Professional Documents
Culture Documents
الفكر المؤسساتي
الفكر المؤسساتي
ربما لزامًا علينا أن نع ّرف المؤسسة وذلك قبل الخوض في الجانب الفكري
بدء من التشكيلة
والفلسفي للمعاني والدالالت التي رافقت المصطلح ً
االجتماعية األولى للمؤسسة والتي تعود إلى فترات سحيقة في التاريخ مع
تأسيس ما يمكن تسميتها بالمؤسسة االجتماعية األولى -ونقصد تشكيل
مؤسسة الزواج والعائلة -حيث يمكن اعتبارها الخلية الجنينية األولى للعمل
المؤسساتي والذي سوف يتطور الحقًا ليشمل كافة جوانب حيواتنا االجتماعية
واالقتصادية والحقًا السياسية بحيث تصبح الدولة بمختلف نظمها السياسية
أعلى مؤسسة للمجتمعات واألمم وبالتالي فإن تعريف المؤسسة سوف يضعنا
على الطريق الصحيح للدخول في صلب الموضوع الذي نود تناوله في هذا
البحث ..وهكذا وبخصوص المصطلح -أي مصطلح المؤسسة -يقول الكاتب
أحمد عزت محمد في مقالة له بعنوان؛ "تعريف المؤسسة" ،ما يلي( :المؤسسة
نظمة ت ّم تأسيسها من أجل تحقيق نوع ما من (باإلنجليز ّيةُ )Institution :م ّ
خاصة في مجال عملها]١[، األعمال ،مثل تقديم الخدمات وفقًا لمعايير تنظيم ّية ّ
عرف المؤسسة أيضًا بأنًءاوس ،ام فده قيقحت ىلإ ىعست اهّ أكان تعليم ّيًا أو و ُت َ
وظيف ّيًا أو اجتماع ّيًا ]٢[.من التعريفات األخرى للمؤسسة هي إنشاء وتأسيس
ُم جمانرب قيبطت لجأ نم ماع وأ ّع ّين أو فكرة ما ،ومن األمثلةمكان خاص
الخاصة)(.)1
ّ ؤسسات رعاية ذوي االحتياجات على ذلك ُم ّ
وهكذا ومن خالل التعريف السابق نستنتج؛ بأن دائمًا هناك ما نسعى إلى
تحقيقه من خالل العمل المؤسساتي حيث وعندما تم تأسيس المؤسسة األولى
-أو الخلية الجنينية المؤسساتية -وذلك مع تشكيل مؤسسة الزواج ،كان
الهدف منها هو تجميع عدد من األفراد في الخلية االجتماعية بهدف االستثمار
فيهم من خالل الحصول على عملهم وتحقيق بعض الفائدة أو الحصول على
"القيمة الفائضة" ،كما يقولها ماركس .وهكذا فقد كان هناك هدفًا اقتصاديًا،
ناهيكم عن الجانب االجتماعي والذي شكل نوع من أنواع التنظيم والتراتبية
االجتماعية بحيث بات مع تطور العائلة وتشكيالتها ونموها تتشكل الطبقات
وتزداد الفروقات بين تلك الخاليا االجتماعية والتي سوف تفرز مستقب ً
ال النواة
األولى لمجتمع طبقي استغاللي والذي سوف يقسم المجتمع بين طبقتين؛ طبقة
األسياد والنبالء والبعض اآلخر سيصبحون عبيد وأرقاء ولتكون من نتائجها
أن تشهد المجتمعات البشرية صراعات طبقية ما زالت مستمرة ليومنا هذا
حيث تلك المسيرة الطويلة والكثير من الحروب والمآسي والدمار وكذلك لتشهد
تلك المجتمعات الكثير من الحضارات والممالك والدول التي سادت ومن ثم
اندثرت بحكم امتالك أسباب القوة من خالل اإلدارة الرشيدة؛ أي بمعنى امتالك
المؤسسات القادرة على فرز بذور التقدم الحضاري المعرفي ،إذًا كانت تلك
المجتمعات تشهد تطورًا في جوانبها المختلفة لتبقى على رأس الهرم
الحضاري وال تسقط عنها وإال ستكون هناك حضارات جديدة تولد لتحل ما كان
قديمًا وربما يمكننا القول هنا؛ بأن تطور الدور والفكر المؤسساتي وما كانت
تنتجها من إبداع في واقعها ،كان لها األثر األول في انهيار القديم وبناء الجديد
دائمًا وكمثال عن ذلك نورد فكرة إبداع العجلة والعربات ودورها في التفوق
العسكري الكاشي على البابليين حيث يقول الكاتب دوست ميرخان في مقالة له
بعنوان؛ "الكاشيون ..صانعوا العربات ومربو األحصنة" ما يلي( :صنعوا
العربات التي تجرها األحصنة منذ األلف الثاني قبل الميالد ,واستخدموها في
hالعسكرية ،وحسب حمالتهم العسكرية إلى جانب فرق الفرسان (الخيالة)
المصادر التاريخية برز قوتهم في ذلك .ففي عهد الملك الكاشي “سام سويلوم”
شكل الكاشيون قوة عسكرية ضخمة تكونت بنيتها األساسية من وحدات قتالية
وعربات عسكرية تجرها الخيول ،حيث لم تكن هنالك عربات عسكرية عند
الممالك األخرى في ميزوبوتاميا ،وحتى في مصر الفرعونية)(.)2
وبالتأكيد فإن تلك األفكار والقيم المعيارية والتي باتت تعرف بالفكر المؤسساتي
لم تلد دفعة واحدة حيث بدأت بمجموعة من المالحظات األولية بهدف تطوير
وتحقيق ما هو أفضل من حيث الواردات وظروف العمل وتقسيمه بحسب
اإلمكانيات والتخصص -فيما بعد -وما زال كل يوم تولد المزيد من الرؤى
والنظريات المعرفية الجديدة في كل حقل من حقول العمل المؤسساتي .وهكذا
فقد باتت حياتنا عبارة عن شبكات مؤسساتية حيث ال يخلو عمل ومنحى من
مناحي الحياة في عالمنا المعاصر وال يصنف ضمن إحدى التقسيمات الشبكية
للمؤسسات بحيث بات األمر؛ بأن ال يمكن ألحدنا أن يتحرك في أي مسار
وإيجاد الحلول المناسبة ألي قضية دون أن يكون وفق عمل وفكر مؤسساتي
ويقول د .عادل حميد يعقوب في مقالة له تحت عنوان "الفكر المؤسسي
والعالم العربي" بأن؛ (ال يمكن الحديث عن حل مشكلة كبيرة في دولة ما أو
نجاحات تحققت في معالجة قضية مهمة ،كانت اقتصادية أو اجتماعية ،سياسية
كانت أو بيئية ،حديثًا أو في أي فترة من فترات التاريخ ،بعيدًا عن المؤسسية،
فالمؤسسية بطبيعتها تبتعد عن الرأي الفردي الوحيد وتعمل في إطار الرأي
hودائمًا ما تحاول الوصول الجمعي ،ال تتأثر باألهواء ،تطبق النظام والقانون،
إلى تحقيق األهداف المخطط لها فتصل في النهاية إلى بر النجاح)( )4ويضيف
(فالحضارة الغربية عبقريتها في المؤسسات والتي استطاعت أن تحافظ على
هذه الحضارة ،كما أنها قدمت وهي ما زالت تقدم مردودًا اقتصاديًا ونموًا كبيرًا
على المستوى المحلي والعالمي ،يصعب على كثير من دول العالم مجاراته
وإذا كان العالم قد تحول من اقتصاد الحقول ،إلى اقتصاد العقول ،فإن العالم
العربي لم يستطع حتى اآلن معالجة القضايا االقتصادية واالجتماعية الكبيرة،
مثل قضية المؤسسية (الفكر -والتطبيق) والتي أثرت بدورها سلبًا على قضايا
اإلنتاج والعدالة االجتماعية والبطالة والفقر والتعليم والصحة والفساد وغيرها
وأصبحت هذه القضايا تمثل شوكة في حلق األمة العربية)(.)5
المصادر والمراجع:
-1مقالة بعنوان؛ "تعريف المؤسسة" للكاتب أحمد عزت محمد منشورة في
موقع موضوع بتاريخ 14مارس 2017
" -2الكاشيون ..صانعوا العربات ومربو األحصنة" مقالة للكاتب دوست
ميرخان منشورة في موقع حزب االتحاد الديمقراطي بتاريخ 29/11/2016
-3د .عبدالرحمن تيشوري مقالة بعنوان؛ "الفكر المؤسساتي المطلوب تعزيز
دوره في سوريا" بتاريخ 2019في موقع الرابطة الثقافية المعرفية.
-4د .عادل حميد يعقوب مقالة بعنوان؛ "الفكر المؤسسي والعالم العربي"
منشورة في موقع لوسيل.
-5المصدر السابق.