Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 7

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫فوائد تدريسية من جملس صحيح البخاري ‪11‬‬

‫يف دار احلديث الرشيف والسرية النبوية‬

‫كتب املستخرجات عىل صحيح البخاري‬

‫إعداد وتلخيص‪ :‬د‪ .‬عمر بن موفق النشوقايت‬

‫املستخرج‪ :‬قال العراقي يف رشح ألفيته (‪( :)121/1‬موضوعه أن يأيت املصنف إىل‬

‫كتاب البخاري أو مسلم‪ ،‬فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غري طريق البخاري أو مسلم‪،‬‬

‫فيجتمع إسناد املصنف مع إسناد البخاري أو مسلم يف شيخه أو من فوقه)‪.‬‬

‫نشأ التأليف يف املستخرجات يف القرن الثالث اهلجري‪ ،‬واستمر إىل هناية القرن‬

‫اخلامس‪ ،‬ثم انقطع التأليف فيها بعد ذلك‪.‬‬

‫ويتلخص منهج التأليف يف املستخرجات يف نقاط عدة‪:‬‬

‫‪1‬ـ يسوق املصنف أحاديث الكتاب املستخرج عليه من غري طريق املصنف‪ ،‬فيلتقي‬

‫معه يف شيخه ـ وهذا ما يسمى باملوافقة ـ أو يف شيخ شيخه ـ وهذا يسمى بالبدل ـ أو من‬

‫فوقه‪ ،‬وغالب ًا يكون التقاء السندين عند مدار اإلسناد‪ ،‬وربام ساق إسناد ًا ال يلتقي معه إال يف‬

‫الصحايب‪ ،‬لكنه ال يسوق احلديث من طريق صحايب آخر‪.‬‬

‫‪2‬ـ ال يلتزم صاحب املستخرج ألفاظ الكتاب املستخرج عليه‪ ،‬بل يرويه باللفظ‬

‫الذي وقع له عن شيوخه‪ ،‬وقد نبه عىل هذا احلافظ ابن الصالح يف مقدمته (ص‪ )22‬فقال‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(الكتب املخرجة عىل كتاب البخاري أو كتاب مسلم مل يلتزم مصنفوها فيها موافقتهام يف‬

‫ألفاظ األحاديث بعينها من غري زيادة ونقصان‪ ،‬لكوهنم رووا تلك األحاديث من غري جهة‬

‫البخاري ومسلم طلب ًا لعلو اإلسناد‪ ،‬فحصل فيها بعض التفاوت يف األلفاظ)‪.‬‬

‫‪3‬ـ إذا مل جيد صاحب املستخرج لنفسه سند ًا آخر من غري طريق املصنف‪ ،‬فقد يسقط‬

‫احلديث من مستخرجه‪ ،‬أو يرويه من طريق املصنف نفسه‪.‬‬

‫‪4‬ـ حيرص صاحب املستخرج عىل علو اإلسناد‪ ،‬فريوي احلديث من طريق يعلو فيه‬

‫عام لو رواه من طريق املصنف‪ ،‬بل كان علو اإلسناد من أهداف هذا النوع من املصنفات‪،‬‬

‫يقول احلافظ الذهبي يف ترمجة اإلمام مسلم من سري أعالم النبالء (‪:)655 -658/12‬‬

‫(ليس يف صحيح مسلم من العوايل إال ما قل ‪ ...‬وهو كتاب نفيس كامل يف معناه‪ ،‬فلام رآه‬

‫احلفاظ أعجبوا به‪ ،‬ومل يسمعوه لنزوله‪ ،‬فعمدوا إىل أحاديث الكتاب فساقوها من مروياهتم‬

‫عالي ًة بدرجة وبدرجتني‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬حتى أتوا عىل اجلميع هكذا‪ ،‬وسموه‪« :‬املستخرج عىل‬

‫صحيح مسلم»)‪.‬‬

‫فوائد املستخرجات‪:‬‬

‫املستخرجات هلا فوائد عديدة‪ ،‬ألهنا تروي أحاديث الصحيحني من غري طريقهام‪،‬‬

‫فكثري ًا ما ختتلف الرواية زيادة أو نقص ًا يف السند أو يف املتن‪ ،‬فمن أبرز فوائدها‪:‬‬

‫‪1‬ـ األلفاظ الزائدة يف املتن‪ ،‬فقد تأيت يف رواية املستخرج زيادة مهمة؛ كسبب ورود‬

‫احلديث‪ ،‬أو زيادة ثقة تفيد معنى جديد ًا أو حك ًام جديد ًا‪ ،‬فمن أمثلة ذلك‪ :‬ما رواه البخاري‬

‫رقم (‪ )32‬من طريق حممد بن جعفر غندر‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن سليامن األعمش‪ ،‬عن إبراهيم‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫عن علقمة‪ ،‬عن عبد اهلل بن مسعود ريض اهلل عنه قال‪( :‬ملا نزلت‪{ :‬الذين آمنوا ومل يلبسوا‬

‫إيامهنم بظلم} قال أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ :‬أينا مل يظلم؟ فأنزل اهلل عز‬

‫وجل‪{ :‬إن الرشك لظلم عظيم})‪.‬‬

‫قال احلافظ ابن حجر يف فتح الباري (‪( :)88/1‬وزاد فيه أبو نعيم يف مستخرجه من‬

‫طريق سليامن بن حرب عن شعبة بعد قوله‪{ :‬إن الرشك لظلم عظيم}‪( :‬فطابت أنفسنا))‪.‬‬

‫وقد اعتنى احلافظ حممد بن فتوح احلميدي بضم الزيادات التي وقعت يف‬

‫املستخرجات يف كتابه «اجلمع بني الصحيحني» فصار كتابه مجع ًا بني الصحيحني وبني كثري‬

‫من زيادات املستخرجات‪ ،‬يقول يف مقدمته (‪ )44/1‬ما نصه‪( :‬وربام أضفنا إىل ذلك نبذ ًا مما‬

‫تنبهنا عليه من كتب أيب احلسن الدارقطني وأيب بكر اإلسامعييل وأيب بكر اخلوارزمي وأيب‬

‫مسعود الدمشقي وغريهم من احلفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابني؛ من تنبيه‬

‫عىل غرض‪ ،‬أو تتميم ملحذوف‪ ،‬أو زيادة يف رشح‪ ،‬أو بيان السم أو نسب‪ ،‬أو كالم عىل‬

‫إسناد‪ ،‬أو تتبع لوهم بعض أصحاب التعاليق يف احلكاية عنهام‪ ،‬ونحو ذلك من الغوامض‬

‫التي يقف عليها من ينفعه اهلل بمعرفتها إن شاء اهلل تعاىل)‪.‬‬

‫أما حكم هذه الزيادات من حيث الصحة‪ ،‬فقد قال ابن الصالح وهو يعدد فوائد‬

‫املستخرجات (ص‪( :)24‬الزيادة يف قدر الصحيح؛ ملا يقع فيها من ألفاظ زائدة وتتامت يف‬

‫بعض األحاديث‪ ،‬تثبت صحتها هبذه التخاريج؛ ألهنا واردة باألسانيد الثابتة يف الصحيحني‬

‫أو أحدمها‪ ،‬وخارجة من ذلك املخرج الثابت)‪.‬‬

‫لكن احلافظ السخاوي يف فتح املغيث (‪ )65 -64/1‬نبه أن أصحاب املستخرجات‬

‫قد ال يلتزمون فيها ثقة الرواة من غري طريق البخاري‪ ،‬وأن رشط القول بصحتها ثبوت‬

‫‪3‬‬
‫الصفات املشرتطة يف الصحة يف إسناد صاحب املستخرج‪ ،‬وعىل هذا فأصل احلديث‬

‫صحيح‪ ،‬وأما الزيادات فاحلكم بصحتها خيضع لدراسة رواهتا‪ ،‬وال سيام إذا كانت الزيادة‬

‫فيها نوع خمالفة‪ ،‬فال بد من دراستها ملعرفة حكمها‪.‬‬

‫‪2‬ـ الترصيح بالسامع يف موضع العنعنة‪ ،‬وال سيام إذا كان احلديث من طريق مدلس‪،‬‬

‫فتأيت رواية صاحب املستخرج وفيها الترصيح بحدثنا وأخربنا‪.‬‬

‫‪3‬ـ الترصيح باألسامء املبهمة يف اإلسناد أو املتن‪.‬‬

‫‪4‬ـ تعيني األسامء املهملة يف اإلسناد أو يف املتن‪ ،‬مثل‪ :‬حدثنا حممد‪ ،‬وحدثنا سفيان‪،‬‬

‫وحدثنا حييى‪ ،‬وحدثنا عبد اهلل‪ ،‬فتأيت رواية املستخرج أحيان ًا مبينة لذلك‪.‬‬

‫من أمثلة ذلك‪ :‬قال احلافظ ابن حجر يف هدى الساري (ص‪( :)421‬ويف أوائل‬

‫املغازي من طريق هشام عن ابن جريج‪ :‬أخربين عبد الكريم أنه سمع مقس ًام‪ ،‬فزعم بعضهم‬

‫أن عبد الكريم هذا هو ابن أيب املخارق‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بل هو اجلزري؛ كام جاء مرصح ًا به‬

‫يف مستخرج أيب نعيم من طريق سعيد بن حييى األموي عن أبيه عن ابن جريج)‪.‬‬

‫‪6‬ـ وصل املعلقات‪ ،‬فكثري ًا ما يروي أصحاب املستخرجات بعض معلقات‬

‫البخاري موصول ًة من طريقهم‪ ،‬ويف كتاب «تغليق التعليق» للحافظ ابن حجر أمثلة كثرية‬

‫لذلك‪.‬‬

‫‪5‬ـ متييز اإلدراج‪ ،‬وذلك بأن تأيت يف رواية البخاري لفظة مدرجة‪ ،‬وتكون مفصول ًة‬

‫يف املستخرج‪ ،‬مثاله ما رواه البخاري رقم (‪ )2648‬من حديث أيب هريرة‪«( :‬للعبد اململوك‬

‫الصالح أجران» والذي نفيس بيده لوال اجلهاد يف سبيل اهلل واحلج وبر أمي ألحببت أن‬

‫‪4‬‬
‫أموت وأنا مملوك)‪ ،‬قال ابن حجر‪( :‬فصله اإلسامعييل من طريق أخرى عن ابن املبارك‪،‬‬

‫ولفظه‪" :‬والذي نفس أيب هريرة بيده")‪.‬‬

‫‪4‬ـ رفع املوقوفات‪ ،‬فقد ترد الرواية يف صحيح البخاري موقوفة‪ ،‬وتأيت رواية‬

‫صاحب املستخرج مرفوعة‪ ،‬مثاله‪ :‬ما رواه البخاري رقم (‪ )1334‬من حديث ابن عون عن‬

‫نافع عن ابن عمر قال‪( :‬اللهم بارك لنا يف شامنا ويف يمننا)‪.‬‬

‫قال ابن حجر يف النكت (‪( :)323/1‬أخرجه البخاري يف أواخر االستسقاء هكذا‬

‫موقوف ًا‪ ،‬ورواه اإلسامعييل وأبو نعيم يف مستخرجيهام من هذا الوجه مرفوع ًا بذكر النبي‬

‫صىل اهلل عليه وسلم فيه)‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ ومن فوائد املستخرجات‪ :‬تقوية احلديث بمجيئه من وجوه متعددة‪ ،‬وبيان أن‬

‫األئمة املصنفني كالبخاري ومسلم مل ينفردوا بيشء من احلديث أبد ًا‪ ،‬بل كله موجود عند‬

‫غريهم من احلفاظ يف عرصهم‪ ،‬مما يزيد الثقة بكتابيهام‪.‬‬

‫وهناك فوائد أخرى ذكرها احلافظ ابن حجر يف النكت عىل ابن الصالح‪،‬‬

‫والسخاوي يف فتح املغيث‪ ،‬والسيوطي يف تدريب الراوي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫أشهر املستخرجات عىل صحيح البخاري‪:‬‬

‫‪1‬ـ املستخرج عىل صحيح البخاري؛ أليب العباس حممد بن أمحد بن محدان احلريي‬

‫النيسابوري (ت‪365‬هـ)‪ ،‬قال الذهبي‪( :‬وقد سمع بعض صحيح البخاري من الفربري‪،‬‬

‫فوجده نازالً‪ ،‬فصنف عىل مثاله مستخرج ًا له)‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪2‬ـ املستخرج عىل صحيح البخاري؛ أليب بكر أمحد بن إبراهيم اإلسامعييل‬

‫(ت‪341‬هـ)‪.‬‬

‫ومن الفوائد اللطيفة املتعلقة هبذا املستخرج أن محزة السهمي نقل يف كتابه تاريخ‬

‫جرجان (ص‪ )113‬عن احلسن بن عيل املعروف بابن غالم الزهري أنه قال‪( :‬كان من‬

‫الواجب للشيخ أيب بكر اإلسامعييل أن يصنف لنفسه شيئ ًا وخيتار عىل حسب اجتهاده‪ ،‬فإنه‬

‫كان يقدر عليه لكثرة ما كان كتب‪ ،‬ولغزارة علمه وفهمه وجاللته‪ ،‬وما كان له أن يتبع كتاب‬

‫حممد بن إسامعيل البخاري؛ فإنه كان أجل من أن يتبع غريه)‪.‬‬

‫كذا قال‪ ،‬فنقل ذلك احلافظ الذهبي يف سري أعالم النبالء (‪ ،)254 /15‬وعلق عليه‬

‫بقوله‪( :‬من جاللة اإلسامعييل أن عرف قدر صحيح البخاري وتقيد به)‪.‬‬

‫‪3‬ـ املستخرج عىل صحيح البخاري؛ أليب بكر أمحد بن موسى بن مردويه األصبهاين‬

‫(ت‪413‬هـ) قال الذهبي يف سري أعالم النبالء (‪( :)313 /14‬ومن تصانيفه‪« :‬املستخرج‬

‫عىل صحيح البخاري» بعلو يف كثري من أحاديث الكتاب حتى كأنه لقي البخاري)‪.‬‬

‫‪4‬ـ املستخرج عىل صحيح البخاري؛ أليب نعيم أمحد بن عبد اهلل األصبهاين صاحب‬

‫«حلية األولياء» (ت‪433‬هـ)‪.‬‬

‫وممن استخرج عىل الصحيحني مع ًا‪ :‬أبو عبد اهلل حممد بن يعقوب ابن األخرم‬

‫(ت‪344‬هـ)‪ ،‬وأبو عيل احلسني بن حممد املاسجيس (ت‪356‬هـ)‪ ،‬وأبو بكر أمحد بن عيل‬

‫ابن منجويه (ت‪428‬هـ)‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ولألسف مل يطبع حتى اآلن من املستخرجات إال القليل‪ ،‬فطبع مستخرج أيب نعيم‬

‫عىل البخاري‪ ،‬ومستخرجه عىل مسلم‪ ،‬ولكنهام ناقصان‪ ،‬وطبع مستخرج أيب عوانة عىل‬

‫صحيح مسلم‪.‬‬

‫وتستحق مسألة املستخرجات دراسة أكاديمية جادة؛ ملا هلا من األمهية‪ ،‬فاحلافظ ابن‬

‫حجر ـ عىل سبيل املثال ـ استفاد من املستخرجات يف فتح الباري يف أكثر من سبعمئة‬

‫موضع‪ ،‬فاملادة خصبة جد ًا للدراسة‪.‬‬

‫وممن كتب يف مسألة املستخرجات الدكتور موفق بن عبد القادر‪ ،‬كتب مقالة بعنوان‪:‬‬

‫(املستخرجات نشأهتا وتطورها) يف نحو مخسني صفحة‪ ،‬وقد استفدت منه ومن مصادر‬

‫أخرى يف إعداد هذه الفائدة‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like