Professional Documents
Culture Documents
منهج التجنيد
منهج التجنيد
عند األصوليين أدلة علم األصول قد يسميها البعض أدلة األحكام أو األدلة الشرعية ,والدليل عند علماء
األصول هو :ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري ,أو ما يتخذ حجةً على أن
المبحوث عنه حكم شرعي ،وهي عند مذاهب أهل السنة ((الكتاب والسنة واإلجماع والقياس وقول الصحابي
وشرع من قبلنا والعرف والمصالح المرسلة وسد الذرائع واالستحسان واالستصحاب ))
فاألدلة الشرعية السابقة تنقسم إلى ثالثة أنواع:
النوع األول :وهو المصدر الذي بني عليه الدين كله ,وذلك ال ينطبق إال على الكتاب والسنة ,وأي دليل يأتي
بعدهما ليس بدليل حقيقي انما هو كاشف عن دليل من الكتاب والسنة ,وذلك ال خالف عليه بين جميع علماء
المسلمين على مر العصور.
النوع الثاني :هو ما اتفق عيه جمهور علماء المسلمين ,وهما اإلجماع والقياس أو العقل كما يسميه بعض
األصوليين.
النوع الثالث :وهو ما اختلف علماء المسلمين على االستدالل بهم ,مثل المصالح المرسلة واالستسحان
واالستصحاب وغيرهم كما ذكر ,فبعض المذاهب تقف عند األدلة األربعة ,والبعض اآلخر يضيف دليالً أو
اثنين أو غير ذلك من األدلة األخرى المختلف عليها ,ولكن ال يوجد من العلماء من يأخذ بكل األدلة المختف
عليها.
أصول فقه الحركة االسالمية :
ان الحركة االسالمية السودانية مثلت التعبير االسالمي المعاصر في اصول منطلقاته ومقاصده وغاياته
جمعا ا بين اصول الدين ومنهج التدين القائم على الوعي الحضاري بين سنن هللا في قرآنه وسننه في اكوانه.
وكل اصول الفقه هي اصول فقه الحركة االسالمية
المرتكزات الفكرية للحركة اإلسالمية
تتناول هذه الوحدة المرتكزات الفكرية للحركة االسالمية التي تستند اليها انتاجها الفكري ،وترتكز عليها في
معالجة القضايا الفكرية والفقهية التي تطرأ وتستجد على الساحة ،سواء كانت سياسية او اقتصادية او
اجتماعية او ما الي ذلك.
تأتي اهمية هذا الموضوع في تعريف المتدربين من عضوية الحركة االسالمية من الطالب بالمنهج الذي
تتبعه الحركة االسالمية في التعامل مع المستجدات والنوازل الفكرية والفقهية -وهو منهج يلتزم طريقة اهل
السنة والجماعة – بغرض الوصول الي االحكام الفقهية السديدة تحريرا وتاصيال بعيدا عن االستالب
واالنجراف وراء االفكار واالراء الضالة.
توطئة:
الصحوة هي اإلفاقة من الغفوة واإلنتباه من الغفلة ،و ال يمكن ان نصف أي ظاهرة ما بأنها صحوة ما لم
تجتمع فيها ثالث عناصر :شكل ومضمون ووظيفة.
فينبغي ان يفيق المرء اوالً ،وثم يدرك ما حوله بإدراك واقعه و ما عليه ،ثم يتحرك علي نحو ايجابي ثانيا ً ،
قائما ً بجهده في البناء مضحيا ً ذلك بجهده ووقته وماله ونفسه ،بحيث يشكل ذلك خطوة تقدم الي االمام في
حياة المجتمع واالمة جمعاء .
وهذه الصحوة بهذه الطريقة هي نهضة ،وهذه النهضة هي حركة ،وهذه الحركة_ خاصة االسالمية_ هي
في االساس حركة فكرية منهجية في كل مجاالتها الحيوية ،وذلك ألن الفكر هو غذاء العقول واساس السلوك ،
لينطلق هذا الفكر في االسالم من القرآن الكريم و السنة النبوية بنصوها الثابتة ،مع االجتهاد في تنزيل
النصوص حسب الواقع و ايجاد األحكام الشرعية لما ليس فيه نص من المصالح المرسلة التي لم يحدد الشارع
الحكم فيها بالتحليل و الجواز او بالتحريم و الكراهية ،ليكون هذا االجتهاد عمالً تجديديا ً للفكر و الفقه
وأصولهما من حيث طريقة وأسلوب التعامل معها .
الحركة االسالمية يقفصد بها التجمع الحركي ذو الصبغة االسالمية الذي يقوم على فكرة مركزية مفداها ان
االسالم يمتلك رؤية الصالح الحياة الخاصة والعامة وهو يسعى للتمكين والتعبير عن هذه الرؤية من خالل
سلطان اسالمي .
:مهمة الحركة اإلسالمية هي تعبيد الناس هلل تبارك وتعالي افرادا وجماعات بالعمل القامة المجتمع اإلسالمي
الذي يستمد احكامه وتعاليمه من كتاب هللا وسنة رسوله صلي هللا عليه وسلم .
المرتكزات الفكرية للحركة االسالمية :
الخصائص الفكرية أو المرتكزات الفكرية هي العالمات المميزة واألصول التي يتم بموجبها التحديد
المعرفي والمنهجي لهوية وجوهر الحركة.
/1االصالة :
الكتاب و السنه عمدة االدله الكلية واصل األصول (مرجعية الحركة اإلسالميه ).
االصاله ال تعني التقوقع واالنغالق فالمجال اليدولوجيه مغلقه والمكان لنسق دغمائي في منهجية
االسالميين(.صفة تطلق على الشخص الغير متفهم البائس الذى ينفر منه من حولهبسبب معارضته حتى
لالمور الواضحة متغطرس فى أرائه غير قابل للنصح)
فالدين ثوابت ومتغيرات ،اصول العقائد ومقوالت االيمان واصول العبادات المحضه ونظام االخالق وامهات
قضايا الحالل والحرام هي مثل الجبال الراسيات التحول والتزول اما المعامالت وما بني من االحكام علي
عرف متبع او عادة دارجه او مراعاة لتدرج او تحقيقا لمصلة طارئه اواستجابه لتحدي زمني فليس له
نصيب من البقاء اال بقدر تحقيقه لمقاصد الدين الكليه
البد من التفريق بين الثابت والمتغير واالزلي والزمني لذلك نحتاج الي بناء رؤيه منهجيه للفرز بين ماهو
تاريخ وثقافه واستجابه طارئه وبين ماكان من صور االحكام مقصود علي الديمومه في مقصده وشكله
االجرائي.
/ 2التجديد:
فما هو التجديد؟ التجديد في االصطالح الشرعي :هو إعادة رونق الدين وجماله وصفائه وإحياء ما اندرس
منه ونشره بين الناس .
واألصل في مشروعية التجديد قول النبي -صلى هللا عليه وسلم -في الحديث الذي رواه أبو هريرة
وأخرجه أبو داوود والحاكم والترمذي وسنده صحيح "إن هللا يبعث لهذه األمة على رأس كل مائة سنة من
يجدد لها دينها" .وتجديد دينها يضمن لها الثالثة المحاور التي اصطلح عليها علماء الشريعة ،فإما أن يكون
التجديد في محور إزالة تراكمات االنحرافات التي وقعت على تعاليم اإلسالم بفعل سلوكيات المسلمين ،أو أن
يكون التجديد بإزالة البدع والخرافات التي ابتدعت في هذا الدين وخيمت عليه بسبب سوء الفهم مثال ،أو أن
يكون التجديد في نشر محاسن اإلسالم .
كان تجديد الشرائع رهن ببعثة االنبياء و بختم الرساله اصبحت هي وظيفة المصلحين من العلماء وائمة
الفكر والمعرفه (علماء امتي كانبياء بني أسرائيل)
/3الشمول
*الشمول طابع الصنعه الربانية (قل إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل رب العالمين)
*بالشمول تتسع مجاالت التدين ومناحي العبادة التي هي مفهوم شامل فقد عرفها االمام أبن تيميه بقوله
(العبادة اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه من األقوال واألفعال الظاهرة والباطنة ).وعرفها في مقام اخر
بقوله (هي طاعة هللا بأمتثال ما شرعه علي السنة الرسل)
*بالشمول يتسع تدين الفرد وكسبه وتتسع أثار الحركة وادوارها الحياتية والمجتمعيه .
*لذلك كانت الحركه شامله في رؤيتها النظريه وفي برامجها المعبره عن هذه الرؤيه وفي مؤسساتها التي
تجسد هذه المفاهيم والبرامج من خاللها.فكانت للحركه موسساتها المسجديه وروابطها الدعويه وموسساتها
الثقافيه وفرقها الفنيه وموسساتها االجتماعيه وهيئاتها االقتصاديه مصارفا وشركات وموسساتها الجهاديه
وتجربتها السياسه وعالقاتها الدوليه.
وفي هذا المعني كانت مقولة أمام الدعوه حسن البنا رحمه هللا:
(اإلسالم نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ،وهو خلق وقوة أو
رحمة وعدالة ،وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ،وهو مادة أو كسب وغنى ،وهو جهاد ودعوة أو جيش
وفكرة ،كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ).
/4اإلجتماعية :
األصل في اإلسالم هو المجتمع ,لذلك جاءت الحركة اإلسالمية شامله لكل الفئات والنظم اإلجتماعية
الفرق فيها بين ضعيف وقوي وبين غني وفقير وال بين عربي وأعجمي ,مرسية بذلك أروع النظم في إدارة
الخالفات حيث كانت القاعدة فلنعمل على ما إتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما إختلفنا فيه ..
) (
/5الواقعيه :
*حضور الزمان والمكان في تشكيل الرؤي وتبني المواقف واالفعال ،فالحركه تراعي التدرج وتتوخي
االمكان وتتحسب للخطوه وتوازن المصالح والمفاسد فتتقدم مره وتحجم اخري
-1احاديث البيعه الناقصه في البخاري وقول اإلمام احمد يجوز اخذ البيعة علي الشرط الناقص
* وحديث القبيله التي بايعت علي ثالثه صلوات وهو في البخاري
*حديث عمر ابن الخطاب ووفد مصر (ثكلتكم أمهاتكم أتكلفون عمر ان يحمل الناس علي دين هللا حمال لقد
علم ربنا ان ستكون منا خطايا فقال ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سياءتكم وندخلكم مدخال
كريما)رواه اإلمام احمد في المسند وحسن اسناده احمد شاكر رحمه هللا
* حديث عبدالملك مع ابيه عمر بن عبدالعزيز(يابني ان هللا اشار الي الخمر في القران مرتين وحرمها في
الثالث واني اخشي ان احمل الناس علي الحق جمله فيدعوه جمله فتكون فتنه)
(الن الشريعه مبناها علي تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها) ابن تيميه
/6االيجابيه:
* فتربي الفرد علي ذلك والجماعه في حركتها تقوم كذلك علي االيجابيه
تقوم انطالقا من رؤيتها التوحيديه علي التوكل واالقتحام (ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانتم غالبون)
/7الحريه:
* الحريه اصل عقدي ومفهوم مركزي له ابعاده الفلسفي وافاقه الثقافيه واالجتماعيه واالقتصاديه
والسياسيه
*االجتماع البشري قائم علي التعاقد الحر والتراضي والدين في اصله عقد قائم علي الطواعيه (فمن شاء
فليؤمن ومن شاء فليكفر) (ال إكراه في الدين) (قال يا قومي أرايتم إن كنت علي بينة من ربي واتاني رحمة
من عنده فعميت عليكم ،انلزمكموها وانتم لها كارهون)
/8العدل:
*قيمه عقديه ومفهوم توحيدي.
*االجتماع البشري ال يستقر إال بالعدل واليستتب بناء الحضاره ووجودها اال به
(أن هللا يامركم ان تؤدوا االمانات الي اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل )
الن جماع الحسنات العدل وجماع السيئات الظلم والن الظلم مؤذن بخراب العمران كما قال ابن خلدون
رحمه هللا
*(ان هللا يؤيد الدوله العادله وان كانت كافره واليؤيد الدوله الظالمه وان كانت مؤمنه)
*الكون قائم علي العدل في تكوينه وعالقاته وموازنة االشياء مع بعضها(وانبتناء فيها من كل شئ
موزون)
*الشرائع جاءت لتحقيق العدل في االجتماع البشري ليحدث االنسجام ويحافظ علي النسيج االنساني
خصائص وميزات ووسائل وغايات الحركة اإلسالمية
تتحدث هذه الوحدة عن خصائص ومميزات وسائل وغايات الحركة االسالمية التي تميزها عن غيرها من
الحركات والجماعات االسالمية و تأتي اهمية هذا الموضوع في تعريف المتدربين من عضوية الحركة
االسالمية من الطالب الجدد خصائص ومميزات وسائل وغايات الحركة االسالمية التي أهلت الحركة
االسالمية لتكون في مقدمة وطليعة الحركات والجماعات االسالمية االخرى.
خصائص الحركة :
ايثار العمل
البعد عن عالنية
واالنتاج سياسة العزلة الغاية ال
هيمنة التدرج في العمل
علي النفس النفسية ال تبرر
الحكام الخطوات وسرية
الدعاية الطويل الحسية الوسيلة
والسياسين التنظيم
واالعالم
خصائص الحركةاإلسالمية الفكرية:
ثالثا :
اوال :ربانية ثانيا :شاملة
اجتهادية
مهمتنا اجماال ان نقف في وجه هذة الموجة الطاغية من مدينة المادة وحضارة المتع والشهوات التي
جرفت الشعوب اإلسالمية ,فابعدتها عن زعامة النبي صلي هللا عليه وسلم وهداية القران ,وحرمت العالم
انوارهديها ,واخرت تقدمها مئات السنين ,حتي تنحسر عن ارضنا ويبرا من بلئها قومنا ,ولسنا واقفين عند
هذا الحد ,بل سنالحقها في ارضها ,وسنغزوها في عقر دارها ,حتي يهتف العالم كله باسم النبي صلي هللا
عليه وسلم ,وتوقن الدنيا كلها بتعاليم القران ,وينتشر ظل اإلسالم الوارف علي االرض ,وحينئذ يتحقق
للمسلم ما ينشده ,فال تكون فتنة ويكون الدين كلهلله ( هلل االمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون *
بنصر هللا ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) .
غايات الحركة :
وسائل الحركة
هناك مجموعة من األدبيات التي توضح مبادئ اإلخوان المسلمين ،وأهدافهم ووسائلهم
ومبادئ التربية عندهم .و من هذه األدبيات :
الدعائم العشر ،والواجبات العشر ،والوصايا العشر ،وعقيدتنا ،وأركان البيعة ،
والمراتب العشر ،والكلمات العشر ،والنكبات العشر ،والمنجيات العشر ،وبعض الهتافات.
)(1هللا
)(10 غايتنا )(2
السالم الرسول
نهايتنا. قدوتنا
)(9 )(3
الدعوة القرآن
مهمتنا طريقتنا
أما الدعائم
العشر
فهي
)(8 )(4
اإلمامة اآلخرة
سياستنا عقيدتنا
)(7 )(5
الوحدة الجهاد
وجهتنا )(6 وسيلتنا
الحرية
أمنيتنا
) (1حمل
شارتنا
)(10 ) (2حفظ
دوام صلتنا عقيدتنا
)(7 )(5
كتمان إجابة
سريرتنا )(6 دعوتنا
سماع
وصيتنا
)(5 )(6
)(4 وسماحة وقوة )(7
وجنسية وخلق
)(3 )(8
ووطن ومادة
)(2 )(9
وأخوة وقانون
يجب أن
)(1 يعلم األخ )(10
عبادة أن وثقافة.
اإلسالم:
-1البساطة.
-2والتالوة
-3.والصالة
-4.و الجندية
-5.والخلق
إن الجماعة المسلمة التي التقى أفرادها على أهداف محددة ،وعلى الوسائل الموصلة لهذه
األهداف ،في وضوح للرؤية ،والتزام باإلسالم نصا وروحا في جميع األهداف والخطوات،
البد من أن تكون بين أفراد هذ ه الجماعة رابطة قوية تجعلها متماسكة ومتحدة ومتعاونة إلى
أبعد حد ،وقد يكون بين أفرادها ،أو بين بعضهم مؤاخاة في سبيل هللا ،ولكنها بالتأكيد يرتبط
أفرادها بأمر آخر هو العهد ،وهو البيعة.
حكم البيعة:
فرض الشرع على المسلم الوفاء بالعهد ،فقد قال تعالىَ " :يا أَي َها الَّذِينَ آ َمنُوا أ َ ْوفُوا ِب ْالعُقُودِ"،
"وأ َ ْوفُوا ِب ْال َع ْه ِد ِإ َّن ْال َع ْه َد َكانَ َم ْسئُوالً) والبيعة بما أنها عقد وعهد بين المسلمين
وقال تعالىَ :
وخليفتهم فإنها داخلة في هذه اآليات ،وباختالف أنواع البيعة يختلف أيضا حكم نكثها من جهة
الطرف الذي نكث هل هو الحاكم ،أم المحكوم ،ومن جهة نوع البيعة التي نكثت:
-1فحكم من نكث البيعة على اإلسالم الكفر ،واالرتداد باتفاق العلماء
-2وحكم من نكث البيعة على النصرة أو الجهاد أو السمع والطاعة دون أن يصدر عنه ما
ينافي أصل اإليمان فهو عاص مرتكب لكبيرة من الكبائر؛ ألنها نقض عهد ،وقد توعد هللا من
نقض العهد ،ولكنها تختلف حرمتها باختالف موضوعها فأشدها حرمة نكث بيعة اإلمام
الشرعي على السمع والطاعة في غير معصية دون مبرر شرعي ،وأما البيعة على النصرة
والجهاد فهي تأتي في ظروف استثنائية؛ فلذلك نكثها أخف من نكث بيعة اإلمام التي وردت
فيها أحاديث كثيرة تحرم نكثها أشهرها ما رواه عبد هللا بن عمرو بن العاص -رضي هللا
عنهما -عن النبي -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال" :من بايع إماما فأعطاه صفقة يده ،وثمرة قلبه
فليطعه ما استطاع" (رواه مسلم) ،كما أن في عدم الوفاء ببيعة الجهاد خيانة لألمة سواء أكان
بعدم الخروج للجهاد إذا دعا داعي الجهاد ،أم كان توليا يوم الزحف.
-3أما بيعة الهجرة فقد انقطعت بانقطاع الهجرة بعد فتح مكة الكبير
فإن حصلت البيعة وجب السمع والطاعة من األفراد ،ووجب على المسؤول تحمل
مسؤوليته حسب المتفق عليه ،والوفاء بالبيعة واجب ،والغدر بها حرام ،والتحلل منها جائز،
ويكون بأن يطلب المبايع من الرئيس أو األمير أن يحلّه من بيعته حتى يتحلل من لوازمه.
شروط البيعة :
والبيعة على ما سبق مصطلح شرعي لها شروط تحقق البيعة وهي:
أ ) أن يكون المبايع ممن تصح منه البيعة فال تصح من صبي أو من مجنون النهما غير
مكلفين شرعا ،وأن يكون مختارا الن البيعة كالبيع ال ينعقد بأخذ المال من صاحبه قهرا ودفع
الثمن له ،وال تنعقد البيعة بأخذها بالجبر وبحد السيف .
ب ) أن ال يكون المبايع له من المتجاهرين بالمعصية الن الرسول (ص) قال " ال طاعة لمن
عصى هللا تبارك وتعالى"
ج ) ال تصح البيعة للقيام بما نهى هللا عنه وخالفا الوامره وأوامر الرسول الن الرسول قال "
فإذا أمر بمعصية فال سمع وال طاعة "
اركان البيعة :
يتضح منة دراسة سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم ان للبيعة ثالثة اركان هي:
أ) الركن األول [ -:اإلمام]
ب) الركن الثاني [ - :الجمهور]
ت) المعاهدة على الطاعة
ادلة مشروعية البيعة
اركان البيعة في الحركة االسالمية
.1اإلسالم نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ،وهو
خلق وقوة أو رحمة وعدالة ،وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ،وهو مادة أو كسب
وغنى ،وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ،كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء
بسواء.
.2والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام اإلسالم ،ويفهم القرآن
طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف وال تعسف ،ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى
رجال الحديث الثقات.
.3ولإليمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحالوة يقذفهما هللا في قلب من
يشاء من عباده ،ولكن اإللهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة األحكام
الشرعية ،وال تعتبر إال بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه.
.4والتمائم والرقي والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب ،وكل ما كان
من هذا الباب منكر تجب محاربته إال ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة.
.5ورأي اإلمام ونائبه فيما ال نص فيه ،وفيما يحتمل وجوها عدة وفي المصالح المرسلة
معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية ،وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات،
واألصل في العبادات التعبد دون االلتفات إلى المعاني ،وفي العاديات االلتفات إلى
األسرار والحكم والمقاصد.
.6وكل أحد يؤخذ من كالمه ويترك إال المعصوم صلى هللا عليه وسلم ،وكل ما جاء عن
السلف رضوان هللا عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه ،وإال فكتاب هللا وسنة رسوله
أولى باإلتباع ،ولكنا ال نعرض لألشخاص ـ فيما اختلف فيه ـ بطعن أو تجريح ،ونكلهم
إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا.
.7ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة األحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين،
ويحسن به مع هذا اإلتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته ،وان يتقبل كل إرشاد
مصحوب بالدليل متى صح عنده صالح من أرشده وكفايته ،وأن يستكمل نقصه العلمي
إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر.
.8والخالف الفقهي في الفروع ال يكون سببا للتفرق في الدين ،وال يؤدي إلى خصومة وال
بغضاء ولكل مجتهد أجره ،وال مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخالف في
ظل الحب في هللا والتعاون على الوصول إلى الحقيقة ،من غير أن يجر ذلك إلى المراء
المذموم والتعصب.
.9وكل مسألة ال ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا ،ومن
ذلك كثرة التفريعات لألحكام التي لم تقع ،والخوض في معاني اآليات القرآنية الكريمة
التي لم يصل إليها العلم بعد ،والكالم في المفاضلة بين األصحاب رضوان هللا عليهم
وما شجر بينهم من خالف ،ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأول مندوحة.
ومعرفة هللا تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد اإلسالم ،وآيات .10
الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه ،نؤمن بها كما جاءت من غير
تأويل وال تعطيل ،وال نتعرض لما جاء فيها من خالف بين العلماء ،ويسعنا ما وسع
الرا ِس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم َيقُولُونَ آ َمنَّا ِب ِه ُك ٌّل ِم ْن
(و َّ
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأصحابه َ
ِع ْن ِد َر ِّبنَا) (آل عمران.)7:
وكل بدعة في دين هللا ال أصل لها ـ استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه .11
أو بالنقص منه ـ ضاللة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي ال تؤدي
إلى ما هو شر منها.
والبدعة اإلضافية والتَّر ِكية وااللتزام في العبادات المطلقة خالف فقهي ،لكل فيه .12
رأيه ،وال بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان.
ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة .13
إلى هللا تبارك وتعالى ،واألولياء هم المذكورون بقوله تعالى (الَّذِينَ آ َمنُوا َو َكانُوا
يَتَّقُونَ ) ،والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية ،مع اعتقاد أنهم رضوان هللا عليهم ال
يملكون ألنفسهم نفعا وال ضرا في حياتهم أو بعد مماتهم فضال عن أن يهبوا شيئا من
ذلك لغيرهم.
وزيارة القبور أيا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة ،ولكن االستعانة .14
بالمقبورين أيا كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر
لهم وتشيد القبور وسترها وأضاءتها والتمسح بها والحلف بغير هللا وما يلحق بذلك من
المبتدعات كبائر تجب محاربتها ،وال نتأول لهذه األعمال سدا للذريعة.
والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى هللا بأحد من خلقه خالف فرعي في كيفية الدعاء .15
وليس من مسائل العقيدة.
والعرف الخاطئ ال يغير حقائق األلفاظ الشرعية ،بل يجب التأكد من حدود .16
المعان ي المقصود بها ،والوقوف عندها ،كما يجب االحتراز من الخداع اللفظي في كل
نواحي الدنيا والدين ،فالعبرة المسميات ال باألسماء.
والعقيدة أساس العمل ،وعمل القلب أهم من عمل الجارحة ،وتحصيل الكمال في .17
كليهما مطلوب شرعا ّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب.
واإلسالم يحرر العقل ،ويحث على النظر في الكون ،ويرفع قدر العلم والعلماء، .18
ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء ،والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق
الناس بها.
وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما ال يدخل في دائرة اآلخر، .19
ولكنهما لن يختلفا في القطعي ،فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة،
ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي ،فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى باإلتباع
حتى يثبت العقلي أو ينهار.
وال نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض ـ برأي أو .20
بمعصية ـ إال إن أقر بكلمة الكفر ،أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة ،أو كذب
صريح القرآن ،أو فسره على وجه ال تحتمله أساليب اللغة العربية بحال ،أو عمل عمال
ال يحتمل تأويال غير الكفر.
وذكر حسن البنا قائال":و إذا علم األخ المسلم دينه في هذه األصول ،فقد عرف معنى هتافه
دائما (القرآن دستورنا والرسول قدوتنا)".
/ 2اإلخـــــالص
/ 3العمـــل
/4الجهــــاد
/5التضـحـية
/6الطــاعـة
/7التجــرد
/8الثبات
/ 9األخـوة
/ 10الثـقــــــه
المحاضرات اإلستيعابية
الحركة اإلسالمية المالمح والروافد
الحركة اإلسالمية السودانية هي الحركة الوحيدة التي انطبقت عليها جميع معايير الفاعلية تقريباً .ويرجع
ذلك إلى جملة من المالمح العامة اإليجابية التي اتسمت بها وأصبحت جزءا ً من كينونتها وهويتها الذاتية،
وهي :
إستراتيجية
الفصل جدلية الشكل
والوصل والمقصد
معادلة
تالزم العمق
اإلسرار
واالمتداد
واإلعالن
الحركة اإلسالمية والبنية الهيكلية
هل تحول الهيكل لدى الحركة اإلسالمية في السودان إلى غاية؟
وهل للتراث التنظيمي في الحركتين (المصرية والباكستانية) أثر على الحركة اإلسالمية في السودان؟
هنالك مجموعة من االختالفات الجوهرية في الفكر التنظيمي للحركة السودانية عنهما ،وهو أمر أكسبها
جدة وتميزا ً وفاعلية ،وتتمثل هذه االختالفات في :
لم تعاني الحركة اإلسالمية في السودان أزمة القيادة في الحركات اإلسالمية المعاصرة ،بل كانت واعية
للدرس ،متجاوزة ألزمة القيادة ،حيث اتبعت مجموعة من الضوابط التي أكسبتها تميزاً ،ويمكن إجمال تلك
الضوابط فيما يلي :
اوال :الشمول
والتكامل القيادي
ثانيا :المراقبة
والمحاسبة
اوال :
األحزاب
عاشرا : ثانيا :
العمـال الجيش
تاسعا: ثالثا:
المسيحيون الطالب
اوال :
ثانيا : الحيوية
االجتماعية
ثالثا :
التربوية
مميزات األسرة
ضوابط تكوين األسرة -:
يتم تكوين األسرة التنظيمية في المؤسسات التعليمية ( مدرسة – كلية – جامعة – معهد – مركز ...الخ )
وتمارس مناشطها في األحياء والداخليات والوحدات السكنية ،كما تتم متابعة مناشطها عبر استمارة خاصة
تمثلها كراسة األسرة التنظيمية وهي استمارة تحدد مدي تنفيذ محاور نشاط االلتزام الفردي والجماعي الخاص
لت حديد مدي االلتزام التنظيمي بمناهج الحركة اإلسالمية وتحديد المعالجات الخاصة بذلك .إذا كان هنالك
ضعف أو فتور .
أن برنامج األسرة التنظيمية هو في األساس برنامج تربوي خاص وهو لبنة
االلتزام الشرعي الذي بافتقاده تضعف جدوى الوالء للحركة اإلسالمية ،ويقوم
برنامج األسرة
علي محورين
يساعد نقيب األسرة في إدارة العمل ويحل محله في غيابه أو إذا اعتراه أي عارض .
نائب النقيب
يراعي المناشط الثقافية ويوفر مقوماتها ويهتم بالتوعية الثقافية والحضارية العامة
المسئول الثقافي
داخل األسرة التنظيمية بصفة خاصة مع إمكانية امتداد نشاطه في المجتمع حوله .
يراعي الجانب األكاديمي بين عضوية أسرته ويرتب مناشط رفع مستواها األكاديمي
المسئول األكاديمي
.
يجمع اشتراكات عضوية األسرة ويحفظها وينفق منها إلقامة مختلف المناشط
الخاصة باألسرة التنظيمية أو المناشط العامة لكل الوحدة التنظيمية وفق موازنة المسئول المالي
خاصة يقوم بإعدادها .
وهو المسئول عن توزيع األدوار في نشر الدعوة والتجنيد وفق خطط محددة وإدارة
مسئول نشر الدعوة
العمل الدعوي العام ومناشطة الخاصة
المحاضرات التزكوية
تزكية النفس
إن هللا سبحانه وتعالى خلق هذا اإلنسان مؤلفا ً من ثالثة عناصر ،هي :العقل والبدن والروح .وأشرف هذه
العناصر الثالثة الروح التي هي نفخة غيبية من عند هللا "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما
أوتيتم من العلم إال قليالا ".وقد رتب هللا على هذه العناصر الثالثة عناصر الدين فجعل اإلسالم لمصلحة
البدن ،واإليمان لمصلحة العقل ،واإلحسان لمصلحة الروح ،وجعل التكامل بين هذه العناصر والتوازن بينها
مطلوباً ،فال يكون اإلنسان سويا ً مستقيما ً إال باالعتدال والتوازن بين هذه العناصر ،فال بد من العناية بها جميعا ً
والسير بها في خط متواز ،حتى ال يحصل ميل أو اعوجاج في هذه النفس البشرية ،فإن من مال إلى أحد هذه
العناصر دون غيره وأواله عناية على حساب الجوانب األخرى كان إنسانا ً معوجا ً غير مستقيم .وأهم هذه
الجوانب وأشدها خطرا ً هو عنصر اإلحسان الذي ال يكمل إيمان المسلم إال به ،وعنصر اإلحسان إنما يتعلق
بتزكية النفوس.
المعنى األول :التطهير ،يقال زكيت هذا الثوب أي طهرته ،ومنه الزكاء أي الطهارة .
والمعنى الثاني :هو الزيادة ،يقال زكى المال يزكوا إذا نمى ومنه الزكاة ألنها تزكية للمال وزيادة له.
وعلى أساس المعنى اللغوي جاء المعنى االصطالحي لتزكية النفوس ،فتزكية النفس شاملة ألمرين:
وعلى هذا المعنى جاءت اآليات القرآنية باألمر بتزكية النفس وتهذيبها ،قال هللا تعالى " :قد أفلح من تزكى
وذكر اسم ربه فصلى" وقال سبحانه "...ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ،قد أفلح من زكاها
وقد خاب من دساها" يقول ابن كثير رحمه هللا في هذه اآليات :يحتمل أن يكون المعنى :قد أفلح من زكى
نفسه أي بطاعة هللا كما قال قتادة ،وطهرها من الرذائل واألخالق الدنيئة ،كقوله تعالى" :قد أفلح من تزكى"
"وقد خاب من دساها" أي دسسها وأخملها ووضع منها بخذالنه إيّاها عن الهدى ،حتى ركب المعاصي وترك
طاعة هللا عز وجل ،ويحتمل أن يكون المعنى :قد أفلح من زكى هللا نفسه وقد خاب من دسى هللا نفسه ,هذا
عن تعريف التزكية ،أما النفس فقد ورد في القرآن الكريم وصفها بثالث صفات :المطمئنة ،واللوامة،
واألمارة بالسوء ،وقد اختلف الناس هل النفس واحدة وهذه أوصاف لها ،أو للعبد ثالثة أنفس :نفس مطمئنة،
ونفس لوامة ،ونفس أمارة .
حكم تزكية النفس :
ذهب الغزالي رحمه هللا إلى أنها فرض عين على كل مؤمن ولو لم يكن متحليا ً باألخالق الذميمة ،فيلزم كل
أحد أن يتعلم أمراض القلب وكيفية تطهيرها .
.1أن هللا عز وجل – وهو الحق وقوله الصدق – أقسم في كتابه أحد عشر قسما ً على فالح من زكى نفسه
وعلى خسران من أهمل ذلك ،قال تعالى" :والشمس وضحاها ..".
.2أن النفس من أشد أعداء اإلنسان الداخليين ألنها تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا ،وسائر أمراض
القلب إنما تنشأ من جانبها ،ولذلك كان صلى هللا عليه وسلم يستعيذ باهلل من شرها كثيراً ،كما في خطبة الحاجة
وكما في حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم قال سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقرأ "فألهمها
فجورها وتقواها" فقال" :اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها وموالها" وفي
المسند والترمذي أنه صلى هللا عليه وسلم علم حصين بن عبيد أن يقول "اللهم ألهمني رشدي وقني شر
نفسي ".
.3أن التزكية طريق الجنة ،قال هللا تعالى" :وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي
المأوى" فهي إذن شرط لدخول الجنة .
.4أن اإلنسان محب للكمال فينبغي لـه أن يعمل على إكمال نفسه بتزكيتها وتربيتها ،فهذه النفس تصاب
باألعراض التي تصاب بها األبدان ،فهي محتاجة إلى تغذية دائمة ومحتاجة إلى رعاية ،ومحتاجة كذلك إلى
متابعة لالزدياد من الخير كما يزداد البدن من الطاقات والمعارف .
تنقسم تزكية النفس إلى قسمين رئيسين هما :التحلية ،والتخلية .
التحلية :فهي ملؤها باألخالق الفاضلة وإحاللها محل األخالق الرذيلة بعد أن خليت منها.
فاألخالق الرذيلة مثل :الشرك والرياء ،والعجب ،والكبر ،والبغض والحسد ،والشح والبخل ،والغضب،
والحرص على الدنيا وحبها لذاتها وإيثارها على اآلخرة ،والفضولية وعدم الجد في الحياة ....
وأما األخالق الفاضلة ف كالتوحيد واإلخالص والصبر ،والتوكل واإلنابة ،والتوبة ،والشكر ،والخوف
والرجاء ،وحسن الخلق في التعامل مع الناس ،والشفقة عليهم ،وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ،ونفعهم
بقدر المستطاع ،وعدم تغيير قلوبهم بما ليس بالزم شرعا ً ...
إذن فال بد لإلنسان أن يتعرف على األخالق الذميمة وعلى أسبابها ويعلم أنها موجودة لديه حتى يمكنه
التخلص منها فإن من لم يشعر بالمرض ويتعرف على أسبابه ال يمكنه عالجه ،ولكي يستطيع اإلنسان
االنتصار على نفسه ينبغي لـه أن يضع أسسا ً للتعامل معها في ثالث محاور:
.1اإلنصاف منها ،وعدم تبرئتها فقد كان صلى هللا عليه وسلم يقتص من نفسه وهو المعصوم المسدد بالوحي .
.2ترك االنتصاف لها من الغير بأخذ الثأر لها واالنتصار لها ،فإنها ظلومة جهولة ،وإذا كانت هي المظلومة
فقد قال هللا عز وجل "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم األمور ".
.3اتهامها دائماً ،فإنه إذا لم يتهمها اإلنسان أغوته وقادته إلى التهلكة ،فأنت مخير في الوجهة التي ترتضيها
لنفسك ،فإذا سرت وراءها وأطلقت لها الزمام سارت بك إلى أسفل سافلين ،وإن قدتها أنت وطمحت بها إلى
المراتب العالية انقادت لك وراء ذلك ،فهي كالطفل تماما ً كما يقول البصيري :
وأما الوسائل التي يتوصل بها إلى تزكية هذه النفس وتهذيبها ،فمنها وسائل مجملة ووسائل مفصلة:
العمل على تطهير النفس من أخالقها الرذيلة التي ذكرنا بعضها كالرياء والعجب والشح والبخل، .1
والحرص والطمع ،واألمن من مكر هللا ...
تحليتها باألخالق الحميدة الفاضلة بعد أن أصبحت جاهزة لها بتخليها على األخالق الدنيئة ،وهذه .2
األخالق هي مثل :اإلخالص ،واإلنابة ،والخوف من هللا ،والشكر ،والتواضع ....
المحافظة على الفرائض ،ألنها أفضل طاعة يتقرب بها العبد إلى مواله "وما تقرب إلي عبدي بشيء .3
أحب إلي مما افترضته عليه ".
اإلكثار من النوافل لقول هللا عز وجل..." :وال يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"... .4
وأعظمها تأثيرا ً في تزكية النفوس هو ما كان منها أكثر مذلة وخضوعا ً هلل عز وجل .
تدبر القرآن ،فهو جالء القلوب وإذا صفى القلب زكت النفس ،ففي الحديث (( :إن القلوب لتصدأ كما .5
يصدأ الحديد قيل وما جالؤها قال :تالوة القرآن وذكر الموت)) وقد قال هللا عز وجل " :كتاب
أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته" وقال سبحانه "أفال يتدبرون القرآن ...".
أما الوسائل التفصيلية فمنها:
أ) التوبة ،فهي أول مقامات منازل العبودية عند السالكين ،وبها يذوق اإلنسان حالوة االنتقال من
التخلية إلى التحلية ،قال هللا عز وجل منوها بشأنها" :وتوبوا إلى هللا جميعا ا أيها المؤمنون لعلكم
تفلحون "
ب) لزوم االستغفار والذكر عموماً ،لقول هللا عز وجل" :ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له
شيطانا فهو له قرين ...".
ت) مخالفتها واإلنكار عليها وعدم تلبية رغباتها ألنها داعية للراحة والعصيان
ث) توبيخها وتقريعها من أجل حملها على الطاعة.
ج) اإلكثار من وعظها وتذكيرها بالموت والدار اآلخرة.
ح) تنقية العمل من حظوظ النفس وشوائب الرياء.
خ) محاسبة النفس:
وقد دل على وجوب محاسبة النفس قول هللا تعالى" :يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا ولتنظر نفس ما قدمت لغد"
وقوله صلى هللا عليه وسلم" :الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها
وتمنى على هللا األماني" ،دان نفسه :أي حاسبها .
د) اإلقالل من النوم واألكل والكالم:
ومما يعين على تزكية النفس عدم اإلكثار من هذه األمور الثالثة واإلفراط فيها ،فإن كثرة الكالم بغير ذكر هللا
موجبة لقسوة القلب وإن أبعد الناس من هللا القلب القاسي ،وكثرة األكل موجبة لقوة نوازع النفس الشهوانية
لدى اإلنسان ،وتوسيع مجاري الشيطان فيه ،وكثرة األكل موجبة لكثرة النوم وكثرة النوم موجبة للعجز
والكسل فضالً عن أنها مضيعة للعمر ،وقد قيل :من أكل كثيرا ا شرب كثيرا ا فنام كثيرا ا فخسر كثيرا .
ذ) التحلي بالصبر واليقين:
فبالصبر ينتصر على شهوات نفسه فيحجزها عن المحرمات ويحبسها على الطاعات ،فجانبي التزكية :
التخلي والتحلي ال يمكن الحصول عليهما إال عن طريق الصبر" ،إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"
"إن هللا مع الصابرين" "وهللا يحب الصابرين" "والصبر ضياء ".
وأما اليقين فإنه يقضي به على ثبات النفس التي يُوسوسها بها الشيطان ،ولذلك كان من حصل على هذين
المقامين يعد من أئمة الهدى في هذا الدين ،قال سفيان :بالصبر واليقين تنال اإلمامة في الدين ،قال هللا عز
وجل" :وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ".
ر) الدعاء:
من أسباب تزكية النفس الدعاء ،فهو سالح المؤمن ،بأن يلجأ اإلنسان إلى هللا دائما ً أن يقيه شر نفسه وأن يعينه
على طاعة هللا ،فقد كان من دعائه عليه الصالة والسالم(( :اللهم اجبرني وانعشني واهدني ألحسن األعمال
واألخالق ال يهدي ألحسنها وال يصرف سيئها إال أنت)) .
علو الهمة
هذه الوحدة تمثل تنبيها ً ألصحاب الهمم العالية ،واستنهاضا ً وتحريكا ً لمن قصرت بهم هممهم عن الحرص
على معالي األمور ،وفيها اإليجاز ،و وضوح الفكرة –قدر المستطاع. -
الهمة في اللغة :ما هم به من األمر ليفعل.
الهمة في االصطالح :الباعث على الفعل ،وعرف بعضهم علو الهمة بأنه :استصغار ما دون النهاية من
معالي األمور .قال الشاعر مصورا ً طموح المؤمن
إذا كنت في أمر مروم *** فال تقنع بما دون النجوم
وعرف ابن القيم علو الهمة بقوله :علو الهمة أال تقف -أي النفس -دون هللا وأال تتعوض عنه بشيء سواه
وال ترضى بغيره بدالا منه وال تبيع حظها من هللا وقربه واألنس به والفرح والسرور واالبتهاج به بشيء
من الحظوظ الخسيسة الفانية ،فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور ال يرضى بمساقطهم
وال تصل إليه اآلفات التي تصل إليهم ،فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول اآلفات إليها ،وكلما نزلت
قصدتها اآلفات .
الحث على علو الهمة والتحذير من سقوطها :
قال الخليفة عمر الفاروق رضي هللا عنه" :ال تصغرن همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته
وقال ابن القيم" :ال بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه".
وقال ابن نباتة رحمه هللا :
حاول جسيمات األمور وال تقل *** إن المحامــد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا *** عن غاية في الطالب سباق
أقسام الهمة :
سم الهمة تقسيمين فتقسم من حيث الرفعة وضدها إلى عالية وساقطة. تُقَ َّ
وتقسم من حيث االستعداد الفطري إلى وهبية ومكتسبة.
وليس معنى أن منها ما هو فطري أنها ال سبيل لزيادة رفعتها بل هي مثل باقي الصفات العقلية والخلقية
كالذكاء والذاكرة وحسن الخلق .قال ابن القيم" :وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع اآلدمي ،وإنما
سل المنعم أو كسالا تقصر بعض الهمم في بعض األوقات فإذا حثثت سارت ومتى رأيت في نفسك عجزا ا فَ َ
فالجأ إلى الموفق ،فلن تنال خيرا ا إال بطاعته ،ولن يفوتك خير إال بمعصيته".
مراتب الهمم :
عن أبي كبشة قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :ثالثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا ا فاحفظوه ما نقص
مال من صدقة ،وال ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إال زاده هللا عزا وال فتح عبد باب مسألة إال فتح هللا عليه
باب فقر ،أو كلمة نحوها ،وأحدثكم حديثا ا فاحفظوه قال :إنما الدنيا ألربع نفر :عبد رزقه هللا ماالا وعلما ا فهو
يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم هلل فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه هللا علما ا ولم يرزقه ماالا
فهو صادق النية ،يقول :لو أن لي ماالا لعلمت بعمل فالن فهو بنيته فأجرهما سواء ،وعبد رزقه هللا ماالا ولم
يرزقه علما ا فهو يخبط في ماله بغير علم ال يتقي فيه ربه وال يصل فيه رحمه وال يعلم هلل فيه حقا فهذا
بأخبث المنازل ،وعبد لم يرزقه هللا ماالا وال علما ا فهو يقول لو أن لي ماالا لعملت فيه بعمل فالن فهو بنيته
فوزرهما سواء ،قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح"
وعلى نحو هذا التقسيم والتمثيل النبوي ينقسم الناس وتتفاوت منازلهم في الهمة:
.1منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس لـه همة في الوصول إليها ويصدق عليه قول الشاعر :
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غالبا
.2ومنهم من ال يطلب إال سفاسف األمور ودناياها ويجتهد في تحصيلها ،وهذا –إن اهتدى– يكون سباقا ً
للخيرات" :خياركم في الجاهلية خياركم في اإلسالم إذا فقهوا".
.3وفريق ساقط الهمة يهوى سفاسف األمور ويقعد به العجز عنها ،فهو من سقط المتاع وهو كمن وصف
الشاعر :
إني رأيت من المكارم حسبكم *** أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم يوما *** في مجلس أنتم به فتقنعوا
.4وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه هللا ورسوله فهنيئا ً له ومن أمثالهم األسلمي وعكاشة بن
محصن وبين كل مرتبتين مراتب كثيرة تتفاوت فيها الناس تفاوتا ً بينا.
وإذا استعرضنا التاريخ نجد أن العلية من الناس والقادة الذين تركوا أثرهم في التاريخ هم أصحاب الهمم
العالية.
ومن أمثلتهم في القديم:
.1ربيعة بن كعب األسلمي الذي قال لـه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :سل" فقال :أسألك مرافقتك في
الجنة....
.2عكاشة بن محصن بادر فقال " :ادع هللا أن يجعلني منهم...".
.3أبو بكر الذي قال" :ما على من دعي من تلك األبواب من ضرورة فهل يدعي أحد من تلك األبواب كلها ،
قال نعم وأرجوا أن يكون منهم...".
.4أبو هريرة قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لـه" :أال تسألن من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟
فقلت :أسألك أن تعلمني مما علمك هللا فنَزع نَم َرةا كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى
نمل يدب عليها فحدثني حتى إذا استوعب حديثه قال اجمعها فصرها إليك فأصبحت ال أسقط حرفا ا مما
حدثني"
.5قصة ابن عباس مع صاحبه األنصاري الذي طلب منه ابن عباس أن يرافقه في جمع العلم على أصحاب
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
قال محمد بن حسن في كتابه الهمة طريقك إلى القمة ص " : 22 – 21وترى اليوم من تفاوت الهمم أمرا ا
عجباا ... ،فإذا اطلع المرء على أحوال الخاصة من المسلمين وهم طالب العلم والدعاة وباقي الملتزمين
بشرع هللا الحريصين عليه سيصاب بالدهشة لما يراه من فتور الهمم ...فمنهم من إذا اطلع ساعة أو
ساعتين في اليوم ظن أنه قد أتى بما لم يأت به األوائل ومنهم من إذا خرج لزيارة فالن من الناس بقصد
الدعوة يظن أنه قد قضى ما عليه من حق يومه ،ومنهم من تتغلب عليه زوجه وعياله فيقطع عامة وقته
في مرضاتهم ،ومنهم من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض األشرطة ،وحضور محاضرة أو
اثنتين في األسبوع أو الشهر ،ومنهم من غلب عليه الركون إلى الدنيا والتمتع بمباحاتها تمتعا ا يفضي به
إلى نسينا المعاني العلية ،ومنهم من يقضي عامة وقته متشبعا ا لقطات إخوانه ومطلعا ا على ما يزيد علمه
رسوخا ا في هذا المجال ...وال أزعم أن جمهور الصحوة قد فاتهم أن يكونوا ممن يجمع الشمل ويقصر
االعتذار والشكاية ويصبح نموذجا ا يحتذى به ،ولكن أقول جازما ا بأنهم – إال القليل – لم يستثمروا هممهم
حق االستثمار ،ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم حق االرتقاء".
ومن أمثلة هذا الرهط القليل حسن البناء الذي سأله مدرسه عن أعجب بيت قالته العرب إليه فقال قول طرفة :
تى؟ خ ْلت أنني *** عنيت فَلَ ْم أ ْك َ
س ْل ولم أتَبَلَّد إذا القوم قالوا :من فَ ا
وأوى ليلة إلى فراشه بعد نصب شديد فأخذ ورقة وقلما وجعل يكتب مقاالً ينشره في الجريدة فدخل عليه أحد
المقربين منه المشفقين عليه فوعظه في نفسه فرد عليه في ذلك أجمل رد.
وهذا الشيخ ابن باز قضى خمسين سنة من عمره الوظيفي لم يتمتع بإجازة ،وذلك الشيخ :غالل الفاسي يقول :
أبعد بلوغي خمس عشرة ألعب *** وألهو مع الالهين حولي وأطرب
ولي نظر عال ونفس أبية *** مقاما ا على َهام ال َم َج َّرة ت َ ْطلب
ثمرات الهمة العالية :
)(1تحقيق كثير من األمور التي يعدها عامة الناس خياالً يتحقق ومن أمثلة ذلك بناء أمة مؤمنة في الجزيرة
العربية التي يشيع فيها الجهل والشرك وذلك في فترة وجيزة ،وابن ياسين استطاع أن يقود بعصابة قليلة من
أصحابه المربِّّيين دولة انتصرت على جيوش األسبان بعد استشهاده ،واإلمام حسن البنا نادى في أمته الميتة
بأمور اعتبرت من الخياالت وهو القائل" :أحالم األمس حقائق اليوم وأحالم اليوم حقائق الغد"
)(2الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد.
قال معاذ رضي هللا عنه على فراش الموت" :اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا وال طول
المكث فيها لجري (لعله لكري) األنهار وال لغرس األشجار ،ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل
وظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر".
)(3البعد عن سفاسف األمور ودناياها:
فر عبد الرحمن الداخل إلى األندلس من العباسيين أهديت إليه جارية جميلة فنظر إليها وقال" :إن هذه من لما َّ
القلب والعين بمكان وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها ،وإن اشتغلت بها عن ما أطلبه ظلمت
همتي ،وال حاجة لي بها اآلن وردها على صاحبها".
)(4صاحب الهمة العالية يعتمد عليه وتناط به األمور الصعبة وتوكل إليه:
وهذا أمر مشاهد معروف فإن المديرين والرؤساء عادة يطمحون للعمل مع صاحب الهمة العالية ويستعدون
للتضحية معه حتى ولو كلفهم ذلك الكثير .وقد قيل" :ذو الهمة وإن حط نفسه تأبى إال العلو ،كالشعلة من
النار يخفيها صاحبها وتأبى إال ارتفاعا ا".
)(5صاحب الهمة العالية يستفيد من حياته أعظم استفادة وتكون أوقاته مثمرة بناءة.
وقال اإلمام ابن عقيل الحنبلي :إني ال يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة
ومناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح".
وكان اإلمام النووي يقرأ كل يوم اثني عشر درسا ً شرحا ً وتصحيحا ً ،ويقول لتلميذه بارك هللا في وقتي.
اردِّن" :كل رجل ناجح لديه نوع من الشباك يلتقط به نحاتات وقراضات الزمان ،ونعني بها ويقول دَ .م ْ
فضالت األيام واألجزاء الصغيرة من الساعات مما يكنسه معظم الناس بين مهمالت الحياة .وإن الرجل
الذي يَدَّخر كل الدقائق المفردة وأنصاف الساعات واألعياد غير المنتظرة والفسحات التي بين وقت وآخر ،
والفترات التي تنقضي في انتظار أشخاص يتأخرون عن مواعيد مضروبة لهم ،ويستعمل كل هذه األوقات
ويستفيد منها ليأتي بنتائج باهرة يدهش لها الذين لم يفطنوا لهذا السر العظيم الشأن".
)(6صاحب الهمة العالية قدوة للناس.
)(7تغيير طريقة حياة الشعوب واألفراد:
يقول الشيخ محمد الخضر حسين" :يسموا هذا الخلق بصاحبه إلى النهايات من معالي األمور فهو الذي
ينهض بالضعيف فإذا هو عزيز كريم ،ويرفع القوم من السقوط ويبدلهم بالخمول نباهة وباالضطهاد حرية
وبالطاعة العمياء شجاعة أدبية ...أما صغير الهمة فإنه يَيْصر بخصومه في قوة وسطوة فيذوب أمامهم
رهبة ،ويطرق إليهم رأسه حطة ثم ال َي ْل َبث أن يسير في ركبهم ويسابق إلى حيث تحط أهواؤهم"
وسائل ترقية الهمة :
.1المجاهدة :قال تعالى" :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".
.2الدعاء الصادق وااللتجاء إلى هللا سبحانه وتعالى.
.3اعتراف الشخص بقصور همته .وهذا يستلزم أيضا ً أن ال ينكر أنه قادر على تغيير همته وتطويرها إلى
األحسن.
.4قراءة سيرة السلف الصالح.
يقول ابن القيم ..." :ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية فإذا هو يحتوي على نحو
ستة آالف مجلد وفي ثبت كتب أبي حنيفة وكتب الحميدي و ...فاستفدت بالنظر فيها من مالحظة سير القوم
وقدر هممهم وحفظهم وعبادتهم وغرائب علومهم ما ال يعرفه من لم يطالع فصرت أستزري ما الناس فيه
وأحتقر همم الطالب وهلل الحمد".
ً َ ً
سحرا آلخذ النوبة على ابن األ ْخ َر ِّم فوجدت قد سبقني ثالثون قارئا ولم وقال محمد بن علي األسلمي :قمت ليلة َ
تدركني النوبة إلى العصر
.5مصاحبة صاحب الهمة العالية.
.6مراجعة جدول األعمال اليومي ومراعاة األولويات واألهم فالمهم.
.7التنافس والتنازع بين الشخص وهمته.
ومعنى ذلك أن على مريد تطوير همته أن يحمل نفسه أعبا ًء وأعماالً يومية لم تكن موجودة في حياته بحيث
يحدث نوع من التحدي داخل النفس ،ويجب أن تكون هذه اإلضافة مدروسة بعناية وإحكام حتى ال يصاب
الشخص باإلحباط.
.8الدأب في تحصيل الكماالت والتشوق إلى المعرفة يقول عمر بن عبد العزيز رحمهُ هللا" :إن نفسي تواقة
وإنها لم تعط من الدنيا شيئا ا إال تاقت إلى ما هو أفضل منه "...
.9االبتعاد عن كل ما من شأنه الهبوط بالهمة وتضييعها مثل:
أ – كثرة الزيارات لألقارب بدون هدف شرعي صحيح وال غرض دنيوي فيه فائدة معتبرة.
ب – كثرة الزيارات لألصحاب فيكثر المزاح وتقل الفائدة.
ج – االنهماك في تحصيل المال بدعوى التجارة وحيازة المال النافع لإلسالم وأهله ،ثم ينقلب األمر إلى
تحصيل محض للدنيا وانغماس فيها.
د – تكليف الموظف نفسه بعملين صباحي ومسائي دون ضرورة لذلك.
هـ -كثرة التمتع بالمباحات.
و – االستجابة للصوارف األصرية استجابة كلية أو شبه كلية.
يقول محمد بن حسن موسى" :وقد دخلت علينا في حياتنا األسرية كثير من التقاليد الغريبة في أمر االحتفاء
الزائد باألهل واألوالد ودعوى ضرورة بناء مستقبلهم وغير ذلك مما حاصله نسيان الكفالة اإللهية
والضمان الرباني".
ز – التسويف قال الشاعر :
غدوال أؤخر شغل اليوم عن كسل *** إلى غد إن يوم العاجزين َ
ح – الكسل والفتور.
أودَع لكنها أوضع والقعود حيث قام الكرام أسعل لكنه أسفل" قال الصاحب" :إن الراحة حيث تعب الكرام ْ
وقال الشاعر :
كأن التواني أنكح العجز بنته *** وساق إليها حين أنكحها مهرا
فراشا ا وطيئا ا ثم قال له اتكئ *** فَقصْراكما ال شك أن تلدا فقرا
ط – ُمالحظة الخلق وتقليدهم واالئتساء بهم ،فأكثر الخلق مفرطون.
مظاهر علو الهمة :
.1تحرقه على ما مضى من أيامه وكأنه لم يكن قط صاحب الهمة المتألق المنجز لكثير من األمور.
.2كثرة همومه وتألمه لحالة المسلمين.
.3مواالته النصيحة وتقديم الحلول واالقتراحات لمن يرجو منهم التغيير واإلصالح.
.4طلبه للمعالي دائما ً.
.5كثرة شكواه من ضيق الوقت.
ً ً
.6قوة عزمه وثبات رأيه وقلة تردده ،فهو إذا قرر أمرا راشدا ال يسرع بنقضه ،بل يستمر فيه ويثبت
عليه حتى يقضيه ويجني ثمرته ،وال شك أن كثرة التردد ونقض األمر من بعد إبرامه من عالمات
تدني الهمة .
لكل إلى شأو العال حركات *** ولكن قليل في الرجال الثبات
كيفيَّة استثمار همم الناس :
للناس ثالثة أقسام:
.1قسم ضائع مضيع يترك إلى حين إفاقته.
.2قسم محافظ على الفرائض.
oفهذا القسم إن كان من أهل اليسار والغنى يوجه إلى المشاركة والتنافس في أعمال الخير
العامة مثل بناء المساجد وإغاثة المنكوبين ومساعدة الجمعيات والهيئات اإلسالمية الخيرية.
oإن كانوا من ذوي الدخول المتوسطة يوجهون إلى سماع الدروس والخطب التي يعدها
خطباء مرموقون.
oتوجيه الشباب وتحميسهم للمشاركة في الجهاد.
oالتوضيح والتنبيه والقيام بالنصيحة وبيان أن باستطاعتهم توجيه جهودهم إلى ما هو أنفع.
oتوجيههم للقراءة النافعة.
.3قسم – وهو المعول عليه بعد هللا سبحانه وتعالى – ملتزم بدينه ومحافظ عليه يطمح إلى القيام بما
يجب عليه وهذا يوجه إلى:
oاالنتساب إلى جمعية أو هيئة لها برنامج عمل محدد.
oاالنتساب إلى جماعة إسالمية صالحة من الجماعات المنتشرة في العالم اإلسالمي تعمل بجد
وإخالص إلقامة دين هللا سبحانه وتعالى.
oتوعية الشخص المنصوح بأن يختار لنفسه مجاالً يبدع فيه.
محاذير أمام أهل الهمم العالية :
.1صاحب الهمة العالية تحلق به همته دائما ً فتأمره بإنجاز كثير من األعمال المتداخلة في وقت واحد
كلّه بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من فليطعها بقدر وال يستبعد ما تأمره به وفي الوقت نفسه ال يَقُ ْم به ِّ
إسعاف همته له بالقيام به.
ً
.2صاحب الهمة العالية معرض لنصائح تثنيه عن همته وتحاول أن تذكره دائما بأنه ما جعل هللا لرجل
من قلبين في جوفه ...فالحصيف ال يلتفت إلى هذه النصائح إال بقدر .قال ابن نباتة السعدي :
أعاذلتي على إتعاب نفسي *** ورعيي في الدجى روض السهاد
إذا شام الفتى برق المعالي *** فأهون فائت طيب الرقاد
.3صاحب الهمة معرض لسهام العين والحسد فعليه باألذكار المأثورة ليدرأ عن نفسه ما قد يصيبه.
فترة وضعف قليل لما يراه من تدني همم غالب الخلق فال يحزن وليوطن نفسه .4صاحب الهمة تعتريه ْ
على اإلحسان والنصيحة.
.5أهل الهمة العالية قد يكونون مفرطين في بعض األمور التي ربما ال يرون فيها تعلقا ً مباشرا ً بعلو
هممهم مثل حقوق األهل واألقارب ،فعلى من أصيب بشيء من ذلك أن يصلحه ولو بالقدر الذي يبعد
عنه سهام الالئمين.
.6قد تؤدي الهمة العالية بصاحبها إلى التحمس الزائد فيستعجل ويرتكب من األخطاء ما كان يمكن
تالفيه بقليل من التعقل وحساب العواقب ،وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية ،وأن
األمر ال يحسم بين عشية وضحاها.
.7أهل الهمة العالية قد يتعرضون إلثارة الخالفات الفقهية بينهم فينتج عن ذلك الذم والمقت ومن أمثلة
ذلك التعرض للجماعات اإلسالمية العاملة في الساحة ،ومن أصبح ذلك ديدنه فستتخلف همته وتقعد
به عن معالي األمور.
.8قد يتعرض صاحب الهمة إلى عدم المداومة مع أن أبرز سمات صاحب الهمة العالية المداومة وعدم
االنقطاع وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :أحب األعمال إلى هللا تعالى أدومها وإن قل"فهمة
ص َرى :لم أ َ َر ِّمثْل أبي
ص ْر َ
متوسطة العلو تدوم خير من همة عزيمة متقطعة يقول أبو المواهب بن َ
القاسم ابن عساكر وال من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة من لزوم
الصلوات في الصف األول إال من عذر واالعتكاف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع
إلى تحصيل األمالك وبناء الدور فقد أسقط عن نفسه ذلك ...وقال أبو العباس ثعلب" :ما فقدت
إبراهيم الحربي من مجلس لغة وال نحو خمسين سنة"
هذه الورقات ملخصة من كتاب الهمة طريق إلى القمة للشيخ محمد بن حسن بن عقيل موسى .
-----------------------------------
المحاضرات الفنية
بسم هللا الرحمن الرحيم
-[2] - 1سيرة ابن هشام ، 134 – 130/2:البداية والنهاية إلبن كثير . 197 – 196/3:أصل حادثة صرافة هذه ذكرها البخاري في صحيحه حديث
رقم ، 3906 :ومسلم في صحيحة حديث - 2009:
-2الوادي - [1] . 204 -203/1 :ابن هشام ، 255 – 252/2:الواقدي -[1] . 51 – 40/1:الجندية في عهد الدولة األموية ،لألستاذ /وفبق الدق
دوقي . 175 :
وفي غزوة بدر بعث رسول هللا (ص) بسيس بن عمرو الجهني ،وعدي بن أبي الزغباء عينين ينظران ان ما
صنعت عير أبي سفيان ،بل قام رسول هللا (ص) بنفسه وأبوبكر الصديق رضي هللا عنه بهذا العمل المبارك ،
عمل االستخبار وجمع المعلومات عن العدو ،فخراجا ً متنكرين يستطعا أخبار قريش ،حتي وقفوا علي شيخ
من العرب فسأاله عن قريش ،وعن محمد ،وأصحابه ،وما بلغه عنهم ،فأخبرهم بذلك ،ثم رجعا ،فلما
أمسيا بعث عليا ً و الزبير وسعدا ً للغاية نفسها .
وقبل غزوة أحد أرسل مكتب مخابرات قرع مكة بقيادة العباس بن عبد المطلب إلي النبي (ص) أحد أفراد
المكتب برسالة خطيرة ،يخبره فيها عن وقت خروج قريش لقتاله ،وعن عدد قواتهم ،فأسرع حامل هذه
الرسالة الخطيرة بإيصالها إلي النبي (ص) حتي أنه قطع المسافة ما بين مكة و المدينة في ثالثة أيام .
فلما قراء اُبي بن كعب – رضي هللا عنه – طلب منه النبي (ص) فورا ً أال يبوح بمضمونها ألحد ،ثم أرسل
الرسول (ص) جماعات إستطالعية لتأتي له بأنبا التحرك قريش ،فخرج أنس و مؤنس أبن فضالة ،فوجداها
قد قاربت المدينة ،وأطلقت خيلها وإبلها ترعي روع يثرب [ 3.]1ثم بعث بعد ذلك أحباب بن المنذر فأتاه
بخبر قريش .ثم لم يلبث أن خرج سلمة بن سالمة فرأي قريشا ً تسير بخيلها حتي تكاد تدخل المدينة ،فرجع
إلي القوم يحدثهم بما رأي.4
والجدير بالذكر أن رسول هللا (ص) لم يكتف في العمل اإلستخباري وجمع المعلومات عن العدو بالمصادر
األصلية فقط ،بل أستعمل بعض المصادر المكتسبة في جمع المعلومات عن أعدائه ،فلقد قام بتجنيد بعض
القبائل المشركة لصالح اإلسالم و المسلمين في جمع المعلومات وإيصالها إليه فرأقرب وقت ممكن ،فمثالً
قبيل غزوة أحد بعث تميم األسلمي غالمه مسعود يخبر قريش ،وعددهم ،وعدتهم إلي رسول هللا (ص) ،
وأفرادا ً من جهينة وغيرها من القبائل المشركة ،التي استطاع (ص) أن يجندها في العمل اإلستخباري
اإليجابي و الوقائي ،وجعلها عيونا ً وجواسيس تابعة لمكتب المخابرات المركزية اإلسالمية في المدينة
المنورة .
وهكذا كانت سنة (ص) فقد أعطي الجانب األمني و األستخباري القدر األكبر من اإلهتمام في حركاته
وسكناته ،وسلمه وحربه – فداه أبي وأمي .
ففي غزوة الخندق أرسل (ص) حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبر القوم ،وآخر تطوراتهم وذلك بعد جهود الرجل
المجاهد الصحابي الجليل نعيم إبن مسعود ففعل ،وكذلك عندما خرج (ص) إلي الحديبية أرسل عينا ً يستطلع
أخبار قريش فجاءه بخبرهم علي التفصيل .
وأما في غزوة حنين فقد زرع (ص) مصدرا ً أصليا ً في صفوف هوازن لجمع المعلومات عن تحركاتهم
وعددهم وعدتهم ،فقام هذا المصدر وهو عبدهللا بن أبي حدد األسلمي بعملية إختراق لجسم هوازن بل
إستطاع أن يخترق مؤتمرا ً من أخطر المؤتمرات التي عقدت في خباء مالك قائد قوات هوازن المسلحة ،ثم
أخبر الرسول (ص) بما سمع من استراتيجيتهم للحرب و تكتيكهم !! فقداستمع إلي مالك وهو يحرض رجال
بقوله (:إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ،ثم شدوا عليهم شدة رجل واحد ) .
نمازج من العمل األمني في صدر اإلسالم :
العهد الراشدي :
وقد نهج أصحاب الرسول (ص) نهجه ،في اإلهتمام يعلم المخابرات اهتماما ً كبيرا ً ،ومن ذلك إعتنائهم بأمر
العيون و الجواسيس في الحرب و السلم أعتناء فائقا ً ،فهذا الصديق – رضي هللا عنه – خليفة رسول هللا
(ص) عندما وجه عمر بن العاص – رضي هللا عنه – إلي الشام أوصاه بإتخاذ العيون.
-3الجندية في عهد الدولة األموية ،لألستاذ /وفبق الدق دوقي . 175 :
-4الجيش و القتال في صدر اإلسالم . 126 :
فأما أمير المؤمنين الفاروق عمر – رضي هللا عنه فقد اكنا رائدا ً ومعلما ً في العمل اإلستخباري ،فلقد وصل
به حسه األمني ،ووعيه الديني ،وفقه الواقعي بطبيعة الصراع بين اإليمان و الجاهلية لدرجة أن بث عيونه
في كل م كان بحيث يجمعوا له المعلومات عن العدو الداخلي و الخارجي وتحركاته المشبوهة ،بل وصل به
الذكاء و الفطنة أن ينهي األعاجم من غير المسلمين عن دخول المدينة خشية التجسس وجمع المعلومات عن
قيادة المسلمين وعاداتهم . .وقد جاء في وصيته لسعد بن أبي وقاص – رضي هللا عنه – قبيل معركة القادسية
بأن ال يغيب عنه حال اعدائه ،وال ينقطع عنه خبرهم ،قوله :ياسعد (:إذا وطئت أرض عدوك فاذك العيون
بينك و بينهم ،وال يخف عليك من أمرهم شيئ ،وليكن عندك من العرب أو من أهل األرض من تطمئن إلي
نصحه وصدقه ،فإن الكذوب ال ينفعك خبره ،وإن صدقك في بعضه ،و الغاش عين عليك و ليس عينا ا
لك .5وأخذ سعد بتلك الوصية من أمير المؤمنين ابن الخطاب – رضي هللا عنهما – وعمل بها في جميع
مناشط حياته الجهادية ،ففي معاركه بأرض العراق كان من أبرز قيادات جهازه اإلستخباري طليحة بن
خويلد الذي استطاع أن يخترق جيش رستم ومعه تسعة من أفراد جهازه ،حيث قسمهم إلي مجموعتين:
طليحة بن خويلد علي خمسة ،وعمرو بن معدي كرب الزبيدي علي أربعة .6ولم يكتف سعد بتلك المعلومات
التي قدمت له من طرف طليحة ،بل استمر في إرسال عيونه إلي معسكرات الفرس ،وهكذا فعل في معركة
نهاوند وغيرها .وفي معركة اليرموك كان ألبي عبيدة – رض هللا عنه – عيونا ً داخل صفوف جيش الروم
يسترقون السمع ،ويرصدون المداخل و المخارج ،وأماكن القوة و الضعف و ذلك إمتثاالً ألمر أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي هللا عنه – في كتابه الذي أرسله إليه يأمره فيه بإستخدام العيون ،
واختراق الصفوف ،ومتابعة العدو ،فقد كتب له (:وابعث عيونك إلي أنطاكية ،وكن علي حزر من
المنتصرة ،والسالم عليك روحمة وعلي جميع المسلمين 7.
وكذلك استمر االهتمام بعلم االستخبارات و اتخاذ العيون و الجواسيس لجمع المعلومات عن األعداء في عهد
الصحابة – رضوان هللا عليهم ، -فهذا خالد بن الوليد – رضي هللا – القائد المغوار ،والعبقرية الفذة في
العمل العسكري علي وجه اإلجمال و االستخباري علي وجه الخصوص ،فلقد كان يرسل الطالئع ويقدم
العيون ويعتني بأمر ذلك أيما اعتناء ،حتي استطاع أن يجند لجهاز مخابراته المركزي من كل القبائل و
األقاليم ،حيث انضم إلي جهازه في تلك الفترة أكثر أفراد قبيلتي طيء ومذحج الذي كانوا يتقنون فن االختراق
و التقمص خاصة في جسم العدو الرومي النصراني .ويقول الوادي – رحمة هللا – في ذلك (:وكانت العيون
من المسلمين من بني طيء ومزحج ينزلون ويتزينون بزي العرب المنتصرة يتحسسون األخبار حتي
اختلطوا بالعساكر المذكورة -الروم – وكانوا حذاقا ا متفرسين .فلما رأوا ذلك هالهم أمره . ) ...
وهكذا أستمر ابوعبيدة وخالد – رضي هللا عنهما – في تجنيد حديثي العهد باإلسالم في مهام
إستخبارية كما ذكر ذلك الواقدي بفوله علي لسان أبي عبيدة وهو يحدث حديثي اإلسالم (:ولو ال تكتمو عنا
خيرا ا تكونون تعلمونه من أعدائنا وال تتركوا جاسوسا ا بتجسيس علينا ) .وهذا المثال يمكن ربطه في
الجامعات بحديثي التجنيد في الحركة االسالمية ،يمكن إستعمالهم كمصادر ،أو يتجسس علينا ،وكذلك
إعتمد معاوية بن أبي سفيان – رضي هللا عنه – في فتحه لمدينة قيسارية علي أألعمال االستخبارية أكثر من
أعمال المواجهة الشاملة ،حيث إستطاع أن يجند في ساحة المعركة عميالً يهوديا ً و يستميبه لصالح جهاز
مخابراته مقابل منحه وأهله األمان ،فقد كان له مأ أراد حيث قدم هذا األمير اليهودي بعد ذلك معلومات دقيقة
كانت السبب الرئيسي في سقوط تلك المدينة في أيدي المسلمين !! .
والسياسة بهذا البيان لفظة عربية أصيلة( ،)9والسياسة لغة ال تنحصر فيما يتعلق بالدولة وأمور الحكم ،وإنما
هي القيام على الشيء ـ بما يحمله لفظ الشيء من العموم والشمول ـ بما يصلحه فيجلب له المنافع أو األمور
المالئمة ،ويدفع عنه المضار أو األمور المنافية ،ويتحدد لفظ السياسة بما يضاف إليه ،فإذا أضفنا السياسة إلى
الرعيَّة كان معنى ذلك القيام على شؤون الرعيَّة ـ من قِّبَل والتها ـ بما يُصلح تلك الشؤون ،ووسيلة ذلك األمر
والنهي واإلرشاد ،إضافة إلى الترتيبات اإلدارية والنظامية التي تؤدي إلى تحقيق مصالح الرعية وجلب
المنافع لهم ودفع المضار عنهم ،يقول ابن تيمية ـ رحمه هللا ـ عن «العلم بالسياسة»« :علم بما يدفع المضرة
عن الدنيا ويجلب منفعتها»(.)10
والسياسة نوعان :سياسة عقلية؛ يكون تدبير مصالح الرعية فيها موكوالً إلى العقل البشري ،وتُس ّمى أيضا ً
سياسة مدنية .وسياسة شـــرعية؛ يكون تدبير مصالح العباد فيها بمقتضــى النصوص الشــرعية ،وبما دلت
عليه أو أرشدت إليه ،أو استنبطه العقل البشري مما يحقق مقاصد الشريعة(.)11
وقد استخدم الفقهاء لفظ «السياسة» في مصنفاتهم وأرادوا منها عدة معان:
1ـ األحكام الشرعية المتعلقة بأداء األمانات في الواليات واألموال ،والحكم بالعدل في حدود هللا وحقوقه،
وفي حقوق اآلدميين(.)12
2ـ ما يسنّه والة األمر مجتهدين فيه ـ من األمور التي تكون الرعيَّة معه أقرب إلى الصالح وأبعد عن الفساد،
وإن لم يرد بذلك نص ما دام أنه يحقق المقاصد الشرعية ،وال يخالف أدلة الشرع التفصيلية( ،)13وهو ما يعني
العمل بالمصالح المرسلة.
3ـ التعزيز والزجر والتأديب( ).
14
- 8انظر :اتج العروس ،حملمد مرتضى الزبيدي ( ،)169/4لسان العرب ،أليب الفضل حممد بن منظور.)108/ 6( ،
-9خالفاً ملا ذكره بعض املؤلفني من أهنا لفظة غري عربية يف األصل ،انظر :اخلطط ،للمقريزي.)220 /2( ،
-10جمموع الفتاوى.)493/4( ،
-11انظر :مقدمة ابن خلدون( ،ص ،)170طبعة دار الشعب ،بدون اتريخ ،مصر.
-12انظر :جمموع الفتاوى البن تيمية 24/28( ،ـ ،)245رسالة (السياسة الشرعية يف إصالح الراعي والرعية).
-13انظر :إعالم املوقعني عن رب العاملني ،البن القيم ،)372/4( ،حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد ،املكتبة العصرية ـ
صيدا ،لبنان.
ونخلص من كل ما تقدم إلى أن السياسة كلمة يدخل تحتها ـ في اصطالح علماء اإلسالم ـ مجموعة من
األحكام الشرعية ،سواء منها ما يثبت بدليل خاص أو باجتهاد ،يؤدي العمل بها إلى جلب الخير والصالح
لجماعة المسلمين وإلى دفع الشر والفساد عنهم ،ولم تكن تعني االقتصار على األحكام المتعلقة بالدولة
اإلسالمية؛ من حيث شكل الدولة أو نوعها أو طبيعة السلطة فيها ومصدرها وكيفية ثبوتها وانتقالها ،وشروط
القائمين على رأس الدولة والجهة التي لها حق تعيينهم أو عزلهم ،والحقوق والواجبات المتبادلة بين الحكام
والمحكومين ،وغير ذلك من األحكام المتعلقة بالدولة.
ً
لكنه حدث في العصر الحديث نوع من التخصيص لمدلول لفظ «السياسة» ،ولم يعد يُفهم منه اصطالحا ما
قدمناه سابقاً ،وإنما صار يُفهم منه ما يتعلق بحكم الدول ،وقد وردت عدة تعريفات للسياسة في االصطالح
المعاصر؛ منها« :السياسة :معرفة كل ما يتعلق بفن حكم دولة وإدارة عالقاتها الخارجية»(.)15
«السياسة :علم الدولة ،..وتشمل دراسة نظام الدولة ،وقانونها األساسي ،ونظام الحكم فيها ،ونظامها
التشريعي ..كما تشمل هذه الدراسة النظام الداخلي في الدولة ،واألساليب التي تستخدمها التنظيمات الداخلية ـ
كاألحزاب السياسية ـ في إدارة شؤون البالد أو للوصول إلى مقاعد الحكم»(.)16
وهناك اختالف في تعريف السياسة في االصطالح المعاصر ،حتى إنه ليصعب صياغة تعريف واحد يوافق
عليه الجميع ،إال «أن هناك قدرا ً متيقنا ً متفقا ً عليه لتحديد مدلول السياسة ،أال وهو أنها تتعلق بالسلطة في
الدولة»(.)17
تعريف النظام:
النظام لغة :الخيط الذي يُنظم به اللؤلؤ ،وكل خيط يُنظم به لؤلؤ أو غيره فهو نظام ،ونظام كل أمر مالكه،
ظم :نظمك الخرز بعضه إلى بعض في نظام واحد ،كذلك هو في كل شيء حتى يقال :ليس ألمره نظام؛ والنَّ ْ
أي ال تستقيم طريقته ،وكل شيء قرنته بآخر أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نظمته ،والنظام :العقد من
الجوهر والخـرز ونحــــوهما ،والنظام :الهدي والســيرة ،وليس ألمرهم نظام؛ أي ليس لهم هـــدي وال
متعلــق وال استقامة ،وما زال على نظام واحد؛ أي عادة(.)18
يتبين بما تقدم أن لفظ «النظام» يُطلق لغة على األشياء المضموم بعضها إلى بعض ،كما يطلق على الشيء
الجامع لتلك األشياء؛ على أن يراعى في ذلك الضم :الترابط الذي ليس فيه تنافر ،واالستقامة التي ال يصحبها
عوج ،واالطراد الذي ال يعتريه ُخ ْلف ،وبذلك يمكننا القول بأن النظام :هو مجموع األشياء المترابطة المتناسقة
المتآلفة التي يكون لها ثبات واطراد.
فإذا أردنا تعريف النظام السياسي بالنظر إلى لفظه؛ قلنا :هو مجموعة الخطوات أو اإلجراءات المتناسقة التي
يتم من خاللها تدبير األمور وتسييرها بطريقة صالحة .وإذا أردنا تعريفه بالنظر إلى أنه لقب على كيفية حكم
-انظر :معني احلكام فيما يرتدد بني اخلصمني من األحكام ،لعالء الدين الطرابلسي( ،ص ،)169وما بعدها ،وانظر :أيضاً
14
-19هناك عدة تعريفات للنظام السياسي يف الفكر اإلنساين؛ منها« :جمموعة من القواعد واألجهزة املتناسقة املرتابطة فيما
بينها ،نِ
تبني نظام احلكم ووسائل إسناد السلطة وأهدافها وطبيعتها ومركز الفرد منها ،وضماانته قبلها ،كما حتدد عناصر القوى
املختلفة اليت تسيطر على اجلماعة وكيفية تفاعلها مع بعضها ،والدور الذي تقوم به كل منها»( ،النظم السياسية) ،د/ثروت
بدوي( ،ص ،)11ومنها« :القواعد األساسية اليت يتعارف عليها سكان كل دولة ،واختيارهم لشكل احلكم فيها ،والسلطات
املخولة ألجهزهتا اإلدارية عند مباشرهتا الختصاصها ،وسلطات احلاكم يف عالقته هبم ،ومدى حقوقهم والتزاماهتم قبل الدولة»
(النظم السياسية واحلرايت العامة) ،د /أبو اليزيد على املتيت( ،ص .)5
-20انظر :األحكام السلطانية أليب احلسن املاوردي الشافعي ( 364ـ 450هـ) ،األحكام السلطانية ،أليب يعلى حممد الفراء
احلنبلي ( 380ـ 458هـ) ،غياث األمم يف التياث الظلم ،إلمام احلرمني أيب املعايل عبد امللك بن عبد هللا بن يوسف اجلويين
( 419ـ 478هـ) ،اخلراج ،أليب يوسف يعقوب بن إبراهيم ( 113ـ 182هـ ) ،وغريها كثري ،هذا غري الكتب املعاصرة،
وانظر :مقدمة حتقيق غياث األمم.
األحكام العامة التي ال تعتمد على األحكام التفصيلية وإنما تعتمد على القواعد العامة ،أو ما يسمى في لغة
القانون بـ (القانون العام).
يقول الدكتور السنهوري في رسالته حول فقه الخالفة " :تدخل أحكام الخالفة (نظام الحكومة) بطبيعتها في
نطاق علم الفروع – وعلى وجه التحديد في شق المتعلق بالقانون العام (والقانون الدستوري) رغم أن الفقهاء
يعتبرونها من مباحث علم الكالم .
ونحن ال نشك في وج ود (قانون عام) في الفقه اإلسالمي ،وإن كان فقهاؤنا لم يستعملوا هذه المصطلحات ولم
يقروا بوضوح التفرقة الموجودة في القوانين الحديثة بين القانون العام والقانون الخاص ،بل ساروا على بحث
المسائل المتعلقة بهذين الفرعين معا ً دون تمييز كل منهما عن اآلخر فنجدهم يدرسون العقود مع الحدود إلى
جانب اإلدارة ونظام القضاء والواليات (ومن بينها والية الحكم ونظام الحكومة) ،لذلك فإن تحديد نطاق
(القانون العام) في الفقه اإلسالمي واستنباط قواعد التنظيم الدستوري أو اإلداري ،أو الدولي ،على أسس
مستقلة ومتميزة عن القانون الخاص ،مهمة شاقة وعسيرة ألنها محاولة جديدة على الفقه اإلسالمي.
وهناك عامل آخر يزيد من صعوبة هذه المهمة هو أن مسائل القانون العام لم تحظ من الفقهاء المسلمين في
العصور السابقة بنفس العناية التي بذلوها لمسائل القانون الخاص"(.)9
ومن هنا فإن من الخطأ البحث في الفقه اإلسالمي عن جوانب السياسة بصورتها التفصيلية القديمة منها
والمعاصرة ،وهذا ما وقع فيه كثير من الباحثين المسلمين وغيرهم ،المقتنعين بفكرة النظام السياسي اإلسالمي
والرافض لها حين استخدموا قوالب وأدوات محددة للبحث في هذا الشأن فغلب عليهم التاريخ أكثر من غلبة
الفقه ،إذ أن معظم ما تم استخالصه من النظام السياسي اإلسالمي هو وقائع تاريخية يمكن موافقتها للقاعدة
الشرعية العامة (التي هي األصل في أحكام السياسة) ويمكن مخالفتها ،وهذا ما ذهب إليه بعض الباحثين
المسلمين حين اعتمد على التاريخ وجعل أفعال الخلفاء والحكام والسالطين بمنزلة الحكم الشرعي أو األصل
في المسألة على الرغم من مخالفة ذلك للقواعد اإلسالمية العامة ،ويبدوا الحرج األكبر عند محاولة إنزال هذه
الوقائع (األحكام) التاريخية منزلة التطبيق العملي المعاصر ،إذ ال يأتي الرفض من خارج هذه الوقائع
باعتبارها إسالمية فقط (لدى الرافضين) بل يأتي الرفض من داخل بنية الواقع ذاتها التي لم تعد صالحة
للتطبيق ،وكمثال على ذلك نجد في أحكام أهل الذمة نصوص لم تعد صالحة لهذا العصر كقول بعض الفقهاء
(أن أهل الذمة يمنعون من ركوب الحمر النفيسة)!! ،ومقابل هذا فإن استخدام أدوات وقوالب معاصرة ونفي
وجودها في ا إلسالم كدليل على نفي وجود نظام سياسي ،يحقق للرافضين غرضهم من الرفض هو خطأ كذلك
،في المقدمات والنتائج إذ يعتمد هؤالء أما على مقارنة خاطئة لتطبيقات مشابهة كالزعم بأن الشورى مناقضة
للديمقراطية – مثالً – لعدم وجود نظام انتخابي في اإلسالم ،أو ألن الشورى في اإلسالم هي ملهمة وليست
ملزمه كما هي في النظم السياسية المعاصرة ،أو القول بأن اإلسالم لم يعرف النظام السياسي ألنه لم يعرف
الدستور المتفق عليه ،وأن القول بدستورية القرآن الكريم هو قول ال يمكن تطبيقه في الوقت المعاصر لوجود
دساتير مكتوبة ومتفق عليها ،ولذلك نجد عند هؤالء الباحثين اهتمام واضح في القضايا (المشكلة) في النظام
السياسي اإلسالمي وليس في القواعد العامة التي يمكن أن تخرج المسألة من (المشكلة) إلى (الحل) – إن
محاولة كهذه هي دفع للنظام اإلسالمي السياسي للتحول إلى صورة من األنظمة األخرى وتفريغه من
مضمونه الديني (الشرعي) الذي يميزه عن غيره ،أو فصل هذه الجانب من اإلسالم ( فيما يسمى باإلسالم
السياسي )عن بقية الجوانب والتعامل معه معاملة أخرى تختلف عن بقية الجوانب كالجانب العقدي أو العبادي
أو األخالقي التي ال تجد مثل هذا الرفض بل نجد االهتمام والعناية بها وفي كال الحالتين يتحقق الهدف
المطلوب وهو القول بعدم وجود نظام سياسي إسالمي .إن فهم هذا النظام ال يمكن أن يتم إال بفهم شمولي
لإلسالم ،فاألحكام السياسية اإلسالمية وإن كانت قائمة على القواعد العامة دون تفصيالتها إال أنها مرتبطة
بالجوانب األخرى ارتباطا ً مباشرة إذ أن ذات النصوص واألحكام والقواعد العامة التي تحكم جوانب العقيدة
والعبادة واألخالق ،هي ذاتها التي تحكم المعامالت والسياسة ألن مرجعيتها واحدة وهي الكتاب والسنة
النبوية ،وإذا كانت جوانب العقيدة والعبادة واألخالق قد شملتها األحكام التفصيلية أكثر من المعامالت
والسياسة فألن األولى أكثر استقرارا ً وثباتا ً من األخرى (وخاصة السياسة) التي من طبيعتها التغير والتبدل
داخل اإلطار األوسع وهو القواعد العامة.
وإذا تبين موقع السياسة في النظام اإلسالمي الشامل نجد أن من الصعوبة مقارنته بأنظمة أخرى يمكن
اجتزائها وفصلها عن سياق المجتمع ،إذ ال يمنع النظام العلماني – مثال – أن تكون السياسة ملتزمة
بالديمقراطية في مجتمع ال ديني أو مجتمع ال تأثير للدين فيه ،بل يمكن الفصل بين السياسة والحياة بمجملها
بحيث تحكم السياسة ضوابط ومبادئ ليست هي الضوابط والمبادئ ذاتها التي تضبط المجتمع ،فعالقة السياسة
– مثال – باألخالق في المجتمعات غير اإلسالمية هي عالقة واهية إذ تغلب المصلحة على السياسة أكثر من
غلبة األخالق بينما يكون لألخالق شأن أوسع في معامالت الناس وعالقتهم ببعضهم البعض،أما في اإلسالم
فإن السياسة و أألخالق ترتبطان إرتباطا ً عضويا ،ومن هنا فإن هذه "التجرئة" غير ممكنة في النظام
السياسي اإلسالمي ألنه جزء من كل يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً مع بقية مكونات اإلسالم.
إن األنظمة السياسية هي جزء من فلسفة المجتمع التي يسير عليها ،وحيث أن فلسفة المجتمع اإلسالمي قائمة
على اإلسالم فمن غير المتصور فصل الجانب السياسي في المجتمع اإلسالمي وجعله وفقا ً لفلسفة مجتمعات
أخرى ،وليست هذه دعوة لرفض االستفادة من اآلليات والقوالب واألدوات و النماذج المتبعة في النظم
السياسة األخرى ولكن محاولة لفهم الجذور التي يقوم عليها المجتمع بحيث يستمد النظام السياسي فلسفته منها
حتى ال يقع تعارض بين السياسة والمجتمع أو بين السياسة و الدين .
إن محاولة وضع النظام السياسي اإلسالمي في نسق معرفي قائمة على مرجعية وفلسفة مختلفة هو محاولة
لتفريغ هذا النظام من مضمونه ،وفي هذه الحالة تصبح الحاجة إليه ضئيلة ،إذ يمكن استبداله بغيره من
األنظمة ،خاصة مع دعوى عدم التأصيل (كما فعل الشيخ على عبد الرازق) أو عدم المالئمة كما يفعل
(الليبراليون والعلمانيون).
لذا فإن فهم النظام السياسي اإلسالمي اليمكن أن يتم إال من خالل نظرية المعرفة اإلسالمية القائمة على
النصوص الشرعية سواء كانت تفصيلية (كما هي في العقيدة والعبادة واألخالق) أو من خالل األدلة والقواعد
العامة كما هي في السياسة.
فقد جاء القرآن الكريم والسنة النبوية ،بأحكام عامة تحتاج إلى أحكام تفصيلية التفصيلية ومن ذلك قوله تعالى
" وأمرهم شورى بينهم"(.)10
وقوله تعالىَ " :وشَا ِّو ْر ُه ْم فِّي األ َ ْم ِّر"(.)11
فهي من األحكام العا مة التي لم تفصل طريقة الشورى وال كيفيتها وال أحكامها ،وإنما أوجبت الشورى كحكم
عام وتركت بيان ذلك إلى األحكام التفصيلية األخرى ،ومثال ذلك ـ أيضا ـ قوله تعالى َ " :و ِّإذَا َح َك ْمتُم بَيْنَ
اس أَن تَحْ ُك ُموا ِّب ْال َع ْد ِّل" (. )12 النَّ ِّ
. ()13
وقوله تعالى َ " :يا أَيُّ َها الَّذِّينَ آ َمنُوا أ َ ْوفُوا بِّ ْالعُقُودِّ"
علَى كما جاءت آيات أخرى لتعطي أحكاما ً عامة في غير الشأن السياسي كقوله تعالى َ " :وت َ َع َاونُوا َ
ان"(. )14 اإلثْ ِّم َو ْالعُد َْو ِّ
علَى ِّ ىوالَت َ َع َاونُوا َال ِّب ِّ ّر َوالت َّ ْق َو َ
فلم تشر اآلية إلى تفصيل هذا التعاون وإ نما أشارت إلى قاعدة عامة في ذلك أي أن يقوم على البر والتقوى
ويتجنب اإلثم والعدوان.
ومثل تلك اآليات تتكرر كثيرا في القرآن الكريم ،لتعطي المسلمين حرية االجتهاد والبحث فيها وإنزالها إلى
الواقع وفقا ً للظروف والبيئات بما ال يخرجها عن نسقها العام.
ولعل من رحمة هللا بالمسلمين أن الجانب السياسي يدخل ضمن هذا النوع من األحكام ألنه أكثر األحكام حاجة
للتغيير والتطوير وفقا ً لحاجات الناس ومصالحهم وأمكنتهم وبيئاتهم.
ثم جاءت القواعد الكلية في الفقه اإلسالمي لتضع إطارا ً للعمل السياسي يستطيع السياسي والفقيه التحرك من
خالل ذلك اإلطار اجتهادا ً وبحثا ً وإعماالً للنصوص وتقديرا ً للمصلحة وفقا ً لتلك القواعد ،فهي كما يعرفها بن
نجيم بأنها "حكم كلي ينطبق على جميع جزيئاته أو أكثرها لتعرفأحكامها منه" وذكر عددا ً من القواعد التي
تسع العمل السياسي كقاعدة األمور بمقاصدها ،وقاعدة األصل في األشياء اإلباحة ،وقاعدة العادة محكمة ،
وقاعدة تصرف اإلمام على الرعية منوط بالمصلحة ،وغيرها من القواعد التي تؤصل لألحكام التفصيلية في
النظام السياسي (.)15
يقول األستاذ مصطفى الزرقا ـ رحمه هللا ـ "القواعد الفقهية هي من قبيل المبادئ العامة في الفقه اإلسالمي
التي تتضمن أحكاما ً شرعية عامة تنطبق على الوقائع والحوادث التي تدخل تحت موضوعاتها")16(.
إن البحث في النظام السياسي اإلسالمي يجب أن ال يقف عند النصوص وحدها بل البد له من استدالل الحكم
الشرعي ـ للفعل السياسي ـ من خالل القاعدة العامة وإنزالها منزلة التطبيق التفصيلي ،بما يحقق المصلحة ،إذ
المصلحة مقدرة في الشريعة اإلسالمية ما لم تعارض حكما ً صريحاً ،وال شك أن ذلك البحث يتأتى إال من
خالل فتح باب االجتهاد أو توسيعه في الشأن السياسي إذ أن إغالق هذا الباب أو تضييقه حرم األمة اإلسالمية
من تطوير نظامها السياسي بما يوافق الشرع ويتالئم مع الواقع ويحقق المصلحة الشرعية ،وقد وقع
المسلمون بسبب ذلك في حرج جعلهم يبحثون عن حاجاتهم السياسية أما من خالل وقائع تاريخية أو من خالل
مقارنة ذلك بما عند اآلخرين فمازال المسلمون يتساءلون إلى اليوم أيهما أولى في طريقة اختيار اإلمام
(الحاكم) هل هي االستخالف كما فعل أبو بكر الصديق رضى هللا عنه باستخالفه لعمر بن الخطاب رضى هللا
عنه ؟ ،أم عن طريق االختيار كما فعل عمر رضى هللا عنه باختيار ستة من الصحابة يتم االختيار من بينهم
بل إن الخالف ليضيق حول كم عدد الذين يمكن أن يتم االختيار بينهم هل هم كما حددهم عمر رضي هللا عنه
أم أكثر من ذلك!!.
ونسي هؤالء أن هذه من الوقائع التاريخية إذ أن ِّكال األمرين كان صالحا ً في وقته فاستخالف أبي بكر لعمر
رضى هللا عنهما جاء بسبب الظروف التي مرت بها الدولة اإلسالمية عند تولي أبي بكر رضي هللا عنه
الخالفة ،وما تبع ذلك من ح روب الردة التي كادت تؤدي بالدولة و بالنظام السياسي فيها ،بينما جاء فعل
عمر رضى هللا عنه موافقا ً للمرحلة التاريخية التي كان المسلمون يعيشونها عبر استقرار الدولة واتساعها
وتعدد مصادر المشاركة فيها.
ولذا فإن الوقوف عند هذه الوقائع التاريخية أو غيرها وعدم االجتهاد جعل الفقه السياسي يجمد عند تلك
الوقائع التاريخية أو غيرها ،ولم يبدأ تحركه إال مع المواجهة التي شهدها بعد سقوط الخالفة العثمانية.
لذلك فليس من المناسب أن نعيد الوقائع التاريخية أو أن نجعلها قياسا ً ثابتا ً أو حتى حكما ً شرعيا ً ال يمكن
مخالفته ،وفي هذا إجابة لكثير من التساؤالت مثل هل في اإلسالم انتخابات ،وما شكلها ،وما شروط الناخب
والمنتخب ،ومدة المجلس وفترة رئاسة الحاكم ،وغيرها من التساؤالت التي لن نجد لها إجابة تفصيلية في الفقه
السياسي اإلسالمي.
وهنا تبرز أهمية االجتهاد في الفقه السياسي اإلسالمي ،ولعل االجتهاد في هذا الباب من األوليات المعاصرة
في حياة المسلمين ،حتى يتم ملء الفراغ (الفقهي) الذي مروا به خالل العصور المتأخرة إذ أن الفقه السياسي
اإلسالمي ،ليس قائما ً على األدلة القطعية ـ كما بينا ـ بل هو متردد بين النفي واإلثبات كما يقول اإلمام
الشاطبي رحمه هللا "مجال االجتهاد المعتبر هو ما تردد بين طرفين وضح في كل منهما قصد الشارع في
اإلثبات في أحدهما ،والنفي في اآلخر ،فلم تنصرف آليته ـ إلى طرف النفي وال إلى طرف اإلثبات")17(.
ويقول اإلمام الغزالي رحمه هللا (المجت َ َهد فيه :كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي ،وما اتفقت عليه األمة من
جليات الشرع ،وفيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف ،فليس ذلك محل اجتهاد")18(.
بل إن عالما ً كشيخ اإلسالم ابن تيمية جعل االجتهاد جزء مما اشتمل علم الشرع فيقول:
"لفظ الشرع في هذه األزمنة ثالثة أقسام:
أحدهما الشرع المنزل ،وهو الكتاب والسنة ،واتباعه واجب من خرج عنه وجب قتله، -
ويدخل فيه أصول الدين وفروعه ،وسياسة األمراء ووالة المال ،وحكم الحكام ،ومشيخة
الشيوخ ،وغير ذلك فليس ألحد من األولين ،واآلخرين خروج عن طاعة هللا ورسوله.
والثاني الشرع المؤل وهو موارد النزاع واالجتهاد بين األمة ،فمن أخذ فيما يسوغ فيه -
االجتهاد أقر عليه ،ولم تجب على جميع الخلق موافقته ،إال بحجة ال مرد لها من الكتاب
والسنة.
والثالث :الشرع المبدل ،مثل ما يثبت من شهادات الزور ،أو يحكم فيه بالجهل والظلم بغير -
ً
العدل ،والحق حكما بغير ما أنزل هللا)19(.
ويشرح ابن القيم رحمه هللا الحكم المؤول بقوله" :وأما الحكم المؤول ،فهو أقوال المجتهدين المختلفة التي ال
يجب إتباعها ،وال يكفر وال يفسق من خالفها ،فإن أصحابها لم يقولوا :هذا حكم هللا ورسوله ،بل قالوا :اجتهدنا
برأينا ،فمن شاء قبله ،ومن شاء لم يقبله ،ولم يلزموا به األمة")20(.
ولهذا يقرر إمام الحرمين ـ رحمه هللا ـ أن اإلمامة أي السياسة هي موطن اجتهاد فيقول:
"ال ينبغي أن تُطلب مسائل اإلمامة من أدلة العقل ،بل تعرض على القواطع السمعية .وال مطمع في وجدان
نص من كتاب هللا تعالى في تفاصيل اإلمامة .والخبر المتواتر معوز أيضاً ،فآل مآل الطلب في تصحيح
المذهب إلى اإلجماع ،فكل مقتضى ألفيناه معتضدا ً بإجماع السابقين ،فهو مقطوع به ،فكل ما لم يصادف فيه
سائر الوقائع ،وليست
َ إجماعا ً اعتقدناه واقعة من أحكام الشرع ،وعرضناه على مسالك الظنون عرضنا
اإلمامة من قواعد العقائد ،بل هي والية تامة ،وعبارة معظم القول في الوالة والواليات العامة والخاصة
مظنونة في محل التأ َ ِّ ّخي والتحري ،ومن وفقه هللا تعالى وتقدس ،للوقوف على هذه األسطر ،واتخذها في
المعوصات مآبه ومثابة ،لم يعتض عليه معضل ،ولم يخف عليه مشكل،وسرد المقصود على موجب الصواب
بأجمعه ،وضع كل معلوم ومظنون في موضعه وموقعه")21(.
وم ن هنا يتبين أن قول القائلين بأن النظام السياسي اإلسالمي ال حقيقة له لعدم وجود نصوص محددة تصف
مكوناته قول مردود ،مثله مثل الذين يضعون صورة واحدة لهذا النظام كأن يشترطوا إلسالمية النظام
السياسي أن يكون نظام خالفة!!.
إن النظام السياسي اإلسالمي قائم على اإلجتهاد من خالل األحكام والقواعد العامة.
دورية
غير دورية
تحليلية إنجازات
يومية
أسبوعية
ربع سنوية
إدارية
نصف سنوية
سنوية