Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫الدرس الثالث‬

‫الثقافة اإلسالمية وادلعاصرة‬

‫د‪ .‬مىن بن لويبة‬

‫د‪ .‬خًنية القحطاين‬

‫د‪ .‬نورة الشهري‬


‫وادلعاصرة‬
‫َ‬ ‫الثقافة االسالمية‬
‫كل ادلواثيق واالتفاقات تؤكد على احًتام اذلوايت الثقافية لألمم والشعوب يف مجيع األحوال لكن اذباىات النظام‬
‫العادلي اجلديد ادلفروض على اجملتمع الدويل يف رلال الثقافة تسَت ضلو طمس اذلوايت الثقافية ‪،‬وزلو السمات احلضارية‬
‫لألمم والشعوب وأمام ىذا الوضع يتعُت على الثقافة اإلسالمية أن تثبت مواقعها ‪،‬وأن تقيم عالقتها مع الثقافات األخرى‬
‫ادلعاصرة ؛كما تواجو هبا‬
‫ادلعاصرة على أساس معقول من الندية والتكافؤ يف العمق واجلوىر ‪،‬وعليها اجلمع بُت األصالة و َ‬
‫سَت الزمن وسنة التطور حىت ال تتخلف عن ركب احلياة ادلعاصرة ومن ابرز ما ينبغي البحث عنو واحلرص عليو لتحقيق‬
‫ىذا الغرض معرفة عوامل القوة ‪،‬وأسباب الضعف لدى الثقافة اإلسالمية وىذا ما سنوجزه يف العناصر التالية ‪:‬‬
‫عوامل القوة يف الثقافة اإلسالمية‪:‬‬
‫الثقافة اإلسالمية تقوم على أسس ومبادئ قوية؛ أكسبتها قوة وسبيزاً وانفراداً عن غَتىا من الثقافات؛ وفيما يلي بيان‬
‫أىم عوامل القوة يف الثقافة اإلسالمية‪ ،‬وأىم ادلبادئ اليت تقوم عليها وتنطلق منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مصدرها األساسي الوحي الرابين‬
‫يقول عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر " إان قوم أعزان هللا ابإلسالم‪ ،‬فلن نبتغي العزة بغَته"‪ ،‬ضلن نؤمن إدياانً عميقاً‪ ،‬أن قوة الثقافة‬
‫اإلسالمية ىي يف جذورىا‪ ،‬وأصوذلا وعناصرىا األساسية ادلكونة ذلا‪ ،‬وتكمن القوة يف رابنية ادلصدرين األساسيُت‪ :‬كتاب‬
‫هللا‪ ،‬وسنة رسولو ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وما فيهما من أركان اإلديان‪ ،‬واإلسالم‪.‬‬
‫فاإلديان ابهلل وحده أعظم منطلقات الثقافة اإلسالمية ‪ ،‬وأعظم مقوم ذلا ؛ فهو الذي يوجو القلوب واجلوارح إىل هللا‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُت (ٕ‪َ )ٔٙ‬ال ََ ِر َ‬
‫يَ لَوُ‬ ‫اي َوشلََ ِاِت َّّلِل َر ِّ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫تعاىل ابلعمل ادلثمر والبناء قال تعاىل‪ (:‬قُل إِ َّن َ ِ‬
‫ص َالِت َونُ ُسكي َوَْزليَ َ‬ ‫ْ‬
‫ُت) (األنعام‪ )ٖٔٙ-ٕٔٙ:‬وبقدر ارتقاء الفرد يف عالقتو ابهلل يكون ارتقاؤه يف سلوكو مع‬ ‫ِِ‬ ‫وبِ َذلِ َ ِ‬
‫ت َوأ ََان أ ََّو ُل الْ ُم ْسلم َ‬
‫َ أُم ْر ُ‬ ‫َ‬
‫نفسو ‪،‬ورلتمعو ‪ ،‬وأمتو ؛ فادلسلم ينظر للحياة دبنظار خيتلف فيو عن اآلخرين ‪ ،‬فهو يعلم أن عمارتو لألرض جزء من‬
‫استَ ْع َمَرُك ْم فِ َيها ) ىود‬ ‫عبوديتو هلل تعاىل ومهمتو يف احلياة فهو خليفة هللا يف أرضو قال تعاىل‪ُ (:‬ى َو أَنْ َشأَ ُك ْم ِم َن ْاأل َْر ِ‬
‫ض َو ْ‬
‫‪ ، ٙٔ/‬ويعلم أن ىذه احلياة ليست غاية ‪ ،‬بل الغاية ىي الوصول إىل سعادة اآلخرة ‪ ،‬وىي ال تتأتى إال ابلعمل الصاحل ‪،‬‬
‫الذي يرضي احلق سبحانو وتعاىل ‪ ،‬وىذا ما يتلمسو ادلؤمن يف كل َأن من َؤون حياتو ‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬عمقها التارخيي وثراؤها احلضاري‪:‬‬
‫الثقافة اإلسالمية ثقافة ذلا عمق ضارب يف أعماق التاريخ‪ ،‬وذلا أصول اثبتة‪ ،‬وفروع َاسلة؛ وذلذا فقد اتصفت‬
‫ِ‬
‫َصلُ َها َاثبِ ٌ‬
‫ت َوفَ ْرعُ َها ِيف‬ ‫اّلِلُ َمثًَال َكل َمةً طَيِّبَةً َك َش َجَرة طَيِّبَةأ ْ‬
‫ب َّ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ابألصالة والتميز قال تعاىل‪ (:‬أَََلْ تَ َر َكْي َ‬
‫ف َ‬
‫ُت ِبِِ ْذ ِن َرِّهبَا) إبراىيم ‪ٕ٘-ٕٗ:‬‬ ‫السم ِاء (ٕٗ) تُ ْؤِِت أُ ُكلَ َها ُك َّل ِح ٍ‬
‫َّ َ‬
‫فبالرغم من امتزاج الثقافة اإلسالمية ابلثقافات األخرى‪ ،‬اليت كانت سائدة يف عهود اإلسالم األوىل‪ ،‬واستفادهتا من عطاء‬
‫األجناس واألقوام اليت تعايشت مع ادلسلمُت؛ إال أهنا بقيت ذات روح واحدة‪ ،‬وىوية متميزة؛ وحافظت على الثوابت‬
‫واألصول‪ ،‬واستوعبت عطاء احلضارات األخرى‪ ،‬وانتخبت منو ما يناسبها‪ ،‬وانتفعت من عطاء اللغات األخرى‪ ،‬وترمجت‬
‫عنها‪ ،‬وَل تتجاوزىا‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬القدرة على مجعها بٌن الثبات والتطور‬
‫فالثقافة اإلسالمية تتميز ابلرسوخ والثبات التام يف قواعدىا‪ ،‬وأصوذلا‪ ،‬ومصادرىا‪ ،‬وقيمها‪ ،‬يقول هللا عز وجل ( ُثَّ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َن َى َذا‬‫ين َال يَ ْعلَ ُمو َن) (اجلاثية‪ ، )ٔٛ :‬ويقول سبحانو ‪َ ( :‬وأ َّ‬ ‫اك َعلَى ََ ِر َيعة م َن ْاأل َْم ِر فَاتَّب ْع َها َوَال تَتَّب ْع أ َْى َواءَ الذ َ‬‫َج َع ْلنَ َ‬
‫السبُ َل فَتَ َفَّر َق بِ ُك ْم َع ْن َسبِيلِ ِو ذَلِ ُك ْم َو َّ‬
‫صا ُك ْم بِِو لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّ ُقو َن ) األنعام ‪ٔ٘ :‬‬ ‫يما فَاتَّبِعُوهُ َوَال تَتَّبِعُوا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صَراطي ُم ْستَق ً‬
‫ففي الثقافة اإلسالمية صلد الثبات على األصول والكليات‪ ،‬وعلى األىداف والغاايت‪ ،‬وعلى ادلبادئ والقيم الدينية‬
‫واألخالقية؛ شلا يًتتب عليو ضبط حركة اإلنسان‪ ،‬وتقييد تصرفاتو ضمن إطار زلدد‪ ،‬فال خيرج عن جادة اذلدى‪ ،‬وال حييد‬
‫عن معاَل األخالق‪ ،‬وال يتخلى عن ادلوازين والقيم اإلذلية‪ ،‬وضبط الفكر اإلنساين‪ ،‬فال يتأرجح مع الشهوات واألىواء‬
‫وادلؤثرات‪ ،‬وذلَ كلو يًتتب عليو ربصُت الفرد واجملتمع ضد الدعوات اذلدامة‪ ،‬والوقوف أمام طوفان الغزو الفكري‪،‬‬
‫ووسائل الفساد واالضلراف‪.‬‬
‫وصلد يف الثقافة اإلسالمية كذلَ الثبات يف ادلوازين وادلعايَت‪ ،‬اليت توزن هبا أعمال الناس مجيعاً‪ ،‬فال زلاابة‪ ،‬وال مداىنة‪،‬‬
‫فالعظيم واحلقَت‪ ،‬سواء أمام ادلبادئ اإلسالمية واألنظمة اإلسالمية‪ ،‬وأتكيداً ذلذا ادلعٌت جاء قول رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص " إمنا‬
‫أىلَ الذين قبلكم‪ ،‬أهنم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليو احلد‪ ،‬واًن هللا لو أن‬
‫(ٔ)‪.‬‬
‫فاطمة ابنة دمحم سرقت لقطعت يدىا "‬

‫‪)1‬‬
‫رواه البخاري‪ ،‬حديث رقم (٘‪)ٖٗٚ‬؛ ومسلم‪ ،‬حديث رقم (٘ٓ٘ٗ)‪.‬‬
‫وذلَ كلو مرتبط بثبات ادلرجعية وادلنطلقات اليت تنطلق منها الثقافة اإلسالمية يف مرجعيتها الرابنية ادلتمثلة ابلكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫وىذا ال يعٍت االنعزال واجلمود‪ ،‬بل ىو ثبات يساير التطور احلضاري‪ ،‬واالنفتاح على اجلديد من العلوم وادلعارف‪،‬‬
‫بتوازن ربت مظلة معتقداتنا وقيمنا‪ ،‬وبتطور ديكنها من االنفتاح خبطى اثبتة ضلو الثقافات األخرى‪ ،‬من منطلق التكافؤ‬
‫احلضاري‪ ،‬وذلَ ىو قمة احلركة واإلبداع‪ ،‬ولكن يف إطار احلقائق والقواعد اإلسالمية‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬نظرهتا الشمولية وتوازهنا ادلعتدل‬
‫الثقافة اإلسالمية تستوعب كل جوانب احلياة ورلاالهتا‪ ،‬وتستوعب األمور ادلتعلقة ابلدنيا‪ ،‬وادلتعلقة ابآلخرة‪ ،‬وتنظر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لذلَ كلو نظرة متوازنة؛ متمثلة قول هللا تعاىل‪َ ( :‬ربَّنَا آَتنَا ِيف الدُّنْيَا َح َسنَ ًة َوِيف ْاآلَخَرِة َح َسنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫اب النَّار ) ( البقرة ‪:‬‬
‫ٕٔٓ) وذلَ بسبب النظرة الشمولية ‪،‬والتصور الكامل للحياة كلها ‪ ،‬يف أدق قضاايىا وأجلها ؛ فهناك مشول وتكامل‬
‫فيما يتعلق‬
‫ٔ‪ -‬ابالعتقاد والعمل ‪ ،‬وفيما يتعلق ٕ‪ -‬ابحلقوق والواجبات ‪ ،‬وفيما يتعلق ٖ‪-‬ابلنظر لإلنسان جسدا وروحا وعقال‬
‫وعاطفة‬
‫والثقافة اإلسالمية يف نظرهتا الشمولية للحياة‪ ،‬تنظر بتوازن واعتدال بٌن خمتلف األطراف ادلتقابلة وكان هذا‬
‫التوازن يف رلاالت عدة منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬فهناك توازن بُت العبادة والعمل‪ ،‬فال تتكالب على ادلادايت كما يفعل النفعيون وننسى حاجاتنا الروحية‪ ،‬وواجب‬
‫العبودية للخالق جل َأنو‪ ،‬وال نتنكر دلبادئنا ألجل ادلادية ادلقيتة‪ ،‬ويف ادلقابل‪ ،‬فإننا ال نستغرق يف اجلانب الروحي‪،‬‬
‫استغراقاً نغفل بو عن واجباتنا احلضارية‪ ،‬وإمنا نبتغي بُت ذلَ سبيالً‪.‬‬
‫‪ -2‬وىناك توازن بُت ابتغاء الدنيا وابتغاء اآلخرة‪ ،‬فلينظر اإلنسان ما قدمو لغد‪ ،‬وال ينس نصيبو من الدنيا‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫َ ِمن الدُّنْيا وأ ِ‬ ‫اّلِل الدَّار ْاآلَ ِخرَة وَال تَْن ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫اّلِلُ إِلَْي َ‬
‫َ َوَال تَْب ِغ الْ َف َس َاد ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫َح َس َن َّ‬
‫َحس ْن َك َما أ ْ‬
‫س نَصيبَ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫يما آَ ََت َك َُّ َ َ َ‬ ‫( َوابْتَ ِغ ف َ‬
‫ين ) (القصص ‪. )ٚٚ :‬‬ ‫ِِ‬ ‫اّلِلَ َال ُِحي ُّ‬
‫إِ َّن َّ‬
‫ب الْ ُم ْفسد َ‬
‫‪-3‬وىناك التوازن بُت احلقوق والواجبات؛ فما من حق يف الثقافة اإلسالمية إال ويقابلو واجب‪ ،‬وكل من يقصر يف‬
‫الواجبات فهو يفرط يف احلقوق‪.‬‬
‫‪-4‬وىناك التوازن بُت مصاحل الفرد ومصاحل اجلماعة؛ فال يطغى فيها حق الفرد على حق اجلماعة‪ ،‬وال يطغى حق‬
‫اجلماعة على حقوق الفرد‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬توافقها مع العقل والفطرة والعلم‬
‫وقد ظهر توافق الثقافة اإلسالمية مع العقل يف صور سلتلفة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الثقافة اإلسالمية تدعو إىل طلب العلم‪ ،‬وتكرم أىلو؛ وتنظر للعقل اإلنساين نظرة صحيحة‪ ،‬فقد أقام اإلسالم‬
‫العقل اإلنساين يف زللو الصحيح‪ ،‬وكشف عنو الزيف واخلرافة‪ ،‬وأرَده ليعرف ربو من خالل آايتو قال تعاىل‪َ (:‬وِيف‬
‫ت لِْلموقِنُِت (ٕٓ) وِيف أَنْ ُف ِس ُكم أَفَ َال تُب ِ‬
‫ص ُرو َن ) الذارايت ‪ٕٔ-ٕٓ :‬‬ ‫ْاأل َْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ض آَ َاي ٌ ُ َ‬
‫‪ -2‬وحرره من التبعية والتقليد بال تفكَت وال نقد‪ ،‬كما نعى القرآن على الكفار (بَ ْل قَالُوا إِ َّان َو َج ْد َان آَ َابءَ َان َعلَى أ َُّم ٍة َوإِ َّان‬
‫َعلَى آَ َاث ِرِى ْم ُم ْهتَ ُدو َن ) الزخرف ‪ ٕٕ :‬؛ فمع كون رابنية مصدر الثقافة اإلسالمية حيدد اإلطار الذي يسَت فيو اإلنسان‬
‫يف احلياة ‪ ،‬إال أنو ال يلغي حركة اإلنسان ‪ ،‬وتفكَته ‪ ،‬واختياراتو ‪ ،‬من خالل دور العقل البشري يف الفهم والتجديد ‪،‬‬
‫وفق ضوابط الشرع ‪ ،‬وضمن رلالو ادلتاح ‪.‬‬
‫‪ -3‬صلد الثقافة اإلسالمية ربث اإلنسان على التفكَت السليم والنظر الصحيح‪ ،‬إىل ما يزخر بو عاَل النفس وآفاق‬
‫الكون من اآلايت‪ ،‬وصلدىا كذلَ قد أقامت العديد من احلجج العقلية‪ ،‬ولفتت النظر إىل األقيسة الواقعية وادلوازين‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫والثقافة اإلسالمية منسجمة مع الفطرة اإلنسانية السليمة اليت فطر هللا اإلنسان عليها ومتوافقة مع العلم الصحيح‬
‫‪ ،‬ومع العقل السليم ؛ فادلسلم يف عقيدتو يؤمن أبن هللا ىو الذي خلق ىذا الكون ‪ ،‬وسخر ما يف ىذا الوجود لإلنسان‬
‫‪ ،‬والثقافة اإلسالمية تعلي منزلة العلم ‪ ،‬وتكرم أىلو ‪ ،‬وربث عليو فادلسلم ينظر يف ىذا الكون فَتى فيو قدرة الباري‬
‫سبحانو وعظمتو وسلطانو ‪ ،‬فيسَت يف ىذه احلياة على وفق السنن اليت بثها هللا فيو ‪ ،‬ال خيرج عنها ‪ ،‬بل إديان ادلسلم بربو‬
‫وخضوعو لو ‪ ،‬ىو أوج قوتو وسلطتو ‪ ،‬وال يداخلو يف ذلَ الغرور الذي داخل غَته عندما سبكن من بعض أسباب احلياة‬

‫سادساً‪ :‬إنسانية أصوذلا وأخالقية مبادئها‬

‫إن من أىم عوامل قوة الثقافة اإلسالمية األخالق النبيلة وادلبادئ السامية اليت يتمسَ هبا ادلسلمون ‪ ،‬وقد كانت من‬
‫أعظم وسائل الدعوة لدين هللا ‪ ،‬ومن أمجل ما حبب الناس للدخول فيو والتمسَ بو ‪ ،‬كيف ال والقرآن والسنة تدعوىم‬
‫ت إِ َىل أ َْىلِ َها) ( النساء ‪ )٘ٛ :‬ويقول عز وجل ( َوأ َْوفُوا‬ ‫اان ِ‬ ‫إىل ذلَ ‪ ،‬يقول هللا تعاىل ‪( :‬إِ َّن َّ‬
‫اّلِلَ ََيْ ُم ُرُك ْم أَ ْن تُ َؤُّدوا ْاأل ََم َ‬
‫ان َوإِيتَ ِاء ِذي‬
‫اإلحس ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِابلْ َع ْه ِد إِ َّن الْ َع ْه َد َكا َن َم ْسئُ ًوال) (اإلسراء ‪ )ٕٗ :‬؛ ويقول سبحانو وتعاىل ‪ ( :‬إِ َّن َّ‬
‫اّلِلَ ََيْ ُم ُر ابلْ َع ْدل َو ْ ْ َ‬
‫الْ ُق ْرَب) ( النحل ‪ )ٜٓ :‬؛ ولقد ربقق العدل ‪ ،‬والصدق يف القول والفعل واحلكم يف َترخينا أبرقى الصور ؛ ال فرق يف‬
‫ذلَ بُت ضعيف وقوي ؛ وذكر وأنثى وحاكم وزلكوم ‪،‬ومسلم وغَت مسلم‪ .‬وقد استوعبت الثقافة اإلسالمية كل‬
‫األجناس واألقوام‪ ،‬وعاملتهم بعدل وإحسان؛ بدون تفرقة عنصرية‪ ،‬أو سبيز عرقي‪.‬‬
‫كما راعت ادلشاعر اإلنسانية والرمحة اليت تقتضيها فطرة اإلنسان‪ ،‬دون النظر إىل عقيدتو‪ ،‬أو ثقافتو‪ ،‬أو عرقو‪ ،‬فضالً‬
‫اى ْم َعلَى‬ ‫عن رعاية اإلنسان وتكرديو قال تعاىل‪(:‬ولََق ْد َكَّرمنَا ب ٍِت آَدم و َمح ْلنَاىم ِيف الْب ِر والْبح ِر ورزقْ نَاىم ِمن الطَّيِب ِ‬
‫ض ْلنَ ُ‬
‫ات َوفَ َّ‬‫ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ّ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ض ًيال) (اإلسراء‪. )ٚٓ :‬‬ ‫َكثِ ٍَت ِشلَّن خلَ ْقنَا تَ ْف ِ‬
‫ْ َ‬
‫عالقة الثقافة اإلسالمية ابلثقافات األخرى‬
‫الََ أن امتزاج الثقافات ادلختلفة يثري الفكر اإلنساين ‪ ،‬ويكسبو أفكاراً جديدة ‪ ،‬وخربات متنوعة ‪ ،‬وقد امتزجت‬
‫الثقافة اإلسالمية مع الثقافات األخرى ‪ ،‬وتفاعلت معها ‪ ،‬واستوعبتها ‪ ،‬وَل تتغَت طبيعتها ‪ ،‬بل أضافت للثقافات‬
‫األخرى إبداعاً يف كافة اجملاالت ‪ ،‬وظل فكرىا ديثل الفكر الرائد وادلبدع ‪ ،‬وَل تسمح ألي ثقافة أجنبية أن تطغى عليها ‪،‬‬
‫أو تغَت معادلها ‪ ،‬بل ىي اليت طبعت الثقافات األخرى بطابعها ‪ ،‬وأثرت فيها ؛ ألهنا كانت حينها تقف على قاعدة‬
‫صلبة ‪ ،‬مبنية على أصول اثبتة وراسخة ؛ وذلذا كانت وما زالت ذلا عالقات متميزة مع تلَ الثقافات ‪.‬‬
‫ولعلنا نوجز هنا أبرز مالمح عالقة الثقافة اإلسالمية ابلثقافات األخرى‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬عالقة الثقافة اإلسالمية ابلثقافات السابقة‪:‬‬
‫دبتابعة َتريخ تالقي الثقافة اإلسالمية ابلثقافات األخرى يف زمن الفتوح اإلسالمية‪ ،‬نستخرج ادلالمح التالية يف العالقة‬
‫بُت الثقافة اإلسالمية والثقافات اجلديدة عليها‪:‬‬
‫االنفتاح على ثقافات األمم والشعوب‪ ،‬واستيعاهبا‪ ،‬وتكيفها مع روح الثقافة اإلسالمية‪ ،‬فيما ال يتعارض مع‬ ‫‪-1‬‬
‫أصوذلا وثوابتها‪.‬‬
‫ربرير األمم والشعوب من اخلرافات الوثنية ادلبثوثة يف ثقافاهتم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫إثراء الثقافة اإلسالمية؛ حيث انتخبت وزبَتت من الًتاث احلضاري لألمم األخرى يف اجملاالت العلمية‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وقامت – مع انتفاعها – بتصحيح ما لدى تلَ األمم من أخطاء؛ اعتماداً على مصدرىا اإلذلي‪ ،‬كما أهنا‪-‬مع‬
‫التصحيح – أضافت اجلديد إليها‪.‬‬
‫ترمجة كثَت من العطاء العلمي لألمم األخرى‪ ،‬وابتكروا ادلناىج العلمية‪ ،‬وافتتحوا ادلدارس وادلعاىد‪ ،‬وألفوا الكتب‬ ‫‪-4‬‬
‫وادلراجع‪ ،‬وأقاموا ادلراصد وادلشايف‪ ،‬وادلختربات‪.‬‬
‫ولقد ساعد ىذا التفاعل على انتشار الثقافة اإلسالمية‪ ،‬وامتداد فروعها‪ ،‬وتعميق جذورىا‪ ،‬يف بيئات سلتلفة‪ ،‬وسرت‬
‫روح احلضارة اإلسالمية‪ ،‬وقيمها‪ ،‬يف تلَ الشعوب واجملتمعات‪.‬‬
‫أتثًن الثقافة العربية يف النهضة األوروبية‪:‬‬
‫كانت الثقافة اإلسالمية دبثابة واسطة العقد ‪ ،‬بُت العلوم والثقافات القددية وبُت النهضة األوروبية ؛ فالثقافة اإلسالمية‬
‫سلسلة متصلة احللقات ‪ ،‬امتدت من احلضارات القددية ‪ ،‬من مصرية ‪ ،‬وآَورية ‪ ،‬واببلية ‪ ،‬وصينية ‪ ،‬إىل حضارة‬
‫اإلغريق واإلسكندرية ‪ ،‬فقد أتثر علماء ادلسلمُت هبذه الثقافات القددية يف تراثها احلضاري ‪ ،‬وأضافوا إليها الكثَت ‪ ،‬ث‬
‫أثروا بدورىم فيمن حلقهم من علماء النهضة األوربية ‪ ،‬الذين اطلعوا على تراث الثقافة اإلسالمية احلضاري ‪ ،‬وهنلوا منو ‪،‬‬
‫واَتغلوا بدراستو وربليلو ‪ ،‬بل لقد استفاد علماء الغرب من الثقافة اإلسالمية ما ىو أبعد من رلرد ادلعلومات ‪ ،‬فقد‬
‫اكتسبوا العقلية العلمية ذاهتا ‪ ،‬بكل طابعها التجرييب واالستقرائي ‪ ،‬حبيث وجد األوربيون يف الًتاث العريب اإلسالمي ‪،‬‬
‫ويف الثقافة اإلسالمية ضالتهم ادلنشودة ‪ ،‬فعكفوا على دراستو وربليلو ونشره ‪.‬‬
‫وقد مت استفادة علماء الغرب من الثقافة االسالمية بعدة صور منها‪:‬‬
‫نُقلت الكثَت من ادلؤلفات العلمية اإلسالمية‪ ،‬يف سلتلف العلوم والفنون إىل أوراب‪ ،‬وتُرمجت إىل عدة لغات‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وكانت تُدرس يف معاىدىم وجامعاهتم‪ ،‬ويعتمدون عليها كمراجع أساسية؛ حىت اعًتف بعض مفكريهم بفضل الثقافة‬
‫اإلسالمية على الفكر األوريب‪.‬‬
‫عكف علماؤىم على دراسة اآلاثر العلمية لعلماء ادلسلمُت‪ ،‬وال ديكن تصور مدى أتثَت الثقافة اإلسالمية يف‬ ‫‪-2‬‬
‫احلضارة الغربية‪ ،‬إال بتصور حالة اجلهل اليت كانت تعيشها أوراب يف ذلَ احلُت‪.‬‬
‫وقد انتقلت الثقافة اإلسالمية إىل أورواب ادلسيحية عن طريق ثالث معابر‪ ،‬ىي أسبانيا‪ ،‬وصقلية‪ ،‬وسوراي أايم‬
‫احلروب الصليبية‪ ،‬وعن طريقها انتقلت آاثر احلضارة اإلسالمية‪ ،‬ومؤلفات العلماء ادلسلمُت إىل أورواب؛ حىت أنشأوا عام‬
‫ٖٓٔٔم مكتباً لًتمجة الكتب العربية إىل الالتينية‪ ،‬يف طليطلة‪ ،‬برعاية رئيس األساقفة آنذاك‪ ،‬ث تزايدت حركة الًتمجة بعد‬
‫ذلَ‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬عالقات الثقافة اإلسالمية ابلثقافة الغربية ادلعاصرة‬
‫إذا ربدثنا عن الواقع ادلعاصر ‪ ،‬وجدان للثقافة الغربية حضوراً فاعالً وثقالً كبَتاً ‪ ،‬بسبب التقدم العلمي والتقٍت ‪ ،‬وقوة‬
‫اإلعالم واالتصال فمعظم وكاالت األنباء العادلية اليت تعترب ادلصدر األساسي ألكثر من ٓ‪ %ٛ‬من األخبار وادلعلومات ‪،‬‬
‫ىي وكاالت غربية ‪ ،‬يضاف إىل ذلَ أهنم أصحاب التقنية يف وسائل اإلعالم واالتصال ‪ ،‬وىم صناع األقمار الصناعية‬
‫وأجهزة البث وااللتقاط إىل جانب القوة االقتصادية والعسكرية والسياسية ‪ ،‬اليت جعلت تلَ الثقافة يف موضع القوة ‪،‬‬
‫ومكنتها من نشر فكرىا وثقافتها ‪ ،‬يف بيئة الثقافات األخرى ورلتمعاهتا ‪.‬‬
‫ولئن كانت الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ثقافة ادلبادئ والقيم اإلنسانية السوية‪ ،‬إال أن بعض أتباعها َل يربأ من التأثر بثقافات‬
‫العصر‪ ،‬وذلَ يف اجلوانب اليت تتصادم مع مبادئ الثقافة اإلسالمية وقيمها ومعتقداهتا‪ ،‬وقد كان ىذا التأثر يتفاوت يف‬
‫بعض األحيان بعداً وقرابً من اجلذور واألصول؛ األمر الذي يفقد الثقافة اإلسالمية – لدى بعض أبنائها – قدراً من‬
‫خصائص ىويتها‪.‬‬

‫واليوم إذ صلد أنفسنا أمام ىذا الواقع التارخيي‪ ،‬فنحن حباجة إىل موقف سليم من الثقافات األخرى‪ ،‬ففي الوقت الذي‬
‫نرى فيو ضعف فاعلية الثقافة اإلسالمية بسبب ضعف أبنائها يف تفعيل مبادئها‪ ،‬صلد أمامنا أيضاً مواقف متباينة من‬
‫الثقافات األخرى فمن ىذه ادلواقف‪:‬‬
‫ادلوقف األول‪ :‬الصد واإلعراض‬
‫ىناك من يغلق األبواب أمام احلضارات األخرى مجلة وتفصيالً‪ ،‬ويرفض اإلفادة منها‪ ،‬أبي صورة من الصور‪ ،‬ويتخذ‬
‫موقفاً سلبياً من احلضارة الغربية‪ ،‬ويرفضها َكالَ وموضوعاً؛ متومهاً أن يف ذلَ محاية للثقافة اإلسالمية من كل دخيل‪،‬‬
‫وال ََ يف خطأ ىذا ادلوقف‪ ،‬من عدة جوانب‪:‬‬
‫اجلانب الديين‪ :‬ىذا ادلوقف يصادم اجلانب الديٍت؛ فالدين حيث على استعمال العقل‪ ،‬والتفكَت يف الكون‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫واقتباس الصاحل النافع‪ ،‬وأخذ احلكمة أىن وجدت‪.‬‬
‫‪ .2‬اجلانب الدعوي‪ :‬فهذا ادلوقف ال يتفق مع منهج اإلسالم يف الدعوة إىل هللا‪ ،‬وواجب ادلسلمُت يف تبليغ دين‬
‫هللا إىل الناس‪ ،‬وترغيبهم يف الدخول فيو‪ ،‬فنحن أمة الدعوة قال تعاىل‪َ (:‬ولْتَ ُك ْن ِمْن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ ْدعُو َن إِ َىل ْ‬
‫اخلََِْت َو ََيْ ُم ُرو َن‬
‫ِابلْمعر ِ‬
‫وف َويَْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمْن َك ِر) آل عمران‪ٔٓٗ/‬‬‫َ ُْ‬
‫اجلانب العلمي واحلضاري‪ :‬حيث يؤدي ىذا ادلوقف إىل عدم االستفادة من العلوم العصرية‪ ،‬ومن التقدم‬ ‫‪-3‬‬
‫احلضاري للثقافات األخرى يف اجلوانب اليت سبيزوا فيها‪ ،‬واليت ديكن لنا االستفادة منهم فيها دون حرج‪ ،‬وحيرم األمة من‬
‫االستفادة شلا لدى اآلخرين من منجز حضاري وتقدم مدين؛ كما أن ىذا ادلوقف غَت قابل للتطبيق يف عصر االنفتاح‬
‫واالتصاالت‪ ،‬اليت تكاد تلغي فيو ادلسافات وتزول الفواصل‪.‬‬
‫اجلانب التارخيي والواقعي‪ :‬فقد تعاملت األمة اإلسالمية سابقاً مع ثقافات األمم والشعوب األخرى‪ ،‬وَل‬ ‫‪-4‬‬
‫تتحرج يف ذلَ‪ ،‬وأثرت فيها‪ ،‬واستفادت منها‪ .‬فهي القدوة يف ذلَ‪.‬‬
‫ادلوقف الثاين‪ :‬االنفتاح واالنبهار‬
‫ىناك من ضلى منحى االنفتاح الكامل على الثقافات األخرى‪ ،‬والثقافة الغربية خاصة‪ ،‬وجعل األبواب مشرعة أمام كل‬
‫وافد من احلضارات ادلعاصرة‪ ،‬ويف كل رلال من رلاالت الثقافة‪ ،‬وقبوذلا بكل ما فيها وإن كان سلالفاً للمبادئ ومعارضاً‬
‫لألصول‪ ،‬ومن ث الذوابن يف حبرىا؛ انبهاراً هبا‪ ،‬ودبا وصلت إليو من تقدم مادي وعلمي‪ ،‬أو أتثراً بفكرىم وفلسفتهم‪ ،‬أو‬
‫تقليداً ذلا‪ ،‬أو افتتاانً دبا فيها من مغرايت وَهوات‪.‬‬
‫واحلقيقة ان هذا ادلوقف على جانب كبًن من اخلطورة من عدة جوانب‪:‬‬
‫اجلانب الديين ‪ :‬ففي ىذا ادلوقف مصادمة لثوابت الدين ‪ ،‬وتنكر لشمولية الشريعة لكافة جوانب احلياة ؛‬ ‫‪.1‬‬
‫وىو يعد اضلرافاً فكرايً صارخاً ‪ ،‬وخواء عقدايً فاضحاً ‪.‬‬
‫اجلانب االجتماعي واحلضاري‪ :‬ففي ىذا ادلوقف مسخ ذلوية األمة‪ ،‬ودعوة إىل فتح ابب التغريب على‬ ‫‪.2‬‬
‫مصراعيو‪ ،‬وخطره األكرب على احلياة االجتماعية والفكرية خاصة شلا ال خيفى؛ كما أن يف ىذا ادلوقف إجحافاً حبق َتريخ‬
‫وحضارة األمة اإلسالمية ومنجزاهتا الضخمة‪ ،‬وفيو ظلم وتنكر ذلا‪ ،‬بعد أن أقر هبا‪ ،‬وبعظمتها‪ ،‬وفضلها على البشرية‬
‫مجعاء حىت أعداؤىا‪.‬‬
‫اجلانب األخالقي‪ :‬فهذا ادلوقف ديثل اضلالالً خلقياً‪ ،‬وراء سعار الشهوات؛ وىو موقف يضعف األمة ‪ ،‬ويهدم‬ ‫‪.3‬‬
‫كياهنا وال يبنيها‪ ،‬فإن حقيقتو تتمثل يف ‪-ٔ:‬إلغاء للعقول ‪ -ٕ ،‬وانسالخ من اذلوية اإلسالمية ٖ‪ -‬وزلو للعفة‬
‫والفضيلة‪.‬‬
‫ادلوقف الثالث‪ :‬االستفادة واالنتقاء‬
‫ىناك من دعا إىل االستفادة من الثقافات األخرى دبا ال يعارض ثقافتنا‪ ،‬واالنفتاح عليها‪ ،‬ابلقدر الذي ال يتعارض مع‬
‫ثوابتنا وقيمنا‪.‬‬
‫واحلقيقة أن ىذا ادلوقف ينطلق من الوعي الكامل بقيمة الثقافة اإلسالمية‪ ،‬وشليزاهتا‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬ومبادئها‪ ،‬وأهنا ىي‬
‫الثقافة اليت أراد هللا ذلا قيادة البشرية يف كل زمان ومكان؛ ويف الوقت ذاتو ىو موقف يعي التوجيو اإلسالمي الداعي‬
‫لالستفادة شلا لدى اآلخر من انفع؛ فاحلكمة ضالة ادلؤمن أىن وجدىا فهو أحق الناس هبا‪ ،‬فهو يدعو إىل امتالك العقلية‬
‫ادلنهجية الواعية اليت تعتمد البحث والتمحيص واالنتقاء فال َيخذ كل َيء مجلة‪ ،‬وذلَ مطلب َرعي‪ ،‬كما قال النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص " ال تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكم وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن ربسنوا‬
‫(ٕ)‬
‫وأن أساءوا فال تظلموا"‪.‬‬
‫كما أنو موقف يتجانس مع موقف الثقافة اإلسالمية من الثقافات األخرى عرب التاريخ ادلمتد‪.‬‬
‫يقول اإلمام ابن تيمية‪ " :‬فإن ذكر ما ال يتعلق ابلدين‪ ،‬مثل مسائل الطب واحلساب احملض اليت يذكرون فيها ذلَ‪ .‬ما‬
‫غايتو انتفاع آباثر الكفار وادلنافقُت يف أمور الدنيا؛ فهذا جائز‪ ..‬فأخذ علم الطب من كتبهم مثل االستدالل ابلكافر‬
‫على الطريق‪ ،‬واستطبابو‪ ،‬بل ىذا أحسن‪ ،‬ألن كتبهم َل يكتبوىا دلعُت من ادلسلمُت حىت تدخل فيها اخليانة‪ ،‬وليس ىناك‬
‫حاجة إىل أحد منهم اخليانة‪ ،‬بل ىو رلرد انتفاع آباثرىم‪ ،‬كادلالبس وادلساكن وادلزارع والسالح‪ ،‬وضلو ذلَ"‬
‫ويف حاضران ادلعاصر يقول اإلمام الشنقيطي‪ " :‬ادلوقف الطبيعي لإلسالم وادلسلمُت من احلضارة الغربية‪ ،‬ىو أن جيتهدوا‬
‫يف ربصيل ما أنتجو من النواحي ادلادية‪ ،‬وحيذروا شلا جنتو من التمرد على خالق الكون جل وعال؛ فتصلح ذلم الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬ومن ادلؤسف أن أغلبهم يعكسون القضية‪ ،‬فيأخذون منها االضلطاط اخللقي‪ ،‬واالنسالخ من الدين ‪ ،‬والتباعد‬

‫ٕ) رواه الًتمذي ‪ ،‬حديث رقم (‪)ٕٖٔٛ‬االمعو‪:‬بكسراذلمزة وتشديدادليم الذي الرأي لو والعزم فهو يتابع كل أحدعلى رأيو وال يثبت على‬
‫َيء‬
‫من طاعة خالق الكون وال حيصلوا على نتيجة شلا فيها من النفع ادلادي ؛ فخسروا الدنيا واآلخرة ‪ ،‬ذلَ ىو اخلسران‬
‫‪.‬‬
‫ادلبُت "‬
‫ويف ظل زلاولة الثقافة الغربية اليوم فرض نفسها‪ ،‬ربت مسمى الثقافة العادلية‪ ،‬يتوجب علينا أن نقدم أنفسنا وثقافتنا‬
‫لقيادة العاَل‪ ،‬ابلرمحة والعدل‪ ،‬وابلعلم والعمل‪ ،‬وابلوعي احلضاري الراقي‪.‬‬

You might also like