بالناس ويرسل الوفود سرا الى المدن والقبائل ويمهد أذهان الناس‬
‫لمثل ذلك االجراء ويضمن تأييدهم ووالءهم له ويتخذ جميع االجراءات‬
‫الالزمة النجاحه ال ان يفعله ارتجاليا ثم يأتي ثالثة من المهاجرين وبطرفة‬
‫عين يسحبون البساط من تحت رجليه ويحرمونه من الخالفة ‪.‬‬

‫(حيثيات السقيفة ودالالتها)‬


‫واآلن نأتي الى دراسة حيثيات السقيفة ابتداءا من اسراع االنصار الى اجتماع‬
‫السقيفة ‪ ،‬الى اخبار عمر بذلك االجتماع ‪ ،‬الى طبيعة الحوار الذي جرى بين‬
‫المهاجرين واالنصار ‪ ،‬الى مبايعة ابي بكر بالخالفة ‪ ،‬واخيرا الى طريقة‬
‫اعتراض علي على ذلك االجتماع وذلك االختيار وطبيعة حججه ‪ ،‬لنرى هل‬
‫هذه الحيثيات تدل على وجود النص والبيعة ام انها تنفي ذلك وتثبت عكسها‪:‬‬
‫الحيثية االولى ‪ :‬اجتماع االنصار في السقيفة‪:‬‬
‫الخالف بين المؤرخين ‪ ،‬سنة وشيعة ‪ ،‬ان االنصار هم الذين اجتمعوا اول‬
‫االمر في السقيفة وانهم كانوا يريدون ابرام الخالفة لوحدهم بعيدا عن‬
‫المهاجرين لالسباب التي ذكرناها سابقا ‪ .‬وهذا االجتماع ينفي امرين في آن‬
‫‪145‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(146‬‬
‫واحد‪ :‬ينفي اوال وجود النص والبيعة ‪ ،‬وينفي ثانيا فكرة التآمر على علي ‪.‬‬
‫واليك تحليل ذلك بشيء من التفصيل‪:‬ـ‬
‫قلنا أن عليا (‪ )c‬كان ذا شخصية قوية بين المسلمين وأنه كان من أوسط‬
‫قريش نسبا وأن قريشا ً كانت كما قلنا من اوسط العرب ‪ ،‬اي أن الذي أراد‬
‫االنصار ازاحته عن الخالفة هو علي ‪ ،‬القوي بذاته ‪ ،‬القوي بعشيرته ‪،‬‬
‫المنصوص عليه من الشخصية الفذة القوية ‪ :‬رسول هللا (‪!) a‬‬
‫اذاً ‪ ،‬فان عليا يملك كل اسباب القوة الذاتية والموضوعية ‪ ،‬فكيف يستطيع احد‬
‫أن يفكر مجرد تفكير في غصب حقه الذي منحه هللا ورسوله اياه ؟‬
‫ان الذي يريد ان يغصب حق علي يجب عليه أن يفكر قبل كل شيء في رد‬
‫فعل علي نفسه ‪ ،‬ثم يفكر في موقف قريش وبني هاشم ‪ ،‬ثم يفكر في الذين‬
‫حضروا غدير خم ‪ ،‬وعليه ان يفكر في جميع هؤالء في آن واحد وفي ردود‬
‫افعالهم ويستعد لمواجهتهم جميعا!‬
‫هل يَ ْقدر احد على االقدام على مثل هذا االمر مع وجود كل هذه العقبات امامه‬
‫‪ ،‬واحتمال وقوعه في نزاعات شديدة مع كل هذه االطراف؟ وحتى لو أراد‬
‫شخص ما ان يجازف بمثل هذه المجازفة ‪ ،‬هل كان قومه سيوافقونه عليه؟ ان‬
‫العرب كانوا يحسبون لمثل هذه االمور الف حساب ‪ ،‬فكيف لم يحسبوا لهذا‬
‫االمر اي حساب؟!‬
‫وحول ابطال هذا االجتماع لفكرة المؤامرة نقول‪ :‬لو كان اجتماع السقيفة‬
‫مؤامرة لنقل لنا التاريخ شيئا من تحركات المتآمرين قبل وفاة الرسول (‪) a‬‬
‫ولكنه اليروي لنا اال امورا قد حصلت ارتجاليا ومن دون اي تخطيط ولم يرو‬
‫لنا ما يدل على ادنى مؤامرة‪ ،‬اذ لو كان االمر مؤامرة لوجب ان يروي لنا‬
‫التاريخ شيئا من تمهيداتهم لتلك المؤامرة مثل االتصال بالقبائل والشخصيات‬
‫المهمة سواء في المدينة او في مكة او في اية مدينة اخرى كالبحرين واليمن‬
‫والطائف وغيرها كما فعل حيي بن اخطب حين أراد ان يؤلب العرب على‬
‫المسلمين في غزوة االحزاب ‪ ،‬فالتاريخ يروي لنا تحركات حيي بين قبائل‬
‫العرب ورجاالتها بالتفصيل ‪.‬اما ان يسكت التاريخ عن ذكر شيء من هذه‬
‫التحركات فهذا يدل على بطالن هذه النظرية من اساسها‪.‬‬
‫هذا اوال ‪ ،‬وثانيا ان الشيعة يتهمون ابابكر وعمر بالتآمر ولكن من المؤكد ان‬
‫هؤالء لم يكن لهم يد في تنظيم ذلك االجتماع وانما اُخبروا به من قِبل بعض‬
‫الصحابة ولوال هؤالء ُألبرم االمر لسعد بن عبادة والنتهى اما بخالفة سعد او‬
‫بحصول نزاعات بين المهاجرين واالنصار حول الخالفة‪.‬‬
‫وهناك سؤال يطرح نفسه‪ :‬ما هي مصلحة االنصار في التآمر على علي؟‬
‫‪146‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(147‬‬
‫ان الشيعة انفسهم يقولون ان عليا كان مكروها من قبل قريش والعرب ألنه قتل‬
‫صنانيدهم ‪ ،‬ومن المعلوم ان االنصار ليسوا من هؤالء وانه لم يقتل منهم او‬
‫من أهل المدينة احدا ‪ ،‬بل هو واالنصار شريكان في هذه الصفة‪ ،‬فكالهما فتك‬
‫بالمشركين ‪ .‬اذن ال توجد بين علي واالنصار احقاد او ثارات ‪ .‬ويذكر الشيعة‬
‫أن بعض االنصار قالوا في السقيفة هلموا نبايع عليا ولكن لم يتابعهم على ذلك‬
‫أحد ‪ ،‬ويروون أيضا أن االنصار قالوا لفاطمة حين كانت تطوف عليهم لطلب‬
‫النصرة لعلي ‪ :‬لو كان ابن عمك في السقيفة لما بايعنا غيره!‪ .‬فاالنصار غير‬
‫كارهين لعلي وال ناكرين لفضله‪ ،‬وال يتوجسون منه خوفا وال يشكون في عدله‬
‫‪ ،‬لماذا إذن يجتمعون في السقيفة ويبحثون مسألة الخالفة ويظهرون تخوفهم‬
‫من تفرد المهاجرين باالمر‪ ،‬ويتحدثون بصيغة ال يُشم منها رائحة االنقالب‬
‫على احد أو غصب حق أحد أو نقض بيعة أحد وإنما يتحدثون عن أولويتهم‬
‫بهذا االمر ألن االسالم بسيوفهم انتصر والعرب بجهودهم دان لهذا الدين‪ .‬ان‬
‫عدم ذكر مسألة البيعة والوصية من قبل االنصار ‪ ،‬المن قريب وال من بعيد ‪،‬‬
‫رغم محبتهم لعلي وتأييدهم له ‪-‬كما يزعم الشيعة‪ -‬اليدل االّ على انتفائهما ‪.‬‬
‫ومن الغريب أن الشيعة يتهمون الفائز في السقيفة بالتآمر وال يتهمون المنظم‬
‫لالجتماع الذي ف ّوت الفرصة على علي وأفرز عن خالفة ابي بكر !‪.‬‬
‫الحيثية الثانية ‪ :‬إخبار عمر باجتماع االنصار في السقيفة ‪:‬‬
‫لو كان هناك نص على علي او بيعة في اعناق الناس لعلي لسارع‬
‫المخبرون الى إخبار علي او احد اقربائه او مقربيه او مؤيديه بدال من إخبار‬
‫عمر ألن االمر يمسه بالدرجة االولى اللّهم إالّ اذا قلنا ان االنصار والمخبرين‬
‫كلهم كانوا متآمرين على علي! وهذا اليقول به من يحترم عقله ‪.‬اما عدم‬
‫حدوث شيء من ذلك فهذا دليل آخر على عدم معرفة الناس خليفة الرسول الى‬
‫ذلك الحين‪ .‬وقد ذكرنا سبب اختيار المخبر لعمر إلعالمه باجتماع السقيفة‬
‫واختيار عمر ألبي بكر إلخباره باجتماع السقيفة وال أرى داعيا إلعادته ‪ ،‬فاننا‬
‫نرى ذلك دليال كافيا على عدم وجود نص على احد وعدم وجود بيعة في‬
‫اعناق الناس ألحد ‪،‬إذ ال يُتوقع ان يعرف الناس خليفة رسول هللا ثم اليخبرونه‬
‫بما يدور حول الخالفة وما ينوي بعض االنصار فعله من تحويل الخالفة عن‬
‫صاحبها المنصوص عليه الى غيره‪ .‬فكما أن الصحابة ادركوا مخاطر‬
‫استشهاد حملة القرآن في حروب الردة وهرعوا الى الخليفة ليدرك الموقف‬
‫ويجمع القرآن قبل ان يستحر القتل ببقية حملة القرآن ‪ ،‬كذلك كان هناك من‬
‫يدرك خطورة تحويل الخالفة عن صاحبها الشرعي المنصوص عليه الى‬
‫غيره ممن ال توجد فيه اهلية نيابة الرسول طالما أن االمر كما يصوره الشيعة‬
‫‪147‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(148‬‬
‫أمر ديني ويتوقف عليه مصير االسالم واالمة االسالمية ‪ ،‬وال يُعقل أن يخلو‬
‫المجتمع ممن يدرك خطورة هذه المسألة في حينه ثم يأتي اناس بعد قرون‬
‫يدركون خطورة مالم يدركه جميع من شهد تلك االحداث بمن فيهم علي بن‬
‫ابي طالب !‪.‬‬
‫كما أن إخبار عمر دليل كاف على مكانة ابي بكر وعمر وثقلهما في المجتمع‬
‫كما ذكرنا سابقا‪.‬‬
‫الحيثية الثالثة‪ :‬طبيعة الحوار الذي جرى في السقيفة بين المهاجرين‬
‫واالنصار‪:‬‬
‫لقد روى لنا التاريخ تفاصيل ذلك الحوار ‪ ،‬ماذا قال ممثل االنصار وبم‬
‫اجابه المهاجرون وكيف انتهت القضية بمباية ابي بكر‪ ،‬فال يذكر لنا اية اشارة‬
‫الى قضية النص والبيعة وانما كان الحوار كله يدور حول من هو االولى‬
‫واالحق بخالفة الرسول ورئاسة المسلمين ‪ :‬المهاجرون ام االنصار ‪،‬‬
‫وتفاصيل الحوار موجودة في كتب التاريخ المعتبرة تستطيع ان تعود اليها‪ ،‬وقد‬
‫ذكرنا جزءا كبيرا منها في بداية الكتاب‪ ،‬ولكن يكفي ان تعرف هنا ان مسألة‬
‫البيعة والنص لم تكن معروفة اصال ألنه ال يعقل ان يجري نقاش بين طرفين‬
‫متنازعين على مسألة مهمة كالخالفة والتي فيها سلب لحق طرف ثالث وال يتم‬
‫فيه االشارة الى ذلك الطرف !‪ .‬فلو كان هناك نص او بيعة ُألثيرا في السقيفة‬
‫‪1‬‬
‫بعدما خسر االنصار القضية ‪ ،‬ولكن سكوتهم عنها يدل على عدم وجودهما ‪.‬‬
‫يقال ان بعض االنصار قالوا اذن نبايع عليا ‪ ،‬وهذه الرواية لم تذكر في‬
‫الكتب المعتبرة وال اظنها االّ من تأليف الشيعة ‪.‬ولو افترضنا صحة هذه‬
‫الرواية جدال القتضى االمر ان يذكروا مسألة النص والبيعة ويثيروها بقوة‬
‫بدال من ان يقولوا على استحياء ‪ :‬اذن نبايع عليا !‪ .‬كان يتوجب عليهم أن‬
‫يذكروا القضية على حقيقتها ويقولوا ‪ :‬بل نبايع من نص عليه الرسول والقرآن‬
‫والذي بايعناه في غدير خم قبل ثالثة اشهر فهو وحده صاحب الحق وال يجوز‬
‫صرفه عنه‪ .‬كان الجو يقتضي مثل هذا الكالم بعدما خسر االنصار القضية‬
‫ألن الصراع كان بين ابي بكر وعمر وابي عبيدة من جهة وبين االنصار من‬
‫جهة اخرى ‪ ،‬فطبيعي عندما يخسر سعد القضية ان يسعى ألفسادها على من‬
‫أفسدها عليه ال سيما اذا كانت عنده حجة قوية كالنص والبيعة ‪.‬‬
‫هذا االجراء هو ما يقتضيه العقل وتقتضيه الفطر السليمة حيث انه اذا‬
‫تنازع طرفان على شيء يخص طرفا ثالثا ان يسعى الطرف الخاسر الى‬
‫‪. 1‬حتى الروايات الشيعية تتفق مع الروايات السنية في أن احدا لم يشر الى النص والوصية وانما كان‬
‫نقاشهم حول من أولى وأحق بهذا االمر ‪ :‬المهاجرون ام االنصار‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(149‬‬
‫حرمان الطرف المنافس من ذلك الشيء ورده الى صاحبه الحقيقي ‪ ،‬وكان من‬
‫المفروض ان يقول االنصار السيما سعد وقومه اذن ال ننصرف حتى نبعث‬
‫وراء علي ليحضر هذا االجتماع ويبدي رأيه فيه ألنه صاحب الحق الوحيد في‬
‫هذه المسألة ‪ ،‬او يرسلوا خلف علي خلسة عندما أحسوا أن البساط على وشك‬
‫ان يسحب من تحت ارجلهم ‪ ،‬وكانوا بذلك ينجحون في حرمان خصومهم من‬
‫الخالفة وينصفون عليا ويكفرون عن ذنبهم وخطيئتهم ‪ ،‬وكان المفروض ان ال‬
‫يكتفوا بالسقيفة بل يستمروا في تحركاتهم ويثيروا قضية البيعة والوصية‬
‫ويتصلواـ بالناس من اهل المدينة ومكة وسائر قبائل العرب ويدفعوهم الى‬
‫المطالبة بالتمسك بوصية الرسول وبكتاب هللا ويذهبوا الى علي ويحثوه على‬
‫المطالبة بتنفيذ امر هللا ووصية الرسول وان ال يسكت على هذا المنكر‪ .‬أما ان‬
‫يستسلموا للخصم ويبايعوا ابابكر دون اثارة اية ضجة حول حق علي وحول‬
‫النص والبيعة ‪ ،‬فهذا إن لم يكن دليال على عدم وجود النص والبيعة فدليل على‬
‫ماذا؟‬
‫وحتى قول االنصار ‪ :‬بل نبايع عليا ‪-‬على فرض صحته – اليخدم‬
‫قضية النص والبيعة وانما يصب في قالب االولوية ال بمقتضى النص وانما‬
‫بمقتضى اعتبارات اخرى هي االهلية والقرابة من الرسول (‪.)‬‬
‫الحيثية الرابعة ‪ :‬مبايعة ابي بكر‪:‬‬
‫ان ما تم في السقيفة من مداوالت بين االطراف المتنازعة وانتهائها‬
‫بمبايعة ابي بكر بتلك السرعة‪ ،‬والتي تعتبر خياليا قياسا الى االنتخابات‬
‫االخرى يدل على عدة امور ‪:‬‬
‫اولها ‪ :‬عدم وجود بيعة او نص‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬مكانة ابي بكر في المجتمع حيث اجتمعت عليه الكلمة في السقيفة‬
‫وخارجها بسرعة البرق‪.‬‬
‫وثالثها ‪ :‬نضج المجتمع النبوى ‪.‬‬
‫والهمية هذه النقطة االخيرة سنفصل فيها قليال‪ :‬ان ما حدث في السقيفة‬
‫لم يحدث الى اليوم في أرقى المجتمعات البشرية ‪ ،‬فهذه امريكا وبريطانيا‬
‫وفرنسا ‪ ،‬ام الديموقراطيات في العالم انظر كم يأخذ انتخاب الرئيس او رئيس‬
‫الوزراء فيها من الوقت‪ ،‬وكم يحدث من اتهامات وانتقادات بين المترشحين‬
‫انفسهم وبين انصارهم ‪ ،‬وكم تنفق من االموال في سبيلها ‪ ،‬وكم ينشغل الناس‬
‫بها ؟! ولكن بيعة ابي بكر تتم في ساعات ثم تهدأ االمور ‪ ،‬وفي اليوم الثاني‬
‫يجتمع الناس في المسجد للبيعة العامة ثم يُبدأ بعدها مباشرة بمراسيم دفن‬

‫‪149‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(150‬‬
‫الرسول ثم بوقت قصير يتم إنفاذ الجيش الذي أمر الرسول الكريم بإنفاذه ‪ .‬هل‬
‫تم مثل هذا في أي مجتمع متحضر أو اية دولة راقية؟‬
‫أال يحق للرسول (‪ ،) a‬بعد هذا الذي رأيناه‪ ،‬أن يترك امته دون أن‬
‫يعين لها خليفة طالما هي قادرة على حسم مثل هذه القضية في سويعات‬
‫وتجتمع كلمتها على أبرز شخصية فيها ‪ ،‬الشخصية التي صحبت النبـي في‬
‫الهجرة الى المدينة ؟ ألم يكن استصحاب الرسول ألبي بكر في الهجرة‬
‫ودخول ابي بكر الى المدينة برفقة النبـي ايحاءاً من النبـي واشعارا للناس بأن‬
‫هذا هو نائبه فيما بعد؟‬
‫نعم ظهرت هنا وهناك بعض االعتراضات من قبل بعض الوجهاء ‪،‬‬
‫بعضها جاءت من اناس اعترضواـ على االمر لعدم اشعارهم باالجتماع‬
‫وإلبرام األمر بعيدا عنهم كالزبير بن العوام وعلي وبعضهم اعترض من‬
‫منطلقات عشائرية كأبي سفيان الذي لم يستسغ تولية رجل من أضعف قبائل‬
‫قريش الذين لم يسبق لهم ان تولوا الزعامة في قريش ‪ ،‬وبعضها جاءت من‬
‫اناس رأوا عليا أولى بالخالفة من ابي بكر وهؤالء باعتراف الشيعة قليلون وال‬
‫يتجاوز عددهم عدد اصابع اليدين ماعدا بعض بني هاشم الذين نظروا الى‬
‫المسألة على انها إرث يجب ان يتوارثوه ‪ ،‬ولكن كل هذه االعتراضات‬
‫سرعان ما زالت ولم تترك على أرض الواقع أثرا يذكر ‪ .‬أما مايزعمه الشيعة‬
‫من أن افتراق االمة جاء من وراء السقيفة فهذا بهتان وجهل بالتاريخ وتحميله‬
‫ماال يحتمل بل كل الفتن نشأت فيما بعد في أواخر أيام عثمان ‪ ،‬من االعتراض‬
‫عليه اوال ثم قتله ثانيا ‪ ،‬وهي من افرازات تلك الفترة ال من افرازات السقيفة‪،‬‬
‫وهي من دسائس عبد هللا بن سبأ اليهودي‪.‬‬
‫ان الجهل والتعصب االعمى هما اللذان يمنعان الناس من رؤية الحقيقة‬
‫كما هي ‪ ،‬وإالّ هل رأى الناس أو سمعوا بقوم ‪ ،‬بله امة كبيرة ‪ ،‬يموت زعيمها‬
‫ثم في ساعات قليلة يحسم االمر وينتهي بانتخاب رئيس لها ؟ وليس هذا فحسب‬
‫بل يجهز جيشا في غضون أيام لغزو عدو قوي يهيمن على نصف العالم ؟‪.‬‬
‫هل هناك مجتمع بلغ من النضج ما بلغه هذا المجتمع الذي رباه الرسول بيديه‬
‫‪ ،‬وبمنهج أنزله اليه خالقه عن طريق ملَك ظل على اتصال به الى ان فارق‬
‫الدنيا؟ أال يحق لهذا النبـي أن يترك مثل هذه االمة دون أن يعين لها إماما ؟‬
‫والذي إن فعله ألصبح ذلك تشريعا وألصبح التعيين الطريقة الوحيدة ‪ ،‬فيما‬
‫بعد‪ ،‬لنصب الحكام ولما جاز غيرها من الطرق ‪ ،‬ولسُلب المسلمون حق‬
‫اختيار حكامهم ولعُد ذلك انتقاصا لهم واتهاما لهم بالقصور وعدم االهلية ‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(151‬‬
‫ولما استطاع الشيعة اليوم من الذهاب الى صناديق االقتراع للتصويت لمن‬
‫يرغبون في حكمه !‬
‫هل ترك الرسول امته دون ان يعين لهم اماما؟‪:‬‬
‫إن الذين يقولون بأن نصب االمام واجب على هللا وأنه لطف الهي‬
‫يتمتعون بقصور شديد في النظر‪ ،‬ألنه من غير المعقول أن يقتصر اللطف‬
‫االلهي على جيل دون جيل ! هل يحابي هللا بعض البشر على حساب البعض‬
‫اآلخر ؟ وهل يفضل جيال على جيل ؟ وهل هذا من اللطف أن يخص هللا الجيل‬
‫الذي رباه الرسول بيديه على منهج القرآن بتعيين إمام له ثم تأتي االجيال‬
‫االخرى وال تجد من ينصب لها اماما؟‬
‫إن الذين قالوا باللطف االلهي في تعيين االئمة ثم حصروا عددهم في اثني‬
‫عشر اماما كانوا يظنون ان االرض لن تعمر اكثر من مائتين وستين عاما‬
‫واالّ أين االمام منذ الف ومائتي عام؟‬
‫ثم هل اقتصر اللطف االلهي على المسلمين ام شمل االمم السابقة ايضا ؟ فان‬
‫كان قد شملهم هذا اللطف فاين فكرة االمامة في تراث االمم السابقة؟ سلمنا مع‬
‫الشيعة جدال بان لكل نبـي وصيا ً وماذا بعد ان يموت الوصي ؟ هل يحكم ابناؤه‬
‫من بعده؟‬
‫ان الشخص الوحيد الذي عرف في الفكر الديني بأنه كان وصيا لنبـي‬
‫هو يوشع بن نون ‪ ،‬وصي موسى‪ ،‬ولكن التاريخ ال يروى لنا بأن ابناءه هم‬
‫الذين تولوا االمامة من بعده ‪.‬‬
‫بناءا عليه نسأل ‪ :‬هل يجوز أن يترك النبـي امته دون ان يعين لهم‬
‫خليفة؟ نقول‪ :‬نعم وهذا هو االصل ألن عمر الدنيا اوسع واطول من عمر إمام‬
‫واحد او اثني عشر إماما ‪ ،‬وأنه ان لم يجز له أن يترك جيال رباه هو بنفسه‬
‫على االسالم بدون امام فكيف يجوز له أن يترك بقية االجيال القادمة التي‬
‫التجد من يربيها مثله من دون إمام ؟‬
‫هل جاء الرسول الى جيله فحسب أم الى البشرية جمعاء والى يوم‬
‫القيامة ؟ لو كان الرسول مرسال الى جيله فقط ولم يكن خاتم االنبـياء لربما‬
‫جاز في حقه أن نسأل كيف ترك امته بدون خليفة ؟ أما وهو رسول هللا الى‬
‫الناس جميعا الى قيام الساعة فكيف يحدد عدد االئمة باثني عشر ويترك بقية‬
‫االجيال بال امام؟ هل يكفي هذا العدد آلالف السنين؟‬
‫ان القول بضرورة تنصيب االئمة من قبل هللا يتعارض مع عالمية‬
‫االسالم وخاتميته ‪ ،‬إذ لو كان نصب االمام من اختصاص هللا او الرسول‬
‫ألصبح ذلك تشريعا ولما جاز للمسلمين الخروج عنه واتباع اساليب اخرى‬
‫‪151‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(152‬‬
‫لتنصيب االئمة والرؤساء و ُع ّد ذلك االسلوب الوحيد لتنصيب الحكام ‪،‬‬
‫ولصودر حق االمة في اختيار أئمتها ‪ ،‬و ُعد ذلك تكريسا لالستبداد ألنه لم يكن‬
‫حينئذ في وسع االمة تغيير ائمتها وال مراقبتهم وال محاسبتهم ‪ ،‬ولما صلح‬
‫االسالم لهذا العصر الذي اصبح فيه العالم االسالمي أقطاراً و دوالً إذ ال بد‬
‫لكل عصر ‪-‬على رأي الشيعة ‪ -‬من امام واحد منصوب من هللا ‪ ،‬ففي أي قطر‬
‫يكون ذلك االمام ؟‬
‫ان القول بضرورة تنصيب االئمة من هللا انتقاص من شأن البشر‬
‫واتهامهم بالقصور العقلي وفقدان االهلية حيث يعجزون عن اختيار حكامهم‬
‫وال يحق لهم مراقبتهم ومحاسبتهم ‪.‬‬
‫من هنا نقول أن طبيعة االسالم ترفض فكرة تنصيب االئمة من هللا‬
‫ألنها غير واقعية ‪ ،‬وغير قابلة للتطبيق ‪ ،‬وال تصلح لمثل هذه االزمنة ‪ ،‬و‬
‫منافية لروح االسالم الذي كرم االنسان واحترم عقله‪.‬‬
‫نعم يجب أن يترك الرسول المته منهجا يسيرون عليه ‪ ،‬يختارون على‬
‫اساسه ائمتهم ‪ ،‬ثم يحكم ائمتهم بذلك المنهج الذي تركه لهم ‪ .‬وهذا هو احد‬
‫مقتضيات ختم النبوة الذي سنتحدث عنه فيما بعد وقد فعل ذلك وقال تركت‬
‫فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا ابدا ‪ :‬كتاب هللا وسنتي‪ .‬نعم كتاب هللا الخالد‬
‫وسنته الخالدة ‪ ،‬ال أهل بيته الفانون الذين لم تدم حياتهم سوى مائتين وستين‬
‫سنة!‬
‫ايهما أهم ‪ :‬القرآن ام االمامة‪:‬‬
‫ثم هناك سؤال مهم جدا لم يطرأ لحد اآلن على االذهان ولم يُطرح‬
‫على االفهام ‪ ،‬المن الشيعة وال من السنة –حسب علمي‪ -‬وهو ‪ :‬أيهما أهم ‪:‬‬
‫القرآن أم االمامة؟ الأظن ان هناك من يجرؤ على القول بأن االمامة أهم من‬
‫القرآن ‪ ،‬فإذا ساغ للنبـي أن يترك امته دون أن يجمع لها قرآنها الذي انزله هللا‬
‫اليه ‪ ،‬الذي هو دستور حياتها فكيف ال يسوغ له أن يتركهم بال امام ؟ ايهما‬
‫اخطر شأنا‪ :‬ترك االمة دون ان يعين لهم اماما أم دون أن يوصيهم بجمع هذا‬
‫القرآن بله جمعه لهم؟‬
‫لماذا التكون الوصية االخيرة للرسول المته أن يهتموا بجمع القرآن وهو اهم‬
‫بكثير من تعيين االمام والذي حال دون بيانها ‪-‬على زعم الشيعة‪ -‬قول عمر ‪:‬‬
‫حسبنا كتاب هللا فعلم الرسول ان كتاب هللا لن يضيع فلم تبق حاجة بعدها لكتابة‬
‫الوصية!ـ‬
‫اذا كان هللا قد أوكل الى هذه االمة جمع القرآن وهو دستور حياتها ومن ا َج ِّل‬
‫امور دينها‪ ،‬فكيف ال يُو ِكل اليها نصب االمام وهو من امور دنياها؟‬
‫‪152‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(153‬‬
‫هناك سؤال مهم ‪ :‬لماذا لم يَ ْش َرع النبـي بجمع القرآن في حياته واوكل‬
‫ذلك الى امته ؟ بل وحتى لم يأمرهم ولم يوصهم صراحة بجمعه في كتاب‬
‫واحد ‪ ،‬نعم أوصى بحفظه في الصدور وبتعلمه وتعليمه وتالوته واالهتمام به‬
‫ولكنه لم يجمعه ولم يأمر بجمعه من بعده في مصحف واحد‪ ،‬ألنه علم بأن امته‬
‫ستجمعه وستهتم به لذا أراد هللا أن يخص هذا الجيل بهذا الشرف‪ ،‬فإن كان‬
‫للرسول الذي اصطفاه هللا من بين خلقه أن ينال شرف نزول القرآن عليه فلتنل‬
‫امته التي اصطفاها هللا لصحبة نبـيه شرف جمعه وتدوينه ‪ ،‬ويختلفوا بذلك‬
‫عن االمم السابقة الذين استحفظهم هللا كتب انبـيائهم فلم يرعوها حق رعايتها‬
‫ولم يحفظوها‪ ،‬وليباهي الرسول بقية االنبـياء بامته التي حفظت بعده كتابه‬
‫وتعاليمه‪.‬‬
‫نعم لقد اثبتت هذه االمة التي رباها الرسول بالقرآن نضجها وذلك‬
‫باجتماعها فور وفاة الرسول على أفضلها و بمسارعتها الى جمع كتاب ربها ثم‬
‫الشروع في نشر نور ذلك الكتاب في العالم ‪ .‬فهل مثل هذه االمة تحتاج الى أن‬
‫يُعيَّن لها قيّما ؟ ان كان هذا الجيل قاصرا وال يقدر على اختيار امامها فعلى‬
‫بقية االجيال وعلى البشرية وعلى العقل االنساني السالم !‬
‫ان الذي حدث في السقيفة هو غاية النضج ‪ ،‬وحري بالبشرية أن تقتدي‬
‫بهم ‪ ،‬فإن ابابكر وعمر غلبا سعدا في عقر داره وبين انصاره والذي كان قاب‬
‫قوسين أو أدنى من المبايعة له ال بشيء االّ بقوة منطقهم وبقوة ايمان االنصار‬
‫وسرعة انصياعهم للحق وتجردهم عن الهوى وعن حظوظ النفس‪ .‬فلو كان‬
‫االنصار ممن تغلبهم العصبية القبلية او الوطنية لما استبدلوا بسعد بن عبادة‬
‫أحدا ولكنه االخالص للدين والتجرد عن الهوى هما اللذان رجحا كفة ابي بكر‬
‫وكان هذا واضحا في كالم بشير بن سعد بأننا ما جاهدنا لننال به حظوظ الدنيا‬
‫وال خالفة نبـينا وانما جاهدنا إلرضاء ربنا ولرفع كلمته ونشر دينه ‪.‬‬
‫الحيثية الخامسة ‪:‬‬
‫والحيثية الخامسة هي طريقة اعتراض علي على مبايعة ابي بكر ‪ ،‬ففيها هي‬
‫كاف على عدم وجود نص او بيعة ‪ ،‬فلننظر كيف‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫االخرى دلي ٌل‬
‫بعض المؤرخين – السيما الشيعة منهم‪ -‬يروون ان عليا حين سمع‬
‫بخبر السقيفة ومبايعة ابي بكر واستمع الى حجج االطراف المتنازعة قال‬
‫تعقيبا على احتجاج المهاجرين واستداللهم على االنصار بقرابتهم لرسول هللا‬
‫وكونهم من قومه ‪ :‬لقد ذكروا الشجر ونسوا الثمر! اي اذا كانوا هم من نفس‬
‫شجرة الرسول فنحن من ثمار تلك الشجرة ‪ ،‬اي نحن اقرب الى رسول هللا‬
‫منهم ‪ ،‬وكان االولى بهم ان كانت هذه حجتهم في نيل الخالفة ان يسلموها إلينا‬
‫‪153‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(154‬‬
‫ألنا ّ اهل بيت النبـي ‪ ،‬ونحن أولى بوراثة رسول هللا منهم! هذه الرواية حتى لو‬
‫كانت صحيحة فهي تدل على عدم وجود نص او بيعة ألنه لو كان هناك نص‬
‫او بيعة لقال علي ‪ :‬ولكن القرآن الكريم والرسول االمين (‪ ) a‬قد حسما هذه‬
‫المسألة ولم يتركا مجاال لالجتهاد! ال ان ينهج نفس منهج المهاجرين في‬
‫االستدالل ويذكر قرابته من رسول هللا (‪. ) a‬‬
‫لماذا ابتلع علي هذه الجرعة ال ُمرّة بهذه السهولة ؟ لماذا لم يجمع الناس‬
‫في المسجد او في اي مكان آخر ويذ ِّكرهم بالنصوص الواردة بحقه وببيعة يوم‬
‫الغدير؟ لماذا لم يذهب الى سعد بن عبادة ليعاتبهم ويوبخهم على عملهم ذلك ‪،‬‬
‫والذي ادى الى تفويت الفرصة عليه؟ لماذا لم يذهب الى مكة او يبعث بالرسل‬
‫الى المدن والقبائل ؟ ما معنى هذا االستسالم السريع لالمر ؟ هل كان جبانا‬
‫وخوارا الى هذا الحد؟ ام كان ضعيفا ؟‬
‫اليجد الشيعة جوابا على هذه االسئلة االّ القول بأن عليا كان مكروها من قبل‬
‫قريش ألنه قتل صناديدهم ! وهذا يكذبه التاريخ والعقل والمنطق واقوال‬
‫ومواقف علي واهل بيته كما قلنا سابقا ‪ .‬ان اكبر قبيلتين من قبائل قريش أبدوا‬
‫مساندتهم لعلي وهما بنو هاشم المتمثل بالعباس وبنو امية المتمثل بابي سفيان ‪.‬‬
‫اما االنصار وال سيما الخزرج كانوا سيقفون حتما الى جانبه انتقاما لزعيمهم‬
‫سعد بن عبادة الذي خسر في السقيفة وع ّد ذلك اهانة له!‪.‬‬
‫اذا كان قول الشيعة صحيحا في شأن النص والبيعة الستطعنا القول اذاً‬
‫بأن التاريخ لم يشهد أضيع لحقه من علي وال اخمل منه في المطالبة به !‬
‫وليس حقه هو فحسب بل حق االسالم والمسلمين ! فلوكان االمر شيئا من‬
‫امور الدنيا او شيئا يخصه هو ُألعذر في تهاونه في المطالبة به ‪ ،‬ا ّما وأن‬
‫االمر أمر ديني و يتعلق بمصير االمة والدين اللذين تركهما الرسول امانة في‬
‫عنقه بصفته اماما معينا من هللا ‪ ،‬فما كان يحق له ان يسكت عن المطالبة بها‬
‫بتلك السهولة‪ .‬ان عليا لم يفعل شيئا ولم يحرك ساكنا حتى نرى حجم ردود‬
‫افعال المخالفين كي نقول مع الشيعة انه سكت عنها حرصا ً على مصير‬
‫االسالم والمسلمين وحفاظا ً على وحدة االمة !‬
‫ان ما يقوله الشيعة من ان عليا سكت على ذلك حرصا على االسالم‬
‫تبرير واه جدا ألن االمامة في اعتقاد الشيعة ركن من اركان الدين وان اكبر‬
‫مصيبة اصابت االمة االسالمية في نظر الشيعة هي غصب الخالفة عن علي‬
‫وصرفها الى غيره! اذن أي فتنة كان يخشاها علي لو طالب بحقه ووقف في‬
‫وجه الغاصبين اكبر من فتنة اغتصاب الخالفة وتغيير الدين؟ والمشكلة انه لم‬
‫يفعل شيئا حتى نُسلِّم مع الشيعة بانه خاف الفتنة ! انه لم يختبر الناس حتى‬
‫‪154‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(155‬‬
‫يعلم ردود افعالهم ومواقفهم ‪ ،‬وانما كل ما فعله هو معاتبة ابي بكر على ابرام‬
‫االمر دون علمه وانه احتج عليهم بالمنطق الذي اتبعوه في اثبات احقيتهم‬
‫بالخالفة ! أما مقاطعته البي بكر بعد ذلك فلم يكن للخالفة كما سنبـينه فيما بعد‬
‫وانما كان لحرمان فاطمة من ارض فدك او النشغاله بتمريضها! أهذا هو‬
‫موقف من يعتقد انه صاحب الحق وانه منصوص عليه من هللا ورسوله وان‬
‫االمر تكليف رباني وليس اجتهادا بشريا؟‪.‬‬
‫ايهما اهم ‪ :‬الخالفة ام فدك ؟ (فاطمة اكثر تمسكا بحقها من علي)‪:‬‬
‫ان كان ما يقوله الشيعة او حتى بعض الروايات السنية صحيحا من ان‬
‫فاطمة قاطعت ابا بكر بسبب حرمانها من نصيبها من فدك فهذا يعني انها‬
‫كانت احرص على حقها في ارض فدك من علي على حقه في الخالفة التي‬
‫تعد من اوجب حقوق االسالم والمسلمين عليه ! ويبدو من مبايعة علي ألبي‬
‫بكر بعد موت فاطمة ان موقفه كان تابعا لموقف فاطمة وان امتناعه عن‬
‫مبايعته او مقاطعته اياه كان بسبب حرمان فاطمة من فدك ال بسبب غصب‬
‫الخالفة منه وان ارض فدك كانت اهم عند فاطمة من الخالفة عند علي! ‪.‬‬
‫والهمية موقف فاطمة نتحدث عنه بشيء من التفصيل‪:‬ـ‬
‫نقول للشيعة‪ :‬انكم تقولون ان االمامة امر عظيم وانها ركن من اركان‬
‫الدين وانها كالنبوة شأن الهي ‪ ،‬اي ان االمام كالنبـي يعينه هللا وال يختاره‬
‫الناس ! اذن فان جرم الذين اغتصبوها من االمام المعين كبير جدا ويتناسب‬
‫مع حجم االمامة ‪ ،‬وهذا نؤيدكم فيه ان كانت االمامة كما تقولون ‪ ،‬ولكن ما‬
‫حكم االمام الذي اغتصبت منه االمامة اذا تقاعس عن المطالبة بها ولم يبذل‬
‫جهدا في سبيل منع اغتصابها منه أو في سبيل استردادها من الغاصبين ؟ أليس‬
‫جرمه بحجم جرم من اغتصبت الخالفة منه؟‬
‫ان ما فعله علي بعد تولي ابي بكر الخالفة ال يتفق بحال من االحوال‬
‫وحجم القضية‪ ،‬بل يبدو ان االمامة كانت عنده اهون من ارض فدك عند‬
‫فاطمة ! ففاطمة رضي هللا عنها قاطعت ابابكر بسبب حرمانها من ارض‬
‫كانت ترى أن رسول هللا أقطعها إيّاها ولم تكلم ابابكر بسببها الى أن ماتت ‪،‬‬
‫بينما علي لم يفعل ذلك ‪ ،‬وانما كان تابعا لفاطمة فهو اآلخر قاطعهم الى ان‬
‫ماتت فاطمة ‪ ،‬وبعد موتها صالحهم ! اي ان مقاطعته لهم كانت ألجل فاطمة‬
‫بسبب حرمانها من ارض فدك ال بسبب غصب الخالفة منه ! فبدال من ان‬
‫تقاطعهم فاطمة بسبب غصب الخالفة من علي نراها تغضب بسبب حرمانها‬
‫من ارض فدك ولم تذكر قضية الخالفة ال من قريب وال من بعيد ‪ ،‬وكان‬
‫االولى بها ان تغضب هلل بسبب غصب الخالفة عن علي اكثر من غضبها‬
‫‪155‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(156‬‬
‫لنفسها بسبب غصب ارض فدك منها!‪ .‬واالدهى من ذلك هو غضب علي‬
‫لغضبها‪ ،‬فبدال من ان تغضب هي لعلي نرى عليا هو الذي يغضب لها‪،‬‬
‫ويقاطع ابا بكر من اجلها ‪ ،‬اي من اجل ارض فدك ال من اجل الخالفة !!!!‬
‫فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ‪ :‬أيهما اعظم واهم عند فاطمة وعلي ‪:‬‬
‫الخالفة ام فدك؟‬
‫وايهما اكبر اثما و جرما عندهما ‪ :‬غصب الخالفة التي هي امر ديني‪-‬على‬
‫زعم الشيعة‪ -‬وتتوقف عليه مصالح االسالم والمسلمين ام ارض فدك التي هي‬
‫شأن دنيوي وتخص فاطمة فقط؟‬
‫الشك ان االمامة اهم واعظم ليس من فدك وحدها بل ومن الحجاز وما‬
‫فيها ‪ ،‬بل ومن الدنيا وما فيها ان كانت كما يقول الشيعة امرا الهيا وركنا من‬
‫اركان الدين ‪ ،‬اذن كيف تُس ِّوغون غضب فاطمة لغصب فدك وعدم غضبها‬
‫لغصب الخالفة؟ بل واكثر من ذلك متابعة علي لها بسبب غصب فدك منها‬
‫وعدم متابعتها هي لعلي بسبب غصب الخالفة منه! ماهي قيمة ارض فدك‬
‫قياسا ً الى االمامة حتى يغضبا لفدك وال يغضبا للخالفة المغتصبة؟ هل يعقل ان‬
‫تكون ارض فدك اهم عند فاطمة ‪ ،‬بنت الرسول وسيدة نساء العالمين ‪ ،‬من‬
‫االمامة ؟ هل يعقل ان يكون امر دنيوي تافه اهم عند فاطمة من امر ديني‬
‫عظيم؟ اللهم هذا شيء اليقول به من عرف االسالم وعرف فاطمة ومن ح ّكم‬
‫عقلَه ودينَه على هواه ‪.‬‬
‫من هذا يتبين ان غضب فاطمة لفدك ومتابعة علي لها يدل داللة‬
‫واضحة وقاطعة على عدم كون االمامة امراَ الهيا وعلى عدم وجود نص‬
‫ووصية في حق علي وعدم وجود بيعة في اعناق الناس له واالّ لكان غضب‬
‫فاطمة بسببها ال بسبب فدك وهي من هي في مكانتها ودينها ‪..‬‬
‫مرة اخرى نتساءل‪ :‬أال يعد سكوت علي على غصب الخالفة خذالنا‬
‫للحق وتضييعا لالمانة التي اُلقيت على عاتقه والمهمة التي اُوكلت اليه ؟‬
‫أهكذا تصان االمانة و يكون الدفاع عن الحق ؟ أهكذا يكون تحمل المسؤولية ؟‬
‫ما اضيعك لحقك وحق االسالم والمسلمين يا علي لو صح ما يقوله الشيعة في‬
‫االمامة والخالفة!!!‬
‫اذا كان ما يقوله الشيعة في االمامة والخالفة حقا فعلي هو اول المضيعينـ لهذا‬
‫الحق واول المفرطين فيه واكثر المتهاونين في حق االسالم والمسلمين!‬
‫كان من المفروض ان يقيم الدنيا وال يقعدها و يتحرك يمينا وشماال وال‬
‫يترك وسيلة االّ اتبعها‪ ،‬كأن يتصل بالناس ويذ ّكرهم بالنص والبيعة ويطلب‬
‫مناصرتهم له حتى اذا تأكد من خذالن الناس له ووقوفهم الى جانب ابي بكر‬
‫‪156‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(157‬‬
‫وعمر ورأى تماوت ابي بكر وعمر على الخالفة واستعدادهم للتضحية‬
‫بمصير االسالم والمسلمين من اجلها لجأ الى هللا واعتذر اليه بعدم القدرة على‬
‫تحقيق امره وحق له بعد ذلك ان يلزم بيته ويمتنع عن مبايعتهم فيكون بذلك قد‬
‫اقام الحجة على الناس وبرّأ ذمته امام هللا ‪ .‬اما ان يسكت وال يحرك ساكنا ثم‬
‫يبايع ابابكر ومن بعده عمر ثم عثمان فهذا إما تهاون منه عن المطالبة بالحق و‬
‫خذالن منه للحق أو انه دليل على عدم وجود نص وبيعة واالّ الستحق اللوم‬
‫من هللا ومن المسلمين الى يوم القيامة!‪.‬‬
‫لو كان ما يقوله الشيعة في االمامة صحيحا لحق لي ان اقول بأني ما رأيت‬
‫صاحب حق سكت عن حقه كعلي ‪ ،‬وال صاحب حق اضيع لحقه من علي !‬
‫واي حق؟ حق اوجبه هللا له وا ّكده رسوله بأخذ البيعة له في غدير خم!‬
‫ان الناس اليسكتون عن حقوق اوجبها لهم آباؤهم او قومهم ويطالبون‬
‫بها اذا اغتصبت ‪ .‬اما علي فانه يسكت عن حق اوجبه له هللا ورسوله‪ .‬فأي‬
‫اضاعة بعد هذه االضاعة واي تفريط بعد هذا التفريط؟!‬
‫ان سعد بن عبادة رشحه بعض افراد قومه للخالفة ‪ ،‬وحين غلبه ابو‬
‫بكر عليها وحرمه منها غضب عليهم وظل مقاطعا لهم الى أن مات ‪ ،‬وعلي‬
‫ينتدبه هللا للخالفة ويأخذ رسول هللا البيعة له ثم يُغتصب منه فال يقاطع‬
‫واليراجع بشأنها ‪ ،‬بل يصالح و يبايع وفوق ذلك يؤازر ويصاهر !‬
‫خمسة وعشرون عاما َ تغتصب منه الخالفة فال يراجع بشأنها احدا وال‬
‫يذ ّكر بها بشرا ! مامعنى ان يسكت كل هذه المدة الطويلة عن المطالبة بهذا‬
‫الحق؟ ألم يكن األجدر به ان يطالب به في كل مناسبة ؟ لو أن غيره اغتُصب‬
‫حقُّه الغتنم كل فرصة بالتذكير به والمطالبة به !‪ .‬كان المفروض ان يذهب‬
‫الى ابي بكر في مرضه ويذكره بوصية رسول هللا (‪ ) a‬ويذكره ببيعة الغدير‬
‫ويخوفه سخط هللا وسخط رسوله ويذ ِّكره ساعة لقائه رسول هللا على هذه‬
‫الحالة ويحثه على رد االمانة الى اهلها ليذهب الى هللا نقي الثوب وقد برّأ ذمته‬
‫‪ .‬أما انه لم يفعل ذلك فليس لنا تفسير له اال عدم وجود نص بحقه ‪ ،‬والبيعة في‬
‫اعناق الناس له واال لعد متهاونا و مضيعا لحقه وحق االسالم!‪.‬‬
‫وان كان فاته الذهاب الى ابي بكر في مرضه للمطالبة بحقه فما الذي‬
‫منعه من الذهاب الى عمر عندما تولى االمر بعد ابي بكر فيطالبه برد الحق‬
‫الى اهله ؟ وان كان يخشى من مطالبته بحقه في مقتبل خالفة عمر فما الذي‬
‫منعه من المطالبة به حين طُ ِعن عمر واصبح على ابواب اآلخرة ولم يبق له‬
‫طمع في الدنيا وقد علم انه ال يريد أن يورثها احدا من اوالده او ذويه ؟ لماذا لم‬
‫يذهب اليه ويذكره باآلخرة وباللحظات التي سيقـف فيها بين يدي هللا ‪ ،‬وكيف‬
‫‪157‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(158‬‬
‫سيجيب رسول هللا على اغتصابه حق علي ومخالفته ألمر هللا ورسوله ؟ لماذا‬
‫لم يطالبه برد الحق الى صاحبه بدال من جعله شورى بين ستة من الصحابة‬
‫احدهم هو ؟‬
‫كيف رضي علي بأن يكون احد الستة الذين رشحهم عمر للخالفة؟‬
‫كيف يترك حكم هللا ويرضى بحكم عمر؟ الم يحكم هللا له ان يكون هو الخليفة‬
‫وعمر يحكم له بان يكون من بين الستة المرشحين للخالفة؟ لماذا لم يذكرهم‬
‫بحكم هللا؟ ان القول باالمامة على الطريقة الشيعية يعرض عليا الى انتقادات‬
‫كثيرة وتحمله من المسؤولية مثل ما على الذين اغتصبوا حقه ! هؤالء‬
‫باغتصابهم لحقه وهو بتهاونه وسكوته على ذلك!‬
‫ثم حين جعل عمر االمر شورى في هؤالء الستة لم يُذ ِّكرهم علي‬
‫بالنص والبيعة ولم يخوفهم عقاب هللا ولم يطلب من االربعة الذين انسحبوا‬
‫منها أن ي ُر ّدوها الى صاحبها ويُذ ِّكروا عثمان بها ويثنونه عن المطالبة بها ‪.‬‬
‫والذين استشارهم عبد الرحمن بن عوف حول عثمان وعلي لم يقل واحد منهم‬
‫ان هذا االمر قد حسمه القرآن و حسمه رسول هللا في غدير خم وأن أبابكر‬
‫وعمر قد خالفا القرآن والرسول و اغتصبا حق علي في الخالفة وقد آن األوان‬
‫أن تردوا اليه حقه‪.‬‬
‫كان يفترض ان تبقى المسألة حية في ذهن علي على الدوام ويُذ ّكر بها‬
‫في كل فرصة سنحت له كما هي حية في ذهن الشيعة ويذكرونها دوما ‪ ،‬ال ان‬
‫يذهل عنها خمسةً وعشرين عاما ال يذ ّكر بها احدا وال يطالب بها منذ اجتماع‬
‫السقيفة الى ان استشهد عثمان ثم يأتيه الناس ليردوا اليه حقه المغتصب فيقول‬
‫اذهبوا والتمسوا غيري فاني لكم وزيرا خير لكم مني اميرا !‬
‫ان الشيعة على ما يبدو اكثر تفهما لقضيتهم من علي واكثر احساسا منه‬
‫بأهميتها ‪ ،‬لذلك تراهم يبقونها حية ماثلة امام اعينهم في كل لحظة وكل مناسبة‬
‫وال يذهلون عنها ساعة من ليل أو نهار!‬

‫(ما بعد السقيفة)‬


‫هناك امور اخرى تتعلق بالسقيفة تنقض فكرة النص والبيعة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أصداء اجتماع السقيفة في المدينة وخارجها‪:‬‬
‫ان عمال مثل هذا ‪ ،‬أي اجتماع الصحابة في السقيفة ونقض عهد النبـي و بيعة‬
‫االمامة وترك النصوص وتحويل االمامة من امامة الهية وامر ديني الى‬
‫اختيار الناس ‪ ،‬حدث كبير وامر جلل البد أن يكون له صدى قوي ومد ّوي في‬
‫المجتمع وأن يُحدث ضجة كبيرة بين الناس يتحدث به الركبان ‪ ،‬ولكن الذي‬
‫‪158‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(159‬‬
‫حصل هو عكس ذلك تماما ‪ ،‬في اليوم الثاني من السقيفة يجلس ابو بكر في‬
‫المسجد ويتوافد عليه الناس من كل صوب يبايعونه وال يمتنع سوى نفر قليل‬
‫العتبارات غير دينية ‪ ،‬منهم من يرى االمر من منطلقات قبلية كأبي سفيان‬
‫ومنهم من يمتنع لعدم اعالمه باالمر كطلحة والزبير ومنهم من يرى نفسه احق‬
‫بها من ابي بكر لقرابته من الرسول ال لكونه وصي رسول هللا او خليفته‬
‫المعين من هللا كعلي رضي هللا عنهم اجمعين‪ . 1‬وهؤالء كلهم سرعان ما بايعوا‬
‫وسكتوا وخفتت اصواتهم وشاركوا في الحياة العامة كغيرهم من المسلمين إالّ‬
‫سعدا فإن بعض الروايات تقول انه امتنع عن البيعة حتى مات وأنه لم يشاركهم‬
‫في نشاطاتهم اليومية ‪ .‬أفمثل هذا الحدث يمر هكذا بسالم وال يثيره أحد وال‬
‫يوظفه أحد ال من المنافقين وال من المرتدين وال من مانعي الزكاة وال حتى من‬
‫أصحاب الشأن؟ يعني ال المخلصون لهذا الدين أثاروه وال المتربصون به !‬
‫أال يدل هذا على أن االمر ليس بالشكل الذي يصوره الشيعة وأنه لم يكن هناك‬
‫ال نص على أحد وال وصية بحق أحد وال بيعة في أعناق الناس ألحد وأن‬
‫االجراء الذي تم في السقيفة لم يكن ال خروجا على الدين وال نقضا للبيعة وال‬
‫ردا للنصوص ‪ ،‬وإنما كان اجراءا طبيعيا لذا سارع الناس الى مبايعة ابي بكر‬
‫في اليوم الثاني من السقيفة وعادت االمور الى مجاريها ورجعت الحياة‬
‫طبيعية االّ ما كان من فقد النبـي ‪ ‬وأثره في نفوس الناس حيث ظل الناس‬
‫يتذكرونه الى أمد بعيد ويتأسون على فقد نبـيهم ويجهشون في البكاء كلما‬
‫تذكروا تلك االيام التي قضوها مع سيد الخلق وفي رحابه‪.‬‬
‫وليس فقط اختيار ابي بكر كان امرا طبيعيا بل حتى اجتماع االنصار في‬
‫السقيفة لم يلق من المسلمين ذلك االعتراض ولم يعيرهم به احد ألنهم يعلمون‬
‫أن سادة القوم يتحتم عليهم االسراع الى اختيار رئيس لهم بعد رحيل زعيمهم ‪.‬‬
‫فلو كان ما فعله الصحابة منافيا ً للدين وتركا ً للنصوص ونقضا ً للبيعة ‪ ،‬أو حتى‬
‫منافيا للعرف ‪ ،‬للقي الذين نظموه والذين حضروه لوما شديدا وعتبا شديدا من‬
‫الناس ولكن لم يحصل شيء من ذلك البتة مما يدل على أن ذلك االجراء كان‬
‫أمرا طبيعياولم يكن منافيا للدين وال خروجا عليه ‪ ،‬وال منافيا للعرف ‪.‬‬
‫إن امورا هي أقل شأنا بكثير من نقض العهد ونكث البيعة ورد النصوص‬
‫وتبديل شرع هللا من شأنها أن تحدث ضجة كبيرة في المجتمع تزلزل اركانه‬
‫وتهدد كيانه ‪ ،‬فما بال أمر خطير كالذي حصل في السقيفة ال يحدث ضجة في‬
‫المجتمع وال تكاد تسمع له صدى ! ان استخالف معاوية ليزيد لم يكن أعظم‬
‫مما حصل في السقيفة لو صح ما يدعيه الشيعة من وجود النص والبيعة ومن‬
‫‪ . 1‬هناك روايات كثيرة تقول ان عليا كان يرى ابا بكراحق بها من غيره‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(160‬‬
‫كون االمامة أمرا دينيا ومع ذلك عارضه كبار الصحابة آنذاك وثار الحسين ‪‬‬
‫في وجهه وضحى بحياته وحياة أهله من أجله ولم تخمد الثورات حتى أطاحت‬
‫في النهاية بدولة بنـي امية !‬
‫إن عدم حدوث ضجة بعد السقيفة وعدم ارتفاع أصوات المعارضة من‬
‫منطلق ديني يؤكد على عدم كون االمامة امرا إلهيا وعلى عدم وجود نص أو‬
‫بيعة في حق أحد‪.‬وهذا‪-‬عدم احداث السقيفة ألي ضجة‪ -‬ال أقوله أنا بل يؤكده‬
‫التاريخ والروايات فحتى الرواة الشيعة ليس عندهم ما يدل على أن ما جرى‬
‫في السقيفة كان له صدى سيئ بين الناس وحتى لو اتهم الشيعة المؤرخين بكتم‬
‫الحقائق فال يملكون اتهام رواة الشيعة ومؤرخيهم بذلك فليخرجوا لنا ما عندهم‬
‫من روايات وأخبار حول ما أحدثه ترك النص والوصية ونقض العهد من‬
‫ضجة بين الناس ال سيما أهل البيت ومؤيدي علي ‪.‬‬
‫هذا محمد رضا المظفر كتب كتابا مستقال عن السقيفة وأفرغ وسعه ألثبات‬
‫صحة وجهة نظر الشيعة ولكنه لم يهتد الى ما يسعفه في هذا المجال مما‬
‫اضطره الى اتهام الصحابة باالنقالب على االعقاب واالنصار بالضعف‬
‫واالستكانة ولو وجد ما يسعفه لما بخل به وألقام الدنيا عليه ‪،‬ولكن هيهات ! ال‬
‫هو وال غيره لن يجدوا ما يؤيد وجهة نظرهم ‪.‬‬
‫‪ .2‬موقف علي من سعد بن عبادة وابنه قيس‪:‬‬
‫عرفنا فيما مضى ان الذي دعا الى اجتماع السقيفة هو سعد بن عبادة‬
‫الخزرجي ‪ ،‬وانه كان يومذاك مريضا ال يقدر على الكالم ‪ ،‬فكان يتكلم‬
‫بصوت خافت ويردد ابنه قيس كال َمه ليُسمعه للناس ‪ .‬اي ان الذي تولى كبر‬
‫المؤامرة ان كانت هناك مؤامرة هو سعد بن عبادة ثم ولده قيس ‪ ،‬فلننظر كيف‬
‫واجه علي سعدا وولده ‪ ،‬وكيف عاملهم على صنيعهم هذا وما هو الموقف‬
‫الذي اتخذه منهما‪.‬‬
‫ان العاقل والمنصف ال يحتاج الى ان نثبت له اهمية ما فعله سعد وولده‬
‫قيس وعظم الجرم الذي اقترفاه في حق االسالم والمسلمين وفي حق علي بن‬
‫ابي طالب ان كان مايقوله الشيعة في االمامة حقا‪ ،‬لذلك فإن اول ما يتبادر الى‬
‫الذهن بداهة هو ان يتخذ علي موقفا صارما منهما ويُح ِّملهما مسؤولية ما حدث‬
‫ألنهما فوتا عليه وعلى المسلمين ذلك االمر وتحمال وزر ما حل بالمسلمين من‬
‫فتن ومصائب (حسب زعم الشيعة) ‪ ،‬ولكن الذي حصل هو عكس ذلك تماما‬
‫فان قيسا كان من اخلص اتباع علي وموضع ثقته ومن كبار قادته! أهكذا يكون‬
‫الموقف ممن تسبب في تلك المصيبة وجر على المسلمين ذلك البالء (كما يعتقد‬
‫الشيعة) ؟ ‪ .‬والغريب انه اليوجد في التاريخ اية اشارة الى معاتبة علي لسعد‬
‫‪160‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(161‬‬
‫او ابنه على ما فعاله وال يذكر ان سعدا او ابنه قيسا اعتذرا لعلي عما فعاله‬
‫وارتكباه في حقه‪ ،‬او ما تسبباه للمسلمين من مصائب‪ ،‬كذلك ال توجد اشارة‬
‫واحدة الى اظهار قيس او والده الندامةَ على ما فعاله في ذلك اليوم‪ .‬وليس هذا‬
‫فحسب بل ان بعض الروايات تقول بان بعض االصوات علت في السقيفة‬
‫تنادي بمبايعة علي وليس فيها صوت سعد او قيس ‪ .‬واكثر من ذلك فان سعدا‬
‫ظل ممتنعا عن مبايعة ابي بكر وعمر الى ان مات ‪ .‬اي انه ظل غاضبا لنفسه‬
‫ولو كان يعلم ان الخالفة هي من حق علي لبادر الى الدعوة الى مبايعة علي‬
‫تكفيرا عن خطيئته اوالَ وتفويتا َ للفرصة على ابي بكر وعمر ثانيا ‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يفعل شيئا المن هذا وال من ذاك ‪ ،‬الهو وال ولده قيس!‪.‬‬
‫أال يدل هذا على أن االمر ليس كما يفهمه الشيعة أو كما ي ّدعونه وانما‬
‫هو كما يفهمه اهل السنة وهو عدم وجود نص على احد وال بيعة في اعناق‬
‫الناس ألحد ‪.‬‬
‫لو كان االمر كما يقوله الشيعة ‪ :‬ألم يكن واجبا على علي أن يوبخ‬
‫سعدا وابنه على ما فعاله في ذلك اليوم وما تحماله من االثم ؟ الم يكن واجبا‬
‫عليه ان يظل مقاطعا لهما طيلة حياته كما فعلت فاطمة مع ابي بكر عندما‬
‫رفض ان يعطيها ارض فدك؟‬
‫ان الرسول (‪ )‬وهو رسول هللا طلب من قاتل عمه حمزة‪ ،‬الوحشي‪،‬‬
‫بعد ان قبل منه اسالمه ان اليريه وجهه ‪ ،‬علما ً انه قتله في جاهليته وان‬
‫االسالم يجب ما قبله ‪ ,‬فظل وحشي يقف بعيدا عن رسول هللا ينظر اليه من‬
‫بعيد وال يقابله وجها لوجه الى ان توفي رسول هللا (‪ .)‬فهل كان غصب‬
‫الخالفة عند علي اهون من قتل حمزة ؟ وهل كان جرم سعد وابنه قيس اقل من‬
‫جرم وحشي؟ علما ان وحشيا قد اسلم فيما بعد وندم على فعلته تلك واقسم ان‬
‫يعوضه فوفقه هللا لقتل مسيلمة الكذاب فهدأت نفسه وطاب خاطره وقال ‪ :‬ان‬
‫كنت قد قتلت بهذه الحربة خير الناس ‪ ،‬فقد قتلت بها اليوم شر الناس! ولكن لم‬
‫يُسمع من سعد اومن قيس انهما اعلنا توبتهما ‪ ،‬أو ندما على ما فعاله‪ ،‬بل كما‬
‫قلت فقد ظل سعد غاضبا لنفسه الى ان مات سنة ‪14‬للهجرة‪.‬‬
‫ان موقف علي من السقيفة وممن شارك فيها وموقفه من الخلفاء الذين‬
‫سبقوه ومن سعد بن عبادة وابنه قيس ومشاركته الفعالة في الحياة االجتماعية‬
‫والسياسية في زمن الخلفاء الراشدين واقواله وتصريحاته في خالفته هي‬
‫المفتاح لحل اللغز ولكن الشيعة يطرحونها جانبا ألن النتيجة سوف تأتي على‬
‫خالف ما يشتهون ‪ ،‬ولذلك تراهم ال يعرجون عليه اال اذا اضطروا اليه ومع‬

‫‪161‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(162‬‬
‫ذلك فهم يمرون عليه مرور الكرام وال يتناولونه بالبحث والدراسة ويعترفون‬
‫‪1‬‬
‫بأنه يشكل مشكلة عويصة لهم وانه من اقوى الحجج ضد ما يذهبون اليه‪.‬‬
‫‪ .3‬اقوال علي في خصومه بعد توليه الخالفة‪:‬‬
‫ان اقوال علي ( ‪ )‬في خصومه بعد توليه الخالفة وردوده على طلحة والزبير‬
‫من جهة وعلى معاوية من جهة ثانية وعلى الخوارج من جهة ثالثة فيها‬
‫الجواب الشافي لمن يريد ان يصل الى الحقيقة ‪ .‬فان كانت اقواله ومواقفه‬
‫وافعاله قبل الخالفة قابلة للتأويل ويمكن حملها على التقية فان اقواله وافعاله‬
‫بعد استخالفه صريحة وبعيدة عن التقية ألن الموقف كان يتطلب الصراحة‬
‫والوضوحـ ولم يكن عامل الخوف موجودا آنذاك ألنه كان في حال القتال وماذا‬
‫يتقي من اضطر الى خوض الحرب ؟‬
‫ان كانت التقية تمارس من قبل علي في عهد الخلفاء الذين سبقوه خشية حدوث‬
‫الفتنة ‪ ،‬فإن الفتنة قد حدثت والحرب قد وقعت فما الداعي الى إخفاء الحقائق‪،‬‬
‫بل ماكان اخفاؤه مفيدا في ذلك الوقت اصبح اآلن اعالنه ضروريا ألنه اصبح‬
‫جزءا من المعركة وسيكون له دور مهم في حسمها لصالح علي معنويا قبل‬
‫حسمها عسكريا‪ .‬فكما كان لمقتل عمار بن ياسر تأثير الصاعقة على جيش‬
‫معاوية فإن الحقائق التي كانت عند علي من النص والبيعة وقضية يوم‬
‫الخميس وبعثة اسامة كان سيكون لها وقع اشد على خصومه لو أعلنها‬
‫واستنطق الشهود فيها ‪ .‬فإنه لو طلب الى اسامة بن زيد ان يتحدث للناس عن‬
‫غرض تجهيز الرسول لجيشه ( بالصيغة التي يراها الشيعة طبعا)‪ ،‬وطلب الى‬
‫ابن عباس ان يتحدث عن رزية يوم الخميس التي كان يسميها ابن عباس‬
‫رزية‪ ،‬وطلب الى الذين شهدوا خما ان يتحدثوا عن تلك البيعة وتذكير الناس‬
‫بها وكان فيهم الكثير ممن شهدوها لكان وقعها شديدا على جيش معاوية وعلى‬
‫جيش عائشة والخوارج ‪ ،‬ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك‪ . 2‬لماذا؟ نترك الجواب‬
‫للشيعة ! اما نحن فنقول انه لم يفعلها ألنه لم يكن هناك ال نص وال بيعة !‬

‫‪ ?.1‬انظر السقيفة لمحمد رضا المظفر وشرح نهج البالغة لميثم البحراني فكالهما يعترف بأن اقوال‬
‫ومواقف علي محرجة للشيعة ولذلك حملوها على التقية وبغير ذلك يجب ان يحكموا على مذهبهم‬
‫بالبطالن ‪.‬‬
‫‪ ?.2‬هناك رواية تقول بأن عليا ‪t‬طالب في الرحبة أيام خالفته الذين حضروا غدير خم أن يقوموا‬
‫ويشهدوا بما سمعوه في ذلك اليوم من رسول هللا ‪ r‬فقام عدة رجال ‪ ،‬في رواية اثنا عشر رجال وفي‬
‫رواية ثالثون رجال االّ ثالثة أو أربعة لم يشهدوا فدعا عليهم علي فأصابتهم دعوته وحتى هذا ليس فيه‬
‫دليل على النص والوصية والبيعة ألنه قال لهم أيكم يشهد أن رسول هللا ‪ r‬قال "من كنت مواله فعلي‬
‫مواله " ولم يقل أيكم يشهد ان الناس قد بايعونى في غدير خم أو أن الرسول قد أخذ لي البيعة في ذلك‬
‫اليوم ‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(163‬‬
‫فكيف يحتج بشيء ال وجود له اصال؟ فلو كانت هذه االمور(اي النص والبيعة)‬
‫موجودة هل كان علي يبخل بها في مثل هذا الموقف؟ متى يظهرها اذاً ان لم‬
‫يظهرها اآلن ؟ الى اي يوم كان قد ادخر االحتجاج بها؟ هل ادخرها ليوم‬
‫القيامة؟! علما انه اليجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ‪.‬على الشيعة ان‬
‫يجيبوا على هذا السؤال!‪.‬‬
‫وليس هذا فحسب ‪ ،‬بل االغرب من ذلك ان اغلب ما قاله علي يصب‬
‫ضد فكرة االمامة االلهية وفكرة النص والتعيين والبيعة‪ ،‬فغالبا ما كان يتحدث‬
‫عن الشورى وبيعة المهاجرين واالنصار وحجية بيعتهم ويبني صحة خالفته‬
‫على مبايعة االنصار والمهاجرين له بدال من ان يردها الى النص والبيعة التي‬
‫يدعيها الشيعة في حقه‪ .‬وحتى الخطبة الشقشقية التي يحتج بها الشيعة في كل‬
‫مناسبة فانها هي االخرى تنفي فكرة النص والبيعة وتتحدث عن اعتقاد علي‬
‫باولويته للخالفة لقرابته من رسول هللا ومكانته عنده ‪.‬‬
‫ان نهج البالغة المنسوب الى علي يحتوي على نوعين من الخطابات‬
‫كالهما ضد فكرة النص والبيعة ولكن الشيعة يخطئون في فهم كال النوعين !‬
‫النوع االول يتحدث عن شورى المهاجرين واالنصار وشرعية من يختارونه‬
‫ويبايعونه كقوله (‪" : )t‬انه بايعني القوم الذين بايعوا ابابكر وعمر وعثمان‬
‫على ما بايعوهم عليه ‪ ،‬فلم يكن للشاهد ان يختار وال للغائب ان يرد‪ ،‬وانما‬
‫الشورى للمهاجرين واالنصار‪ ،‬فان اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك‬
‫هلل رضى ‪ ،‬فان خرج من امرهم خارج بطعن او بدعة ردوه الى ما خرج منه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فان ابى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وواله هللا ما تولى ‪".‬‬
‫لكن الشيعة يحملون هذا النوع من الخطاب على التقية ! ‪ .‬والنوع‬
‫الثاني يتحدث فيه علي عن اولويته واحقيته بالخالفة بنا َء على قرابته من‬
‫رسول هللا (‪ )‬ال على النص والبيعة‪ ،‬لكن الشيعة يحملون هذا القسم من‬
‫الخطابات على انه اشارة الى النص وهو ليس كذلك ومثال هذا النوع هو‬
‫الخطبة التي تسمى بالشقشقية ‪.‬ان هذه الخطبة ليس فيها اشارة ال الى النص‬
‫وال الى بيعة غدير خم وانما تشير الى احقيته ‪ ،‬نعم مجرد احقيته بالخالفة وانه‬
‫يرى نقسه اهال لها بل اكثر اهلية من كل من عداه لذلك يستغرب ويتعجب من‬
‫صرفها الى غيره ‪ ،‬وان هذه الخطبة تتعارض مع خطبه التى القاها في مدح‬
‫ابي بكر وعمر وبقية الصحابة وتتعارض ايضا مع رسائله التي بعث بها الى‬
‫معاوية وطلحة والزبير‪.‬‬

‫‪. 1‬نهج البالغة شرح الشيخ محمد عبده ج‪ 3‬ص‪ 297‬دار الفكر للطباعة والنشروالتوزيع –بيروت‪-‬لبنان‬
‫‪163‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(164‬‬
‫ان موقف علي واضح من امر االمامة والخالفة ولكن الشيعة يكابرون‪،‬‬
‫وهو انه كان يرى نفسه اهال لها‪ ،‬واما انه كان يرى نفسه أحق بها من غيره‬
‫فإنه محل نزاع ‪ ،‬فالشيعة يؤكدونه ‪ ،‬والسنة ينفونه! وأنا ال أستبعد أن يكون‬
‫ذلك اعتقاده في اول االمر ‪ ،‬وذلك لقربه من رسول هللا أوالً‪ ،‬ولغزارة علمه‬
‫ق لمن كان مثل علي أن يرى‬ ‫ثانياً‪ ،‬ولدوره وحسن بالئه في االسالم ثالثا ً ‪ .‬و ُح َّ‬
‫نفسه اهالً للخالفة ‪ ،‬أو يرى نفسه أحق بها من غيره‪ ،‬وربما كان ذلك بسبب‬
‫خشيته في بداية االمر من عدم قدرة غيره على ادارة االمور او على الحفاظ‬
‫على االسالم كما هو‪ ،‬فحرصا ً منه على االسالم رغب ان يتولى االمر بنفسه‬
‫‪ ،‬ولكنه حين رأى ان ابابكر وعمر قد أحسنا في الحكم وحافظا على االسالم‬
‫النقي وجمعا القرآن وفتحا البلدان هدأ باله واطمأن قلبه فأخلص لهما في‬
‫النصيحة وآزرهما وأيدهما واثنى عليهما ‪ ،‬بل واكثر من ذلك فقد تمنى ان يلقى‬
‫هللا بمثل عمل عمر(‪.)t‬‬

‫امور اضافية لها دالالت مهمة‪:‬‬


‫‪.1‬سكوت ابي ذر على مخالفة الصحابة ألمر هللا ورسوله و نقضهم البيعة‪:‬‬
‫ذكرنا فيما مضى سكوت ابي ذر عما جرى في السقيفة وسنتحدث عنه بشيء‬
‫من التفصيل ألهميته لألسباب التالية‪:‬‬
‫اوال ‪ :‬هناك مصادر تاريخية تقول أن اباذر كان ممن امتنع عن مبايعة ابي‬
‫بكر ‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(165‬‬
‫ثانيا‪ :‬الشيعة يعدونه ضمن الذين لم يرتدوا بعد رسول هللا‪. r‬‬
‫ثالثا ‪ :‬كان أبو ذر من الذين ال يجاملون على الحق وال يسكتون على الباطل‬
‫ولو كلفه ذلك حياته ‪.‬‬
‫لقد عرف ابو ذر منذ اليوم االول من اسالمه بصراحته وثوريته ‪ ،‬فأول ما‬
‫اعلن اسالمه طاف بالكعبة وكسر ما بها من اصنام فاجتمع عليه قريش‬
‫واشبعوه ضربا وما انقذه منهم االّ العباس عم النبـي ‪ r‬وذلك بتخويف قريش‬
‫على قوافلهم التي تمر بديار غفار وانها لن تسلم إذا قتلوا اباذر ‪ .‬ومواقفه ازاء‬
‫معاوية معروفة فانه كان معارضا لما يفعله من بناء القصور واالسراف في‬
‫االمور الدنيوية وكان دائم االعتراض عليه وكاد يفسد الناس عليه حتى اشتكاه‬
‫الى الخليفة عثمان فاستدعاه من الشام ‪ .‬فمث ُل أبي ذر اليمكن ان يسكت على‬
‫مثل هذه المخالفات ال سيما إذا عرفنا انه كان مؤيدا لعلي ومن الممتنعين عن‬
‫البيعة ‪ ،‬فسكوته إذاً فيه داللة قاطعة على أن الصحابة باجتماعهم في السقيفة‬
‫واختيارهم ألبي بكر لم يخالفوا اوامر هللا ورسوله ولم ينقضوا بيعة ابرمها‬
‫الرسول لعلي‪ .‬واني على يقين لو كان هناك نص او بيعة لما سكت ابو ذر‬
‫وألقام الدنيا ولم يقعدها على مخالفة تلك النصوص ونقض تلك البيعة ‪ ،‬ولو‬
‫سكت كل الناس لما سكت أبو ذر‪.‬‬
‫‪ .2‬العالقة الوطيدة بين علي‪ t‬ومحمد بن أبي بكر ‪:‬‬
‫ان زواج علي ‪ t‬من اسماء بنت عميس بعد ان توفي عنها ابوبكر ‪t‬‬
‫واحتضانه لولديها من ابي بكر دليل على أن عالقة علي بأبي بكر لم تكن سيئة‬
‫ألنها لو كانت كذلك لما تزوج زوجته ‪ ،‬ولو افترضنا انه خطبها نكاية بأبي‬
‫بكر لما قبلت هي بالزواج منه خوفا على ولديها من ان يسيء علي معاملتهما‬
‫لبغضه اباهما ‪ ،‬ولكن اقدام علي على خطبتها وقبولها هي بالزواج منه ثم‬
‫احسان علي معاملة ولديها من أبي بكر ثم تأييد محمد بن ابي بكر لعلي وحبه‬
‫له كلها تدل على أنه لم يكن بين علي وأبي بكر شحناء وال بغضاء ‪ ،‬ألنه لو‬
‫كان هناك شيء من ذلك النعكس على عالقة محمد بن ابي بكر بعلي ألنه ال‬
‫يعقل أن يحب الرجل خصم ابيه إالّ إذا كان ولدا عاقّا ً او انسانا لئيما ً ودنيئا ‪،‬‬
‫وال يمكن ان يرضى علي منه ذلك ألنه يعرف حكم عقوق الوالدين ‪ ،‬فلو كان‬
‫محمد من هذا النوع لنهره علي ووبخه وابعده ‪ ،‬ولكن حبه له وتقريبه اياه يدل‬
‫على انه كان رجال فاضالً وباراً بأبيه ‪ .‬وهناك دليل قوي على ان محمدا لم‬
‫يكن عاقا البيه وذلك عندما دخل على عثمان أيام الفتنة وأخذ بلحيته قال له‬
‫عثمان ‪ t‬ان أباك كان يكرم هذه اللحية ولو رآك في موضعك هذا لما رضي به‬

‫‪165‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(166‬‬
‫فترك محمد لحيته وانسحب لتوه ‪ ..‬وهناك دليل آخر على أن محمدا لم يكن‬
‫عاقا ألبيه وهو عالقته الوطيدة باخته عائشة أم المؤمنين ‪ ،‬فلو كان محمد عاقا‬
‫ألبيه لما رضيت عنه عائشة ولوبخته على ذلك ولربما قاطعته أيضا إذ كيف‬
‫ترضى عمن يعادي أباها ويوالي خصمه ؟ وبما أن عالقة محمد باخته عائشة‬
‫كانت قوية ‪ ،‬كان يفترض أن تنعكس تلك العالقة عكسيا على عالقة علي‬
‫بمحمد ‪ ،‬إذ كيف يثق علي بمن يحب ويوالي خصمه ‪ .‬إذاً زواج علي من‬
‫زوجة ابي بكر‪ ،‬والعالقة الحميمة بينه وبين محمد بن ابي بكر‪ ،‬والعالقة‬
‫الوطيدة بين محمد وعائشة كلها تنقض قول من يزعم أن أبا بكر اغتصب‬
‫الخالفة من علي وأن عليا ً كان حانقا عليه ‪.‬‬
‫وهناك دليل آخر على أن عالقة ابي بكر بعلي لم تكن سيئة كما‬
‫يصورها الشيعة ‪ ،‬وانه لم يكن هناك نزاع بينهم ‪ ،‬وهو القاسم بن محمد بن ابي‬
‫بكر الذي يعد من كبار علماء التابعين عند اهل السنة ‪ ،‬وال يعقل ان يكون‬
‫هناك نزاع بين ابي بكر وعلي ويأتي ولده محمد فيوالي عليا ثم يأتي القاسم بن‬
‫محمد يوالي ابابكر ثم يأتي محمد الباقر ويتزوج ابنة القاسم ‪ .‬كل هذا التشابك‬
‫ان دل على شيء انما يدل على قوة عالقة علي بأبي بكر رضي هللا عنهم‬
‫اجمعين‪.‬‬
‫ودليل آخر هو الروايات التي تقول بأن أبا بكر أرسل زوجته أسماء بنت‬
‫عميس إلى الزهراء في مرض موتها حتى تخدمها ثم بعد وفاتها قامت‬
‫بتغسيلها وتكفينها كما في االستيعاب‪ ،2/112‬وهذا االمر ال يدل على حسن‬
‫عالقة علي بابي بكر فحسب بل ينفي ايضا ما يشاع من سوء عالقة فاطمة‬
‫بابي بكر ومقاطعتها له الى ان ماتت‪.‬‬
‫‪ .3‬قبول عمار بن ياسر وسلمان الفارسي الوالية في عهد عمر‪:‬‬
‫يقول الشيعة ان سلمان الفارسي وعمار بن ياسر كانا من مؤيدي علي و من‬
‫المعارضين لخالفة الشيخين ‪ ،‬كيف إذاً قبال بتولي االمارة في عهد عمر ؟ فقد‬
‫تولى سلمان إمارة المدائن وتولى عمار إمارة الكوفة ! فهل انقلبا على علي ؟‬
‫هذا لم يقل به أحد والتاريخ يشهد أن عمارا كان من مؤيدي علي وقتل وهو في‬
‫جيش علي‪ .‬كيف قبال والية الظالمين واالمام الشرعي موجود ؟ لو كان ذلك‬
‫بعد وفاة علي لكان مستساغا بعض الشيء ‪ ،‬أما أن يتعاونا مع عمر وعلي حي‬
‫فهذا مما ال يتفق مع المنطق ويرفضه العقل االّ إذا كان ما يقوله الشيعة عن‬
‫خصومة علي والشيخين مختلقا وان امامة الشيخين صحيحة ولم يكونا‬
‫غاصبين للخالفة من علي ‪.‬‬
‫‪ .4‬طلب ابي بكر وعمر أن يدفنا بجوار الرسول‪: r‬‬
‫‪166‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(167‬‬
‫ان هللا وهبنا العقل لنستعمله ونحكم به على االشياء ونستنبط منها العبر‬
‫والعظات ونميز به بين الحق والباطل ال أن نعطله ونتبع اآلخرين دون دليل ‪،‬‬
‫وهناك امور يمكن اخضاعها للعقل والمنطق بسهولة وال يصعب استنباط‬
‫الحكم والدالالت منها ‪ ،‬من هذه االمور‪ :‬دفن ابي بكر وعمر بجوار رسول هللا‬
‫‪ r‬بطلب منهما‪ ،‬ووجه الداللة فيه انه لو كانا ممن خالف الرسول أو نقضا‬
‫عهده أو ظلما أهله لما تجرءا على مجاورته في قبره حياء منه وخشية أن‬
‫يتعرضا لعتابه ‪ .‬ولو افترضنا جدال أنهما فعال ذلك للتمويه على الناس – وهذا‬
‫ال يحصل اال ممن ال يؤمن باآلخرة وال أحد يجرؤ على اتهامهما بذلك االّ من‬
‫اليحترم عقله وعقل قارئه‪ -‬كيف رضي الصحابة الصادقون وأهل البيت وبنو‬
‫هاشم بذلك ‪ ،‬ولو افترضنا انهم لم يقدروا على منعهم‪ ،‬فال أقل من أن‬
‫يعترضوا‪ ،‬وكان هذا ممكنا ال سيما من قبل الصحابة الشجعان كعلي وابي ذر‬
‫أو بعض أزواج النبـي كأم سلمة ‪ .‬ولكن ان يحدث ذلك دون ان نسمع باي‬
‫اعتراض ولو في خفاء فانه يدل على ان الناس كانوا يرون الشيخين اهال ألن‬
‫يدفنا بجوار رسول هللا‪ r‬وانهما لم يكونا يخشون مواجهة الرسول ‪ r‬لعمل‬
‫عملوه بل كانا في اشد الشوق أن يلحقا به ويدفنا بجواره افتخارا بما قدموه‬
‫لدينه ‪ .‬ولست أدري متى يُعمل العقل ان لم يُعمل هنا؟!‬

‫لماذا يكثر الشيعة الحديث عن السقيفة‪:‬‬


‫بعد ان تبين ان السقيفة تدل على عدم وجود نص او بيعة رُبّ سائل‬
‫يسأل ‪ :‬إذا كانت السقيفة بهذا الوضوح في دالالتها على عدم وجود نص أو‬
‫بيعة ‪ ،‬لماذا إذاً يكثر الشيعة الحديث عنها ؟ وقد خصصوا لها كتبا‪ ،‬فمن‬
‫القدماء سليم بن قيس ‪ ،‬وابو مخنف بن لوط ‪ ،‬وابراهيم بن محمد الثقفي ثالثتهم‬
‫خصوه بكتاب سموه "السقيفة" ومحمد بن عمر الواقدي بكتاب سماه"السقيفة‬
‫وبيعة ابي بكر"‪ ،‬وابو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري بكتاب سماه"السقيفة‬
‫وفدك" ‪ ،‬ومن المحدثين الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه " السقيفة"‪ ،‬وعلي‬
‫الشخص في كتابه" اضواء على السقيفة" ‪ ،‬وفي المقابل قلّما تجد عالما ً سنيّا ً‬
‫تناول هذا الموضوع بالبحث والتحليل والدراسة وكل مايكتبون عنه هو سرد‬
‫تاريخي للوقائع دون تحليل أو تفسير يذكر! ما السبب في ك ّل هذا؟ لماذا يمر‬
‫السنّة على هذه الحادثة مرور الكرام في حين يبذل الشيعة ك ّل هذه الجهود‬
‫لدراستها وتحليلها ؟‬
‫ك ّل من يدرس هذا االمر في كتب الفريقين ويرى إهتمام الشيعة به وإهمال‬
‫السنّة له قد يتوهم أن هذه الحادثة تؤيد وجهة نظرالشيعة لذا يكثرون الحديث‬
‫‪167‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(168‬‬
‫عنها‪ ،‬ولكنك رأيت كيف بقليل من الدراسة والتحليل ومن غير حاجة إلى‬
‫أن الصحابة لم‬‫مجلدات أثبتنا العكس وظهرت الحقيقة واضحة وجلية وهي ّ‬
‫يكونوا متآمرين على علي وأنهم لم يكونوا امام نص أو وصية ‪ ،‬وليس‬
‫دعوى وجود النص والبيعة ابعد دالالتها فحسب ‪ ،‬بل تعد هذه الحادثة من‬
‫وإن اإلجراء الذي حصل من‬ ‫مبطالت تلك الدعوى كما اثبتناه في هذا الكتاب ‪ّ ،‬‬
‫قبل أبي بكر وعمر كان هو عين الصوابـ وبغيره كانت األ ّمة ستقع من أ ّول‬
‫يومها في نزاعات ومتاهات وفتن ال أ ّول لها والآخر ‪ ،‬بل اكثر من ذلك ‪ :‬فانه‬
‫لو لم يتول الخالفة ابو بكر ‪ t‬لما ُعبد هللا كما كان يقولها ابو هريرة‪ ،‬وحين‬
‫استغرب السامعون كالمه هذا سألوه كيف تقول ذلك ؟ أجابهم أن العرب قد‬
‫ارتد أغلبهم بعد وفاة رسول هللا ‪ r‬ولوال حزم ابي بكر ووقوفه في وجوههم‬
‫لقضوا على االسالم ‪ 1‬وكما كان يقول وكيع لوال ابو بكر لذهب االسالم‪. 2‬‬

‫‪ .‬نقل الحافظ ابن كثــير في البداية (‪ )6/305‬عن الحافظ أبي بكر الــبيهقي حــديث محمد بن يوسف‬ ‫‪1‬‬

‫الفريابي الحافظ (قال البخاري ‪ :‬كان أفضل أهل زمانه ـ أي الفريابي ) عن عباد بن كثير الــرملي أحد‬
‫شيوخه ( قال ابن المديني ـ كان ثقة ال بأس به أي شيخ الفريابي ) عن عبدالرحمن بن هرمز األعــرج‬
‫[ أحد التابعين ‪ ،‬توفي باألســكندرية ) عن أبي هريــرة قــال ‪ ":‬وهللا الــذي ال إله إال هو ‪ ،‬لــوال أبو بكر‬
‫استخلف ما عبد هللا ‪ " ،‬ثم قال الثانية ‪ ،‬ثم قال الثالثة ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬مه يا أبا هريــرة ‪ .‬فقــال ‪ :‬إن رســول‬
‫هللا صــلى هللا عليه وســلم وجه أســامة بن زيد في ســبعمائة إلى الشــام ‪ ،‬فلما نــزل بــذي خشب قبض‬
‫رسـول هللا صـلى هللا عليه وسـلم ‪ ،‬وارتـدت العـرب حـول المدينة ‪ ،‬فـاجتمع إليه أصـحاب رسـول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا أبا بكر رد هؤالء ‪ ،‬توجه هؤالء إلى الــروم وقد ارتــدت العــرب حــول‬
‫المدينة !؟ فقال " والذي ال إله غيره ‪ ،‬لو جرّت الكالب بأرجل أزواج النبـي صــلى هللا عليه وســلم ما‬
‫رددت جيشا ً وجهه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وال حللت لـواء عقـده رسـول هللا صـلى هللا عليه‬
‫وسلم " فوجه أسامة فجعل ال يمر بقبيل يريدون االرتداد إال قالوا ‪ :‬لوال أن لهؤالء قوة ما خرجوا مثل‬
‫هؤالء من عندهم ‪ ،‬ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم ‪ ،‬فلقوا الروم ‪ ،‬فهزموهم وقتلـوهم ورجعـوا سـالمين‬
‫‪ ،‬فتثبتوا على اإلسالم‪.‬‬
‫‪2‬وجــاء في الــروض االنف ج‪ 4‬ص ‪:457‬ـ وكــان َموْ تُـهُ عليه السلام ْ‬
‫خطبا كالِحا ‪َ ،‬ور ُْز ًءا ألهل الاسـال ِم‬
‫النقطـاع خـبر السـماء وفقـ َد من ال ِعـ وض‬ ‫ِ‬ ‫فادحًا ‪ ،‬كادت تُه ّد له الجبا ُل وترجُف الارضُ وتك ِسفُ النّيّرات‬
‫ـرب المدلــهمة والــهزاهز‬ ‫منه مع ما آذن به موتُه ‪ -‬عليه السلام ‪ -‬من الفتن السـحْ م والحـوادث الـ ُوهُم وال ُك َ‬
‫المضلعة فلوال ما أنزل الله تبارك وتعالى من الســكينة على المؤمــنين وأســرج في قلــوبهم ِمن نـور اليقين‬
‫وش ـرح له صــدورهم من فهم كتابه المُ ـبين النقصــمت الظهــور وضــاقت عن الكــرب الصــدور ولعــاقهم‬
‫طل َع إليهم رأ َسه وم ّد إلى إغــوائهم مطامعه فأوقد نــار الشــنآن‬ ‫ع عن تدبير األمور فقد كان الشيطان َأ ْ‬ ‫الـجز ُ‬

‫‪168‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(169‬‬
‫اذاً لماذا يكثر الشيعة الحديث عنها؟‬
‫الجواب ‪ :‬إن إكثار الشيعة الحديث عن سقيفة بني ساعدة ليس ألنها في‬
‫صالحهم بل على العكس تماما‪ ،‬فإنها لو تركت هكذا لحالها مجردة من اي‬
‫تعليق أو تعقيب لدلّت على أن الرسول (‪ )r‬مات ولم ينص على احد ولم ياخذ‬
‫البيعة ألحد ‪ ،‬وأن الرسول(‪ )r‬مات والصحابة ال يدرون من هو الخليفة من‬
‫بعده ‪ ،‬لذلك أسرع األنصار الى اإلجتماع في السقيفة لكي يتباحثوا هذا االمر‬
‫ويخرجوا بموقف موحّد وينصبوا واحداً منهم خليفة على المسلمين ‪ ،‬فداللة‬
‫إجتماع السقيفة على عدم وجود بيعة ونص هو الذي دفع الشيعة الى اإلكثار‬
‫من الحديث عن هذه الحادثة ألنها تتعارض تعارضا ً جذريا ً مع دعوى وجود‬
‫النص والبيعة ‪ ،‬فلو تركت هذه الحادثة هكذا دون تعقيب أو تعليق لفهم منها كل‬
‫أن الرسول مات ولم يوص ألحد ولم يرشح أحداً‬ ‫إنسان بفهمه الفطري األولي ّ‬
‫لهذا المنصب ولم يترك نصا ً قطعيا ً يدل داللة قطعية على أحد بعينه ‪ ،‬لهذا ال‬
‫يتحدث السنة عنها كثيراً ‪ ،‬وال يعلقون عليها كثيراً ‪ ،‬وال يفلسفونها ‪ ،‬بل‬
‫يتركونها لوحدها لتدل تلك الداللة الواضحة البسيطة التي توحي بها تلقائيا ً‬
‫ومن أ ّول وهلة ‪ ،‬وهي انه اليوجد هنالك النص وال بيعة وال وصية ‪ .‬فلو‬
‫اخضعنا هذه الحادثة لقواعد المنطق وقواعد أصول الفقه لقلنا أنها تدل وتنصّ‬
‫وتشير الى عدم وجود نص وتنطق بعدم وجود نص وتقتضي وتتض ّمن عدم‬
‫وجود نص‪ .‬فدالالت هذه الحادثة واضحة وضوح الشمس في رابعة النّهار لو‬
‫تركت لحالها دون توجيه لها كناقة رسول هللا (‪ )‬التي قال عنها يوم وصل الى‬
‫المدينة دعوها فإنّها مأمورة فتركوها لحالها إلى أن بركت في المكان الذي‬
‫إختارته فاتخذ رسول هللا (‪ )‬ذلك المكان مسجداً ‪ ،‬ولو أن أحداً أخذ بخطامها‬
‫لربما وجّهها باتجاه آخر مغاير تماما ً لما ذهبت اليه‪ .‬كذلك الحال بالنسبة لهذه‬
‫الحادثة فإنها لو تركت لحالها ولم ياخذ أحد بخطامها لدلّت داللة واضحة‬
‫صريحة على عدم وجود نص على احد وعدم وجود بيعة ألحد‪ .‬لهذا يضطر‬
‫الشيعة ان ياخذوا بخطامها ويوجهوها إلى الوجهة التي يريدونها هم ولتد ّل‬
‫على مايريدونه هم ‪ ،‬ولذلك يُعملون عقولَهم ويُتعبون انفسهم ويكتبون فيها‬

‫نوره ويُعلي كلمته ويُنجز موعودَه فأطفأ نــار‬ ‫إال أن يُتم َ‬


‫ونصب راية الخالف ولكن أبى الله تبارك وتعالى ّ‬
‫الر ّدة وحسم قادةَ الخالف والفتنة على يد الصـ ّديق رضي هللا عنه ولــذلك قــال أبو هريــرة ‪ :‬لــوال أبو بكـ ٍ‬
‫ـر‬
‫لـهلكت ُأ ّمةُ محمد عليه السالم بعده ‪.‬‬
‫? ‪.‬فضائل الصحابة الحمدبن حنبل ‪/‬ج‪1‬ص‪138‬‬

‫‪169‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(170‬‬
‫الكتب ويُفردون لها المؤلفات لكي يوجهوها الى حيث يريدون وتدل على ما‬
‫يعتقدون‪.‬‬
‫ان إثبات هذه الدعوى من هذا االجتماع (اي انقالب الصحابة على‬
‫النصوص ونكثهم للعهود) يحتاج الى الكتابة والتفلسف لكي تصرفها عن‬
‫وجهتها ولكي التدل تلك الداللة المعقولة البسيطة التي يستسيغها العقل‬
‫وتستسيغها الفطر السليمة ‪ .‬فهذه الحادثة تعترض الشيعة كلما ذهبوا إلى اثبات‬
‫إمامة علي بالنص والبيعة وحيثما ذهبوا وجدوها عقبة أمامهم تعترض طريقهم‬
‫‪ ،‬لذلك وجب عليهم أن يسعوا الزاحتها من أمامهم ولهذا كثرت كتاباتهم عنها ‪،‬‬
‫وهي مثال على ما قلناه سابقا من أن الشيعة يعتقدون الشيء اوالً ثم يبحثون له‬
‫عن دليل من القرآن والسنة والتاريخ ‪ ،‬فإن وجدوها تؤيد وجهة نظرهم أخذوا‬
‫بظاهرها ‪ ،‬أما إذا وجدوها تخالف معتقدهم أولوها تأويال تعسفيا ً ول ّووا أعناقها‬
‫بطريقة تعسفية لكي تدل على ما يعتقدون ! ولكن اهل السنة على خالف ذلك‪،‬‬
‫فانهم يجعلون من القرآن والسنة اساسا لمعتقداتهم ‪ ،‬ولذلك تركوا هذه الحادثة‬
‫دون تعليق او تعقيب او تحليل يُذكر لتدل بنفسها على تلك الحقيقة الناصعة ‪،‬‬
‫وهي أن النبـي ‪ ‬مات ولم يوص بالخالفة ألحد ولم يعين أحدا لهذا المنصب‪،‬‬
‫وانه ال توجد آيات قرآنية بحق أحد‪ ،‬وأن الناس ما كانوا يعرفون خليفته في‬
‫حياته وأنهم لم يبايعوا أحدا بالخالفة قبل السقيفة ‪ ، ،‬ثم جاء َمن بعدهم فجعلوها‬
‫دليالً على أن اختيار االمام موكول الى الناس وليس أمرا دينيا منصوصا عليه‬
‫من هللا أو من الرسول ‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(171‬‬

‫امور اخرى تتعلق بالسقيفة‪:‬‬


‫ان الحديث عن السقيفة يتطلب الحديث عن ثالثة اجراءات مهمة قام‬
‫بها الرسول (‪ )‬قبل وفاته يعول عليها الشيعة كثيرا الثبات نظريتهم حول‬
‫االمامة وهي ‪ :‬خطبة الرسول في الناس في غدير خم في طريق عودته (‪)‬‬
‫من الحج ‪ ،‬و تجهيز جيش اسامة ‪،‬و طلبه الكتف والدواة ليكتب كتابا للمسلمين‬
‫وهو ما يسميه الشيعة رزية يوم الخميس ‪ ،‬وسنبدأ بجيش اسامة وندرس‬
‫دالالته ونظرة كل من الشيعة والسنة الى هذا االجراء الذي اتخذه الرسول (‪)‬‬
‫قبل موته ثم نأتي الى قضية يوم الخميس ‪ ،‬ثم الى مسألة الغدير‪:‬‬
‫بعثة اسامة ودالالتها‪:‬‬
‫قلنا فيما مضى ان الرسول (‪ )r‬جهز جيشا قبل وفاته بقيادة اسامة بن‬
‫زيد بن حارثة الذي لم يبلغ من العمر عشرين عاما وأمره ان يُوطئ الخيل‬
‫تخوم البلقاء والداروم من ارض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع اسامة‬
‫المهاجرون االولون‪ 1‬ولكنه مرض قبل مغادرة الجيش المدينة ‪ .‬ويبدو ان‬
‫بعض الصحابة تكلموا في هذه البعثة واعترضواـ على تأمير اسامة ‪ ،‬فجمعهم‬
‫الرسول (‪ )r‬ودافع عن اسامة وز ّكاه وبين فضله وحبه له وحث الناس على‬
‫االلتحاق بالجيش واالسراع في الخروج ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫يقول ابن هشام ‪ :‬ان رسول هللا (‪ )r‬قد استبطأ الناس في بعث اسامة بن زيد‬
‫وهو في وجعه ‪ ،‬فخرج عاصبا رأسه حتى جلس المنبر ‪ ،‬وقد كان الناس قالوا‬
‫‪3‬‬
‫في امرة اسامة‪ :‬أ َّمر غالما حدثا َ على جلة المهاجرين واالنصار‪.‬‬
‫فحمد هللا وأثنى عليه بما هو له اهل ‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬أنفذوا بعث‬
‫اسامة ‪ ،‬فلعمري لئن قلتم في امارته لقد قلتم في امارة ابيه من قبله ‪ ،‬وإنه‬
‫لخليق باالمارة ‪ ،‬وان كان ابوه لخليقا لها ‪ .‬ثم نزل رسول هللا (‪ )r‬وانكمش‬
‫الناس‪ 4‬في جهازهم ‪ ،‬فاستعز برسول هللا (‪ )r‬وجعه‪ ،‬فخرج اسامة ‪ ،‬وخرج‬

‫‪1‬‬
‫?‪.‬سيرة ابن هشام ج‪4/‬ص‪ 253‬دار احياء التراث العربي ‪.‬‬
‫‪ .2‬اي ‪ :‬راى الناس يبطئون في الخروج ‪.‬‬
‫‪ .3‬اي ‪ :‬اعترضوا على امارته لصغر سنه وقلة خبرته وصــعوبة المهمة وتــأميره على كبــار المهــاجرين‬
‫واالنصار‪..‬‬
‫‪171‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(172‬‬
‫جيشه معه حتى نزلوا الجُرْ ف‪ ، 1‬من المدينة على فرسخ ‪ ،‬فضرب به عسكره‬
‫‪ ،‬وتتام اليه الناس ‪ ،‬وثقل رسول هللا (‪ ، )r‬فأقام اسامة والناس ‪ ،‬لينظروا ما هللا‬
‫قاض في رسول هللا (‪.)r‬‬
‫هناك تفسيران السباب تجهيز هذا الجيش وبقائه مرابطا في الجرف‬
‫قريبا من المدينة وعدم ذهابه الى حيث اُمر ‪ .‬وهناك ايضا اختالف حول الذين‬
‫زجهم رسول هللا (‪ )r‬في هذا الجيش السيما ابي بكر الصديق (‪ ، )t‬فالشيعة‬
‫يقولون ان ابابكر وعمر كانا ضمن هذا الجيش واهل السنة ينفون وجود ابي‬
‫بكر فيه بدليل ان الرسول كلفه بالصالة في الناس ايام مرضه وال ينفون وجود‬
‫عمر فيه ‪ .‬اما بالنسبة لعلي فيبدو انه ال توجد اشارة الى وجوده في ذلك الجيش‬
‫ال عند السنة –حسب علمي‪ -‬وال عند الشيعة‪. 2‬‬
‫وهناك خالف بين السنة والشيعة حول الغاية من ارسال ذلك الجيش ‪،‬‬
‫والخالف شديد جدا ‪ ،‬فأهل السنة يقولون ان الهدف كان تأديب الروم والعرب‬
‫‪ .4‬انكمش الناس‪ :‬أسرعوا‪ ،‬وكذلك اورده البخاري في كتاب المغازي رقم ‪4469‬وهذا نص البخاري‪" :‬إن‬
‫تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في امارة ابيه من قبل‪ ،‬وأيم هللا! إن كان لخليقا لإلمارة ‪ ،‬وإن كــان لمن أحب‬
‫الناس ال ّي ‪ ،‬وإن هذا لمن إحب الناس الي‪".‬‬
‫‪ . 1‬موضع على ثالثة أميال من المدينة نحو الشام(شمالي المدينة)‪.‬ـ‬
‫‪ .2‬من المعلوم ان النبـي ما كان يسمي الناس في الغزوات وانما كان يعين االمــير ويعقد له اللــواء ثم يحث‬
‫الناس على االلتحاق بالجيش حتى إذا اكتمل النصاب اوصاهم وأمرهم بــالخروج ‪ ،‬ويبــدو ان بعثة اســامة‬
‫لم تكن بدعا من الغــزوات وان الرســول حين حث النــاس على الخــروج توافد المســلمون عليه ولكن منهم‬
‫من ابطأ في الخروج ربما طمعا في ان يعــدل الرســول عن قــراره في تنصــيب اســامة امــيرا للجيش ألنه‬
‫غالبا ما كــان يأخذ بمشــورة الصــحابة الســيما في االمــور الدنيويةـ واالدارية والعســكرية ولكن حين رأوا‬
‫اصــرار الرســول على ابقــاء اســامة على رأس الجيش رضــخوا لالمر والتحقــوا بــالجيش‪ .‬وبهــذا يكــون‬
‫التحاق ابي بكر وعمر طوعيا ودليال على تواضعهم ورضاهم بكل ما يصنعه الرسول وطــاعتهم لكل من‬
‫يوليه عليهم وهذا يضاف الى فضائلهم ‪ .‬اما عدم ذكر علي فيمن كان ضمن الجيش يعود الى عــدة اســباب‬
‫‪ :‬اما انه علم ان الرسول لم يطلب من كل الصحابة االلتحاق بــالجيش وانما طلب عــددا معينا فــراى نفسه‬
‫في خيار يلتحق ام ال ‪ ،‬أو ان النبـي استثناه واستبقاه الى جانبه وهذا ما يقوله الشيعة ليبنــوا عليه نظــريتهم‬
‫‪.‬أو انه كـــان ضـــمن الجيش ولكن لم يُشر اليه ألنه لم يكن بأهمية ابي بكر وعمر ومكانتهما في المجتمع‬
‫لــذلك ال تــرى له ذكــرا في كثــير من االحــداث المهمة كما في معركة احد حين صــاح ابو ســفيان ‪ :‬افيكم‬
‫محمد ؟ افيكم ابو بكـــر؟ افيكم عمـــر؟ وكيـــوم الخميس حين طلب الرســـول الكتف والـــدواة ليكتب كتابا‬
‫للمسلمين‪ ،‬وكيوم وفاة الرسول فـان التـاريخ يـذكر عمر شـاهراً سـيفه يتهـدد ويـأتي ابو بكر ويـدخل على‬
‫الرسول ثم يخرج الى الناس ويبين االمر لهم ثم يــأتي رجل ويخــبر عمر باجتمــاع االنصــار في الســقيفة‪،‬‬
‫والــذي يؤكد عــدم وجــود ابي بكر في الجيش هو انه حين راى رســول هللا مفيقا اســتأذنه بالــذهاب الى‬
‫السنح حيث زوجته ابنة خارجة ودليل آخر هو تكليف الرسول اياه ليصلي بالناس فلو كان ضمن الجيش‬
‫لكلف رسول هللا غيره ان يصلي بالناس ‪ ،.‬اما وجود عمر وابي عبيدة في المعسكر فتؤكده عــدة امــور ‪،‬‬
‫منها‪ :‬عودة اسامة الى المدينة يوم االثنين لالطمئنان على رسول هللا وبرفقته عمر وابو عبيــدة ‪ ،‬و تكليف‬
‫اســــامة لعمر بمراجعة ابي بكر بخصــــوص تــــأخير البعثة ‪ ،‬ثم تكليف االنصــــار له بمراجعة ابي بكر‬
‫بخصــوص تبــديلـ اســامة بمن هو اسن منه واخــيرا طلب ابي بكر من اســامة اســتبقاء عمر في المدينة‬
‫لحاجته اليه ‪. .‬‬
‫‪172‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(173‬‬
‫النصارى الذين آذوا المسلمين سواء قبل غزوة مؤتة أو أثناءها أو بعدها ‪،‬‬
‫وللثأر لمعركة مؤتة وشهدائها‪ ،‬وتأمين الحدود الشمالية للجزيرة العربية ‪ ،‬وان‬
‫اسناد القيادة الى اسامة كان سببه ان اباه قد استشهد في تلك المعركة وكون‬
‫اسامة على رأس الجيش سيكون له عدة فوائد منها‪:‬‬
‫‪ -1‬تطييب لنفس اسامة وذلك باعطائه فرصة لالخذ بثأر أبيه ‪.‬‬
‫‪ -2‬إظهار فضله ومكانته ‪.‬‬
‫‪ - 3‬سيكون لدافع االخذ بالثأر عند اسامة أثر كبير في اندفاعه للقتال وتفانيه‬
‫‪1‬‬
‫في مواجهة العدو وحرصه على ايقاع الهزيمة بهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬زرع الثقة في نفسه وتهيئته لقادم االيام ‪ .‬وهذا اجراء كان يلجأ اليه القادة‬
‫والخلفاء مع من كانوا يريدون اعداده للمستقبل وايكال المهمات اليهم‪ .‬وقد ثبت‬
‫فيما بعد صدق فراسة النبـي فيه وقد نجح في اداء مهمته أيما نجاح!‪.‬‬
‫‪ -5‬اهتمام النبـي بشريحة الشباب‪ ،‬وكذلك بيان المساواة الحقيقية في اإلسالم‬
‫فال فضل لعربي على عجمي وال لعجمي على عربي وال احمر على أسود وال‬
‫أسود على أحمر إال بالتقوى ‪ ،‬وأسامة من الموالي ومع ذلك يجعله النبـي اميرا‬
‫على جيش فيه الوجهاء والسادة من قريش وبقية القبائل العربية ذات المكانة‬
‫والمنصبـ والجاه ‪ ،‬عالوة على امتحان الصحابة في إيمانهم وإظهار سرعة‬
‫استجابتهم لمن يأتي بعدهم ألن في تجهيز جيش لخوض معركة فاصلة مع‬
‫واحدة من أعظم امبراطوريتين على وجه األرض بقيادة شاب ال يبلغ عشرين‬
‫عاما وال يمتلك شيئا من الخبرة العسكرية وفي الجيش قادة عسكريون امتحانا‬
‫في غاية الصعوبة ال ينجح فيه إال من كان على مستوى أولئك الصحابة من‬
‫اإليمان وسرعة االستجابة لنداء اإليمان ‪.‬‬
‫قلنا ان بعض الصحابة اعترضواـ على امارة اسامة أول االمر لصغر سنه وقلة‬
‫خبرته وصعوبة المهمة وبُعد المسافة وقوة العدو وكثرتهم ولوجود من هو أكفأ‬
‫منه وأخبر بالحرب ولكن رغم ذلك فقد رضخوا لالمر وساروا تحت امرة‬
‫اسامة االّ ان اشتداد المرض برسول هللا أقعدهم عن الخروج فظل اسامة‬
‫معسكرا بجيشه بالجرف ينتظر مصير رسول هللا (‪. )r‬‬
‫هذا ملخص ما يقوله اهل السنة عن اسباب تجهيز ذلك الجيش ‪،‬‬
‫وتنصيب اسامة على رأسه ‪ ،‬أما الشيعة فانهم يقولون كالما مغايرا تماما لما‬

‫‪ . 1‬مسألة االخذ بالثأر لم تكن مطلوبة لذاتها ولم تكن هي الهدف من تجهيز ذلك الجيش وانما كان الهدف‬
‫الرئيس تأديب الروم ونصارى العرب الذين كانوا يفكرون في غزو المدينةـ فكان ارسال ذلك الجيش‬
‫بمثابة هجوم استباقي عليهم ‪ ،‬ولكن قد تكون مسألة الثأر مطروحة في اختيار اسامة لقيادة الجيش ‪ ،‬فهذا‬
‫من الوسائل المشروعة التي تزيد من عزم االنسان واندفاعه ‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(174‬‬
‫يقوله السنة‪ ،‬يقولون شيئا له دالالت خطيرة جدا ويعكس صورة عجيبة عن‬
‫مجتمع الرسول (‪ )r‬وعن طبيعة العالقات والقيم والموازينـ التي كانت تحكم‬
‫ذلك المجتمع‪.‬‬
‫يقولون‪ :‬ان النبـي (‪ )r‬قد علم بدنو اجله ولذلك اراد ان يُبعد المتربصين‬
‫بالخالفة عن المدينة مدة من الزمن كي تصفو االمور لعلي وتستتب له االمور‬
‫وحين يعود هؤالء يجدون أن كل شيء قد انتهى ويضطرون للتسليم باالمر‬
‫الواقع والرضوخ لخالفة علي‪ ،‬ولذلك زج بابي بكر وعمر في هذا الجيش‪.‬‬
‫وعن سبب اسناد قيادة الجيش الى أسامة البالغ من العمر ‪ 17‬عاما لم أقرأ‬
‫للمتقدمين من الشيعة تعليال له االّ ان الشيخ محمد رضا المظفر يذكر في كتابه‬
‫" السقيفة " تعليالت أعتقد أن الشيعة ال يملكون أحسن منها لذلك ُأور ُدها كما‬
‫هي كتعبير عن رأي الشيعة حول هذا الموضوع‪.‬‬
‫يقول الشيخ المظفر ‪ :‬انه( أي النبـي) اراد ان يهيئ المسلمين لقبول‬
‫"قاعدة الكفاية" في والية امورهم ‪ ،‬من ناحية عملية ‪ ،‬فليست الشهرة وال تقدم‬
‫العمر هما االساس الستحقاق االمارة والوالية ‪ ،‬وأن يقلل من نزوع المتوثبين‬
‫للخالفة ليقيم الحجة لهم وللناس بأن من يكون مأموراَ لشاب يافع وال يصلح‬
‫إلمارة غزوة مؤقتة كيف يصلح لذلك االمر العظيم وهو والية امور جميع‬
‫‪1‬‬
‫المسلمين العامة وهي مقام النبوة وصاحبها أولى بالمؤمنين من انفسهم‪.‬‬
‫دالالت التفسير الشيعي لهذه البعثة‪:‬‬
‫إذاً هذا هو التفسير الشيعي ألسباب وأهداف تجهيز ذلك الجيش ‪ ،‬وذلكم‬
‫هو سبب اختيار اسامة لقيادته ‪ ،‬وقد رأيتم أنه مغاير تماما لتفسير السنة‬
‫ومخالف له في كل ابعاده و حيثياته‪ ،‬ولكل واحد من التفسيرين دالالت ‪،‬‬
‫وسنبدأ بدالالت التفسير الشيعي ونؤخر دالالت التفسير السني الى ما بعد سرد‬
‫تفاصيل قصة البعثة ‪:‬‬
‫‪-1‬ان اول ما يدل عليه هذا الكالم هو ان مجتمع النبـي (‪ )r‬مجتمع متفكك‬
‫وغير متماسك وتتقاسمه النزعات الشخصية والقبلية واالطماع الدنيوية وانه ال‬
‫يوجد اي اثر للتربية النبوية فيهم وان النبـي لم ينشيء امة على االسالم ولم‬
‫‪1‬‬
‫كتاب "السقيفة" للشيخ محمد رضا المظفر ‪.‬ص‪75-73‬منشورات مؤسسة االعلمي ‪.‬بيروت‪-‬لبنان –‪.‬‬
‫?‪ .‬ط‪/‬اولى سنة ‪1413‬هـ‪1993-‬م‬
‫من اين للمظفر ان من زجه الرسول في تلك البعثة ال يصلح إلمارة غزوة مؤقتة ؟ هذا كالم مناقض‬
‫للعقل والمنطق والتاريخ فالذين شاركوا في بعثة اسامة كثير منهم قاد سرايا ومعارك كبيرة في عهد‬
‫الرسول كخالد وعمرو بن العاص ‪ .‬فلو كان االمر كما يزعم المظفر ان كل من جعل جنديا في غزوة ال‬
‫يصلح قائدا في غيرها لوجب ان ال يوكل قيادة الجيش الى اسامة ألنه طالما شارك في الغزوات تحت‬
‫!امرة غيره‪ .‬لست ادري اي منطق هذا الذي يحتكم اليه المظفر؟‬
‫‪174‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(175‬‬
‫يرب سوى اهل بيته وعدد قليل من الناس ‪ ،‬اما اآلخرون فغارقون في الدنيا‬
‫الى اذقانهم وانهم ال يفكرون اال في لحظة وفاة الرسول كي ينقضوا على الحكم‬
‫وينفردوا باالمر‪.‬‬
‫‪ -2‬ويدل على ان النبـي لم يكن مطاعا ً من قبل اصحابه وان كلمته ماكانت‬
‫نافذة فيهم ‪ ،‬لذلك لجأ الى هذا االسلوب البعادهم عن المدينة‪.‬‬
‫‪ -3‬وكنتيجة لذلك(أي ضعفه –حاشاه‪ -‬وعدم نفوذ كلمته بين اصحابه) كان يلجأ‬
‫الى اساليب ملتوية كالتي يلجأ اليها السياسيون لتحقيق اهدافهم! وانه قد لجأ الى‬
‫المكر والخديعة (حاشاه) فجهز جيشا بحجة تأديب الروم والعرب النصارى‬
‫وزج فيه كبار اصحابه وهو في الحقيقة اليريد سوى ابعادهم ليخلي الجو البن‬
‫عمه علي كي يتولى الحكم من بعده دون مقاومة من احد! وهذا شبيه باتهام‬
‫اليهود لداود عليه السالم بأنه ُأعجب بزوجة احد جنوده فارسله في غزوة ثم‬
‫اوعز الى قائدالجيش ان يقدمه للمهالك حتى يقتل فيتزوج زوجته! حاشاهما‬
‫مما يتهمان به ‪ ،‬سبحانك هذا بهتان عظيم‪.‬‬
‫وهذا االستنتاج ال يحتاج المرء الى عناء كبير لفهمه وادراكه فهو شديد‬
‫الظهور وال ينقصه سوى اضافة عبارات المكر والخديعة والدسيسة اليها‬
‫والعبرة بالمسميات ال باالسماء ‪ ،‬فال فرق بين ان تقول المريء انت ماكر او‬
‫تصفه بالمكر فكالهما سواء ‪ ،‬وهذا الذي يقوله الشيعة باالضافة الى داللته‬
‫على ضعف الرسول وعدم نفوذ كلمته في مجتمعه وعدم خضوع الناس له ‪،‬‬
‫فإنه يدل كما قلنا على لجوء النبـي الى الدسيسة والمكر والخديعة‪.‬‬
‫‪ -3‬ان الرسول مع لجوئه الى المكر والدسيسة(حاشاه) فانه ما كان يجيد التدبير‬
‫والتخطيط ‪ .‬فانك لو امعنت النظر في طبيعة هذا الجيش لتبين لك بانه لم يُهيأ‬
‫بالشكل الذي يم ِّكنه من اداء المهمة الملقاة على عاتقه وتحقيق الغرض المرجو‬
‫منه‪ ،‬بل على العكس فانه يمكن القول بان تجهيز هذا الجيش بهذا الشكل ال‬
‫يخدم االّ الخصوم ‪ ،‬واليك اثبات ذلك‪:‬‬
‫لو كان الرسول يريد بهذا الجيش ان يُخلي الجو لعلي كان يجب ان‬
‫يجعل على رأسه رجال قويا نافذ الكلمة ‪ ،‬ال أن يجعل عليه شابا صغيرا ال يبلغ‬
‫سنه العشرين عاما وال يملك من الخبرة العسكرية شيئا ‪ ،‬ألن الذي يستطيع أن‬
‫يزيح رجال مثل علي صاحب القوة والشجاعة والعصبة يسهل عليه ازاحة‬
‫شاب ضعيف مجرد من كل عصبة وقبيلة وهو فوق ذلك ُمعتَرض عليه من‬
‫قبل اغلب افراد الجيش ‪ .‬ولو كان صحيحا ما يقوله الشيعة من ان الرسول‬
‫اراد بهذه البعثة ابعاد هؤالء من المدينة لعمد هؤالء الى عزل اسامة من قيادة‬
‫الجيش بعد سماع وفاة الرسول ‪ ،‬ولقادوا هذا الجيش الذي قوامه حوالي ألف‬
‫‪175‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(176‬‬
‫مقاتل وداهموا به المدينة وعزلوا عليا بالقوة واستولوا على الحكم ‪ .‬اي ان‬
‫الرسول (‪ )r‬بدال من ان يجردهم من القوة منحهم قوة كبيرة لتحقيق اهدافهم! ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن النبـي (‪ )r‬والذين معه لم يكونوا يجيدون حبك الخطة وانهم‬
‫فشلوا حتى في تدبير المؤامرة ورسم الخطة لتحقيق الهدف الذي يبغونه !‬
‫قل لي بربك أهكذا يكون التخطيط لتحقيق مثل هذا الهدف ؟ أليس هذا‬
‫اكبر دليل على بطالن دعوى الشيعة من ان الهدف من هذا الجيش كان ابعاد‬
‫كبار الصحابة عن المدينة واخالء الجو لعلي ؟ االمر اليحتمل االّ احد‬
‫احتمالين ‪ :‬اما بطالن هذه الدعوى ‪ ،‬اي بطالن القول بان الهدف كان إبعاد‬
‫كبار الصحابة عن المدينة ‪ ،‬او اثبات هذه االمور التي ذكرناها والتي تعد طعنا‬
‫في الرسول وهي باختصار ‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود نزاعات داخل المجتمع وانقسامه على نفسه‪.‬‬
‫‪-2‬عدم هيمنة الرسول ‪‬على اصحابه ‪.‬‬
‫‪-3‬لجوء الرسول (‪ )r‬الى المكر والخداع والدسيسة ‪.‬‬
‫‪-4‬عدم اتقان الرسول (‪ )r‬للتخطيط وجهله بطريقة تدبير المكيدة ‪.‬‬
‫هذا التفسير الشيعي يثير مجموعة من التساؤالت‪:‬‬
‫‪ .1‬هل ما فعله الرسول (‪ )r‬هو وسيلة شرعية ونبـيلة ام انه وسيلة غير شرعية‬
‫وغير نبـيلة؟‬
‫جواب الشيعة معلوم سلفا بانه كان هدفا نبـيال وامرا مشروعا ألنه اليمكن ان‬
‫يقولوا بضده ألن ذلك يعد اتهاما صريحا للرسول ‪! ‬‬
‫‪ .2‬وهنا يأتي السؤال الثاني ‪ :‬هل أخبر الرسول ‪‬اسامة بهدف تلك البعثة أم‬
‫لم يـخبـره به؟‬
‫ً‬
‫اذا كان الجواب بنعم فلم اذا لم يغادر اسامة الجرف وبقي ينتظر مصير‬
‫الرسول ‪‬؟!‬
‫ثم لماذا لم يُشر الى هذه المسألة فيما بعد حين راى اختالف الناس على الخالفة‬
‫ال سيما ايام خالفة علي ‪.‬‬
‫ثم لماذا قبل بقيادة الجيش بعد وفاة الرسول‪ ‬وقد علم ان مهمة الجيش قد‬
‫انتهت وانه بعدم مغادرته المدينة كان سببا في افشال خطة الرسول‪. ‬‬
‫وان كان الجواب ال‪ ،‬اي ان الرسول‪ ‬لم يخبره بهدف البعثة والمهمة‬
‫الملقاة على عاتق الجيش ‪ ،‬فهذا يدل على احد امرين ‪ :‬اما ان الرسول اليثق‬
‫باسامة لذلك لم يخبره بهدف البعثة وهذا غير ممكن اذ كيف يكلفه بمثل هذه‬
‫المهمة وال يخبره بها وبالغرض منها ‪ .‬والسيرة تؤكد ان الرسول كان شديد‬
‫‪176‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(177‬‬
‫الحب السامة وشديد الثقة به ‪ ،‬ودفاع الرسول عنه وتزكيته اياه غير خاف‬
‫على احد‪.‬‬
‫أو أنه (حاشاه) لم يكن يعرف كيف يخطط لتحقيق هدفه وكيف يختار ومن‬
‫يختار من اصحابه للقيام بالمهمام الخطيرة !!‬
‫ال شك ان اختيار الرسول‪ ‬السامة لقيادة ذلك الجيش لم يكن اعتباطا ال‬
‫سيما اذا كان الهدف منه ابعاد رؤوس الصحابة من المدينة الخالء الجو لعلي‪.‬‬
‫فهل يُعقل ان يُقدم الرسول على مثل هذا االمر الخطير ويقوم بهذا التخطيط ثم‬
‫ال يُعلم قائد الجيش بغرضه وهدفه؟‬
‫ومرة اخرى ‪ ،‬لنعد الى اسامة بشيء من التفصيل‪:‬ـ‬
‫هل كان اسامة يعرف هذا االمر؟‬
‫ان االجابة على هذا السؤال سوا ًء بااليجاب او النفي ستواجه عقبات ومشاكل‬
‫كثيرة وتتعارض مع ما يدعيه الشيعة في حق هدف هذه البعثة‪:‬‬
‫اذا كان اسامة يعرف الهدف من تلك البعثة لماذا لم يسرع في الخروج‬
‫بجيشه الى حيث امره الرسول؟ ام كان هو اآلخر متواطئا ً مع ابي بكر وعمر؟‬
‫فان كان متواطئا معهما ‪ ،‬فهل كان الرسول يعلم ذلك ام ال؟ ان كان يعلم‬
‫بتواطئه معهما كيف جعله على رأس ذلك الجيش في تلك المهمة الخطيرة ؟ ام‬
‫خفي ذلك على رسول هللا ؟ فان قلتم انه خفي على رسول هللا نقول‪ :‬هل يُعقل‬
‫ذلك في حق الرسول القائد المؤيد بالوحي وبروح القدس؟ قائد يجهل حقيقة‬
‫كل من حواليه ! اذاً اي قائد هذا واي رسول هذا الذي ال يعرف ايا ً من‬
‫اصحابه! فيقرب النفعيين والوصوليينـ ويجعلهم من وزرائه ومقربيه ‪ ،‬ويثق‬
‫بمن ال يستحق الثقة ‪ ،‬ويندب للمهمات الصعبة رجاال غير موثوقين او من‬
‫اليعرف حقيقتهم!‬
‫قد تقولون ان اسامة كان يعلم بالخطة وبقصد الرسول ولكن الصحابة‬
‫لم يطيعوه‪ ،‬لماذا رضي اذاً بقيادة الجيش بعد وفاة الرسول وقد فشل الجيش‬
‫في اداء مهمته وتحقيق هدفه وان المحظور الذي كان الرسول قد جهز الجيش‬
‫لتفاديه قد وقع؟‬
‫واذا سلمنا معكم جدال بان اسامة كان يعرف هدف الرسول وان‬
‫الصحابة عصوه فلم لم يمتثل هو ألمر الرسول وظل يتردد على المدينة بين‬
‫حين وآخر ليرى ما سيئول اليه امر الرسول؟ ثم كيف تجرأ على االشتراك في‬
‫غسل النبـي وقد خالف امره واحبط خطته؟ ثم لماذا لم ينهره علي على مخالفته‬
‫ألمر الرسول ونكوصه عن اداء مهمته؟ كيف سمح له ان يشترك في غسل‬

‫‪177‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(178‬‬
‫رسول هللا (‪ )r‬؟ الم يكن من األولى ان ينهره و يطرده و يقول له اذهب وال‬
‫تُ ِرني وجهك ‪ ،‬فقد احبطت خطة النبـي ؟‬
‫‪ .3‬هل كان اسامة من حزب ابي بكر ام من حزب علي ؟‬
‫ان كان من حزب علي كان يجب ان يعرف قصد الرسول وهدفه ليقوم‬
‫بالمهمة على احسن وجه وال يُعقل ان يجهل هذا االمر ألهميته وخطورته!‬
‫واما ان كان من حزب ابي بكر‪ ،1‬فهل يُعقل ان يُو ِكل الرسول الى احد خصوم‬
‫علي هذا المهام الخطير في مثل هذه اللحظة الحاسمة؟ أليس هذا من سوء‬
‫التدبير وسوء التخطيط؟‬
‫‪ .4‬وسؤال آخرللشيعة‪ :‬من اين عرفتم ان الرسول ‪ ‬كان يقصد من وراء ذلك‬
‫الجيش ابعاد كبار الصحابة عن المدينة؟‬
‫هل كان علي يعلم بهذا الغرض ام ال؟‬
‫ان كان يعلم به فلماذا لم يصرح به في يوم من االيام ‪ ،‬ال في ايام الخلفاء الذين‬
‫سبقوه وال حين كان يجادل معاوية حول موضوع الخالفة ايام خالفته هو؟ هل‬
‫كان يـخجل من ذكره النه يسيء الى النبـي النه من المكر والخديعة ام انه كان‬
‫يجهله ولو علمه لصرح به؟‬
‫ان كان يعلمه فلم أخفاه؟ وان كان يجهله فمن اين علمتموه انتم ومن انبأكم به؟‬
‫أم انكم استنتجتموه من عند انفسكم؟ انكم اذاَ اكثر فراسة واعمق فهما من‬
‫علي!!‬
‫أرجو أن تخلوا الى انفسكم وتفكروا مليا في مثل هذه االمور التي جهلها علي‬
‫وعلمتموها انتم او علمها وسكت عنها وَأثرتموها انتم ولم تسكتوا عنها في‬
‫حين ان إثارتها من قبل علي كان نافعا له وللمسلمين واكثر تثبيتا لموقفه‬
‫واحراجا لخصومه ولعلها كانت تعيد له بعض حقوقه المغتصبة ‪ .‬اما إثارتكم‬
‫اياها فال يعود على االسالم والمسلمين اال بالضرر وبكثير من الفرقة والتشتت‬
‫وال يعيد لعلي شيئا من حقوقه‪.‬‬
‫انكم ان قلتم انه كان يعلمها ويخفيها تقية او للحفاظ على وحدة االمة ‪ ،‬وهذا هو‬
‫الجواب الوحيد الذي يمكن ان تلجأوا اليه وترونه الئقا ً لمقام علي ‪ ،‬فلماذا ال‬
‫تتبعونه في نهجه وتتأسوا بسيرته للحفاظ على وحدة االمة في مثل هذه‬
‫الظروف العصيبة؟‬
‫وان كان اخفاها ايام خالفة الخلفاء الثالثة تقية فلماذا لم يعلنها ايام خالفته اثناء‬
‫محاججاته الكثيرة سواء مع معاوية او مع غيره من الذين قاتلوه؟ او على االقل‬
‫‪ ،‬لماذا لم يبح به الى احد ابنائه او اتباعه‪ ،‬أال يعد هذا كتمانا للحق؟‬
‫‪1‬‬
‫?‪.‬وهذا هو رأي الشيعة في اسامة ‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(179‬‬
‫‪ .5‬وسؤال آخر‪ :‬هل انتبه ابو بكر وعمر الى هذه المكيدة ام ال؟‬
‫ان كانوا قد انتبهوا اليها لماذا اذاً لم يعزل ابو بكر اسامة عن قيادة الجيش نكايةً‬
‫به ال سيما وان الناس كانوا معارضين المارته وطلبوا اليه استبداله بمن هو‬
‫أ َس ّن منه ؟‬
‫ثم لماذا أنفذ الجيش ان كان يعلم ان مهمته قد انتهت ؟ ‪.‬‬
‫ثم لماذا لم ينكل باسامة فيما بعد وقد شارك في المؤامرة ضده؟‬
‫ام كانوا هم اآلخرون ايضا اليعرفون بهدف تجهيز ذلك الجيش؟!‬
‫اذاً‪ ،‬ال علي ‪ ،‬وال ابو بكرو عمر‪ ،‬وال اسامة ‪ ،‬وال ائمة اهل البيت كانوا‬
‫يعرفون هدف الرسول من ذلك االجراء ‪ ،‬والطرف الوحيد الذي يعرف هذا‬
‫السر هم علماء ومتكلموا الشيعة الذين يصدق في حقهم قول الشاعر‪:‬‬
‫ت بما لم تستطعه االوائل‬ ‫آل ٍ‬ ‫االخير زمانُه‬
‫َ‬ ‫واني وان كنت‬
‫اما اذا قلتم بأن عليا وابناءه ومؤيديهم كانوا يعرفون هذه الحقيقة اذاً بم تفسرون‬
‫سكوتهم عنها وعدم اعالم الناس بها ؟‬
‫واذا كان ابو بكر وعمر يعرفانه ‪ ،‬فبم تفسرون سلوكهما ازاء ذلك الجيش‬
‫واميره اسامة؟‬
‫‪ .6‬وسؤال آخر‪ :‬هل جعل النبـي السامة معاونين ومساعدين ممن يثق بهم ‪ ،‬أم‬
‫كان هو الوحيد الذي يعلم بالخطة والهدف‪ ،‬وهو وحده المؤيد لعلي وبقية‬
‫الجيش كله ضد علي او ممن يتعين ابعادهم؟‬
‫ان قلتم ان الرسول قد ندب له من يعاونه ويساعده فمن هم اوالً وماذا كان‬
‫موقفهم ثانياً؟ وهل امتثلوا المر الرسول ام ال؟‬
‫وان قلتم انه لم يندب له من يعاونه فهل هكذا تخطيط يتناسب مع مثل هذه‬
‫المهمة الخطيرة؟‬
‫اشهد انني ال استطيع بحال من االحوال ان اقول برأي الشيعة في سبب وهدف‬
‫تجهيز هذا الجيش ألنني حينئذ سأجد نفسي مضطرا الى اتهام الرسول بسوء‬
‫التدبير وبالمكيدة في اقل تقدير (حاشا رسول هللا ‪ ! ) r‬ولو درس هذا االمر‬
‫من اليكن التوقير للرسول لرماه بأبشع االوصاف واالثم كله يقع على عاتق‬
‫الشيعة الذين ينسبون اليه هذا االمر‪.‬‬
‫‪.7‬ومسألة اخرى بالغ االهمية وهي ‪ :‬هل يجوز ارسال مثل هذا الجيش بهذا‬
‫الحجم الى ذلك المكان البعيد المليء بالمخاطر وتعريض كل هؤالء للمهالك‬
‫من اجل تنصيب علي للخالفة ؟ أليس هذا ميكيافيلية في اوضح صورها؟ اال‬
‫يدل هذا على ان الرسول لم يكن يهمه شيء سوى مصلحته ومصلحة عائلته؟‬
‫أيليق هذا برسول هللا؟ ألم تكن هناك وسيلة اخرى اشرف من هذه الوسيلة‬
‫‪179‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(180‬‬
‫لتحقيق ذلك الهدف ‪ ،‬كأن يبعث المتربصين بالخالفة ‪ ،‬وعددهم قليل‪ ،‬بمأمورية‬
‫أو يُوفدهم الى مكان ما بعيدا عن المدينة ‪ ،‬بدال من أن يشكل من اجل ابعادهم‬
‫جيشا قوامه قرابة الف شخص ثم يدفع بهم الى قلب العدو !‬
‫فكر معي في هذه الصورة كما يصورها الشيعة‪:‬‬
‫رجل يزعم انه نبـي يبعث جيشا قوامه ألف رجل من المدينة الى تخوم‬
‫الشام لقتال الروم ونصارى العرب بقيادة شاب يافع ويعرض ذلك الجيش الذي‬
‫يضم كبار اصحابه وأوائل الذين آمنوا به وبدعوته وناصروه وعزروه ‪،‬‬
‫للمتاعب والمخاطر والمهالك دون ان تكون هناك حاجة لقتال الروم او‬
‫نصارى العرب وانما بهدف ابعادهم عن المدينة واخالء الجو البن عمه كي‬
‫ُتو َجه الملك من بعده ‪ ،‬هل هذا عمل انساني ونبـيل؟ هل يفعل هذا أخس الناس‬ ‫ي ِّ‬
‫‪ ،‬بله رسول هللا ؟ اللهم ال‪ ،‬وحاشا رسول هللا وهو من هو في خلقه وخصاله‪.‬‬
‫واين ما يقوله الشيعة من قول هللا تعالى‪ " :‬لقد جاءكم رسو ٌل من انفسكم‬
‫عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" التوبة‪128/‬‬
‫اما اذا قلتم ‪ :‬انه لم يرسلهم ليقاتلوا احدا وانما مجرد إلبعادهم عن‬
‫المدينة ‪ ،‬قلنا لكم ‪ :‬اين دليلكم على ذلك؟ ثم ماهو المكان المقرر ان يصله‬
‫الجيش ويتوقف عنده؟ وكم هي المدة المقررة للمكوث هناك ؟ ومن المكلف‬
‫بايصال خبر مبايعة علي بالخالفة واستتباب االمر له الى قائد الجيش ان كان‬
‫يعرف المهمة ؟! وان كان اليعرفها ‪ -‬وهو الظاهر‪ -‬فتخيل انت طريقة ايصال‬
‫الخبر اليه!‬
‫ثم ‪ ،‬بماذا يجيب القائد اسامة جنده وكيف يبرر مكوثه دون قتال ان كان‬
‫يعرف المهمة؟ وان كان اليعرفها فتخيل هنا ايضا ماذا يقول لنفسه اوال وبم‬
‫يجيب جيشه ثانيا؟! اسئلة كثيرة تفرض نفسها وال تجد لها جوابا !‬
‫اما اذا قلتم ان هذا االمر لم يُبحث بين النبـي وقائد جيشه فهذا ان لم يدل‬
‫على ضعف التدبير وسوء التخطيط فعلى ماذا يدل ؟ لكن كتب التاريخ تذكر‬
‫لنا تفاصيل خطة الرسول ووصيته السامة ‪َ ،‬من يغزو ‪ ،‬وماذا يفعل وكيف‬
‫يغزو الخ مما يدل على ان الجيش كانت له مهمة قتالية حقيقية وأن النبـي قد‬
‫بحث معه كل ما يلزمه في تلك الغزوة ‪ ،‬فال يعقل أن يتباحث معه كل تلك‬
‫االمور الجانبـية ويغفل عن الهدف الحقيقي!‬
‫ولكن رجوع اسامة الى المدينة وعدم مغادرته لها يدل على ان اسامة لم‬
‫يكن يعلم من امر هذه الخطة شيئا واالّ لسارع بالخروج الى حيث امره رسول‬
‫هللا (‪ )‬وألبعد المتربصين بالخالفة عن المدينة ‪ ،‬بدال من ان يترك جيشه‬

‫‪180‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(181‬‬
‫ويعود بمعية عمر وابي عبيدة ‪ -‬كما يعترف محمد رضا المظفر ‪ -‬الى المدينة‬
‫ليشارك في غسل رسول هللا وتجهيزه!‬
‫ولو قدر لهذه الخطة ان تنجح ‪ ،‬ولم تكن لتنجح ألنها غير موجودة‪،‬‬
‫كيف كانت ستكون نظرة الصحابة الى رسولهم لو اكتشفوا انه لجأ الى هذا‬
‫االسلوب وهو الذي كان يقول لهم ‪" :‬ال ينبغي لنبـي ان تكون له خائنة االعين"‬
‫اي ال ينبغي لنبـي ان يشير بطرف عينه الى بعض جلسائه او اصحابه الداء‬
‫مهمة ما!‬
‫هب ان الصحابة وهم في الطريق عرفوا الهدف من تلك البعثة ‪ ،‬ماذا‬
‫كان سيكون موقفهم ؟ هل كانوا يمضون في طريقهم لمالقاة العدو‪ ،‬غير‬
‫المطلوب قتاله اصال ‪ ،‬ام كانوا سيقفلون راجعين الى المدينة فورا وينقضون‬
‫على دار الخالفة ويعزلون عليا ويفشلون خطة النبـي! ‪.‬هذا ما يوجبه العقل‪.‬‬
‫ان القول بان الهدف من بعثة اسامة هو ابعاد كبار الصحابة من المدينة‬
‫كي يخلو الجو لعلي اضافة الى اتهام الرسول بالميكيافيلية (حاشاه‪ ) ‬فانه‬
‫يشتمل على تناقض كبير مع ما هو معروف من هيمنة الرسول على اصحابه‬
‫ونفاذ كلمته فيهم ‪ ،‬فاذا كان الرسول قادرا على ان يزج كبار الصحابة في‬
‫جيش تحت امرة شاب حدث مجرد من الحسب والنسب والعشيرة‪ ،1‬كيف ال‬
‫يقدر على تولية علي بن ابي طالب ‪ ،‬ابن الواحد والثالثين عاما‪ ،‬وهو الهاشمي‬
‫البطل الشجاع زوج بضعة الرسول فاطمة الزهراء ‪ ،‬ووالد سبطيه سيدي‬
‫شباب اهل الجنة الحسن والحسين ‪ ،‬المشهود له في القرآن وقد نزل فيه على‬
‫زعم الشيعة اكثر من ربع القرآن؟!‬
‫ان داللة تأمير اسامة على ذلك الجيش الذي ضم كبار الصحابة على قدرة‬
‫الرسول وهيمنته على اصحابه ومجتمعه واضحة وضوح الشمس في رابعة‬
‫النهار ولعل هذا االمر هو من اكبر دالالته ‪ ،‬وربما نستطيع القول ان احد‬
‫اهداف تأمير اسامة كان اختبار طاعة الصحابة للرسول ‪ ،‬وان كان هذا‬
‫االحتمال مستبعدا النه لم يكن هناك حاجة الى اختبارهم الن السنين الماضية‬
‫شاهدة على هذه الحقيقة وحافلة بعشرات ‪ ،‬بل بمئات الشواهد على طاعة‬
‫الصحابة للرسول ومحبتهم له وتفانيهم من اجله وهيمنة الرسول على قلوب‬
‫وارواح وعواطف المسلمين وكانت هذه من االمور المسلمة التي ال تحتاج الى‬
‫االختبار وقد ساهم القرآن بصورة مباشرة ‪ ،‬وغير مباشرة ايضا ‪ ،‬في تعزيز‬

‫‪ .1‬عذرا يا سيدي يا اسامة فانه يكفيك نسبا انك من صحابة رسول هللا بل من احبهم اليه وانت الحب ابن‬
‫الحب ولكننا نستعمل هذه االلفاظ لضرورة المناظرة‪ ،‬ويضطرنا اليه من يطعن فيكم وفي سادات‬
‫المسلمين من الصحابة الكرام السيما الخلفاء الراشدين!‬
‫‪181‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(182‬‬
‫هذه المكانة اضافة الى ما اُوتي الرسول من الصفات القيادية التي تؤهله لقيادة‬
‫اعتى المجتمعات واكثرها استعصا ًء على الترويض‪.‬‬
‫‪ .8‬امر آخر في غاية االهمية‪ :‬يقول الشيعة ان الصحابة لم يمتثلوا ألمر رسول‬
‫هللا وتباطئوا في الخروج لصغر سن اسامة‪ ،1‬اذن لماذا لم يعمل الرسول على‬
‫قطع حجتهم وسد الطريق عليهم بتبديل اسامة طالما ان الهدف االساس من‬
‫البعثة كان ابعاد هؤالء المتربصين بالخالفة من المدينة؟ هل يُعقل ان تكون‬
‫هذه الوسيلة عائقا امام تحقيق ذلك الهدف العظيم ؟ اليس هذا ايضا من سوء‬
‫التدبير وضعف التخطيط؟ ان العقل يقضي ان يسارع الرسول الى تبديل اسامة‬
‫ليضمن خروج الجيش بسرعة ‪ ،‬ال أن يتمسك باسامة ويضيع الهدف االسمى‬
‫وهو ابعاد المتربصين بالخالفة ‪.‬‬
‫‪ .9‬وسؤال آخر في غاية االهمية ايضا‪ :‬هل كان الرسول يعلم بأنه يموت في‬
‫مرضه هذا ام ال؟ وهل كان يعلم ان االنصار سيجتمعون في السقيفة ام ال ؟‬
‫وهل كان يعلم ان الناس سيبايعون ابابكر ام ال؟ او باسلوب آخر‪ :‬هل كان عند‬
‫النبـي علم بما سيحدث بعده؟‬
‫اظن ان االجابة على هذا السؤال صعب وليس باالمر الهين وانه سيوقع الشيعة‬
‫في حرج شديد ‪ ،‬ألنهم ان قالوا ‪ :‬نعم انه كان على علم بما سيحصل بعده وانه‬
‫سيموت من مرضه ذلك وان الصحابة سيجتمعون في السقيفة ويبايعون ابابكر‬
‫لماذا اذاً لم يخبر عليا بذلك ولم يخبره بما يفعله لقطع الطريق عليهم ويامره‬
‫بحضور السقيفة او اي مكان يجتمع فيه الصحابة ويبث عيونه بين الناس ليأتوه‬
‫بأخبارهم وتحركاتهم ؟ أو لماذا امر اهل بيته بتغسيله طالما يعلم ان الناس قد‬
‫يستغلون انشغالهم به ويبرمون االمر فيما بينهم بعيدا عن علي وبني هاشم؟‬
‫أال يُعد إشغال علي بتغسيله وتجهيزه تفويتا لتلك الفرصة عليه ؟‬
‫لو كنا نفكر كالشيعة لفسرنا هذا االمر على هذا الوجه كما يفسر الشيعة بعثة‬
‫اسامة على ذلك الوجه ‪ ،‬ولكننا نؤمن بان الرسول (‪ )r‬ما كان يخطط ال‬
‫إلمارة علي وال لحرمان غيره‪ ،‬وانه ادى الرسالة على احسن وجه وانه كان‬
‫يعلم بعض ما سيحصل الُمته على وجه االجمال سوا ًء من خالل معرفته‬
‫بطبيعة البشر او من اخبار هللا تعالى له‪.‬‬
‫اننا لو كنا كالشيعة وتجردنا عن التقوى وعن االنصاف لقلنا ان رسول هللا (‪)r‬‬
‫كان يعلم ان عليا لو تسلم الخالفة سوف تحدث مشاكل بين المسلمين ويفتتن‬
‫الناس به ويؤلّهونه لذا اراد ان يتخلص منه يوم الهجرة حين امره ان يبيت في‬

‫‪1‬‬
‫?‪.‬السقيفة لمحمد رضا المظفر ص‪ 69‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(183‬‬
‫فراشه‪ ،‬ثم انه حين فاته ذلك اراد ان يحرمه من الحكم من بعده لذلك امره ان‬
‫يتكفل غسله وتكفينه الى ان ينتهي المسلمون من اختيار خليفتهم!‬
‫انني على يقين لو ان هذين االمرين حصال في حق ابي بكر أوعمر لفسرهما‬
‫الشيعة على هذا الوجه ولكن احدا من السنة لم ولن يفكر يوما بهذا االمر وانني‬
‫ما اوردته هنا االّ لالحتجاج على الشيعة على طريقتهم واقول لهم ان كنتم‬
‫تفسرون بعثة اسامة على هذا الوجه فانه يوجد في حق علي اجراءات يمكن‬
‫تفسيرها على طريقتكم ولكننا لم ولن نفعل‪.‬‬
‫لنعد الى السؤال الذي طرحناه آنفا‪ :‬هل كان النبـي يعلم بانه سيموت في مرضه‬
‫ذلك ‪ ،‬وانه ستحدث بعده تلك االمور ام ال؟‬
‫اذا قال الشيعة ‪ :‬نعم انه كان يعلم تلك االمور بتفاصيلها ‪ ،‬فانه يكون‬
‫بذلك مقصرا في حق علي اذ لم يخبره بها وبما يفعله وقد شغله عنها عندما‬
‫امره بان يتولى غسله وتجهيزه‪ .‬حاشا رسول هللا ان يتواطأ مع احد او يتآمر‬
‫على احد او يقصر في حق احد‪.‬‬
‫اما اذا قال الشيعة ان الرسول لم يكن يعلم بانه سيموت من مرضه ذلك‬
‫وما سيحدث بعد موته ‪ ،‬نقول‪ :‬اذاً كيف تقولون بان الهدف من تجهيز جيش‬
‫اسامة كان ابعاد المتربصينـ بالخالفة واخالء الجو لعلي حتى يتولى االمر من‬
‫بعده طالما يعلم انه سوف لن يموت من مرضه ذلك ؟‬
‫سؤالٌ‪ ،‬االجابة عليه بكال وجهيه محرج للشيعة ‪ ،‬وهذا يدل على ان‬
‫الهدف من تلك البعثة لم يكن ما يزعمه الشيعة وان االمر لم يكن مسرحية‬
‫وانما اراد النبـي على وجه الحقيقة ان يؤدب الروم ونصارى العرب وانه كان‬
‫على يقين بأن الصحابة سوف لن يبخلوا على اسامة بالمشورة والنصح وأنهم‬
‫سيقدمون مصلحة االسالم على مصالحهم الشخصية وانهم سيقاتلون ببسالة‬
‫تحت امرة اسامة ولن يدخروا وسعا لنصرة االسالم وانهم سيقدمون ما تقر بهم‬
‫عيون نبـيهم (‪.)r‬‬
‫‪ .10‬نقطة اخرى ومهمة في بعثة اسامة هي ‪:‬‬
‫ان التاريخ لم يذكر لنا هل زج الرسول كبار المهاجرين فقط في ذلك‬
‫الجيش ام زج فيه زعماء االنصار ايضا ‪ ،‬ألنه ان كان قد اكتفى بزج‬
‫المهاجرين فهذا يعني انه ما فعل شيئا ألن السقيفة اثبتت ان رجاال من‬
‫االنصار كانوا يتطلعون الى الخالفة وهم الذين سارعوا‪ ،‬كما اسلفنا‪ ،‬الى‬
‫اجتماع السقيفة الختيار خليفة من االنصار وان سعدا المرشح للخالفة كان‬
‫مريضا يومذاك اي انه كان في كل االحوال سوف لن يشارك في تلك الغزوة ‪،‬‬
‫ولو مات الرسول وكبار المهاجرين غياب الُبرم االمر لسعد ولحُرم منه علي ‪،‬‬
‫‪183‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(184‬‬
‫اي ان االجراء كان سيكون لصالح االنصار ال لصالح علي ألن عليا على‬
‫رواية اليعقوبي لم يكن ليترك جثمان النبـي مهما حدثت من امور و بذلك كانت‬
‫االمور ستتعقد اكثر عند عودة المهاجرين !‬
‫وعدم زج زعماء االنصار في ذلك الجيش يدل على ان النبـي ما كان‬
‫يعلم ان االنصار ايضا يتطلعون الى الخالفة وهذا ايضا دليل آخر –لو صح‬
‫زعم الشيعة‪ -‬على ان الرسول كان ال يعرف اصحابه جيدا وانه كان اليجيد‬
‫حبك الخطط وتدبير االمور‪ .‬حاشاه مما ينسبه اليه االفاكون!‬
‫‪ .11‬وامر آخر هو ان طبيعة التوجيهات النبوية للجيش ولقائده ‪-‬كما سيأتي‪-‬‬
‫هي االخرى تثبت ان الهدف منه كان قتال الروم ونصارى العرب وتأديبهم ال‬
‫ابعاد الصحابة من المدينة ‪.‬‬
‫الشروط المطلوبة في الجيش الذي يُندب ألداء مهمة ابعاد المتربصين‬
‫بالخالفة‪:‬‬
‫واخيرا ‪ ،‬هناك شروط اساسية يجب توفرها في الجيش الذي يُراد به ابعاد‬
‫الصحابة عن المدينة واخالء الجو لعلي‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون على رأس الجيش رجل قوي محنك خبير بالحرب ومحل قبول‬
‫الجند ‪ ،‬لكي يضبط الجند وتكون اوامره نافذة عليهم وال يجدون حرجا في‬
‫اطاعته‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون قائد الجيش من مؤيدي هذه الخطة ومن اهل ثقة‬
‫المخطط(الرسول) ‪ ،‬ألنه ال يُعقل ان تُوكل مثل هذه االمور الى رجل‬
‫معارض للخطة أو شخص ال يُوثق به‪.‬‬
‫‪-3‬أن يعلم هذا القائد الهدف من تجهيز الجيش وطبيعة المهمة الملقاة على‬
‫عاتقه ويـُخبَر بتفاصيل الخطة لكي يقوم بها على احسن وجه وال ي ّدخر وسعا ً‬
‫إلنجاحها‪.‬وأن يُزَ ّود بالمعلومات الالزمة حول مدة مكوثه خارج المدينة وكيف‬
‫يتصرف اذا سمع بوفاة الرسول ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يُعيـَّن له بعض االعوان االقوياء ليعينوه على تحقيق الهدف ‪.‬‬
‫بهذه الترتيبات يمكن لمثل هذا الجيش ان ينجح في اداء مهمته ‪ ،‬ولكن يبدو ان‬
‫بعثة اسامة كانت تفتقد الى كل هذه االمور ألداء مهمتها ان كانت المهمة‪ ،‬حقا‪،‬‬
‫ابعاد المتربصينـ بالخالفة وتخلية الجو لعلي ‪ .‬أما ان كان الهدف ما ذكره‬
‫السنة فان الجيش كان مكتمل الشروط سوى حداثة سن اسامة وعدم اختبار‬
‫الناس له في الحرب والذي اثبت فيما بعد صحة اختيار الرسول له وصدق‬
‫فراسته فيه‪.‬‬
‫تفاصيل البعثة ‪:‬‬
‫‪184‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(185‬‬
‫وأخيرا ‪ ،‬أرى أنني اتعبت نفسي واتعبتكم معي بإيراد كل هذه‬
‫التحليالت ‪ ،‬فإن ايراد قصة البعثة كانت كفيلة بإبطال وجهة نظر الشيعة‬
‫ونسف فكرة المؤامرة ‪ ،‬فكما رأينا في السقيفة ‪ ،‬بمجرد ذكر تفاصيل ما حدث‬
‫فيها تبين انه ال توجد هناك ال مؤامرة من قبل ابي بكر وعمر وال هم يحزنون‬
‫! ‪ .‬لذلك فسوف نورد قصة هذه البعثة بكاملها وكما ذكرها الواقدي المعروف‬
‫بميوله الشيعية في كتابه المغازي فاني رأيته احسن من اوردها من المتقدمين‬
‫وهي كفيلة بإظهار الحقيقة ‪،‬و مليئة بالدروس والعبر‪ ،‬واظنك قد اشتقت الى‬
‫معرفتها لتعرف تفاصيل ما حدث فيها‪:‬‬
‫يقول الواقدي‪ :‬قالوا‪ :‬لم يزل رسول هللا (‪ )r‬يذكر مقتل زيد بن حارثة‬
‫وجعفر وأصحابه ‪ ،‬ووجد عليهم وجْ داً شديدا ‪ ،‬فلما كان يوم االثنين ألربع ليال‬
‫بقين من صفر سنة احدى عشرة أمر رسول هللا (‪ )r‬الناس بالتهيؤ لغزو الروم‬
‫وامرهم باالنكماش في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول هللا (‪ )r‬وهم‬
‫مج ّدون في الجهاد ‪ ،‬فلما أصبح رسول هللا (‪ )r‬من الغد يوم الثالء لثالث بقين‬
‫من صفر ‪ ،‬دعا اسامة بن زيد فقال ‪ :‬يا اسامة سر على اسم هللا وبركته حتى‬
‫تنتهي الى مقتل ابيك ‪ ،‬فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش ‪ ،‬فأ ِغر‬
‫وأسرع السير تسبق الخبر ‪ ،‬فإن ظفرك‬ ‫ِ‬ ‫صباحا على أهل ُأبنى وح ِّرق عليهم ‪،‬‬
‫هللا فأقلِل اللبث فيهم ‪ ،‬وخذ معك االدالء ‪ ،‬وقدم العيون امامك والطالئع ‪ .‬فلما‬
‫كان يوم االربعاء ليلتين بقيتا من صفر ‪ ،‬بدأ برسول هللا (‪ )r‬فصدع و ُح ّم ‪ .‬فلما‬
‫أصبح يوم الخميس ليلة بقيت من صفر عقد رسول هللا (‪ )r‬بيده اللواء ‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫يا اسامة اُغز باسم هللا ‪،‬في سبيل هللا ‪ ،‬فقاتلوا من كفر باهلل ‪ ،‬اغزوا وال تغدروا‬
‫‪ ،‬وال تقتلوا وليدا وال امرأة ‪ ،‬وال تمنّوا لقاء العدو ‪ ،‬فانكم ال تدرون لعلكم‬
‫تبتلون بهم ‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬اللهم أكفناهم واكفف بأسهم عنا ! فإن لقوكم فاجلبوا‬
‫وصيحوا ‪ ،‬وعليكم بالسكينة والصمت ‪ ،‬والتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ‪.‬‬
‫وقولوا ‪ :‬اللهم نحن عبادك وهم عبادك ‪ ،‬نواصينا ونواصيهمـ بيدك ‪ ،‬وانما‬
‫تغلبهم انت! واعلمواـ أن الجنة تحت البارقة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ثم قال رسول هللا (‪ ) r‬السامة ‪" :‬إمض على اسم هللا"! فخرج‬
‫بلوائه معقوداً فدفعه الى بريدة بن الحصيب االسلمي ‪ ،‬فخرج به الى بيت‬
‫اسامة ‪ ،‬وامر رسول هللا (‪ )r‬اسامة فعسكر بالجرف ‪ ،‬وضرب عسكره في‬
‫سقاية سليمان اليوم‪ .‬وجعل الناس يَج ُّدون بالخروج الى العسكر ‪ ،‬فيخرج من‬
‫فرغ من حاجته الى معسكره ‪ ،‬ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ ‪ ،‬ولم يبق‬
‫احد من المهاجرين االولين اال انتدب في تلك الغزوة ‪ :‬عمر بن الخطاب ‪ ،‬وابو‬

‫‪185‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(186‬‬
‫عبيدة بن الجراح ‪ ،‬وسعد بن ابي وقاص ‪ ،‬وابو االعور سعيد بن زيد بن‬
‫عمرو بن نفيل‪ ،‬في رجال من المهاجرين واالنصار عدة‪ :‬قتادة بن النعمان ‪،‬‬
‫وسلمة بن سلم بن جريش ‪ ،‬فقال رجال من المهاجرين وكان اشدهم في ذلك‬
‫قوال عياش بن ابي ربيعة ‪ :‬يستعمل هذا الغالم على المهاجرين االولين ؟‬
‫فكثرت القالة في ذلك ‪ ،‬فسمع عمر بن الخطاب (‪ )t‬بعض ذلك القول ‪ ،‬فرده‬
‫على ما تكلم به وجاء الى رسول هللا (‪ )r‬فأخبره بقول من قال ‪ ،‬فغضب رسول‬
‫هللا (‪ )r‬غضبا شديدا ‪ ،‬فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ‪ ،‬ثم‬
‫صعد المنبر فحمد هللا وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال‪ :‬اما بعد ‪ ،‬يا ايها الناس ‪ ،‬ما مقالة‬
‫بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة بن زيد ؟ وهللا ‪ ،‬لئن طعنتم في امارتي‬
‫اسامة لقد طعنتم في امارتي أباه من قبله ‪ ،‬وأيم هللا ‪ ،‬ان كان لالمارة لخليقا‬
‫وان ابنه من بعده لخليق باالمارة ‪ ،‬وان كان لمن احب الناس الي ‪ ،‬وان هذا‬
‫لمن احب الناس الي ‪ ،‬وانهما لمخيالن لكل خير ‪ ،‬فاستوصوا به خيرا فانه من‬
‫خياركم‪ ،‬ثم نزل (‪ )r‬فدخل بيته ‪ ،‬وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع‬
‫االول ‪ ،‬وجاء المسلمون الذين يخرجون مع اسامة يودعون رسول هللا (‪ )r‬فيهم‬
‫عمر بن الخطاب (‪ )t‬ورسول هللا يقول‪ :‬أنفذوا جيش اسامة ! ودخلت ام ايمن ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬اي رسول هللا ‪ ،‬لو تركت اسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل ‪ ،‬فان‬
‫اسامة ان خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه ‪ ،‬فقال رسول هللا (‪ : )r‬أنفذوا‬
‫بعث اسامة ! فمضى الناس الى المعسكر فباتوا ليلة االحد ‪ ،‬ونزل اسامة يوم‬
‫االحد ورسول هللا (‪ )r‬ثقيل مغمور ‪ ،‬وهو اليوم الذي لَ ُّدوه فيه ‪ ،‬فدخل على‬
‫رسول هللا (‪ )r‬وعيناه تهمالن ‪ ،‬وعنده العباس والنساء حوله ‪ ،‬فطأطأ عليه‬
‫اسامة فقبله ‪ ،‬ورسول هللا (‪ )r‬اليتكلم ‪ ،‬فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يصيبها‬
‫على راس اسامة ‪ ،‬قال فأعرف انه كان يدعو لي ‪ .‬قال اسامة ‪ :‬فرجعت الى‬
‫معسكري ‪ .‬فلما اصبح يوم االثنين غدا من معسكره واصبح رسول هللا مفيقا‬
‫فجاءه اسامة فقال‪ :‬اغد على بركة هللا! فودعه اسامة ‪ ،‬ورسول هللا (‪ )r‬مفيق‬
‫مريح ‪ ،‬وجعل نساؤه يتماشطن سرورا براحته ‪ .‬فدخل ابوبكر (‪ )t‬فقال ‪:‬‬
‫يارسول هللا ‪ ،‬أصبحت مفيقا بحمد هللا ‪ ،‬واليوم يوم ابنة خارجة فاذن لي ! فأذن‬
‫له فذهب الى السُنح ‪ ،‬وركب اسامة الى معسكره ‪ ،‬فصاح في الناس أصحابه‬
‫باللحوق بالعسكر ‪ ،‬فانتهى الى معسكره ونزل وامر الناس بالرحيل وقد متع‬
‫النهار ‪ .‬فبينا اسامة يريد ان يركب من الجرف أتاه رسول ام أيمن ‪ ،‬وهي امه‬
‫‪ ،‬يخبره ان رسول هللا (‪ )r‬يموت ‪ ،‬فأقبل اسامة الى المدينة معه عمر وابو‬
‫عبيدة بن الجراح ‪ ،‬فانتهوا الى رسول هللا (‪ )r‬يموت ‪ ،‬فتوفي رسول هللا (‪)r‬‬
‫‪186‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(187‬‬
‫حين زاغت الشمس يوم االثنين الثنتي عشر خلت من ربيع االول‪ .‬ودخل‬
‫المسلمون الذين عسكروا بالجرف المدينة ‪ ،‬ودخل بريدة بن حصيب بلواء‬
‫اسامة معقودا حتى اتى به باب رسول هللا (‪ )r‬فغرزه عنده فلما بويع ألبي بكر‬
‫(‪ )t‬امر بريدة ان يذهب باللواء الى بيت اسامة وان ال يحله ابدا حتى يغزوهم‬
‫اسامة ‪ .‬قال بريدة ‪ :‬فخرجت باللواء حتى انتهيت به الى بيت اسامة ‪ ،‬ثم‬
‫خرجت به الى الشام معقودا مع اسامة ‪ ،‬ثم رجعت به الى بيت اسامة ‪ ،‬فما‬
‫زال في بيت اسامة حتى توفي اسامة‪ .‬فلما بلغ العرب وفاة رسول هللا وارتد‬
‫من ارتد عن االسالم ‪ ،‬قال ابوبكر السامة رحمة هللا عليه‪ :‬أنفذ في وجهك الذي‬
‫وجهك فيه رسول هللا (‪ ،)r‬واخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم‬
‫االول ‪ ،‬وخرج بريدة باللواء حتى انتهى الى معسكرهم االول ‪ ،‬فشق على كبار‬
‫المهاجرين االولين ‪ ،‬ودخل على ابي بكر عمر ‪ ،‬و عثمان ‪ ،‬وسعد بن ابي‬
‫وقاص ‪ ،‬وابو عبيدة بن الجراح ‪ ،‬وسعيد بن زيد فقالوا ‪ :‬يا خليفة رسول هللا ‪:‬‬
‫ان العرب قد انتفضت عليك من كل جانب ‪ ،‬وانك ال تصنع بتفريق هذا الجيش‬
‫المنتشر شيئا ‪ ،‬اجعلهم عدة ألهل الردة ‪ ،‬ترمي بهم في نحورهم ! واخرى‪ ،‬ال‬
‫نأمن على اهل المدينة ان يغار عليهم وفيها الذراري والنساء ‪ ،‬فلو استأنيت‬
‫لغزو الروم حتى يضرب االسالم بجرانه وتعود الردة الى ما خرجوا منه أو‬
‫يفنيهم السيف‪ ،‬ثم تبعث اسامة حينئذ فنحن نأمن الروم ان تزحف الينا ! فلما‬
‫استوعب ابوبكر منهم كالمهم قال‪ :‬هل منكم احد ان يقول شيئا ؟ قالوا ‪ :‬ال ‪،‬‬
‫قد سمعت مقالتنا ‪ .‬فقال ‪ :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لو ظننت ان السباع تأكلني‬
‫بالمدينة ألنفذت هذا البعث ‪ ،‬وال بدأت بأول منه ‪ ،‬ورسول هللا ينزل عليه‬
‫الوحي من السماء يقول ‪ :‬أنفذوا جيش اسامة ! ولكن خصلة ‪ ،‬اكلم اسامة في‬
‫عمر يخلفه يقيم عندنا ‪ ،‬فانه الغناء بنا عنه ‪ .‬وهللا ‪ ،‬ما ادري يفعل اسامة ام ال‪،‬‬
‫وهللا ‪ ،‬ان راى ال ُأكرهه! فعرف القوم ان ابابكر قد عزم على انفاذ بعث‬
‫اسامة‪ .‬ومشى ابوبكر (‪ )t‬الى اسامة في بيته ‪ ،‬وكلمه ان يترك عمر ‪ ،‬ففعل‬
‫اسامة ‪ ،‬وجعل يقول له‪ :‬أذنت ونفسك طيبة؟ فقال اسامة‪ :‬نعم! وخرج وامر‬
‫مناديه ينادي ‪ :‬عزم مني ان ال يختلف عن اسامة من بعثه من كان انتُدب معه‬
‫في حياة رسول هللا (‪ )r‬فاني لن ُأوتى باحد ابطأ عن الخروج معه االّ ألحقته به‬
‫ماشيا‪ .‬وأرسل الى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في امارة اسامة ‪،‬‬
‫فغلظ عليهم واخذهم بالخروج ‪ ،‬فلم يتخلف من البعث انسان واحد‪ .‬فخرج‬
‫ابوبكر يشيع اسامة والمسلمين ‪ ،‬فلما ركب اسامة من الجرف في اصحابه وهم‬
‫ثالثة آالف رجل وفيهم الف فارس فسار ابو بكر (‪ )t‬الى جنب اسامة ساعة‪،‬‬

‫‪187‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(188‬‬
‫ثم قال ‪ :‬استودع هللا دينك وأمانتك وخواتيم عملك ‪ ،‬اني سمعت رسول هللا (‪)r‬‬
‫يوصيك ‪ ،‬فانفذ ألمر رسول هللا (‪ ،)r‬فاني لست آمرك وال انهاك عنه ‪ ،‬وانما‬
‫انا منفذ ألمر امر به رسول هللا (‪ .)r‬فخرج سريعا فوطأ بالدا هادئة لم يرجعوا‬
‫عن االسالم ‪ ،‬جهينة وغيرها من قضاعة ‪ ،‬فلما نزل وادي القرى قدم عينا ً له‬
‫من بني عذرة يقال له حريث‪ ،‬فخرج على صدر راحلته امامه فغدا حتى‬
‫انتهى الى أبنى ‪ ،‬فنظر الى ما هناك وارتاد الطريق ‪ ،‬ثم رجع سريعا حتى‬
‫لقي اسامة على مسيرة ليلتين من أبنى ‪ ،‬فأخبره أن الناس غارون وال جموع‬
‫لهم ‪ ،‬وامره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع ‪ ،‬وأن يشنها غارة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فحدثني هشام بن عاصم ‪ ،‬عن المنذر بن جهم قال‪ :‬قال بريدة‬
‫السامة‪ :‬يا ابا محمد اني شهدت رسول هللا (‪ )r‬يوصي اباك أن يدعوهم الى‬
‫االسالم ‪ ،‬فان اطاعوه خيرهم ‪ ،‬وان احبوا ان يقيموا في دارهم ويكونوا‬
‫كأعراب المسلمين ‪ ،‬وال شيء لهم في الفيء وال الغنيمة االّ أن يجاهدوا مع‬
‫المسلمين ‪ ،‬وان تحولوا الى دار االسالم كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على‬
‫المهاجرين‪ ،‬قال اسامة‪ :‬هذا وصية رسول هللا (‪ )r‬ألبي ‪ ،‬ولكن رسول هللا (‪)r‬‬
‫امرني ‪ ،‬وهو آخر عهده الي‪ ،‬أن ُأسرع السير وأسبق االخبار ‪ ،‬وأن أشن‬
‫الغارة عليهم بغير دعاء ‪ ،‬فأحرق وُأخرب ‪ ،‬فقال بريدة‪ :‬سمعا وطاعة ألمر‬
‫رسول هللا (‪.)r‬‬
‫فلما انتهى الى ُأبنى فنظر اليها منظر العين عبأ اصحابه وقال‪ :‬اجعلوها‬
‫غارةً وال تُمعنوا في الطلب وال تفترقوا ‪ ،‬واجتمعوا واخفوا الصوت واذكروا‬
‫هللا في أنفسكم ‪ ،‬وجردوا سيوفكم وضعوها فيمن أشرف لكم ‪ .‬ثم دفع عليهم‬
‫الغارة ‪ ،‬فما نبح كلب وال تحرك احد ‪ ،‬وما شعروا االّ بالقوم قد شنوا عليهم‬
‫الغارة ينادون بشعارهم‪ :‬يا منصور أمت !‪ .‬فقتل من اشرف له ‪ ،‬وسبى من‬
‫قدر عليه ‪ ،‬وحرق في طوائفهم بالنار ‪ ،‬وحرق منازلهم وحرثهم ونخلهم‪،‬‬
‫فصارت اعاصير من الدخاخين‪ .‬وأجال الخيل في عرصاتهم ‪ ،‬ولم يمعنوا في‬
‫الطلب ‪ ،‬أصابوا ما قرب منهم وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما اصابوا من‬
‫الغنائم ‪ .‬وكان اسامة خرج على فرس ابيه التي قتل عليها ابوه يوم مؤتة‬
‫وكانت تدعى سبحة ‪ ،‬وقتل قاتل ابيه في الغارة ‪ ،‬أخبر به بعض من سبى‪،‬‬
‫وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما‪ ،‬واخذ لنفسه مثل ذلك‪ .‬فلما امسوا امر‬
‫الناس بالرحيل ‪ ،‬ومضى الليل امامه ‪ ،‬حريث العذري‪ ،‬فاخذوا الطريق التي‬
‫جاء منها‪ ،‬ودانوا ليلتهم حتى انتهوا بارض بعيدة ‪ ،‬ثم طوى البالد حتى انتهى‬
‫الى وادي القرى في تسع ليال ‪ ،‬ثم قصد بعد في السير ‪ ،‬فسار الى المدينة ‪،‬‬

‫‪188‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(189‬‬
‫وما اصيب من المسلمين احد‪ .‬فبلغ ذلك هرقل وهو بحمص‪ ،‬فدعى بطارقته‬
‫فقال ‪ :‬هذا الذي حذرتكم ‪ ،‬فأبيتم ان تقبلوه مني‪ .‬قد صارت العرب تأتي مسيرة‬
‫شهر تغير عليكم ‪ ،‬ثم تخرج من ساعتها ولم تُ ْكلَم ‪ .‬قال اخوه‪ :‬سأقوم فأبعث‬
‫رابطة تكون بالبلقاء ‪ .‬فبعث رابطة واستعمل عليهم رجال من اصحابه ‪ ،‬فلم‬
‫يزل مقيما حتى قدمت البعوث الى الشام في خالفة ابي بكر وعمر(رض)‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬واعترض السامة في منصرفه قوم من اهل كثكث قرية هناك قد كانوا‬
‫اعترضواـ ألبيه في بدأته فأصابوا من اطرافه ‪ ،‬فناهضهم اسامة بمن معه ‪،‬‬
‫وظفر بهم وحرق عليهم ‪ ،‬وساق نعما من نعمهم ‪ ،‬واسر اسيرين فأوثقهما ‪،‬‬
‫وهرب من بقي‪ ،‬فقدم بهما المدينة فضرب اعناقهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬بعث اسامة بن زيد بشيره من وادي القرى بسالمة المسلمين ‪،‬‬
‫وأنهم قد أغاروا على العدو فاصابوهم ‪ ،‬فلما سمع المسلمون بقدومهم خرج‬
‫ابوبكر (‪ )t‬في المهاجرين ‪ ،‬وخرج اهل المدينة حتى العواتق سرورا بسالمة‬
‫اسامة ومن معه من المسلمين‪ ،‬ودخل يومئذ على فرسه سبحة فكأنما خرجت‬
‫من ذي خشب‪ ،‬عليه الدرع ‪ ،‬واللواء امامه يحمله بريدة ‪ ،‬حتى انتهى به الى‬
‫المسجد‪ ،‬فدخل فصلى ركعتين وانصرف الى بيته معه اللواء‪ .‬وكان مخرجه‬
‫من الجرف لهالل شهر ربيع االخر سنة احدى عشرة فغاب خمسة وثالثين‬
‫يوما‪ ،‬عشرون في بدأته وخمسة عشر في رجعته‪.‬‬
‫وهناك امور أغفلها الواقدي لها دالالتها ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬طلب االنصار من ابي بكر تبديل اسامة برجل اسن منه و ر ّد ابي بكر‬
‫عليهم‪.‬‬
‫‪ -2‬اقوال اهالي القرى الذين مر بهم الجيش والتي مفادها ان المسلمين البد‬
‫ان يكونوا اقوياء لكي يبعثوا بهذا الجيش الى تخوم الشام لمواجهة الروم ‪.‬‬
‫‪ -3‬تكملة كالم هرقل الذي يظهر فيه تعجبه من المسلمين وهم يغزون الروم‬
‫بعد وفاة نبـيهم مباشرة ‪.‬‬
‫اما عن النقطة االولى فقد اورد الطبري هذه الرواية في كتابه تاريخه ج‪ 2‬ص‬
‫‪246‬تحت عنوان ذكر ماجرى بين المهاجرين واالنصارفي امر االمارة في‬
‫سقيفة بني ساعدة‪:‬‬
‫حدثنا عبيدهللا قال حدثني عمي قال أخبرني سيف وحدثني السري قال حدثنا‬
‫شعيب قال حدثنا سيف عن أبي ضمرة وأبي عمرو وغيرهما عن الحسن بن‬
‫أبي الحسن البصري قال ضرب رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قبل وفاته بعثا‬

‫‪189‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(190‬‬
‫على أهل المدينة ومن حولهم وفيهم عمر بن الخطاب وأمر عليهم أسامة بن‬
‫زيد فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‬
‫فوقف اسامة بالناس ثم قال لعمر ارجع إلى خليفة رسول هللا فاستأذنه يأذن لي‬
‫أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس وحدهم وال آمن على خليفة رسول هللا‬
‫وثقل رسول هللا وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون وقالت األنصار فإن‬
‫أبى إال أن نمضي فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولي أمرنا رجال أقدم سنا من‬
‫أسامة فخرج عمر بأمر أسامة وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر‬
‫لو خطفتني الكالب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول هللا صلى هللا عليه و‬
‫سلم قال فإن األنصار أمروني أن أبلغك وإنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم‬
‫رجال أقدم سنا من أسامة فوثب أبو بكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر فقال له‬
‫ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب استعمله رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‬
‫وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت فقال امضوا‬
‫ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول هللا‪.‬‬
‫وعن النقطة الثانية فقد جاء في البداية والنهاية البن كثير ج‪ 6‬ص ‪:336‬‬
‫فوجه اسامة ‪ ،‬فجعل اليمر بقبيل يريدون االرتداد اال قالوا ‪ :‬لوال ان لهؤالء‬
‫قوة ما خرج مثل هؤالء من عندهم ‪ ،‬ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم ‪ ،‬فلقوا‬
‫الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على االسالم‪.‬‬
‫دالالت بعثة اسامة ‪:‬‬
‫‪-1‬ان أول شيء يدل عليه تجهيز ذلك الجيش بقيادة اسامة بن زيد هو سلطة‬
‫الرسول (‪ )r‬وهيمنته على أصحابه حيث يجهز جيشا بقيادة شاب ال يبلغ عمره‬
‫العشرين عاما وال يمتلك من الخبرة العسكرية شيئا يُذكر وارساله الى مكان‬
‫بعيد يفصل بينه وبين المدينة مئات االميال ثم يزج فيه كبار الصحابة سوا َء من‬
‫الذين كانوا قادة عسكريين كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص أو من الوزراء‬
‫والمستشارين كعمر بن الخطاب وابي عبيدة بن الجراح ‪ ،‬وسعد بن ابي‬
‫وقاص‪ .‬ان مجرد اصدار أمر من هذا القبيل دليل قاطع على هيمنة الرسول‬
‫على االوضاع وعلى مجتمعه ونفاذ كلمته فيهم ويقينه بطاعة الناس له ‪ ،‬ولو‬
‫كان االمر خالف ذلك لما تجرأ (‪ )‬على طرح تلك الفكرة اساسا ناهيك عن‬

‫‪190‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(191‬‬
‫الشروع بتنفيذها ‪ ،‬ول َما أوقع نفسه في ذلك الموقف الحرج واالختبار الصعب‬
‫وهو القائد المربي العارف باالمور والمؤيد بالوحي ‪.‬‬
‫‪ -2‬واالمر الثاني والذي يتصل باالول هو ان هذا الحادث يثبت مدى طاعة‬
‫الصحابة للرسول (‪ )‬وثقتهم به بحيث تذوب حيال اختياره وارادته جميع‬
‫االعتبارات ويبقى امر الرسول هو االساس لكل اعتبار ‪ ،‬فالقدم والخبرة‬
‫والقرب من الرسول والمكانة االجتماعية ‪،‬كلها تطرح جانبا إزاء إرادة‬
‫الرسول‪ ،‬فاالعتبار لما اراده الرسول فقط ال لشيء آخر ‪ ،‬فإذا قال الرسول (‪)‬‬
‫ان القائد الفالني ‪ ،‬او المستشار الفالني سيكون جنديا تحت امرة الشاب الفالني‬
‫الذي ال يمتلك الخبرة العسكرية فالكل يطيعون وال يُلتفت الى اي شيء سوى‬
‫االمر الذي اصدره الرسول(‪ .)‬نعم كان هناك بعض االمتعاض واالعتراض‬
‫على هذا االجراء في اول االمر وهذا من طبيعة البشر ولكن العبرة بالنهاية‬
‫وهي الرضوخ التام لالمر‪.‬‬
‫ان الذي يُقدم على مثل هذا االجراء ثم يُطاع هل يمكن وصفه ‪ ،‬وال نقول‬
‫اتهامه‪ ،‬بانه غير مهيمن على اصحابه او انه غير مطاع في قومه؟ اظن ان‬
‫االجابة واضحة وهي النفي التام‪.‬‬
‫رد شبهة‪:‬‬
‫ولكن يبقى هناك سؤال مهم وهو ‪ :‬ان كان هذا الكالم صحيحا من طاعة‬
‫الصحابة للرسول ونفوذ كلمته فيهم لماذا إذاً لم يغادر الجيش المدينة ولم يذهبوا‬
‫الى حيث اُمروا؟ أال يعد هذا مناقضا لما قلتموه ؟‬
‫هذا االمر يدندن الشيعة حوله كثيرا ويريدون ان يخرجوا منه بنتيجة‬
‫مفادها ان الصحابة ما كانوا يطيعون الرسول وال يمتثلون اوامره ‪ .‬وهم‬
‫يترصدون جميع المواقف التي وقف فيها الصحابة موقف المستفسر من اوامر‬
‫الرسول او المتباطيء قليال في تنفيذها ليدعموا بها موقفهم العدائي من‬
‫الصحابة دون محاولة دراسة حيثيات تلك االمور وال دوافع الصحابة فيما‬
‫كانوا يفعلونه ‪ .‬وفي موضوع بعثة اسامة واعتراض بعض الصحابة على‬
‫تأميره وتوقف الجيش في الجرف قريبا من المدينة يلجأ الشيعة الى الطعن في‬
‫الصحابة انطالقا من هذه النظرة السوداوية لهم والمواقف العدائية منهم ‪.‬‬
‫في الرد على هذه الشبهة نقول‪:‬‬
‫اوال‪ :‬ان الذي تباطأ في الخروج أو مغادرة المدينة – ان صح ان نسمي ذلك‬
‫تباطؤاً‪ -‬هو قائد الجيش الذي ظل مرابطا في الجرف ولم يغادرها حتى يطمئن‬
‫على صحة رسول هللا (‪ ، )r‬وكان هذا عين الصوابـ وما تقتضيه العالقة‬

‫‪191‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(192‬‬
‫الوطيدة التي تربط اسامة برسول هللا(‪ )r‬وهو الحب بن الحب كما كان يسميه‬
‫رسول هللا (‪ ،)r‬واي انسان يطاوعه قلبه ان يترك المدينة ورسول هللا يكابد‬
‫المرض وال يُدرى ما سيؤول اليه امره؟ ولو فعله اسامة وغادر المدينة‬
‫النبرى الذين يلومونه على عدم مغادرته المدينة الى انتقاده بمغادرة المدينة‬
‫ورسول هللا يعاني من مرض الموت!‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ثم ان الرسول‪ ‬لم يغضب على اسامة حين رآه عنده بل مسح على رأسه‬
‫ودعا له مما يؤكد انه (‪ )‬ق ّدر سبب تأخر اسامة عن المسير الى حيث امره ‪،‬‬
‫وهو حب الرسول والحرص عليه ‪ ، ‬وهذا دليل على ان هدف البعثة لم يكن‬
‫ابعاد الصحابة عن المدينة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أما عن اعتراض الصحابة على تأمير اسامة فنقول‪ :‬ان الذين اعترضواـ‬
‫على امارة اسامة كانوا نفرا قليال من المهاجرين على رأسهم عياش بن ابي‬
‫ربيعة ‪ ،‬اما عمر فر ّده واخبر رسول هللا ‪ ‬بمقولته ‪ ،‬أي ان عمر لم يكن من‬
‫المعترضينـ على تأمير اسامة بل انكر على المعترضينـ اعتراضهم على‬
‫رسول هللا تأميره اسامة بن زيد‪.1‬‬
‫‪ -3‬ومن دالالت البعثة‪ :‬تقيد الصحابة بتعاليم الرسول ‪ ، ‬اولهم ابو بكر ‪،‬‬
‫فانه‪:‬‬
‫اوال‪ :‬لم يلغ البعثة ولم يؤخرها رغم حدوث ظروف جديدة تسمح باعادة النظر‬
‫بهذه البعثة ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لم يستجب لمطالب الذين اقترحوا عليه تغيير اسامة واستبداله بمن هو‬
‫اسن منه واخبر ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬لم يزد على وصية الرسول السامة شيئا وانما امره بان يعمل بما اوصاه‬
‫به رسول هللا وقال اني سمعت رسول هللا (‪ )r‬يوصيك ‪ ،‬فانفذ ألمر رسول هللا‬
‫(‪ ،)r‬فاني لست آمرك وال انهاك عنه ‪ ،‬وانما انا منفذ ألمر امر به رسول هللا (‬
‫‪.)r‬‬

‫‪ . 1‬يحاول الشيعة جاهدا ان يثبتوا وجود ابي بكر وعمر ضمن ذلك الجيش للطعن فيهما واالنتقاص من‬
‫شأنهما وجعلها دليال على عدم اهليتهما للخالفة بحجة ان الرسول امر عليهما شابا حدثا مثل اسامة !‬
‫نقول‪ :‬ان وجود ابي بكر وعمر في هذا الجيش ال يقدح في مكانتهما انما هو دليل على تمام طاعتهم‬
‫للرسول (‪ )‬وتمام هيمنة الرسول (‪ )‬على اصحابه‪ .‬وهذا اليعني أني اُسلّم بوجودهما ضمن ذلك الجيش‬
‫السيما ابوبكر فهذا من المسلم به عندى انه لم يكن ضمن ذلك الجيش وقد قلت بوجودهما جدال وتسليما‬
‫لقول الشيعة ُألثبت بان هذا الذي يسعون جاهدين ألثباته ال يخدم قضيتهم بل ينعكس عليهم كما سترى‬
‫فيما بعد‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(193‬‬
‫وثانيهم اسامة ‪ ،‬فإنه حين اقترح عليه بريدة بأن يبدأ بما بدأ به ابوه زيد‬
‫حين بعثه رسول هللا ‪ ‬الى مؤتة قال له اسامة ان ذلك كان من تعاليم الرسول‬
‫ألبي أما أنا فقد أمرني رسول هللا ‪ ‬بغير ذلك وافعل ما امرني به رسول هللا‪،‬‬
‫وهذا نص كالمهما‪:‬‬
‫قال بريدة السامة‪ :‬يا ابا محمد اني شهدت رسول هللا (‪ )r‬يوصي اباك‬
‫أن يدعوهم الى االسالم ‪ ،‬فان اطاعوه خيرهم ‪ ،‬وان احبوا ان يقيموا في دارهم‬
‫ويكونوا كأعراب المسلمين ‪ ،‬وال شيء لهم في الفيء وال الغنيمة االّ أن‬
‫يجاهدوا مع المسلمين ‪ ،‬وان تحولوا الى دار االسالم كان لهم ما للمهاجرين‬
‫وعليهم ما على المهاجرين‪ ،‬قال اسامة‪ :‬هذا وصية رسول هللا (‪ )r‬ألبي ‪ ،‬ولكن‬
‫رسول هللا (‪ )r‬امرني ‪ ،‬وهو آخر عهده الي‪ ،‬أن ُأسرع السير وأسبق االخبار ‪،‬‬
‫وأن أشن الغارة عليهم بغير دعاء ‪ ،‬فأحرق وُأخرب ‪ ،‬فقال بريدة‪ :‬سمعا‬
‫وطاعة ألمر رسول هللا (‪.)r‬‬

‫حديث يوم الخميس‪:‬‬


‫ال يمكن الحديث عن الصحابة وعن النص والبيعة دون الحديث عن هذه‬
‫الحادثة التي رواها البخاري ومسلم على لسان ابن عباس (رض) والتي يروج‬
‫لها الشيعة كثيرا ‪ ،‬ويعولون عليها في الطعن في الصحابة أوال‪ ،‬السيما عمر ‪،‬‬
‫واعتبارها دليال على امامة علي ثانيا‪ ،‬ويعدونها دليال على عزم الرسول على‬
‫تنصيب علي خليفة على المسلمين وعلى عصيان الصحابة له‪ ،‬ويحتجون بها‬
‫على اهل السنة ويقولون ان النبـي ‪r‬كان يريد ان يكتب كتابا بوالية علي ولكن‬
‫عمر حين علم بنية الرسول حال بينه وبين كتابة ذلك الكتاب!‪.‬‬
‫قبل ان نورد الحديث البد ان نشير الى جملة من االمور‪:‬‬
‫‪ .1‬رُوي هذا الحديث عن ابن عباس بطريقين ‪ :‬طريق عبدهللا بن عتبة بن‬
‫مسعود وطريق سعيد بن جبير وبصيغ مختلفة كلها ال تفيد الشيعة بشيء كما‬
‫سنبـين فيما بعد ‪.‬‬
‫‪.2‬وهذه الصيغ فيها اختالف كبير فيما بينها ‪ ،‬وهذه االختالفات لها دالالتها كما‬
‫سنفصل فيما بعد ‪.‬‬
‫احدى هذه الصيغ ليس فيها ذكر يوم الخميس والثانية ذكر فيها يوم الخميس‪.‬‬
‫صيغة تقول ان الرسول اوصاهم بثالث ‪ ،‬واخرى ال تذكر الوصية ‪ ،‬وصيغة‬
‫ورد فيها اسم عمر بن الخطاب ‪ ،‬واخرى لم يرد فيها اسمه !‬

‫‪193‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(194‬‬
‫فالصيغة التي تذكر الوصية تختلف عن التي ال تذكر الوصية ‪ ،‬فالتي ال‬
‫تذكر الوصية يأتي فيها قول ابن عباس ‪ :‬ان الرزية كل الرزية ما حال بين‬
‫رسول هللا وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب الختالفهم ولغطهم‪ ،‬ولكن الصيغة‬
‫التي تذكر الوصية لم يرد فيها هذه العبارة ‪.‬‬
‫والصيغة التي تذكر الوصية بعضها يوحي انه اوصى في نفس ذلك المجلس‬
‫وبعضها تقول انه اوصى عند موته ‪.‬‬
‫والصيغة التي يرد فيها اسم عمر تختلف عن التي ال يرد فيها اسم عمر‬
‫‪ ،‬فالتي يرد فيها اسم عمر تقول انه قال ‪ :‬ان رسول هللا ‪ ‬قد غلبه الوجع‬
‫وعندكم القرآن حسبنا كتاب هللا ‪ ،‬اما التي ال يرد فيها اسم عمر تقول انهم قالوا‬
‫‪( :‬هجر رسول هللا ‪ )‬او (ما به اهجر) !‬
‫وللشيعة تفسير غريب حول هذا االختالف في هاتين الصيغتينـ االخيرتين ‪،‬‬
‫نابع عن موقفهم العدائي من عمر‪ :‬يقولون ان القائل في الروايتين هو عمر‬
‫ولكن الراوي حين ذكر اسم عمر لم يجرؤ على نسبة كلمة (هجر) اليه !‬
‫وهذا الكالم نابع عن الجهل حيث يظنون ان ابن عباس او اللذين رويا‬
‫الحديث عنه رووه في عهد عمر لذا خافوا ان يوردوا اسمه او ينسبوا اليه ذلك‬
‫الكالم وال يدرون ان الحديث روي بزمن طويل بعد عمر بدليل ان كال‬
‫الراويين اللذين رويا الحديث عن ابن عباس من التابعين ‪ ،‬احدهما وهو عبد‬
‫هللا بن عتبة ولد اما في اواخر عهد الرسول ‪ ‬او بعد موته بقليل وتوفي عام‬
‫‪74‬هجري أي انه كان صغيرا في عهد عمر ‪ ،‬وثانيهما وهو سعيد بن جبير‬
‫ولد سنة ‪ 46‬للهجرة أي بعد موت عمر بأكثر من ثالثين سنة ‪ ،‬فلم يكن هناك‬
‫من يخشونه ‪.‬‬
‫واليك اآلن بعض صيغ هذا الحديث‪:‬‬
‫أ‪ .‬المجموعة االولى‪ ،‬عن طريق عبد هللا بن عتبة‪:‬‬
‫ي ع َْن ُعبَ ْي ِد‬ ‫اق َأ ْخبَ َرنَا َم ْع َم ٌر ع َْن ُّ‬
‫الز ْه ِر ِّ‬ ‫‪َ -‬ح َّدثَنَا َعلِ ُّي ب ُْن َع ْب ِد هَّللا ِ َح َّدثَنَا َع ْب ُد ال َّر َّز ِ‬
‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ َما قَا َل ‪:‬‬‫س َر ِ‬ ‫هَّللا ِ ب ِْن َع ْب ِد هَّللا ِ ب ِْن ُع ْتبَةَ ع َْن ا ْب ِن َعبَّا ٍ‬
‫صلَّى‬ ‫ت ِر َجا ٌل فَقَا َل النبـي َ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َوفِي ْالبَ ْي ِ‬‫ض َر َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫لَ َّما ُح ِ‬
‫ُول هَّللا ِ‬
‫ضهُ ْم ِإ َّن َرس َ‬ ‫ضلُّوا بَ ْع َدهُ فَقَا َل بَ ْع ُ‬ ‫هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم هَلُ ُّموا َأ ْكتُبْ لَ ُك ْم ِكتَابًا اَل تَ ِ‬
‫اختَلَفَ‬ ‫آن َح ْسبُنَا ِكتَابُ هَّللا ِ فَ ْ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ ْد َغلَبَهُ ْال َو َج ُع َو ِع ْن َد ُك ْم ْالقُرْ ُ‬‫َ‬
‫ضلُّوا بَ ْع َدهُ‬‫َص ُموا فَ ِم ْنهُ ْم َم ْن يَقُو ُل قَ ِّربُوا يَ ْكتُبُ لَ ُك ْم ِكتَابًا اَل تَ ِ‬ ‫اخت َ‬‫ت َو ْ‬ ‫َأ ْه ُل ْالبَ ْي ِ‬
‫صلَّى هَّللا ُ‬ ‫َو ِم ْنهُ ْم َم ْن يَقُو ُل َغ ْي َر َذلِكَ فَلَ َّما َأ ْكثَرُوا اللَّ ْغ َو َوالا ْختِاَل فَ قَا َل َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫َّزيَّ ِة َما‬ ‫َّزيَّةَ ُك َّل الر ِ‬
‫س ِإ َّن الر ِ‬ ‫ال ُعبَ ْي ُد هَّللا ِ فَ َكانَ يَقُو ُل اب ُْن َعبَّا ٍ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قُو ُموا‪ .‬قَ َ‬

‫‪194‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(195‬‬
‫ك ْال ِكت َ‬
‫َاب‬ ‫ب لَهُ ْم َذلِ َ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َوبَ ْينَ َأ ْن يَ ْكتُ َ‬ ‫َحا َل بَ ْينَ َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬
‫َط ِه ْم (صحيح البخاري باب مرض النبـي ووفاته)‬ ‫الختِاَل فِ ِه ْم َولَغ ِ‬‫ْ‬
‫‪َ -‬ح َّدثَنَا ِإب َْرا ِهي ُم ب ُْن ُمو َسى َح َّدثَنَا ِه َشا ٌم ع َْن َم ْع َم ٍر و َح َّدثَنِي َع ْب ُد هَّللا ِ ب ُْن ُم َح َّم ٍد‬
‫ي ع َْن ُعبَ ْي ِد هَّللا ِ ْب ِن َع ْب ِد هَّللا ِ ع َْن ا ْب ِن‬ ‫اق َأ ْخبَ َرنَا َم ْع َم ٌر ع َْن ُّ‬
‫الز ْه ِر ِّ‬ ‫َح َّدثَنَا َع ْب ُد ال َّر َّز ِ‬
‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ َما قَ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫س َر ِ‬ ‫َعبَّا ٍ‬
‫ت ِر َجا ٌل فِي ِه ْم ُع َم ُر ب ُْن‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َوفِي ْالبَ ْي ِ‬ ‫ض َر َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫لَ َّما ُح ِ‬
‫ضلُّوا بَ ْع َدهُ فَقَ َ‬
‫ال‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم هَلُ َّم َأ ْكتُبْ لَ ُك ْم ِكتَابًا اَل تَ ِ‬ ‫ب قَا َل النبـي َ‬ ‫ْال َخطَّا ِ‬
‫آن َح ْسبُنَا‬ ‫ب َعلَ ْي ِه ْال َو َج ُع َو ِع ْن َد ُك ْم ْالقُرْ ُ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ ْد َغلَ َ‬ ‫ُع َم ُر ِإ َّن النبـي َ‬
‫َص ُموا ِم ْنهُ ْم َم ْن يَقُو ُل قَرِّ بُوا يَ ْكتُبْ لَ ُك ْم النبـي‬ ‫اخت َ‬ ‫ت فَ ْ‬ ‫اختَلَفَ َأ ْه ُل ْالبَ ْي ِ‬ ‫ِكتَابُ هللاِ فَ ْ‬
‫َضلُّوا بَ ْع َدهُ َو ِم ْنهُ ْم َم ْن يَقُو ُل َما قَا َل ُع َم ُر فَلَ َّما‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِكتَابًا لَ ْن ت ِ‬ ‫َ‬
‫صلَّى‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَا َل َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫االختِاَل فَ ِع ْن َد النبـي َ‬ ‫َأ ْكثَرُوا اللَّ ْغ َو َو ْ‬
‫َّزيَّ ِة‬ ‫َّزيَّةَ ُك َّل الر ِ‬ ‫س يَقُو ُل ِإ َّن الر ِ‬ ‫ال ُعبَ ْي ُد هَّللا ِ فَ َكانَ اب ُْن َعبَّا ٍ‬ ‫هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قُو ُموا ‪ .‬قَ َ‬
‫َاب ِم ْن‬ ‫ك ْال ِكت َ‬ ‫ب لَهُ ْم َذلِ َ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َوبَ ْينَ َأ ْن يَ ْكتُ َ‬ ‫َما َحا َل بَ ْينَ َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬
‫اختِاَل فِ ِه ْم َولَ َغ ِط ِه ْم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫صحيح البخاري باب قول المريض قوموا عني‪ ،‬باب كراهية الخالف َو مسلم‬
‫باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه‪.‬‬
‫ب‪.‬المجموعة الثانية‪ ،‬عن طريق سعيد بن جبير‪:‬‬
‫صةُ َح َّدثَنَا اب ُْن ُعيَ ْينَةَ ع َْن ُسلَ ْي َمانَ اَأْلحْ َو ِل ع َْن َس ِعي ِد ب ِْن ُجبَي ٍْر ع َْن‬ ‫‪َ -‬ح َّدثَنَا قَبِي َ‬
‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ َما َأنَّهُ قَ َ‬
‫ال‬ ‫س َر ِ‬ ‫ا ْب ِن َعبَّا ٍ‬
‫ب َد ْم ُعهُ ْال َحصْ بَا َء فَقَا َل ا ْشتَ َّد‬ ‫ض َ‬ ‫يس ثُ َّم بَ َكى َحتَّى َخ َ‬ ‫يس َو َما يَوْ ُم ْالخَ ِم ِ‬ ‫يَوْ ُم ْال َخ ِم ِ‬
‫ب َأ ْكتُبْ‬ ‫يس فَقَا َل اْئتُونِي بِ ِكتَا ٍ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو َج ُعهُ يَوْ َم ْال َخ ِم ِ‬ ‫ُول هَّللا ِ َ‬‫بِ َرس ِ‬
‫ع فَقَالُوا هَ َج َر‬ ‫َضلُّوا بَ ْع َدهُ َأبَدًا فَتَنَا َز ُعوا َواَل يَ ْنبَ ِغي ِع ْن َد نبـي تَنَا ُز ٌ‬ ‫لَ ُك ْم ِكتَابًا لَ ْن ت ِ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَا َل َد ُعونِي فَالَّ ِذي َأنَا فِي ِه َخ ْي ٌر ِم َّما تَ ْد ُعونِي ِإلَ ْي ِه‬ ‫َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫ب َوَأ ِجي ُزوا ْال َو ْف َد‬ ‫ث َأ ْخ ِرجُوا ْال ُم ْش ِر ِكينَ ِم ْن َج ِزي َر ِة ْال َع َر ِ‬ ‫صى ِع ْن َد َموْ تِ ِه بِثَاَل ٍ‬ ‫َوَأوْ َ‬
‫يت الثَّالِثَةَ (البخاري باب‪/‬هل يستشفع الى اهل الذمة‬ ‫ت ُأ ِجي ُزهُ ْم َونَ ِس ُ‬ ‫بِنَحْ ِو َما ُك ْن ُ‬
‫ومعاملتهم)‪.‬‬
‫ال اب ُْن‬ ‫ان ع َْن ُسلَ ْي َمانَ اَأْلحْ َو ِل ع َْن َس ِعي ِد ْب ِن ُجبَي ٍْر قَا َل قَ َ‬ ‫‪َ -‬ح َّدثَنَا قُتَ ْيبَةُ َح َّدثَنَا ُس ْفيَ ُ‬
‫س‬ ‫َعبَّا ٍ‬
‫َّ‬
‫صلى ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم َو َج ُعهُ فَقَ َ‬
‫ال‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫يس ا ْشتَ َّد بِ َرسُو ِل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫يس َو َما يَوْ ُم الخَ ِم ِ‬ ‫يَوْ ُم ْال َخ ِم ِ‬
‫َضلُّوا بَ ْع َدهُ َأبَدًا فَتَنَا َز ُعوا َواَل يَ ْنبَ ِغي ِع ْن َد نبـي تَنَا ُز ٌ‬
‫ع‬ ‫اْئتُونِي َأ ْكتُبْ لَ ُك ْم ِكتَابًا لَ ْن ت ِ‬
‫فَقَالُوا َما َشْأنُهُ َأهَ َج َر ا ْستَ ْف ِه ُموهُ فَ َذهَبُوا يَ ُر ُّدونَ َعلَ ْي ِه فَقَا َل َد ُعونِي فَالَّ ِذي َأنَا فِي ِه‬
‫ث قَا َل َأ ْخ ِرجُوا ْال ُم ْش ِر ِكينَ ِم ْن َج ِز َ‬
‫ير ِة‬ ‫صاهُ ْم بِثَاَل ٍ‬ ‫خَ ْي ٌر ِم َّما تَ ْد ُعونِي ِإلَ ْي ِه َوَأوْ َ‬
‫‪195‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(196‬‬
‫ت ُأ ِجي ُزهُ ْم َو َسكَتَ ع َْن الثَّالِثَ ِة َأوْ قَا َل‬ ‫ب َوَأ ِجي ُزوا ْال َو ْف َد بِنَحْ ِو َما ُك ْن ُ‬ ‫ْال َع َر ِ‬
‫فَن َِسيتُهَا(البخاري باب مرض النبـي ووفاته)‬
‫ُور َوقُتَ ْيبَةُ ب ُْن َس ِعي ٍد َوَأبُو بَ ْك ِر ب ُْن َأبِي َش ْيبَةَ َو َع ْمرٌو النَّاقِ ُد‬ ‫‪َ -‬ح َّدثَنَا َس ِعي ُد ب ُْن َم ْنص ٍ‬
‫ان ع َْن ُسلَ ْي َمانَ اَأْلحْ َو ِل ع َْن َس ِعي ِد ْب ِن ُجبَي ٍْر قَا َل قَ َ‬
‫ال‬ ‫َواللَّ ْفظُ لِ َس ِعي ٍد قَالُوا َح َّدثَنَا ُس ْفيَ ُ‬
‫س‪:‬‬‫اب ُْن َعبَّا ٍ‬
‫ت يَا ا ْبنَ‬ ‫صى فَقُ ْل ُ‬ ‫يس ثُ َّم بَ َكى َحتَّى بَ َّل َد ْم ُعهُ ْال َح َ‬ ‫يس َو َما يَوْ ُم ْالخَ ِم ِ‬ ‫يَوْ ُم ْال َخ ِم ِ‬
‫ال‬‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو َج ُعهُ فَقَ َ‬ ‫ال ا ْشتَ َّد بِ َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬ ‫يس قَ َ‬‫س َو َما يَوْ ُم ْالخَ ِم ِ‬ ‫َعبَّا ٍ‬
‫َضلُّوا بَ ْع ِدي فَتَنَا َز ُعوا َو َما يَ ْنبَ ِغي ِع ْن َد نبـي تَنَا ُز ٌ‬
‫ع‬ ‫اْئتُونِي َأ ْكتُبْ لَ ُك ْم ِكتَابًا اَل ت ِ‬
‫صي ُك ْم بِثَاَل ٍ‬
‫ث‬ ‫ال َد ُعونِي فَالَّ ِذي َأنَا فِي ِه َخ ْي ٌر ُأو ِ‬ ‫َوقَالُوا َما َشْأنُهُ َأهَ َج َر ا ْستَ ْف ِه ُموهُ قَ َ‬
‫ت ُأ ِجي ُزهُ ْم قَا َل‬ ‫ب َوَأ ِجي ُزوا ْال َو ْف َد بِنَحْ ِو َما ُك ْن ُ‬ ‫ير ِة ْال َع َر ِ‬
‫َأ ْخ ِرجُوا ْال ُم ْش ِر ِكينَ ِم ْن َج ِز َ‬
‫َو َسكَتَ ع َْن الثَّالِثَ ِة َأوْ قَالَهَا فَُأ ْن ِسيتُهَا(مسلم باب‪/‬ترك الوصية لمن ليس له شيء‬
‫يوصي فيه)‪.‬‬
‫‪َ -‬ح َّدثَنَا ُم َح َّم ٌد َح َّدثَنَا اب ُْن ُعيَ ْينَةَ ع َْن ُسلَ ْي َمانَ اَألحْ َو ِل َس ِم َع َس ِعي َد ْبنَ ُجبَي ٍْر َس ِم َع‬
‫يس ثُ َّم بَ َكى‬ ‫يس ‪َ ،‬و َما يَوْ ُم ْال َخ ِم ِ‬ ‫س ‪ -‬رضى هللا عنهما – يَقُو ُل‪ :‬يَوْ ُم ْالخَ ِم ِ‬ ‫ا ْبنَ َعبَّا ٍ‬
‫يس قَا َل ا ْشتَ َّد بِ َرسُو ِل‬ ‫س ‪َ ،‬ما يَوْ ُم ْال َخ ِم ِ‬ ‫ت يَا َأبَا َعبَّا ٍ‬ ‫صى ‪ .‬قُ ْل ُ‬ ‫َحتَّى بَ َّل َد ْم ُعهُ ْال َح َ‬
‫ف َأ ْكتُبْ لَ ُك ْم ِكتَابًا الَ‬ ‫هَّللا ِ ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪َ -‬و َج ُعهُ فَقَا َل « اْئتُونِى بِ َكتِ ٍ‬
‫ع فَقَالُوا َما لَهُ َأهَ َج َر‬ ‫َضلُّوا بَ ْع َدهُ َأبَدًا » ‪ .‬فَتَنَازَ ُعوا َوالَ يَ ْنبَ ِغى ِع ْن َد نَبِ ّى تَنَا ُز ٌ‬ ‫ت ِ‬
‫ا ْستَ ْف ِه ُموهُ ‪ .‬فَقَا َل « َذرُونِى ‪ ،‬فَالَّ ِذى َأنَا فِي ِه َخ ْي ٌر ِم َّما تَ ْد ُعونِى ِإلَ ْي ِه ‪ -‬فََأ َم َرهُ ْم‬
‫ب ‪َ ،‬وَأ ِجي ُزوا ْال َو ْف َد بِنَحْ ِو َما‬ ‫ير ِة ْال َع َر ِ‬ ‫ث قَا َل ‪َ -‬أ ْخ ِرجُوا ْال ُم ْش ِر ِكينَ ِم ْن َج ِز َ‬ ‫بِثَالَ ٍ‬
‫ت ُأ ِجي ُزهُ ْم » ‪َ .‬والثَّالِثَةُ خَ ْي ٌر ‪ِ ،‬إ َّما َأ ْن َسكَتَ َع ْنهَا ‪َ ،‬وِإ َّما َأ ْن قَالَهَا فَن َِسيتُهَا ‪.‬‬ ‫ُك ْن ُ‬
‫ان هَ َذا ِم ْن قَوْ ِل ُسلَ ْي َمانَ ‪(.‬البخاري باب اخراج اليهود من جزيرة‬ ‫قَا َل ُس ْفيَ ُ‬
‫العرب) أي ان سليمان ال يدري هل سكت عنها سعيد بن جبير او ذكرها سعيد‬
‫ونسيها هو‪.‬‬
‫المجموعة االولى رواها الزهري عن عبيد هللا ( احد الفقهاء السبعة‬
‫المشهورين في المدينة) عن ابيه عبد هللا بن عتبة التابعي ابن اخي عبد هللا بن‬
‫مسعود المولود في اواخر عهد النبـي او بعد موته ‪ ‬بقليل و المتوفى سنة ‪74‬‬
‫للهجرة وهي تختلف عن المجموعة الثانية بامور ‪:‬‬
‫‪ .1‬ليس فيها اشارة الى يوم الخميس‪.‬‬
‫‪.2‬ليس فيها ذكر الوصية وانما جاء فيها ان الرسول اخرجهم من البيت‪.‬‬
‫‪ .3‬ذكر فيها اسم عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪ .4‬ليس فيها لفظة ‪( :‬هجر ) او(ما به أهجر ) وانما فيها عبارة‪( :‬ان رسول هللا‬
‫قد غلبه الوجع عندكم القرآن حسبكم كتاب هللا) ‪.‬‬
‫‪196‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(197‬‬
‫‪ .5‬جاء فيها عبارة ‪ :‬ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول هللا وبين ان‬
‫يكتب لهم ذلك الكتاب ‪ .‬أي ان الرسول لم يكتب وصيته تلك ولم يبلغها‪.‬‬
‫اما المجموعة الثانية فقد رواها مجموعة من الرواة عن سعيد بن جبير الذي‬
‫ولد سنة ‪ 46‬للهجرة وتوفي سنة ‪ 95‬للهجرة عن تسع واربعين سنة قتله‬
‫الحجاج بن يوسف لمشاركته في ثورة عبد الرحمن بن االشعث ‪ ،‬نالحظ فيها‪:‬‬
‫‪.1‬ذكر فيها يوم الخميس ‪.‬‬
‫صى ِع ْن َد َموْ تِ ِه‬ ‫‪.2‬ورد فيها الوصية ولكن بصيغ مختلفة ‪ :‬واحدة بصيغة ( َوَأوْ َ‬
‫ث) مما يفيد ان الوصية لم تكن في نفس اليوم ونفس المجلس واخرى‬ ‫بِثَال ٍ‬
‫بصيغة‪( :‬اوصاهم بثالث ) و (اوصيكمـ بثالث) وثالثة بصيغة (فامرهم بثالث)‬
‫مما يفيد انه اوصاهم في ذلك المجلس ‪.‬‬
‫‪ .3‬لم يرد فيها اسم عمر ‪.‬‬
‫‪ .4‬ورد فيها عبارة‪ (:‬هجر رسول هللا) او ( مابه أهجر استف ِهموه) ‪.‬‬
‫‪ .5‬ورد فيها عبارة ‪ ( :‬دعوني فالذي انا فيه خير مما تدعوني اليه)‪.‬‬
‫‪ .6‬لم يرد فيها عبارة ‪ (:‬ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول هللا وبين ان‬
‫يكتب لهم ذلك الكتاب)‬
‫هذه االختالفات تدل على ان ابن عباس روى هذه الحادثة مرتين ‪ ،‬مرة لعبد‬
‫هللا بن عتبة بن مسعود ومرة لسعيد بن جبير ولكن لماذا ورد فيها كل هذه‬
‫االختالفات ؟ ال ادري ! لعل سعيد بن جبير سأله ان كان رسول هللا ‪ ‬قد‬
‫اوصى بعد ذلك ام ال‪.‬‬
‫والمشترك بين هاتين المجموعتين هو ‪:‬‬
‫‪ .1‬انه كان في يوم اشتداد المرض برسول هللا ‪. ‬‬
‫‪ .2‬ان رسول هللا ‪ ‬أراد ان يكتب كتابا ال يضلون بعده‪.‬‬
‫‪ .3‬حصل اختالف وتنازع بين الحاضرين وعلى اثره لم يتم احضار الكتف‬
‫والدواة ‪ ،‬وعليه لم يتم كتابة الكتاب الذي ازمع رسول هللا ‪ ‬كتابته‪.‬‬
‫فهل هاتان الروايتان تتحدثان عن حادثة واحدة ام عن حادثتين مختلفتين؟‬
‫الراجح انهما تتحدثان عن حادثة واحدة ألن المفاصل الرئيسية في الروايتينـ‬
‫واحدة ‪ ،‬واهم اختالف بينهما هو الوصية ‪ ،‬ففي رواية اوصى الرسول ‪ ‬وفي‬
‫االخرى لم يوص! ويمكن التوفيق بينهما بالقول بان الرواية التي رواها سعيد‬
‫بن جبير عن ابن عباس والتي ذكرت الوصية ‪ ،‬النه قد يكون سعيد بن جبير‬
‫تتبع االمر واستفسر عنه ابن عباس فتوصل الى ان الرسول ‪ ‬قد اوصى في‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬اما عبدهللا بن عتبة فيبدو انه لم يستفسر عن ابن عباس عما اذا كان‬

‫‪197‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(198‬‬
‫النبـي اوصى بعد تلك الحادثة ام ال فاوردها كما سمعها من ابن عباس مما‬
‫توحي ان الرسول حين امتنع الحاضرون عن احضار الدواة والقرطاس اكتفى‬
‫باخراجهم من البيت‪.‬‬
‫واآلن وبعد ان سقنا هذه الروايات تعال بنا لنحللها لنرى هل فيها مستمسك‬
‫للشيعة ودليل على ما يقولون ام ال؟ وسندرسها من جهتين ‪ :‬من جهة عدم‬
‫داللتها على امامة علي ‪ ،‬ومن جهة عدم داللتها على مخالفة الصحابة للرسول‬
‫‪ ‬واساءة االدب معه ‪.‬‬
‫اوال ‪ :‬من جهة عدم داللتها على امامة علي‪:‬‬
‫‪ -1‬يقول الشيعة ان الوصية التي يدعي الراوي انه نسي الثالثة منها في‬
‫الحقيقة انه لم ينسها ولكنه أخفاها عن عمد ألنها كانت في امامة علي ‪ ،‬فأخفاها‬
‫اما خوفا من السلطة اوألنها كانت مخالفة لهواه !‬
‫والجواب‪:‬‬
‫أ‪ .‬ان الذي روى هذا الحديث هو سعيد بن جبير الذي يعده الشيعة منهم فكيف‬
‫يخفي هذه الوصية ان كان في امامة علي السيما وان سعيدا لم يكن خائفا من‬
‫السلطة بل واجههم بكل شجاعة وآثر الموت على االعتراف بخالفة عبد الملك‬
‫بن مروان ‪.‬‬
‫ب‪ .‬لو كان الراوي متعمدا اخفاء الوصية الثالثة وتجرأ على ذلك فلماذا لم‬
‫يبدلها من اساسها ويقول بانها كانت في والية ابي بكر بدال من اخفائها ؟ فالذي‬
‫يتجرأ على اخفاء حقيقة ألغراض سياسية أو خوفا من السلطان ‪ ،‬يستطيع ان‬
‫يبدلها بشيء يخدم السلطة ويجلب به نفعا لنفسه ويتقرب به من السلطان‪.‬‬
‫ج‪ .‬جاء في احدى الروايات هذه العبارة‪( :‬والثالثة خير) فلو كانت في امامة‬
‫علي وبهذه االهمية لما نسيها ولما قال عنها انها خير ‪ ،‬بل ربما قال والثالثة‬
‫عظيمة ال أقدر أو ال أجرؤ على البوح بها النني لو بحت بها لفعل بي كذا وكذا‬
‫‪ ،‬كما قال ابو هريرة مرة ‪( :‬حفظت من رسول هللا ‪ ‬وعائين فأما أحدهما‬
‫فبثثته ‪ ،‬وأما اآلخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم )‪ ،1‬ال سيما وان الرواة غير‬
‫متهمين بمعاداة علي !‬
‫‪ -2‬هذا الحديث رواه البخاري ومسلم واحمد والنسائي وغيرهم و ظاهره ذم‬
‫للصحابة فلم يثنهم ذلك عن روايته مما يدل على ان رواة السنة وعلى رأسهم‬
‫الصحابة رووا كل ما سمعوه من الرسول‪ ،‬مالهم وما عليهم‪ ،‬وهو يكفي لرد‬
‫اتهام الشيعة لهم بانهم لم يرووا جميع ما سمعوه من الرسول خوفا من‬
‫‪ . 1‬رواه البخاري في صحيحه (‪ / )216 / 1‬باب حفظ العلم ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(199‬‬
‫السلطات او العتبارات سياسية او مذهبية او غيرها‪ .‬فلو كان الصحابة من‬
‫النوع الذي يخفون الحقائق أو يبدلونها لما رووا االحاديث التي توحي ظاهرها‬
‫بذمهم ‪ ،‬او االحاديث التي تمدح عليا واهل بيته ‪ .‬فوجود مثل هذه االحاديث‬
‫يدل داللة قاطعة على ان الصحابة والتابعين ماكانوا يراعون السلطة السياسية‬
‫في رواية االحاديث وانهم اتسموا بالصدق واالمانة واالنصاف في كل ما‬
‫بث كل ما‬‫رووه من احاديث‪ .‬واما احتجاج الشيعة بقول ابي هريرة بانه لو ّ‬
‫عنده من احاديث لقُطع بلعومه يفسر بأن أبا هريرة قصد منه ذلك المجلس فقط‬
‫وليس على الدوام ألنه روى احاديث كثيرة يوحي ظاهرها بذم حكم بني امية‬
‫‪ ،‬واحاديث كثيرة اخرى في مدح علي واهل بيته وسائر افراد أهل البيت ‪ ،‬فلو‬
‫كان ابو هريرة مـُخفيا ً شيئا ً ألخفى هذه االحاديث ‪ ،‬ولكنه لم يفعل مما يدل على‬
‫ان الخوف من السلطة لم يكن حائال دون رواية ما سمعوه من رسول هللا‪. r‬‬
‫نعم جاء فيما بعد اناس وضعوا احاديث على لسان الصحابة لدعم فكرة‬
‫سياسية او للترويج لمذهب معين وقد تصدى علماء الحديث لتلك المحاوالت‬
‫ووضعوا قواعد صارمة للحيلولة دون تشويه االسالم وقد نجحوا في ذلك ايما‬
‫نجاح‪ ،‬ولكن لم يستطيعوا ان يوقفوا تلك الحملة ألن ذلك ليس في مقدورهم‬
‫وال في مقدور غيرهم ‪ ،‬ويكفي انهم وضعوا لنا قواعد متينة للحكم على‬
‫الروايات وتمييز صحيحها عن سقيمها‪.‬‬
‫‪ -3‬ان كان المقصود من ذلك الكتاب كتابة عهد بامامة او خالفة علي‪ ،‬كما‬
‫يقول الشيعة‪ ،‬عندئذ نسأل‪ :‬ما الحاجة الى كتابة هكذا عهد لعلي وقد اُخذت له‬
‫البيعة في غدير خم ‪،‬كما يزعم الشيعة‪ ،‬قبل بضعة اشهر ؟ وان القرآن‪ ،‬في‬
‫زعمهم ‪ ،‬قد نص على امامته قبل ذلك في آيات عديدة ‪ ،‬والرسول نص عليه‬
‫في احاديثه ‪ ،‬وانه قد تَ ّوج آيات القرآن ووصاياه ببيعة غدير خم ‪ ،‬فما الحاجة‬
‫بعد ذلك الى كتابة كتاب يعهد فيه بالخالفة لعلي ؟ اليس هذا بمثابة تحصيل‬
‫الحاصل؟‬
‫اذا كان الصحابة قادرين على اخفاء او اهمال بيعة جرت امام المأل واشترك‬
‫فيها مااليقل عن مائة الف رجل وامرأة‪ ،‬كما يزعم الشيعة‪ ،1‬فما الذي يمنعهم‬
‫من اهمال كتاب كتبه في مرض موته امام بضعة اشخاص ؟ وإذا كان علي‪t‬‬
‫قد تقاعس او خشي‪ ،‬حاشاه‪ ،‬عن المطالبة بحق شهد عليه مائة الف و االحتجاج‬

‫‪ . 1‬هذا الرقم غير صحيح النه ليس كل الذين حضروا حجة الوداع رجعوا مع رسول الى المدينةـ بل‬
‫تفرقوا عنه وما بقي معه اال اهل المدينة وما حولها والذي ال يتجاوز عددهم عشرين الفا في احسن‬
‫االحوال ‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(200‬‬
‫به على ابي بكر وعمر‪ ،‬فهل يجرؤ على االحتجاج بكتاب يكتبه الرسول امام‬
‫بضعة أشخاص؟‬
‫وليس هذا فحسب بل يقول الشيعة ان النبـي ‪ ‬اعلن امامة علي في مكة في‬
‫حديث الدار قبل غدير خم بحوالي عشرين سنة‪ ،‬واآليات التي يستدلون بها‬
‫على امامة علي جاءت بين هاتين الفترتين ‪ ،‬وهذا يستلزم ان تكون امامة علي‬
‫قد وصلت خالل تلك الفترة الى مرتبة االمور المسلمة و المعلومة من الدين‬
‫بالضرورة‪ ،‬وال يمكن ان تكون مسألة بهذه االهمية وهذا الوضوح خافية على‬
‫الصحابة ‪ ،‬وعليه كان يجب ان يتعامل الناس مع علي كنائب للنبـي في كل‬
‫االمور وان ينظروا اليه كولي للعهد فيرجعوا اليه في امورهم وان يكون له‬
‫دور حيوى في حياة النبـي‪ ،‬السيما في مثل هذه المواقف‪ ،‬كذلك يستلزم ان‬
‫يُوكل النبـي اليه االمور في حياته وان يجتمع الناس اليه فور وفاة الرسول‪‬‬
‫ليبايعوه ‪ ،‬فلم يكن هناك ادنى حاجة الى كتابة كتاب بامامته ‪.‬‬
‫كذلك لم تكن هناك حاجة الى مخاطبة جميع الموجودين في البيت ان كان‬
‫القصد منه كتابة كتاب بامامة علي بل كان يكفي ان يستدعي عليا ويكلفه‬
‫باحضار الدواة والقرطاس بصفته نائبا له ‪ ،‬ال ان يخاطب جمهور الحاضرين‬
‫باحضار الدواة والقرطاس ليكتب لهم وصيته ‪ ،‬و يستلزم ان يتعامل مع علي‬
‫على اساس انه خليفته فيوصيه ‪ ،‬ال ان يكتب له كتابا بامامته وكأنه لم يبينها‬
‫من قبل ‪ ،‬وألنه لو كانت هذه االيات واالحاديث واالحداث دالة على امامة علي‬
‫كان يجب ان تصبح امامة علي من االمور المسلمة التي ال يعذر احد بجهلها‬
‫كااليمان باهلل ورسوله واليوم اآلخر والصالة والصوم ‪ ،‬وان كان هناك حاجة‬
‫الى تذكير الناس بها الستوجب ان يكون شبيها بصيغة التذكير ببقية االمور‬
‫كالصالة والصوم وتقوى هللا ‪ ،‬أي التذكير بعدم التهاون في شان االمامة‬
‫والتاكيد على طاعة علي ال عرضها بصيغة كانها لم تعرف من قبل وكأنها‬
‫تذكر ألول مرة!‬
‫‪ -4‬ان القول بأن الرسول‪ ‬كان يريد ان يكتب كتابا بإمامة علي مع وجود كل‬
‫تلك النصوص و بعد حادثة الدار وبيعة الغدير ‪-‬كما يسميها الشيعة‪ -‬يلزم منه‬
‫القول بأن الرسول ما لجأ اليه االّ لعلمه بأن الصحابة سوف يتنكرون لكل تلك‬
‫االمور لذا اراد ان يوثقها بالكتاب واالّ لو علم انهم سيمتثلون اوامر القرآن‬
‫واوامره لما لجأ الى كتابة الكتاب وألوكلهم الى ايمانهم ‪ ،‬وفي هذه الحالة كان‬
‫يستوجب ان يتخذ اجراءات اكثر صرامة مما فعل‪ ،‬كأن ‪:‬‬
‫أوال‪ -‬يأمر بكتابة ذلك الكتاب قبل ذلك اليوم‪ ،‬أي في ايام صحته ال يوم يشتد به‬
‫المرض وال يقوى على الحركة !‬
‫‪200‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(201‬‬
‫ثانيا‪ -‬يجمع الناس في المسجد ويبلغهم صراحة وبوضوح دون لبس بان عليا‬
‫خليفته من بعده ليقطع الطريق على المعارضين ‪ ،‬او يدعو بعض اصحابه‬
‫ممن عرفوا بالوالء لعلي كالعباس وابو سفيان وابوذر والمقداد وغيرهم ويملي‬
‫عليهم الكتاب ويأمرهم بأن يقرؤوه على الناس بعد موته اذا احسوا أنهم مالوا‬
‫عن علي الى غيره ‪ ،‬او يقرؤوه بعد موته مباشرة ولم يكن احد يجرؤ على‬
‫اتهام كتبة الوصية بالتزوير او يخرجوا على مقتضى الوصية ‪،‬كما فعل ابو‬
‫بكر عندما املى وصيته على عثمان بتولية عمر ولم يجرؤ احد على اتهام‬
‫عثمان باختالق الوصية من عنده ‪ ،‬كما لم يجرؤ احد على مخالفة وصيته ‪،‬‬
‫وكما فعل سليمان بن عبد الملك حين اراد ان يصرف الخالفة عن اخوته‬
‫ويوصي بها البن عمه عمر بن عبد العزيز دعا حاجبه رجاء بن حيوة واملى‬
‫عليه وصيته وامره ان يقرأه على الناس فقرأه عليهم بعد موت سليمان ومع‬
‫ذلك لم يملك احد مخالفته رغم المعارضة الشديدة من ابناء عبد الملك ‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬يأمر عليا بأن يؤم الناس بالصالة وان يرسله اميرا على الحج بدال من‬
‫ابي بكر لكي ال يتخذوها ذريعة للمطالبة بالخالفة‪ ،‬فهذه االجراءات توحي‬
‫للناس بأن هذا الشخص هو نائبه ‪ .‬والغريب في االمر ان الشيعة يحتجون‬
‫بارسال علي مبلغا لسورة براءة ويستدلون بها على امامته ونيابته للرسول في‬
‫حين ان ابا بكر ظل هو االمير على الحج ‪ ،‬فهذه الحادثة واضحة الداللة على‬
‫ان عليا كان بمثابة المبعوث الخاص للرسول البالغ تلك الرسالة الى‬
‫المشركين ‪ ،‬وهذا االمر يحدث في عصرنا ايضا فان الرؤساء يبعثون‬
‫بمبعوثيهم الخاصين الى بعض االماكن لالشراف على بعض االمور بانفسهم‬
‫مع وجود نواب رسميين لهم او وجود رؤساء لتلك المقاطعات‪ ،‬كما ان هناك‬
‫ناطقين رسميين باسم الرؤساء او مكاتبهم دون ان يكونوا نوابا لهم في ادارة‬
‫البالد او نوابا لهم بعد موتهم ‪.‬‬
‫ربما يقول الشيعة أن الرسول اتخذ اجراءا عمليا لتولي علي الخالفة وذلك‬
‫بتجهيز جيش اسامة وزج كبار الصحابة فيه البعادهم عن المدينة ريثما يتم‬
‫االمر لعلي ‪ ،‬نقول ‪ :‬لقد اثبتنا بطالن هذا الرأي وتحدثنا عنه بما فيه الكفاية‬
‫واثبتنا ان مثل ذلك االجراء لم يكن ليحقق ذلك الهدف ‪ .‬ولو سلمنا جدال بان‬
‫الهدف كان اخالء الجو لعلي فقد فشلت الخطة وعلم الرسول بذلك ‪ ،‬أال‬
‫يستوجب هذا أن يجد البدائل ؟ ولنفترض انه لم يجد متسعا من الوقت التخاذ‬
‫اجراءات جديدة‪ ،‬ألم يكن في وسعه ان يؤكد عليه شفويا كما فعل في جيش‬
‫اسامة فظل يكررها ‪ :‬أنفذوا جيش اسامة فيقول ولُّوا عليا من بعدي ؟‬

‫‪201‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(202‬‬
‫‪ -5‬أن الشيعة حين يتحدثون عن حادثة يوم الخميس يتحدثون عنها بصيغة‬
‫توحي وكأن االمر لم يُذكر من قبل‪ ،‬ولم يكن معروفا للناس قبل ذلك‪ ،‬ولم يتخذ‬
‫بشأنها اجراءات ولم ترد في حقها آيات او احاديث! وعليه فالقول بان النبـي ‪‬‬
‫اراد بهذا الكتاب ان ينص على امامة علي ‪ ‬يهدم كل االدلة التي يسوقها‬
‫الشيعة على امامة علي بدءا بحديث الدار ومرورا باآليات واالحاديث التي‬
‫جاءت في امامة علي ‪ ،‬وانتهاءا ببيعة الغدير ‪ ،‬ألنه لو كان قد بويع بالخالفة‬
‫لعلي في غدير خم وورد في حقه كل هذه اآليات واألحاديث‪ ،‬لم تكن هناك‬
‫حاجة الى كتابة كتاب جديد حول هذه المسألة والكتفى بالتأكيد على انفاذ‬
‫وصيته في امامة علي كما كان يوصي بانفاذ جيش اسامة ويؤكد عليه ‪ ،‬او كما‬
‫اوصى في عرفة وغيرها‪.‬‬
‫‪ -6‬لنفترض ان عمر حال بين رسول هللا وكتابة ذلك الكتاب ‪ ،‬وكان ذلك يوم‬
‫الخميس ‪ ،‬ولكن الرسول ظل على قيد الحياة الى يوم االثنين ‪ ،‬اي عاش بعد‬
‫ع اح َد اصحابه او مجموعة منهم ليملي‬ ‫تلك الحادثة اربعة ايام ‪ ،‬لماذا لم يَ ْد ُ‬
‫عليهم كتابه وعهده‪ ،‬السيما اذا كان الكتاب بهذه االهمية؟‬
‫‪ -7‬هل كان علي والعباس وباقي افراد اهل بيت النبـي ‪ ‬حين اراد ان يكتب‬
‫الوصية في البيت ام ال ؟‬
‫ان قلتم انهم لم يكونوا هناك ‪ ،‬فهل يعقل ان يقدم الرسول‪ r‬على مثل هذا االمر‬
‫الخطير المتعلق بامامة علي في غياب علي والعباس ؟ أليس هذا االجراء‬
‫منافيا ً للحكمة ال سيما وأن رسول هللا ‪ r‬يعرف ان هناك معارضين لهذا االمر‬
‫على رأسهم عمر؟‬
‫وماذا عن علي ؟ هل يعقل ان يسكت حين سمع بالخبر ؟ ألم يكن من‬
‫المفروض ان يذهب الى الرسول ‪ ‬فور سماعه بالحادث ويطالبه بكتابة‬
‫الوصية ‪ ،‬او يذهب الى الذين حالوا دون كتابة الوصية فيعنفهم ويوبخهم‬
‫ويجمعهم عند الرسول ليملي عليهم الكتاب ؟ لكنه لم يفعل شيئا من ذلك مما‬
‫يدل على ان االمر لم يكن بذلك االهمية ولم يكن يخصه هو‪.‬‬
‫وان قلتم انهم كانوا في البيت فأين دورهم السيما علي والعباس ؟‬
‫الم يدرك علي او أي واحد من اهل بيت الرسول بان الرسول ‪‬كان يريد‬
‫كتابة عهد لعلي؟ لماذا لم يقفوا في وجه عمر او الذين ارادوا صرف الرسول‬
‫عن كتابة وصيته ؟ ولماذا لم يستكتبوه طوال تلك االيام ؟ لماذا لم يذهب علي‪،‬‬
‫وهو صاحب الشأن‪ ،‬الى رسول هللا ويسأله عنه او يطلب منه ان يكتبه‪ ،‬وكذلك‬
‫ابن عباس الذي ظل متحسرا على ذلك اليوم وذلك الكتاب‪ ،‬لماذا لم يذهب هو‬

‫‪202‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(203‬‬
‫اآلخر الى رسول هللا‪ r‬ليسأله عنه ويستكتبه اياه بدال من ان يظل متحسرا‬
‫عليه؟‬
‫اين دور علي ؟ لماذا ال يُشاهَد في مثل هذه المواقف واالحداث الخطيرة ؟ !‬
‫لماذا لم يبادر الى احضار الكتف و الدواة ليكتب رسول هللا كتابه؟ ما له يسكت‬
‫على هذه المخالفة السيما وهو يرى ان المسألة تعنيه وأن الرسول‪ r‬يريد ان‬
‫يكتب كتابا لتثبيت امامته ؟ ما باله يجبن امام عمر وال يعترض على اي شيء‬
‫يفعله وهو البطل الشجاع القوي الذي ال يقدر على مقارعته احد‪ .!1‬ألم يكن من‬
‫كبار الصحابة ومن اجلّهم ؟ ام انه لم يكن كذلك وكان دوره هامشيا وكان‬
‫ابوبكر وعمر مق َّدمين عليه واصحاب الكلمة في تلك االمور الخطيرة‪ .‬انك‬
‫التكاد تجد لعلي مشاركة فعلية ولو بكلمة في مثل هذه االمور‪ .‬هل يتفق هذا مع‬
‫ما يدعيه الشيعة من ان النبـي كان يمهد لوالية علي وان الناس كانوا يرونه‬
‫خليفة رسول هللا من بعده؟‬
‫‪ -8‬وامر آخر بالغ االهمية وهو انه لو كان المراد بالكتاب النص على‬
‫والية علي لماذا اذاً لم يحتج علي او ابن عباس بهذه الواقعة في محاججة‬
‫الخصوم ؟ هل الشيعة اعلم بمراد رسول هللا من علي او ابن عباس الذي روى‬
‫الحديث؟‬
‫من أين عرف الشيعة بأن الرسول‪ r‬كان يريد ان يكتب كتابا بوالية على؟ هل‬
‫عندهم دليل على ذلك من اقوال علي اوذريته او حتى ابن عباس الذي ظل‬
‫متحسرا على ذلك اليوم؟ وهل كان علي يعلم بذلك ؟ ان كان يعلم به لماذا لم‬
‫يصرح به وسكت عنه؟ وان كان اليعلم بنية الرسول فمن اين عرف الشيعة‬
‫ذلك ؟ هل هم اعلم من علي ؟‬
‫هذا يدل على احد احتمالين الثالث لهما ‪ :‬اما ان تكون الرواية مختلقة او ان‬
‫يكون المراد به شيئا آخر غير امامة علي‪.‬‬
‫اما كون الرواية مختلقة فال يمكن القول به النه من رواية البخاري ومسلم ‪،‬‬
‫صحيح انه لم يروها من الصحابة سوى ابن عباس وكان يتطلب ان يرويها‬
‫اكثر من واحد الهميتها ولحدوثها امام جمع من الناس ‪ ،‬ولكن مع ذلك ال نملك‬
‫ردها النها جاءت كما قلت في كتب الصحاح ولست من اهل الصنعة حتى‬
‫اتكلم في سندها والذي به صُحح الحديث ‪ .‬يبقى ان نبحث في مدلولها الذي حار‬
‫فيه كثير من العلماء ‪ ،‬فشرقوا وغربوا دون ان يأتوا بتفسير يشفي الغليل ! اما‬
‫الشيعة فقد كفوا انفسهم عناء البحث وسارعوا الى القول بانها كانت في امامة‬
‫‪ . 1‬حاشا سيدنا عليا فانه لم يكن جبانا وال مداهنا في يوم من االيام ولكن طبيعة الحوار تستدعي استعمال‬
‫مثل هذه االلفاظ‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(204‬‬
‫علي ويجزمون بذلك ويتخذونها كما قلت مطية للطعن في الصحابة واتهامهم‬
‫بمعصية الرسول والرد عليه في حياته وبعضهم يذهب الى ابعد من ذلك حيث‬
‫يستدل بها على كفر الصحابة ال سيما عمر! اما انا فقد رأيت فيها غير ما يرى‬
‫ي فهمها فوجدت فيها دليال قاطعا على طاعة الصحابة‬ ‫الشيعة وقد فتح هللا عل َّ‬
‫للرسول ‪ ‬والتي انا بصدد بيانها ‪.‬‬
‫وهذه الحادثة ‪ ،‬كغيرها من الحوادث التي يتخذها الشيعة مطية للطعن في‬
‫الصحابة ‪ ،‬هي في الحقيقة قبل ان تكون طعنا في الصحابة طعن في علي ‪،‬‬
‫لتهاونه هو اآلخر في احضار القرطاس والدواة ‪ ،‬وعجزه عن اسكات‬
‫المعارضين ‪ ،‬في حين كان يجب عليه ان يبذل كل ما في وسعه من أجل تمكين‬
‫الرسول ‪ ‬من كتابة وصيته بصفته نائبا عن النبـي اوال وصاحب الشأن ثانيا‪،‬‬
‫ثم سكوته عن االستدالل بها لتأكيد حقه في الخالفة ! ‪..‬الخ‬
‫‪ -9‬ان عدم رواية علي ‪ ‬لهذا الحادث فيما بعد وعدم احتجاجه به على‬
‫خصومه ومنافسيه يدل على احد امرين‪:‬‬
‫اما أنه لم يفهم منه ان الرسول ‪‬كان يريد ان يوصي بامامته هو‪ ،‬أو انه كان‬
‫هو اآلخر من الممتنعين عن احضار الكتف والدواة مخافة ان يوصي رسول‬
‫هللا بالخالفة لغيره فال يناله بعده ابدا ‪ .‬وهذا االحتمال االخير يؤيده الحديث‬
‫الذي رواه البخاري عن ابن عباس ان العباس طلب من علي ان يذهبا الى‬
‫الرسول فيسأاله عن الخالفة بعده فامتنع علي قائال ‪ :‬انا وهللا لئن سألناها‬
‫رسول هللا فمنعناها ال يعطيناها الناس بعده‪ .‬وهذا هو نص الحديث في‬
‫البخاري‪:‬‬
‫ب ْب ِن َأبِي َح ْمزَ ةَ قَا َل َح َّدثَنِي َأبِي ع َْن‬ ‫ق َأ ْخبَ َرنَا بِ ْش ُر ب ُْن ُش َع ْي ِ‬ ‫َح َّدثَنِي ِإس َ‬
‫ْحا ُ‬
‫اريُّ َو َكانَ َكعْبُ ب ُْن َمالِ ٍ‬
‫ك‬ ‫ص ِ‬ ‫ك اَأْل ْن َ‬ ‫ب ْب ِن َمالِ ٍ‬‫ي قَا َل َأ ْخبَ َرنِي َع ْب ُد هَّللا ِ ب ُْن َك ْع ِ‬ ‫ُّ‬
‫الز ْه ِر ِّ‬
‫ي ْبنَ َأبِي طَالِ ٍ‬
‫ب‬ ‫س َأ ْخبَ َرهُ َأ َّن َعلِ َّ‬ ‫يب َعلَ ْي ِه ْم َأ َّن َع ْب َد هَّللا ِ ْبنَ َعبَّا ٍ‬ ‫َأ َح َد الثَّاَل ثَ ِة الَّ ِذينَ تِ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فِي َو َج ِع ِه الَّ ِذي‬ ‫ُول هَّللا ِ َ‬
‫خَر َج ِم ْن ِع ْن ِد َرس ِ‬ ‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ َ‬ ‫َر ِ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‬‫ال النَّاسُ يَا َأبَا َح َس ٍن َك ْيفَ َأصْ بَ َح َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫تُ ُوفِّ َي فِي ِه فَقَ َ‬
‫ب فَقَا َل لَهُ َأ ْنتَ َوهَّللا ِ‬ ‫ارًئا فََأ َخ َذ بِيَ ِد ِه َعبَّاسُ ب ُْن َع ْب ِد ْال ُمطَّلِ ِ‬ ‫فَقَا َل َأصْ بَ َح بِ َح ْم ِد هَّللا ِ بَ ِ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َسوْ فَ‬ ‫صا َوِإنِّي َوهَّللا ِ َأَل َرى َرس َ‬
‫ُول هَّللا ِ َ‬ ‫ث َع ْب ُد ْال َع َ‬ ‫بَ ْع َد ثَاَل ٍ‬
‫ت ْاذهَبْ بِنَا‬ ‫ب ِع ْن َد ْال َموْ ِ‬ ‫ف ُوجُوهَ بَنِي َع ْب ِد ْال ُمطَّلِ ِ‬ ‫يُت ََوفَّى ِم ْن َو َج ِع ِه هَ َذا ِإنِّي َأَل ْع ِر ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فَ ْلنَ ْسَأ ْلهُ فِي َم ْن هَ َذا اَأْل ْم ُر ِإ ْن َكانَ فِينَا َعلِ ْمنَا‬ ‫ِإلَى َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬
‫صى بِنَا فَقَا َل َعلِ ٌّي ِإنَّا َوهَّللا ِ لَِئ ْن َسَأ ْلنَاهَا‬ ‫ك َوِإ ْن َكانَ فِي َغي ِْرنَا َعلِ ْمنَاهُ فََأوْ َ‬ ‫َذلِ َ‬

‫‪204‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(205‬‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فَ َمنَ َعنَاهَا اَل يُ ْع ِطينَاهَا النَّاسُ بَ ْع َدهُ َوِإنِّي َوهَّللا ِ اَل‬
‫َرسُو َل هَّللا ِ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ .‬رواه البخاري فب باب مرض النبـي‪‬‬ ‫َأ ْسَألُهَا َرسُو َل هَّللا ِ َ‬
‫‪ -10‬وامر آخر له دالالت مهمة وهو ‪ :‬لماذا يؤكد الراوي على ذكر اسم عمر‬
‫دون بقية الصحابة الموجودين في الدار‪ ،‬السيما ابو بكر وعلي وباقي كبار‬
‫الصحابة ؟ هل هذا اشارة الى قوة شخصية عمر ونفوذ كلمته ‪ ،‬أو ان هناك‬
‫ايدي شيعية وراء هذه الرواية التي تضمر الطعن لعمر بن الخطاب وتريد ان‬
‫تحمله مسؤولية عدم كتابة الوصية ؟‬
‫عندي انها دليل على مكانة عمر‪ ‬واهميته ال سيما وانها رويت بعد وفاة عمر‬
‫‪ ،‬أي بعد ان حكم المسلمين عشر سنين وكسب فيها اهمية كبرى اضافة الى‬
‫اهميته ومكانته في عهد الرسول ‪ ‬حيث اصبح القواله ومواقفه ثقال اكبر‬
‫واهمية اكبر‪ ،‬عليه ال يمكن القول بان هناك ايدي شيعية وراء زج اسمه في‬
‫الحادثة ‪.‬‬
‫‪ -11‬لماذا انفرد ابن عباس بذكر هذه الحادثة رغم اهميتها وخطورتها؟ اليس‬
‫من المفروض لمثل هذه االحداث المهمة التي تقع على مرآى ومسمع عدد‬
‫كبير من الصحابة ان يرويه اكثر من واحد ممن حضرها وشهدها؟ ولو كان‬
‫االمر بهذه االهمية النتشر خبره بين الصحابة ولذكر لنا التاريخ تحدث الناس‬
‫به وتناقلهم له فيما بينهم ‪ ،‬ولكن بما انه لم يروه احد ممن حضر هذه الحادثة‬
‫العلي وال غيره من المقربين منه والمؤيدين له فانه يدل على ان االمر لم يكن‬
‫بتلك االهمية ‪ ،‬وانه لم يكن في شأن امامة علي‪ .‬ويبدو ان ابن عباس روى هذا‬
‫الحديث في ايام الفتن وايام الصراع على السلطة ظنا منه ان الرسول كان‬
‫سيحسمه في تلك الوصية او انه لولعه بالعلم تحسر على فوات ذلك الشيء‬
‫عليه وود لو انه عرفه‪.‬‬
‫ثم ان من المؤكد أن ابن عباس روى هذا الحديث بعد موت عمر بمدة طويلة‬
‫بدليل ان سعيد بن جبير ولد سنة ‪ 46‬للهجرة كما اسلفنا و عبد هللا بن عتبة كان‬
‫صغيرا عندما مات عمر ومع ذلك لم يطعن في عمر وال في الذين حالوا دون‬
‫كتابة تلك الوصية وانما كل ما في االمر انه تحسر على ذلك اليوم وما حدث‬
‫فيه من الحيلولة دون كتابة الوصية‪.‬‬
‫‪ -12‬لوكان الرسول يقصد فعال كتابة عهد بالوالية لعلي فهذا يعني أن تولي‬
‫علي للخالفة كان سيقي المسلمين من الوقوع في الضالل الى االبد‪ ،‬والشيعة‬
‫على قناعة تامة بهذا االمر ‪ ،‬ولكن هل حقا تولي علي للخالفة كان سيقي‬
‫المسلمين من الوقوع في الضالل ؟ هذا يجيب عليه التاريخ وتخبرنا الوقائع‬
‫بأن تولي علي للخالفة لم يكن غير عاصم للمسلمين من الوقوع في الضالل‬
‫‪205‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(206‬‬
‫فحسب بل كان عهده من اكثر العهود اضطرابا وان الناس في عهده وقعوا في‬
‫فتن شديدة‪ ،‬فمنهم من عاداه وخرج عليه ‪ ،‬ومنهم من غالى فيه ورفعه فوق‬
‫مقام النبوة‪ ،‬وبعضهم رفعه الى مقام االلوهية ‪ ،‬والذين لم يغالوا فيه واتّبعوه قد‬
‫أ ْتعبوه أيّما إتعاب وكانوا كثير العصيان له وكان هو كثير الشكوى منهم وقد‬
‫ملئوا قلبه غيظا وقيحا وود لو ان معاوية صرفهم بجنوده صرف الدينار‬
‫‪1‬‬
‫بالدرهم كما يقول هو ‪t‬في نهج البالغة ‪.‬‬
‫إذن فان والية علي لم تعصم الناس من الضالل كما رأينا ‪ ،‬ولكن الشيعة‬
‫يكابرون ويصرون على أن والية علي كانت ستقي المسلمين من الوقوع في‬
‫الضالل لو انه تولى االمر مباشرة بعد وفاة رسول هللا‪ ! ‬وبعضهم يقر بهذه‬
‫الحقيقة –اي ان والية علي لم تعصم الناس من الضالل‪ -‬ولكنه يلجأ الى تأويل‬
‫غريب وهو ان المراد من والية علي الوالية الدينية وليس الوالية السياسية ‪،‬‬
‫ولالجابة على هذا نقول‪:‬‬
‫اوال‪ :‬لو كان المراد باالمامة ‪ ،‬االمامة الدينية‪ ،‬لما حصل كل هذا النزاع بين‬
‫السنة والشيعة عبر التاريخ ولما استشهد الحسين ولما تعرض ائمة اهل البيت‬
‫الى ما تعرضوا اليه في زمن االمويين والعباسيين ‪ .‬وهناك فرق كبير بين‬
‫االمامة الدينية واالمامة السياسية ‪ ،‬فاالمام السياسي (الخليفة) طاعته واجبة‬
‫على كل المسلمين اما االمام الدينى فطاعته غير واجبة على كل المسلمين لذلك‬
‫لو ادعى اي شخص االمامة الدينية لما تعرض للسجن والقتل بعكس االمامة‬
‫السياسية ‪ ،‬فالذين تبوؤوا مناصب دينية كمحمد الباقر وجعفر الصادق لم‬
‫يتعرض لهم احد بسوء االّ في عهد هيمنة المعتزلة الذين نصبوا محاكم التفتيش‬
‫للعلماء ومارسوا االرهاب الفكري على مخالفيهم ‪ ،‬ثم انه اليجوز ان يكون‬
‫للمسلمين خليفتان في آن واحد ولكن يجوز ان يكون هناك عشرات من ائمة‬
‫الدين ليس في آن واحد فحسب بل في بلد واحد ايضا‪..‬‬
‫ثانيا‪ :‬ولو افترضنا ان الرسول كان يريد باالمامة االمامة الدينية ‪ ،‬فهذا ايضا‬
‫ما منع اتباع علي من الوقوع في الضالل وهو على قيد الحياة فضال عن‬
‫غيرهم ‪،‬كما حدث للخوارج والغالة‪.‬‬

‫‪ . 1‬أيها القوم! الشاهدة أبدانهم‪ ،‬الغائبة عنهم عقولهم‪ ،‬المختلفة أهواؤهم‪ ،‬المبتلى بهم أمراؤهم‪ ،‬صاحبكم‬
‫يطيع هللا وأنتم تعصونه‪ ،‬وصاحب أهل الشام يعصي هللا وهم يطيعونه‪ ،‬لوددت وهللا أن معاوية صارفني‬
‫بكم صرف الدينار بالدرهم‪ ،‬فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجاًل منهم!‬

‫‪206‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(207‬‬
‫ثالثا‪ :‬لم تكن هناك حاجة لكتابة كتاب باتباع علي فاتباعه ايضا اليعصم الناس‬
‫من الضالل االبدي ألنه البد ان يموت ‪ ،‬واذا مات فسيترك بعض التعاليم ‪،‬‬
‫وهذه التعاليم حتما سوف لن تكون مغايرة للكتاب والسنة وليس فيها شيء جديد‬
‫كما انها ليست اهم من الكتاب والسنة ‪ ،‬فالكتاب والسنة هما االصل واذا كان‬
‫هناك حاجة الى دعوة الناس الى التمسك بشيء فدعوتهم الى التمسك بالكتاب‬
‫والسنة اولى من دعوتهم الى التمسك بغيرهما ‪ ،‬واذا كان هناك تعاليم يفترض‬
‫لها ان تقي الناس من الوقوع في الضالل فتعاليم القرآن والسنة اولى من‬
‫غيرهما بتحقيق ذلك‪.‬‬
‫‪ -13‬وامر آخر‪ :‬ان اكثر تعاليم الرسول كانت شفاها فحفظها الصحابة‬
‫وبلّغوها ونفذوها ‪ ،‬فإذا حال بعض الناس دون كتابة الوصية لماذا لم يلجأ‬
‫الرسول‪ r‬الى هذا االسلوب فيخبرهم بفحوى تلك الوصية فيبرىء ذمته امام هللا‬
‫ويقيم الحجة على الصحابة ويقطع الطريق على من اراد ان يحول دون كتابة‬
‫تلك الوصية ان كانت بتلك االهمية وكان تبليغها واجبا؟!‪.‬‬
‫‪ -14‬من المعلوم ان عالقة ابن عباس بعمر كانت قوية جدا وانه كان من‬
‫المقربين اليه وان عمر كان يوقره جدا ويقدمه على كثير من الصحابة ‪ ،‬فهل‬
‫يعقل ان يعتقد في حق عمر هذا الشيء ويتهمه بهذه التهمة ثم يخالطه تلك‬
‫المخالطة الشديدة؟ ثم ان عالقة ابن عباس بعمر كانت اقوى وافضل من‬
‫عالقته بعلي وان عالقته بعلي ساءت في اواخر خالفة علي بعد ان اتهمه‬
‫باالختالس وعزله ‪ ،‬وان عهد عمر كان افضل من عهد علي بمئات المرات ‪،‬‬
‫فهل يعقل ان يورد حديثا فيه ذم لعمر ومدح لعلي او فيه اشارة الى امامة علي‬
‫وهو في هذه الحال؟ وليس هذا فحسب بل يتحسر عليه كل ذلك التحسر! نعم لو‬
‫كان عهد عمر عهد فتن واضطرابات وعهد علي عهد استقرار وازدهار لحق‬
‫لكل من شهد حادثة الخميس وظن انها كانت في امامة علي ان يذكرها بأسف‬
‫ويتحسر على عدم امتثال الناس لها ‪.‬‬
‫‪ -15‬سؤال آخر ‪ :‬هل بلغ الرسول‪ ‬فحوى الكتاب الذي كان مزمعا على‬
‫كتابته ام ال؟ ان قلتم نعم بلغه فلم يبق فيه مستمسك لكم على امامة علي االّ اذا‬
‫اصررتم على ان قول الراوي انه نسي الوصية الثالثة انها كانت فحوى ذلك‬
‫الكتاب‪ ،‬وهذا رددناه من قبل وبينّا بطالنه ‪ ،‬اما اذا قلتم انه لم يبلغه فعندئذ‬
‫يكون عمله هذا متعارضا مع جملة من االمور‪ :‬انه يتعارض مع القرآن والسنة‬
‫‪ ،‬ومع العقل والمنطق‪ ،‬ومع القيم واالخالق النبـيلة‪ ،‬ويتعارض ايضامع روح‬
‫الرسالة التى جاء بها محمد‪ ، r‬واخيرا يتعارض مع حقائق التاريخ التي تؤكد‬

‫‪207‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(208‬‬
‫هيمنة الرسول على الصحابة وخضوع وطاعة الصحابة له ‪ .‬واليك هذا االمر‬
‫بشيء من التفصيل‪:‬‬
‫انه يتعارض مع القرآن ألنه يعارض اآلية التي تقول " اليوم اكملت لكم دينكم‬
‫واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم االسالم دينا"‪ ،‬كما يعارض آية " يا ايها‬
‫الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك فان لم تفعل فما بلغت رسالته وهللا يعصمك‬
‫من الناس"‪ .‬كما انه يعارض سنة الرسول‪ ،‬فهناك احاديث صحيحة صريحة‬
‫على ان الرسول ‪ r‬قد بلغ رسالة هللا كاملة وادى االمانة التي القاها هللا على‬
‫عاتقه ‪ ،‬منها حديث ‪" :‬تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها اال‬
‫هالك"‪ ،1‬وحديث "ليس من عمل يقرب إلى الجنة إال قد أمرتكم به وال عمل‬
‫يقرب إلى النار إال قد نهيتكم عنه فال يستبطئن أحد منكم رزقه إن جبريل ألقى‬
‫فى روعى أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا هللا أيها‬
‫الناس وأجملوا فى الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فال يطلبه بمعصية فإن‬
‫هللا عز وجل ال ينال فضله بمعصية"‪.2‬‬
‫و نحن نسأل‪ :‬ماهو هذا الشيء الذي تتوقف عليه هداية االمة ولم يبينه الرسول‬
‫الى تلك اللحظة ثم حين جاء وقت بيانه امتنع عنه لمعارضة بعض الصحابة؟‬
‫أال يعد هذا مخالفة من الرسول ‪r‬لالمر االلهي الذي ذكرناه آنفا؟ هل يحق‬
‫للنبـي ان يخفي شيئا تتوقف عليه هداية االمة لمعارضة عمر او غيره من‬
‫ص ْفحًا َأ ْن ُك ْنتُ ْم قَوْ ًما‬
‫الصحابة‪ ،‬في حين يقول هللا تعالى "َأفَنَضْ ِربُ َع ْن ُك ُم ال ِّذ ْك َر َ‬
‫ْرفِينَ (الزخرف‪ )5/‬اي ان هللا جل جالله لم يمتنع عن ارسال الرسل رغم‬ ‫ُمس ِ‬
‫تكذيب الناس لهم وقتلهم اياهم واضطهادهم لهم واعراضهم عنهم وعن‬
‫دعوتهم‪.‬‬
‫كيف يخفي رسول هللا‪ r‬امرا يقي االمة من الوقوع في الضالل الى يوم القيامة‬
‫؟ اليس هذا مخالفا لما فعله خالل ثالثة وعشرين عاما ؟ لقد ظل رسول هللا ‪r‬‬

‫‪ . 1‬أخرجه أحمد في المسند ‪ ،4/126‬ضمن حديث العرباض بن سارية في موعظة النبـي صلى هللا عليه‬
‫وسلم وكذا ابن ماجه في سننه ‪ ،1/16‬وقد صحح الحديث األلباني بمجموع طرقه في ظالل الجنة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫ظالل الجنة مع كتاب السنة البن أبي عاصم ص‪.26‬‬
‫‪ . 2‬أخرجه الحاكم عن ابن مسعود (‪ ، 2/5‬رقم ‪ . )2136‬أخرجه أيضًا ‪ :‬الشافعى (‪ ، )1/233‬والبيهقى‬
‫فى شعب اإليمان (‪ ، 2/67‬رقم ‪ ، 7/299 ،1185‬رقم ‪. )10376‬‬
‫أخرجه أيضًا ‪ :‬ابن أبى شيبة (‪ ، 7/79‬رقم ‪ ، )34332‬وهناد فى الزهد (‪ ، 1/281‬رقم ‪، )494‬‬
‫والدارقطنى فى العلل(‪ ، 5/273‬رقم ‪. )875‬‬

‫‪208‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(209‬‬
‫يدعو الناس ويجاهد ويتعب طوال كل تلك المدة من اجل هداية الناس ‪ ،‬حتى‬
‫اذا وصل الى اللحظة االخيرة وقارب الرحيل الى ربه وفي جعبته الوصية‬
‫التى تقي امته من الوقوع في الضالل الى يوم القيامة فاذا به يمتنع عن كتابتها‬
‫أو بيانها لموقف صدر من بعض اصحابه او لمقولة قالها احدهم! فهل يجوز‬
‫ان تنسب هذه التهمة الى رسول هللا‪ r‬؟ اال يعد هذا هدما لجهود ثالثة وعشرين‬
‫عاما من الدعوة والجهاد؟ هذا العمل ال يليق بالقادة العاديين فكيف برسول هللا‬
‫الذي ارسله هللا رحمة للعالمين؟‬
‫ان هذه الحادثة تعني أن القرآن والسنة ليسا كافيين لهداية الناس وعصمتهم من‬
‫الضالل وانما تتوقف هدايتهم على وصية واحدة يكتبها رسول هللا لهم وهو‬
‫على فراش الموت! ومع ذلك لم يكتبها !‪.‬‬
‫ثم نتساءل ‪ :‬ماهو هذا الشيء الذي تتوقف عليه هداية الناس ويعصمهم من‬
‫الضالل الى االبد؟ لماذا لم يبينها رسول هللا من قبل او يبينها القرآن قبل نزول‬
‫آية " اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم االسالم‬
‫دينا" ؟‬
‫ما معنى ان يؤخر رسول هللا ‪ r‬بيان ما يعصم امته من الضالل االبدي الى‬
‫حين وفاته ثم هو بعد ذلك ال يبينها؟‬
‫واي شيء هذا الذى يقي االمة من الضالل االبدي ‪ :‬هل هو من امور الدين ام‬
‫من امور الدنيا؟ فان كان من امور الدين فما كان يسوغ لرسول هللا ان يكتمها‪،‬‬
‫النه حينذئذ يكون مقصرا في تبليغ ما اُنزل اليه من ربه وقد حذره هللا من ذلك‬
‫اذ قال ‪" :‬يَا َأيُّهَا ال َّرسُو ُل بَلِّ ْغ َما ُأ ْن ِز َل ِإلَ ْيكَ ِم ْن َربِّ َ‬
‫ك َوِإ ْن لَ ْم تَ ْف َعلْ فَ َما بَلَّ ْغتَ‬
‫اس ِإ َّن هَّللا َ اَل يَ ْه ِدي ْالقَوْ َم ْال َكافِ ِرينَ (المائدة‪،)67/‬‬ ‫ك ِمنَ النَّ ِ‬ ‫ِر َسالَتَهُ َوهَّللا ُ يَع ِ‬
‫ْص ُم َ‬
‫ثم ان آية اكمال الدين صريحة وقاطعة بان اصول الدين من العقائد والعبادات‬
‫والتشريعات قد كملت وال حاجة الى مزيد‪ .‬اذاً فالمسالة ال يمكن ان تكون من‬
‫امور الدين ‪ ،‬النه لو كان كذلك لما تراجع الرسول عن كتابته ولو عارضه‬
‫جميع الصحابة ‪ .‬وان كان امرا امره هللا به ألنفذه رغم معارضة المعارضين‬
‫كما فعل في صلح الحديبية ‪ ،‬فانه ابرم المعاهدة مع قريش رغم معارضة جميع‬
‫الصحابة لتلك المعاهدة ‪ ،‬بمن فيهم علي بن ابي طالب‪ ،‬الذي رفض ان يشطب‬
‫العبارات التي امره الرسول بشطبها حتى اضطر رسول هللا ‪r‬الى شطبها‬
‫بنفسه‪ .‬اذاً لو كان االمر من امور الدين او مما امر هللا به ألبرمه رسول هللا‬
‫وأجراه مهما كلفه ذلك ‪.‬‬
‫بقي هناك احتمال آخر وهو ان يكون ذلك االمر من امور الدنيا ومما لم يؤمر‬
‫رسول هللا بابالغه وانما كان اجتهادا من عنده‪ ،‬او شيئا كان يـحـب ان يفعله‬
‫‪209‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(210‬‬
‫لهم ‪ ،‬وفي مثل هذه الحاالت يُعلِم الرسول اصحابه بانه ال يستند فيها الى‬
‫الوحي وانما الى الخبرة والتجربة ‪ ،‬وقد يكون بعض الصحابة اكثر خبرة منه‬
‫في بعض االمور الدنيوية كما حدث في معركة بدر حين اشار عليه الحباب بن‬
‫المنذر بتغيير المكان ففعل وكذلك في غزوة االحزاب حين اشار عليه سلمان‬
‫الفارسي بحفر الخندق فاخذ بمشورته ‪ ،‬وقد اقر في مسألة تأبير النخل بأن‬
‫الناس أعلم منه في امور دنياهم ‪.‬‬
‫اقول لو كان ذلك من امور الدنيا لجاز للصحابة التهاون فيه‪ ،‬ولكن صيغة‬
‫الرواية ال تدل على كونه من امور الدنيا النه يقول فيها لن تضلوا بعده ابدا‬
‫مما يوحي الى انه من امور الدين !‬
‫قد يقول قائل ان الرسول ‪ ‬كان يريد ان يوصي الصحابة باتباع الكتاب والسنة‬
‫فهما الكفيالن بوقاية المسلمين من الوقوع في الضالل ان هم تمسكوا بهما ‪.‬‬
‫وهذا تأويل مستساغ ولكنه ايضا اليحتاج الى كتابة كتاب في ذلك ويكفي فيه‬
‫الحث شفاها على االلتزام بهما عالوة على انه مبين من قبل ومامور به في‬
‫‪1‬‬
‫القران والسنة وهناك آيات واحاديث كثيرة تأمر بذلك وتحث عليه‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬من جهة عدم داللتها على مخالفة الصحابة للرسول ‪ ‬واساءة االدب‬
‫معه‪:‬‬
‫لقد أثبتنا فيما مضى بما ال يدع مجاالً للشك بأن هذه الحادثة ليس فيها أي دليل‬
‫على امامة علي ‪ ،‬يبقى ان نبحث داللته من جهة اخرى وهي مخالفة الصحابة‬
‫للرسول وإساءة االدب معه من عدمها‪:‬‬
‫‪ -1‬قلنا ان ظاهر هذه الرواية يوحي بعصيان الصحابة للرسول واساءة االدب‬
‫في حضرته وانها تتناقض مع ما ندعيه من حب الصحابة للرسول ‪r‬وطاعتهم‬
‫له وهيمنة الرسول عليهم ‪ ،‬مع ذلك فأهل السنة حين يروون مثل هذه الروايات‬
‫اليروونها من باب ذم الصحابة وال الظهار سوء ادبهم مع الرسول ‪ ،r‬لماذا ؟‬
‫النهم قد بنوا عقيدتهم في الصحابة على قواعد متينة هي مجموع اآليات‬
‫واالحاديث التي وردت في حقهم ‪ ،‬وعلى مجموع ما قدموه لالسالم من‬
‫تضحيات ‪ ،‬وهذه هي القاعدة االصولية ‪ :‬رد المتشابهات الى المحكمات وفهم‬
‫االمور في ضوء القواعد الكلية ‪ ،‬فطاعة الصحابة للرسول ‪ r‬وحبهم له وهيمنة‬
‫الرسول‪ r‬عليهم ورضى هللا والرسول عنهم ثابتة بأدلة اآليات واألحاديث‬
‫والوقائع ‪ ،‬هذا هو االصل وهذه هي القاعدة ‪ ،‬وكل ما خالف هذه القاعدة يعد‬
‫‪. 1‬لقد أثبت االستاذ خالد كبير عالل في كتابه " تناقض الروايات السنية الشيعية‪ /‬الفصل الثالث" بشواهد‬
‫كثيرة‪-‬غير التي ذكرناها‪ -‬عدم داللة هذا الحديث على خالفة سيدنا علي‪ ،‬ولوال طوله الوردته هنا وال‬
‫غنى للقاريء عنه ‪ ،‬لذا اوصي بقراءته ‪ ،‬وهو موجود على موقع " صيد الفوائد"‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(211‬‬
‫شاذا أو يؤول ‪ ،‬ويفسر في ضوء هذه القاعدة العامة ‪ ،‬ويبحث له عن وجوه‬
‫مستساغة تتمشى معها ‪ .‬وسنذكر ان شاء هللا امثلة على مخالفة الصحابة‬
‫للرسول نثبت فيها أن هذه المخالفات لم تكن مما يسخط رسول هللا ‪ r‬او يزعجه‬
‫بل كانت من دواعي سروره وافتخاره ‪ .‬وبهذا االعتبار فهم العلماء هذا الحديث‬
‫وشرحوه وقالوا ان ذلك لم يكن مخالفة للرسول وال طعنا فيه وانما كان نابعا‬
‫من علم الصحابة بأن ذلك لم يكن من االمور الدينية أو االمور الموحى بها الى‬
‫الرسول ‪ ،‬والتي تلزمهم طاعته ألن الدين بنص القرآن قد كمل ‪ ،‬ومن حرصهم‬
‫على صحته من االرهاق والتعب ‪ ،‬وهذا وارد في تعامل االتباع مع متبوعيهم‬
‫حين يمرض المتبوعين فيمنع االتباع الزيارة عنهم ويبعدون كل ما يرهقهم او‬
‫يؤثر على صحتهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬كنت اول االمر اقول البد ان يكون هذا الحديث ضعيفا او موضوعا رغم‬
‫وروده في الصحاح الن في ظاهره دليال على عصيان الصحابة للرسول‬
‫وردهم المره واساءة االدب في حضرته ‪ ،‬وهو بهذا مخالف لما عرف عن‬
‫الصحابة من توقير الرسول وحبه وطاعته‪ ،‬ولكني بعد دراسة متأنية توصلت‬
‫الى عكس هذه النتيجة ‪ ،‬وهي ان هذه الحادثة تدل على تمام معرفة الصحابة‬
‫للرسول ‪ .‬قد يستغرب بعض الناس ذلك ‪ ،‬وهذا من حقهم النهم ربما قد ال‬
‫يعرفون حقيقة عالقة الصحابة بالرسول وال يميزون بين محم ٍد البشر ومحم ٍد‬
‫الرسول ‪ ،‬االمر الذي عرفه الصحابة جيدا ولم نعرفه نحن ‪ ،‬ألن محمدا البشر‬
‫قد رفع من بيننا وبقي عندنا محمد الرسول المشرع الذي الينطق عن الهوى ‪.‬‬
‫وهذا االمر يحتاج الى تفصيل اكثر وتقعيد أدق ‪ ،‬واليكه باختصار‪:‬‬
‫لنبدأ المسألة بتوجيه بعض االسئلة ‪ :‬هل كانت نظرة الصحابة الى النبـي‬
‫كنظرتنا اليه نحن اليوم ام انها كانت مختلفة ؟ فان كانت مختلفة ‪ ،‬فهل نظرتنا‬
‫اصح ام نظرتهم ؟‬
‫وهل كانوا يتعاملون معه كما نتعامل نحن معه اليوم ؟ فان كان تعاملهم مع‬
‫النبـي يختلف عن تعاملنا معه‪ ،‬فهل تعاملهم معه اصح ام تعاملنا؟‬
‫وهل وجوده بينهم بنفسه كان يفرض نوعا من التعامل مع شخصه يختلف عن‬
‫تعامل الذين جاؤوا من بعده ‪ ،‬الذين ال يجدونه بشخصه بل بتعاليمه ‪ ،‬وال‬
‫يخالطون شخصه بل تعاليمه ؟ هذه االمور يجيب عليها احداث السيرة النبوية‬
‫‪.‬‬
‫إن قلنا أننا اعلم برسول هللا من الصحابة فهذه مكابرة وسوف لن يُسلِّم لنا‬
‫اننا ْ‬
‫به احد ‪ .‬إذاً يبقى السؤال ‪ :‬ما سر هذا النوع من التعامل مع النبـي من قبل‬
‫الصحابة وما سر هذه التصرفات ؟‬
‫‪211‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(212‬‬
‫لالجابة على هذا السؤال يجب ان نبحث طريقة تربية الرسول للصحابة ‪ ،‬فإذا‬
‫عرفناها انحلت لنا العقدة وانكشف لنا السر وفهمنا مثل هذه االحداث‬
‫واالحاديث على وجوهها الصحيحة‪ .‬وهذا االمر – أي دراسة طبيعة تربية‬
‫الرسول للصحابة – يحتاج الى التجرد والحيادية ال الى التعامل مع النصوص‬
‫بمقررات مسبقة او بمواقف عدائية او بتعصب سواء لهم او عليهم ‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫لقد كان الرسول ‪ ‬حريصا على ان يميز الصحابة بين ثالثة امور‪ :‬بين ما‬
‫كان يفعله بالوحي ‪ ،‬و ما كان يـُحب ان يفعله ويرغب فيه ‪ ،‬و ما كان يفعله‬
‫اجتهادا ‪ ،‬فالصحابة كانوا يتعاملون مع محمد البشر ومحمد الرسول في آن‬
‫واحد فيفرقون بينهما ‪ ،‬وكان الرسول ‪ ‬يؤكد على هذا المعنى ويغرسه في‬
‫أذهانهم ‪ ،‬لذلك كانوا يراجعونه فيما يأمرهم به ويسألونه عما إذا كان ما يفعله‬
‫إنما يفعله بوحي من هللا أم شيء يحبه هو (أي تميل اليه نفسه كبشر ) أم‬
‫اجتهاد من عنده (أي يذهب اليه بفهمه واجتهاده كبشر) ‪ ،‬فإذا قال انه وحي من‬
‫هللا سارعوا الى تنفيذه ‪ ،‬واذا قال بل شيء يحبه نظروا فيه فان كان في‬
‫امكانهم تنفيذه نفذوه وان لم يكن كذلك اعتذروا ولم يوبخهم الرسول ولم يلمهم‬
‫احد ‪ ،‬وان كان شيئا من اجتهاده ناقشوه وأشاروا اليه برأيهم وربما أخذ بها‬
‫وتخلى عن رأيه‪ .‬وهذا يظهر بوضوح في كثير من المواقف ‪ ،‬كما حصل في‬
‫غزوة بدر حين نزل بجيشه عند ادنى ماء من مياه بدر ‪ ،‬فقال الحباب بن‬
‫المنذر‪ " :‬يارسول هللا ‪ :‬أرأيت هذا المنزل ‪ ،‬أمنزال أنزلكه هللا ليس لنا أن نتقدم‬
‫وال أن نتأخر عنه‪ ،‬ام هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال‪ :‬بل هو الحرب‬
‫والرأي والمكيدة ‪ ،‬فقال ‪ :‬فان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى‬
‫ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من اآلبار ‪ ،‬ثم نبني عليه حوضا ً فنملؤه‬
‫ماء‪ ،‬ثم نقاتل القوم فنشرب وال يشربون ‪ .‬فنهض رسول هللا ‪ r‬وتحول الى‬
‫‪1‬‬
‫المكان والرأي اللذين أشار بهما الحباب ‪.t‬‬
‫وفي غزوة االحزاب حين اتفق مع غطفان ان يعطيهم ثلث ثمار المدينة مقابل‬
‫ان يرجعوا عن المدينة رفض قادة االنصار ذلك ‪ ،‬واليك نص ما جرى بين‬
‫الرسول ‪ ‬وبين زعيمي االوس والخزرج حول هذه المسألة‪:‬‬
‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم إلَى ُعيَ ْينَةَ‬ ‫ث َرسُو ُل هّللا ِ ‪َ -‬‬ ‫اس ْالبَاَل ُء بَ َع َ‬
‫"لَ ّما ا ْشتَ ّد َعلَى النّ ِ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ارثَةَ ْال ُم ّر ّ‬ ‫ف ْب ِن َأبِي َح ِ‬ ‫ث ْب ِن عَوْ ِ‬ ‫ار ِ‬ ‫ْب ِن ِحصْ ِن ْب ِن ُح َذ ْيفَةَ ْب ِن بَ ْد ٍر ‪َ ،‬وِإلَى ْال َح ِ‬
‫ار ْال َم ِدينَ ِة َعلَى َأ ْن يَرْ ِج َعا بِ َم ْن َم َعهُ َما‬ ‫َوهُ َما قَاِئدَا َغطَفَانَ ‪ ،‬فََأ ْعطَاهُ َما ثُلُ َ‬
‫ث ثِ َم ِ‬
‫َع ْنهُ َوع َْن َأصْ َحابِ ِه فَ َج َرى بَ ْينَهُ َوبَ ْينَهُ َما الص ّْل ُح َحتّى َكتَبُوا ْال ِكت َ‬
‫َاب َولَ ْم تَقَ ْع‬
‫‪ . 1‬فقه السيرة د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي ص ‪157‬ط ‪ / 11‬دار الفكر المعاصر ‪ /‬بيروت لبنان ودار‬
‫الفكر ‪ /‬دمشق‪-‬سورية نقال عن االصابة البن حجر وسيرة ابن هشام‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(213‬‬
‫صلّى‬ ‫ك ‪ .‬فَلَ ّما َأ َرا َد َرسُو ُل هّللا ِ َ‬ ‫ضةَـ فِي َذلِ َ‬ ‫او َ‬ ‫إال ْال ُم َر َ‬ ‫ح ّ‬ ‫َزي َمةُ الص ّْل ِ‬ ‫ال ّشهَا َدةُ َوال ع ِ‬
‫ك لَهُ َما‬ ‫ث إلَى َس ْع ِد ب ِْن ُم َعا ٍذ َو َس ْع ِد ْب ِن ُعبَا َدةَ ‪ ،‬فَ َذ َك َر َذلِ َ‬ ‫هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم َأ ْن يَ ْف َع َل بَ َع َ‬
‫ُول هّللا ِ َأ ْمرًا تُ ِحبّهُ فَنَصْ نَ ُعهُ ‪َ ،‬أ ْم َش ْيًئا َأ َم َرك هّللا ُ‬ ‫ارهُ َما فِي ِه فَقَاال لَهُ يَا َرس َ‬ ‫‪َ ،‬وا ْستَ َش َ‬
‫ال بَلْ َش ْي ٌء َأصْ نَ ُعهُ لَ ُك ْم ‪َ ،‬وهّللَا ِ‬ ‫بِ ِه ال بُ ّد لَنَا ِم ْن ْال َع َم ِل بِ ِه ‪َ ،‬أ ْم َش ْيًئا تَصْ نَ ُعهُ لَنَا ؟ قَ َ‬
‫اح َد ٍة َو َكالَبُو ُك ْم ِم ْن‬ ‫س َو ِ‬ ‫ب قَ ْد َر َم ْت ُك ْم ع َْن قَوْ ٍ‬ ‫إال ألننِي َرَأيْت ْال َع َر َ‬ ‫َما َأصْ نَ ُع َذلِكَ ّ‬
‫ب فََأ َر ْدت َأ ْن َأ ْك ِس َر َع ْن ُك ْم ِم ْن َشوْ َكتِ ِه ْم إلَى َأ ْم ٍر َما ؛ فَقَا َل لَهُ َس ْع ُد ب ُْن‬ ‫ُك ّل َجانِ ٍ‬
‫ك بِاَهّلل ِ َو ِعبَا َد ِة األوْ ثَا ِن‬ ‫ُول هّللا ِ قَ ْد ُكنّا نَحْ ُن َوهَُؤ ال ِء ْالقَوْ ُم َعلَى ال ّشرْ ِ‬ ‫ُم َعا ٍذ ‪ :‬يَا َرس َ‬
‫إال قِ َرى َأوْ بَ ْيعًا ‪،‬‬ ‫ْأ‬
‫ط َمعُونَ َأ ْن يَ ُكلُوا ِم ْنهَا تَ ْم َرةً ّ‬ ‫ْرفُهُ ‪َ .‬وهُ ْم ال يَ ْ‬ ‫ال نَ ْعبُ ُد هّللا َ َوال نَع ِ‬
‫ْالم َوهَدَانَا لَهُ َوَأ َع ّزنَا بِك َوبِ ِه نُ ْع ِطي ِه ْم َأ ْم َوالَنَا ‪َ ،‬وهّللَا ِ َما‬ ‫َأفَ ِحينَ َأ ْك َر َمنَا هّللا ُ بِاِإل س ِ‬
‫إال ال ّس ْيفَ َحتّى يَحْ ُك َم هّللا ُ بَ ْينَنَا َوبَ ْينَهُ ْم قَ َ‬
‫ال‬ ‫لَنَا بِهَ َذا ِم ْن َحا َج ٍة َوهّللَا ِ ال نُ ْع ِطي ِه ْم ّ‬
‫ص ِحيفَةَ‬ ‫صلّى هّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلّ َم فََأ ْنتَ َو َذاكَ ‪ .‬فَتَنَا َو َل َس ْع ُد ب ُْن ُم َعا ٍذ ال ّ‬ ‫َرسُو ُل هّللا ِ َ‬
‫‪1‬‬
‫ال لِيَجْ هَ ُدوا َعلَ ْينَا"‪.‬‬ ‫ب ثُ ّم قَ َ‬ ‫فَ َم َحا َما فِيهَا ِم ْن ْال ِكتَا ِ‬
‫التفريق هنا بين هذه االمور الثالثة من قبل الصحابة واضح جدا ‪ ،‬وان‬
‫الرسول لم ينكر عليهم استفسارهم بل اقرهم على ذلك واخبرهم بأن ما يفعله‬
‫هو شيء يصنعه من أجلهم ‪.‬‬
‫وحول التفريق بين اوامر الرسول ‪ ‬وبين رغباته النفسية نسوق لك مثالين ‪:‬‬
‫‪ .1‬حكاية مغيث وبريرة‪:‬ـ‬
‫س قَا َل ‪َ :‬كانَ َزوْ ُج بَ ِري َرةَ َع ْبدًا يُقَا ُل لَهُ‬ ‫روى البخاري في صحيحه ع َِن اب ِْن َعبَّا ٍ‬
‫خَلفَهَا يَ ْب ِكى َو ُد ُمو ُعهُ تَ ِسي ُل َعلَى لِحْ يَتِ ِه فَقَا َل النَّبِ ُّى‬ ‫وف ْ‬ ‫يث َكَأنِّى َأ ْنظُ ُر ِإلَ ْي ِه يَطُ ُ‬ ‫ُم ِغ ٌ‬
‫ض َى هَّللا ُ َع ْنهُ ‪َ «:‬أالَ تَ ْع َجب ِم ْن حُبِّ ُم ِغي ٍ‬
‫ث‬ ‫َّاس َر ِ‬ ‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬لِ ْل َعب ِ‬
‫يرةَ ُم ِغيثًا »‪ .‬فَقَا َل لَهَا النَّبِ ُّى ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ «: -‬لَوْ‬ ‫ض بَ ِر َ‬ ‫يرةَ َو ِم ْن بُ ْغ ِ‬ ‫بَ ِر َ‬
‫ال ‪ «:‬الَ ِإنَّ َما َأنَا َأ ْشفَ ُع‬ ‫ْأ‬
‫ت ‪ :‬يَا َرسُو َل هَّللا ِ تَ ُم ُرنِى قَ َ‬ ‫ك »‪ .‬قَالَ ْ‬ ‫َرا َج ْعتِي ِه فَِإنَّهُ َأبُو َولَ ِد ِ‬
‫‪2‬‬
‫اجةَ لِى فِي ِه‪.‬‬ ‫ت ‪ :‬فَالَ َح َ‬ ‫»‪ .‬قَالَ ْ‬
‫‪ .2‬دَين عبد هللا االنصاري‪:‬‬
‫ال ‪ :‬خَ َر َج َرسُو ُل ِ صلى هللا عليه وسلم‬ ‫هَّللا‬ ‫ارىِّ قَ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ع َْن َجابِ ِر ب ِْن َع ْب ِد هَّللا ِ اَأل ْن َ‬
‫يث فِى قَ ْت ِل َأبِي ِه َوا ْشتِدَا ِد ْال ُغ َر َما ِء‬ ‫ِمنَ ْال َم ِدينَ ِة ِإلَى ْال ُم ْش ِر ِكينَ لِيُقَاتِلَهُ ْم ‪ ،‬فَ َذ َك َر ْال َح ِد َ‬
‫ع لِى فُالَنًا » ‪،‬‬ ‫ال فَقَا َل النَّبِ ُّى صلى هللا عليه وسلم ‪ « :‬ا ْد ُ‬ ‫اضى قَ َ‬ ‫َعلَ ْي ِه فِى التَّقَ ِ‬
‫ْض َد ْينِكَ الَّ ِذى‬ ‫اضى فَقَا َل ‪َ « :‬أ ْن ِسْئ َجابِرًا بَع َ‬ ‫ى فِى التَّقَ ِ‬ ‫َري َم الَّ ِذى ا ْشتَ َد َعلَ َّ‬ ‫ْالغ ِ‬

‫‪. 1‬الروض االنف‪ ،425 /‬السيرة النبوية البن كثير ج‪ ،3/201‬السيرة النبوية البن هشام ج‪/3‬‬
‫‪234‬وغيرها من كتب السيرة‪.‬‬
‫‪ . 2‬أخرجه البخارى (‪ ، 5/2023‬رقم ‪ ، )4979‬وأبوداود (‪ ، 2/270‬رقم ‪ ، )2231‬والنسائى (‪، 8/245‬‬
‫رقم ‪ ، )5417‬وابن ماجه (‪ ، 1/671‬رقم ‪ . )2075‬وأخرجه أيضًا ‪ :‬ابن حبان (‪ ، 10/96‬رقم ‪. )4273‬‬
‫‪213‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(214‬‬
‫اع ٍل َوا ْعتَ َّل قَا َل ِإنَّ َما هُ َو َما ُل‬ ‫ال ‪َ :‬ما َأنَا بِفَ ِ‬ ‫ص َر ِام ْال ُم ْقبِ ِل »‪ .‬قَ َ‬ ‫َعلَى َأبِي ِه ِإلَى هَ َذا ال ِّ‬
‫ال َرسُو ُل هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ »: -‬وَأ ْينَ َجابِ ٌر »‪ .‬فَ َذ َك َر ْال َح ِد َ‬
‫يث‬ ‫يَتَا َمى فَقَ َ‬
‫‪1‬‬
‫ضا ِء ال َّد ْي ِن‪.‬‬‫فِى قَ َ‬
‫ال‪:‬‬‫وفي رواية اخرى ع َْن َجابِ ٍر قَ َ‬
‫صلَّى‬ ‫ْت بِ َرسُو ِل هَّللا ِ َ‬ ‫ك َد ْينًا فَا ْستَ ْشفَع ُ‬ ‫ال َوتَ َر َ‬ ‫"تُ ُوفِّ َي َع ْب ُد هَّللا ِ ب ُْن َع ْمرو ب ِْن َح َر ٍام قَ َ‬
‫ال لِي‬ ‫ب ِإلَ ْي ِه ْم فََأبَوْ ا فَقَ َ‬‫ضعُوا ِم ْن َد ْينِ ِه َش ْيًئا فَطَلَ َ‬ ‫هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َعلَى ُغ َر َماِئ ِه َأ ْن يَ َ‬
‫ك َأصْ نَافًا ْال َعجْ َوةَ َعلَى ِح َد ٍة‬ ‫ف تَ ْم َر َ‬ ‫صنِّ ْ‬‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ْاذهَبْ فَ َ‬ ‫النبـي َ‬
‫ت فَ َجا َء َرسُو ُل هَّللا ِ‬ ‫ي قَا َل فَفَ َع ْل ُ‬ ‫ث ِإلَ َّ‬‫ق ا ْب ِن زَ ْي ٍد َعلَى ِح َد ٍة َوَأصْ نَافَهُ ثُ َّم ا ْب َع ْ‬ ‫َو ِع ْذ َ‬
‫س فِي َأ ْعالهُ َأوْ فِي َأوْ َس ِط ِه ثُ َّم قَا َل ِكلْ لِ ْلقَوْ ِم قَا َل فَ ِك ْل ُ‬
‫ت‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فَ َجلَ َ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬
‫لَهُ ْم َحتى وْ فَ ْيتهُ ْم ث َّم بَقِ َي تَ ْم ِري َك ْن ل ْم يَنقصْ ِمنهُ َش ْي ٌء"‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬
‫في الرواية االولى طلب النبـي من بريرة ان تعود الى زوجها الذي كانت‬
‫تكرهه فاستفسرت ان كان الرسول يامرها فتنفذ أمره‪ ،‬ام يخيرها‪ ،‬فلما أخبرها‬
‫بانه ال يأمرها وانما يشفع لمغيث رفضت طلبه ‪ ،‬فلم يوبخها الرسول ‪ ‬ولم‬
‫يلمها أحد ‪ .‬وفي الرواية الثانية طلب الرسول ‪ ‬من غرماء ابي جابر ان‬
‫يضعوا شيئا من دَينه فأبوا ألنهم علموا أن طلب الرسول ذلك ليس امرا او‬
‫وحيا وانما شفاعة منه يسعهم مخالفته‪ ،‬ولذلك لم يعنفهم الرسول والصحابة‬
‫على ذلك ألنه يعلم انه من حقهم أالّ يتنازلوا عن حقهم‪.‬‬
‫وزبدة القول ان الصحابة كانوا اعلم برسول هللا و اطوع له واكثر حبا له منا‬
‫و أن حبهم وطاعتهم وتوقيرهم له كان عمليا واكثر واقعية ‪.‬‬
‫‪ -3‬ان من أهم صفات النبـي ‪ ‬صدقه وأمانته ‪ ،‬فقد كان أمينا ً على كل شيء ‪،‬‬
‫ولكنه كان أشد أمانة على الوحي و على عقيدة التوحيد ‪ ،‬فكان إذا جنح احدهم‬
‫الى التقصير في حقه او الغلو فيه رده الى الحد الوسط ‪ ،‬وما مات الرسول اال‬
‫والصحابة تعلموا من طول مصاحبتهم له ما يجوز لهم في حقه وما اليجوز‪،‬‬
‫بخالفنا نحن اذا قصرنا بحقه او غلونا فيه لم نجد ما يردنا الى الرشد االّ‬
‫تعاليمه التي قد نختلف في تفسيرها وتأويلها‪.‬‬
‫قلنا ان من االمور التي تعلمها الصحابة من طول مصاحبتهم للرسول‬
‫ومعايشتهم لنزول القرآن التفريق بين محمد البشر ومحمد النبـي المبلِّغ عن‬
‫هللا‪ ،‬فمحمد البشر يعتريه ما يعتري سائر البشر من العوارض الجسدية‬
‫والنفسية كالمرض وااللم والتعب واالرهاق والحزن والبكاء والنسيان والميل‬
‫الى النساء والطعام والشراب واالنس بالجمال والنفور من القبح وو‪...‬الخ ‪ ،‬اما‬
‫‪ . 1‬السنن الكبرى للبيهقي‪375 /5‬‬
‫‪ . 2‬سنن النسائي باب قضاء الدين قبل الميراث‬
‫‪214‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(215‬‬
‫من الناحية ال ُخلقية والعقلية فانه مجبول على الفضائل ومكارم االخالق‬
‫ورجاحة العقل واالدب الرفيع والبيان وعفة اللسان وو ‪..‬الخ ‪ .‬أما محمد النبـي‬
‫المبلغ ‪ ،‬فانه معصوم بالوحي من الخطأ والذنوب والنسيان ‪ ،‬فال يخطيء في‬
‫فهم مراد هللا وتبليغ رسالته وال ينسى ما يوحى اليه‪.‬‬
‫من هذا المنطلق كان الصحابة يستفسرون النبـي عما يأمرهم به هل هو‬
‫وحي أم اجتهاد أم رغبة شخصية ‪ ،‬وقد ذكرنا أمثلة على ذلك ‪ ،‬ومن هذا‬
‫المنطلق ايضا تعامل معه بعض الصحابة بمن فيهم عم النبـي العباس وبعض‬
‫أزواجه حين ل ُّدوه ‪ ‬في مرضه ‪.1‬‬
‫والسؤال هو ‪ :‬إذا كان النبـي يعتريه ما يعتري سائر البشر من المرض‬
‫فهل يعتريه عوارض المرض كاالغماء والهذيان ؟ اما االغماء فقد ذكر‬
‫التاريخ انه حصل له ذلك في مرضه الذي توفي فيه ولذلك ل ّده ازواجه ‪ ،‬ولكن‬
‫الهذيان لم يثبت عنه ذلك ‪ ،‬وذلك ربما للفارق بين االغماء والهذيان ‪ ،‬فالذي‬
‫يغمى عليه ال يتكلم في العادة بشيء ويشل لسانه لذلك ال يترتب عليه شيء‬
‫وان كان بعض الناس قد يتبول او يتغوط على نفسه ولكن الرسول‪ ‬قد عصمه‬
‫هللا من ذلك ايضا ‪ ،‬أما الهجر والهذيان فممنوع على النبـي ألنه تف ُوه ٌبكلمات‬
‫غير منضبطة ‪ ،‬وقد تكون كفرا‪ ،‬او شيئا قبيحا ‪ ،‬او مضحكا ‪ ،‬او امرا غير‬
‫منطقي ومخالف لما كان يقوله سابقا‪ ،‬او يأمر بشيء غير منطقي وغير شرعي‬
‫‪ .‬ولكن هل انتبه الصحابة الى هذه االمور في تلك اللحظة؟ الجواب ‪ :‬يبدو انهم‬
‫مرض النبـي بتلك الصورةـ وانما‬ ‫أن ِ‬‫لم يعلموا ذلك من قبل ألنه لم يسبق ْ‬
‫علِموه فيما بعد كما تعلموا كثيرا من االمور بعد وقوعها‪ ،‬ولقد فوجئوا بقول‬
‫الرسول ‪ ‬في تلك اللحظة الحرجة واستغربوا كالمه لذلك قال بعضهم ‪ :‬مابه‬
‫أه ََج َر ؟ اسستف ِهموه ‪ ،‬فأخذوا يرددون عليه ليعلموا هل ما يقوله عن وعي او‬
‫عن غير وعي ‪ ،‬والذي دفعهم الى هذا التصرف هو غرابة الموضوع ‪،‬‬
‫فالرسول هنا يأمرهم بشيء لم يكن يفعله من قبل ‪ ،‬وهو طلب الكتف والدواة‬
‫‪ . 1‬من الغــريب ان الشــيعة يجعلــون من هــذه الحادثة وحادثة يــوم الخميس دليال على ضــعف الرســول‬
‫فيقولون انه كان مغلوبا على امره حيث يلُ ُّدونه على كره منه ويعصون امره ويرمونه بالهجر‪ ،‬وقد تكلمنا‬
‫عن حادثة الخميس في المتن اما هنا سنلقي بعض الضوء على حادثة اللد فنقول ‪:‬‬
‫اوال‪ :‬ان هذه الحادثة تدل على عكس ما ذهب اليه الشيعة من استضـعاف الرسـول (‪ )‬بل يـدل على تمـام‬
‫هيمنتهـ ‪ ‬على اصحابه ‪ ،‬فالرواية تقول انه بعــدما أفــاق وعلم بأنه قد لُـ ّد أمر بكل من في الــدار ان يُلَد اال‬
‫عمه العبــاس ‪ ،‬وقد لُــ ّد مع من لُد زوجته ميمونة رغم كونها صــائمة وذلك مجــرد لقوله فليلد كل من في‬
‫الدار‪ .‬فهل مثل هذا يتهم بأنه مغلوب على امره؟!‬
‫ثانيا‪ :‬انها تبين ان صحابة النبـي وازواجه كانوا ينظــرون اليه كبشر من هــذه الناحية و يعتريه ما يعــتري‬
‫سائر البشر من المرض وعوارضه و يحتاج كغــيره من المرضى الى الــدواء ‪ ،‬ولكن الرســول ‪ ‬لم يرقه‬
‫ذلك لذلك عاقبهم ‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(216‬‬
‫ليكتب لهم كتابا‪ ،‬النه كان قبل ذلك يكتفي باالمر شفاها ‪ ،‬ثم انه يقول لن تضلوا‬
‫بعده ‪ ،‬فاستغربوا من هذا الذي يعصمهم من الضالل وال يبينه الرسول اال في‬
‫حال اشتداد المرض عليه ‪ ،‬وهم يعلمون ان هللا قد قال في كتابه" اليوم اكملت‬
‫لكم دينكم" ‪ ،‬وان الرسول نفسه قال "تركتكم على البيضاء‪ ،‬وفي رواية على‬
‫مثل البيضاء ‪ ،‬ال يزيغ عنها اال هالك" ‪.‬فهذه االمور كانت مدعاة الستغرابهم‬
‫ففوجئوا ولم يعلموا ماذا يفعلون‪ ،‬لذلك اختلفوا‪ ،‬فقال بعضهم إيتوا بالكتاب وقال‬
‫اآلخرون حسبنا كتاب هللا ‪ .‬فاشتداد المرض على رسول هللا ‪ ‬هو الذي دعاهم‬
‫الى هذا التساؤل ‪ ،‬النهم يعلمون كما قلنا ان هللا قد أكمل الدين ولم يبق أمر ذو‬
‫بال لم يبلغه الرسول ‪ ،‬فالذين راودهم الشك كانوا معذورين حين استفسروا عن‬
‫حالة النبـي ‪ ، ‬ألن الصيغة توحي بأن االمر جد خطير ولكن حالة الرسول‬
‫الصحية حرجة ‪ ،‬وقد اشتد به المرض وكان عنده متسع من الوقت فيما مضى‬
‫المالء وصيته او تبليغه ‪ ،‬ثم ان النبـي لم يكن مرضه مفاجئا له حتى نقول لوال‬
‫المرض لبلَّغ ما كان ينوي تبليغه في ذلك اليوم ‪ ،‬فانه قد علم قبل ذلك بان أجله‬
‫قد دنى وأنه لم يبق عنده شيء سوى لحوقه بالرفيق االعلى وانه كرر ذلك‬
‫مرارا وقد نعى نفسه الى المسلمين في مواضع عديدة وكان يقول " إن عبدا‬
‫‪1‬‬
‫خيره هللا بين الدنيا وبين ما عند هللا فاختار ما عند هللا "‬
‫‪ . 1‬أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال خطب رسول هللا {صلى هللا عليه وسلم} الناس يوما فقال(‬
‫إن عبــدا خــيره هللا بين الــدنيا وبين ما عند هللا فاختــار ما عند هللا ) فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخــبر‬
‫النبـي {صلى هللا عليه وسلم} عن رجل يخير فكان المخير رسول هللا {صــلى هللا عليه وســلم} وكــان أبو‬
‫أمن النــاس علي في صــحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخــذا‬ ‫بكر أعلمنا به فقــال ال تبك يا أبا بكر إن من ِّ‬
‫خليال ألتخذته ولكن أخوة اإلسالم ال يبقى في المسجد باب إال سد إال باب أبي بكر‬
‫وأخرج أحمد وابن سعد والدارمي والحاكم والبيهقي والطبراني عن ابي مويهبة مولى رســول هللا {صــلى‬
‫هللا عليه وسلم} قال أنبهني رسول هللا {صــلى هللا عليه وســلم} من الليل فقــال يا أبا مويهبة إني قد أمــرت‬
‫أن أستغفر هللا ألهل هذا البقيع فخرجت معه حــتى أتيت البقيع فرفع يديه واســتغفر لهم ثم قــال ليهن لكم ما‬
‫أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها اآلخــرة شر من األولى‬
‫يا أبا مويهبة إني قد أعطيت مفــاتيح خــزائن الــدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخــيرت بين ذلك وبين لقــاء ربي‬
‫فاخترت لقاء ربي ثم انصرف فلما أصبح ابتدأ وجعه الذي قبضه هللا فيه‬
‫وأخرج ابن سعد نحوه من حديث أبي رافع مولى النبـي {صلى هللا عليه وسلم}‬
‫وأخرج الــبيهقي عن طــاوس قــال قــال رســول هللا {صــلى هللا عليه وســلم} ( نصــرت بــالرعب وأعطيت‬
‫الخزائن وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل )‬
‫وأخــرج البخــاري عن أبي هريــرة قــال كــان رســول هللا {صــلى هللا عليه وســلم} يعتكف من كل شــهر‬
‫رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما وكان جبريل يعرض عليه القــران‬
‫كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين‬

‫‪216‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(217‬‬
‫‪ -4‬قلنا ان هذه الحادثة تدل على طاعة الصحابة للرسول وليس مخالفته ‪،‬‬
‫لننظر كيف؟‬
‫قلنا ان الصحابة كانوا يفرقون بين ثالثة امور ‪ ،‬ماكان وحيا من هللا ‪ ،‬وما كان‬
‫اجتهادا من الرسول ‪ ‬وما كان نابعا من رغباته الشخصية ‪ ،‬لذلك حين كان‬
‫يأمرهم بشيء يُشكل عليهم كانوا يحاولون ان يعرفوا طبيعته ‪ ،‬هل هو وحي ام‬
‫اجتهاد ام مما يرغب فيه الرسول ويحبه ‪ ،‬وربما تباطؤوا في تنفيذ بعض‬
‫االوامر أمالً منهم ان يتراجع الرسول عن قراره كما فعلوا في صلح الحديبية‬
‫حين تباطؤوا في حلق رؤوسهم وتقديم هديهم ع َّل رسول هللا ‪ ‬يلغي المعاهدة‪،‬‬
‫ولكن بعد ان كانوا يتبينون من جدية االمر لم يكونوا يتوانون لحظة في تنفيذه ‪.‬‬
‫وفي هذه الحادثة كان االمر مختلفا عن غيره ‪ ،‬فانه قبل كل شيء كان مفاجئا‬
‫بالنسبة للمتواجدين في البيت ‪ ،‬سواء بالنسبة الى حساسية وضع الرسول او‬
‫طبيعة طلب الرسول ‪ ،‬لذلك تباطؤوا في تنفيذ االمر ألنهم يعلمون ان االمر اذا‬
‫صدر من الرسول وثبت ال يسعهم مخالفته ‪ ،‬فهم في سعة من امرهم مالم‬
‫يصدر االمر ويؤ َّكد‪ ،‬فاذا صدر واُ ِّكد فال خيرة لهم حينئذ وال يسعهم إالٍّ تنفيذه ‪.‬‬
‫هنا كانوا يخافون ان يصدر االمر فال يستطيعون مراجعته في شأنه ومناقشته‬
‫فيه الضطراب وضعه الصحي فيصدر االمر منه وهو بهذه الحال فال يقدرون‬
‫على تنفيذه فيقعون في االثم ‪ .‬انهم لم يكونوا على يقين بأن ما صدر عن النبـى‬
‫كان عن وعي تام لذلك قالوا استفهموه ‪ ،‬ألن طلبه كما قلت كان مفاجئا بالنسبة‬
‫لهم سواء في توقيته او صيغته‪ ،‬وانهم كانوا يرونه يعانى من شدة المرض فلم‬
‫يستبعدوا أن يكون ذلك من تأثير المرض عليه لذلك قال عمر ‪ :‬ان رسول هللا‬
‫قد غلبه الوجع ‪ .‬ولو كان الشيعة هناك لربما فعلوا ما فعله الصحابة أو اكثر ‪،‬‬
‫بدليل ان اصحاب علي خالفوا عليا اكثر مما خالف اصحاب محمد محمدا ‪،‬‬
‫وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم ان شاء هللا ‪.‬‬
‫على كل حال فاعتقاد الصحابة بأن الرسول قد ال يعي ما يقول الشتداد المرض‬
‫عليه اليدخل ال في باب الكفر وال في باب المعصية وانما هو في اسوأ احواله‬
‫خطأ في الفهم ليس االّ‪.‬‬
‫‪ -5‬واخيرا ‪ ،‬أن الكتاب الذي كان الرسول ‪ ‬ينوي كتابته ‪ ،‬ان كان قد بلّغه‬
‫شفاها كما تقول احدى الروايتينـ فقد انتهت المشكلة وكفى هللا المؤمنين القتال ‪،‬‬
‫وأخرج الشيخان عن عائشة عن فاطمة أن النبـي {صـلى هللا عليه وسـلم} أسر إليها فقـال أن جبريل كـان‬
‫يعارضني بالقرآن كل عام مـرة وأنه عارضـني به العـام مـرتين وال أرى أجلي إال قد حضر(الخصـائص‬
‫الكبرى للسيوطي)‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(218‬‬
‫وان كان لم يبلغه شفاها فهو في هذه الحالة شبيه بما فعله مع غطفان فإنه كما‬
‫ذكرنا اتفق معهم على ان يدفع لهم ثلث ثمار المدينة على ان يرجعوا عن‬
‫المدينة ويفكوا الحصار عن المسلمين وكتب بذلك الكتاب وختمه ولكن حين‬
‫أهل المدينة يكرهون ذلك مزق الكتاب وألغى المعاهدة ولم يغضب على‬ ‫رأى َ‬
‫الذين ردوا اتفاقه ذلك ‪ ،‬هنا أيضا يبدو أن الرسول ‪ ‬أراد أن يكتب لهم شيئا من‬
‫ذلك القبيل ولكنه لما رآهم اختلفوا فيما بينهم أحجم عن كتابته وأوكل االمر‬
‫اليهم ‪ ،‬ثم أخرجهم من البيت للغطهم واختالفهم ‪ ،‬ولو كان الرسول ضعيفا لما‬
‫تجرأ على القول ‪ :‬اخرجوا عني ‪ ،‬فهذا ال يقوله الضعفاء‪.‬‬

‫بين اصحاب النبـي وأصحاب علي‪:‬‬


‫بما ان الشيعة وحدهم هم الذين يتخذون من هذه الحادثة مطية للطعن في‬
‫الصحابة وجب ان نخاطبهم بلغة يفهمونها فنسألهم ‪ :‬أأنتم أعلم بعلي ‪ ‬أم‬
‫أصحابه الذين عاصروه ونصروه وحاربوا معه خصومه؟‬
‫ال شك أن أصحاب علي كانوا أعلم بعلي من الشيعة الذين لم يعاصروه ‪ ،‬وال‬
‫أظن الشيعة يقولون بعكس ذلك إالّ إذا كابروا ‪ .‬ولكن تعال لننظر الى تعامل‬
‫هؤالء االصحاب مع علي لنرى هل تتوافق مع نظرة الشيعة الى علي‬
‫واعتقادهم فيه ‪ .‬بالتأكيد ال‪ ،‬فإن تعامل اصحاب علي معه يختلف كثيرا عن‬
‫نظرة الشيعة اليه ‪ ،‬انهم كانوا يناقشونه ويشيرون عليه ويردون عليه ويعصون‬
‫اوامره ويتثاقلون في الخروج معه للقتال ! فلو حاكمنا ممارسات اصحاب‬
‫علي تجاهه الى معتقدات الشيعة فيه الضطررنا الى تكفيرهم ورميهم بكل‬
‫يسوون بين النبـي واالمام في وجوب طاعتهما وتوقيرهما‬ ‫نقيصة ‪ ،‬ألن الشيعة ُّ‬
‫وال يفرقون بين من يرد امر الرسول ومن يرد امر االمام ‪ ،‬ولكن مع ذلك فإن‬
‫الشيعة لم يكفروا اصحاب علي على الرغم من عصيانهم المستمر له و شكاية‬
‫علي منهم ‪ ،‬وسنورد بعض اقواله فيهم ‪ ،‬علما ً أن الرسول لم يقل في حق‬
‫اصحابه عشر معشار ما قاله علي في اصحابه مع ذلك كفروا اصحاب النبـي‬
‫و فسّقوهم ولم يذكروا اصحاب علي بسوء ‪ ،‬وليس هذا فحسب بل إن احدهم‬
‫ف شعر رأسه حين يُذكر احد اصحاب علي بسوء !‬ ‫يَقِ ُّ‬
‫وهذه بعض اقوال سيدنا علي في اصحابه ‪ ،‬فقارن بينها وبين ما قاله الرسول ‪‬‬
‫في اصحابه ‪ ،‬علما انك ال تكاد تجد مدحا لعلي الصحابه أو ثناءا منه عليهم ‪،‬‬
‫بينما اآليات واالحاديث متوافرة في مدح الصحابة والثناء عليهم‪:‬‬

‫‪218‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(219‬‬
‫"منيت بمن ال يطيع إذا أمرت‪ ،‬وال يجيب إذا دعوت‪ ،‬ال أبا لكم! ما تنتظرون‬
‫بنصركم ربّكم‪ ،‬أما دين يجمعكم‪ ،‬وال حميّة تحمشكم؟!‬
‫أقُوم فيكم مستصر ًخا‪ ،‬وُأناديكم متغ ّوثًا‪ ،‬فال تسمعون لي قوالً‪ ،‬وال تطيعون لي‬
‫أمرًا‪ ،‬حتى تكشف األمور عن عواقب المساءة‪ ،‬فما يُد َرك بكم ثأر‪ ،‬وال يُبلَغ بكم‬
‫مرام‪ ،‬دعوتكم إلى نصر إخوانكم‪ ،‬فجرجرتم جرجرة الجمل األسرّ‪ ،‬وتثاقلتم‬
‫تثاقل النضو األدبر‪ ،‬ثم خرج إل ّي منكم جنيد متذائب ضعيف‪ ،‬كأنما يُساقون إلى‬
‫‪1‬‬
‫الموت وهم ينظرون"‬
‫"أما بعد يا أهل العراق! فإنما أنتم كالمرأة الحامل‪ ،‬حملت فل ّما أتمت أملطت‪،‬‬
‫ومات قيّمها‪ ،‬وطال تأيّمها‪ ،‬وورثها أبعدها‪ ،‬أما وهللا ما أتيتكم اختيارًا‪ ،‬ولكن‬
‫جئت إليكم سوقًا‪ ،‬ولقد بلغني أنّكم تقولون‪ :‬عل ّي يكذب! قاتلكم هللا تعالى! فعلى‬
‫من أكذب؟ أعلى هللا‪ ،‬فأنا أول من آمن به؟ أم على نبـيه‪ ،‬فأنا أول من صدق‬
‫‪2‬‬
‫به؟"‬
‫أال وإني قد دعوتكم ِإلى قتال هؤالء القوم ليالً ونهارًا‪ ،‬وسرًا وإعالناً‪ ،‬وقلت‬
‫لكم‪ :‬اغزوهم قبل أن يغزوكم‪ ،‬فوهللا ما ُغزي قوم قط في عقر دارهم ِإال ذلّوا‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فتواكلتم وتخاذلتم‪ ،‬حتى ُشنّت عليكم الغارات و ُملكت عليكم األوطان"‬
‫"فيا عجبًا! عجبًا وهللا يميت القلب ويجلب اله ّم‪ ،‬من اجتماع هؤالء القوم على‬
‫باطلهم‪ ،‬وتفرقكم عن حقّكم‪ ،‬فقبحًا لكم وترحًا حين صرتم غرضًا يرمى‪ ،‬يُغار‬
‫عليكم وال تُغيرون‪ ،‬وتُغزون وال تَغزون‪ ،‬ويُعصى هللاُ وترضون!ـ‬
‫فِإذا أمرتكم بالسير ِإليهم في أيام الح ّر قلتم‪ :‬هذه حمارّة القيظ‪ ،‬أمهلنا يسبخ عنا‬
‫الحر‪ ،‬وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم‪ :‬هذه صبارّة القرّ‪ ،‬أمهلنا ينسلخ‬
‫عنا البرد‪ ،‬ك ّل هذا فرارا من الح ّر والقرّ‪ ،‬فإذا كنتم من الح ّر والق ّر تفرون‪ ،‬فأنتم‬
‫وهللا من السيف أفرّ!"‪.‬‬
‫"يا أشباه الرجال وال رجال‪ ،‬حلوم األطفال وعقول ربات الحجال‪ ،‬لوددت أني‬
‫لم أركم ولم أعرفكم‪ ..‬معرفة وهللا جرَّت ند ًما‪ ،‬وأعقبت سد ًما‪ ،‬قاتلكم هللا! لقد‬

‫‪ . 1‬شرح نهج البالغة‪ /‬ابن ابي الحديد (‪.)2/300‬‬


‫‪ . 2‬نفس المصدر(‪.)6/127‬‬
‫‪ . 3‬نفس المصدر(‪.)2/74‬‬
‫‪219‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(220‬‬
‫مألتم قلبـي قيحًا‪ ،‬وشحنتم صدري غيظًا‪ ،‬وجرعتموني نغب التهمام أنفاسًا‪،‬‬
‫وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذالن‪ ،‬حتى لقد قالت قريش‪ :‬إن ابن أبي‬
‫طالب رجل شجاع ولكن ال علم له بالحرب‪ ،‬هلل أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها‬
‫مراسًا‪ ،‬وأقدم فيها مقا ًما مني! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين‪ ،‬وهأنذا قد‬
‫‪1‬‬
‫ذرّفت على الستين! ولكن ال رأي لمن ال يُطاع!"‬
‫"كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة‪ ،‬والثياب المتداعية‪ ،‬كلما حيصت من‬
‫جانب تهتكت من آخر‪ ،‬كلما أط ّل عليكم منسر من مناسر أهل الشام‪ ،‬أغلق كل‬
‫رجل منكم بابه‪ ،‬وانجحر انجحار الضبّة في جحرها‪ ،‬والضبع في وجارها‪.‬‬
‫الذليل وهللا من نصرتموه‪ ،‬ومن رمي بكم فقد رمي بأفوق ناصل‪.‬‬
‫إنكم وهللا لكثير في الباحات‪ ،‬قليل تحت الرايات‪ ،‬وإني لعالم بما يصلحكم‪ ،‬ويقيم‬
‫أودكم‪ ،‬ولكني وهللا ال أرى إصالحكم بِإفساد نفسي‪.‬‬
‫أضرع هللا خدودكم‪ ،‬وأتعس جدودكم! ال تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل‪ ،‬وال‬
‫‪2‬‬
‫تبطلون الباطل كِإبطالكم الحق"‬
‫وقال ‪ t‬لما بلغه إغارة أصحاب معاوية على األنبار‪ ،‬فخرج بنفسه ماشيًا حتى‬
‫أتى النخيلة‪ ،‬وأدركه الناس وقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين!ـ نحن نكفيكهم‪ ،‬فقال ‪:t‬‬
‫"وهللا ما تكفونني أنفسكم‪ ،‬فكيف تكفونني غيركم! ِإن كانت الرعايا قبلي لتشكو‬
‫حيف رعاتها‪ ،‬فإني اليوم أشكو حيف رعيتي‪ ،‬كأنّني المقود وهم القادة‪ ،‬أو‬
‫‪3‬‬
‫الموزوع وهم الوزعة"‬
‫لقد كنت أمس أميرًا فأصبحت اليوم مأمورًا‪ ،‬وكنت أمس ناهيًا فأصبحت اليوم‬
‫‪4‬‬
‫منهيًا‪ ،‬وقد أحببتم البقاء‪ ،‬وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون!"‬
‫ويقول في موقع آخر ذاما ً أصحابه ومثنيا ً على صحابة الرسول‪:‬‬

‫‪( . 1‬نفس المصدر ‪.2/74‬‬


‫‪ .2‬نفس المصدر (‪.)6/102‬‬
‫‪ ( . 3‬نفس المصدر (‪. )19/145‬‬
‫‪ . 4‬نفس المصدر (‪.)11/29‬‬
‫‪220‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(221‬‬
‫"ولوددت أن هللا فرق بيني وبينكم‪ ،‬وألحقني بمن هو أحق بي منكم‪ ،‬قوم وهللا‬
‫ميامين الرأي‪ ،‬مراجيح الحلم‪ ،‬مقاويل بالحق‪ ،‬متاريك للبغي‪ ،‬مضوا قد ًما على‬
‫‪5‬‬
‫الطريقة‪ ،‬وأوجفوا على المحجة‪ ،‬فظفروا بالعقبى الدائمة‪ ،‬والكرامة الباردة"‬
‫"ولئن أمهل هللا الظالم فلن يفوت أخذه ‪ ،‬وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه‪،‬‬
‫وبموضع الشجا من مساغ ريقه‪.‬‬
‫أما والذي نفسي بيده‪ ،‬ليظهرن هؤالء القوم عليكم‪ ،‬ليس ألنهم أولى بالحق‬
‫منكم‪ ،‬ولكن إلسراعهم ِإلى باطلهم‪ ،‬وإبطائكم عن حقي‪ ،‬ولقد أصبحت األمم‬
‫تخاف ظلم رعاتها‪ ،‬وأصبحت أخاف ظلم رعيتي‪.‬‬
‫استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا‪ ،‬وأسمعتكم فلم تسمعوا‪ ،‬ودعوتكم سرًا وجهرًا فلم‬
‫تستجيبوا‪ ،‬ونصحت لكم فلم تقبلوا‪.‬‬
‫شهود كغياب‪ ،‬وعبيد كأرباب‪ ،‬أتلو عليكم ال ِحكم فتنفرون منها‪ ،‬وأعظكم‬
‫بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها‪ ،‬وأحثّكم على جهاد أهل البغي‪ ،‬فما آتي على‬
‫آخر قولي حتى أراكم متفرّقين أيادي سبأ‪ ،‬ترجعون ِإلى مجالسكم‪ ،‬وتتخادعون‬
‫المقوم‬
‫ُّ‬ ‫عن مواعظكم‪ ،‬أق ّومكم غدوة وترجعون إلي عشية كظهر الحنيّة عجز‬
‫‪2‬‬
‫وأعضل المق َّوم‪.‬‬
‫"أيها القوم! الشاهدة أبدانهم‪ ،‬الغائبة عنهم عقولهم‪ ،‬المختلفة أهواؤهم‪ ،‬المبتلى‬
‫بهم أمراؤهم‪ ،‬صاحبكم يطيع هللا وأنتم تعصونه‪ ،‬وصاحب أهل الشام يعصي‬
‫هللا وهم يطيعونه‪ ،‬لوددت وهللا أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار‬
‫بالدرهم‪ ،‬فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجاًل منهم!‬
‫يا أهل الكوفة ! منيت منكم بثالث واثنتين‪ ،‬ص ّم ذوو أسماع‪ ،‬وبكم ذوو كالم‪،‬‬
‫وعمي ذوو أبصار‪ ،‬ال أحرار صدق عند اللقاء‪ ،‬وال إخوان ثقة عند البالء‪.‬‬
‫تربت أيديكم‪ ،‬يا أشباه اإلبل غاب عنها رعاتها! كلما جُمعت من جانب تفرقت‬
‫من آخر‪.‬‬

‫‪ . 5‬نفس المصدر (‪.)7/115‬‬


‫‪ . 2‬نفس المصدر (‪.)7/70‬‬
‫‪221‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(222‬‬
‫وهللا لكأني بكم ‪ -‬فيما إخالكم‪ -‬أن لو حمس الوغى‪ ،‬وحمي الضراب‪ ،‬قد‬
‫انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قُبُلها‪ ،‬وإني لعلى بينة من ربي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ومنهاج من نبـيي‪ ،‬وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطًا"‬
‫"أحمد هللا على ما قضى من أمر‪ ،‬وق ّدر من فعل‪ ،‬وعلى ابتالئي بكم أيتها‬
‫ُ‬
‫دعوت لم تجب‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أمرت لم تطع‪ ،‬وإذا‬ ‫الفرقة التي إذا‬
‫إن ُأهملتم ُخضتم‪ ،‬وإن حوربتم ِخرتم‪ ،‬وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم‪ ،‬وإن‬
‫أجئتم إلى مشافة نكصتم‪.‬‬
‫ال أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم‪ ،‬والجهاد على حقكم! الموت أو الذل لكم‪،‬‬
‫فوهللا لئن جاء يومي وليأتينّي‪ ،‬ليفرقن بيني وبينكم‪ ،‬وأنا بصحبتكم ٍ‬
‫قال‪ ،‬وبكم‬
‫غير كثير‪.‬‬
‫هلل أنتم‪ ،‬أما دين يجمعكم‪ ،‬وال حمية تشحذكم‪ ،‬أوليس عجبًا أن معاوية يدعو‬
‫الجفاة الطغام‪ ،‬فيتبعونه على غير معونة وال عطاء‪ ،‬وأنا أدعوكم ‪-‬وأنتم تريكة‬
‫اإلسالم وبقيّة الناس‪ -‬إلى المعونة أو طائفة من العطاء‪ ،‬فتتفرّقون عني‬
‫ي‪.‬‬
‫وتختلفون عل َّ‬
‫إنه ال يخرج إليكم من أمري رض ًى ترضونه‪ ،‬وال سخط فتجتمعون عليه‪ ،‬وإن‬
‫ق إلي الموت‪.‬‬
‫أحب ما أنا ال ٍ‬
‫قد درّستكم الكتاب‪ ،‬وفاتحتكم الحجاج‪ ،‬وعرّفتكم ما أنكرتم‪ ،‬وسوغتم ما‬
‫‪2‬‬
‫مججتم‪ ،‬لو كان األعمى ينحط أو النائم يستيقظ!"‬
‫"أيها الناس المجتمعة أبدانهم‪ ،‬المختلفة أهواؤهم‪ ،‬كالمكم يوهي الص ّم‬
‫الصالب‪ ،‬وفعلكم يطمع فيكم األعداء‪.‬‬
‫تقولون في المجالس كيت وكيت‪ ،‬فإذا جاء القتال قلتم‪ :‬حيدي حياد!‬
‫ما ع ّزت دعوة من دعاكم‪ ،‬وال استراح قلب من قاساكم‪ ،‬أعاليل بأضاليل‪ ،‬دفاع‬
‫ذي ال َّدين المطول‪.‬‬
‫ال يَمنع الضيم الذليل‪ ،‬وال يُدرك الحق إال بالجد‪.‬‬

‫‪ . 1‬نفس المصدر (‪.)7/70‬‬


‫‪ . 2‬نفس المصدر (‪.)10/67‬‬
‫‪222‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(223‬‬
‫ي إمام بعدي تقاتلون‪ ،‬المغرور وهللا من‬ ‫أي دار بعد داركم تمنعون‪ ،‬ومع أ ّ‬
‫غررتموه‪ ،‬ومن فاز بكم فقد فاز وهللا بالسهم األخيب‪ ،‬ومن رمى بكم فقد رمى‬
‫بأفوق ناصل‪.‬‬
‫أصبحت وهللا ال أص ّدق قولكم‪ ،‬وال أطمع في نصركم‪ ،‬وال أوعد العدو بكم‪.‬‬
‫ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبّكم؟ القوم رجال أمثالكم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أقَوالً بغير علم‪ ،‬وغفلة من غير ورع‪ ،‬وطمعًا في غير حق؟!"‬
‫"أف لكم‪ ،‬لقد سئمت عتابكم‪ ،‬أرضيتم بالحياة الدنيا من اآلخرة عوضًا‪ ،‬وبالذ ّل‬ ‫ّ‬
‫من العز خلفًا‪ ،‬إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم‪ ،‬كأنكم من الموت في‬
‫غمرة‪ ،‬ومن الذهول في سكرة‪.‬‬
‫يرتج عليكم حواري فتعمهون‪ ،‬فكأن قلوبكم مألوسة‪ ،‬فأنتم ال تعقلون‪ ،‬ما أنتم لي‬
‫بثقة سجيس الليالي‪ ،‬وما أنتم بركن يُمال بكم‪ ،‬وال زوافر ع ّز يُفتقر إليكم‪ ،‬ما‬
‫أنتم إال كإبل ض ّل رعاتها‪ ،‬فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر‪.‬‬
‫لبئس لعمر هللا سُعر نار الحرب أنتم! تُكادون وال تكيدون‪ ،‬وتُنتقص أطرافكم‬
‫فال تمتعضون‪ ،‬ال يُنام عنكم وأنتم في غفلة ساهون‪ ،‬غلب وهللا المتخاذلون!‬
‫وأيم هللا! ِإني ألظن بكم أن لو حمس الوغى‪ ،‬واستح َر الموت‪ ،‬قد انفرجتم عن‬
‫ابن أبي طالب انفراج الرأس‪.‬‬
‫وهللا إن امر ًءا يم ّكن عدوه من نفسه‪ ،‬يعرق لحمه وينهش عظمه‪ ،‬ويفري جلده‪،‬‬
‫لعظيم عجزه‪ ،‬ضعيف ما ض ّمت عليه جوانح صدره‪.‬‬
‫أنت فكن ذاك إن شئت‪ ،‬فأما أنا فوهللا دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية‬
‫تطير منه فراش الهام‪ ،‬وتطيح السواعد واألقدام‪ ،‬ويفعل هللا بعد ذلك ما يشاء‪.‬‬
‫ويقول مخاطبا الذين خرجوا عليه من جيشه ‪:‬‬
‫"أيها الناس! إن لي عليكم حقًا‪ ،‬ولكم علي حق‪ ،‬فأما حقكم علي فالنصيحة لكم‪،‬‬
‫وتوفير فيئكم عليكم؛ وتعليمكم كيال تجهلوا‪ ،‬وتأديبكم كيما تعلموا‪ ،‬وأما حقي‬
‫عليكم‪ ،‬فالوفاء بالبيعة‪ ،‬والنصيحة في المشهد والمغيب‪ ،‬واإلجابة حين أدعوكم‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫والطاعة حين آمركم"‬

‫‪ . 1‬نفس المصدر (‪.)2/111‬‬


‫‪ . 2‬نفس المصدر (‪. )2/189‬‬
‫‪223‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(224‬‬
‫فِإن أبيتم ِإال أن تزعموا أني أخطأت وضللت‪ ،‬فَلِ َم تضللون عامة أمة محمد ‪‬‬
‫بضاللي‪ ،‬وتأخذونهم بخطئي‪ ،‬وتكفّرونهم بذنوبي! سيوفكم على عواتقكم‪،‬‬
‫تضعونها مواضع البرء والسقم‪ ،‬وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب‪ ،‬وقد علمتم‬
‫أن رسول هللا ص رجم الزاني المحصن‪ ،‬ثم صلى عليه‪ ،‬ثم ورثه أهله‪ ،‬وقتل‬
‫القاتل وورث ميراثه أهله‪ ،‬وقطع يد السارق‪ ،‬وجلد الزاني غير المحصن‪ ،‬ثم‬
‫قسم عليهما من الفيء‪ ،‬ونكحا المسلمات‪ ،‬فأخذهم رسول هللا ‪ ‬بذنوبهم‪ ،‬وأقام‬
‫حق هللا فيهم‪ ،‬ولم يمنعهم سهمهم من اِإل سالم‪ ،‬ولم يخرج أسما َءهم من بين‬
‫أهله‪.‬‬
‫ث ّم أنتم شرار الناس‪ ،‬ومن رمى به الشيطان مراميه‪ ،‬وضرب به تيهه‪.‬‬
‫ق‪ ،‬ومبغض‬ ‫وسيهلك ف ّي صنفان‪ :‬محبّ مفرط يذهب به الحب ِإلى غير الح ّ‬
‫ق‪ ،‬وخير الناس ف ّي حاالً النمط األوسط‪،‬‬ ‫مفرط يذهب به البغض ِإلى غير الح ّ‬
‫فالزموه والزموا السواد األعظم‪ ،‬فِإن يد هللا على الجماعة‪ ،‬وِإياكم والفرقة"‪.‬‬
‫"وهللا ما تكفونني أنفسكم‪ ،‬فكيف تكفونني غيركم! ِإن كانت الرعايا قبلي لتشكو‬
‫حيف رعاتها‪ ،‬فإني اليوم أشكو حيف رعيتي‪ ،‬كأنّني المقود وهم القادة‪ ،‬أو‬
‫الموزوع وهم الوزعة")‪.‬‬
‫هذه هي صورة اصحاب علي كما يرسمه لنا سيدنا علي نفسه ‪ ،‬فلو اتبع‬
‫الشيعة في دراسة حياة هؤالء المنهج الذي يتبعونه في دراسة حياة أصحاب‬
‫النبـي ‪ ‬لوجب عليهم أن يكفروهم ويفسقوهم ويرموهم بالنفاق والجبن والبخل‬
‫وغيرها من النقائص ألنهم كما رأيت آذوه وخالفوه وعصوا اوامره واتهموه‬
‫وملئوا قلبه قيحا وغيظا واشتكى منهم وود ان لم يرهم ولم يروه وتمنى فراقهم‬
‫ودعا عليهم ووصفهم بأبشع االوصاف ‪ .‬ولكن الشيعة ال يفعلون ! وهذا إن د ّل‬
‫على شيء فانه يدل على اتباع الهوى وعدم توخي الحق ‪ ،‬او ان هناك أجندة‬
‫شعوبية معادية لالسالم ولكن الشيعة العرب لم ينتبهوا اليها‪ ،‬واالّ ما معنى‬
‫السكوت عن اصحاب علي الذي ذمهم بنفسه في عشرات المواطن والتجرؤ‬
‫على ذم أصحاب النبـي الذين مدحهم هللا وأثنى عليهم ووعدهم الجنات‬
‫والرضوانـ ومدحهم الرسول ‪ ‬في عشرات المواقف؟!‬
‫ربما يقول قائل إذا حكمنا على اصحاب علي الذين قاتلوا معه خصومه‬
‫بالكفر والفسوق والنفاق فبم نحكم على خصومه الذين قاتلوه وناصبوه العداء ؟‬
‫وهذا اعتراض وجيه‪ ،‬ولكنه بحق اصحاب النبـي ‪ ‬الذين آمنوا به وهاجروا‬
‫‪224‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(225‬‬
‫معه وجاهدوا معه ونصروه ثم حاربوا المرتدين وثبّتوا أركان االسالم وجمعوا‬
‫القرآن ونشروا االسالم أليق ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إن قيل بحق هؤالء الصحابة أنهم كفار‬
‫ومنافقون وفساق فماذا يُقال بحق الذين قاتلوهم من المشركين والمرتدين‬
‫والنصارى والمجوس؟‬
‫اقرأ ما قاله علي‪ ‬في أصحابه ثم قارن بينهم وبين اصحاب محمد‪ ‬ثم‬
‫احكم بنفسك ‪ :‬أي الفريقين أحق بأن تُلصق به هذه االوصاف التي يُلصقها‬
‫الشيعة بأصحاب النبـي ال سيما إذا عرفت أن مخالفة االمام كمخافة النبـي في‬
‫نظر الشيعة وأن الراد على االمام كالراد على النبـي سواء بسواء!‬
‫إذا كان الشيعة يبحثون عن مبررات لمخالفات اصحاب علي ‪ ،‬فلماذا ال‬
‫ينهجون نفس النهج مع اصحاب محمد ؟ أليس اصحاب محمد أولى باالنصاف‬
‫من اصحاب علي؟ أم ان الصحاب علي خصوصية ليست ألصحاب محمد؟ ال‬
‫أستبعد ذلك ألنهم يروون حديثا قدسيا عن هللا انه قال لعلي ‪ ":‬يا علي سادخل‬
‫‪1‬‬
‫الجنة من اطاعك وان عصاني وادخل النار من عصاك وان اطاعني"‬
‫إذا جاز لهم ان يبرروا كل هذه المخالفات التي آذت عليا ً وأحزنته‬
‫والتي دفعته الى إظهار كل هذه الشكاوى منهم ‪ ،‬فلماذا ال يبررون بعض‬
‫مخالفات اصحاب النبـي التي لم تسبب للنبـي من األلم والحزن عشر معشار ما‬
‫ك منهم بل مدحهم‬ ‫سببته مخالفات اصحاب علي لعلي ‪ ،‬علما أن النبـي ‪ ‬لم ي ْش ُ‬
‫وأثنى عليهم في أكثر من موطن ‪ ،‬والقرآن أيضا مدحهم وأثنى عليهم ؟ بأي‬
‫مكيال يكيلون وعلى أي منهج يسيرون؟!‬
‫اننا لو درسنا هذا الموضوع بعلمية وحيادية وتجنبنا اثارة العواطف‬
‫والصيد في الماء العكر والضحك على الذقون لتفهّمنا موقف الصحابة جيدا‬
‫ولعددناه امرا طبيعيا لخطورة الموضوع وحراجة الموقف‪ ،‬ولكن الشيعة‬
‫يتخذونه ذريعة للوصول الى غاياتهم وهي النيل من الصحابة وتجريحهم !‬
‫وليتهم اتبعوا نفس المنهج مع اصحاب علي واستخدموا نفس المعايير لتقويمهم‬
‫تغاض شديد عن ممارسات واخطاء‬ ‫ٍ‬ ‫ولكن مع االسف يكيلون بمكيالين ‪،‬‬
‫اصحاب علي و عما كانوا يفعلونه بحقه‪ ،‬وتحامل شديد على صحابة رسول‬
‫هللا وابراز وتفخيم الهفوات ‪ ،‬واغلب االحيان قلب المناقب الى مثالب!‬

‫حقيقة مخالفة الصحابة للرسول‪:‬‬


‫‪ .1‬هذا الحديث اورده الدكتور محمد الهاشمي في حوار رمضان من عام ‪ 1431‬للهجرة على قناة المستقلة‬
‫ناقال اياه من مواقع شيعية واقر بصحته الشيخ ثامر الميالي ممثل المدرسة الشيعية التقليدية ولكن رده‬
‫الشيخ علي االمين دون تردد عمال بقول االئمة اذا خالف قولنا كتاب هللا فاضربوا به عرض الحائط‬
‫‪225‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(226‬‬
‫ذكرنا فيما مضى بعض القواعد للحكم على الصحابة منها‪:‬‬
‫‪ .1‬تقويمهم من خالل مجموع ما عملوا وقدموا ال من خالل موقف واحد أو‬
‫تصرف واحد ‪ .‬وكان هذا منهج رسول هللا ‪ r‬في تعامله معهم ‪ ،‬ففي فتح‬
‫مكة مثال ‪ ،‬وقع حاطب بن ابي بلتعة في خطإ كبير يعد في ميزان السياسة‬
‫من الخيانة الكبرى حين كشف سر المسلمين وبعث الى اهل مكة من‬
‫يخبرهم بأن الرسول ‪ r‬قادم لفتح مكة وحين ُكشف أمره استعظم الصحابة‬
‫هذا الفعل وطلبوا ايقاع العقوبة الشديدة عليه ‪ ،‬ولكن الرسول‪ r‬قال ‪ :‬وما‬
‫يدريك يا عمر ‪ ،‬لعل هللا قد اطلع الى اصحاب بدر يوم بدر فقال ‪ :‬اعملوا‬
‫‪1‬‬
‫ما شئتم فقد غفرت لكم‪.‬‬
‫‪ .2‬ومن خالل مجموع ماورد في حقهم من آيات وأحاديث ال من خالل نص‬
‫واحد او نصين ‪.‬‬
‫‪ .3‬رد النصوص المتشابهة الى النصوص المحكمة‪.‬‬
‫‪ .4‬تحكيم المتأخر في المتقدم في النزول ‪.‬‬
‫ولكن الشيعة يعملون عكس ذلك تماما فانهم يعمدون الى إغفال جميع‬
‫ماورد في حق الصحابة من آيات قرآنية واحاديث نبوية محكمة وصريحة‬
‫ويعرضونـ عنها صفحا ويتشبثون باآليات واالحاديث المتشابهة والتي توحي‬
‫ظاهرها بالذم او فيها عتاب على بعض مواقفهم ويبنون عليها احكامهم ثم‬
‫يرصدون المواقف التي وقف فيها الصحابة موقف المستفسر من اوامر‬
‫الرسول‪ r‬او التى تباطئوا فيها في تنفيذ اوامره ليدعموا بها مواقفهم السلبية من‬
‫الصحابة وعقيدتهم فيهم دون محاولة دراسة حيثيات تلك االمور او دراسة‬
‫دوافع الصحابة فيما كانوا يفعلونه ‪ .‬ان الشيعة اليريدون ان يفهموا او يدركوا‬
‫دوافع الصحابة فيما كانوا يفعلونه وذلك لنظرتهم السوداوية عنهم وموقفهم‬
‫المعادي لهم حيث ال يدعهم ذلك ان يفكروا بتجرد وانصاف وعقالنية ‪ ،‬وهذا‬
‫هو حال كل من يتعامل مع االمور بمقررات مسبقة‪ ،‬فهذه المقررات ال تدعه‬
‫يضع االمور في ميزان العقل المتجرد عن الهوى ويحللها تحليال عقليا‬
‫ومنطقيا بحياد وانصاف! ‪.‬‬
‫ان الشيعة‪ ،‬كما قلنا من قبل‪ ،‬لم يبنوا موقفهم من الصحابة من مجموع‬
‫اآليات واالحاديث التي تتحدث عنهم ‪ ،‬وال من مجموع ما قدموه لالسالم من‬
‫تضحيات وال من خالل ما بذلوه من الجهود في سبيل اعالء كلمة هللا ونشر‬
‫دينه ‪ ،‬وانما بنوا موقفهم منهم على شيء واحد فقط ‪ :‬هو موقفهم من علي ومن‬

‫‪ . 1‬تهذيب سيرة ابن هشام‪ /‬ص ‪283‬‬


‫‪226‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(227‬‬
‫خالفة علي! فالشيعة حين رأوا عليا احق الناس بالخالفة ورأوا الصحابة قد‬
‫عدلوا عنه الى غيره اتهموهم بالخيانة والظلم والكفر والردة الخ من االتهامات‬
‫‪ .‬ان عدم تولي علي للخالفة فور وفاة الرسول ‪ r‬هو المعيار الوحيد لتقويم‬
‫الصحابة ‪ ،‬فما دام الصحابة لم يختاروا عليا للخالفة واختاروا غيره إذاً فهم‬
‫متهمون وظالمون وفاسقون ومرتدون‪.! ..‬‬
‫اما اهل السنة فانهم يبنون مواقفهم منهم من مجموع ما نزل بشأنهم من‬
‫آيات وورد في حقهم من أحاديث ‪ ،‬ومن مجموع ما قدموه لالسالم من‬
‫تضحيات وما بذلوه في سبيل حفظ مبادئه ونشر تعاليمه ‪ ،‬وهم بعد ذلك بشر‬
‫يخطئون ويصيبون ‪ .‬وانهم يعتقدون ان الرسول‪ r‬قد ُس َّر بهم وقرت عينه بهم‬
‫وذهب الى ربه قرير العين طيب الخاطر راضيا عن اصحابه فرحا بما حققه‬
‫لالسالم وبما انجزه من منجزات مفاخرا االنبـياء باصحابه وبمنجزاته حيث‬
‫انجز ما لم ينجزه غيره وخلف من لم يخلفه غيره من الرجال المؤمنين‬
‫الصادقين الحاملين لراية التوحيد الى العالمين ‪ ،‬الجامعين لكتاب ربهم‬
‫والحافظين لسنة نبـيهم واالمناء على ما تركه في ايديهم ‪ .‬هذه هي القاعدة التي‬
‫ينطلق منها اهل السنة لتقويم الصحابة وتفسير مواقفهم وتصرفاتهم ‪،‬‬
‫واستصحاب حسن الظن بهم في كل ما فعلوه وتفسيرها بما يتالئم وحقيقة‬
‫ايمانهم وصدق بالئهم ال سيما المواقف التي توحي ظاهرها بالمخالفة او‬
‫التباطؤ او العصيان‪.‬‬
‫يجب االخذ بنظر االعتبار دوافع الصحابة في عدم امتثال اوامر الرسول ‪، r‬‬
‫فإذا لم يكن الدافع هو المعصية أو الرفض وانما االخالص للرسول واالعتزاز‬
‫باالسالم لم يتوجب الذم بل ربما كان ذلك سببا للمدح والثواب ‪ ،‬ولنضرب‬
‫بعض االمثلة من واقع الحياة لنقرب الى ذهن القاريء طبيعة مخالفات‬
‫الصحابة الوامر الرسول‪:‬‬
‫‪ .1‬لو ان مسؤوال قال لحراسه اذهبوا وناموا وال تحرسوني هذه الليلة‪ ،‬ثم جاء‬
‫ووجدهم قد عصوه وخالفوا امره ووقفوا على بابه يحرسونه حتى الصباح ‪،‬‬
‫هل هذا سيغضبه ويدفعه الى معاقبتهم ام انه سيُ َسر بهم ويكافؤهم على صنيعهم‬
‫ذلك ولو كان في ظاهره مخالفة المره؟‪ .‬ال شك انه سيُسر بهم وقد يكافؤهم‬
‫عليه الن ما فعلوه نابع من حبهم له وحرصهم على حياته ‪.‬‬
‫‪ .2‬ولو ان مسؤوال زار بعض اعوانه وطلب منهم ان ال يتكلفوا في صنع‬
‫الطعام ويقدموا له ما يصنعونه النفسهم ثم وجدهم قد خالفوا امره وذبحوا له‬
‫الذبائح وعملوا على شرفه وليمة كبيرة ‪ ،‬فهل يا ترى يضيق صدرا بذلك‬
‫ويغضب عليهم ويعاقبهم ام انه سينبسط به ويزداد حبه لهم؟ ‪ .‬الشك انه‬
‫‪227‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(228‬‬
‫سينبسط بذلك ويزداد اعتداده بهم وقد يكافؤهم على صنيعهم النه نابع من حبهم‬
‫له واكرامهم وتقديرهم وتعظيمهم إيّاه‪.‬‬
‫‪ .3‬ولو أن قائدا أراد ان يبرم صلحا مع اعدائه لقوة عدوه وكثرة جنوده ثم‬
‫رآى جنده يخالفونه في الرأي ويحرصون على مواجهة العدو وال يرضون‬
‫باعطاء التنازالت ‪ ،‬فهل يا ترى سيغضب هذا القائد على جنده أو انه سيُسر‬
‫بهم وينشرح صدره بهم وان خالفوه في الرأي وأصرواـ على مواجهة العدو؟ ال‬
‫شك انه سيُسر بهم وينشرح صدره بهم وتزداد محبته لهم وثقته وافتخاره بهم‬
‫لما يراه فيهم من الحماسة واالستعداد للتضحية وعدم التنازل للعدو‪ ،‬ولكنه مع‬
‫ذلك قد يخالفهم ويبرم المصالحة لمصلحة يراها هو‪.‬‬
‫‪ .4‬ولو ان رجال او قائدا مرض مرضا شديدا ومنع اهله او اتباعه الناس من‬
‫زيارته حرصا على سالمته وابعدوا عنه كل ما يضر بصحته ‪ ،‬فهل يا ترى‬
‫يغضب عليهم ام يشكرهم على صنيعهم ذلك؟ ال شك انه سوف لن يعاتبهم‬
‫ولن يوبخهم بل يشكرهم عليه النه نابع عن حبهم له وحرصهم على راحته‬
‫وسالمته‪.‬‬
‫كل مواقف الصحابة التي توحي ظاهرها بمخالفة الرسول كانت من هذا‬
‫القبيل ‪ ،‬لذا لم يغضب الرسول عليهم ولم يعاتبهم هللا عليها‪ .‬ففي صلح الحديبية‬
‫مثال اعترض الصحابة على ابرام ذلك الصلح ورفضوا االمتثال الوامر النبـي‬
‫‪ r‬في اول االمر فلم يحلقوا رؤوسهم ولم ينحروا هديهم ولكن عندما رأوا‬
‫الرسول ‪ r‬قد حلق راسه ونحر هديه علموا ان االمر جد وال يجوز لهم‬
‫االستمرار في االعتراض اكثر من ذلك‪ ،‬فحلقوا رؤوسهم ونحروا هديهم وقد‬
‫بلغ الغيظ بهم حدا جعلهم يحلقون بعضهم بعنف شديد يكاد احدهم يقطع رأس‬
‫صاحبه ‪ ،‬ومع ذلك ال الرسول ذمهم وال القرآن عاتبهم بل على العكس من ذلك‬
‫فقد نزل القرآن في أعقاب صلح الحديبية يمتدحهم ويثني عليهم حيث نزلت‬
‫آية‪ " :‬لقد رضي هللا عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم‬
‫فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا ً قريبا" الفتح‪ 18/‬وكذلك قال في حقهم ‪" :‬‬
‫محمد رسول هللا والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا ً سجداً‬
‫يبتغون فضالً من هللا ورضواناً‪ ،‬سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك‬
‫مثلهم في التوراة‪ "..‬الفتح‪.29/‬‬
‫كان يرتقب ان يعاتبهم هللا على موقفهم ذلك ويعنفهم ولكننا نرى العكس‬
‫تماما فقد مدحهم هللا في موقعين من السورة التي نزلت مباشرة بعد صلح‬
‫الحديبية ‪ .‬لماذا؟ ألن هللا سبحانه وتعالى ق ّدر دوافعهم ونواياهم وعلم انهم لم‬
‫يفعلوا ذلك رغبة في مخالفة الرسول وانما فعلوه ألنهم ظنوا ان ذلك تنازل‬
‫‪228‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(229‬‬
‫لقريش وكانوا يعتقدون انهم اقوى منهم واكرم وليس لهم حاجة الى اعطاء‬
‫التنازالت وانهم بما حباهم هللا باالسالم وكرمهم بااليمان اصبحوا اعز من ان‬
‫يتنازلوا للمشركين ‪ .1‬وهذا الشعور يحمدون عليه ‪ ،‬وهذا ما كان الرسول يريد‬
‫ان يزرعه في نفوسهم ‪ :‬االعتزاز بااليمان واالستهانة بالدنيا وباالعداء ‪.‬‬
‫ان مخالفة الصحابة للرسول ‪ r‬لم تجعله يضيق بها صدرا بل كانت مدعاة‬
‫لسروره النه من آثار التربية االيمانية في نفوس اتباعه ‪ ،‬ولذلك مدحهم هللا بدال‬
‫من ان يذمهم‪ .2‬ولكننا نرى الشيعة حين يتناولون هذا الموضوع يركزون على‬
‫الصورةـ التي تبدي المخالفة فيلومون الصحابة ويقدحون فيهم دون ان ينظروا‬
‫الى ما قاله القرآن فيهم وكيف عقب على تلك الحادثة ‪ .‬هذا مثال على ان‬

‫‪ . 1‬هذا ظاهر في كالم عمر ‪ t‬كما جـاء في ســيرة ابن هشـام‪ " :‬فلما التـأم االمر ولم يبق االّ الكتـاب وثب‬
‫عمر بن الخطاب فأتى ابابكر‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬أليس برسول هللا ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬أليسوا بالمشركين ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فعالم نعطي الدنيةـ في ديننا؟ قال ابوبكر ‪ :‬يا عمر‪ ،‬الــزم غــرزه ( امــره) ‪ ،‬فــاني اشــهد‬
‫انه رســول هللا ‪ .‬قــال عمر ‪ :‬وأنا اشــهد انه رســول هللا‪ .‬ثم أتى رســول هللا ‪ r‬فقــال ‪ :‬يارســول هللا ‪ ،‬ألست‬
‫برسول هللا ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬أولسنا بالمسلمين ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬أوليسوا بالمشركين ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فعالم نعطي الدنيةـ في ديننا ؟ قال ‪ :‬أنا عبد هللا ورسوله ‪ ،‬لن ُأخالف أمره ‪ ،‬ولن يضيعني‪ .‬تهذيب ســيرة‬
‫ابن هشام ص ‪ /257‬دار احياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪ . 2‬ومن األمثلة الصحيحة على ذلك ما وقع من مخالفة علي وأبي بكر ألمر الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬األول في مسح كلمة رسول هللا في صلح الحديبية‪،‬ـ والثاني في األمر بثبوت أبي بكر في مكانه‬
‫إماما في صالته التي صالها بالمسلمين في مرض النبـي‪ ،‬ومعلوم أن مخالفتهما لم تكن عصيانا لمره‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬بل كان تعظيما لقدره الشريف وتأدبا أمام مقامه الرفيع‪.‬‬
‫صالَ َحهُ َأ ْه ُل َم َّكةَ َعلَى َأ ْن يَ ْد ُخلَهَا فَيُقِي َم‬ ‫ت َ‬ ‫ص َر النَّبِ ُّى ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ِ -‬ع ْن َد ْالبَ ْي ِ‬ ‫َع ِن ْالبَ َرا ِء قَا َل لَ َّما ُأحْ ِ‬
‫ث‬‫ْف َوقِ َرابِ ِه‪َ .‬والَ يَ ْخ ُر َج بَِأ َح ٍد َم َعهُ ِم ْن َأ ْهلِهَا َوالَ يَ ْمنَ َع َأ َحدًا يَ ْم ُك ُ‬ ‫ح ال َّسي ِ‬ ‫َّان ال ِّسالَ ِ‬ ‫بِهَا ثَالَثًا َوالَ يَ ْد ُخلَهَا ِإالَّ بِ ُجلُب ِ‬
‫بِهَا ِم َّم ْن َكانَ َم َعهُ‪.‬‬
‫ال لهَُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫ٌ‬
‫اضى َعل ْي ِه ُم َح َّمد َرسُو ُل ِ »‪ .‬فق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب الشرْ ط بَ ْيننَا بِس ِْم ِ الرَّحْ َم ِن ال َّر ِح ِيم هَذا َما ق َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫قَا َل لِ َعلِي « ا ْكتُ ِ‬
‫ال َعلِ ٌّى‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫هَّللا‬
‫ك َولَ ِك ِن ا ْكتُبْ ُم َح َّم ُد بْنُ َع ْب ِد ِ‪ .‬فَ َم َر َعلِيًّا ْن يَ ْم َحاهَا فَقَ َ‬ ‫ك َرسُو ُل ِ تَابَ ْعنَا َ‬‫هَّللا‬ ‫ْال ُم ْش ِر ُكونَ لَوْ نَ ْعلَ ُم نَّ َ‬
‫َأ‬
‫َب «‬ ‫الَ َوهَّللا ِ الَ َأ ْم َحاهَا‪ .‬فَقَا َل َرسُو ُل هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ « -‬أ ِرنِى َم َكانَهَا »‪ .‬فََأ َراهُ َم َكانَهَا فَ َم َحاهَا َو َكت َ‬
‫احبِكَ‬‫ص ِ‬ ‫ث قَالُوا لِ َعلِي هَ َذا آ ِخ ُر يَوْ ٍم ِم ْن شَرْ ِط َ‬ ‫ابْنُ َع ْب ِد هَّللا ِ »‪ .‬فََأقَا َم بِهَا ثَالَثَةَ َأي ٍَّام فَلَ َّما َأ ْن َكانَ يَوْ ُم الثَّالِ ِ‬
‫ب فِى ِر َوايَتِ ِه َم َكانَ تَابَ ْعنَاكَ بَايَ ْعنَاكَ ‪-.‬‬ ‫ك فَقَا َل « نَ َع ْم »‪ .‬فَ َخ َر َج‪َ .‬وقَا َل ابْنُ َجنَا ٍ‬ ‫فَْأ ُمرْ هُ فَ ْليَ ْخرُجْ ‪ .‬فََأ ْخبَ َرهُ بِ َذلِ َ‬
‫صحيح مسلم‬
‫وكذلك مخالفة الصديق ألمر الرسول صلى هللا عليه وسلم بالبقاء في مكانه إماما للناس في صالته‪:‬‬
‫ق ِإلَ ْي ِه ْم َرسُو ُل هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫ار َش ْى ٌء فَا ْنطَلَ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫س ِمنَ اَأل ْن َ‬ ‫ع َْن َس ْه ِل ْب ِن َس ْع ٍد قَا َل َكانَ بَ ْينَ نَا ٍ‬
‫ْس َرسُو ُل‬ ‫صالَةُ َولَي َ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ض َر ِ‬ ‫ال يَا َأبَا بَ ْك ٍر قَ ْد َح َ‬ ‫صالَةُ فَ َجا َء بِالَ ٌل ِإلَى َأبِى بَ ْك ٍر فَقَ َ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ض َر ِ‬ ‫لِيُصْ لِ َح بَ ْينَهُ ْم فَ َح َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صل َى‪ .‬قا َل َما ِش تَ فاف َعلْ ‪ .‬فتَقد َم بُو بَك ٍر فا ْستَفت ََح‬ ‫ْئ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُأ‬ ‫نُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُأ‬
‫هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬هَا هنَا ف َؤ ذ َو قِي ُم فتَقد َم َوت َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َأ‬ ‫َأ‬
‫َب بُو بَ ْك ٍر يَتَنَحَّى فَ وْ َم ِإلَ ْي ِه‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫صفَّ َح النَّاسُ بِ بِى بَ ْك ٍر فَ َذه َ‬ ‫صالَةَ َو َجا َء َرسُو ُل هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فَ َ‬ ‫ال َّ‬
‫هَّللا‬
‫ك فت خ َر بُو بَك ٍر َوتقد َم َرسُو ُل ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬ ‫َأ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َمكان َ‬ ‫َ‬ ‫ىْ‬ ‫َأ‬ ‫َرسُو ُل ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫هَّللا‬
‫صالَةَ قَا َل « يَا َأبَا بَ ْك ٍر َما َمنَ َعكَ َأ ْن ت َْثبُتَ »‪ .‬قَا َل َما َكانَ ِال ْب ِن َأبِى قُ َحافَةَ َأ ْن يَتَقَ َّد َم َأ َما َم‬ ‫ضى ال َّ‬ ‫صلَّى فَلَ َّما قَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫صفَّحْ تُ ْم »‪ .‬قَالُوا لِنُ ْعلِ َم َأبَا بَ ْك ٍر‪ .‬قَا َل « ِإ َّن التَّصْ فِي َح لِلنِّ َسا ِء‬ ‫ْ َِ َ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ن‬‫ْ‬ ‫َأ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫«‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫‪.-‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫صلى‬ ‫‪-‬‬ ‫هَّللا‬
‫َر ِ ِ‬ ‫ُول‬ ‫س‬
‫َوالتَّسبِي َح لِل ِّر َجا ِل – مسند اإلمام أحمد وقد ورد بمعناه في البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪229‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(230‬‬
‫الشيعة ال يبنون مواقفهم من الصحابة على القرآن وانما على مقررات مسبقة‬
‫عندهم وهي كره الصحابة ‪.‬‬
‫أما تأخر جيش اسامة في مغادرة المدينة فهو كذلك من المواقف التي‬
‫يُحمدون عليها ولذلك لم يذمهم الرسول ألنه كان يعلم انهم ال يفعلون ذلك‬
‫رغبة في معصيته وانما يفعلونه حبا له وحرصا عليه وخوفا من ان يغادروا‬
‫المدينة ورسول هللا يحتضر فال يتاح لهم رؤيته بعد ذلك ‪ .‬فحبهم لرسول هللا ‪r‬‬
‫هو الذي منعهم من االسراع الى مغادرة المدينة‪ .‬واذا قلت اذا كان قولك هذا‬
‫صحيحا لماذا تركوا جثمان الرسول ‪ r‬وراحوا يبحثون عمن يخلفه ؟ نقول ‪ :‬ان‬
‫ذلك لم يكن من قبل جميع الصحابة كما مر بنا وانما كان من قبل بعض‬
‫االنصار وبتحريك بعض رؤسائهم او المتخوفين منهم من هيمنة قريش ولم‬
‫يكن يعكس الجو العام الهل المدينة الن المدينة كانت يوم توفي الرسول‪r‬‬
‫اصبح الناس كما يروي بعض الصحابة كالشاة التي فقدت راعيها في اليوم‬
‫شديد المطر وان الناس ظلوا مشدوهين ال يدرون ماذا يفعلون من شدة وقع‬
‫وفاة الرسول ‪ r‬عليهم‪ .‬وان اغفال هذا الجانب‪ ،‬اي تأثر الناس بموت الرسول ‪r‬‬
‫وابراز الجانب االخر‪ ،‬اي اجتماع االنصار في السقيفة ‪ ،‬تشويه متعمد‬
‫للصورةـ واظهارها على غير حقيقتها ‪ .‬وهذا اليفعله اال من يريد الوصول الى‬
‫هدف معين حدده من قبل وهو تشويه صورة الصحابة رضوان هللا تعالى‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫هناك مسألة اخرى في عالقة الصحابة بالنبـي وهي تمييزهم بين ارادة هللا‬
‫و رغبات الرسول وقد أجاد الدكتور موسى الموسوي في تصويرها فال بأس‬
‫بنقلها هنا كاملة‪:‬‬
‫الفصل بين األوامر اإللهية ورغبات النبـي الشخصية‪:‬‬
‫إن فصل هذين الجانبـين في الشخصية المحمدية صلى هللا تعالى عليه وآله‬
‫وسلم يساهم مساهمة كبيرة في إعطاء صورة واضحة عن الجانب اإللهي‬
‫والشخصي في رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ‪ ،‬وإذا علمنا أن‬
‫النبـي الكريم كان يحاول جاهداً التفريق بين الجانب اإللهي في أقواله وما‬
‫يصدر عنه من أقوال وأعمال ال صلة لها بالسماء لعرفنا عظمة النبـي وعظمة‬
‫نفسه الكريمة‪ ،‬فالقرآن الكريم عندما يتحدث عن النبـي صلى هللا تعالى عليه‬
‫وآله وسلم بهذه اآليات البينات "وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى‬

‫‪230‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(231‬‬
‫علمه شديد القوى" النجم اآليات ‪ ، 5 -3‬ال شك أنه يقصد بذلك أنه صلى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم عندما يقرأ القرآن ويبلغ المسلمين باآليات اإللهية‬
‫وباألحكام المنزلة عليهم إنما ينطق بالوحي وبكالم هللا المنزل على قلبه وهذا‬
‫هو شرط اإليمان باإلسالم ‪ ،‬وبرسالة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ‪،‬‬
‫وبالقرآن المنزل عليه‪ ،‬ولكن القرآن الكريم حتى يبين الفرق األساسي بين ما‬
‫هو رغبة من رغبات النبـي الخاصة وما هو أمر إلهي قد حسم الموقف‬
‫بصورة واضحة وصريحة في آيات العتاب وفي آيات النهي عن أمور كان‬
‫النبـي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم يرغب اإلتيان بها ولنقرأ معا ً هذه‬
‫اآليات ‪:‬‬
‫" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وهللا‬
‫يعصمك من الناس ‪ 67 ".....‬المائدة‪.‬‬
‫" واذكر ربك إذا نسيت"‪ 24‬الكهف‬
‫" سنقرئك فال تنسى إال ما شاء هللا إنه يعلم الجهر وما يخفى‪ 7-6"....‬األعلى‬
‫"وال يحزنك الذين يسارعون في الكفر ‪ 176?.......‬آل عمران‬
‫" وال تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ‪ "8?....‬الحجر‬
‫" وما كان لنبـي أن يكون له أسرى حتى يثخن في األرض ‪ 67".....‬األنفال‬
‫" عفا هللا عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ‪"....‬‬
‫‪ 43‬التوبة‬
‫" وما كان للنبـي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى‬
‫من بعد ما تبين لهم نهم أصحاب الجحيم ‪ 113"....‬التوبة‬
‫" وإذ تقول للذي أنعم هللا عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق هللا‬
‫وتخفي في نفسك ما هللا مبديه وتخشى الناس وهللا أحق أن تخشاه ‪3. "....‬‬
‫األحزاب‬
‫" يا أيها النبـي لم تحرم ما أحل هللا لك تبتغي مرضاة أزواجك وهللا غفور‬
‫رحيم?"‪ 1‬التحريم‬

‫‪231‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(232‬‬
‫" عبس وتولى أن جاءه األعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى‬
‫أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك أال يزكى وأما من جاءك يسعى وهو‬
‫يخشى فأنت عنه تلهى كال إنها تذكرة‪ 11-1"...‬عبس‬
‫ي أنما إلهكم إله واحد ‪ "11?.....‬الكهف‬ ‫" قل غنما أنا بشر مثلكم يوحى إل َّ‬
‫" إنك ميت وإنهم ميتون ‪ 30".....‬الزمر‪.‬‬
‫إن من يتدبر في هذه اآليات البينات سيعلم علم اليقين أن القرآن الكريم يؤكد‬
‫ملكا ً‬
‫تأكيداً قاطعا ً على أن رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم لم يكن َ‬
‫وال عنصراً سماويا ً وال موجوداً خارج نطاق هذا الكون وطبائعه إنما هم بشر‬
‫مثل سائر البشر‪ ،‬كان يأكل وينام ويصح ويمرض ويحب ويكره ويتزوج‬
‫وينجب األطفال حسب الناموس الطبيعي للكون فيسري عليه من التفاعل‬
‫الطبيعي كل ما هو يسري على سائر أفراد البشر‪ ،‬ومن الواضح جداً أن التأكيد‬
‫على هذا الجانب في رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم إنما كان ليثبت‬
‫للناس أن كل ما يصدر من النبـي ال يعني أنه وحي أو كالم إلهي أو أمر‬
‫سماوي‪ ،‬أما الناحية اإللهية في وجود النبـي وهي االتصال بالمبدأ األعلى فكان‬
‫يؤكدها شخص النبـي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم عندما كان ينزل عليه‬
‫الوحي ويطلب من كتبة الوحي أن يدونوا قول هللا تعالى‪ ،‬ويبدوا واضحا ً‬
‫للمتتبع ألخالق الرسول الكريم صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم كما قلنا قبل‬
‫قليل إنه كان يسعى جاهداً لتأكيد الفصل بين الجانب السماوي واألرضي في‬
‫شخصه وهذه كانت من أكبر السمات الدالة على قوة النبـي النفسية وصدقه في‬
‫الرسالة وإخالصه لربه وعظمة شخصيته وهي خصال ال تضاهيها خصال أي‬
‫رسول من رسل السماء وأي عظيم من عظماء األرض‪ ،‬فهذا الدور البارز‬
‫العظيم الذي كان يؤديه ليظهر بالمظهر الذي خصه به ربه وبالصفات التي‬
‫وصفه بها إلهه ( فهو بشر يأكل الطعام ويمشي في األسواق ) ولكنه بشير‬
‫ونذير أرسله هللا للعالمين‪ ،‬فعندما كانت تنزل عليه آيات الثناء كان يقرؤها من‬
‫موقع العبد المطيع فلم ير النبـي في نفسه انتقاصا ً عندما تال على المسلمين‬

‫‪232‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(233‬‬
‫آيات العتاب التي نزلت عليه كما لم يظهر عليه الخيالء والتكبر عندما تال آيات‬
‫الثناء التي أنزلها هللا على قلبه‪ ،‬وهكذا كانت آيات العتاب والتحذير تعطي‬
‫للرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم قوة ال تقل عن قوة آيات المدح والثناء‬
‫‪ ،‬فال غرو انه صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم تلقى من ربه كلمات لم تنزل‬
‫قط على من سبقوه من أولي العزم من الرسل" وإنك لعلى خلق عظيم "‪ 4‬القلم‪،‬‬
‫ولم يقتصر دور الرسول البارز في فصل موقعه السماوي من البشري إلى هذا‬
‫الحد فحسب بل تجاوزه إلى أبعد ما يمكن للمرء أن يتصوره فعندما هابه رجل‬
‫من األعراب التقى به قال له " هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد "‬
‫‪ ،‬وهذه العظمة الروحية في نكران الذات تتجاوز آفاق األرض والسماء‬
‫وتتجلى في أعظم مظاهرها عندما كسفت الشمس في يوم وفاة ابنه إبراهيم‬
‫فقال الناس‪ (:‬انكسفت الشمس لوفاة ابن رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله‬
‫وسلم ! وسمع الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ما قاله القوم فصعد‬
‫المنبر وخاطب المسلمين بقوله‪ ":‬إن الشمس والقمر آيتان من آيات هللا ال‬
‫تنكسفان لموت أحد وإنما ما ت إبراهيم بقضاء وقدر من هللا"‪ ،‬وهكذا كان‬
‫النبـي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم يدفع عن نفسه مظاهر القدسية وهاالتها‬
‫ليثبت عبوديته هلل ‪ ،‬وإنه بشر ال يملك لنفسه نفعا ً وال ضرراً" قل ال أملك‬
‫لنفسي نفعا ً وال ضراً ‪ 49"....‬يونس‪ ،‬ويزيد النبـي في العبودية والعبادة حتى‬
‫أنزل هللا عليه قوله‪ ":‬طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ‪ 2-1"....‬طه‪.‬‬

‫الحرية الفكرية واالجتماعية في عهد الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫لكن الوجه اآلخر المكمل لهذه السيرة النبوية يتجلى في شيء آخر هو‬
‫الحرية الفكرية واالجتماعية التي منحها الرسول الكريم ألصحابه وللمسلمين‪،‬‬
‫حقا ً إن المرء ليطأطئ رأسه خضوعا ً وخشوعا ً لعظمة رسول هللا صلى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم عندما يتابع عصر الرسالة وما فيها من الحريات‬

‫‪233‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(234‬‬
‫الفكرية واالجتماعية التي منحها الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‬
‫ألصحابه وللمسلمين وهذا هو الجانب المكمل للطريقة التي كان يتبعها الرسول‬
‫الكريم للفصل بين شخصيته " كرسول هللا " و " كمحمد بن عبد هللا " ولو أن‬
‫المتتبعين والمحققين للتاريخ درسوا هذه الناحية في عصر الرسالة وهذا‬
‫الجانب من سياسة النبـي االجتماعية لسهل عليهم فهم كثير من الغوامض‬
‫التاريخية المتعلقة بعصر الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم وبعد وفاته‪،‬‬
‫ولحلت كثيراً من الخالفات الفكرية والمذهبية بين المسلمين التي انتهت إلى‬
‫إراقة الدماء تارة وإلى الشتم والتنابز باأللقاب تارة أخرى‪.‬‬
‫لقد منح الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم صحابته والمسلمين من‬
‫الحرية الفكرية واالجتماعية والمساواة منذ إبان دعوته وعند انتشارها وحتى‬
‫آخر يوم من حياته ما لم نجده في أي عصر آخر ولدى أية أمة أخرى ولم نجده‬
‫حتى في عصرنا هذا لدى أرقى األمم ديمقراطية وحرية‪ ،‬وال اعتقد أنه يوجد‬
‫في تاريخ الديمقراطية والمساواة قديما ً وحديثا ً أن سيد قوم ومؤسس أمة وقائد‬
‫فكر يجلس مع صحابته في صورة دائرية لكي ال يكون لمجلسه الصدر والذيل‬
‫ويكون كل فرد في ذلك المجلس مساويا ً مع رسول هللا صلى هللا تعالى عليه‬
‫وآله وسلم في جلسته حتى أن األعرابي عندما كان يدخل إلى مجلس الرسول‬
‫فال يميزه بين الصحابة كان يسأل‪ :‬من هو محمد؟ فكان الصحابة يشيرون إليه‬
‫صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ‪ .‬ويكفي لذلك العصر فخراً وجالالً أن‬
‫بروتوكوالت الديمقراطية في عصر الفضاء قلدت فكرة المائدة المستديرة‬
‫الجتماع الملوك والرؤساء من مجلس الرسول العربي‪ ،‬والنبـي إذا صافح‬
‫رجالً كان يمسك بيد الرجل حتى يرسلها صاحبها احتراما ً منه لذلك الرجل‪،‬‬
‫وكان صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم كما وصفه علي بن أبي طالب ‪ " :‬يأكل‬
‫على األرض ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه ويركب‬
‫الحمار العاري ويردف خلفه" ‪ ،‬ولعل هذه الديموقراطية والحرية تجلت في‬
‫أكبر صورها عندما كان الكثير من الناس يستغلونها ويخرجون عن حدود‬
‫‪234‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(235‬‬
‫األدب وطوره بالنسبة للقائد اإللهي‪ ،‬وكان الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله‬
‫أن نزل أمر هللا على المسلمين‬ ‫وسلم يحتمل ذلك بصبر وأناة وابتسامة حتى ْ‬
‫معاتبا ً إياهم في ذلك‪ ،‬ولكن حتى اآليات اإللهية لم تنه نهيا ً قاطعا ً من كيفية‬
‫تعامل الناس مع الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم بل ألقى المالمة‬
‫عليهم ووصفهم بالجهل أو وضعت ضريبة غير ملزمة ألولئك الذين يخرجون‬
‫عن االحترام الالئق بالنسبة لرسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ولكن‬
‫هللا لم يحرم شيئا ً من ذلك ولنقرأ معا ً هذه اآليات البينات" يا أيها الذين آمنوا ال‬
‫ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي وال تجهروا له بالقول كجهر بعضكم‬
‫لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ال تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند‬
‫رسول هللا أولئك الذين امتحن هللا قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم * إن‬
‫الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ال يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى‬
‫تخرج إليهم لكان خيراً لهم وهللا غفور رحيم " ‪ 5 -‬الحجرات‪ " ،‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر‬
‫فإن لم تجدوا فإن هللا غفور رحيم "‪ 12‬المجادلة‪ ،‬وأعتقد أن من الضرورةـ‬
‫بمكان أن أثبت في هذا الفصل حادثة أخرى وقعت في حياة النبـي الكريم‬
‫وكانت لهال صلة مباشرة بزوجته السيدة عائشة أم المؤمنين أال وهي قصة‬
‫اإلفك‪.‬‬
‫إن المتتبع لقصة اإلفك يتضح أمامه صورة كاملة للحرية التامة التي كان‬
‫المسلمون يتمتعون بها في الفكر والتعبير والكالم ‪ ،‬فكل من يقرأ تاريخ تلك‬
‫الحقبة يعلم علم اليقين أن إشاعة اإلفك عندما انتشرت في المدينة وأصبحت‬
‫حديث الناس في مجالسهم ونواديهم ‪ ،‬وكانت تلك األخبار المحزنة تصل إلى‬
‫سمع رسول هللا فلم يصدر منه صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ما يوحي‬
‫بالغضب على صحابته أو أهل المدينة ‪ ،‬وال شك أن الرسول صلى هللا تعالى‬
‫عليه وآله وسلم كان يعلم زيف التهمة الموجهة إلى أم المؤمنين ‪،‬وهي أعز‬
‫أزواجه بعد السيدة خديجة الكبرى ‪ ،‬وابنة صاحبه في الغار ومن أقرب‬

‫‪235‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(236‬‬
‫الصحابة إليه ‪ ،‬ولكنه أراد أن ال يستعمل صالحية القائد أو يحد من صالحية‬
‫األمة في التعبير عن الكالم‪ ،‬فالتاريخ ال يشير قط إلى أن الرسول صلى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم طلب من أصحابه أن يكفوا عن حديث اإلفك أو أنه‬
‫اعترض عليهم في القول أو صدر منه ما يشعر المسلمين بأنه غاضب عليهم‬
‫لما يقال في همس أو علن في أم المؤمنين ‪ ،‬أو أنه أجرى تحقيقا ً مع المشتبه‬
‫بأمرهم في إشاعة اإلفك وكان للنبـي في المدينة أعداء أل ّداء تتجسد في الجالية‬
‫اليهودية ومن المنافقين والمتربصينـ به وبكل ما يحيط به فلم يتخذ النبـي وجود‬
‫األعداء بين ظهور المسلمين ذريعة ليطلب من أهل المدينة الكف عن حديث‬
‫اإلفك حتى يهونوا عليه وال يثخنوا في الجراح بل بالعكس من كل هذا عالج‬
‫اإلفك بالصبر حتى أنه صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم شاور علي بن أبي‬
‫طالب و زيد بن حارثة وبعض الصحابة في الطريقة التي ينبغي عليه أن‬
‫يعالج ذلك األمر ولكن ليس مع األفاكين بل مع أم المؤمنين‪.‬‬
‫ومع أن الوطأة كانت شديدة على السيدة عائشة وعلى أبيها وأسرتها فهزلت‬
‫ومرضت ولزمت الفراش‪ ،‬ولكن هذا اللغط االجتماعي الغريب يعصر قلبها‬
‫إال أن كل ذلك لم يغير من سياسة النبـي‬ ‫كلما تصورت ما يقول عنها اآلفكون ّ‬
‫العظيم في الحد من إطالق الحريات االجتماعية أو حمل الناس على السكوت‬
‫وعدم الخوض في ما يدور في مجالس المدينة ونواديها‪ ،‬وهنا ظهرت المشيئة‬
‫اإللهية وإرادته البالغة فوضعت حداً سماويا ً لألحاديث الجارحة واالتهامات‬
‫الباطلة التي ينسبها البعض إلى البعض بال دليل أو شاهد أو بينة فأنزل هللا على‬
‫قلب رسوله صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن الذين جاؤوا باإلفك عصبة‬
‫منكم ال تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من اإلثم‬
‫والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ?‪ "1‬النور‪ ،‬وهكذا بَ َّرَأ الرحمن ساحة‬
‫السيدة عائشة ووضع سبحانه وتعالى حداً للحريات الكالمية الجارحة التي‬
‫فيها إساءة للناس وحط من كرامتهم‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(237‬‬
‫وهنا نريد أن نستنتج شيئا ً أهم من هذه الحادثة وهو أن المجتمع الذي يصل فيه‬
‫التعبير عن الرأي وحرية الكالم سواء أكان ذلك صحيحا ً أو سقيما ً إلى هذه‬
‫المرحلة بحيث ال يرعى فيه حرمة رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‬
‫الذي أنقذهم من الضالل والهالك وهداهم إلى خير الدنيا واآلخرة وخير‬
‫البركات حتى أن نزلت آيات التأديب بحق الناس في ذلك المجتمع‪ ،‬هل يمكن‬
‫للنبـي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم أن يحمل مجتمعا ً مثل هذا على أمر‬
‫إال إذا كان ذلك األمر من هللا وبنص من كتابه فحينئذ كانت‬ ‫وهو مكره عليه ّ‬
‫الحريات الفكرية واالجتماعية كلها تتبخر أمام األوامر اإللهية ويصبح الفرد‬
‫والمجتمع أمام أوامر هللا ونواهيه عباداً مطيعين منقادين ال يسعهم إال االمتثال‬
‫ألمره والعزوف عن نواهيه‪.‬‬
‫لقد كان باستطاعة الرسول الكريم أن يخلق مجتمعا ً من المسلمين يطيع إرادته‬
‫الشخصية ال يحيد عنها إذا أمرهم بها‪ ،‬ولكن مثل هذا األمر كان مناقضا ً‬
‫للرسالة التي جاء ألجلها أال وهي إلغاء كل العبوديات والتقاليد المتعلقة بها ما‬
‫عدا عبادة هللا الواحد األحد‪ ،‬وكما نعلم فإن اإلسالم قد جاء ومحمداً قد بعث‬
‫للقضاء على كل الرواسب واألفكار الجاهلية التي كانت أهم مظاهرها عبادة‬
‫الفرد للفرد وإطاعة الفرد للفرد‪ ،‬وهكذا أخرج اإلسالم الناس من ظلمات‬
‫العبودية الفكرية والجسدية إلى حيث النور والحرية‪ ،‬ولذلك كان المجتمع‬
‫اإلسالمي الفت ّي يرى في الدين الجديد كل مقومات الحياة وكرامة الفرد‬
‫واإلنسان‪ ،‬إنها الرسالة السماوية التي جعلت من ذلك المجتمع الطبقي المؤلف‬
‫من السادة والعبيد مجتمعا ً موحداً يتألف من أناس كلهم سواسية أمام هللا ( ال‬
‫فضل لعربي على عجمي إال بالتقوى ) ‪ "،‬إن أكرمكم عند هللا أتقاكم " ‪13‬‬
‫الحجرات‪ ،‬وكان من نتائج الخروج من عبودية األصنام واآللهة المتفرقة‬
‫والتخلص من سادة قريش والدخول في عبادة هللا الواحد األحد تلك الحرية التي‬
‫أنعمها هللا على المسلمين والتي بفضلها بدأ المجتمع اإلسالمي الجديد ينعم‬
‫بحرية الرأي والتعبير والفكر ما دام لم يكن في تلك الحرية غضب هللا‬

‫‪237‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(238‬‬
‫وسخطه‪ ،‬وعندما أراد المجتمع اإلسالمي ذلك أن يتجاوز القيود المفروضة‬
‫عليه في التعبير عن الرأي لم يمنعهم الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‬
‫من ذلك حتى ال يعيد إلى أذهانهم دور اإلطاعة لسادة القوم وكبرائه ‪ ،‬بل انتظر‬
‫في ذلك أمر السماء ونزول الوحي ‪ ،‬وجاء األمر اإللهي يقيد المسلمين بااللتزام‬
‫باألخالق الفاضلة وبعدم إشاعة الفحشاء في الذين آمنوا" إن الذين يحبون أن‬
‫تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا واآلخرة " ‪ 1‬النور‪ ،‬كما‬
‫أمرهم بااللتزام بحرمة المسلمين وعدم اإلساءة إليهم بالكالم الجارح والسب‬
‫المقذع‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ال يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم‬
‫وال نساء من نساء عسى أن يكن خيراًَ منهن وال تلمزوا أنفسكم وال تنابزوا‬
‫باأللقاب بئس االسم الفسوق بعد اإليمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون* يا‬
‫أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم وال تجسسوا وال‬
‫يغتب بعضكم بعضا ً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ً فكرهتموه واتقوا هللا‬
‫إن هللا تواب رحيم "‪ 12-1‬الحجرات‪ ،‬وهكذا تظهر عظمة الرسول صلى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم بكل قداستها وجاللها حيث ال يريد ألمته ومجتمعه إال‬
‫ما يريده هللا لهم‪.‬‬
‫وهنا أعود لموضوع الخالفة وأقول‪ :‬إذا كان النبـي صلى هللا تعالى عليه‬
‫وآله وسلم لم يدافع عن زوجته في أخطر اتهام وجهته إليها عصبة جاءت‬
‫باإلفك وهو يعلم أنها بريئة منه كل البراءة حتى ال يعيد الناس إلى دور‬
‫الجاهلية وإطاعة السادة والكبراء بدون ضابط ومبرر فلم يكن في ذلك أمر‬
‫إلهي‪ ،‬وإذا كان الرسول صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم يرغب رغبة شخصية‬
‫أن يكون عل ّي خليفة من بعده كما تدل على ذلك األحاديث التي رواها‬
‫الفريقان بأسانيدهما الصحيحة‪ 1‬لكنه لم يرغم أمته على قبول ذلك الخليفة بنفس‬

‫‪ . 1‬تحدثنا عن االحاديث التي رواها اهل السنة بخصوص سيدناعلي وأثبتنا أنها لم تأت بمعنى الخالفة‬
‫وانما ألغراض أخرى ‪ ،‬بل على العكس تماما فإن االمور التي فعلها بحق سيدنا أبي بكركاستصحابه في‬
‫رحلة الهجرة ‪ ،‬وتأميره على الحجيج ‪ ،‬وامره له أن يصلي بالناس‪ ،‬أكثر داللة على رغبته في استخالف‬
‫ابي بكر أو رغبته في أن يفهم الناس بأن أبابكر هو خليفته من بعده ‪.‬هذا باالضافة الى كل تلك االحاديث‬
‫‪238‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(239‬‬
‫الطريقة التي لم يرغم الناس فيها على أن يكفوا عن حديث اإلفك في أعز‬
‫أزواجه ولم يرغمهم في الكف عن معاملته بصورة ال تليق برسول هللا صلى‬
‫هللا تعالى عليه وآله وسلم عندما كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته أو‬
‫يتناجون بين يديه حتى أن نزلت اآليات الكريمات التي أمرت الناس بالتأدب‬
‫واالحترام للنبـي الذي أطلق للناس حرية استغلها البعض استغالالً غير حسن‬
‫وكريم‪.‬‬
‫ومرة أخرى نلقي نظرة فاحصة على عهد الرسول الكريم والحرية التي‬
‫كان المجتمع اإلسالمي الفتي ينعم بها إلى درجة تجاوزت الحدود ووصلت إلى‬
‫مرحلة خطيرة أغضبت رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ألنها كانت‬
‫خروجا ً على التقاليد المرعية والمتبعة في إطاعة القائد األعلى أثناء القتال فقد‬
‫ض‬‫أجمع أرباب ال ِّسيَر أن رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم لما َم ِر َ‬
‫ض الموت دعا أسامة بن زيد بن حارثة فقال له‪ " :‬سر إلى مقتل أبيك‬ ‫َم َر َ‬
‫فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش وإن أظفرك هللا بالعدو فأقلل اللبث‬
‫وبث العيون وقدم الطالئع ‪ "......‬فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين واألنصار‬
‫إال كان في ذلك الجيش منهم أبو بكر و عمر فتكلم قوم وقالوا‪" :‬يستعمل هذا‬
‫الغالم على جلة من المهاجرين واألنصار" ‪ 1‬فغضب رسول هللا صلى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم لما سمع ذلك وخرج عاصبا ً رأسه فصعد المنبر وعليه‬
‫قطيفة فقال‪ ":‬يا أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة لئن‬
‫طعنتم في تأمير أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل وايم هللا إنه كان خليقا ً‬
‫ي فاستوصوا به‬ ‫باإلمارة وابنه من بعده لخليق بها وإنهما لمن أحب الناس إل َّ‬
‫خيراً فإنه من خياركم "‪.‬‬
‫وهكذا نرى بوضوح أن قلب رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‬
‫كان أكبر من أن يأمر بمعاقبة قوم طعنوا في القيادة التي اختارها لجيشه‬
‫التي قالها بحق ابي بكر‪.‬‬
‫‪ . 1‬أثبتنا بما المجال فيه للشك أن أبا بكر لم يكن في ذلك الجيش وإن كان وجوده فيه ال يضيره ولكن‬
‫الحق احق ان يتبع ‪ ،‬وقائل ذلك القول ليس ابو بكر أو عمر وانما هو شخص آخر أشرنا الى اسمه عند‬
‫الحديث عن بعثة اسامة وان عمر وبخه على كالمه ذلك‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(240‬‬
‫وتجاوزوا على صالحيات القائد األعلى الذي هو في الوقت نفسه رسول هللا‬
‫صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ومؤسس أمة وباني مجد وقائد عسكري عظيم‬
‫حيث يصفه اإلمام علي بقوله‪ ":‬كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول هللا فلم يكن‬
‫منا أقرب للعدو منه "‪ ،‬مثل هذا الرسول العظيم وأمام هذه البادرة الخطيرة لم‬
‫يزجر ولم يهدد ولم يتهم بالفسق والخروج عن اإلسالم أحداً من الذين طعنوا‬
‫في إمارة أسامة وكل ما قاله في آخر عتابه‪ ":‬واستوصواـ به خيراً فإنه من‬
‫خياركم " ‪ ،‬كل هذا يثبت للمسلمين أن اختياره ألسامة لم يكن بأمر من هللا‬
‫وال عالقة لهذا االختيار بالسماء والوحي بل إنه اختيار شخصي ينبع من كفاءة‬
‫أسامة وحبه لقيادة جيش المسلمين‪ ،‬وإن غضبه صلى هللا تعالى عليه وآله‬
‫وسلم للمقالة التي قالوها ال يحملهم مسؤولية أخروية أو عذابا ً إلهياً‪ ،‬ولذلك ختم‬
‫كالمه صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم معدداً األسباب التي كانت وراء اختياره‬
‫للقائد الشاب وطلب من المسلمين أن يسيروا وراءه‪.‬‬
‫ونذكر هنا رواية رواها ابن عباس عن الخليفة عمر صريحة كل‬
‫الصراحة في موقف الصحابة نحو الرغبات الشخصية لرسول هللا صلى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم واألوامر اإللهية التي كان يصدع بها فقد روى ابن‬
‫عباس قال‪" :‬خرجت مع عمر إلى الشام في إحدى خرجاته فانفرد يوما ً يسير‬
‫على بعير فاتبعته فقال‪ :‬يا ابن عباس أشكو إليك ابن عمك ‪ ،‬سألته أن يخرج‬
‫معي فلم يقبل ولم أزل أراه واجداً‪ ،‬فيم تظن موجدته؟ فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫إنك لتعلم‪ ،‬قال‪ :‬أظنه ال يزال كئيبا ً لفوت الخالفة ‪ ،‬قلت‪ :‬هو ذاك إنه يزعم أن‬
‫رسول هللا أراد األمر له ‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن عباس وأراد رسول هللا صلى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم األمر له فكان ماذا إذا لم يرد هللا تعالى ذلك ‪ ،‬إن رسول‬
‫هللا أراد ذلك وأراد هللا غيره فنفذ مراد هللا تعالى ولم ينفذ مراد رسول هللا َأ َوكلُّ‬

‫‪240‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(241‬‬
‫ما أراد رسول هللا كان؟ إنه أراد إسالم ع ّمه ولم يرده هللا فلم يسلم" ( شرح نهج‬
‫البالغة ابن أبي الحديد ج‪ 3‬ص‪، )114‬‬
‫‪2 1‬‬

‫حادثة الغدير أو حديث الغدير‪:‬‬


‫قبل الخوض في حادثة الغدير البد من ذكر بعض المالحظات ‪:‬‬
‫اوال‪ :‬قلنا عند الحديث عن منهج الشيعة في التعامل مع القرآن ان‬
‫الشيعة يفسرون النصوص وفق مقررات مسبقة ‪ ،‬وضربنا بذلك امثلة منها لفظ‬
‫"الطهارة " و "الوالية" اللتين وردتا في عدة مواضع من القرآن ‪ ،‬فما كان في‬
‫نظرهم نازال بحق( علي) فسروه بمعنى مغاير لما نزل بحق غيره من‬
‫المؤمنين ‪ ،‬فلفظ "الطهارة"ـ اعطوه معنى العصمة في حق علي ولم يعطوه‬
‫نفس المعنى في حق غيره ‪ ،‬ولفظ "الولي" و"المولى" اعطوهما معنى والية‬
‫االمر في حق علي ولم يعطوهما هذا المعنى في حق غيره دون مرجح او‬
‫قرينة سوى االدعاء بانها نزلت في علي‪ ،‬وهذا منهج غير علمي وال يليق‬
‫بكالم هللا وكالم نبـيه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لم يكن علي ‪ t‬الوحيد من بين الصحابة يرد في حقه احاديث او ينزل في‬
‫شأنه قرآن وانما كثير من الصحابة المقربين من الرسول ‪ r‬جاءت في حقهم‬
‫احاديث تثني عليهم وتظهر فضلهم ونزل في حقهم قرآن يمتدحهم ويثني‬
‫عليهم‪ ،‬على رأسهم ابوبكر وعمر وعثمان وعلي ثم ابو عبيدة وعبد الرحمن‬
‫بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن ابي وقاص وسعد بن معاذ وعمار وابو ذر‬
‫وهكذا الخ ‪ ،‬وقد خص الرسول ‪ r‬كل واحد منهم بصفة‪ ،‬فمنهم من سماه امين‬
‫االمة ومنهم من سماه حواري رسول هللا ‪ r‬ومنهم من كان امين سر الرسول‬
‫‪... r‬الخ‪ .‬وهذا امر طبيعي النه على اكتاف هؤالء جميعا قام االسالم وقد أكد‬
‫القرآن ذلك عندما قال " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين" وقال‪" :‬محمد‬
‫رسول هللا والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ‪...‬اآلية"‪ .‬وفيه داللة‬
‫كبيرة وواضحة على معرفة الرسول ‪ r‬ألصحابه فانه كان يشخص فيهم ابرز‬

‫‪. 1‬الشيعة والتصحيح للدكتور موسى الموسوي ص‪30 -20‬‬


‫‪ .2‬هذه الرواية االخيرة التي رواها عن ابن عباس لم أجدها في كتب السنة ‪ ،‬ال في كتب التاريخ وال‬
‫الحديث وال العقيدة ! وكونها في المصادر الشيعية أبلغ في الحجة (إن صدقت)على أن امامة علي لم‬
‫تكن امرا الهيا وانما كانت رغبة من النبـي أراد هللا خالفها !‬
‫‪241‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(242‬‬
‫‪3‬‬
‫خصائصهم ويوكل اليهم االمور وفق مؤهالتهم‪ .‬وهكذا يـجب ان يكون القائد‬
‫‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬كما ان معرفة اسباب النزول ضرورية لفهم اآليات القرآنية كذلك معرفة‬
‫مناسبة ورود االحاديث ضرورية لفهم االحاديث واستنباط االحكام منها‪ ،‬وهذه‬
‫قاعدة ال يختلف عليها اثنان‪.‬‬
‫رابعا وهو االهم ‪ :‬ان االحاديث التي وردت في شأن علي تصنف الى اربعة‬
‫اقسام‪ ،‬قسم جاء في بيان فضله كحديث " ساُعطي الراية غدا رجالً يحبُ هللاَ‬
‫ورسولهَ ويحبُهُ هللاُ ورسولُهُ" وغيره من االحاديث ‪ ،‬وقسم آخر جاء لتطييب‬
‫خاطره كحديث المنزلة الذي قاله الرسول ‪ r‬لعلي عندما اعترض علي على‬
‫استخالفه على النساء واالطفال في غزوة تبوك " أال ترضى ان تكون مني‬
‫بمنزلة هارون من موسى إالّ أنه ال نبـي بعدي"‪ .‬وقسم ثالث كان للدفاع عنه‬
‫كحديث "من كنت مواله فهذا علي مواله" والقسم الرابع عام في علي وسائر‬
‫اهل البيت يوصى بهم الرسول ‪. r‬‬
‫حديث الغدير هو من النوع الثالث والرابع ‪ ،‬في جزء منه يدافع النبـي ‪r‬‬
‫عن علي ‪ ‬وهو قوله " من كنت مواله فعلي مواله" وفي الجزء الثاني يوصي‬
‫الرسول ‪ r‬بعامة أهل بيته وهو قوله " تركت فيكم الثقلين‪ ،"..‬ونحن سنتحدث‬
‫ان شاء هللا عن كال الحديثين‪:‬‬
‫حديث من كنت مواله فعلي مواله‪:‬‬
‫هذا الحديث هو من االحاديث العمدة عند الشيعة في امامة علي وقد‬
‫نسجوا حوله قصصا كثيرة ‪ ،‬و تحدث عنه كثير من العلماء ال سيما المهتمين‬
‫بالجدل الشيعي السني ‪ ،‬سنورد بعض روايات الحديث ثم نعلق عليها‪:‬‬
‫روى النسائي عن زيد بن ارقم قال‪ :‬لما رجع رسول هللا ‪ r‬من حجة‬
‫الوداع ونزل غدير خم امر بدوحات فقُ ِّممن ثم قال‪ ":‬كأني قد ُدعيت فأجبت ‪،‬‬
‫اني تارك فيكم الثقلين ‪ :‬كتاب هللا وعترتي اهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني‬
‫فيهما فانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض "ثم قال‪ " :‬هللا موالي وأنا‬
‫مولى كل مؤمن ‪ ،‬ثم أخذ بيد علي فقال ‪ :‬من كنت مواله فهذا وليه ‪ ،‬اللهم وال‬
‫من وااله وعاد من عاداه"‪.‬‬
‫‪ . 3‬يمكن تشبيه مدرسة اهل السنة ببيت فيه غــرف كثــيرة كلها مجهــزة ‪ ،‬هــذه غرفة ابي لكر وتلك غرفة‬
‫عمر وثالثة غرفة عثمــان والرابعة غرفة علي والخامسة غرفة ابي عبيــدة والسادسة غرفة عائشة وهكــذا‬
‫الى آخره ‪ ،‬أما مدرسة التشــيع فيها غرفة واحــدة وهي غرفة علي واهل بيته ‪ ،‬ويــأتون الي الــبيت الســنى‬
‫فيأخذون منه ما يؤثثــون به غرفة علي ثم يــدعون النــاس الى زيارتها ويزعمــون ان ليس في االســالم اال‬
‫هذه الغرفة فيضـيقون واسـعا ويحصـرون االسـالم في علي وبنيه من بعـده! فـأي البيـتينـ يمثل االسـالم ‪:‬‬
‫البيت الواسع ذي الغرف الكثيرة ام البيت الضيق ذي الغرفة الواحدة؟‬
‫‪242‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(243‬‬
‫وقال ابن ماجة‪ :‬أقبلنا مع رسول هللا ‪ r‬في حجة الوداع فنزل في الطريق فأمر‬
‫الصالة جامعة فأخذ بيد علي فقال‪ :‬الست بأولى المؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا ‪:‬‬
‫بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬ألست بأولى من كل مؤمن بنفسه؟ قالوا بلى‪ ،‬قال‪ :‬فهذا ولي من أنا‬
‫مواله ‪ ،‬اللهم وال من وااله وعاد من عاداه"‪.‬‬
‫وروى النسائي من حديث اسرائيل عن ابي اسحاق عن عمر ذي‬
‫أمرقال‪ :‬نشد علي الناس بالرحبة فقام اناس فشهدوا انهم سمعوا رسول هللا ‪r‬‬
‫يقول يوم غدير‪ " :‬من كنت مواله فان عليا مواله ‪ ،‬اللهم وال من وااله وعاد‬
‫من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره"‪.‬‬
‫وروى االمام احمد عن ابن عباس عن بريدة قال‪ :‬غزوت مع علي‬
‫اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول هللا ‪ r‬ذكرت عليا فتنقصته‬
‫فرأيت وجه رسول هللا ‪ r‬يتغير فقال ‪ :‬يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من‬
‫انفسهم ؟ قلت بلى يارسول هللا‪ ،‬قال‪ :‬من كنت مواله فعلي مواله‪.‬‬
‫وآخرون زادوا فيه‪ ":‬وأدر الحق معه حيث دار"‪ ،‬وبعضهم زاد فيه قول عمر‬
‫لعلي ‪" :‬هنيئا لك اصبحت وامسيت مولى كل مؤمن" وللعلماء كالم طويل‬
‫حول هذه الزيادات ونحن سنناقش اصل الحديث وهذه الزيادات بكل علمية‬
‫وحيادية لنرى هل حقا هذا الحديث فيه داللة على امامة علي ‪.‬‬
‫مناقشة الحديث‪:‬‬
‫اوال‪ :‬في سبب ورود الحديث ‪:‬‬
‫قلنا البد لفهم الحديث من معرفة مناسبة وروده‪ ،‬و الحاجة هنا الى‬
‫معرفة اسباب الورود اكثر الهمية الموضوع وحساسيته‪ ،‬وقد كفانا ابن كثير‬
‫مؤونة البحث وبحث االمر في موضعين في السيرة احدهما تحت عنوان ‪:‬‬
‫بعث علي بن ابي طالب وخالد بن الوليد الى اليمن أورد فيها مجموعة من‬
‫االحاديث والثانية تحت عنوان ‪ :‬فصل في ايراد الحديث الدال على انه ‪r‬‬
‫خطب بمكان بين مكة والمدينة فبين فيها فضل علي بن ابي طالب وبراءة‬
‫عرضه مما كان تكلم فيه بعض من بأرض اليمن بسبب ماكان صدر منه من‬
‫المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخال والصوابـ كان معه في ذلك ‪،‬‬
‫ولهذا لما تفرغ عليه الصالة والسالم من بيان المناسك ورجع الى المدينة بين‬
‫ذلك في اثناء الطريق فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي‬
‫الحجة عامئذ وكان يوم االحد بغدير خم تحت شجرة هناك فبين فيها اشياء‬
‫وذكر من فضل علي وامانته وعدله وقربه اليه ما أزاح به ما كان في نفوس‬
‫كثير من الناس منه ‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(244‬‬
‫اليك اوال الروايات التي تتحدث عن تذمر الناس من علي ‪:‬‬
‫روى البخاري عن البراء بن عازب قال‪ " :‬بعثنا رسول هللا ‪ r‬مع خالد‬
‫بن الوليد الى اليمن ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه قال ‪ :‬مر اصحاب خالد من‬
‫شاء منهم ان يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل ‪ ،‬فكنت فيمن عقب معه ‪،‬‬
‫قال‪ :‬فغنمت اواقي ذات عدد" ‪.‬‬
‫وروى البخاري عن بريدة عن ابيه قال ‪":‬بعث النبـي ‪ r‬عليا الى خالد‬
‫بن الوليد ليقبض الخمس وكنت ابغض عليا فأصبح وقد اغتسل فقلت لخالد ‪:‬‬
‫أال ترى الى هذا؟ ‪ .‬فلما قدمنا على النبـي ‪ r‬ذكرت ذلك فقال‪ :‬يابريدة تبغض‬
‫عليا ؟ فقلت نعم ‪ ،‬فقال ‪ :‬التبغضه فان له في الخمس اكثر من ذلك"‪.‬‬
‫وقال االمام احمد‪:‬حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الجليل قال‪ :‬انتهيت الى حلقة‬
‫فيها ابو مـجلز وابنا بريدة فقال عبد هللا بن بريدة‪ :‬حدثني ابي بريدة قال‪:‬‬
‫ابغضت عليا بغضا لم ابغضه احدا قط‪ ،‬واحببت رجال من قريش لم احبه االّ‬
‫على بغضه عليا‪ .‬قال ‪ :‬فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه اال‬
‫على بغضه عليا ‪ ،‬قال‪ :‬فأصبنا سبيا فكتب الى رسول هللا‪ : r‬ابعث الينا من‬
‫يخمسه قال‪ :‬فبعث الينا عليا وفي السبـي وصيفة من افضل السبـي قال‪ :‬فخمس‬
‫وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلنا ‪ :‬يا ابا الحسن ما هذا؟ فقال ‪ :‬الم تروالى‬
‫الوصيفة التي كانت في السبــي فاني قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم‬
‫صارت في اهل بيت النبـي ‪ r‬ثم صارت في آل علي ووقعت بها‪ ،‬قال‪ :‬فكتب‬
‫الرجل الى نبـي هللا ‪ r‬فقلت ابعثني فبعثني مصدقا قال‪ :‬فجعلت اقرأ الكتاب‬
‫واقول‪ :‬صدق‪ ،‬قال‪ :‬فأمسك يدي والكتاب فقال ‪ :‬اتبغض عليا ؟ قلت ‪ :‬نعم‬
‫‪،‬قال ‪ :‬فال تبغضه وان كنت تحبه فازدد له حبا‪ ،‬فوالذي نفس محمد بيده‬
‫لنصيب آل علي في الخمس افضل من وصيفة‪ .‬قال‪ :‬فما كان من الناس بعد‬
‫قول النبـي ‪ r‬احب ال ّي من علي‪.‬‬
‫وقال محمد بن اسحاق ‪ :‬حدثنا ابان بن صالح عن عبد هللا بن نيار‬
‫االسلمي عن خاله عمرو بن شاس االسلمي وكان من اصحاب الحديبية قال‪:‬‬
‫كنت مع علي في خيله التي بعثه رسول هللا ‪ r‬الى اليمن فجفاني علي بعض‬
‫الجفاء فوجدت في نفسي عليه فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة‬
‫وعند من لقيته فأقبلت يوما ورسول هللا ‪ r‬جالس في المسجد فلما رآني انظر‬
‫الى عينيه نظر الي حتى جلست اليه فلما جلست اليه قال‪ :‬انه وهللا يا عمرو بن‬
‫شاس لقد آذيتني فقلت‪ :‬انا هلل وانا اليه راجعون اعوذ باهلل واالسالم ان ُأوذ َ‬
‫ي‬
‫رسول هللا فقال‪ :‬من آذى عليا فقد آذاني‪ .‬ورواه البيهقي من وجه آخر‪.‬‬
‫‪244‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(245‬‬
‫وروى البيهقي عن ابي سعيد الخدري انه قال‪ :‬بعث رسول هللا‪ r‬علي‬
‫بن ابي طالب الى اليمن فكنت فيمن خرج معه ‪ ،‬فلما أخذ من ابل الصدقة‬
‫سألناه أن نركب منها ونريح ابلنا ‪-‬وكنا قد راينا في ابلنا خلال‪ -‬فأبى علينا‬
‫وقال‪ :‬انما لكم فيها سهم كما للمسلمين‪ .‬قال‪ :‬فلما فرغ علي وانطلق من اليمن‬
‫راجعا أ ّمر علينا انسانا وأسرع هو وأدرك الحج فلما قضى حجته قال له النبـي‬
‫‪ : r‬ارجع الى اصحابك حتى تقدم عليهم‪ .‬قال ابو سعيد‪ :‬وقد كنا سألنا الذي‬
‫استخلفه ما كان علي منعنا اياه ففعل‪ ،‬فلما عرف في ابل الصدقة أنها قد ركبت‬
‫ورأى أثر الركب قدم الذي أ ّمره والمه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اما ان هلل عل ّي لئن قدمت‬
‫المدينة ألذكرن لرسول هللا ‪ r‬والُخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق ‪ .‬قال‪:‬‬
‫فلما قدمنا المدينة غدوت الى رسول هللا‪ r‬اريد ان افعل ما كنت حلفت عليه‬
‫فلقيت ابا بكر خارجا من عند رسول هللا‪ r‬فلما رآني وقف معي ورحب بي‬
‫وساءلني وساءلته وقال متى قدمت ؟ فقلت قدمت البارحة فرجع معي الى‬
‫رسول هللا‪ r‬فدخل وقال‪ :‬هذا سعد بن مالك بن الشهيد فقال ائذن له‪ ،‬فدخلت‬
‫ي وساءلني عن نفسي وأهلي وأحفى‬ ‫فحييت رسول هللا ‪ r‬وحياني وأقبل عل َّ‬
‫المسألة فقلت‪ :‬يا رسول هللا ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة‬
‫والتضييقـ فاتّأد رسول هللا ‪ r‬وجعلت انا اعدد ما لقينا منه حتى اذا كنت في‬
‫وسط كالمي ضرب رسول هللا‪ r‬على فخذي وكنت منه قريبا وقال‪ :‬يا سعد بن‬
‫مالك بن الشهيد مه بعض قولك ألخيك علي فوهللا لقد علمت انه اخشن في‬
‫سبيل هللا‪ .‬قال‪ :‬فقلت في نفسي‪ :‬ثكلتك امك سعد بن مالك أال اراني كنت فيما‬
‫يكره هذا اليوم وال ادري ؟ ال جرم وهللا ال اذكره بسوء ابدا سرا وال عالنية‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ :‬وهذا اسناد جيد على شرط النسائي ولم يروه احد من اصحاب‬
‫الكتب الستة‪.‬‬
‫وقال يونس عن محمد بن اسحاق‪ :‬حدثني يحيى بن عبد هللا بن ابي‬
‫عمر عن يزيد بن طلحة بن ركانة قال‪ :‬انما وجد جيش علي بن ابي طالب‬
‫الذين كانوا معه باليمن النهم حين اقبلوا خلف عليهم رجال وتعجل الى رسول‬
‫هللا ‪ r‬قال‪ :‬فعمد الرجل فكسا كل رجل حلة فلما دنوا خرج عليهم علي ليستقبلهم‬
‫فاذا عليهم الحلل قال علي ‪ :‬ما هذا؟ قالوا كسانا فالن قال‪ :‬فما دعاك الى هذا‬
‫قبل ان تقدم على رسول هللا ‪ r‬فيصنع ما شاء؟ فنزع الحلل منهم فلما قدموا‬
‫على رسول هللا ‪ r‬اشتكوه لذلك وكانوا قد صالحوا رسول هللا‪ r‬وانما بعث عليا‬
‫الى جزية موضوعة ‪ .‬قلت(اي ابن كثير) ‪ :‬هذا السياق اقرب من سياق‬
‫البيهقي‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(246‬‬
‫قال محمد بن اسحاق –في سياق حجة الوداع‪ : -‬حدثني يحيى بن عبد هللا بن‬
‫عبد الرحمن بن ابي عمرة بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال‪ " :‬لما اقبل علي‬
‫من اليمن ليلقى رسول هللا ‪ r‬بمكة تعجل الى رسول هللا ‪ r‬واستخلف على جنده‬
‫الذين معه رجال من اصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من‬
‫البز الذي كان مع علي فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فاذا عليهم الحلل قال‪ :‬ويلك‬
‫! ما هذا ؟ قال ‪ :‬كسوت القوم ليتجملوا به اذا قدموا في الناس ‪ ،‬قال‪ :‬ويلك !‬
‫انزع قبل ان تنتهي به الى رسول هللا‪ r‬قال‪ :‬فانتزع الحلل من الناس فردها في‬
‫البز ‪ ،‬قال ‪ :‬وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم‪.‬‬
‫وروى االمام احمد عن ابي سعيد الخدري قال‪ :‬اشتكى الناس عليا فقام‬
‫رسول هللا ‪ r‬فينا خطيبا فسمعته يقول ‪ :‬ايها الناس ال تشكوا عليا فوهللا انه‬
‫ألخشن في ذات هللا او في سبيل هللا من ان يشتكى‪.‬‬
‫واآلن ! ازاء كل هذه الشكاوى من علي واالعتراضاتـ عليه ماذا يفعل رسول‬
‫هللا ‪ r‬؟ هل يدع االمور على حالها وال يتخذ اي اجراء فيتفاقم االمر ‪ ،‬ام‬
‫يستدعي عليا ويحاسبه على ما فعله ؟ ولكن عليا لم يفعل ما يستحق المحاسبة‬
‫وانما كان كما قال عنه رسول هللا ‪ r‬خشنا في ذات هللا ولم يبال في تنفيذ ما رآه‬
‫مشروعا بغضب الناس‪ ،‬لذلك لم يبق امام رسول هللا ‪r‬االّ أن يعمد الى الدفاع‬
‫عنه و تبرئة ساحته فكان غدير خم حيث التقاء الجيش المتذمر برسول هللا‪،‬‬
‫المكان االنسب لذلك االجراء ‪.‬‬
‫و قال ابن كثير معقبا على هذه االحداث‪ :‬والمقصود ان عليا لما كثر‬
‫فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه اياهم استعمال ابل الصدقة‬
‫واسترجاعه منهم الحلل التي اطلقها لهم نائبه‪ ،‬وعلي معذور فيما فعل‪ ،‬لكن‬
‫اشتهر الكالم فيه في الحجيج فلذلك –وهللا اعلم‪ -‬لما رجع رسول هللا ‪ r‬من‬
‫حجته وتفرغ من مناسكه ورجع الى المدينة فمر بغدير خم قام في الناس خطيبا‬
‫فبرّأ ساحة علي ورفع من قدره ونبه على فضله ليزيل ما وقر في نفوس كثير‬
‫من الناس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬في دالالت الحديث‪:‬‬
‫ان كلمة " مولى " هي من االلفاظ التي تسمى بالمشترك اللفظي الذي‬
‫له معان مختلفة بعضها بخالف البعض‪ ،‬على سبيل المثال تأتي بمعنى السيد‬
‫والمحب والناصر والعبد المعتق الخ ‪ .‬يقول الشيعة انها اتت في هذا الحديث‬
‫بمعنى االولى باالمر وبمعنى ولي االمر ‪ ،‬اما السنة فيقولون انهاجاءت بمعنى‬

‫‪246‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(247‬‬
‫الحب والنصرة‪ ،‬وفي هذه الحاالت نحتاج الى قرائن خارجية لتحديد معنى ذلك‬
‫اللفظ ‪.‬‬
‫اهل السنة يقولون ان لفظ المولى ال يمكن ان يأتي بمعنى االولى أو ولي االمر‬
‫السباب‪:‬‬
‫اوال ‪ :‬جاء الحديث في مناسبة الدفاع عن علي امام الذين انتقدوه عند الرسول‬
‫‪ ،‬فقال الرسول من كنت مواله فعلي مواله أي من يحبني فليحب عليا ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬والذي يؤيد هذا الكالم هو تكملة الحديث التي تتحدث بصراحة عن‬
‫المحبة والمعاداة ‪ :‬اللهم وال من وااله وعاد من عاداه ‪ ،‬فالحديث هنا عن‬
‫الحب والمعاداة ال عن الطاعة والعصيان ولو كان بمعنى ولي االمر لقال ‪:‬‬
‫اللهم وال من اطاعه وعاد من عصاه وخرج عليه ‪.‬‬
‫والزيادة االخرى التي يضيفها بعضهم وهي " وأدر الحق معه حيث دار "‬
‫ليس لها عالقة بوالية االمر وانما هي دعاء من الرسول لعلي ان يصيب الحق‬
‫في جميع احواله‪ ،‬وقد تحقق دعاءه له فكان محقا في كل االجراءات التي‬
‫اتخذها في حياته ‪ ،‬فكان مصيبا حين بايع ابا بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬وكان محقا‬
‫حين آزرهم ونصح لهم وزوج عمر ابنته وسمى ابناءه باسمائهم ‪ ،‬وكان محقا‬
‫في قتاله للذين خرجوا عليه ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬منطقيا ال يجوز ان يأتي بمعنى والية االمر ألنه ال يعقل ان يكون‬
‫للمسلمين اكثر من ولي امر في آن واحد السيما وان احدهما نبـي‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬لو كان االمر كما يقول الشيعة ألخبرتنا كتب السيرة بأن الناس كانوا‬
‫ينظرون اليه في حياة الرسول على انه خليفته ولظهر ذلك جليا في واقع‬
‫المسلمين ‪ ،‬ولكن الواقع كان غير ذلك بل انه لم يكن حتى من وزراء النبـي ‪‬‬
‫ولكن ظهر دوره كمستشار في عهد أبي بكر وكمستشار أول في عهد عمر‪ ،‬ثم‬
‫في عهد عثمان ‪. ‬‬
‫خامسا‪ :‬لو كان المقصود من هذا الحديث وهذه الواقعة امامة علي ألشار اليهما‬
‫علي عقب السقيفة وحين بويع ابو بكر وعمر وعثمان ولذ ّكرهم بها ‪ ،‬فعدم‬
‫استشهاد علي وال غيره من الصحابة الموالين له دليل على انهم لم يفهموا منها‬
‫الخالفة ووالية االمر ‪ .‬نعم هناك روايات تقول ان عليا ‪ ‬بعد ان خرج عليه‬
‫جيشه وشكلوا فرقة الخوارج جمع الناس في الكوفة في موقع يسمى "الرحبة "‬
‫وسألهم ان كان احد منهم سمع الرسول ‪ ‬يقول في غدير خم "من كنت مواله‬
‫فعلي مواله" ‪ .‬رواية تقول قام اثنا عشر رجال فشهدوا بذلك ‪ ،‬وفي رواية‬
‫اخرى شهد بذلك ثالثون رجال وبعضها تذكر اقل من هذا العدد ‪ ،‬وهذا دليل‬
‫على ان النبـي قصد منها الحب والنصرةـ وعدم المعاداة ألنه استشهد بها امام‬
‫‪247‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(248‬‬
‫الذين خرجوا عليه وناصبوه العداء وهو خليفة يومئذ ‪ ،‬فلو كان بمعنى الخالفة‬
‫الستشهد بها من اول يوم بويع فيه ابوبكر ‪ ،‬ولكن يبدو أن الشيعة اكثر فهما‬
‫من علي لمراد النبـي!‬
‫سادسا‪ :‬لو سلمنا جدال بأن القصد من هذه العبارة هو والية االمر فهو يخص‬
‫الذين كانوا تحت امرته في اليمن الذين انتقدوه على بعض االجراءات التي‬
‫اتخذها ‪ ،‬والرسول ‪ ‬دافع عنه بحكم معرفته به وبصفته ممثال له لذلك قال في‬
‫حقه مدافعا عنه ‪ :‬انه ألخشن في ذات هللا ‪ ،‬فقال لهم من منكم ي ُع ُّدنى وليا‬
‫المره فان عليا ولي امره النني انا الذي وليته وطاعته من طاعتي ‪ ،‬وهناك‬
‫أحاديث كثيرة تتحدث عن طاعة االمراء واولياء االمور الذين كان يوليهم‬
‫النبـي ‪.‬‬
‫انني ومن خالل دراستى لهذا الحديث ومناسبة وروده توصلت الى‬
‫نتيجة ان النبـي ‪ ‬كان يعني بهذا الكالم فئتين من الناس ‪ :‬فئة كانت تكره عليا‬
‫كبريدة االسلمي وابي سعيد الخدري وغيرهم وقد صرحوا بذلك امام النبـي‬
‫فأمرهم أن يحبوا عليا ‪.‬‬
‫والفئة الثانية هم اهل اليمن الذين جاؤوا معه وكان علي اميرا عليهم‬
‫فانتقدوه فقال لهم النبـي من كنت مواله فعلي مواله وكان يقصد ذلك الجيش ‪،‬‬
‫والدليل على ان النبـي لم يقصد جميع المسلمين ولم يقصد بها خالفته بعد موته‬
‫انه ‪ ‬لم يذكر ذلك في عرفة يوم كان الحجيج كلهم مجتمعون فيها‪ ،‬ففي هذا‬
‫اليوم ألقى الرسول‪ ‬خطبته المشهورة وذكر فيها امورا كثيرة أقل شأنا بكثير‬
‫من االمامة ولكنه لم يشر الى االمامة ال من قريب وال من بعيد ‪ ،‬فما الذي كان‬
‫يمنعه من ذكرها؟‬
‫ان قول الشيعة ان الرسول ‪‬كان مترددا من اعالن امامة علي وخائفا‬
‫أالّ يقبل الناس منه ذلك تكذبه حياته ‪ ، ‬فقد بلّغ ماهو أخطر من ذلك عقائديا‬
‫كعقيدة التوحيد والبعث والنبوة وتكذيب النصارى واليهود واتهامهم بتحريف‬
‫كتبهم وقتل انبـيائهم وهاجم الشرك والمشركين وسفه أحالمهم (عقولهم) ‪،‬‬
‫واجتماعيا كإعالن الزواج من مطلقة متبناه زيد بن حارثة ‪ ،‬وعسكريا كالبدء‬
‫بقتال قريش في بدر ومهاجمة اليهود في خيبر والنصارى في الشام الخ‬
‫وتشهد له بدر وأحد والحنين وغيرها من المعارك ويشهد له علي ‪ ‬بقوله‪ :‬كان‬
‫إذا حمي الوطيس احتمينا برسول هللا ‪ ، ‬فلم يكن الرسول جبانا ولم يعرف عنه‬
‫انه خاف من احد ‪ ،‬ويكفيه شجاعة انه واجه العرب لوحده بعقيدة التوحيد‬
‫وانتصر عليهم ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(249‬‬
‫وقول الشيعة انه كان خائفا طعن فيه واتهام له بالجبن حاشاه‪.‬‬

‫حديث الثقلين ‪:‬‬


‫ورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة ‪ ،‬سنورد بعضها ونناقشها‪:‬‬
‫‪ -1‬رواية مسلم‪ :‬عن زيد بن ارقم ‪ t‬قال‪ :‬قام رسول هللا فينا خطيبا بماء يدعى‬
‫خما ً بين مكة والمدينة فحمد هللا وأثنى عليه ووعظ وذ ّكر ثم قال ‪ :‬أال ايها‬
‫الناس فإنما أنا بشر يوشك أن ياتي رسول ربي فاُجيب وأنا تارك فيكم الثقلين‬
‫أولهما كتاب هللا فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب هللا واستمسكوا به فحث على‬
‫كتاب هللا ورغب فيه ثم قال ‪ :‬واهل بيتي ُأذكركم هللا في أهل بيتي ُأذكركم هللا‬
‫في اهل بيتي ثالثا فقال الحصين ‪ :‬ومن اهل بيته؟ أليس نساؤه من اهل بيته؟‬
‫قال نساؤه من اهل بيته ولكن اهل بيته من حرم الصدقة بعده ‪ .‬قال ومن هم ؟‬
‫قال ‪ :‬آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس‪ .‬قال ‪ :‬كل اولئك حرم الصدقة؟‬
‫‪1‬‬
‫قال ‪ :‬نعم‪.‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وفي رواية ثانية لمسلم ‪ :‬قلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال ‪ :‬ال وأيم هللا ان المرأة‬
‫تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى ابيها وقومها ‪ ،‬اهل‬
‫‪2‬‬
‫بيته اصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده‪.‬‬
‫‪ -2‬رواية النسائي‪ :‬أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثني يحيى بن حماد قال‬
‫حدثنا أبو عوانة عن سليمان قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن‬
‫زيد بن أرقم قال لما رجع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن حجة الوداع‬
‫ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت إني قد‬
‫تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من اآلخر كتاب هللا وعترتي أهل بيتي‬
‫فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال‬
‫إن هللا موالي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه‬
‫اللهم وال من وااله وعاد من عاداه فقلت لزيد سمعته من رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم فقال ما كان في الدوحات أحد إال رآه بعينيه وسمعه بأذنيه(السنن‬
‫الكبرى للنسائي‪-‬رقم الحديث ‪)8464‬‬
‫‪ -3‬رواية الحاكم ‪ :‬عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم‬
‫رضي هللا عنه قال ‪ :‬لما رجع رسول هللا صلى هللا عليه و سلم من حجة الوداع‬
‫و نزل غدير خم أمر بدوحات فقمن فقال ‪ :‬كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت‬
‫فيكم الثقلين أحدهما أكبر من اآلخر كتاب هللا تعالى و عترتي فانظروا كيف‬
‫‪. 1‬مختصر مسلم ‪2/139‬‬
‫‪. 2‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪.25/179‬‬
‫‪249‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(250‬‬
‫تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال ‪ :‬إن هللا عز و‬
‫جل موالي و أنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي رضي هللا عنه فقال ‪ :‬من‬
‫كنت مواله فهذا وليه اللهم وال من وااله و عاد من عاداه و ذكر الحديث بطوله‬
‫‪.‬‬
‫رواه الحاكم في كتاب المستدرك على الصحيحين باب مناقب اهل البيت وقال‬
‫هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه بطوله‪ .‬شاهده حديث‬
‫سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضا صحيح على شرطهما ‪.‬‬
‫تعليق الذهبـي قي التلخيص ‪ :‬سكت عنه الذهبـي في التلخيص (المستدرك على‬
‫الصحيحين‪/‬رقم الحديث ‪-)4576‬نقال عن قرص المكتبة الشاملة)‬
‫ضي ٍْل‬ ‫‪ -4‬رواية الترمذي ‪َ :‬ح َّدثَنَا َعلِ ُّى ب ُْن ْال ُم ْن ِذ ِر ‪ُ -‬كوفِ ٌّى ‪َ -‬ح َّدثَنَا ُم َح َّم ُد ب ُْن فُ َ‬
‫ب ْب ِن َأبِى ثَابِ ٍ‬
‫ت‬ ‫قَا َل َح َّدثَنَا اَأل ْع َمشُ ع َْن َع ِطيَّةَ ع َْن َأبِى َس ِعي ٍد َواَأل ْع َمشُ ع َْن َحبِي ِ‬
‫ض َى هَّللا ُ َع ْنهُ َما قَاالَ قَا َل َرسُو ُل هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪« -‬‬ ‫ع َْن َز ْي ِد ْب ِن َأرْ قَ َم َر ِ‬
‫َر ِكتَابُ‬ ‫َضلُّوا بَ ْع ِدى َأ َح ُدهُ َما َأ ْعظَ ُم ِمنَ اآلخ ِ‬ ‫ك فِي ُك ْم َما ِإ ْن تَ َم َّس ْكتُ ْم بِ ِه لَ ْن ت ِ‬‫َار ٌ‬‫ِإنِّى ت ِ‬
‫ض َو ِع ْت َرتِى َأ ْه ُل بَ ْيتِى َولَ ْن يَتَفَ َّرقَا َحتَّى‬ ‫هَّللا ِ َح ْب ٌل َم ْم ُدو ٌد ِمنَ ال َّس َما ِء ِإلَى اَألرْ ِ‬
‫ال هَ َذا‬ ‫ض فَا ْنظُرُوا َك ْيفَ ت َْخلُفُونِى فِي ِه َما »‪ .‬رواه الترمذي وقَ َ‬ ‫ى ْال َحوْ َ‬ ‫يَ ِردَا َعلَ َّ‬
‫َريبٌ ‪(.‬سنن الترمذي باب مناقب اهل بيت النبـي)‪.‬‬ ‫يث َح َس ٌن غ ِ‬ ‫َح ِد ٌ‬
‫وهناك روايات اخرى ال تخرج عن هذه المعاني لذلك لم نوردها ‪ ،‬ولكن‬
‫اصحها رواية مسلم والتي تتماشى مع روح القرآن ومع العقل والمنطق كما‬
‫سنرى‪.‬‬
‫مناقشة االحاديث‪:‬‬
‫يرى اهل السنة ان هذه االحاديث تدل على وجوب محبة أهل بيت النبـي ‪‬‬
‫واكرامهم ومواالتهم ‪ ،‬وليس فيها ما يدل على وجوب اتباعهم أو الخضوع لهم‬
‫أو تنصيبهم أئمة على المسلمين‪ ،‬والتمسك الوارد في بعض الروايات ال يعني‬
‫بالضرورة االتباع او الطاعة وانما قد يأتي بمعنى الحرص عليهم و االهتمام‬
‫بهم‪ ،‬وهذا قد حصل لكل من ينتسب الى اهل بيت النبـي ‪ ‬حتى في عهد‬
‫االمويين ‪ ،‬فرغم تعرضهم لالضطهاد إالّ أن الناس كانوا يعظمونهم‬
‫ويوقرونهم وال أدل على ذلك من اقبال الناس على االمام زين العابدين علي بن‬
‫الحسين وافساح الطريق له مع وجود الخليفة االموي هشام بن عبد الملك مما‬
‫أثار استغرابه وجواب الفرزدق له ‪:‬‬
‫والبيت يعرفهُ والح ُل والحر ُم‬ ‫ُ‬ ‫هذ الذي تعرف البطحا ُء وطأتهُ‬
‫النقي الطاه ُر العل ُم‬ ‫ُّ‬ ‫التقي‬
‫ُّ‬ ‫هذا‬ ‫خير عبا ِد هللاِ كله ُم‬ ‫هذا ابن ِ‬
‫بجده أنبـيا ُء هللا قد ختموا‬ ‫هذا ابن فاطم ٍة إن كنت جاهلَهُ‬
‫‪250‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(251‬‬
‫ُ‬
‫تعرف من أنكرتَ والعج ُم‪.‬‬ ‫العرب‬ ‫فليس قولكَ من هذا بضائر ِه‬
‫اما بالنسبة لقوله صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬كتاب هللا " فانه يعني االهتمام به‬
‫بالحفظ والكتابة وااللتزام بتعاليمه ‪ .‬اما الشيعة فلهم قراءة اخرى لهذه‬
‫االحاديث ‪ ،‬انهم يستدلون بها على امامة علي بعدالرسول مباشرة وعلى‬
‫وجوب اتباع اهل البيت ويقولون ان الرسول ‪ r‬قال هذه االقوال بشأن علي بعد‬
‫نزول آية " يا أيها الرسول بلغ ما اُنزل اليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت‬
‫رسالته وهللا يعصمك من الناس‪ "..‬فجمع الناس وصعد المنبر وألقى خطبته‬
‫هذه فنزلت آية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم‬
‫االسالم دينا‪ "...‬ويقولون ان الرسول ‪ r‬قد اخذ البيعة من الناس بخالفة علي‬
‫من بعده فجاء الحرث بن النعمان الفهري واعترض على هذا االجراء وقال‬
‫"اللهم ان كان هذا حقا فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم " فما‬
‫وصل الى ناقته حتى نزلت عليه حجارة من السماء فقتلته في الحال فنزلت "‬
‫سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من هللا ذي المعارج" ويقولون ان‬
‫الرسول ‪ r‬كان فرحا ومستبشراً بذلك االنجاز ‪ .‬والتلفيق هنا واضح وبين‬
‫بدليل‪:‬‬
‫‪.1‬سورة المعارج مكية باالجماع ‪ ،‬اي أنها نزلت قبل هذه الحادثة بما اليقل‬
‫عن عشر سنين ‪.‬‬
‫‪ .2‬آية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم االسالم‬
‫دينا " نزلت في عرفة بعد خطبة النبى‪. r‬‬
‫وقد تحدث كثير من العلماء والباحثين عن هذا الحديث وافضلها عندي اجوبة‬
‫الشيخ عبد الرحمن دمشقية في كتابه أحاديث يحتج بها الشيعة وسوف لن اورد‬
‫ردوده بل اضيف اليها بعض ما جادت به قريحتي واحيل القاريء الى تلك‬
‫الكتب ان اراد المزيد فاقول بحول هللا وقوته‪:‬‬
‫‪ -1‬هذا الحديث رواه مسلم في موضعين من صحيحه ‪ ،‬في كلتا الروايتين يُسأل‬
‫زيد ان كان أزواج النبـي من أهل بيته ‪ ،‬في رواية يقول انهن من اهل بيته ‪،‬‬
‫وفي الثانية يقول انهن لسن من أهل بيته ويعلل ذلك بأن المرأة تكون مع‬
‫الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى ابيها وقومها! وهذا من فهم زيد‬
‫وهو خطأ ألسباب‪:‬‬
‫اوال‪ .‬هذا الكالم الينطبق على أزواج النبـي ألن هللا حرم عليه طالقهن ‪ ،‬وهذا‬
‫وحده يكفي لدحضه‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(252‬‬
‫ثانيا‪ .‬ان المرأة بمجرد دخولها في عصمة الرجل تصبح من أهل بيته ‪ ،‬وتبقى‬
‫كذلك ما لم يطلقها ‪ ،‬وزوجات النبـي بقين في عصمته الى أن مات وحرم هللا‬
‫على المسلمين الزواج منهن بعد النبـي ‪ ‬ووصفهن بأنهن امهات المؤمنين ‪.‬‬
‫ثالثا‪ .‬ان الزوجة هي من اهل بيت الرجل بحكم العرف واللغة والقرآن ‪ ،‬وان‬
‫القرآن حين استخدم هذه اللفظة لم يمنحها معنى آخر غير هذا المعنى‬
‫المتعارف عليه حتى نقول ان كلمة االهل لغة تفيد معنى الزوجة اما في‬
‫االصطالح الشرعي فال تشمل الزوجة ‪ ،‬اذاً من أين أتى زيد بهذا الفهم الذي‬
‫يتكيء عليه الشيعة من ضمن ما يتكئون عليه الخراج زوجات النبـي من دائرة‬
‫أهل البيت ‪ ،‬سامحه هللا لقد روى هذا الحديث في شيخوخته وقال انه نسي‬
‫كثيرا من االمور وطلب منهم اال يلحوا عليه في السؤال ‪ ،‬وقد يكون هذا من‬
‫االمور التي اختلطت عليه ‪.‬‬
‫والشيعة يحتجون بكالم زيد هذا وبحديث الكساء الذي يقول ان النبـى‬
‫جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين في كساء واحد ودعا لهم قائال ‪" :‬اللهم‬
‫هؤالء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " والحديث الذي ذكره‬
‫الترمذي والذي يقول ان الرسول ‪‬كان يقف على باب بيت علي ويسلم عليهم‬
‫ويناديهم بأهل البيت ‪ ،‬فيبنون عليها عقيدتهم في اهل بيت النبـي ويتغافلون عن‬
‫جميع الروايات االخرى التي وردت عند السنة وعندهم أيضا والتي تدخل غير‬
‫هؤالء في دائرة اهل البيت منها على سبيل المثال ما ورد في تفسير القمي عند‬
‫الحديث عن حادثة االفك في سورة النور ان التي رميت بالزنى هي ماريا‬
‫القبطية فأرسل الرسول ‪ ‬عليا ليقتل مابور المتهم بالزنى معها فلما جاءه علي‬
‫ووجده ممسوحا ليس عنده ما عند الرجال رجع الى رسول هللا وأخبره بذلك‬
‫فقال الرسول‪ " ‬الحمد هلل الذي يدفع عنا أهل البيت" أي ان جاريته ماريا أيضا‬
‫من اهل البيت ! فإن كانت الجواري من أهل البيت فما بالك بالزوجات؟‬
‫‪ -2‬أما الحديث الذي ورد عند اهل السنة والذي يدعو الى اتباع الكتاب والسنة‬
‫فان الشيعة يردونه ويقولون انه حديث ضعيف ولم يروه البخاري ومسلم‬
‫واصحاب الكتب المشهورة وان اهل السنة تمسكوا به لرد حديث الثقلين ‪،‬‬
‫والجواب كاآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬ان المتفق عليه عند الشيعة والسنة ان ال يكون الحديث معارضا للقرآن وال‬
‫مناقضا للعقل والمنطق ‪ ،‬فإذا ألقينا نظرة على الحديثين ‪ ،‬وجدنا حديث الكتاب‬
‫والسنة أكثر تناسقا وتطابقا مع القرآن ومع العقل والمنطق ‪ ،‬فهناك عشرات‬
‫اآليات تدعو الى طاعة الرسول وتقرن طاعته بطاعة هللا سبحانه‪ ،‬وفي المقابل‬
‫التوجد آية واحدة تدعو الى طاعة أهل البيت واتباعهم بل هناك آية تثني على‬
‫‪252‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(253‬‬
‫الذين يتبعون الصحابة بإحسان ‪ ،‬فلست أدري كيف يجرؤ الشيعة على رد هذا‬
‫الحديث واتهام السنة باختالقه وجعل حديث الثقلين ندا له وفي القرآن عشرات‬
‫اآليات تدعو الى اتباع الرسول؟!‬
‫‪ .2‬هناك عدة علل فى متن حديث كتاب هللا وعترتي منها‪:‬‬
‫اوال‪ :‬انه س ّوى بين منزلة القرآن والعترة ‪ ،‬وهذا ال يجوز إذ كيف يكون‬
‫العترة بمنزلة القرآن ؟ فالظاهر من معنى الحديث استواء مرتبة العترة مع‬
‫القرآن ‪ ،‬فقوله احدهما اكبر من اآلخر يحتمل ان تكون العترة اكبر من القرآن‬
‫أو مساويا له‪ ،‬وهذا ال يصح شرعا فلست أدري كيف مرر علماء السنة هذا‬
‫الحديث من دون أن ينتبهوا الى هذا الخلل؟ ‪ .‬صحيح انهم قالوا عن القرآن‬
‫الثقل االكبر وعن العترة الثقل االصغر ولكنهم لم يستخرجوا هذا المعنى من‬
‫هذا الحديث وانما قالوه بناء على مسلمات عقدية وهي ان القرآن ال بد ان‬
‫يكون اعظم من العترة بل ومن الرسول ايضا واستدل بعضهم بمجيء القرآن‬
‫في الحديث اوال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عبارة "ال يفترقان حتى يردا علي الحوض" تعارض الواقع وفيها‬
‫غموض كبير‪ ،‬اما التعارض فبحصول االفتراق بين العترة والقرآن منذ ما‬
‫يقارب االلف ومائتي سنة أي منذ اختفى المهدي ان كان المعني بالعترة االئمة‬
‫االثني عشر ‪ ،‬إالّ إذا كانوا يقصدون بالقرآن القرآن الذي جمعه علي وسلمه‬
‫لالئمة من بعده الى أن وصل الى المهدي! أما هذا القرآن الذي بين أيدينا فهو‬
‫كما ترى باق بين أيدي الناس الى يومنا هذا يقرؤونه ويتدارسونه والمهدي‬
‫مختف ال يراه احد ! وحتى لو كان المراد بالعترة اقاربه الذين كانوا على‬
‫عهده فالمعنى ايضا ال يستقيم ‪ ،‬ألن أهل البيت بالمفهوم الشيعي لم يكن لهم‬
‫دور ال في جمع القرآن وال في روايته وال في تفسيره ‪ ،‬بل جمعه وفسره‬
‫الصحابة ثم التابعون ثم علماء التفسير من بعدهم كالطبري وغيره‪ ،‬وال يوجد‬
‫من بين هذه التفاسير سوى روايات تنسب الى أهل البيت ال سيما االمامين‬
‫الباقر والصادق أغلبها طعن بالقرآن وإدعاء وقوع التحريف فيه وتأويله‬
‫بطريقة يخجل من روايته الشيعة أنفسهم ‪ ،‬فأين التالصق بين العترة والقرآن؟‬
‫وعبارة "ال يفترقان حتى يردا علي الحوض" ينطبق على السنة النبوية‬
‫بسهولة وبدون تكلف ‪.‬‬
‫‪ .3‬إننا نعلم أن من ضمن وظائف السنة تبيين غامض القرآن وتفصيل مجمله ‪،‬‬
‫أما إذا كانت اآليات مفصلة وواضحة في بيان أمر ما فما الحاجة الى الحديث‬
‫حينئذ ؟ إذا كان القرآن قد جاء فيه عشرات اآليات البينات الواضحات التي‬
‫تدعو الى اتباع الرسول وطاعته وتقرن طاعة الرسول بطاعة هللا وتتوعد كل‬
‫‪253‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(254‬‬
‫من يخالف الرسول ‪ ،‬هل يبقى هناك حاجة الى ورود أحاديث بشأنها‪ ،‬ولكن‬
‫مع ذلك فقد أكد الرسول‪ r‬هذا المعنى في عدة أحاديث ‪.‬‬
‫اليك أوال االيات التي تدعو الى طاعة الرسول واتباعه‪:‬‬
‫‪ "-1‬قل أطيعوا هللاَ والرسو َل فإن تولّوا فإن هللاَ ال يحب الكافرين" آل عمران‪/‬‬
‫‪32‬‬
‫‪" -2‬وأطيعوا هللاَ والرسو َل لعلكم تُرحمون"آل عمران‪132/‬‬
‫ت تجري من تحتها‬ ‫‪" -3‬تلك حدود هللا ومن يطع هللاَ ورسولَه يدخله جنا ٍ‬
‫االنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم‪ .‬ومن يعص هللا ورسوله ويتعد‬
‫حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين" النساء‪14-13/‬‬
‫األمر منكم‪ ،‬فإن‬
‫ِ‬ ‫الرسول وُأولي‬
‫َ‬ ‫‪" -4‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا‬
‫تنازعتم في شي ٍء فردوه الى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر‬
‫ذلك خي ٌر وأحسن تأويالً" النساء ‪59 /‬‬
‫‪ " -5‬وما أرسلنا من رسو ٍل إالّ ليُطا َع بإذن هللا"النساء‪64/‬‬
‫‪ " -6‬ومن يطع هللا والرسول فاُولئك مع الذين أنعم هللا عليهم من النبـيين‬
‫والصديقينـ والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً" النساء‪69/‬‬
‫‪ " -7‬ومن يطع الرسول فقد أطاع هللا ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً"‬
‫النساء ‪80/‬‬
‫الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا انما على‬
‫َ‬ ‫‪ " -8‬وأطيعوا هللا وأطيعوا‬
‫رسولنا البالغ المبين" المائدة‪92 /‬‬
‫‪ " -9‬الذين يتبعون الرسول النبـي االمي الذي يجدونه مكتوبا ً عندهم في‬
‫التوراة واالنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات‬
‫ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم واالغالل التي كانت عليهم فالذين‬
‫آمنوا به وع ّزروه ونصروه واتبعوا النور الذي ُأنزل معه اولئك هم المفلحون‬
‫" االعراف‪157/‬‬
‫‪ " -10‬قل يا ايها الناس اني رسول هللا اليكم جميعا ‪ ،‬الذي له ملك السموات‬
‫واالرض ال اله االّ هو يحيي ويميت فآمنوا باهلل ورسوله النبـي االمي الذي‬
‫يؤمن باهلل وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون" االعراف‪158 /‬‬
‫‪ " -11‬وأطيعوا هللا ورسولَهُ إن كنتم مؤمنين" االنفال‪1/‬‬
‫‪ " -12‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللاَ ورسولَهُ وال تولّوا عنه وأنتم تسمعون"‬
‫االنفال ‪20/‬‬
‫‪ " -13‬وأطيعوا هللاَ ورسولَهُ وال تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم واصبروا إن‬
‫هللاَ مع الصابرين" االنفال‪46/‬‬
‫‪254‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(255‬‬
‫بعض يأمرون بالمعروف‬ ‫ٍ‬ ‫‪ " -14‬والمؤمنون والمؤمنات بعضُهم أولياء‬
‫وينهون عن المنكر ويُقيمون الصالةَ و يُؤتون الزكاةَ ويُطيعون هللاَ ورسولَه ‪،‬‬
‫أولئك سيرحمهم هللا ان هللاَ عزي ٌز حكيم" التوبة‪71/‬‬
‫‪ " -15‬ومن يطع هللا ورسوله ويخش هللا ويتقه فاولئك هم الفائزون" النور‪/‬‬
‫‪52‬‬
‫الرسول فإن تولّوا فإنما عليه ما ُح ِّم َل وعلي ُكم ما‬
‫َ‬ ‫‪" -16‬قل أطيعوا هللا وأطيعوا‬
‫غ المبين"النور‪/‬ـ ‪54‬‬ ‫ُح ِّملتم وإن تُطيعوه تهتدوا وما على الرسو ِل إالّ البال ُ‬
‫‪" -17‬وأقيموا الصالةَ وآتوا الزكاةَ وأطيعوا الرسول لعلكم تُرحمون" النور‪/‬‬
‫‪56‬‬
‫‪ .. "-18‬ومن يطع هللا ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً"االحزاب ‪8/‬‬
‫ت‬
‫الرجس أه َل البي ِ‬
‫َ‬ ‫‪ .. " -19‬وأطعن هللاَ ورسولَه ‪ ،‬انما يريد هللا ليذهب عنكم‬
‫ويطهركم تطهيراً" االحزاب‪33/‬‬
‫ت تجري من تحتها االنهار ومن‬ ‫‪..." -20‬ومن يطع هللا ورسوله ي ْ‬
‫ُدخله جنا ٍ‬
‫يتول نعذبه عذابا ً أليماً" الفتح‪17/‬‬
‫‪" -21‬يا ايها الذين آمنوا أطيعوا هللاَ وأطيعوا الرسو َل وال تُب ِطلوا أعمالكم"‬
‫محمد‪33/‬‬
‫‪" -22‬وأطيعوا هللا ورسولَهُ وهللاُ خبي ٌر بما تعملون" المجادلة‪13/‬‬
‫الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البال ُ‬
‫غ‬ ‫َ‬ ‫‪" -23‬وأطيعوا هللاَ وأطيعوا‬
‫المبين" التغابن‪12/‬‬
‫‪ " -24‬وما آتاكم الرسو ُل فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا هللا ان هللا شديد‬
‫العقاب"الحشر‪/‬ـ‪7‬‬

‫ثانيا‪ :‬األحاديث التي تدعو الى طاعة الرسول واتباعه‪:‬‬


‫كل هذه اآليات التي اوردناها صريحة في داللتها على اتباع الرسول ‪ ،‬فهل‬
‫نحن بحاجة بعدها الى ورود أحاديث تدعو الى اتباع سنة الرسول ؟ ولكن مع‬
‫ذلك فقد جاءت أحاديث كثيرة تفيد هذا المعنى ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الكتاب ومثلَه معه" اخرجه احمد رقم(‪ ،)16722‬وابو‬ ‫َ‬ ‫‪ " -1‬أال إني اُ ُ‬
‫وتيت‬
‫داود ‪ :‬كتاب السنة‪ ،‬باب في لزوم السنة رقم(‪.)4604‬‬
‫‪" -2‬تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها االّ هالك‬
‫ومن يعش منكم فسيرى اختالفا كثيرا ‪ ،‬فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة‬
‫الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وعليكم بالطاعة‬

‫‪255‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(256‬‬
‫وإن عبداً حبشيا ً فإن المؤمن كالجمل االنف اينما قيد انقاد" سنن أبي داود (‪/ 5‬‬
‫‪ )13‬والترمذي مع تحفة األحوذي (‪، )438 / 7‬‬
‫و اخرجه ابن ماجة ‪،‬واحمد‪،‬والحاكم ‪،‬وابن حبان وغيرهم وصححه االلباني ‪.‬‬
‫سلسلة االحاديث الصحيحة ‪.‬‬
‫‪ " -3‬من أطاعني فقد أطاع هللا ومن عصاني فقد عصى هللا" البخاري ‪:‬‬
‫كتاب االحكام حديث رقم(‪ ، )7134‬ومسلم ‪ :‬كتاب االمارة رقم(‪)1835‬‬
‫‪ " -4‬من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" أخرجه البخاري ‪:‬‬
‫كتاب االعتصام بالكتاب والسنة ‪ ،‬باب االعتصام بسنن رسول هللا‪ ،r‬رقم(‬
‫‪.)7280‬‬
‫‪" -5‬فمن رغب عن سنتي فليس مني" رواه البخاري(‪ )4675‬ومسلم (‬
‫‪ )2487‬والنسائي والبيهقي ومالك وغيرهم ‪.‬‬
‫ضلُّوا بَ ْع َدهُ َما َما َأ َخ ْذتُ ْم بِ ِه َما َأوْ َع ِم ْلتُ ْم بِ ِه َما‬
‫ت فِي ُك ْم َما لَ ْن تَ ِ‬‫‪ِ" -6‬إنِّى قَ ْد خَ لَّ ْف ُ‬
‫ض "‪.‬السنن الكبرى للبيهقي‪/‬‬ ‫ى ْال َحوْ َ‬ ‫َاب هَّللا ِ َو ُسنَّتِى َولَ ْن يتَفَ َّرقَا َحتَّى يَ ِردَا َعلَ َّ‬
‫ِكت َ‬
‫‪20834‬‬
‫‪" -‬إني قد خلفت فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبدا كتاب هللا وسنتي ولن‬
‫يتفرقا حتى يردا على الحوض"‪.‬مسند البزار‪8993/‬‬
‫‪" -‬تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ( ما تمسكتم بهما ) كتاب هللا‬
‫وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض" أخرجه مالك مرسال والحاكم‬
‫مسندا وصححه ‪.‬‬
‫‪ " -‬إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب هللا وسنتي "‬
‫رواه مالك في الموطأ (‪. )899 / 2‬‬

‫ثالثا ‪:‬أقوال بعض العلماء حول هذه المسألة‪:‬‬


‫من هللا على المؤمنين إذ َ‬
‫بعث‬ ‫قال الشافعي في تفسير قوله تعالى{ لقد ّ‬
‫فيهم رسوالً من أ ْنفُسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن‬
‫كانوا من قب ُل لفي ضالل مبين } ( آل عمران ‪ " : ) 164‬فذكر هللا الكتاب وهو‬
‫القرآن‪ ،‬وذكر الحكمة‪ ،‬فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول‪ :‬الحكمة‬
‫سنّة رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم "‪ )10‬قال محمد جواد مغنية ـ من‬
‫كبار اإلمامية المعاصرين ـ في تفسير قوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه‬
‫وما نهاكم عنه فانتهوا )) ( الحشر ‪ :) 7‬اعملوا بالقرآن‪ ،‬فإن لم تجدوا فيه‬
‫‪1‬‬
‫النص على ما تريدون فارجعوا إلى السنة النبوية ))‬
‫‪ . 1‬التفسير المبين ‪ /‬محمد جواد مغنية ص‪731‬‬
‫‪256‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(257‬‬
‫يروي الكليني في كتاب ( أصول الكافي ) عن أيوب بن الحر قال‬
‫(( سمعت أبا عبد هللا عليه السالم يقول‪ :‬كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة‬
‫وكل حديث ال يوافق كتاب هللا فهو زخرف ))‪. 1‬‬
‫وعن أبي عبد هللا قال (( خطب النبـي صلى هللا عليه وآله وسلم بمنى‬
‫فقال (( أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب هللا فأنا قلته‪ ،‬وماجاءكم يخالف‬
‫‪2‬‬
‫كتاب هللا فلم أقله ))‬
‫وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال‪ :‬سمعت أبا عبد هللا عليه‬
‫السالم يقول ((من خالف كتاب هللا وسنة محمد صلى هللا عليه وآله وسلم فقد‬
‫كفر ))‪ ، 3‬وعن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السالم (( أنه سُئل عن‬
‫إن الفقهاء ال يقولون هذا فقال‪ :‬يا ويحك‬ ‫مسئلة فأجاب فيها قال‪ :‬فقال الرجل‪ّ :‬‬
‫وهل رأيت فقيها ً قط؟! ّ‬
‫إن الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا‪ ،‬الراغب في‬
‫اآلخرة‪ ،‬المتمسك بسنة النبـي صلى هللا عليه وآله وسلم )) ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ويورد كبير علمائهم في الرجال في كتابه ( رجال الكشي ) عن أبي‬


‫عبد هللا يقول (( إتقوا هللا وال تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبـينا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فإنا إذا حدثنا قلنا‪ :‬قال هللا عزوجل وقال رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم ص) ))‪.5‬‬
‫وعن يونس عندما عرض على أبي الحسن الرضا كتب أصحاب أبي‬
‫عبد هللا فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد هللا وقال (( إن‬
‫أبا الخطاب كذب على أبي عبد هللا صلى هللا عليه وسلم) لعن هللا أبا الخطاب‬
‫وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه االحاديث إلى يومنا هذا في كتب‬
‫أصحاب أبي عبد هللا صلى هللا عليه وسلم ع) فال تقبلوا علينا خالف القرآن ‪،‬‬
‫فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة إما عن هللا وعن رسوله‬
‫‪6‬‬
‫نحدث‪ ،‬وال نقول قال فالن وفالن ‪ ،‬فيتناقض كالمنا ‪))..‬‬
‫ـ يقول التيجاني ‪ :‬معنى العترة بقوله صلى هللا عليه وسلم في حديث الثقلين‬
‫المتقدم هو الرجوع إلى أهل بيتي ليعلموكم سنتي‪ ،‬أو لينقلوا إليكم األحاديث‬
‫الصحيحة ألنهم منزهون عن الكذب ومعصومون بآية التطهير ‪.‬‬

‫‪ . 1‬االصول من الكافي ج‪ 1‬كتاب فضل العلم‪ -‬باب االخذ بالسنة وشواهد الكتاب ص‪55‬‬
‫‪ . 2‬المصدر السابق ص‪56‬‬
‫‪ . 3‬المصدر السابق ج‪ 1‬ص‪56‬‬
‫‪ . 4‬المصدر السابق ج‪ 1‬ص‪56‬‬
‫‪ . 5‬رجال الكشي ص ‪195‬المغيرة بن سعد‬

‫‪ . 6‬رجال الكشي ص ‪195‬‬


‫‪257‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(258‬‬
‫هذا الكالم يدل على جهل التيجاني حيث يظن ان كل ما نسب الى االئمة هو‬
‫صحيح وكأنه اليدري ان بعض الناس كذبوا عليهم كما كذبوا على رسول هللا ‪،‬‬
‫وان اقوالهم وصلتنا عن طريق الرواة وان المشكلة ليست في ائمة اهل البيت‬
‫وانما هي في الذين رووا عنهم ألنه ال توجد كتب كتبها هؤالء االئمة بأيديهم‬
‫بل رواها عنهم رواة ‪ ،‬وقد يفصل بين المصنف واالمام مئات السنين ‪ ،‬فهل‬
‫هؤالء الرواة ايضا معصومون عن الكذب والخطأ ؟‬
‫حديث المنزلة‪:‬ـ‬
‫هذا ايضا من االحاديث العمدة لدى الشيعة على امامة علي ولكنه في‬
‫الحقيقة ليس فيه أي دليل على مايقولون ألنه ‪:‬‬
‫اوال‪ :‬قلنا سابقا ان هذا الحديث قاله الرسول ‪ ‬لتطييب خاطر علي ألنه كان‬
‫منزعجا من تخليفه في المدينة مع النساء واالطفال والعجزة ومن عرف‬
‫ع بطل قريش عبد بن ود‬ ‫بالنفاق وهو من هو في شجاعته وبطولته ‪ ،‬فهو صار ُ‬
‫ع بطل اليهود مرحب بن ابي المرحب ‪ ،‬وهو فات ُح خيبر‬ ‫العامري ‪ ،‬وصار ُ‬
‫فلماذا إذاً يتركه الرسول في هذه المعركة المهمة مع االطفال والشيوخ‬
‫والنساء؟ هذا الذي كان يؤرقه ‪ ،‬لذلك أراد النبـي أن يطيب خاطره ويظهر له‬
‫مكانته عنده ولكنه لم يخبره بسبب ابقائه في المدينة وعدم استصحابه معه في‬
‫تلك المعركة ‪ ،‬االمر الذي نحاول أن نلقي الضوء عليه ان شاء هللا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬في بعض الروايات ان عليا لم يكن خليفة الرسول على المدينة في هذه‬
‫الغزوة بل كان خليفته محمد بن مسلمة ‪ ،‬وأيا كان فإن عليا قد انزعج بهذا‬
‫االستخالف ولم يَرُقه ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ان من المعلوم تاريخيا أن هارون لم يخلف موسى بعد موته بل مات قبله‬
‫‪ ،‬فالتشبيه هنا هو الظهار مكانة علي عند النبـي الغير ‪.‬‬
‫ولكن لماذا تركه النبـي في المدينة وهو خارج الى قتال الروم وبحاجة ماسة‬
‫الى بطل مثله في حربه هذه‪ ،‬ال سيما وانه لم يكن ال مريضا وال معذورا وكان‬
‫عنده فرسه وسيفه ودرعه ‪ ،‬وقد أ ّمره قبل ذلك على جيش خيبر وهو مريض ؟‬
‫فلماذا يتركه اليوم في هذه الرحلة الشاقة والتي ال يدرون قد تكون المواجهة‬
‫صعبة وانه ال غنى عن مثل علي في مثل هذه الحروب‪ ،‬جوابا على هذا‬
‫السؤال نقول‪:‬‬
‫‪ .1‬ألن عليا كان اقرب الناس الى الرسول‪ ‬وكان محرما الزواجه بصفته‬
‫زوج بنت النبـي‪ ،‬فكان انسب الناس للقيام باحتياجاتهم واالشراف على شؤونهم‬
‫‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(259‬‬
‫‪.2‬ألنه كان بطال شجاعا قد مألت شهرته اآلفاق كان بقاؤه في المدينة ضروريا‬
‫للدفاع عن المدينة وعن نساء النبـي لئال يفكر االعداء في غزو المدينة السيما‬
‫وأن فيها منافقين ربما أغروا بعض القبائل على غزو المدينة ‪ ،‬ولكن بقاء‬
‫بطل شجاع مثل علي حتما سيكون له دور كبير في ثني من يفكر في الغدر‬
‫بالنبـي والمسلمين أثناء غيابهم عن المدينة ‪.‬وفي رأيي أن بقاء علي في المدينة‬
‫في غزوة تبوك ال يقل اهمية عن مبيته في فراشه يوم الهجرة ‪ ،‬هناك ابقاه‬
‫للحفاظ على اموال الناس ولرد االمانات الى اهلها ‪ ،‬وهنا أبقاه للحفاظ على‬
‫أهل بيته وعلى أعراض أهل المدينة ‪ .‬وال مانع من أن يكون هذا االمر خافيا‬
‫على علي في مثل تلك اللحظة الحرجة التي خرج فيها كل من يقدر على حمل‬
‫السالح واُبقي فيها من عشقه السالح وعشق السالح ‪ ،‬ولكنه حتما عرفها فيما‬
‫بعد لذلك لم يتأس عليها في قادم أيامه‪.‬‬
‫‪ .3‬ربما ظن بعض الناس أن وجود علي ضروري في الحروب وأنه لواله‬
‫ربما هُزم المسلمون وأنه ال يمكن خوض حروب كبيرة بدونه ‪ ،‬فأراد النبـي ‪‬‬
‫أن يثبت للجميع أنه بدون علي يستطيع أن يخوض أكبر المعارك وأن ينتصر‬
‫فيها وأن الذي ينصره هو هللا وليس علي ‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن الشيعة‬
‫الزالوا على هذا االعتقاد ويقولون لوال سيف علي لما انتصر النبـي على‬
‫االعداء وما انتشر االسالم !‬
‫‪ .4‬الشيعة يقولون إن كل آية و رد فيها لفظ يا أيها الذين آمنوا يعني عليا ‪،‬‬
‫فربما أراد هللا ‪ ،‬وهللا أعلم ‪ ،‬أن يخص الصحابة وحدهم بالمدح هذه المرة لطرد‬
‫هذه الهواجس من النفوس ألنه يعلم أنه يأتي يوم ينكر فيه بعض الناس فضائل‬
‫هؤالء االصحاب فأراد أن يفردهم بالوصف وهللا أعلم‪.‬‬

‫حديث‪ :‬الدار ‪ :‬او "حديث اإلنذار يوم الدار"‪:‬‬


‫عن عل ّي بن أبي طالب "لما نزلت هذه اآلية على رسول هللا ( (وأنذر‬
‫إن هللا أمرني أن‬ ‫عشيرتك األقربين) دعاني رسول هللا ‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا عل ّي َّ‬
‫أنذر عشيرتي األقربين‪ ،‬قال‪ :‬فضقت بذلك ذرعًا‪ ،‬وعرفت أنِّي متى ما أباديهم‬
‫فصمت حتَّى جاء جبرائيل‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬إنَّك‬ ‫ُ‬ ‫أر منهم ما أكره‪،‬‬
‫بهذا األمر َ‬
‫إالَّ تفعل ما تُؤمر به يُعذبك ربك‪ ،‬فاصنع لنا صاعًا من طعام‪ ،‬واجعل عليه‬
‫رجل شاة‪ ،‬وامأل لنا ُع ًّسا من لبن‪ ،‬ث َّم اجمع لي بني عبدالمطلب حتَّى أكلمهم‪،‬‬
‫وأبلِّغهم ما ُأمرت به؛ ففعلت ما أذمرني به ث َّم دعوتهم له‪ ،‬وهم يومئذ أربعون‬
‫رجالً يزيدون رجالً أو ينقصونه‪ ،‬فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو‬
‫لهب؛ فل َّما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم‪ ،‬فجئت به‪ .‬فل َّما‬
‫‪259‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(260‬‬
‫وضعته تناول رسول هللا ‪ِ ‬حذية من اللحم‪ ،‬فشقها بأسنانه‪ ،‬ث َّم ألقاها في نواحي‬
‫الصحفة‪ ،‬قال‪ :‬خذوا باسم هللا‪ ،‬فأكل القوم حتَّى ما لهم بشيء حاجة‪ ،‬وما أرى‬
‫إالَّ مواضع أيديهم‪ ،‬وأيَّم هللا الذي نفس عل ّي بيده إن كان الرجل الواحد ليأكل ما‬
‫اسق الناس‪ ،‬فجئتهم بذلك العس فشربوا حتَّى رووا منه‬ ‫ِ‬ ‫ق ّدمت لجميعهم‪ ،‬ث َّم قال‪:‬‬
‫جميعًا‪ ،‬وأيَّم هللا إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله؛ فل َّما أراد رسول هللا‬
‫‪ ‬أن يكلمهم‪ ،‬بدره أبو لهب إلى الكالم‪ ،‬فقال‪ :‬له ّد ما سحركم به صاحبكم‪،‬‬
‫إن هذا الرجل قد‬ ‫فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول هللا ‪ ، ‬فقال الغد‪ :‬يا عل ّي‪َّ ،‬‬
‫سبقني إلى ما قد سمعتَ من القول‪ ،‬فتفرَّق القوم قبل أن أكلمهم‪ ،‬فأعد لنا من‬
‫الطعام مثل الذي صنعت‪ ،‬ث َّم اجمعهم‪ ،‬قال‪ :‬ففعلت ث َّم جمعتهم‪ ،‬ث َّم دعاني‬
‫بالطعام فقرَّبته لهم‪ ،‬ففعل كما فعل باألمس‪ ،‬فأكلوا حتَّى ما لهم بشيء حاجة‪،‬‬
‫قال‪ :‬اسقهم‪ ،‬فجئتهم بذلك العس فشربوا حتَّى رووا منه جميعًا‪ ،‬ث َّم تكلم رسول‬
‫هللا ‪ ،‬فقال يا بني عبدالمطلب إنِّي وهللا ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه‬
‫بأفضل م َّما جئتكم به‪،‬إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقد أمرني هللا أن‬
‫أدعوكم إليه‪ ،‬فأيُّكم يؤازرني على هذا األمر على أن يكون أخي وكذا وكذا؟‬
‫قال‪ :‬فأحجم القوم عنها جميعًا‪ ،‬وقلت‪ :‬وإنِّي ألحدثهم سنًّا وأرمصهم عينًا‪،‬‬
‫وأعظمهم بطنًا‪ ،‬وأحمشهم ساقًا‪ ،‬أنا يا نبـي هللا أكون وزيرك‪ ،‬فأخذ برقبتي‪ ،‬ث َّم‬
‫إن هذا أخي وكذا وكذا‪ ،‬اسمعوا وأطيعوا‪ ،‬قال‪ :‬فقام القوم يضحكون‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫‪1‬‬
‫ويقولون ألبي طالب‪ :‬قد أمرك أن تسمع البنك و وتطيع)‬
‫‪ . 1‬وجوابه‪ :‬أن هذا الحديث كذب موضوع‪ ،‬لم يرد في شيء من كتب الحــديث ال الصــحاح‪ ،‬وال الســنن‪،‬‬
‫وال المسانيد‪ ،‬كما قرر ذلك العلماء المحققون في الحديث‪ .‬وإليك أيها القارئ بعض أقوالهم في الحديث‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪ « :‬هذا حديث موضوع»‪)1( .‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيميةـ‪ « :‬إن هذا الحديث كذب موضوع باتفــاق أهل العلم بالحــديث‪ ،‬وقد تقــدم كالم‬
‫ابن حــزم أن ســائر هــذه األحــاديث موضــوعة‪ ،‬يعلم ذلك من له أدنى علم باألخبــار ونقلتها وقد صــدق في‬
‫ذلك‪ ،‬فـإن من له أدنى معرفة بصـحيح الحــديث وضـعيفه ليعلمـأن هـذا الحـديث ومثله ضـعيف‪ ،‬بل كــذب‬
‫موضوع‪ ،‬ولهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيهــا‪ ،‬وإنما يرويه من يرويه في‬
‫الكتب التي يجمع فيها بين الغث والسمين‪ . »...‬منهاج السنة ‪7/354‬‬
‫وقال في موطن آخر‪ « :‬إن هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يســتفيدون منها علم النقــل‪،‬‬
‫ال في الصحاح‪ ،‬وال في المسانيدـ والسنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها اإلسناد الذي يحتج به‪...‬‬
‫[إلى أن قــال]‪ :‬إن هــذا الحــديث كــذب عند أهل المعرفة بالحــديث‪ ،‬فما من عــالم إال وهو يعلم أنه كــذب‬
‫موضوع»‪ .‬منهاج السنة ‪.302-7/299‬‬
‫وذكر الذهبي في ترجمة مطر بن ميمون األسكاف أنه موضوع قــال‪« :‬والمتهم بهــذا وما قبله مطــر‪ ،‬فــإن‬
‫عبيدـ هللا ثقة شيعي‪ ،‬ولكنه آثم برواية هذا اإلفك»‪ .‬ميزان االعتدال ‪.4/128‬‬
‫وقال السيوطي‪ « :‬موضوع آفته مطر »‪ )4( .‬الأللئ المصنوعة في األحاديث الموضوعة ‪.1/326‬‬
‫‪260‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(261‬‬
‫هذا الحديث تحدث عنه اكثر الذين تصدوا للرد على الشيعة وتجدها في قرص‬
‫المكتبة الشاملة وبمجرد كتابة (حديث الدار ) في خانة البحث سيأتيك بكل ما‬
‫كتب في رده من الكتب المودعة في القرص وقد أجادوا في الرد وأثبتوا بطالن‬
‫الحديث من حيث السند والمتن وال ارى ضرورة العادة ما كتبوه فليس هذا‬
‫الكتاب المخصص لبحث السقيفة مجال سردها ولكني ساختصرها واضيف‬
‫اليها بعض مالحظاتي وقد يكون غيري ذكرها ولكني لم أطلع عليها‪:‬‬

‫وكذا ع ّده الشوكاني من الموضوعات في كتابه ( الفوائد المجموعة ) ‪.‬‬


‫يقول الشيخ عثمان الخميس‪:‬‬
‫هذا الحديث ذكره شرف الدين عبد الحسين الموسوي في كتاب المراجعـات وذكــره كــذلك األنطـاكي في‬
‫كتابه لماذا إخترت مذهب الشيعة ‪ ,‬وذكره التيجاني في كتابه ثم اهتديت ‪ ،‬وذكره تقريبا ً كل علماء الشــيعة‬
‫الذين ألفوا كتبا ً يستدلون بها على أهل السنة في إثبــات خالفة علي رضي هللا عنه بعد رســول هللا مباشــرة‬
‫وهناك روايات أخرى لهذا الحديث أو لهذه القصة مرجعها بحار األنوار ج ‪ 18‬ص ‪ 178‬والبرهان ج ‪3‬‬
‫ص‪ 190‬والميزان ج ‪ 15‬ص ‪336‬‬
‫وأما كتب أهل السنة فجاء في مسند أحمد ج ‪ 1‬ص ‪ 111‬وص ‪ 159‬وهذه نص رواية أحمد ج‪ 1‬ص‬
‫‪:883/ 111‬‬
‫حدثنا عبد هللا حدثني أبي ثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن األعمش عن المنهال عن عباد بن عبد هللا‬
‫األسدي عن على رضي هللا عنه قــال لما نــزلت هــذه اآلية وأنــذر عشــيرتك األقــربين قـال جمع النبـي‬
‫صلى هللا عليه وسلم من أهل بيته فاجتمع ثالثون فأكلوا وشربوا قال فقــال لهم من يضــمن عــني ديــني‬
‫ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكــون خليفــتي من أهلي فقــال رجل لم يســمه شــريك يا رســول هللا‬
‫أنت كنت بحرا من يقوم بهذا قال ثم قــال اآلخر قــال فعــرض ذلك على أهل بيته فقـال علي رضي هللا‬
‫عنه أنا ) وهذه الرواية الثانية ص ‪ 159‬في مسند أحمد (‪ 1371‬حدثنا عبد هللا حدثني أبي ثنا عفان ثنا‬
‫أبو عوانة عن عثمــان بن المغــيرة عن أبي صــادق عن ربيعة بن ناجذ عن على رضي هللا عنه قــال‬
‫جمع رسول هللا صــلى هللا عليه وســلم أو دعا رسـول هللا صــلى هللا عليه وســلم بــنى عبد المطلب فيهم‬
‫رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق قال فصنع لهم مــداد من طعــام فــأكلوا حــتى شــبعوا قــال وبقى‬
‫الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقى الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب‬
‫فقــال يا بــنى عبد المطلب انى بعثت لكم خاصة والى النــاس بعامة وقد رأيتم من هــذه اآلية ما رأيتم‬
‫فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبـي قال إليه أحد قال فقمت إليه وكنت أصغر القوم قــال فقــال‬
‫اجلس قال ثالث مرات ثم ذلك أقوم إليه فيقول لي اجلس حتى كــان في الثالثة ضــرب بيــده على يــدي‬
‫) ‪.‬نقال عن كتاب شبهات شيعية والرد عليها للشيخ عثمان الخميس‪ /‬قرص المكتبة الشاملة‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(262‬‬
‫اوال ‪ :‬من حيث السند‪ :‬ان هذا الحديث من اكثر االحاديث المروية في الباب‬
‫ضعفا سواء من حيث السند او من حيث المتن‪ ،‬وان عالمات الوضع بادية فيه‬
‫بشكل واضح جدا‪ ،‬أما بالنسبة الى سنده فقد اوردته في الهامش ويكفي أن‬
‫تعرف انه لم يصححه وال واحد من اهل الحديث !‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث المتن‪ :‬واما متنه فلنا عليه هذه المالحظات ‪:‬‬
‫‪ .1‬ان بني عبد المطلب لم يصلوا الى عشرين رجال فضال عن أربعين فهل‬
‫أخطأ علي في الحساب أم تعمد الكذب (حاشاه) أم ان الرواية كاذبة؟ اليخرج‬
‫االمر عن احدى هذه االحتماالت الثالثة وال يمكن القول اال باالحتمال الثالث‬
‫وهو كذب الراوي وبطالن الرواية‪.‬‬
‫‪.2‬ان النبـي ‪ ‬لم يكن يعلم في أول االمر ما سيؤول اليه امره وأمر دعوته ‪،‬‬
‫فكيف يجمع أقاربه ويوزع عليهم المناصب ؟ هل هذا عمل االنبـياء ام عمل‬
‫اهل الدنيا ؟‬
‫‪ .3‬هل يعقل ان يقول النبـي العمامه وبنـي اعمامه الذين لم يؤمنوا به بعد‬
‫اسمعوا لعلي واطيعوه وهو لم يبلغ من العمر عشر سنوات؟ هم لم يؤمنوا به‬
‫بعد ولم يقبلوا سيادته عليهم فكيف يقبلون بوصاية طفل لم يبلغ الحلم ؟ ان هكذا‬
‫حديث يجب ان يوجه الى المؤمنين بالرسالة ال الى من لم يؤمن بها بعد !‬
‫‪ .4‬ثم ان الشيعة من حيث اليشعرون يكذبون هذا الحديث بأنفسهم وذلك ‪:‬‬
‫أ‪ .‬بقولهم ان اباطالب كان من أوائل من آمن بالنبـي ولكن هذه الحادثة تظهر‬
‫أنه لم يكن كذلك ‪ .‬فإن كان قد أسلم قبل ذلك اليوم فلماذا لم يقم ويعلن مؤازرته‬
‫للنبـي؟ هل كان يخشى اخوته وابناء اخوته ؟ وإن كان لم يؤمن بعد فإن قول‬
‫النبـي له اسمع لولدك علي وأطعه سيكون حائال دون ايمانه ‪ .‬ولكن حسب‬
‫الروايات الشيعية فإن أباطالب آمن بالنبـي حتى قبل‬
‫أن يصبح نبـيا !‬
‫ُأ‬
‫ب‪ .‬بتفسيرهم آلية " يا أيها الرسول بلغ ما نزل اليك من ربك فإن لم تفعل‬
‫فما بلغت رسالته وهللا يعصمك من الناس" فإنهم يقولون في تفسيرها أن‬
‫الرسول تردد في المدينة في إبالغ امامة علي وخاف أن يخالفه الصحابة‬
‫فأنزل هللا هذه اآلية في غدير خم بعد حجة الوداع ‪ ،‬أي في السنة العاشرة‬
‫للهجرة ! ولكن هذه الرواية تقول ان النبـي أعلن امامة علي في بداية العهد‬
‫المكي ! فهل يعقل أن يجرؤ النبـي على اعالن امامة علي امام اناس كافرين ال‬
‫يؤمنون برسالته في وقت ال يدري فيه ماذا سيحصل له ولدعوته ثم لما تنتشر‬
‫دعوته وتخضع الجزيرة العربية الرادته يخشى من اعالنها ؟!‬

‫‪262‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(263‬‬
‫ج‪ .‬بحديث " من كنت مواله فعلي مواله" وذلك بانه إذا كان الناس يعلمون منذ‬
‫بداية العهد المكي أن عليا هو خليفة رسول هللا فما الحاجة الى بيانها في نهاية‬
‫العهد المدني ؟ كان من المفروض كما قلنا سابقا أن تصبح هذه المسألة من‬
‫االمور المسلمة والمعلومة من الدين بالضرورة عند الناس ‪ .‬قد يقولون ان هذا‬
‫الحديث كان للتأكيد على امامته وتذكير الناس بها ولكن صيغة الحديث ال تفيد‬
‫ذلك وانما توحي بأن النبـي كان يريد أن يبلغها ألول مرة ‪ .‬فحديث الغدير‬
‫يكذب حديث الدار ‪.‬‬
‫د‪ .‬بحادثة يوم الخميس والتي شرحناها سابقا وهي االخرى تكذب هذا الحديث‬
‫ألن حادثة الخميس توحي بأن االمر لم يكن محسوما أو معروفا للناس من قبل‬
‫ألنها لو كانت كذلك الكتفى الرسول بالتأكيد عليه شفويا كما كان يؤكد على‬
‫االمور االخرى كالصالة وتقوى هللا وغيرها ‪.1‬‬

‫‪. 1‬اتماما للفائدة ســأورد بعض تلك الــردود مخافة ان ال تتــاح لك الفرصة للبحث عنها أو ربما تــرى ردنا‬
‫ضعيفا ال يقوى على دحض شبههم‪:‬‬
‫قال االستاذ‪.‬د‪ .‬أحمد بن ســعد حمــدان الغامــدي في كتابــه" رســالة جوابية على مــذكرة أســتاذ شــيعي إثــني‬
‫عشري"‪ :‬عند الكالم عن هذا الحديث ‪:‬‬
‫…أوالً‪ :‬هذا لحديث ال يصح بل مكذوب‪.‬‬
‫…في رواة الطبري‪" :‬عبدالغفار بن القاسم أبو مريم" قال ابن المديني‪ :‬كان يضع الحديث‪ .‬وقال أبو داود‬
‫أن أبا مــريم كــذاب وألنَّني قد لقيته وســمعت منه‬ ‫بعد أن ســاق تكــذيب عبدالواحد بن زيــاد له‪( :‬وأنا أشــهد َّ‬
‫واسمه‪" :‬عبدالغفار بن القاسم"(‪.)437‬‬
‫…وله طريق أخرى عند أبي حاتم فيها‪" :‬عبدهللا بن عبدالقدوس"(‪ )438‬قال الذهبـي‪( :‬كــوفي رافضي)‪.‬‬
‫وقال يحيى‪( :‬ليس بشيء رافضي خـبيث)‪ .‬وقـال النسـائي‪( :‬ليس ثقة)‪ .‬وقـال البخـاري‪( :‬مجهـول وحديثه‬
‫منكر)(‪.)439‬‬
‫…ثانيًا‪ :‬في آخر الحديث‪( :‬فاسمعوا وأطيعوا) وهل هم مسلمون حتَّى يســمعوا ويطيعــوا؟! هم لم يســمعوا‬
‫منه ( ولم يطيعوه في أصل اإليمان وقد أعرضوا عن دعوته فكيف يأمرهم وهم ليسوا أصالً مؤمنين؟!‬
‫أن أبنــاء عبــدالمطلب كــانوا‪( :‬أربعين رجالً يزيــدون رجالً أو ينقصــونه) والتــاريخ‬ ‫…ثالثًا‪ :‬في الحــديث َّ‬
‫يشهد بكذب هذا العددـ‪.‬‬
‫…فــأوالد عبــدالمطلب كــانوا عشــرة من الولد لم يــدرك النبــوة منهم إالَّ خمسة هم‪:‬حمــزة ‪،‬والعبــاس‪،‬‬
‫وأبوطالب‪ ،‬والحارث‪ ،‬وأبو لهب‪.‬‬
‫…فأ ّما حمزة فلم يكن له ولد ‪.‬‬
‫وأ َّما العباس فأول ولد له كان في حصار الشـعب هو‪" :‬عبدهللا" ث َّم ولد له عُبيدهللا ث َّم الفضـل‪ ،‬فليس له إذن‬
‫أوالد كبار يحضرون‪.‬‬
‫…وأ َّما أبو طالب فكان له أربعة من الولد هم‪ :‬طالب‪ ،‬وعقيل‪ ،‬وجعفر‪ ،‬وعلي؛ وطالب لم يدرك اإلسالم‪.‬‬
‫…وأ َّما الحارث فكان له ابنان هما‪ :‬أبو سفيان‪ ،‬وربيعة من مسلمة الفتح‪.‬‬
‫…وأبو لهب كــان له ثالثة من الولد‪ :‬عتبــة‪ ،‬ومغيث‪ ،‬وعتيبــة؛ أســلم األوَّالن ودعا النبـي ( على الثــالث‪(.‬‬
‫‪)440‬‬
‫‪263‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(264‬‬
‫هل أحدث الرسول تغييرا في مجتمعه؟‬
‫ال يمكن الحكم على السقيفة اال بعد دراسة مجتمع الرسول ‪ ‬ورسم‬
‫صورة صحيحة له ‪ ،‬ألن احداث السقيفة ليست مستقلة أومنفصلة عما قبلها وما‬
‫بعدها ‪ ،‬وانما تشكل مفصال مهما من مفاصل هذه الصورةـ ‪ ،‬وهي الحلقة‬
‫االولى والمباشرة في مجتمع ما بعد الرسول ‪ ‬وتمثل حال المسلمين في اليوم‬
‫االول من وفاة الرسول ‪ ،‬فهي ليست منفصلة عما سبقها من احداث ‪ ،‬كما ان‬
‫ما بعدها من احداث ليست منفصلة عنها ‪ .‬إذاً من الضروريـ أن ندرس هذا‬
‫…هؤالء هم أوالد وأحفاد عبدالمطلب فكيف حضر أربعون رجالً وهؤالء لم يتجاوز عددهم أربعة عشر‬
‫رجالً؟!‬
‫…وهذا بيان بأسمائهم ودرجاتهم‪:‬‬
‫‪ -1‬األب‪ ( :‬عبدالمطلب )‬
‫‪ -2‬ابن ‪ ( :‬حمزة )‬
‫‪ -3‬ابن‪ ( :‬العباس )‬
‫‪ -4‬ابن‪ ( :‬أبو طالب )‬
‫‪ -5‬ابن‪ ( :‬الحارث )‬
‫‪ -6‬ابن‪ ( :‬أبو لهب )‬
‫‪ -7‬حفيد )طالب بن أبي طالب)‬
‫‪ -8‬حفيد‪( :‬عقيل بن أبي طالب)‬
‫‪ -9‬حفيد‪( :‬جعفر بن أبي طالب)‬
‫‪ -10‬حفيد‪( :‬علي بن أبي طالب)‬
‫‪ -11‬حفيد‪( :‬أبو سفيان بن الحارث)‬
‫‪ -12‬حفيد‪( :‬ربيعة بن الحارث)‬
‫‪ -13‬حفيد‪( :‬عتبة بن أبي لهب)‬
‫‪ -14‬حفيد‪( :‬مغيث بن أبي لهب)‬
‫‪ -15‬حفيد‪( :‬عتيبة بن أبي لهب)(‪)441‬‬
‫رابعًا‪ :‬ألفــاظ الحــديث في رواية ابن أبي حــاتم (ويكــون خليفــتي في أهلي)‪ ،‬وفي رواية الطــبري العبــارة‬
‫مبهمة ولفظها (على أن يكون أخي وكذا وكــذا) فلفظ ابن أبي حــاتم لم يــذكر إالَّ الخالفة في األهل ورواية‬
‫الطبري مبهمة وكالهما ال يصحان‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬هذا اتهام لعل ّي ( بأنَّه لم يسلم إالَّ طمعًا في الرئاسة ال رغبةً في اإليمان‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬كم أسلم مع عل ّي وبعده ولم نسمع أنَّه وعدهم بوزارة وال بإمارة ولو كان ذلك جرى منه لســألوا‬
‫مثله‪!!..‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫سابعًا‪ :‬هذا تحويل للنبوة لتكــون ُملكا وزعامة يتوارثها األبنـاء عن اآلبــاء‪ ،‬والنبــوة ال تـورث والتقـدم فيها‬
‫بغير النسب‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬والسر وهللا أعلم في خروج الخالفة عن أهل بيت النبـي ‪ ‬إلى أبي بكر وعمر وعثمــان َّ‬
‫أن‬
‫أهل بيته فصــان هللا منصب‬‫ك ورّث مل َكه َ‬ ‫عليًّا لو تولى الخالفة بعد موته ألوشك أن يقول المبطلون إنَّه َملِ ٌ‬
‫رسالته ونبوته عن هذه الشبهة‪.‬‬
‫وتأ َّمل قول هرقل ألبي سفيان‪( :‬هل كان في آبائه من ملك؟ قــال‪ :‬ال‪ .‬فقــال له‪ :‬لو كــان في آبائه ملك لقلت‪:‬‬
‫رجل يطلب ُملك آبائه)(‪.)442‬‬

‫‪264‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(265‬‬
‫المجتمع ونتعرف على حقيقته ونحاول أن نستشف آثار تربية الرسول وآثار‬
‫التعاليم القرآنية فيه ‪ ،‬وليس هذا فحسب بل من الضروري أيضا دراسة‬
‫المجتمع العربي قبل البعثة حتى نرى آثار تلك التربية بوضوح ونعرف مدى‬
‫التغيير الذي احدثه الرسول ‪ ‬في هذا المجتمع سواء من ناحية القيم والموازينـ‬
‫‪ ،‬او من ناحية المباديء والعقائد والتصورات ‪ ،‬او من ناحية االخالق واآلداب‬
‫والمعامالت والتشريعات ‪ ،‬او من ناحية الوعي والثقافة والحضارة‪.‬‬

‫فصان منصبه العلي من شبهة ال ُملك في آبائه وأهل بيته‪.‬‬


‫َّ‬
‫وهذا وهللا أعلم هو السر في كونه لم يُورث هو واألنبـياء قطعًا لهذه الشــبهة لئال يظن المبطل أن األنبـــياء‬
‫طلبوا جمع الدنيا ألوالدهم وورثتهم كما يفعله اإلنسان من زهده في نفسه وتوريثه ماله لولده وذريته‪.‬‬
‫فصانهم هللا عن ذلك ومنعهم من توريث ورثتهم شـيًئا من المـال لئال يتطـرق التهمة لحجج هللا ورسـله فال‬
‫يبقى في نبوتهم ورسالتهم شبهة أصالً)‪)443(.‬‬
‫ثامنًا‪ُ :‬‬
‫قلت ولع َّل عدم تمكينـ هللا لعل ّي ‪ ‬الخالفة ألجل ذلك السر لتبقى النبوة بعيدةـ عن الشبه‪.‬‬
‫ث َّم لو تمكن عل ّي ‪ ‬لربَّما قــوَّى ذلك معتقد الشــيعة الــذين ادعــوا فيه ما ليس له ولتحــولت النبــوة إلى ملك‬
‫وراثي‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬ألم تتحول على يد معاوية؟!‬
‫فنقول‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن ال يجرح ذلك منصب النبوة وحديثنا عن بقاء منصب النبــوة بعيـدًا عن ظنــون األعــداء‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬
‫يف له بوعده‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬على مذهبكم لم يتحقق وعد النبـي ‪ ‬له فقد وعده بأن يكون الخليفة من بعده ولم ِ‬
‫فإن قلتم‪ :‬هو أراد ولكن أبا بكر وعمر لم يريدا!!‬
‫قلت‪ :‬ال يمكن أن يعد النبـي ‪‬ما ال يستطيع تنفيذه وكان ينبغي أن يقول‪( :‬إذا رضي أبو بكر وعمر)!!‬
‫الحمد هلل على نعمة العقل‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم في منهاج السنة النبوية في رد هذا الحديث ‪:‬‬


‫والجواب من وجوه ‪ :‬األول ‪ :‬المطالبة بصحة النقل ‪ .‬وما ادعاه من نقل الناس كافة من أظهر الكذب عند‬
‫أهل العلم بالحديث ‪ ،‬فإن هذا الحديث ليس في شىء من كتب المسلمين التي يســتفيدون منها علم النقل ‪ :‬ال‬
‫في الصحاح وال في المساند والسنن والمغازى والتفسير التي يذكر فيها اإلسناد الذي يحتج به ‪ ،‬وإذا كــان‬
‫في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف ‪ ،‬مثل تفسير الثعلبى والواحــدى والبغــوى ‪ ،‬بل‬
‫وابن جرير وابن أبى حاتم ‪ ،‬لم يكن مجرد رواية واحد من هؤالء ‪ ،‬دليال على صــحته باتفــاق أهل العلم ؛‬
‫فإنه إذا عرف أن تلك المنقوالت فيها صحيح وضعيف ‪ ،‬فالبد من بيان أن هذا المنقــول من قسم الصــحيح‬
‫دون الضعيف ‪.‬‬
‫وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث والثمين‪،‬ـ وفيها أحاديث كثيرة‬
‫موضوعة مكذوبة ‪ ،‬مع أن كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبى حاتم‬
‫والثعلبى والبغوى ‪ ،‬ينقل فيها باألسانيد الصحيحة ما يناقض هذا ‪ ،‬مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا‬
‫في سبب نزول اآلية ‪ ،‬فإنهم ذكروا مع ذلك باألسانيد الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها‬

‫‪265‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(266‬‬
‫ولنوجه هذه االسئلة الى كل المعنيين بدراسة المناهج وعلم االجتماع واالخالق‬
‫والشرائع واالفكار والتصورات‪:‬‬
‫هل احدث الرسول ‪ ‬تغييرا في مجتمعه أم ال؟‬
‫فإن كان قد أحدث تغييرا هل كان ذلك التغيير محصورا في جانب واحد من‬
‫جوانب الحياة أم انه كان شامال لجميع نواحي الحياة؟ وما حجم هذا التغيير؟‬

‫ما يناقض ذلك ‪ ،‬ولكن هؤالء المفسرين ذكروا ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول‬
‫اآلية من المنقوالت الصحيحة ‪ .‬والضعيفة ‪ ،‬ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول اآلية عدة أقوال ‪ ،‬ليذكر‬
‫أقوال الناس وما نقلوه فيها ‪ ،‬وإن كان بعض ذلك هو الصحيح وبعضه كذب ‪ ،‬وإذا احتج بمثل هذا‬
‫الضعيف وأمثاله واحد بذكر بعض ما نقل في تفسير اآلية من المنقوالت ‪ ،‬وترك سائر ما ينقل مما‬
‫يناقض ذلك ـ كان هذا من أفسد الحجج ‪ ،‬كمن احتج بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ‪ ،‬وقد‬
‫ناقضه عدول كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته‪ ،‬أو يحتج برواية واحد لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ‪،‬‬
‫ويدع روايات كثيرين عدول ‪ ،‬وقد رووا ما يناقض ذلك ‪.‬‬
‫بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة ‪ ،‬وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما‬
‫يناقض ذلك ‪ ،‬لوجب النظر في الروايتين ‪ :‬أيهما أثبت وأرجح ؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين‬
‫على أن الروايات المناقضة لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة ‪ ،‬بل هذا الحديث مناقض لما علم بالتواتر‬
‫‪ ،‬وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم أنه باطل ‪.‬‬

‫الثانى ‪:‬‬
‫أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين ‪ :‬إما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع‬
‫‪ ،‬ولو أنه مسألة فرعية ‪ ،‬وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم ‪ .‬فإنه لو‬
‫تناظر فقيهان في فرع من الفروع ‪ ،‬لم تقم الحجة على المناظرة إال بحديث يعلم أنه مسند إسناداً تقوم به‬
‫الحجة‪ ،‬أو يصححه من يرجع إليه في ذلك ‪ .‬فأما إذا لم يعلم إسناده ‪ ،‬ولم يثبته أئمة النقل ‪ ،‬فمن أين يعلم ؟‬
‫ال سيما في مسائل األصول التي يبنى عليها الطعن في سلف األمة وجمهورها ‪ ،‬ويتوسل بذلك إلى هدم‬
‫قواعد المسألة ‪ ،‬فكيف يقبل في مثل ذلك حديث ال يعرف إسناده وال يثبته أئمة النقل وال يعرف أن عالما‬
‫صححه ؟!‬
‫الثالث ‪:‬‬
‫أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث ‪ ،‬فما من عالم يعرف الحديث إال وهو يعلم أنه كذب‬
‫موضوع ‪ ،‬ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقوالت ‪ ،‬ألن أدنى من له معرفة‬
‫بالحديث يعلم أن هذا كذب ‪.‬‬
‫وقد رواه ابن جرير والبغوى بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد ‪ ،‬أبو مريم الكوفي ‪ ،‬وهو مجمع‬
‫على تركه ‪ ،‬كذبه سماك بن حرب وأبو داود ‪ ،‬وقال أحمد ‪ :‬ليس بثقة ‪ ،‬عامة أحاديثه بواطيل ‪ .‬قال يحيى‬

‫‪266‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(267‬‬
‫وهل كان التغيير محصورا في فئة معينة وقليلة من المجتمع أم أنه شمل‬
‫الغالبية العظمى لذلك المجتمع؟‬
‫ولالجابة على هذا السؤال البد من رسم صورة للمجتمع العربي قبل بعثة‬
‫الرسول من ناحية المعتقدات والتصورات السائدة فيه ‪ ،‬والقيم والموازينـ‬
‫الحاكمة عليه ‪ ،‬والعادات والتقاليد والطقوس المنتشرة فيه ثم ننظر الى التغيير‬
‫الذي احدثه في كل جانب من هذه الجوانب ‪ ،‬ثم نقدر الجهود المطلوبة الحداث‬
‫التغيير في كل هذه المجاالت‪:‬‬
‫كيف كان هذا المجتمع قبل مجيء الرسول وكيف اصبح فيما بعد؟‬
‫‪ :‬ليس بشئ ‪ .‬قال ابن المديني‪ :‬كان يضع الحديث ‪ .‬وقال النسائي وأبو حاتم ‪ :‬متروك الحديث ‪ .‬وقال ابن‬
‫حبان البستى ‪ :‬كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر ‪ ،‬وهو مع ذلك يقلب األخبار ‪ ،‬ال يجوز‬
‫االحتجاج به ‪ ،‬وتركه أحمد ويحيى ‪.‬‬
‫ورواه ابن أبى حاتم ‪ ،‬وفى إسناده عبد هللا بن عبد القدوس ‪ ،‬وهو ليس بثقة ‪ .‬وقال فيه يحيى بن معين ‪:‬‬
‫ليس بشئ رافضى خبيث ‪ .‬وقال النسائي ‪ :‬ليس بثقة ‪ .‬وقال الدارقطنى ‪ :‬ضعيف ‪.‬‬
‫وإسناد الثعلبى أضعف ‪ ،‬ألن فيه من ال يعرف ‪ ،‬وفيه من الضعفاء والمتهمينـ من ال يجوز االحتجاج‬
‫بمثله في أقل مسألة ‪.‬‬
‫الرابع ‪:‬‬
‫أن بنى عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجال حين نزلت هذه اآلية ؛ فإنها نزلت بمكة في أول األمر ‪ .‬ثم‬
‫وال بلغوا أربعين رجال في مدة حياة النبـي صلى هللا عليه وسلم ؛ فإن بنى عبد المطلب لم يعقب منهم‬
‫باتفاق الناس إال أربعة ‪ :‬العباس ‪ ،‬وأبو طالب ‪ ،‬والحارث ‪ ،‬وأبو لهب ‪ .‬وجميع ولد عبد المطلب من‬
‫هؤالء األربعة ‪ ،‬وهم بنو هاشم‪ ،‬ولم يدرك النبوة من عمومته إال أربعة ‪ :‬العباس ‪ ،‬وحمزة ‪ ،‬وأبو طالب ‪،‬‬
‫وأبو لهب ‪ ،‬فآمن اثنان ‪ ،‬وهما حمزة و العباس ‪ ،‬وكفر اثنان ‪ ،‬أحدهما نصره وأعانه ‪ ،‬وهو أبو طالب ‪،‬‬
‫واآلخر عاداه وأعان أعداءه ‪ ،‬وهو أبو لهب ‪.‬‬
‫وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين ‪ :‬طالب ‪ ،‬وعقيل‪ ،‬وجعفر ‪ ،‬وعلى ‪ .‬وطالب لم‬
‫يدرك اإلسالم ‪ ،‬وأدركه الثالثة ‪ ،‬فآمن على وجعفر في أول اإلسالم ‪ ،‬وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة ‪،‬‬
‫ثم إلى المدينةـ عام خيبر ‪.‬‬
‫وكان عقيل قد استولى على رباع بنى هاشم لما هاجروا وتصرف فيها ‪ ،‬ولهذا لما قيل للنبـي صلى هللا‬
‫عليه وسلم في حجته ‪ " :‬ننزل غدا في دارك بمكة " قال ‪ " :‬وهل ترك لنا عقيل من دار ؟ "‬
‫وأما العباس فبنوه كلهم صغار ‪ ،‬إذ لم يكن فيهم بمكة رجل ‪ .‬وهب أنهم كانوا رجاالً فهم ‪ :‬عبد هللا ‪،‬‬
‫وعبيد هللا ‪ ،‬والفضل ‪ .‬وأما قثم فولد بعدهم ‪ ،‬وأكبرهم الفضل ‪ ،‬وبه كان يكنى ‪ .‬وعبد هللا ولد في الشعب‬
‫ك اَأْل ْق َربِينَ "(سورة الشعراء ‪ ) 214 :‬وكان له في الهجرة نحو ثالث‬‫بعد نزول قوله ‪َ " :‬وَأن ِذرْ َع ِشي َرتَ َ‬
‫سنين أو أربع سنين ‪ ،‬ولم يولد للعباس في حياة النبـي صلى هللا عليه وسلم إال الفضل وعبد هللا وعبيد هللا‪،‬‬
‫وأما سائرهم فولدوا بعده‪.‬‬
‫وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما أقل ‪ .‬والحارث كان له ابنان‪ :‬أبو سفيان وربيعة ‪،‬‬
‫وكالهما تأخر إسالمه ‪ ،‬وكان من مسلمة الفتح ‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(268‬‬
‫كيف كان يفكر ؟ كيف كان يعيش ؟ ماذا كانت المعتقدات والتصوراتـ والقيم‬
‫والموازينـ واالعراف والتقاليد السائدة فيه ؟ ثم كيف اصبحت تلك االمور فيما‬
‫بعد؟‬
‫كيف غير الرسول كل هذه االمور ؟ باي اسلوب وباي منهج احدث ذلك‬
‫التغيير؟ هل غيرها ظاهريا ام اقتلعها من جذورها واستبدل بها غيرها؟‬
‫ماذا قال القرآن عن ذلك المجتمع قبل مجيء الرسول او في بداية عهد البعثة‬
‫وماذا قال عنه فيما بعد؟‬

‫وكذلك بنو أبى لهب تأخر إسالمهم إلى زمن الفتح ‪ ،‬وكان له ثالثة ذكور ‪ ،‬فأسلم منهم اثنان ‪ :‬عتبة‬
‫ومغيث ‪ ،‬وشهد الطائف وحنينا ‪ ،‬وعتيبة دعا عليه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن يأكله الكلب ‪ ،‬فقتله‬
‫السبع بالزرقاء من الشام كافراً‪ .‬فهؤالء بنو عبد المطلب ال يبلغون عشرين رجال ‪ ،‬فأين األربعون ؟ !‬
‫الخامس ‪:‬‬
‫قوله ‪ " :‬إن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن " فكذب على القوم ‪ ،‬ليس بنو هاشم‬
‫معروفين بمثل هذه الكثرة في األكل ‪ ،‬وال عرف فيهم من كان يأكل جذعة وال يشرب فرقا ‪.‬‬
‫السادس ‪:‬‬
‫أن قوله للجماعة ‪ " :‬من يجيبنى إلى هذا األمر ويؤازرنى على القيام به يكن أخي ووزيرى ووصيى‬
‫وخليفتى من بعدى " كالم مفترى على النبـي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ال يجوز نسبته إليه ‪ .‬فإن مجرد‬
‫اإلجابة إلى الشهادتينـ والمعاونة على ذلك ال يوجب هذا كله ؛ فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين‬
‫الكلمتين ‪ ،‬وأعانوه على هذا األمر ‪ ،‬وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته ‪ ،‬وفارقوا أوطانهم ‪،‬‬
‫وعادوا إخوانهم ‪ ،‬وصبروا على الشتات بعد األلفة ‪ ،‬وعلى الذل بعد العز ‪ ،‬وعلى الفقر بعد الغنى ‪،‬‬
‫وعلى الشدة بعد الرخاء ‪ ،‬وسيرتهم معروفة مشهورة ‪ ،‬ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له ‪.‬‬
‫وأيضا فإن كان عرض هذا األمر على أربعين رجال أمكن أن يجيبوه ـ أو أكثرهم أو عدد منهم ـ فلو‬
‫أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده ؟ أيعين واحدا بال موجب ؟ أم يجعل الجميع خلفاء في‬
‫وقت واحد ؟ وذلك أنه لم يعلق الوصية والخالفة واألخوة والمؤازرة ‪ ،‬إال بأمر سهل ‪ ،‬وهو اإلجابة إلى‬
‫الشهادتين‪،‬ـ والمعاونة على هذا األمر ‪ .‬وما من مؤمن يؤمن باهلل ورسوله واليوم اآلخر إلى يوم القيامة ‪،‬‬
‫إال وله من هذا نصيب وافر ‪ ،‬ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق ‪ ،‬فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكالم‬
‫إلى النبـي َصلى هللا عليه وسلم ؟ !‬
‫السابع ‪:‬‬
‫أن حمزة وجعفرا وعبيدة بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه على من الشهادتين والمعاونة على هــذا األمر ؛‬
‫فإن هؤالء من السابقين األولين الــذين آمنــوا باهلل ورســوله في أول األمر ‪ .‬بل حمــزة أســلم قبل أن يصــير‬
‫المؤمنون أربعين رجال ‪ ،‬وكان النبـي صلى هللا عليه وسلم في دار األرقم بن أبى األرقم ‪ ،‬وكــان اجتمــاع‬
‫النبـي صلى هللا عليه وسلم به في دار األرقم ‪ ،‬ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة ‪،‬‬
‫فإن أبا لهب كــان مظهــراً لمعــاداة رســول هللا صــلى هللا عليه وســلم ‪ ،‬ولما حصر بنو هاشم في الشــعب لم‬
‫يدخل معهم أبو لهب ‪.‬‬
‫الثامن ‪:‬‬
‫‪268‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(269‬‬
‫ما هو المنهج الذي اتبعه الرسول ‪ ‬في هذا السبيل ؟ هل هذا المنهج جدير‬
‫باالتباع أم ال ؟‬
‫إن قلتم نعم فمعناه أنه كان منهجا ناجحا ‪ ،‬وهذا يعني أن نتائجه كانت جيدة فإنه‬
‫ال يعلم نجاح منهج عن فشله االّ بنتائجه ‪ .‬أما إذا أصررتم على القول بان‬
‫الصحابة كلهم ارتدوا بعد رسول هللا اال ثالثة او اربعة فإن هذا يعني أنه لم‬
‫يحدث تغييرا يذكر وأن التغيير كان ظاهريا ‪ ،‬وبالتالي يعني أن المنهج الذي‬

‫ان الذي في الصحاح من نزول هذه اآلية غير هذا ‪ .‬ففي الصــحيحين عن ابن عمر وأبى هريــرة ــ واللفظ‬
‫ـربِينَ "(ســورة الشــعراء ‪) 214 :‬‬ ‫يرتكَ اَأْل ْقـ َ‬
‫له ـ عن النبـي صلى هللا عليه وسلم لما نزلت ‪َ " :‬وَأنـ ِذرْ ع َِشـ َ‬
‫دعا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قريشا‪ ،‬فــاجتمعوا ‪ ،‬فخص وعم فقـال ‪ " :‬يــابنى كعب بن لــؤى أنقــذوا‬
‫أنفسكم من النار‪ .‬يا بنى مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار ‪ .‬يا بنى عبد شمس أنقــذوا أنفســكم من النــار‪.‬‬
‫يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ‪ .‬يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ‪ .‬يا بنى عبد المطلب أنقــذوا‬
‫أنفسكم من النار ‪ .‬يا فاطمة بنت محمد أنقذى نفسك من النار ‪ ،‬فــإنى ال أملك لكم من هللا شــيئا غــير أن لكم‬
‫رحما ً سأبلها بباللها " ‪.‬‬
‫وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضي هللا عنه أيضا لما نزلت هذه اآلية قال‪ " :‬يا معشر قــريش اشــتروا‬
‫أنفسكم من هللا ال أغنى عنكم من هللا شيئا ‪ .‬يا بنى عبد المطلب ال أغنى عنكم من هللا شــيئا ‪ .‬يا صـفية عمة‬
‫رسول هللا ال أغنى عنك من هللا شيئا ‪ .‬يا فاطمة بنت محمد ال أغــنى عنك من هللا شــيئا ‪ .‬ســالنى ما شــئتما‬
‫من مالى " ‪ .‬وخرجه مسلم من حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو ومن حديث عائشة وقال فيه ‪ " :‬قام‬
‫على الصفا " ‪.‬‬
‫وقال في حديث قبيصة ‪ " :‬انطلق إلى رضمة من جبل ‪ ،‬فعال أعالها حجرا ‪ ،‬ثم نادى ‪ :‬يا بنى عبد منــاف‬
‫إنى لكم نـــذير ‪ .‬إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل رأي العـــدو فــانطلق يربأ أهله ‪ ،‬فخشى أن يســـبقوه ‪ ،‬فجعل‬
‫يهتف ‪ :‬يا صباحاه " ‪.‬‬
‫وفى الصحيحين من حديث ابن عباس قال ‪ " :‬لما نزلت هذه اآلية خـرج رسـول هللا صـلى هللا عليه وسـلم‬
‫حتى صعد الصـفا ‪ ،‬فهتف ‪ :‬يا صــباحاه " فقـالوا ‪ :‬من هــذا الــذي يهتــف؟ قــالوا ‪ :‬محمد ‪ .‬فــاجتمعوا إليه ‪،‬‬
‫فجعل ينادى ‪ " :‬يا بنى فالن ‪ ،‬يا بــنى عبد منــاف ‪ ،‬يا بــنى عبد المطلب " وفى رواية ‪ " :‬يا بــنى فهر ‪ ،‬يا‬
‫بنى عدى ‪ ،‬يا بنى فالن " لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخــرج أرسل رســوال ينظر ما هو‬
‫‪ ،‬فاجتمعوا فقال ‪ " :‬أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيال تخــرج بســفح هــذا الجبل ‪ ،‬أكنتم مصــدقى ؟ " قــالوا ‪ :‬ما‬
‫جربناعليك كذبا ‪ .‬قال ‪ " :‬فإنى نذير لكم بين يدى عــذاب شــديد " قــال ‪ :‬فقــال أبو لهب ‪ :‬تبا لك أما جمعتنا‬
‫ب َوتَبَّ " ( سورة المسد ‪.) 1 :‬‬ ‫َّت يَدَا َأبِي لَهَ ٍ‬
‫إال لهذا ؟ فقام فنزلت هذه السورة ‪ " :‬تَب ْ‬
‫وفى رواية‪ " :‬أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ويمسيكم أكنتم تصدقونى؟ " قالوا ‪ " :‬بلى "‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنفين في الفضائل‪ ،‬كالثعلبى والبغوى وأمثالهما‬
‫والمغازلى ‪.‬‬
‫يقل له ‪ :‬مجرد رواية هؤالء ال توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث ؛ فــإن في كتب هــؤالء من‬
‫األحــاديث الموضــوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كــذب موضــوع ‪ ،‬وفيها شئ كثــير يعلم باألدلة اليقينية‬

‫‪269‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(270‬‬
‫اتبعه كان خاطئا واننا ال نحتاج الى اتباعه أو تقليده! هذا هو مقتضى عقيدة‬
‫الشيعة في الصحابة‪.‬‬
‫كل هذا ضروري أن يدرس قبل ان نحكم على السقيفة وما حصل فيها ‪ ،‬ألن‬
‫السقيفة فرع من هذا الكل ‪ ،‬وان التركيز عليه كفيل بأن يهدم كل محاولة‬
‫لتشويه الحقيقة ‪ ،‬وانه ال باس بأن يدرس حياة كل فرد من افراد هذا المجتمع‪-‬‬
‫ان امكن – في الجاهلية وفي االسالم ليعرف مدى التغيير الذي احدثه الرسول‬
‫في كل واحد منهم ‪ .‬ومن هنا كان دراسة حياة الصحابة امرا ضروريا النه رد‬
‫ضمني على كل من يريد االنتقاص من جهود الرسول ‪ ‬او من نتائج جهوده ‪.‬‬
‫وهناك ارتباط وثيق بين الجهود التي بذلها والنتائج التي حققها وارتباط وثيق‬
‫ايضا بين الطعن في النتائج والطعن في الجهود ‪ ،‬وبالتالي لن نتردد لحظة من‬
‫اتهام من يطعن في الصحابة بالطعن بالرسول ‪. ‬‬
‫اكتب هذا وانا اعرف بأن هناك اناسا ً قرروا مسبقا ان ال يقبلوا هذه النتيجة‬
‫ولذلك سيحاولون التشبث بكل ما ينقضها ‪ ،‬وعلى رأس ما يتشبثون به حياة‬
‫االنبـياء والرسل الذين سبقوا نبـينا محمدا عليهم وعلى نبـينا افضل الصالة‬
‫والسالم ليثبتوا به عدم صحة وجهة نظرنا هذه لذلك رأيت من الضروري ان‬
‫اتحدث عن مستلزمات ختم النبوة ألبين الفرق بين عهد الرسول محمد‪ ‬وعهد‬
‫غيره من االنبـياء والرسل وما يستلزمه ختم النبوات والرساالت من امور ‪.‬‬
‫وقد رسمنا هذه الصورةـ فيما مضى من خالل القرآن والتاريخ وأقوال علي ‪، ‬‬
‫فما بقي لنا اال أن نقارنها بالصورة التي يرسمها الشيعة لذلك المجتمع لنرى‬
‫الفرق بينهما ونحكم أي الصورتينـ اقرب للحقيقة ولروح االسالم وروح القرآن‬
‫‪.‬‬

‫السمعية والعقلية أنها كذب ‪ ،‬بل فيها ما يعلم باالضطرار أنه كذب ‪ .‬والثعلبى وأمثاله ال يتعمدونـ الكذب ‪،‬‬
‫بل فيهم من الصالح والدين ما يمنعهم من ذلك ‪ ،‬لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب ‪ ،‬ويــروون ما ســمعوه ‪،‬‬
‫وليس ألحدهم من الخبرة باألسانيد ما ألئمة الحديث ‪ ،‬كشعبة‪ ،‬ويحيى بن سعيد القطان ‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫مهدى ‪ ،‬وأحمد بن حنبل ‪ ،‬وعلى بن المـديني ‪ ،‬ويحـيى بن معين ‪ ،‬وإسـحاق ‪ ،‬ومحمد بن يحـيى الـذهلى ‪،‬‬
‫والبخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبى داود ‪ ،‬والنسائى ‪ ،‬وأبى حاتم وأبى زرعة الرازيين ‪ ،‬وأبى عبد هللا ابن منــده ‪،‬‬
‫والــدار قطــنى ‪ ،‬وأمثــال هــؤالء من أئمة الحــديث ونقــاده وحكامه وحفاظه الــذين لهم خــبرة ومعرفة تامة‬
‫بأحوال النبـي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأحوال من نقل العلم والحــديث عن النبـي صــلى هللا عليه وســلم من‬
‫الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم ‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(271‬‬
‫ومن المفارقات أن يعترف المنصفون في الغرب بضخامة التغيير الذي أحدثه‬
‫الرسول ‪ ‬في مجتمعه وال يعترف به الشيعة ! فهذا المؤرخ إج ‪.‬جي‪ .‬ويلز‬
‫يقول ما معناه ‪ :‬لو أن احدا درس مجتمع العرب في الجاهلية ثم تنبأ بأنه يتحول‬
‫في خالل أقل من ربع قرن الى ذلك المجتمع لكان حريا بأن يتهم بالجنون ‪.‬‬
‫ألم يقتلع الرسول شرب الخمر من أساسه ؟ العادة المتفشية في الجاهلية ! ألم‬
‫يقض على الزنا ؟ الفاحشة المنتشرة بين العرب وغير العرب ! ألم يقض على‬
‫الفوارق االجتماعية ؟ ألم يأت بمعيار جديد لتقويم الناس ؟ ألم يجعل من العبيد‬
‫سادة وقادة ؟ وأكثر من ذلك ‪ :‬ألم يقض على عبادة االوثان ؟ العقيدة الضاربة‬
‫في العمق في المجتمع العربي ! ألم تكن نهاية حرب البسوس وحرب داحس‬
‫والغبراء على يديه؟ الحرب التي دامت اربعين عاما لسبب تافه! ألم يقض على‬
‫وأد البنات؟ وكثير غيرها من العادات والتقاليد التي كانت سائدة في المجتمع‬
‫العربي وكانت ضاربة بجذورها في ذلك المجتمع‪ ،‬غيّرها الرسول وأتى عليها‬
‫من بنيانها وأبدلها بعادات وتقاليد جديدة نابعة من العقيدة االسالمية‪.‬‬

‫صورتان متضادتان لجهود النبـي االكرم ‪:‬‬


‫‪1‬‬

‫من خالل ما سبق تبين لنا بأن هناك صورتين لمجتمع الرسول ‪r‬‬
‫يرسمهما كل من السنة والشيعة ‪ ،‬االولى والتي يرسمها السنة صورة مشرقة‬
‫تظهر لك مجتمع الرسول مجتمعا ايمانيا تحكمه القيم االسالمية من االيمان‬
‫العميق ‪ ،‬واالخوة الوثيقة‪ ،‬والطاعة التامة لرسول هللا ‪ ،‬مجتمع افراده‬
‫متحابون فيما بينهم الى درجة االيثار‪ ،‬والرسول ‪ r‬محبوب ومطاع فيهم الى‬
‫ابعد الحدود وكلمته نافذة فيهم وان سيطرته عليهم تجاوزت ابدانهم بل تغلغلت‬
‫الى ارواحهم وهيمنت على قلوبهم ونفوسهم وان المشاكل التى كانت تحدث‬
‫بينهم كانت تحل بلحظات عند رسول هللا‪.r‬‬
‫هذا الذي نقوله اليؤيده التاريخ فحسب بل يؤيده العقل والمنطق‬
‫والتجربة ايضا‪ .‬أما التاريخ ‪ :‬فان كتب السيرة مليئة بالشواهد ‪ ،‬واما العقل‬
‫والمنطق والتجربة ‪ :‬فان الرسول ‪ r‬كان قد اوتي من الصفات القيادية ما لم‬
‫يُؤتَه اح ٌد قبله ولن يؤتاه احد من بعده ‪ ،‬فهو زعيم روحي وعسكري وسياسي‬
‫في آن واحد ‪ ،‬وهو معلم ومرب وقائد وصاحب شخصية قوية جذابة وأخاذة‬
‫وذو خلق عالية رفيعة تأسر المقابل من اول وهلة كما كان يصفه علي بن ابي‬
‫طالب بان من يراه يهابه في البداية ثم اذا خالطه احبه ‪ ،‬وكان إداريا ً الى ابعد‬

‫‪. 1‬هذا العنوان اقتبسناه من كتاب العالمة ابو الحسن الندوي رحمه هللا‬
‫‪271‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(272‬‬
‫الحدود ‪ ،‬وقل في وصفه ماشئت مالم تتجاوز حدود البشرية ‪ ،‬وان قلم العباد‬
‫ليقصر عن بلوغ مداه في مدحه وان االلفاظ لتعجز ان تستوعب جميع صفاته ‪،‬‬
‫افمثل هذه الشخصية لو كان يقود وحوشا ال بشرا أال يكون في وسعه ان‬
‫يروضهم و يربيهم على النهج الذي يريده؟ ان هناك مربين يروضون‬
‫الحيوانات الوحشية ويجعلون منها حيوانات أليفة خاضعة لمربيها ذليلة امامه‬
‫تنفذ اوامره بكل دقة‪ ،‬افهؤالء اكفأ من رسول هللا ‪ r‬وهل هؤالء الصحابة أكثر‬
‫وحشية من هذه الحيوانات حتى يعجز رسول هللا عن ترويضهم؟!ـ ثم انك ترى‬
‫كيف يسيطر الزعماء الروحيون على اتباعهم وكيف يأخذون بتالبيب قلوبهم‬
‫ويهيمنون على أرواحهم رغم اختالف مشاربهم ‪ ،‬وكذلك تجد القادة العسكريين‬
‫االكفاء كيف يسيطرون على جنودهم والزعماء السياسيين كيف يسوسون‬
‫شعوبهم وتخضع لهم شعوبهم ويحبونهم ‪ ،‬أفكل هؤالء أكفأ من رسول هللا‪ r‬؟‬
‫اال يقر الشيعة بقوة شخصية الرسول وجاذبيته وقوة ادارته وحنكته السياسية ‪،‬‬
‫فكيف اذاً يعجز عن تحقيق ما نجح فيه من هو اقل منه شأنا بكثير‪ ،‬وهو مع‬
‫مميزاته الشخصية مؤيد بالوحي؟!‬
‫هذه هي صورة المجتمع الذي رباه رسول هللا ‪ r‬وهذه هي الصورة‬
‫الحقيقية لتالميذ الرسول ‪ r‬الذين قاموا بنشر االسالم بعد نبـيهم ثم جمعوا كتاب‬
‫هللا وتعاليم نبـيه ونشروها بين العباد‪ .‬لقد كان الصحابة بحق اُمناء على رسالة‬
‫االسالم وكانوا اهالً ألن يكونوا انصار خاتم النبـيين ‪.‬‬
‫هذه هي صورة مجتمع الرسول‪ r‬كما يرسمها أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وفي‬
‫المقابل ترى صورة اخرى يرسمها الشيعة لهذا المجتمع ولهؤالء االصحاب ‪:‬‬
‫صورة تشمئز منها النفوس‪ ،‬صورة مجتمع متفكك تتنازعه االهواء واالطماع‪،‬‬
‫زعيمهم مغلوب على امره ال يطاع فيما يأمر به مما يضطره الى اللجوء الى‬
‫اساليب المكر والخديعة لكي ينفذ اوامره ! مجتمع انقلب على عقبه وارتد عن‬
‫دينه فور وفاة نبـيه ونقض العهود قبل ان يوارى جثمان نبـيهم التراب! نبـي لم‬
‫ينجح اال في تربية افراد قالئل على تعاليم االسالم ‪ .‬نبـي لم يكن يعرف كيف‬
‫يختار اصحابه ومن يصاهر ومن يُقرِّب ومن يُبعد ‪ ،‬ولم يكن يعرف‬
‫المخلصين من غير المخلصين من اصحابه الذين كانوا اقرب اتباعه اليه‬
‫ويخالطونه ليل نهار!‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(273‬‬
‫هذا ليس افتراء على الشيعة بل هو مقتضى عقائدهم ‪ ،‬فاقرأ اي كتاب‬
‫من كتب الشيعة عن الصحابة وعن السقيفة وعن جيش اسامة وصلح الحديبية‬
‫‪1‬‬
‫فانك لن ترى اال هذه الصورة!ـ‬
‫ان الشيعة يطعنون في الصحابة وال يع ّدون ذلك طعنا في الرسول أو انتقاصا‬
‫من شأنه ويحتجون في ذلك بعدة امور سنناقشها فيما بعد ‪ ،‬فلننظر هل الطعن‬
‫في الصحابة يعد طعنا بالرسول أم ال؟‬
‫هل الطعن في الصحابة يعد طعنا في الرسول والقرآن‪:‬‬
‫لكي نثبت هذا االمر البد لنا من اللجوء الى بعض االمثلة من واقع الحياة ‪،‬‬
‫نبدؤها ببعض االسئلة‪:‬‬
‫‪ .1‬عندما نترجم لعالم من العلماء لماذا نحرص على ذكر اسماء مشايخه ؟‬
‫مادور المشايخ في حياة العلماء حتى يُولى ذكر اسمائهم كل هذا االهتمام ؟‬
‫أليس ألن لنوعية المشايخ تأثيراً على التالميذ ‪ ،‬وكلما كان االستاذ اعلم كان‬
‫تعليمه افضل ومستوى تلميذه احسن؟؟‬
‫‪ .2‬هل للقادة الدينيين والسياسيين والتربويينـ دور في حياة متبوعيهم ام ال؟ إن‬
‫لم يكن لهم دور لماذا إذن يُذكرون عند دراسة احوال الشعوب؟ ولماذا يشاد‬
‫بدورهم ؟‬
‫‪ .3‬لماذا يحرص الناس على الدراسة في الجامعات المعتبرة ويفتخرون بالتتلمذ‬
‫على أيدي االساتذة الكبار ؟ أليس ألن مناهجهم افضل واساتذتهم أكفأ وبالتالي‬
‫شهاداتهم افضل ؟‬
‫‪ .4‬لماذا تحرص المراكز العلمية على االعتماد على كتب العلماء الكبار‬
‫وتسعى الختيار احسن المناهج وافضل الكتب القرارها كمنهج للدراسة ؟ هل‬
‫للمنهاهج دور في تحديد مستوى التالميذ ؟‬
‫‪ .5‬لماذا تُنتقد الجامعات التي يكون مستوى خريجيها هابطا وتحمل مسؤولية‬
‫ذلك الهبوط ؟‬
‫لو ان جامعة من الجامعات او مدرسة من المدارس رسب خمسة وتسعون‬
‫بالمائة من تالميذها ماذا يقول الناس عن هذه الجامعة او هذه المدرسة ؟ أال‬
‫يحملونها مسؤولية ذلك الرسوب ؟‬
‫ولو أن جامعة من الجامعات كان مستوى خريجيها هابطا لسنوات متتالية ‪ ،‬هل‬
‫تحمل تلك الجامعة مسؤولية ذلك المستوى الهابط ؟ وهل يتم اعادة النظر في‬
‫مناهجها وكادرها التدريسي؟‬
‫‪ . 1‬اقرأ على سبيل المثال كتاب" معالم الفتن" لسعيد ايوب لترى كيف شوه التاريخ االسالمي وأبرزه‬
‫بصورة سوداء قاتمة ال ترى فيها صفحات مشرقة سوى ما يتعلق بعلي واهل بيته ومؤيديه!!‬
‫‪273‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(274‬‬
‫ان للمناهج والمشايخ واالساتذة والقادة الدينيين والسياسيين والتربويينـ‬
‫اهمية بالغة ال يماري فيها احد ويقر بها جميع اصحاب العقول وهي محل‬
‫اجماع جميع الناس ‪ ،‬وال أحد يشك في دور االستاذ أو المربي أو المنهج في‬
‫ع من هؤالء القادة‬‫تكوين االنسان العلمي والعملي‪ ،‬فهل الرسول محمد ‪ r‬بد ٌ‬
‫والمربين والمعلمين وال ينطبق عليه ما ينطبق على غيره من القادة والمربين‬
‫والمعلمين؟ وهل المدرسة النبوية بدعا من المدارس فال ينطبق عليها ما ينطبق‬
‫على غيرها من المدارس والمراكز التربوية؟‬
‫لو قلنا ان هذه القاعدة ال تنطبق عليه وعلى مدرسته من جهة نجاح‬
‫ب وتميز كتابه‬ ‫جميع تالمذته بتفوق وامتياز الصبنا الحقيقة لتميزه هو كمر ٍ‬
‫كمنهج ‪ ،‬اما إذا قلنا ان هذه القاعدة ال تنطبق عليه باالتجاه اآلخر أي رسوب‬
‫الغالبية العظمى من تالمذته فهذا طعن كبير فيه هو وفي منهجه وكتابه‪ ،‬فإن‬
‫جامعته كانت تحوي قرابة المائة ألف تلميذ لم ينجح منها سوى أقل من عشرة‬
‫‪ ،‬أي أن نسبة النجاح كانت واحدا في االلف ‪ ،‬فلو حصل هذا مع اية جامعة من‬
‫جامعات الدنيا ألغلق بابها في اليوم الثاني !‬
‫ولكننا اثبتنا من قبل بأدلة التاريخ والعقل والنقل ان النبـي ‪ r‬كان ذا‬
‫شخصية قوية وان البشرية لم تر ولن ترى مثله ‪ ،‬ولو ان احدا امتلك عشر‬
‫معشار ماكان يملكه من الصفات القيادية لساس العالم كله خير سياسة وانه ‪r‬‬
‫مع مؤهالته تلك كان مؤيَّدا بالوحي يوجهه أينما سار ويعزز مكانته بين‬
‫اصحابه ‪ ،‬وانه مكث في قومه بعد النبوة ثالثة وعشرين عاما نجح خاللها في‬
‫انشاء دولة قوية تهيمن على الجزيرة العربية بأكملها وانه كان الوحيد الى ذلك‬
‫اليوم من ش ّكل مثل تلك الدولة الموحدة في هذه االرض التي لم تعرف الدولة‬
‫الموحدة من قبل ‪ ،‬فلننظر‪ :‬هل يعقل أن ينجح هذا الرسول في تحقيق كل هذه‬
‫المنجزات السياسية ويحدث كل هذه التغييرات الفكرية والعقائدية واالخالقية‬
‫واالجتماعية ثم يفشل في تربية اصحابه الذين اتبعوه وحقق بهم كل تلك‬
‫المنجزات؟ هل يعقل ان يحقق الرسول كل هذه االمور بُأناس منافقين خونة؟‬
‫أليس رسوب اكثر من تسع ٍة وتسعين بالمائة من تالميذ النبـي مدعاة لمراجعة‬
‫جدوى وصحة المنهج وقدرة وكفاءة المربي؟‬
‫هل يقبل الشيعة أن يقال عن أصحاب علي أن تسعة وتسعين بالمائة‬
‫منهم كانوا منافقين وفساقا وكافرين ؟ ام هل يقبلون أن يقال ذلك بحق تالميذ‬
‫الباقر والصادق؟ البل ال يرضون أن يقال ذلك في حق تالميذ آية هللا الخميني؟‬

‫‪274‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(275‬‬
‫لماذا يفتخر بعضهم انه كان من تالمذة آية هللا الخميني بل حتى الذين‬
‫كانوا يخدمونه يفتخرون بذلك؟ أفكل اولئك كانوا أكفأ من النبـي المتصف بتلك‬
‫الصفات التي ذكرناها آنفا والمؤيد بالوحي؟‬
‫هل يعقل ان يفشل النبـي فيما نجح فيه بعض أفراد امته من تربية اتباعهم‬
‫والتأثير عليهم وتزكيتهم؟‬
‫ألم يقل هللا عن النبـي انه أرسله ليعلم الناس الكتاب والحكمة ويزكيهم ؟ فهل‬
‫نجح في مهمته ام ال ؟ ان كان قد نجح فما هي نسبة نجاحه؟ هل يعد ذلك من‬
‫النجاح اذا قلنا ان تسعة وتسعين من اصحابه الذين عاشوا بعده قد ارتدوا إال‬
‫بعض صحابته وبعض اهل بيته؟‬
‫بناءا عليه نقول أنه الشك في ان الطعن في الصحابة هو طعن في‬
‫الرسول‪ ،‬طعن فيه من كل النواحي ‪ :‬من ناحية اختياره الصحابه و وزرائه‬
‫وأزواجه ‪ ،‬ومن ناحية تربيتهم والتأثير عليهم ‪ ،‬ومن ناحية السيطرة عليهم ‪،‬‬
‫فال عرف كيف يختار اصحابه وكيف يربيهم وكيف يسوسهم ويسيطر عليهم ‪،‬‬
‫فكان محاطا برؤوس المنافقين ‪ ،‬وكان مغلوبا على امره ومسلوب االرادة‬
‫امامهم ! هذا هو مقتضى كالم الشيعة في الصحابة وليس له معنى وال مقتضى‬
‫آخر‪.‬‬
‫ان هللا سبحانه وتعالى أكثر من ذكر بني اسرائيل ومخالفاتهم ألنبـيائهم ‪ ،‬فهل‬
‫استفاد الرسول من هذه الدروس أم ال؟‬
‫أال يُتخذ من االمور الحسيّة ميزانا ومعيارا على االمور المعنويّة ؟ أال‬
‫يدل انتصار جيش في معارك عديدة على ان قائد الجيش عسكري كفوء وناجح‬
‫وان جنده مطيعون ألوامره ؟ أال يدل نجاح نسبة كبيرة جدا من تالميذ مدرسة‬
‫ما بمعدالت عالية على كفاءة اساتذة تلك المدرسة وحسن ادارة مديرها ؟ عليه‬
‫نقول‪ :‬أال يدل بناء دولة موحدة في عموم الجزيرة العربية التي لم تعرف الدولة‬
‫الموحدة من قبل خالل عقدين من الزمن على كفاءة باني هذه الدولة ونجاحه‬
‫في عمله؟ أال يدل قيام الصحابة برد المرتدين ونشر االسالم وجمع القرآن‬
‫والسنة على اخالص الصحابة لهذا الدين؟‬
‫فالطعن في الصحابة إذاً طعن في الرسول بصفته مربيا واستاذا‬
‫ومرشدا وقائدا ‪ ،‬وهو طعن في القرآن أيضا لكونه المنهج الذي اعتمده الرسول‬
‫في تربية ذلك الجيل ‪ ،‬بل هو تكذيب له حيث مدح هؤالء الصحابة في قريب‬
‫من ثالثين موضعا!‬
‫حجة الشيعة في الطعن في الصحابة‪:‬‬

‫‪275‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(276‬‬
‫هذه هي عقيدة أعل السنة حول الطعن في الصحابة ‪ ،‬أما الشيعة‬
‫فالطعن عندهم في الصحابة ال يعد طعنا في الرسول وال انتقاصا من شأنه‪ ،‬وال‬
‫تكذيبا للقرآن ‪ ،‬بل يقصرون التهمة على الصحابة مستدلين ببعض الحجج ‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ .1‬ورود آيات وأحاديث تذم الصحابة أو توبخهم أو تعاتبهم ‪.‬‬
‫‪ .2‬وقوع نزاع وقتال بينهم ‪ .‬يقولون إذا كان هللا قد ذمهم وعاتبهم‪،‬‬
‫وقاتلوا بعضهم بعضا ً فلماذا ال يجوز الطعن فيهم أو سبهم ؟ أيهما أشد االقتتال‬
‫أم الطعن؟‬
‫‪ .3‬ما انتشر بين الناس من لعن علي على المنابر في عهد االمويين ‪،‬‬
‫فيقولون ‪ :‬لماذا جاز لـهؤالء لعن علي على المنابر فلم تطعنوا فيهم ولم تعدوا‬
‫ذلك كفرا بينما تنكرون علينا الطعن في غيره من الصحابة ‪ ،‬السيما الذين‬
‫قاتلوه وتعدون ذلك كفرا؟‬
‫ولالجابة على هذه التساؤالت نقول ‪:‬‬
‫أما بالنسبة للنقطة االولى فقد أجبنا عليها بالتفصيل بدليل القرآن والسنة‬
‫واقوال علي والتاريخ والعقل و المنطق فال حاجة الى المزيد‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للنقطة الثانية فنقول‪ :‬إن طبيعة طعن الصحابة في بعضهم‬
‫يختلف كثيرا عن طعن الشيعة فيهم ‪ ،‬فالشيعة يطعنون في غالبية الصحابة وال‬
‫يستثنون إالّ نفرا قليال منهم ‪ ،‬ثم إن الصحابة المتنازعين لم يسبوا الشيخين‬
‫وأزواج النبـي ولم يتهموهم بالتآمر على علي ونقض العهد ونبذ الوصية ‪،‬‬
‫فهذه المسألة يجب التنبه لها ويجب إبراز الفارق بين اقتتال الصحابة فيما بينهم‬
‫والطعن فيهم من قبل المتأخرين ‪ ،‬وهذا الموضوع بحاجة الى التفصيل فيه وال‬
‫يمكن معالجته بهذه العجالة ‪ ،‬ولكن يمكن اختصار القول فيه بأن ما وقع فيه‬
‫الصحابة من اقتتال كان فتنة لم تكن مالمحها واضحة في حينها ‪ ،‬وأنهم‬
‫اجتهدوا للوصول الى الحق ولكن بعضهم لم يصبه بسبب الضباب الكثيف‬
‫الذي كان يلف بالموضوع ‪ ،‬وكان ألهل االمصار الذين لم يتربوا على يد‬
‫رسول هللا ‪ ‬دور كبير في إشعال نار الفتنة ‪ ،‬إضافة الى الدور المشبوه‬
‫والمغرض الذي كان يلعبه بعض المنافقين والمدسوسين في صفوف المسلمين‬
‫من أمثال عبد هللا بن سبأاليهودي‪.‬‬
‫وهناك أمر آخر لم يتفطن اليه كثير من الناس وذلك بخصوص حديث‬
‫ال ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ‪ ،‬فإن هذا الحديث الذي‬
‫يستدل به الشيعة على ارتداد الصحابة لم يتحقق في عهد الخلفاء الثالثة االول‬
‫وإنما تحقق في عهد علي ‪ ، ‬فهو عليهم ال لهم ‪.‬‬
‫‪276‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(277‬‬
‫أما عن سب علي على المنابر ‪ ،‬فإنه من االكاذيب التي ظل الشيعة‬
‫يرددونها حتى أصبحت وكأنها من المسلمات ‪ ،‬في حين يكذبه التاريخ والعقل‬
‫ُخف شيئاً‪ ،‬لم يذكر لنا أيا ًّ من هذه الشتائم ‪ ،‬وال‬
‫والمنطق ‪ .‬فالتاريخ الذي لم ي ِ‬
‫أسماء أيٍّ من الشاتمين ‪ ،‬وال االماكن التي كان يتم فيها الشتم ‪ ،‬فلم يكن يكتفي‬
‫بالقول بأنهم كانوا يلعنونهم على المنابر لو كان هناك طُعون أو طعّانون !‬
‫ولكن على العكس من ذلك ‪ ،‬فإن التاريخ يكذب هذا االدعاء ويقول لنا بأن‬
‫معاوية الذي قاتل عليا لسنين كان يقر بفضله ومكانته ‪ ،‬وحين كان يُذكر عنده‬
‫كان يبكي حتى تبتل لحيته‪ .‬ثم إن توقير الناس وحبهم ألهل بيت النبـي وذرية‬
‫علي في عهد االمويين دليل كاف على كذب هذا القول‪ .‬بل وحتى أثناء‬
‫استشهاد الحسين وبعد استشهاده لم يجرؤ احد على سبهم بل على العكس من‬
‫ذلك فقد زاد حب الناس لهم وميلهم اليهم وتعاطفهم معهم ‪،‬ولذلك استمرت‬
‫الثورات على االمويين الى أن أطاحت بدولتهم‪ .‬هذا باالضافة الى ان معاهدة‬
‫الصلح التي تم إبرامها بين الحسن ومعاوية قطعت دابر المشاجرات الكالمية‬
‫بين حزب علي وحزب معاوية الى حين موت معاوية ومجيء يزيد واستشهاد‬
‫الحسين ‪ ، ‬الحادثة التي أصبحت نقطة ضعف الخالفة االموية والتي كانوا‬
‫يسعون جاهدا أن يُنسوها الناس‪ ،‬ال أن يثيروها بأنفسهم فيؤججوا مشاعر الناس‬
‫ضدهم ‪ ،‬ألنهم كانوا يعرفون مدى تعاطف االمة مع اهل بيت النبـي عموما‬
‫ومع الحسين خصوصاً‪.‬‬
‫فلو كان صحيحا ما يقوله بعض الرواة من لعن االمويين عليا على‬
‫المنابر لذكر لنا التاريخ ردود أفعال الحسن والحسين وقيس بن سعد وغيرهم‬
‫من أنصار علي وبنيه‪ ،‬ألنه ال يعقل أن يسكت كل هؤالء على مثل هذه‬
‫التجاوزات ‪ ،‬وكان من بين بنود المعاهدة الكف عن ذكر علي واصحابه بسوء‬
‫وعدم مالحقة أصحاب علي! أما حدوث شيء من ذلك القبيل أثناء المعارك فال‬
‫يستبعد ‪ ،‬ألن االمر كان قد وصل الى االقتتال بالسنان فما بالك بالتراشق‬
‫باللسان ‪ ،‬وإن كنت أستبعد ذلك لما روي عن علي أنه قال ألصحابه ال احب‬
‫لكم أن تكونوا سبّابين ولكن لو ذكرتم أعمالهم لكان ذلك أبلغ ‪ ،‬فلم يقل أصحابه‬
‫بأن أتباع معاوية يسبوننا ونحن نرد عليهم‪ .‬كذلك ما ذكرته من توقير معاوية‬
‫لعلي واعترافه بفضله فترة الخالف يرد دعوى سب علي على المنابر بعد‬
‫موته ‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(278‬‬
‫عشر سنوات يُسبُّ علي ويُلعن على المنابر والحسن والحسين‬
‫وانصارهما ساكتون ال يحركون ساكنا ‪ ،‬ال بل أكثر من ذلك ‪ :‬يتقاضيان راتبا‬
‫‪1‬‬
‫سنويا من معاوية وال يردونه عليه !‬
‫ثم عشر سنوات اخر يلعن علي على المنابر والحسين الثائر ساكت ال‬
‫يحرك ساكنا ويتقاضى راتبه السنوي من معاوية ‪ ،‬ثم لما يموت معاوية ويولى‬
‫يزيد يثور عليه الحسين ألنه ال يراه أهال للخالفة ‪.‬‬
‫أمر آخر يكذب هذه الدعاوى هو انه بعد استشهاد الحسين خرج عبد هللا‬
‫بن الزبير على يزيد وأعلن نفسه حاكما على الحجاز واليمن وحكمها لمدة سبع‬
‫سنين وكانت الحرب بينه وبين االمويين سجاال طوال هذه المدة فلذلك لم يكن‬
‫من صالح االمويين ان يوسعوا دائرة الخالف على أنفسهم حتى يقضوا على‬
‫ثورة ابن الزبير ‪ ،‬هذا باالضافة الى ثورات الخوارج المستمرة وثورة عبد‬
‫الرحمن بن االشعث التي شارك فيها كبار علماء التابعين كسعيد بن جبير‬
‫ومطرف بن عبيد هللا ‪.‬‬
‫ومن االدلة االخرى على كذب هذه الدعاوى نصائح عبد الملك بن‬
‫مروان لبنيه بأن يجنبوه دماء أهل بيت النبـي فإن سفك دم الحسين من قبل‬
‫جيش يزيد كان وراء انقطاع نسل معاوية وانقطاع دابرهم ! أي أن الذين‬
‫جاؤوا بعد الحسين أدركوا فداحة ما عمله يزيد وحجم الخطأ الذي ارتكبه ‪،‬‬
‫وكانوا يعلمون كم كلفهم إراقة تلك الدماء الزكية ‪ ،‬فإنها كانت تطاردهم وتقض‬
‫مضاجعهم ‪ ،‬فإنهم باالضافة الى تشوه سمعتهم بين المسلمين كانوا مؤمنين‬
‫باآلخرة ويصورونـ اللحظة التي يقفون فيها أمام رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ! لذا كان من صالحهم أالّ تثار هذه المسألة وأن يطويها النسيان ‪.‬‬
‫وامر آخر ينفي وجود مثل هذا االمر ‪ ،‬هو ما يرويه التاريخ من افساح‬
‫الناس الطريق لإلمام زين العابدين علي بن الحسين للطواف بالكعبة‬
‫وانصرافهم عن الخليفة هشام بن عبد الملك وعدم اكتراثهم به مما أثار حفيظة‬
‫الخليفة فسأل مستغربا من هذا الذي يبجله الناس أكثر من الخليفة فكان الجواب‬
‫من الفرزدق‪:‬‬
‫والحل والحر ُم‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫والبيت يعرفهُ‬ ‫هذ الذي تعرف البطحا ُء وطأتهُ‬
‫النقي الطاه ُر العل ُم‬‫ُّ‬ ‫التقي‬
‫ُّ‬ ‫هذا‬ ‫كله ُم‬
‫خير عبا ِد هللاِ ِّ‬
‫هذا ابن ِ‬
‫ختموا‬ ‫بجده أنبـيا ُء هللا قد ُ‬ ‫هذا ابن فاطم ٍة إن كنت جاهلَهُ‬
‫تعرف من أنكرتَ والعج ُم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫العرب‬‫ُ‬ ‫قولكَ من هذا بضائر ِه‬ ‫فليس ُ‬

‫‪ . 1‬توفي الحسن رضى هللا عنه سنة خمسين للهجرة‪(.‬اسد الغابة)‬


‫‪278‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(279‬‬
‫إذا كانت هذه مكانة أهل بيت النبـي عند المسلمين فأي عاقل يثير حفيظة الناس‬
‫على نفسه بسبهم ولعنهم ؟‬
‫ثم ماذا كانت مصلحة بني امية في سب علي ؟ هل كانوا يعتقدون بأنهم‬
‫بذلك يستطيعون أن يُ َك ِّرهوا الناس لعلي ؟ ما أظنهم كانوا بهذه السذاجة بحيث‬
‫ال يعلمون مدى تعاطف الناس مع أهل بيت النبـي وقد رأوا بأعينهم مقدار‬
‫محبة الناس لهم وتبجيلهم إياهم! وإذا كان بعض المؤرخين او المحدثين رووا‬
‫هذا االمر فإن ذلك كان من غفلتهم أو سذاجتهم‪.‬‬
‫وأخيرا أقول ‪ :‬إن ما يفعله الشيعة من الطعن في الصحابة من جهة ‪،‬‬
‫وحصر االيمان واالسالم في أهل بيت النبـي وقلة قليلة من الصحابة ‪ ،‬والزعم‬
‫بأن النبـي خص عليا ببعض العلوم أو أورثه علم النبوة من جهة اخرى فيه‬
‫طعن في الرسول من جهتين ‪ :‬من جهة اتهامه بالفشل في التأثير على الناس‬
‫وتغييرهم وتزكيتهم ‪ ،‬ومن جهة تهيئته ألقاربه لتسلم السلطة ‪ ،‬وهذان االمران‬
‫يوحيان أن النبـي ‪ ‬لم يكن له هم ديني وإنما كل همه كان ايصال أهل بيته‬
‫الى الحكم‪.‬‬
‫ماهو منهج الشيعة في تقويم الصحابة؟‪:‬‬
‫ال يحتاج المرء الى عناء كبير لمعرفة هذا االمر ‪ ،‬فهو واضح وضوح‬
‫الشمس في رابعة النهار ‪ ،‬وهو أن المعيار الوحيد لدى الشيعة لتقويم الصحابة‬
‫والحكم عليهم هو موقفهم من سيدنا علي ‪ ، ‬فمن كان في جانب علي فهو‬
‫مقبول ومن كان مخالفا له فهو متهم عندهم ومرفوض ‪ ،‬سواءا كان ذلك من‬
‫الصحابة أو من زوجات النبـي ‪ ، ‬فالصحابة المقبولون عند الشيعة هم الذين‬
‫استشهدوا في حياة النبـي ‪ ،‬والذين أيدوا عليا ووالوه بعد وفاته صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬أو كانوا على خالف مع أحد الخلفاء الذين سبقوا عليا في الخالفة ألي‬
‫سبب من االسباب كأبي ذر‪ .‬وال يشترط أن يكون الخالف مع علي على‬
‫الحقيقة ‪ ،‬وإنما يكفي أن يكون ذلك خالفا أو ظلما في نظر الشيعة ‪ ،‬فأبو بكر‬
‫وعمر لم يكونا على خالف مع علي في الواقع وإن تقدموا عليه في الخالفة‬
‫ألن عليا كان مخلصا لهم ومن أقرب مستشاريهم السيما عمر ‪ ،‬فإنه كان‬
‫مستشاره المؤتمن لذلك قال ‪ :‬لوال علي لهلك عمر ‪ ،‬وكان علي مخلصا له‬
‫والزما له طيلة أيام خالفته ويكفي أنه زوجه ابنته ام كلثوم وسمى بعض ابنائه‬
‫باسمائهم ‪ .‬ولم يتوقف اخالصه لهما على حياتهما بل تعداه الى ما بعد موتهما‬
‫فظل محبا لهما وموقرا لهما وعارفا بحقهما وفضلهما حتى بعد وفاتهما وكان‬
‫يزجر كل من فضله عليهما‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(280‬‬
‫عودا على بدء نقول ‪ :‬ان المعيار الوحيد للحكم على الصحابة عند الشيعة هو‬
‫الموقف من خالفة علي ‪ ،‬فابو بكر وعمر وعثمان متهمون ألنهم سبقوه الى‬
‫الخالفة ‪،‬أي اغتصبوا حقه في نظر الشيعة ‪ ،‬وعائشة وطلحة والزبير ومعاوية‬
‫متهمون ألنهم اختلفوا معه وقاتلوه ‪ ،‬وآخرون متهمون ألنهم لم يقفوا في صفه‬
‫‪ ،‬وال عبرة بعد ذلك لما قدموه لالسالم من تضحيات ‪ ،‬فالعبرة فقط في موقفهم‬
‫من علي وما عدا ذلك فال قيمة له وال وزن! ال عبرة لما قدموه في سبيل‬
‫االسالم من تضحيات بالمال والنفس وما القوه في سبيله من مشقات ومتاعب‬
‫وما بذلوه من جهود من أجل نشره وتمكينه ‪ ،‬فكل ذلك ال يساوى عندهم جناح‬
‫بعوضة ‪ ،‬وليس هذا فحسب بل حتى موقف النبـي منهم اليهم ‪ ،‬ونزول كل تلك‬
‫اآليات بحقهم ايضا ال يهم ‪ ،‬المهم ماذا كان موقفهم من علي وخالفته! فأبو بكر‬
‫الصحابي المقرب من الرسول وصاحبه في الغار ووالد زوجته المحبوبة‬
‫وباذل ماله الجل االسالم ورسول االسالم ‪ ،‬كل هذا اليهم ‪ ،‬المهم أنه تولى‬
‫الخالفة قبل علي ‪ ،‬وهذا يكفي لرفضه والطعن فيه ‪،‬وإن وحد هللا المسلمين‬
‫على يديه وثبت اركان الدولة االسالمية وحارب المرتدين وفتح البلدان وجمع‬
‫القرآن! وكذلك عمر ‪ ،‬كونه من اقرب المقربين الى رسول هللا وابا لزوجته‬
‫حفصة ‪ ،‬وكون الرسول راضيا عنه ‪ ،‬كل هذا اليهم مادام تولى الخالفة قبل‬
‫علي ‪ ،‬وهذا يكفي عند الشيعة لرفضه والطعن فيه وإن كان عادال في حكمه ‪،‬‬
‫و زاهدا في حياته ‪ ،‬وان كان حكمه مضرب االمثال في العدالة ‪ ،‬وإن لم يتمتع‬
‫بحياة هنيئة بعد توليه الخالفة ‪ ،‬وان فتح البلدان ونشر االسالم وثبت اركان‬
‫الدولة االسالمية ! وكذلك عثمان ال يشفع له بذله ماله في سبيل االسالم طوال‬
‫حياة النبـي وكونه الممول الرئيس لكثير من غزوات الرسول ‪ ،‬وكونه زوجا‬
‫الثنتين من بنات الرسول ‪ ،‬وكونه جامع القرآن وفاتح البلدان وناشر االسالم‬
‫في افرقيا وآسيا ‪ ،‬وإن آثر أن يقتل هو وال تراق قطرة دم من اجله ‪ ،‬كل هذا ال‬
‫يهم طالما رضي أن يتولى الخالفة قبل علي وإن كان ذلك باختيار المسلمين‬
‫ورضاهم ! وكذلك عائشة ‪ ،‬ال يشفع لها أنها أنزل هللا في شأنها عشر آيات‬
‫يبرؤها من التهمة التي وجهت اليها ‪ ،‬أي ال يشفع لها دفاع هللا عنها وتزكيته‬
‫لها مادامت خالفت عليا وقاتلته ‪ ،‬حتى لو تصالحا و رضي علي عنها ‪ ،‬وحتى‬
‫لو ندمت على فعلتها تلك ‪ ،‬كل ذلك ال يشفع لها! كذلك ال يشفع لها أنها روت‬
‫اكثر االحاديث التي تتعلق بالمرأة وبالحياة الزوجية ‪ ،‬بل على العكس يصبح‬
‫عملها هذا سببا في الطعن فيها واتهامها بقلة الحياء !‬
‫باختصار ‪ ،‬كل ما خال الموقف من علي فال يعتد به وال يُؤبه له سواء‬
‫رضي هللا أم لم يرض ‪ ،‬وسواء رضي الرسول أم لم يرض! فال يكفي ان يقول‬
‫‪280‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(281‬‬
‫هللا " رضي هللا عنهم ورضوا عنه" أو يقول فيهم "لقد رضي هللا عن المؤمنين‬
‫إذ يبايعونك تحت الشجرة " أو يقول بحقهم " لقد تاب هللا عن النبـي‬
‫والمهاجرين واالنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد أن كاد يزيغ‬
‫قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم" ‪...‬الخ وباختصار ال‬
‫تكفي عشرات اآليات في مدحهم وال عشرات األحاديث وال شهادة التاريخ لهم‬
‫بأنهم كانوا مخلصين لهذا الدين وزاهدين في الدنيا ومجاهدين من أجل إعالء‬
‫كلمة هللا ‪ ،‬وانما يكفي أنهم لم يسلموا الخالفة لعلي‪ ،‬أو خالفوه في موقف من‬
‫المواقف وإن كانت عن اجتهاد ‪.‬‬
‫هذا الذي نقوله ال ندعيه على الشيعة بل كتبهم طافحة به والروايات التي‬
‫رووها في فضل علي تدل على هذه الحقيقة ‪ ،‬فعلي هو قسيم الجنة والنار من‬
‫رضي عنه دخل الجنة ومن لم يرض عنه دخل النار ‪ ،‬وأن هللا أقسم له أنه‬
‫يدخل الجنة من أطاعه وإن عصى هللا ويدخل النار من عصاه وإن أطاع هللا !‬
‫فعلي هو محور االسالم وعليه يدور رحى االسالم ونيل رضاه هو االساس‬
‫والمعيار ‪ ،‬فال االيمان باهلل وال بكتبه وال بأنبيائه وال بمالئكته وال باليوم اآلخر‬
‫وال إقامة الصالة وال ايتاء الزكاة وال صوم رمضان وال حج البيت الحرام وال‬
‫الجهاد في سبيل هللا وال انفاق االموال وال التقوى وال الزهد في الدنيا وال إقامة‬
‫شرع هللا وال التخلق بأخالق االسالم ‪ ،‬كل هذا ال قيمة له وال اعتداد به مادام‬
‫فاعله ال يسلم باالفضلية لعلي أو لم يسلمه الخالفة او كان ممن خالفه في رأيه‪،‬‬
‫فرحى االسالم يدور حول علي ومداره على علي!‬
‫والغريب أنك ال تجد شيئا من ذلك في كتاب هللا ‪ ،‬فلم يشترط لدخول الجنة‬
‫نيل رضى علي ‪ ،‬فال هو من اركان االيمان وال من اركان االسالم ( حسب‬
‫القرآن طبعا)!‬
‫وهكذا اعتقاد إضافة الى عدم استناده الى القرآن والسنة الصحيحة ‪،‬‬
‫وأقوال علي ومواقفه ‪ ،‬فهو مخالف للعقل والمنطق و مؤداه تعطيل الشريعة‬
‫وتفريغ القرآن واالسالم من محتواهما وتقزيم لالسالم !‪.‬‬
‫أما اعتقاد أهل اسنة في علي ‪ ،‬فإنهم يرونه واحدا من سادات أهل بيت‬
‫النبـي ‪ ،‬بل من أفضلهم على االطالق ‪ ،‬وقد أمرنا رسول هللا بحبهم جميعا‬
‫وتوقيرهم ال بحب بعضهم وكره بعض كما يفعل الشيعة‪ ،‬وانما بحب الجميع ‪،‬‬
‫وقد فعل اهل السنة ذلك وال يزالون ‪ .‬فما كل هذه االحاديث التي رويت عن‬
‫طريق اهل السنة في فضلهم ‪ ،‬وما افتخار شرائح كثيرة من أهل السنة‬
‫باالنتساب اليهم إالّ دليل على حب اهل السنة ألهل بيت النبـي و معرفة فضلهم‬
‫وقدرهم‪.‬ولكن هذا ال يعني أن ننصبهم أمراء أو خلفاء فهذا أمر آخر ال يعتمد‬
‫‪281‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(282‬‬
‫على القرب والبعد من النبـي وانما على كفاءة الشخص القيادية واالدارية‬
‫والسياسية ‪ ،‬ثم يعتمد على اختيار الناس ‪ ،‬فإن اختار الناس رجال وبايعوه على‬
‫الخالفة صار خليفة للمسلمين ووجب عليهم طاعته‪.‬‬
‫الذين قالوا بأولوية علي للخالفة ‪:‬‬
‫هناك حقيقة ال يدركها الشيعة أو ال يريدون أن يعترفوا بها وهي أن الغالبية‬
‫العظمى من الصحابة الذين عاشروا جميع الخلفاء وعرفوهم ما كانوا يفضلون‬
‫أحداً على أبي بكر وعمر ‪ ،‬فالعبرة إذاً بتقويم هؤالء ‪ ،‬أما الذين لم يعاصروا‬
‫أبا بكر وعمر وعاصروا عليا ً فقط فمن الطبيعي أن يفضلوه على على غيره‬
‫من الصحابة ألنهم لم يروا أفضل منه ‪ ،‬فقد كان علي يمتاز بصفات كل واحدة‬
‫منها كانت كفيلة بأن تأسر من يعاشره وتأخذ بتالبيب قلبه ‪ ،‬فإنه باالضافة الى‬
‫كونه إبن عم رسول هللا وربيبه وحبيبه وزوج احب بناته اليه ووالد سبطيه ‪،‬‬
‫كان مثاال للعلم والزهد والتقوى والشجاعة والبالغة ‪ .‬إذاً من الطبيعي جداً أن‬
‫يعجب هؤالء به ويفضلوه على غيره من الصحابة ‪ ،‬ال سيما الذين لم‬
‫ضلُه ‪ ،‬ولذلك ما‬ ‫يعاصروهم ‪ ،‬ويعتقدوا أنه ال يمكن أن يكون من بينهم من يَ ْف ُ‬
‫كانوا يقتنعون بإقرار علي بأفضلية أبي بكر وعمر ‪ ،‬وكان هذا االقرار يزيدهم‬
‫إعجابا ً به وحبا ً له ‪ ،‬وكانوا يرون ذلك من تواضعه ‪ ،‬ويضيفونه الى فضائله!‬
‫وهذا هو طبيعة االتباع ‪ ،‬قد يؤدي االنصاف والتواضعـ لدى متبوعيهم الى‬
‫زيادة االعجاب بهم وزيادة تعظيمهم ‪ ،‬وتفضيلهم على من يُقر المتبوع‬
‫بأفضليتهم‪.‬‬
‫إذاً ‪ ،‬ال عجب في أن يفضل التابعون عليا ً على أبي بكر وعمر اللذين لم‬
‫يعاصروهما ‪ ،‬ولكن مع ذلك لم يحدث هذا االمر‪ ،‬ألن فضل أبي بكر وعمر‬
‫كان قد طبق اآلفاق ولم يكن في وسع أحد مهما بلغ من العظمة أن يحجبه‪،‬‬
‫فبقي الناس يفضلون أبا بكر وعمر على غيرهما من الصحابة إالّ قلة من‬
‫المأسورين بحب علي ‪ ،‬أو المغرضين الذين كانوا يرمون من وراء ذلك الى‬
‫أهداف أخرى كما فعل عبد هللا بن سبأ الذي كان ينشر أكاذيب عن علي وينشر‬
‫فكرة الوصاية ثم فكرة الوهية علي مما اضطر عليا الى معاقبته ونفيه الى‬
‫المدائن ‪ ،‬ولوال توسط بعض المقربين اليه قتله‪ .‬وبعض الذين غالوا فيه قتلهم‬
‫علي بنفسه ‪ .‬وقد ابتُلي علي رضي هللا عنه بفريقين ‪ ،‬فريق غالى في حبه‬
‫وتعظيمه حتى رفعوه الى مقام االلوهية ‪ ،‬وغالى فريق ثاني في بغضه حتى‬
‫كفروه كالخوارج ‪ .‬أما أهل السنة ‪ ،‬فال أقول إنهم توسطوا بين المغاالة في‬
‫التعظيم والمغاالة في البغض ألنهم أصالً ال يبغضونه ‪ ،‬بل يحبونه حبا ً ج ّما ً‬

‫‪282‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(283‬‬
‫ويعدون حبه عبادة وبغضه معصية كبيرة ويعدونه من كبار الصحابة ومن‬
‫سادات أهل بيت النبـي ورابع الخلفاء الراشدين ‪.‬‬
‫خالصة القول ‪ ،‬إن الذين كانوا يفضلون عليا على أبي بكر وعمر قليل‬
‫منهم كانوا من الصحابة مع بعض أقاربه ‪ ،‬منهم المقداد ‪ ،‬وعمار ‪ ،‬أما أبو ذر‬
‫فلم يورد عنه ما يدل على تفضيله عليا عليهما ‪ ،‬وانما نال اعجاب الشيعة‬
‫لموقفه من معاوية ومن الخليفة عثمان ‪ ،‬وأما سلمان فهو اآلخر لم يورد عنه ما‬
‫يدل على تفضيله عليا على ابي بكر وعمر وكان من والة عمر رضي هللا‬
‫عنهم اجمعين‪ .‬أما من غير الصحابة فما فضله على ابي بكر وعمر االّ الذين‬
‫عاشروه واُعجبوا به وقاتلوا معه ‪ ،‬ثم ما لبثوا أن انقسموا على أنفسهم ‪ ،‬فقسم‬
‫منهم ‪ ،‬وهم الخوارج ‪ ،‬غالى في بغضه حتى خرجوا عليه وكفّروه ألتفه‬
‫االسباب ‪ ،‬وقسم غالى في تعظيمه ورفعه فوق مقام البشر ‪ ،‬والقسم الثالث ‪ ،‬أي‬
‫الذين بقوا معه ‪،‬أ ْتـعبوه وأذاقوه األمرّين ‪ ،‬وجرّعوه اآلالم ‪ ،‬وملئوا قلبه غيظا‬
‫وقيحا كما يقول هو في نهج البالغة ‪ ،‬لكثرة مخالفاتهم له وعصيانهم ألوامره ‪.‬‬
‫بقيت هناك طائفة اخرى من الذين كانوا يدعون تفضيل علي على ابي‬
‫بكر وعمر ‪ ،‬وي ّدعون أحقيته بالخالفة‪ ،‬وهم أصحاب المآرب الشخصية الذين‬
‫جعلوا من حبهم لعلي و آل البيت واالنتصار لهم وسيلة لكسب االنصار و‬
‫مطية للوصول الى أطماعهم السياسية ‪ .‬والذين وصلوا الى الحكم من هؤالء‬
‫عن طريق ادعاء أحقية علي بالخالفة لو كان علي حيا ً ما سلموه الخالفة ‪،‬‬
‫كالعباسيين الذين وصلوا الى الحكم تحت مظلة أحقية أهل البيت بالخالفة ولم‬
‫يعلنوا عن أنفسهم إليهام الناس بأنهم من أبناء علي ‪ ،‬فلما وصلوا الى الحكم‬
‫فتكوا بذرية علي وقلبوا لهم ظهر المجن!‬
‫التفضيل بين عثمان وعلي رضي اللع عنهما‪:‬‬
‫قلنا إن جل الصحابة كانوا يفضلون أبا بكر وعمر رضي هللا عنهما على علي‬
‫رضي هللا عنه ‪ ،‬ال سيما أبا بكر ‪ ،‬فإنه كما قال عنه عمر لم يكن في الصحابة‬
‫من تمد اليه االعناق مثله ‪ ،‬لذلك بايعوه و سلّموا له القياد ‪ ،‬أما عمر‪ ،‬فالقرائن‬
‫كلها تدل على أن الناس كانوا يرونه أنسب الناس للخالفة بعد أبي بكر ‪ ،‬إالّ أن‬
‫بعضهم كان يخشى شدته ‪ ،‬ولكن بعد أن تولّى الخالفة ورأى الناس عدله‬
‫وزهده وشدته في الحق ورفقه بالرعية ‪ ،‬ترسخت قناعتهم على أفضليته بعد‬
‫أبي بكر‪ .‬أما عثمان رضي هللا عنه ‪ ،‬فإن كثيرا من الناس ال يدركون سر‬
‫تفضيل الصحابة له على علي في االستفتاء الذي أجراه عبد الرحمن بن عوف‬
‫بعد مقتل عمر ‪ . ‬وقد حاولت أن أكتشف سر ذلك فرأيته يعود ‪ ،‬باالضافة الى‬
‫قربه من رسول هللا وخلقه الرفيعة وحيائه الجم ولين عريكته ‪ ،‬الى دوره ‪ ‬في‬
‫‪283‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(284‬‬
‫تمويل الدعوة في عهد الرسول سواءا في مكة أو في المدينة ‪ .‬فإنه كان الممول‬
‫الرئيس للدعوة ‪ ،‬وأعتقد أنه لم يكن هناك مسلم إالّ ولعثمان فضل عليه ‪ ،‬فهو‬
‫الذي اشترى بئر رومة وأوقفه على المسلمين ‪ ،‬وهو الذي جهز بوحده جيش‬
‫العسرة بمبالغ تقدر بحساب اليوم بماليين الدوالرات ‪ ،‬فطبيعي إذاً أن يفضله‬
‫الناس على غيره من الصحابة عرفانا للجميل وتقديرا لمواقفه المشرفة إزاء‬
‫الدعوة االسالمية وإنفاقه السخي في سبيل إعالء كلمة هللا‪ .‬فالمال عصب‬
‫الدعوات ‪ ،‬والذين ينفقون عليها يحظون باحترام كبير لدى قادتها وأفرادها ‪،‬‬
‫فال غرو أن ينال عثمان كل هذا التقدير من الرسول ومن المسلمين‪ .‬هذا‬
‫باالضافة الى سنه ‪ ،‬فإنه كان يكبر عليا بعشرين الى خمس وعشرين سنة ‪،‬‬
‫فهذا أيضا له دوره في تفضيل الناس له على علي ‪. ‬‬
‫من مستلزمات ختم النبوة ‪:‬‬
‫ال شك ان هللا تعالى حين اعلن ختم النبوة بمحمد والرساالت باالسالم والكتب‬
‫بالقرآن ال يعني أنه رفع يده عن البشرية وتركها لشأنها ‪ ،‬وانما ختم الرساالت‬
‫باالسالم ألنه يعلم ان البشرية قد بلغت درجة من الرشد ال تحتاج بعده الى‬
‫رسل جُدد ‪ ،‬وإنما يكفي أن يُودع في هذا الدين الخاتم من الصفات ما يكفل له‬
‫الخلود وااليفاء باحتياجات البشرية الى يوم القيامة ‪.‬‬
‫ومن هذه الصفات التي سميناها مستلزمات ختم النبوة ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يحفظ كتابه من التحريف والتبديل والنقصان والزيادة ‪ .‬فإذا كان هللا قد‬
‫أوكل الى االمم السابقة حفظ كتبهم فإنه تكفل لهذا القرآن الحفظ بنفسه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" وليس هذا فحسب بل لقد تكفل بجمعه‬
‫وقراءته أيضا فقال‪ " :‬ال تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ‪،‬‬
‫فإذا قرأناه فاتبع قرآنه" وقال ‪ ":‬سنقرؤك فال تنسى"‪ .‬وقد اودع هللا في كتابه‬
‫من االسرار ما يكفل بقاءه ونقاءه‪ ،‬فمن اُولى هذه االسرار ما يمكن تسميته ‪:‬‬
‫منظومة الحفظ السريع ‪ ،‬والنسيان السريع ‪ ،‬وعدم الملل من التكرار ‪ .‬فهذه‬
‫الثالثة معا تكفل للقرآن بقاءه في الصدور كما هو منذ أنزله هللا على قلب‬
‫رسوله االمين صلوات هللا وسالمه عليه ‪،‬فهو سهل الحفظ حتى لغير الناطقين‬
‫بالعربية‪ ،‬ولكنه سريع النسيان ‪ ،‬مما يجعل صاحبه يضطر الى تعهده‬
‫باستمرار وهنا يأتي دور عدم الملل من تكرار قراءته ‪ ،‬فسهولة حفظه يشجع‬
‫المسلم على حفظه‪ ،‬وعدم حدوث الملل من تكراره يمنع حافظه من نسيانه‬
‫لكثرة ترداده وقراءته ‪ .‬وهذا لكي ال يحفظه المسلم ثم يدعه جانبا بل يضطر‬
‫الى قراءته باستمرار‪ ،‬وهناك ربط عجيب بين هذه االمور الثالثة ‪،‬وهو على‬
‫عكس الكتب االخرى التي يصعب حفظها ‪ ،‬و يمل المرء من تكرارها وان‬
‫‪284‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(285‬‬
‫كانت قصيدة رائعة او نثرا بليغا‪.‬وهناك امور اخرى تكفل هللا بها حفظ كتابه‬
‫ذكرها العلماء ليس هنا محل سردها يمكن الرجوع اليها في مظانها وانما‬
‫اشرت الى تلك المنظومة ألنني أظن انها من االسرار التي اهتديت اليها بفضل‬
‫هللا فأردت ان اضيفها الى اسرار القرآن وأرجو أن ال اكون مخطئا فيما‬
‫اكتشفت‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يقطع الطريق على الشرك ‪ ،‬ولهذا نرى القرآن قد أكد على التوحيد‬
‫تأكيدا شديدا وشدد النكير على الشرك والمشركين بحيث أخبر بأنه يغفر كل‬
‫الذنوب إال الشرك فإنه ال يغفره ‪.‬وكان في االمم السابقة إذا انحرف قوم في‬
‫عقيدتهم بعث هللا نبـيا يصحح لهم عقائدهم ‪ ،‬أما وأن هللا قد ختم النبوات فال بد‬
‫ان يجعل في الرسالة الخاتمة ما يقطع الطريق على الشرك ‪ ،‬من ذلك تحريم‬
‫التماثيل والصور وبناء المساجد على القبور ‪ ،‬وتشييد القبور ‪ ،‬والحلف بغير‬
‫هللا وغيرها‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يحفظ سيرة وتعاليم الرسول الخاتم حتى يتسنى للبشرية االقتداء به ‪ ،‬وقد‬
‫حصل هذا على أحسن وجه فليس هناك شخصية حفظت سيرته وتفاصيل‬
‫حياته وتعاليمه مثل نبـينا محمد صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يكون هذا الدين شامال لجميع مناحي الحياة من عقيدة وعبادة وشريعة‬
‫الى أخالق وآداب وقيم وجامعا ً لجميع مهام الرسل واالنبـياء ‪ ،‬فكم من نبـي‬
‫بعث لتصحيح العقائد وآخرون لتقويم األخالق وغيرهم لتصيح العبادة أو‬
‫تصحيح انحراف تشريعي ‪ ،‬أماالنبـي الخاتم فقد بعث بكل هذه االمور‪.‬‬
‫‪ .5‬أن تكون سيرة هذا الرسول الخاتم شاملة لجميع مناحي ومراحل الحياة ‪،‬‬
‫وليس في الدنيا نبـي مر بجميع مراحل الحياة سوى نبـينا محمد ‪: ‬من الطفولة‬
‫الى الكهولة ‪ ،‬من الفقر الى الغنى ‪ ،‬من االضطهاد الى الزعامة والسيادة ‪،‬من‬
‫الضعف الى القوة ‪ ،‬من السرية الى العلنية ‪ ،‬السلم ‪ ،‬الحرب ‪ ،‬الهدنة ‪ ،‬المرض‬
‫‪ ،‬الصحة ‪ ،‬العزوبية ‪ ،‬الزوجية ‪ ،‬االبوة ‪ ،‬النصر ‪ ،‬الهزيمة ‪...‬الخ‬
‫‪ .6‬أن تكون شريعته شاملة عامة مرنة قابلة لتلبـي جميع احتياجات البشر في‬
‫جميع العصور وجميع الحاالت ‪ .‬وهذا الغرض ايضا متحقق في الشريعة‬
‫االسالمية على أحسن وجه ‪ ،‬وشهادات المؤتمرات القانونية والفقهية العالمية‬
‫كمؤتمر الهاي على صالحية الشريعة االسالمية لهذا العصر خير دليل على‬
‫هذه الحقيقة‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يحفظ هذا الدين من أن يستطيع أحد أن يغير تعاليمه ومبادئه ‪ ،‬أو يبدل‬
‫أولوياته ويرتبها حسب أهوائه ‪ ،‬االمر الذي حصل للديانات السابقة ‪،‬‬
‫فباالضافة الى حفظ مصادره حفظ محتواه أيضا ‪ ،‬وقد جرت على مدار تاريخ‬
‫‪285‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(286‬‬
‫االسالم محاوالت كثيرة من الفرق الضالة لتحقيق هذا الغرض ولكن هللا كان‬
‫يبعث كل مرة من يصحح االخطاء ويبين االنحرافات ويرد الناس الى جادة‬
‫الصوابـ ويعيد ترتيب أولويات هذا الدين كما انزله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وكان‬
‫لعلماء الشريعة واصحاب الحديث القدح المعلى في هذا المجال كاالمام احمد‬
‫وشيخ االسالم ابن تيمية ‪ ،‬ثم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وفي زماننا هذا‬
‫الدعوة السلفية الصحيحة ‪ ،‬فلوالهم للعب اصحاب البدع واصحاب الفكر غير‬
‫المنضبط وغالة الصوفية والعلمانيون والتغريبيون والقاديانيون بهذا الدين ايما‬
‫لعب وفي هذا يقول رسول هللا ‪" ‬يحمل هذا العلم في كل خَلف عدولُه ‪،‬‬
‫ينفون عنه تحريف الغالين ‪ ،‬وانتحال المبطلين ‪ ،‬وتأويل الجاهلين " ‪1‬ويقول‬
‫أيضا " إن هللا يبعث إلى هذه األمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها‬
‫‪2‬‬
‫دينها"‬
‫‪ .8‬ان يوفق النبـي في تربية مجموعة من الناس على االسالم يطبقونه في‬
‫حياتهم ويحملونه للناس ليمكن القول بأن تعاليم هذا النبـي واقعية وقابلة للتنفيذ‬
‫وليست مثالية ‪.‬وبما ان هذا الدين دين شامل لجميع جوانب الحياة من عقيدة‬
‫وشريعة وعبادات وآداب وأخالق وقيم استوجب ان ينشأ عليه جيل يطبقونه‬
‫وينقلونه الى من بعدهم ‪ ،‬وهذه النقطة قد يردها بعض الناس وال يقرونها ‪،‬‬
‫ولكن لو تمعنا النظر فيها جيدا لعلمنا أنها ضرورية وال بد منها ‪ ،‬فلو كان هذا‬
‫الدين عبارة عن عقيدة مجردة ربما لم يحتج الى ان يربى عليه احد وانما كان‬
‫يكفي ان ينقله أي واحد الى الجيل القادم كما هو الحال مع الفلسفة ولكن بما انه‬
‫يحوي جوانب عملية استوجب أن يربى عليه مجموعة من الناس لينقلوه كما‬
‫قلنا لمن بعدهم ‪ ،‬وهذا يتطلب قدرة فائقة عند هذا النبـي الذي يوكل اليه هذا‬
‫المهام ‪ ،‬فلو لم يوفق النبـي نفسه في تربية جماعة على هذا الدين فكيف يوفق‬
‫غيره من بعده ؟ إذا كان المربي الرسول الكامل ‪ ،‬والمنهج هو القرآن الذي‬
‫ينزل طريا ثم يفشل في تحقيق هذا الغرض فكيف ينجح غيره من الناقصين‬
‫القاصرين؟‬

‫‪ . 1‬رواه احمد وصححه ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬يرث هــذا العلم ‪..‬الخ حــديث إبــراهيم بن عبد الــرحمن العــذرى ‪:‬‬
‫أخرجه البيهقى (‪ ، 10/209‬رقم ‪ ، )20700‬وابن عساكر (‪ )7/38‬وأخرجه أيضًا ‪ :‬العقيلى (‪، 4/256‬‬
‫ترجمة ‪ 1854‬معان بن رفاعة الســالمى) ‪ ،‬قــال الخطيب ســئل أحمد بن حنبل عن هــذا الحــديث وقيل له‬
‫كأنه كالم موضوع قال ال هو صحيح سمعته من غير واحد)‬
‫‪ . 2‬الحاكم في مستدركه عن ابي هريرة ج‪/4‬ص‪ 568‬ح‪ ، 8592‬وابو داوود في سننه والبيهقي في معرفة‬
‫السنن واآلثار عن أبي هريرة‬

‫‪286‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(287‬‬
‫إن ختم النبوة علمناه عن طريق اخبار هللا تعالى به ولكن مستلزماته عرفناها‬
‫باالستقراء واالستنباط ‪ ،‬فحين أخبر هللا بانه يحفظ كتابه استنتجنا أنه البد ان‬
‫يكون هذا الكتاب هو آخر الكتب وإالّ ل َما خصه هللا من بين جميع الكتب التي‬
‫أنزلها بالحفظ ‪ ،‬وحين رأينا هذا الدين يشتمل على جميع نواحي الحياة وان‬
‫شريعته فيه من المرونة ما يجعله يستجيب لجميع حاجات االنسان عرفنا بأن‬
‫هذه الشريعة البد أن تكون آخر الشرائع ‪ ،‬وهكذا بقية االمور التي أشرنا اليها‬
‫آنفا والتي حصرناها في تلك االمور الثمانية وقد يهتدي غيرنا الى غيرها‬
‫ولكن حسبنا انا اهتدينا الى ثمانية منها‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫قبل أن نختم الكتاب البد من االشارة الى بعض االمور التي حدثت في ايران‬
‫ولبنان والعراق تمس موضوعنا هذا‪:‬‬
‫لقد شاء هللا ان يقيم الشيعة دولة في ايران واخرى في العراق ويحدث‬
‫فيهما امور تقرب لالذهان طبيعة ما حصل بين الصحابة بعد وفاة الرسول‪r‬‬
‫وتعطي دليال ملموسا على صحة مواقفهم وتقيم الحجة على الشيعة مصداقا‬
‫‪287‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(288‬‬
‫لقول هللا تعالى‪ " :‬سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه‬
‫الحق" ‪.‬‬
‫ايران‪:‬‬
‫لقد حدث في ايران بعد قيام الثورة االسالمية احداث تشابه تلك التي حدثت بعد‬
‫وفاة الرسول ‪ ، r‬وكأن هللا يريد أن يريهم الحقيقة مجسمة أمام أعينهم ‪ ،‬وهي‬
‫كفيلة بأن تنقض جميع التهم التي يوجهها الشيعة الى صحابة رسول هللا ‪r‬‬
‫ولكن ال السنة وال الشيعة لم ينتبهوا اليها فمرت دون أن تحدث ضجيجا !‬
‫وكان من الممكن لو اُحسن توظيفها أن تغير كثيرا من المفاهيم والموازينـ ‪.‬‬
‫من هذه االحداث ‪:‬‬
‫‪ .1‬عدم تعيين الخميني خليفة من بعده‪ :‬يقول الشيعة انه ال يعقل ان يترك‬
‫الرسول ‪ r‬امته دون ان يعين لهم خليفة من بعده ‪ ،‬والذي حصل في ايران هو‬
‫ان الخميني الذي كان له نائب طيلة حياته التي قضاها مرشدا للثورة االيرانية‬
‫وهو آية هللا العظمى المنتظري ولكن قبل موته بمدة وجيزة عزله ولم يعين‬
‫احدا مكانه ‪ ،‬ثم كتب وصيته وأمر بقراءتها بعد وفاته ‪ ،‬فلما توفي اخرجت‬
‫الوصية وتليت على الناس فإذا بها خالية من تعيين خلف له وترك االمر هكذا‬
‫سائبا لالمة دون االشارة الى من يخلفه !‪.‬‬
‫‪ .2‬تأخر دفن الخميني الى ما بعد اختيار خليفته ‪ :‬يطعن الشيعة في‬
‫الصحابة ويقولون انهم تركوا جثمان الرسول ‪ r‬وانشغلوا عنه باختيار الخليفة‬
‫‪ ،‬وقد حدث مثله تماما بعد وفاة الخميني ‪ ،‬فقد توفي الخميني يوم االحد وترك‬
‫جثمانه لمدة يومين دون ان يدفن ودخل اآليات في اجتماعات مكثفة ومغلقة‬
‫ولم يخرجوا اال بعد ان انتخبوا الخامنئي خليفة له ‪ ،‬ثم بعد ذلك قاموا باجراء‬
‫مراسيم التشييع والدفن !‪.‬‬
‫‪ .3‬اختيار الخامنئي لمنصب مرشد الجمهورية االسالمية مع وجود من هو‬
‫اعلم وافضل منه ‪ :‬يقول الشيعة ان االمام (الخليفة) يجب ان يكون اعلم الناس‬
‫وافضلهم ولكن الذي حدث هو ان الخامنئي لم يكن اعلم الموجودين فقد كان‬
‫هناك كثيرون يفوقونه علما وفضال ومرتبة منهم آية هللا العظمى المنتظري‪،‬‬
‫فالخامنئي كان في حينه حجة االسالم ‪ ،‬والحجة مرتبة دون مرتبة اآلية ‪ ،‬ولم‬
‫يكن قد بلغ مرتبة االجتهاد ‪ ،‬ولكنه مع ذلك اختير خليفة للخميني ومنح لقب آية‬
‫هللا كما يفعل بعض العسكريين تماما حين يقوم احدهم بانقالب عسكري ثم بعد‬
‫ذلك رأسا يمنح أعلى الرتب العسكرية !‪.‬‬
‫‪ .4‬مجيء الخامنئي عن طريق االختيار ال التعيين‪ :‬يقول الشيعة ان‬
‫االمامة ال تكون بالشورى واالختيار من قبل المسلمين وانما بتنصيب من هللا‬
‫‪288‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(289‬‬
‫او من النبـي او من االمام ‪ ،‬والذي حصل في ايران هو عكس ذلك ‪ ،‬فخامنئي‬
‫لم ينصبه ال هللا وال الرسول وال االمام وانما اختاره مجموعة من العلماء ‪،‬‬
‫فإن جاز هذا في هذا العصر فلم ال يجوز في عصر الصحابة الذين رباهم‬
‫رسول هللا بنفسه؟ واذا جاز اختيار خليفة لالمام فلم ال يجوز اختيار خليفة‬
‫للرسول ؟‪.‬‬
‫‪ .5‬يشترط الشيعة فى االمام ان يكون من ائمة اهل البيت ‪ ،‬ولكن السيد‬
‫الخميني اختار آية هللا المنتظري نائبا له وهو ليس من اهل البيت والذي عزله‬
‫دون بيان السبب ‪ .‬ولنا ان نسأل هنا ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬لماذا اختار الخمينى المنتظري نائبا له وهو ليس من اهل البيت؟‬
‫ثانيا‪ :‬لماذا حين عزله لم يعين احدا مكانه؟ الم يكن اعلمهم بالرجال ؟ الم يكن‬
‫يعلم من هو احق بذلك المنصب ؟ الم يعين اعضاء مجلس الشورى االثنين‬
‫والسبعين بعد حادث االنفجار في وقت قياسي ؟ فلماذا ترك االمة بدون ان‬
‫يعين لهم اماما؟‬
‫ثالثا‪ :‬واالهم من كل ذلك ‪ :‬لماذا ترك االمر للشورى ؟ هل كان واثقا من نضج‬
‫وكفاءة وأهلية مجلس الشورى ؟ هل هؤالء العلماء اعرف منه بالرجال‬
‫وبمصالح االمة ؟هل الذين تركهم اكفأ وانضج ممن تركهم الرسول‪r‬؟‬
‫لقد حصل في ايران مثل ما حصل في عهد النبـي مع بعض الفوارق المهمة ‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬ان صحابة الرسول ‪ r‬كانوا اطوع لرسول هللا من اصحاب الخميني‬
‫للخميني‪.‬‬
‫‪ -‬لم يكن هناك من ينافس النبـي على االمامة في حين كان المنتظري –على‬
‫ما يبدو‪ -‬ينافس الخميني نفسه ‪ ،‬وربما كان هذا احد اسباب عزله ‪ ،‬وربما كان‬
‫من اسباب عزله اختالفه معه في مسألة والية الفقيه ولم يكن هذا االختالف‬
‫واردا بين النبـي واصحابه‪.‬‬
‫‪ -‬لم تكن في عهد الرسول ‪ r‬مؤسسات تدير الدولة وانما كان الرئيس كل‬
‫شيء ‪ ،‬سواء كان نبـيا او خليفة ‪ ،‬فإذا بقي الناس من دون رأس لربما حدثت‬
‫فتن ومشاكل يصعب على ولي األمر القادم حلها بسهولة ‪ ،‬بينما كانت الدولة‬
‫في عهد الخميني تديرها مؤسسات ‪ ،‬فلو سارع الناس الى دفن الخميني قبل‬
‫اختيار خلف له لما حدث امر ذوبال ألن مرافق الدولة لم تكن لتتعطل فكل‬
‫مؤسسة تدير امرها بنفسها من دون حاجة الى الرجوع الى االمام بعكس‬
‫الوضع في عهد النبـي فلو بقي الناس من دون امام الضطربت االمور ‪،‬‬
‫السيما اذا عرفنا ان االنصار كانوا مجتمعين في السقيفة للبت في امر الخالفة‬
‫‪289‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(290‬‬
‫‪ ،‬فلم يكن أمام ابي بكر وعمر خيار آخر سوى الذهاب الى السقيفة ‪ ،‬فإذاً ان‬
‫تاخر دفن النبـي الى ما بعد اختيار الخليفة امر معقول ومنطقي ‪ ،‬اما في ايران‬
‫فان تاخير دفن الخميني لم يكن له مبرر اللهم االّ إذا كان لجثمانه تاثير على‬
‫المجتمعين حيث يجعلهم يمتنعون عن االختالف والتنازع على االمامة في‬
‫حضرته كما لو كان حيا‪ .‬ولنسأل الشيعة بعض االسئلة‪:‬‬
‫اوال‪ :‬هل انشغال المسؤولين في ايران بمسألة اختيار خليفة للخميني قبل دفنه‬
‫كان اجراء صحيحا ام خاطئا؟‬
‫ال اظنهم يقولون بانه كان خطئا ً ‪ .‬فإذا كان مثل هذا االجراء صحيحا في دولة‬
‫تحكمها المؤسسات وال تتوقف االمور فيها بموت االمام فكيف ال يكون‬
‫صحيحا في دولة بدائية تعتمد في كل اداراتها وشؤونها على شخص الرئيس؟‬
‫واالهم من ذلك ان الخميني كان مرشدا روحيا اكثر منه قائدا او رئيسا مما‬
‫يجعل موته اقل تأثيرا على مؤسسات الدولة ‪ ،‬بينما كان الرسول ‪ r‬كل شيء‬
‫في تلك الدولة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬هل كان المسؤولون في ايران مضطرين الى اتخاذ مثل ذلك االجراء‬
‫واختيار المرشد قبل دفن الخميني؟‬
‫إذا كان الجواب نعم فأين وجه االضطرار ؟‬
‫في اعتقادي انهم لم يكونوا مضطرين الى ذلك وكان من الممكن ارجاؤه الى‬
‫ما بعد دفنه وانهاء مراسيم العزاء ولكن يبدو انهم ارادوا ان يتولى المرشد‬
‫الجديد مهام الدفن ويدير ويرأس مراسيم العزاء ‪.‬‬
‫إذاً لم يكن هناك اضطرار الى االسراع لالجتماع الختيار مرشد للثورة قبل‬
‫دفن الخميني اللهم االّ إذا كان هناك امور ال نعلمها نحن كوجود خالف ونزاع‬
‫بين اقطاب النظام مما جعلهم يخافون من انخراط العقد وانتشار الفوضى‬
‫فأرادوا ان يحسموا االمر قبل دفن الخميني مستغلين انشغال الناس وتأثرهم‬
‫بموت الخميني‪ .‬فاذا كان كل هذا االجراء صحيحا في ايران فلماذا لم يكن‬
‫اجراء الصحابة صحيحا ال سيما المهاجرين حيث اضطروا الى ترك جثمان‬
‫الرسول واللحاق باالنصار لكي ال يبُتّوا في االمر بمفردهم ؟ ام ان الشيعة‬
‫يريدون من سادة القوم أن يجلسوا على جثمان الرسول يبكون ويذرفون‬
‫الدموع واالنصار مشغولون بامر والية المسلمين؟ هل من العقل االنصياع‬
‫وراء العاطفة في مثل هذه الحاالت؟ ام ان الحالة تتطلب رجاال اقوياء ال تثنيهم‬
‫وال تقعدهم الفواجع الكبيرة عن التفكير في مصير االمة التي تركها رسول هللا‬
‫امانة في اعناقهم؟‬

‫‪290‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(291‬‬
‫هل انشغال الصحابة باختيار خليفة لهم يعني عدم تأثرهم بموت النبـي ‪r‬؟ هل‬
‫كان موت النبـي اقل تأثيرا على الذين عاش بينهم من عشرة الى ثالثة‬
‫وعشرين سنة من تأثير موت الخميني على الشعب االيراني الذي لم يعاشره‬
‫ولم يره اال من خالل التلفزيون او في محاضرات ولقاءات قصيرة ؟‬
‫لم يتحدث احد في ايران عن وجود تناقض بين تأثر الناس بموت الخميني‬
‫واجتماع اقطاب الدولة الختيار خليفة له ‪ ،‬فلماذا إذاً يسعى الشيعة الى اظهار‬
‫تعارض بين تأثر الناس بموت النبـي ‪ r‬وانشغال كبار الصحابة باختيار ولي‬
‫امر المسلمين؟‬
‫ان الشيعة يحرصون على اظهار الصورةـ بشكل يوحي بان الصحابة لم‬
‫يتأثروا بوفاة الرسول ‪ r‬وانهم انشغلوا عنه بالبحث في مسألة الخالفة ويعمدون‬
‫الى ابراز الجانب العاطفي من المسألة ودغدغة العواطف والمشاعر بدال من‬
‫المحاكمة العقلية لها ‪ ،‬فيخرجون الصورة كاآلتي ‪ :‬رسول هللا ميت واهل بيته‬
‫منشغلون بغسله والصحابة غير مكترثين به وتاركون جثته الشريفة‬
‫ومجتمعون في مكان آخر بعيدا عن جثمانه الشريف يبحثون امر الخالفة‬
‫ويتنازعون عليها!‪.‬‬
‫فلو تدبر الشيعة هذا االمر بقليل من العقالنية ولم يتعمدوا تشويه الحقيقة‬
‫والتصيد في الماء العكر ألعذروا الصحابة فيما فعلوه ال سيما الشيخين ابي‬
‫بكر وعمر ولع ّدوا ذلك من مفاخرهم ومواقفهم المشرفة ومن عالمة احساسهم‬
‫بالمسؤولية والعترفوا باهليتهم لقيادة االمة بعد رسول هللا ‪ r‬ولكنهم فعلوا‬
‫عكس ذلك واتهموا الصحابة بما اتهموهم به حتى جاء عصرنا الحاضر فحدث‬
‫لهم مثل ما حدث للصحابة ولكن من دون ان يلتفت احد الى ما فعلوه!‪.‬‬
‫لقد أراد هللا بهذا الحادث ان يري الشيعة دليال عمليا على بطالن‬
‫دعاواهم واتهاماتهم للصحابة ولكن هيهات ان يفهموا هذه الحقيقة وقد اصبح‬
‫كره الصحابة جزءاً من عقيدتهم وضرورةـ من ضروريات مذهبهم‪.‬‬
‫النزاع على السلطة في ايران‪:‬‬
‫حدث آخر له اهمية بالغة هو النزاع الذي حصل مؤخرا بين اقطاب‬
‫الثورة وتالمذة الخميني المقربين ‪ ،‬فبعد مرور عشرين عاما ً على وفاة‬
‫الخميني طفح الخالف على السطح بين التالمذة المقربين للخميني واصبح‬
‫على اشده في االنتخابات االخيرة الى درجة ان كل طرف أخذ يكيل التهم‬
‫للطرف اآلخر ‪ ،‬فالتيار االصالحي الذي يمثله رفسنجاني وكروبي والموسوي‬
‫يتهم التيار المحافظ الذي يمثله الخامنئي واحمدي نجاد باالنحراف عن خط‬
‫االمام ‪ ،‬و التيار المحافظ يتهم التيار االصالحي بالخيانة وعمالة الغرب ولكن‬
‫‪291‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(292‬‬
‫مع ذلك فالكل يفتخرون باالنتساب الى الخميني ولم يؤثر هذا الخالف على‬
‫انتمائهم ال للمذهب وال حتى للخميني ‪ ،‬أي أن هذا الخالف السياسي بين‬
‫اقطاب الثورة لم يدفع اي طرف منهم الى التبرؤ من الخميني ومدرسته او‬
‫االرتداد عن المذهب ‪ .‬فإذا كان هذا شأن تالمذة الخميني فمن باب أولى أالّ‬
‫يؤثر النزاع السياسي الذي حصل بين االصحاب على انتمائهم لالسالم‬
‫واتباعهم للرسول ‪ ،‬فلم يكن احد منهم يرى ان فالنا من الناس أو عالنا منهم‬
‫يمثل االسالم فإذا نازعه فقد نزع ربقة االسالم من عنقه ‪ ،‬وانما كانت‬
‫نزاعاتهم نابعة من اجتهادات سياسية بعضهم أخطأ وبعضهم أصاب ‪ ،‬ولكن‬
‫ظلوا على والئهم لالسالم واتباعهم للرسول‪.r‬‬
‫االنتخابات ومبدأ االمامة ‪:‬‬
‫وحدث آخر له اهمية كبرى ويعد نقضا ً لمبدأ االمامة االلهية وهي‬
‫االنتخابات التشريعية والرئاسية التي تحصل في كل من ايران والعراق‬
‫ولبنان ‪ ،‬فانك ترى الشيعة في هذه الدول احرص الناس على االنتخابات‪،‬‬
‫والتي تعني توكيل اختيار الرئيس او اعضاء البرلمان الى الشعب وهذا‬
‫مناقض لما كانوا يدعونه في الماضي بأن منصب الرئاسة واالمامة يجب أالّ‬
‫تخضع للشورى وانما يتم نصبه من قبل هللا او النبـي او االمام ‪ ،‬واقرأ ان‬
‫شئت كتاب السقيفة للشيخ محمد رضا المظفر الذي يعبر عن رأي الشيعة في‬
‫مسألة الخالفة واالمامة لترى بنفسك كيف يعارض فكرة االنتخابات وينتقدها‬
‫ويرى ان الناس ليسوا قادرين على معرفة االفضل للرئاسة واالمامة !‬
‫ولجوء الشيعة الى االنتخابات هو تخ ٍّل عملي عن مبدأ االمامة االلهية‬
‫واعتراف ضمني بخطأ هذا المبدأ ولم يبق امامهم االّ التخلي عن تبعات هذا‬
‫المبدأ وهو الغلو في االئمة والطعن في الصحابة واالعتراف بصحة خالفة‬
‫الخلفاء الثالثة الذين سبقوا عليا ً ‪.‬‬
‫االمامة ليست مبدءاً‪:‬‬
‫وهذا ‪ -‬اي اللجوء الى االنتخابات‪ -‬يعني أن االمامة عند الشيعة ليست‬
‫مبدءا فلو اختار الناس في حينه عليا ً‪ t‬لما لجئوا الى القول بالنص والوصية ‪،‬‬
‫فلجوؤهم الى النص والوصية لم يكن االّ بسبب وقوف االكثرية مع الشيخين‬
‫فلو كانت االكثرية في حينها مع علي لقالوا باالختيار ال بالنص ‪ ،‬والدليل هو‬
‫حرص الشيعة في العراق على االنتخابات وعلى رأي االغلبية ‪ ،‬فألنهم‬
‫واثقون بأنهم هم االكثرية يدعون الى االنتخابات ‪ ،‬ولو كانوا اقلية لما قالوا‬
‫باالنتخابات ولتمسكوا بمسألة النص االلهي او االمامة االلهية كما هو الحال‬
‫مع الحوثيين في اليمن فإنهم لو كانوا يشكلون االكثرية لما دعوا الى االمامة‬
‫‪292‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(293‬‬
‫االلهية وامامة البطنين(ذريةـ الحسن والحسين) بل دعوا كشيعة العراق الى‬
‫االنتخابات‪.‬‬
‫وقول الشيعة ان االمامة لطف الهي و لذلك يجب على هللا تنصيب االمام‬
‫مناقض لالنتخابات‪ ،‬ألنه ال يعقل أن تكون االمامة لطفا ً إلهيا ً وأن يكون نصب‬
‫االمام واجبا ً على هللا في زمن دون زمن ! إالّ أن يكون الناس في هذا العصر‬
‫اقدر على معرفة االصلح لالمامة والرئاسة ‪ ،‬وهذا غير صحيح ألن وسائل‬
‫الخداع في هذا العصر اكثر من اي عصر مضى ‪.‬‬
‫وأمر آخر يناقض االمامة االلهية ويهدمها وهو اعتماد معايير اخرى‬
‫غير التي كانوا يعتمدونها عند الحديث عن االمامة وهي ان يكون االمام اعلم‬
‫الناس وافضل الناس وأن يكون معصوما الخ ‪ ،‬فاليوم اليختارون االفضل دينا‬
‫لرئاسة الدولة وانما يختارون االكفأ سياسيا ويفرقون بين رجل الدين ورجل‬
‫السياسة وال احد يشترط العصمة في رئيس الدولة وال حتى في المرجع الديني‬
‫الذي يستفتيه الرئيس في االمور الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬من المآخذ التي يأخذها الشيعة على عمر بن الخطاب ‪ t‬انه عطل عقوبة قطع‬
‫يد السارق في عام الرمادة رغم انه ليس من اركان االسالم مع وقوع المجاعة‬
‫فعال ‪ ،‬وشاء هللا أن تأتي االيام فيعطل الخامنئي ركنا من اركان االسالم وهو‬
‫الحج الى بيت هللا الحرام لعام ‪1431‬للهجرة لمجرد انتشار اشاعة حول احتمال‬
‫انتشار وباء انفلونزا الخنازير في الحج بسبب الزحام علما انهم لم يعطلوا‬
‫مراسيم العزاء على الحسين في عاشوراء التي جاءت بعد شهر فقط من‬
‫مراسيم الحج واجتمع فيها اكثر مما اجتمع في الحج –كما يقول الشيعة ‪ -‬مع‬
‫رداءة مستوى الخدمة الصحية في كربالء على عكس الحج !!!‬
‫الصراع على السلطة في العراق‪:‬ـ‬
‫عندما اكتب هذه الفقرة يكون قد مضى على االنتخابات العراقية حوالي‬
‫تسعة اشهر والحكومة لم تشكل بعد والصراع على السلطة بين االحزاب‬
‫الشيعية مستمر وال يستطيع ان يحله ال الولي الفقيه وال المرجع الديني واحيانا‬
‫يصل الصراع الى حد قذف االطراف المتنازعة لبعضها بأبشع التهم االّ تهمة‬
‫الخروج عن الدين او المذهب! فما معنى تعيير الصحابة لمجرد خالف بسيط‬
‫بينهم في السقيفة سرعان ما تجاوزوه وبايعوا ابابكر ‪ ،‬امثل ذلك المجتمع‬
‫يحتاج الى ان ينصب هللا لهم االئمة وهذا المجتمع ال يحتاج ! أي عاقل هذا‬
‫الذي يقول بهذا الكالم ؟ إذا كانت االمامة لطفا الهيا فمجتمعاتنا اولى بها من‬
‫ذلك المجتمع الذي حسم خالفاته في بضع ساعات ‪ ،‬فهل يعقل ان يمن هللا على‬
‫ذلك المجتمع باالمام ويترك هذه المجتمعات في مهب الريح ونهبا لالطماع؟‬
‫‪293‬‬
‫سقيفة بني ساعدة بين الشيعة والسنـة‬
‫)‪(294‬‬

‫انتهى الكتاب بحمد هللا تعالى‬

‫‪294‬‬

You might also like