Professional Documents
Culture Documents
بحث وداد
بحث وداد
تعت بر وح دة الوج ود م ذهب فلس في أو عقي دة فلس فية نق ول ب أن اهلل والطبيع ة حقيق ة
واح دة ،وأن اهلل ه و الوج ود الح ق ،كم ا أنه ا تق ر ب أن اهلل ص ورة ه ذا الع الم المخل وق ،أم ا
مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود اهلل دون أن يكون لها وجود قائم بذاته وهي
فك رة قديم ة أع اد إحيائه ا بعض المتص وفة من أمث ال :محي ال دين ابن ع ربي ،عم ر ابن
الق ارض ،وابن سبعين ،والتلمس اني وال ذين ت أثروا بالفلسفة األفالطوني ة المحدث ة هو فلسفة
الروائيين .ويعتبر بعض العلماء أهل السنة والجماعة من يعتقد بوجود الوجود أنه زنديق
خارج من دين اإلسالم ،وقد نادى بوحدة الوجود بعض فالسفة الغرب من أمثال اسبينوزا
و هيجل .فأهل الوحدة يعتقدون أنه ال وجود إال الوجود الواجب وهو وجود واحد ال يتعدد
وال يتكثر ،وأما العالم فهو موجود بنفس وجود اهلل تعالى ،إليجاد بمعنى أن العالم إنما هو
ولم يح دث وج ود الع الم بع د عدم ه ،ب ل الح ادث عنهم إنم ا ه و ص ورة الع الم بع د ع دمها،
والصورة عين المظهر اإللهي ،ولذلك يقولون إن اهلل تعالى تجلى لنفسه.
تعت بر آخ ر وح دة الوج ود هي اإلعتق اد أن الك ون (أو الطبيع ة) واهلل (أو األلوهي ة)
هو اهلل ،إذن الواحدية ترمز إلى فكرة اهلل كعملية مرتبطة بالكون ،تعددت مذاهب الواحدية
المادية ،والواحدية الروحية ،إال أن األفكار المشتركة في كل المذاهب تنظر للعالم ككل م ع
نظ رة توف ير ل ه وتع د بين للك ون والطبيع ة ،وتع رف عقي دة الوج ود باعتباره ا نظري ة
ميتافيزيقي ة تنظ ر هلل والع الم على أنهم ا كينون ة واح دة أو هي الق ول بانتق اء ثنائي ة الح ق
والخلق وإ ثبات الوجود ،لكن يبقى هذا األمر غير دقيق ،ألنه يمكن اإلستعاضة عن مذهب
وحدة الوجود بمصطلح البقاء الذي هو شيوع المبدأ اإللهي في تحلياته أو هو ان دياح نقط ة
المركز في الدائرة ،ويعرف البقاء كذلك شهود الخلق بالخلق ،فمن عرف الحث شهده في
كل شيء ولم .....شيئا لنفوذ بصيرته من شهود عالم األشباح إلى شهود عالم األرواح.
ومن شهود عالم الملك إلى شهود فضاء الملكة وفي هذه الحالة ال يكون الصوفي با.....
بل في شهود هما معا ،فيرى اهلل في كل شيء ويرى كل شيء في اهلل ،ثم ما لبث
أن تتالشى رؤيته في اهلل تدريجيا بمقدار ما تزيد رؤيته للعالم .وربما كانت مسألة وحدة
الوج ود من أهم المس ائل العويص ة والكب يرة ال تي دار حوله ا البحث والنظ ر بين األط راف
عديدة ال في التاريخ اإلسالمي فقط بل في تاريخ الفكر اإلنساني بشكل عام ،وال أقول أن
هذه النظرية كانت منتشرة مقبولة بين الناس منذ أوائل التاريخ اإلنساني ،وال بل أقول فقط
إنه ا ك انت بين المس ائل ال تي وض عها العق ل اإلنس اني تحت النظ ر والبحث ،ب ل أس تطيع
األزم ات والت اريخ ،إال عن د طائف ة محص ورة مع دودة من الفالس فة ،ال ذين لم يكتب ألرائهم
النج اح واإلنتش ار والقب ول مقارن ة بغيره ا من المس ائل ،والحقيق ة أن م ذهب وح دة الوج ود
يعد من بين المذاهب المشكلة الخطيرة ،وأساس هذا المذهب هو اإلعتقاد بأنه ال وجود إال
هلل تعالى وأن المخلوقات ال وجود على سبيل المجاز ،أما في الواقع ،فال وجود لها مطلقا.
فوحدة الوجود هي األصل حال قبل أن تكون نظرية ،وذلك نظرت لكونها جزء ال يتجزأ
من التجرب ة الص وفية ،ومن ه ال يمكن أن تك ون وح دة الوج ود اإلنظاري ة يس لك فيه ا جامع ا
طري المنظرين أو النظار بين وضع المدمات واستخالص النتائج ،فد تحصل هذه العقيدة
"وحدة الوجود" الصوفي عندما يبدأ يصحو من غ ...من العالم ،وقبل أن يعود إلى أرض
الواقع تماما فقد تعترف عقيدة وحدة الوجود بثنائية الحق والحلق ،وتنفيها في الوقت ذاته،
فهي تحاف ظ على الثنائي ة فيم ا تق ول بالوح دة ونحاف ظ على الوح دة فيم ا نق ول بالثنائي ة ،أي
أنها ثنائية في وحدة أو وحدة ثنائية لكنها تمنع الوحدة قيمة مطلقة ،والثنائية قيمة نسبية،
والسبب في ذلك قدم الحق وحدث الخلق ،فالخلق أو العالم محدث غير قديم ،وان وجوده
به ذه الص فة ليس إال وج ود ع ابر بم ا ه و ض ائر إلى زوال ،بينم ا وج ود الح ق تع الى ه و
وجود أزلي ،وهو موجود أبدا بل هو الوجود بامتياز ،وبذلك يكون وجود الخلق قياسا إلى
ط له
وجود الحق ،وجود كالعجم ،أو هو الالوجود ،فكل ماله بداية ونهاية فهو محدث الح ّ
في ق دم ،وه و به ذه الص فة ال وج ود ل ه إال م ابين بدايت ه ونهايت ه أم ا قب ل البداي ة والنهاي ة،
فعدم صرف على صعيد الخلق بماهو خلق ،إذن ثنائية الحق والخلق معترف بها بمقدار
وجود الخلق مابين نشأته ومآله ،وغال فالوجود للحق وحده ،ألنه الوجود بامتياز ،وعلى
هذا تكون ثنائية الحق وحده ذو قيمة مطلقة ،أو يمكن القول إن ثنائية الحق والخلق شأن
عابر ،يبنما وجود الحق هو الثابث والدائم ،أو القول إن وجود الحق وجود حقيقي ووجود
الخلق وجود اعتباري ،وبالتالي فنظرية وحدة الوجود تعترف بالمبانية إلى جانب المحادثي ة
وبالنثرية مع التشبيه ،وبال .....مع التنفيد ،كما أنها تعترف بالمفارقة مع الكمون ،وذلك
قصد إقرارها بأن الصلة بين الحق والخلق معنوية وجوهرية غير مادية ،أو بتعبير أدق إن
وحدة الوجود تقول بإحتواء األلوهية للعالم ،وهذا أفضل من تعبير المحاثية ،كما تعد وحدة
الوج ود أيض ا مص طلح تك ثر اإلش ارة إلي ه عن د الح ديث عن الص وفية وخصوص ا عن د
الحديث عن الشيخ األكبر محي الذين ابن عربي رحمه اهلل في كتابه المشهور "الفتوحات
المكي ة" ،إذ اس تخدم مص طلح وح دة الوج ود للتعب ير عن مفه ومين مختلفين تمام ا في نفس
ب ....أن للوجود بما يحتويه من الكائنات وأشكال مختلفة هو اهلل نفسه ،أو يقول أن ذات
اهلل هي الوج ود الفعلي بأش كاله المادي ة من كائن ات حي ة وجم ادات وغيره ا ،فعلى ه ذا
الوج ود كل ه ه و ش يء واح د فق ط متح د ببعض ه ،أال وه و اهلل ،ول ذلك س مي بوح دة الوجود
تع الى اهلل عن ه ذا عل و كب يرا ،إن م ذهب وح دة الوج ود ع ويص متع دد األط راف كث ير
الفروع والجوانب ،ولكنه مع ذلك ينبني على أصول كليه مشتركة ،هذا المذهب تعتبر أن
وجود للممكنات مطلقا ،فوجود الممكنات مستحيل في الخارج ،والممكن المتحقق إنما هو
تل بيس الوج ود ال واجب فق ط ،وال وج ود الممكن ات مطلق ا ،فوج ود الممكن ات مس تحيل في
الخارج ،والممكن المتحقق إنما هو تلبيس الوجود الواجب بإحكام الممكنات ،وهذا كما هو
معلوم مخالف لما قرره أهل السنة من أن الممكن إنما كان ممكنا ألن وجود جائز وعدمه
ج ائز ،والق ول بوح دة الوج ود يع ني الق ول أن اإلنس ان يتخلص من مالحظ ة القي ودات
الوهمية الحادثة ،والتي بها يرى لنفسه وجودا مستقال عن وجود اهلل وهذه التقييدات ماهي
إال إعتبارات عدمية كما الوجود المستقل ظهر له بأن وجوده هو عين وجود اهلل تعالى،
فال وجود إال اهلل ،فعقيدة وحدة الوجود هي الحقيقة الوجودية ،وقد حاول العديد من الكتاب
ق ديما وح ديثا أن يؤك دوا أن م ذهب وح دة الوج ود ه و م ذهب م ادي الح ادي ال يلي ق ي ولي
مسلمة من كبار أولياء اهلل ،لكن بخالف ذلك هناك من يقول أن نظرية وحدة الوجود تعتقد
أن الوج ود ليس واح د ،ب ل هن اك وج ود اهلل ،وهن اك وج ود لغ ير اهلل س بحانه وتع الى ،إن
نظري ة وح دة الوج ود إذن من بين النظري ات األساس ية ال تي لعبت دورا ب الغ األهمي ة في
مجال التعق ل العرف اني والفلسفي ،وتعتبر ه ذه النظرية هي الدعامة األساسية القومي ة في
ط رح أعمق علم ،أما العرف ان ،وهي أيضا عقي دة ت وجب إكم ال الفلسفة ،كم ا تعتبر ك ذلك
صورة عن المشاهد المتناسقة للشهود والبرهان ،فقد تعددت التعريفات التي يمكننا منحها
واألفالطونية ،والمحدثة ،اليونانية والصوفية ،وأما في الفلسفة الحديثة قد تجلى أبرز ص ور
ه ذا الم ذهب في فلس فة اس بينوزا ال ذي ي ذهب إلى أن اهلل ه و الموج ود الح ق فض ال عن أن
الفيلسوف األلماني هيجل أخد بهذه الفلسفة ،إذ تسمى فلسفته بوحدة الوجود المثالية ،والتي
تق ر أن اهلل ه و ال روح الكلي الك امن وراء األرواح الجزئي ة وهن اك ج ذورا عميق ة تربطن ا
به ذا الوج ود أو ش عورا دفين ا يش دنا إلي ه ،ويرف ع بين الحين والحين والحجب الموج ودة
الفاص لة بينن ا وبين ه ،أي تل ك الحجب ال تي أقامته ا الطبيع ة "برافان ا" مح ددا بينن ا وبين
الموجودات ...نعرف وجودنا ونحقق ذاتيتنا ،ثم أنه قد يحدث كثيرا أن تهب عاصفة من
عواصف الشعور ،فتطوي هذا "برافان" فإذا نحن بمشهد من الوجود كله ،وإ ذا نحن مه ه ذا
الوج ود أس رة واح دة ومجتم ع واح د وكي ان واح د ،ويول د الش عور ال ذي مأل عق ول بعض
الفالس فة وكث ير من المتص وفة وال ذي يكل ف خل ق س ويا ويعيش في الن اس باس م وح دة
الوجود ،إن للوجود إذن حقيقة واحدة منزهة عن عروض التعدد والكثرة غير قائمة بشيء
سوى ذاتها ،بل واألشياء قائمة بها منسوبة إليها بالنسبة اإلتحادية كما في الواجب تعالى،
أو بالنسبة اإلرتباطية كما في الممكن ،غن وحدة الوجود تجمع بشكل منظم خمسة عناصر
كم ا أج دها ل دى مح بي ال ذين ابن ع ربي أوله ا :ال ذات اإللهي ة وص فاتها ،ثاني ا :فيض اهلل
وتجلي ه وص لته بالع الم ،ثالث ا :اإلنس ان الكام ل أو الحقيق ة المحمدي ة ،رابع ا :اإلتح اد باهلل،
خامس ا :وح دة األدي ان ،ولكن ه ذه العناص ر وج دت بعض ها أو كله ا قب ل مجي ،،،،ال دين
عربي ،وصمت كروافد في نهر وحدة الوجود كما ظهر بشكل منظم لدي ابن عربي وهذه
الرواف د هي الفت اء ،اإلتح اد ،الش هود ،والحل ول ،ويع د أيض ا م ذهب وح دة الوج ود م ذهب
ال ذين يوح دون اهلل والع الم ،ويزعم ون ان ك ل ش يء ه و اهلل ،فالبراهم ا يت ون س ردون ك ل
شيء إلى اهلل ويعتقدون أن براهمان هو الحقيقة الكلية ،ففي مفهوم الحضارة الهندية كان
أساس النظر إلى الوجود هو أنه وحدة واحدة ،وأن اإلنسان جزء من مياه بحر زاخر على
أن الوحدة هنا تعني الواحدية ،وهي التقدير المقابل للكثرة والمعبر عن ضدها ،وعلى ذلك،
وبحس ب وح دة الوج ود ف إن اإلنس ان والحي وان والجم اد وماع داهم ،ليس وا غ ير عناص ر
متساوية في تكوين الوجود وتكوين صورته ،في هذه الحضارة بحسب جميعا بما في ذلك
كيانه وإ فتراض أن كل ما في هذا الوجود ينطوي على الروح بداخله والنجاح الكامل في
هذا التقدير أن تتالشى الوجود الفردي في الوجود العام بما يحقق المبدأ األول ،والذي هو
إن استغراق اإلنسان في الطبيعة ومزج مشاعره بها أوحي إليه أن الحياة ...في ك ل
كائن واحدا ،وتلك الكائنات الفردية من جمادونيات وأفراد فيه ،ففي كثير من جهات العالم
أن اس ال يزال ون إلى الي وم ي رون ال روح س ارية في النب ات وأن قط ع الش جرة معن اه قت ل
ص ريح ل ه ،وفي ج زر ماق ا ،جماع ات كث يرة ال ت زال تعتق د أن األش جار أي ام اإلزده ار
حوامل أجنة ،فال يحيزون ارتفاع األصوات حولها أو اشتغال النار إلى جوارها ،حتى ال
تق ديس األش جار واألنه ار والجب ال وغيره ا بحس يان أنه ا واعي ة ومدرك ة ت دب فيه ا حي اة
ويسرى فيها شعور دائما وأبدا بحيث يرى الجماد جمادا والنبات في دائرة وجود الجمادي
أو النباتي أو الحيواني ،فإن أقسى الناس طبعا وأضلهم شعورا شتولي عليه حاالت يندمج
فيها مع كائنات الوجود ،ويتناغم مع صامتها ،فالسفة يقولون مفهوم الوجود واحد ،يعني
لفظة الوجود مفهومها واحد وهو الثابت ،فالوجود بهذا المعنى يقصد به الثبات فكل ثابت،
فه و موجود إذن مفه وم الوجود واح د ،إنما م راتب الوجود متعددة ومتفاوت ة ،بينما وجود
اإلنسان هو وجود محدود ،محدود زمانا ومكانا ،محدود قدرتهة وعاما ،فأين المحدود من
الالمح دود؟ وأين المفي د من ...وأين الممكن من ال واجب؟ إذن الف رق بين الوج ودين ه و
فرق جوهري واضح ،وإ ن كانا هذان الوجودات يشتركان في معنى كلمة الوجود بمعنى
الثب ات ،وإ ال فبينهم ا ف رق من حيث الوج ود الوجودي ة "ي ا أيه ا الن اس أنتم الفق راء إلى اهلل،
وبين الغنى والفقير فرق واضح ،إذن معنى وحدة الوجود يقصد به مفهوم الوجود
واح د .وإ ال م راتب الوج ود ق د تك ون متفاوت ة ،ه ذا بحس ب التعري ف الفلس في ،وبحس ب
االصطالح الفلسفي ،أن قضية وحدة الوجود موضع الخالف بين الباحثين ،فبعض الباحثين
ومنهم محم د غالب وال عب د الب اقي س رور ينك رون نس بة الق ول بوح دة الوج ود إلى ابن
ع ربي ،وي رون أنه ا تش ويه الخص وم والمستش رفين ،ولكن الحقيق ة الوجودي ة واح دة في
والنسب واإلضافات وهي قديمة أزلية ال تتغير وإ ن تغيرت الصورة الوجودية التي
تظه ر فيه ا ،ف إذا نظ رت إليه ا من حيث مظاهره ا قلت هي الخل ق ،فهي الح ق والخل ق
والواح د والكث ير والح ادث والق ديم األول واآلخ ر والظ اهر والب ادات ،وغ ير ذل ك من
التناقض ات ولكنه ا متناقض ات نظ را إلختالف في العب ارات ال في الحقيقي ،ومن ه فمفه وم
وهذا المفهوم عنده مراده إلى اإلستخراج وتغلب الحال عليهم ،والقصور في التغب ير
م ا يجدون ه في أفئ دتهم ،أم ا مفه وم وح دة الوج ود عن د المتص وفة وه و تفلس ف في ه ذا
اإلدراك القبلي والمش اهدة المعنوي ة ،ب ل إن ه ثبن فك رة فلس فية غربي ة ،إذن وح دة الوج ود
عن د الص وفية ح ال من األح وال ،وذوق من األذواق الروحي ة ،كم ا تع ني أيض ا عن د
المتصوفة نظرية أو فكرة فلسفية وما نحا نحوهم من المتكامين مثال جالل الدين الرومي
ليسوا اقل عددا وحماسا في دفاعهم الم.......عنها ،أما علماء أهل السنة من عصر السلف
إلى يومن ا ه ذا ،فهم متفق ون على أن حق ائق األش ياء ثابت ة ونظ را لحساس ية مص طلح وح دة
الوجود ،الذي أثار ،والزال يثير الكثير منة الجدل حول ما إذا كان يقصد به التحديد أو
تعري ف عقي دة توحيدي ة ال يوج د بمقتض اها في الوج ود إال الواح د األح د وح ده دون س واه.
بيد أن اإلجابة باإليجاب عن هذه المسألة ال تشير إلى نقله حاسمة في اإللهيات اإلسالمية،
ألن ابن الع ربي لم يفع ل في الواق ع غ ير النف ع بم ذهب المتكلمين األش اعرة غلى أقص ر
م دات إذ إن إص رار األش عري على ق درة اهلل الكلي ة وهيمنت ه على الك ون ينط وي منطقي ا
على حقيقة بسيطة مفادها أن اهلل هو خالق األفعال .وبالتالي يعتبر الفاعل األوحد في هذا
الع الم ،وعلي ه ف إن محي ال دين ابن الع ربي ال يج انب المنط ق حيث يق ول قياس ا على
استخاص ة األش اعرة في موض وع الق درة اإللهي ة الكلي ة ،والهيمن ة الش املة ب أن اهلل ه و
الموج ود األوح د ،وال وج ود لموج ود آخر مع ه أو من خارج ه ألن عكس ه ذه الحقيق ة من
شأنه أن يفتح الباب أمام التساؤل المشروع حول مصدر الطبيعة وحقيقة هذا الوجود الذي
يفترض أهل الظاهر أنه غير اهلل الواجب الوجود من دون شرط شيء مطلق .هذا المذهب
الفلسفي هو مذهب ديني ،جوهره نقي الذات اإللهية حيث يوحد في الطبيعة بين اهلل تعالى
وبين الطبيع ة على نح و م ا ذهب إلي ه الهن دوس أخ ذا من فك رة يوناني ة قديم ة ،وانتق ل إلى
بعض المتص وفة كمحي ال دين ابن ع ربي وغ يره ،وك ل ه ذا مخ الف لعقي دة التوحي د في
اإلس الم ،فاهلل س بحانه وتع الى م نزه عن اإلتح اد بمخلوقات ه أو الحل ول فيه ا ،لكن رغم ك ل
هذا تبقى الغاية القصوى من الحياة الصوفية هي الوصول إلى اللغة عن طريق الحال التي
يطلق عليها الصوفية اسم الفناء ،وقد كان هذا هو المعنى الذي اتفق عليه جمه ور الصوفية
قب ل أص حاب وح دة الوج ود ،ف إذا ادعى أح د منهم أن ه ف نى عن نفس ه أو عن الخل ق ،ك ان
معناه أنه غاب عن نفسه وعن الخلق فال علم له بهما وال خير ،وأنه يتصل في هذه الغيبة
يمتزج به ،وال يصير أحد منهما اآلخر فإذا قال الصوفي ال أرى شيئا غير اهلل ،فهو في
حال وحدة الشهود ،وإ ذا قال ال ارى شيئا إال وأرى فيه ،فهو في حال وحدة الوجود ،وهذا
أوج رد تبس يط ممكن له ذين اإلص طالح حيت ال ذين يخ تزالن التجرب ة الص وفية في ك ل
أبعادها ،فحال وحدة الشهود هي حال الفناء ،وحال وحدة الوجود هي حال البقاء ،والفناء
والبقاء متالزمات ،وكذلك وحدة الوجود ووحدة الشهود ،فإن كنت فانيا عن شيء ،فإنك ال
بد باق بغيره ،أو كنت باقيا في شيء ،فأنت ال محال فإن عن سواه ،وهذا أمر طبيعي بما
أن اإلنسان عاجز عن جمع همته أو تسليط انتباهه على أكثر من موضوع واحد في نفس
اللحظة ،هذه الورقة التي اكتب عليها إن فكرت فيها (طولها ،عرضها ،شكلها ،لونها.)...
الورق ة ،ففي الحال ة األولى يق ال في مص طلح الص وفي" :أن ا ب اق في الورق ة ف ان عن
الكتابة" ،وفي الحالة الثانية ،يقال" :أنا فان عن الورقة باق في الكتابة" وخير مثال يوضع
لغير المختص حالي الفناء والبقاء "الممثل السينمائي أو المسرحي الذي يؤدي دورا رسمه
له المخرج" ،فالممثل في هذه الحالة يتكلم مالما غير كالمه هو ،ويأتي بأفعال ليست أفعاله
هو ،با إن كالمه وأفعاله كالمه وأفعال الشخصية التي يتمثلها ،فالممثل أثناء التمثيل فان
عن نفسه ،وباق بدوره قلنا إن الفناء والبقاء متالزمات فال فناء بال بقاء وال بقاء بال فناء،
والفناء الصوفي خاصة هو فناء عن الخلق وبقاء بالحق والصوفي أبدا ودائما ما بين فناء
وبقاء.
لكن بق اءه ليس دوم ا ب الحق الض طراره بحكم بش ريته إلى اإلنص راف إلى بعض
الشؤون اليومية ،فهل يقال في هذه الحالة أنه باق بهذه الشؤون فان عن الحق؟ تخلصا من
تعبير الفناء عن الحق الذي ال يليق بالصوفي بل وال يليق حتى بالمؤمن غير الصوفي أن
فإثبات الخلق من باب الترقة ،وإ ثبات الحق من الخلق من باب التفريق ،وإ ثبات الحق من
البغدادية في القرن الثالث ،ومن زعمائها أبو القاسم الجديد ،تبين معنا إذن فيما سبق أنه
ثم ة تالزم ا بين الفن اء والبق اء ،إذ ال ينفص ل الفن اء عن البق اء ،كم ا ال يمكن انفص ال البق اء
من الفناء ،وإ نما الفناء هو عين البقاء وهما وجهات لعملة واحدة ،او بتعبير آخر ،فال فرق
بينهما إال باإلعتبار أحدهما سلبي (الفناء) ،والثاني إيجابي (البقاء) ،كما تبين معنا أن وحدة
الش هود تس مية أخ رى للفن اء ووح دة الوج ود تس مية أخ رى للبق اء ،ح تى ليمكنن ا الق ول أن
وح دة الشهود هي عين وح دة الوجود قياسا على الق ول أن الفن اء هو عين البق اء ،لكننا لو
عدنا إلى مثال الممثل الذي يؤدي دور شخصية معينة ،ال يمكننا التمييز بين ثالث أحوال،
أوله ا :فن اء الممث ل عن نفس ها ،وثاني ا :بق اؤه في الشخص ية يلعب دوره ا ،وثالث ا :بق اء
الشخصية التي يلعب دورها فيه ،فهي التي تنطلق بلسانه فيما هو ينطق بلسانها ،وهي التي
تفع ل من خالله ا فيم ا يفع ل من خالله ا ،وعلى ه ذا ق د يع ني بق اء الص وفي في الح ق بق اء
للحق في الخلق أيضا ،ومن هنا قال الحسين ابن منصور الحالج" :ما في الحبة إال اهلل".
وعلى هذا يمكننا القول ومجاراة لبعض المستشرفين أن السمة الغالبة على التصوف
برمت ه هي س مة وح دة الوج ود ،كم ا يمكنن ا التمي يز مج راة لل دكتور أب و العال عفيفي بين
وحدة الوجود بما هي حال ،وقد اعترف عفيفي بذلك اعترافا ضمنيا ووحدة الوجود بما
هي نظري ة ،لكن ه ذه النظري ة غ ير آتي ة من ف راغ ،ب ل أساس ها التجرب ة وقوامه ا ال ذواق
تناولها العقل فصاغ منها نظاما فكريا قد يقبل به البعض او قد يرفضه كال أو بعضا ،وكل
ال رفض والقب ول إغن اء للحي اة اإلنس انية ،إن عقي دة وح دة الوج ود اذن هي عقي دة فلس فية ال
يق رأ ص حابها إال بوج ود واح د ه و اهلل في رأي البعض ،وجمي ع م ا ع داه أغ راض ل ه أو
مظ اهر األحدي ة وهم ا مع ا ص ادرات عن ال ذات الكريم ة ال تي هي عين الوح دة ال غ ير،
ويس مي المتص وفة ه ذا الص دور ب التجلي ،واتف ق ه ؤالء "المتص وفة" والمتكلم ون على أن
الخ الق ل ه الت أثير في الموج ودات ،ولكن أغلب المتص وفة أض افوا إلى ذل ك ق ولهم" :وإ ن
جميع الموجودات هي عين الخالق ،وهذا هو عين نظرية وحدة الوجود التي جعلت ذانية
وق د تكلم المتص وفة في النفس يات وإ جم ال رأيهم أنهم أهمل وا الظ واهر الخارجي ة
المحيطة باإلنسان المدركة بواسطة المشاعر الخمس ،وجعلوا طريق اإلدراك الحقيقي من
القلب ،ف القلب ه و ال ذي يقيض بالمعرف ة الحق ة وم ا تحمل ه الح واس ليس إال مج رد غل ط
وخداع كما أخذ المتأخرون من الصوفية بعقيدة وحدة الوجود ،وذهبوا إلى القول بالحلول
وأثرع وا ص حفهم ب ذلك ،فق د ك ان موض وع وح دة الوج ود ك ذلك من الموض وعات ال تي
استخدمها أعداء التصوف في تأليف الجماهير الممكنة أما عن تسمية مذهب وحدة الوجود
أو عقيدة وحدة الوجود بهذا اإلسم فقد ادعى بعض الكتاب أن شيخ اإلسالم ابن تيمية هو
أول من أطلق اسم وحدة الوجود على هذه العقيدة ،أي أن التسمية ليست من الصوفية ،بل
ه ذا اإلس م إال أن ع ددا من آئم ة التص وف ق د اس تخدموا ه ذا اإلس م ومنهم محي ال دين ابن
ع ربي وابن س بعين وش هاب ال دين الس هر وردي والقوب وي ،ه ذا باإلض افة إلى اس تخدام
الصوفية عدة أسماء واصطالحات كثيرة للداللة على وحدة الوجود ،ومنها ما يلي:
التوحيد :وهو م....هم إفراد الحق بالوجود في األزل واألبد ،أو هو شهود الموحد
الفردانية :وتعني انفراد الحق ب الوجود بانطباق األحصة على الكل ،بحيث لم يبقى
وج ود لغ يره فق ط ثم المش اهدة ،وهي رؤي ة الح ق في األش ياء أو رؤي ة الح ق في ذرة من
ذرات الوجود ،باإلضافة إلى اإلستعاضة عنها بمصطلح الشهود الذي يقصد به رؤية الحق
ب الخلق ،ومص طلح الفن اء ،وه و زوال الرس وم جميع ا بكلي ة في عين ال ذات األحدي ة م ع
ارتفاع اإلثنينية ،أو يعني محو الرسوم واألشكال لشهود الكبير المتعلي ،كما يمكن تعويضه
بمصطلح الحقيقة ،وهي شهود الحق في تجليات المظاهر ،ويصطلح التحقيق ،ويقصد به
ش هود الح ق في ص ور أس مائه ال تي هي األك وان كم ا يمكن اس تبداله أيض ا ب الجميع ،وه و
إش ارة إلى الح ق بال خل ق ،أو إزال ة التفرق ة بين الق دم والحداث ة وارتف اع التمي يز بينهم ا،
مصطلح جمع الجمع ،أي شهود الخلق قائما بالحق ،بمعنى أن يرى الكون حقا وخلقا في
آن واح د ،فه و من حيث ظ اهره خل ف ،ومن حيث باطن ه ح ق ،إذ ينظ ر الص وفي بعين ه
اليمنى إلى الحق نظرا الجمع ،وينظر بعينه اليسرى إلى الخلف نظر التفرقة والمنظور إليه
ش يء واح د ،ه ذا ه و المع نى وح دة الوج ود عن د الص وفية ،الن هن اك من الم دافعين عن
التصوف من يزعم أن الصوفية يعتقدون وحدة الوجود .والحد منهم ال يعنون بها ما يفهمه
خصومهم من الوحدة بين الخالق والمخلوق ،وإ نما لما قصدوه هؤالء من وحدة الوجود هو
أن اهلل منف رد ب الوجود الكام ل الح ق الم نزه عن النق ائص والمخل وق ل ه وج ود ن اقص ،وأن
الص وفية ،وإ ن ق الوا بوح دة الوج ود إال أنهم ال يقول ون بوح دة الموج ود والكف ر إال أنهم
عن دهم في اعتق اد وح دة الموج ودات ،غن م ذهب وح دة الوج ود إذن ه و م ذهب فلس في
وصوفي يقوم على توحيد اهلل والعالم ،وأنصلر هذا المذهب يزعمون ويقرون أن كل شيء
ه و اهلل ،وأن اهلل ه و ك ل ش يء ،وق د دخ ل مفه وم الوح دة للتص وف اإلس المي بع د انفت اح
المس لمين على الش عوب المخالف ة لهم ،وبع د اش تغالهم بترجم ة عل وم األوائ ل ال تي ك انت
تتضمن إلى جانب الفلسفة اليونانية شيئا من التصوف الفلسفي ،وقد تعرض أنصار مذهب
وحدة الوجود انقد كبير من طرف خصومهم ،ألن مذهب الوحدة يخالف العقيدة اإلسالمية،
غير أن بعض المتصوفة يفسرون وحدة الوجود بوحدة الشهود التي تعني كما قدمنا شهود
صفات الخالق في مخلوقاته ،وقد عبرت الكثير من القصائد المتصوفة وكتاباتهم عن هذه
اإلنس ان في العالق ة بين الخ الق والمخل وق والق ديم والح ادث فق ط ،ب ل تعرض ه العدي د من
ألوان التعقيدات عن الخير والشر والجزاء والعقاب والجبر واإلختيار ،إن اهلل وجود مطلق
وخير مطلق ،كما أنه ....مطلق كذلك ،لكن القرآن الكريم يقول بأن خالق الخير والشر
كليهم ا ه و اهلل ،ومن جه ة أخ رى ،ف إذا ك انت المش يئة المطلق ة هي مش يئة واح دة فق ط ،ال
ته تز ورق ة ب دونها ،وال يس تطيع اإلنس ان أن يري د ش يئا لم ي رده اهلل ،مم ا أدى إلى انع دام
اإلختيار اإلنساني ،الذي يقوم عليه بناء جميع األخالق ومجمل وحدة الوجود أيضا إشكالية
العالقة بين الذات والصفات فما عالقة الصفات بالذات؟ ،فقد إنغمست المعتزلة واألشاعرة
في بحث تلك اإلشكالية بصورة منفردة حتى جعلوها قضية مهمة من قضايا العقيدة .ومن
ذلك أنه إذا كان هلل واحد فكيف يمكن أن يتسم بكثير من الصفات؟ وهل الصفات جزء ال
يتجزأ من الذات أم أنها مستقلة عنها؟ وهل بعض صفات اهلل ذاتية وبعضها إضافية؟ وهل
هو نتاج لتأثير الفلسفات اليونانية والفارسية والهندية خصوصا عقيدة وحدة الوجود التي
يطلق ون عليه ا PANTHEISMويكتب ون عنه ا بك ل ثق ة أنه ا واردة من الخ ارج ،ب ل هي
كذلك قضية منفصلة تمام االنفصال عن قضايا التوحيد ،وبسبب من األفلوطينية اإلشراقية
وآخر من الفيدانت الهندية ،بحيث تحولت عبارة "ال إله إال اهلل" عند البعض إلى عبارة "ال
موجود إال اهلل" ،وما المباحث المنطقية لماهية الوجود سوى نتائج للتأثر بالفلسفة اليونانية،
ومن المؤكد أن هذا اإلتهام ينطوي على بعض الحقيقة ،فهذه القضايا ال نجد لها أصال في
القرآن الكريم ،وال في األحاديث الصحيحة ،ولم ينقل أن الصحابة الكرام كانوا يناقشونها،
كما لم يذكر أن التابعين كانوا يخوضون فيها ،بل ما ظهرت هذه اإلشكاليات إال بعد قرون
وذلك حينما خرج اإلسالم من حدود الحجاز وانتشر في دول وأمم كانت معتادة منذ قرون
على هذه النوعية من اإلشكاليات ،فقضية ماهو الوجود أو ماهية الوجود؟ كانت المحور
الذي ارتكزت عليه الفلسفة اليونانية ،إن قضية وحدة الوجود تعرف بكونها قضية فلسفية،
فعت طريق الفلسفة تسري ...هذه القضية إلى الدين والتصوف ،أما بالنسبة للمسلمين ،فإن
عقيدة التوحيد البسيطة هي الحقيقة الجوهرية ،لكن حين جعل المتكلمون هذه القضية جزءا
من اإليمان اضطر أهل الدين من المفكرين أن يعبروا عن رأيهم فيها واضطروا إلى بيان
العقائ د حول الح دوث .....والذات والصفات ،وإ ذا قلنا إن مع نى الوجود الحقيقي المستقل
بالذات فإن الوجود الحقيقي حسب ما جاء في القرآن هو وجود اهلل ،وهذا الوجود الحقيقي
مظه ر وخالف ،وفي عالم الخل ق يظهر ك ل شيء لحظ ة بلحظ ة ،ويواصل الفناء ،ويعم ل
مص در آخ ر غ ير التجرب ة ،من حيث إن ه ذه ح ال تط رأ على الص وفي ،ب ل إنه ا تقحم ه
إقتحاما ،من دون ان يكون له أو إلرادته دخل في صنعها ،فهذه التجربة هي النوع الذي
يصنع اإلنسان ،وال يصنعه اإلنسان لكن وحدة الوجود بما هي نظرية أو مذهب قد نجد لها
أصوال إسالمية وغير إسالمية ،وذلك بفعل تالقح الثقافات ،وتفاعلها فيما بينها لذلك ال بد
لك ل ب احث في التص وف أن يم يز بين التص وف بكون ه تجرب ة أو ذوق على ح د تعب ير
الص وفية ،وبين التص وف بم ا ه و تعب ير عن التجرب ة أو ترجم ة ألحواله ا ،وم ا نش أ
اإلختالف بين الق ائلين بأص الة التص وف اإلس المي ،وبين الق ائلين بغربت ه عن اإلس الم أو
اس تيراد من ثقاف ات أخ رى إال بس بب الخل ط أو ع دم التمي يز بين التص وف ذوق ا أو تجرب ة
وبين الوص ف أدب ا وفك را ي ترجم فيهم ا الص وفي معانات ه وم ا يكاب د في طريق ة إلى الح ق
تع الى .كم ا تع د وح دة الوج ود ك ذلك امتي ازا مفص ليا ومرك زا مبنائي ا في هندس ة الوج ود
والبناء األنطولوجي ألن الوجود يتحقق النطباع بذور الوجود ،وأخذ صفة المعقولية إال أن
المشكل األهم واألصعب في دراسة وحدة الوجود هو تحليل هذه النظرية وفق مصادرها
الفلسفية ،إذ أنها تعبير منزقا وعرامت الناحية العقدية والعقلية حيث تعددت فيها القراءات
فق د اتخ ذت الفلس فة ط ريقين من التفك ير التقت ا عن د الق ول بوح دة الوج ود ،ف الطريق
األول يبدأ من السماء ثم يعرج إلى األرض فينظار فيما وراء الطبيعة بتصورات المنطق
واستدالالته فإذا ما انتهى هذا النظر التجريدي التصوري إلى التعريف على اهلل على نحو
من أنح اء المعرف ة فوض ع له ذه المعرف ة م دلوال كالعق ل األول والمح رك األول ،وم ا ش ابه
ذل ك مم ا أطلق ه الفالس فة للدالل ة ع ل ذات الخ الق ،ويع در رأي ه ذا العق ل الفلس في إكم ال
الص ورة التسلس ل المنطقي أن يفيض العق ل االول والمح رك األول على ه ذه الكائن ات
الدائرة في فلكه فيوضا من روحه نبحث فيها الحياة وتصل وجودها به كما تبعث الشمس
أشعتها على الكوكب األرض ،إن وحدة الوجود إذن هي عقيدة كبرى بين عقائد الصوفية،
وتع نى ب أوجز عب ارة أن اهلل تع الى والع الم ش يء واح د وأن مم ا يعلم بض رورة العق ل
وبديهيته أن الوجود ينقسم إلى وجود واجب ووجود ممكن ،ولكن الصوفية ينكرون ثنائية
الوجود هذه ويعتقدون أن الوجود واحد ،كما يدعى الصوفية كذلك أن اهلل تعالى هو الذي
ل ه الوج ود وح ده ،أم ا الكائن ات والمخلوق ات فهي معدوم ة أزل وأب دا ،وي رون أن عق ول
المحج وبين تت وهم وتتخي ل أن المخلوق ات موج ودة ،ولكن ال يع ني الص وفية به ذه األق وال
إنكار األشياء المحسوسة وبعد الكائنات المشهودة كالبحار والجبال واألشجار ونحو ذلك،
وإ نما مقصودهم إنكار كونها خلقا العتقادهم أن الكائنات كلها هي اهلل تعالى ،هذا باإلضافة
إلى اعتق ادهم أن اهلل تع الى مظه ر ويتجلى في ص ور المخلوق ات المختلف ة ،فه و معن اه أن ه
يتحد أو يحل في مخلوق ،بل إنهم يرون أن اهلل ما يتجلى إلى على نفسه ،ولكن تسمى تلك
الطبقة اإللهية عبدا باعتباره أنها عوضا عن العبد ،وإ ال فال عبد وال رب وهناك نوعان
من وحدة الوجود ،والتي تتجلى في وحدة الوجود الروحية ووحدة الوجود المادية ،صحيح
أنهما قد تختلفان في بعض األوجه الفرعية ،إال أنهما تتفقان في األساسيات والبنية ،فكلتا
هما ترى أن العالم يتكون من جوهر واحد ،إذن شكل وحدة الوجود لحظة نهائية في عملية
حل ول وكم ون تدريجي ة ،وح تى يمكنن ا إلق اء الض وء عليه ا وتص نيف األنس اق الحلولي ة
الكمونية نفترض وجودا متصال أحد طرفية التوحيد الخالص الصرف ،والطرف اآلخر هو
الحلولية الكمونية الواحدية التامة ،أو بعبارة أخرى أدق وحدة الوجود الروحية هي ذاتها
ووحدة الوجود المادية ،وأن الفارق الواحيد بينهما هو الفرق في تسمية ذلك المبدأ الواحد
الكامن في المادة ،الدافع لها ،فهو اإلله في وحدة الوجود الروحية ،وهو المادة في وحدة
الوج ود المادي ة ،إذ يمكن تعري ف وح دة الوج ود الروحي ة بأنه ا الش كل األول من وح دة
الوج ود ،وتس مى ايض ا الحلولي ة أو الكموني ة الواحدي ة الروحي ة ،والمب دأ الواح د ه و اإلل ه
الك امن في الطبيع ة واإلنس ان ال يتج اوز هم ا ،وفي ه ذا اإلط ار يص بح اإلل ه "المطل ق،
الوج ود المطل ق ،العق ل المطل ق ،الفك رة المطلق ة" ه و الموج ود الم ادة (الطبيع ة ،واإلنس ان)
فليس له وجود حقيقي دائم ،وال جوهر متميز ،فهو مجرد مظهر من مظاهر الذات اإللهية
المطلق ة ،وليس ل ه وج ود في ذات ه ،وذل ك ألن ه ص ادرت عن ه ب التجلي ،وك ل التط ورات
والتحوالت في عالم الطبيعة والتاريخ ،إنما هي إال تجليات جزائية للفكرة المطلقة.
أو ما يسمى إنكار الكون عند بعض المتصوفة أما وحدة الوجود المادية أو الطبيعية
فينبغي تعريفه ا باعتباره ا الش كل الث اني لوح دة الوج ود ،ونس ميها أيض ا الحلولي ة الكموني ة
الواح دة المادي ة ،والمب دأ الواح د بالنس بة إليه ا ه و الق وة الدافع ة نفس ها للم ادة الكامن ة فيه ا،
وت رد إلي ه ك ل الظ واهر ولكن ه هن ا يس مى ق انون الحرك ة أو الطبيع ة الم ادة ،فهي الح ق
األوح د ،وال وموج ود إال هي واإلل ه ليس ل ه وج ود حقيقي وال ه و ج وهر متم يز ،فه و
مجم وع األش ياء الموج ودة في الع الم "تألي ة الك ون" ومن ثم ال توج د أي ة مطلق ات أو
مرجعيات متجاوزة لعالم المادة ،ويمكن القول إن وحدة الوجود الروحية تقوم بتطبيع اإلل ه،
أي يظل هناك إله ،ولكنه يكتسب سمات الطبيعة واإلنسان ،أما وحدة الوجود المادية فتؤله
بكونه ا أنس اق مغلق ة ال تتخلله ا ثغ رات أو مس افات أو أي ش كل من أش كال اإلنقط اع ،فهي
امت داد كام ل ووح دة آلي ة أو عض وية مغلق ة مص مته ،وانتص ار كام ل للواح د ال تي ت رد
األشياء كافة معرفيا وأخالقيا إلى مستوى واحد ،أو إلى مبدأ واحد الروحية ،ويسمى المادة
الطبيعة أو قانون الحركة في وحدة الوجود المادية ،فكال مما يرفض المرجعية المتجاوزة،
ويؤك د المرجعي ة الكامن ة في الع الم ،وهن اك من المتص وفة من ق ال إذن أن عقي دة وح دة
الوجود من العقائد الباطلة ،بل والكفرية أيضا التي انتهجها بعض غالة المتصوفة كمحيي
الدين ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم والفتوحات المكية وغيرها ،وملخص هذه
العقيدة ذكره الشيخ عبد الرحمان عبد الخالق في كتابة الفكر الصوفي على ضوء الكتاب
والس نة ،حيث ق ال :أن مص طلح وح دة الوج ود إال اهلل ،فليس غ يره في الك ون ،وماه ذه
الظواهر التي نراها إال مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة اإللهية تعالى اهلل عن ذلك علوا
كب يرا ه ذه الحقيق ة ال تي تن وعت وجوداته ا ومظاهره ا في ه ذا الك ون المش اهد ،وليس ه ذا
الكون في هذه العقيدة الباطلة إال اهلل في زعمهم تعالى اهلل عن ذلك ،ويرى البغض اآلخر
للق ول بوج ود الم ادة فق ط وأن ه ذا الم ذهب الح ل إب احي يلتمس الس بيل إلى ني ل ش هواته
تحت ش عار من العقائ د أو ملح د يري د أن يه دم اإلس الم بتص يد الش هوات أو معط ل يح اول
التخلص من تكاليف الكتاب والسنة ،بينما اإلسالم فيؤمن بأن اهلل جل شأنه خالق الوجود
م نزه عن اإلتح اد بمكلوفات ه ،أو الحل ول فيه ا ،والك ون ش يء غ ير خالق ه ،ومن ثم ف إن ه ذا
الم ذهب يخ الف اإلس الم في إنك ار وج ود اهلل والخ روج على ح دوده ،ويخالف ه في ت أليف
المخلوق ات وجع ل الخ الق والمخلوق ات ش يئا واح د .كم ا يخالف ه أيض ا في إلغ اء المس ؤولية
الفردية والتكاليف الشرعية واإلنسياق وراء الشهوات البهيمية باإلضافة إلى مخالفته له في
إنك ار الج زاء ،المس ؤولية ،البحث والحس اب ،ومن أق وال اس بينوزا ال تي ترك د على م ذهب
في وح دة الوج ود قول ه أن م افي الوج ود إال اهلل فاهلل ه و الوج ود الح ق ،وال وج ود مع ه
يماثله ألنه ال يصح أن يكون ثمة وجودات مختلفات مثماثالت ،وأما ابن سبعين فمن أقوال ه
الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود قوله :رب مالك وعبد هالك وأنتم،
اهلل فق ط ،والكث ير وهم ،وهن ا يؤك د ابن س بعين أن ه ذه الموج ودات ليس له ا وج ود حقيقي،
فوج دها وهم وليس ثم ة ف رق بين الخل ق وبين الح ق ف الموجودات هي اهلل ،لكن التلمس اني
كم ا يق ول اين ثيمي ة من أعظم هؤالء كف را ،وهوأح ذفهم في الكف ر والزندق ة ،فهو ال يفرق
بين الكائنات وخالقها ،إنما الكائنات أجزاء منه وأبعاد له بمنزلة أمواج البحر ،فالوجود إذن
عند التلمساني واحد ،إذ ليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق ،بل كل المخلوق ات إنم ا هي
اهلل ذات ه ،في حين أن الحالج ك ان ي ؤمن بنظري ة وح دة الوج ود أو بنظري ة الحل ول وأقواله
أصفيائه كالصلة بينه وبين واجب الوجود فق د أحب الحسين ابن منصور الحالج أحب اهلل
إلى ح د الفن اء ،وقص ة ه ذا المتص وف في حب اهلل قص ة محزن ة ،فق د تنق ل المس كين من
أرض إلى أرض وتشكله في مظهره ومخبره أشكاال مختلفات ،فكان له في كل أرض حال
وم ع ك ل ق وم رأي ،ولقي في س بيل محبوب ه أقط ع ض روب الش قاء ،وال دليل على إق رار
الحسين ابن منصور الحالج بوحدة الوجود هو قوله" :ما في الحبة إال اهلل".
رغم مت أخروا الص وفية أنهم تلق وا وح دة الوج ود عن بعض آي ات الق رآن ،وهي
تعب يرات الزه اد األولين ،وعن ق ول األش عرية ب أن جمي ع الح وادث الكوني ة أفع ال إلهي ة
صرفه ،وعن عبارات أب يزيد الب ....والحسين ابن منصور الحالج وأمثالهما من الوحد
بين لم ينقهم في هذا المذهب إال االسم الفني ،والحد منهم استمدوتها في الحقيقة فيما يرى
األستاذ لوي ماسينيون من مزج فكرة النور المحمدي الذي هو عند الكثيرين مبدأ الخلق
بفكرة العقل الفعال الهيليت ..ويقرر هذا األستاذ أن ابن عربي هو أول من صرح تصريحا
قاطعا بهذا المذهب وأعلن أن جميع الكائنات انيثقت عن العالم اإللهي الذي سبق وجودها
فيه وهو المعروف بالثبوت وجودها الخارجي ،وأن األرواح بعد الموت تعود إلى الجوهر
اإللهي ،وأن الفرغ اني والجيلي لم يدخل ه على ه ذه النظري ة إال تع ديالت طفيف ة وأنه ا ال
تزال إلى اليوم عقيدة المتصوفين اإلسالمين كما ال تزال موضع تغني الشعراء الفارسيين
بل