Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 25

‫الفصل األول‪ :‬مذهب وحدة الوجود‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف وحدة الوجود‬ ‫‪‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬بدايات نشأة التفكير في وحدة الوجود‬ ‫‪‬‬


‫المبحث األول‪ :‬تعريف وحدة الوجود‬

‫تعت بر وح دة الوج ود م ذهب فلس في أو عقي دة فلس فية نق ول ب أن اهلل والطبيع ة حقيق ة‬

‫واح دة‪ ،‬وأن اهلل ه و الوج ود الح ق‪ ،‬كم ا أنه ا تق ر ب أن اهلل ص ورة ه ذا الع الم المخل وق‪ ،‬أم ا‬

‫مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود اهلل دون أن يكون لها وجود قائم بذاته وهي‬

‫فك رة قديم ة أع اد إحيائه ا بعض المتص وفة من أمث ال‪ :‬محي ال دين ابن ع ربي‪ ،‬عم ر ابن‬

‫الق ارض‪ ،‬وابن سبعين‪ ،‬والتلمس اني وال ذين ت أثروا بالفلسفة األفالطوني ة المحدث ة هو فلسفة‬

‫الروائيين‪ .‬ويعتبر بعض العلماء أهل السنة والجماعة من يعتقد بوجود الوجود أنه زنديق‬

‫خارج من دين اإلسالم‪ ،‬وقد نادى بوحدة الوجود بعض فالسفة الغرب من أمثال اسبينوزا‬

‫و هيجل‪ .‬فأهل الوحدة يعتقدون أنه ال وجود إال الوجود الواجب وهو وجود واحد ال يتعدد‬

‫وال يتكثر‪ ،‬وأما العالم فهو موجود بنفس وجود اهلل تعالى‪ ،‬إليجاد بمعنى أن العالم إنما هو‬

‫صورة ويظهر للوجود اإللهي‪.‬‬

‫ولم يح دث وج ود الع الم بع د عدم ه‪ ،‬ب ل الح ادث عنهم إنم ا ه و ص ورة الع الم بع د ع دمها‪،‬‬

‫والصورة عين المظهر اإللهي‪ ،‬ولذلك يقولون إن اهلل تعالى تجلى لنفسه‪.‬‬

‫تعت بر آخ ر وح دة الوج ود هي اإلعتق اد أن الك ون (أو الطبيع ة) واهلل (أو األلوهي ة)‬

‫حقيقة واحدة‪ .‬فالواحدية هي الترجمة للمصطلح اليوناني ‪ ،pantheisam‬والتي تعني الحل‬

‫هو اهلل‪ ،‬إذن الواحدية ترمز إلى فكرة اهلل كعملية مرتبطة بالكون‪ ،‬تعددت مذاهب الواحدية‬

‫المادية‪ ،‬والواحدية الروحية‪ ،‬إال أن األفكار المشتركة في كل المذاهب تنظر للعالم ككل م ع‬
‫نظ رة توف ير ل ه وتع د بين للك ون والطبيع ة‪ ،‬وتع رف عقي دة الوج ود باعتباره ا نظري ة‬

‫ميتافيزيقي ة تنظ ر هلل والع الم على أنهم ا كينون ة واح دة أو هي الق ول بانتق اء ثنائي ة الح ق‬

‫والخلق وإ ثبات الوجود‪ ،‬لكن يبقى هذا األمر غير دقيق‪ ،‬ألنه يمكن اإلستعاضة عن مذهب‬

‫وحدة الوجود بمصطلح البقاء الذي هو شيوع المبدأ اإللهي في تحلياته أو هو ان دياح نقط ة‬

‫المركز في الدائرة‪ ،‬ويعرف البقاء كذلك شهود الخلق بالخلق‪ ،‬فمن عرف الحث شهده في‬

‫كل شيء ولم ‪ .....‬شيئا لنفوذ بصيرته من شهود عالم األشباح إلى شهود عالم األرواح‪.‬‬

‫ومن شهود عالم الملك إلى شهود فضاء الملكة وفي هذه الحالة ال يكون الصوفي با‪.....‬‬

‫شهود اهلل وحده‪ ،‬وال في شهود العالم وحده‪.‬‬

‫بل في شهود هما معا‪ ،‬فيرى اهلل في كل شيء ويرى كل شيء في اهلل‪ ،‬ثم ما لبث‬

‫أن تتالشى رؤيته في اهلل تدريجيا بمقدار ما تزيد رؤيته للعالم‪ .‬وربما كانت مسألة وحدة‬

‫الوج ود من أهم المس ائل العويص ة والكب يرة ال تي دار حوله ا البحث والنظ ر بين األط راف‬

‫عديدة ال في التاريخ اإلسالمي فقط بل في تاريخ الفكر اإلنساني بشكل عام‪ ،‬وال أقول أن‬

‫هذه النظرية كانت منتشرة مقبولة بين الناس منذ أوائل التاريخ اإلنساني‪ ،‬وال بل أقول فقط‬

‫إنه ا ك انت بين المس ائل ال تي وض عها العق ل اإلنس اني تحت النظ ر والبحث‪ ،‬ب ل أس تطيع‬

‫أس تطيع أن أق ول أك ثر من ذل ك إن ه ذه المس ألة لم ت زل من مس ائل المرص ودة‪  ‬من ذ أبع د‬

‫األزم ات والت اريخ‪ ،‬إال عن د طائف ة محص ورة مع دودة من الفالس فة‪ ،‬ال ذين لم يكتب ألرائهم‬

‫النج اح واإلنتش ار والقب ول مقارن ة بغيره ا من المس ائل‪ ،‬والحقيق ة أن م ذهب وح دة الوج ود‬
‫يعد من بين المذاهب المشكلة الخطيرة‪ ،‬وأساس هذا المذهب هو اإلعتقاد بأنه ال وجود إال‬

‫هلل تعالى وأن المخلوقات ال وجود على سبيل المجاز‪ ،‬أما في الواقع‪ ،‬فال وجود لها مطلقا‪.‬‬

‫فوحدة الوجود هي األصل حال قبل أن تكون نظرية‪ ،‬وذلك نظرت لكونها جزء ال يتجزأ‬

‫من التجرب ة الص وفية‪ ،‬ومن ه ال يمكن أن تك ون وح دة‪ ‬الوج ود اإلنظاري ة يس لك فيه ا جامع ا‬

‫طري المنظرين أو النظار بين وضع المدمات واستخالص النتائج‪ ،‬فد تحصل هذه العقيدة‬

‫"وحدة الوجود" الصوفي عندما يبدأ يصحو من غ‪ ...‬من العالم‪ ،‬وقبل أن يعود إلى أرض‬

‫الواقع تماما فقد تعترف عقيدة وحدة الوجود بثنائية الحق والحلق‪ ،‬وتنفيها في الوقت ذاته‪،‬‬

‫فهي تحاف ظ على الثنائي ة فيم ا تق ول بالوح دة ونحاف ظ على الوح دة فيم ا نق ول بالثنائي ة‪ ،‬أي‬

‫أنها ثنائية في وحدة أو وحدة ثنائية لكنها تمنع الوحدة قيمة مطلقة‪ ،‬والثنائية قيمة نسبية‪،‬‬

‫والسبب في ذلك قدم الحق وحدث الخلق‪ ،‬فالخلق أو العالم محدث غير قديم‪ ،‬وان وجوده‬

‫به ذه الص فة ليس إال وج ود ع ابر بم ا ه و ض ائر إلى زوال‪ ،‬بينم ا وج ود الح ق تع الى ه و‬

‫وجود أزلي‪ ،‬وهو موجود أبدا بل هو الوجود بامتياز‪ ،‬وبذلك يكون وجود الخلق قياسا إلى‬

‫ط له‬
‫وجود الحق‪ ،‬وجود كالعجم‪ ،‬أو هو الالوجود‪ ،‬فكل ماله بداية ونهاية فهو محدث الح ّ‬

‫في ق دم‪ ،‬وه و به ذه الص فة ال وج ود ل ه إال م ابين بدايت ه ونهايت ه أم ا قب ل البداي ة والنهاي ة‪،‬‬

‫فعدم صرف على صعيد الخلق بماهو خلق‪ ،‬إذن ثنائية الحق والخلق معترف بها بمقدار‬

‫وجود الخلق مابين نشأته ومآله‪ ،‬وغال فالوجود للحق وحده‪ ،‬ألنه الوجود بامتياز‪ ،‬وعلى‬

‫هذا تكون ثنائية الحق وحده ذو قيمة مطلقة‪ ،‬أو يمكن القول إن ثنائية الحق والخلق شأن‬
‫عابر‪ ،‬يبنما وجود الحق هو الثابث والدائم‪ ،‬أو القول إن وجود الحق وجود حقيقي ووجود‬

‫الخلق وجود اعتباري‪ ،‬وبالتالي فنظرية وحدة الوجود تعترف بالمبانية إلى جانب المحادثي ة‬

‫وبالنثرية مع التشبيه‪ ،‬وبال‪ .....‬مع التنفيد‪ ،‬كما أنها تعترف بالمفارقة مع الكمون‪ ،‬وذلك‬

‫قصد إقرارها بأن الصلة بين الحق والخلق معنوية وجوهرية غير مادية‪ ،‬أو بتعبير أدق إن‬

‫وحدة الوجود تقول بإحتواء األلوهية للعالم‪ ،‬وهذا أفضل من تعبير المحاثية‪ ،‬كما تعد وحدة‬

‫الوج ود أيض ا مص طلح تك ثر اإلش ارة إلي ه عن د الح ديث عن الص وفية وخصوص ا عن د‬

‫الحديث عن الشيخ األكبر محي الذين ابن عربي رحمه اهلل في كتابه المشهور "الفتوحات‬

‫المكي ة"‪ ،‬إذ اس تخدم مص طلح وح دة الوج ود للتعب ير عن مفه ومين مختلفين تمام ا في نفس‬

‫الوقت‪ ،‬وهذا ما يخلق اإلشكال حوله‪ ،‬فالمفهوم األول هو‪:‬‬

‫مفهوم الديانات الوثنية وفالسفة الوجود‪:‬‬

‫وال ذي ه و غ ير مرتب ط باإلس الم أو التص وف على اإلطالق‪ ،‬المفه وم ه ذا يق ول‬

‫ب‪ ....‬أن للوجود بما يحتويه من الكائنات وأشكال مختلفة هو اهلل نفسه‪ ،‬أو يقول أن ذات‬

‫اهلل هي الوج ود الفعلي بأش كاله المادي ة من كائن ات حي ة وجم ادات وغيره ا‪ ،‬فعلى ه ذا‬

‫الوج ود كل ه ه و ش يء واح د فق ط متح د ببعض ه‪ ،‬أال وه و اهلل‪ ،‬ول ذلك س مي بوح دة الوجود‬

‫تع الى اهلل عن ه ذا عل و كب يرا‪ ،‬إن م ذهب وح دة الوج ود ع ويص متع دد األط راف كث ير‬

‫الفروع والجوانب‪ ،‬ولكنه مع ذلك ينبني على أصول كليه مشتركة‪ ،‬هذا المذهب تعتبر أن‬

‫وجود للممكنات مطلقا‪ ،‬فوجود الممكنات مستحيل في الخارج‪ ،‬والممكن المتحقق إنما هو‬
‫تل بيس الوج ود ال واجب فق ط‪ ،‬وال وج ود الممكن ات مطلق ا‪ ،‬فوج ود الممكن ات مس تحيل في‬

‫الخارج‪ ،‬والممكن المتحقق إنما هو تلبيس الوجود الواجب بإحكام الممكنات‪ ،‬وهذا كما هو‬

‫معلوم مخالف لما قرره أهل السنة من أن الممكن إنما كان ممكنا ألن وجود جائز وعدمه‬

‫ج ائز‪ ،‬والق ول بوح دة الوج ود يع ني الق ول أن اإلنس ان يتخلص من مالحظ ة القي ودات‬

‫الوهمية الحادثة‪ ،‬والتي بها يرى لنفسه وجودا مستقال عن وجود اهلل وهذه التقييدات ماهي‬

‫إال إعتبارات عدمية كما الوجود المستقل ظهر له بأن وجوده هو عين وجود اهلل تعالى‪،‬‬

‫فال وجود إال اهلل‪ ،‬فعقيدة وحدة الوجود هي الحقيقة الوجودية‪ ،‬وقد حاول العديد من الكتاب‬

‫ق ديما وح ديثا أن يؤك دوا أن م ذهب وح دة الوج ود ه و م ذهب م ادي الح ادي ال يلي ق ي ولي‬

‫مسلمة من كبار أولياء اهلل‪ ،‬لكن بخالف ذلك هناك من يقول أن نظرية وحدة الوجود تعتقد‬

‫أن الوج ود ليس واح د‪ ،‬ب ل هن اك وج ود اهلل‪ ،‬وهن اك وج ود لغ ير اهلل س بحانه وتع الى‪ ،‬إن‬

‫نظري ة وح دة الوج ود إذن من بين النظري ات األساس ية ال تي لعبت دورا ب الغ األهمي ة في‬

‫مجال التعق ل العرف اني والفلسفي‪ ،‬وتعتبر ه ذه النظرية هي الدعامة األساسية القومي ة في‬

‫ط رح أعمق علم‪ ،‬أما العرف ان‪ ،‬وهي أيضا عقي دة ت وجب إكم ال الفلسفة‪ ،‬كم ا تعتبر ك ذلك‬

‫صورة عن المشاهد المتناسقة للشهود والبرهان‪ ،‬فقد تعددت التعريفات التي يمكننا منحها‬

‫لعقي دة وح دة الوج ود بكونه ا م ذهب فلس في ق ديم أخ دت ب ه البراهماني ة الهندي ة والرواقي ة‬

‫واألفالطونية‪ ،‬والمحدثة‪ ،‬اليونانية والصوفية‪ ،‬وأما في الفلسفة الحديثة قد تجلى أبرز ص ور‬

‫ه ذا الم ذهب في فلس فة اس بينوزا ال ذي ي ذهب إلى أن اهلل ه و الموج ود الح ق فض ال عن أن‬
‫الفيلسوف األلماني هيجل أخد بهذه الفلسفة‪ ،‬إذ تسمى فلسفته بوحدة الوجود المثالية‪ ،‬والتي‬

‫تق ر أن اهلل ه و ال روح الكلي الك امن وراء األرواح الجزئي ة وهن اك ج ذورا عميق ة تربطن ا‬

‫به ذا الوج ود أو ش عورا دفين ا يش دنا إلي ه‪ ،‬ويرف ع بين الحين والحين والحجب الموج ودة‬

‫الفاص لة بينن ا وبين ه‪ ،‬أي تل ك الحجب ال تي أقامته ا الطبيع ة "برافان ا" مح ددا بينن ا وبين‬

‫الموجودات ‪ ...‬نعرف وجودنا ونحقق ذاتيتنا‪ ،‬ثم أنه قد يحدث كثيرا أن تهب عاصفة من‬

‫عواصف الشعور‪ ،‬فتطوي هذا "برافان" فإذا نحن بمشهد من الوجود كله‪ ،‬وإ ذا نحن مه ه ذا‬

‫الوج ود أس رة واح دة ومجتم ع واح د وكي ان واح د‪ ،‬ويول د الش عور ال ذي مأل عق ول بعض‬

‫الفالس فة وكث ير من المتص وفة وال ذي يكل ف خل ق س ويا ويعيش في الن اس باس م وح دة‬

‫الوجود‪ ،‬إن للوجود إذن حقيقة واحدة منزهة عن عروض التعدد والكثرة غير قائمة بشيء‬

‫سوى ذاتها‪ ،‬بل واألشياء قائمة بها منسوبة إليها بالنسبة اإلتحادية كما في الواجب تعالى‪،‬‬

‫أو بالنسبة اإلرتباطية كما في الممكن‪ ،‬غن وحدة الوجود تجمع بشكل منظم خمسة عناصر‬

‫كم ا أج دها ل دى مح بي ال ذين ابن ع ربي أوله ا‪ :‬ال ذات اإللهي ة وص فاتها‪ ،‬ثاني ا‪ :‬فيض اهلل‬

‫وتجلي ه وص لته بالع الم‪ ،‬ثالث ا‪ :‬اإلنس ان الكام ل أو الحقيق ة المحمدي ة‪ ،‬رابع ا‪ :‬اإلتح اد باهلل‪،‬‬

‫خامس ا‪ :‬وح دة األدي ان‪ ،‬ولكن ه ذه العناص ر وج دت بعض ها أو كله ا قب ل مجي‪ ،،،،‬ال دين‬

‫عربي‪ ،‬وصمت كروافد في نهر وحدة الوجود كما ظهر بشكل منظم لدي ابن عربي وهذه‬

‫الرواف د هي الفت اء‪ ،‬اإلتح اد‪ ،‬الش هود‪ ،‬والحل ول‪ ،‬ويع د أيض ا م ذهب وح دة الوج ود م ذهب‬

‫ال ذين يوح دون اهلل والع الم‪ ،‬ويزعم ون ان ك ل ش يء ه و اهلل‪ ،‬فالبراهم ا يت ون س ردون ك ل‬
‫شيء إلى اهلل ويعتقدون أن براهمان هو الحقيقة الكلية‪ ،‬ففي مفهوم الحضارة الهندية كان‬

‫أساس النظر إلى الوجود هو أنه وحدة واحدة‪ ،‬وأن اإلنسان جزء من مياه بحر زاخر على‬

‫أن الوحدة هنا تعني الواحدية‪ ،‬وهي التقدير المقابل للكثرة والمعبر عن ضدها‪ ،‬وعلى ذلك‪،‬‬

‫وبحس ب وح دة الوج ود ف إن اإلنس ان والحي وان والجم اد وماع داهم‪ ،‬ليس وا غ ير عناص ر‬

‫متساوية في تكوين الوجود وتكوين صورته ‪ ،‬في هذه الحضارة بحسب جميعا بما في ذلك‬

‫كيانه وإ فتراض أن كل ما في هذا الوجود ينطوي على الروح بداخله والنجاح الكامل في‬

‫هذا التقدير أن تتالشى الوجود الفردي في الوجود العام بما يحقق المبدأ األول‪ ،‬والذي هو‬

‫مذهب وحدة الوجود‪.‬‬

‫إن استغراق اإلنسان في الطبيعة ومزج مشاعره بها أوحي إليه أن الحياة‪ ...‬في ك ل‬

‫كائن واحدا‪ ،‬وتلك الكائنات الفردية من جمادونيات وأفراد فيه‪ ،‬ففي كثير من جهات العالم‬

‫أن اس ال يزال ون إلى الي وم ي رون ال روح س ارية في النب ات وأن قط ع الش جرة معن اه قت ل‬

‫ص ريح ل ه‪ ،‬وفي ج زر ماق ا‪ ،‬جماع ات كث يرة ال ت زال تعتق د أن األش جار أي ام اإلزده ار‬

‫حوامل أجنة‪ ،‬فال يحيزون ارتفاع األصوات حولها أو اشتغال النار إلى جوارها‪ ،‬حتى ال‬

‫يث ير ذل ك ا اض طرابها أو إفس اد أجنته ا قب ل نض جها‪ ،‬حيث أن في الهن د ديان ات تق وم على‬

‫تق ديس األش جار واألنه ار والجب ال وغيره ا بحس يان أنه ا واعي ة ومدرك ة ت دب فيه ا حي اة‬

‫ويسرى فيها شعور دائما وأبدا بحيث يرى الجماد جمادا والنبات في دائرة وجود الجمادي‬

‫أو النباتي أو الحيواني‪ ،‬فإن أقسى الناس طبعا وأضلهم شعورا شتولي عليه حاالت يندمج‬
‫فيها مع كائنات الوجود‪ ،‬ويتناغم مع صامتها‪ ،‬فالسفة يقولون مفهوم الوجود واحد‪ ،‬يعني‬

‫لفظة الوجود مفهومها واحد وهو الثابت‪ ،‬فالوجود بهذا المعنى يقصد به الثبات فكل ثابت‪،‬‬

‫فه و موجود إذن مفه وم الوجود واح د‪ ،‬إنما م راتب الوجود متعددة ومتفاوت ة‪ ،‬بينما وجود‬

‫اإلنسان هو وجود محدود‪ ،‬محدود زمانا ومكانا‪ ،‬محدود قدرتهة وعاما‪ ،‬فأين المحدود من‬

‫الالمح دود؟ وأين المفي د من ‪...‬وأين الممكن من ال واجب؟ إذن الف رق بين الوج ودين ه و‬

‫فرق جوهري واضح‪ ،‬وإ ن كانا هذان الوجودات يشتركان في معنى كلمة الوجود بمعنى‬

‫الثب ات‪ ،‬وإ ال فبينهم ا ف رق من حيث الوج ود الوجودي ة "ي ا أيه ا الن اس أنتم الفق راء إلى اهلل‪،‬‬

‫واهلل هو الغني الحميد"‪.‬‬

‫وبين الغنى والفقير فرق واضح‪ ،‬إذن معنى وحدة الوجود يقصد به مفهوم الوجود‬

‫واح د‪ .‬وإ ال م راتب الوج ود ق د تك ون متفاوت ة‪ ،‬ه ذا بحس ب التعري ف الفلس في‪ ،‬وبحس ب‬

‫االصطالح الفلسفي‪ ،‬أن قضية وحدة الوجود موضع الخالف بين الباحثين‪ ،‬فبعض الباحثين‬

‫ومنهم محم د غالب وال عب د الب اقي س رور ينك رون نس بة الق ول بوح دة الوج ود إلى ابن‬

‫ع ربي‪ ،‬وي رون أنه ا تش ويه الخص وم والمستش رفين‪ ،‬ولكن الحقيق ة الوجودي ة واح دة في‬

‫جوهرها‪ ،‬متكثرة في صفاتها وأسمائها‪ ،‬ال تعدد فيها إال باالعتبار‪.‬‬

‫والنسب واإلضافات وهي قديمة أزلية ال تتغير وإ ن تغيرت الصورة الوجودية التي‬

‫تظه ر فيه ا‪ ،‬ف إذا نظ رت إليه ا من حيث مظاهره ا قلت هي الخل ق‪ ،‬فهي الح ق والخل ق‬

‫والواح د والكث ير والح ادث والق ديم األول واآلخ ر والظ اهر والب ادات‪ ،‬وغ ير ذل ك من‬
‫التناقض ات ولكنه ا متناقض ات نظ را إلختالف في العب ارات ال في الحقيقي‪ ،‬ومن ه فمفه وم‬

‫وحدة الوجود عند المتصوفة ينحو أيضا نحو وحدة الشهود‪.‬‬

‫وهذا المفهوم عنده مراده إلى اإلستخراج وتغلب الحال عليهم‪ ،‬والقصور في التغب ير‬

‫م ا يجدون ه في أفئ دتهم‪ ،‬أم ا مفه وم وح دة الوج ود عن د المتص وفة وه و تفلس ف في ه ذا‬

‫اإلدراك القبلي والمش اهدة المعنوي ة‪ ،‬ب ل إن ه ثبن فك رة فلس فية غربي ة‪ ،‬إذن وح دة الوج ود‬

‫عن د الص وفية ح ال من األح وال‪ ،‬وذوق من األذواق الروحي ة‪ ،‬كم ا تع ني أيض ا عن د‬

‫المتصوفة نظرية أو فكرة فلسفية وما نحا نحوهم من المتكامين مثال جالل الدين الرومي‬

‫ليسوا اقل عددا وحماسا في دفاعهم الم‪.......‬عنها‪ ،‬أما علماء أهل السنة من عصر السلف‬

‫إلى يومن ا ه ذا‪ ،‬فهم متفق ون على أن حق ائق األش ياء ثابت ة ونظ را لحساس ية مص طلح وح دة‬

‫الوجود‪ ،‬الذي أثار‪ ،‬والزال يثير الكثير منة الجدل حول ما إذا كان يقصد به التحديد أو‬

‫تعري ف عقي دة توحيدي ة ال يوج د بمقتض اها في الوج ود إال الواح د األح د وح ده دون س واه‪.‬‬

‫بيد أن اإلجابة باإليجاب عن هذه المسألة ال تشير إلى نقله حاسمة في اإللهيات اإلسالمية‪،‬‬

‫ألن ابن الع ربي لم يفع ل في الواق ع غ ير النف ع بم ذهب المتكلمين األش اعرة غلى أقص ر‬

‫م دات إذ إن إص رار األش عري على ق درة اهلل الكلي ة وهيمنت ه على الك ون ينط وي منطقي ا‬

‫على حقيقة بسيطة مفادها أن اهلل هو خالق األفعال‪ .‬وبالتالي يعتبر الفاعل األوحد في هذا‬

‫الع الم‪ ،‬وعلي ه ف إن محي ال دين ابن الع ربي ال يج انب المنط ق حيث يق ول قياس ا على‬

‫استخاص ة األش اعرة في موض وع الق درة اإللهي ة الكلي ة‪ ،‬والهيمن ة الش املة ب أن اهلل ه و‬
‫الموج ود األوح د‪ ،‬وال وج ود لموج ود آخر مع ه أو من خارج ه ألن عكس ه ذه الحقيق ة من‬

‫شأنه أن يفتح الباب أمام التساؤل المشروع حول مصدر الطبيعة وحقيقة هذا الوجود الذي‬

‫يفترض أهل الظاهر أنه غير اهلل الواجب الوجود من دون شرط شيء مطلق‪ .‬هذا المذهب‬

‫الفلسفي هو مذهب ديني‪ ،‬جوهره نقي الذات اإللهية حيث يوحد في الطبيعة بين اهلل تعالى‬

‫وبين الطبيع ة على نح و م ا ذهب إلي ه الهن دوس أخ ذا من فك رة يوناني ة قديم ة‪ ،‬وانتق ل إلى‬

‫بعض المتص وفة كمحي ال دين ابن ع ربي وغ يره‪ ،‬وك ل ه ذا مخ الف لعقي دة التوحي د في‬

‫اإلس الم‪ ،‬فاهلل س بحانه وتع الى م نزه عن اإلتح اد بمخلوقات ه أو الحل ول فيه ا‪ ،‬لكن رغم ك ل‬

‫هذا تبقى الغاية القصوى من الحياة الصوفية هي الوصول إلى اللغة عن طريق الحال التي‬

‫يطلق عليها الصوفية اسم الفناء‪ ،‬وقد كان هذا هو المعنى الذي اتفق عليه جمه ور الصوفية‬

‫قب ل أص حاب وح دة الوج ود‪ ،‬ف إذا ادعى أح د منهم أن ه ف نى عن نفس ه أو عن الخل ق‪ ،‬ك ان‬

‫معناه أنه غاب عن نفسه وعن الخلق فال علم له بهما وال خير‪ ،‬وأنه يتصل في هذه الغيبة‬

‫ب الحق ويش هده من غ ير محل ول او م زج أو ص يرورة ألن الح ق ال يح ل في الخل ق وال‬

‫يمتزج به‪ ،‬وال يصير أحد منهما اآلخر فإذا قال الصوفي ال أرى شيئا غير اهلل‪ ،‬فهو في‬

‫حال وحدة الشهود‪ ،‬وإ ذا قال ال ارى شيئا إال وأرى فيه‪ ،‬فهو في حال وحدة الوجود‪ ،‬وهذا‬

‫أوج رد تبس يط ممكن له ذين اإلص طالح حيت ال ذين يخ تزالن التجرب ة الص وفية في ك ل‬

‫أبعادها‪ ،‬فحال وحدة الشهود هي حال الفناء‪ ،‬وحال وحدة الوجود هي حال البقاء‪ ،‬والفناء‬

‫والبقاء متالزمات‪ ،‬وكذلك وحدة الوجود ووحدة الشهود‪ ،‬فإن كنت فانيا عن شيء‪ ،‬فإنك ال‬
‫بد باق بغيره‪ ،‬أو كنت باقيا في شيء‪ ،‬فأنت ال محال فإن عن سواه‪ ،‬وهذا أمر طبيعي بما‬

‫أن اإلنسان عاجز عن جمع همته أو تسليط انتباهه على أكثر من موضوع واحد في نفس‬

‫اللحظة‪ ،‬هذه الورقة التي اكتب عليها إن فكرت فيها (طولها‪ ،‬عرضها‪ ،‬شكلها‪ ،‬لونها‪.)...‬‬

‫تع ذر على أن أكتب وإ ن فك رت في الكتاب ة أو فيم ا أكتب تع ذر على التفك ير في‬

‫الورق ة‪ ،‬ففي الحال ة األولى يق ال في مص طلح الص وفي‪" :‬أن ا ب اق في الورق ة ف ان عن‬

‫الكتابة"‪ ،‬وفي الحالة الثانية‪ ،‬يقال‪" :‬أنا فان عن الورقة باق في الكتابة" وخير مثال يوضع‬

‫لغير المختص حالي الفناء والبقاء "الممثل السينمائي أو المسرحي الذي يؤدي دورا رسمه‬

‫له المخرج"‪ ،‬فالممثل في هذه الحالة يتكلم مالما غير كالمه هو‪ ،‬ويأتي بأفعال ليست أفعاله‬

‫هو‪ ،‬با إن كالمه وأفعاله كالمه وأفعال الشخصية التي يتمثلها‪ ،‬فالممثل أثناء التمثيل فان‬

‫عن نفسه‪ ،‬وباق بدوره قلنا إن الفناء والبقاء متالزمات فال فناء بال بقاء وال بقاء بال فناء‪،‬‬

‫والفناء الصوفي خاصة هو فناء عن الخلق وبقاء بالحق والصوفي أبدا ودائما ما بين فناء‬

‫وبقاء‪.‬‬

‫لكن بق اءه ليس دوم ا ب الحق الض طراره بحكم بش ريته إلى اإلنص راف إلى بعض‬

‫الشؤون اليومية‪ ،‬فهل يقال في هذه الحالة أنه باق بهذه الشؤون فان عن الحق؟ تخلصا من‬

‫تعبير الفناء عن الحق الذي ال يليق بالصوفي بل وال يليق حتى بالمؤمن غير الصوفي أن‬

‫يتفوه به أمام الحضرة اإللهية‪.‬‬


‫فق د اص طلح الص وفية على تس مية م دى الحال ة بمق ام الف رق في مقاب ل مق ام الجم ع‪،‬‬

‫فإثبات الخلق من باب الترقة‪ ،‬وإ ثبات الحق من الخلق من باب التفريق‪ ،‬وإ ثبات الحق من‬

‫لغت الجم ع‪ ،‬مم ا جع ل م ذهب وح ده الوج ود ه و مع نى التوحي د ال ذي ك ادت المدرس ة‬

‫البغدادية في القرن الثالث‪ ،‬ومن زعمائها أبو القاسم الجديد‪ ،‬تبين معنا إذن فيما سبق أنه‬

‫ثم ة تالزم ا بين الفن اء والبق اء‪ ،‬إذ ال ينفص ل الفن اء عن البق اء‪ ،‬كم ا ال يمكن انفص ال البق اء‬

‫من الفناء‪ ،‬وإ نما الفناء هو عين البقاء وهما وجهات لعملة واحدة‪ ،‬او بتعبير آخر‪ ،‬فال فرق‬

‫بينهما إال باإلعتبار أحدهما سلبي (الفناء)‪ ،‬والثاني إيجابي (البقاء)‪ ،‬كما تبين معنا أن وحدة‬

‫الش هود تس مية أخ رى للفن اء ووح دة الوج ود تس مية أخ رى للبق اء‪ ،‬ح تى ليمكنن ا الق ول أن‬

‫وح دة الشهود هي عين وح دة الوجود قياسا على الق ول أن الفن اء هو عين البق اء‪ ،‬لكننا لو‬

‫عدنا إلى مثال الممثل الذي يؤدي دور شخصية معينة‪ ،‬ال يمكننا التمييز بين ثالث أحوال‪،‬‬

‫أوله ا‪ :‬فن اء الممث ل عن نفس ها‪ ،‬وثاني ا‪ :‬بق اؤه في الشخص ية يلعب دوره ا‪ ،‬وثالث ا‪ :‬بق اء‬

‫الشخصية التي يلعب دورها فيه‪ ،‬فهي التي تنطلق بلسانه فيما هو ينطق بلسانها‪ ،‬وهي التي‬

‫تفع ل من خالله ا فيم ا يفع ل من خالله ا‪ ،‬وعلى ه ذا ق د يع ني بق اء الص وفي في الح ق بق اء‬

‫للحق في الخلق أيضا‪ ،‬ومن هنا قال الحسين ابن منصور الحالج‪" :‬ما في الحبة إال اهلل"‪.‬‬

‫وعلى هذا يمكننا القول ومجاراة لبعض المستشرفين أن السمة الغالبة على التصوف‬

‫برمت ه هي س مة وح دة الوج ود‪ ،‬كم ا يمكنن ا التمي يز مج راة لل دكتور أب و العال عفيفي بين‬

‫وحدة الوجود بما هي حال‪ ،‬وقد اعترف عفيفي بذلك اعترافا ضمنيا ووحدة الوجود بما‬
‫هي نظري ة‪ ،‬لكن ه ذه النظري ة غ ير آتي ة من ف راغ‪ ،‬ب ل أساس ها التجرب ة وقوامه ا ال ذواق‬

‫تناولها العقل فصاغ منها نظاما فكريا قد يقبل به البعض او قد يرفضه كال أو بعضا‪ ،‬وكل‬

‫ال رفض والقب ول إغن اء للحي اة اإلنس انية‪ ،‬إن عقي دة وح دة الوج ود اذن هي عقي دة فلس فية ال‬

‫يق رأ ص حابها إال بوج ود واح د ه و اهلل في رأي البعض‪ ،‬وجمي ع م ا ع داه أغ راض ل ه أو‬

‫الطبيعي ة في راي البعض اآلخ ر‪ ،‬ومن ه ف الوجود كل ه ص ادر عن ص فة الوحداني ة ال تي هي‬

‫مظ اهر األحدي ة وهم ا مع ا ص ادرات عن ال ذات الكريم ة ال تي هي عين الوح دة ال غ ير‪،‬‬

‫ويس مي المتص وفة ه ذا الص دور ب التجلي‪ ،‬واتف ق ه ؤالء "المتص وفة" والمتكلم ون على أن‬

‫الخ الق ل ه الت أثير في الموج ودات‪ ،‬ولكن أغلب المتص وفة أض افوا إلى ذل ك ق ولهم‪" :‬وإ ن‬

‫جميع الموجودات هي عين الخالق‪ ،‬وهذا هو عين نظرية وحدة الوجود التي جعلت ذانية‬

‫اإلنسان عين ذاتية الباري"‪.‬‬

‫وق د تكلم المتص وفة في النفس يات وإ جم ال رأيهم أنهم أهمل وا الظ واهر الخارجي ة‬

‫المحيطة باإلنسان المدركة بواسطة المشاعر الخمس‪ ،‬وجعلوا طريق اإلدراك الحقيقي من‬

‫القلب‪ ،‬ف القلب ه و ال ذي يقيض بالمعرف ة الحق ة وم ا تحمل ه الح واس ليس إال مج رد غل ط‬

‫وخداع كما أخذ المتأخرون من الصوفية بعقيدة وحدة الوجود‪ ،‬وذهبوا إلى القول بالحلول‬

‫وأثرع وا ص حفهم ب ذلك‪ ،‬فق د ك ان موض وع وح دة الوج ود ك ذلك من الموض وعات ال تي‬

‫استخدمها أعداء التصوف في تأليف الجماهير الممكنة أما عن تسمية مذهب وحدة الوجود‬

‫أو عقيدة وحدة الوجود بهذا اإلسم فقد ادعى بعض الكتاب أن شيخ اإلسالم ابن تيمية هو‬
‫أول من أطلق اسم وحدة الوجود على هذه العقيدة‪ ،‬أي أن التسمية ليست من الصوفية‪ ،‬بل‬

‫إنها آتية من مخالفيهم‪.‬‬

‫والواق ع أن ه ذا اإلدع اء غ ير ص حيح‪ ،‬فإن ه وإ ن ك ان ال يع رف بالتحدي د م تى ظه ر‬

‫ه ذا اإلس م إال أن ع ددا من آئم ة التص وف ق د اس تخدموا ه ذا اإلس م ومنهم محي ال دين ابن‬

‫ع ربي وابن س بعين وش هاب ال دين الس هر وردي والقوب وي‪ ،‬ه ذا باإلض افة إلى اس تخدام‬

‫الصوفية عدة أسماء واصطالحات كثيرة للداللة على وحدة الوجود‪ ،‬ومنها ما يلي‪:‬‬

‫التوحيد‪ :‬وهو م‪....‬هم إفراد الحق بالوجود في األزل واألبد‪ ،‬أو هو شهود الموحد‬

‫القديم مجردا عن الوجود الحادث‪.‬‬

‫الفردانية‪ :‬وتعني انفراد الحق ب الوجود بانطباق األحصة على الكل‪ ،‬بحيث لم يبقى‬

‫وج ود لغ يره فق ط ثم المش اهدة‪ ،‬وهي رؤي ة الح ق في األش ياء أو رؤي ة الح ق في ذرة من‬

‫ذرات الوجود‪ ،‬باإلضافة إلى اإلستعاضة عنها بمصطلح الشهود الذي يقصد به رؤية الحق‬

‫ب الخلق‪ ،‬ومص طلح الفن اء‪ ،‬وه و زوال الرس وم جميع ا بكلي ة في عين ال ذات األحدي ة م ع‬

‫ارتفاع اإلثنينية‪ ،‬أو يعني محو الرسوم واألشكال لشهود الكبير المتعلي‪ ،‬كما يمكن تعويضه‬

‫بمصطلح الحقيقة‪ ،‬وهي شهود الحق في تجليات المظاهر‪ ،‬ويصطلح التحقيق‪ ،‬ويقصد به‬

‫ش هود الح ق في ص ور أس مائه ال تي هي األك وان كم ا يمكن اس تبداله أيض ا ب الجميع‪ ،‬وه و‬

‫إش ارة إلى الح ق بال خل ق‪ ،‬أو إزال ة التفرق ة بين الق دم والحداث ة وارتف اع التمي يز بينهم ا‪،‬‬

‫مصطلح جمع الجمع‪ ،‬أي شهود الخلق قائما بالحق‪ ،‬بمعنى أن يرى الكون حقا وخلقا في‬
‫آن واح د‪ ،‬فه و من حيث ظ اهره خل ف‪ ،‬ومن حيث باطن ه ح ق‪ ،‬إذ ينظ ر الص وفي بعين ه‬

‫اليمنى إلى الحق نظرا الجمع‪ ،‬وينظر بعينه اليسرى إلى الخلف نظر التفرقة والمنظور إليه‬

‫ش يء واح د‪ ،‬ه ذا ه و المع نى وح دة الوج ود عن د الص وفية‪ ،‬الن هن اك من الم دافعين عن‬

‫التصوف من يزعم أن الصوفية يعتقدون وحدة الوجود‪ .‬والحد منهم ال يعنون بها ما يفهمه‬

‫خصومهم من الوحدة بين الخالق والمخلوق‪ ،‬وإ نما لما قصدوه هؤالء من وحدة الوجود هو‬

‫أن اهلل منف رد ب الوجود الكام ل الح ق الم نزه عن النق ائص والمخل وق ل ه وج ود ن اقص‪ ،‬وأن‬

‫الص وفية‪ ،‬وإ ن ق الوا بوح دة الوج ود إال أنهم ال يقول ون بوح دة الموج ود والكف ر إال أنهم‬

‫عن دهم في اعتق اد وح دة الموج ودات‪ ،‬غن م ذهب وح دة الوج ود إذن ه و م ذهب فلس في‬

‫وصوفي يقوم على توحيد اهلل والعالم‪ ،‬وأنصلر هذا المذهب يزعمون ويقرون أن كل شيء‬

‫ه و اهلل‪ ،‬وأن اهلل ه و ك ل ش يء‪ ،‬وق د دخ ل مفه وم الوح دة للتص وف اإلس المي بع د انفت اح‬

‫المس لمين على الش عوب المخالف ة لهم‪ ،‬وبع د اش تغالهم بترجم ة عل وم األوائ ل ال تي ك انت‬

‫تتضمن إلى جانب الفلسفة اليونانية شيئا من التصوف الفلسفي‪ ،‬وقد تعرض أنصار مذهب‬

‫وحدة الوجود انقد كبير من طرف خصومهم‪ ،‬ألن مذهب الوحدة يخالف العقيدة اإلسالمية‪،‬‬

‫غير أن بعض المتصوفة يفسرون وحدة الوجود بوحدة الشهود التي تعني كما قدمنا شهود‬

‫صفات الخالق في مخلوقاته‪ ،‬وقد عبرت الكثير من القصائد المتصوفة وكتاباتهم عن هذه‬

‫الوح دة ال تي أس اء فهمه ا جم ع كب ير من العلم اء في قض ية وح دة الوج ود‪ ،‬حيث ال يتغ ير‬

‫اإلنس ان في العالق ة بين الخ الق والمخل وق والق ديم والح ادث فق ط‪ ،‬ب ل تعرض ه العدي د من‬
‫ألوان التعقيدات عن الخير والشر والجزاء والعقاب والجبر واإلختيار‪ ،‬إن اهلل وجود مطلق‬

‫وخير مطلق‪ ،‬كما أنه ‪ ....‬مطلق كذلك‪ ،‬لكن القرآن الكريم يقول بأن خالق الخير والشر‬

‫كليهم ا ه و اهلل‪ ،‬ومن جه ة أخ رى‪ ،‬ف إذا ك انت المش يئة المطلق ة هي مش يئة واح دة فق ط‪ ،‬ال‬

‫ته تز ورق ة ب دونها‪ ،‬وال يس تطيع اإلنس ان أن يري د ش يئا لم ي رده اهلل‪ ،‬مم ا أدى إلى انع دام‬

‫اإلختيار اإلنساني‪ ،‬الذي يقوم عليه بناء جميع األخالق ومجمل وحدة الوجود أيضا إشكالية‬

‫العالقة بين الذات والصفات فما عالقة الصفات بالذات؟‪ ،‬فقد إنغمست المعتزلة واألشاعرة‬

‫في بحث تلك اإلشكالية بصورة منفردة حتى جعلوها قضية مهمة من قضايا العقيدة‪ .‬ومن‬

‫ذلك أنه إذا كان هلل واحد فكيف يمكن أن يتسم بكثير من الصفات؟ وهل الصفات جزء ال‬

‫يتجزأ من الذات أم أنها مستقلة عنها؟ وهل بعض صفات اهلل ذاتية وبعضها إضافية؟ وهل‬

‫تدخل الصفات في ذات اهلل أم أنها زائدة عليها؟‪.‬‬

‫فقد أعلنت جل المستشرفين أن التصوف اإلسالمي لم يبرر من داخل اإلسالم‪ ،‬بل‬

‫هو نتاج لتأثير الفلسفات اليونانية والفارسية والهندية خصوصا عقيدة وحدة الوجود التي‬

‫يطلق ون عليه ا ‪ PANTHEISM‬ويكتب ون عنه ا بك ل ثق ة أنه ا واردة من الخ ارج‪ ،‬ب ل هي‬

‫كذلك قضية منفصلة تمام االنفصال عن قضايا التوحيد‪ ،‬وبسبب من األفلوطينية اإلشراقية‬

‫وآخر من الفيدانت الهندية‪ ،‬بحيث تحولت عبارة "ال إله إال اهلل" عند البعض إلى عبارة "ال‬

‫موجود إال اهلل"‪ ،‬وما المباحث المنطقية لماهية الوجود سوى نتائج للتأثر بالفلسفة اليونانية‪،‬‬

‫ومن المؤكد أن هذا اإلتهام ينطوي على بعض الحقيقة‪ ،‬فهذه القضايا ال نجد لها أصال في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وال في األحاديث الصحيحة‪ ،‬ولم ينقل أن الصحابة الكرام كانوا يناقشونها‪،‬‬

‫كما لم يذكر أن التابعين كانوا يخوضون فيها‪ ،‬بل ما ظهرت هذه اإلشكاليات إال بعد قرون‬

‫وذلك حينما خرج اإلسالم من حدود الحجاز وانتشر في دول وأمم كانت معتادة منذ قرون‬

‫على هذه النوعية من اإلشكاليات‪ ،‬فقضية ماهو الوجود أو ماهية الوجود؟ كانت المحور‬

‫الذي ارتكزت عليه الفلسفة اليونانية‪ ،‬إن قضية وحدة الوجود تعرف بكونها قضية فلسفية‪،‬‬

‫فعت طريق الفلسفة تسري‪ ...‬هذه القضية إلى الدين والتصوف‪ ،‬أما بالنسبة للمسلمين‪ ،‬فإن‬

‫عقيدة التوحيد البسيطة هي الحقيقة الجوهرية‪ ،‬لكن حين جعل المتكلمون هذه القضية جزءا‬

‫من اإليمان اضطر أهل الدين من المفكرين أن يعبروا عن رأيهم فيها واضطروا إلى بيان‬

‫العقائ د حول الح دوث‪ .....‬والذات والصفات‪ ،‬وإ ذا قلنا إن مع نى الوجود الحقيقي المستقل‬

‫بالذات فإن الوجود الحقيقي حسب ما جاء في القرآن هو وجود اهلل‪ ،‬وهذا الوجود الحقيقي‬

‫مظه ر وخالف‪ ،‬وفي عالم الخل ق يظهر ك ل شيء لحظ ة بلحظ ة‪ ،‬ويواصل الفناء‪ ،‬ويعم ل‬

‫في ه اإلثب ات والنفي‪ ،‬ومن ه فوح دة الوج ود بم ا هي ح ال أو تجرب ة‪ ،‬يس تحيل أن يك ون له ا‬

‫مص در آخ ر غ ير التجرب ة‪ ،‬من حيث إن ه ذه ح ال تط رأ على الص وفي‪ ،‬ب ل إنه ا تقحم ه‬

‫إقتحاما‪ ،‬من دون ان يكون له أو إلرادته دخل في صنعها‪ ،‬فهذه التجربة هي النوع الذي‬

‫يصنع اإلنسان‪ ،‬وال يصنعه اإلنسان لكن وحدة الوجود بما هي نظرية أو مذهب قد نجد لها‬

‫أصوال إسالمية وغير إسالمية‪ ،‬وذلك بفعل تالقح الثقافات‪ ،‬وتفاعلها فيما بينها لذلك ال بد‬

‫لك ل ب احث في التص وف أن يم يز بين التص وف بكون ه تجرب ة أو ذوق على ح د تعب ير‬
‫الص وفية‪ ،‬وبين التص وف بم ا ه و تعب ير عن التجرب ة أو ترجم ة ألحواله ا‪ ،‬وم ا نش أ‬

‫اإلختالف بين الق ائلين بأص الة التص وف اإلس المي‪ ،‬وبين الق ائلين بغربت ه عن اإلس الم أو‬

‫اس تيراد من ثقاف ات أخ رى إال بس بب الخل ط أو ع دم التمي يز بين التص وف ذوق ا أو تجرب ة‬

‫وبين الوص ف أدب ا وفك را ي ترجم فيهم ا الص وفي معانات ه وم ا يكاب د في طريق ة إلى الح ق‬

‫تع الى‪ .‬كم ا تع د وح دة الوج ود ك ذلك امتي ازا مفص ليا ومرك زا مبنائي ا في هندس ة الوج ود‬

‫والبناء األنطولوجي ألن الوجود يتحقق النطباع بذور الوجود‪ ،‬وأخذ صفة المعقولية إال أن‬

‫المشكل األهم واألصعب في دراسة وحدة الوجود هو تحليل هذه النظرية وفق مصادرها‬

‫الفلسفية‪ ،‬إذ أنها تعبير منزقا وعرامت الناحية العقدية والعقلية حيث تعددت فيها القراءات‬

‫ولحقتها ظالل وتبعات خطيرة خالل مسيرتها التاريخية‪.‬‬

‫فق د اتخ ذت الفلس فة ط ريقين من التفك ير التقت ا عن د الق ول بوح دة الوج ود‪ ،‬ف الطريق‬

‫األول يبدأ من السماء ثم يعرج إلى األرض فينظار فيما وراء الطبيعة بتصورات المنطق‬

‫واستدالالته فإذا ما انتهى هذا النظر التجريدي التصوري إلى التعريف على اهلل على نحو‬

‫من أنح اء المعرف ة فوض ع له ذه المعرف ة م دلوال كالعق ل األول والمح رك األول‪ ،‬وم ا ش ابه‬

‫ذل ك مم ا أطلق ه الفالس فة للدالل ة ع ل ذات الخ الق‪ ،‬ويع در رأي ه ذا العق ل الفلس في إكم ال‬

‫الص ورة التسلس ل المنطقي أن يفيض العق ل االول والمح رك األول على ه ذه الكائن ات‬

‫الدائرة في فلكه فيوضا من روحه نبحث فيها الحياة وتصل وجودها به كما تبعث الشمس‬

‫أشعتها على الكوكب األرض‪ ،‬إن وحدة الوجود إذن هي عقيدة كبرى بين عقائد الصوفية‪،‬‬
‫وتع نى ب أوجز عب ارة أن اهلل تع الى والع الم ش يء واح د وأن مم ا يعلم بض رورة العق ل‬

‫وبديهيته أن الوجود ينقسم إلى وجود واجب ووجود ممكن‪ ،‬ولكن الصوفية ينكرون ثنائية‬

‫الوجود هذه ويعتقدون أن الوجود واحد‪ ،‬كما يدعى الصوفية كذلك أن اهلل تعالى هو الذي‬

‫ل ه الوج ود وح ده‪ ،‬أم ا الكائن ات والمخلوق ات فهي معدوم ة أزل وأب دا‪ ،‬وي رون أن عق ول‬

‫المحج وبين تت وهم وتتخي ل أن المخلوق ات موج ودة‪ ،‬ولكن ال يع ني الص وفية به ذه األق وال‬

‫إنكار األشياء المحسوسة وبعد الكائنات المشهودة كالبحار والجبال واألشجار ونحو ذلك‪،‬‬

‫وإ نما مقصودهم إنكار كونها خلقا العتقادهم أن الكائنات كلها هي اهلل تعالى‪ ،‬هذا باإلضافة‬

‫إلى اعتق ادهم أن اهلل تع الى مظه ر ويتجلى في ص ور المخلوق ات المختلف ة‪ ،‬فه و معن اه أن ه‬

‫يتحد أو يحل في مخلوق‪ ،‬بل إنهم يرون أن اهلل ما يتجلى إلى على نفسه‪ ،‬ولكن تسمى تلك‬

‫الطبقة اإللهية عبدا باعتباره أنها عوضا عن العبد‪ ،‬وإ ال فال عبد وال رب وهناك نوعان‬

‫من وحدة الوجود‪ ،‬والتي تتجلى في وحدة الوجود الروحية ووحدة الوجود المادية‪ ،‬صحيح‬

‫أنهما قد تختلفان في بعض األوجه الفرعية‪ ،‬إال أنهما تتفقان في األساسيات والبنية‪ ،‬فكلتا‬

‫هما ترى أن العالم يتكون من جوهر واحد‪ ،‬إذن شكل وحدة الوجود لحظة نهائية في عملية‬

‫حل ول وكم ون تدريجي ة‪ ،‬وح تى يمكنن ا إلق اء الض وء عليه ا وتص نيف األنس اق الحلولي ة‬

‫الكمونية نفترض وجودا متصال أحد طرفية التوحيد الخالص الصرف‪ ،‬والطرف اآلخر هو‬

‫الحلولية الكمونية الواحدية التامة‪ ،‬أو بعبارة أخرى أدق وحدة الوجود الروحية هي ذاتها‬

‫ووحدة الوجود المادية‪ ،‬وأن الفارق الواحيد بينهما هو الفرق في تسمية ذلك المبدأ الواحد‬
‫الكامن في المادة‪ ،‬الدافع لها‪ ،‬فهو اإلله في وحدة الوجود الروحية‪ ،‬وهو المادة في وحدة‬

‫الوج ود المادي ة‪ ،‬إذ يمكن تعري ف وح دة الوج ود الروحي ة بأنه ا الش كل األول من وح دة‬

‫الوج ود‪ ،‬وتس مى ايض ا الحلولي ة أو الكموني ة الواحدي ة الروحي ة‪ ،‬والمب دأ الواح د ه و اإلل ه‬

‫الك امن في الطبيع ة واإلنس ان ال يتج اوز هم ا‪ ،‬وفي ه ذا اإلط ار يص بح اإلل ه "المطل ق‪،‬‬

‫الوج ود المطل ق‪ ،‬العق ل المطل ق‪ ،‬الفك رة المطلق ة" ه و الموج ود الم ادة (الطبيع ة‪ ،‬واإلنس ان)‬

‫فليس له وجود حقيقي دائم‪ ،‬وال جوهر متميز‪ ،‬فهو مجرد مظهر من مظاهر الذات اإللهية‬

‫المطلق ة‪ ،‬وليس ل ه وج ود في ذات ه‪ ،‬وذل ك ألن ه ص ادرت عن ه ب التجلي‪ ،‬وك ل التط ورات‬

‫والتحوالت في عالم الطبيعة والتاريخ‪ ،‬إنما هي إال تجليات جزائية للفكرة المطلقة‪.‬‬

‫أو ما يسمى إنكار الكون عند بعض المتصوفة أما وحدة الوجود المادية أو الطبيعية‬

‫فينبغي تعريفه ا باعتباره ا الش كل الث اني لوح دة الوج ود‪ ،‬ونس ميها أيض ا الحلولي ة الكموني ة‬

‫الواح دة المادي ة‪ ،‬والمب دأ الواح د بالنس بة إليه ا ه و الق وة الدافع ة نفس ها للم ادة الكامن ة فيه ا‪،‬‬

‫وت رد إلي ه ك ل الظ واهر ولكن ه هن ا يس مى ق انون الحرك ة أو الطبيع ة الم ادة‪ ،‬فهي الح ق‬

‫األوح د‪ ،‬وال وموج ود إال هي واإلل ه ليس ل ه وج ود حقيقي وال ه و ج وهر متم يز‪ ،‬فه و‬

‫مجم وع األش ياء الموج ودة في الع الم "تألي ة الك ون" ومن ثم ال توج د أي ة مطلق ات أو‬

‫مرجعيات متجاوزة لعالم المادة‪ ،‬ويمكن القول إن وحدة الوجود الروحية تقوم بتطبيع اإلل ه‪،‬‬

‫أي يظل هناك إله‪ ،‬ولكنه يكتسب سمات الطبيعة واإلنسان‪ ،‬أما وحدة الوجود المادية فتؤله‬

‫الطبيع ة‪ ،‬يمكن الق ول حس ب م ا س لف ذك ره إن وح دة الوج ود المادي ة‪ ،‬أي العلماني ة‪ ،‬وإ ن‬


‫اإلختالف بين نمطي وحدة الوجود هو في التسمية أساسا‪ ،‬فاألنساق الحلولية الكموني ة تتس م‬

‫بكونه ا أنس اق مغلق ة ال تتخلله ا ثغ رات أو مس افات أو أي ش كل من أش كال اإلنقط اع‪ ،‬فهي‬

‫امت داد كام ل ووح دة آلي ة أو عض وية مغلق ة مص مته‪ ،‬وانتص ار كام ل للواح د ال تي ت رد‬

‫األشياء كافة معرفيا وأخالقيا إلى مستوى واحد‪ ،‬أو إلى مبدأ واحد الروحية‪ ،‬ويسمى المادة‬

‫الطبيعة أو قانون الحركة في وحدة الوجود المادية‪ ،‬فكال مما يرفض المرجعية المتجاوزة‪،‬‬

‫ويؤك د المرجعي ة الكامن ة في الع الم‪ ،‬وهن اك من المتص وفة من ق ال إذن أن عقي دة وح دة‬

‫الوجود من العقائد الباطلة‪ ،‬بل والكفرية أيضا التي انتهجها بعض غالة المتصوفة كمحيي‬

‫الدين ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم والفتوحات المكية وغيرها‪ ،‬وملخص هذه‬

‫العقيدة ذكره الشيخ عبد الرحمان عبد الخالق في كتابة الفكر الصوفي على ضوء الكتاب‬

‫والس نة‪ ،‬حيث ق ال‪ :‬أن مص طلح وح دة الوج ود إال اهلل‪ ،‬فليس غ يره في الك ون‪ ،‬وماه ذه‬

‫الظواهر التي نراها إال مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة اإللهية تعالى اهلل عن ذلك علوا‬

‫كب يرا ه ذه الحقيق ة ال تي تن وعت وجوداته ا ومظاهره ا في ه ذا الك ون المش اهد‪ ،‬وليس ه ذا‬

‫الكون في هذه العقيدة الباطلة إال اهلل في زعمهم تعالى اهلل عن ذلك‪ ،‬ويرى البغض اآلخر‬

‫من ال دعاة أن وح دة الوج ود عن وان آخ ر من عن اوين اإللح اد في وج ود اهلل وتعب ير ملت و‬

‫للق ول بوج ود الم ادة فق ط وأن ه ذا الم ذهب الح ل إب احي يلتمس الس بيل إلى ني ل ش هواته‬

‫تحت ش عار من العقائ د أو ملح د يري د أن يه دم اإلس الم بتص يد الش هوات أو معط ل يح اول‬

‫التخلص من تكاليف الكتاب والسنة‪ ،‬بينما اإلسالم فيؤمن بأن اهلل جل شأنه خالق الوجود‬
‫م نزه عن اإلتح اد بمكلوفات ه‪ ،‬أو الحل ول فيه ا‪ ،‬والك ون ش يء غ ير خالق ه‪ ،‬ومن ثم ف إن ه ذا‬

‫الم ذهب يخ الف اإلس الم في إنك ار وج ود اهلل والخ روج على ح دوده‪ ،‬ويخالف ه في ت أليف‬

‫المخلوق ات وجع ل الخ الق والمخلوق ات ش يئا واح د‪ .‬كم ا يخالف ه أيض ا في إلغ اء المس ؤولية‬

‫الفردية والتكاليف الشرعية واإلنسياق وراء الشهوات البهيمية باإلضافة إلى مخالفته له في‬

‫إنك ار الج زاء‪ ،‬المس ؤولية‪ ،‬البحث والحس اب‪ ،‬ومن أق وال اس بينوزا ال تي ترك د على م ذهب‬

‫في وح دة الوج ود قول ه أن م افي الوج ود إال اهلل فاهلل ه و الوج ود الح ق‪ ،‬وال وج ود مع ه‬

‫يماثله ألنه ال يصح أن يكون ثمة وجودات مختلفات مثماثالت‪ ،‬وأما ابن سبعين فمن أقوال ه‬

‫الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود قوله‪ :‬رب مالك وعبد هالك وأنتم‪،‬‬

‫اهلل فق ط‪ ،‬والكث ير وهم‪ ،‬وهن ا يؤك د ابن س بعين أن ه ذه الموج ودات ليس له ا وج ود حقيقي‪،‬‬

‫فوج دها وهم وليس ثم ة ف رق بين الخل ق وبين الح ق ف الموجودات هي اهلل‪ ،‬لكن التلمس اني‬

‫كم ا يق ول اين ثيمي ة من أعظم هؤالء كف را‪ ،‬وهوأح ذفهم في الكف ر والزندق ة‪ ،‬فهو ال يفرق‬

‫بين الكائنات وخالقها‪ ،‬إنما الكائنات أجزاء منه وأبعاد له بمنزلة أمواج البحر‪ ،‬فالوجود إذن‬

‫عند التلمساني واحد‪ ،‬إذ ليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق‪ ،‬بل كل المخلوق ات إنم ا هي‬

‫اهلل ذات ه‪ ،‬في حين أن الحالج ك ان ي ؤمن بنظري ة وح دة الوج ود أو بنظري ة الحل ول وأقواله‬

‫وأشعاره شهد على ذلك حيث يقول‪:‬‬

‫مزجت روحك في روحي كما‬

‫تمزج الخمرة بالمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء والزالل‬


‫ومع نى ذلك أنه يق ول بالوحدة بين المحب والمحب وب وه و يجعل الصلة بين ه وبين‬

‫أصفيائه كالصلة بينه وبين واجب الوجود فق د أحب الحسين ابن منصور الحالج أحب اهلل‬

‫إلى ح د الفن اء‪ ،‬وقص ة ه ذا المتص وف في حب اهلل قص ة محزن ة‪ ،‬فق د تنق ل المس كين من‬

‫أرض إلى أرض وتشكله في مظهره ومخبره أشكاال مختلفات‪ ،‬فكان له في كل أرض حال‬

‫وم ع ك ل ق وم رأي‪ ،‬ولقي في س بيل محبوب ه أقط ع ض روب الش قاء‪ ،‬وال دليل على إق رار‬

‫الحسين ابن منصور الحالج بوحدة الوجود هو قوله‪" :‬ما في الحبة إال اهلل"‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬بدايات نشأة التفكير في وحدة الوجود‬

‫رغم مت أخروا الص وفية أنهم تلق وا وح دة الوج ود عن بعض آي ات الق رآن‪ ،‬وهي‬

‫تعب يرات الزه اد األولين‪ ،‬وعن ق ول األش عرية ب أن جمي ع الح وادث الكوني ة أفع ال إلهي ة‬

‫صرفه‪ ،‬وعن عبارات أب يزيد الب‪ ....‬والحسين ابن منصور الحالج وأمثالهما من الوحد‬

‫بين لم ينقهم في هذا المذهب إال االسم الفني‪ ،‬والحد منهم استمدوتها في الحقيقة فيما يرى‬
‫األستاذ لوي ماسينيون من مزج فكرة النور المحمدي الذي هو عند الكثيرين مبدأ الخلق‬

‫بفكرة العقل الفعال الهيليت‪ ..‬ويقرر هذا األستاذ أن ابن عربي هو أول من صرح تصريحا‬

‫قاطعا بهذا المذهب وأعلن أن جميع الكائنات انيثقت عن العالم اإللهي الذي سبق وجودها‬

‫فيه وهو المعروف بالثبوت وجودها الخارجي‪ ،‬وأن األرواح بعد الموت تعود إلى الجوهر‬

‫اإللهي‪ ،‬وأن الفرغ اني والجيلي لم يدخل ه على ه ذه النظري ة إال تع ديالت طفيف ة وأنه ا ال‬

‫تزال إلى اليوم عقيدة المتصوفين اإلسالمين كما ال تزال موضع تغني الشعراء الفارسيين‬

‫بل‬

You might also like