Professional Documents
Culture Documents
- - - - - - الدرس الثالث سلم 101
- - - - - - الدرس الثالث سلم 101
)1
رواه البخاري ،حديث رقم (٘)ٖٗٚ؛ ومسلم ،حديث رقم (٘ٓ٘ٗ).
وذلَ كلو مرتبط بثبات ادلرجعية وادلنطلقات اليت تنطلق منها الثقافة اإلسالمية يف مرجعيتها الرابنية ادلتمثلة ابلكتاب
والسنة.
وىذا ال يعٍت االنعزال واجلمود ،بل ىو ثبات يساير التطور احلضاري ،واالنفتاح على اجلديد من العلوم وادلعارف،
بتوازن ربت مظلة معتقداتنا وقيمنا ،وبتطور ديكنها من االنفتاح خبطى اثبتة ضلو الثقافات األخرى ،من منطلق التكافؤ
احلضاري ،وذلَ ىو قمة احلركة واإلبداع ،ولكن يف إطار احلقائق والقواعد اإلسالمية.
رابعاً :نظرهتا الشمولية وتوازهنا ادلعتدل
الثقافة اإلسالمية تستوعب كل جوانب احلياة ورلاالهتا ،وتستوعب األمور ادلتعلقة ابلدنيا ،وادلتعلقة ابآلخرة ،وتنظر
ِ ِ ِ
لذلَ كلو نظرة متوازنة؛ متمثلة قول هللا تعاىلَ ( :ربَّنَا آَتنَا ِيف الدُّنْيَا َح َسنَ ًة َوِيف ْاآلَخَرِة َح َسنَةً َوقنَا َع َذ َ
اب النَّار ) ( البقرة :
ٕٔٓ) وذلَ بسبب النظرة الشمولية ،والتصور الكامل للحياة كلها ،يف أدق قضاايىا وأجلها ؛ فهناك مشول وتكامل
فيما يتعلق
ٔ -ابالعتقاد والعمل ،وفيما يتعلق ٕ -ابحلقوق والواجبات ،وفيما يتعلق ٖ-ابلنظر لإلنسان جسدا وروحا وعقال
وعاطفة
والثقافة اإلسالمية يف نظرهتا الشمولية للحياة ،تنظر بتوازن واعتدال بٌن خمتلف األطراف ادلتقابلة وكان هذا
التوازن يف رلاالت عدة منها ما يلي:
-1فهناك توازن بُت العبادة والعمل ،فال تتكالب على ادلادايت كما يفعل النفعيون وننسى حاجاتنا الروحية ،وواجب
العبودية للخالق جل َأنو ،وال نتنكر دلبادئنا ألجل ادلادية ادلقيتة ،ويف ادلقابل ،فإننا ال نستغرق يف اجلانب الروحي،
استغراقاً نغفل بو عن واجباتنا احلضارية ،وإمنا نبتغي بُت ذلَ سبيالً.
-2وىناك توازن بُت ابتغاء الدنيا وابتغاء اآلخرة ،فلينظر اإلنسان ما قدمو لغد ،وال ينس نصيبو من الدنيا ،قال تعاىل:
َ ِمن الدُّنْيا وأ ِ اّلِل الدَّار ْاآلَ ِخرَة وَال تَْن ِ ِ
ض اّلِلُ إِلَْي َ
َ َوَال تَْب ِغ الْ َف َس َاد ِيف ْاأل َْر ِ َح َس َن َّ
َحس ْن َك َما أ ْ
س نَصيبَ َ َ َ َ ْ َ يما آَ ََت َك َُّ َ َ َ ( َوابْتَ ِغ ف َ
ين ) (القصص . )ٚٚ : ِِ اّلِلَ َال ُِحي ُّ
إِ َّن َّ
ب الْ ُم ْفسد َ
-3وىناك التوازن بُت احلقوق والواجبات؛ فما من حق يف الثقافة اإلسالمية إال ويقابلو واجب ،وكل من يقصر يف
الواجبات فهو يفرط يف احلقوق.
-4وىناك التوازن بُت مصاحل الفرد ومصاحل اجلماعة؛ فال يطغى فيها حق الفرد على حق اجلماعة ،وال يطغى حق
اجلماعة على حقوق الفرد.
خامساً :توافقها مع العقل والفطرة والعلم
وقد ظهر توافق الثقافة اإلسالمية مع العقل يف صور سلتلفة منها:
-1أن الثقافة اإلسالمية تدعو إىل طلب العلم ،وتكرم أىلو؛ وتنظر للعقل اإلنساين نظرة صحيحة ،فقد أقام اإلسالم
العقل اإلنساين يف زللو الصحيح ،وكشف عنو الزيف واخلرافة ،وأرَده ليعرف ربو من خالل آايتو قال تعاىلَ (:وِيف
ت لِْلموقِنُِت (ٕٓ) وِيف أَنْ ُف ِس ُكم أَفَ َال تُب ِ
ص ُرو َن ) الذارايت ٕٔ-ٕٓ : ْاأل َْر ِ
ْ ْ َ ض آَ َاي ٌ ُ َ
-2وحرره من التبعية والتقليد بال تفكَت وال نقد ،كما نعى القرآن على الكفار (بَ ْل قَالُوا إِ َّان َو َج ْد َان آَ َابءَ َان َعلَى أ َُّم ٍة َوإِ َّان
َعلَى آَ َاث ِرِى ْم ُم ْهتَ ُدو َن ) الزخرف ٕٕ :؛ فمع كون رابنية مصدر الثقافة اإلسالمية حيدد اإلطار الذي يسَت فيو اإلنسان
يف احلياة ،إال أنو ال يلغي حركة اإلنسان ،وتفكَته ،واختياراتو ،من خالل دور العقل البشري يف الفهم والتجديد ،
وفق ضوابط الشرع ،وضمن رلالو ادلتاح .
-3صلد الثقافة اإلسالمية ربث اإلنسان على التفكَت السليم والنظر الصحيح ،إىل ما يزخر بو عاَل النفس وآفاق
الكون من اآلايت ،وصلدىا كذلَ قد أقامت العديد من احلجج العقلية ،ولفتت النظر إىل األقيسة الواقعية وادلوازين
الصحيحة.
والثقافة اإلسالمية منسجمة مع الفطرة اإلنسانية السليمة اليت فطر هللا اإلنسان عليها ومتوافقة مع العلم الصحيح
،ومع العقل السليم ؛ فادلسلم يف عقيدتو يؤمن أبن هللا ىو الذي خلق ىذا الكون ،وسخر ما يف ىذا الوجود لإلنسان
،والثقافة اإلسالمية تعلي منزلة العلم ،وتكرم أىلو ،وربث عليو فادلسلم ينظر يف ىذا الكون فَتى فيو قدرة الباري
سبحانو وعظمتو وسلطانو ،فيسَت يف ىذه احلياة على وفق السنن اليت بثها هللا فيو ،ال خيرج عنها ،بل إديان ادلسلم بربو
وخضوعو لو ،ىو أوج قوتو وسلطتو ،وال يداخلو يف ذلَ الغرور الذي داخل غَته عندما سبكن من بعض أسباب احلياة
إن من أىم عوامل قوة الثقافة اإلسالمية األخالق النبيلة وادلبادئ السامية اليت يتمسَ هبا ادلسلمون ،وقد كانت من
أعظم وسائل الدعوة لدين هللا ،ومن أمجل ما حبب الناس للدخول فيو والتمسَ بو ،كيف ال والقرآن والسنة تدعوىم
ت إِ َىل أ َْىلِ َها) ( النساء )٘ٛ :ويقول عز وجل ( َوأ َْوفُوا اان ِ إىل ذلَ ،يقول هللا تعاىل ( :إِ َّن َّ
اّلِلَ ََيْ ُم ُرُك ْم أَ ْن تُ َؤُّدوا ْاأل ََم َ
ان َوإِيتَ ِاء ِذي
اإلحس ِ
ِ ِ ِ ِابلْ َع ْه ِد إِ َّن الْ َع ْه َد َكا َن َم ْسئُ ًوال) (اإلسراء )ٕٗ :؛ ويقول سبحانو وتعاىل ( :إِ َّن َّ
اّلِلَ ََيْ ُم ُر ابلْ َع ْدل َو ْ ْ َ
الْ ُق ْرَب) ( النحل )ٜٓ :؛ ولقد ربقق العدل ،والصدق يف القول والفعل واحلكم يف َترخينا أبرقى الصور ؛ ال فرق يف
ذلَ بُت ضعيف وقوي ؛ وذكر وأنثى وحاكم وزلكوم ،ومسلم وغَت مسلم .وقد استوعبت الثقافة اإلسالمية كل
األجناس واألقوام ،وعاملتهم بعدل وإحسان؛ بدون تفرقة عنصرية ،أو سبيز عرقي.
كما راعت ادلشاعر اإلنسانية والرمحة اليت تقتضيها فطرة اإلنسان ،دون النظر إىل عقيدتو ،أو ثقافتو ،أو عرقو ،فضالً
اى ْم َعلَى عن رعاية اإلنسان وتكرديو قال تعاىل(:ولََق ْد َكَّرمنَا ب ٍِت آَدم و َمح ْلنَاىم ِيف الْب ِر والْبح ِر ورزقْ نَاىم ِمن الطَّيِب ِ
ض ْلنَ ُ
ات َوفَ َّْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ّ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ
ض ًيال) (اإلسراء. )ٚٓ : َكثِ ٍَت ِشلَّن خلَ ْقنَا تَ ْف ِ
ْ َ
عالقة الثقافة اإلسالمية ابلثقافات األخرى
الََ أن امتزاج الثقافات ادلختلفة يثري الفكر اإلنساين ،ويكسبو أفكاراً جديدة ،وخربات متنوعة ،وقد امتزجت
الثقافة اإلسالمية مع الثقافات األخرى ،وتفاعلت معها ،واستوعبتها ،وَل تتغَت طبيعتها ،بل أضافت للثقافات
األخرى إبداعاً يف كافة اجملاالت ،وظل فكرىا ديثل الفكر الرائد وادلبدع ،وَل تسمح ألي ثقافة أجنبية أن تطغى عليها ،
أو تغَت معادلها ،بل ىي اليت طبعت الثقافات األخرى بطابعها ،وأثرت فيها ؛ ألهنا كانت حينها تقف على قاعدة
صلبة ،مبنية على أصول اثبتة وراسخة ؛ وذلذا كانت وما زالت ذلا عالقات متميزة مع تلَ الثقافات .
ولعلنا نوجز هنا أبرز مالمح عالقة الثقافة اإلسالمية ابلثقافات األخرى:
أوالً :عالقة الثقافة اإلسالمية ابلثقافات السابقة:
دبتابعة َتريخ تالقي الثقافة اإلسالمية ابلثقافات األخرى يف زمن الفتوح اإلسالمية ،نستخرج ادلالمح التالية يف العالقة
بُت الثقافة اإلسالمية والثقافات اجلديدة عليها:
االنفتاح على ثقافات األمم والشعوب ،واستيعاهبا ،وتكيفها مع روح الثقافة اإلسالمية ،فيما ال يتعارض مع -1
أصوذلا وثوابتها.
ربرير األمم والشعوب من اخلرافات الوثنية ادلبثوثة يف ثقافاهتم. -2
إثراء الثقافة اإلسالمية؛ حيث انتخبت وزبَتت من الًتاث احلضاري لألمم األخرى يف اجملاالت العلمية، -3
وقامت – مع انتفاعها – بتصحيح ما لدى تلَ األمم من أخطاء؛ اعتماداً على مصدرىا اإلذلي ،كما أهنا-مع
التصحيح – أضافت اجلديد إليها.
ترمجة كثَت من العطاء العلمي لألمم األخرى ،وابتكروا ادلناىج العلمية ،وافتتحوا ادلدارس وادلعاىد ،وألفوا الكتب -4
وادلراجع ،وأقاموا ادلراصد وادلشايف ،وادلختربات.
ولقد ساعد ىذا التفاعل على انتشار الثقافة اإلسالمية ،وامتداد فروعها ،وتعميق جذورىا ،يف بيئات سلتلفة ،وسرت
روح احلضارة اإلسالمية ،وقيمها ،يف تلَ الشعوب واجملتمعات.
أتثًن الثقافة العربية يف النهضة األوروبية:
كانت الثقافة اإلسالمية دبثابة واسطة العقد ،بُت العلوم والثقافات القددية وبُت النهضة األوروبية ؛ فالثقافة اإلسالمية
سلسلة متصلة احللقات ،امتدت من احلضارات القددية ،من مصرية ،وآَورية ،واببلية ،وصينية ،إىل حضارة
اإلغريق واإلسكندرية ،فقد أتثر علماء ادلسلمُت هبذه الثقافات القددية يف تراثها احلضاري ،وأضافوا إليها الكثَت ،ث
أثروا بدورىم فيمن حلقهم من علماء النهضة األوربية ،الذين اطلعوا على تراث الثقافة اإلسالمية احلضاري ،وهنلوا منو ،
واَتغلوا بدراستو وربليلو ،بل لقد استفاد علماء الغرب من الثقافة اإلسالمية ما ىو أبعد من رلرد ادلعلومات ،فقد
اكتسبوا العقلية العلمية ذاهتا ،بكل طابعها التجرييب واالستقرائي ،حبيث وجد األوربيون يف الًتاث العريب اإلسالمي ،
ويف الثقافة اإلسالمية ضالتهم ادلنشودة ،فعكفوا على دراستو وربليلو ونشره .
وقد مت استفادة علماء الغرب من الثقافة االسالمية بعدة صور منها:
نُقلت الكثَت من ادلؤلفات العلمية اإلسالمية ،يف سلتلف العلوم والفنون إىل أوراب ،وتُرمجت إىل عدة لغات، -1
وكانت تُدرس يف معاىدىم وجامعاهتم ،ويعتمدون عليها كمراجع أساسية؛ حىت اعًتف بعض مفكريهم بفضل الثقافة
اإلسالمية على الفكر األوريب.
عكف علماؤىم على دراسة اآلاثر العلمية لعلماء ادلسلمُت ،وال ديكن تصور مدى أتثَت الثقافة اإلسالمية يف -2
احلضارة الغربية ،إال بتصور حالة اجلهل اليت كانت تعيشها أوراب يف ذلَ احلُت.
وقد انتقلت الثقافة اإلسالمية إىل أورواب ادلسيحية عن طريق ثالث معابر ،ىي أسبانيا ،وصقلية ،وسوراي أايم
احلروب الصليبية ،وعن طريقها انتقلت آاثر احلضارة اإلسالمية ،ومؤلفات العلماء ادلسلمُت إىل أورواب؛ حىت أنشأوا عام
ٖٓٔٔم مكتباً لًتمجة الكتب العربية إىل الالتينية ،يف طليطلة ،برعاية رئيس األساقفة آنذاك ،ث تزايدت حركة الًتمجة بعد
ذلَ.
اثنياً :عالقات الثقافة اإلسالمية ابلثقافة الغربية ادلعاصرة
إذا ربدثنا عن الواقع ادلعاصر ،وجدان للثقافة الغربية حضوراً فاعالً وثقالً كبَتاً ،بسبب التقدم العلمي والتقٍت ،وقوة
اإلعالم واالتصال فمعظم وكاالت األنباء العادلية اليت تعترب ادلصدر األساسي ألكثر من ٓ %ٛمن األخبار وادلعلومات ،
ىي وكاالت غربية ،يضاف إىل ذلَ أهنم أصحاب التقنية يف وسائل اإلعالم واالتصال ،وىم صناع األقمار الصناعية
وأجهزة البث وااللتقاط إىل جانب القوة االقتصادية والعسكرية والسياسية ،اليت جعلت تلَ الثقافة يف موضع القوة ،
ومكنتها من نشر فكرىا وثقافتها ،يف بيئة الثقافات األخرى ورلتمعاهتا .
ولئن كانت الثقافة اإلسالمية ،ثقافة ادلبادئ والقيم اإلنسانية السوية ،إال أن بعض أتباعها َل يربأ من التأثر بثقافات
العصر ،وذلَ يف اجلوانب اليت تتصادم مع مبادئ الثقافة اإلسالمية وقيمها ومعتقداهتا ،وقد كان ىذا التأثر يتفاوت يف
بعض األحيان بعداً وقرابً من اجلذور واألصول؛ األمر الذي يفقد الثقافة اإلسالمية – لدى بعض أبنائها – قدراً من
خصائص ىويتها.
واليوم إذ صلد أنفسنا أمام ىذا الواقع التارخيي ،فنحن حباجة إىل موقف سليم من الثقافات األخرى ،ففي الوقت الذي
نرى فيو ضعف فاعلية الثقافة اإلسالمية بسبب ضعف أبنائها يف تفعيل مبادئها ،صلد أمامنا أيضاً مواقف متباينة من
الثقافات األخرى فمن ىذه ادلواقف:
ادلوقف األول :الصد واإلعراض
ىناك من يغلق األبواب أمام احلضارات األخرى مجلة وتفصيالً ،ويرفض اإلفادة منها ،أبي صورة من الصور ،ويتخذ
موقفاً سلبياً من احلضارة الغربية ،ويرفضها َكالَ وموضوعاً؛ متومهاً أن يف ذلَ محاية للثقافة اإلسالمية من كل دخيل،
وال ََ يف خطأ ىذا ادلوقف ،من عدة جوانب:
اجلانب الديين :ىذا ادلوقف يصادم اجلانب الديٍت؛ فالدين حيث على استعمال العقل ،والتفكَت يف الكون، .1
واقتباس الصاحل النافع ،وأخذ احلكمة أىن وجدت.
.2اجلانب الدعوي :فهذا ادلوقف ال يتفق مع منهج اإلسالم يف الدعوة إىل هللا ،وواجب ادلسلمُت يف تبليغ دين
هللا إىل الناس ،وترغيبهم يف الدخول فيو ،فنحن أمة الدعوة قال تعاىلَ (:ولْتَ ُك ْن ِمْن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ ْدعُو َن إِ َىل ْ
اخلََِْت َو ََيْ ُم ُرو َن
ِابلْمعر ِ
وف َويَْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمْن َك ِر) آل عمرانٔٓٗ/َ ُْ
اجلانب العلمي واحلضاري :حيث يؤدي ىذا ادلوقف إىل عدم االستفادة من العلوم العصرية ،ومن التقدم -3
احلضاري للثقافات األخرى يف اجلوانب اليت سبيزوا فيها ،واليت ديكن لنا االستفادة منهم فيها دون حرج ،وحيرم األمة من
االستفادة شلا لدى اآلخرين من منجز حضاري وتقدم مدين؛ كما أن ىذا ادلوقف غَت قابل للتطبيق يف عصر االنفتاح
واالتصاالت ،اليت تكاد تلغي فيو ادلسافات وتزول الفواصل.
اجلانب التارخيي والواقعي :فقد تعاملت األمة اإلسالمية سابقاً مع ثقافات األمم والشعوب األخرى ،وَل -4
تتحرج يف ذلَ ،وأثرت فيها ،واستفادت منها .فهي القدوة يف ذلَ.
ادلوقف الثاين :االنفتاح واالنبهار
ىناك من ضلى منحى االنفتاح الكامل على الثقافات األخرى ،والثقافة الغربية خاصة ،وجعل األبواب مشرعة أمام كل
وافد من احلضارات ادلعاصرة ،ويف كل رلال من رلاالت الثقافة ،وقبوذلا بكل ما فيها وإن كان سلالفاً للمبادئ ومعارضاً
لألصول ،ومن ث الذوابن يف حبرىا؛ انبهاراً هبا ،ودبا وصلت إليو من تقدم مادي وعلمي ،أو أتثراً بفكرىم وفلسفتهم ،أو
تقليداً ذلا ،أو افتتاانً دبا فيها من مغرايت وَهوات.
واحلقيقة ان هذا ادلوقف على جانب كبًن من اخلطورة من عدة جوانب:
اجلانب الديين :ففي ىذا ادلوقف مصادمة لثوابت الدين ،وتنكر لشمولية الشريعة لكافة جوانب احلياة ؛ .1
وىو يعد اضلرافاً فكرايً صارخاً ،وخواء عقدايً فاضحاً .
اجلانب االجتماعي واحلضاري :ففي ىذا ادلوقف مسخ ذلوية األمة ،ودعوة إىل فتح ابب التغريب على .2
مصراعيو ،وخطره األكرب على احلياة االجتماعية والفكرية خاصة شلا ال خيفى؛ كما أن يف ىذا ادلوقف إجحافاً حبق َتريخ
وحضارة األمة اإلسالمية ومنجزاهتا الضخمة ،وفيو ظلم وتنكر ذلا ،بعد أن أقر هبا ،وبعظمتها ،وفضلها على البشرية
مجعاء حىت أعداؤىا.
اجلانب األخالقي :فهذا ادلوقف ديثل اضلالالً خلقياً ،وراء سعار الشهوات؛ وىو موقف يضعف األمة ،ويهدم .3
كياهنا وال يبنيها ،فإن حقيقتو تتمثل يف -ٔ:إلغاء للعقول -ٕ ،وانسالخ من اذلوية اإلسالمية ٖ -وزلو للعفة
والفضيلة.
ادلوقف الثالث :االستفادة واالنتقاء
ىناك من دعا إىل االستفادة من الثقافات األخرى دبا ال يعارض ثقافتنا ،واالنفتاح عليها ،ابلقدر الذي ال يتعارض مع
ثوابتنا وقيمنا.
واحلقيقة أن ىذا ادلوقف ينطلق من الوعي الكامل بقيمة الثقافة اإلسالمية ،وشليزاهتا ،وخصائصها ،ومبادئها ،وأهنا ىي
الثقافة اليت أراد هللا ذلا قيادة البشرية يف كل زمان ومكان؛ ويف الوقت ذاتو ىو موقف يعي التوجيو اإلسالمي الداعي
لالستفادة شلا لدى اآلخر من انفع؛ فاحلكمة ضالة ادلؤمن أىن وجدىا فهو أحق الناس هبا ،فهو يدعو إىل امتالك العقلية
ادلنهجية الواعية اليت تعتمد البحث والتمحيص واالنتقاء فال َيخذ كل َيء مجلة ،وذلَ مطلب َرعي ،كما قال النيب
ملسو هيلع هللا ىلص " ال تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكم وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن ربسنوا
(ٕ)
وأن أساءوا فال تظلموا".
كما أنو موقف يتجانس مع موقف الثقافة اإلسالمية من الثقافات األخرى عرب التاريخ ادلمتد.
يقول اإلمام ابن تيمية " :فإن ذكر ما ال يتعلق ابلدين ،مثل مسائل الطب واحلساب احملض اليت يذكرون فيها ذلَ .ما
غايتو انتفاع آباثر الكفار وادلنافقُت يف أمور الدنيا؛ فهذا جائز ..فأخذ علم الطب من كتبهم مثل االستدالل ابلكافر
على الطريق ،واستطبابو ،بل ىذا أحسن ،ألن كتبهم َل يكتبوىا دلعُت من ادلسلمُت حىت تدخل فيها اخليانة ،وليس ىناك
حاجة إىل أحد منهم اخليانة ،بل ىو رلرد انتفاع آباثرىم ،كادلالبس وادلساكن وادلزارع والسالح ،وضلو ذلَ"
ويف حاضران ادلعاصر يقول اإلمام الشنقيطي " :ادلوقف الطبيعي لإلسالم وادلسلمُت من احلضارة الغربية ،ىو أن جيتهدوا
يف ربصيل ما أنتجو من النواحي ادلادية ،وحيذروا شلا جنتو من التمرد على خالق الكون جل وعال؛ فتصلح ذلم الدنيا
واآلخرة ،ومن ادلؤسف أن أغلبهم يعكسون القضية ،فيأخذون منها االضلطاط اخللقي ،واالنسالخ من الدين ،والتباعد
ٕ) رواه الًتمذي ،حديث رقم ()ٕٖٔٛاالمعو:بكسراذلمزة وتشديدادليم الذي الرأي لو والعزم فهو يتابع كل أحدعلى رأيو وال يثبت على
َيء
من طاعة خالق الكون وال حيصلوا على نتيجة شلا فيها من النفع ادلادي ؛ فخسروا الدنيا واآلخرة ،ذلَ ىو اخلسران
.
ادلبُت "
ويف ظل زلاولة الثقافة الغربية اليوم فرض نفسها ،ربت مسمى الثقافة العادلية ،يتوجب علينا أن نقدم أنفسنا وثقافتنا
لقيادة العاَل ،ابلرمحة والعدل ،وابلعلم والعمل ،وابلوعي احلضاري الراقي.